" الحديث أخرجه أحمد وعبد الرزاق بسند صحيح
بلفظ مسلم "! فقوله: " بلفظ مسلم " سهو، فلم يروه مسلم عن عبد الرحمن بن شبل
أصلا، لا بهذا اللفظ ولا بغيره، وإنما أخرجه عن أبي هريرة بنحوه دون قوله:
" فمن أجاب ... ".
2200 - " ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد ".
رواه تمام الرازي (217 / 2) عن بقية بن الوليد حدثنا مجاشع بن عمرو حدثني
منصور بن أبي الأسود عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قلت: وهذا
إسناد مقطوع وآفته من مجاشع، قال فيه ابن معين: " أحد الكذابين ". وقد
دلسه بقية مرة، فقد رواه أبو الحسن الحربي في " جزء من حديثه " (39 / 1) عن
بقية عن منصور بن أبي الأسود به. فأسقط مجاشعا من بينه وبين منصور، ثم عنعنه
. لكن روي من غير طريقه، فقال الطبراني (3 / 199 / 2) : حدثنا محمد بن أحمد
بن نصر الترمذي حدثنا عبادة بن زياد الأسدي أخبرنا زهير بن معاوية عن عبيد الله
بن عمر به. وبهذا الإسناد أخرجه في " الأوسط " (22 / 2 من ترتيبه) وقال:
" لم يروه عن زهير إلا عبادة ". قلت: وهو صدوق، لكن ابن نصر الترمذي ثقة
اختلط اختلاطا عظيما، له ترجمة في " التاريخ " (1 / 365 - 366) و " اللسان "
ولم يعرفه الهيثمي (2 / 24) وفي كلام الطبراني ما يشير إلى أنه لم يتفرد به
، فالسند جيد: وأما قول عبد الحق في " الأحكام " (33 / 2) : " ولا أعلم
قيل في مجاشع إلا صالح الحديث ".(5/234)
فلا أدري كيف وقع له هذا؟ فإنه خطأ محض! ثم
وجدت له طريق آخر عن ابن عمر أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (348) : حدثنا
محمد بن زكريا البلخي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حبيب بن غالب (كذا الأصل) عن
العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي عن ابن عمر به. وقال: " قال البخاري:
غالب بن حبيب أبو غالب اليشكري عن العوام بن حوشب، منكر الحديث. قلت: وكذا
أورده البخاري في " التاريخ الصغير " (184) لكنه وقع في سند هذا الحديث وفي
حديث آخر ساقه العقيلي عن شيخ آخر له عن قتيبة: " حبيب بن غالب " على القلب،
قال العقيلي: " هكذا ترجمة البخاري بـ " غالب بن حبيب "، وقد حدثنا عن قتيبة
هذان الشيخان - ما منهما إلا صاحب حديث ضابط - فكلاهما قالا عنه: " حبيب بن
غالب " ولا أحسب الخطأ إلا من البخاري وقد روي هذان الحديثان بغير هذا
الإسناد من وجه أصلح من هذا ". وقال الذهبي: " هو مجهول ".
2201 - " ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 73) وأحمد (1 / 256) وابنه أيضا وأبو يعلى (2 /
623) عن أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا
إسناد جيد وهو على شرط مسلم. وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما
عن جمع من الصحابة، قد(5/235)
خرجت بعضها في " ظلال الجنة " (914) و " الروض النضير
" (984) وفيما تقدم برقم (1895) .
2202 - " ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب ".
أخرجه الدارمي (2 / 301) وأحمد (5 / 360) عن أبي نضرة عن عبد الله بن مولة
عن بريدة الأسلمي مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن مولة،
فهو مجهول، لم يرو عنه غير أبي نضرة. لكن له شاهد من حديث أبي هاشم بن عتبة
مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد، وابن حبان (2478 - موارد) وغيرهما وهو مخرج في
" الترغيب " (4 / 124) .
2203 - " يكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا
القينات وضربوا بالمعازف ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (ق 153 / 1) عن أبي بكر الهذلي عن
أنس مرفوعا به. قلت: والهذلي هذا متروك. ثم رواه (154 / 1) عن عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم عن أحد ولد أنس بن مالك وعن غيره عن أنس به نحوه.
وابن زيد متروك أيضا.(5/236)
لكن الحديث روي من طرق يشد بعضها بعضا عن جمع من الصحابة
وعن غيرهم. الأول: سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به. يرويه عبد الرحمن بن زيد
بن أسلم عن أبي حازم عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا (152 / 2) .
الثاني: عن عمران بن حصين مرفوعا به. يرويه عبد الله بن عبد القدوس قال:
حدثني الأعمش عن هلال بن يساف عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا، والترمذي
(2213) وقال: " غريب ". قلت: يعني ضعيف، ورجاله صدوقون غير أن عبد الله
هذا كان يخطىء كما في " التقريب " فمثله يستشهد به.
الثالث: أبو أمامة الباهلي مرفوعا به نحوه. يرويه فرقد السبخي حدثني عاصم بن
عمرو البجلي عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا. ثم أخرجه (154 / 1) عن علي بن
ثابت عن فرقد السبخي عن أبي أمامة به. وأحمد (5 / 259) من الطريق الأولى.
وفرقد لين الحديث، كثير الخطأ.
الرابع: عائشة مرفوعا به. يرويه أبو معشر عن محمد بن المنكدر عنها. أخرجه
ابن أبي الدنيا (152 - 153) .(5/237)
وأبو معشر - اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي -
ضعيف. الخامس: علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه في حديث أوله: " إذا عملت أمتي
... ". يرويه الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي عنه. أخرجه ابن
أبي الدنيا (153 / 1) والترمذي (2211) وقال: " غريب، لا نعرفه إلا من
هذا الوجه، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه "
. وله طريق أخرى يرويه إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن التميمي عن عباد بن أبي
علي عن علي نحوه. قلت: وهذا سند رجاله موثقون، لكن لا أدري إن كان عباد هذا
سمع من علي؟
السادس: عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. يرويه سليمان بن سالم أبو داود قال:
حدثنا حسان بن أبي سنان عن رجل عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا (153 / 1 - 2) .
قلت: ورجاله موثقون غير الرجل الذي لم يسم، وأخرجه الترمذي (2212) من
طريق رميح الجذامي - وهو مجهول - عن أبي هريرة به. السابع: عبد الرحمن بن
سابط مرسلا - ولم يذكر القينات. أخرجه ابن أبي الدنيا وإسناده صحيح مرسل.
الثامن والتاسع: سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي مرسلا. يرويه فرقد وحدثني
قتادة عن سعيد بن المسيب، وحدثني إبراهيم النخعي به. أخرجه أحمد (5 / 259)
.(5/238)
قلت: وفرقد لين الحديث كما سبق، لكن إذا انضم إليه ما لم يشتد ضعفه من
الأحاديث المتقدمة، وخاصة حديث ابن سابط المرسل الصحيح السند، فلا يشك حينئذ
حديثي أن الحديث يرتقي بمجموع ذلك إلى مرتبة الصحيح، ولاسيما وله شاهد من
حديث أبي مالك الأشعري سبق تخريجه برقم (90 و 91) . وأما الشطر الأول منه
فقد صح من حديث عبد الله بن عمرو، خرجته في " الروض النضير " (1004) وله
شواهد أخرى تقدم ذكرها برقم (1787) .
2204 - " ليلة الضيف حق على كل مسلم، فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين إن شاء اقتضى وإن
شاء ترك ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (744) وأبو داود (2 / 137) وابن ماجة
(2 / 392) والطحاوي في " المشكل " (4 / 39) وأحمد (4 / 130 و 132 و 133
) وتمام (250 / 2) وابن عساكر (17 / 77 / 2) من طريق منصور عن الشعبي عن
المقدام أبي كريمة الشامي مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات.
وتابعه حريز عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب الكندي به
نحوه. أخرجه أحمد (4 / 130 - 131) . قلت: وسنده صحيح أيضا. وله طريق آخر
، فيه زيادة منكرة كما بينته في " تخريج المشكاة " (4247) . وله شاهد صحيح
من حديث عقبة بن عامر مخرج في " الإرواء " (2591) .(5/239)
2205 - " ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض
أكثر من عدد الحصى ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2545) وعنه أحمد (2 / 519) وكذا ابن خزيمة
في " صحيحه " (223 / 2) عن عمران القطان عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي
هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن وسكت عليه الحافظ في " الفتح " (4 /
209) .
2206 - " ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض، مما يرون من ثواب
أهل البلاء ".
رواه الترمذي (2404) والخطيب في " التاريخ " (4 / 400) وكذا ابن عساكر
(9 / 9 / 1) عن عبد الرحمن بن مغراء أخبرنا الأعمش عن أبي الزبير عن جابر
بن عبد الله مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا
من هذا الوجه ". قلت: وله علتان: الأولى: عنعنة أبي الزبير، فإنه مدلس،
كما تقدم مرارا. والأخرى: أن عبد الرحمن بن مغراء وإن كان صدوقا، فقد
تكلموا في حديثه عن الأعمش كما في " التقريب ". ومن طريقه رواه ابن أبي
الدنيا أيضا كما في " الترغيب " (4 / 146) وقال: " ورواه الطبراني في "
الكبير " عن ابن مسعود موقوفا عليه وفيه رجل لم يسم ". ثم ذكر له شاهدا من
حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ:(5/240)
" يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب، ثم
يؤتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا
ينصب لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صبا، حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف
أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله ". وقال: " رواه الطبراني في "
الكبير " من رواية مجاعة بن الزبير، وقد وثق ". قلت: أخرجه فيه (3 / 178 /
2) : حدثنا السري بن سهل الجنديسابوري أخبرنا عبد الله بن رشيد أخبرنا مجاعة
بن الزبير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس. والسري هذا، قال البيهقي:
" لا يحتج به، ولا بشيخه ". قلت: وشيخه عبد الله بن رشيد، قد ذكره ابن
حبان في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". قلت: فهذا الإسناد لا يحتج به
، لكن لا يمنع ذلك من الاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف، فالحديث حسن. والله
أعلم.
2207 - " اللبن في المنام فطرة ".
أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 183) من حديث أبي هريرة قال:
فذكره موقوفا عليه، وقال: رواه البزار وفيه محمد بن مروان وهو ثقة وفيه
لين وبقية رجاله ثقات ". ثم رجعت إلى " كشف الأستار " (3 / 13 / 2127) ،
فإذا الحديث فيه مرفوع وكذلك ذكره الحافظ في " الفتح " (12 / 393) برواية
البزار، فالظاهر أنه سقط من " المجمع " رفعه، وإسناده هكذا: حدثنا جميل بن
الحسن حدثنا محمد بن مروان حدثنا(5/241)
هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لا نعلم رواه عن هشام إلا محمد وعون بن
عمارة وعون لين الحديث ". قلت: هذا إسناد ضعيف، جميل بن الحسن قال الحافظ:
" صدوق يخطىء، أفرط فيه عبدان ". وشيخه محمد بن مروان - وهو العقيلي - قريب
منه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". ومتابعه عون بن عمارة ضعيف. وقد
خالفهما أبو أسامة فقال: عن هشام به موقوفا على أبي هريرة. أخرجه ابن أبي
شيبة في " المصنف " (11 / 77 / 10561) . وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وهو
ثقة لكنه مدلس. قلت: وقد وجدت له شاهدا موقوفا أيضا، فقال الدارمي في "
سننه " (2 / 128) : أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا الوليد حدثنا جابر حدثني
محمد بن قيس حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. كذا وقع
في النسخة الشامية موقوفا، وكذا في أصلها الهندية (ص 275) . لكن على هامشها
: " نسخة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ". ثم إن الإسناد مشكل، فإن
جابرا هذا لم أعرفه ولا شيخه محمد بن قيس ويحتمل أن يكون سقط من الناسخ لفظة
: (ابن) ، والصواب: (حدثنا ابن جابر) وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر
الشامي الداراني، فإنه من شيوخ الوليد وهو ابن مسلم الدمشقي وهذا من شيوخ
الحكم بن المبارك. وأما محمد بن قيس، فلم يتبين لي شيء الآن، غير أنه يلقى
في النفس أنه لعله محمد بن قيس المدني قاص عمر بن عبد العزيز، أبو إبراهيم.
والله أعلم.(5/242)
وبالجملة، فالحديث حسن بمجموع طريقيه الموقوفين، إن لم يصح رفع
الآخر منهما وبخاصة أن الحافظ قد ذكر له شاهدا مرفوعا من حديث أبي بكرة وسكت
عنه وهو في الغالب لا يسكت إلا عما هو حسن عنده على الأقل، لكن القلب لم
يطمئن له، فقد رأيت الهيثمي قد قال فيه (11 / 183) : " رواه الطبراني وفيه
الحكم بن ظهير وهو متروك ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
2208 - " الذي لا ينام حتى يوتر حازم ".
أخرجه أحمد (1 / 170) عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
الحصين أنه حدث عن سعد بن أبي وقاص: " أنه كان يصلي العشاء الآخرة في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يوتر بواحدة لا يزيد عليها، فيقال له:
أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا إسحاق؟ فيقول نعم، إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: ورجاله ثقات، غير ابن الحصين هذا،
فأورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 317) من رواية ابن إسحاق فقط عنه ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في " الثقات " على ما قال الحافظ في "
التعجيل " ولكني لم أره في التابعين منهم في النسخة المطبوعة في الهند.
والله أعلم. ثم رأيته أورده في " أتباع التابعين " (7 / 413) وقال: " روى
عنه محمد بن إسحاق وكان صواما قواما ". إلا أن الحديث صحيح، له شواهد من
حديث أبي قتادة وابن عمر وعقبة بن(5/243)
عامر وهي مخرجة في " صحيح أبي داود " (
1288) .
2209 - " ما آتاك الله من أموال السلطان من غير مسألة ولا إشراف، فكله وتموله ".
أخرجه أحمد (5 / 195 و 6 / 452) عن قيس بن سعد عن رجل حدثه عن أبي الدرداء
قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أموال السلطان؟ فقال: " فذكره
. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم. لكن له شاهد من حديث
الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى قال: أخبرني عبد الله بن
السعدي: " أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام، فقال: ألم أخبر
أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين، فتعطى عليه عمالة، فلا تقبلها؟ قال:
أجل إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين،
فقال عمر: إن أردت الذي أردت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني المال،
فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني وإنه أعطاني مرة مالا، فقلت له: أعطه من
هو أحوج إليه مني، فقال: ما آتاك الله عز وجل من هذا المال من غير مسألة ولا
إشراف، فخذه فتموله أو تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك ". أخرجه البخاري (13
/ 128 - 132 - فتح) ومسلم (3 / 98 - 99) والنسائي (1 / 365) والدارمي (
1 / 388) . وله طرق أخرى عن عمر أحدها عند الضياء في " المختارة " (رقم 83 -
بتحقيقي) وبعضها في " الإرواء " (3 / 364 - 365) .(5/244)
2210 - " ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفور لكم
قد بدلت سيئاتكم حسنات ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (434) عن إسماعيل بن عبد الملك الزئبقي أبي
إسحاق حدثنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه عن أنس مرفوعا. وقال: " لم
يروه عن ميمون إلا إسماعيل ". قلت: وهو ثقة من شيوخ يعقوب بن سفيان، ذكره
في " تاريخه " وقال: " كان ثقة، إلا أنهم كانوا يعيبون عليه بيع الزئبق ".
وميمون بن عجلان، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 239) عن أبيه: " شيخ ". ومن
العجائب قول الحافظ في " اللسان ": " لا أعرف له حديثا "! وقد تابعه ميمون
بن موسى المرائي، فقال أحمد (3 / 142) : حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ميمون
المرائي حدثنا ميمون بن سياه به. وهذا إسناد حسن إن شاء الله ميمون بن سياه،
قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وميمون المرائي صدوق. والحديث قال المنذري في
" الترغيب " (2 / 233) : " رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح إلا ميمون
المرائي - بفتح الميم والراء بعدها ألف نسبة إلى امرىء القيس - وأبو يعلى
والبزار والطبراني. ورواه الطبراني(5/245)
من حديث عبد الله بن مغفل وسهل بن
الحنظلية ". وحديث سهل عزاه في " الجامع " للحسن بن سفيان، وقال الهيثمي (
10 / 77) : " وفيه المتوكل بن عبد الرحمن والد محمد بن أبي السري ولم أعرفه
وبقية رجاله ثقات ".
2211 - " ما أحب أن أحدا ذاك عندي ذهب، أمسى ثالثة عندي منه دينار إلا دينارا أرصده
لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا - حثا بين يديه -، وهكذا - عن يمينه
-، وهكذا - عن شماله - ".
أخرجه البخاري (7 / 137) ومسلم (3 / 75) وأحمد (5 / 152) عن زيد بن وهب
عن أبي ذر مرفوعا. وفي رواية للبخاري: " ما يسرني أن عندي ... "، وقد
مضى برقم (1028) . وله طريق أخرى بلفظ: " ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا - أو
قال: ما أحب أن لي أحدا ذهبا - أدع منه يوم أموت دينارا أو نصف دينار إلا
لغريم ". أخرجه أحمد (5 / 160 - 161 و 176) والخطيب (7 / 376) من طريق
شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سويد بن الحارث قال: سمعت أبا ذر قال: مرفوعا
به. ولفظ الخطيب: " ما يسرني ". وإسناده رجال الستة، غير سويد هذا، وقد
ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحا وتبعه ابن أبي حاتم. وله شاهد بلفظ:(5/246)
" وما أحب أن لي أحدا ذهبا، يمر بي ثالثة عندي منه دينار إلا شيء أعده لغريم ".
أخرجه أحمد (2 / 506) : حدثنا يزيد أنبأنا ابن أبي ذئب عن أبي الوليد عن أبي
هريرة مرفوعا به. وهذا سند صحيح على شرط الستة وأبو الوليد اسمه عبد الله بن
الحارث البصري. وأخرجه ابن ماجة (4132) من طريق أبي سهيل بن مالك عن أبيه
عن أبي هريرة بلفظ: " إلا شيء أرصده في قضاء دين ". وسنده جيد.
2212 - " ما أحب أن أسلم على الرجل وهو يصلي، ولو سلم علي لرددت عليه ".
موقوف. أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 264) من طريقين عن الأعمش
قال: حدثني أبو سفيان قال: سمعت جابرا يقول: فذكره موقوفا عليه.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم. وهو موقوف كما ترى وقد أورده السيوطي
في " الجامعين " من رواية الطحاوي عن جابر، فأوهم أنه مرفوع ولم يتنبه لذلك
المناوي، فاكتفى بقوله: " رمز المصنف لحسنه "! قلت: وللتنبيه على ذلك
أوردته هنا وإلا فكتابنا هذا خاص بالأحاديث المرفوعة(5/247)
إلا ما شاء الله ولاسيما
وقد صح عن جابر نفسه أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ورد
عليه إشارة كما في " صحيح مسلم " (2 / 71) وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي
داود " مع أحاديث أخرى بأصرح منه، تحت: " باب رد السلام في الصلاة " (856 -
860) .
2213 - " ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان ".
أخرجه أبو داود (2 / 20) وابن ماجة (2 / 165) وأحمد (1 / 27) عن حسين
المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة،
فولدت له ثلاثة غلمة، فماتت أمهم، فورثوها رباعها وولاء مواليها، وكان
عمرو بن العاص عصبة بنيها، فأخرجهم إلى الشام، فماتوا، فقدم عمرو بن العاص،
ومات مولى لها، وترك مالا، فخاصمه إخوتها إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن. ثم خرجت
الحديث في " صحيح أبي داود " (2550) من رواية البيهقي عنه. وتكلمت عليه
بأبسط مما هنا وذكرت من قواه من العلماء.
2214 - " ما أحد أعظم عندي يدا من أبى بكر رضي الله عنه، واساني بنفسه وماله
وأنكحني ابنته ".
أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " (11 / 191 / 11461) وابن عدي (31 / 2)
وابن عساكر في " تاريخه " (9 / 278 / 1) عن محمد بن صالح بن مهران أخبرنا
أرطأة أبو حاتم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا وقال
ابن(5/248)
عدي: " لا أعرفه إلا عن أرطأة عن ابن جريج ". قلت: وأرطأة هذا هو ابن
المنذر، بصري، يكنى أبا حاتم، ساق له ابن عدي حديثين هذا أحدهما، والآخر،
خطأه في إسناده، ثم قال: " وله أحاديث غير ما ذكرت، وفي بعضها خطأ وغلط "
. وقد وجدت له طريقا أخرى، يرويه عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء عن عكرمة
عن ابن عباس بلفظ: " ما أحد من الناس أفضل علي نعمة في أهل ومال من أبي بكر "
. أخرجه الطبراني أيضا (11 / 348 / 11974) . وعبيد الله هذا ضعيف. وله
طريق ثالث يرويه ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه. ورابع من رواية جرير: سمعت
يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: " إنه ليس من الناس أحد أمن علي في
نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذ خليلا.. " الحديث.
أخرجه البخاري (467) والطبراني (11938) وابن حبان (6821 - الإحسان) .
وله شاهد من حديث أبي حفص العبدي عن مالك بن دينار عن أنس نحوه. أخرجهما ابن
عساكر. وشاهدان آخران صحيحان مختصران من حديث أبي هريرة وعائشة، مخرجان في
" أحاديث مشكلة الفقر " (رقم 13) .(5/249)
2215 - " ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر ".
رواه الطبراني في " المعجم الصغير " (رقم 1053) وعنه أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (2 / 247) عن أحمد بن الفرات حدثنا محمد بن كثير حدثنا محمد بن فضيل
عن الصلت بن بهرام عن أبي وائل عن البراء بن عازب مرفوعا. وقال الطبراني
: " تفرد به أحمد ". قلت: وهو ثقة حافظ، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين
غير الصلت بن بهرام وهو ثقة. ومحمد بن كثير هو العبدي فيما يترجح عندي.
والله أعلم.
والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 295) : " رواه الطبراني في "
الصغير " وفيه الصلت بن بهرام، وهو ثقة، إلا أنه كان مرجئا ".
قلت: وأخرجه الضياء المقدسي أيضا في " الأحاديث المختارة " كما في " الجامعين
: الكبير والصغير "، وحسن المناوي إسناده في " التيسير ".
2216 - " ما أخشى عليكم الفقر ولكني أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ
ولكني أخشى عليكم التعمد ".
أخرجه ابن حبان (2479) والحاكم (2 / 534) وأحمد (2 / 308 و 539) عن
جعفر بن برقان قال: سمعت يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا، وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(5/250)
وقال
الهيثمي في " المجمع " (10 / 236) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".
2217 - " ما أدري تبع ألعينا كان أم لا؟ وما أدري ذا القرنين أنبيا كان أم لا؟ وما
أدري الحدود كفارات أم لا؟ ".
أخرجه أبو داود (4674) - دون الجملة الثالثة - والحاكم في " المستدرك " (1
/ 36) وعنه البيهقي (8 / 329) وأبو القاسم الحنائي في " الفوائد " (16 /
1) وابن عبد البر في " الجامع " (2 / 50) وابن عساكر في " التاريخ " (3 /
251 / 1 و 6 / 57 / 1 و 11 / 302 / 1 و 16 / 66 / 2) كلهم عن عبد الرزاق أنبأ
معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم
له علة "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال ابن عساكر: " قال
الدارقطني: تفرد به عبد الرزاق ". قلت: ولعله يعني عن معمر، وإلا فقد
توبع عليه معمر عن ابن أبي ذئب كما يأتي، وقد أعل بالإرسال، فقال الحنائي
عقبه: " غريب، ورواه هشام بن يوسف الصنعاني عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو الأصح ". وذكره البيهقي نحوه عن
البخاري، وأقول: " هشام ثقة، وقد خالفه معمر كما تقدم، وكذلك خالفه آدم
بن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري به.(5/251)
أخرجه الحاكم (2 / 450) وعنه
البيهقي أيضا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا. فقد اتفق الثقتان على وصله عن ابن أبي ذئب عن المقبري به، فإما
أن يقال: ما اتفقنا عليه أرجح مما تفرد به هشام من الإرسال، وأما أن يقال:
كل صحيح، وابن أبي ذئب له سندان، أحدهما عن المقبري عن أبي هريرة، والآخر
: عن الزهري مرسلا، وكل حفظ عنه ما سمع منه، وكل ثقة. والله أعلم.
وللحديث شاهد بإسناد ضعيف عن ابن عباس خرجناه في الكتاب الآخر (3033) .
(فائدة) : قال ابن عساكر: " وهذا الشك من النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل
أن يبين له أمره، ثم أخبر أنه كان مسلما، وذاك فيما أخبرنا ... ". ثم ساق
إسناده بحديث: لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم ". أخرجه هو، وأحمد (5 /
340) عن ابن لهيعة حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر عن سهل بن سعد مرفوعا. وأبو
زرعة وابن لهيعة ضعيفان. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن على أقل
الدرجات، كما سيأتي بيانه إن شاء الله برقم (2423) . قلت: ونحوه قول
الهيثمي: " يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت لم يأته فيه العلم عن
الله، ثم لما أتاه قال ما رويناه في حديث عبادة وغيره ". يعني قوله صلى الله
عليه وسلم:(5/252)
" ... ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ... ". أخرجه
الشيخان وغيرهما.
(تنبيه) : وقع في " المستدرك " في الموضع الأول منه " تبع أنبيا "، وأظنه
خطأ من بعض نساخ " المستدرك " أو الطابع، والصواب ما أثبتناه، وهو رواية
البيهقي عن الحاكم، وكذلك هو في رواية الآخرين عن عبد الرزاق، وفي رواية
آدم بن أبي إياس أيضا. ووقع في " الفتح الكبير " (3 / 78) معزوا لإحدى
روايتي الحاكم: " عزير " بدل " لقمان "، وهو خطأ مخالف لروايتي الحاكم
كلتيهما، ولرواية الآخرين، اللهم إلا قول ابن عساكر في آخر الحديث: " وقال
غيره: عزير "، ولم أدر من عنى، ولكنه روي ذلك في الشاهد الذي سبقت الإشارة
إليه. والله أعلم.
2218 - " ما استكبر من أكل معه خادمه وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاة فحلبها ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 550) والديلمي (4 / 33) عن ابن
لال معلقا كلاهما عن عبد العزيز بن عبد الله عن عبد العزيز بن محمد عن محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال " الصحيح " غير أن محمد بن عمرو
إنما أخرج له مقرونا بغيره. وأما قول المناوي في " فيضه ": " رمز المصنف
لحسنه، وفيه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، أورده الذهبي في " الضعفاء "،
وقال: قال أبو داود: " ضعيف "، عن عبد العزيز بن محمد قال ابن حبان بطل
الاحتجاج به ". قلت: ففيه مؤاخذتان:(5/253)
الأولى: أن الذي في " ضعفاء الذهبي "
نصه: " ثقة مشهور، قال أبو داود: ضعيف ". زاد في نسخة: " وقال أيضا: ثقة
". فقوله: " ثقة مشهور " واضح جدا أنه ثقة عنده غير ضعيف، فحذف المناوي لهذا
التوثيق الصريح مما لا يخفى ما فيه. ويؤيد ما قلت أنه أورده في كتابه " معرفة
الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 137 / 212) ، وقال: " شيخ
البخاري، ضعفه أبو داود ".
والأخرى: أن ما نقله عن ابن حبان إنما قاله في " الضعفاء " (2 / 138) في
ابن زبالة، وليس هو راوي هذا الحديث، وإنما هو (الدراوردي) وهو ثقة عند
ابن حبان وغيره، فيه ضعف يسير من قبل حفظه، فحديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن،
وقد احتج به مسلم.
2219 - " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ".
أخرجه البخاري (2 / 390 - السلفية) والترمذي (1632) والنسائي (2 / 56)
وابن حبان (4586) وأحمد (3 / 479) عن عباية بن رفاعة قال: " أدركني
أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: (أبشر، فإن خطاك هذه في سبيل الله
) ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره، وقال الترمذي: " حديث
حسن غريب صحيح، وأبو عبس اسمه عبد الرحمن بن جبر ". وروى عتبة بن أبي حكيم
عن حصين عن أبي المصبح عن جابر بن عبد الله مرفوعا به نحوه. أخرجه ابن حبان (
1588) والطيالسي (1 / 234 - ترتيبه) وأحمد (3 / 367)(5/254)
عن عبد الله بن
مبارك عنه. قلت: وعتبة بن أبي حكيم ضعيف. وقد خالفه ابن جابر فذكر أن أبا
المصبح الأوزاعي حدثهم قال: " بينا نسير في درب (قلمية) ، إذ نادى الأمير
مالك بن عبد الله الخثعمي رجل يقود فرسه في عراض الجبل: يا أبا عبد الله! ألا
تركب؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره " إلا أنه
قال: " ساعة من نهار، فهما حرام على النار ". أخرجه أحمد (5 / 225 - 226)
. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي المصبح الأوزاعي وهو
ثقة. وتابعه ليث بن المتوكل عن مالك بن عبد الله الخثعمي باللفظ الأول.
أخرجه أحمد أيضا. والليث هذا وثقه ابن حبان ومحمد بن عبد الله بن عمير،
وسائر رجاله ثقات معروفون، فالسند صحيح أيضا. وتابعهما عبد الله بن سليمان أن
مالك بن عبد الله مر على حبيب بن مسلمة، أو حبيب مر على مالك، وهو يقود فرسا
وهو يمشي فقال: ألا تركب حملك الله؟ فقال: فذكره مرفوعا. أخرجه الدارمي (
2 / 202) . ورجاله ثقات، لكني لم أعرف ابن سليمان هذا. وللحديث شاهد من
حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (6 / 443 - 444) .(5/255)
ورجاله ثقات.
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " زوائد الجامع الصغير " بلفظ: " ما اغبرت
قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار "، وقال: " رواه الأربعة عن
مالك بن عبد الله الخثعمي ". قلت: وهذا وهم عجيب، فإن الأربعة لم يخرجوا
لمالك هذا أصلا، ولا هو من رجال " التهذيب "، ولذلك لم يعزه الحافظ في
ترجمته من " الإصابة " إلا لأبي داود الطيالسي وأحمد والطبراني والبغوي.
(فائدة) : (قلمية) قال في " معجم البلدان ": " بفتح أوله وثانيه وسكون
الميم والياء خفيفة: كورة واسعة برأسها من بلاد الروم، قرب (طرسوس) ".
قلت: ووقع في " المسند ": (قلمتة) ، وفي " مجمع الزوائد " (5 / 285) :
(ملمة) ولعل الصواب ما أثبته.
2220 - " ما أقفر من أدم بيت فيه خل ".
أخرجه الترمذي (1842) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 312 - 313) والديلمي
(4 / 34) من طريق ثابت بن أبي صفية أبي حمزة الثمالي عن الشعبي عن أم هانىء
قالت: " دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم هانىء! هل عندك شيء
؟ فقالت: لا، إلا كسيرات يابسات وخل، فقال: "، فذكره، وقال أبو نعيم:
" غريب من حديث أبي حمزة ". قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، وقال
الذهبي في " الضعفاء ":(5/256)
" متفق على ضعفه ". وأما الترمذي فقال: " حديث حسن
غريب من هذا الوجه ". كذا قال: ولا يخفى ما فيه، لكني وجدت للحديث شاهدا
قويا، فقال أحمد (3 / 353) : حدثنا محمد بن يزيد عن حجاج بن أبي زينب عن أبي
سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم الإدام الخل،
ما أقفر بيت فيه خل ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم - على
ضعف في حفظ حجاج بن أبي زينب - غير محمد بن يزيد، وهو الواسطي وهو ثقة.
وقد تابعه يزيد بن هارون أخبرنا حجاج بن أبي زينب به أتم منه، وفيه قصة أم
هانىء لكنها لم تسم لكن ليس فيه: " ما أقفر بيت فيه خل ". أخرجه مسلم (6 /
126) والدارمي (2 / 101) وأبو يعلى (2 / 593) بلفظ: " هاتوه، فنعم
الأدم الخل ". وأخرجه مسلم والترمذي وأبو يعلى (2 / 591) وأحمد (3 /
301 و 304 و 353 و 364 و 389 و 390 و 400) من طريق أخرى عن أبي سفيان به
مختصرا: " نعم الإدام الخل ". وكذلك أخرجه مسلم والترمذي والدارمي من حديث
سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وأخرج الشطر الثاني
منه ابن حبان في " ثقات التابعين " (14 / 1) من طريق أنس بن عبد الحميد الضبي
حدثنا هشام به.(5/257)
وأخرجه ابن ماجة (2 / 314) من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن
محمد بن زاذان قال: حدثتني أم سعد قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
على عائشة - وأنا عندها - فقال: هل من غداء؟ قالت: عندنا خبز وتمر وخل،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الإدام الخل، اللهم بارك في الخل،
فإنه كان إدام الأنبياء قبلي، ولم يفتقر بيت فيه خل ". قلت: وهذا إسناد
هالك، عنبسة وابن زاذان متروكان، والأول رماه أبو حاتم بالوضع. ثم وجدت
لحديث جابر طريقا أخرى، ولكنه ضعيف جدا، يرويه الحسن بن قتيبة: حدثنا مغيرة
(هو ابن زياد) عن أبي الزبير عنه بلفظ: " ما أقفر أهل بيت من أدم فيه خل
وخير خلكم خل خمركم ". أخرجه البيهقي (6 / 38) وقال: " قال أبو عبد الله (
يعني شيخه الحاكم) : هذا حديث واهي، والمغيرة بن زياد صاحب مناكير ".
قلت: المغيرة هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فليست العلة منه وإنما
من الراوي عنه الحسن بن قتيبة، فإنه هالك كما قال الذهبي، وقال الدارقطني:
" متروك الحديث ". ونحوه في الضعف، ما زاده عبيد الله بن الوليد عن عبد الله
بن عبيد بن عمير قال: " دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على
جابر بن عبد الله، فقرب إليهم خبزا وخلا، فقال: كلوا، فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: نعم الإدام الخل، إنه هلاك بالرجل أن يدخل عليه
النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاك بالقوم(5/258)
أن يحتقروا
ما قدم إليهم ". أخرجه البيهقي (7 / 279 - 280) وأحمد (3 / 371) .
قلت: وعبيد الله هذا ضعيف كما جزم به الحافظ. وقد روي من طريقين آخرين عن
جابر ولكنهما معلولان ولذلك خرجته في " الضعيفة " (5379) .
2221 - " ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه، إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت ".
أخرجه أبو داود (2 / 25) وأحمد (2 / 314) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن
همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه عبد الرحمن
بن أبي عمرة عن أبي هريرة بلفظ: " والله ما أعطيكم ولا أمنعكم وإنما أنا
قاسم أضعه حيث أمرت ". أخرجه البخاري (6 / 165 - فتح) وأحمد (2 / 482) .
2222 - " ما أوذي أحد ما أوذيت في الله عز وجل ".
أخرجه الديلمي (4 / 51) من طريق محمد بن إبراهيم الطرسوسي حدثنا إسحاق بن
منصور حدثنا إسرائيل عن جابر عن ابن بريدة عن أبيه رفعه. قلت: وهذا
إسناد ضعيف، رجاله موثقون غير جابر - وهو ابن يزيد الجعفي - وهو ضعيف.
ورواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 233) عن محمد بن سليمان بن هشام حدثنا وكيع(5/259)
عن مالك (عن الزهري) عن أنس مرفوعا نحوه، وقال: " غريب من حديث مالك،
تفرد به وكيع ". قلت: والراوي عنه ابن هشام - وهو الشطوي - ضعيف، لكن
مفهوم قول أبي نعيم: " تفرد به وكيع " أنه لم يتفرد به الشطوي، فإن كان كذلك
فالحديث صحيح ولعله لذلك سكت عليه السخاوي في " المقاصد " (ص 361 / 969)
وقال: " وأصله في البخاري ". والحديث رواه ابن عدي أيضا وابن عساكر عن جابر
كما في " الجامع الصغير ". وبالجملة، فالحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي
إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. وأما قول السخاوي: " وأصله في البخاري "
. فلم أدر ما يعني، فإني لا أعلم لأنس قريبا من هذا عنده، وإن كان يعني
حديثه الذي رواه عنه ثابت مرفوعا بلفظ: " لقد أذيت في الله وما يؤذى أحد،
ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام
يأكله ذو كبد إلا مما وارى إبط بلال ". قلت: فهذا شيء، وحديث الترجمة شيء
آخر، فإنه يتحدث عن زمانه صلى الله عليه وسلم فهو خاص، وحديث الترجمة أعم
كما هو ظاهر، ثم إنه لم يروه البخاري وإنما رواه الترمذي (2474) وابن ماجة
(1 / 67) وأحمد (3 / 120 و 286) عن حماد بن سلمة أنبأنا ثابت به. وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم.(5/260)
2223 - " ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي ".
أخرجه الترمذي (3713) والنسائي في " الخصائص " (ص 13 و 16 - 17) وابن
حبان (2203) والحاكم (3 / 110) والطيالسي في " مسنده " (829) وأحمد (
4 / 437 - 438) وابن عدي في " الكامل " (2 / 568 - 569) من طريق جعفر بن
اليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال:
" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب،
فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أخبرناه بما صنع علي وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى
الله عليه وسلم فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا
على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله! ألم تر
إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام إليه الثالث، فقال مثل
مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: " فذكره. وقال الترمذي: "
حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ". قلت: وهو ثقة من
رجال مسلم وكذلك سائر رجاله ولذلك قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "،
وأقره الذهبي. وللحديث شاهد يرويه أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه
بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن، على أحدهما
علي بن أبي طالب.. فذكر القصة بنحو ما تقدم، وفي آخره:(5/261)
" لا تقع في علي،
فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ".
أخرجه أحمد (5 / 356) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير
الأجلح، وهو ابن عبد الله الكندي، مختلف فيه، وفي " التقريب ": " صدوق
شيعي ". فإن قال قائل: راوي هذا الشاهد شيعي، وكذلك في سند المشهود له شيعي
آخر، وهو جعفر بن سليمان، أفلا يعتبر ذلك طعنا في الحديث وعلة فيه؟ !
فأقول: كلا لأن العبرة في رواية الحديث إنما هو الصدق والحفظ، وأما المذهب
فهو بينه وبين ربه، فهو حسيبه، ولذلك نجد صاحبي " الصحيحين " وغيرهما قد
أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم، وهذا هو المثال
بين أيدينا، فقد صحح الحديث ابن حبان كما رأيت مع أنه قال في راويه جعفر في
كتابه " مشاهير علماء الأمصار " (159 / 1263) : " كان يتشيع ويغلو فيه ".
بل إنه قال في ثقاته (6 / 140) : " كان يبغض الشيخين ". وهذا، وإن كنت في
شك من ثبوته عنه، فإن مما لا ريب فيه أنه شيعي لإجماعهم على ذلك، ولا يلزم
من التشيع بغض الشيخين رضي الله عنهما، وإنما مجرد التفضيل. والإسناد الذي
ذكره ابن حبان برواية تصريحه ببغضهما، فيه جرير بن يزيد بن هارون، ولم أجد
له ترجمة، ولا وقفت على إسناد آخر بذلك إليه. ومع ذلك فقد قال ابن حبان عقب
ذاك التصريح:(5/262)
" وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات غير أنه
كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه، وليس بين أهل
الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها
أن الاحتجاج بأخباره جائز ". على أن الحديث قد جاء مفرقا من طرق أخرى ليس فيها
شيعي. أما قوله: " إن عليا مني وأنا منه ". فهو ثابت في " صحيح البخاري " (
2699) من حديث البراء بن عازب في قصة اختصام علي وزيد وجعفر في ابنة حمزة،
فقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: " أنت مني وأنا منك ". وروي من
حديث حبشي بن جنادة، وقد سبق تخريجه تحت الحديث (1980) . وأما قوله: "
وهو ولي كل مؤمن بعدي ". فقد جاء من حديث ابن عباس، فقال الطيالسي (2752) :
حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه " أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لعلي: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ". وأخرجه أحمد (1 / 330 - 331)
ومن طريقه الحاكم (3 / 132 - 133) وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي
، وهو كما قالا. وهو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي
مولاه.. " وقد صح من طرق كما تقدم بيانه في المجلد الرابع برقم (1750) .
فمن العجيب حقا أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث(5/263)
وتكذيبه
في " منهاج السنة " (4 / 104) كما فعل بالحديث المتقدم هناك، مع تقريره رحمه
الله أحسن تقرير أن الموالاة هنا ضد المعاداة وهو حكم ثابت لكل مؤمن، وعلي
رضي الله عنه من كبارهم، يتولاهم ويتولونه. ففيه رد على الخوارج والنواصب،
لكن ليس في الحديث أنه ليس للمؤمنين مولى سواه، وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقريش والأنصار موالي دون الناس، ليس
لهم مولى دون الله ورسوله ". فالحديث ليس فيه دليل البتة على أن عليا رضي
الله عنه هو الأحق بالخلافة من الشيخين كما تزعم الشيعة لأن الموالاة غير
الولاية التي هي بمعنى الإمارة، فإنما يقال فيها: والي كل مؤمن. هذا كله من
بيان شيخ الإسلام وهو قوي متين كما ترى، فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث
إلا التسرع والمبالغة في الرد على الشيعة، غفر الله لنا وله.
2224 - " ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله عز وجل إلا سبح الله عز وجل وحمده إلا
ما كان من الشيطان وأعتى بني آدم، فسألت عن أعتى بني آدم؟ فقال: شرار الخلق
، أو قال: شرار خلق الله ".
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (146) وعنه الديلمي (4 / 46)
وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 111) من طريق بقية بن الوليد حدثني صفوان بن
عمرو عن عبد الرحمن بن ميسرة أبي سلمة الحضرمي عن عمرو بن عبسة رضي الله
عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله
ثقات معروفون غير أبي سلمة الحضرمي، وقد روى عنه جمع منهم حريز بن عثمان،
وقد قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات ".(5/264)
وقال العجلي: " شامي تابعي ثقة
". وبقية، الكلام فيه معروف، والراجح منه الاحتجاج بحديثه إذا صرح
بالتحديث عن شيخه، وقد قال الذهبي في " الكاشف ": " وثقه الجمهور فيما سمعه
من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: (حدثنا) و (أخبرنا) ، فهو ثقة ".
2225 - " ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 298) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن
أبي قتادة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال:
إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته،
فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعمته، فادعم، ثم مال، فدعمته، فأدعم
، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته، فدعمته، فانتبه، فقال: من الرجل؟
قلت: أبو قتادة. قال: منذ كم كان مسيرك؟ قلت: منذ الليلة. قال: حفظك
الله كما حفظت رسوله. ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل، فقال: انظر
هل ترى أحد؟ قلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتى بلغ سبعة، فقلنا: احفظوا
علينا صلاتنا، فنمنا، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا، فركب رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال: أمعكم ماء؟ قال: قلت
: نعم. معي ميضأة فيها شيء من ماء، قال: ائت بها. فأتيته بها، فقال: مسوا
منها، مسوا منها. فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة
! فإنه سيكون(5/265)
لها نبأ، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر، ثم صلوا الفجر
، ثم ركب وركبنا، فقال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: (فذكره) ، قلنا: يا رسول الله! فرطنا في صلاتنا: فقال:
لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها، ومن الغد
وقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم، قالوا: إنك قلت بالأمس: إن لا تدركوا الماء
غدا تعطشوا، فالناس بالماء. فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فقال بعضهم
لبعض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء، وفي القوم أبي بكر وعمر،
فقالا: أيها الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى
الماء ويخلفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا. قالها ثلاثا، فلما
اشتدت الظهيرة، رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله
! هلكنا عطشا تقطعت الأعناق. فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: يا أبا قتادة!
ائت بالميضأة، فأتيته بها. فقال: احلل لي غمري، يعني: قدحه، فحللته،
فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس عليه، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أحسنوا الملء فكلكم يصدر عن ري، فشرب
القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي. فقال:
اشرب يا أبا قتادة! قال: قلت: اشرب أنت يا رسول الله! قال: إن ساقي القوم
آخرهم. فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها. وهم يومئذ
ثلاثمائة ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " دون
موضع الشاهد منه، وهو رواية لأحمد.
2226 - " ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس ".
رواه أحمد (2 / 325) والخطيب (9 / 99) وعنه ابن عساكر (7 / 157 / 2) من
طريق أبي بكر بن عياش عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا.(5/266)
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم من طريق أخرى عن
أبي هريرة مرفوعا نحوه مطولا، وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (2741) .
2227 - " ما خالط قلب امرئ مسلم رهج في سبيل الله، إلا حرم الله عليه النار ".
أخرجه أحمد (6 / 85) عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة: " أن مكاتبا لها دخل عليها ببقية مكاتبته، فقالت له:
أنت غير داخل علي غير مرتك هذه، فعليك بالجهاد في سبيل الله، فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم
ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن عياش وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه
منها. قلت: وقد تابعه سويد بن عبد العزيز حدثنا الأوزاعي به. أخرجه ابن أبي
عاصم في " الجهاد " (ق 84 / 1) . وسويد هذا لين الحديث، كما في " التقريب "
، فيستشهد به. وله عنده طريق أخرى، أخرجه من طريق حفص بن جميع عن المغيرة عن
الحكم عن عطاء عنها. وحفص هذا ضعيف أيضا. ووجدت له طريقا ثالثا، فقال
الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم 9577 - مصورتي) : حدثنا هيثم بن خلف
أخبرنا محمد بن عمار الموصلي أخبرنا القاسم بن يزيد الجرمي عن صدقة بن عبد الله
الدمشقي عن ابن جريج عن محمد بن زياد المدني عن(5/267)
() مولى عائشة قال: قالت
عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه. وقال: " لم
يروه عن ابن جريج إلا صدقة، ولا عن صدقة إلا القاسم بن يزيد، تفرد به محمد
بن عمار ". قلت: وهو ثقة حافظ من شيوخ النسائي، نسبه إلى جده وإلا فهو
محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر البغدادي، نزيل الموصل. ومن فوقه ثقات
غير صدقة، فهو ضعيف. و () مولى عائشة لم أعرفه، ووقع في " المعجم " هكذا
بغير إعجام، فلم يتبين لي اسمه. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذه الطرق،
وخيرها أولها، وقد وثق المنذري (2 / 168) رجالها. وكذلك فعل الهيثمي (5 /
276) وأقره المناوي، بل قال في " التيسير ": " إسناده صحيح وقول المؤلف:
" حسن " تقصير ". (تنبيه) : (الرهج) بفتح الراء وفتح الهاء وتسكن: هو
الغبار، كما في " ابن الأثير " وغيره، وشذ المنذري فقال في تفسيره: " هو
ما بداخل باطن الإنسان من الخوف والجزع ". وهذا خطأ بلا نزاع، لم يقله غيره
كما في " عجالة الإملاء " للحافظ الناجي، وأيد ذلك بالنقل عن أهل اللغة،
ونقل عن طائفة منهم أنه بفتح الهاء، وأن الإسكان لم يذكره إلا صاحب " القاموس
". والله أعلم. ولعل المنذري رحمه الله تأثر فيما ذهب إليه بالتحديث الذي
ساقه عقبه مرفوعا بلفظ: " إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحاتت عنه خطاياه،
كما يتحات عنه عذق النخلة ".(5/268)
رواه الطبراني. ولا يخفى أن هذا الحديث مستقل
عن ذاك، ولا يمكن اعتباره بوجه من الوجوه مفسرا له، هذا لو ثبت، فكيف وهو
موضوع، كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " (5145) ؟ !
2228 - " ما على الأرض من نفس تموت، ولها عند الله خير، تحب أن ترجع إليكم ولها
الدنيا إلا القتيل (في سبيل الله) ، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى ".
أخرجه النسائي (2 / 62) وأحمد (5 / 318، 322) من طريقين عن كثير بن مرة
أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وإسناد النسائي جيد، وكذلك إسناد أحمد لو أن ابن جريج صرح بالتحديث،
لكنه شاهد للذي قبله.
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث برواية المذكورين بزيادة في آخره " لما يرى من
ثواب الله له ". وهي ليست عندهما كما ذكرنا، وقد عزاه في " الجامع الكبير "
لابن أبي الدنيا أيضا في " ذكر الموت " والروياني والطبراني في " الكبير "
والضياء المقدسي عن عبادة، فلعلها عند أحدهم. وقد وجدت لها شاهدا من حديث أنس
مرفوعا بلفظ: " ما من نفس تموت فتدخل الجنة فتود أنها رجعت إليكم ولها الدنيا
وما فيها إلا الشهيد، فإنه ود أنه قتل كذا وكذا مرة، لما رأى من الثواب ".
أخرجه الدارمي (2 / 206) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بمعناه.(5/269)
2229 - " ما علمته إذ كان جاهلا، وأطعمته إذ كان ساغبا أو جائعا ".
أخرجه أبو داود (1 / 408 - 409) وابن ماجة (2 / 44) والحاكم (4 / 133)
والبيهقي (10 / 2) وأحمد (4 / 166 - 167) وابن سعد (7 / 55) عن أبي
بشر عن عبادة بن شرحبيل قال: " أصابتني سنة، فدخلت حائطا من حيطان
المدينة، ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه، فضربني وأخذ ثوبي
، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (فذكره) وأمره، فرد علي
ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
2230 - " ما أنكر قلبك فدعه ".
أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (824 و 1162) : أخبرنا ابن لهيعة قال
: حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره أن عبد الله بن معاوية بن
حديج أخبره: " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله! ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد عليه
ثلاث مرات، كل ذلك يسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من السائل؟
فقال الرجل: أنا ذا يا رسول الله! قال: ونقر بأصبعيه: " فذكره. قلت:
وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه
العبادلة، وابن المبارك أحدهم. وله شاهد من حديث أبي أمامة قال:(5/270)
" سأل رجل
النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: ما حك أو ما حاك في صدرك فدعه ".
أخرجه ابن المبارك (825) بإسناد صحيح، وغيره كما سبق برقم (550) .
2231 - " يا أبا بكر! ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا
أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها
كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة ".
أخرجه أحمد (2 / 436) عن ابن عجلان قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة: " أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي
صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي
صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني
وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله، غضبت وقمت، قال: إنه كان معك ملك يرد
عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم
قال: " فذكره.
قلت: وإسناده جيد. والحديث قال في " مجمع الزوائد " (8 / 190) : " رواه
أحمد والطبراني في " الأوسط " بنحوه ورجال أحمد رجال (الصحيح) "! كذا قال
، وابن عجلان إنما أخرج له البخاري تعليقا ومسلم استشهادا. وللجملة الأخيرة
منه طريق أخرى عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه أحمد (2
/ 418) .(5/271)
وسنده صحيح على شرط مسلم.
2232 - " وما سبيل الله إلا من قتل؟! من سعى على والديه ففي سبيل الله ومن سعى على
عياله ففي سبيل الله (ومن سعى على نفسه ليعفها فهو في سبيل الله) ومن سعى
مكاثرا ففي سبيل الطاغوت وفي رواية: سبيل الشيطان ".
أخرجه البزار (1871 - الكشف) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 196 - 197)
والأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (ق 47 / 2 - 48 / 1 - مصور الجامعة
الإسلامية الثانية) والبيهقي في " السنن " (9 / 25) من طرق عن أحمد بن عبد
الله بن يونس حدثنا رياح بن عمرو حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شاب من
الثنية، فلما رأيناه رميناه بأبصارنا، فقلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه
ونشاطه وقوته في سبيل الله! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتنا فقال:
فذكره. والسياق لأبي نعيم والزيادة للأصبهاني.
قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير رياح بن عمرو - وهو
القيسي - وهو صدوق كما قال أبو زرعة. وقال في " المجمع " (8 / 144) : "
رواه البزار والطبراني في " الأوسط " وفيه رباح بن عمر وثقه أبو حاتم وضعفه
غيره وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا وقع فيه: " رباح " بالموحدة، والصواب
: (رياح) بالمثناة التحتية و (ابن عمر)(5/272)
خطأ أيضا ولعله مطبعي لم يتنبه له
الأعظمي في تعليقه على " الكشف " والصواب (ابن عمرو) بفتح العين ".
والحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب
والترهيب " وقد ذكر أحدها (3 / 4) من حديث كعب بن عجرة وأخرجه بحشل الواسطي
في " تاريخ واسط " (ص 146) . وللحديث طريق أخرى، يرويه سليمان بن كيسان عن
هارون بن راشد عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " (4
/ 42 / 2) . وهارون هذا قال الذهبي: " روى عن تابعي عن أبي هريرة، مجهول،
وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
2233 - " ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى ".
أخرجه أبو داود (1 / 396) والحاكم (2 / 112) وعنه البيهقي (6 / 331) عن
عبد الله بن الديلمي أن يعلى بن منية قال: " آذن رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالغزو، وأنا شيخ كبير ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني، وأجري له
سهمه، فوجدت رجلا، فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدري ما السهمان وما
يبلغ سهمي؟ فسم لي شيئا، كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير، فلما
حضرت غنيمته، أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه
وسلم، فذكرت له أمره، قال: " فذكره، وقال الحاكم:(5/273)
" صحيح على شرط الشيخين
"، ووافقه الذهبي!
قلت: عبد الله بن الديلمي - وهو ابن فيروز - لم يخرج له الشيخان، وكذلك
عاصم بن حكيم الذي في الطريق إليه، وهما ثقتان، فالإسناد صحيح فقط. وتابعه
خالد بن دريك عن يعلى بن أمية به نحوه. أخرجه أحمد (4 / 223) .
قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات. وذكر له الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء
" (4 / 310) شاهدا من رواية الطبراني في " مسند الشاميين " عن أبي (يعني ابن
كعب) قال: " استعنت رجلا يغزو معي ... " الحديث نحوه. وسكت عن إسناده
وإسناد أبي داود أيضا!
2234 - " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ".
أخرجه ابن وهب في " الجامع " (58 / 2) عن أسامة بن زيد الليثي عن عثمان بن
عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن من رواية ابن وهب عن أسامة. وقد رواه الحاكم من هذا
الوجه وصححه، ووافقه الذهبي. وقد تابعه سفيان الثوري عن أسامة به. رواه
جماعة عن سفيان. وخالفهم في متنه معاوية بن هشام فرواه عن سفيان بلفظ: " ...
يصلون على ميامن الصفوف ". وهو بهذا اللفظ غير محفوظ كما قال البيهقي، وإن
حسنه المنذري وغيره كما بينت في " ضعيف أبي داود " (104) .(5/274)
2235 - " لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على مثل الحال التي تكونون عليها عندي
لصافحتكم الملائكة في طرق المدينة ".
أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (29 / 1 - 2) : حدثنا محمد بن هارون بن داهر
حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا غسان بن برزين الطهوي عن ثابت البناني عن أنس
بن مالك قال: غدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله
! هلكنا ورب الكعبة. قال: وما ذاك؟ قالوا: النفاق النفاق!! قال: ألستم
تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: ليس ذاك
النفاق. ثم عاودوه الثانية، فقالوا: يا رسول الله! هلكنا ورب الكعبة. قال
: وما ذاك: قالوا: النفاق النفاق. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: ليس ذاك بنفاق. ثم عاودوه الثالثة،
فقالوا مثل ذلك، فقال لهم: ليس ذلك بنفاق، فقالوا: يا رسول الله! إنا إذا
كنا عندك كنا على حال، وإذا خرجنا من عند همتنا الدنيا وأهلونا. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " غير شيخ الإسماعيلي
ابن داهر هذا، فقد أورده الخطيب في " التاريخ " (3 / 355) برواية الإسماعيلي
فقط عنه، وساق له عنه حديثا آخر، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن
الظاهر أنه من المقبولين عند الإسماعيلي، فقد ذكر في مقدمة كتابه " المعجم "
أنه يبين حال من ذمت طريقه في الحديث بظهور كذبه فيه أو اتهامه به أو خروجه عن
جملة أهل الحديث للجهل به والذهاب عنه. والله أعلم. والحديث صحيح - أعني
حديث الترجمة - فإن له شواهد كثيرة وطرق عن أنس وغيره، وقد تقدم بعضها برقم
(1948 و 1963 و 1965 و 1976) .(5/275)
2236 - " ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا إن
بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة ".
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده ": حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا
إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. كذا في " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " لابن
القيم (ص 147 - 148) ، وقال: " وهذا إسناد جيد ". وأقره الشيخ العباد في
رسالته في " المهدي " المنشورة في العدد الأول من السنة الثانية عشرة من مجلة "
الجامعة الإسلامية " (ص 304) .
قلت: وهو كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى، فإن رجاله كلهم ثقات من رجال
أبي داود، وقد أعل بالانقطاع بين وهب وجابر، فقال ابن معين في إسماعيل هذا
: " ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي يرويها عن وهب عن جابر ليست بشيء إنما هو
كتاب وقع إليهم ولم يسمع وهب من جابر شيئا ". وقد تعقبه الحافظ المزي، فقال
في " تهذيب الكمال ": " روى أبو بكر بن خزيمة في " صحيحه " عن محمد بن يحيى عن
إسماعيل بن عبد الكريم عن إبراهيم بن عقيل عن وهب بن منبه قال: هذا ما سألت
عنه جابر بن عبد الله وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أوكوا
الأسقية وأغلقوا الأبواب ... الحديث. وهذا إسناد صحيح إلى وهب بن منبه.
وفيه رد(5/276)
على من قال: إنه لم يسمع من جابر، فإن الشهادة على الإثبات مقدمة
على الشهادة على النفي، وصحيفة همام (أخو وهب) عن أبي هريرة مشهورة عند أهل
العلم، ووفاة أبي هريرة قبل جابر، فكيف يستنكر سماعه منه، وكان جميعا في
بلد واحد؟ ". ورده الحافظ في " تهذيب التهذيب "، فقال: " قلت: أما إمكان
السماع فلا ريب فيه، ولكن هذا في همام، فأما أخوه وهب الذي وقع فيه البحث
فلا ملازمة بينهما، ولا يحسن الاعتراض على ابن معين بذلك الإسناد، فإن
الظاهر أن ابن معين كان يغلط إسماعيل في هذه اللفظة عن وهب: " سألت جابرا ".
والصواب عنده: عن جابر. والله أعلم ".
وأقول: لا دليل عندنا على اطلاع ابن معين على قول وهب: " سألت جابرا ".
وعلى افتراض اطلاعه عليه ففيه تخطئة الثقة بغير حجة، وذا لا يجوز، ولاسيما
مع إمكان السماع، والبراءة من التدليس، فإن هذا كاف في الاتصال عند مسلم
والجمهور، ولو لم يثبت السماع، فكيف وقد ثبت؟ وقد ذكر الحافظ في ترجمة
عقيل هذا أن البخاري علق (يعني في " صحيحه ") عن جابر في " تفسير سورة النساء
" أثرا في الكهان، وقد جاء موصولا من رواية عقيل هذا عن وهب بن منبه عن جابر
. قلت: ذكر هناك (8 / 252) أنه وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال:
سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت.. ففيه تصريح أيضا بالسماع. وبالله
التوفيق. وأصل الحديث في " صحيح مسلم " (1 / 95) من طريق أخرى عن جابر رضي
الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي
يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ". قال: " فينزل عيسى ابن مريم صلى
الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا،(5/277)
فيقول لا، إن بعضكم على بعض
أمراء، تكرمة الله هذه الأمة " (1) . فالأمير في هذه الرواية هو المهدي في
حديث الترجمة وهو مفسر لها. وبالله التوفيق. واعلم أيها الأخ المؤمن! أن
كثيرا من الناس تطيش قلوبهم عن حدوث بعض الفتن، ولا بصيرة عندهم تجاهها،
بحيث إنها توضح لهم السبيل الوسط الذي يجب عليهم أن يسلكوه إبانها، فيضلون عنه
ضلالا بعيدا، فمنهم مثلا من يتبع من ادعى أنه المهدي أو عيسى، كالقاديانيين
الذين اتبعوا ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى المهدوية أولا، ثم العيسوية
، ثم النبوة، ومثل جماعة (جهيمان) السعودي الذي قام بفتنة الحرم المكي على
رأس سنة (1400) هجرية، وزعم أن معه المهدي المنتظر، وطلب من الحاضرين في
الحرم أن يبايعوه، وكان قد اتبعه بعض البسطاء والمغفلين والأشرار من أتباعه
، ثم قضى الله على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيرا من دماء المسلمين، وأراح الله
تعال العباد من شرهم. ومنهم من يشاركنا في النقمة على هؤلاء المدعين للمهدوية
، ولكنه يبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة الواردة في خروج المهدي في آخر
الزمان، ويدعي بكل جرأة أنها موضوعة وخرافة!! ويسفه أحلام العلماء الذين
قالوا بصحتها، يزعم أنه بذلك يقطع دابر أولئك المدعين الأشرار! وما علم هذا
وأمثاله أن هذا الأسلوب قد يؤدي بهم إلى إنكار أحاديث نزول عيسى عليه الصلاة
والسلام أيضا، مع كونها متواترة! وهذا ما وقع لبعضهم، كالأستاذ فريد وجدي
والشيخ رشيد رضا، وغيرهما، فهل يؤدي ذلك بهم إلى إنكار ألوهية الرب سبحانه
وتعالى لأن بعض البشر ادعوها كما هو معلوم؟! نسأل الله السلامة من فتن أولئك
المدعين، وهؤلاء المنكرين للأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين، عليه
أفضل الصلاة وأتم التسليم.
_________
(1) مضى تخريجه برقم (1960) . اهـ.(5/278)
2237 - " أقرأنيها: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * فمدها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8677) من طريق سعيد بن منصور حدثنا
شهاب بن خراش حدثني موسى بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ القرآن
رجلا، فقرأ الرجل: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * (1) مرسلة، فقال
ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كيف
أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير موسى بن يزيد الكندي، فإني لم أعرفه ولا
ذكره الحافظ المزي في شيوخ ابن خراش في " التهذيب "، وقد ذكره الهيثمي في "
المجمع " (7 / 155) من طريق الطبراني، لكن وقع فيه: " مسعود بن يزيد الكندي
"، وقال عقبه: " ورجاله ثقات "! وفي " ثقات ابن حبان " (3 / 260) : "
مسعود بن يزيد، يروي عن ابن عمر، روى عنه محمد بن الفضل ".
قلت: فالظاهر أنه هو، ولم يورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما. ثم
رأيت الحديث قد أورده الحافظ ابن الجزري في " النشر في القراءات العشر " (1 /
313) بإسناده إلى الطبراني به، وفيه: " مسعود بن يزيد الكندي "، فدل على
أن " موسى " في " الطبراني " محرف من " مسعود ". والله أعلم. وقال الجزري
عقبه:
_________
(1) التوبة: الآية: 60. اهـ.(5/279)
" هذا حديث جليل، رجال إسناده ثقات ".
وأقول: شهاب بن خراش فيه بعض الكلام أشار إليه الحافظ بقوله في " التقريب ":
" صدوق يخطئ ". وقال الذهبي في " الكاشف ": " وثقه جماعة، قال ابن المهدي
: لم أر أحدا أحسن وصفا للسنة منه. وقال ابن عدي: له بعض ما ينكر ".
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى. واستدل به ابن الجزري على وجوب مد
المتصل. وذكر أن قصره غير جائز عند أحد من القراء. فراجعه إن شئت.
(تنبيه) : وقع في " الكبير ": (فمددها) وفي " النشر ": (فمدوها) وفي
" المجمع ": (فمددوها) ، ولعل الصواب ما أثبته.
2238 - " إن من أشراط الساعة الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وائتمان الخائن - أحسبه
قال: وتخوين الأمين ".
أخرجه البزار (ص 238 - زوائده) من طريق شبيب بن بشر عن أنس بن مالك
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير شبيب بن بشر وفيه كلام،
والراجح أنه حسن الحديث. ولذلك قال في " زوائد البزار ": " حسن ". وقال في
" مجمع الزوائد " (7 / 327) :(5/280)
" رواه البزار، وفيه شبيب بن بشر وهو لين،
ووثقه ابن حبان، وقال: يخطىء، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: قد وثقه ابن معين أيضا، والراجح فيه ما ذكرنا آنفا. وللشطر الثاني من
الحديث طريق أخرى عن أنس سقته فيما تقدم (1887) . وشاهد آخر من حديث أبي
هريرة ذكرته هناك. وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن عمرو يأتي تحت الحديث (
2253) ، فالحديث صحيح.
2239 - " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ".
أخرجه مسلم (2 / 201) والدارمي (2 / 443) وابن ماجة (رقم 206 - تحقيق
الأعظمي) من طريق الزهري عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر
بـ (عسفان) وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟
فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال:
فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارىء لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم
بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
2240 - " يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك
عند آخر آية (كنت) تقرأ بها ".
أخرجه أبو داود (1464) والترمذي (2915) وابن حبان (1790) والزيادة له
والحاكم (1 / 552 - 553) وابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 498) وابن
نصر في " قيام الليل " (ص 70) وأحمد (2 / 192) والرامهرمزي في " المحدث
الفاصل "(5/281)
(ص 76 - 77) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 435 / 1178) وابن
عبد الهادي في " هداية الإنسان " (2 / 44 / 1) من طريق عاصم بن أبي النجود عن
زر عن عبد الله - زاد بعضهم: ابن عمرو - مرفوعا، وأوقفه بعضهم وهو في
حكم المرفوع، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الذهبي: " صحيح ".
وكأنه موافقة منه للحاكم، ولكن سقط من " المستدرك " تصريحه بالتصحيح، وهو
عندي حسن للخلاف المعروف في عاصم. لكن يزداد قوة بالشاهد الذي يرويه فراس عن
عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة:
اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه ". أخرجه ابن
ماجة (3825) وأحمد (3 / 40) . قلت: وعطية - وهو العوفي - ضعيف، وبه
أعله البوصيري في " الزوائد " (227 / 2) وفاته أنه لم يتفرد به، فقد قال
ابن أبي شيبة (10 / 498 / 10104) : حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي
صالح عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة - شك الأعمش - قال: " يقال لصاحب القرآن يوم
القيامة: اقرأ وارقه، فإن منزلك عند آخر آية تقرأها ". قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط الشيخين، وتردد الأعمش بين أبي سعيد وأبي هريرة لا يضر لأن
كلاهما صحابي كما لا يضر وقفه لما سبق.
(تنبيه) : أخطأ في هذا الحديث رجلان: أحدهما: المنذري، فإنه عزا الحديث
للترمذي وأبي داود وابن ماجة عن ابن عمرو، وإنما رواه ابن ماجة عن أبي سعيد
كما سبق. والآخر: الأستاذ الدعاس، فإنه عزاه في تعليقه على " سنن الترمذي "
(8 / 117)(5/282)
للبخاري نقلا عن " تيسير الوصول "، فلا أدري آلوهم منه أم من "
التيسير "؟ فليراجع. (فائدة) : قال ابن عبد الهادي بعد أن عزا الحديث إلى
بعض من ذكرنا وزاد (النسائي) ولم يروه في " الصغرى " له وإنما في " الكبرى
- فضائل القرآن " كما في " تحفة الأشراف " للمزي (6 / 290) : " وقال الخطيب
: وكل حديث جاء فيه: " عاصم عن زر عن عبد الله " غير منسوب فهو ابن مسعود،
غير هذا الحديث ". وقال الخطابي في " معالم السنن " (2 / 136) : " قلت:
جاء في الأثر: أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارىء: أرق في
الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى
على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءا منها كان رقية في الدرج على قدر ذلك،
فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة ". والأثر الذي أشار إليه أخرجه ابن
أبي شيبة (10 / 466 / 10001) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن السدوسي عن معفس بن
عمران عن أم الدرداء قالت: " دخلت على عائشة فقلت: ما فضل من قرأ القرآن على
من لم يقرأه ممن دخل الجنة؟ فقالت: إن عدد درج الجنة على عدد آي القرآن،
فليس أحد ممن دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن ". و (معفس) هذا ترجمه ابن أبي
حاتم (4 / 1 / 433) برواية اثنين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
، ومحمد بن عبد الرحمن السدوسي أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 324) برواية
وكيع عنه ولم يزد. فهو مجهول. ووكيع - وهو ابن الجراح - من شيوخ ابن أبي
شيبة الذين يكثر عنهم، فالظاهر أنه سقط اسمه من " ابن أبي شيبة " كما أن اسم
شيخه وقع فيه (مقعس) بالقاف ثم العين. وهو خطأ مطبعي. وجملة القول أن
إسناد هذا الأثر ضعيف. والله أعلم.(5/283)
واعلم أن المراد بقوله: " صاحب القرآن
"، حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب
الله.. "، أي أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في
الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم، ففيه
فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى،
وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أكثر
منافقي أمتي قراؤها ". وقد مضى تخريجه برقم (750) .
2241 - " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. يعني أنسا رضي الله عنه ".
هو من حديث أنس بن مالك وله عنه طرق: الأولى: عن قتادة عنه قال: قالت
أمي (وفي رواية: أم سليم) : يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له. قال
: فذكره. أخرجه البخاري (6334 و 6344 و 6378 و 6380) ومسلم (7 / 159)
والترمذي (3827) وقال: " حديث حسن صحيح " والطيالسي (1987) وأحمد (6 /
430) إلا أنه قال: " عن أنس عن أم سليم "، فجعله من مسند أم سليم، وهو
رواية للشيخين، ورواية الترمذي. الثانية: عن هشام بن زيد: سمعت أنس بن
مالك يقول مثل ذلك. أخرجه البخاري (6379) ومسلم.
الثالثة: عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا وما هو
إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقالت أمي: يا رسول(5/284)
الله! خويدمك، ادع الله
له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: فذكره.
أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (88) والطيالسي (2027) وأحمد
(3 / 193 - 194) وعبد بن حميد في " مسنده " (ق 165 / 2) . ثم رواه هو (
164 / 2) وأحمد (3 / 248) من طريقين آخرين عن ثابت به نحوه. وقال ابن
حميد: " وأدخله الجنة " مكان قوله: " وبارك له فيما أعطيته ". وسنده صحيح
على شرط مسلم. وزاد: " قال: فلقد رأيت اثنتين، وأنا أرجو الثالثة ".
الرابعة: عن الجعد أبي عثمان قال: حدثنا أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى
الله عليه وسلم فسمعت أمي أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله!
أنيس. فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات، قد رأيت منها اثنتين
في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة. أخرجه مسلم.
الخامسة: عن حميد عن أنس: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم،
فقالت: يا رسول الله! إن لي خويصة. قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس. فما
ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به: اللهم.. فإني لمن أكثر الأنصار مالا،
وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة ".
أخرجه البخاري (1982) والسياق له وابن حبان في " صحيحه " (9 / 158 /(5/285)
7142
- الإحسان) وأحمد (3 / 108) ويعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 532)
وإلا أنه قال: " اللهم ارزقه المال وبارك له فيه، - أظنه قال - وأطل عمره "
. وإسناده على شرط الشيخين، ولطول العمر طريق أخرى تأتي إن شاء الله تعالى.
السادسة: عن إسحاق - وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة المدني -: حدثنا أنس به
دون التبريك، وزاد: قال أنس: فوالله! إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي
ليتعادون على نحو المائة اليوم. أخرجه مسلم.
السابعة: عن حفصة بنت سيرين عن أنس به. وزاد: " قال أنس: فلقد دفنت من
صلبي - سوى ولد ولدي - خمسا وعشرين ومائة، وإن أرضي ليثمر في السنة مرتين،
وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 /
267) معلقا، والطبراني في " الكبير " (1 / 248 / 710) موصولا، ورجاله
ثقات غير إبراهيم بن عثمان المصيصي فلم أعرفه، وقد ساقه الحافظ في " الإصابة
" من رواية الطبراني بإسناده، وسكت عنه.
الثامنة: عن عبد العزيز بن أبي جميلة عن أنس قال: إني لأعرف دعوة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في وفي مالي وفي ولدي. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7
/ 19 - 20) . ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد العزيز هذا، ترجمة ابن أبي
حاتم (2 / 2 / 379) ومن قبله البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 15) بهذه
الرواية، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 166) .(5/286)
التاسعة: عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله
عليه وسلم؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان
له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجد منه ريح المسك.
أخرجه الترمذي (3832) ، وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح،
رجاله ثقات رجال الصحيح.
العاشرة: عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: " كان كرم أنس يحمل كل سنة مرتين
". أخرجه ابن سعد وسنده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه الطبراني في " الأوسط
" (1 / 31 / 1 / 503) من طريق أخرى عن ثمامة به نحو الطريق التالي، دون قول
أنس: " فقد دفنت.. "، وسنده جيد.
الحادية عشرة: عن سنان بن ربيعة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ذهبت بي أمي
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! خويدمك ادع الله له
، قال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ". قال أنس: فقد
دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو قال: مائة واثنين، وإن ثمرتي لتحمل في
السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة، (وفي رواية: حتى استحييت من الناس
) وأنا أرجو الرابعة. أخرجه ابن سعد (7 / 19) والبخاري في " الأدب المفرد
" (653) والرواية الأخرى له وفيها سعيد بن زيد - وهو الأزدي - صدوق له
أوهام ورواية ابن سعد سالمة منه ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (4 / 229) :(5/287)
" وإسناده صحيح ". وقد أشار البخاري إلى هذه الطريق في بعض تراجمه لهذه
الحديث بقوله في " الدعوات " (11 / 144) : " باب دعوة النبي صلى الله عليه
وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ". وقد أيد ذلك الحافظ برواية " الأدب
المفرد " المتقدمة "، وفاتته رواية ابن سعد، وهي أصح كما سبق. وقد تقدم
لها شاهد في الطريق الخامسة. ثم وجدت لها شاهدا آخر ذكره الحافظ المزي في "
تهذيب الكمال " (2 / 364) فقال: " وقال الحسين بن واقد وغيره عن ثابت عن
أنس: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده
وأطل حياته ". ففيه جواز الدعاء للإنسان بطول العمر، كما هي العادة في بعض
البلاد العربية، خلافا لقول بعض العلماء ويؤيده أنه لا فرق بينه وبين الدعاء
بالسعادة ونحوها، إذ إن كل ذلك مقدر، فتأمل.
2242 - " إذا مررتم باليهود ... فلا تسلموا عليهم وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم
".
أخرجه الفسوي في " المعرفة " (2 / 491) : حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن
جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة(5/288)
الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره بزيادة (والنصارى
) . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن البخاري روى لعبد
الحميد بن جعفر تعليقا. لكني أرى أن ذكر (النصارى) في هذا الحديث خطأ لعله
من بعض الناسخين، فإن الإمام أحمد قد رواه في " المسند " (6 / 398) بإسناد
الفسوي دون هذه اللفظة، وسياقه هكذا: قال: قال لهم يوما: " إني راكب إلى
يهود، فمن انطلق معي، فإن سلموا عليكم، فقولوا: وعليكم ". وزاد: "
فانطلقنا، فلما جئناهم سلموا علينا، فقلنا: وعليكم ". وهكذا رواه
الطبراني في " الكبير " (2 / 311 / 2162) : حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا أبو
عاصم به. وتابعه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه أحمد
والطبراني والبخاري في " الأدب المفرد " (1102) وابن أبي شيبة في " المصنف "
(8 / 630) وكذا ابن ماجة (3743 - تحقيق الأعظمي) لكنهم جعلوه من مسند أبي
عبد الرحمن الجهني! وهو شاذ من أوهام ابن إسحاق عندي، وأعله البوصيري في "
الزوائد " (223 / 1) بتدليس ابن إسحاق، وخفي عليه أنه قد صرح بالتحديث عند
أحمد (4 / 233) فى إحدى روايته مع أنه قد عزاه إليه! فالعلة ما ذكرته من
الشذوذ لمخالفته لرواية أبي عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل - عن عبد الحميد
ابن جعفر. وتابعه وكيع عنه. رواه أحمد وابن أبي شيبة.(5/289)
وتابع عبد الحميد
أبو أسامة حماد بن أسامة عند النسائي في " عمل اليوم والليلة " (305 / 388)
. وتابعه ابن لهيعة عند النسائي أيضا وأحمد والطبراني. قلت: فهذه
المتابعات لعبد الحميد تؤكد شذوذ ابن إسحاق في جعله الحديث من مسند أبي عبد
الرحمن الجهني، ولاسيما وقد وافقهم في رواية البخاري ومن ذكره قبله. كما
تؤكد شذوذ النصارى في هذا الحديث، وإن جاء هذا اللفظ في حديث ابن عمر أيضا
عند النسائي (379) ، فإنه شاذ أيضا لمخالفته للرواية الأخرى عنده (380)
أيضا، وهي في " الصحيحين " وابن حبان (502 - الإحسان) دونها. والحديث
قال الهيثمي (8 / 41) : رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، وزاد: " فلما
جئناهم سلموا علينا، فقلنا: وعليكم "، وأحد إسنادي أحمد والطبراني رجاله
(رجال الصحيح) ". ولي عليه ملاحظتان:
الأولى: أن زيادة الطبراني هي عند أحمد أيضا!
والأخرى: أنه كان عليه أن يخرج رواية ابن إسحاق.. عن أبي عبد الرحمن الجهني
، فإنها على شرطه، لورودها عند أحمد كما تقدم، وكذا عند الطبراني (22 / 390
/ 743) وأن يبين شذوذها وأنه لا يقويها متابعة إسحاق بن عبد الله بن أبي
فروة عند الطبراني أيضا (744) لأنه - أعني إسحاق - متروك كما قال الحافظ في "
التقريب ". وقد كنت خرجت الحديث في " إرواء الغليل " (5 / 112 - 113) بأخصر
مما هنا نحوه، وفيه فوائد لم تذكر هنا، فمن ابتغاها فيرجع إليه. واعلم أن
عدم ثبوت لفظه (النصارى) لا يعني جواز ابتدائهم بالسلام لأنه قد صح النهي عن
ذلك في غيرما حديث صحيح، وفي بعضها اللفظ المذكور، كما صح قوله(5/290)
صلى الله
عليه وسلم: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم ". وهي مخرجة في "
الإرواء " (5 / 111 - 118) ، والرد عليهم بـ (وعليكم) محمول عندي على ما
إذا لم يكن سلامهم صريحا، وإلا وجب مقابلتهم بالمثل: (وعليكم السلام)
لعموم قوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *،
ولمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سلم عليكم اليهود - فإنما يقول أحدهم:
السام عليكم - فقل: وعليك ". أخرجه البخاري (6257) ومسلم وغيرهما.
ولعل هذا هو وجه ما حكاه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 45) عن جماعة من
السلف أنهم ذهبوا إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم: " عليكم السلام " كما
يرد على المسلم. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2243 - " ابدأ بمن تعول، والصدقة عن ظهر غنى ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 227 / 3129) من طريق أبي الزبير عن
أبي صالح مولى حكيم بن حزام عن حكيم بن حزام أنه سأل النبي صلى الله عليه
وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: فذكره. قلت: ورجال إسناده ثقات غير أبي صالح
، قال الذهبي والعسقلاني: " لا يعرف ". وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (3
/ 116) ، فقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وأبو صالح مولى حكيم لم أجد
من ترجمه ". قلت: لكن قد تابعه جمع من الثقات عند الشيخين وغيرهما كما يأتي
ولقد أخطأ في حق هذا الحديث جماعة من العلماء، فلابد من التنبيه على ذلك:
الأول: الهيثمي في إيراده إياه في " المجمع " وهو من المتفق عليه عن حكيم بن(5/291)
حزام. الثاني: السيوطي، فإنه لما أورده في " الجامع الصغير "، " الكبير "
أيضا عزاه للطبراني فقط وهذا تقصير فاحش لإيهامه أنه ليس في " الصحيحين "
وإلا لعزاه إليهما! وهذا مما حمل بعض الشراح على تضعيف الحديث! وهو المناوي
كما يأتي. ولقد أخطأ السيوطي خطأ آخر، قلده فيه المناوي، وهو أنه أورد
الحديث دون الشطر الثاني منه، فأوهم أنه عند الطبراني كذلك! وإنما هو عنده
بشطريه كما ترى. الثالث: المناوي فإنه قال في شرحه " فيض القدير ": " رمز
المؤلف (السيوطي) لصحته وليس كما قال، فقد قال الهيثمي.. ". فذكر كلامه
المتقدم. وهذا من أفحش الخطأ الذي رأيته للمناوي وإنما ينشأ ذلك من قلة حفظه
، أو عدم استحضاره أن الحديث في " الصحيحين " من غير طريق أبي صالح هذا وفي
هذه الحالة لا يجوز تضعيف الحديث ولاسيما وقد صححه من صححه، كما لا يخفى على
أهل هذه الصناعة. وإذا عرفت هذا، فقد تابع أبا صالح هذا عروة بن الزبير عند
البخاري وغيره وموسى بن طلحة بن عبيد الله عند مسلم وغيره، وهما مخرجان في
" إرواء الغليل " مع شواهد كثيرة عن أبي هريرة وغيره، فراجعها فيه (3 / 316
- 319) إن شئت. ومن الغريب أن متابعة عروة قد أخرجها الطبراني أيضا (3092)
، فأوردها الهيثمي أيضا في " المجمع " (3 / 98) مع كونها في البخاري زاعما أن
في رواية الطبراني زيادة ليست عند البخاري وهي بلفظ: " ومن يستعف يعفه الله
ومن يستغن يغنه الله عز وجل ". وهي عند البخاري أيضا، كما نبه عليه الأخ
الفاضل حمدي السلفي في تعليقه(5/292)
على الطبراني. ثم إن لأبي صالح متابعا ثالثا
وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب، رواه الطبراني (3124) .
2244 - " اجتنبوا الكبائر السبع، فسكت الناس فلم يتكلم أحد، فقال: ألا تسألوني عنهن
؟ الشرك بالله وقتل النفس والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا
وقذف المحصنة والتعرب بعد الهجرة ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 124 / 5636) : حدثنا أحمد بن
رشدين حدثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن
محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على
المنبر يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف أحمد بن رشدين، وكذا
ابن لهيعة وأشار الهيثمي في " المجمع " (1 / 103) إلى إعلاله به.
وأقول: لكنه لم يتفرد به، فقد قال البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 /
107) : قال: أنبأنا إسحاق: عن عبدة سمع ابن إسحاق عن محمد بن سهل بن أبي
حثمة سمع أباه: سمع عليا: " الكبائر السبع. وقال الوليد بن كثير: حدثني
محمد بن سهل بن أبي حثمة مثله ". ذكره في ترجمة محمد بن سهل هذا ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا وقد كشفت لنا هاتان الروايتان عند البخاري أن في رواية
الطبراني علة أخرى، وهي أن الحديث من مسند علي وليس من مسند سهل بن أبي حثمة
، فإنه رواه عن علي في الروايتين وهما(5/293)
أصح من رواية ابن لهيعة، كما هو ظاهر.
وإذا عرفت ما سبق، فالحديث قوي لا علة له، إلا إن تمسك أو حاول أحد إعلاله
بمحمد بن سهل لكن قد روى عنه أولئك الثلاثة: يزيد بن أبي حبيب ومحمد بن إسحاق
والوليد بن كثير، وهو أبو محمد المدني، وكلهم ثقة، ويضم إليهم أبو عفير
الأنصاري والحجاج بن أرطاة، عند ابن أبي حاتم (3 / 2 / 277) ولم يذكر أيضا
فيه جرحا ولا تعديلا، بيد أنه إذا لوحظ أنه تابعي، وقد روى عنه هؤلاء
الخمسة، زد على ذلك أن ابن حبان ذكره في " الثقات " (3 / 238) ، فالنفس
تطمئن للاحتجاج بحديث مثله، وعلى ذلك جرى عمل كثير من المحققين، ولاسيما
إذا كان لحديثه شاهد كهذا الحديث على ما سأبينه، فلا جرم أن الحافظ ابن حجر
سكت عليه في " الفتح " (12 / 182) ، ثم صرح في الصفحة التالية بصحته، يعني
لشواهده، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. لكن وقع له خطأ في النقل يحسن
التنبيه عليه، فإنه قال: " وللطبراني من حديث سهل بن أبي خيثمة (!) عن علي
رفعه ... " فذكر حديث الترجمة. قلت: فذكر علي في رواية الطبراني خطأ ظاهر من
تخريجنا المتقدم، ويؤكد ذلك أن الحافظ ابن كثير ذكره في " التفسير " (1 /
484) من رواية ابن مردويه عن الطبراني - كما تقدم - إلا أنه وقع فيه كـ "
الفتح ": " أبي خيثمة " وهو خطأ مطبعي، وإنما رواه عن علي البخاري - كما
سبق - من طريق عبدة عن ابن إسحاق. ثم رأيت عند ابن جرير في " التفسير " (5 /
25) من طريق أخرى عن ابن إسحاق عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: "
إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة، وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر،
فقال: يا أيها الناس! إن الكبائر سبع. فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرات، ثم
قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! ما هي؟ قال: (فذكرها)
. فقلت لأبي:(5/294)
يا أبت! التعرب بعد الهجرة كيف لحق ههنا؟ فقال: يا بني! وما
أعظم من أن يهاجر الرجل، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد، خلع
ذلك من عنقه، فرجع أعرابيا كما كان ". قلت: وهذا موقوف ظاهر الوقف، وبه
أعل ابن كثير رواية الطبراني المرفوعة، فقال عقبها: " وفي إسناده نظر،
ورفعه غلط فاحش، والصواب ما رواه ابن جرير.. ". ثم ذكر هذا. لكن يمكن أن
يقال: إنه موقوف في حكم المرفوع، فلا منافاة بينهما، ولاسيما وقد جاءت له
شواهد مرفوعة، أذكر ما تيسر لي منها: 1 - عن أبي هريرة قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 72 / 109) وابن
أبي حاتم في " التفسير " من طريق أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه.
وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (578) مختصرا موقوفا. قلت: وهذا إسناد
حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر بن أبي سلمة
وهو صدوق يخطىء، كما في " التقريب "، ولا بأس به في المتابعات، كما في "
الترغيب " (3 / 49) وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى عن أبي هريرة به نحوه
، إلا أنه ذكر (السحر) مكان (التعرب) وهو مخرج في " إرواء الغليل " (5 /
24 / 1202) .
2 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه
وقال: " والرجوع إلى الأعراب بعد الهجرة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2
/ 49 / 2) من طريق أبي بلال الأشعري قال:(5/295)
حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق
بن عبد الله بن أبي فروة عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عنه.
وقال: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بلال ".
قلت: واسمه مرداس بن محمد، ضعفه الدارقطني والحاكم، وذكره ابن حبان في "
الثقات "، وقال: " يغرب ". وبه أعله الهيثمي (1 / 104) ، وقال: " وهو
ضعيف ". وإعلاله بإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة أولى، فإنه متروك شديد
الضعف.
3 - عن عبد الله بن عمرو قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ثم قال: "
أبشروا من صلى الخمس، واجتنب الكبائر السبع، نودي من أبواب الجنة ". فقيل
له: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهن؟ قال: نعم ... فذكر مثل حديث علي
سواء. كذا ذكره الحافظ في " الفتح " (12 / 182) من رواية إسماعيل القاضي من
طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه. والمطلب هذا صدوق كثير الإرسال
والتدليس، كما قال في " التقريب ". ثم ذكر الحافظ لحديث علي لفظا آخر وفيه:
" التعرب بعد الهجرة ". وعزاه لابن أبي حاتم من طريق مالك بن حريث عنه. كذا
وقع فيه " حريث ". ووقع في " تفسير ابن كثير ": " جرير "، وقد ساق إسناده
من طريق ابن أبي حاتم، وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح غير مالك هذا،
وأنا أظن(5/296)
أنه تحرف اسم أبيه على الطابعين أو الناسخين. وأنه مالك بن الحارث،
فقد جاء في " ثقات ابن حبان " (3 / 241 - 242) : " مالك بن الحارث الكوفي
السلمي، أبو موسى، يروي عن علي وابن عباس، روى عنه محمد بن قيس وأهل
الكوفة في آخر ولاية الحجاج بن يوسف ". وذكر ابن أبي حاتم (4 / 1 / 207)
أنه روى عنه منصور بن المعتمر والأعمش، وأن ابن معين قال فيه: ثقة. وذكر
بعده مالك بن الحارث الأشتر النخعي، روى عن علي أيضا، وكلاهما من رجال "
التهذيب "، وذكر أن الأول من رجال مسلم، ولم يذكر أنه روى عن علي، بخلاف
الأشتر، فإنه روى عن علي، فالظاهر أنه هو راوي هذا الحديث، فالإسناد صحيح.
والله أعلم. ومما جاء في خطورة التعرب بعد الهجرة، حديث سلمة بن الأكوع أنه
دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع! ارتددت على عقبيك؟ تعربت؟ ! قال: لا،
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو. أخرجه البخاري (7087)
ومسلم (6 / 27) والنسائي (2 / 184) والطبراني في " الكبير " (7 / 38 /
6298) وأحمد (4 / 54) مختصرا وكذا ابن سعد في " الطبقات " (4 / 306) .
وله طريق أخرى، يرويه عبد الرحمن بن حرملة عن محمد بن إياس بن سلمة بن الأكوع
أن أباه حدثه أن سلمة بن الأكوع قدم المدينة، فلقيه بريدة بن الحصيب، فقال:
ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟ ! فقال: معاذ الله، إني في إذن من رسول الله صلى
الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ابدوا يا
أسلم! فتنسموا الرياح، واسكنوا الشعاب ". فقالوا: إنا نخاف أن يغير ذلك
هجرتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(5/297)
" أنتم مهاجرون حيثما كنتم ".
أخرجه أحمد (4 / 55) والطحاوي في " المشكل " (2 / 299) والطبراني في "
الكبير " (7 / 26 / 6265) وكذا البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 21) .
ورجاله ثقات رجال مسلم غير محمد (ووقع في " المسند " سعيد) بن إياس، ترجمه
البخاري بهذه الرواية وكذا ابن أبي حاتم (3 / 2 / 305) ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا. وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني وفيه سعيد بن إياس،
ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: سعيد ليس في رواية الطبراني والآخرين
وإنما هو في رواية أحمد كما سبق وهو خطأ من بعض الرواة. وروى أحمد عقبه من
طريق بكر بن عبد الله عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال "
أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! فقال: أنتم أهل
بدونا ونحن أهل حضركم. وسنده صحيح. وروى عبد الرحمن بن حرملة أيضا عن محمد
بن عبد الله بن الحصين عن عمر بن عبد الرحمن بن جرهد قال: سمعت رجلا يقول
لجابر بن عبد الله: من بقي معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:
بقي أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع. فقال رجل: أما سلمة فقد ارتد عن هجرته.
فقال جابر: لا تقل ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسلم: "
ابدوا يا أسلم! ". قالوا: يا رسول الله! إنا نخاف أن نرتد بعد هجرتنا.
فقال:(5/298)
" أنتم مهاجرون حيث كنتم ". أخرجه الطحاوي (2 / 298 - 299) وأحمد (
3 / 361 - 362) . وقال الهيثمي (5 / 252) : " وعمر هذا لم أعرفه وبقية
رجاله رجال الصحيح ". قلت: وقد ترجمه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 172
) وابن أبي حاتم (3 / 1 / 121) وابن حبان في " الثقات " (3 / 135) برواية
ابن حرملة هذا وابن إسحاق أيضا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فقالوا: هو
أخو زرعة بن عبد الرحمن. ومن الملاحظ أن ابن حرملة روى عنه بواسطة محمد بن
عبد الله بن الحصين وهذا مما لم يذكروه ولم يتنبه لذلك الحافظ ابن حجر في "
التعجيل " وقد ترجمه فيمن اسمه (عمر) ومن اسمه (عمرو) . ثم إن ظاهر كلام
الهيثمي المتقدم أن ابن الحصين هذا من رجال (الصحيح) ولم أره في " التهذيب "
وغيره. وفي " تاريخ البخاري " و " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 317) : "
محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين التميمي، روى عن عائشة وعوف بن
الحارث وعروة بن الزبير. وعنه ابن إسحاق ". فيجوز أن يكون هذا وقع في
الحديث منسوبا إلى جده عبد الله. والله أعلم.
(التعرب بعد الهجرة) ، قال ابن الأثير في " النهاية ": " هو أن يعود إلى
البادية، ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا. وكان من رجع بعد الهجرة إلى
موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد ". قلت: ونحوه: (التغرب) : السفر إلى
بلاد الغرب والكفر، من البلاد الإسلامية إلا لضرورة وقد سمى بعضهم بـ (
الهجرة) ! وهو من القلب للحقائق الشرعية الذي(5/299)
ابتلينا به في هذا العصر، فإن
(الهجرة) إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. والله هو المستعان.
2245 - " إذا أذنت المغرب فاحدرها مع الشمس حدرا ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 210 / 6744) من طريق يحيى الحماني
حدثنا إبراهيم بن أبي محذورة عن أبيه عن جده عن أبي محذورة قال: قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سناد ضعيف، إبراهيم هذا
هو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وفيه ضعف أشار إليه الحافظ
بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وبيض له الذهبي في " الكاشف "، فلم
يقل فيه شيئا تبعا للبخاري وابن أبي حاتم لكن هذا ذكر في " العلل " (1 / 114
) عن أبيه: " شيخ ". وأبوه عبد العزيز، وجده عبد الملك من المقبولين عند
الحافظ. ويحيى، وهو ابن عبد الحميد الحماني، قال الحافظ: " حافظ، إلا
أنهم اتهموه بسرقة الحديث ". وقد خالفه عبد الله بن عمر بن أبان فقال: حدثنا
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت أبي يقول: عن
أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وقت المغرب احدرها مع الشمس "(5/300)
قلت: فهذا مرسل لم يذكر في إسناده: " عن أبي محذورة " إلا أن يكون سقط من
الناسخ أو الطابع، فهذا محتمل. وعبد الله هذا ثقة من شيوخ مسلم، وهو ابن
عمر بن محمد بن أبان المعروف بـ (مشكدانة) . وبالجملة، فالإسناد ضعيف،
لأنه إن سلم من الإرسال فلن يسلم من إبراهيم أو أبيه أو جده، ومع ذلك قال
الهيثمي في كل من الحديثين (1 / 311) : " وإسناده حسن "! وقد كنت اعتمدت
عليه حين خرجت أحاديث " الجامع الصغير وزيادته "، وجعلته قسمين " الصحيح "
و" الضعيف "، ولم أكن قد وقفت على إسناده، فأوردته في " الصحيح " برقم (295
) والآن وقد وقفت عليه وتبينت ضعفه وتساهله في تحسينه، فحقه أن يودع في "
ضعيف الجامع " لكن منعني من ذلك أنني وجدت له شاهدا قويا من حديث سلمة بن
الأكوع قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس،
إذا غاب حاجبها ". أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (
443) . قوله: " فاحذرها " أي: صلاة المغرب. قال ابن الأثير في " النهاية "
: " (فاحدر) ، أي: أسرع، حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا، وهو من الحدور
ضد الصعود، ويتعدى ولا يتعدى ". قلت: وهذه من السنن المتروكة في بلاد
الشام، ومنها عمان، فإن داري في جبل هملان من جبالها، أرى بعيني طلوع الشمس
وغروبها، وأسمعهم يؤذنون للمغرب بعد غروب الشمس بنحو عشر دقائق، علما بأن
الشمس تغرب عمن كان في وسط عمان ووديانها قبل أن تغرب عنا! وعلى العكس من
ذلك فإنهم يؤذنون لصلاة الفجر قبل دخول وقتها بنحو نصف ساعة. فإنا لله وإنا
إليه راجعون.(5/301)
2246 - " اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في
شامنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، فقال رجل: يا رسول الله!
وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثا، كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا،
فيعرض عنه، فقال: بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان ".
أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 746 - 748) والمخلص في " الفوائد
المنتقاة " (7 / 2 - 3) والجرجاني في " الفوائد " (164 / 2) وأبو نعيم في
" الحلية " (6 / 133) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 120) من طرق عن
توبة العنبري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا
، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد تابعه زياد بن
بيان حدثنا سالم به. أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 246 / 1 /
4256) وأبو علي القشيري الحراني في " تاريخ الرقة " (2 / 20 / 1 - 2)
والربعي في " فضائل الشام ودمشق " (11 / 20) وابن عساكر (1 / 121 - 122)
وقال الطبراني: " لم يروه عن زياد إلا إسماعيل، تفرد به ابنه حماد "! كذا قال
! وهو عند ابن عساكر من طريق سليمان بن عمر بن خالد الأقطع أخبرنا إسماعيل بن
إبراهيم - وهو ابن علية - به. وعند القشيري من طريق العلاء بن إبراهيم حدثنا
زياد بن بيان به. قلت: وزياد بن بيان - هو الرقي - صدوق عابد كما قال الحافظ
في " التقريب "،(5/302)
فالإسناد جيد. وتابعه نافع عن ابن عمر به، ولم يذكر مكة.
أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 384 / 13422) وفي " الأوسط " (1 / 215
/ 1 / 3851) من طريق إسماعيل بن مسعود: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عون
عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد جيد أيضا، عبيد الله هذا، قال البخاري في "
التاريخ " (3 / 1 / 388) : " معروف الحديث ". وقال ابن أبي حاتم (2 / 2 /
322) عن أبيه: " صالح الحديث ". وتابعه أزهر بن سعد أبو بكر السمان:
أخبرنا ابن عون به، إلا أنه قال: " نجدنا " مكان " عراقنا "، والمعنى واحد
. أخرجه البخاري (1037 و 7094) والترمذي (3948) وابن حبان (7257 -
الإحسان) والبغوي في " شرح السنة " (14 / 206 / 4006) وصححوه وأحمد (2 /
118) وابن عساكر (1 / 122 - 124) . وتابعه عبد الرحمن بن عطاء عن نافع به
، إلا أنه قال: " مشرقنا " مكان " عراقنا "، وزاد في آخره: " وبها تسعة
أعشار الشر ". أخرجه أحمد (2 / 90) والطبراني في " الأوسط " (1 / 102 / 2
/ 2087) وابن عساكر (1 / 125) وقال الطبراني: " لم يروه عن عبد الرحمن بن
عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به ابن وهب ".(5/303)
قلت: ولفظ الزيادة عنده: "
وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال ". فلعله يعني بالتفرد هذه الزيادة
وإلا فالحديث مع الزيادة الأولى قد تابعه عليه أبو عبد الرحمن - وهو عبد الله
بن يزيد - عند أحمد وابن عساكر ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن
عطاء وهو ثقة على ضعف فيه كما يشعر به قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق،
فيه لين ". فعندي وقفة في ثبوت هذه الزيادة، لتفرد عبد الرحمن بها دون سائر
الرواة، ولاسيما وقد رواها الفسوي (2 / 750 و 751) عن ابن مسعود وعلي رضي
الله عنهما موقوفا ولا يظهر لي أنها في حكم المرفوع. والله أعلم. وتابعه
أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك عن نافع به، إلا أنه قال: " العراق ومصر
". أخرجه أبو عبد الله القطان في " حديثه " (ق 59 / 2) ، وأبو أمية
الطرسوسي في " مسند ابن عمر " (ق 207 / 1 - 2) ، وابن عساكر (1 / 124 - 125
) من طريق محمد ابن يزيد بن سنان الرهاوي عن أبيه: حدثني أبو رزين الفلسطيني
عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عبيد ثقة، لكن أبو رزين الراوي عنه لم
أعرفه، وقد أورده الذهبي في " المقتنى في الكنى " بهذه الرواية، ولم يسمه.
والرهاوي ليس بالقوي، كما قال الحافظ، فذكر " مصر " في هذا الطريق منكر.
وبالله التوفيق. وله شاهد، يرويه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس مرفوعا نحو حديث الترجمة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 84 / 12553) .(5/304)
لكن إسناده ضعيف جدا، إسحاق قال البخاري: " منكر الحديث
". وأبوه عبد الله صدوق يخطىء كثيرا كما قال الحافظ في " التقريب ". وشاهد
آخر من رواية الحسن البصري مرسلا. أخرجه يعقوب الفسوي (2 / 750) ، ومن
طريقه ابن عساكر (1 / 128) . وإسناده صحيح مرسل. وقد روي من حديث معاذ،
وفيه زيادة في آخره جوابا لقول الرجل: " وفي عراقنا " تخالف جواب النبي صلى
الله عليه وسلم الثابت في جميع طرق الحديث، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر: "
الضعيفة " (5518) ، مع بيان المتهم بوضعه. وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث
الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين
عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة
العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا
الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (
العراق) كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام
الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم. وجهلوا أيضا أن كون الرجل من بعض
البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضا إذا كان صالحا في نفسه، والعكس
بالعكس. فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالم
وصالح. وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من
العراق إلى الشام: " أما بعد، فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا، وإنما يقدس
الإنسان عمله ". وفي مقابل أولئك المبتدعة من أنكر هذا الحديث وحكم عليه
بالوضع لما فيه من(5/305)
ذم العراق كما فعل الأستاذ صلاح الدين المنجد في مقدمته على
" فضائل الشام ودمشق "، ورددت عليه في تخريجي لأحاديثه، وأثبت أن الحديث
من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية، فانظر الحديث الثامن منه.
2247 - " كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه ".
أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 121) ومن طريقه البيهقي في " السنن
الكبرى " (2 / 28) والطبراني في " الكبير " (22 / 9 / 1) من طريق آخر:
حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا موسى بن عمير العنبري قال: حدثني علقمة بن وائل
عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ... ورأيت علقمة يفعله. قال
الفسوي: " وموسى بن عمير كوفي ثقة ". قلت: ووثقه آخرون من الأئمة وسائر
الرواة ثقات من رجال مسلم، فالسند صحيح. وأخرجه النسائي (1 / 141) من طريق
عبد الله بن المبارك عن موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم العنبري قالا:
حدثنا علقمة بن وائل به نحوه دون فعل علقمة. ورواه أحمد (4 / 316) وابن
أبي شيبة في " المصنف " (1 / 390) : حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري
به مختصرا بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله
في الصلاة ". فلم يذكر القيام. ورواه البغوي في " شرح السنة " (3 / 30) من
طريق أخرى عن وكيع. وهكذا رواه أحمد (4 / 316 - 319) من طريق أخرى عن وائل
بن حجر دون القيام.(5/306)
ولا يشك الباحث في طرق هذا الحديث أنه مختصرا أيضا -
كرواية وكيع - من حديث وائل المبين لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
والقيام الذي قبض فيه يديه، وهو الذي قبل الركوع، جاء ذلك من طريقين: الأولى
: عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل
بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل الصلاة، كبر -
وصف همام - حيال أذنيه. ثم التحف بثوبه. ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. فلما
أراد أن يركع أخرج يده من الثوب ثم رفعها ثم كبر فركع. فلما قال: سمع الله
لمن حمده رفع يده. فلما سجد سجد بين كفيه. أخرجه مسلم (2 / 13) وأبو عوانة
(2 / 106 - 107) وأحمد (4 / 317 - 318) والبيهقي (2 / 28 و 71) .
الثانية: عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: " قلت: لأنظرن إلى
صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ قال: فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه. ثم أخذ شماله
بيمينه. فلما أراد أن يركع رفعها مثل ذلك. ثم وضع يديه على ركبتيه. فلما رفع
رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك.(5/307)
فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه،
ثم جلس فافترش رجله اليسرى.. وأشار بالسبابة.. " الحديث. أخرجه أبو داود
والنسائي وأحمد وغيرهم بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (716 -
717) برواية آخرين من الأئمة عن جمع من الثقات عن عاصم، يزيد بعضهم على بعض
، وأتمهم سياقا زائدة بن قدامة وبشر بن المفضل، وهو ثقة ثبت، والسياق له
، ولابن ماجة منه قوله: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فأخذ شماله
بيمينه ". قلت: فإذا نظر الناظر إلى هذه الجملة لوحدها، ولم يعلم، أو على
الأقل لم يستحضر أنها مختصرة من الحديث، فهم منها مشروعية الوضع لليدين في كل
قيام سواء كان قبل الركوع أو بعده، وهذا خطأ يدل عليه سياق الحديث، فإنه
صريح في أن الوضع إنما هو في القيام الأول، وهو في سياق عاصم بن أصرح، فإنه
ذكر رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ثم الركوع والرفع منه، يقول فيهما: مثل
ذلك، فلو كان في حفظ وائل وضع اليدين بعد الرفع لذكره أيضا كما هو ظاهر من
ذكره الرفع ثلاثا قبله، ولكن لما فصلت تلك الجملة عن محلها من الحديث أوهمت
الوضع بعد الرفع، فقال به بعض أفاضل العلماء المعاصرين، دون أن يكون لهم سلف
من السلف الصالح فيما علمت. ومما يؤكد ما ذكرنا رواية ابن إدريس عن عاصم به
مختصرا بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كبر أخذ شماله بيمينه "
. ومثل هذا الوهم بسبب الاختصار من بعض الرواة أو عدم ضبطهم للحديث يقع كثير،
ولقد كنت أقول في كثير من محاضراتي ودروسي حول هذا الوضع وسببه: يوشك أن
يأتي رجل ببدعة جديدة اعتمادا منه على حديث مطلق لم يدر أنه مقيد أيضا، ألا
وهي الإشارة بالإصبع في غير التشهد! فقد جاء في " صحيح مسلم " حديثان في
الإشارة بها في التشهد أحدهما من حديث ابن عمر، والآخر من حديث ابن الزبير،
ولكل منهما(5/308)
لفظان مطلق ومقيد، أو مجمل ومفصل: " كان إذا جلس في الصلاة وضع
يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها.. "، فأطلق
الجلوس. والآخر: " كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى،
ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى.. " الحديث. فقيد الجلوس بالتشهد. ونحوه
لفظا حديث ابن الزبير. فاللفظ الأول " جلس " يشمل كل جلوس، كالجلوس بين
السجدتين، والجلوس بين السجدة الثانية والركعة الثانية المعروفة عند العلماء
بجلسة الاستراحة. فكنت أقول: يوشك أن نرى بعضهم في هاتين الجلستين! فلم يمض
على ذلك إلا زمن يسير حتى قيل لي بأن بعض الطلاب يشيرون بها بين السجدتين! ثم
رأيت ذلك بعيني من أحد المتخرجين من الجامعة الإسلامية حين زارني في داري في
أول سنة (1404) ! ونحن في انتظار حدوث البدعة الثالثة، ألا وهي الإشارة
بها في جلسة الاستراحة! ثم حدث ما انتظرته، والله المستعان! وقد وقع مثل
هذا الاختصار الموهم لشرعية الإشارة في كل جلوس في حديث وائل أيضا من رواية
عاصم بن كليب عن أبيه عنه، وهو في " مسند أحمد " (4 / 316 - 319) على وجهين
: الأول: الإشارة مطلقا دون تقييد بتشهد. أخرجه (4 / 116 - 117) من طريق
شعبة عنه بلفظ: " وفرش فخذه اليسرى من اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة ".
وكذا أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 345 / 697) ، لكنه قال في آخره: "
يعني في الجلوس في التشهد ". وهذا التفسير، إما من وائل وإما من أحد رواته
والأول هو الراجح لما يأتي. وفي لفظ له في " المسند " (4 / 316) من رواية
عبد الواحد بلفظ:(5/309)
" فلما قعد افترش رجله اليسرى.. وأشار بإصبعه السبابة ".
وتابعه عنده (4 / 317 / 318) سفيان - وهو الثوري - وزهير بن معاوية،
ورواه الطبراني (22 / 78 و 83 و 84 و 85 و 90) من طريقهما وآخرين.
والآخر: الإشارة بقيد التشهد. وهو في " المسند " (4 / 319) من طريق أخرى
عن شعبة بلفظ: " فلما قعد يتشهد.. أشار بإصبعه السبابة وحلق بالوسطى ".
وسنده صحيح، وأخرجه ابن خزيمة أيضا (698) . وتابعه أبو الأحوص عند الطحاوي
في " شرح المعاني " (1 / 152) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 34 /
80) ، وزاد: " ثم جعل يدعو بالأخرى ". وتابعهما زائدة بن قدامة بلفظ: "
فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها ". أخرجه أبو داود وغيره
من أصحاب السنن، وأحمد (4 / 318) والطبراني (22 / 35 / 82) وصححه ابن
خزيمة وابن حبان وابن الجارود والنووي وابن القيم، وهو مخرج في " صحيح
أبي داود " (717) . وتابعه أبو عوانة بنحوه، وفيه: " ثم دعا ". أخرجه
الطبراني (22 / 38 / 90) . وابن إدريس مثله. رواه ابن حبان (486) .(5/310)
وسلام بن سليم عند الطيالسي (1020) . قال الطحاوي عقب رواية أبي الأحوص
المتقدمة: " فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة ". قلت: وهذا صريح في
رواية أبي عوانة المشار إليها آنفا، فإنه قال: " ثم سجد، فوضع رأسه بين كفيه
، ثم صلى ركعة أخرى، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم دعا ووضع كفه اليسرى على
ركبته اليسرى، وكفه اليمنى على ركبته اليمنى، ودعا بالسبابة ". وإسناده
صحيح. ونحوه رواية سفيان (وهو ابن عيينة) ، ولفظه: " وإذا جلس في
الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ونصب
إصبعه للدعاء ووضع يده اليسرى على رجله اليسرى ". أخرجه النسائي (1 / 173)
بسند صحيح، والحميدي (885) نحوه. قلت: فتبين من هذه الرواية الصحيحة أن
التحريك أو الإشارة بالإصبع إنما هو في جلوس التشهد، وأن الجلوس المطلق في
بعضها مقيد بجلوس التشهد، هذا هو الذي يقتضيه، الجمع بين الروايات، وقاعدة
حمل المطلق على المقيد المقررة في علم أصول الفقه، ولذلك لم يرد عن أحد من
السلف القول بالإشارة مطلقا في الصلاة ولا في كل جلوس منها فيما علمت، ومثل
ذلك يقال في وضع اليدين على الصدر، إنما هو في القيام الذي قبل الركوع،
إعمالا للقاعدة المذكورة. فإن قال قائل: قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم
بن كليب بإسناده المتقدم عن وائل.. فذكر الحديث والافتراش في جلوسه قال: "
ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى حلق بها وقبض سائر أصابعه، ثم(5/311)
سجد
فكانت يداه حذو أذنيه ". فهذا بظاهره يدل على أن الإشارة كانت في الجلوس بين
السجدتين، لقوله بعد أن حكى الإشارة: " ثم سجد.. ".
فأقول: نعم قد روى ذلك عبد الرزاق في " مصنفه " (2 / 68 - 69) ، ورواه عنه
الإمام أحمد (4 / 317) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 34 - 35)
وزعم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه عليه: " أنه أخرجه الأربعة إلا
الترمذي والبيهقي مفرقا في أبواب شتى ". وهو زعم باطل يدل على غفلته عن موجب
التحقيق فإن أحد منهم ليس عنده قوله بعد الإشارة: " ثم سجد "، بل هذا مما
تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وخالف به محمد بن يوسف الفريابي وكان ملازما
للثوري، فلم يذكر السجود المذكور. رواه عنه الطبراني (22 / 33 / 78) .
وقد تابعه عبد الله بن الوليد حدثني سفيان ... به. أخرجه أحمد (4 / 318) .
وابن الوليد صدوق ربما أخطأ، فروايته بمتابعة الفريابي له أرجح من رواية عبد
الرزاق، ولاسيما وقد ذكروا في ترجمته أن له أحاديث استنكرت عليه، أحدها من
روايته عن الثوري، فانظر " تهذيب ابن حجر " و " ميزان الذهبي "، فهذه
الزيادة من أوهامه. وإن مما يؤكد ذلك، أنه قد تابع الثوري في روايته
المحفوظة جمع كثير من الثقات الحفاظ منهم عبد الواحد بن زياد وشعبة وزائدة بن
قدامة وبشر بن المفضل وزهير بن معاوية وأبو الأحوص وأبو عوانة وابن إدريس
وسلام بن سليمان وسفيان بن(5/312)
عيينة، وغيرهم، فهؤلاء جميعا لم يذكروا في حديث
وائل هذه الزيادة، بل إن بعضهم قد ذكرها قبيل الإشارة، مثل بشر وأبي عوانة
وغيرهما، وقد تقدم لفظهما، وبعضهم صرح بأن الإشارة في جلوس التشهد كما سبق.
وهذا هو الصحيح الذي أخذ به جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء، ولا أعلم
أحدا قال بشرعيتها في الجلوس بين السجدتين، إلا ابن القيم، فإن ظاهر كلامه في
" زاد المعاد " مطابق لحديث عبد الرزاق، ولعل ذلك الطالب الجامعي الذي تقدمت
الإشارة إليه قلده في ذلك، أو قلد من قلده من العلماء المعاصرين، وقد بينت
له ولغيره من الطلاب الذين راجعوني شذوذ رواية عبد الرزاق ووهاءها، ولقد
أخبرني أحدهم عن أحد العلماء المعروفين في بعض البلاد العربية أنه يعمل بحديث
عبد الرزاق هذا ويحتج به! وذلك مما يدل على أنه لا اختصاص له بهذا العلم،
وهذا مما اضطرني إلى كتابة هذا التخريج والتحقيق، فإن أصبت فمن الله، وإن
أخطأت فمن نفسي. سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا ويهدينا إلى
الحق الذي اختلف فيه الناس، إنه يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم. والحمد
لله رب العالمين.
2248 - " كان إذا جلس في الثنتين أو في الأربع يضع يديه على ركبتيه، ثم أشار بإصبعه ".
أخرجه النسائي (1 / 173) والبيهقي (2 / 132) من طريقين عن ابن المبارك قال
: أنبأنا مخرمة بن بكير حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (2 / 90) من
طريق ابن عجلان عن عامر به نحوه بلفظ: " كان إذا قعد يدعو.. " ليس فيه ذكر
الثنتين والأربع وهي فائدة هامة تقضي(5/313)
على بدعة الإشارة بإصبعه في غير التشهد
، ولذلك خصصتها بالتخريج بيانا للناس. ورواه أحمد (4 / 3) بلفظ: " كان
إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه
اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ". وأخرجه أبو داود وغيره
نحوه، وزاد في رواية: " ولا يحركها ". وهي زيادة شاذة كما بينته في "
ضعيف أبي داود " (175) . وخرجت الرواية الأولى في " صحيح أبي داود " (908
و909) . وفي الحديث مشروعية الإشارة بالإصبع في جلسة التشهد، وأما الإشارة
في الجلسة التي بين السجدتين التي يفعلها بعضهم اليوم، فلا أصل لها إلا في
رواية لعبد الرزاق في حديث وائل بن حجر وهي شاذة كما تقدم بيانه في الحديث
الذي قبله بيانا لا تراه في مكان آخر، والحمد لله على توفيقه، وأسأله
المزيد من فضله.
2249 - " ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا (ويجعلون له ندا
) وإنه ليعافيهم (ويدفع عنهم) ويرزقهم (ويعطيهم) ".
أخرجه البخاري (6099 و 7378) ومسلم (8 / 133 - 134) ويعقوب الفسوي في "
المعرفة " (3 / 149 - 150) وأحمد (4 / 395 و 401 و 405) والبيهقي في "
الأسماء والصفات " (ص 504 - 505) من طرق عن الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن
أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى مرفوعا.(5/314)
والزيادة الأولى والأخيرة
لمسلم والوسطى لأحمد. وعزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " للشيخين فقط
بالزيادة الأولى!!
2250 - " إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في
الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم، في إخوانهم الذين
أدخلوا النار. قال: يقولون: ربنا! إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا
ويحجون معنا، فأدخلتهم النار. قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم،
فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى
أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته النار إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا!
أخرجنا من أمرتنا. ثم يقول: أخرجوا من كان قلبه في وزن دينار من الإيمان، ثم
من كان في قلبه وزن نصف دينار من الإيمان، حتى يقول: من كان في قلبه مثقال
ذرة - قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية: * (إن الله لا يظلم
مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * (1) - قال:
فيقولون: ربنا! قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير. قال:
ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي أرحم
الراحمين. قال: فيقبض قبضة من النار - أو قال: قبضتين - ناس لم يعملوا لله
خيرا قط، قد احترقوا حتى صاروا حمما. قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال له: ماء
الحياة فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون من
أجسادهم مثل
_________
(1) النساء: الآية: 40. اهـ.(5/315)
اللؤلؤ، في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله. قال: فيقال لهم:
ادخلوا الجنة، فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم، عندي أفضل من هذا.
قال: فيقولون: ربنا! وما أفضل من ذلك؟ قال: فيقول: رضائي عليكم، فلا
أسخط عليكم أبدا ".
أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " (2 / 49) : حدثنا عبد الرزاق - وهذا في
" مصنفه " (11 / 409 / 20857) - قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن
يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وكذلك أخرجه النسائي (5010) وابن ماجة (60) وابن خزيمة في " التوحيد " (
184) ، كلهم عن عبد الرزاق به إلا أن النسائي وقعت الآية عنده: * (إن الله لا
يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (1) . وهو مخالف لرواية
الآخرين، ولا أدري ممن الوهم ولكن رواية الجماعة الأولى، والأخرى شاذة.
وإن مما يؤيد ذلك أن الحديث أخرجه البخاري (7439) من طريق سعيد بن أبي هلال
، ومسلم (1 / 114 - 117) من طريق حفص بن ميسرة كلاهما عن زيد بن أسلم به
مطولا بالآية الأولى.
2251 - " صدق أبي ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 38 / 2) من طريق إبراهيم عن ابن
مسعود أنه سأل أبي بن كعب - ونبي الله صلى الله عليه وسلم يخطب - عن آية من
كتاب الله؟ فأعرض عنه، ولم يرد عليه فلما قضى صلاته قال: إنك لم تجمع ".
فسأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: فذكره.
_________
(1) النساء: الآية: 48 و 116. اهـ.(5/316)
قلت: وإسناده حسن ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير شيخ الطبراني وهو علي
بن عبد العزيز - وهو البغوي - ثقة حافظ، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي.
وقد يقول قائل: إنه مرسل منقطع بين إبراهيم وابن مسعود فكيف تحسن إسناده؟
فأقول: نعم، ولكن جماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما
أرسله عن ابن مسعود كما نقله في " التهذيب ". وقول البيهقي هو الصواب، لقول
الأعمش: قلت لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن
رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد
عن عبد الله. فهذا صريح في أن ما أرسله عن ابن مسعود يكون بينه وبين ابن
مسعود أكثر من واحد، وهم وإن كانوا مجهولين، فجهالتهم مغتفرة، لأنهم جمع
من جهة ومن التابعين - بل وربما من كبارهم - من جهة أخرى، وهذه فائدة أخرى
سبق أن ذكرتها في موضع آخر، لا يحضرني الآن. ومما يقوي هذه القصة بين ابن
مسعود وأبي بن كعب، أنها رويت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وابن
عباس رضي الله عنهما. 1 - أما حديث جابر، فأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 /
497 - 498) وعنه ابن حبان (577) والطبراني في " الأوسط " (1 / 252 / 2)
من طريق يعقوب القمي عن عيسى بن جارية عن جابر به نحوه. وقال المنذري (1 /
258) : " رواه أبو يعلى بإسناد جيد وابن حبان في (صحيحه) ". قلت: إسناده
محتمل للتحسين، للكلام المعروف في عيسى بن جارية ويعقوب بن عبد الله القمي.
2 - وأما حديث ابن عباس، فأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1809) بإسناد(5/317)
فيه
ضعف، كما بينته فيما علقته عليه. وروى الطبراني أيضا في " الكبير " من طريق
إبراهيم بن المهاجر البجلي: استقرأ رجل عبد الله بن مسعود والإمام يخطب يوم
الجمعة، فلم يكلمه عبد الله، فلما قضى الصلاة قال له عبد الله: " الذي سألت
عنه نصيبك من الجمعة ". والبجلي هذا صدوق سيء الحفظ. ثم روي بإسناد صحيح عن
ابن مسعود قال: " كفى لغوا أن تقول لصاحبك: أنصت، إذا خرج الإمام في الجمعة
". وقد وقع مثل هذه القصة بين أبي ذر وأبي بن كعب عند ابن خزيمة والطحاوي
وأحمد وغيرهم وترى ذلك في " الترغيب " (1 / 257 - 258) و " المجمع " (2 /
186) ولا منافاة بينهما، لجواز تعددها، كما لا يخفى.
2252 - " إن اتخذت شعرا فأكرمه ".
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 270 / 20516) عن معمر عن سعيد بن عبد
الرحمن الجحشي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: فذكره. قال: "
وكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين ". وأخرجه البيهقي في " شعب
الإيمان " (2 / 265 / 2) من طريق عبد الرزاق وزاد في الإسناد بعد سعيد: "
عن أشياخهم، فإذا صحت هذه الزيادة فيكون الحديث موصولا وإلا فهو مرسل لأن
سعيدا هذا تابعي روى عن بعض الصحابة وقد وثقه ابن حبان وقال النسائي: " ليس
به بأس ".(5/318)
مع أنه لم يرو عنه غير معمر، كما ذكرته في " تيسير انتفاع الخلان
بكتاب " ثقات ابن حبان " وحققت فيه أنه وقع في ترجمة سعيد هذا عنده عدة
تصحيفات، منها نسبة (الجحشي) هذه، وقعت فيه: (الحجبي) ، كما أنها تحرفت
في " الشعب " إلى " الجرشي "، الأمر الذي حال بيني وبين معرفتي إياه، حين
أوردت حديثه هذا شاهدا تحت الحديث المتقدم (666) وكان ذلك من دواعي إعادة
تخريجه وتصحيح نسبته إلى فوائد أخرى يأتي ذكرها بإذن الله تبارك وتعالى.
وقوله: " وكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين "، لا يصح عندي، لشك
الراوي: أولا: في قوله: " حسبت ". وثانيا: لثبوت نهيه صلى الله عليه وسلم
عن الترجل إلا غبا، كما تقدم تخريجه من طرق برقم (501) . وكذلك لا يصح ما
أخرجه النسائي (5237) من طريق عمر بن علي بن مقدم قال: حدثنا يحيى بن سعيد
عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة قال: " كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي صلى
الله عليه وسلم؟ فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ". قلت: وهذا أنكر
من سابقه، فإنه رفع الترجل كل يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خلاف
الحديث الصحيح الذي أشرت إليه آنفا وعلته الانقطاع بين محمد بن المنكدر وأبي
قتادة، فإنه لم يسمع منه كما حققه الحافظ في " التهذيب ". ويمكن استخراج علة
ثانية وهي الإرسال. وعلة ثالثة وهي التدليس، فإن ابن مقدم هذا كان يدلس
تدليسا عجيبا يعرف عند العلماء بتدليس السكوت، فانظر ترجمته في " التهذيب ".(5/319)
ومع هذا فقد خالفه حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر أن
أبا قتادة اتخذ شعرا.. الحديث فأرسله. أخرجه البيهقي. ويؤيد أنه تابعه
سفيان (وهو الثوري) فقال: عن محمد بن المنكدر قال: " كان لأبي قتادة شعر.
. " الحديث مثله، إلا أنه قال: " وكان يدهنه يوما ويدعه يوما ". رواه
البيهقي. وهذا يؤكد نكارة رواية ابن مقدم، ويوافق الحديث الصحيح، وهو
المظنون بهذا الصحابي الجليل. وقد أشار الحافظ المزي في " التحفة " (9 / 264
) إلى ترجيح المرسل بقوله: " ورواه المفضل بن فضالة عن ابن جريج عن عطاء عن
ابن المنكدر أن أبا قتادة.. " فذكره. ورواه هشام بن عروة أيضا عن محمد بن
المنكدر، لكنه قال: عن جابر. وقد تقدمت هذه الرواية مع شواهد أخرى لحديث
الترجمة تؤيد صحته تحت الحديث المشار إليه آنفا (666) . ومن شواهده ما أخرجه
ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 448) : حدثنا ابن إدريس عن يحيى عن (الأصل
: بن) عبد الله بن أبي قتادة، قال: فذكره مرسلا. وهذا إسناد مرسل صحيح،
ولعل عبد الله تلقاه عن أبيه أبي قتادة. والله أعلم.
(تنبيه) : لقد ذكر الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على حديث الترجمة
رواية النسائي المتقدمة عن أبي قتادة، ساكتا عليها، موهما القراء أنه لا علة
فيها، وهذا شأنه في أكثر تعليقاته. والله المستعان.(5/320)
2253 - " إن بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن
فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة.
قيل: المرء التافه يتكلم في أمر العامة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (3373 - الكشف) والطبراني في " المعجم الكبير " (
18 / 67 / 125) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن أبي عبلة
عن أبيه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
زاد البزار: قال محمد بن إسحاق: وحدثني عبد الله بن دينار عن أنس عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: بنحوه. قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 284) : "
رواه البزار، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من عبد الله بن دينار، وبقية رجاله
ثقات ". كذا قال! وأقره الأعظمي في تعليقه على " الكشف ". ولنا عليه
مؤخذتان: الأولى: أنه لم يعز حديث عوف للطبراني، ولاسيما وقد رواه من غير
هذا الوجه. والأخرى: أن أبا عبلة - والد إبراهيم - غير معروف إلا بهذه
الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان (4 / 367) ، وسكت عنه ابن أبي حاتم، فهو
من هذا الوجه ضعيف، يقويه حديث أنس، فإن إسناده حسن لتصريح ابن إسحاق
بالتحديث. وقد أخرجه أحمد (3 / 220) من طريق أخرى عنه عن محمد بن المنكدر
عن أنس بلفظ:(5/321)
" إن أمام الدجال سنين خداعة.. ". الحديث مثل حديث الترجمة،
إلا أنه قال: " قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة ". ثم رواه عقبه هو وابنه
عبد الله وأبو يعلى (1 / 378 / 3715) من طريق ابن إسحاق الأولى عن عبد الله
بن دينار به. وقد وهم المعلق على " أبي يعلى " فجعل طريق ابن إسحاق عن ابن
المنكدر عند أحمد والطريق هذه واحدة. نعود إلى حديث عوف، فقد توبع عليه ابن
إسحاق من اثنين: الأول: مسلمة بن علي: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه به
. أخرجه الطبراني (18 / 67 / رقم 123) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 /
226 / 2) . ومسلمة هذا متروك. والآخر: إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن أبي
عبلة عن عوف بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه الطبراني (رقم 124) ، وقال المعلق
عليه، صاحبنا حمدي السلفي: " إسناده حسن "! وأقول: كان يكون كذلك لولا
الانقطاع بين إبراهيم بن أبي عبلة وعوف، فإن بين وفاتيهما تسعا وسبعين سنة،
ولذلك لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، سوى أنس ابن مالك رضي الله عنه
ونحوه. ولم يذكروا له رواية عن عوف، والروايات السابقة تبين أن بينهما
والده أبا عبلة. ثم إن مما يزيد الحديث قوة أن له شواهد عن غيرما واحد من
الصحابة، منها عن عبد الله بن عمر مرفوعا نحوه إلى قوله: " ويخون الأمين "،
وزاد:(5/322)
" قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن يومئذ؟ قال: كالنخلة وقعت فلم
تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا، وكقطعة الذهب، دخلت النار، فأخرجت، فلم
تزدد إلا جودا ". أخرجه البزار (9409) عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي حدثنا
الأعمش عن أبي أيوب عنه. وقال: " لا نعلمه إلا عن عبد الله بن عمرو، ولا
له عنه إلا هذا الطريق ". قلت: ورجاله ثقات رجال (الصحيح) غير عبد الرحمن
بن مغراء الدوسي، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، تكلم في حديثه عن
الأعمش ". قلت: وهذا عنه كما ترى ومع ذلك فقد قال الحافظ في " زوائده " (ص
238) : " حسن ". وأما الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (7 / 327) : "
رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة، وضعفه ابن
المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وله طريق أخرى عن ابن عمر، يأتي
بإذنه تعالى برقم (2288) . (تنبيه) : قوله: " كقطعة من الذهب.. " إلخ،
لم ترد في " المجمع " وأورده السيوطي بتمامه في " الجامع " من رواية الحاكم في
" الكنى "، وابن عساكر، لكنه قال: " إلا جودة ". ولعله الصواب. وللحديث
شواهد أخرى تقدم بعضها برقم (1887 و 2238) . من حديث جماعة منهم أنس، وجود
إسناده الحافظ في " الفتح " (13 / 84) .(5/323)
2254 - " اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت، وقال
: والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (2658 - كشف الأستار) : حدثنا أحمد بن منصور حدثنا
هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة عن أبي صخر عن ابن قسيط عن عروة عن
عائشة قالت: " لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب النفس، قلت: يا
رسول الله! ادع الله لي. قال: (فذكره) ، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضحك، فقال: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي
لا يسرني دعاؤك؟ فقال: والله إنها لدعوتي.. إلخ. وقال البزار: " لا يروى
إلا عن عائشة، ولا عنها إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن منصور - وهو
الرمادي من شيوخ ابن ماجة - وهو ثقة، ولولا أن في أبي صخر - واسمه حميد بن
زياد - بعض الكلام من قبل حفظه لصححته، قال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف
فيه، قال أحمد: ليس به بأس ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ".
ولذلك فقوله في " زوائد البزار " (ص 284) : " صحيح ". لا يخلو من تساهل.
ونحوه قول شيخه الهيثمي في " المجمع " (9 / 244) :(5/324)
" رواه البزار، ورجاله
رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة ". لأنه يوهم ما صرح به
الحافظ من الصحة، وقد قلده الشيخ الأعظمي كما هي عادته.
2255 - " أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى. قال: فأنت زوجتي
في الدنيا والآخرة ".
أخرجه الحاكم (4 / 10) من طريق أبي العنبس سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنا
عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله
عنها، قالت: فتكلمت أنا، فقال: فذكره. وقال: " أبو العنبس هذا سعيد بن
كثير، مدني ثقة، والحديث صحيح ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وكثير
والد العنبس وإن كان لم يوثقه غير ابن حبان، فقد روى عنه جمع من الثقات كما
تقدم ذكره تحت الحديث (2177) ، ولاسيما ولحديث الترجمة شواهد في " الصحيحين
" وغيرهما، فانظر كتابي الجديد " صحيح سنن الترمذي " (أبواب المناقب) .
2256 - " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو،
فاقبلوا من الله عافيته * (وما كان ربك نسيا) * (1) ".
أخرجه الدارقطني في " سننه " (2 / 137 / 12) والحاكم (2 / 375) وعنه
البيهقي (10 / 12) والبزار في " مسنده " (1 / 78 / 123 - كشف الأستار)
والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 416) من طرق عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن
أبيه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) .
_________
(1) مريم: الآية: 64. اهـ.(5/325)
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال البزار: " إسناده
صالح ". قلت: وهذا هو الأقرب لحال عاصم بن رجاء، فإن فيه كلاما، فقد قال
الذهبي في " الكاشف ": " قال ابن معين: صويلح ". وقال الحافظ في " التقريب
": " صدوق يهم ". ولذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 171) : "
رواه البزار، والطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن، ورجاله موثقون ".
وهو - أعني عاصما - ممن ذكرهم ابن حبان في " ثقاته " (7 / 259) ، وصحح له في
" صحيحه " منها حديثا في فضل طالب العلم (رقم 88 - الإحسان) .
2257 - " ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4713 - الإحسان) والحاكم (30 / 20) وأحمد (
1 / 411 و 418 و 422 و 424) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 21) والبزار في
" مسنده " (2 / 310 / 1759 - الكشف) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو
" (ق 29 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن
عبد الله بن مسعود قال:(5/326)
كنا في غزوة بدر كل ثلاثة منا على بعير، كان علي
وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عقبة النبي صلى
الله عليه وسلم قالا: اركب يا رسول الله! حتى نمشي عنك، فيقول: (فذكره)
والسياق لأحمد في رواية والبزار والحاكم، وقال: " صحيح على شرط مسلم "!
وسكت عنه الذهبي لأنه قال: " ... الحديث وقد مر ". ولم أره في غير هذا
المكان.. وعاصم بن بهدلة إنما أخرج له الشيخان مقرونا كما في " الكاشف "
وغيره. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 68 - 69) : " رواه أحمد
والبزار وقال: فإذا كانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى
نمشي عنك، والباقي نحوه. وفيه عاصم بن بهدلة، وحديثه حسن ".
قلت: وفاته أن اللفظ الذي عزاه للبزار هو لأحمد أيضا في رواية كما ذكرنا آنفا.
2258 - " ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية منذ أنزل التوراة على
وجه الأرض بعذاب من السماء، غير أهل القرية التي مسخت قردة، ألم تر إلى قوله
تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر
للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون) * (1)
أخرجه الحاكم (2 / 408) والبزار (2248 - الكشف) والثعلبي في " تفسيره " (
3 / 41 / 2) من طريقين عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
_________
(1) القصص: الآية: 43. اهـ.(5/327)
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. ثم أخرجه البزار (
2247) وابن جرير في " تفسيره " (20 / 50) من طرق عن عوف به موقوفا على أبي
سعيد. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 88) : " رواه البزار موقوفا
ومرفوعا، ورجالهما رجال الصحيح ". وأقول: كلاهما صحيح، ولا مخالفة بينهما
، فمن الواضح أن الموقوف على الصحابي في حكم المرفوع فيما يتعلق بالتفسير، حتى
ولو لم يرد مرفوعا، فكيف وقد صح مرفوعا أيضا؟ !
2259 - " ما في الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه فيجاهد في سبيل الله ويجتنب شرور الناس
. ومثل رجل باد في غنمه، يقري ضيفه ويؤدي حقه ".
أخرجه الإمام أحمد (1 / 311) : حدثنا روح حدثنا حبيب بن شهاب العنبري قال:
سمعت أبي يقول: أتيت ابن عباس أنا وصاحب لي، فلقينا أبا هريرة عند باب ابن
عباس، فقال: من أنتما؟ فأخبرناه، فقال: انطلقا إلى ناس على تمر وماء،
إنما يسيل كل واد بقدره. قال: قلنا: كثير خيرك، استأذن لنا على ابن عباس،
قال: فاستأذن لنا، فسمعنا ابن عباس يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
، فقال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فقال: فذكره. قال:
قلت: أقالها؟ قال: قالها.(5/328)
قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها. قلت: أقالها
؟ قال: قالها. فكبرت الله، وحمدت الله وشكرته.
قلت: وهذا إسناد صحيح: روح هو ابن عبادة، وهو ثقة من رجال الشيخين.
وحبيب بن شهاب العنبري ثقة بلا خلاف، وهو مترجم في " تعجيل المنفعة " وأبوه
شهاب، وثقه ابن حبان (4 / 363) وأبو زرعة كما في " الجرح والتعديل ".
وقد تابعه القلوص بنت عليبة: سمعت شهاب بن مدلج حدثنا أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " خير الناس رجل تنحى عن شرور الناس ".
2260 - " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله
الجنة بفضل رحمته إياهم. وما من مسلم ينفق من زوجين من ماله في سبيل الله إلا
ابتدره حجبة الجنة (كلهم يدعوه إلى ما قبله) ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4 / 260 / 2929 و 7 / 77 - 78 / 4624 - 4626)
وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 8 - 9 مخطوطة الظاهرية) والبيهقي (9 / 171)
- والزيادة له - وأحمد (5 / 151 و 159 و 164) والطبراني في " المعجم
الكبير " (2 / 154 - 155 / 1644 و 1645) من طريق صعصعة بن معاوية عن أبي ذر
مرفوعا به. زاد ابن حبان وغيره: " وما زوجان من ماله؟ قال: عبدان من
رقيقه فرسان من خيله بعيران من إبله ". وأخرجه النسائي مرفوعا (1874 و 3185) ، وعنده معنى الزيادة(5/329)
(تنبيه) : أعل الحديث صاحبنا حمدي السلفي في تعليقه
على " الطبراني " بعنعنة الحسن البصري، وفاته أنه صرح بالتحديث عند ابن حبان
وأبي عوانة وأحمد من طرق عن الحسن: حدثني صعصعة. فاقتضى التنبيه.
2261 - " إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ".
أخرجه الترمذي (3691) وابن حبان (4371 - الإحسان) والبيهقي (10 / 77)
وأحمد (5 / 353) من طريق الحسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال
: سمعت بريدة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه،
فلما انصرف، جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله
سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم..
(فذكره) ، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم
دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر! إني كنت
جالسا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل
عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ". وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ". قلت: وإسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم وفي الحسين كلام لا يضر
قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ".(5/330)
ولحديث الترجمة شاهد من حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم،
فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: " أوفي بنذرك
". (تنبيه) : جاء عقب حديث بريدة في " موارد الظمآن " (493 - 494 / 2015)
زيادة: " وقالت: أشرق البدر علينا، من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا،
ما دعا لله داع، وذكر محققه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله تعالى في
الحاشية أن هذه الزيادة من الهامش، وبخط يخالف خط الأصل. وكم كنت أتمنى على
الشيخ رحمه الله أن لا يطبعها في آخر الحديث، وأن يدعها حيث وجدها: " في
الهامش " وأن يكتفي بالتنبيه عليها في التعليق، خشية أن يغتر بها بعض من لا
علم عنده، فإنها زيادة باطلة، لم ترد في شيء من المصادر المتقدمة ومنها "
الإحسان " الذي هو " صحيح ابن حبان " مرتبا على الأبواب الفقهية، بل ليس لها
أصل في شيء من الأحاديث الأخرى، على شهرتها عند كثير من العامة وأشباههم من
الخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بذلك من النساء والصبيان حين دخل
المدينة في هجرته من مكة، ولا يصح ذلك كما كنت بينته في " الضعيفة " (2 / 63
/ 598) ، ونبهت عليه في الرد على المنتصر الكتاني (ص 48) واستندت في ذلك
على الحافظ العراقي، والعلامة ابن قيم الجوزية. وقد يظن بعضهم أن كل ما
يروى في كتب التاريخ والسيرة، أن ذلك صار جزءا لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي
، لا يجوز إنكار شيء منه! وهذا جهل فاضح، وتنكر بالغ للتاريخ الإسلامي
الرائع، الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي(5/331)
يملك الوسيلة
العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح، وهي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث
الصحيح من الضعيف، ألا وهو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف: لولا الإسناد
لقال من شاء ما شاء. ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ
تاريخها بالسخافات والخرافات، ولا نذهب بالقراء بعيدا، فهذه كتبهم التي
يسمونها بالكتب المقدسة، اختلط فيها الحامل بالنابل، فلا يستطيعون تمييز
الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم، ولا معرفة شيء
من تاريخ حياتهم، أبد الدهر، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون، وفي دياجير
الظلام يتيهون! فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال: إنه من
التاريخ الإسلامي. ولو أنكره العلماء، ولو لم يرد له ذكر إلا في كتب
العجائز من الرجال والنساء؟ ! وأن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى وأغلى
ما تميز به تاريخ الإسلام؟ ! وأنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية ولا
يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها، ولكنه يتجاهلها ويغض النظر عنها
سترا لجهله بما لم يصح منه، فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي، ويبالغ
في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه، بطرا للحق، وغمصا
للناس. والله المستعان. (فائدة) : من المعلوم أن (الدف) من المعازف
المحرمة في الإسلام والمتفق على تحريمها عند الأئمة الأعلام، كالفقهاء
الأربعة وغيرهم وجاء فيها أحاديث صحيحة خرجت بعضها في غير مكان، وتقدم شيء
منها برقم (9 و 1806) ، ولا يحل منها إلا الدف وحده في العرس والعيدين،
فإذا كان كذلك، فكيف أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تفي بنذرها ولا
نذر في معصية الله تعالى. والجواب - والله أعلم - لما كان نذرها مقرونا
بفرحها بقدومه صلى الله عليه وسلم من الغزو سالما، ألحقه صلى الله عليه وسلم
بالضرب على الدف في العرس والعيد وما لا شك فيه، أن الفرح بسلامته(5/332)
صلى الله
عليه وسلم أعظم - بما لا يقاس - من الفرح في العرس والعيد، ولذلك يبقى هذا
الحكم خاصا به صلى الله عليه وسلم، لا يقاس به غيره، لأنه من باب قياس
الحدادين على الملائكة، كما يقول بعضهم. وقد ذكر نحو هذا الجمع الإمام
الخطابي في " معالم السنن "، والعلامة صديق حسن خان في " الروضة الندية " (2
/ 177 - 178) .
2262 - " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام ".
أخرجه أحمد (5 / 61) من طريقين عن مغيرة عن أبيه عن شعبة بن التوأم عن قيس
بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات
رجال البخاري، غير شعبة بن التوأم وقد روى عنه جمع من الثقات وذكره ابن حبان
في " الثقات " وأخرج حديثه هذا في " صحيحه " مختصرا (2060 - موارد) .
ومغيرة هو ابن مقسم بن بجرة. وللحديث شاهد من حديث جبير بن مطعم مرفوعا نحوه
دون قوله: " فتمسكوا به ". أخرجه مسلم (7 / 183) وأحمد (4 / 83)
وغيرهما. وآخر من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وفيه. " وأوفوا بحلف الجاهلية
". أخرجه ابن خزيمة (232 / 1) وأحمد (2 / 212 - 213) . وشاهد آخر من
حديث ابن عباس نحوه. أخرجه الدارمي (2 / 243) وابن حبان (2061) وأحمد (1 / 317 و 329) .(5/333)
ومن حديث عبد الرحمن بن عوف. أخرجه أحمد (1 / 190) .
ومن حديث أم سلمة. أخرجه أبو يعلى (315 / 2 - مصورة المكتب الثانية) .
2263 - " ما مررت ليلة أسري بي بملإ من الملائكة، إلا كلهم يقول لي: عليك يا محمد
بالحجامة ".
أخرجه الترمذي وابن ماجة (2 / 350) وابن جرير الطبري في " التهذيب " (2 /
103 - 104) وصححه (!) وأحمد والطبراني (3 / 139 / 1) من طريق عباد بن
منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح " ورده الذهبي
بقوله: " قلت: لا ". فأصاب هنا وأخطأ فيما تقدم في لفظ: " خير يوم تحتجمون
فيه ". والحديث أورده في " المجمع " (5 / 91) وقال: " رواه البزار وفيه
عطاف بن خالد وهو ثقة وتكلم فيه ". قلت: والظاهر أن هذه طريق أخرى للحديث
عن ابن عباس وله شواهد، فأخرجه الطبراني عن مالك بن صعصعة ورجاله رجال
الصحيح ومنها الآتي بلفظ: " ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا: يا محمد!
مر أمتك بالحجامة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 350) قال: حدثنا جبارة بن المغلس
حدثنا كثير بن سليم(5/334)
سمعت أنس بن مالك يقول مرفوعا. وهذا إسناد ثلاثي من
ثلاثيات ابن ماجة القليلة، ولكنه ضعيف، فإن جبارة وشيخه كثير كلاهما ضعيف
كما في " التقريب ". لكن له شاهد من حديث ابن مسعود. أخرجه الترمذي (2 / 5)
من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن
أبيه عن ابن مسعود مرفوعا به، وقال: " حديث حسن ". كذا قال ولعله لشواهده
فإن عبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف. ثم رجعت إلى " كشف
الأستار عن زوائد مسند البزار " فوجدت الحديث فيه (ق 284 / 1) من طريق عبد
الله بن صالح حدثنا عطاف عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. فالحديث حديث ابن عمر لا
ابن عباس، فما في " المجمع " خطأ. فهو شاهد لا بأس به.
2264 - " ما مسخت أمة قط، فيكون لها نسل ".
الطبراني في " الأوسط " (429) : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا محمد بن سفيان
الحضرمي حدثنا مسلمة بن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن حمزة بن
عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا وقال: " لم يروه عن الزهري إلا الزبيدي ".
قلت: هو ثقة ثبت، لكن الراوي عنه مسلمة بن علي وهو الخشني متروك. غير أن
الحديث صحيح، فقد قال ليث: عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد(5/335)
عن أم
المؤمنين أم سلمة قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن مسخ، أيكون
له نسل؟ فقال: ما مسخ أحد قط فكان له نسل ولا عقب ". أخرجه أبو يعلى (318
/ 2) والطبراني في " الكبير " (23 / 325 / 746) . وليث - وهو ابن أبي
سليم - كان اختلط. وقد خالفه في إسناده مسعر والثوري فقالا: عن علقمة بن
مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله (يعني:
ابن مسعود) قال: " وذكرت عنده صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير أنه مما
مسخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو
عاقبة، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك ". أخرجه مسلم (8 / 56 - 57)
وأحمد (1 / 390 و 413 و 433 و 445 و 466) . وتابعه أبو الأحوص الجشمي عن
ابن مسعود به. أخرجه أحمد (1 / 395 و 396 - 397 و 421) .
2265 - " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا
محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ".
أخرجه الترمذي (3 / 378) وابن حبان (1349 - موارد) والحاكم (4 / 121
و331) وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (603) وأحمد (4 / 132) وابن
سعد (1 / 410) والطبراني في " الكبير " (20 / 272 / 644 - 646) وابن
عساكر (7 / 307 / 2) من طرق عن يحيى بن جابر الطائي قال: سمعت المقدام بن
معد يكرب الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.(5/336)
قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقد أعل بالانقطاع وقد أجبت
عنه في " الإرواء " (7 / 42) . وله طريق ثانية أخرجها ابن ماجة (2 / 321)
من طريق محمد بن حرب: حدثتني أمي عن أمها أنها سمعت المقدام بن معد يكرب به.
وأم محمد بن حرب وأمها مجهولتان. وطريق ثالثة عند ابن حبان (1348) عن
صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب - وهو لين - عن أبيه - وهو مستور -
عن جده المقدام به. ورابعة عند الطبراني (662) عن حسان بن حسان عن حريز بن
عثمان عن حبيب بن عبيد عن المقدام به مختصرا. وحسان هذا فيه ضعف.
(تنبيه) : سقط من " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " للأمير علاء الدين،
الطريق الأولى الصحيحة لهذا الحديث، بخلاف الطريق الثالثة اللينة، فهي ثابتة
فيه برقم (5213) ، مع ثبوت الطريقين معا في " موارد الظمآن "، كما تقدمت
الإشارة إلى ذلك برقميهما، فلا أدري إذا كان السقط من مرتبه، أو ناسخه، أو
طابعه، فإن كان الأول فهل كان ذلك منه قصدا، أو سهوا؟ ! فإن كان الأول، فهل
كان ذلك عن منهج التزمه فيه، منه حذف المكرر منه، أم كان ذلك سهوا منه؟ فإن
كان الأول - وهذا ما أستبعده - فيرد عليه شيئان: الأول: أننا في هذه الحالة
لا نستطيع أن نعتقد أن " الإحسان " يغني عن أصله: " صحيح ابن حبان ".(5/337)
والآخر: أنه يجب في هذه الحالة الاحتفاظ بالمتن الصحيح إسناده، وحذف اللين
إسناده، وليس العكس، كما وقع في هذا الحديث. والله أعلم.
2266 - " ما من أحد يسلم علي، إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ".
رواه أبو داود (1 / 319) والبيهقي في " سننه " (5 / 245) وأحمد (2 / 227
) والطبراني في " الأوسط " (449) عن عبد الله بن يزيد الإسكندراني عن حيوة
بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي صالح عن أبي هريرة
مرفوعا وقال الطبراني: " لم يروه عن يزيد إلا أبو صخر ولا عنه إلا حيوة تفرد
به عبد الله بن يزيد ". قلت: وهو المقري، ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من
فوقه غير أبي صخر - وهو حميد بن زياد - مختلف فيه، والراجح عندي أنه حسن
الحديث. وفي " التقريب ": " صدوق يهم ". وهذا أقرب إلى الصواب من قوله في
" الفتح " (6 / 279) : " رجاله ثقات "! وقال الحافظ العراقي في " تخريج
الإحياء " (1 / 279) : " سنده جيد ". وأما النووي، فقال في " الرياض " (
1409) : " إسناده صحيح "! ووافقه المناوي في " التيسير "!(5/338)
2267 - " ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن، إلا شفعهم الله فيه ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 453) عن بكر بن سليم حدثني حميد بن زياد الخراط عن كريب
مولى عبد الله بن عباس قال: " هلك ابن لعبد الله بن عباس، فقال لي: يا
كريب! قم فانظر هل اجتمع لابني أحد؟ فقلت: نعم، فقال: ويحك، كم تراهم..
أربعين؟ قلت: لا بل أكثر. قال: فاخرجوا بابني، فأشهد لسمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " فذكره ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، علته بكر هذا،
أورده الذهبي في " المغني "، وقال: " قال ابن عدي: يتفرد بما لا يتابع عليه
، وهو ضعيف ". قلت: وقد خالفه في إسناده عبد الله بن وهب فقال: أخبرني أبو
صخر (وهو حميد بن زياد الخراط) عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب مولى
ابن عباس به نحوه، ولفظ المرفوع منه: " ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على
جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ". أخرجه مسلم (
3 / 53) وأبو داود (2 / 64) والبيهقي (4 / 30) وأحمد (1 / 277 - 278) .
2268 - " ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته
سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء ".
رواه أبو الطيب الحوراني في " جزئه " (70 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (2
/ 196) والديلمي (4 / 8 - 9) عن محمد بن عبد الله بن أبي حماد القطان حدثنا(5/339)
عبد الرحمن بن مغراء عن الأزهر بن عبد الله الأودي عن محمد بن عجلان عن سالم بن
عبد الله بن عمر عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وقال أبو نعيم: "
حديث غريب، تفرد به عبد الرحمن بن مغراء عن أزهر ". قلت: وكلاهما صدوق،
وكذلك من فوقه. وأما القطان، فقد روى عنه جماعة من الثقات منهم أبو داود في "
المراسيل "، والنسائي خارج " السنن "، وكان أحمد يكرمه، فهو مستور، وقال
الحافظ: " مقبول ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله، ولاسيما وفي كلام
أبي نعيم المتقدم إشارة إلى أنه لم يتفرد به. والله أعلم.
2269 - " ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيرا، ثم يعلقه عليه إلا كتب له بكل حبة حسنة
".
أخرجه أحمد (4 / 103) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 103) عن شرحبيل
بن مسلم الخولاني: " أن روح بن زنباع زار تميما الداري فوجده ينقي شعيرا لفرسه
، قال: وحوله أهله، فقال له روح: أما كان في هؤلاء من يكفيك؟ قال تميم
: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد شامي جيد، رجاله ثقات، وفي شرحبيل كلام لا يضر، فقد قال
الطبراني تحت عنوان: " ما أسند شرحبيل بن مسلم بن حامد الخولاني ": " سمعت
عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: شرحبيل بن مسلم من ثقات(5/340)
المسلمين ".
ووثقه ابن نمير والعجلي وابن حبان (4 / 363) وضعفه ابن معين وحده! فقول
الحافظ في " التقريب ": " صدوق فيه لين " فيه لين! وقد اغتر به المناوي،
فقال في " التيسير ": " إسناده فيه لين "! وأعله في " الفيض " بإسماعيل بن
عياش أيضا! وخفي عليه أنه صحيح الحديث عن الشاميين، وهذا منه، فإن
الخولاني شامي.
2270 - " ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر
وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما ".
أخرجه النسائي (2 / 186 - 187) والطحاوي (3 / 22 - 23) والبخاري معلقا (
4 / 401) وأحمد (2 / 237 و 289) عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة بن عبد
الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه عبد الملك بن عمير عن أبي
سلمة بن عبد الرحمن به، وفيه قصة. أخرجه الترمذي (2 / 58 - 59) وقال: "
حديث حسن صحيح غريب ". وقد تقدمت هذه المتابعة مع القصة وتخريجها تخريجا
موسعا برقم (1641) .(5/341)
2271 - " ما من بعير إلا على ذروته شيطان، فاذكروا اسم الله إذا ركبتموها كما أمركم
، ثم امتهنوها لأنفسكم، فإنما يحمل الله ".
أخرجه ابن خزيمة (241 / 2، 255 / 2) والحاكم (1 / 444) وعنه البيهقي (5
/ 252) وأحمد (4 / 221) وابن معين في " التاريخ والعلل " (9 / 2)
والحربي في " غريب الحديث " (5 / 49 / 1) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 297
) والطبراني في " الكبير " (22 / 334 / 837 و 838) عن محمد بن إسحاق عن محمد
بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس الخزاعي رضي الله
عنه قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج
، فقلنا: يا رسول الله! ما ترى أن تحملنا هذه، فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وابن إسحاق، وإن كان قد عنعنه، فقد صرح
بالتحديث في رواية الحربي، وكذا أحمد في إحدى روايتيه، فثبت الحديث والحمد
لله. ولهذا قال الهيثمي (10 / 131) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد،
ورجال أحدها رجال الصحيح، وقد صرح بالسماع في أحدها ". وصححه الحاكم،
ووافقه الذهبي! ! وله عنده شاهدان من حديث أبي هريرة، وحديث حمزة بن عمرو
وصححهما، ووافقه الذهبي. وانظر تخريجه في رسالة الصيام لابن تيمية (63) .
2272 - " ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله وهو عليه غضبان ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (549) والحاكم (1 / 60) وأحمد (2 /
118) عن يونس بن القاسم اليمامي أن عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي(5/342)
حدثه أنه لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له: يا أبا عبد الرحمن! إنا بنو
المغيرة قوم فينا نخوة، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك
شيئا؟ فقال عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وفي " التلخيص ": " على
شرط مسلم ". قلت: وكلاهما خطأ، فإن اليمامي هذا لم يخرج له مسلم، فهو على
شرط البخاري وحده.
2273 - " ما من رجل يجرح في جسده جراحة، فيتصدق بها، إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق
به ".
أخرجه أحمد (5 / 316 و 329 و 330) ، وابنه عبد الله عن المغيرة عن الشعبي أن
عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، إذا كان الغيرة - وهو ابن مقسم الضبي - سمعه من
الشعبي، فإنه قد وصف بالتدليس، لكن الظاهر من كلام الإمام أحمد أنه إنما كان
يدلس عن إبراهيم النخعي فقط، فقد قال أحمد: " حديث مغيرة مدخول، عامة ما روى
عن إبراهيم إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي وعبيدة
وغيرهم ". وجعل أحمد يضعف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده. ولذلك قوى أبو حاتم
حديثه عن الشعبي قال ابنه:(5/343)
" سألت أبي: مغيرة أحب إليك أو ابن شبرمة في
الشعبي؟ فقال: جميعا ثقتان ". ولعله لذلك أخرج الحديث الضياء في " المختارة
" من طريق " المسند " (53 / 71 / 1 - 71 / 2) ، وقال المناوي في " التيسير "
: " وإسناده صحيح " بناء على منقله في " الفيض " عن المنذري والهيثمي أنهما
قالا: " ورجاله رجال الصحيح ". ولا يخفى ما فيه!
2274 - " ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه، إلا كفر الله عنه من سيئاته ".
أخرجه الحاكم (1 / 347) وأحمد (4 / 98) وابن أبي الدنيا في " الكفارات "
(69 / 1 و 80 / 2) عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن معاوية قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين "! ووافقه الذهبي.
قلت: طلحة بن يحيى، هو التيمي المدني، ولم يخرج له البخاري شيئا، فهو على
شرط مسلم وحده على أنه قد تكلم في حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
لكن الحديث صحيح بلا ريب، له شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما من حديث
عائشة وغيرها. وأخرج أحمد (6 / 66) عن عبيد الله بن عمير عنها: " أن رجلا
تلا هذه الآية: * (من يعمل سوءا يجز به) * (1) ، قال: إنا لنجزى بكل عملنا؟
_________
(1) النساء: الآية:. اهـ.(5/344)
هلكنا إذا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، يجزي به
المؤمنون في الدنيا في مصيبة في جسده فيما يؤذيه ". وإسناده صحيح على شرط
مسلم.
2275 - " ما من عبد إلا وله صيت في السماء، فإذا كان صيته في السماء حسنا وضع في
الأرض حسنا، وإذا كان صيته في السماء سيئا وضع في الأرض سيئا ".
أخرجه البزار (ص 326 - زوائده) وابن عدي (58 / 2) من طريق أبي الوليد عن
أبي وكيع الجراح بن مليح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.
وقال ابن عدي: " ما أعلم رواه عن الأعمش غير أبي وكيع وسعيد بن بشر ".
قلت: وفيهما ضعف من قبل حفظهما، لكن أبو وكيع أقوى منه، وقد أخرج له مسلم
في " صحيحه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". وسائر الرواة
ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد قوي. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 271
) " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". وقد رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه
به نحوه. أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما، وقد خرجته في " الضعيفة " تحت
الحديث (2207) .(5/345)
2276 - " ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه
لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا تواب نساء، إذا ذكر ذكر ".
رواه الطبراني (3 / 136 / 2) : حدثنا الحسن بن العباس الرازي أخبرنا أحمد بن
أبي سريج الرازي أخبرنا علي بن حفص المدائني أخبرنا عبيد المكتب الكوفي عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "
الصحيح " غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة، كما قال الخطيب (7 / 397)
، مات سنة تسع وثمانين ومائتين. والظاهر أنه قد توبع، فقد قال الهيثمي في
" المجمع " (10 / 201) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " باختصار
، وأحد أسانيد " الكبير " رجاله ثقات ". أقول: فإني لم أره في ترجمة الرازي
هذا من " الأوسط ". والله أعلم.
2277 - " ما من عبد يصرع صرعة من مرض، إلا بعثه الله منها طاهرا ".
رواه الروياني في " مسنده " (30 / 225 / 2) وعنه ابن عساكر (7 / 19 / 2) :
أخبرنا مالك بن عبد الله بن سيف أبو سعد الجيبي - مصري -: أخبرنا عبد الله بن
يوسف أخبرنا خالد بن يزيد الدمشقي عن سالم بن عبد الله المحاربي عن سليمان بن
حبيب المحاربي عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، من فوق مالك
كلهم ثقات معروفون من رجال(5/346)
" التهذيب " غير سالم بن عبد الله المحاربي، قال
ابن أبي حاتم (2 / 1 / 185) عن أبيه: " صالح الحديث ". وأما مالك بن عبد
الله التجيبي، فقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 214) : " سمعت منه بمصر، وكان
صدوقا ". وقد توبع كما يأتي. والحديث قال الهيثمي (2 / 302) : " رواه
الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". ونقل المناوي عنه أنه قال: " قال
سالم بن عبد الله البخاري (كذا) الشامي لم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات
"! كذا قال، وقد عرفناه والحمد لله كما بينا. والحديث أخرجه ابن أبي
الدنيا أيضا في " المرض والكفارات " (ق 195 / 2) والطبراني في " الكبير " (
8 / 115 / 7485) من طريقين آخرين عن خالد بن يزيد به.
2278 - " ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يرجع ذلك إلى
قلب موقن إلا غفر الله لها ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 419) وابن حبان (5) وأحمد (5 / 229) والحميدي (
370) عن هصان بن الكاهل عن عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ بن جبل مرفوعا.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي أيضا في " اليوم والليلة " (1136 - 1139) وكذا
ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع وأبو يعلى كما في " زوائد البوصيري " (228 / 2)
.(5/347)
قلت: وإسناده حسن إن شاء الله، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هصان بن
الكاهل، روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 512) . وحديثه
هذا بمعنى أحاديث أخرى في الباب، بعضها عن معاذ نفسه، منها حديث أنس عنه
مرفوعا بلفظ: " من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
صادقا من قلبه، دخل الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 229) والنسائي (1134) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
2279 - " ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فإذا مات
فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: * (أولئك هم الوارثون) * (1) ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 595 - آخر حديث فيه) وابن أبي حاتم في " تفسيره "
والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 265 - هندية) من طريق أبي معاوية عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال البوصيري في " الزوائد "
(268 / 1) ، وذكر أنه رواه أبو بكر بن أبي شيبة فى " مسنده ". وعزاه
الحافظ في " الفتح " (11 / 442 - السلفية) لأحمد مع ابن ماجة قال: " بسند
صحيح ". ولم أره في " المسند " إلا من حديث أبي سعيد نحوه (3 / 3 -
_________
(1) المؤمنون: الآية: 10. اهـ.(5/348)
4) وهو
حديث آخر، فيه أن ذلك يقع عند السؤال في القبر، وسنده جيد. وكذلك هو في "
المسند " (6 / 140) من حديث عائشة وأبي هريرة، وهو عند ابن ماجة (4268)
عن أبي هريرة وحده، وإسناده صحيح كما قال الحافظ والبوصيري في " الزوائد "،
ورواه ابن حبان أيضا (781) وغيره. انظر " التعليق الرغيب على الترغيب
والترهيب " (4 / 189) . وهو في " البخاري " (6569) من طريق أخرى عن أبي
هريرة بلفظ: " لا أحد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا
ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة " ورواه
البيهقي.
2280 - " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما
عليه خطيئة ".
أخرجه الترمذي (2401) والحاكم (1 / 346 و 4 / 314) وأحمد (2 / 450)
وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 91) وكذا ابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69
/ 1 - 2) وفي " الصبر " (50 / 1) والبزار (ص 82 - زوائده) وأبو يعلى (
4 / 1414) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه
الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط لأن محمد بن عمرو هذا، فيه كلام يسير من
قبل حفظه ولم يخرج له مسلم إلا متابعة. لكن الحديث صحيح بما له من شواهد
كثيرة معروفة، قد ساق الكثير الطيب منها(5/349)
الحافظ المنذري في " الترغيب " (4 /
144 - 155) . ومما لم يسقه مرسل عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " ما زال الله يبتلي العبد حتى يلقاه وما له ذنب ". أخرجه ابن أبي
الدنيا في " المرض والكفارات " (87 / 1) : حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبد
العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن زيد عن عطاء بن يسار. وهذا إسناد حسن
، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، على ضعف في خالد بن خداش. ثم أخرج (88 / 1)
من طريق إبراهيم بن حمزة حدثني عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبي
الحويرث عن محمد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله
ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر عنه بذلك ذنبه كله ". وهذا مرسل أيضا، ورجاله
ثقات غير أبي الحويرث، واسمه عبد الرحمن بن معاوية المدني، قال الحافظ: "
صدوق سيء الحفظ ".
2281 - " متعها، فإنه لابد من المتاع ولو نصف صاع من تمر ".
أخرجه البيهقي (7 / 257) من طريق علي بن عبد الصمد حدثنا أبو همام الوليد بن
شجاع السكوني حدثنا مصعب بن سلام حدثنا شعبة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " لما طلق حفص بن المغيرة امرأته
فاطمة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لزوجها: متعها، قال: لا أجد ما
أمتعها، قال: فإنه لابد من المتاع، قال: متعها ولو نصف صاع من تمر ".(5/350)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال " التهذيب " وفي بعضهم كلام،
غير علي بن عبد الصمد، وهو أبو الحسن الطيالسي يعرف بـ " علان ماغمة " ترجمه
الخطيب، وقال (12 / 28) : " وكان ثقة، مات سنة تسع وثمانين ومائتين ".
وتابعه محمد بن علي بن سهيل الحصيب حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع به مختصرا.
أخرجه الخطيب (3 / 71 - 72) من طريق أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي عنه،
وقال: " قال الأزدي: لم يكن هذا الشيخ مرضيا، سرقه، هو عند علي بن أحمد بن
النضر، وأصله عن شعبة باطل، إنما هو عن الحسن بن عمارة ". قلت: كذا قال
الأزدي، وهو مردود بمتابعة علي بن عبد الصمد الثقة لمحمد بن علي بن سهيل
الحصيب، فانتفت شبهة سرقته، واندفع إعلال الأزدي إياه بالسرقة، ولاسيما
والأزدي نفسه متكلم فيه، على حفظه!
2282 - " مثل الذي يسترد ما وهب، كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب
فليوقف، فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب ".
أخرجه أبو داود (2 / 109) وأحمد (2 / 175) عن أسامة بن زيد أن عمرو بن
شعيب حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن على
ما تقرر من حال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأسامة بن زيد هو الليثي،
مولاهم، أبو زيد، وأما العدوي فضعيف.(5/351)
2283 - " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا ومثل
المنافق كمثل الأرزة المجذية (1) على الأرض حتى يكون انجعافها مرة ".
رواه البخاري (4 / 40) ومسلم (8 / 136) والدارمي (2 / 310) وأحمد (3
/ 454) وأبو عبيد في " الغريب " (18 / 1) عن سفيان عن سعد بن إبراهيم حدثني
ابن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وأخرجه الحربي
(5 / 203 / 1) مختصرا، وقال: " سمعت ابن الأعرابي يقول: الجاذي على قدميه
والجاثي على ركبتيه. وجثا على ركبتيه، وهو الانتصاب ". وأخرجه أحمد (2
/ 523) والشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا بمعناه. وأخرج أحمد أيضا (3 /
349، 387 و 394 - 395) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به مرفوعا بلفظ
: " مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة ومثل الكافر مثل الأرزة لا
تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر ". وهذا سند ضعيف. إلا أنه أخرجه ابن عساكر
في " التاريخ " (1 / 268 - طبع المجمع) من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة به
. وحديث ابن وهب عن ابن لهيعة صحيح. فلم يبق إلا عنعنة أبي الزبير.
_________
(1) القائمة. اهـ.(5/352)
لكن
أخرجه القضاعي (ق 110 / 2) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن
جابر مرفوعا به نحوه، وقال: " لا تزال قائمة حتى تنقعر ". وهذا إسناد جيد
. وأما ما روى أحمد أيضا (5 / 342) من طريق إسماعيل بن أمية عمن حدثه عن أم
ولد أبي بن كعب عن أبي بن كعب: " أنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: متى عهدك بأم ملدم وهو حر بين الجلد واللحم؟ قال: إن ذلك لوجع ما
أصابني قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمن مثل الخامة تحمر
مرة، وتصفر أخرى ". فهو ظاهر الضعف لجهالة أم الولد، والراوي عنها الذي لم
يسم، وبه أعله الهيثمي (2 / 293) .
2284 - " مثل المؤمن مثل السنبلة، تميل أحيانا وتقوم أحيانا ".
ورد من حديث أنس وأبي هريرة:
1 - أما حديث أنس، فله عنه طرق: الأولى: عن ثابت عنه مرفوعا. أخرجه أبو
يعلى (2 / 831) وعنه الضياء في " المختارة " (ق 49 / 2) والبزار في "
مسنده " (ص 82 - زوائده) والبغوي في " حديث هدبة بن خالد " (1 / 246 / 2)
والرامهرمزي في " الأمثال " (62 / 2) عن هدبة بن خالد حدثنا عبيد بن مسلم
صاحب السابري عنه. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد
هذا، فترجمه ابن(5/353)
أبي حاتم (3 / 1 / 3) برواية أبي عاصم النبيل أيضا وأحمد
بن زياد بن سيار السياري عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط
ابن حبان فلعله في " ثقاته ". ثم طبع الكتاب، وهو فيه (7 / 158) برواية
التبوذكي، موسى بن إسماعيل، فهؤلاء ثقات ثلاثة رووا عنه: هذا والنبيل
وهدبة.
الثانية: عن قتادة عنه. أخرجه البزار أيضا وأبو بكر المعدل في " اثنا عشر
مجلسا من الأمالي " (2 / 1) عن فهد بن حيان حدثنا همام عنه.
قلت: ورجاله ثقات، غير فهد بن حيان، فإنه ضعيف.
الثالثة: عن أبي سفيان عنه نحوه. أخرجه البزار أيضا عن أبي بكر بن عياش عن
الأعمش عنه. وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال " الصحيح ".
الرابعة: عن حميد عنه به. أخرجه ابن عدي (148 / 1) ، والأصبهاني في "
الترغيب " (10 / 2) عن أبي يحيى الوقار حدثنا مؤمل بن عبد الرحمن عنه. وقال
: " وأبو يحيى الوقار زكريا بن يحيى يضع الحديث. ومؤمل أيضا فيه ضعف، ولعل
البلاء أيضا منه ".
قلت: فهذه الطريق لا يستشهد بها لشدة ضعفها، وفيما قبلها من الطرق غنية.
2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي
عنه مرفوعا. أخرجه الضياء في " الأحاديث والحكايات " (12 / 206 / 1 - 2) ،
ومحمد بن دينار هذا هو الطاحي، صدوق سيء الحفظ.(5/354)
ومن فوقه ثقات على شرط مسلم
. وهو في " الصحيحين " نحوه كما تقدم في الذي قبله. وكذلك رواه ابن حبان في
" صحيحه " (2904 - الإحسان) .
2285 - " مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء نفعك ".
رواه الطبراني (3 / 204 / 1) : حدثنا محمد بن الفضل السقطي أخبرنا سعيد بن
سليمان عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر
مرفوعا. ثم رواه (204 / 2) عن شريك عن سلمة بن كهيل عن مجاهد به دون الشطر
الثاني منه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير السقطي
هذا وهو ثقة كما قال الخطيب (3 / 153) . وفي الطريق الأخرى عن شريك، وهو
ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ، يستشهد به.
2286 - " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره؟ ".
روي من حديث أنس وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبد
الله بن عمرو.
1 - أما حديث أنس فله عنه أربعة طرق. الأولى: عن حماد بن يحيى الأبح عن ثابت
البناني عنه مرفوعا.(5/355)
أخرجه الترمذي (2873) والطيالسي (2 / 197) وأحمد (
3 / 130 و 143) وابن عدي (74 / 1) وابن الضريس في " أحاديث مسلم بن
إبراهيم الفراهيدي " (6 / 1) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 83 -
ظاهرية) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 46 / 1) من طرق عنه. وقال
الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: وحماد بن يحيى صدوق يخطىء
كما في " التقريب "، فهو حسن الحديث لغيره على الأقل. وقد تابعه هدبة بن
خالد حدثنا عبيد بن مسلم السابري عن ثابت. وإبراهيم بن حمزة بن أنس حدثنا
حماد بن سلمة عن ثابت به. أخرجهما الرامهرمزي في " الأمثال " (82 / 2) .
والسابري هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات كما تقدم بيانه تحت
الحديث (2284) ، فالسند جيد. وإبراهيم بن حمزة بن أنس لم أعرفه. فالحديث
بهذه الطرق عن ثابت صحيح.
الثانية: عن محمد بن المغيرة - يعرف بحمدان السكري -: حدثنا هشام بن عبيد
الله الرازي عن مالك بن أنس عن الزهري عنه. أخرجه السلفي في " معجم السفر " (
212 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (12 / 221 / 1) والضياء في " المنتقى
من مسموعاته بمرو " (91 / 1) . والرازي هذا قال أبو حاتم: " صدوق ". وقال
ابن حبان:(5/356)
" كان يهم ويخطىء على الثقات ". وذكر الدارقطني في " الغرائب "
أنه تفرد بهذا الحديث عن مالك، وأنه وهم فيه ودخل عليه حديث في حديث كما في
" اللسان ". ومحمد بن المغيرة قال السليماني: " فيه نظر ".
الثالثة: عن خليد بن دعلج عن قتادة عنه. أخرجه ابن عدي (120 / 1) . وخليد
ضعيف.
الرابعة: عن عبيد الله بن تمام حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عنه. أخرجه ابن
عدي أيضا (237 / 1) ، وقال: " عبيد الله بن تمام في بعض ما يرويه مناكير،
وهذا لا يتابعه ثقة عليه ".
2 - حديث عمار، فله عنه طريقان: الأولى: عن الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن
عقبة عن عبيد بن سلمان الأغر عن أبيه عنه. أخرجه ابن حبان (2307) والبزار (
2843 - الكشف) والرامهرمزي في " الأمثال " والبيهقي في " الزهد " والشاموخي
في " جزئه " (رقم 10) ، وقال البزار " هذا الإسناد أحسن ما يروى في هذا عن
عمار ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد بن سلمان الأغر، وهو صدوق
وفي فضيل بن سليمان وهو النميري ضعف من قبل حفظه كما في " التقريب ": " صدوق
، له خطأ كثير ".(5/357)
فهو إسناد حسن لغيره، ويحتمل التحسين لذاته، فيكون صحيحا
لغيره. والأخرى: عن زياد أبي عمر عن الحسن عنه. أخرجه أحمد (4 / 319) .
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات لولا أن الحسن - وهو البصري - مدلس، وقد عنعنه.
وفي زياد - وهو ابن أبي أسلم - كلام يسير. وخالفه إسماعيل بن نصر فقال:
حدثنا عباد بن راشد عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا به. فجعله من مسند عمران
. أخرجه البزار، وقال: " لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد
أحسن من هذا، ولا نعلمه يروى عن عمران إلا من هذه الطريق ". وقال الهيثمي (
10 / 68) : " رواه البزار وإسناده حسن (!) والطبراني في (الأوسط) ".
3 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه عيسى بن ميمون قال: أخبرنا بكر بن عبد الله
المزني عنه به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 231) عن أبي عاصم،
والسهمي في " تاريخ جرجان " (386) عن محمد بن أبان، والقضاعي في " مسند
الشهاب " (110 / 1) عن معلى بن أسد، ثلاثتهم عن عيسى بن ميمون.
قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن عيسى بن ميمون الذي روى عنه أبو عاصم هو الجرشي
المكي صاحب التفسير، وهو ثقة. وبكر بن عبد الله المزني تابعي ثقة جليل.(5/358)
4 - وأما حديث علي، فرواه أبو يعلى كما في " الجامع ".
5 - وأما حديث ابن عمرو، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير ". وبالجملة،
فالحديث صحيح بلا ريب بمجموع هذه الطرق، ولذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله
عليه وسلم العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين " (2 / 358) ، وقال الحافظ
ابن حجر في " الفتح " (7 / 4 - 5) : " وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها
إلى الصحة ". قلت: بل هو صحيح يقينا كما بينته من هذا التخريج.
2287 - " قال الله تعالى: يا ابن آدم! قم إلي أمش إليك، وامش إلي أهرول إليك ".
أخرجه أحمد (3 / 478) عن أبي وائل عن سريج قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير سريج، كذا وقع في الأصل بالسين
المهملة والجيم في آخره، وهو تصحيف، والصواب " شريح " بالمعجمة وبالمهملة
آخره، وهو ابن الحارث بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم. وللحديث شواهد
صحيحة من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وأبي ذر الغفاري وأبي سعيد الخدري.
1 - أما حديث أبي هريرة، فأخرجه أحمد (2 / 251، 413، 480، 482، 500، 509
، 524، 535) والبخاري (4 / 452، 453) ومسلم (8، 62، 63 / 67، 91)
والترمذي (2 / 280) وصححه، وابن ماجة (3822) .
2 - وأما حديث أنس، فأخرجه أحمد (3 / 122، 127، 130، 138، 272،(5/359)
283)
والبخاري (4 / 494) .
3 - وأما حديث أبي ذر، فأخرجه أحمد (5 / 153، 169) ومسلم (8 / 67)
وابن ماجة (3821) ومضى لفظه وتخريجه أيضا برقم (581) .
4 - وأما حديث أبي سعيد الخدري، فيرويه عطية عنه. أخرجه أحمد (3 / 40) .
2288 - " إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب، نفخ فيها صاحبها فلم تغير ولم تنقص،
والذي نفسي بيده، إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت
فلم تكسر ولم تفسد ".
أخرجه أحمد (2 / 199) والرامهرمزي في " الأمثال " (50 / 1 - 2)
والأصبهاني في " الترغيب " (11 / 2) عن مطر عن عبد الله بن بريدة عن أبي
سبرة حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، وزاد في أوله: " إن الله يبغض الفحش والتفحش، والذي
نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش
والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو سبرة لم
يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن معين: " لا أعرفه ". ومطر هو ابن طهمان
الوراق، صدوق كثير الخطأ، كما في " التقريب ". لكن تابعه على الزيادة
المذكورة حسين المعلم حدثنا عبد الله بن بريدة به. أخرجه أحمد (2 / 162 - 163
) وتابعه على الحديث كله قتادة عن عبد الله بن بريدة به.(5/360)
أخرجه الحاكم (4 /
513) وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! ثم وجدت له طريقا أخرى
يتقوى بها إن شاء الله تعالى، فقال البزار في " مسنده " (ص 238 - زوائده) :
حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أيوب عن عبد الله
بن عمرو مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش وقطيعة الرحم وسوء
الجوار، (ويخون) الأمين، قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن؟ قال:
كالنحلة، وقعت فلم تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا ". وقال البزار: " لا
نعلم إلا هذا الطريق، ولا روى الأعمش عن أبي أيوب، إلا هذا الإسناد ". قلت
: كذا وقع هنا: " أبي أيوب "، وفيما تقدم: " أيوب " بإسقاط أداة الكنية
ويغلب على الظن أن الصواب إثباتها لقول البزار السابق: " ولا روى الأعمش عن
أبي أيوب إلا هذا الإسناد ". ومن المعلوم أن الأعمش كثير الرواية عن أيوب -
وهو السختياني - حتى إنهم لما ذكروا الرواة عنه ذكروه أولهم، فلو كان الصواب أن
شيخ الأعمش في هذا الإسناد هو أيوب لم يقل البزار ذلك. فإذن من هو أبو أيوب
فيه؟ الذي يظهر لي أنه أبو أيوب المراغي الأزدي البصري، روى عن جماعة من
الصحابة منهم ابن عمرو، وهو ثقة من رجال الشيخين. وقد سبق الكلام على هذه
الطريق بزيادة فائدة تحت الحديث (2253) . ولبعضه طريق أخرى يرويه عمار بن
محمد عن عبد السلام بن مسلم أبي مسعود عن منصور بن زاذان عن أبي جحيفة عن عبد
الله بن عمرو بلفظ:(5/361)
" من أشراط الساعة أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين ".
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 31) . ورجاله ثقات غير عبد السلام
هذا فلم أعرفه.
2289 - " مررت بجبريل ليلة أسري بي بالملإ الأعلى، وهو كالحلس البالي من خشية الله
عز وجل ".
رواه محمد بن العباس البزار في " حديثه " (116 / 2) : حدثنا العباس بن الفضل
ابن رشيد الطبري قال: حدثنا عمر بن عثمان الكلابي قال: حدثنا عبيد الله بن
عمرو بن عبد الكريم عن عطاء عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف،
رجاله كلهم ثقات غير عمرو بن عثمان الكلابي (والأصل: عمر كما ترى وهو خطأ)
، وهو ضعيف كما في " التقريب ". والعباس بن الفضل بن رشيد الطبري، قال
الدارقطني: " صدوق " وله ترجمة في تاريخ بغداد (12 / 147) . والحديث، قال
السيوطي في " الخصائص الكبرى " (1 / 158) : " أخرجه ابن مردويه والطبراني في
" الأوسط " بسند صحيح عن جابر ". قلت: ولعل مستند السيوطي في التصحيح قول
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 78) : " رواه الطبراني في " الأوسط "،
ورجاله رجال الصحيح ". قلت: فإن كان هذا مستنده، فهو غير قوي لأن قول المحدث
: " رجاله رجال الصحيح " لا يساوي قوله: " إسناده صحيح "، لأن الأول إنما
يعني أن إسناده توفر فيه شرط من شروط الصحة، وهو كون رجاله ثقات رجال الصحيح
، وليس يعني أنه سالم من(5/362)
علة قادحة كالتدليس والانقطاع وغير ذلك، بخلاف
القول الآخر. فتنبه. على أن عمرا ليس من رجال (الصحيح) . ويحتمل أن يكون
طريق الطبراني ليس فيه عمرو بن عثمان الكلابي، فقد وجدت له متابعا، أخرجه ابن
أبي عاصم في " السنة " (رقم 621 - بتحقيقي) : حدثنا أيوب الوزان حدثنا عروة
بن مروان حدثنا عبيد الله بن عمرو وموسى بن أعين عن عبد الكريم به. قلت:
وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال " التهذيب "، غير عروة بن مروان - وهو الرقي -
ذكره ابن أبي حاتم (3 / 1 / 398) بروايته عن جمع آخر من الثقات، ورواية
أيوب هذا فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن ترجمه في " الميزان "
و" اللسان " برواية جمع آخر عنه، منهم يونس بن عبد الأعلى. وقال عنه
الدارقطني: " ليس بالقوي في الحديث ". فهو ممن يستشهد به. والله أعلم. ثم
وقفت على إسناد " الأوسط "، فإذا هو من طريق عمرو، قال (1 / 287 / 2 / 4817
) : حدثنا أبو زرعة أخبرنا عمرو بن عثمان به. وهذه متابعة قوية للعباس بن
الفضل من أبي زرعة، وهو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ الثقة. وأيوب هو
ابن محمد بن زياد الوزان الرقي، وهو ثقة. وبالجملة، فالحديث بمجموع
الطريقين حسن أو صحيح. والله أعلم.
2290 - " ملعون من سأل بوجه (الله) وملعون من يسأل بوجه الله ثم منع سائله ما لم
يسأله هجرا ".
رواه ابن عساكر (8 / 397 / 2) عن محمد بن هارون الروياني أخبرنا أحمد بن عبد
الرحمن أخبرنا عمي - يعني ابن وهب -: حدثني عبد الله بن عياش عن أبيه أن يزيد
بن(5/363)
المهلب لما ولي خراسان قال: دلوني على رجل كل لخصال الخير، فدل على أن أبي
بردة بن أبي موسى الأشعري، فما جاءه رآه رجلا فائقا، فلما كلمه رأى
مخبرته أفضل من مرآته، قال: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه فأبى أن
يعفيه، فقال: أيها الأمير! ألا أخبرك بشيء حدثنيه أبي أنه سمعه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟ قال: هاته، قال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: " من تولى عملا وهو يعلم أنه ليس لذلك العمل أهل فليتبوأ مقعده من
النار "، قال: وأنا أشهد أيها الأمير! أني لست بأهل لما دعوتني إليه، فقال
له يزيد: ما زدت إلا أن حرضتني على نفسك ورغبتنا فيك، فأخرج إلى عهدك فإني
غير معفيك، ثم فخرج (كذا الأصل ولعل الصواب: فخرج ثم) أقام فيه ما شاء
الله أن يقيم، واستأذنه بالقدوم عليه، فأذن له، فقال: أيها الأمير! ألا
أحدثك بشيء حدثنيه أبي أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال هاته،
قال: (فذكره) ، قال: وأنا أسألك بوجه الله ألا ما أعفيتني أيها الأمير!
من عملك. فأعفاه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، وفي عبد
الله بن عياش ضعف من قبل حفظه، ومثله أحمد بن عبد الرحمن. ولكن هذا قد توبع
فيما يبدو لي من قول المنذري في تخريجه لهذا الحديث في " الترغيب " (2 / 17)
، فإنه قال: " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن
صالح، وهو ثقة ". قلت: وهو من طبقة أحمد بن عبد الرحمن، فالظاهر أنه
متابع له. وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 103) : " رواه الطبراني في "
الكبير "، وإسناده حسن، على ضعف في بعضه مع توثيق ". قلت: وكأنه يشير إلى
عبد الله بن عياش. والله أعلم.(5/364)
وكذلك حسنه الحافظ العراقي، وتبعه السيوطي
كما في " المناوي ". وقد روي عن ابن عياش على وجه آخر، فقال الدولابي في "
الكنى " (1 / 43) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأ عبد الله بن وهب قال
: حدثني عبد الله بن عياش عن عبد الله بن الأسود عن أبي معقل بن أبي مسلم عن
أبي عبيدة مولى رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر
الشطر الثاني منه. وذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 448) في ترجمة أبي معقل بن
أبي مسلم بتمامه من طريق ابن وهب به، وقال: " سمعت أبا زرعة يقول: أبو معقل
لا يسمى، وأبو عبيدة ليست له صحبة ". وعبد الله بن الأسود لم أجد من ذكره.
وأشار إلى ذلك الهيثمي بقوله: " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه من لم
أعرفه ".
2291 - " من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة،
تنفس له كربة ".
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 452 / 2) من طريقين عن أبي العباس
محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عثمان - لعله عفان -: حدثنا الحسن بن علي
الجعفي عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه
وسلم. قال سفيان: وقيل لابن المنكدر فما بقي مما يستلذ؟ قال: الإفضال على
الإخوان. قلت: وهذا إسناد مرسل، رجاله ثقات، غير الحسن بن علي الجعفي،
فلم أعرفه، ومن المحتمل أنه الحسن بن عطية القرشي الكوفي، فإنه من شيوخ علي
بن الحسن، ونسخة " الشعب " سيئة، فإن يكن هو، فهو صدوق كما قال أبو حاتم،
ويحتمل أنه الحسن بن علي بن الوليد الجعفي، فإنه من هذه الطبقة، ولعله أقرب
، وهو ثقة، فإن(5/365)
ثبت هذا فالإسناد صحيح مرسل. والحسن بن علي بن عثمان أظنه
ابن عفان تحرف على الناسخ إلى ابن عثمان، وابن عفان ثقة. وللحديث شاهد من
حديث ابن عمر بسند حسن سبق تخريجه برقم (906) .
2292 - " من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة، وأن يرى الهلال لليلة، فيقال: هو ابن
ليلتين ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 182 ورقم 1130 - الروض النضير) وفي
" الأوسط " أيضا (2 / 130 / 1 / 7007) و " مسند الشاميين " (ص 642) : حدثنا
محمد بن عبد الرحمن بن الأزرق الأنطاكي - بأنطاكية -: حدثنا أبي حدثنا مبشر بن
إسماعيل عن شعيب بن أبي حمزة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: " تفرد به مبشر ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه، فالإسناد جيد لولا أن الأنطاكي
وأباه لم أعرفهما، وهما على شرط ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ولم أرهما فيه
، وفي نسخة الظاهرية منه خرم. لكن الظاهر من ربط الطبراني التفرد بمبشر بن
إسماعيل أن شيخه وأباه لم يتفردا به. والله أعلم. وفي " مجمع الزوائد " (
3 / 146) : " رواه الطبراني في " الصغير "، وفيه عبد الرحمن بن الأزرق
الأنطاكي، ولم أجد من ترجمه ".
قلت: وفاته في " الأوسط " أيضا، وقد استفدنا منه تصحيح اسم ابن محمد شيخ
الطبراني، فقد وقع في النسخ المطبوعة من " الصغير ": " عبد الله بن عبد
الرحمن بن(5/366)
الأزرق ". فالصواب حذف: " عبد الله "، فهو: " محمد بن عبد الرحمن
بن الأزرق "، فإنه الموافق لما في " الأوسط " و " المسند ". لكن الحديث صحيح
عندي على كل حال، فإن له شواهد تقويه: الأول: عن أنس مرفوعا به، وزاد: "
وأن تتخذ المساجد طرقا وأن يظهر موت الفجأة ". أخرجه الطبراني في " الصغير "
(ص 233) ومن طريقه الضياء في " الأحاديث المختارة " (ق 161 / 2) عن شريك
عن العباس بن ذريح عن الشعبي عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن الشعبي إلا
العباس، ولا عنه إلا شريك ". قلت: وهو سيء الحفظ، وقد خولف، فقد قال
الضياء: " قال الدارقطني: وغيره يرويه عن الشعبي مرسلا ". قلت: رواه كذلك
حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن الشعبي مرفوعا دون الزيادة. أخرجه أبو عمرو
الداني في " الفتن " (52 / 2 و 53 / 2) من طريقين عن حماد به. وهذا إسناد
مرسل حسن، لما عرف من حال ابن بهدلة.
الثاني: عن عبد الله بن مسعود مرفوعا دون قوله: " وأن يرى ... ". أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 78 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (238
) وابن عدي (231 / 2 و 237 / 2) وتمام في " الفوائد " (41 / 1) عن عبد
الرحمن بن يوسف عن سليمان بن مهران عن شقيق بن سلمة عنه. وقال العقيلي: "
عبد الرحمن بن يوسف مجهول في النسب والرواية، والحديث غير محفوظ، ولا(5/367)
يعرف
إلا به ". وقال ابن عدي: " ليس بمعروف، والحديث منكر عن الأعمش بهذا
الإسناد، ولا أعرف لعبد الرحمن غيره ".
الثالث: عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، مثل رواية
الشعبي. أخرجه الداني أيضا عن (أبي) داود عن عمارة بن مهران قال: سمعت
الحسن به. وهذا مرسل حسن أيضا.
الرابع: عن أبي سعيد الخدري موقوفا عليه. أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (
195 / 2) وعنه الداني أخبرنا أبو رفاعة (يعني عبد الله بن محمد بن عمر بن
حبيب العدوي) : حدثنا أبو حذيفة عن سفيان عن عثمان بن الحارث عن أبي الوداك
عنه. وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون، غير أبي رفاعة، فلم أجد له ترجمة.
الخامس: عن طلحة بن أبي حدرد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه
البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 345) : أخبرنا يعقوب أخبرنا محمد بن معن عن
عمه عنه. قلت: وهذا إسناد مجهول، أورده البخاري في ترجمة طلحة بن أبي حدرد
، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (2 / 1 / 472) ،
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (4 / 394) . وعم محمد بن معن لم أعرفه.
ولعل قوله: " عمه "، محرف من: " أبيه "، فإن البخاري وغيره ذكروا له
رواية عن(5/368)
أبيه، وليس عن عمه، وثقه ابن حبان (7 / 412) ، وروى عنه آخران.
ويعقوب هو ابن كاسب. وبالجملة، فهذه الطرق وإن كانت لا تخلو من ضعف،
فبعضها يتقوى ببعض كما قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (1 / 433) . وقد
بقي الكلام على الزيادة المتقدمة في حديث أنس: " وأن تتخذ المساجد طرقا،
وأن يظهر موت الفجاءة ". فاعلم أن الشطر الأول منها له شاهد من حديث ابن مسعود
قال: " من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد فلا يركع ركعتين ". أخرجه عبد
الرزاق (1678) عن معمر عن أبي إسحاق وغيره من أهل الكوفة عنه. وأخرجه ابن
أبي شيبة (1 / 339) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 36 / 2) عن عبد
الأعلى بن الحكم عن خارجة بن الصلت البرجمي عنه قال: " من اقتراب الساعة أو من
أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقا ". ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4 / 446
) مرفوعا، وله عنده تتمة، وقال: " صحيح الإسناد ". قلت: وتعقبه الذهبي
بما لا طائل تحته، بل إنه خلط بين هذا الإسناد وبين إسناد آخر قبله. وهذا
لا يحتمل الصحة، وإنما الحسن فقط، لأن عبد الأعلى - وهو ابن الحكم - ترجمه
ابن أبي حاتم (3 / 1 / 25) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، وهو على شرط ابن حبان، فلعله أخرجه في " ثقاته "، فليراجع.
ويقويه أن له طريقا أخرى عن ابن مسعود، يرويه منصور عن سالم بن أبي الجعد قال:
دخل ابن مسعود المسجد، فقال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(5/369)
"
إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في طول المسجد وعرضه لا يصلي فيه ركعتين ".
أخرجه الطبراني وقال: " هكذا رواه منصور، ووصله قتادة ". قلت: لكن إسناده
إلى قتادة ضعيف وفيه زيادة منكرة، كما بينته في الكتاب الآخر (4514) .
وأما الزيادة الأخرى: " وأن يظهر موت الفجأة ". فقد وجدت لها طريقا أخرى عن
أنس. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (6780) وابن عدي في " الكامل " (83 /
1) والدينوري في " المنتقى من المجالسة " (270 / 2) عن الحسن بن عمارة عن
الحواري بن زياد عنه مرفوعا: " من اقتراب الساعة أن يفشو الفالج، وموت
الفجأة ". لكن ابن عمارة هذا متروك. إلا أنها قد ثبتت في مرسل الشعبي المتقدم
، رواه محمد بن يحيى عن أبيه عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن الشعبي
مرفوعا. أخرجه أبو عمرو الداني في " الفتن " (52 / 1 و 53 / 1) . وهذا
إسناد مرسل حسن، محمد بن يحيى هو ابن سعيد بن فروخ القطان، وهو ثقة. وأما
أبوه فحافظ ثقة إمام، ومن فوقهم معروفون، فإذا ضم إليه حديث أنس صارت هذه
الزيادة منه في مرتبة الحسن إن شاء الله.(5/370)
2293 - " منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه ".
عزاه السيوطي في " الجامع " لأبي نعيم في " كتاب المهدي " عن أبي سعيد
وقال المناوي: " وفيه ضعف ". وأقول: لم يتيسر لي حتى الآن الوقوف على
إسناده، ومع ذلك فالحديث عندي صحيح لأنه جاء مفرقا في أحاديث. أما أنه من
أهل البيت، ففيه ثلاثة أحاديث: الأول: من حديث أم سلمة. أخرجه أبو داود
وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " الضعيفة " تحت الحديث (80) ، وفي " الروض
النضير " (2 / 54) . الثاني: من حديث علي، وهو مخرج في " الروض " أيضا (2
/ 53) . الثالث: من حديث أبي سعيد، وهو مخرج في " الروض " أيضا وفي "
المشكاة " (5454) . وأما صلاته بعيسى عليه السلام، ففيه حديث جابر رضي الله
عنه مرفوعا. " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة
، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال: صل لنا،
فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة ". أخرجه مسلم
وغيره، وقد سبق تخريجه برقم (1960) . وله شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص
مرفوعا بالشطر الثاني مطولا.(5/371)
أخرجه أحمد (4 / 216 - 217) والحاكم (4 / 478
) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بأن المحفوظ أنه من رواية علي بن
زيد بن جدعان وحده. يعني وهو ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى فيها التصريح بأن
الإمام الذي يصلي خلفه عيسى عليه السلام إنما هو المهدي، تراها في " العرف
الوردي " للسيوطي (ص 81، 83، 84) ، وقد مضى منها حديث جابر قريبا (2236)
. وختم السيوطي ذلك بما نقله عن أبي الحسن السحري (!) : " قد تواترت الأخبار
واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمجيء المهدي وأنه من
أهل بيته، ... وأنه يخرج مع عيسى بن مريم، فيساعده على قتل الدجال ... وأنه
يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه ... ".
2294 - " من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم ".
رواه أبو بكر الشافعي في " مسند موسى بن جعفر بن محمد الهاشمي " (71 / 2) عن
موسى بن إبراهيم أخبرنا موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا.
قلت: وموسى بن إبراهيم هذا متروك. لكن له طريقا أخرى رواه الطبراني (1 /
312 / 1 ورقم 3050 - طبعة بغداد) عن شعيب بن بيان حدثنا عمران القطان عن
قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد مرفوعا. قلت: وشعيب هذا ضعيف، وفي "
التقريب ": " صدوق يخطىء ". وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 83) :(5/372)
"
رواه الطبراني في " الكبير " بإسناد حسن ". طريق ثالث عن زكريا بن حكيم الحبطي
حدثنا عطاء بن السائب عن أبي الطفيل عن أبي ذر مرفوعا. أخرجه أبو نعيم في "
أخبار أصبهان " (2 / 129) وابن عدي (148 / 1) وقال: " لا أعلم يرويه
بهذا الإسناد غير زكريا، وهو في جملة الذين يجمع حديثهم ". قلت: وبالجملة
، فالحديث بهذا الشاهد لا ينزل عن مرتبة الحسن. والله أعلم.
2295 - " من آذى عليا فقد آذاني ".
روي عن جمع من الصحابة:
الأول: عن عمرو بن شاس. رواه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 307)
والفسوي في " المعرفة " (1 / 329 - 330) وأحمد (3 / 483) وابن حبان (2202
) والحاكم (3 / 122) وصححه، ووافقه الذهبي (!) وابن عساكر (12 / 109
/ 2) عن محمد بن إسحاق حدثني أبان بن صالح حدثني الفضل بن معقل عن عبد الله بن
نيار الأسلمي عنه. ثم روى ابن عساكر من طريق موسى بن عمير عن عقيل بن نجدة بن
هبيرة عن عمرو بن شاس به. قلت: في الطريق الأولى الفضل بن معقل - وهو ابن
سنان الأشجعي - ذكره ابن أبي حاتم (3 / 2 / 67) من رواية أبان هذا فقط، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وفي الطريق الأخرى عقيل بن نجدة، لم أجد من ذكره
. وموسى بن عمير، إن كان القرشي الأعمى فهو متروك، وإن كان التميمي العنبري
فهو ثقة. الثاني: عن سعد بن أبي وقاص رواه الهيثم بن كليب في " المسند "
(15 / 2) وأبو يعلى (رقم 770) والبزار (2562) والقطيعي في زيادته على
" فضائل الصحابة "(5/373)
(1078) ، وابن عساكر عن قنان النهمي حدثنا مصعب بن سعد عن
أبيه مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، قنان هو ابن عبد الله النهمي، وثقه
ابن معين وابن حبان، وقال النسائي: " ليس بالقوي ". الثالث: جابر بن
عبد الله: رواه ابن عساكر، وكذا السهمي في " تاريخ جرجان " (325) عن
إسماعيل بن بهرام الكوفي حدثني محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن جابر مرفوعا
بمعناه. قلت: إسماعيل هذا صدوق، توفي سنة (241) من شيوخ ابن ماجة. لكن
محمدا هذا - وهو ابن جعفر الصادق - تكلم فيه. وبالجملة، فالحديث صحيح
بمجموع هذه الطرق. (تنبيه) : لقد تكلم صاحبنا وصي الله بن محمد بن عباس في
تعليقه على " الفضائل " بكلام جيد على الحديث، من الطريقين الأولين، ولكنه
بعد أن ضعف الأولى، وحسن الأخرى، عاد فذهل فقال عقب الأخرى: " ومضى برقم (
981) بإسناد صحيح عن عمرو بن شاس نحوه "! وأما المعلق على أبي يعلى فعلق
تحسين إسناده بسماع قنان من مصعب، مع أنه صرح بالتحديث في أبي يعلى وغيره!
2296 - " من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة ".
رواه ابن عساكر (14 / 354 / 1) عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه
أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: فذكره مرفوعا.(5/374)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأبو عشانة بضم المهملة وتشديد
المعجمة اسمه حي بن يومن، ثقة مشهور بكنيته. وعمرو بن الحارث من رجال
الشيخين. وقد تابعه ابن لهيعة قال: حدثنا أبو عشانة به. أخرجه أحمد (4 /
144) . وابن لهيعة سيء الحفظ، لكن متابعة عمرو بن الحارث إياه تدل على أنه
قد حفظ، والظاهر أن الطبراني أيضا أخرجه من طريق عمرو، فقد قال الهيثمي (3
/ 5 - 6) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " ورجال الطبراني ثقات ".
ثم تحقق ما استظهرته بعد طبع المجلد السابع عشر من " كبير الطبراني " (300 /
829) . وللحديث شواهد كثيرة تؤكد صحته، منها الحديث الآتي برقم (2302)
وما يشار إليه تحته، وفيه زيادة هامة.
2297 - " من أجل سلطان الله أجله الله يوم القيامة ".
رواه ابن أبي عاصم في السنة (99 / 2) عن ابن لهيعة عن أبي مرحوم عن رجل من
بني عدي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به. قلت: وهذا إسناد ضعيف من
أجل جهالة الرجل الذي لم يسم، وضعف ابن لهيعة. لكن له طريق أخرى، يرويه
حميد بن مهران: حدثنا سعد بن أوس عن زياد بن كسيب العدوي عن أبي بكرة قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(5/375)
" من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى
في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في
الدنيا أهانه الله يوم القيامة ". أخرجه أحمد (5 / 42، 48 - 49) بهذا
التمام والطيالسي (2 / 167) الشطر الثاني منه، ومن طريقه ابن حبان في "
الثقات " (4 / 259) وكذا الترمذي (2225) وقال: " حديث حسن غريب ".
قلت: ورجاله ثقات، إلا أن زياد بن كسيب لم يوثقه غير ابن حبان، وفي ترجمته
ساق الحديث، وقد روى عنه مستلم بن سعيد أيضا كما في " التهذيب ". وقال في "
التقريب ": " مقبول ". قلت: يعني عند المتابعة، وقد توبع على الشطر الأول
منه في الطريق الأولى، فالحديث حسن عندي. والله أعلم.
2298 - " قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ".
أخرجه أحمد (1 / 176) والطبراني (1 / 18 / 2) والضياء في " المختارة " (
1 / 338) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق عن عمر بن سعيد حدثنا
سعد بن أبي وقاص مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيحين غير
عمر بن سعد، وهو صدوق. وقد تابعه على الجملة الأخيرة منه أخوه محمد بن سعد
بن أبي وقاص.(5/376)
أخرجه أحمد (1 / 183) وأبو يعلى (1 / 206) والطبراني أيضا
، والضياء (1 / 345) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق أيضا عنه. وأبو إسحاق
مدلس مع اختلاطه. لكن الحديث صحيح، فإن هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي أيوب
الأنصاري عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (2089) . وما
قبله له شاهد من حديث ابن مسعود عند البخاري ومسلم (1 / 58) .
2299 - " من أحب أن تسره صحيفته، فيكثر فيها من الاستغفار ".
أخرجه الضياء في " المختارة " (1 / 297) من طريق الطبراني حدثنا أحمد بن يحيى
الحلواني حدثنا عتيق بن يحيى الزبيري حدثنا ابنا المنذر عبيد الله ومحمد عن
هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام مرفوعا، وقال الطبراني: " لا
يروى عن الزبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به عتيق بن يعقوب ".
قلت: محمد بن المنذر - وهو ابن الزبير بن العوام - أورده ابن أبي حاتم (4 /
1 / 97) وكذا البخاري (1 / 1 / 243) وابن حبان في " ثقاته " (7 / 405)
من رواية فليح بن محمد عنه عن أبيه. ولم يزد عليه. فهو مجهول الحال لرواية
عتيق أيضا عنه. لكن ذكره ابن حبان أيضا في مكان آخر (7 / 437) بروايته عن
هشام بن عروة، وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، وكناه بأبي زيد، وقال: "
ربما أخطأ ". وقد تابعه أخوه عبيد الله كما ترى، ولكني لم أجد من ذكره إلا
ابن حبان في " الثقات " (7 / 152) برواية عتيق هذا فقط عنه. وعتيق بن يحيى
، كذا في الأصل وهو خطأ، والصواب: ابن يعقوب كما في " الجرح والتعديل " (
3 / 2 / 46) و " اللسان "، وذكر في الرواة عنه أحمد بن يحيى(5/377)
الحلواني هذا،
وقد وثقه الدارقطني، وكذا أبو زرعة حيث روى عنه. والحلواني هذا روى عنه
جمع من الحفاظ كأحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه جمع، ذكرهم الخطيب في "
تاريخه " (5 / 212 - 213) . قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 208) : " رواه
الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقال المنذري في " الترغيب " (2 /
268) : " رواه البيهقي بإسناد لا بأس به ". ثم رأيت الحديث في " زوائد
المعجمين " (ص 465 - نسخة الحرم المكي) ، وفيه " عتيق بن يعقوب " على الصواب
. والحمد لله على توفيقه. وكذلك وقع في " شعب الإيمان " (1 / 364) للبيهقي
من طريق الحلواني. ثم رجعت إلى " المعجم الأوسط "، فوجدت الحديث فيه (1 / 48
/ 826) على الصواب أيضا، والحمد لله رب العالمين.
2300 - " من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل ".
أخرجه الطيالسي (2495) وأحمد (2 / 298، 520) والبزار (1 / 50 / 63) من
طرق عن شعبة أخبرني يحيى بن أبي سليم سمعت عمرو بن ميمون عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين
غير يحيى بن أبي سليم وهو أبو بلج الفزاري الواسطي، وهو صدوق ربما أخطأ كما
قال الحافظ. والحديث قال الهيثمي (1 / 90) :(5/378)
" رواه أحمد والبزار،
ورجاله ثقات ". قلت: وأخرجه أيضا ابن نصر في " الصلاة " (101 / 1) من الوجه
المذكور وكذا الحاكم (1 / 4 و 4 / 168) ، وقال: " صحيح الإسناد "،
ووافقه الذهبي. وقد خالف الطرق المشار إليها آنفا يزيد بن هارون، فقال:
حدثنا شعبة عن أشعث ابن أبي الشعثاء عن عمرو بن ميمون قال: بنحوه. أخرجه
البزار أيضا، وقال: " لا نعلم أحدا رواه عن شعبة عن أشعث هكذا إلا يزيد،
ولم يتابع عليه، والصواب حديث أبي بلج عن عمرو عن أبي هريرة ". (تنبيه) :
ذكر المناوي عن العراقي أنه قال في " أماليه ": " حديث صحيح وهو من غير طريق
الحاكم "!
2301 - " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ".
أخرجه ابن ماجة (138) وأحمد (1 / 7، 445، 454) من طريق عاصم بن أبي
النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه
وسلم المسجد وهو بين أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي وإذا هو يقرأ (
النساء) ، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: اسأل تعطه، اسأل تعطه، ثم قال: (فذكره) ، فلما
أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليبشره، وقال له: ما سألت الله
البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد،
ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد. ثم جاء عمر رضي الله عنه، فقيل له: إن أبا
بكر قد سبقك! قال: يرحم الله أبا بكر، ما سبقته إلى خير(5/379)
قط إلا سبقني إليه "
. والسياق لأحمد، ولابن ماجة المرفوع منه فقط.
قلت: وهذا إسناد حسن. وله طريق آخر يرويه الحسن بن عبيد الله حدثنا إبراهيم
عن علقمة عن القرثع عن قيس أو ابن قيس - رجل من جعفي - عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وأبو بكر رضي
الله عنه على عبد الله بن مسعود وهو يقرأ، فقام، فسمع قراءته، ثم ركع عبد
الله وسجد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل تعطه، سل تعطه
... " الحديث نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 199) وأحمد (1
/ 38 و 39) والطبراني (3 / 9 / 1) . ثم أخرجه أحمد (1 / 25) من طريق
الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان عن عمر به. ومن طريقه أيضا عن إبراهيم عن
علقمة عن عمر به. ومن هذه الطريق أخرجها الحاكم (2 / 227 و 3 / 318) وقال
: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي.
قلت: الظاهر أنه منقطع بين علقمة وعمر، بينهما القرثع عن قيس، وهو قيس بن
مروان كما في رواية إبراهيم المتقدمة عنه وهو ثقة حجة، ومعه زيادة فيجب
قبولها، لكن في الطريق إليه الحسن بن عبيد الله وهو النخعي وفيه كلام، انظر
" المختارة " للضياء المقدسي (253 - 255 - بتحقيقي) . والقرثع وقيس صدوقان
كما في " التقريب "، فالإسناد جيد. وللحديث طريق أخرى من رواية أبي الضحى عن
عبد الله مرفوعا. أخرجه ابن سعد (2 / 342) .(5/380)
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه من طريق إبراهيم بن مهاجر عن
إبراهيم عن عبد الله به. وابن مهاجر لين الحفظ. وله شاهد من حديث عمار بن
ياسر. أخرجه الحاكم (2 / 228) . وآخر من رواية أبي بكر بن أبي مريم عن عطية
بن قيس الكلابي مرسلا. أخرجه ابن عساكر (6 / 282 / 2) . وثالث من حديث علي
بتمامه. أخرجه الحاكم (3 / 317) ، وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
2302 - " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقالت امرأة: أو اثنان؟ قال: أو اثنان
".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 421) والنسائي (1 / 264) وابن
حبان (721) عن بكير بن عبد الله عن عمران بن نافع عن حفص بن عبيد الله عن
أنس مرفوعا به. وليس عند البخاري وابن حبان: " فقالت امرأة ... ". وزاد
النسائي أيضا: " قالت المرأة يا ليتني قلت: واحد "!
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير عمران بن نافع فوثقه ابن
حبان، وكذا النسائي مع أنه لم يرو عنه غير بكير هذا وفي ترجمته ساق البخاري
حديثه هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث صحيح، فإن له شواهد
كثيرة، منها حديث أبي هريرة رفعه أن رسول الله(5/381)
صلى الله عليه وسلم قال لنسوة
من الأنصار: " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه ; إلا دخلت الجنة،
فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين ". أخرجه مسلم (8
/ 39) وأحمد (2 / 246 و 378) . ومنها حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه،
وفيه: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين واثنين واثنين ".
أخرجه مسلم، وكذا البخاري (3 / 94 - فتح) دون تكرار: " واثنين ".
2303 - " من البر أن تصل صديق أبيك ".
الطبراني في " الأوسط " (350) عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سابط
عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال: " لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد لم يرو
ابن سابط عن أنس غيره ". وأقول: لا يمكن الجزم بأن ابن سابط رواه عن أنس لأن
الراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن، وهو الأموي متروك، رماه أبو حاتم بالوضع.
وقال الهيثمي (8 / 147) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عنبسة بن
عبد الرحمن القرشي، وهو متروك ". لكن الحديث صحيح لأن له شاهدا من حديث ابن
عمر عند مسلم وغيره وقد سبق ذكره تحت الحديث (2089) .
2304 - " من أخاف أهل المدينة أخافه الله ".
أخرجه ابن حبان (1039) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 4) وابن
عساكر (16 / 240 / 2) عن عبد الرحمن بن عطاء عن محمد بن جابر بن عبد الله
عن(5/382)
أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، وفي ابني عطاء وجابر كلام يسير
لا يضر، ولاسيما وقد توبعا، فرواه محمد بن صالح بن قيس بن الأزرق عن مسلم
ابن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن جابر بن عبد الله به، إلا أنه
لم يقل: " أخافه الله "، وزاد: " فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل الله
منه صرفا ولا عدلا ". أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 132) . والأزرق
هذا ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 287 - 288) ، وقال عن أبيه: " شيخ. يعني
يستشهد به. وقد خالفه يحيى بن سعيد فقال: عن مسلم بن أبي مريم عن عطاء بن
يسار عن السائب بن خالد - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مع الزيادة. أخرجه الحربي في
" غريب الحديث " (5 / 146 / 1) والدولابي (1 / 72) وكذا أحمد (4 / 55
و56) . قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك النسائي في " الكبرى " (ق 89 / 2)
والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 136 / 2) وعنه ابن عساكر (16 / 240 / 2
) والخلعي في " الفوائد " (111 / 1) ويعقوب بن أحمد الصيرفي فى " المنتقى
من فوائده " (255 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 372) وأحمد من طرق
أخرى عن عطاء به. وأخرجه الدولابي أيضا (1 / 123) لكن دون الزيادة.
وللحديث شاهد من رواية ابن جريح عن أبي بكر بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن
سعيد بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.(5/383)
أخرجه الجندي في " فضائل المدينة " (رقم 31 - منسوختي) .
قلت: ورجاله ثقات غير أبي بكر بن عبد الله - وهو ابن أبي سبرة - وهو متهم
بالوضع، فلا يصلح للشهادة. وقد صح الحديث عن جابر بلفظ: " من أخاف أهل
المدينة، فقد أخاف ما بين جنبي ". أخرجه أحمد (3 / 354 و 393) عن زيد بن
أسلم عنه. ورجاله رجال الشيخين غير أن زيدا هذا لم يسمع من جابر كما قال ابن
معين. وأخرجه أحمد بن المهندس في " حديث عافية وغيره " (2132 / 1) وابن
عساكر (16 / 240 / 2) من طريقين عن ابن أخي جابر بن عبد الله عن جابر به.
وابن أخي جابر لم أعرفه. وتابعه عبد الله بن نسطاس عن جابر. أخرجه ابن
عساكر أيضا عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عنه. وعبد الله بن نسطاس
وثقه النسائي ولم يرو عنه غير هاشم هذا. ورواه محمد بن كليب عن محمود ومحمد
ابني جابر سمعا جابرا قال: فذكره مرفوعا إلا أنهما قالا: " الأنصار " بدل "
أهل المدينة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 53 و 4 / 1 / 404) .
قلت: ورجاله ثقات على ضعف في محمد بن جابر كما تقدم، وأما أخوه محمود، ففي
ترجمته ذكر البخاري هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال ابن أبي
حاتم (4 / 1 / 291) :(5/384)
" لا أعرف محمود بن جابر، أعرف محمد بن جابر بن عبد
الله ". قلت: وأما ابن حبان فأوردهما في " الثقات " (3 / 232 و 258) على
قاعدته المعروفة!
2305 - " من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر ".
أخرجه أحمد (6 / 73 و 82) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 69) والطحاوي في
" مشكل الآثار " (2 / 153 - 154) والحاكم (1 / 564) والواحدي في " الوسيط
" (2 / 123 / 2) والخطيب (10 / 108) من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب
عن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعا. وقال الحاكم
: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: حبيب بن هند، قال ابن أبي
حاتم (1 / 2 / 110) : " روى عنه عبد الله بن أبي بكر، وعمرو بن عمرو،
وابن حرملة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع البخاري (1 / 2 /
327) ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 141 و 6 / 177) ، فالحديث حسن أو
قريب منه. والله أعلم. (تنبيه) : " حبر " بفتح المهملة وكسرها، أي عالم
. كذا وقع في المصادر المذكورة، سوى " المشكل " و " المستدرك "، فوقع فيهما
بلفظ " خير " بالخاء المعجمة، وكذلك وقع في " الجامع الصغير " معزوا للحاكم
والبيهقي في " الشعب " وعليه شرح المناوي. والله أعلم. (فائدة) : المقصود
من (السبع الأول) : السور السبع الطوال من أول القرآن، وهي مع عدد آياتها:
1 - البقرة (286) ،(5/385)
2 - آل عمران (200) ، 3 - النساء (176) ، 4 - المائدة
(120) ، 5 - الأنعام (165) ، 6 - الأعراف (206) ، 7 - التوبة (129) .
2306 - " من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم، كتب الله له به حسنة، ومن كتب له
عنده حسنة، أدخله الله بها الجنة ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 94 / 2 من الجمع بين المعجمين) عن أبي بكر
بن أبي مريم حدثني حميد بن عقبة بن رومان عن أبي الدرداء مرفوعا، وقال:
" لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بكر ".
قلت: وهو ضعيف لاختلاطه. وحميد بن عقبة بن رومان ترجمه ابن أبي حاتم (1 /
2 / 226) برواية ثقتين عنه. وكذلك صنع ابن حبان في " الثقات " (1 / 41 -
هندية) . والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 135) بهذا اللفظ
، وقال: " رواه الطبراني في الأوسط "، ولفظه في " الكبير " عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله له به
مائة حسنة "، ولم يزد. وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف ". وللحديث
شاهد من رواية الخليل بن أحمد قال: حدثنا المستنير بن أخضر قال:(5/386)
حدثني معاوية
بن قرة قال: كنت مع معقل المزني، فأماط أذى عن الطريق، فرأيت شيئا، فبادرته
، فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئا فصنعته، قال
: أحسنت يا ابن أخي! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من أماط أذى عن
طريق المسلمين، كتب له حسنة، ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة ". أخرجه البخاري
في " الأدب المفرد " (593) والطبراني في " الكبير "، إلا أنه قال: "
المستنير بن الأخضر بن معاوية عن أبيه قال: كنت مع معقل بن يسار ... " إلخ..
فجعله من رواية المستنير عن أبيه، وليس من روايته عن معاوية بن قرة وهو جده
كما في البخاري، وقال الهيثمي: " قال المزي: (الصواب كما رواه البخاري) .
فإن كان كما قال المزي فإسناده حسن إن شاء الله تعالى، وإن كان فيه (عن أبيه
أخضر) ، فلم أجد من ذكر (أخضر) . والله أعلم ".
وأقول: ليس بحسن لأن المستنير بن أخضر لم يوثقه أحد، بل قال ابن المديني: "
مجهول، لا أعرفه ". نعم، لو قيل: إنه حسن بالذي قبله لم يكن بعيدا،
ولاسيما وله شاهد آخر يرويه أبو شيبة المهري قال: كان معاذ يمشي ورجل معه،
فرفع حجرا من الطريق، فقال: ما هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " من رفع حجرا من الطريق كتبت له حسنة، ومن كانت له حسنة دخل
الجنة ". قال(5/387)
الهيثمي: " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". كذا
قال، وأبو شيبة هذا لم يوثقه غير ابن حبان (1 / 306 - هندية) ، وقال
الذهبي: " لا يدرى من ذا؟ ". وجملة القول أن الحديث بشاهديه حسن على أقل
المراتب. والله تعالى أعلم. ثم وجدت لحديث معاذ طريقا أخرى، يرويه النضر بن
كثير السعدي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عنه به. أخرجه
المخلص في " الفوائد المنتقاة " (7 / 1 / 2) . ورجاله ثقات غير النضر هذا،
وهو ضعيف عابد كما في " التقريب ". (تنبيه) : لقد أورده السيوطي في "
الجامع " كما هو أعلاه، برواية الطبراني في " الأوسط "، فادعى المناوي أن
تخريجه إياه غير محرر! ثم ذكر أن لفظ " الأوسط " هو لفظ " الكبير " الذي ليس
فيه: " ومن كتب له عنده حسنة.. "! فكأنه لما قرأ كلام الهيثمي المتقدم، لم
تقع عينه على قوله فيه: ".. في الكبير "، فوقع في الخطأ، نسأل الله العصمة.
2307 - " من ادعى إلى غير أبيه فلن يرح رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة سبعين
عاما ".
أخرجه أحمد (2 / 171 / 194) والخطيب (2 / 347) عن شعبة عن الحكم عن مجاهد
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح
على شرط الشيخين، والحكم هو ابن عتيبة الكوفي.(5/388)
وقد خالفه في متنه عبد
الكريم عن مجاهد به إلا أنه قال: " خمسمائة عام ". أخرجه ابن ماجة (2611) :
حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان عن عبد الكريم به. وقال البوصيري في "
زوائده " (161 / 2) : " إسناده صحيح ". ونقل السندي في " حاشيته " على ابن
ماجة عنه أنه علل ذلك بقوله: " لأن محمد بن الصباح هو أبو جعفر الجرجاني (1)
التاجر، قال فيه ابن معين: لا بأس به. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
وذكره ابن حبان في " الثقات "، وباقي رجال الإسناد لا يسأل عن حالهم لشهرتهم "
. وأقول: هذا مسلم على اعتبار أن عبد الكريم هذا هو الجزري وبه جزم المنذري
في " الترغيب " (3 / 88) ولم أجد ما يؤيد هذا الجزم، بل إن احتمال كونه عبد
الكريم ابن أبي المخارق الضعيف وارد، لأن كلا منهما قد ذكروه في شيوخ سفيان،
وهو ابن عيينة، كما ذكروا في شيوخهما معا مجاهدا، ولكن يرجح هذا الاحتمال
المخالفة المذكورة، فإنها بعبد الكريم المضعف أليق من عبد الكريم الجزري الثقة
. والله أعلم. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما عن سعد وأبي بكرة مرفوعا
دون قوله: " وريحها يوجد. ". وهو مخرج في " غاية المرام " (267) .
2308 - " من أدرك منكم عيسى ابن مريم، فليقرئه مني السلام ".
أخرجه الحاكم (4 / 545) عن عبد الله بن سليمان حدثنا محمد (الأصل محمود)
ابن مصفى الحمصي حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مرفوعا. وقال
:
_________
(1) كذا الأصل، والصواب الجرجراني. اهـ.(5/389)
" إسماعيل هذا أظنه ابن عياش، ولم يحتجا به ". ووافقه الذهبي، بل إنه
جزم بذلك، فإنه لما ساق إسناد الحديث من عند إسماعيل قال: " إسماعيل بن عياش
عن أيوب ... ". فأضاف من عنده في صلب الإسناد: " ابن عياش ". وذلك وهم منه
ومن الحاكم أيضا، فإنه ليس هو ابن عياش، وإنما إسماعيل ابن علية، وهو ثقة
من رجال الشيخين، وقد ذكروا في شيوخه أيوب هذا، وهو السختياني. ومحمد بن
مصفى الحمصي، قال الحافظ: " صدوق، له أوهام، وكان يدلس ".
قلت: وقد صرح هنا بالتحديث، فأمنا شبهة تدليسه. وعبد الله بن سليمان هو
الحافظ ابن الحافظ أبي داود السجستاني صاحب " السنن "، وهو ثقة، تكلم فيه
والده بما لم يقبلوه منه. والمعصوم من عصمه الله، فالإسناد جيد. وروى
الحاكم أيضا (2 / 595) من طريق محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن
عطاء مولى أم حبيبة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ليهبطن عيسى ابن مريم حكما عدلا ... الحديث يقول أبو هريرة: " أي بني
أخي! إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام ". وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.
وعطاء مولى أم حبيبة لم أعرفه، ولعل أم حبيبة محرف من أم صبية، فإن عطاء مولى
أم صبية من رجال النسائي. روى عن أبي هريرة. وعنه سعيد المقبري وهو مجهول.(5/390)
2309 - " من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء ".
أخرجه أحمد (3 / 367 و 379) عن شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله القاضي
. لكن الحديث صحيح، له شواهد كثيرة معروفة، فراجع له " الترغيب " (2 / 93 -
94) إن شئت. والحديث رواه الضياء أيضا عن جابر كما في " الجامع ".
2310 - " من أراد أن يعلم ما له عند الله جل ذكره، فلينظر ما لله عز وجل عنده ".
روي من حديث أنس وأبي هريرة وسمرة بن جندب.
1 - أما حديث أنس: فأخرجه أبو الحسن بن الصلت في " حديث حمزة بن القاسم ابن
عبد العزيز الهاشمي "، فقال (75 / 2) : حدثنا حمزة قال: حدثنا مولانا أبو
مقاتل سويد بن هلال بن سويد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري
عن أنس ابن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير سويد بن هلال،
فإني لم أجد له ترجمة. وحمزة الهاشمي له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (8 /
181) . والحديث عزاه السيوطي للدارقطني في " الأفراد " عن أنس وغالب الظن
أنه عنده من هذا الوجه. 2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه الحسن بن يحيى الأيلي
حدثنا عاصم بن مهجع حدثنا صالح المري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عنه.(5/391)
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 176 و 274) ، وقال: " غريب من حديث صالح
، تفرد به عاصم ". قلت: وهو ثقة كما قال أبو زرعة على ما في " الجرح " (3 /
1 / 350) وكذلك سائر الرجال ثقات، غير صالح المري، فهو ضعيف. والحسن بن
يحيى هو ابن هشام الرزي، ووقع في " الجرح ": " الرازي "، ولعله تصحيف،
قال ابن حبان: " مستقيم الحديث، كان صاحب حديث ". 3 - وأما حديث سمرة
فيرويه محمد بن صبيح بن السماك عن مبارك بن فضالة عن الحسن عنه. أخرجه أبو
نعيم أيضا (8 / 216) ، وقال: " غريب من حديث مبارك ومحمد بن صبيح ". قلت
: وهما صدوقان، على ضعف في حفظ ابن صبيح وتدليس في المبارك. وبالجملة،
فالحديث بهذه الطرق الثلاثة لا ينزل عن مرتبة الحسن. والله أعلم.
2311 - " من أرضى الله بسخط الناس، كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس،
وكله الله إلى الناس ".
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (162 / 1 - 2) والجوزجاني في
كتابه " أحوال الرجال " (رقم 2 - منسوختي) ، وعنه ابن حبان (1541) : حدثنا
عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن واقد عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن
عائشة مرفوعا.(5/392)
ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " الزهد " (ق 108 / 1) ،
وقال: " ربما رفعه عثمان، وربما لم يرفعه ". يعني أن عثمان بن عمر كان تارة
يرفعه وتارة يوقفه، ولا شك أن الرفع هو الأرجح لسببين:
الأول: أن فيه زيادة، وهي مقبولة إذا كانت من ثقة مثل عثمان بن عمر هذا -
وهو ابن فارس العبدي - فإنه ثقة من رجال الشيخين، والراوي قد ينشط تارة فيرفع
الحديث، ولا ينشط أخرى فيوقفه.
الثاني: أنه قد رواه غيره مرفوعا أيضا، وهو النضر بن شميل حدثنا شعبة به.
أخرجه البيهقي. والنضر ثقة ثبت من رجال الشيخين أيضا. نعم قد رواه علي بن
الجعد: أخبرنا شعبة به موقوفا. أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 /
76 / 1) . فالجواب: أن الرفع زيادة من ثقة، فيجب قبولها كما تقدم. ولاسيما
وقد توبع شعبة على رفعه، فرواه عثمان بن واقد العمري عن أبيه عن محمد بن
المنكدر عن عروة عن عائشة مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (1542) والقضاعي (
42 / 2) ومشرق بن عبد الله في " حديثه " (61 / 2) وابن عساكر (15 / 278 /
1) . قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن واقد،
وهو صدوق، ربما وهم كما قال الحافظ. وتابعه هشام بن عروة عن أبيه به مرفوعا،
لكن بلفظ: " من طلب محامد الناس بمعصية الله عاد حامده ذاما ".(5/393)
أخرجه العقيلي
في " الضعفاء " (325) والخرائطي في " مساوىء الأخلاق " (ج 2 / 5 / 2)
وابن عدي (272 / 2) ، وابن شاذان الأزجي في " الفوائد المنتقاة " (1 / 118 /
2) وابن بشران في " الأمالي " (144 - 145) وابن الأعرابي في " معجمه " (
82 / 1) ومن طريقه القضاعي (42 / 2) وأبو القاسم المهراني في " الفوائد
المنتخبة " (3 / 23 / 1) والبيهقي أيضا عن قطبة بن العلاء الغنوي عن أبيه عن
هشام. وقال العقيلي: " العلاء بن المنهال لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به
، ولا يصح في الباب مسندا، وهو موقوف من قول عائشة ". كذا قال ومجيئه من
وجوه مرفوعا يقوي رفعه، لكن بلفظ الترجمة. وأعله ابن عدي والبيهقي بقطبة بن
العلاء، فقالا: " ليس بالقوي ". وأبوه العلاء ذكره ابن حبان في " الثقات "
! وتابعه ابن المبارك عن هشام بن عروة به نحو لفظ الترجمة. أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (8 / 188) عن سهل بن عبد ربه حدثنا ابن المبارك، وقال: " غريب
من حديث هشام بهذا اللفظ ". وسهل بن عبد ربه لم أجد من ترجمه. وقد خالفه
سفيان فرواه عن هشام به موقوفا. أخرجه الترمذي (2 / 67) . ثم أخرجه هو وعبد
الغني المقدسي في " التوكل " (245 / 2) عن ابن المبارك عن عبد الوهاب بن
الورد عن رجل من أهل المدينة قال:(5/394)
" كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي
الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت عائشة رضي
الله عنها إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد، فإني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي
لم يسم ولكنه تابعي فيستأنس به، ويتقوى حديثه بالطرق المتقدمة. وجملة
القول أن الحديث قد صح عن عائشة مرفوعا وموقوفا، ولا منافاة بين الأمرين لما
سبق. والله أعلم. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من أسخط الله
في رضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله
في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه، ويزين
قوله وعمله في عينه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 132 / 1 / 1) :
حدثنا جبرون بن عيسى المقري: أخبرنا يحيى بن سليمان الحفري: أخبرنا فضيل بن
عياض عن منصور عن عكرمة عنه. والحفري هذا فيه مقال كما قال أبو نعيم،
وجبرون لم أجد من ترجمه، ومع ذلك قال في " الترغيب " (3 / 154) : " رواه
الطبراني بإسناد جيد قوي "! (تنبيه) : (الحفري) هذا بالحاء المهملة، هكذا
وقع في " كبير الطبراني " في إسناد هذا الحديث وغيره مما قبله وبعده. وفي
الحديث الأول منها (الحفري) بضم الحاء وتحتها ما يشبه النقطين، لعل إحدهما
وسخة صغيرة تشبه النقطة، فظهرت في مصورة الكتاب مع أختها الأصيلة، وعليه
يكون الأصل (الجفري) بالجيم، وكذلك وقع في حديث آخر لجبرون عنه في " المعجم
الصغير " (ص - 68 - طبع الهند) وكذلك في " المعجم الأوسط " (رقم - 3539 -
مصورتي) . وكذا ذكره السمعاني في " الأنساب "،(5/395)
فقال: " بضم الجيم وسكون
الفاء وفي آخرها راء، وظني أنه موضع بـ (إفريقية) والله أعلم، حدث،
وآخر من حدث عنه جبرون بن عيسى بن زيد، توفي سنة (237) ". وكذلك وقع في "
الضعفاء " للذهبي مضموم الجيم بالقلم من مخطوطة الظاهرية، وكذلك في النسختين
المطبوعتين من " الميزان ". وأما في المخطوطة فبالحاء المهملة تحتها حاء
صغيرة، وأما في " المشتبه " فقيده بالحاء المضمومة، وتبعه الحافظ ابن حجر
في " التبصير " فقال: (1 / 340) : " وبحاء مهملة مضمومة: يحيى بن سليمان
الحفري المغربي ... ". وقد تعقب الذهبي الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في
كتابه الجليل " توضيح المشتبه (1 / 112 / 2) ، فقال: " وقد تبع المصنف في
نسبة يحيى هذا ابن ماكولا، والفرضي، وكذلك قلده القاضي عياض في " ترتيب
المدارك "، وابن الجوزي، وقد وجدته في " تاريخ ابن يونس " بخط الحافظ ابن
عساكر وسماعه بالجيم منقوطة مضمومة، وكذلك وجدته في " المستخرج " لأبي
القاسم ابن منده، وهو الأشبه بالصواب، ولعله منسوب إلى (جفرة عتيب) : اسم
قبيلة في بلاد المغرب. ثم وجدت بعضهم ذكر أنه إنما قيل له: (الحفري) يعني
بالمهملة، كما ذكره الأمير ونحوه، لأن داره كانت على حفرة بدرب أم أيوب بـ (
القيروان) . انتهى ". قلت: ويبدو من مجموع ما سبق، وبخاصة من كلام ابن
ناصر الدين الأخير صحة النسبتين: (الجفري) بالجيم و (الحفري) بالحاء،
الأولى نسبة إلى موضع بالقيروان، والأخرى نسبة إلى الحفرة التي كانت قرب داره
. والله أعلم. ثم إن يحيى هذا قد وثقه الذهبي في " الضعفاء "، وقال في "
الميزان ": " ما علمت به بأسا ".(5/396)
فالعلة من جبرون بن عيسى. والله أعلم.
وأما الهيثمي فلم يعرج عليه في هذا الحديث كعادته، بل أوهم أنه من رجال "
الصحيح "! فقال (10 / 224) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال " الصحيح "،
غير يحيى بن سليمان الحفري، وقد وثقه الذهبي في آخر ترجمة يحيى بن سليمان
الجعفي ".
2312 - " من استجمر فليستجمر ثلاثا ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1) من طريق قيس بن الربيع بإسناده عن ابن عمر
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الهيثمي (1 / 211) : " وقيس بن
الربيع وثقه الثوري وشعبة، وضعفه جماعة ". قلت: وللحديث شاهد قوي، من
رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا بلفظ: " إذا استجمر أحدكم فليستجمر
ثلاثا ". أخرجه أحمد (3 / 400) وابن خزيمة في " صحيحه " (76) وعنه
البيهقي (1 / 103 - 104) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه
مسلم (1 / 147) من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به، دون قوله:
" ثلاثا ". وهو رواية لأحمد (3 / 294) . وفي أخرى له (3 / 336) من طريق
ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير به، بلفظ: " إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات "
. وابن لهيعة لا بأس به في الشواهد والمتابعات.
_________
(1) لم أره في " مسند ابن عمر " من نسخة الظاهرية منه، وفيها خرم. اهـ.(5/397)
2313 - " من استطاع منكم أن يكون له خبئ من عمل صالح فليفعل ".
أخرجه الخطيب في التاريخ (11 / 263) عن عمر بن محمد بن السري بن سهل الوراق
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا
محمد بن فضيل بن غزوان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن الزبير
بن العوام مرفوعا. وقال: قال محمد بن أبي الفوارس: كان عمر هذا مخلطا في
الحديث جدا، يدعي ما لم يسمع، ويركب ". وقال أبو الحسن بن الفرات: " كان
يحفظ من الحديث قطعة حسنة، وكتبت شيئا كثيرا، ثم ذهبت كتبه إلا شيئا يسيرا،
وحدث عن الباغندي بأحاديث لا أصل لها وكان رديء المذهب ". قلت: ومن فوقه
من الرواة ثقات كلهم، لكن أعله الدارقطني بعلة أخرى، يشعر صنيعه أن عمر
الوراق لم يتفرد به، فقد قال: " رفعه إسحاق بن إسماعيل، ولم يتابع عليه،
وقد رواه شعبة وزهير، والقطان وهشيم وابن عيينة وأبو معاوية وعبدة ومحمد
بن زياد عن إسماعيل عن قيس عن الزبير موقوفا وهو الصحيح ". نقله المناوي عن
ابن الجوزي، عند شرح الحديث وقد عزاه أصله - أعني " الجامع الصغير " - لرواية
الضياء عن الزبير، يعني مرفوعا. قلت: وقد رجعت إلى " الأحاديث المختارة "
فوجدته قد أخرجه فيه (1 / 296) من طريقين آخرين عن إسحاق بن إسماعيل به
مرفوعا. فصح ما استشعرته من صنيع الدارقطني، والحمد لله.(5/398)
وقد رواه الضياء
أيضا من طريق وكيع بن الجراح أخبرنا ابن أبي خالد به موقوفا. ثم نقل عن
الدارقطني ما سبق نقله عن المناوي، ومما لا شك فيه أن اجتماع هؤلاء الثقات
على رواية الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد موقوفا، مما يحمل على الاطمئنان أن
رفعه وهم من إسحاق بن إسماعيل أو شيخه محمد بن فضيل. لكني وجدت للحديث شاهدا
مرفوعا، أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 37 / 1) من طريق سلم بن جنادة
السوائي قال: أخبرنا أبي، ومن طريق علي بن مسهر كلاهما عن عبيد الله بن عمر
عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح من الطريق الثانية طريق
ابن مسهر، والطريق الأولى شاهد لها، فثبت الحديث مرفوعا، والحمد لله أولا
وآخرا.
2314 - " من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق
، فقد سأل إلحافا ".
أخرجه أحمد (4 / 138) : حدثنا أبو بكر الحنفي قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر
عن أبيه عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: " ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما يسأله الناس؟ فانطلقت أسأله، فوجدته قائما يخطب وهو يقول
: (فذكره) ، فقلت بيني وبين نفسي: لناقة له هي خير من خمس أواق، ولغلامه
ناقة أخرى هي خير من خمس أواق، فرجعت ولم أسأله ". ومن هذا الوجه أخرجه
الطحاوي أيضا في " مشكل الآثار " (1 / 204 - 205) . قلت: وهذا إسناد صحيح،
رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل المزني، وهو من الصحابة كما تدل عليه الرواية
نفسها، وجهالته لا تضر لأنهم عدول عند أهل السنة.(5/399)
وقد روى هلال بن حصن عن
أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة والحديث، إلا أنه قال: " ومن سألنا لم ندخر
عنه شيئا نجده ". أخرجه الطبري (5 / 598 / 6228) من طريق قتادة عنه. وهلال
هذا أورده ابن أبي حاتم (4 / 73) برواية أبي حمزة أيضا عنه، ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 280 - 281 هندية
) . ومن دونه ثقات رجال الشيخين، غير بشر - وهو ابن معاذ العقدي شيخ الطبري
- وهو ثقة. وقد أخرجه أحمد (3 / 44) من طريق أبي حمزة عن هلال بن حصن به
نحوه. وأبو حمزة هذا هو عبد الرحمن بن عبد الله المازني جار شعبة، وهو ثقة
من رجال مسلم، وصوب العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي في تعليقه على "
التاريخ " (4 / 2 / 204) أن " أبا حمزة " تصحيف، والصواب " أبو جمرة ":
نصر بن عمران الضبعي، فقد ذكر المزي في شيوخه هلال بن حصن هذا. قلت: وهذا
التصويب لا وجه له لأن الأصول كلها اتفقت على أنه أبو حمزة، فتخطئتها كلها لأن
المزي ذكر في شيوخ هلال أبا جمرة بالجيم لا ينهض دليلا على التصحيف المذكور،
لاحتمال أن يكون كلا من أبي حمزة وأبي جمرة قد روى عن هلال. والله أعلم.
وقد جزم الحافظ في ترجمة أبي حمزة من " التعجيل " أنه يعرف بجار شعبة، واسمه
عبد الرحمن. ورواه عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري:(5/400)
" أن ناسا من
الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم
سألوه فأعطاهم، حتى نفد من عنده فقال: " ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم
ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي
أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ". أخرجه البخاري (3 / 261 - فتح) ومسلم (3
/ 102) والدارمي (1 / 378) وأحمد أيضا (3 / 93) . وأخرج أحمد أيضا (3
/ 9) من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي
سعيد الخدري عن أبيه قال: " سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أسأله، فأتيته ... " فذكره نحو حديث الترجمة، إلا أنه قال: " وله قيمة
أوقية فقد ألحف ". وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن
أبي الرجال، وهو صدوق ربما أخطأ كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه
النسائي (1 / 363) . وأخرج الطحاوي من طريق عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد
قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول لرجل يسأله: " من سأل منكم
وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ". والأوقية يومئذ أربعون درهما ".
قلت: وإسناده صحيح. وله شاهد من حديث ابن عمرو وغيره مختصرا وقد مضى برقم
(1719) .(5/401)
2315 - " من استودع وديعة فلا ضمان عليه ".
هو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. وله عنه طرق:
الأولى: عن المثنى بن الصباح عنه. أخرجه ابن ماجة (2 / 73) . والمثنى ضعيف
اختلط بآخره.
الثانية: عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي عنه. أخرجه الدارقطني (ص 306) وعنه
البيهقي (6 / 289) . والحجبي هذا أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 323) من
رواية ابن المبارك ووكيع عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكأنه لذلك
قال البيهقي عقب الحديث: " إسناده ضعيف ". وأقول: ولكنه ليس شديد الضعف،
فيستشهد بالحجبي لأنه مجهول الحال، ولعله في " ثقات ابن حبان ". ثم رأيته قد
أورده في " أتباع التابعين " (7 / 422) من رواية أبي عاصم النبيل. فقد روى
عنه ثلاث من الثقات.
الثالثة: عن عبيدة بن حسان عنه به نحوه. أخرجه الدارقطني من طريق عمرو بن عبد
الجبار عنه، وقال: " عمرو وعبيدة ضعيفان ".
الرابعة: عن عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عنه. أخرجه الخلعي في " الفوائد "
، وعلقه البيهقي.(5/402)
قلت: عمرو بن خالد - هو المصري - ثقة. وابن لهيعة صدوق،
لكنه سيء الحفظ، لكنه يتقوى بالمتابعات التي قبله، فالحديث بمجموعها حسن عندي
على الأقل. والله أعلم.
2316 - " من أسلم على يديه رجل فهو مولاه "..
روي من حديث أبي أمامة وتميم الداري وراشد بن سعد مرسلا.
1 - أما حديث أبي أمامة، فيرويه معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم الشامي عن
أبي أمامة مرفوعا. أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (3 / 1 / 56) وأبو حامد
الحضرمي في " حديثه " (157 / 2) والدارقطني في " سننه " (ص 502) والبيهقي
(10 / 298) والطبراني في " الكبير " (8 / 223 / 7781) وابن عساكر في "
التاريخ " (16 / 392 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل الصدفي هذا.
وقد أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 53) ، وقال: " امتنع أبو زرعة من
قراءته علينا، ولم نسمعه منه ". وقد تابعه جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد
الرحمن به نحوه. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (13 / 248 / 1) وابن
عدي (ق 53 / 1) وعنه البيهقي (10 / 298) وسعيد بن منصور أيضا كما في "
تهذيب ابن القيم " (4 / 186) . لكن جعفرا هذا متروك كما قال عبد الحق في "
أحكامه " (168 / 2) .(5/403)
2 - وأما حديث تميم فيرويه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وقد اختلف عليه
على وجوه: الأول: قال أبو بدر: حدثنا عبد العزيز قال: أخبرني من لا أتهم عن
تميم الداري قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل من أهل الكفر
يسلم على يدي الرجل من المسلمين، ما السنة فيه؟ قال: من أولى الناس بمحياه
ومماته ". أخرجه أبو عمرو بن السماك في " حديثه " (2 / 25 / 1) وعنه البيهقي
(10 / 296) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات لولا الرجل الذي لم يسم،
وإن كان ثقة غير متهم عند الراوي عنه عبد العزيز بن عمر لأن مثل هذا التوثيق غير
مقبول عند الجمهور ما دام أنه لم يسم الراوي الموثق، لكنه قد سمي في بعض
الروايات الآتية، فظهر أنه ثقة، وبذلك يثبت الحديث، والحمد لله.
الثاني: قال: يحيى بن حمزة: حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال:
سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم به.
أخرجه أبو داود (2 / 20) والحاكم (2 / 219) والبيهقي (10 / 296، 297)
والطبراني في " الكبير " (1273) من طرق عن يحيى به. قلت: وهذا إسناد حسن
، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن موهب - وقيل: ابن وهب،
والصواب الأول - وهو ثقة كما في " التقريب " غير أن عبد العزيز بن عمر بن عبد
العزيز، مع كونه من رجالهما، فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، فقال الذهبي
في " المغني ": " وثقه جماعة، وضعفه أبو مسهر ".(5/404)
وقال الحافظ في " التقريب
": " صدوق يخطىء ".
الثالث: قال جماعة منهم وكيع: عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد
الله بن موهب عن تميم (وقال بعضهم ابن وهب: سمعت تميما به) . أخرجه الترمذي
(2113) وابن ماجة (2 / 171) والدارقطني والبيهقي وأحمد (4 / 103)
وابن أبي شيبة في " المصنف " (11 / 408) وقال الترمذي: " لا نعرفه إلا من
حديث عبد الله بن وهب - ويقال: ابن موهب - عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم
بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب، ولا يصح، رواه يحيى
بن حمزة ". قلت: يحيى هذا ثقة من رجال الشيخين، فإن كان قد حفظه، فهي زيادة
من ثقة يجب قبولها، وإلا فرواية الجماعة عن عبد العزيز بإسقاط قبيصة أصح،
وقد تابعهم حفص بن غياث عند الطبراني (1272) ، وإسحاق بن يوسف الأزرق عند
أحمد (4 / 102) وابن المبارك عند عبد الرزاق في " المصنف " (6 / 20 / 9872
و9 / 39 / 16271) وقال: " قال ابن المبارك: ويرثه إذا لم يكن له وارث.
فذكرته للثوري، فقال: يرثه، هو أحق من غيره ". فقد يقال حينئذ بأنه منقطع
بين عبد الله بن موهب وتميم. والجواب: أنه قد صرح بالسماع من تميم في عدة
روايات: الأولى: رواية وكيع عند ابن ماجة وأحمد.
الثانية: رواية أبي نعيم عند البيهقي وأحمد (4 / 103) وكذا الدارمي (2 /
377) .(5/405)
الثالثة: رواية علي بن عابس وعبد الرحمن بن سليمان ومحمد بن ربيعة الكلابي
عند الدارقطني. فهؤلاء خمسة أكثرهم متفق على توثيقهم، وكلهم صرحوا بسماع عبد
الله بن موهب من تميم. وخالفهم يحيى بن حمزة فأدخل بينهما قبيصة. فالأمر لا
يخرج عما قاله ابن التركماني: " فإن كان الأمر كما ذكر أبو نعيم ووكيع حمل
على أنه سمع منه بواسطة وبدونها، وإن ثبت أنه لم يسمع منه ولا لحقه،
فالواسطة - وهو قبيصة - ثقة أدرك زمان تميم بلا شك، فعنعنته محمولة على
الاتصال، فلا أدري ما معنى قول البيهقي: (فعاد الحديث مع ذكر قبيصة إلى
الإرسال) ؟ ". وجملة القول أن إعلال حديث تميم بالانقطاع، غير قوي، وعندي
أن إعلاله بعبد العزيز بن عمر أولى وأظهر، لما فيه من الكلام الذي سبقت
الإشارة إليه ولعله هو سبب هذا الاختلاف في إسناده، ولكنه مع ذلك لا ينزل
حديثه عن أن يكون شاهدا للطريق الأولى عن ابن أبي أمامة، وعليه، فالحديث على
أقل الدرجات حديث حسن، وهو ما صرح به ابن القيم في " تهذيب السنن " (4 / 186
) . وسبقه إلى ذلك أبو زرعة الدمشقي، فقال: " وهذا حديث حسن متصل، لم أر
أحدا من أهل العلم يدفعه ". كذا في " تهذيب ابن حجر ". والله أعلم. ومما
يؤيد رواية الجماعة عن عبد العزيز بن عمر أنه قد تابعه أبو إسحاق السبيعي عن
عبد الله بن موهب عن تميم الداري. رواه الطبراني (1274) والحاكم والبيهقي
من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه به. وقال الحاكم:(5/406)
"
صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وعبد الله بن وهب بن زمعة مشهور "
. وتعقبه الذهبي بقوله: " هذا ما خرج له إلا ابن ماجة فقط، ثم هو وهم من
الحاكم ثان، فإن ابن زمعة لم يرو عن تميم الداري وصوابه عبد الله بن موهب ".
قلت: وما دام أنه ثقة - كما تقدم عن الحافظ، ونحوه قول الذهبي في " الكاشف
": " صدوق "، وأنه ثبت سماعه من تميم في الروايات المتقدمة - فالإسناد صحيح
، أو على الأقل حسن، فلا وجه لإعلال من أعله بالانقطاع بحجة عنعنته، أو إدخال
بعض الرواة - قبيصة - بينه وبين تميم، لما علمت من أنها رواية مخالفة لرواية
الجماعة، وأن ابن موهب لم يتهم بتدليس، فالأصل أن تحمل روايته على الاتصال،
فكيف وقد صرح بالسماع؟ ! فإذا ضم إلى روايته حديث أبي أمامة من طريق معاوية،
ارتقى الحديث إلى درجة الصحة. والله أعلم.
3 - وأما حديث راشد فيرويه الأحوص بن حكيم عنه به، وزاد: " يرثه، ويعقل
عنه ". أخرجه سعيد بن منصور (رقم 601) . والأحوص هذا ضعيف الحفظ، فيستشهد
به. وفي معناه أثر عمر رضي الله عنه أن رجلا أتى عمر فقال: إن رجلا أسلم على
يدي، فمات، وترك ألف درهم، فتحرجت منها، فرفعتها إليك. فقال: أرأيت لو
جنى جناية عن ما كانت تكون؟ قال: علي، قال: فميراثه لك. أخرجه ابن أبي
شيبة (11 / 409 / 11623) بسند ضعيف.(5/407)
2317 - " من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب، فهو كفارته ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 189) وأحمد (5 / 214، 215) عن
أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه
وسلم. قلت: وإسناده حسن، ورجاله ثقات على شرط مسلم، وفي أسامة بن زيد -
وهو الليثي المدني - كلام معروف، لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. والحديث
صحيح، فإن له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه، أخرجه أحمد (5 /
316، 320) والشيخان، وغيرهما. وله شاهد آخر من حديث علي نحوه، لكن
إسناده ضعيف عندي كما بينته في " المشكاة " (3629) و " الروض النضير " (705
) .
2318 - " من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له
الدنيا بحذافيرها ".
روي من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري وأبي الدرداء وابن عمر وعلي.
1 - أما حديث الأنصاري فيرويه ابنه سلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه
مرفوعا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (300) و " التاريخ " (3 / 1 /
373) والترمذي (2347) وابن ماجة (2 / 525) والحميدي في " مسنده " رقم
(439) والعقيلي في " الضعفاء " (166) وابن أبي الدنيا في " القناعة "
(2 / 4 / 2) والخطيب في " التاريخ " (3 / 364) والبيهقي في " الزهد " (
14 / 1) والقضاعي في " مسنده " (45 / 2) كلهم عنه به. وقال العقيلي: "
سلمة بن عبيد الله مجهول في النقل، ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به.(5/408)
قال أحمد: " لا أعرفه "، وقد رووا مثل هذا الكلام عن أبي الدرداء عن النبي
صلى الله عليه وسلم بإسناد يشبه هذا في اللين ". وقال الحافظ في " التقريب "
: " مجهول ". وأما الترمذي، فقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وهذا من
تساهله الذي عرف به، ولو قال: " حسن " فقط، لكان مقبولا لأن المعنى حينئذ
أنه حسن لغيره، وهذا ما يشهد له ما يأتي من الطرق.
2 - وأما حديث أبي الدرداء فيرويه عبد الله بن هانىء بن عبد الرحمن بن أبي
عبلة أبو عمرو قال: أخبرنا أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء عنه
مرفوعا به. وزاد في بعض الروايات عنه: " يا ابن جعشم! يكفيك منها ما سد
جوعتك ووارى عورتك وإن كان ثوبا يواريك فذاك، وإن كانت دابة تركبها فبخ،
فلق الخبز وماء الجر وما فوق ذلك حساب عليك ". أخرجه ابن حبان (2507)
وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 249) والخطيب (6 / 166) وابن عساكر في "
التاريخ " (2 / 268 / 2، 19 / 280 / 1) والزيادة له. قلت: وهذا إسناد
ضعيف جدا، عبد الله بن هانىء قال الذهبي: " متهم بالكذب ". وقال أبو حاتم:
" روى عنه محمد بن عبد الله بن مخلد الهروي أحاديث بواطيل، قدمت الرملة، فذكر
لي أنه في بعض القرى، وسألت عنه؟ فقيل: هو شيخ يكذب، فلم أخرج إليه ".(5/409)
وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8 / 357) ! وأبوه هانىء بن عبد الرحمن،
قال ابن حبان في " الثقات " (7 / 583) : " ربما أغرب ". وقال الهيثمي في "
مجمع الزوائد " (10 / 289) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في
بعضهم ".
3 - وأما حديث ابن عمر فيرويه فضيل بن مرزوق عن عطية عنه. أخرجه ابن أبي
الدنيا أيضا. وعطية - هو العوفي - ضعيف.
4 - وأما حديث علي فيرويه أحمد بن عيسى العلوي حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جده مرفوعا. أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (322) . قلت:
والعلوي هذا قال الدارقطني: " كذاب ". قلت: فلا يستشهد به. وبالجملة،
فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم.
2319 - " القائم بعدي في الجنة، (والذي يقوم بعده في الجنة) والثالث والرابع في
الجنة ".
أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 197) وابن عساكر في " التاريخ " (
11 / 101 / 1) عن أبي يحيى التيمي حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن(5/410)
سلمة المرادي عن عبيدة السلماني قال: هجمت على عبد الله بن مسعود - وهو
في دهليزه - فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات - على ضعف في المرادي - غير أبي يحيى
التيمي - واسمه إسماعيل بن إبراهيم الأحول - وهو ضعيف كما في " التقريب "
وقد قال ابن عدي: " ليس فيما يرويه حديث منكر المتن، ويكتب حديثه ".
قلت: ولم يتفرد به، فقد قال ابن عساكر عقبه: " قال يعقوب: وقد رواه ابن
عبيدة عن الأعمش أيضا ". قلت: ولم أدر من يعني بابن عبيدة هذا؟ وعلى كل
حال، فالحديث صحيح، يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " أبو بكر في الجنة
... " الحديث، وهو مخرج في تعليقي على شرح الطحاوية " (ص 488 - 489) .
2320 - " من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه
الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من
الطعام والشراب إلا اللبن ".
رواه أبو عبد الله بن مروان القرشي في " الفوائد " (25 / 113 / 2) : حدثنا
محمد بن إسحاق بن الحويص حدثنا هشام بن عمار حدثنا ابن عياش حدثنا ابن جريج قال
: وابن زياد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة عن ابن شهاب (كذا الأصل،
والصواب:(5/411)
ابن عباس) قال: دخلت على خالتي ميمونة وخالد بن الوليد، فقالت
ميمونة: يا رسول الله! ألا أطعمك مما أهدى لي أخي من البادية؟ فقربت ضبين
مشويين على قنو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا فإنه ليس من طعام
قومي، أجدني أعافه، وأكل منه ابن عباس وخالد، فقالت ميمونة: أنا لا
آكل من طعام لم يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استسقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأتي بإناء لبن، فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد
بن الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: أتأذن لي أن أسقي
خالدا؟ فقال ابن عباس: ما أحب أن أوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم على
نفسي أحدا، فتناول ابن عباس فشرب، وشرب خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكر الحديث. قلت: وشيخه محمد بن إسحاق هو ابن عمرو بن عمر أبو الحسن
القرشي المؤذن المعروف بابن الحريص - كذا في " التاريخ " بالراء - ختن هشام بن
عمار. ترجمه ابن عساكر (15 / 31 / 1 - 2) برواية جمع من الثقات عنه، منهم
أبو الحسن بن جوصا والطبراني وغيرهما. مات سنة (288) ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا. ومن فوقه موثقون من رجال " التهذيب "، إن كان ابن زياد هو محمد
الألهاني، وأما إن كان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ففيه ضعف من قبل
حفظه، فمثله يستشهد به، ولاسيما وهو مقرون مع ابن جريج، ولولا أن هذا -
أعني ابن جريج - مدلس، وقد عنعنه، لكانت الحجة به وحده قائمة، لولا أن ابن
عياش - وهو إسماعيل الحمصي - ضعيف في غير الشاميين، وابن جريج مكي، وعبد
الرحمن بن زياد إفريقي بخلاف الألهاني فهو شامي، فإن كان هو المراد بهذا
الإسناد، فابن عياش حينئذ حجة. وجملة القول فيه أنه على أقل الأحوال صالح
للاستشهاد به لذكر ابن زياد فيه، إن كان هو الإفريقي، وإلا فهو حجة بذاته إن
كان هو الألهاني، فإن ابن ماجة قد أخرجه في " سننه " (2 / 314) : حدثنا هشام
بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا ابن جريج(5/412)
عن ابن شهاب به. مقتصرا على
المتن وحده، فلم يذكر فيه ابن زياد. وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس، هو بها
أشهر يرويه علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عنه به. أخرجه أبو داود (2 /
135) والترمذي (3451) وابن السني (468) وأحمد (1 / 284) وابن سعد (
1 / 397) وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وهو كما قال بمجموع الطريقين
، وإلا فابن جدعان سيء الحفظ. والله أعلم.
2321 - " من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى ".
رواه ابن خزيمة (176) وابن حبان (561) والحاكم (1 / 282) والطبراني في
" الأوسط " (50 / 2 من ترتيبه) عن هارون بن مسلم العجلي البصري حدثنا أبان بن
يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبي
وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسلك هذا من الجنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة
. قال: أعد غسلا آخر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قال الطبراني: " لم يروه عن يحيى إلا أبان، ولا عنه إلا هارون ". قلت:
وهو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب ". ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، وهارون بن مسلم العجلي، يقال له:
الحنائي،(5/413)
ثقة ". قلت: وهو ليس من رجال الشيخين بل ولا بقية الستة، خلافا
لما يوهمه كلام الحاكم، وإن وافقه الذهبي. وأما ابن خزيمة، فقد أعله بعنعة
يحيى، فقال: ".. إن كان يحيى بن أبي كثير سمع الخبر من عبد الله بن أبي
قتادة ". قلت: قد احتج به الشيخان وغيرهما، فالظاهر أن عنعنته إنما تضر
فيما رواه عن أنس ونحوه. والله أعلم. وأما قول المناوي في " الفيض " عقب
قول الحاكم المتقدم: " وتعقبه الذهبي في " المهذب "، فقال: هذا حديث منكر
، وهارون لا يدرى من هو؟ ". قلت: وهذا من أوهام الذهبي، فإنه ظن أن هارون
بن مسلم هذا هو الذي روى عن قتادة وعنه سلم بن قتيبة وغيره، قال أبو حاتم
فيه: " مجهول ". وكذا في " الميزان ". ثم ذكر فيه عقبه هارون بن مسلم صاحب
الحناء، ونقل فيه قول أبي حاتم المتقدم: " فيه لين ". وقول الحاكم: " ثقة
". فاختلط عليه هذا بالذي قبله في " المهذب "، فنشأ الوهم.(5/414)
2322 - " من أكل لحما فليتوضأ ".
أخرجه أحمد (4 / 180، 5 / 289) عن معاوية بن صالح عن سليمان بن أبي الربيع -
قال أحمد: هو سليمان بن عبد الرحمن الذي روى عنه شعبة وليث بن سعد - عن
القاسم مولى معاوية قال: " دخلت مسجد دمشق، فرأيت أناسا مجتمعين، وشيخا
يحدثهم، قلت: من هذا؟ قالوا: سهل بن الحنظلية، فسمعته يقول سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا سند حسن، بعد أن كشف
لنا الإمام أحمد عن هوية سليمان بن أبي الربيع هذا، فقد قال الهيثمي (1 / 248
) بعدما عزاه لأحمد: " لم أر من ترجمه ". وهذه حقيقة، فالرجل لم يتعرض له
أحد بذكر بهذا الاسم الذي وقع في هذا السند، حتى ولا الحافظ في " التعجيل "،
فرحم الله الإمام أحمد، ما أكثر علمه وفوائده! وسليمان الذي روى عنه الليث
وشعبة هو ابن عبد الرحمن بن عيسى، ويقال: سليمان بن يسار، ويقال: سليمان
بن أنس بن عبد الرحمن الدمشقي كما في " التهذيب ". قلت: وينبغي أن يزاد: "
ويقال: سليمان بن أبي الربيع ". قلت: وهو ثقة. والقاسم هو ابن أبي عبد
الرحمن صاحب أبي أمامة، وهو حسن الحديث.
(فائدة) : الأمر في الحديث للاستحباب إلا في لحم الإبل، فهو للوجوب لثبوت
التفريق بينه وبين غيره من اللحوم، فإنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن الوضوء
من لحوم الإبل؟(5/415)
فقال: " توضؤوا "، وعن لحوم الغنم؟ فقال: " إن شئتم ".
رواه مسلم وغيره. وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 152 / 118) .
2323 - " من أكل مع قوم تمرا، فأراد أن يقرن فليستأذنهم ".
أخرجه ابن بشران في " الفوائد المنتخبة " (63 / 2) والخطيب في " التاريخ " (
7 / 180) من طريق عامر بن أبي الحسين، حدثني رحمة بن مصعب عن الشيباني عن
جبلة بن سحيم عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، لولا أن عامرا
هذا أورده العقيلي في " الضعفاء " وقال: " لا يتابع على حديثه ". لكنه قد
توبع، فرواه ابن فضيل عن أبي إسحاق - وهو الشيباني - بلفظ: " نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الإقران، إلا أن تستأذن أصحابك ". أخرجه أبو داود (2
/ 148) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه سفيان: حدثنا جبلة بن
سحيم به، مثل لفظ ابن فضيل. أخرجه البخاري (5 / 99 - فتح) ومسلم (6 / 123
) والترمذي (1815) وابن ماجة (2 / 317) وأحمد (2 / 60) وقال الترمذي
: " حديث حسن صحيح ". وتابعه أيضا شعبة عن جبلة، قال: " كنا بالمدينة،
فأصبتنا سنة، فكان ابن الزبير يرزقنا التمر، وكان ابن عمر يمر بنا فيقول:
لا تقرنوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى.. " الحديث. أخرجه الشيخان
والدارمي (2 / 103) والطيالسي (1 / 131) والبيهقي (7(5/416)
/ 281) وزاد مسلم
في رواية له: " قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر. يعني
الاستئذان ". قلت: وهذا شاذ، لم يذكره سائر الرواة عن شعبة، فإن ثبت عنه
فهو رأي له، لا يعتد به، ولاسيما وهي ثابتة في رواية سفيان - وهو الثوري -
وغيره في صلب الحديث كما تقدم، ويأتي. وتابعه أيضا ابن أبي غنية، فقال
الإمام أحمد (2 / 131) : حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية حدثنا أبي عن
جبلة بن سحيم به مرفوعا بلفظ: " إذا أكل أحدكم مع صاحبه فلا يقرنن حتى تستأمره
. يعني: التمر ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وللحديث شاهد مختصر
، يرويه أبو عامر الخزاز عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر قال: " قدمت بين يدي
رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا، فجعلوا يقرنون، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: لا تقرنوا ". أخرجه ابن ماجة والحاكم (4 / 120) وأحمد (1 /
199) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وأخرج الحاكم أيضا
، وابن حبان (1350) عن جرير عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن أبي هريرة قال:
" كنت في أصحاب الصفة، فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة،
فكبت بيننا، فجعلنا نأكل الثنتين من الجوع، وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم،
قال لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا ". وقال الحاكم ووافقه الذهبي:(5/417)
" صحيح
الإسناد "! قلت: عطاء كان اختلط، وجرير سمع منه في اختلاطه لكنه قوي بما
قبله والله أعلم.
2324 - " من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 201 - 202) وابن حبان (1552) وأحمد (3 / 67) عن
محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري: " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزز على بعث وأنا فيهم، فلما انتهى
إلى رأس عزاته، أو كان ببعض الطريق، استأذنته طائفة من الجيش، فأذن لهم،
وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معه، فلما كان في
بعض الطريق، أوقد القوم نارا ليصطلوا، أو ليصنعوا عليها صنيعا، فقال عبد
الله - وكانت فيه دعابة -: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى، قال
: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم، قال، فإني أعزم عليكم إلا
تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون قال: أمسكوا
على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم، فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. وروى الحاكم (3 /
630) طرفا من أوله. قلت: وإسناده حسن.
2325 - " من أم قوما وهم له كارهون، فإن صلاته لا تجاوز ترقوته ".
رواه ابن عساكر (4 / 15 / 2) عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن أبي عبد
الله الصنابحي:(5/418)
أن جنادة بن أبي أمية أم قوما، فلما قام من الصلاة التفت
عن يمينه فقال: أترضون؟ قالوا: نعم. ثم فعل ذلك عن يساره، ثم قال: إني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا
، آفته أبو بكر الهذلي، متروك الحديث. وشهر بن حوشب سيء الحفظ. من طريقه
أخرجه الطبراني كما في " فيض القدير ". لكن الحديث قد صح بمجموع رواية جمع من
الصحابة بألفاظ متقاربة، فراجع " الترغيب " (1 / 171) مع تخرجنا عليه.
2326 - " من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا ".
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6 / 120 / 502) وعنه (3461) وابن حبان
في " صحيحه " (1110) وكذا الحاكم (2 / 45) والبيهقي (5 / 343) : أخبرنا
ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ثم ابن حزم في "
المحلى " (9 / 16) . ورواه النسائي (7 / 296 - الطبعة الجديدة) والترمذي
(1 / 232) وصححه، وابن الجارود (286) وابن حبان أيضا (1109) والبغوي
في " شرح السنة " (8 / 142 / 211) وصححه أيضا، وأحمد (2 / 432 و 475
و503) والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو به بلفظ: " نهى عن بيعتين في بيعة ".(5/419)
وقال البيهقي: " قال عبد الوهاب (يعني: ابن عطاء) : " يعني: يقول: هو لك
بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين ". وبهذا فسره الإمام ابن قتيبة، فقال في "
غريب الحديث " (1 / 18) : " ومن البيوع المنهي عنها ... شرطان في بيع، وهو
أن يشتري الرجل السلعة إلى شهرين بدينارين وإلى ثلاثة أشهر بثلاثة دنانير وهو
بمعنى بيتعتين في بيعة ". والحديث بهذا اللفظ مختصر صحيح، فقد جاء من حديث
ابن عمر وابن عمرو، وهما مخرجان في " الإرواء " (5 / 150 - 151) . ولعل
في معنى الحديث قول ابن مسعود: " الصفقة في الصفقتين ربا ". أخرجه عبد الرزاق
في " المصنف " (8 / 138 - 139) وابن أبي شيبة أيضا (6 / 199) وابن حبان (
163 و 1111) والطبراني (41 / 1) وسنده صحيح، وفي سماع عبد الرحمن من
أبيه ابن مسعود خلاف، وقد أثبته جماعة والمثبت مقدم على النافي. ورواه
أحمد (1 / 393) وهو رواية لابن حبان (1112) بلفظ: " لا تصلح سفقتان في
سفقة (ولفظ ابن حبان: لا يحل صفقتان في صفقة) وإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ". وسنده صحيح أيضا.
وكذا رواه ابن نصر في " السنة " (54) . وزاد في رواية: " أن يقول الرجل:
إن كان بنقد فبكذا وكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا وكذا ". وهو رواية لأحمد
(1 / 398) ، وجعله من قول سماك، الراوي عن عبد الرحمن(5/420)
بن عبد الله. ثم إن
الحديث رواه ابن نصر (55) وعبد الرزاق في " المصنف " (8 / 137 / 14629)
بسند صحيح عن شريح قال: فذكره من قوله مثل لفظ حديث الترجمة بالحرف الواحد.
قلت: وسماك هو ابن حرب وهو تابعي معروف، قال: أدركت ثمانين صحابيا.
فتفسيره للحديث ينبغي أن يقدم - عند التعارض - ولاسيما وهو أحد رواة هذا
الحديث، والراوي أدرى بمرويه من غيره لأن المفروض أنه تلقى الرواية من الذي
رواها عنه مقرونا بالفهم لمعناها، فكيف وقد وافقه على ذلك جمع من علماء السلف
وفقهائهم: 1 - ابن سيرين، روى أيوب عنه: أنه كان يكره أن يقول: أبيعك
بعشرة دنانير نقدا، أو بخمسة عشر إلى أجل. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (
8 / 137 / 14630) بسند صحيح عنه. وما كره ذلك إلا لأنه نهي عنه.
2 - طاووس، قال: إذا قال: هو بكذا وكذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى
كذا وكذا، فوقع المبيع على هذا، فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. أخرجه
عبد الرزاق أيضا (14631) بسند صحيح أيضا. ورواه هو (14626) وابن أبي
شيبة (6 / 120) من طريق ليث عن طاووس به مختصرا، دون قوله: " فوقع البيع..
". وزاد: " فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به ". فهذا لا يصح عن
طاووس لأن ليثا - وهو ابن أبي سليم - كان اختلط.
3 - سفيان الثوري، قال:(5/421)
إذا قلت: أبيعك بالنقد إلى كذا، وبالنسيئة بكذا
وكذا، فذهب به المشتري، فهو بالخيار في البيعين، ما لم يكن وقع بيع على
أحدهما، فإن وقع البيع هكذا، فهو مكروه وهو بيعتان في بيعة وهو مردود وهو
منهي عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين
، وأبعد الأجلين. أخرجه عبد الرزاق (14632) عنه.
4 - الأوزاعي، نحوه مختصرا، وفيه: " فقيل له: فإن ذهب بالسلعة على ذينك
الشرطين؟ فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ". ذكره الخطابي في "
معالم السنن " (5 / 99) . ثم جرى على سنتهم أئمة الحديث واللغة، فمنهم:
5 - الإمام النسائي، فقال تحت باب " بيعتين في بيعة ": " وهو أن يقول:
أبيعك هذه السلعة بمئة درهم نقدا، وبمئتي درهم نسيئة ". وبنحوه فسر أيضا
حديث ابن عمرو: " لا يحل شرطان في بيع "، وهو مخرج في " الإرواء " (1305)
وانظر " صحيح الجامع " (7520) .
6 - ابن حبان، قال في " صحيحه " (7 / 225 - الإحسان) : " ذكر الزجر عن بيع
الشيء بمئة دينار نسيئة، وبتسعين دينارا نقدا ". ذكر ذلك تحت حديث أبي هريرة
باللفظ الثاني المختصر.
7 - ابن الأثير في " غريب الحديث "، فإنه ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار
إليهما آنفا.
حكم بيع التقسيط: وقد قيل في تفسير (البيعتين) أقوال أخرى، ولعله يأتي
بعضها، وما تقدم أصح(5/422)
وأشهر، وهو ينطبق تماما على المعروف اليوم بـ (بيع
التقسيط) ، فما حكمه؟ لقد اختلف العلماء في ذلك قديما وحديثا على ثلاثة
أقوال: الأول: أنه باطل مطلقا. وهو مذهب ابن حزم.
الثاني: أنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما. ومثله إذا ذكر سعر التقسيط
فقط.
الثالث: أنه لا يجوز، ولكنه إذا وقع ودفع أقل السعرين جاز.
1 - جليل هذا المذهب ظاهر النهي في الأحاديث المتقدمة، فإن الأصل فيه أنه
يقتضي البطلان. وهذا هو الأقرب إلى الصواب لولا ما يأتي ذكره عند الكلام
على دليل القول الثالث.
2 - ذهب هؤلاء إلى أن النهي لجهالة الثمن، قال الخطابي: " إذا جهل الثمن بطل
البيع. فأما إذا باته على أحد الأمرين في مجلس العقد، فهو صحيح ".
وأقول: تعليلهم النهي عن بيعتين في بيعة بجهالة الثمن، مردود لأنه مجرد رأي
مقابل النص الصريح في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه الربا. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع
، وهذا مما لا دليل عليه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
بل يكفي في ذلك التراضي وطيب النفس، فما أشعر بهما ودل عليهما فهو البيع
الشرعي وهو المعروف عند بعضهم ببيع المعاطاة "، قال الشوكاني في " السيل
الجرار " (3 / 126) : " وهذه المعطاة التي تحقق معها التراضي وطيبة النفس
هي البيع الشرعي الذي أذن الله به، والزيادة عليه هي من إيجاب ما لم يوجبه
الشرع ". وقد شرح ذلك شيخ الإسلام في " الفتاوي " (29 / 5 - 21) بما لا
مزيد عليه،(5/423)
فليرجع إليه من أراد التوسع فيه. قلت: وإذا كان كذلك، فالشاري
حين ينصرف بما اشتراه، فإما أن ينقد الثمن، وإما أن يؤجل، فالبيع في الصورة
الأولى صحيح، وفي الصورة الأخرى ينصرف وعليه ثمن الأجل - وهو موضع الخلاف -
فأين الجهالة المدعاة؟ وبخاصة إذا كان الدفع على أقساط، فالقسط الأول يدفع
نقدا، والباقي أقساط حسب الاتفاق. فبطلت علة الجهالة أثرا ونظرا.
3 - دليل القول الثالث حديث الترجمة وحديث ابن مسعود، فإنهما متفقان على أن
" بيعتين في بيعة ربا "، فإذن الربا هو العلة، وحينئذ فالنهي يدور مع العلة
وجودا وعدما، فإذا أخذ أعلى الثمنين، فهو ربا، وإذا أخذ أقلهما فهو جائز
كما تقدم عن العلماء الذين نصوا أنه يجوز أن يأخذ بأقل الثمنين إلى أبعد
الأجلين، فإنه بذلك لا يكون قد باع بيعتين في بيعة، ألا ترى أنه إذا باع
السلعة بسعر يومه، وخير الشاري بين أن يدفع الثمن نقدا أو نسيئة أنه لا يصدق
عليه أنه باع بيعتين في بيعة كما هو ظاهر، وذلك ما نص عليه صلى الله عليه
وسلم في قوله المتقدم: " فله أوكسهما أو الربا "، فصحح البيع لذهاب العلة،
وأبطل الزيادة لأنها ربا، وهو قول طاووس والثوري والأوزاعي رحمهم الله تعالى
كما سبق. ومنه تعلم سقوط قول الخطابي في " معالم السنن " (5 / 97) : " لا
أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا
شيء يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر
والجهل ". قلت: يعني الجهل بالثمن كما تقدم عنه وقد علمت مما سلف أن قوله
هو الفاسد لأنه أقامه على علة لا أصل لها في الشرع، بينما قول الأوزاعي قائم
على نص الشارع كما تقدم، ولهذا تعقبه الشوكاني بقول في " نيل الأوطار " (5 /
129) : " ولا يخفى أن ما قاله الأوزاعي هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس
يستلزم(5/424)
صحة البيع ". قلت: الخطابي نفسه قد ذكر أن الأوزاعي قال بظاهر الحديث
، فلا فرق بينه وبين الخطابي من هذه الحيثية إلا أن الخطابي تجرأ في الخروج عن
هذا الظاهر ومخالفته لمجرد علة الجهالة التي قالوها برأيهم خلافا للحديث.
والعجيب حقا أن الشوكاني تابعهم في ذلك بقوله: " والعلة في تحريم بيعتين في
بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين.. ". وذلك لأن هذه
المتابعة تتماشى مع الذين يوجبون الإيجاب والقبول في البيوع، والشوكاني
يخالفهم في ذلك، ويقول بصحة بيع المعاطاة، وفي هذه الصورة (أعني المعطاة)
الاستقرار متحقق كما بينته آنفا. ثم إنه يبدو أن الشوكاني - كالخطابي - لم يقف
على من قال بظاهر الحديث - كالأوزاعي -، وإلا لما سكت على ما أفاده كلام
الخطابي من تفرد الأوزاعي، وقد روينا لك بالسند الصحيح سلفه في ذلك - وهو
التابعي الجليل طاووس - وموافقة الإمام الثوري له، وتبعهم الحافظ ابن حبان،
فقال في " صحيحه " (7 / 226) : " ذكر البيان بأن المشتري إذا اشترى بيعتين في
بيعة على ما وصفنا وأراد مجانبة الربا كان له أوكسهما ". ثم ذكر حديث الترجمة
، فهذا مطابق لما سبق من أقوال أولئك الأئمة، فليس الأوزاعي وحده الذي قال
بهذا الحديث. أقول هذا بيانا للواقع، ولكي لا يقول بعض ذوي الأهواء أو من لا
علم عنده، فيزعم أن مذهب الأوزاعي هذا شاذ! وإلا فلسنا - والحمد لله - من
الذين لا يعرفون الحق إلا بكثرة القائلين به من الرجال، وإنما بالحق نعرف
الرجال. والخلاصة أن القول الثاني ثم أضعف الأقوال لأنه لا دليل عنده إلا
الرأي،(5/425)
مع مخالفة النص، ويليه القول الأول لأن ابن حزم الذي قال به ادعى أن
حديث الترجمة منسوخ بأحاديث النهي عن بيعتين في بيعة، وهذه دعوى مردودة لأنها
خلاف الأصول، فإنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهذا من الممكن
هنا بيسر، فانظر مثلا حديث ابن مسعود، فإنك تجده مطابقا لهذه الأحاديث،
ولكنه يزيد عليها ببيان علة النهي، وأنها (الربا) . وحديث الترجمة يشاركه
في ذلك، ولكنه يزيد عليه فيصرح بأن البيع صحيح إذا أخذ الأوكس، وعليه يدل
حديث ابن مسعود أيضا لكن بطريق الاستنباط على ما تقدم بيانه. هذا ما بدا لي من
طريقة الجمع بين الأحاديث والتفقه فيها، وما اخترته من أقوال العلماء حولها
، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله أسأل أن يغفره لي وكل ذنب
لي. واعلم أخي المسلم! أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم، وهي
بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل الأجل، وكلما طال الأجل زيد في الزيادة،
إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى لمنافاتها لروح الإسلام القائم على
التيسير على الناس والرأفة بهم، والتخفيف عنهم كما في قوله صلى الله عليه
وسلم: " رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى ". رواه
البخاري. وقوله: من كان هينا، لينا، قريبا حرمه الله على النار ". رواه
الحاكم وغيره، وقد سبق تخريجه برقم (938) . فلو أن أحدهم اتقى الله تعالى
، وباع بالدين أو بالتقسيط بسعر النقد، لكان أربح له حتى من الناحية المادية
لأن ذلك مما يجعل الناس يقبلون عليه ويشترون من عنده ويبارك له في رزقه،
مصداق قوله عز وجل: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من(5/426)
حيث لا يحتسب
) * (1) . وبهذه المناسبة أنصح القراء بالرجوع إلى رسالة الأخ الفاضل عبد
الرحمن عبد الخالق: " القول الفصل في بيع الأجل " فإنها فريدة في بابها،
مفيدة في موضوعها، جزاه الله خيرا.
2327 - " من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 328) وابن ماجة (2 / 97)
والطيالسي (1 / 263) وابن عدي (358 / 1) عن يوسف بن ميمون عن أبي عبيدة بن
حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن ميمون - هو المخزومي مولاهم الكوفي
الصباغ - ضعيف، ومع ذلك قال ابن عدي: " هذا الحديث لا أرى به بأسا ".
قلت: لعل ذلك لأنه تابعه يزيد بن أبي خالد الدالاني عن أبي عبيدة به. أخرجه
البخاري أيضا وكذا الطيالسي والبيهقي (6 / 33) . ويزيد هذا - هو أبو خالد
الدالاني - من رجال " التهذيب "، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، وكان
يدلس ". ولم يعرفه البوصيري في " زوائده "، فقال (155 / 1) : " لم أعلم
يزيد بن أبي خالد بعدالة ولا جرح ". قلت: والسبب في ذلك أنه عزاه البيهقي
فقط، ووقع فيه: " يزيد بن أبي خالد "
_________
(1) الطلاق: الآية: 2. اهـ.(5/427)
ليس فيه زيادة: " الدالاني "، وهي
ثابتة عند البخاري، ثم هو مشهور بكنيته، واسم أبيه عبد الرحمن، فهو يزيد بن
عبد الرحمن، وهكذا ذكروا اسمه لما ترجموا الابن في كنيته المذكورة، فخفي
أمره على البوصيري. أقول: ومن ضعفه أنه اضطرب في إسناده، فرواه وهب بن جرير
: أخبرنا شعبة عنه به مرفوعا. أخرجه من هذا الوجه البخاري والبيهقي وأبو
جعفر الرزاز في " حديثه " (4 / 75 / 1) . وتابعه سلم بن قتيبة سمع شعبة رفعه
. أخرجه البخاري. وخالفهم ابن مهدي وغندر وآدم، ثلاثتهم عن شعبة به موقوفا
على حذيفة. أخرجه البخاري عنهم. وتابعهم الطيالسي، فقال: حدثنا شعبة به
موقوفا. وقد ذكر ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 290) هذا الاختلاف على
شعبة، وساق رواية وهب المرفوعة، ورواية الطيالسي الموقوفة، ثم قال عن أبيه
: " موقوف عندي أقوى، ويزيد أبو خالد ليس بالدالاني ". كذا قال! وبعد
تصريح البخاري في بعض روايات الحديث بأنه الدالاني، فلا وجه للنفي لأن من حفظ
حجة على من لم يحفظ. وللحديث شاهد من حديث سعيد بن حريث مرفوعا به. أخرجه
ابن ماجة والبيهقي وأحمد (3 / 467، 4 / 307) وابن عدي (9 / 1) والضياء
في " المنتقى من مسموعاته " (79 / 2) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر
حدثني عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن حريث به.(5/428)
قلت:
وإسماعيل هذا ضعيف كما في " التقريب ". لكن تابعه أبو حمزة عن عبد الملك بن
عمير به. أخرجه البيهقي من طريق الحاكم بسنده عن محمد بن موسى بن حاتم حدثنا
علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبو حمزة. قلت: وأبو حمزة - هو محمد بن ميمون
السكري - ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، إلا أن محمد بن موسى بن حاتم
متكلم فيه. قال القاسم السياري: " أنا بريء من عهدته ". وقال ابن أبي سعد:
" إن كان محمد بن علي الحافظ سيء الرأي فيه ". وتابعه قيس بن الربيع أيضا عن
عبد الملك بن عمير به. ذكره البوصيري دون أن يعزوه لمخرج، وأظنه يعني ما
أخرجه أحمد (1 / 190) عن قيس بن الربيع حدثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو بن
حريث قال: " قدمت المدينة، فقاسمت أخي، فقال سعيد بن زيد: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: " لا يبارك في ثمن أرض ولا دار لا يجعل في أرض ولا دار
". قلت: فأنت ترى أن قيس بن الربيع جعله من حديث سعيد بن زيد لا من حديث سعيد
بن حريث. ولعل ذلك من سوء حفظه الذي ضعف بسببه. وقد روي من طريق أخرى عن
عمرو بن حريث مرفوعا، ولكن إسناده واه، فقال ابن أبي حاتم (2 / 324) : "
سألت أبي عن حديث رواه عقبة بن خالد عن الصباح بن يحيى عن خالد بن أبي أمية عن
عمرو بن حريث: (فذكره) ، قال أبي: يروونه عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن
حريث ".(5/429)
قلت: يشير إلى أنه منكر من مسند عمرو بن حريث، وآفته الصباح هذا،
فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (4 / 111) عن حذيفة وعمرو بن حريث معا
مرفوعا، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه الصباح بن يحيى وهو
متروك ". ثم إن للحديث شاهدا آخر من حديث أبي أمامة غير أن سنده واه جدا،
فإنه من رواية إبراهيم بن حبان بن حكيم بن علقمة بن سعد بن معاذ عن حماد بن
سلمة عن برد بن سنان عن مكحول عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في ترجمة إبراهيم هذا
(ق 4 / 1) ، وقال: " ضعيف الحديث ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، ثم قال
: " وهذان الحديثان مع أحاديث أخرى عامتها موضوعة مناكير، وهكذا سائر
أحاديثه ". وجملة القول أن الحديث بمتابعته وشاهده الأول لا ينزل عن رتبة
الحسن. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت في بعض أصولي وأوراقي القديمة
بخطي أن الحافظ السخاوي حسنه أيضا في " الفتاوي الحديثية " (ق 30 / 2) . ثم
وجدت له شاهدا ثالثا يرويه عبد القدوس بن محمد العطار، حدثنا يزيد بن تميم بن
زيد حدثني أبو مرحوم السندي: حدثني المنتصر بن عمارة عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا
نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 143 / 2) ، وقال: " لا يروى عن
أبي ذر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد القدوس ". قلت: هو صدوق من شيوخ
البخاري، لكن من بينه وبين أبي ذر لم أعرفهم، وقد(5/430)
نقل الحافظ في " اللسان "
عن " تلخيص " الذهبي أنه قال في المنتصر بن عمارة وأبيه: " مجهولان ".
(تنبيه) : بعد كتابة ما تقدم رجعت إلى بعض أصولي القديمة التي عندي، فوجدت
فيه أن أبا يعلى الموصلي أخرج الحديث في " حديث محمد بن بشار " (127 / 1) من
طريق شعبة بسنده المتقدم عن حذيفة مرفوعا وموقوفا، والوقف أكثر. وجاء في
بعض طرقه ما يأتي: " قال بندار - هو محمد بن بشار -: فقلت لعبد الرحمن بن
مهدي: تحفظ هذا الحديث عن شعبة؟ قال: نعم. قلت: حدثني به. فقال: حدثني
شعبة عن يزيد أبي خالد. قلت له: الدالاني؟ قال: ليس بالدالاني. فقلت له:
فإن ههنا من يرويه عن شعبة عن يزيد أبي خالد الدالاني، فألح علي؟ قلت: حرمي
بن عمارة، قال: ويحه! ما أقل علمه بالحديث! يزيد الدالاني أصغر من أن يسمع
من أبي عبيدة بن حذيفة ". قلت: ولا أجد ما يحملنا على نفي سماعه منه، فأبو
عبيدة تابعي من الطبقة الثاني عند الحافظ، وقد ذكروا له - أعني أبا خالد -
رواية عن قتادة، وهو رأس الطبقة الرابعة عنده، وعن أبي إسحاق السبيعي،
وهو من الطبقة الثالثة، ويحيى بن إسحاق بن عبد الله بن طلحة الأنصاري،
وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وهما من الخامسة، وكل هؤلاء رووا عن
الصحابة، كأبي عبيدة، فما الذي يمنع أن يكون أبو خالد سمع منه كما سمع من
هؤلاء التابعين الذين ذكرنا وغيرهم ممن لم نذكر؟ بل هذا هو الذي يشير إليه
صنيع الحافظ في ترجمة أبي خالد، فإنه قال: " إنه من السابعة ". وقد ذكر في
المقدمة أن الطبقة السادسة هم الذين عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد
من الصحابة كابن جريج، وأن السابعة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري(5/431)
فإذن
أبو خالد الدالاني في اطلاع الحافظ العسقلاني - وكفى به حجة في هذا العلم -
وهو من كبار أتباع التابعين، فليس هناك ما يمنع من إمكان سماعه من الطبقة
الثانية، وهي تعني كبار التابعين. والله أعلم. ومما يسترعي الانتباه أن
هذا النفي الذي رواه أبو يعلى عن محمد بن بشار عن ابن مهدي قد روى البخاري عنه
ما ينافيه، وعليه اعتمدت في إثبات أنه الدالاني، فقد قال في ترجمة يزيد أبي
خالد الواسطي عن إبراهيم السكسكي: قال لي محمد بن بشار: أخبرنا ابن مهدي
وغندر عن شعبة عن يزيد بن أبي خالد الدالاني عن أبي عبيدة ... فعلق عليه المحقق
اليماني بقوله: " هكذا في الأصلين، وكأنه من أوهام ابن بشار، زاد كلمة: "
ابن "، وزاد: " الدالاني ". والله أعلم ". وكان عمدته في هذا التوهيم
قول ابن أبي حاتم المتقدم: " وليس بالدالاني ". وقد نقله اليماني عنه قبيل
تعليقه المذكور. وبالجملة، فهذه مسألة مشكلة، تحتاج إلى مزيد من البحث
والتحقيق، فإن تخطئة الإمام البخاري أو أحد رواته الثقات ليس بالأمر الهين،
فعسى الله أن ييسر لي أو لغيري ممن له عناية بهذا العلم الشريف ما يكشف عن
الحقيقة، ويزيل المشكلة، ولكن ذلك لا يمنع من تحسين الحديث. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
2328 - " من تواضع لله رفعه الله ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 46) عن علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد
حدثنا إبراهيم بن أدهم قال: سمعت محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا، وقال:(5/432)
" غريب من حديث إبراهيم، لا أعرف له طريقا غيره ".
قلت: وهو صدوق مع زهده، فالحديث حسن لأن من فوقه ثقات معروفون لولا أن
الراوي عن إبراهيم لم أعرفه، لكن صنيع أبي نعيم يشعر بأنه لم يتفرد به. ومن
الغريب قوله: " لا أعرف له طريقا غيره ". مع أن مسلما أخرجه في " صحيحه " (8
/ 21) من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به في حديث، وأخرجه غيره
أيضا، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (2262) . وله شاهد من حديث عمر
مرفوعا، وزاد: " وقال: انتعش رفعك الله، فهو في نفسه صغير وفي أعين
الناس عظيم ومن تكبر خفضه الله، وقال: اخسأ خفضك الله، فهو في أعين الناس
صغير وفي نفسه كبير، حتى يكون أهون عليهم من كلب ". أخرجه أبو نعيم (7 /
129) والخطيب (2 / 110) وقالا: " غريب من حديث الثوري، تفرد به سعيد بن
سلام ". قلت: وهو كذاب، كما قال أحمد وغيره ولذا خرجته في " الضعيفة " (
1295) . وللحديث شاهد آخر من رواية دراج، وهو ضعيف، عن أبي الهيثم عن أبي
سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة، حتى يجعله في
أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة، حتى يجعله في أسفل
السافلين ". أخرجه ابن ماجة (2 / 544) وابن حبان (1942) . ثم وجدت لحديث
عمر طريقا أخرى من رواية عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن(5/433)
عمر عنه - قال: لا أعلمه
إلا - رفعه، قال: " يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا، رفعته هكذا
. وجعل يزيد (ابن هارون) باطن كفه إلى الأرض وأدناها إلى الأرض، " رفعته
هكذا " وجعل باطن كفه إلى السماء، ورفعها نحو السماء ". أخرجه أحمد (1 /
44) بسند صحيح، ومن طريقه وطريق غيره أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة "
(رقم 199 - 201 بتحقيقي) .
2329 - " من تولى غير مواليه، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ".
أخرجه أحمد (3 / 332) والبخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 143) عن يعقوب بن
محمد بن طحلاء حدثنا خالد بن أبي حيان عن جابر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير خالد بن أبي حيان قال ابن
أبي حاتم (1 / 2 / 324) : " سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: مديني ثقة ". وذكره
ابن حبان في " الثقات " (1 / 56 - هند) .
2330 - " من جامع المشرك وسكن معه، فإنه مثله "..
أخرجه أبو داود (2787) عن سليمان بن موسى أبي داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة
بن جندب حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب
مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن سمرة قال الحافظ:(5/434)
" مقبول ". وابنه
خبيب مجهول. وجعفر بن سعد بن سمرة ليس بالقوي. وسليمان بن موسى أبو داود
الكوفي الخراساني فيه لين. ومن هنا تعلم خطأ المناوي في قوله في " التيسير "
: " وإسناده حسن ". مع أنه في " الفيض " تعقب رمز السيوطي لحسنه بضعف سليمان
هذا! قلت: لكن له طريق أخرى يتقوى بها، أخرجه الحاكم (2 / 141 - 142) عن
إسحاق بن إدريس حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ: " لا
تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". وقال: "
صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي، إلا أنه زاد: " ومسلم ". ولا
أدري إذا كانت هذه الزيادة منه، أو من بعض نساخ كتابه: " التلخيص ". وسواء
كان هذا أو ذاك، فتصحيحه وهم فاحش منهما لأن إسحاق بن إدريس هذا ليس من رجال
الشيخين، ولا هو بثقة، بل إنه اتهم بالوضع، فقد أورده الذهبي نفسه في "
الميزان " وقال: " تركه ابن المديني، وقال أبو زرعة: واه. وقال البخاري
: تركه الناس. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال: يحيى بن معين: كذاب
يضع الحديث ". لكني وجدت له متابعا قويا يرويه إسحاق بن سيار حدثنا محمد بن
عبد الملك عن همام به.(5/435)
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 123) عن أبي
العباس الشعراني عنه. ومحمد بن عبد الملك - هو أبو جابر الأزدي البصري - قال
أبو حاتم: " أدركته، وليس بقوي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 64
) (1) . وإسحاق بن سيار - وهو النصيبي أبو يعقوب - قال ابن أبي حاتم (1 / 1
/ 223) : " أدركناه، وكتب إلي ببعض حديثه، وكان صدوقا ثقة ". وأبو
العباس الشعراني اسمه أحمد بن محمد بن جعفر الزاهد الجمال، وفي ترجمته ساق
أبو نعيم الحديث، وقال: " كان من العباد الراغبين في الحج، وكان يصلي عند
كل ميل ركعتين "! قلت: هذه الصلاة بدعة لم يفعلها السلف وإمامهم سيد
الأنبياء عليه الصلاة والسلام، " وخير الهدي هدي محمد ". ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، فالرجل مستور. وبالجملة، فالحديث عندي حسن بمجموع
الطريقين، ولاسيما وقد مضى له شاهد بنحوه، فراجعه برقم (636) .
2331 - " من جلب على الخيل يوم الرهان، فليس منا ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 126 / 2) : حدثنا محمد بن عبد الله
الحضرمي أخبرنا ضرار بن صرد أبو نعيم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد
عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
_________
(1) ترجم له من " الميزان " و " اللسان "، و " التهذيب " أيضا على خلاف قاعدته
أن لا يترجم في " اللسان " لمن ترجم له في " التهذيب "، ورمز له فيه بـ " م "
، وأظنه وهما، ولم يترجم له في " التقريب ". اهـ.(5/436)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، رجاله كلهم ثقات غير ضرار هذا، فهو متروك الحديث
كما قال البخاري والنسائي، وضعفه غيرهما، إلا أن أبا حاتم قال فيه: " صدوق
، صاحب قرآن وفرائض، يكتب حديثه ولا يحتج به، روى حديثا عن معتمر عن أبيه
عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة بعض الصحابة ينكرها أهل
المعرفة بالحديث ".
قلت: ولخص ذلك الحافظ بقوله: " صدوق، له أوهام ". ولا يخفى ما فيه من
التساهل، ولعل المناوي اغتر به حين قال في " التيسير ": " وإسناده لا بأس
به ". لكنه لم يتفرد به، فقد قال الحافظ في " التلخيص " (4 / 165) : "
رواه ابن أبي عاصم (يعني في " الجهاد ") ، والطبراني من حديث ابن عباس،
وإسناد ابن أبي عاصم لا بأس به ".
قلت: ولعل رواية ابن أبي عاصم هذه من الطريق التي رواها أبو يعلى في " مسنده
" (4 / 303 / 2413) ، وعنه الضياء في " المختارة " (64 / 24 / 2) بسنده
الصحيح عن ثور بن زيد عن إسحاق بن جابر عن عكرمة عن ابن عباس به. وقال الضياء
: " إسحاق بن جابر العدني، لم يذكره ابن أبي حاتم في (كتابه) ".
قلت: بلى قد ذكره، لكنه قال: " إسحاق بن عبد الله العدني، هو الذي يقال له
إسحاق بن جابر ". فكأن جابرا جده. وهكذا ذكره البخاري (1 / 1 / 397)
منسوبا لأبيه عبد الله. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8 / 107)
منسوبا لجده برواية عبد الله بن نافع الصائغ عنه. فقد روى عنه ثقتان: هذا،
وثور بن زيد، فلعله لذلك قال الحافظ:(5/437)
" لا بأس بإسناده ".
(الجلب) في السباق: أن يتبع الرجل فرسه إنسانا، فيزجره، ويصيح حثا على
السوق.
2332 - " من حلف على يمين مصبورة كاذبا (متعمدا) فليتبوأ بوجهه مقعده من النار ".
أخرجه أبو داود (2 / 74) والزيادة له، والطبري في " تفسيره " (6 / 533 /
7287) والحاكم (4 / 294) وأحمد (4 / 436 / 441) وأبو نعيم في " الحلية
" (6 / 277) من طرق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين
مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، على الخلاف في سماع ابن سيرين من عمران بين الإمام أحمد
والدارقطني، فالأول أثبت والآخر نفي والمثبت مقدم على النافي، ولاسيما
وله في مسلم ثلاثة أحاديث (1 / 137 و 5 / 97 و 105) الأول منها صرح فيه
بالتحديث عن عمران.
2333 - " من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك،
كتب في رق، ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة ".
أخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (1) (رقم 81) والحاكم (1 / 564)
والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (68 / 1) عن أبي غسان يحيى بن كثير:
حدثنا شعبة عن
_________
(1) " تحفة الأشراف " (3 / 447) . اهـ.(5/438)
أبي هاشم (عن أبي مجلز) عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) . وقال الحاكم: " صحيح على
شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأقول بل هو على شرط الشيخين، فإن رجاله كلهم
ثقات من رجالهما. وأبو هاشم الرماني اسمه يحيى، واسم أبيه دينار، وقيل
غير ذلك. وتابعه روح بن القاسم عن أبي هاشم به مرفوعا. أخرجه أبو إسحاق
المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 150 / 1) عن عيسى بن شعيب: أخبرنا روح
بن القاسم. وهذا إسناد حسن، روح بن القاسم ثقة حافظ من رجال الشيخين أيضا.
وعيسى بن شعيب - وهو النحوي البصري الضرير - صدوق له أوهام. وتابعه الوليد
بن مروان عن أبي هاشم به نحوه. أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (3 / 1
/ 257 / 1) . والوليد هذا مجهول. وتابعه قيس بن الربيع عن أبي هاشم به
مرفوعا. ذكره أبو نعيم في " اليوم والليلة " له. وقيس سيء الحفظ. وتابعه
سفيان الثوري عن أبي هاشم به. أخرجه ابن السني (28) ، والمعمري (1) عن يوسف
بن أسباط عنه. لكن يوسف هذا فيه ضعف، وقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي، فقال:
حدثنا سفيان
_________
(1) " النكت الظراف " للحافظ (3 / 447) . اهـ.(5/439)
به، إلا أنه أوقفه على أبي سعيد. أخرجه الحاكم. وتابعه عبد
الله بن المبارك عن سفيان به موقوفا. أخرجه النسائي. ثم أخرجه من طريق غندر
عن شعبة بإسناده موقوفا. ولا شك أن الوقف أصح إسنادا، لكن قال الحافظ (1) :
" مثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع ". ثم وجدت للحديث شاهدا،
فقال ابن بشران في " الأمالي " (147 / 1) : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد
بن طاهر العلوي - بالمدينة -: حدثنا محمد بن الحسن بن نصر البغدادي المعروف بـ
(المقدسي) : حدثنا محمد بن حسان الأزرق حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة مرفوعا به. قلت: الأزرق ثقة مترجم في " التهذيب "، ومن
فوقه من رجال الشيخين. والمقدسي لم أعرفه، ولم أره في " تاريخ بغداد "،
وهو من شرطه. والعلوي لم أعرفه أيضا. والخلاصة: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه
المرفوعة، والموقوف لا يخالفه لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما تقدم عن الحافظ.
ولعله من أجل ذلك ساقه ابن القيم في " زاد المعاد " (1 / 69) مساق المسلمات
، ولكنه عزاه لـ " سنن النسائي " وهو وهم لم يتنبه له المعلق عليه، ثم قصر
في تخريجه تقصيرا فاحشا، فلم يعزه إلا لابن السني وضعف إسناده - وهو كذلك
كما تقدم دون الأسانيد التي قبله - فأوهم أن الحديث ضعيف. والله المستعان.
_________
(1) " النكت الظراف " للحافظ (3 / 447) . اهـ.(5/440)
2334 - " من حلف في قطيعة رحم، أو فيما لا يصلح، فبره أن لا يتم على ذلك ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 648) عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات غير حارثة، فإنه ضعيف كما قال
الحافظ، وتبعه البوصيري (130 / 2) . لكني وجدت للحديث شاهدا قويا من رواية
أبي معبد عن ابن عباس رفعه قال: " من حلف بيمين على قطيعة رحم أو معصية فحنث
فذلك كفارة له ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 287) : حدثنا بكار
حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي حدثنا محمد بن شريك
عن سليمان الأحول عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال "
التهذيب "، غير بكار - وهو ابن قتيبة الثقفي البكراوي، أبو بكرة الفقيه
الحنفي البصري - قال السيوطي في " حسن المحاضرة " (1 / 263) : " روى عنه أبو
عوانة في " صحيحه " وابن خزيمة، وولاه المتوكل القضاء بمصر سنة ست وأربعين
ومائتين، وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع، مات سنة سبعين
ومائتين ". قلت: وقد ذكره الذهبي في شيوخ الطحاوي في ترجمة هذا، بل ساق له
حديثا آخر من روايته عن بكار بن قتيبة حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان.. أقول:
هذا لاحتمال أن يكون بكار في هذا الحديث إنما هو ابن سهل الدمياطي مولى بني
هاشم، فقد ذكر الذهبي في الرواة عنه الطحاوي، والدمياطي ضعيف كما قال(5/441)
النسائي ولكني أستبعد أن يكون هو المراد في الحديث، لأمرين: الأول: أنه لو
كان هو لنسبه الإمام الطحاوي تفريقا بينه وبين بكار بن قتيبة الثقة. والآخر
: أنني لم أر له رواية عن أبي أحمد الزبيري، بخلاف ابن قتيبة. والله أعلم.
2335 - " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله
الجنة ".
رواه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 111 / 1873) والترمذي (2452)
والحاكم (4 / 307 - 308) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (156 / 2)
والعقيلي في " الضعفاء " (457) والقضاعي (33 / 1) وأبو نعيم في " الجنة
" (8 / 2) عن أبي عقيل الثقفي حدثنا يزيد بن سنان التميمي قال: سمعت بكير بن
فيروز قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره مرفوعا. وقال العقيلي: " يزيد
بن سنان أبو فروة الرهاوي، لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، قال يحيى: ليس
بشيء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وتساهل الترمذي فقال: "
حديث حسن غريب "! والحاكم فقال:(5/442)
" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
قلت: لا عجب من الحاكم، فتساهله معروف، وإنما العجب من متابعة الذهبي إياه
وغفلته عن قوله هو نفسه في " المغني ": " يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي،
مشهور، ضعفه أحمد وابن المديني "! نعم، للحديث شاهد جيد يرويه عبد الله بن
محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي ابن كعب عن أبيه مرفوعا به. وزاد: " جاءت
الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه ". أخرجه الحاكم (4 / 308)
وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 377) بتمامه وأحمد (5 / 136) الزيادة فقط،
وكذا الترمذي (2459) وقال: " حديث حسن صحيح ". وأقول: إنما هو حسن فقط
للخلاف المعروف في ابن عقيل. وبالجملة، فالحديث بهذا الشاهد صحيح.
2336 - " من كان الله عز وجل خلقه لواحدة من المنزلتين يهيئه لعملها، وتصديق ذلك في
كتاب الله عز وجل: * (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها) * (1) ".
أخرجه أحمد (4 / 438) : حدثنا صفوان بن عيسى أنبأنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن
عقيل عن ابن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال:
_________
(1) الشمس: الآية: 7، 8. اهـ.(5/443)
" غدوت على عمران بن حصين
يوما من الأيام، فقال: يا أبا الأسود - فذكر الحديث - أن رجلا من جهينة أو من
مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس
اليوم ويكدحون فيه، شيء قضي عليهم، أو مضى عليهم في قدر قد سبق، أو فيما
يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم واتخذت عليهم به الحجة؟ قال
: بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم. قال: فلم يعملون إذا يا رسول الله؟ قال: "
فذكره. وأخرجه ابن جرير في " تفسيره " (30 / 135) من طريق صفوان بن عيسى
وأبي عاصم النبيل قالا: حدثنا عزرة بن ثابت به. قلت: وهذا إسناد صحيح،
رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وابن يعمر اسمه يحيى أيضا. والحديث أخرجه مسلم
(8 / 48 - 49) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 223 / 557) من طريق
عثمان بن عمر حدثنا عزرة بن ثابت به نحوه، دون الشطر الأول من حديث الترجمة.
وأورده السيوطي في " الجامع " مختصرا بلفظ: " من خلقه الله لواحدة من
المنزلتين وفقه لعملها ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " عن عمران ".
قلت: ولم يورده السهمي في " مجمع الزوائد " أصلا، وكأنه لإخراج مسلم إياه
على ما ذكرنا. وهو عند الطبراني من طريق عون بن عمارة حدثنا عزرة به.
قلت: وعون ضعيف، لكن يقويه صفوان وأبي عاصم المتقدمة. وقول المناوي في "
التيسير ": " وإسناده حسن ". خطأ ظاهر.(5/444)
2337 - " من ذكرت عنده، فنسي الصلاة علي، خطئ به طريق الجنة ".
رواه عيسى بن علي الوزير في " ستة مجالس " (190 / 2) قال: قرىء على أبي
الحسن محمد بن الحسن الجنديسابوري - وأنا أسمع - قيل له: حدثكم جعفر بن عامر
وسهل بن بحر قالا: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن
أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن إن ثبتت عدالة
الجنديسابوري هذا، فإني لم أعرفه. ومثله جعفر بن عامر، ولكنه مقرون مع سهل
بن بحر، وهذا قد قال عنه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 194) : " كتبت عنه بالري مع
أبي، وكان صدوقا ". لكن الحديث صحيح، فقد روي عن ابن عباس عند ابن ماجة،
وحسين بن علي عند الطبراني، وابنه محمد بن الحسين أبي جعفر الباقر مرسلا عند
إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (رقم 41 - 44
بتحقيقي) وهي وإن كانت لا تخلو عن ضعف، فبعضها يقوي بعضا، ولاسيما
والمرسل منها صحيح كما بينته هناك.
2338 - " من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكا يوم القيامة ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 177) : حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري
حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، شبيب - وهو ابن بشر - مختلف فيه،
وقال الحافظ:(5/445)
" صدوق يخطىء ". والتستري من شيوخ البزار وغيره من الحفاظ،
وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 140) برواية الحافظ أحمد بن يحيى بن
زهير التستري عنه.
2339 - " من رمانا بالليل فليس منا ".
له طريقان: الأول: عن أبي هريرة أخرجه أحمد (2 / 321) والبخاري في "
الأدب المفرد " (1279) وابن حبان (1857) ، عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد
المقبري عنه مرفوعا. وقال البخاري: " في إسناده نظر ". قلت: وذلك لضعف
يحيى هذا، لكن يقويه ما يأتي. الآخر: عن ابن عباس أخرجه الطبراني (3 /
126 / 2) عن عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات.
2340 - " من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ".
رواه الطبراني (3 / 174 / 1) عن الحسن بن قزعة عن عبد الله بن خراش عن العوام
بن حوشب عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن خراش قال الحافظ: " ضعيف، وأطلق عليه
ابن عمار الكذب ".(5/446)
وله طريق آخر، رواه أبو القاسم المهراني في " الفوائد
المنتخبة " (2 / 10 / 1) والسهمي (234) والخطيب في " التاريخ " (14 /
241) : عن علي بن يزيد الصدائي قال: أخبرنا أبو شيبة الجوهري عن أنس مرفوعا
به، وزاد: " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا "، قال: والعدل الفرائض،
والصرف التطوع. وقال المهراني: " هذا حديث غريب من حديث أنس، تفرد بروايته
أبو شيبة الجوهري عنه، ولا نعلم رواه عن أبي شيبة غير علي بن يزيد الصدائي "
. قلت: وفيه لين كما في " التقريب ". وأبو شيبة الجوهري اسمه يوسف بن
إبراهيم التميمي، وهو ضعيف. وله شاهد مرسل، يرويه البغوي في " حديث علي بن
الجعد " (9 / 92 / 2) عن فضيل بن مرزوق عن محمد بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي
رباح مرفوعا مرسلا به، دون قوله: " والملائكة ". قلت: ورجاله ثقات غير
محمد بن أبي مرزوق فلم أجد له ترجمة، وقد ذكر المزي في شيوخ فضيل بن مرزوق
محمد بن سعيد صاحب عكرمة، فلعله هو، ولكني لم أعرفه أيضا، ولا ذكره المزي
في الرواة عن عكرمة. فالله أعلم، ولا أستبعد أن يكون محمد بن خالد الآتي.
وتابعه ابن خالد عن عطاء به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 103) من طريق
أبي يحيى الحماني عن سفيان عنه. وقال: " كذا رواه الحماني عن سفيان،
وأرسله، وتفرد به عنه. ومحمد بن خالد يعرف بأبي حمنة الكوفي الضبي ".(5/447)
قلت: كذا وقع: " أبو حمنة "، وفي " الجرح " (3 / 2 / 241) : " أبو خبية "
، وقال عن أبيه: " ليس به بأس ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مختلف في
كنيته، ولقبه سؤر الأسد، صدوق ". والحماني فيه ضعف مع كونه من رجال
الشيخين، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
قلت: وبالجملة، فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي على أقل الدرجات. والله أعلم
. ثم رأيت الحديث في " كتاب السنة " لابن أبي عاصم (1001) : حدثنا أبو بكر بن
أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن محمد بن خالد عن عطاء به. وهذا إسناد مرسل صحيح
، رجاله كلهم ثقات، وهي متابعة قوية من أبي معاوية لأبي يحيى الحماني، ترد
قول أبي نعيم أن الحماني تفرد به!
2341 - " من ستر أخاه المسلم في الدنيا، ستره الله يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (4 / 62 و 5 / 375) عن عبد الملك بن عمير عن هبيب عن عمه قال: "
بلغ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي أنه يحدث عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فذكره) ، فرحل إليه - وهو بمصر - فسأله
عن الحديث، قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ،
قال: فقال: وأنا قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
قلت: ورجال إسناده موثقون.(5/448)
وهبيب هو ابن مفضل الغفاري، صحابي، شهد فتح
مصر، وسكنها. وأخرجه الحميدي في " مسنده " (384) : حدثنا سفيان قال:
حدثنا ابن جريج قال: سمعت أبا سعيد الأعمى يحدث (عن) عطاء بن أبي رباح قال:
" خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر - وهو بمصر - يسأله عن حديث سمعه من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
غيره وغير عقبة، فلما قدم أتى منزل مسلمة ابن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر
- فأخبر به، فعجل، فخرج إليه فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال
: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله
صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله قال: فبعث معه
من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به، فعجل فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء
بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق
أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن، فقال عقبة: نعم سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: (فذكره) بلفظ: " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره
الله يوم القيامة ". فقال له أبو أيوب: صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته
فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر ".
وأخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 7 - 8) عن الحميدي، وأحمد (4
/ 153) عن سفيان - وهو ابن عيينة - مختصرا، وعلقه ابن عبد البر (1 / 93)
. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي سعيد الأعمى - ويقال: أبو سعد
الأعمى - له ترجمة في " التعجيل " (ص 488) ، يؤخذ منها أنه لا راوي له غير
ابن جريج، فهو مجهول. وروى أحمد (4 / 104) عن مكحول أن عقبة أتى مسلمة بن
مخلد (وهو أمير) بمصر، وكان بينه وبين البواب شيء، فسمع صوته، فأذن له
، فقال: إني لم آتك زائرا، ولكني جئتك لحاجة، أتذكر يوم قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:(5/449)
" من علم من أخيه سيئة فسترها ستره الله عز وجل يوم القيامة؟
فقال: نعم، فقال: لهذا جئت ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن مكحولا
لم يسمع من عقبة كما قال الحاكم. وروى أحمد أيضا عن ابن جريج عن ابن المنكدر
عن أبي أيوب عن مسلمة بن مخلد مرفوعا به. ورجاله ثقات، وفي صحبة مسلمة بن
مخلد خلاف. وللحديث طريق أخرى عن عقبة بن عامر بلفظ آخر، قد خرجته في الكتاب
الآخر (1265) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 /
296 و 500 و 514) والخطيب (10 / 85) وابن عساكر (17 / 298 / 1) من طريق
محمد بن واسع (عن محمد بن المنكدر) عن أبي صالح عنه.
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي
هريرة به نحوه. أخرجه أحمد (2 / 388 و 404 و 522) . وإسناده على شرط مسلم
أيضا. ثم رأيته في " صحيح مسلم " (8 / 21) من هذا الوجه بلفظ: " لا يستر
عبدا عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ". واستدركه الحاكم (4 / 383
- 384) على مسلم، فوهم. والأعمش عن أبي صالح به في حديث أوله:(5/450)
" من ستر
مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ". أخرجه مسلم (8 / 71) وأبو داود (2
/ 307) والترمذي (1425 و 1931) وابن ماجة (1 / 99 و 2 / 112) وابن
الجارود (802) وأحمد (2 / 252) . وتابعه محمد بن واسع عن أبي صالح به.
أخرجه الحاكم (4 / 383) ، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! وشاهد
ثان من حديث ابن عمر مرفوعا. أخرجه البخاري (5 / 74 - فتح) ومسلم (8 / 18
) والترمذي (1426) وأحمد (2 / 91) . (تنبيه) : أورد حديث الترجمة
السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أحمد عن رجل، إلا أنه زاد بعد قوله: "
في الدنيا ": فلم يفضحه "، وهي زيادة مقحمة لا أصل لها في " المسند " ولا
في غيره من هذه الطريق، ولا في شيء من الطرق التي ذكرتها. ولم يتنبه له
المناوي في " شرحيه "! بل إنه أوهم أنها في البخاري. ثم رأيت الحديث في "
الجامع الكبير " للسيوطي بدون الزيادة، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله
المزيد من فضله. وشاهد ثالث من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من ستر عورة
أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله
عورته حتى يفضحه بها في بيته ". أخرجه ابن ماجة (2 / 112) من طريق محمد بن
عثمان الجمحي: حدثنا الحكم ابن أبان عن عكرمة عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف،
محمد بن عثمان الجمحي أورده الذهبي في " المغني " وقال:(5/451)
" قال أبو حاتم:
منكر الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف.
2342 - " من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في (المصحف) ".
أخرجه ابن شاهين في " الترغيب " (ق 288 / 1) وابن عدي (111 / 2) وأبو
نعيم في " الحلية " (7 / 209) وعنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1
/ 231 / 2) عن إبراهيم بن جابر حدثنا الحر بن مالك حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن
أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا. وقال ابن عدي: " لم يروه عن شعبة إلا
الحر، وهو قليل الحديث، وهذا عن شعبة منكر ". قال الحافظ عقبه: " قلت:
وهو موافق لما قال مسلم في مقدمة " صحيحه "، حيث قال: وعلامة المنكر في حديث
المحدث أن يعمد إلى مثل الزهري في كثرة حديثه وكثرة الرواة عنه، فيأتي عنه
بما ليس عند أحد منهم ". وقال الذهبي في ترجمته: " أتى بخبر باطل فقال: ...
" فذكره وقال: " وإنما اتخذت المصاحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم ".
ورده الحافظ بقوله: " وهذا التعليل ضعيف، ففي " الصحيحين ": " أن النبي صلى
الله عليه وسلم نهى عن أن يسافر(5/452)
بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو
"، وما المانع أن يكون الله أطلع نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف؟ لكن
الحر مجهول الحال ". قلت: كلا، فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 278) . "
سألت أبي عنه؟ فقال: صدوق لا بأس به ". قلت: وسائر رواته ثقات من رجال
الشيخين غير إبراهيم بن جابر - وهو القزاز، أبو إسحاق البصري الباهلي - أورده
ابن أبي حاتم (1 / 1 / 92) من روايته عن جمع، ثم قال: " روى عنه أبي وأبو
زرعة رحمهم الله ". وأبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة، وعلى هذا فالحديث إسناده
حسن عندي. والله أعلم.
2343 - " من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى، فلينظر إلى أبي ذر ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 228) عن أبي أمية بن يعلى عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال
الشيخين غير أبي أمية هذا - واسمه إسماعيل - أورده الذهبي في " المغني "،
وقال: " ضعفه الدارقطني ". لكن للحديث شواهد يتقوى بها: الأول: عن أبي ذر
نفسه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تقل الغبراء ولا تظل
الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر، شبيه(5/453)
عيسى بن مريم، فاعرفوا له "
. أخرجه ابن حبان (2258) والحاكم (3 / 342) عن النضر بن محمد حدثنا عكرمة
بن عمار حدثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عنه. وقال الحاكم: " صحيح
على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، على ضعف يسير في
عكرمة بن عمار، قال الحافظ: " صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير
اضطراب ". الثاني: عن مالك بن دينار مرسلا إلا أنه قال: " زهد " بدل " تواضع
". أخرجه ابن سعد أخبرنا مسلم بن دينار قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثنا
مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد
مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير مالك بن دينار وهو صدوق.
الثالث: عن إبراهيم الهجري رفع الحديث إلى عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: "
من سره أن ينظر إلى شبيه عيسى ابن مريم خلقا وخلقا فلينظر إلى أبي ذر ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 171 / 1 - 2) . وهذا إسناد منقطع ضعيف.
2344 - " من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ".
أورده في " الجامع الصغير " من رواية البزار عن ابن عمر. وأما الهيثمي فذكره
في " المجمع " (1 / 16 - 17) عن عمر رضي الله عنه وقال:(5/454)
" رواه أبو
يعلى والبزار، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف لسوء حفظه ".
فرجعت إلى " زوائد البزار "، فوجدت الحديث فيه في أول " كتاب الإيمان " (ص 2
) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
الحديث. هكذا في الأصل بياض، فلم أتمكن من التأكد من كون الحديث هو من مسند
عمر أو ابنه عبد الله بن عمر، ويترجح عندي الأول، لأني لم أجد الحديث عن ابن
عمر في أي مصدر آخر، بل وجدته في " المجمع " (1 / 32) من رواية الطبراني
أيضا في " الأوسط " عن عمر أيضا وقال: " وفيه حجاج بن نصير، والأكثرون على
تضعيفه ". وقصة عمر مع أبي هريرة حول أمره صلى الله عليه وسلم أبا هريرة
بتبشير الناس بهذا الحديث، وقول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: فلا تفعل،
فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، وقوله صلى الله عليه وسلم "
فخلهم ". قصة معروفة ثابتة في " صحيح مسلم " (1 / 44 - 45) وغيره. فالراجح
أن عمر هو صاحب هذا الحديث. والله أعلم. ثم تيقنت ذلك بعد أن طبع " كشف
الأستار عن زوائد البزار "، فهو فيه (1 / 12 / 9) عن ابن عقيل عن ابن عمر عن
عمر.. قلت: وإسناده حسن صحيح بما قبله. والأحاديث بمعناه كثيرة معروفة،
ويأتي أحدهما قريبا من حديث جابر رضي الله عنه وغيره (2355) .
2345 - " من شهر سيفه ثم وضعه، فدمه هدر ".
أخرجه النسائي (2 / 174) والحاكم (2 / 159) وأبو نعيم (4 / 21) عن معمر
بن راشد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن الزبير قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الحاكم:(5/455)
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه
الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وإن خالفه ابن جريج فرواه عن ابن طاووس به
موقوفا على ابن عباس. أخرجه النسائي. وذلك لأن معمرا ثقة، وزيادة الثقة
مقبولة، ولأن ابن جريج مدلس، وقد عنعنه. وأما قول أبي نعيم عقبه. " تفرد
به الفضل عن معمر مجودا ". فذلك حسبما وقع له، وإلا فرواية الحاكم إنما هي
من طريق وهيب - وهو ابن خالد - عن معمر، فلم يتفرد به الفضل، وهو ابن موسى
. (فائدة) : معنى الحديث أن " من شهر " - بالتخفيف وقد يشدد - أي: سل، "
سيفه، ثم وضعه " أي: في الناس يضربهم به، " فدمه هدرا " أي: لا دية ولا
قصاص بقتله. وقد ترجم له بذلك الإمام النسائي بقوله: " من شهر سيفه ثم وضعه
في الناس ".
2346 - " من صرع عن دابته في سبيل الله، فهو شهيد ".
رواه الروياني في " مسنده " (18/ 34 / 2 - 35 / 1) : أخبرنا أحمد بن عبد
الرحمن أخبرنا عمي حدثني عمرو بن الحارث أن أبا علي ثمامة بن شفي حدثه أنه سمع
عقبة بن عامر يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، كما قال
الحافظ في " الفتح " (6 / 14) وإنما لم يصححه - مع أن رجاله كلهم ثقات رجال
مسلم - لأن في أحمد بن عبد الرحمن - وهو ابن وهب بن مسلم المصري - كلاما،
أشار إليه الحافظ نفسه بقوله في " التقريب ":(5/456)
" صدوق تغير بآخره ". وقال
المناوي: " قال الهيثمي: رجاله ثقات. وقال ابن حجر: إسناده حسن ".
قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا قويا من حديث أبي مالك الأشعري، خرجته
في " أحكام الجنائز " (37) .
2347 - " من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 58 / 2 - زوائده) : حدثنا الهيثم بن خلف
حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي حدثنا حماد بن زيد عن هارون بن أبي إسحاق الكوفي
أنه سمع أبا بردة يحدث عن أبيه أبي موسى يرفعه وقال: " لا يروى عن أبي
موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به حماد ". قلت: ومن طريقه أخرجه أحمد (4 /
413) إلا أنه قال: " هارون بن إسحاق الكوفي، ولعل الصواب حذف لفظ " ابن "
أو " أبي " في رواية الطبراني فإنه هارون أبو إسحاق، هكذا ذكره البخاري في "
التاريخ " (4 / 2 / 225) وقال: " سمع أبا بردة ... " فساق هذا الحديث،
وقال: " قاله مسدد وعارم عن حماد بن زيد ". وكذلك ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2
/ 99) ، فنستفيد من رواية أحمد أن اسم أبيه إسحاق، وهكذا ذكره أيضا الهيثمي
في " مجمع الزوائد " (2 / 231) ، فقال:(5/457)
" رواه أحمد والطبراني في " الأوسط
" و " الكبير " والبزار وقال: لم يتابع هارون بن إسحاق على هذا الحديث ".
قلت: هو ثقة مشهور، كما رواه ابن أبي حاتم عن ابن معين، فلا يضر تفرده
بالحديث كما هو مقرر في " مصطلح الحديث "، وقد وثقه ابن حبان أيضا (7 / 582
) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 204)
وعنه ابن ماجة (1 / 350) والنسائي (1 / 257) عن محمد بن سليمان الأصبهاني
عن سهيل عن أبيه عنه. وقال النسائي: " هذا خطأ، ومحمد بن سليمان الأصبهاني
ضعيف ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: ولم يظهر لي، ولا رأيت من
ذكر وجه (خطإ) ابن الأصبهاني فيه، ولعله الرفع، فقد روى شعبة عن منصور عن
أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة قال: فذكره موقوفا عليه نحوه.
أخرجه الطيالسي (1 / 113) وأحمد (2 / 498) . ورجاله ثقات رجال الشيخين،
غير أبي عثمان هذا، وهو التبان، روى عنه مع منصور بن المعتمر ابنه موسى
ومغيرة بن مقسم، وحسن له الترمذي، وذكره ابن حبان في " الثقات ".
قلت: فهو حسن الإسناد، أو على الأقل يحتمل التحسين، وهو في حكم المرفوع،
لأنه لا يقال بمجرد الرأي، وعليه فهو شاهد جيد لرواية ابن الأصبهاني.
وللحديث شاهد آخر من حديث أم حبيبة رضي الله عنها. أخرجه مسلم وغيره من أصحاب
السنن، وغيرهم كابن خزيمة (1185 -(5/458)
1187) وعنه ابن حبان (2443 - الإحسان)
والترمذي، وزادا تفصيل عدد الركعات. وهي في حديث ابن الأصبهاني أيضا، إلا
أنه خالف فقال: " وركعتين قبل الظهر "، وفي حديثها: " أربع ركعات قبل
الظهر " ولعل هذا هو وجه (خطإ) ابن الأصبهاني الذي تقدم نقله عن الدارقطني.
(تنبيه) : قد أورد السيوطي الحديث بنحوه من رواية الطبراني في " الأوسط " عن
أبي ذر. ولم أره في " زوائد المعجمين "، ولا في " مجمع الزوائد "، إلا من
حديث أبي موسى كما تقدم. والله أعلم. وقد عزاه في " الجامع الكبير " لابن
عساكر أيضا، فلعل الحديث من روايته فقط، وذكر الطبراني معه سهوا، ثم لما
نقله إلى " الجامع الصغير " عزاه إليه وحده، أو أنه سهى في " الجامع الكبير "
أن يذكر بعد قوله: (طس) : عن أبي موسى. فوقع الوهم. والله أعلم.
2348 - " إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء، فلا يشرب
ولا يبع ".
أخرجه مسلم (5 / 39) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 320 / 1056) قالا -
والسياق لمسلم -: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى بن عبد
الأعلى أبو همام حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال: " يا أيها الناس إن
الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء
، فليبعه ولينتفع به ".(5/459)
فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه
وسلم: فذكره. قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طرق المدينة فسفكوها
. (سفكوها) : أي: أراقوها. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " السنن " (6
/ 11) . والظاهر أن الآية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله
تعالى في سورة المائدة (91) : * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة
والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) *
. وهو آخر آية أنزلت في تحريم الخمر كما يبدو من حديث عمر المروي في الترمذي
وغيره، وقد صححه ابن المديني كما في " تفسير ابن كثير " (2 / 92) ولعله من
شواهده المذكورة في " الدر المنثور " (2 / 314 - 316) وصححه الحاكم (4 /
143) ووافقه الذهبي. وفي الحديث فائدة هامة، وهي الإشارة إلى أن الخمر
طاهرة مع تحريمها، وإلا لم يرقها الصحابة في طرقهم وممراتهم ولأراقوها
بعيدة عنها، كما هو شأن النجاسات كلها، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه
وسلم: " اتقوا اللاعنين ". قالوا: وما اللاعنان؟ قال: " الذي يتخلى في
طريق الناس، أو في ظلهم ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1
/ 100 - 101) وغيره. وقد اختلف الناس في ذلك، وقد قال كثير من الأئمة
المتقدمين بطهارتها، مثل ربيعة الرأي والليث بن سعد، وكثير من المحدثين
وغيرهم، وقد كنت فصلت القول في ذلك في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة
"، وقد تم طبعه والحمد لله، وأصبح في متناول أيدي القراء.(5/460)
2349 - " من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا، بني له بيت في الجنة ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (59 / 1 من ترتيبه) عن سهل بن عثمان حدثنا
إبراهيم بن محمد الهمداني عن عبد الله بن عياش عن أبي بردة عن أبي موسى
مرفوعا. وقال: " لم يروه عن أبي بردة إلا ابن عياش، ولا عنه إلا إبراهيم
، تفرد به سهل ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم. وإبراهيم بن محمد هو - فيما
أرى - ابن مالك بن زبيد الهمداني الخيواني، عم هارون بن إسحاق، ترجمه ابن أبي
حاتم (1 / 1 / 129) وقال: " سألت أبي عنه؟ فقال: لا بأس به ". وعبد
الله بن عياش متوسط الحال، أخرج له مسلم في الشواهد وهو صدوق يغلط كما في "
التقريب ". فالإسناد حسن. والله أعلم. والمراد بـ (الأولى) صلاة الظهر
فيما يبدو لي. والله أعلم.
2350 - " من صلى صلاة لم يتمها، زيد عليها من سبحاته حتى تتم ".
رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 109 / 1) والضياء في " المختارة " (60 /
1 - 2) من طريق الطبراني، وهذا في " المعجم الكبير " (18 / 22 / 37) عن
عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا محمد بن حمير عن عمرو بن
قيس السكوني قال: سمعت عائذ بن قرط يقول: فذكره مرفوعا.(5/461)
قلت: وهذا إسناد حسن. رجاله كلهم ثقات معرفون. وأخرجه محمد بن سليمان
الربعي في " جزء من حديثه " (215 / 1) من طريق هشام بن عمار قال: حدثنا محمد
بن حمير به. وأخرجه أيضا ابن أبي خيثمة وابن شاهين من طريق قيس بن مسلم
السكوني عن عائذ بن قرط، كما في " الإصابة " (2 / 254) للحافظ ابن حجر،
وقال: " وإسناده حسن ". وأقول: ليس في الرواة " قيس بن مسلم السكوني "،
فالظاهر أنه خطأ مطبعي والصواب: " عمرو بن قيس السكوني "، كما تقدم. والله
أعلم. وللحديث شاهد قوي من حديث تميم الداري مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره
، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (812) .
2351 - " من صلى على جنازة في المسجد، فليس له شيء ".
أخرجه أبو داود (2 / 66) وابن ماجة (1 / 462) واللفظ له والطحاوي في "
شرح المعاني " (1 / 284) وابن عدي (198 / 2) والبيهقي (4 / 52) وعبد
الرزاق في " المصنف " (6579) وابن أبي شيبة (3 / 364 - 365) وكذا
الطيالسي (1 / 165) وأحمد (2 / 444 و 455) من طرق (عن ابن أبي ذئب عن
صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به. ولفظ الآخرين: " فلا شيء له
"، إلا رواية لأحمد، فهي باللفظ الأول، وشذ عنهم جميعا أبو داود في روايته
، فلفظها: " فلا شيء عليه ".(5/462)
ومما يؤكد شذوذها، ويؤيد أن المحفوظ رواية
الجماعة، زيادة الطيالسي وابن أبي شيبة عقب الحديث: " قال صالح: وأدركت
رجالا ممن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر إذا جاؤا فلم يجدوا إلا
أن يصلوا في المسجد رجعوا فلم يصلوا " (1) . فهذا صريح في أن صالحا كان يروي
الحديث بلفظ الجماعة، فإنه هو الذي يناسب ما حكاه عمن أدركهم من الصحابة من
تركهم الصلاة على الجنازة في المسجد بخلاف رواية أبي داود: " فلا شيء عليه "،
فإنها تباينه وتنافيه، ويدل ذلك أيضا على بطلان تأويل رواية الجماعة إلى
رواية أبي داود: أي فلا شيء عليه! قالوا: ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان
. وأقول: التأويل فرع التصحيح، فبعد أن بينا شذوذ رواية أبي داود بما لا ريب
فيه، فلا مبرر للتأويل، وقد جاء في " نصب الراية " (2 / 275) : " قال
الخطيب: المحفوظ: " فلا شيء له "، وروي: " فلا شيء عليه "، وروي: " فلا
أجر له "، انتهى. قال ابن عبد البر: رواية: " فلا أجر له " خطأ فاحش،
والصحيح: " فلا شيء له ". وصالح مولى التوأمة من أهل العلم، منهم من لا يحتج
به لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة، انتهى ".
قلت: والسبب في ذلك أنه كان اختلط، فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط - كابن
أبي ذئب - فهو حجة، ومنهم من سمع منه بعد الاختلاط فليس بحجة، وهذا التفصيل
هو الذي استقر عليه رأى أهل العلم قديما وحديثا، فروى ابن أبي حاتم (2 / 1 /
417) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: " كان مالك قد أدرك صالحا، وقد
اختلط وهو كبير، من سمع منه قديما فذاك، وقد
_________
(1) ورواه البيهقي أيضا، إلا أنه قال: فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد ... إلخ.
. اهـ.(5/463)
روى عنه أكابر أهل المدينة،
وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأسا ". ثم روى عن ابن معين نحوه، فقال عنه: "
ثقة، وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل أن يختلط، فهو ثبت، وهو
صالح بن نبهان ". إذا عرفت هذا التفصيل، وأن الحديث من رواية ابن أبي ذئب
عنه، تبينت أنه ثابت، فلا تعويل على من ذهب إلى تضعيفه متمسكا بالطعن المجمل
فيه كما فعل البيهقي، ونحوه عن الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في " مسائله
" (ص 125) : " سألت أبي عن حديث أبي هريرة هذا؟ فقال: حديث عائشة: " أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد ". ثم قال: حتى
يثبت حديث صالح مولى التوأمة. كأنه عنده ليس بثبت، أو ليس بصحيح ".
قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله توقف عن تصحيح هذا الحديث لأنه لم يكن يومئذ
تبين له التفصيل الذي نقلته عنه آنفا، أو أنه ظن أنه معارض لحديث عائشة
المذكور، وهو دونه في الصحة بلا ريب. والذي أراه أنه لا ينبغي عند نقد
الحديث أن يلاحظ الناقد أمورا فقهية يتوهم أنها تعارض الحديث، فيتخذ ذلك حجة
للطعن في الحديث، فإن هذا - مع كونه ليس من قواعد علم الحديث - لو اعتمد عليه
في النقد للزم منه رد كثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت بالطرق القوية.
وعلى هذا فكون حديث صالح مخالفا لحديث عائشة، فلا ينبغي الطعن فيه بسبب ذلك،
بل ينبغي التوفيق بينهما بعد ثبوت كل منهما من الوجهة الحديثية، كما قرره
الحافظ في " شرح النخبة " وغيره في غيره، ولذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية
في " زاد المعاد " (1 / 198 - 199) بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا: "
وهذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل(5/464)
اختلاطه
، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط ". هذا، وأحسن ما يمكن
أن يقال في سبيل التوفيق المشار إليه آنفا هو أن حديث عائشة غاية ما يدلي عليه
إنما هو جواز صلاة الجنازة في المسجد، وحديث صالح لا ينافي ذلك، لأنه لا
ينفي أجر الصلاة على الجنازة مطلقا، وإنما ينفي أجرا خاصا بصلاتها في المسجد
، قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى: " فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في
المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة
باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد،
فيكون الحديث مفيدا لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة
زائدة على كونها خارجة. وينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعا للتعارض وتوفيقا
بين الأدلة بحسب الإمكان. وعلى هذا، فالقول بكراهة الصلاة في المسجد مشكل،
نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على أن الغالب أنه صلى الله عليه
وسلم كان يصلي خارج المسجد، وفعله في المسجد كان مرة أو مرتين. والله أعلم
". قلت: وبهذا الجمع، التقى حديث الترجمة مع حديث عائشة من حيث دلالة كل
منهما على إباحة الصلاة في المسجد، وأما كون الأفضل الصلاة خارج المسجد،
فهذا أمر لا يشك فيه من تجرد عن الهوى والتعصب المذهبي، لثبوت كون ذلك هو
الغالب على هديه صلى الله عليه وسلم كما بينته في " أحكام الجنائز " (ص 106 -
107) ، فلا التفات بعد هذا البيان إلى قول ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 366
) : " وهذا خبر باطل، كيف يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن المصلي في
الجنازة لا شيء له من الأجر، ثم يصلي هو صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن
البيضاء في المسجد؟ "!! (تنبيه) : ذكر الزيلعي أن ابن أبي شيبة روى الحديث
في " مصنفه " بلفظ: " فلا صلاة له "!(5/465)
ولم أر هذا اللفظ عنده، وإنما رواه
بلفظ: " فلا شيء له "، كما سبقت الإشارة إليه في صدر هذا التخريج، فاقتضى
التنبيه.
2352 - " من ضرب مملوكه ظالما أقيد منه يوم القيامة ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 378) : حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا
محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا فرات بن محبوب قال: حدثنا الأشجعي عن
سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن عمار بن ياسر مرفوعا
وقال: " غريب من حديث الثوري وحبيب، لم يروه عنه مجودا إلا الأشجعي ".
قلت: واسمه عبيد الله بن عبد الرحمن الكوفي، وهو أثبت الناس كتابا في
الثوري، ومن فوقه ثقات رجال الشيخين، غير ميمون بن أبي شبيب، وهو ثقة،
لكن ابن أبي ثابت مدلس، وقد عنعنه، فهذه علة. وفرات بن محبوب لم أجد من
وثقه سوى ابن حبان (9 / 13) ، لكن قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) : " روى
عنه أبو زرعة ". قلت: وهو لا يروي إلا عن ثقة، لكنه خولف كما يأتي. ومحمد
بن عثمان بن أبي شيبة فيه ضعف. وأما المنذري فقال (3 / 161) : " رواه
الطبراني، ورواته ثقات ". ثم رأيت الحديث في " الأدب المفرد " للبخاري (181) ، قال: حدثنا محمد بن(5/466)
يوسف وقبيصة: حدثنا سفيان به، إلا أنه أوقفه. ثم
وجدت للحديث شاهدا قويا، فقال البخاري في " الأدب المفرد " (185) : حدثنا
محمد بن بلال قال: حدثنا عمران عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة مرفوعا
بلفظ: " من ضرب ضربا اقتص منه يوم القيامة ". وأخرجه الطبراني في " الأوسط "
(رقم 1445 - مصورتي منه، و " مجمع البحرين " 366 - حرم) من هذا الوجه بلفظ:
" من ضرب سوطا ظلما اقتص ... ". وقال: " لم يروه عن قتادة إلا عمران، تفرد
به محمد بن بلال. ورواه عبد الله بن رجاء عن عمران عن قتادة عن عبد الله بن
شقيق العقيلي عن أبي هريرة ". قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات، وفي
عمران - وهو ابن داور القطان - ومحمد بن بلال - وهو أبو عبد الله البصري -
فيه كلام، لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن، فالأول صدوق يهم، والآخر صدوق
يغرب، كما قال الحافظ، وقد خالفه في سنده ابن رجاء كما علقه الطبراني فجعل
عبد الله بن شقيق مكان زرارة، وصله ابن عدي في " الكامل " (ق 214 / 1) .
2353 - " من غسل ميتا فستره، ستره الله من الذنوب، ومن كفن مسلما، كساه الله من
السندس ".
رواه ابن بشران في " الأمالي الفوائد " (2 / 137 / 1) : أخبرنا أبو الحسين
عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن شهاب بن أيوب الأهوازي قال: حدثنا عبد
الملك بن(5/467)
مروان الحذاء الأهوازي قال: حدثنا سليم بن أخضر عن سعير بن الخمس عن
أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، لولا
أني لم أجد لأحمد بن شهاب ترجمة. لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي
(3 / 21) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه أبو عبد الله الشامي، روى
عن أبي خالد ولم أجد له ترجمة ". ثم طبع المعجم الكبير " للطبراني، فوجدت
فيه الحديث من طريقين عن أبي غالب: الأولى: من طريق سعير المتقدمة، وقد
كشفت لي عن خطأ في اسم والد أحمد الأهوازي: (شهاب) ، صوابه: (سهل) ، فقال
الطبراني (8 / 337 / 8077) : حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي به. وأحمد
بن سهل هذا له ترجمة في " اللسان "، ولم يحك عن أحد فيه كلاما، لكنه ذكر له
حديثا قال فيه: " وهذا خبر منكر، وإسناد مركب ... ". ثم ذكر أن له حديثين
غريبين جدا، أحدهما في " المعجم الصغير " للطبراني. قلت: وهو في " الأوسط "
أيضا (1 / 110 / 2 / 2220) وله فيه حديثان آخران (2218 - 2219) . وحديثه
الأول مخرج في " الروض " (583) . والطريق الأخرى في " الكبير " (8078) من
طريق معتمر بن سليمان عن أبي عبد الله الشامي عن أبي غالب به. قلت: وهذا
إسناد رجاله ثقات، غير أبي عبد الله الشامي، وقد عرفت قول الهيثمي(5/468)
فيه آنفا
، وأنا أظن أنه الذي في " كنى البخاري " (49 / 427) : " أبو عبد الله الشامي
، روى عنه جعفر بن سليمان ". وذلك لأن جعفر بن سليمان من طبقة معتمر بن
سليمان. وقد كشف لنا إسناد الطبراني أن ما في " مجمع الهيثمي ": " أبي خالد
"، محرف من: " أبي غالب ". والله أعلم. ثم إن الهيثمي لم يتعرض للطريق
الأولى بذكر، فكأنه سها عنها. وللحديث شاهد قوي من حديث أبي رافع مرفوعا
نحوه. وقد خرجته في " أحكام الجنائز " (ص 51) . وروى ابن سعد (7 / 503)
والبخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 275 - 276) عن ثابت عن صالح بن حجير أبي
حجير عن معاوية بن حديج - قال: وكانت له صحبة - قال: " من غسل ميتا وكفنه
واتبعه وولي جننه رجع مغفورا له ". وهو موقوف رجاله ثقات رجال مسلم، غير
صالح بن حجير، ترجمه ابن سعد والبخاري برواية ثابت هذا - وهو البناني -
وقتادة عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وكذا في " الجرح والتعديل " (
2 / 1 / 398) . وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 373) .
2354 - " من غل منها (يعني الصدقة) بعيرا أو شاة أتي به يوم القيامة يحمله ".
أخرجه ابن ماجة (1810) عن عمرو بن الحارث أن موسى بن جبير حدثه: أن عبد الله
بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه: أن عبد الله بن أنيس حدثه: أنه(5/469)
تذاكر
هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة، فقال عمر: ألم تسمع رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين يذكر غلول الصدقة أنه من غل منها ... ؟ قال: فقال عبد الله بن
أنيس: بلى. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن الحباب هذا لا يعرف إلا بهذه
الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا مفصلا من
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. أخرجه الشيخان وغيرهما، تراه في "
الترغيب " (2 / 187) .
2355 - " من قال: لا إله إلا الله (مخلصا) دخل الجنة ".
أخرجه ابن حبان (7) عن محرر بن قعنب الباهلي حدثنا رباح بن عبيدة عن ذكوان
السمان عن جابر بن عبد الله مرفوعا به دون الزيادة، وفيه قصة.
قلت: وسنده صحيح، ومحرر براءين مهملتين، ووقع في الأصل: (محرز) بمهملة
ثم معجمة وهو تصحيف، وثقه أبو زرعة، وقال أحمد: " لا بأس به ". ثم أخرجه
ابن حبان (4) وأحمد (5 / 236) وأبو نعيم (7 / 312) من طريق سفيان بن
عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر: " أن معاذا لما حضرته الوفاة، قال اكشفوا
عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله
إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة ". وإسناد أحمد ثلاثي، وهو صحيح على شرط
الشيخين. ورواه صدقة بن يسار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ
بن جبل: فذكره مثل لفظ(5/470)
ذكوان. أخرجه أبو نعيم (7 / 174) بسند صحيح. ثم
أخرجه (9 / 254) من طريق الهيثم بن جماز عن أبي داود عن زيد بن أرقم مرفوعا
بلفظ الترجمة مع الزيادة. وهذا إسناد واه. وأخرجه البزار (ص 3 - زوائده)
من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعا به. قلت: ورجاله ثقات كلهم، غير عطية،
فإنه ضعيف، ومدلس كما قال الحافظ عقب الحديث في " الزوائد ". وأخرجه الحاكم
(4 / 251) .
2356 - " من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة توجد من
مسيرة مائة عام ".
رواه الضياء في " صفة الجنة " (3 / 86 / 2) من طريقين عن عيسى بن يونس عن عوف
الأعرابي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " وإسناده عندي
على شرط الصحيح ". قلت: وهو كما قال. وقد جاء الحديث من حديث أبي بكرة
وقد خرجته في " التعليق الرغيب " (3 / 204 - 205) وفي رواية عنه بلفظ: "
سبعين عاما ". وإسناده صحيح.(5/471)
2357 - " من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدها، أو
ينبذ إليهم على سواء ".
أخرجه الطيالسي (1 / 240 / 2075) : حدثنا شعبة عن أبي الفيض الشامي قال:
سمعت سليم بن عامر يقول: " كان بين معاوية وبين الروم عهد، فكان يسير
في بلادهم، حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم، وإذا رجل على دابة، أو على
فرس، وهو يقول: الله أكبر، وفاء لا غدر، (مرتين) ، فإذا هو عمرو بن
عبسة السلمي، فقال له معاوية: ما تقول؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فرجع معاوية بالناس ". وهكذا أخرجه أبو
داود (1 / 434) والترمذي (1580) وأحمد (4 / 358 - 386) من طرق عن شعبة
به، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات.
2358 - " من كان له أرض فأراد بيعها، فليعرضها على جاره ".
أخرجه ابن ماجة (2493) والضياء في " المختارة " (65 / 55 / 1) عن شريك عن
سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وهذا إسناد ضعيف، سماك - وهو ابن حرب - صدوق، كما قال الحافظ، لكن روايته عن
عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن.(5/472)
وشريك - وهو ابن عبد
الله القاضي - ضعيف لسوء حفظه. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد من حديث أبي
رافع والشريد بن سويد وسمرة، وهي مخرجة في " الإرواء " (1538 و 1539) .
2359 - " من كذب في حلمه، كلف يوم القيامة عقد شعيرة ".
أخرجه الترمذي (2282) والدارمي (2 / 125) والحاكم (4 / 392) وأحمد (1
/ 76 و 90 و 91) وعبد الله بن أحمد (131) من طرق عن عبد الأعلى بن عامر عن
أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث
حسن ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: عبد
الأعلى ضعفه أبو زرعة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". وقال في " الفتح " (
12 / 359) : " إسناده حسن، وقد صححه الحاكم، ولكنه من رواية عبد الأعلى بن
عامر، ضعفه أبو زرعة ". قلت: ومما يدل على ضعفه وسوء حفظه اضطرابه في متن
هذا الحديث، وذلك على وجوه: الأول: هذا.(5/473)
الثاني: بلفظ: " ... كلف أن
يعقد بين شعيرتين ". أخرجه الحاكم. الثالث: بلفظ: " من كذب في الرؤيا
متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه أحمد (1 / 131) . الرابع: مثله،
إلا أنه قال: " من كذب علي متعمدا ... ". أخرجه أحمد (1 / 130) .
قلت: وهذا اللفظ الأخير هو الأشبه، فقد جاء عن علي من طريق أخرى عن حبيب عن
ثعلبة عن علي مرفوعا به. أخرجه أحمد (1 / 78) . ورجاله ثقات رجال الشيخين -
على عنعنة حبيب، وهو ابن أبي ثابت - غير ثعلبة - وهو ابن يزيد الحماني -
وثقه النسائي وابن حبان. واللفظ الثاني محفوظ من حديث ابن عباس مرفوعا به،
إلا أنه قال: " من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ".
أخرجه البخاري (12 / 359 - فتح) والترمذي (2284) ، وقال: " حديث حسن
صحيح ". (تنبيه) : أخرج هذا الحديث الخطيب البغدادي في " التاريخ " (11 / 93
) من طريق سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي باللفظ الأول. ومن
هذه الطريق أخرجه الترمذي وغيره عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي عبد الرحمن
السلمي ... فقوله: " عن عاصم "، في رواية الخطيب شاذ، ولعله كان الأصل: "
عن ابن عامر "، فتحرف على بعض الرواة أو النساخ إلى: " عن عاصم ". والله
أعلم.(5/474)
2360 - " من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى
الله قبل الله عذره ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1071) ومن طريقه الضياء في " المختارة " (
249 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 194 و 195 و 2 / 44) وأبو عثمان
النجيرمي في " الفوائد " (44 / 2) عن الربيع بن سليمان قال: حدثني أبو عمرو
مولى أنس بن مالك أنه سمع أنس بن مالك يقول: " فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عمرو مولى أنس، لا يعرف، لم يزد ابن أبي حاتم
في ترجمته على قوله (4 / 2 / 410) : " روى عنه الربيع بن سليم ". قال المعلق
عليه: " مثله في " الكنى " للبخاري رقم (474) ووقع في (ك) : سليمان ".
قلت: وهكذا وقع في أبي يعلى وفي موضع من " كنى الدولابي "، وكناه بأبي
سليمان، وفي الموضعين الآخرين منه: " الربيع بن مسلم "، وكذلك وقع في "
الفوائد ". وأورده في " الميزان " و " اللسان " كما جاء في ابن أبي حاتم
والبخاري: " ربيع بن سليم الكوفي عن أبي عمر (كذا) مولى أنس مرفوعا (فذكر
الحديث) ، رواه عنه يزيد بن الحباب، وهذا في " مسند ابن أبي شيبة "، قال
الأزدي: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: شيخ ".
قلت: وهو عند أبي يعلى من طريق ابن أبي شيبة الربيع بن سليمان كما سبق.
وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 141) من طريق زيد بن الحباب، لكنه(5/475)
قال
عن سليمان أبي الربيع (وفي " الميزان " و " اللسان ": ابن الربيع) (عن)
مولى أنس به. وهذا مقلوب، والصواب: الربيع بن سليمان أو سليم. وإن
الاختلاف في ضبط اسمه لدليل واضح على أن الرجل غير مشهور ولا معروف. وقد
ترجم ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 443) لربيع بن سليم
الأزدي أبي سليمان الخلقاني البصري. وفيه ذكر قول ابن معين وأبي حاتم
المتقدمين. لكن الحافظ في " اللسان " فرق بين الربيع بن سليم الكوفي راوي هذا
الحديث، وبين الربيع بن سليم البصري الخلقاني. ومن العجب أنه أعاد فيه قول
ابن معين وأبي حاتم المشار إليهما آنفا دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة.
والذي يظهر لي أن الكوفي هو غير البصري، وأن الأول هو صاحب هذا الحديث،
وهو غير معروف، وأن الآخر هو الذي ضعفه ابن معين، ولا علاقة له بهذا الحديث
. والله أعلم. وقد قال ابن أبي حاتم عقبه: " قال أبي: هذا حديث منكر ".
ولعل هذا هو عمدة الأزدي في قول راويه: " منكر الحديث "، كما تقدم. وللحديث
طريق أخرى، فقال ابن بشران في " الأمالي " (108 / 1) ، وعنه الضياء في "
المختارة " (109 / 2) : أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الصواف: أنبأ بشر بن
موسى: حدثنا أبو حفص - يعني: عمرو بن علي الفلاس - حدثنا الفضل بن العلاء
الكوفي(5/476)
حدثنا سفيان عن حميد عن أنس به، وقال الضياء: " الفضل ذكره ابن أبي
حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ". قلت: ترجمه برواية جمع من الثقات عنه، وقال (
3 / 2 / 65) : " سألت أبي عنه؟ فقال: هو شيخ، يكتب حديثه ". وذكره ابن
حبان في " الثقات " (7 / 318 و 9 / 5) . قلت: وسائر رجال الإسناد ثقات من
رجال الشيخين غير بشر بن موسى - وهو ابن صالح أبو علي الأسدي - وهو ثقة أمين
، عاقل ركين، كما قال الخطيب في ترجمته (7 / 86) . وأبو علي محمد بن أحمد
الصواف ترجمه الخطيب أيضا (1 / 289) وروى عن محمد بن أبي الفوارس أنه قال:
" كان ثقة مأمونا من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز ". قلت: فالإسناد
عندي حسن، ولاسيما إذا ضم إليه الطريق الأولى. والله أعلم. وله طريق ثالث
، ولكنه مما لا يفرح به! أخرجه ابن بشران أيضا (139 / 2) عن بشر بن الحسين
: حدثنا الزبير بن عدي عن أنس به. قلت: بشر هذا متروك. وله شاهد عن عمر بن
الخطاب. أخرجه الدينوري في " المنتقى من المجالسة " (296 / 2) عن المغيرة بن
مسلم عن هشام عن عبد الله عنه. قال أبو جعفر: " لا أدري من هشام هذا؟ ".(5/477)
2361 - " من لم يصل ركعتي الفجر، فليصلهما بعدما تطلع الشمس ".
أخرجه الترمذي (423) وابن خزيمة (1117) وابن حبان (613) والحاكم (1 /
274 و 307) والبيهقي (2 / 484) عن عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن
النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح
على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار الترمذي إلى
إعلاله بتفرد عمرو بن عاصم فقال: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا
نعلم أحدا روى هذا الحديث عن همام بهذا الإسناد نحو هذا إلا عمرو بن عاصم
الكلابي ". وأشار البيهقي إلى رد مثل هذا الإعلال بقوله عقب الحديث: " تفرد
به عمرو بن عاصم، والله تعالى أعلم، وعمرو بن عاصم ثقة ". قلت: واحتج به
الشيخان، فلا يرد حديثه بمجرد التفرد.
2362 - " من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 82 رقم 47) عن محمد بن الحسن
ابن زبالة: ذكر المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد واه بمرة، ابن زبالة هذا قال الحافظ: " كذبوه ".
وشيخه المنكدر لين الحديث.(5/478)
قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث ابن
عمر، سبق تخريجه برقم (504) وهو متفق عليه. وشاهد آخر من حديث مسلمة بن
مخلد مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 104) من طريق ابن جريج عن ابن المنكدر عن
أبي أيوب عن مسلمة بن مخلد مرفوعا. فهذا هو المحفوظ عن محمد بن المنكدر.
ورجاله ثقات رجال الشيخين.
2363 - " منبري هذا على ترعة من ترع الجنة ".
أخرجه أحمد (2 / 360 و 450) وابن سعد (1 / 253) من طرق عن أبي سلمة عن
أبي هريرة مرفوعا به، وزاد ابن سعد: " قال: والترعة الباب ". وإسناده
حسن. وأحد إسنادي أحمد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجه (2 / 412 و 534) من
طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به. قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به
، وزاد: " قال سهل: أتدرون ما الترعة؟ قالوا: نعم، هو الباب ". أخرجه
أحمد (5 / 335 و 339) وابن سعد من طرق عن أبي حازم عنه. وسنده صحيح على
شرط الشيخين. ثم أخرجه أحمد (3 / 389) من حديث جابر بن عبد الله، و (4 /
41) من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري.(5/479)
2364 - " موسى بن عمران صفي الله ".
أخرجه الحاكم (2 / 576) من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر بن
سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره، وقال: " صحيح على على شرط مسلم ". قلت: لم يتكلم الذهبي عليه مطلقا
وأبو ظفر لم يخرج له مسلم وإنما هو من رجال البخاري. وقد تابعه سيار حدثنا
جعفر بن سليمان به، وزاد: " وأنا حبيب الله ". أخرجه الديلمي (4 / 75)
. قلت: وسيار هو ابن حاتم العنزي، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: "
قال القواريري: كان معي في الدكان، لم يكن له عقل، قيل: أتتهمه؟ قال: لا
. وقال غيره: صدوق سليم الباطن ". وقال الحافظ: " صدوق له أوهام ".
قلت: فمثله يستشهد به، ولا تقبل زيادته على الأوثق منه. والله أعلم.
2365 - " كان إذا تهجد يسلم بين كل ركعتين ".
رواه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 50) عن أبي أيوب الأنصاري لكن من
المؤسف أن مختصره حذف إسناده، فلم يبق منه إلا صحابيه، ثم أتبعه بشاهد من
حديث عائشة بمعناه.(5/480)
وهذا قد وصله مسلم (2 / 165) والبيهقي (2 / 486 - 487
) عنها. ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 273) عن أبي سلمة مرسلا.
وسنده صحيح.
2366 - " موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإذا أبيت فمن وراء الساقين، ولا
حق للكعبين في الإزار ".
أخرجه الترمذي (1784) والنسائي (2 / 99) وابن ماجة (2 / 371) وابن
حبان (1447) وأحمد (5 / 382 و 396 و 398 و 400) من طرق عن أبي إسحاق عن
مسلم بن نذير عن حذيفة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، رواه
الثوري وشعبة عن أبي إسحاق ". قلت: وهو كما قال، وهما قد رويا عنه قبل
اختلاطه، وشعبة لا يروي عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث كما هو مذكور في ترجمته
، فبروايته عنه أمنا شبهة تدليسه، والحمد لله على توفيقه. وله شاهد مختصر،
من رواية سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ: " موضع
الإزار نصف الساق، ولا حق للإزار في الكعبين ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية
" (6 / 191) ، وقال: " غريب من حديث قتادة وسلام ". قلت: وسلام ثقة،
لكنه في روايته عن قتادة خاصة ضعيف، كما قال الحافظ في " التقريب ". وله
شواهد كثيرة سبقت الإشارة إليها في المجلد الرابع، وأخرجنا منها هناك حديث(5/481)
أنس رضي الله عنه برقم (1765) ، وخرجت ثمة حديث الترجمة باختصار، وذكرت
متابعا لمسلم بن نذير.
2367 - " المؤمن مكفر ".
أخرجه الحاكم (1 / 58 و 4 / 251) عن محمد بن عبد العزيز (بن عمر) بن عبد
الرحمن بن عوف حدثني حسين بن عثمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن حميد بن عبد
الرحمن بن عوف عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا. وقال: " قد اتفقا على عبد
الرحمن بن حميد، وهذا حديث غريب صحيح، ولم يخرجاه، لجهالة محمد بن عبد
العزيز الزهري هذا ". كذا قال، ووافقه الذهبي، وهو أمر عجب من وجهين:
الأول: أنه إذا كان مجهولا، فكيف يصحح حديثه؟ !
والآخر: أنه ليس مجهولا، بل هو معروف بالضعف الشديد عند البخاري وغيره،
فقال الذهبي نفسه في " الميزان ": " قال البخاري: منكر الحديث. وقال
النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف ". وقد تابعه سهل بن بكار حدثنا
الحسن بن عثمان عن الزهري عن عامر بن سعد به. أخرجه الخطابي في " غريب الحديث
" (151 / 1) . والحسن هذا أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 25) من رواية سعيد
بن يحيى بن الحسن عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال.
ولا يقويه أنه قرن معه عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف - وهو الزهري -
لما عرفت أنه من رواية ذلك الضعيف!(5/482)
نعم الحديث قوي بما له من الشواهد الكثيرة
في تكفير ذنوب المؤمن بالبلايا والأمراض وهي معروفة منها حديث مصعب - أخو
عامر - بن سعد عن أبيه مرفوعا بلفظ: " ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه
يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة ". وقد سبق تخريجه برقم (143) .
2368 - " المرء في صلاة ما انتظرها ".
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 137 / 1 - مصورة المكتب) عن
حماد بن شعيب الحماني عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
ضعيف، أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه. وحماد ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره،
وقال ابن عدي: " أكثر حديثه مما لا يتابع عليه ". قلت: لكن هذا قد توبع عليه
، فقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا: هل سمعت النبي صلى
الله عليه وسلم يقول: " الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة "؟ قال: انتظرنا
النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العتمة، فاحتبس علينا، حتى كان قريبا من
شطر الليل، أو بلغ ذلك، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا، ثم قال:
اجلسوا، فخطبنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الناس صلوا ورقدوا،
وأنتم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ". ورجاله ثقات، غير أن ابن
لهيعة سيء الحفظ. لكنه قد توبع، فقال الإمام أحمد (3 / 367) : حدثنا أبو
الجواب حدثنا عمار بن رزيق(5/483)
عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " جهز رسول
الله صلى الله عليه وسلم جيشا ليلة حتى ذهب نصف الليل، أو بلغ ذلك، ثم خرج،
فقال: قد صلى الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أما إنكم لن تزالوا
في صلاة ما انتظرتموها ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
2369 - " المقام المحمود: الشفاعة ".
أخرجه أحمد (2 / 478) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 372) من طريق داود
الأودي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه أحمد أيضا (2 / 441 و 444
و528) والترمذي (2 / 193) والدولابي في " الكنى " (2 / 164) والطحاوي في
" مشكل الآثار " (1 / 449) وابن أبي عاصم في " السنة " (784 - بتحقيقي)
وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 198) والمروزي في " زوائد الزهد " (1312)
وأبو عمرو الداني في " المكتفى " (51 / 2) وتمام في " الفوائد " (125 / 2)
والسهمي في " تاريخ جرجان " (153) من طرق أخرى عن الأودي بلفظ: " سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما
محمودا) * (1) قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ". قلت: وداود هو ابن
يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري أبو يزيد الكوفي، وهو
_________
(1) الإسراء: الآية: 79. اهـ.(5/484)
ضعيف، وأبوه
مقبول عند الحافظ، يعني عند المتابعة، ولهذا لم يحسن الترمذي إسناده،
وإنما متنه، فقال عقبه: " حديث حسن ". وهو كما قال أو أعلى، فإن له شواهد
كثيرة أورده الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (3 / 55 - 58) ، وسأذكر أحدها
قريبا. وروى ابن عدي (136 / 1) عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في
قوله: * (مقاما محمودا) * قال: " المقام المحمود: الشفاعة " وقال: "
ورشدين أحاديثه مقاربة، لم أر فيها حديثا منكر جدا، وهو - على ضعفه - ممن
يكتب حديثه ".
2370 - " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي حلة خضراء
، ثم يؤذن لي، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود ".
أخرجه ابن حبان (6445 - الإحسان) والحاكم (2 / 363) وأحمد (3 / 456) من
طريق محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن
مالك عن كعب بن مالك مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين،
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه بقية بن الوليد: حدثنا الزبيري به.
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 449) وابن أبي عاصم في " السنة "
(785 - بتحقيقي) .(5/485)
2371 - " المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة ".
رواه ابن ماجة (4075) وأحمد (1 / 84) والعقيلي في " الضعفاء " (470)
وابن عدي (360 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 177) عن ياسين العجلي عن
إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي مرفوعا. وقال: " لا يتابع
ياسين على هذا اللفظ وفي المهدي أحاديث صالحة الأسانيد من غير هذا الطريق ".
قلت: بلى، قد تابعه سالم بن أبي حفصة، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (
1 / 170) عنه مقرونا مع ياسين هذا، وهو ابن شيبان، قال البخاري: " في
حديثه نظر ". قال ابن معين: " ليس به بأس، وفي رواية: صالح ". وقال أبو
زرعة " لا بأس به ". قال الحافظ في " تهذيب التهذيب ". " ووقع في " سنن ابن
ماجة " عن ياسين غير منسوب، فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات،
فضعف الحديث به، فلم يصنع شيئا ". وقال في " التقريب ": " لا بأس به،
ووهم من زعم أنه ابن معاذ الزيات ". قلت: وسائر الرواة ثقات، فالإسناد حسن.
لكن متابعة سالم بن أبي حفصة المتقدمة - وهو صدوق في الحديث - ترفع الحديث إلى
مرتبة الصحيح. والله أعلم.(5/486)
2372 - " الميت من ذات الجنب شهيد ".
رواه أحمد (4 / 157) والروياني في " مسنده " (9 / 48 / 2) عن ابن لهيعة
أخبرنا واهب بن عبد الله المعافري عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء
الحفظ. لكن للحديث شاهد من حديث جابر بن عتيك وآخر من حديث أبي هريرة وهما
مخرجان في " أحكام الجنائز " (ص 39 و 40) .
2373 - " نح الأذى عن طريق المسلمين ".
رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 149 / 1) : حدثنا وكيع عن أبان
بن صمعة عن أبي الوازع عن أبي برزة قال: قلت: يا رسول الله! دلني على
عمل أنتفع به، قال: فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة رواه أبو يعلى في " مسنده
" (343 / 2 - مصورة المكتب) والضياء في " المنتقى من الأحاديث الصحاح
والحسان " (280 / 1) ، وقال: " أخرجه مسلم بمعناه ". قلت: هو عنده (8 /
34 - 35) من طريق يحيى بن سعيد عن أبان بن صمعة بلفظ: " اعزل الأذى ... ".
وهكذا أخرجه أحمد (4 / 420) : حدثنا يحيى بن سعيد به. ثم قال (4 / 423) :
حدثنا وكيع به، بلفظ يحيى.(5/487)
ثم أخرجه (4 / 423 و 424) من طريق شداد بن سعيد
حدثني جابر بن عمرو الراسبي به بلفظ: " أمط الأذى عن الطريق فهو لك صدقة ".
وسنده حسن، وهو على شرط مسلم.
2374 - " نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن
الآخرون الأولون ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 575) عن حماد بن سلمة عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي
نضرة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات كما قال
البوصيري في " زوائد ابن ماجة " (262 / 1) .
2375 - " نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ".
رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 2 - عام 4442) والخطيب في " التاريخ " (
7 / 128) عن حيان بن بشر قال: أخبرنا يحيى بن آدم قال: أخبرني الحسن بن صالح
بن حي عن أبيه قال: أخبرنا الجفشيش الكندي قال: " قلت للنبي صلى الله
عليه وسلم: أنت ممن يا رسول الله؟ " قال: " فذكره، وقال ابن منده: " رواه
عقيل بن طلحة عن مسلم بن الهيصم عن الأشعث بن قيس نحوه ". والحديث رواه
الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (2 / 285 - 286 / 2190) وكذا " الصغير "
(ص 44 - هند) من طريق صالح بن حي عن الجفشيش به.(5/488)
وله من طريق أخرى عن صالح
: حدثنا الجفشيش. فصرح بالتحديث عن الجفشيش كما في رواية ابن منده، قال
الحافظ في " الإصابة ": " وهو خطأ فإنه لم يدركه، وأصل الحديث في " مسند
أحمد " من رواية مسلم بن هيصم عن الأشعث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم في رهط من كندة، ولم يذكر الجفشيش ". قلت: هو في " المسند " (5 / 211
و212) ، و " التاريخ الكبير " للبخاري (4 / 1 / 274) و " الصغير " أيضا (ص
7) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 23) وابن ماجة (2 / 131 - 132) من طريق
عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيصم به. وقال البوصيري في " الزوائد " (162
/ 1) : " إسناده صحيح، رجاله ثقات ". وهو كما قال. ورواه ابن سعد أيضا (
1 / 22) عن الزهري مرسلا، وإسناده مرسل صحيح.
2376 - " نزل ملك من السماء يكذبه (يعني الذي وقع في أبى بكر) بما قال لك، فلما
انتصرت وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان ".
أخرجه أبو داود (2 / 300) عن بشير بن المحرر عن سعيد بن المسيب أنه قال:
" بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر
فآذاه، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه
الثالثة، فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر
أبو بكر، فقال أبو بكر: أوجدت علي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ... " فذكره.(5/489)
قلت: وهذا مع إرساله ضعيف، لأن بشيرا هذا لا يعرف
كما قال الذهبي. وقد خالفه ابن عجلان فقال: عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة: " أن رجلا كان يسب أبا بكر، وساق نحوه ". أخرجه أبو داود أيضا هكذا
موصولا بذكر أبي هريرة، وهو الأصح كما قال البخاري، على ما في " تخريج
الإحياء " للحافظ العراقي (3 / 156) . قلت: وكذلك أخرجه في " شرح السنة " (
13 / 163 / 3586) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن عجلان به. وتابعه
يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثنا سعيد بن أبي سعيد به. قلت: وهذا إسناد حسن
للخلاف المعروف في ابن عجلان رواه أحمد، وتقدم برقم (2231) بزيادة في المتن
. ويزداد قوة بمرسل زيد بن أتيع مختصرا. رواه عبد الرزاق (11 / 117 / 20225
) ورجاله ثقات.
2377 - " نصبر ولا نعاقب ".
أخرجه عبد الله بن أحمد (5 / 135) : حدثنا أبو صالح هدبة بن عبد الوهاب
المروزي حدثنا الفضل بن موسى حدثنا عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي
العالية عن أبي بن كعب قال: " لما كان يوم أحد قتل من الأنصار أربعة
وستون رجلا ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن
كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم، فلما كان يوم الفتح، قال رجل
لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمن
الأسود والأبيض، إلا فلانا وفلانا ناسا سماهم، فأنزل الله تبارك وتعالى:(5/490)
* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * (1)
، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن،
رجاله كلهم صدوقون، وفي بعضهم كلام يسير.
2378 - " نهيت عن التعري ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2659) : حدثنا عمرو بن ثابت عن سماك عن ابن
عباس، وطلحة عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، وزاد: " وذاك قبل أن ينزل
عليه النبوة ". قلت: وهذا إسناد ضعيف من الوجهين، في الأول عمرو بن ثابت -
وهو ابن أبي المقدام الكوفي - ضعيف. وسماك هو ابن حرب، وروايته عن ابن
عباس بواسطة عكرمة، فلعله سقط من الناسخ، فقد روي عنه من طريق أخرى كما يأتي
. وطلحة - وهو ابن عمرو الحضرمي المكي - متروك. وأخرجه الحاكم (4 / 179)
من طريق أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن حدثنا النضر أبو عمر الخزاز عن
عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان
النبي صلى الله عليه وسلم ممن ينقل الحجارة وهو يومئذ غلام، فأخذ النبي صلى
الله عليه وسلم إزاره، فتعرى، واتقى به الحجر، فغشي عليه، فقيل لأبي طالب
: أدرك ابنك، فقد غشي عليه، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم من غشيته
سأله أبو طالب عن غشيته؟ فقال: " أتاني آت عليه ثياب بيض، فقال لي: استتر ".
_________
(1) النحل: الآية: 126. اهـ.(5/491)
فقال ابن عباس: فكان ذلك أول ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن
قيل له استتر، فما رؤيت عورته من يومئذ ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "!
فرده الذهبي بقوله: " قلت: النضر، ضعفوه ". لكن يشهد له حديث عبد الله بن
عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل وذكر بناء الكعبة في الجاهلية قال: " فهدمتها
قريش، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، تحملها قريش على رقابها، فرفعوها في
السماء عشرين ذراعا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد
وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر
النمرة، فنودي: يا محمد! خمر (وفي رواية: لا تكشف) عورتك. فما رؤي
عريانا بعد ذلك ". أخرجه أحمد (5 / 455) والسياق له والحاكم والرواية
الأخرى له وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا.
وقد وردت هذه القصة من حديث جابر أيضا، لكن ليس فيه الأمر بالتستر. أخرجه
البخاري (1 / 103) ومسلم (1 / 184) وأحمد (3 / 310 و 333) .
2379 - " لا تضربه، فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (163) من طريق أبي غالب عن أبي أمامة
قال: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم معه غلامان، فوهب أحدهما لعلي صلوات
الله عليه، وقال: (فذكره) ، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا، وأعطى أبا ذر
غلاما وقال: استوص به معروفا،(5/492)
فأعتقه، فقال: ما فعل؟ قال: أمرتني أن
أستوصي به خيرا، فأعتقته ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم
غير أبي غالب هذا وهو صاحب أبي أمامة وهو متكلم فيه، ولا ينزل حديثه عن
رتبة الحسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إني نهيت عن قتل
المصلين ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1455) وغيره، انظر " المشكاة
" (4481) . وعن عمر بن أبي سلمة عن أبيه مرسلا. رواه الطحاوي في " مشكل
الآثار " (1 / 196) في قصة جوع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر
ومجيئهم إلى منزل أبي الهيثم وإعطائه إياه خادما من السبي وفيه يقول: " خذ
هذا واستوص به خيرا فإني رأيته يصلي، وإني نهيت عن المصلين ".
2380 - " نهينا عن الكلام في الصلاة إلا بالقرآن والذكر ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 65 / 1) عن محمد بن شعيب أخبرنا ابن جابر
أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده " أنه
كان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فيرد عليه السلام، ثم
إنه سلم عليه وهو يصلي، فلم يرد عليه، فظن عبد الله أن ذلك من موجدة من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: يا رسول الله! كنت أسلم عليك
وأنت تصلي فترد علي، فسلمت عليك، فلم ترد علي، فظننت أن ذلك من موجدة علي
فقال: لا ولكنا نهينا ... ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير عبد الله
بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، فإني لم أجد من ذكره، وعبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود ثقة مشهور من رجال الشيخين، وقد ذكروا في ترجمته أنه روى
عنه ابناه القاسم ومعن. كما ذكروا في ترجمة(5/493)
ابن جابر - واسمه عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر الأزدي الداراني - أنه روى عن القاسم بن عبد الرحمن. فلعل أحد
الرواة أو النساخ وهم فذكر " عبد الله " مكان " القاسم ". والله أعلم.
والقصة صحيحة، فقد أخرجها الطبراني من طرق متعددة عن ابن مسعود بألفاظ متقاربة
، ولكن ليس في شيء منها قوله " إلا بالقرآن والذكر ". وكذلك أخرجه أبو داود
والنسائي وأحمد وغيرهما. لكن في رواية للنسائي من طريق الزبير بن عدي عن
كلثوم عن ابن مسعود بلفظ: " إن الله أحدث في الصلاة أن لا تكلموا، إلا بذكر
الله وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين ". وإسناده صحيح، كما بينته
في " صحيح أبي داود " (857) . فهو شاهد قوي للزيادة الواردة في طريق الطبراني
. ولها شاهد آخر من حديث معاوية بن الحكم السلمي مرفوعا بلفظ: " إن هذه
الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة
القرآن ". أخرجه مسلم وأبو داود وغيره من أصحاب " السنن " وهو مخرج في "
صحيح أبي داود " (862) .
2381 - " النار جبار ".
أخرجه أبو داود (4594) والنسائي في " العارية والوديعة " من " السنن الكبرى
" (10 / 1) وابن ماجة (2676) من طرق ثلاث عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن(5/494)
منبه عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أيضا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي في " صحيفة همام بن منبه " (رقم 137
) : حدثنا عبد الرزاق به. وخالفهم محمد بن شبويه - وهو ابن إسحاق السجزي -
فقال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس به. وقال: أخرجه ابن عدي
(374 / 2) ، وقال: " ابن شبويه ضعيف يقلب الأحاديث ويسرقها ". ولم يتفرد
عبد الرزاق به، فقد قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد
الرزاق، ح، حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا زيد بن المبارك حدثنا عبد
الملك الصنعاني كلاهما عن معمر به. وهذا الإسناد الثاني رجاله صدوقون، غير
عبد الملك - وهو ابن محمد الصنعاني - فإنه لين الحديث. وأما محمد بن المتوكل
العسقلاني في الإسناد الأول، فهو ضعيف، ولكن ضعفه لا يضر الحديث لأنه متابع
من السلمي وغيره ممن أشرنا إليه آنفا. إذا عرفت هذا، فقول المناوي مضعفا
للحديث بعدما عزاه أصله لأبي داود وابن ماجة: " وفيه محمد بن المتوكل
العسقلاني، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: قال أبو حاتم: لين ".
فأقول فيه أوهام عديدة: الأول: أن العسقلاني هذا في إسناد ابن ماجة أيضا،
وليس كذلك، فإنه قال:(5/495)
حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا عبد الرزاق ...
الثاني: أن أبا داود لم يروه إلا من طريق العسقلاني، الواقع خلافه كما سبق.
الثالث: أن العسقلاني تفرد به، وإلا لما سكت على ضعفه، والواقع أيضا أنه
متابع من جمع ثقات كما تقدم. والله أعلم. وأما قول ابن عدي: " ليس هذا
الحديث في كتب عبد الرزاق، يعني: عن معمر عن همام عن أبي هريرة ". فلا يظهر
لي أنه علة قادحة، بعد ثبوته من عدة طرق عن عبد الرزاق، فليتأمل.
(جبار) : أي: هدر. قال المناوي: " المراد بـ (النار) الحريق، فمن
أوقدها في ملكه لغرض، فطيرتها الريح فشعلتها في مال غيره، ولا يملك ردها،
فلا يضمنه ".
2382 - " النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا وإن مع العسر يسرا ".
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (10 / 287) والديلمي (4 / 111 - 112) من
طريقين عن أبي عيسى عبد الرحمن بن زاذان حدثنا أبو عبد الله بن حنبل حدثنا عفان
حدثنا همام عن ثابت عن أنس رفعه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال
الشيخين غير ابن زاذان، اتهمه الذهبي بهذا الحديث، وقال: " باطل ".
قلت: بل الحديث صحيح، فقد جاء في بعض طرق حديث ابن عباس:(5/496)
" يا غلام! إني
أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك ... " الحديث وقد خرجته في " المشكاة " (5302
) وفي " تخريج السنة " (316 - 318) وهذه القطعة منه في " مسند أحمد " (1 /
307) و " الأحاديث المختارة " (59 / 199 - 200) من طرق عن قيس بن الحجاج
الزرقي عن حنش بن عبد الله عن ابن عباس به. قلت: وهذا إسناد صحيح. ولهذه
القطعة طرق أخرى عنه عند أبي نعيم في " الحلية " (1 / 314) والحاكم (3 /
541 - 542) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (88 / 2 - 89 / 1 - مصورة
المكتب) .
2383 - " النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا، فإني مكاثر بكم
الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء ".
أخرجه ابن ماجة (1846) عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده ضعيف، رجاله ثقات،
غير عيسى بن ميمون - وهو المدني مولى القاسم بن محمد - وهو ضعيف كما في "
التقريب ". قلت: لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث:
1 - عن عبيد بن سعيد مرفوعا مرسلا بلفظ: " ... ومن سنتي النكاح ". أخرجه أبو
يعلى وغيره، وقد سبق تخريجه في الكتاب الآخر (2509) .(5/497)
2 - حديث أنس في قصة الرهط: " ... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني
. أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد خرجته في " الإرواء " (1808) .
3 - قوله صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم
". ورد من حديث معقل بن يسار، وصححه الحاكم، وأنس بن مالك وصححه ابن حبان
، وعبد الله بن عمر بسند جيد، وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 53 - 54)
و" الإرواء " (1811) .
4 - عن أنس مرفوعا: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الطول فلينكح، أو
فليتزوج وإلا فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ". أخرجه البزار (ص 146 - زوائده
) بإسناد صحيح عنه. وله شاهد من حديث عثمان وآخر من حديث ابن مسعود نحوه
وهما مخرجان في " التعليق الرغيب " (3 / 67) .
2384 - " نهى أن تستر الجدر ".
أخرجه البيهقي (7 / 272) عن حكيم بن جبير عن علي بن حسين مرسلا.
قلت: وحكيم بن جبير ضعيف، كما في " التقريب "، فهو مرسل ضعيف الإسناد.
قلت: لكن قد ثبت من غير وجه إنكار الرسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الجدر
لغير حاجة، من ذلك حديث عائشة في قصة النمط، وقوله صلى الله عليه وسلم لها:(5/498)
" أتسترين الجدار؟ ! إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة والطين "
. أخرجه مسلم وغيره، يزيد بعضهم على بعض، كما تراه مخرجا مبينا في " آداب
الزفاف " (ص 111 - 112) . وأخرجه البيهقي (7 / 272) عن أبي جعفر الخطمي عن
محمد بن كعب قال: " دعي عبد الله بن زيد إلى طعام، فلما جاء رأى البيت منجدا
، فقعد خارجا وبكى، قال: فقيل: ما يبكيك؟ قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: أستودع الله دينكم وأماناتكم
وخواتيم أعمالكم، قال: فرأى رجلا ذات يوم قد رفع بردة له بقطعة، قال:
فاستقبل مطلع الشمس، وقال هكذا - ومد عفان يديه - وقال تطالعت عليكم الدنيا
(ثلاث مرات) أي: أقبلت، حتى ظننا أن يقع علينا، ثم قال: أنتم اليوم خير،
أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى،
وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟ ! فقال عبد الله بن يزيد: أفلا أبكي وقد
بقيت حتى تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟ ! ". قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه
الترمذي (2 / 77 - 87) من طريق محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن
كعب القرظي حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: " إنا لجلوس مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة مرفوعة بفرو
... " الحديث نحوه، وزاد في آخره: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لأنتم اليوم خير منكم يومئذ ". وقال: " حديث حسن ". وروى البيهقي من
طريقين ضعيفين عن محمد بن كعب القرظي: حدثني عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ:(5/499)
" لا تستروا الجدر ". وأخرجه أبو داود أيضا، إلا أنه لم يسم الراوي عن محمد بن
كعب، وقد تكلمت عليه في " ضعيف أبي داود " (262) ، وسماه بعضهم كما بينته
في تعليقي على " المشكاة " (2243) . أقول: من أجل ما تقدم أميل إلى تقوية
الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2385 - " نهى أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما ".
رواه أبو الحسن السكري الحربي في الثاني من " الفوائد " (159 / 2) والبيهقي
في " السنن " (3 / 232) عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
مرفوعا. وكذا رواه أبو عبد الله بن منده في " الأمالي " (40 / 1) وأبو
القاسم الحلبي السراج في " حديث ابن السقاء " (7 / 82 / 1) . قلت: وهذا
إسناد حسن على الخلاف المعروف في عمرو بن شعيب، وكذا في عامر، وهو ابن عبد
الواحد الأحول البصري، وقد احتج به مسلم وحسنه المناوي، وقال: " فيكره
الجلوس دون إذنهما تنزيها، وتشتد الكراهية بين نحو والد وولده، وأخ وأخيه
، وصديق وصديقه ".
2386 - " نهى أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 323) وأحمد (6 / 8 و 391) والدارمي (1 / 320) نحوه
عن مخول قال: سمعت أبا سعد - رجلا من أهل المدينة - يقول:(5/500)
" رأيت أبا رافع
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الحسن وهو يصلي وقد عقص شعره، فأطلقه
، أو نهى عنه، وقال: ... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير
أبي سعد المدني، قال الحافظ: " قيل: هو شرحبيل بن سعد ". قلت: وليس ذلك
ببعيد، فإنه قد روى عن أبي رافع، وعنه مخول بن راشد ويكنى بأبي سعد، وهو
صدوق اختلط بآخره. وللحديث طريق أخرى، يرويه عمران بن موسى عن سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن أبيه أنه رأى أبا رافع ... الحديث نحوه، وفيه أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ذلك كفل الشيطان: يعني مقعد الشيطان، يعني
مغرز ضفره ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (653) . وللحديث شاهد من حديث
أم سلمة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص ".
قال الهيثمي (2 / 86) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال (
الصحيح) ". قلت: وهو كما قال، باستثناء شيخ الطبراني (23 / 252) علي بن
عبد العزيز، وهو ثقة حافظ، فالسند صحيح. وروى أحمد (1 / 146) من طريق
أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا في حديث: " ولا تصل وأنت عاقص شعرك،
فإنه كفل الشيطان ". والحارث ضعيف، وفيما تقدم كفاية. قوله: " معقوص
الشعر ": أي: مجموع بعضه إلى بعض كالمضفور وهذا(5/501)
- بالطبع - لمن كان له شعر
طويل على عادة العرب قديما، وفي بعض البلاد حديثا، فنهى عن ذلك، وأمر
بنشره، ليكون سجوده أتم، كما يستفاد من " النهاية " وغيره. وانظر " صفة
الصلاة " (ص 151 - الطبعة الخامسة) .
2387 - " كان إذا عطس حمد الله، فيقال له: يرحمك الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح
بالكم ".
أخرجه أحمد (1 / 204) عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: سمعت عبيد بن أم كلاب
عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبيد
بن أم كلاب لا يدرى من هو؟ كما في " تعجيل المنفعة ". وابن لهيعة سيء الحفظ
. والحديث قال الهيثمي (8 / 56) : " رواه أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة
، وهو حسن الحديث على ضعف فيه، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال. لكن الحديث
قد صح من تعليمه صلى الله عليه وسلم لأمته من حديث أبي هريرة وغيره، فانظر "
الإرواء " (772) . ثم وجدت له شاهدا من رواية إسرائيل عن أسباط بن عزرة عن
جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد عن ابن عمر قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله
عليه وسلم فعطس، فحمد الله، فقالوا: يرحمك الله، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: يهديكم الله ويصلح بالكم ".(5/502)
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 /
204 / 1) وقال الهيثمي (8 / 57) : " وأسباط بن عزرة لم أعرفه، وبقية
رجاله رجال الصحيح ". قلت: وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (1 / 1 /
332) : " أسباط بن زرعة. روى عن مجاهد. روى عن إسرائيل ". ولم يزد.
قلت: فالظاهر أنه هذا، لكن تحرف اسم أبيه في أحد الكتابين: " المعجم " أو "
الجرح "، والأقرب الأول، فإنه في " التاريخ الكبير " (1 / 2 / 53) وفق "
الجرح ". وأيهما كان فهو مجهول.
2388 - " نهى أن يمنع نقع البئر. يعني: فضل الماء ".
أخرجه أحمد (6 / 268) : حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال:
حدثني أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وأخرجه أحمد أيضا (6 / 139) وابن حبان (1141) من طرق أخرى عن
محمد بن إسحاق به. ثم أخرجه أحمد (6 / 112 و 252) والحاكم (2 / 61) وابن
عدي (121 / 1) من طرق أخرى عن أبي الرجال بلفظ: " لا يمنع نقع ماء في بئر "
، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". قلت: وهو بهذه الطرق إلى أبي الرجال على
شرط الشيخين، وتابعه ابنه حارثة بن(5/503)
أبي الرجال عن عمرة به. وزاد في أوله:
" لا منع فضل الماء، و ... ". وحارثة هذا ضعيف. لكن هذه الزيادة صحيحة
ثابتة من حديث أبي هريرة في " الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج بألفاظ عديدة في
" أحاديث البيوع ".
2389 - " نهى عن الثوم والبصل والكراث ".
أخرجه الطيالسي (2171) : حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا بشر بن حرب الندبي
عن أبي سعيد مرفوعا. قلنا: يا أبا سعيد أحرام هو؟ قال: لا.
قلت: وهذا إسناد حسن، بشر بن حرب صدوق فيه لين كما في " التقريب ". ويشهد
له حديث جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث
". أخرجه مسلم (2 / 80) . وفي رواية له: " من أكل البصل والثوم والكراث
فلا يقربن مسجدنا ... " الحديث. وأخرج ابن ماجة (3367) من طريق عثمان بن
نعيم عن المغيرة بن نهيك عن دخين الحجري أنه سمع عقبة بن عامر الجهني مرفوعا
بلفظه: " لا تأكلوا البصل ". ثم قال كلمة خفية: " النيىء ".
قلت: وعثمان والمغيرة مجهولان.(5/504)
2390 - " نهى عن أكل الضب ".
أخرجه أبو داود (2 / 143) والحافظ الفسوي في " التاريخ " (2 / 318)
والطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 191 / 311) والبيهقي (9 / 326) وابن
عساكر (9 / 486 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن
أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا. وقال الطبري: " لا يثبت
" وبين ذلك البيهقي بقوله: " ينفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة، وما مضى
في إباحته أصح منه ". يعني حديث ابن عمران وابن عباس في " الصحيحين "
وغيرهما في قصة خالد بن الوليد وأكله الضب. وامتناعه صلى الله عليه وسلم منه
وقوله: " كلوا، فإنه ليس بحرام ولا بأس به ولكنه ليس من طعام قومي ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2498) . ولا شك أن
هذا أصح من حديث الترجمة، ولكن ذلك لا يستلزم تضعيفه إذا كان لا علة فيه سوى
إسماعيل بن عياش، ذلك لأنه في نفسه ثقة، وقد ضعفوه في روايته عن غير
الشاميين، ووثقوه في روايته عنهم، وهذا الحديث رواته كلهم شاميون، قال
الحافظ: " صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم ". وعلى هذا التفريق
جرى كبار أئمة الحديث كأحمد والبخاري وابن معين ويعقوب بن شيبة وابن عدي
وغيرهم، وهم عمدة الحافظ ابن حجر فيما قال فيه. ونحوه في " المغني " للذهبي
.(5/505)
فالعجب من البيهقي كيف تغافل عن هذا التفصيل، فأطلق القول فيه بأنه ليس بحجة
؟ ونحوه قول المنذري في " مختصر أبي داود ". وأعجب منه إقرار الزيلعي في "
نصب الراية " (4 / 195) إياهما، وسكوت ابن التركماني في " الجوهر النقي "
على تغافل البيهقي، مع أن الحديث حجة الحنفية على تحريم الضب، فكان عليهما أن
يبينا ما في ذلك من الحيد عن الصواب دفاعا عن الحق، لا تعصبا للمذهب، وهو
الموقف الذي وقفه الحافظ ابن حجر رحمه الله، مع أن الحديث بظاهره مخالف لمذهبه
! فقال رحمه الله تعالى في " الفتح " (9 / 547) : " أخرجه أبو داود بسند حسن
... وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي، وهؤلاء شاميون ثقات، ولا يغتر بقول
الخطابي، ليس إسناده بذاك. وقول ابن حزم: فيه ضعفاء ومجهولون. وقول
البيهقي: تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة. وقول ابن الجوزي: لا يصح.
ففي كل ذلك تساهل لا يخفى. فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري،
وقد صحح الترمذي بعضها ... والأحاديث الماضية، وإن دلت على الحل تصريحا
وتلويحا، نصا وتقريرا، فالجمع بينها وبين هذا يحمل النهي فيه على أول الحال
عند تجويز أن يكون الضب مما مسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف فلم
يأمر به ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا
نسل له، ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته فدل
على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة
على من لا يتقذره، ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا ". قلت: وبالجملة،
فالحديث ثابت، وكونه معارضا لما هو أصح منه لا يستلزم ضعفه، فهو من قسم
المقبول، فيجب التوفيق بينه وبين ما هو أصح منه، على النحو الذي عرفته في
كلام الحافظ، وخلاصته أنه محمول على الكراهة لا على التحريم، وفي حق من
يتقذره، وعلى ذلك حمله الطبراني أيضا. والله أعلم.(5/506)
وقد خالف الطحاوي
الحنفية في هذه المسألة، فقد عقد فيها بابا خاصا في كتابه " شرح المعاني " (2
/ 314 - 317) وذكر الأحاديث الواردة فيها إباحة وكراهة - إلا هذا الحديث فلم
يسقه - ثم ختم الباب بقوله: " فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب،
وهو القول عندنا ". فمن شاء التفصيل فليرجع إليه. وللحديث شاهد من رواية
يوسف بن مسلم المصيصي: أخبرنا خالد بن يزيد القسري أخبرنا محمد بن سوقة عن
سعيد بن جبير عن عائشة مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (5 / 284 /
2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، خالد بن يزيد القسري - وهو أمير العراق -،
قال ابن عدي: " لا يتابع على أحاديثه لا إسنادا ولا متنا ... وهو عندي ضعيف
". وقال أبو حاتم: " ليس بقوي ". ويوسف بن مسلم المصيصي لم أعرفه. ثم
تبين أنه وقع منسوبا لجده، وأنه يوسف بن سعيد بن مسلم، وثقه ابن أبي حاتم،
وابن حبان (9 / 281) ، وذكر أنه مات سنة (265) .
(تنبيه) : إنما اقتصر الحافظ على تحسين إسناد أبي داود مع ثقة رجاله لأن ضمضم
بن زرعة شيخ إسماعيل بن عياش فيه ضعف يسير، وقد أشار إليه في قوله فيه في "
التقريب ": " صدوق، يهم ". والله أعلم.(5/507)
2391 - " نهى عن أكل المجثمة، وهي التي تصبر بالنبل ".
أخرجه الترمذي (1473) عن أبي أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد بن
المسيب عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب ". وقال ابن
أبي حاتم في " العلل " (2 / 20) عن أبيه: " سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء
لا يستوي ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي أيوب الإفريقي،
واسمه عبد الله بن علي بن الأزرق، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: فحديثه
يحتمل التحسين، بل هو حسن، فقد وجدت له طريق أخرى، قال الإمام أحمد (6 /
445) : حدثنا علي بن عاصم حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن يزيد السعدي
قال: " أمرني ناس من قومي أن أسأل سعيد بن المسيب عن سنان يحددونه ويركزونه
في الأرض، فيصبح وقد قتل الضبع، أتراه ذكاته؟ قال: فجلست إلى سعيد بن
المسيب، فإذا عنده شيخ أبيض الرأس واللحية من أهل الشام، فسألت عن ذلك؟
فقال لي: وإنك لتأكل الضبع؟ قال: قلت: ما أكلتها قط، وإن ناسا من قومي
ليأكلونها، قال: فقال: إن أكلها لا يحل. قال: فقال الشيخ: يا عبد الله!
ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال
: قلت: بلى، قال: فإني سمعت أبا الدرداء يقول: " نهى رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن كل ذي خطفة وعن كل ذي نهبة وعن كل ذي ناب من السباع ". قال:
فقال سعيد بن المسيب: صدق ".(5/508)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات - على ضعف في علي
بن عاصم - غير عبد الله بن يزيد السعدي، فلا يعرف إلا بهذه الرواية، وقد
وثقه ابن حبان (7 / 13) . والحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة عن جمع من
الصحابة: 1 - عن عبد الله بن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
لبن الجلالة وعن أكل المجثمة وعن الشرب من في السقاء ". أخرجه أبو داود (2
/ 134) والنسائي (2 / 210) والترمذي (1826) والدارمي (2 / 83 و 89)
وابن خزيمة (1 / 256 / 1) وابن حبان (1363) والحاكم (1 / 445) والبيهقي
(9 / 334) واللفظ له وأحمد (1 / 226، 241، 293، 321، 339) من طرق عن
قتادة عن عكرمة عنه به، إلا أن أبا داود قال: " ركوب " مكان " لبن "، ولم
يذكرهما الحاكم وصححه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على
شرط البخاري، وقد أخرج الفقرة الأخيرة منه، وسبق تخريجه (399) .
2 - عن أبي ثعلبة الخشني قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطفة
والمجثمة والنهبة وعن أكل كل ذي ناب من السباع ". أخرجه الدارمي (2 / 85)
والبيهقي عن أبي أويس ابن عم مالك بن أنس عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عنه.
قلت: وإسناده حسن وهو على شرط مسلم، وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله
بن أويس.(5/509)
ورواه بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي
ثعلبة به نحوه، وقال: ولا تحل المجثمة ". أخرجه النسائي (2 / 199 / 210)
وأحمد (4 / 194) .
3 - عن جابر مرفوعا بلفظ: " وحرم المجثمة ". أخرجه أحمد (3 / 323) .
قلت: ورجاله على شرط مسلم.
4 - عن العرباض بن سارية مرفوعا مثل حديث جابر. أخرجه أحمد (4 / 127) .
ورجاله ثقات غير أم حبيبة بنت العرباض وهي مقبولة.
5 - عن أبي هريرة مرفوعا مثل حديث جابر. أخرجه أحمد (2 / 366) .
قلت: وإسناده حسن.
6 - عن سمرة قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهيمة وأن يؤكل
لحمها إذا صبرت ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " من طريق الحسن عنه، وقال:
" جاء في النهي عن صبر البهيمة أحاديث جياد، وأما النهي عن أكلها فلا يعرف
إلا في هذا ". قلت: كذا قال، ويرده حديث الترجمة وحديث ابن عباس (رقم 1)
وقال(5/510)
الحافظ في " الفتح " (9 / 529) عقبه: " قلت: إن ثبت فهو محمول على
أنها ماتت بذلك بغير تذكية كما في المقتولة بالبندقة ".
(فائدة) : المراد بالبندقة هنا كرة في حجم البندقة، تتخذ من طين، فيرمى بها
بعد أن تيبس، فالمقتول بها لا يحل لأنها لا تخرق ولا تجرح وإنما تقتل بالصدم
بخلاف البنادق الحديثة، التي يرمى بها بالبارود والرصاص، فيحل لأن الرصاصة
تخرق خرقا زائدا على خرق السهم والرمح، فلها حكمه. انظر " الروضة الندية "
لصديق حسن خان (2 / 187) .
2392 - " نهانا عن التكلف (للضيف) ".
أخرجه الحاكم (4 / 123) وابن عدي (ق 154 - 155) عن سليمان بن قرم عن
الأعمش عن شقيق قال: " دخلت أنا وصاحب لي على سلمان رضي الله عنه، فقرب
إلينا خبزا وملحا، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن
التكلف، لتكلفت لكم. فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر، فبعث بمطهرته إلى
البقال، فرهنها، فجاء بسعتر، فألقاه فيه، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله
الذي قنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة
عند البقال ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقال ابن
عدي: " سليمان بن قرم مفرط في التشيع، وله أحاديث حسان أفرادات، وهو خير
من سليمان بن أرقم بكثير ". قلت: هو من رجال مسلم، واستشهد به البخاري،
وقال الحافظ(5/511)
" سيء الحفظ، يتشيع ". قلت: فحديثه يحتمل التحسين، والحديث
صحيح لما له من الشواهد كما يأتي. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 /
179) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو
ثقة ". قلت: والظاهر أنه عند الطبراني من طريق ابن قرم هذا. ثم تأكد ما
استظهرته بعد أن طبع " المعجم الكبير "، فهو فيه (6 / 288 / 6084 و 6085) .
وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1404) : أخبرنا قيس بن الربيع: أنبأنا
عثمان بن شابور عن رجل عن سلمان به نحوه. قلت: وقيس بن الربيع سيء الحفظ،
وقد اضطرب في إسناده، فمرة رواه هكذا: عن رجل لم يسمه، ومرة سماه، فقال:
عن أبي وائل، ومرة قال: عن شقيق أو غيره. أخرجها أبو عمرو بن حيويه في
زياداته على " زهد ابن المبارك " (1404 - 1406) . وأخرجه أحمد (4 / 441)
الرواية الأخيرة منها، وقال: " شك قيس ". وكذلك رواه الطبراني في " الكبير
" و " الأوسط ". ثم روى الحاكم من طريق الحسين بن محمد حدثنا الحسين بن الرماس
حدثنا عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: " نهانا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ". ذكره الحاكم شاهدا للإسناد
الأول وأشار إلى تصحيحه، وقال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: سنده لين ".
قلت: عبد الرحمن بن مسعود مقبول عند الحافظ، ولم يوثقه غير ابن حبان.
والحسن بن الرماس لم أعرفه.(5/512)
ثم تبين أنه الحسين بن الرماس، هكذا ذكره البخاري
وابن أبي حاتم في كتابيهما، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وساق له
البخاري هذا الحديث بلفظ: " أمرنا أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا، وأن نقدم
ما حضر ".
(تنبيه) : تكرر تخريج هذا الحديث فيما يأتي (2440) فمعذرة، وإن كان هناك
لا يخلو من زيادة فائدة.
2393 - " نهى عن الجداد بالليل والحصاد بالليل. قال جعفر بن محمد: أراه من أجل
المساكين ".
أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 203 / 2) والبيهقي (4 / 133) والخطيب
في " التاريخ " (12 / 372) من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده - يعني
الحسين - مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقصر السيوطي في
تخريجه، فلم يعزه إلا للبيهقي! ورمز لحسنه فقط كما قال المناوي، ثم قلده في
" التيسير "، فقال: " وإسناده حسن "!
و (الجداد) بفتح الجيم والكسر: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها.
2394 - " نهى عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل الرجل وهو
منبطح على بطنه ".
أخرجه أبو داود (3774) والحاكم (4 / 129) وابن ماجة (3370) بالشطر
الثاني منه عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: فذكره.
وقال الحاكم:(5/513)
" صحيح على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! وأعله أبو داود بقوله
عقبه: " هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري، وهو منكر ". ثم ساق بإسناده
الصحيح عن جعفر أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث. قلت: وجعفر ثقة من رجال
مسلم، لكنهم ضعفوا حديثه عن الزهري خاصة، ولذلك قال الحافظ: " صدوق، يهم
في حديث الزهري ". وذكر الحافظ في " التهذيب " أن هذا الحديث مما أنكره
العقيلي أيضا من حديثه عن الزهري. قلت: لكن الحديث ثابت، فشطره الأول له
شواهد من حديث جابر وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " رقم (1949 و 1982) و "
تخريج الحلال ". والشطر الثاني، له شاهد من حديث علي، قال: " نهاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين وقراءتين وأكلتين ولبستين، نهاني أن
أصلي بعد الصبح حتى ترتفع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأن آكل وأنا
منبطح على بطني، ونهاني أن ألبس الصماء وأحتبي في ثوب واحد ليس بين فرجي
وبين السماء ساتر ". أخرجه الحاكم (4 / 119) عن أبي أحمد الزبيري حدثنا عمر
بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه. وقال: " صحيح الإسناد "،
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عمر واه ". قلت: لم ينكشف لي من هو؟ بعد مزيد
البحث عنه، على أنه وقع في " تلخيص(5/514)
الذهبي ": " عمرو " بالواو. فالله أعلم.
ووجدت له شاهدا آخر بلفظ: " لا تأكل منكبا ولا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة "
. رواه الطبراني في " الأوسط " (52 / 1 - زوائده) وعنه ابن عساكر (13 / 196
/ 2) عن أبي اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا أرطأة بن المنذر عن عبيد الله
بن رريق عن عمرو بن الأسود عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال: " لا يروى عن أبي
الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أرطأة ". قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر
رواته غير عبيد الله بن رريق. (كذا بالإهمال) ، ووقع في " ابن عساكر "
بإعجام الحرف الثاني بنسبته: (الألهاني) ولم أعرفه، وقد قال الهيثمي في "
المجمع " (5 / 24) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ".
(تنبيه) : " منكبا " هكذا وقع مقيدا في " الزوائد " من الانكباب، ووقع في
" المجمع " و " ابن عساكر ": " متكئا " من الاتكاء، وبوب له الهيثمي: "
باب الأكل متكئا ". والله أعلم. ثم تكشفت لي أمور: الأول: أن " عبد الله
بن رريق " وقع فيه خطآن: أحدهما: من الناسخ، والصواب رواية: " عبد الله بن
رزيق "، كذا في نسخة جيدة من " المعجم الأوسط " (1 / 3 / 33 - بترقيمي) .
والآخر: من أحد الرواة، انقلب اسمه عليه، والصواب فيه: " رزيق أبو عبد
الله "، نبه على ذلك الأمير ابن ماكولا في " الإكمال " (4 / 54) ، وكذلك
أوردوه في كتب التراجم، مثل: " التاريخ " و " الجرح " و " ثقات ابن حبان " (4 / 239) وغيرها.(5/515)
الثاني: أن الرجل معروف، ولكنه مختلف فيه، فقال أبو زرعة: " لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " كما تقدم، ولكنه تناقض فأورده في " الضعفاء "
أيضا (1 / 301) ، فقال: " ينفرد بأشياء لا تشبه حديث الأثبات، لا يجوز
الاحتجاج به إلا عند الوفاق ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له
أوهام ".
الثالث: أن الهيثمي تناقض فيه أيضا، فقد رأيت آنفا أنه وثق رجاله دون استثناء
، ثم رأيته قال في موضع آخر (2 / 178) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه
عبد الله بن زريق - كذا - قال الأزدي: لا يصح حديثه ". وقلده المعلق على "
المعجم الأوسط " (1 / 50 و 52) كعادته، فإن الرجل لا علم عنده بهذا الفن،
وكل ما أثقل به كاهل الحواشي والتعليقات إنما هو مجرد النقل الذي لا يعجز عنه
أي طالب علم! ويبدو لي أن الهيثمي بعد أن ذكر هذا عن الأزدي، تبين له ما سبق
تحقيقه أن عبد الله بن رزيق هو رزيق أبو عبد الله، وبناء عليه وثق رجاله
لتوثيق أبي زرعة وابن حبان إياه، ولعله لم يتنبه لتناقض ابن حبان فيه.
والله أعلم.
الرابع: أن الصواب في متن الحديث: " متكئا " لأمرين: أحدهما: أنه كذلك في
النسخة التي سبقت الإشارة إليها من " الأوسط ". والآخر: أنه وقع كذلك في "
ضعفاء ابن حبان "، وفي " الجامع الكبير " للسيوطي(5/516)
معزوا للطبراني وابن عساكر
. وعليه فلا يصلح الاستشهاد به لحديث الترجمة كما هو ظاهر. والله أعلم.
2395 - " نهى عن المفدم ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 377) عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر
مرفوعا. قال يزيد: " قلت للحسن: ما المفدم؟ قال: المشبع بالعصفر ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، والحسن بن سهيل قال الذهبي: " ما علمت روى عنه غير
يزيد بن أبي زياد الكوفي، ولكن ذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت:
وتوثيقه غير معتد به والحالة هذه لما عرف من توثيقه المجهولين، حتى الذين يقول
هو فيهم: " لا أعرفه ولا أعرف أباه ". ويزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي
مولاهم - ضعيف. لكن للحديث شاهد من حديث علي رضي الله عنه قال: " نهاني حبي
صلى الله عليه وسلم عن ثلاث - لا أقول: نهى الناس - نهاني عن تختم الذهب وعن
لبس القسي وعن العصفر المفدم ". أخرجه النسائي (1 / 168 و 2 / 287) عن داود
بن قيس عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عنه.(5/517)
قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن حنين به إلا
أنه قال: " وعن لبس المفدم والمعصفر ". أخرجه النسائي أيضا (1 / 160 و 2 /
287) ، وزاد: " وعن القراءة في الركوع ". وإسناده صحيح على شرط مسلم أيضا
، وقد أخرجه في " صحيحه " (6 / 144) من طرق أخرى عن إبراهيم بن عبد الله به
، دون قوله: " المفدم ". وهو رواية لابن ماجة. وأخرجه أحمد (1 / 71) من
طريق أخرى عن عبيد الله - يعني ابن عبد الله بن موهب -: أخبرني عمي عبيد الله
بن عبد الرحمن بن موهب عن أبي هريرة عنه به مختصرا، وفيه قصة. وهذا إسناد
ضعيف لضعف عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، ولم يذكروا له رواية عن أبي
هريرة، والظاهر أنه لم يسمع منه. والراوي عنه هو عبيد الله بن عبد الرحمن
بن عبد الله بن موهب التميمي ضعيف أيضا.
(تنبيه) : قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " تعليقا على حديث الترجمة (218
/ 1) : " هذا إسناد صحيح، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب، رواه مسلم
وأصحاب " السنن " الأربعة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مسنده " بهذا
الإسناد، وبزيادة في أوله "! وفيه أمور لا تخفى على القارىء اللبيب، أهمها
أن لفظ: " المفدم " عن علي ليس إلا عند النسائي.(5/518)
هذا ولعل النهي أن لبس
الثوب المشبع حمرة لأنه تشبه بالكفار لحديث: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا
تلبسها ". رواه مسلم، وتقدم تخريجه برقم (1704) . أو لأنه من لباس النساء
كما يشعر به حديث آخر عنده (6 / 144) عن عبد الله بن عمرو قال: " رأى النبي
صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ ! قلت:
أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما ". والله أعلم.
2396 - " نهى عن ميثرة الأرجوان ".
أخرجه الترمذي (2789) عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا، وقال: " حديث
حسن غريب ". قلت: ورجاله ثقات، لكن الحسن مدلس، وقد عنعنه. وله شاهد من
حديث علي قال: " نهى عن ميثار الأرجوان ". أخرجه أبو داود (2 / 175)
والنسائي (2 / 288) عن هشام عن محمد عن عبيدة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه أبو داود أيضا والنسائي (2 / 287) وابن ماجة (3654) عن أبي إسحاق
عن هبيرة عن علي قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن
لبس القسي والميثرة الحمراء ".(5/519)
قلت: وإسناده جيد. وله عند النسائي (2 /
287 و 302) طريقان آخران عن علي. وطريق آخر عند أحمد (1 / 147) . وله
شاهد من حديث البراء بن عازب عند البخاري وغيره وهو مخرج في " المشكاة " (
4358 - التحقيق الثاني) و " آداب الزفاف " (125) . وفي " صحيح مسلم " (6 /
139 - 140) عن ابن عمر: " أن ميثرته كانت أرجوانا ". قال ذلك ردا على من نسب
إليه أنه يحرم ميثرة الأرجوان!
2397 - " نهى عن سب الأموات ".
أخرجه الحاكم (1 / 385) عن شعبة عن مسعر عن زياد بن علاقة عن عمه: " أن
المغيرة بن شعبة سب علي بن أبي طالب، فقام إليه زيد بن أرقم فقال: يا
مغيرة! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات؟ فلم تسب
عليا وقد مات؟ ! "، وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، وعم زياد بن علاقة اسمه قطبة بن مالك، وقد اختلف في
إسناده على مسعر، فرواه شعبة عنه هكذا، وخالفه محمد بن بشر فقال: حدثنا
مسعر عن الحجاج مولى بني ثعلبة عن قطبة بن مالك عم زياد بن علاقة قال: " نال
المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن أرقم ... " الحديث. أخرجه أحمد (4 /
369) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 153) . وتابعه وكيع: حدثنا مسعر
عن أبي أيوب مولى بني ثعلبة عن قطبة بن مالك به.(5/520)
أخرجه أحمد (4 / 371) .
وأبو أيوب هذا هو الحجاج الذي في الطريق التي قبلها، واسم أبيه أيوب كما في "
تعجيل المنفعة "، وأفاد أنه مجهول الحال. وخالفهم سفيان الثوري فقال: عن
زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: فذكر الحديث مرفوعا، وجعله من مسند
المغيرة! أخرجه أحمد (4 / 252) والترمذي (1983) وابن حبان (1987) .
وفي رواية لأحمد من طريق عبد الرحمن: حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال:
سمعت رجلا عند المغيرة بن شعبة قال: فذكره مرفوعا بلفظ: " لا تسبوا الأموات،
فتؤذوا الأحياء ". فهذا اختلاف شديد على زياد بن علاقة، يتلخص في الوجوه
التالية: 1 - عنه عن عمه قطبة بن مالك عن زيد بن أرقم مرفوعا.
2 - عنه عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. 3 - عنه عن رجل مرفوعا. ولعل الوجه
الأول هو أرجح الوجوه لمطابقته للرواية الراجحة من روايتي الحجاج بن أيوب عن
قطبة بن مالك عن زيد به، وقد عرفت أنه صحيح السند. وله شاهد من حديث عائشة
عند البخاري وغيره، وهو مخرج في " الروض النضير " (1 / 437) . وثان من
حديث ابن عباس في سنده ضعيف كما بينته في " تخريج الترغيب " (4 / 175) .
وثالث من حديث عائشة أيضا. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 395) .(5/521)
2398 - " نهى عن صوم ستة أيام من السنة: ثلاثة أيام التشريق ويوم الفطر ويوم الأضحى
ويوم الجمعة مختصة من الأيام ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 191) : حدثنا الربيع عن يزيد الرقاشي عن
أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الرقاشي ضعيف. والربيع - وهو ابن
صبيح - صدوق سيء الحفظ. ومن طريقه أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 /
429 و 430) لكنه لم يذكر يوم الجمعة والفطر. وكذلك أخرجه هو وأبو يعلى (3
/ 1016) من طريق الربيع أيضا، ومرزوق أبي عبد الله الشامي قالا: حدثنا يزيد
الرقاشي به. ومرزوق هذا قال ابن معين: " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في
" الثقات ". وللحديث شواهد، فروى عبد الله بن سعيد عن أبيه (وقيل: عن جده
) عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، إلا أنه ذكر: " آخر يوم من شعبان يوصل برمضان
"، بدل: " يوم الجمعة ". أخرجه البزار (ص 104 - زوائده) وابن عدي (213 /
1 - 2) والبيهقي (4 / 208) وقال: " عبد الله بن سعيد المقبري غير قوي ".
كذا قال وهو أسوأ حالا مما ذكر، فإنه متروك كما في " التقريب "، وقال ابن
عدي: " عامة ما يرويه الضعف عليه بين ".(5/522)
وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 303) : " رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف "!
وقال في حديث أنس: " رواه أبو يعلى، وهو ضعيف من طرقه كلها ". والحديث صحيح
، فقد جاء مفرقا عن أبي هريرة في أحاديث: الأول: روى صالح بن أبي الأخضر عن
ابن شهاب عن ابن المسيب عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله
بن حذافة أن يطوف في أيام منى: ألا لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل
وشرب وذكر الله ". أخرجه الطحاوي وأحمد (2 / 513 و 535) . وله عند أحمد
وغيره طريق أخرى وشواهد كثيرة، سبق تخريجها برقم (1282) .
الثاني: عن الأعرج عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين
، يوم الأضحى ويوم الفطر ". أخرجه الشيخان والبيهقي (4 / 297) وغيرهم
وله شواهد خرجتها في " الإرواء " (944) .
الثالث: عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ: " لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله
يوم، أو بعده يوم ". أخرجه الترمذي وغيره ومسلم من طريق أخرى عنه نحوه،
وهما مخرجان فيما تقدم برقم (980 و 981) .
الرابع: عن أبي سلمة عنه مرفوعا بلفظ: " لا تقدموا قبل رمضان بيوم أو يومين،
إلا أن يكون رجلا كان يصوم صياما، فيصومه ".(5/523)
أخرجه مسلم وأصحاب السنن "
والبيهقي (4 / 207) والطيالسي (1 / 182) وأحمد (2 / 234 و 281) . وله
شاهد من حديث ابن عباس، مخرج في " الإرواء " (894) . واعلم أنه قد صح النهي
عن صوم يوم السبت إلا في الفرض، ولم يستثن عليه الصلاة والسلام غيره، وهذا
بظاهره مخالف لما تقدم من إباحة صيامه مع صيام يوم الجمعة، فإما أن يقال
بتقديم الإباحة على النهي، وإما بتقديم النهي على الإباحة، وهذا هو الأرجح
عندي، وشرح ذلك لا يتسع له المجال الآن، فمن رامه، فعليه بكتابي " تمام
المنة في التعليق على فقه السنة " (405 - 408 / طبعة عمان) .
2399 - " نهى عن محاشي النساء ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 196 / 1 - زوائد المعجمين) عن علي
بن بحر عن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن
عبد الله مرفوعا، وقال: " لم يروه عن الضحاك إلا ابن أبي فديك، تفرد به
علي ". قلت: وهو ثقة فاضل، ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، فالإسناد جيد
صحيح. وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر مخرج في " آداب الزفاف " (ص 31) .
(محاشي النساء) : قال ابن الأثير في " النهاية ": " هكذا جاء في رواية،
وهي جمع " محشاة "، لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء، فكنى به عن الأدبار ".(5/524)
2400 - " هذا القرع - هو الدباء - نكثر به طعامنا ".
أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 104) وابن ماجة (2 / 311) وأحمد (4 /
352) والطبراني في " الكبير " (2080 و 2085) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي
صلى الله عليه وسلم " (ص 214) عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن
أبيه قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وعنده هذه الدباء
، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات،
رجال الشيخين غير حكيم بن جابر، وهو ثقة. وأبوه جابر قال الترمذي: " هو
جابر بن طارق، ويقال: ابن أبي طارق، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ولا نعرف له إلا هذا الحديث الواحد ".
2401 - " هذه، ثم ظهور الحصر. قاله صلى الله عليه وسلم لأزواجه في حجة الوداع ".
ورد من حديث أبي واقد الليثي وأبي هريرة وزينب بنت جحش وسودة بنت زمعة
وأم سلمة وعبد الله بن عمر.
1 - أما حديث أبي واقد، فأخرجه أبو داود (1 / 272) وأحمد (5 / 218 و 219)
والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 239 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (
16 / 32 / 2) عن أحمد كلهم عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن
واقد بن أبي واقد عن أبيه:(5/525)
" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة
الوداع: ... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات، رجال مسلم غير واقد بن أبي واقد،
قال الحافظ: " يقال: له صحبة، وقيل: بل هو في الثالثة ".
2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عنه. أخرجه
أحمد (2 / 446 و 6 / 324) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 55 و 207 - 208)
والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 127 / 2) . قلت: وهذا إسناد جيد كما
تقدم تحقيقه في حديث: " من صلى على جنازة.. " (2351) .
3 و 4 - وأما حديث زينب وسودة، ففي رواية لأحمد وابن سعد في حديث أبي هريرة
السابق: " قال: فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، وكانتا
تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم (
وفي رواية: بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) : هذه ثم ظهور الحصر ".
5 - وأما حديث أم سلمة، فيرويه محمد بن خالد الحنفي حدثنا عبد الله بن جعفر
المخرمي عن عثمان الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع عنها قالت: قال لنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " إنما هي هذه الحجة، ثم الجلوس
على ظهور الحصر في البيوت ". أخرجه أبو يعلى (ق 314 / 2 - مصورة المكتب) .
قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن خالد الحنفي، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 135) :(5/526)
" رواه الطبراني في " الكبير " وأبو
يعلى، ورجاله ثقات ".
6 - وأما حديث ابن عمر فيرويه عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
مرفوعا، مثل حديث أم سلمة، إلا أنه لم يقل: " في البيوت ". أخرجه الطبراني
في " الأوسط " (1 / 112 / 1) ، وقال الهيثمي (3 / 214) : " وعاصم بن عمر
العمري وثقه ابن حبان، وقال: يخطىء. وضعفه الجمهور ".
2402 - " هدم - أو قال: حرم - المتعة: النكاح والطلاق والعدة والميراث ".
أخرجه ابن حبان (1267) والدارقطني (398) والبيهقي (7 / 207) عن مؤمل
ابن إسماعيل حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة: " أن
النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج نزل ثنية الوداع، فرأى مصابيح، وسمع
نساء يبكين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله! نساء كانوا تمتعوا منهن
أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا
إسناد ضعيف، عكرمة بن عمار مع أنه من رجال مسلم، فإنه كما قال الحافظ: "
صدوق يغلط ". ومؤمل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ. لكن يشهد له ما روى عبد الله
بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب قال: " نهى رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة. قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل
النكاح(5/527)
والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت ". أخرجه
الدارقطني والبيهقي. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله صدوقون، على
ضعف في حفظ ابن لهيعة. ثم روى البيهقي بسند جيد عن سعيد بن المسيب قال: " نسخ
المتعة الميراث ". وعن بسام الصيرفي قال: " سألت جعفر بن محمد عن المتعة -
ووصفتها له - فقال لي: ذلك الزنا ". وسنده جيد أيضا.
2403 - " هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تغرب في عين
حامية ".
أخرجه أبو داود (4002) واللفظ له، وأحمد (5 / 165) عن يزيد بن هارون عن
سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال
: " كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار والشمس عند غروبها
، فقال ... " فذكره. وزاد أحمد: " تنطلق، حتى تخر لربها عز وجل ساجدة تحت
العرش، فإذا حان خروجها أذن الله لها فتخرج، فتطلع، فإذا أراد أن يطلعها حيث
تغرب حبسها، فتقول: يا رب! إن مسيري بعيد، فيقول لها اطلعي من حيث غبت،
فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد
أخرجه هو (1 / 96) والبخاري (3 / 318) والطيالسي (460) وأحمد أيضا (5
/ 145، 152 / 177) من طرق أخرى عن إبراهيم بن يزيد التيمي به دون ذكر الغروب
في العين الحامية.(5/528)
2404 - " والذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 537) وأحمد (3 / 238) عن الحسن بن موسى أنبأنا شيبان
عن قتادة عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه هشام بن أبي عبد الله عن قتادة به، إلا
أنه قال: " ما أمسى عند ... " دون طرفه الأول. أخرجه أحمد (3 / 133 و 208)
والبخاري (4 / 242) والترمذي (1215) وقال: " حديث حسن صحيح "، وفي
رواية للبخاري (5 / 105) من هذا الوجه بلفظ: " ما أصبح لآل محمد صلى الله
عليه وسلم إلا صاع، ولا أمسى ".
2405 - " والذي نفس محمد بيده، ما من عبد يؤمن، ثم يسدد إلا سلك به في الجنة وأرجو
أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من زرياتكم مساكن في الجنة، ولقد
وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 574) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 87) وابن حبان (
9 - موارد) والطيالسي (1 / 27) وأحمد (4 / 16) عن يحيى بن أبي كثير قال
: حدثنا هلال بن أبي ميمونة قال: حدثني عطاء بن يسار قال: حدثني رفاعة بن
عرابة الجهني مرفوعا.(5/529)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
2406 - " والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم مني ".
أخرجه أحمد (3 / 65) : حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن أبي
سلمة والضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري قال: " بينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم يقسم مالا إذ أتاه ذو الخويصرة - رجل من بني تميم - فقال:
يا محمد! اعدل، فوالله ما عدلت منذ اليوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(فذكره) ثلاث مرات، فقال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فأضرب عنقه؟ فقال:
لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ... " الحديث. قلت: وهذا
إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير محمد بن مصعب، ففيه ضعف، لكن الحديث
صحيح، فقد أخرجه مسلم (3 / 122) من طريق يونس عن ابن شهاب به نحوه، لكن ليس
فيه حديث الترجمة. ويشهد له حديث الأزرق بن قيس عن شريك بن شهاب قال: " كنت
أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الخوارج،
فلقيت أبا برزة الأسلمي في يوم عيد في ناس من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يحدث في الخوارج؟ قال أبو برزة: سمعت رسول الله
بأذني، ورأيته بعيني، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال (الأصل: بملل
، وهو خطأ. وفي رواية: بدنانير من أرض) ، فقسمه، فجاء رجل، مطموم الشعر
، عليه ثوبان أبيضان، فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعطه شيئا، فجاء
من ورائه فقال: والله يا محمد! ما عدلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
... " فذكره. أخرجه الطيالسي (2 / 183 - 184) وعنه النسائي (2 / 174 - 175)(5/530)
والحاكم (2 / 146) وأحمد (4 / 421 - 422 و 424) كلهم من طريق حماد بن
سلمة عن الأزرق بن قيس به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، وأقره
الذهبي فلم يتعقبه بشيء، والأزرق هذا لم يخرج له مسلم شيئا وإنما هو من رجال
البخاري، فالحديث صحيح فقط، وقد وثقه النسائي وابن سعد وابن معين
والدارقطني وابن حبان، وقد قصر المناوي تبعا للهيثمي (6 / 229) حينما
اقتصرا على قولهما: " وثقه ابن حبان " فقط! وشاهد آخر من رواية عطاء بن
السائب عن بلال بن بقطر عن أبي بكرة قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم
بدنانير ... "، الحديث نحوه. أخرجه أحمد (5 / 42) . وبلال هذا لم يوثقه
غير ابن حبان (4 / 65) . وعطاء كان اختلط.
2407 - " والله، لا يلقي الله حبيبه في النار ".
أخرجه الحاكم (4 / 177) وأحمد (3 / 104 و 235) عن حميد عن أنس رضي
الله عنه قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من أصحابه، وصبي بين
ظهراني الطريق، فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ، فسعت والهة،
فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها، فقال القوم: يا نبي الله! ما كانت هذه
لتلقي ابنها في النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والله ... "
الحديث. وقال الحاكم " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا:(5/531)
وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب نحوه. أخرجه مسلم (8 / 97) .
2408 - " وجب الخروج على كل ذات نطاق. يعني في العيدين ".
أخرجه الطيالسي (1 / 146) وأحمد (6 / 358) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (
7 / 163) والبيهقي (3 / 306) والخطيب (4 / 63) عن طلحة بن مصرف عن امرأة
من بني عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير المرأة
القيسية، فلم أعرفها. لكن يشهد للحديث حديث أم عطية مرفوعا: " لتخرج العواتق
وذوات الخدور والحيض، فيشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزلن الحيض المصلى
". أخرجه البخاري (3 / 469 - طبع الخطيب) والبيهقي (3 / 306) . وروى ابن
أبي شيبة (2، 182) عن طلحة اليامي أيضا قال: قال أبو بكر: " حق على كل ذات
نطاق الخروج إلى العيدين ". ورجاله ثقات رجال الشيخين.
2409 - " وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك ".
أخرجه ابن ماجة (2395) وأحمد (2 / 185) والبزار (145 - زوائده) عن عبيد
الله عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:(5/532)
" جاء رجل إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت أمي حديقة لي، وإنها ماتت ولم
تترك وارثا غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وله
شاهد من حديث عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " بينا أنا
جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدقت على
أمي بجارية وإنها ماتت؟ قال: فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث ".
أخرجه مسلم (3 / 156 - 157) وابن ماجة (2394) وغيرهما. وهناك قصة ثالثة
رواها جابر بن عبد الله: " أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخل حياتها،
فماتت، فجاء إخوته فقالوا: نحن فيه شرع سواء، فأبى، فاختصموا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثا ". أخرجه أحمد (3 / 299) من طريقين عن
سفيان الثوري عن حميد بن قيس الأعرج عن محمد بن إبراهيم عنه. قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين. وخالفهما معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن حبيب -
يعني ابن أبي ثابت - عن الأعرج عن طارق المكي عن جابر نحوه، وفيه: " فقال
ابنها: إنما أعطيتها حياتها - وله أخوة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: هي لها حياتها وموتها. قال: كنت تصدقت بها عليها. قال: ذلك أبعد لك ".
أخرجه أبو داود (3557) . ومعاوية بن هشام - وهو القصار الكوفي - وإن كان
صدوقا من رجال مسلم، فقد قال الحافظ:(5/533)
" له أوهام ". فيخشى أن يكون وهم على
الثوري في روايته عنه عن حبيب ... خلافا لرواية الثقتين المشار إليهما في رواية
أحمد. على أن حبيبا مدلس.
2410 - " وصب المؤمن كفارة لخطاياه ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 164 / 1 و 172 / 1)
والحاكم (1 / 347) عن عبيد الله بن موسى: أنبأ إسرائيل عن عبد الله بن
المختار عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو
على شرط مسلم. ذكره الحاكم شاهدا. وأعله ابن أبي حاتم بعلة عجيبة، فقال في
" العلل " (2 / 167) : " كنت أستغرب هذا الحديث، فنظرت، فإذا هو وهم،
ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي الرباب القشيري عن أبي
الدرداء أنه قال: " وصب المؤمن ... " من قوله، غير مرفوع ". وللحديث شواهد
كثيرة، استقصى كثيرا منها المنذري في آخر " الترغيب " وسبق طائفة منها،
فانظر مثلا الأحاديث: (272 و 714 و 1103 و 1611) .
(الوصب) : الوجع والمرض.(5/534)
2411 - " ولد آدم كلهم تحت لوائي يوم القيامة، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ".
رواه لوين في " حديثه " (1 / 1 - قطعة منه) : أخبرنا حديج عن أبي إسحاق عن
عامر - وليس بالشعبي - عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان قال: قال أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم: إبراهيم خليل الله وعيسى كلمة الله وروحه وموسى
كلمه الله تكليما، فماذا أعطيت يا رسول الله؟ قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم غير حديج - وهو ابن معاوية بن حديج - قال الحافظ
: " صدوق يخطىء ". وعامر هو ابن سعد البجلي. وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد
السبيعي، وهو مدلس مختلط. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في حديثين سبق
تخريجهما برقمي (774 و 1571) .
2412 - " ويل للمكثرين، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، أربع: عن
يمينه وعن شماله ومن قدامه ومن ورائه ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 532) عن محمد بن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد
الخدري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطية العوفي ضعيف مدلس.(5/535)
ومحمد -
وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى - سيء الحفظ. وقد تابعه الأعمش عن عطية بلفظ
: " هلك المكثرون ... وقليل ما هم ". أخرجه أحمد (3 / 31 و 52) وأبو يعلى
(1 / 303) . ويشهد له ما رواه أبو إسحاق عن كميل بن زياد عن أبي هريرة قال:
" كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة، فقال:
يا أبا هريرة! هلك ... " دون قوله: " ومن ورائه ". وزاد: " وقليل ما هم
". أخرجه أحمد (2 / 309 و 525) . قلت: ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير
كميل بن زياد وهو ثقة، إلا أن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي مدلس
مختلط. وبالجملة، فالحديث بشاهده هذا حسن إن شاء الله تعالى.
2413 - " الوتر بليل ".
أخرجه أحمد (3 / 4) : حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا يحيى عن أبي نضرة عن
أبي سعيد مرفوعا. وأخرجه أبو يعلى (1 / 332) : حدثنا زهير أخبرنا عبد
الصمد ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، أبو نضرة اسمه المنذر بن مالك
بن قطعة العوقي. ويحيى هو ابن أبي كثير.(5/536)
وهمام هو ابن يحيى بن دينار الأزدي
. وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث.
2414 - " الولد من كسب الوالد ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 141 / 2) : حدثنا محمد بن علي بن سعيد
حدثنا محمد بن أبي بلال التميمي حدثنا خلف بن خليفة عن محارب بن دثار عن ابن
عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، خلف بن خليفة، قال الحافظ: " صدوق
اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي، فأنكر عليه ذلك ابن
عيينة وأحمد ". ومحمد بن أبي بلال التميمي لم أجد له ترجمة. لكن الحديث
صحيح يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من
كسب أولادكم ". وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 170) وغيره.
2415 - " لا أجر إلا عن حسبة ولا عمل إلا بنية ".
أخرجه الديلمي (4 / 206) من طريق إبراهيم بن السري الهروي حدثنا سعيد بن محمد
حدثنا شقيق عن إبراهيم بن أدهم عن عمران القصير عن مالك بن دينار عن أبي إدريس
الخولاني عن أبي ذر رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، شقيق هو ابن إبراهيم
أبو علي البلخي شيخ خراسان، قال الذهبي: " منكر الحديث، روى عن إسرائيل
و ... استشهد سنة أربع وتسعين ومائة ولا(5/537)
يتصور أن يحكم عليه بالضعف لأن نكارة
تلك الأحاديث من جهة الراوي عنه ". كذا قال، وهو وإن كان ينفي عنه مسئوليته
في تلك الأحاديث، فليس يعني أنه ثقة معروف الحفظ والضبط، كيف وهو قد أورده
في كتابه " ديوان الضعفاء والمتروكين "، وقال: " لا يحتج به "؟ والراوي
عنه هنا سعيد بن محمد، أظنه هو الوراق الثقفي أبا الحسن الكوفي نزيل بغداد،
فإنه من هذه الطبقة، وهو ضعيف كما قال الحافظ. وإبراهيم بن السري الهروي لم
أجد له ترجمة. لكن الحديث صحيح في نفسه، فإن الجملة الأولى منه وجدت لها
شاهدا، فقال ابن المبارك في " الزهد " (152) : أخبرنا بقية قال: سمعت ثابت
بن عجلان يقول: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " لا أجر لمن لا حسبة له ". وهذا إسناد مرسل حسن، صرح فيه بقية
بالتحديث. والجملة الأخرى يشهد له الحديث المشهور: " إنما الأعمال بالنيات
... ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 59 / 22) .
2416 - " لا بأس بالحيوان واحد باثنين، يدا بيد ".
أخرجه الترمذي (1238) وابن ماجة (2 / 38) وأحمد (3 / 310، 380، 382)
وابن أبي شيبة (8 / 191 / 2) عن الحجاج بن أرطأة عن أبي الزبير عن جابر(5/538)
مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". كذا قال، والحجاج وأبو الزبير
مدلسان. وقد نقل ابن التركماني في " الجوهر النقي " (5 / 290) عنه - أعني
الترمذي - أنه قال: " حديث حسن ". وهذا أقرب إلى الصواب، فإنه حين يقول
الترمذي في حديث ما: " حديث حسن ". فإنه لا يعني أنه حسن إسناده، وإنما
يعني أنه حسن لغيره، وهذا كذلك، فإني رأيت له شاهدا من رواية خلف بن خليفة
عن أبي جناب عن أبيه عن ابن عمر: " ... فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله!
أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: لا بأس إذا كان يدا
بيد ". أخرجه أحمد (2 / 109) والطبراني في " الكبير " كما في " مجمع
الزوائد " وقال (4 / 105) : " وفيه أبو جناب الكلبي، وهو مدلس ".
قلت: واسمه يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه ". ووالده
أبو حية مجهول. وخلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر. ويشهد للحديث أيضا حديث
سمرة وغيره مرفوعا:(5/539)
" نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ". وهو صحيح مخرج
في " المشكاة " (2822) . قلت: وشهادة هذا إنما هو بدلالة مفهومه، كما أن
حديث الترجمة يشهد بمفهومه لمنطوق هذا.
2417 - " لا تباع أم الولد ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 208 / 1 - 2) عن ابن لهيعة عن عبيد
الله بن أبي جعفر عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن خوات بن
جبير قال: " مات رجل وأوصى إلي، فكان فيما أوصى به أم ولده، وامرأة حرة
، فوقع بين أم الولد والمرأة كلام، فقالت لها المرأة: يا لكعا! غدا يوخذ
بأذنك فتباعين في السوق! فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "
فذكره. وأخرجه البيهقي (10 / 345) من هذا الوجه، وزاد: " وأمر بها،
فأعتقت ". وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم غير ابن لهيعة، فهو ضعيف لسوء
حفظه. ثم رواه من طريق أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين حدثنا يونس بن عبد
الرحيم العسقلاني حدثني رشدين بن سعد المهري حدثنا طلحة بن أبي سعيد عن عبيد
الله بن أبي جعفر به نحوه. قلت: وهذه متابعة قوية لابن لهيعة، فإن طلحة بن
أبي سعيد ثقة من رجال البخاري لولا أن الراوي عنه رشدين بن سعد ضعيف. وحفيده
أحمد بن محمد بن الحجاج، قال ابن عدي:(5/540)
" كذبوه، وأنكرت عليه أشياء ".
ونحو هذه القصة ما روى محمد بن إسحاق عن الخطاب بن صالح عن أمه قالت: حدثتني
سلامة بنت معقل قالت: " كنت للحباب بن عمرو ولي منه غلام، فقالت لي امرأته:
الآن تباعين في دينه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صاحب تركة الحباب ابن عمرو؟ فقالوا:
أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "
لا تبيعوها وأعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قد جاءني، فائتوني أعوضكم ". ففعلوا
، فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: أم
الولد مملوكة، لولا ذلك لم يعوضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها. وقال
بعضهم: هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي كان الاختلاف ".
أخرجه أحمد (6 / 360) والسياق له والبيهقي، وكذا أبو داود (2 / 163)
دون قصة الاختلاف، وزاد: " قالت: فأعتقوني، وقدم على رسول الله صلى الله
عليه وسلم رقيق، فعوضهم مني غلاما ". قلت: وإسناد ضعيف، أم خطاب بن صالح
لا تعرف كما قال الحافظ. وابنها خطاب، قال الذهبي: " تفرد عنه ابن إسحاق،
وقد وثقه البخاري ". وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وقد يخالف ما تقدم ما
روى عبد الرزاق في " المصنف " (13211) : أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو
الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " كنا نبيع أمهات الأولاد، والنبي
صلى الله عليه وسلم فينا حي، لا نرى بذلك بأسا ". قلت: وهذا إسناد صحيح
متصل، على شرط مسلم.(5/541)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن ماجة (2 / 105)
والبيهقي (10 / 348) وأحمد (3 / 321) وابن حبان (1215) من طريق روح بن
عبادة حدثنا ابن جريج به. وتابعه قيس بن سعد عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال
: " بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما
كان عمر نهانا، فانتهينا ". أخرجه أبو داود (2 / 163) وابن حبان (1216)
والحاكم (2 / 18 - 19) والبيهقي (10 / 347) وقال الحاكم: " صحيح على
شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم روى له الحاكم شاهدا من طريق
شعبة عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: " كنا نبيع
أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ومن هذا الوجه أخرجه
الطيالسي (1 / 245) وعنه البيهقي وأحمد (3 / 22) . وقال الحاكم: " صحيح
"، ووافقه الذهبي! قلت: وزيد العمي ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب "
، ولذلك قال في " التلخيص الحبير " (4 / 218) : " وإسناده ضعيف ".
والذهبي نفسه أورده في " المغني "، وقال: " مقارب الحال، قال ابن عدي: لعل
شعبة لم يرو عن أحد أضعف منه ". قلت: ولا شك في ثبوت بيع أمهات الأولاد في
عهده صلى الله عليه وسلم لهذه الأحاديث وإنما الشك في استمرار ذلك وعدم نهيه
صلى الله عليه وسلم عنه، قال البيهقي:(5/542)
" ليس في شيء من هذه الأحاديث أن النبي
صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فأقرهم عليه، وقد روينا ما يدل على النهي ".
قال الحافظ عقبه: " نعم قد روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من طريق أبي سلمة عن
جابر ما يدل على ذلك، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون بيع الأمهات كان مباحا،
ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك النهي، فلما
بلغ عمر نهاهم ". وأقول: الذي يظهر لي أن نهي عمر إنما كان عن اجتهاد منه،
وليس عن نهي ورده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لتصريح علي رضي الله
عنه بأنه كان عن رأي من عمر ومنه، فروى عبد الرزاق (13224) بسنده الصحيح عن
عبيدة السلماني قال: سمعت عليا يقول: " اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات
الأولاد أن لا يبعن. قال: ثم رأيت بعد أن يبعن. قال عبيدة: فقلت له: فرأيك
ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. قال: فضحك علي ". قال
الحافظ: " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ". وأخرجه البيهقي أيضا.
ويؤيد ما ذكرته أن عمر لو كان ذلك عن نص لديه لما رجع عنه علي رضي الله عنه.
وهذا ظاهر بين. وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك نهي صدر من النبي صلى الله
عليه وسلم فيما بعد، وإن لم يقف عليه عمر، بل هذا هو الظاهر من مجموع
الأحاديث الواردة في الباب، فإنها وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف،
فمجموعها مما يقوي النهي ومن ذلك طريق أبي سلمة التي أشار إليها الحافظ فيما
سبق، فإنها شاهد قوي له، على الرغم من أن الحافظ سكت عنه، وكذلك البوصيري
في " زوائد ابن ماجة " (ق 156 / 2) وذكر هذا أن لفظه(5/543)
عند ابن أبي شيبة عن
جابر: " وذكر لي أنه زجر عن بيعهن بعد ذلك، وكان عمر يشتد في بيعهن ".
وهذا النهي يلتقي مع بعض الأحاديث التي تدل على أن أمة الرجل تعتق بولدها، وهي
وإن كانت مفرداتها ضعيفة أيضا، فلا أقل من أن تصلح للشهادة، ومنها ما رواه
عبد الرزاق (13219) عن سفيان (الأصل: أبي سفيان) عن شريك بن عبد الله عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر
منه ". وهذا إسناد رجاله على شرط البخاري على ضعف في حفظ شريك بن عبد الله،
وهو ابن أبي نمر. وقد تابعه حسين بن عبد الله عن عكرمة به. أخرجه البيهقي (
10 / 346) من طريق وكيع عن شريك (هو ابن عبد الله القاضي) عنه. وقال: "
حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي، ضعفه أكثر أصحاب الحديث ".
وفي رواية أخرى له عنه به بلفظ: " أعتق أم إبراهيم ولدها ". وهو مخرج في "
الإرواء " (1799) . وقال البيهقي بعد أن روى ما تقدم عن عمر من النهي: "
يشبه أن يكون عمر رضي الله عنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم
بعتقهن بموت ساداتهن نصا، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، ويشبه أن يكون
هو وغيره استدل ببعض ما بلغنا وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على
عتقهن، فاجتمع هو وغيره على تحريم(5/544)
بيعهن، فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا
عليه قبل الاختلاف مع الاستدلال بالسنة ". قلت: وهذا هو الذي تطمئن إليه
النفس وينشرح له الصدر ومجموع ذلك كله يشهد لصحة حديث الترجمة. والله أعلم.
2418 - " لا تتخذوا بيوتكم قبورا، صلوا فيها ".
أخرجه أحمد (4 / 114، 5 / 192) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 30) من طرق
عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن زيد بن خالد الجهني مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به
. أخرجه ابن حبان (635) . وإسناده صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه
" دون قوله: " صلوا فيها " وهو مخرج في " الجنائز " (ص 212) وفي " تحذير
الساجد " (ص 98 - 99) . وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بتقديم
وتأخير، وقد مضى برقم (1910) .
2419 - " لا تجادلوا في القرآن، فإن جدالا فيه كفر ".
أخرجه الطيالسي (2 / 7) : حدثنا فليح بن سليمان عن سالم مولى أبي النضر عن
سليمان بن يسار عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح،
رجاله ثقات، رجال الشيخين لولا أن فليحا فيه كلام من قبل حفظه قال الحافظ:(5/545)
"
صدوق كثير الخطأ ". لكن يشهد لحديثه حديثان: الأول: حديث أبي سعيد الخدري
مرفوعا: " نهى عن الجدال في القرآن ". رواه السجزي كما في " الجامع الصغير "
. والآخر: حديث أبي هريرة مرفوعا: " المراء في القرآن كفر ". أخرجه أبو
داود وغيره وهو مخرج في " المشكاة " (236) .
2420 - " لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدين ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 430) وأحمد (4 / 146 و 154) وعباس
الترقفي في " حديثه " (ق 48 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (98 / 1)
والطبراني في " الكبير " (ق 59 / 1 - المنتقى منه) والضياء المقدسي في "
المنتقى من حديث أبي نعيم الأزهري " (283 / 1) عن بكر بن عمرو المعافري حدثنا
شعيب بن زرعة المعافري: أنه سمع عقبة بن عامر يقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير شعيب بن زرعة أورده ابن
أبي حاتم (2 / 1 / 346) برواية أبي قبيل المعافري أيضا، ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا، وزاد الحافظ في " التعجيل " في الرواة عنه يزيد بن أبي حبيب
وعبد الكريم بن الحارث، فهؤلاء أربعة من الثقات رووا عنه، فهو معروف وقد ذكره
ابن حبان في " الثقات " (4 / 356) .(5/546)
2421 - " وما أنا والدنيا؟ وما أنا والرقم؟ ".
أخرجه أبو داود (4149) وأحمد (2 / 21) عن ابن نمير حدثنا فضيل بن غزوان عن
نافع عن عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة
رضي الله عنها، فوجد على بابها سترا، فلم يدخل، قال: وقلما كان يدخل إلا
بدأ بها، فجاء علي رضي الله عنه فرآها مهتمة، فقال: مالك؟ قالت: جاء النبي
صلى الله عليه وسلم إلي، فلم يدخل فأتاه علي رضي الله عنه، فقال: يا رسول
الله! إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها، فلم تدخل عليها، قال: (فذكره) ،
فذهب إلى فاطمة، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: قل
لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأمرني به؟ قال: قل لها فلترسل به إلى
بني فلان ". ثم قال أبو داود (4050) : حدثنا واصل بن عبد الأعلى الأسدي
حدثنا ابن فضيل عن أبيه بهذا الحديث قال: وكان سترا موشيا. قلت: وإسناده
الأول صحيح على شرط الشيخين، والزيادة على شرط مسلم. قوله: (والرقم) قال
ابن الأثير: يريد النقش والوشي.
2422 - " لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره ".
رواه أبو طاهر المخلص (9 / 196 / 2) وعنه الديلمي (4 / 148) وتمام في "
فوائده " (122 / 1) وأبو عبد الله الغضائري في " أحاديثه " (204 / 2) عن
عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.(5/547)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال
الشيخين غير عبد الغفار بن داود فمن رجال البخاري.
2423 - " لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم ".
روي من حديث سهل بن سعد الساعدي وعبد الله بن عباس وعائشة مرفوعا، ووهب
بن منبه مرسلا. 1 - أما حديث سهل فيرويه ابن لهيعة حدثنا أبو زرعة عمرو بن
جابر سمعت سهل بن سعد به. أخرجه أحمد (5 / 340) والطبراني في " الأوسط " (
ص 368 - مجمع البحرين) و (ق 8 / 2 - المنتقى منه) والروياني في " مسنده " (
29 / 201 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (3 / 251 / 2 - خط 10 / 408 ط)
وقال الطبراني: " لا يروى عن سهل بن سعد إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة
". قلت: وهو ضعف، ومثله شيخه عمرو بن جابر.
2 - وأما حديث ابن عباس فيرويه أحمد بن القاسم بن أبي بزة أخبرنا مؤمل بن
إسماعيل عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه
أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 217 / 1) وعنه ابن عساكر والطبراني في
" الأوسط " أيضا وكذا في " الكبير " (3 / 135 / 2) والخطيب في " التاريخ "
(3 / 205) وقال الطبراني: " لم يروه عن سفيان إلا مؤمل، تفرد به ابن أبي
بزة ". قلت: وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة. وهو ضعيف الحديث
كما قال أبو حاتم. وقال العقيلي: " يوصل الأحاديث ".(5/548)
وأما ابن حبان فذكره
في " الثقات " (8 / 97) !
3 - وأما حديث عائشة فيرويه عبد الرزاق أيضا: أنبأ معمر عن الزهري عن عروة عن
عائشة أنها قالت: " كان تبع رجلا صالحا، ألا ترى أن الله عز وجل ذم قومه ولم
يذمه؟ ". وأخرجه الحاكم (2 / 450) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "،
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
4 - وأما حديث وهب بن منبه فيرويه عبد الرزاق أخبرنا بكار بن عبد الله قال:
سمعت وهب بن منبه يقول: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن سب أسعد
، وهو تبع. قلنا: يا أبا عبد الله! وما كان أسعد؟ قال: كان على دين
إبراهيم صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن عساكر. وبكار بن عبد الله - هو
اليمامي - قال الذهبي: " ما علمت به بأسا ". قلت: فهو شاهد مرسل جيد.
2424 - " لا تشرب مسكرا، فإني حرمت كل مسكر ".
أخرجه النسائي (2 / 326) وأحمد (4 / 402) عن الأجلح قال: حدثني أبو بكر
بن أبي موسى عن أبيه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن،
فقلت: يا رسول الله! إن بها أشربة، فما(5/549)
أشرب، وما أدع؟ قال: وما هي؟
قلت: البتع والمزر: قال: ما البتع والمزر؟ قال: أما البتع، فنبيذ العسل
وأما المزر، فنبيذ الذرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره
وليس عند أحمد: " فإني حرمت ... ". قلت: وهذا إسناد جيد. وتابعه أبو
بردة بن أبي موسى عن أبيه به نحوه. أخرجه مسلم (6 / 99 - 100) والنسائي
وأحمد (4 / 407 و 410 و 415 - 416 و 417) . وللشطر الأول منه شاهد من حديث
بريدة مرفوعا. أخرجه مسلم (6 / 98) وأبو داود (2 / 132) . وأخرج الشطر
الثاني منه من حديث بريدة أيضا وعائشة وابن عمر.
2425 - " لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير وانتبذوا في الأسقية.
قالوا: يا رسول الله! فإن اشتد في الأسقية؟ قال: فصبوا عليه الماء. قالوا
: يا رسول الله ... فقال لهم في الثالثة أو الرابعة: أهريقوه. ثم قال: إن
الله حرم علي، أو حرم: الخمر والميسر والكوبة، قال: وكل مسكر حرام ".
أخرجه أبو داود - والسياق له - (2 / 131) وأحمد (1 / 274) عن أبي أحمد:
حدثنا سفيان عن علي بن بذيمة حدثني قيس بن حبتر النهشلي عن ابن عباس: " أن
وفد عبد القيس قالوا: يا رسول الله! فيما نشرب؟ قال: فذكره. قال سفيان:
فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة؟ قال: الطبل.(5/550)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله
ثقات رجال الشيخين غير ابن بذيمة وحبتر، وهما ثقتان. وتابعه أبو جمرة عن
ابن عباس به، دون قوله: " وانتبذوا ... " إلخ. أخرجه البخاري (10 / 463 -
فتح) ومسلم (1 / 35) وأبو داود، وزادوا: " والحنتم ". وأخرجه أبو
داود عن أبي هريرة مثل حديث أبي جمرة، وزاد: " والمزادة المخنوثة، ولكن
اشرب في سقائك، وأوكه ". وسنده صحيح. وأخرج مسلم (1 / 37) وأحمد (3 /
57) في قصة وفد عبد القيس هذه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تشربوا في
النقير - قالوا: يا نبي الله! جعلني الله فداءك، أو تدري ما النقير؟ قال:
نعم، الجذع ينقر وسطه - ولا في الدباء ولا في الحنتم وعليكم بالموكى ".
وأخرجه أبو داود عن أبي القموص زيد بن علي حدثني رجل كان من الوفد الذين وفدوا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس فقال: " لا تشربوا في نقير ولا
مزقت ولا دباء ولا حنتم، واشربوا في الجلد الموكأ عليه، فإن اشتد فاكسروه
بالماء، فإن أعياكم فأهريقوه ". وإسناد صحيح. وأخرجه أحمد (4 / 206)
إلى قوله: " الموكأ عليه ". ولهذا القدر منه طريق أخرى عنده (3 / 432 و 4 /
206) . ثم إن علي بن بذيمة قد تابعه عبد الكريم - وهو الجزري - عن قيس بن
حبتر به، والجملة الأخيرة فقط بلفظ:(5/551)
" إن الله حرم عليكم الخمر والميسر
والكوبة، وقال: كل مسكر حرام ". أخرجه أحمد (1 / 289 و 350) وغيره.
وإسناده صحيح أيضا، وهو مخرج في " المشكاة " (3652 و 4503) . وأخرجها أحمد
أيضا (2 / 158 و 165 و 167 و 171 و 172) من طرق عن عبد الله بن عمرو مرفوعا.
2426 - " لا تطعموهم مما لا تأكلون. يعني المساكين ".
رواه أحمد (6 / 105 و 144) والطبراني في " الأوسط " (1 / 90 / 2 - مجمع
البحرين) عن حماد بن سلمة حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضب فلم يأكله، قالت عائشة:
يا رسول الله! ألا نطعمه المساكين؟ قال: فذكره، وقال: " لم يروه عن حماد
إلا حماد والثوري ". قال الهيثمي (3 / 113) : " ورجاله موثوقون ".
قلت: ورجاله رجال مسلم، على ضعف في حماد بن أبي سليمان، فالإسناد حسن.
2427 - " لا تغزى هذه (يعني: مكة) بعد اليوم إلى يوم القيامة ".
أخرجه الترمذي (1611) والحاكم (3 / 627) وأحمد (3 / 412 و 4 / 343)
وكذا الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 228 - 229) وابن سعد في(5/552)
" الطبقات " (2 / 145) من طرق عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن
برصاء مرفوعا. زاد الطحاوي: " قال سفيان (يعني ابن عيينة) : تفسيره أنهم
لا يكفرون أبدا، ولا يغزون على الكفر ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "
. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن زكريا بن أبي زائدة كان يدلس. وقد
خالفه عبد الله بن أبي السفر فقال: عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن
الأسود - أخي بني عدي بن كعب - عن أبيه مطيع - وكان اسمه العاص، فسماه رسول
الله صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: فذكره، وزاد: " ولا يقتل قرشي بعد هذا
العام صبرا أبدا ". أخرجه أحمد (3 / 412 و 4 / 213) والطحاوي من طريق ابن
إسحاق حدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر ... وهذا إسناد جيد،
وهو أصح عندي من الذي قبله. والله أعلم. وقد تابعه على هذا الزيادة زكريا
فقال: حدثنا عامر به. أخرجه أحمد هكذا مصرحا بالتحديث، وقد أخرجه مسلم (5
/ 173) والطحاوي والحاكم (4 / 275) عنه معنعنا. وتابعه فراس عن الشعبي
به نحوه. أخرجه أحمد. وله شاهد من رواية أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن
السائب بن يزيد رضي الله(5/553)
عنه قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج
عبد الله بن خطل من بين أستار الكعبة، فقتله صبرا، ثم قال: " لا يقتل أحد من
قريش بعد هذا صبرا ". أخرجه الحاكم (3 / 637) وسكت عليه هو والذهبى.
قلت: ويوسف بن يعقوب هذا، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 233) : " روى عنه ابن
أبي ذئب وأبو معشر ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان (5
/ 551 و 7 / 635) !
2428 - " لا تقتلوا الجراد، فإنه جند من جنود الله الأعظم ".
أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 289 / 2) وأبو عبد الله بن منده
في " معرفة الصحابة " (37 / 201 / 1) عن سعيد بن عمرو الحضرمي، والطبراني
في " الأوسط " (1 / 128 / 2) عن محمد بن إسماعيل بن عياش، وابن منده أيضا
(2 / 243 / 1) عن عبد الوهاب بن الضحاك، ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم
ابن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي زهير النميري مرفوعا. وقال الطبراني: "
لا يروى عن أبي زهير إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل ".
قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها، ومن فوقه ثقات أيضا،
فالإسناد جيد. وأما إعلال الهيثمي إياه بقوله في " مجمع الزوائد " (4 / 39)
: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش
، وهو(5/554)
ضعيف ". فهو إعلال قائم على النظر في إسناد الطبراني خاصة، وإلا فقد
تابعه سعيد بن عمرو الحضرمي كما رأيت، وهو الحمصي، وهو شيخ كما قال أبو
حاتم، فالحديث بهذه المتابعة قوي. وأما متابعة عبد الوهاب بن الضحاك، فإنها
مما لا يفرح به لأنه كذاب. وفي قول الطبراني المتقدم: " تفرد به إسماعيل "،
ما يشير إلى أنه لم يتفرد به ابنه عنه. فتأمل. وإذا عرفت هذا، فإن المناوي
لم يحسن صنعا حين نقل قول الهيثمي السابق، ثم أقره عليه، ولاسيما أن السيوطي
قد عزاه إلى البيهقي أيضا في " الشعب "، وهو - أعني المناوي - لم يتعرض لبيان
ما إذا كان الحديث عنده من طريق محمد بن إسماعيل أم لا؟
2429 - " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين عراض الوجوه كأن أعينهم حدق
الجراد، كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر ويتخذون الدرق، حتى
يربطوا خيولهم بالنخل ".
أخرجه أحمد (3 / 31) : حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وأخرجه ابن ماجة (4099) : حدثنا
الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات
رجال الشيخين غير عمار بن محمد، فهو من رجال مسلم فقط، ولكنه صدوق يخطىء.(5/555)
إلا أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه ابن حبان (1872) عن محمد بن أبي عبيدة بن (الأصل: " عن "، وهو خطأ) معن عن أبيه عن الأعمش به. قلت: وهذا إسناد
صحيح على شرط مسلم. واسم أبي عبيدة عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد
الله بن مسعود الكوفي.
2430 - " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ".
رواه أبو يعلى في " مسنده " (65 / 2) : حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى عن شعبة
حدثني قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. ومن
طريق أبي يعلى أخرجه ابن حبان (1884) والحاكم (4 / 453) من طريقين آخرين
عن شعبة. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه
الذهبي. وعبد الله بن أبي عتبة هو الأنصاري البصري مولى أنس. وأبو خيثمة
اسمه زهير بن حرب. وشعبة هو ابن الحجاج. وقد خالفه الحجاج بن الحجاج، فقال
: عن قتادة به. إلا أنه قال في متنه: " ليحجن البيت، وليعتمرن بعد خروج
يأجوج ومأجوج ". أخرجه البخاري (1 / 403) ، وقال: " تابعه أبان وعمران
عن قتادة. وقال عبد الرحمن عن شعبة: " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ".
والأول أكثر ".(5/556)
قلت: ومتابعة أبان، عند أحمد (3 / 27 و 48 و 64)
والحاكم. ومتابعة عمران - وهو ابن داور القطان - عنده أيضا (3 / 28) وكذا
أبي يعلى (1 / 289 - مصورة المكتب) . قال الحافظ في " الفتح " (3 / 455) :
" وقد تابع هؤلاء سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. أخرجه عبد بن حميد عن روح بن
عبادة عنه، ولفظه: إن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج
ومأجوج ". ثم ذكر أن البخاري إنما رجح الحجاج لاتفاق من تقدم ذكره على هذا
اللفظ، وانفراد شعبة بما يخالفهم، وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض لأن
المفهوم من الأول - يعني حديث الحجاج - أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن
الثاني أنه لا يحج بعدها. ولكن يمكن الجمع بين الحديثين، فإنه لا يلزم من حج
الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة.
2431 - " لا تمثلوا بالبهائم ".
رواه النسائي (2 / 210) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 383 / 2) عن
محمد بن زنبور أخبرنا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية - يعني ابن
عبد الله بن جعفر - عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مر النبي
صلى الله عليه وسلم على ناس يرمون كبشا بالنبل، فكره ذلك، وقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي ابن زنبور كلام يسير. وللحديث
شاهد من حديث ابن عمر:(5/557)
" أنه مر على قوم وقد نصبوا دجاجة حية يرمونها، فقال
: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مثل بالبهائم ". أخرجه أحمد (2 /
13) وسنده صحيح.
2432 - " لا تنتهي البعوث عن غزو هذا البيت، حتى يخسف بجيش منهم ".
أخرجه النسائي (2 / 32) والحاكم (4 / 430) عن محمد بن إدريس أبي حاتم
الرازي قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال: حدثنا أبي عن مسعر قال: أخبرني
طلحة ابن مصرف عن أبي مسلم الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
. وقال الحاكم: " حديث غريب صحيح لا أعلم أحدا حدث به غير عمر بن حفص بن غياث
، يرويه عنه الإمام أبو حاتم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو صحيح على شرط
مسلم غير أبي حاتم وهو الإمام الحافظ النقاد. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(7 / 244) من طريق أخرى عن عمر بن حفص به. وتابعه سحيم أنه سمع أبا هريرة
به نحوه. أخرجه النسائي بسند رجاله ثقات معروفون غير سحيم، وقد وثقه ابن
عمار وابن حبان. وله شاهد من حديث حفصة بنت عمر رضي الله عنهما مرفوعا نحوه
أتم منه. أخرجه مسلم (8 / 167) والنسائي وأحمد (6 / 336 - 337) وغيرهم
عن عبد الله بن صفوان عنها.(5/558)
وإسناده صحيح على شرط مسلم. وخالفه مسلم بن
صفوان فقال: عن صفية مرفوعا. أخرجه ابن ماجة (4064) والترمذي (2185)
وصححه. ورواه الدالاني عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه قال:
حدثني ابن أبي ربيعة عن حفصة بنت عمر مرفوعا نحوه بلفظ: " ... خسف بأولهم
وآخرهم ولم ينج أوسطهم، قلت: أرأيت إن كان فيهم مؤمنون؟ قال: تكون لهم
قبورا ". أخرجه النسائي. قلت: والدالاني - واسمه يزيد بن عبد الرحمن -
ضعيف، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، وكان يدلس ". قلت: وقد استنكرت
منه جملة: " القبور "، والمحفوظ ما في " مسلم " وغيره من حديث أم سلمة
مرفوعا نحو حديث الترجمة، وفيه أنها قالت: " فقلت: يا رسول الله! فكيف بمن
كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته ".
(فائدة) : اعلم أنه لا منافاة بين هذا الحديث والحديث المتقدم (2427) : "
لا تغزى مكة بعد إلى يوم القيامة " لأن المثبت من الغزو في هذا غير المنفي في
ذاك، ألا ترى إلى تفسير سفيان إياه بقوله: " إنهم لا يكفرون أبدا ولا يغزون
على الكفر ". ويؤيده قوله في هذا الحديث: " يخسف بجيش منهم ".(5/559)
فهو صريح في
أن هذا الجيش من الكفار، أو البغاة، وإن كان فيهم مؤمنون مكرهون، فهم يؤمون
البيت ليغزوا من فيه من المسلمين، فلا تعارض، والحمد لله.
2433 - " لا تنزلوا على جواد الطرق، ولا تقضوا عليها الحاجات ".
رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 150 / 1) : حدثنا يزيد حدثنا
هشام عن الحسن عن جابر مرفوعا. ومن طريق أبي بكر أخرجه ابن ماجة (3772)
. وأخرجه أحمد (3 / 305) من طريق أخرى عن هشام به أتم منه وكذلك أخرجه أبو
يعلى (2 / 594) من طريق أخرى عن يزيد، وهو ابن هارون. ورجاله ثقات رجال
الشيخين إلا أنه منقطع بين الحسن - وهو البصري - وجابر، فإنه لم يسمع منه
كما بينته في الكتاب الأخر (1140) . نعم، أخرجه ابن ماجة (329) من طريق
زهير قال: قال سالم: سمعت الحسن يقول: حدثنا جابر بن عبد الله: فذكره بلفظ
: " إياكم والتعريس على جواد الطريق والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات
والسباع، وقضاء الحاجة عليها، فإنها من الملاعن ". قلت: فقد صرح الحسن
بالتحديث والسماع من جابر. لكن السند بذلك إليه لا يصح، فإن سالما هذا -
وهو ابن عبد الله الخياط البصري - ضعفه جماعة، وقال الحافظ: " صدوق، سيء
الحفظ ". وزهير الراوي عنه، هو ابن محمد التميمي الخراساني، وهو ضعيف أيضا
. لكن حديث الترجمة صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث. أما الشطر الأول، فهو في
حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:(5/560)
" إذا سافرتم ... وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا
الطريق، فإنها مأوى الهوام في الليل ". أخرجه مسلم (6 / 54) وغيره. انظر
الرقم المتقدم (1357) . وأما الشطر الآخر، فله شواهد كثيرة من حديث أبي
هريرة وغيره، فراجع " الترغيب " (1 / 82 - 83) .
2434 - " لا خير فيمن لا يضيف ".
أخرجه أحمد (4 / 155) : حدثنا حجاج وحسن بن موسى قالا: حدثنا ابن لهيعة عن
يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد
رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة وهو ضعيف لسوء حفظه وبه أعله الهيثمي
، وأقره المناوي. وأقول: لكن أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 42 / 2) من
طريق ابن وهب عن ابن لهيعة به. وحديث ابن لهيعة من رواية عبد الله بن وهب
صحيح، لأنه روى عنه قبل أن يسوء حفظه كما حققه بعض الأئمة، على ما هو مشروح
في ترجمته، فصح الحديث بهذه الرواية، والحمد لله.
2435 - " لا سمر إلا لمصل أو مسافر ".
أخرجه الطيالسي (1 / 73 / 294) : حدثنا شعبة قال: أخبرني منصور قال: سمعت
خيثمة بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله مرفوعا.(5/561)
وأخرجه أحمد (1 / 412
و463) ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 4 / 2) والحارث
في " مسنده " (ق 105 - 1 - زوائده) من طرق أخرى عن شعبة به. قلت: وهذا
إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكنه معلول كما يأتي. وقد خالفهم أسد
بن موسى فقال: حدثنا شعبة عن سليمان عن خيثمة به. أخرجه ابن المظفر في "
غرائب شعبة " (135 / 2) . وأسد بن موسى صدوق يغرب، فقوله: " عن سليمان " -
وهو الأعمش - غريب. وتابع شعبة عمرو بن أبي قيس عن منصور به. أخرجه الخطيب
في " التاريخ " (14 / 286) . وعمرو هذا صدوق له أوهام. وخالفهما جرير فقال
: عن منصور عن خيثمة عن رجل من قومه عن عبد الله به. أخرجه أحمد (1 / 379) .
وهذا أصح، فقد تابعه أبو عوانة عن منصور به. أخرجه ابن نصر في " قيام الليل
" (ص 45) . وتابعه أيضا سفيان حدثني منصور به. أخرجه أحمد (1 / 444)
والبيهقي (1 / 452) وقال: " رواه حماد عن شعيب عن منصور عن خيثمة عن الأسود
عن عبد الله وأخطأ فيه. وقيل: عن علقمة عن عبد الله، وهو خطأ ". ورواه
عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: " جدب لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم السمر بعد العشاء. يعني زجرنا ".(5/562)
أخرجه ابن ماجة (1 / 238)
وابن حبان (277) والبيهقي والطيالسي (1 / 73 / 295) وأحمد (1 / 389
و410) . قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري إلا أن عطاء بن السائب كان قد اختلط.
وللحديث شاهد يرويه معاوية بن صالح عن أبي عبد الله الأنصاري عن عائشة مرفوعا
بلفظ: " لا سمر إلا لثلاثة، مصل أو مسافر أو عروس ". أخرجه سمويه في "
الفوائد " (38 / 2) والضياء المقدسي في " المختارة " كما في " نيل الأوطار "
. قلت: وأبو عبد الله الأنصاري، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "
(4 / 2 / 400) لهذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجملة،
فالحديث حسن عندي. والله أعلم. ثم وجدت له طريقا أخرى يرتقي بها إلى درجة
الصحة، يرويه إبراهيم بن يوسف حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن حبيب بن أبي
ثابت عن زياد بن حدير عن عبد الله به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 198
) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، زياد بن حدير (
وفي الأصل: " ابن جرير "، وهو خطأ) ، يكنى بأبي المغيرة الأسدي، وهو ثقة
. ومن دونه ثقات من رجال الشيخين، غير إبراهيم بن يوسف، وهو الحضرمي الكندي
، قال النسائي: " ليس بالقوي ". وقال موسى بن إسحاق: " ثقة ".(5/563)
وقال محمد
بن عبد الله الحضرمي: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: فلولا
أن حبيب بن أبي ثابت مدلس لحكمت على الإسناد بالصحة، فلا أقل من أن يصلح شاهدا
جيدا لما تقدم. والله أعلم.
2436 - " لا عقر في الإسلام ".
أخرجه أبو داود (2 / 71) وأحمد (3 / 197) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل
" (ص 46) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال عبد الرزاق: " كانوا يعقرون عند القبر بقرة
أو شاة ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد وجدت له طريقا أخرى
ولكنها واهية يرويه سفيان عن أبان عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (
7 / 118) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 71 / 2) . وأبان - هو ابن أبي
عياش - متروك.
2437 - " لا يقطع الأبطح إلا شدا ".
أخرجه ابن ماجة (2987) وأحمد (6 / 404 - 405) والطبراني في " الكبير " (
25 / 97 / 253) عن هشام الدستوائي عن بديل بن ميسرة (عن المغيرة بن حكيم) عن
صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة قالت:(5/564)
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسعى بين الصفا والمروة، وهو يقول: " فذكره. وأخرجه النسائي (2 / 42)
عن حماد عن بديل عن المغيرة بن حكيم به نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله
كلهم ثقات. وأم ولد شيبة، هي أم عثمان بنت سفيان كما في " الطبراني "
وغيره. وما بين المعكوفتين زيادة لأحمد في إحدى روايتيه. وهي صحيحة لمتابعة
حماد - وهو ابن زيد - عند النسائي. وقد قصر ووهم الهيثمي في إيراده الحديث
في " المجمع " (3 / 248) ، وقوله: " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله
(رجال الصحيح) ". أما تقصيره فواضح. وأما وهمه، فإنه ظن أنه لم يخرجه أحد
الستة، فأورده!
2438 - " لا يأتي رجلا مولاه يسأله فضلا عنده فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة
شجاعا يتلمظ فضله الذي منع ".
رواه أبو داود (5139) والنسائي في " الكبرى " (10 / 2) وأحمد (5 / 3 و 5
) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وسنده حسن. وليس عند
أبي داود " يتلمظ ". وفي " القاموس ": (لمظ) : تتبع بلسانه (اللماظة)
بالضم، لبقية الطعام في الفم، وأخرج لسانه، فمسح شفتيه، أو تتبع الطعام
وتذوقه، كـ (تلمظ) في الكل ".(5/565)
2439 - " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ".
أخرجه الترمذي (2 / 21) وابن عدي في " الكامل " (217 / 1) عن عبد الله بن
ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الترمذي
: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون، وهو منكر الحديث "
. قلت: لكن الحديث صحيح، فإنه جاء مفرقا في أحاديث: الأول: عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده مرفوعا إلى قوله: " خيره وشره ". أخرجه الآجري في " الشريعة
" (ص 188) وأبو الحسن القزويني في " مجلس من الأمالي " (198 / 1)
واللالكائي في " السنة " (1 / 141 / 2) وأبو سعد الجنزروذي في " العاشر " من
" أحاديث هشام بن عمار " (5 / 2) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد حسن.
الثاني: عن عكرمة بن عمار عن شداد عن ابن عمر مرفوعا به نحوه. أخرجه
اللالكائي. الثالث: عن إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي قال: حدثني ابن أبي حازم
عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به. أخرجه اللالكائي أيضا، والطبراني
في " الكبير " (6 / 212 / 5900) . وقال الهيثمي (7 / 206) :(5/566)
" وإسماعيل
بن أبي الحكم الثقفي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". وتعقبه الشيخ حمدي
السلفي بأنه - أعني الهيثمي - قد قال في الثقفي هذا في حديث آخر (4 / 80) : "
وثقه أبو حاتم، ولم يتكلم فيه أحد ". وأقول: لم يوثقه أبو حاتم، فقد قال
ابنه في " الجرح " (1 / 1 / 165) : " روى عنه أبو زرعة، سئل أبي عنه؟ فقال
: شيخ ". وهذه اللفظة: " شيخ "، لا تعني أنه ثقة، وإنما يستشهد به كما نص
ابنه في كتابه (1 / 37) . نعم، رواية أبي زرعة عنه توثيق له كما هو معلوم.
فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى.
الرابع: من طريقين عن أنس بن مالك مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر في " التاريخ "
(2 / 60 / 2 و 11 / 38 / 1) . الخامس: عن الوليد بن عبادة عن أبيه عبادة بن
الصامت في حديث: " ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما
أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: القدر على هذا من مات على غير هذا دخل النار ". أخرجه الآجري
وكذا أحمد وابن أبي عاصم وهو حديث صحيح كما حققته في " تخريج السنة لابن أبي
عاصم " (رقم 111) .
السادس والسابع والثامن والتاسع: عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود
وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت مرفوعا في حديث لهم في القدر: " ولو أنفقت مثل
أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم(5/567)
أن ما أصابك
... " الحديث، وفيه: " ولو مت على غير هذا لدخلت النار ". وإسناده صحيح،
أخرجه جماعة من أصحاب السنن والمسانيد وغيرهم، وهو مخرج في " المشكاة " (
115) ، و " تخريج السنة " (245) . العاشر: عن أنس مرفوعا: " لا يجد عبد
حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه ... " الحديث. أخرجه ابن أبي عاصم (247)
بإسناد حسن عنه.
2440 - " لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه ".
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 56) والخطيب في " التاريخ " (10 /
205) والديلمي (4 / 2 / 197) عن ابن لال كلاهما من طريق محمد بن الفرج
حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حسين بن الرماس قال: سمعت عبد الرحمن بن
مسعود وسليم بن رباح وزكريا بن إسحاق يحدثون عن سلمان عن النبي صلى الله
عليه وسلم: فذكره، والسياق للخطيب، وقال: " كذا قال: سليم بن رباح
وزكريا بن إسحاق عن سلمان ". قلت: ولم يذكرهما ابن لال في الإسناد. وكذلك
رواه الحاكم (4 / 123) من طريق الحسين بن محمد وهو المروذي عن الحسين بن
الرماس به نحوه. قلت: وهو إسناد ضعيف مجهول، عبد الرحمن بن مسعود، لم
أعرفه، ووقع في " المستدرك " أنه العبدي، فلم أجد من ترجمه هكذا، ويحتمل
أنه عبد الرحمن بن مسعود(5/568)
بن نيار الأنصاري سمع سهل بن أبي حثمة. سمع منه خبيب
بن عبد الرحمن، ولم يوثقه غير ابن حبان. فهو مجهول أيضا. والمقرونان معهما
سليم بن رباح وزكريا بن إسحاق لم أعرفهما أيضا، والثاني منهما يحتمل أن يكون
زكريا بن إسحاق المكي الذي يروي عن عمرو بن دينار وطبقته وهو ثقة ولكنه لم
يسمع من الصحابة، فهو منقطع. والحسين بن الرماس قال ابن أبي حاتم (1 / 2 /
52) : " روى عن عبد الرحمن بن مسعود. روى عنه الحسين بن محمد المروذي " (1) .
ولم يذكر فيه غير ذلك، فهو مجهول، ولذلك قال الذهبي في " التلخيص ": " قلت
: سنده لين ". لكن له عند الحاكم طريق أخرى عن سليمان بن قرم عن الأعمش عن
شقيق قال: " دخلت أنا وصاحب لي على سلمان رضي الله عنه، فقرب إلينا خبزا
وملحا، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت
لكم، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر، فبعث بمطهرته إلى البقال فرهنها،
فجاء بسعتر فألقاه فيه، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما
رزقنا! فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقال! "،
وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: فيه نظر، فإن سليمان بن
قرم، وإن كانوا قد رمزوا له بأنه من رجال الشيخين، فقد ضعفه جمع، وقال
الحافظ في " التقريب ": " سيء الحفظ ".
_________
(1) الأصل: " المروزي "، وهو تصحيف لأن المروذى يروي عنه العباس بن محمد
الدوري وهو الراوي عنه هذا الحديث في " المستدرك "، فتنبه. اهـ.(5/569)
ولكنه لم يتفرد به، فقد تابعه قيس
بن الربيع حدثنا عثمان بن شابور، رجل من بني أسد - عن شقيق - أو نحوه شك قيس
أن سلمان دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده، فقال: لولا أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم نهانا، أو لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك.
أخرجه أحمد (5 / 441) . قلت: وإسناده ضعيف، عثمان بن شابور لم أجد له
ترجمة، ولا أورده الحافظ في " تعجيل المنفعة "، وهو على شرطه. وقيس بن
الربيع سيء الحفظ أيضا. لكن الحديث قوي بمجموع هذه الطرق، ولاسيما ويشهد له
عموم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " نهينا عن التكلف ". أخرجه
البخاري في أول " الاعتصام ". (تنبيه) : تقدم تخريج هذا الحديث برقم (2392
) فمعذرة، وإن كان هنا لا يخلو من زيادة فائدة.
2441 - " لا يذهب الليل والنهار، حتى يملك رجل من الموالي يقال له: جهجاه ".
أخرجه مسلم (8 / 184) والترمذي (2229) وأحمد (2 / 329) والثقفي في "
مشيخة النيسابوريين " (ق 192 / 1) عن عبد الكبير بن عبد المجيد أبي بكر
الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: سمعت عمر بن الحكم يحدث عن أبي هريرة
مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".(5/570)
2442 - " لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ".
أخرجه البخاري في " التاريخ - الكنى " (ص 61) وابن ماجة (1 / 7 - 8) وابن
حبان في " صحيحه " (326 - الإحسان) وفي " الثقات " (4 / 75) والدولابي في
" الكنى " (1 / 46) وابن شاهين في " السنة " (18 / 47 / 1) وابن عدي (58
/ 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 1 / 1) عن الجراح بن مليح البهراني قال
: سمعت بكر بن زرعة الخولاني قال: سمعت أبا عنبة الخولاني - وهو من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممن صلى القبلتين كلتيهما، وأكل الدم في
الجاهلية - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال
البوصيري في " الزوائد " (2 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات ".
قلت: بكر بن زرعة الخولاني ذكره ابن حبان في " الثقات " من رواية الجراح هذا
عنه، ولم يوثقه غيره، لكنه روى عنه إسماعيل بن عياش أيضا كما في " الجرح
والتعديل " (1 / 1 / 386) وأبو المغيرة الخولاني كما في " تهذيب التهذيب "،
وقال في " التقريب ": " مقبول ". قلت: فمثله يمكن تحسين حديثه، أما تصحيحه
فبعيد.
2443 - " لا يعضه بعضكم بعضا ".
أخرجه الطيالسي (2 / 66 / 2216) وأحمد (5 / 313 / 320) ومسلم (5 / 127)
من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت مرفوعا به. وهو
طرف حديث المبايعة عند أحمد ومسلم.(5/571)
وهذا القدر منه عزاه السيوطي للطيالسي
فقط فقصر، ولقد وهم المناوي في إعلاله وهما فاحشا، فقال: " رمز لحسنه،
وفيه أبو الأشعث، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: هو جعفر بن الحارث،
كوفي نزل واسطا، ضعفوه "! وليس كما توهم المناوي، فإن أبا الأشعث هذا،
إنما هو الصنعاني كما وقع مصرحا به في رواية مسلم، وكما يعلم ذلك من رواية
أبي قلابة عنه، ومن غير ذلك، واسمه شراحيل بن آدة. ثم إن المناوي تناسى
في " التيسير " تعقبه لتحسين السيوطي، فجزم فيه بأن إسناده حسن! !
(لا يعضه) : أي لا يرميه بـ (العضيهة) ، وهو البهتان والكذب.
2444 - " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ".
أخرجه أبو داود (1 / 321) والحاكم (2 / 166 و 193) وأحمد (2 / 324) عن
عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للحاكم من
طريق حبيب المعلم، قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب، فقال: ألا
تعجب أن الحسن يقول: الزاني المجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله؟ فقال عمرو:
وما يعجبك؟ حدثناه سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
وكان عبد الله بن عمرو ينادي بهذا ". وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي
وهو كما قالا. قوله: " المجلود " قال الشوكاني (6 / 124) : هذا الوصف خرج
مخرج الغالب، باعتبار من ظهر منه الزنى. وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن
تتزوج من ظهر منه الزنى وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر(5/572)
منها الزنى ويدل
على ذلك قوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) * (1) ".
2445 - " لا يقتل بعضكم بعضا [ولا يصب بعضكم (بعضا) ] ، وإذا رميتم الجمرة فارموا
بمثل حصا الخذف ".
أخرجه أبو داود (1966) والطيالسي (1660) وأحمد (3 / 503 و 6 / 376 و 379
) عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: "
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة في بطن الوادي وهو راكب يكبر
مع كل حصاة ورجل خلفه يستره، فسألت عن الرجل؟ فقالوا: الفضل بن العباس
وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. والزيادة لأحمد
وسقط منه ما بين الهلالين واستدركته من: " الزيادة على الجامع الصغير ".
وقد عزاه بالزيادة لأبي داود أيضا وابن ماجة! قلت: وهذا إسناد ضعيف، سليمان
بن عمرو هذا مجهول الحال، لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير يزيد هذا
وشبيب بن غرقدة. ويزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم - فيه ضعف من قبل
حفظه. لكن الحديث حسن، فإن له في " المسند " طريقين آخرين: الأولى: عن
الحجاج بن أرطأة عن أبي يزيد مولى عبد الله بن الحارث عن أم جندب الأزدية نحوه
دون الزيادة. وأبو يزيد هذا غير معروف، أورده الحافظ في " التعجيل " لهذه
الرواية ولم يزد! والأخرى: عن ليث عن عبد الله بن شداد عنها مرفوعا بلفظ:
" يا أيها الناس! عليكم السكينة والوقار، وعليكم بمثل حصى الخذف ".
_________
(1) النور: الآية: 3. اهـ.(5/573)
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن ليثا - وهو ابن سعد المصري - ولد
بعد وفاة عبد الله بن شداد - وهو ابن الهاد الليثي المدني - بأكثر من عشر سنين.
2446 - " يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند، وانحكوا إليه. وكان حجاما ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 268 / 861) وأبو داود (2102) وابن
حبان (1249) والحاكم (2 / 164) وابن عدي (77 / 2) وابن الأعرابي في "
معجمه " (214 / 1) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن
أبي هريرة: " أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن وصححه الحاكم
وفيه نظر بينته في أماكن مضت، منها الحديث (760) . قوله: (أنكحوا أبا هند
) : أي: زوجوه بناتكم. (وانكحوا إليه) : أي: اخطبوا إليه بناته، ولا
تخرجوه منكم للحجامة. كذا في " عون المعبود ".
2447 - " يجزئ من الوضوء مد، ومن الغسل صاع ".
روي من حديث عقيل بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله
بن عباس.
1 - أما حديث عقيل، فيرويه جبان بن علي عن يزيد بن أبي زياد عن
عبد الله بن(5/574)
محمد بن عقيل بن أبي طالب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه ابن
ماجة (270) . قلت: وهذا إسناد ضعيف. 2 - وأما حديث جابر، فيرويه سالم بن
أبي الجعد عن جابر مرفوعا به. أخرجه الحاكم (1 / 161) ، وقال: " صحيح على
شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وأقول: هو صحيح فقط، لأن هارون بن إسحاق
الهمداني أحد رواته ليس من رجال الشيخين، ومن طريقه أخرجه ابن خزيمة في "
صحيحه " (117) وقال: " فيه دلالة على أن توقيت المد من الماء للوضوء أن ذلك
يجزيء، لا أنه لا يجوز النقصان منه ولا الزيادة فيه ". قلت: وهو كما قال:
لكن ينبغي مجانبة الإسراف في ماء الوضوء والغسل لأنه منهي عنه.
3 - وأما حديث أنس فيرويه شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جبر بن عتيك عنه
بلفظ: " يجزي في الوضوء رطلان من ماء ". أخرجه أحمد (3 / 179) والترمذي (
2 / 507 / 609 - شاكر) وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا
اللفظ ". قلت: شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيء الحفظ، ولكنه لم
يتفرد به، فقد تابعه سفيان عن عبد الله بن جبر به. أخرجه أبو عوانة في "
صحيحه " (1 / 233) : حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا معاوية بن هشام
قال: حدثنا سفيان بلفظ:(5/575)
" يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل الصاع ".
قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم على ضعف في حفظ معاوية بن
هشام وهو القصار الكوفي، لكنه لم يتفرد به، فقال أحمد (3 / 264) : حدثنا
معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن سفيان به، إلا أنه قال: حدثني جبر بن عبد الله
، فقلبه، وإنما هو عبد الله بن جبر، وهو جده، فإنه عبد الله بن عبد الله
بن جبر - ويقال: جابر. ابن عتيك الأنصاري كما في " التهذيب ". وزائدة هو
ابن قدامة الثقفي. ومعاوية بن عمرو هو ابن المهلب الأزدي، وكلاهما ثقة من
رجال الشيخين، فالحديث صحيح على شرطهما.
4 - وأما حديث ابن عباس فيرويه عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي عن خصيف عن
عكرمة عنه مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 37) وقال: " لم يروه
عن خصيف إلا عبد العزيز ". قلت: اتهمه الإمام أحمد. فالعمدة على ما قبله.
(تنبيه) : أعل المناوي رواية الترمذي (الحديث - 3) بقوله في " فيض القدير "
: " وفيه عبد الله بن عيسى البصري، قال في " الكاشف ": ضعفوه ". قلت:
وهذا وهم، وإنما عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو ثقة من رجال
الشيخين. ثم إنه قد تابعه سفيان كما تقدم - وهو الثوري -، فقوله في "
التيسير ": " وإسناده ضعيف ". خطأ آخر!(5/576)
(فائدة) : في " القاموس ": " (المد) - بالضم: مكيال، وهو رطلان أو رطل
وثلث، أو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما، وبه سمي مدا،
وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا ". قلت: فعلى القول الثاني في أن المد رطل وثلث
، يكون حديث شريك مخالفا لحديث سفيان الذي ذكر المد ولم يذكر الرطلين، فهو
أقل منهما. والله أعلم. ثم إن هذا الحديث قد سبق أن خرجته برقم (1991) ،
لكن بأوجز مما هنا، فقد تيسرت لنا فوائد جديدة، فاستحسنت تخريجه مرة أخرى
بهذه الزيادات المفيدة، ولا يخلو التخريج السابق من فوائد لم يرد ذكرها هنا.
2448 - " يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك وأقل،
فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم هذا؟
فيقولون: لا. فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتدعى أمة محمد،
فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون:
أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا، فصدقناه، قال: فذلك قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (1) ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 573 - 574) وأحمد (3 / 58) عن أبي معاوية عن الأعمش
عن أبي صالح عن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
_________
(1) البقرة: 143. اهـ.(5/577)
وقد أخرجه البخاري (6 / 286 و 8 / 139 و 13 / 269) والترمذي (2965)
وأحمد (3 / 32) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
2449 - " يجير على أمتي أدناهم ".
أخرجه أحمد (2 / 365) والحاكم (2 / 141) عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن. والحديث صحيح، فإن له شواهد بلفظ الإجازة:
1 - عن أنس مرفوعا. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 92) والحاكم (4
/ 45) من طريق عبد الله بن شبيب حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر
بن أبي أويس حدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وصالح بن كيسان عن ابن شهاب
عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن شبيب هذا واه.
2 - وعن أم سلمة مرفوعا. أخرجه الحاكم. وسنده حسن في الشواهد.
3 - وعن عمرو بن العاص به. أخرجه أحمد (4 / 197) وأبو يعلى (4 / 1769)
عن رجل عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل، وبه أعله الهيثمي (5 /
329) .(5/578)
4 - عن ابنه عبد الله به. رواه أحمد وبعض أصحاب " السنن " وهو مخرج
في " إرواء الغليل " (2208) و " صحيح أبي داود " (2457) . 5 - وعن علي
وهو مخرج في " الإرواء " (2209) . (تنبيه) : حديث أبي هريرة لما عزاه
السيوطي لمن ذكرنا أعله المناوي بقول الهيثمي: " فيه رجل لم يسم "! وإنما
قال هذا في حديث عمرو، وحديث أبي هريرة سالم منه، بل هو حسن صحيح لشواهده.
2450 - " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ".
أخرجه الترمذي (2601) وكذا النسائي (2 / 270) وأحمد (3 / 94) عن عبد
الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا به. وهو عند الآخرين مختصرا من حديث الشفاعة، وقال الأول: " حديث
حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أنس بن مالك
مرفوعا نحوه. أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 193) وسنده صحيح. وأخرجه
هو والشيخان وغيرهما عنه بنحوه.(5/579)
2451 - " يعذب ناس من أهل التوحيد في النار، حتى يكونوا فيها حمما، ثم تدركهم الرحمة
، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة، قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء،
فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل، ثم يدخلون الجنة ".
أخرجه أحمد (3 / 391) والترمذي (2600) عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي
سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من
حديث أبي سعيد الخدري بأتم منه. رواه مسلم وغيره كما تقدم برقم (1551) .
2452 - " يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 281) والطبراني في " الأوسط " (1 / 33 / 2) وابن
منده في " المعرفة " (2 / 35 / 1) عن عبد الله بن وهب حدثني عمرو بن الحارث
عن أيوب بن موسى أنه حدثه أن يزيد بن عبد المزني حدثه: [عن أبيه] أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن أيوب إلا عمرو
، تفرد به ابن وهب ". قلت: وثلاثتهم ثقات، لكن يزيد بن عبد الله المزني
مجهول، لم يذكروا عنه راويا غير أيوب، ومع ذلك وثقه ابن حبان (5 / 543) !
لكن للحديث شاهد من حديث عائشة قالت: " كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي
خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس(5/580)
الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: اجعلوا مكان الدم خلوقا ". أخرجه ابن حبان (1057) .
قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه أبو داود وغيره من حديث بريدة نحوه. وإسناده
صحيح أيضا.
(تنبيه) : الزيادة التي بين المعكوفتين هي عند الطبراني وابن منده وإثباتها
هو الصواب كما في " التهذيب ".
2453 - " يعمد الشيطان إلى أحدكم فيتهول له، ثم يغدو يخبر الناس! ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (913) وابن ماجة (2 / 451)
وأحمد (2 / 344) عن محمد بن عبد الله بن الزبير عن عمر بن سعيد بن أبي حسين:
حدثني عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: " جاء رجل فقال: إني رأيت رأسي
ضرب، فرأيته يتدهده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
قلت: وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. وله شاهد من حديث جابر
نحوه. أخرجه مسلم (7 / 55) والنسائي (912) واستدركه الحاكم (4 / 302)
، فوهم. وترجم النسائي الحديث بقوله: " الزجر عن أن يخبر الإنسان بتلعب
الشيطان به في منامه ".(5/581)
2454 - " تلقى عيسى حجته، فلقاه الله في قوله " * (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (1) ، فلقاه الله " * (
سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) * (2) ، الآية كلها ".
أخرجه الترمذي (3064) عن طاووس عن أبي هريرة قال: فذكره موقوفا عليه إلى
تمام الآية الأولى، ثم رفع الباقي فقال: قال أبو هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم: فلقاه الله ... ولا شك أن جميعه مرفوع، وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم.
2455 - " ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع حتى يخرج في
أعراضهم الدجال ".
أخرجه ابن ماجة (1 / 74) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا
الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (13 / 1) : " إسناده صحيح، وقد
احتج البخاري بجميع رواته ". قلت: لكن ابن عمار قال الحافظ: " صدوق مقرئ،
كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح ".
_________
(1) المائدة: الآية: 116. اهـ.
(2) المائدة: الآية: 116. اهـ.(5/582)
فإن كان الحديث قد حفظه، ولم يتلقنه
فهو صحيح، على خلاف في سماع الأوزاعي من نافع. لكن يبدو لي أنه حديث حسن،
فقد ثبت أن من أشراط الساعة نشئا ينشأون يتخذون القرآن مزامير. وقد سبق
تخريجه برقم (979) . وروى أحمد وغيره عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا في حديث
له: " ... فيخرج الدجال في أعراض الناس ". وإسناده ضعيف. وله شاهد من حديث
شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " يخرج ناس من قبل المشرق
يقرءون القرآن لا يجاوز ... " الحديث. أخرجه الحاكم (4 / 486 - 487)
والطيالسي في " مسنده " (2293) وأحمد (2 / 198 - 199 و 209) من طريق قتادة
عنه. وخالفه أبو جناب يحيى بن أبي حية عن شهر بن حوشب: سمعت عبد الله بن عمر
... فذكره نحوه. أخرجه أحمد (2 / 84) في " مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب "
. والصواب رواية قتادة لأن أبا جناب ضعيف لكثرة تدليسه كما في " التقريب ".
وشهر لا بأس به في الشواهد، وبعضهم يحسن حديثه، ولعله لذلك سكت عنه الحاكم
والذهبي. قوله: (أعراضهم) : جمع عرض بفتح وسكون، بمعنى الجيش العظيم وهو
مستعار من العرض بمعنى ناحية الجبل، أو بمعنى السحاب الذي يسد الأفق. قاله
السندي.(5/583)
2456 - " يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر ".
أخرجه الحاكم (1 / 84) وعنه الديلمي (4 / 337) عن سويد بن نصر حدثنا ابن
المبارك عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم به. وقال: " صحيح الإسناد، على شرط الشيخين إن كان سويد بن
نصر حفظه، على أنه ثقة مأمون، فقد أخبرنا ... ". ثم ساقه من طريق عبدان:
حدثنا عبد الله عن معمر موقوفا على أبي هريرة بلفظ: " يوم القيامة على
المؤمنين كقدر ... ". الحديث. ووافقه الذهبي على ما قال، وأرى أن الموقوف
في حكم المرفوع، بل هو أوضح وأبين. والله أعلم. لكن سويدا ليس على شرط
الشيخين وإن كان ثقة وهو رواية ابن المبارك..
2457 - " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة من الصلوات (وفي رواية: صلاة
الظهر) فقام من اثنتين [ولم يجلس] فسبح به [فلما اعتدل مضى ولم يرجع]
[فقام الناس معه] ، فمضى حتى [إذا] فرغ من صلاته ولم يبق إلا السلام [
وانتظر الناس تسليمه] سجد سجدتين [يكبر في كل سجدة، وهو جالس] قبل أن يسلم
[ثم سلم] [وسجد الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس] ".
هذا الحديث مما يرويه عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه، وعنه عبد
الرحمن الأعرج رحمه الله تعالى، وله عنه ثلاث طرق:(5/584)
الأولى: عن ابن شهاب
الزهري عنه مختصرا نحوه. أخرجه البخاري (829 و 830 و 1224 و 1225 و 1230
و6670) ومسلم (2 / 83 - 84) وابن حبان (2666 - 2668) وغيرهم من طرق عنه
. وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2 / 45 / 338) و " صحيح أبي داود " (946)
، فلا نطيل النفس في تخريجه إلا بقدر الحاجة. والزيادات للشيخين أو لأحدهما،
إلا الثالثة، فهي لغيرهما كما يأتي. الثانية: عن الضحاك عن عثمان عنه.
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (2 / 115 / 1030) والحاكم (1 / 322)
والسياق له، وقال: " هذا حديث مفسر، صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه
الذهبي! قلت: والضحاك بن عثمان لم يخرج له البخاري، فهو على شرط مسلم وحده
وفيه ضعف يسير، يتقوى بما بعده. الثالثة: عن يحيى بن سعيد عنه. أخرجه ابن
خزيمة (1031) - وله الزيادة الثانية - وابن الجارود في " المنتقى " (2 -
93 / 242) وابن حبان (2669 - 2670) بزيادة: " فسبحنا به ". قلت:
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، فكان على الحاكم أن يخرجه بأولى من الذي قبله.
واعلم أنه من الدواعي على إخراج هذا الحديث هنا أمور وقفت عليها، فما أحببت
أن أدع التنبيه عليها: الأول: أنني رأيت المعلق على " المنتقى " لابن الجارود
، عزا الحديث من رواية يحيى بن سعيد هذه للستة وغيرهم، وليس عندهم زيادة
التسبيح. ونبه على ذلك صديقنا(5/585)
الفاضل أبو إسحاق الحويني في كتابه القيم: "
غوث المكدود في تخريج منتقى ابن الجارود "، وقد أهدى إلي الجزء الأول منه،
جزاه الله خيرا. الثاني: أن الحافظ في " الفتح " عزاها لابن خزيمة فقط!
الثالث: أن الحافظ الهيثمي لم يورد رواية ابن حبان هذه في " موارد الظمآن "،
فإنها من شرطه لهذه الزيادة، فقد أورد مثلا (536) حديث عمران في سجود السهو
، مع كونه في " مسلم " لأن في رواية ابن حبان زيادة ذكر التشهد بعد سجدتي السهو
، وقد فاته من هذا القبيل الشيء الكثير، ولعل أوفق لاستدراكه أو استدراك
بعضه على الأقل. والله تعالى ولي التوفيق.
(فائدة) : قوله: " فلما اعتدل مضى ولم يرجع " فيه إشارة قوية إلى أن عدم
رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى التشهد - وهو واجب - إنما هو اعتداله صلى الله
عليه وسلم قائما، ومفهومه أنه لو لم يعتدل لرجع، وقد جاء هذا منصوصا عليه
في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن
يستوي قائما فليجلس، فإن استوى قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو ". وهو
حديث صحيح بمجموع طرقه، أحدها جيد، وهو مخرج في " الإرواء " (388) و "
صحيح أبي داود " (949) . فما جاء في بعض كتب الفقه أنه إذا كان إلى القيام
أقرب لم يرجع، فإنه مع مخالفته للحديثين، فلا أصل له في السنة البتة، فكن
أيها المسلم من دينك على بينة.
2458 - " مكتوب في الإنجيل: لا فظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة
مثلها، بل يعفو ويصفح ".
رواه الحاكم (2 / 614) وابن عساكر (1 / 264 / 2) عن أحمد بن عبد الجبار
حدثنا يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث عن عائشة أن رسول
الله(5/586)
مكتوب ... الحديث. هكذا في المستدرك، وفي ابن عساكر: " قالت: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكتوب ... "، ولعل الأول هو الصواب، وقال
الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وفيه نظر من وجهتين:
الأول: أن أحدا من رواته لم يخرج له البخاري في " صحيحه " محتجا به.
الثاني: أن أحمد بن عبد الجبار لم يخرج له مسلم أيضا، وإنما هو من رجال أبي
داود فيما قيل، وقد قال الحافظ فيه: " ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح ".
قلت: ويعني بـ " السيرة ": " مغازي يونس بن بكير " هذا، كما يستفاد من
ترجمته في " التهذيب "، وفيها ما يدل على أنه صدوق، في حفظه ضعف، وهو ما
انتهى إليه اجتهاد الحافظ، فقال في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". ولعله لا
ينافي قول الذهبي في " الميزان ": " وقد أخرج مسلم ليونس في الشواهد لا
الأصول، وكذلك ذكره البخاري مستشهدا به، وهو حسن الحديث ". ويؤيده قول
ابن حبان في " الثقات " (8 / 45) : " حدثنا عنه أصحابنا، ربما خالف، لم أر
في حديثه شيئا يجب أن يعدل به عن سبيل العدول إلى سنن المجروحين ". ويونس بن
عمرو هو يونس بن أبي إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي، وهو صدوق يهم قليلا
كما قال الحافظ. وبالجملة، فقول الحاكم والذهبي: إن الحديث صحيح على شرط
الشيخين وهم(5/587)
ظاهر، بل ولا هو صحيح الإسناد. نعم هو حسن على الأرجح. والله
أعلم.
2459 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به
، قال: أفطنتم لي؟ قلنا: نعم. قال: إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي جنودا
من قومه، (وفي رواية: أعجب بأمته) ، فقال: من يكافئ هؤلاء؟ أو من يقوم
لهؤلاء - أو غيرها من الكلام، (وفي الرواية الأخرى: من يقوم لهؤلاء؟ ولم
يشك) ، فأوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث، إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم
أو الجوع أو الموت، فاستشار قومه في ذلك، فقالوا: أنت نبي الله، فكل ذلك
إليك، خر لنا. فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة فصلى ما
شاء الله، قال: ثم قال: أي رب! أما عدو من غيرهم، فلا، أو الجوع، فلا،
ولكن الموت، فسلط عليهم الموت، فمات منهم [في يوم] سبعون ألفا، فهمسي
الذي ترون أني أقول: اللهم بك أحول ولك أصول وبك أقاتل ".
أخرجه أحمد (6 / 16) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سليمان بن المغيرة عن
ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال.... فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه معمر عن ثابت البناني به نحوه، دون
الورد الذي في آخره، والرواية الأخرى(5/588)
والزيادة له، وزاد: " وكان إذا حدث
هذا الحديث، حدث بهذا الحديث الآخر: كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك
كاهن ... "، الحديث بطوله. أخرجه الترمذي (2 / 236 - 237) وقد أخرجه مسلم
(8 / 229 - 231) وأحمد في رواية له (1 / 16 - 18) من طريق حماد بن سلمة
حدثنا ثابت به دون الحديث الأول. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت:
وإسناده على شرطهما أيضا.
(تنبيه) : جاء في " الأذكار " للإمام النووي ما نصه: " وذكر الإمام أبو
محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمه الله في كتابه " التعليق في المذهب " قال:
" نظر بعض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما فاستكثرهم
، وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه
: إنك عنتهم! ولو أنك إذا عنتهم حصنتهم لم يهلكوا، قال: وبأي شيء أحصنهم
؟ فأوحى الله تعالى إليه: تقول: حصنتهم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا،
ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". فأقول: وهو
بهذا السياق منكر عندي لأنه يخالف الرواية الصحيحة المتقدمة من وجوه لا تخفى،
والعجيب أن النووي قال عقبه: " قال المعلق عن القاضي حسين: وكان عادة
القاضي رحمه الله إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم حصنهم بهذا
المذكور ". قلت: فسكت عليه النووي، فكأنه أقره واستحسنه، ولو كان هذا
حديثا ضعيفا(5/589)
لقلنا: إنه حمله على ذلك قوله: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال. فكيف وهو لم يذكره حديثا مرفوعا ولو ضعيفا؟ فكيف وهو مخالف
للحديث الصحيح؟ أفليس هذا من شؤم القول المذكور يحملهم على العمل حتى بما لا
أصل له من الحديث؟ بلى! فهل من معتبر؟ !
2460 - " إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم فيقول
: لست صاحب ذلك، ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع
بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا،
يحمده أهل الجمع كلهم ".
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 199) : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد
الحكم قال: أخبرنا أبي وشعيب قالا: أخبرنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر
قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال
الشيخين، غير محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبيه، وهما ثقتان فقيهان
بصريان. قلت: وهذا حديث عزيز في المقام المحمود وأنه شفاعته صلى الله عليه
وسلم الخاصة به. وهو أصح حديث وقفت عليه فيه وهناك أحاديث أخرى، فانظر
الحديثين المتقدمين (2369 و 2370) و " تخريج السنة " (784 و 785 و 789) .
والحديث قال الهيثمي (10 / 371) : " رواه الطبراني في " الأوسط " عن مطلب بن
شعيب عن عبد الله بن صالح،(5/590)
وكلاهما قد وثق على ضعف فيه، وبقية رجاله رجال
الصحيح ". قلت: إسناد ابن خزيمة سالم من هذين المضعفين، وعبد الله بن صالح
كثير الرواية عن الليث - وهو ابن سعد - بل هو كاتبه، ولولا غفلة كانت فيه
لكانت روايته عنه من أقوى الروايات، وعلى كل حال، فهو متابع للثقتين في
رواية ابن خزيمة، ففيها قوة للحديث. والله أعلم. ثم رأيت ابن خزيمة أخرجه
بإسناد آخر عن الليث، فقال (ص 158 - 159) : " وحدثنا يونس بن عبد الأعلى
قال: حدثنا يحيى - يعني ابن عبد الله بن بكير - قال: حدثني الليث ... " به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. (فائدة) : قوله صلى الله عليه وسلم:
" استغاثوا بآدم "، أي: طلبوا منه عليه السلام أن يدعو لهم، ويشفع لهم عند
الله تبارك وتعالى. والأحاديث بهذا المعنى كثيرة معروفة في " الصحيحين "،
وغيرهما. وليس فيه جواز الاستغاثة بالأموات، كما يتوهم كثير من المبتدعة
الأموات! بل هو من باب الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه، كما في قوله تعالى:
* (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه..) * الآية (1) . ومن الواضح
البين أنه لا يجوز - مثلا - أن يقول الحي القادر للمقيد العاجز: أعني! فالميت
الذي يستغاث به من دونه تعالى أعجز منه، فمن خالف، فهو إما أحمق مهبول، أو
مشرك مخذول لأنه يعتقد في ميته أنه سميع بصير، وعلى كل شيء قدير، وهنا تكمن
الخطورة لأن الشرك الأكبر، وهو الذي يخشاه أهل التوحيد على هؤلاء
_________
(1) القصص: الآية: 15.(5/591)
المستغيثين
بالأموات من دون الله تبارك وتعالى، وهو القائل: * (إن الذين تدعون من دون
الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين. ألهم أرجل يمشون
بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) * (1) . وقال: * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا
يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا
ينبئك مثل خبير) * (2) .
2461 - " ما من عام بأكثر مطرا من عام ولكن الله يصرفه بين خلقه [حيث يشاء] . ثم
قرأ: * (ولقد صرفناه بينهم [ليذكروا] ) * (3) [الآية] ".
أخرجه ابن جرير في " التفسير " (19 / 15) والحاكم (2 / 403) من طريق
سليمان التيمي سمعت الحسن بن مسلم يحدث طاووسا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: فذكره، والسياق له، وكذا الزيادة الثانية في رواية، والزيادة
الأولى للحاكم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي وهو كما
قالا. وله شاهد يرويه يزيد بن أبي زياد أنه سمع أبا جحيفة يقول: سمعت عبد
الله بن
_________
(1) الأعراف: الآية: 194 - 195.
(2) فاطر: الآية: 13 - 14. اهـ.
(3) الفرقان: 5. اهـ.(5/592)
مسعود يقول: فذكره. أخرجه ابن جرير. قلت: ورجاله ثقات رجال
الشيخين غير يزيد هذا - وهو الهاشمي مولاهم - وهو سيء الحفظ، فلا بأس به في
الشواهد، وعزاه في " الدر المنثور " (5 / 73) للخرائطي في " مكارم الأخلاق
". وقال البغوي في " معالم التنزيل " (6 / 184 - منار) عقب حديث ابن عباس:
" وهذا كما روي مرفوعا: ما من ساعة من ليل ولا نهار، إلا والسماء تمطر
فيها، يصرفه الله حيث يشاء. وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به
ابن مسعود يرفعه قال: ليس من سنة بأمر (1) من أخرى، ولكن الله قسم هذه
الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم
، ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا
جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار ". قلت: فيظهر مما تقدم أن الحديث
وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد،
ولأنه روي مرفوعا. والله أعلم.
2462 - " يحلها - يعني: مكة - ويحل به - يعني: الحرم المكي - رجل من قريش، لو وزنت
ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها ".
أخرجه أحمد (2 / 196 و 219) : حدثنا هاشم حدثنا إسحاق - يعني ابن سعيد -
حدثنا سعيد بن عمرو قال: " أتى عبد الله بن عمرو ابن الزبير، وهو جالس
في الحجر، فقال: يا ابن الزبير!
_________
(1) على وزن أفعل، أي: أسوأ. اهـ.(5/593)
إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد
لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) . قال: فانظر أن لا تكون
هو يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني
أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط
الشيخين، وهاشم هو ابن القاسم أبو النضر، وقد توبع، فقال الإمام أحمد (2
/ 136) : حدثنا محمد بن كناسة حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: " أتى عبد
الله بن عمر عبد الله بن الزبير، فقال: ... " فذكره نحوه دون قوله: " فإنك
قد قرأت الكتب ... ". كذا قال " ابن عمر "، وفي " مسنده " أورده الإمام أحمد
ولعله من أوهام ابن كناسة، فإنه مع ثقته قد قال فيه أبو حاتم: " يكتب حديثه
ولا يحتج به ". وقال الهيثمي (3: 285) في الطريق الأولى: " رواه أحمد
ورجاله رجال الصحيح ". وقال في الأخرى: " رواه أحمد ورجاله ثقات ". وذكره
من حديث ابن عمرو أيضا بلفظ: " يلحد رجل بمكة يقال له: عبد الله، عليه نصف
عذاب العالم ". وقال: " رواه البزار، وفيه محمد بن كثير الصنعاني، وثقه
صالح بن محمد وابن سعد وابن حبان، وضعفه أحمد ". وقال الحافظ في الصنعاني
هذا:(5/594)
" صدوق، كثير الغلط ". لكن له شاهد يرويه يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة
عن ابن أبزى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال له عبد الله بن الزبير
حين حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة، فيأتيك من
أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "
يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس ". أخرجه
أحمد (1 / 64) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي، لكن جعفرا هذا - وهو ابن أبي
المغيرة الخزاعي القمي - ويعقوب - وهو ابن عبد الله القمي - كلاهما قال
الحافظ فيهما: " صدوق يهم ". فالحديث حسن بلفظ البزار، صحيح بلفظ أحمد.
2463 - " من وعده الله على عمل ثوابا، فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقابا فهو
فيه بالخيار ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 838) وابن أبي عاصم في " السنة " (960 -
بتحقيقي) وعبد الله البغوي في " حديث هدبة بن خالد " (1 / رقم 55) قالوا:
حدثنا هدبة حدثنا سهيل بن أبي حزم القطيعي عن ثابت عن أنس مرفوعا به.
وأخرجه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (2 / 109 / 2) وأبو الحسين
الأبنوسي في " الفوائد " (6 / 2) وابن عدي في " الكامل " (189 / 1) وأبو
بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (110 / 2 و 354 / 2) والواحدي في "
الوسيط " (1(5/595)
/ 181 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (12 / 260 / 2) كلهم عن
هدبة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير سهيل هذا، فهو ضعيف
كما في " التقريب "، وقد ضعفه الجمهور ومنهم البخاري، وقال ابن حبان: "
يتفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ". والحديث قال الهيثمي (10 / 211
) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " وفيه سهيل بن أبي حزم، وقد
وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: لم يوثقه غير العجلي وهو
لين التوثيق، وقال ابن معين في رواية: " صالح ". وضعفه الجمهور كما تقدم،
وفيهم ابن معين في الرواية الأخرى عنه. قلت: والحديث مع ضعف سنده فهو ثابت
المتن عندي، فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى
: * (لا يخلف الله وعده) * (1) وقوله: * (ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة
وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) * (2) . وأما الشطر الآخر، فيشهد له حديث عبادة
بن الصامت مرفوعا بلفظ: " ... ومن عبد الله ... وسمع وعصى، فإن الله تعالى
من أمره بالخيار، إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه ". أخرجه أحمد وغيره بسند حسن
كما حققته في " تخريج السنة " (968) وله طرق أخرى في " الصحيحين " وغيرهما
بنحوه. فانظر التخريج المذكور (961 - 967) .
_________
(1) الروم: الآية: 6.
(2) الأحقاف: الآية: 16. اهـ.(5/596)
2464 - " كل فجاج مكة طريق ومنحر ".
حديث صحيح روي من حديث جابر بن عبد الله وجبير بن مطعم وعبد الله بن عباس
. 1 - أما حديث جابر فيرويه أسامة بن زيد عن عطاء بن أبي رباح حدثه أنه سمع
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
فذكره. أخرجه أبو داود (1917) والدارمي (2 / 156 - 157) وابن ماجة (
3048) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 73) والحاكم (1 / 460)
والبيهقي (5 / 239) وأحمد (3 / 326) من طرق عن أسامة به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط لأن أسامة
- وهو الليثي مولاهم - وإن كان من رجال مسلم، فقد تكلم فيه بعضهم من قبل
حفظه، ووثقه آخرون، ومنهم يعقوب بن سفيان الحافظ المشهور، فقد روى البيهقي
عنه أنه قال عقب الحديث: " أسامة بن زيد - عند أهل بلده: المدينة - ثقة مأمون
". قلت: يعني أن أهل بلده أعرف به من غيره. ولكنه لا يخلو من ضعف، وقد
أشار الحافظ إلى ذلك بقوله في " التقريب ": " صدوق، يهم ". 2 - وأما حديث
جبير فيرويه سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني سليمان بن موسى عنه مرفوعا به دون
قوله: " طرق ". أخرجه ابن حبان (1008) وأحمد (4 / 82) . قلت: وهذا
إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن رجاله ثقات رجال مسلم غير(5/597)
سليمان بن موسى -
وهو الأموي مولاهم - قال الحافظ: " صدوق، فقيه، في حديثه بعض لين ". وقال
في سعيد بن عبد العزيز - وهو التنوخي -: " ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي،
وقدمه أبو مسهر، ولكنه اختلط في آخر عمره ". 3 - وأما حديث ابن عباس،
فأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 281) وقال: " رواه الطبراني في "
الأوسط " و " الصغير " وفيه عبد الله بن عمر العمري وفيه كلام وقد وثق ".
قلت: وذكره مالك في " الموطأ " (3 / 183 - زرقاني) بلاغا. وجملة القول أن
الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، ولاسيما وله شاهد من حديث ابن عباس
أنه كان ينحر بمكة. أخرجه البيهقي بسند صحيح عنه، وروى بسند فيه ضعف عن ابن
عمر نحوه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2465 - " المتلاعنان إذا تفرقا، لا يجتمعان أبدا ".
ورد من حديث ابن عمر وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب.
1 - أما حديث ابن عمر، فعلقه البيهقي (7 / 409) فقال: وروينا عن محمد بن
زيد عن سعيد بن جبير عنه مرفوعا به. وهذا إسناد رجاله ثقات، وابن زيد هو
ابن علي الكندي، فإذا كان السند إليه ثابتا،(5/598)
فهو صحيح الإسناد، وعلى كل حال
، فإنه يشهد له ما بعده. 2 - وأما حديث سهل فيرويه عياض بن عبد الله الفهري
وغيره عن ابن شهاب عن سهل في حديث المتلاعنين قال: " فمضت السنة بعد في
المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا ". أخرجه أبو داود (1 / 351
- 352) والبيهقي (7 / 410) . قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله رجال مسلم،
والفهري هذا وإن كان فيه ضعف، فليس شديدا، فمثله يستشهد به، ولاسيما أنه
لم يتفرد به، فقد قرن به غيره، وهذا وإن لم يسم في هذه الرواية فمن المحتمل
أن يكون الزبيدي الآتي، فإن كان هو، فهي متابعة قوية لأن الزبيدي هذا -
واسمه محمد بن زياد - ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري كما قال الحافظ، وإن كان
غيره، فهو مجهول إن لم يقو حديثه فلا يضره. وهذه المتابعة يرويها الأوزاعي
عن الزبيدي عن الزهري به. أخرجه البيهقي. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات
غير ابن أبي حسان شيخ أبي بكر الإسماعيلي، فلم أعرف اسمه الآن.
3 و 4 - وأما حديث ابن مسعود وعلي فيرويه قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي وائل
عن عبد الله، وعن عاصم عن زر عن علي قالا: " مضت السنة في المتلاعنين أن لا
يجتمعا أبدا ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (7 / 112 / 12434 و 12436)
والبيهقي والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 390 / 9661) عن ابن مسعود وحده
. قلت: وإسناده حسن في المتابعات على الأقل لأن قيس بن الربيع فيه ضعف من قبل
حفظه.(5/599)
وللحديث شاهد موقوف يرويه الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قال في
المتلاعنين إذا تلاعنا: يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدا. أخرجه عبد الرزاق،
والبيهقي. قلت: ورجاله موثقون، لكنه منقطع بين إبراهيم - وهو النخعي -
وعمر بن الخطاب. إذا علمت ما تقدم فالحديث صالح للاحتجاج به على أن فرقة اللعان
إنما هي فسخ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إلى أنه
طلاق بائن، والحديث يرد عليه، وبه أخذ مالك أيضا والثوري وأبو عبيدة
وأبو يوسف، وهو الحق الذي يقتضيه النظر السليم في الحكمة من التفريق بينهما،
على ما شرحه ابن القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " فراجعه (4 / 151
و153 - 154) وإليه مال الصنعاني في " سبل السلام " (3 / 241) .
2466 - " كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 376) : أخبرنا يوسف بن الغرق أخبرنا الطيب
بن سليمان حدثتنا عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: فذكره.
وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 280 - 281) من
طريق أخرى عن يوسف بن الغرق به. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، يوسف هذا، قال
ابن أبي حاتم (4 / 2 / 227 - 228) : " سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي،
سمعت أبي يقول: قال أحمد بن حنبل:(5/600)
رأيته، ولم أكتب عنه شيئا ". وضعفه
غيره، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (9 / 279) ! والطيب بن سليمان
خير منه، فقد وثقه ابن حبان (8 / 328) والطبراني أيضا، وقال الدارقطني:
" ضعيف ". لكن يشهد للحديث نهيه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يقرأ
القرآن في أقل من ثلاث، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن في أقل
من ثلاث لم يفقهه ". وهو ثابت صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وهو مخرج في "
صفة الصلاة " (ص 118 - 119 الطبعة السابعة) . وانظر الحديث (1512 و 1513)
وما ذكر تحتهما. ولا يشكل على هذا ما ثبت عن بعض السلف مما هو خلاف هذه
السنة الصحيحة، فإن الظاهر أنها لم تبلغهم. وما أحسن ما قال الإمام الذهبي
رحمه الله تعالى في ترجمة الحافظ وكيع بن الجراح، في كتابه العظيم " سير أعلام
النبلاء " (7 / 39 / 2) وقد روى عنه أنه كان يصوم الدهر ويختم القرآن كل
ليلة: " قلت: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية
مفضولة، فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن
في أقل من ثلاث، والدين يسر ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين
مثل وكيع؟ ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه،
وكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعا لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات فقد
استبرأ لدينه وعرضه. وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا
موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطإ العالم،
نعم، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد، نسأل الله المسامحة ".(5/601)
2467 - " لما لقي موسى الخضر عليهما السلام جاء طير، فألقى منقاره في الماء، فقال
الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطير؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: ما
علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء ".
أخرجه الحاكم (2 / 369) : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا أبو
عمران موسى بن هارون بن عبد الله الحافظ حدثني أبي حدثنا أبو داود الطيالسي
حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال: حدثني أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره السيوطي في " الدر المنثور
" (4 / 234) . وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن أبا داود الطيالسي
وهارون بن عبد الله - وهو الحمال - لم يحتج بهما البخاري. وأما موسى بن هارون
وابن بالويه، فليسا من رجالهما، وموسى ثقة حافظ كبير كما قال الحافظ
وأورده تمييزا. وأما ابن بالويه، فترجمه الخطيب (1 / 282) وقال: " حدثنا
عنه أبو بكر البرقاني، وسألته عنه؟ فقال: " ثقة ". مات سنة أربع وسبعين
وثلاثمائة. وهو ابن أربع وتسعين سنة ". والحديث قطعة من قصة الخضر مع موسى
عليهما الصلاة والسلام في " الصحيحين "، و " زوائد أحمد " (5 / 117 - 118)
لكنهم لم تقع لهم هذه القطعة بهذا التمام، ولذلك خرجتها.(5/602)
2468 - " يؤتى بأربعة يوم القيامة، بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة والشيخ
الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرز،
فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم،
ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب! أين ندخلها ومنها كنا نفر؟
قال: من كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول تبارك وتعالى
: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار ".
روي من حديث أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن جبل والأسود بن سريع
وأبي هريرة. 1 - أما حديث أنس، فيرويه جرير عن ليث عن عبد الوارث عنه مرفوعا
به. أخرجه أبو يعلى (3 / 1044 - 1045) والبزار (ص 232 - 233 - زوائده) .
قلت: وقال الهيثمي (7 / 216) بعد أن عزاه إليهما: " وفيه ليث بن أبي سليم
وهو مدلس وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح ". كذا قال! وفيه نظر من وجهين
: الأول: أن ليثا هذا لم أر من اتهمه بالتدليس وإنما هو معروف بأنه كان اختلط
. ولذلك جزم في " زوائد البزار " بأنه ضعيف. وقال الحافظ في " التقريب ": "
صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك ". والآخر: أن عبد الوارث شيخ
الليث - الظاهر أنه مولى أنس بن مالك الأنصاري -(5/603)
قال في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 74) : " روى عن أنس، روى عنه يحيى بن عبد الله الجابر وجابر الجعفي
وقطري الخشاب وأبو هاشم وسلمة بن رجاء قال أبي: هو شيخ ". وذكره ابن حبان
في " الثقات " (5 / 130) من رواية مختار بن أبي مختار عنه، وأما الدارقطني
فضعفه كما في " الميزان "، ولم أر أحدا ذكر أنه من رجال " الصحيح "، ولعل
الهيثمي توهم أنه عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري مولاهم، فإنه من رجال "
الشيخين "، لكنه يروي عن أنس بواسطة عبد العزيز بن صهيب وغيره. والله تعالى
أعلم. 2 - أما حديث أبي سعيد الخدري، فيرويه فضيل بن مرزوق عن عطية عنه
مرفوعا نحوه، ولم يذكر الشيخ الفاني. أخرجه البغوي في " حديث ابن الجعد " (
ق 94 / 1) والبزار أيضا، وقال: " لا نعلمه من حديث أبي سعيد إلا عن فضيل،
وعطية ضعيف ". 3 - وأما حديث معاذ، فلفظه: " يؤتى يوم القيامة بالممسوخ
عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا: يا رب!
لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في
الفترة: يا رب! لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهده مني.
ويقول الهالك صغيرا: لو آتيتني عمرا ما كان من آتيته عمرا بأسعد من عمره مني،
فيقول الرب تبارك وتعالى: إني آمركم بأمر فتطيعوني؟ فيقولون: نعم وعزتك،
فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، فلو دخلوها ما ضرتهم، فيخرج عليهم قوابس يظنون
أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا، فيقولون: خرجنا يا رب!
نريد دخولها، فخرجت علينا قوابس ظننا أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء،
فيأمرهم الثانية، فيرجعون كذلك يقولون مثل قولهم، فيقول الله تبارك وتعالى:
قبل أن تخلقوا علمت ما أنتم عاملون وإلى(5/604)
علمي تصيرون، فتأخذهم النار ". قال
الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، وفيه عمرو بن واقد
وهو متروك عند البخاري وغيره ورمي بالكذب. وقال محمد بن المبارك الصوري:
كان يتبع السلطان وكان صدوقا وبقية رجال " الكبير " رجال الصحيح ". وهو في
" المعجم الكبير " (20 / 83 / 158) بإسنادين له عن عمرو به. 4 و 5 - وأما
حديث الأسود وأبي هريرة، فقد سبق تخريجهما برقم (1434) وليس فيهما ذكر
المولود والمقصود به من كان أبواه من الكفار.
2469 - " يا آل محمد! من حج منكم فليهل بعمرة في حجة ".
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 379) وابن حبان (987 و 988) وأحمد
(6 / 297 و 317) وأبو يعلى (4 / 1669 - 1670) من طرق عن يزيد بن أبي حبيب
قال: حدثني أبو عمران الجوني أنه حج مع مواليه، قال: فأتيت أم سلمة فقلت:
يا أم المؤمنين! إني لم أحج قط، فبأيهما أبدأ، بالحج أو بالعمرة؟ قالت: إن
شئت فاعتمر قبل أن تحج، وإن شئت فبعد أن تحج. فذهبت إلى صفية، فقالت لي مثل
ذلك، فرجعت إلى أم سلمة، فأخبرتها بقول صفية، فقالت أم سلمة: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين غير أبي عمران الجوني - واسمه أسلم - وهو ثقة.(5/605)
2470 - " إن من المؤمنين من يلين لي قلبه ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 267) : حدثنا حيوة حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد
حدثني أبو راشد الحبراني قال: " أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي، قال: أخذ
بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا أمامة! إن ... " الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وبقية إنما يخشى منه التدليس، وقد
صرح بالتحديث، فأمنا بذلك تدليسه.
(تنبيه) : انقلب هذا الحديث على الحارث المحاسبي، فأورده في كتابه " رسالة
المسترشدين " (ص 66) بلفظ: " له قلبي ". وعلق عليه محققه الشيخ عبد الفتاح
أبو غدة الحنفي الكوثري بقوله: " لم أقف عليه فيما رجعت إليه من المراجع
الحديثية، فالله أعلم بثبوته ". قلت: لو رجع إلى " المسند " لوجده، بل لو
أنه رجع إلى ما هو أقرب منالا منه لوقف عليه، فقد أورده الحافظ الهيثمي في "
مجمع الزوائد " (10 / 276) باللفظ الذي ذكره المحاسبي، وقال الهيثمي: "
رواه الطبراني، ورجاله وثقوا ". قلت: وفاته أنه في " المسند " باللفظ
الأول، ثم رأيته قد أورده في مكان آخر (1 / 63) باللفظ الأول، وقال: "
رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". ولعل قوله: " ورجاله وثقوا " إنما هو
لأن بقية لم يصرح بالتحديث في رواية الطبراني، فإذا كان كذلك، فتلك فائدة
أخرى أن الإمام أحمد أسند الحديث عن بقية مصرحا بالتحديث، فجزاه الله عن
الحديث وأهله خيرا.(5/606)
ثم طبع " المعجم الكبير " للطبراني، فرأيته قد أخرج
الحديث فيه بإسنادين له عن بقية، صرح في أحدهما بالتحديث، فقال: (8 / 122 /
7499) : حدثنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي حدثنا المعلى بن الوليد
القعقاعي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا محمد بن زياد ... باللفظ الآخر. قلت:
وهذا إسناد رجاله ثقات غير القعقاعي هذا، فلم يوثقه غير ابن حبان (9 / 182)
ومع ذلك قال فيه: " ربما أغرب ". ثم قال (7655) : حدثنا أحمد بن خليد الحلبي
حدثنا عبيد بن جناد حدثنا بقية بن الوليد عن محمد بن زياد به. قلت: وهذا
رجاله ثقات أيضا غير أحمد هذا، فلم أجد له ترجمة. فإذا صح هذا اللفظ، فيجمع
بينه وبين الأول بنحوه: " يلين لي قلبه، ويلين له قلبي ". والله أعلم.
2471 - " لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ".
أخرجه أحمد (6 / 441 - 442) والبزار (8 - زوائده) والقضاعي (75 / 1)
وابن عساكر (4 / 332 / 1) من طريق أبي الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس
ابن ميسرة عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره. وقال البزار: " إسناده حسن ". وهو كما قال أو أعلى، فإن رجاله
ثقات كلهم، لا كلام فيهم، غير سليمان بن عتبة وقد وثقه جماعة وما قيل فيه
فلا حجة له.(5/607)
ثم إن للحديث شواهد كثيرة، تقدم ذكر الكثير الطيب منها تحت
الحديث (2439) .
2472 - " كانت امرأة تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم [حسناء من] أجمل الناس،
فكان ناس يصلون في آخر صفوف الرجال فينظرون إليها، فكان أحدهم ينظر إليها من
تحت إبطه [إذا ركع] وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لا يراها فأنزل
الله عز وجل هذه الآية: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا
المستأخرين) * ".
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2712) : حدثنا نوح بن قيس قال حدثني
عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال.. قلت: وهذا إسناد
صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، غير عمرو بن مالك النكري، وهو ثقة، كما قال
الذهبي في " الميزان " ذكره فيه تمييزا، ووثقه أيضا من صحح حديثه هذا ممن
يأتي ذكرهم. وأخرجه البيهقي في " سننه " (3 / 98) من طريق الطيالسي وأخرجه
أحمد (1 / 305) والترمذي (2 / 191 - بولاق) والنسائي (1 / 139) وابن
ماجة (1046) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم 1696 - 1697) وابن حبان (1749) والطبري في(5/608)
" تفسيره " (14 / 18) والحاكم (2 / 353) والبيهقي أيضا من
طرق أخرى عن نوح ابن قيس به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وقال عمرو بن
علي: لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة " ووافقه الذهبي وقال: " هو
صدوق خرج له مسلم ". وقال في " الميزان ": " صالح الحال ". قلت: لم يحك هو
ولا الحافظ في " التهذيب " عن أحد من الأئمة تضعيفه إلا رواية عن ابن معين،
وهي مع كونها لا تصح عنه لأن أبا داود قال: " بلغني عن يحيى أنه ضعفه "، فهي
معارضة برواية عثمان الدارمي عنه أنه ثقة. وهذه مع صحتها فهي المطابقة لقول
أحمد وسائر الأئمة الذين وثقوه. فهي العمدة. وإذا عرفت هذا فقد أعل الحديث
بالإرسال، فقال الترمذي عقبه: " وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن
مالك عن أبي الجوزاء نحوه، لم يذكر فيه " عن ابن عباس " وهذا أشبه أن يكون
أصح من حديث نوح ". واعتمده الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (5 / 12 - 13) ،
وقال: " حديث غريب جدا وفيه نكارة شديدة ". وهذا الإعلال ليس بشيء عندي
وذلك من وجوه. أولا: إرسال جعفر بن سليمان للحديث، ومخالفته لنوح بن قيس لا
تضر، لأنه لو كان في الثقة في مرتبة نوح، لورد هنا القاعدة المعروفة في علم
المصطلح: زيادة الثقة مقبولة. فكيف وهو دونه الثقة؟ فإنه وإن كان من رجال
مسلم فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، منهم البخاري، فقال:(5/609)
" يخالف في بعض
حديثه ". وهذا وإن كان لا يسقط حديثه بالمرة، فإنه يسقطه عن المرتبة العليا
من الصحة. ويجعله لا يعتد به عند المخالفة، ولذلك قال الذهبي في " الميزان
": " وهو صدوق في نفسه وينفرد بأحاديث عدت مما ينكر واختلف بالاحتجاج بها،
منها (فساق أحاديث له، قال:) وغالب ذلك في (صحيح مسلم) ". وإذا كان
الأمر كذلك، فوصل نوح بن أبي قيس مقدم على إرسال جعفر، لأنه أوثق منه ولأن
الوصل زيادة من ثقة فيجب قبولها. ثانيا: الغرابة التي أشار إليها منفية بمجيء
أصل الحديث من طرق أخرى ولو باختصار. 1 - فقال الحاكم عقب ما نقلته من كلامه
السابق: " وله أصل من حديث سفيان الثوري، أخبرناه أبو بكر الشافعي: حدثنا
إسحاق بن الحسن حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن رجل عن أبي الجوزاء عن ابن عباس
رضي الله عنهما قال: * (المستقدمين) *: الصفوف المقدمة * (والمستأخرين) *:
الصفوف المؤخرة ". 2 - روى الطبري عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رجل:
أخبرنا عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء
، قال: فأنزل الله: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين
) *. 3 - وأخرج بن مردويه عن داود بن صالح قال: قال سهل بن حنيف الأنصاري:
أتدرون فيم أنزلت: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ... ) * الآية؟ قلت: في
سبيل الله، قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة. ذكره في " الدر المنثور " (4
/ 97) .(5/610)
قلت: فهذه الروايات وإن كانت لا تخلو من ضعف، فبعضها يشد بعضا،
فهي صالحة للاستشهاد ويدل مجموعها على أن الآية الكريمة نزلت في صفوف الصلاة،
فأين الغرابة؟ ! وإن كان المقصود بها غرابة المعنى ومباينة تفسير الآية بما
دل عليه سبب النزول لما قبلها من الآيات: * (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من
السماء ماء فأسقيناكموه. وما أنتم له بخازنين. وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن
الوارثون. ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. وإن ربك هو
يحشرهم إنه حكيم عليم) * (1) . فالجواب: أن المعنى المستفاد من سبب النزول ليس
مباينا للعموم الذي تدل عليه الآية بسباقها وسياقها، ومن المعلوم أن العبرة
بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال العلامة الآلوسي في " روح المعاني " (4 /
290) : " ومن هنا قال بعضهم: الأولى الحمل على العموم، أي: علمنا من اتصف
بالتقدم والتأخر في الولادة والموت والإسلام وصفوف الصلاة وغير ذلك ".
وهو يشير بذلك إلى الإمام ابن جرير رحمه الله، فإنه اختار حمل الآية على العموم
المذكور ثم قال: " وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء
، والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله عز وجل عم بالمعنى المراد منه جميع
الخلق، فقال جل ثناؤه لهم: قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم وما كانوا
يعملون ومن هو حي منكم، ومن هو حادث بعدكم أيها الناس! وأعمال جميعكم،
خيرها وشرها، وأحصينا جميع ذلك، ونحن نحشرهم جميعهم فنجازي كلا بأعماله إن
خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، فيكون ذلك تهديدا ووعيدا للمستأخرين في الصفوف
لشأن النساء، ولكل من تعدى حد الله وعمل بغير ما أذن له به، ووعدا لمن
تقدم في الصفوف لسبب النساء،
_________
(1) الحجر: الآية: 22 - 25. اهـ.(5/611)
وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها "
. وهذا في غاية التحقيق كما ترى. جزاه الله خيرا. ثالثا: وأما النكارة
الشديدة التي زعمها ابن كثير رحمه الله، فالظاهر أنه يعني أنه من غير المعقول
أن يتأخر أحد من المصلين إلى الصف الآخر لينظر إلى امرأة! وجوابنا عليه،
أنهم قد قالوا: إذا ورد الأثر بطل النظر، فبعد ثبوت الحديث لا مجال لاستنكار
ما تضمنه من الواقع، ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد العقلي
للزم إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة، وهذا ليس من شأن أهل السنة والحديث،
بل هو من دأب المعتزلة وأهل الأهواء. ثم ما المانع أن يكون أولئك الناس
المستأخرون من المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؟ بل وما المانع
أن يكونوا من الذين دخلوا في الإسلام حديثا، ولما يتهذبوا بتهذيب الإسلام،
ولا تأدبوا بأدبه؟
2473 - " إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم! إن تعط الفضل فهو خير لك، وإن تمسكه
فهو شر لك، وابدأ بمن تعول، ولا يلوم الله على الكفاف، واليد العليا خير
من اليد السفلى ".
أخرجه أحمد (2 / 362) : حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي حدثنا عبد الله بن العلاء
بن زبر قال: سمعت القاسم مولى يزيد يقول: حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات على ضعف
في القاسم - وهو ابن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي، مولى آل
أبي سفيان بن حرب الأموي - لكن لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، وقد قيل: إنه
لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أبي أمامة، وهذا الإسناد يرده، فقد صرح
فيه بالتحديث عن أبي هريرة وقد جزم(5/612)
البخاري بأنه سمع عليا وابن مسعود وقد
ماتا قبل أبي هريرة بنحو عشرين سنة. وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا
به. أخرجه مسلم (3 / 94) والترمذي (2344) وأحمد (5 / 262) من طريق
عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبد الله قال: سمعت أبا أمامة به. وقال الترمذي
: " حديث حسن صحيح ". قلت: عكرمة بن عمار فيه كلام أيضا، فحديثه يتقوى
بالطريق الأولى. والله تعالى ولي التوفيق.
2474 - " إن الرحم شجنة من الرحمن عز وجل واصلة، لها لسان ذلق تتكلم بما شاءت، فمن
وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2550) حدثنا شعبة قال: حدثنا عثمان بن المغيرة
قال: حدثنا أبو العنبس قال: حدثنا عبد الله بن عمرو - بالوهط - قال: عطف
لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد
، رجاله ثقات رجال البخاري غير أبي العنبس - وهو الثقفي - فقد وثقه ابن حبان،
وروى عنه جماعة من الثقات، فمثله يحتج به في التابعين، ولاسيما ولحديثه
شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم (1602) . وقد تابعه قتادة عن أبي ثمامة الثقفي
عن عبد الله بن عمرو به مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 189، 209) وغيره
ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي ثمامة الثقفي، وثقه ابن حبان (5 / 567) وعزاه
الهيثمي (8 / 150) للطبراني أيضا. وراجع لشواهده " تخريج الحلال والحرام "
(405) والحديث المتقدم برقم(5/613)
(1602) . (شجنة) : الشعبة من كل شيء كما في
" المعجم الوسيط " وهي بالضم والكسر كما في " النهاية "، وفي الترغيب (3 /
226) : " قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ".
2475 - " إذا أدركت ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، [فطلعت] ، فصل إليها
أخرى ".
أخرجه الطحاوي (1 / 232) والبيهقي (1 / 379) والزيادة له، وأحمد (2 /
236 - 489) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين، وأعله الكوثري تعصبا لمذهبه فقال في " النكت الطريفة " (86) :
" في سنده عنعنة ابن أبي عروبة وقتادة وهما مدلسان ". قلت: تدليس قتادة
قليل مغتفر، ولذلك مشاه الشيخان، واحتجا به مطلقا كما أفاده الذهبي وكأنه
لذلك لم يترجمه الحافظ في " التقريب " بالتدليس بل قال فيه: " ثقة ثبت ".
على أنه قد صرح بالتحديث كما يأتي. وابن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة،
ومع ذلك فإنه لم يتفرد به، فقد تابعه همام قال: سئل قتادة عن رجل صلى ركعتين
من صلاة الصبح ثم طلع قرن الشمس؟ فقال: حدثني خلاس عن أبي رافع أن أبا هريرة
حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتم(5/614)
صلاته. أخرجه أحمد (2 /
490) والدارقطني (147) والبيهقي أيضا. وهذا إسناد صحيح أيضا. وقد تعمد
الكوثري تجاهل هذا الإسناد الصحيح وغيره مما يأتي، تضليلا للقراء، فإنه مع
إعلاله للإسناد الأول بالعنعنة، أعل متنه فقال: " وأما حديث البيهقي (فليصل
إليها أخرى) فقبل (الأصل: فبعد ولعله سبق قلم منه) طلوع الشمس بنصه،
وكلامنا في الصلاة أثناء الطلوع "! فتأتي هذه الرواية الثانية لترد عليه إسنادا
ومتنا، فالإسناد فيه التصريح بالتحديث. والمتن فيه التصريح بأن ذلك في
أثناء الطلوع. بل إن الزيادة التي في الرواية الأولى عند البيهقي وأحمد (
فطلعت) مما تجاهله الكوثري أيضا، ولعله توهم أن رواية البيهقي مثل رواية
الطحاوي التي لم تقع فيها هذه الزيادة، وإلا لما قال ما قال. ولقتادة فيه
شيوخ آخرون، فقال همام أيضا: حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن
أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس فليصل إليها
أخرى، وفي رواية: فليتم صلاته ". أخرجه ابن حبان (1579 - الإحسان) وأحمد
(2 / 306، 347، 521) والدارقطني: وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا.
وقال هشام الدستوائي: عن قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة مثل الرواية
الأولى.(5/615)
أخرجه الدارقطني والبيهقي. وعزرة هذا مقبول عند الحافظ عند
المتابعة، وقد تابعه جمع كما رأيت. وتابعه أيضا يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة: حدثني أبو هريرة مرفوعا بلفظ: " من صلى ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع
الشمس فلم تفته، ومن صلى ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فلم تفته ".
أخرجه أحمد (2 / 254) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري
بنحوه، وقد مضى لفظه برقم (66) ، وزاد فيه بعضهم لفظ: " أول " في كل من
الصلاتين، فراجعه، وصححه ابن حبان (1584) . وهذا أعله الكوثري أيضا
بعنعنة يحيى بن أبي كثير، متجاهلا احتجاج الشيخين به مطلقا، واحتجاج البخاري
بحديثه هذا خاصة، ولو كان ذلك علة قادحة في هذا الإسناد فلا يقدح في صحة
الحديث لمجيئه من تلك الطرق الكثيرة الصحيحة كما لا يخفى على أهل العلم بهذا
الفن الشريف. وله طرق أخرى، فقال الطيالسي في " مسنده " (2381) : حدثنا
زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن الأعرج وبسر بن سعيد وأبي صالح عن أبي هريرة
به مثل حديث ابن أبي كثير. وهذا إسناد جيد رجاله رجال الشيخين، وصححه ابن
حبان (1581) . وبعد جمع طرق الحديث يتبين لكل ذي عينين أن الحديث صريح
الدلالة في إبطال مذهب الحنفية القائلين بأن من طلعت عليه الشمس في صلاة الصبح
بطلت ولو أدرك منها ركعة! وقد تفننوا في التفصي من هذه الأحاديث، تارة
بإعلال ما يمكن إعلاله منها ولو بعلة غير قادحة، وتارة بتجاهل الطرق الصحيحة
، كما فعل متعصب العصر الحاضر الشيخ الكوثري، وتارة بادعاء نسخها بأحاديث
النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وتارة بتخصيصها بالصبيان ونحوهم كما فعل
الطحاوي وجرى خلفه الكوثري.(5/616)
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (2 / 46) عقب
الرواية الأولى: " ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام
الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر، ونحوها. وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن
من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة. وهو
مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل، وهي خلافية مشهورة. قال الترمذي
: وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه
الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته. واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي
عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث،
وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين
الحديثين ممكن بأن يحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن
التخصيص أولى من ادعاء النسخ ".
2476 - " كل أيام التشريق ذبح ".
روي عن جبير بن مطعم وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي
سعيد الخدري أو أبي هريرة.
1 - أما حديث جبير بن مطعم فيرويه سعيد بن عبد العزيز التنوخي وقد اختلف عليه
في إسناده على وجوه: الأول: رواه أبو المغيرة وأبو اليمان عنه قال: حدثني
سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 82) والبيهقي (
9 / 295) وقال: " هذا هو الصحيح، وهو مرسل ". قلت: يعني أنه منقطع بين
سليمان بن موسى وجبير بن مطعم، وقد وصله(5/617)
بعضهم، وهو الوجه التالي:
الثاني: رواه أبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز القشيري: حدثنا سعيد بن
عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم به.
أخرجه ابن حبان (1008) والبزار (1130 - الكشف) والبيهقي وقال: " رواه
سويد بن عبد العزيز - وهو ضعيف عند بعض أهل النقل - عن سعيد ". قلت: ومما
يؤيد ضعفه أنه خالف الثقات المتقدمين الذين رووه على الوجهين السابقين، ورواه
هو على الوجه الثالث الآتي. وعلة هذا الوجه الثاني، أن أبا نصر هذا وإن كان
ثقة من رجال مسلم، فقد خالف الثقتين المذكورين في الوجه الأول، فزاد عليهما
وصله بذكر عبد الرحمن بن أبي حسين بين سليمان بن موسى وجبير بن مطعم، فوصله.
فروايته شاذة، وقد أشار إلى ذلك البيهقي بتصحيحه الرواية الأولى المنقطعة كما
سبق. ثم إن عبد الرحمن بن أبي حسين هذا، لم أعرفه، لكن ابن حبان ذكره على
قاعدته في " الثقات "، وقال (3 / 160) : " أحسبه والد عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي حسين المدني ". وقد توهم بعض القائمين على تحقيق المطبوعات أنه
سقط من الإسناد اسم ابنه، فصحح نسخة " موارد الظمآن " المطبوعة والمحفوظة في
ظاهرية دمشق بقلم الرصاص فجعلها هكذا: " عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين "
! وهذا خطأ محض، لاتفاق الروايتين، رواية الثلاثة المخرجين، ابن حبان
والبزار والبيهقي على أنه عبد الرحمن بن أبي حسين، لا عبد الله بن عبد الرحمن
... ولإيراد ابن حبان إياه في " الثقات ". ثم رأيت الزيلعي ذكره (4 / 212)
على الصواب من رواية ابن حبان، ثم قال:(5/618)
" ورواه البزار في " مسنده "، وقال
: ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم ".
الوجه الثالث: يرويه سويد بن عبد العزيز عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن
سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه به. أخرجه الطبراني في "
المعجم الكبير " (1 / 79 / 1) والدارقطني (ص 544) والبيهقي وضعفه بسويد
كما تقدم قريبا، فهو علة الحديث من هذا الوجه، وقد أورده البيهقي في مكان
آخر (5 / 239) من الوجه الأول، ومن هذا الوجه، ثم قال: " الأول مرسل،
وهذا غير قوي لأن رواية سويد، وقد رواه أبو معبد عن سليمان عن عمرو بن دينار
عن جبير ". قلت: وفي جزمه بأن أبا معبد رواه عن سليمان نظر بين لما سيأتي
بيانه في الوجه الرابع. واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة مدارها كلها على سعيد بن
عبد العزيز التنوخي، وهو وإن كان ثقة إماما، سواه الإمام أحمد بالإمام
الأوزاعي، فإنه كان اختلط في آخر عمره، فلعله حدث به في اختلاطه، فاضطرب فيه
كما رأيت، ومن الممكن أن يكون بعضها من غيره كالوجه الثالث. وقد رواه غيره
موصولا عن جبير على وجه آخر، وهو: الوجه الرابع: يرويه أحمد بن عيسى الخشاب
: حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبو معيد عن سليمان بن موسى أن عمرو بن دينار
حدثه عن جبير بن مطعم به. أخرجه الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا
أحمد بن عيسى الخشاب.. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الخشاب هذا،
وهو ضعيف، قال ابن عدي: " له مناكير ".(5/619)
وقال الدارقطني: " ليس بالقوي ".
وقال مسلمة: " كذاب، حدث بأحاديث موضوعة ". وقال ابن يونس: " مضطرب
الحديث جدا ". وقال ابن حبان: " يروي المناكير عن المشاهير، والمقلوبات عن
الثقات، لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به ". وقال ابن طاهر: " كذاب يضع
الحديث ". قلت: فإذا عرفت هذا، يتبين لك خطأ البيهقي في قوله جازما: " وقد
روى أبو معيد عن سليمان بن موسى.. " كما تقدم لأن الجزم به يشعر بأن السند إلى
أبي معيد صحيح، فكيف وفي الطريق إليه هذا الضعيف المتهم؟ ! فمثله لا يصلح
للاستشهاد، بله الاحتجاج! ولعل الحافظ قلد البيهقي فيما سبق حين قال في "
الفتح " (10 / 6) : " أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني
ورجاله ثقات "! فإن الدارقطني لم يوصله إلا من هذه الطريق وطريق سويد الضعيف
!! 2 - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي عن ابن جريج
: أخبرني عمرو بن دينار أن نافع بن جبير بن مطعم رضي الله عنه أخبره عن رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قد سماه نافع فنسيته - أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال لرجل من غفار: " قم فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأنها
أيام أكل وشرب أيام منى - زاد(5/620)
سليمان بن موسى - وذبح " يقول: " أيام ذبح "،
ابن جريج يقوله. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، لكن ليس فيه قول:
" وذبح " الذي هو موضع الشاهد وإنما فيه أن ابن جريج رواه عن سليمان بن موسى
. يعني مرسلا لأنه لم يذكر إسناده. فهو شاهد قوي مرسل للطرق الموصولة السابقة
. 3 - قال البيهقي: " ورواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن سعيد بن
المسيب - مرة - عن أبي سعيد ومرة عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى
الله عليه وسلم به ". ثم ساق إسناده بذلك إليه، وقال: " قال أبو أحمد بن
عدي: وسواء قال عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، أو قال: عن الزهري عن ابن
المسيب عن أبي سعيد، جميعا غير محفوظين، لا يرويهما غير الصدفي ". قال
البيهقي: " والصدفي ضعيف، لا يحتج به ". قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف،
وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري ". قلت: وهذا من حديثه بالشام، فقد
رواه عنه محمد بن شعيب، وهو ابن شابور الدمشقي، ولذلك فقد غلا أبو حاتم حين
قال كما رواه ابنه في " العلل " (2 / 38) : " هذا حديث موضوع عندي "!
والصواب عندي أنه لا ينزل عن درجة الحسن بالشواهد التي قبله، ولاسيما وقد قال
به جمع من الصحابة كما في " شرح مسلم " للنووي، " والمجموع " له (8 / 390)(5/621)
ولذلك ذهب إلى تقويته بطرقه ابن القيم في " الهدي النبوي "، وتبعه الشوكاني
في " نيل الأوطار " (5 / 106 - 107 - طبع الحلبي) . وأما حديث: " الضحايا
إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك "، فهو مرسل لا يصح، وقد تكلمت عليه
في " الضعيفة " (4106) .
2477 - " الراعي يرمي بالليل، ويرعى بالنهار ".
أخرجه البيهقي (5 / 151) عن ابن وهب: أخبرني عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح
قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عمر بن قيس وهو المكي المعروف بـ (سندل) متروك
كما في " التقريب ". لكن لابن وهب إسناد آخر فيه خير من هذا وأقوى، فقد قال
: أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد
الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أخرجه البيهقي. قلت: وهذا إسناد
مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ويشهد له ما رواه مسلم بن خالد عن
عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا
بالليل. أخرجه البزار (1139) والبيهقي أيضا. قلت: وإسناده كلهم ثقات
رجال مسلم غير مسلم بن خالد - وهو المكي المعروف بـ (الزنجي) - وهو صدوق
كثير الأوهام، كما قال الحافظ، وهو فقيه معروف(5/622)
من شيوخ الإمام الشافعي،
فالحديث بمجموع هذه الطريق والتي قبلها حسن عندي، ولاسيما وقد قال الحافظ
في " التلخيص " (2 / 263) في حديث ابن عمر: " رواه البزار بإسناد حسن،
والحاكم والبيهقي ". قلت: ولم أره في " المستدرك " للحاكم، وقد رواه
البيهقي من طريقه. وله شاهد آخر، يرويه بكر بن بكار: أخبرنا إبراهيم بن
يزيد أخبرنا سليمان الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا بالليل وأي ساعة من النهار شاؤوا ".
أخرجه الدارقطني (ص 279) وقال المعلق عليه: " قال ابن القطان: وإبراهيم
بن يزيد هذا إن كان هو الخوزي فهو ضعيف، وإن كان غيره فلا يدرى من هو؟ وبكر
بن بكار قال فيه ابن معين: ليس بالقوي ". وقال الحافظ: " وإسناده ضعيف ".
قلت: وقد بدت لي ملاحظات على كلام الحافظ وغيره، ومن المفيد بيانها:
أولا: قوله: " رواه البزار بإسناد حسن و ... " يوهم أنه عند البزار من غير
طريق مسلم بن خالد الذي في طريق البيهقي عن الحاكم، وليس كذلك، فإن الزيلعي
في " نصب الراية " (3 / 86) عزاه للبزار وحده في " مسنده " من الطريق نفسها،
وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (3 / 260) ، فقال: " وفيه مسلم بن خالد
الزنجي وهو ضعيف وقد وثق ".
ثانيا: تردد ابن القطان في إبراهيم بن يزيد هل هو الخوزي أو غيره؟ أجاب عنه
الحافظ في " اللسان " بقوله: " قلت: هو الخوزي لا ريب فيه مما يظهر لي.
والله أعلم ".(5/623)
قلت: ويؤيده أنه ذكر في ترجمته أن ابن عدي قال - وقد روى له
حديثا آخر عن سليمان -: " والظاهر أنه إبراهيم بن يزيد الخوزي، فإنه يروي عن
سليمان، وهو الأحول ... ".
ثالثا: قوله: " قال فيه ابن معين: ليس بالقوي ". لم أره في ترجمته من "
الميزان " و " اللسان ". وإنما فيهما عن ابن معين أنه قال فيه: " ليس بشيء "
. وكذلك رواه عنه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 383) . نعم
، لقد روى قبله عن أبيه أنه قال فيه: " ليس بالقوي ". فالظاهر أن بصر بن
القطان انتقل إليه حين نقل عنه! والله أعلم.
2478 - " من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك
اليسرى ".
أخرجه الحاكم (1 / 218) وعنه البيهقي (2 / 442) عن شداد أبي طلحة قال:
سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أنس بن مالك أنه كان يقول: فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة الراسبي ".
ووافقه الذهبي! وقال البيهقي: " تفرد به شداد بن سعيد، أبو طلحة الراسبي،
وليس بالقوي ". قلت: وهذا أقرب إلى الصواب، فإن شداد هذا لم يخرج له مسلم
إلا حديثا(5/624)
واحدا في الشواهد كما قال الحافظ في " التهذيب "، وهو مختلف فيه،
فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو خيثمة والنسائي وابن حبان والبزار، وضعفه
عبد الصمد بن عبد الوارث. وقال العقيلي: " له غير حديث لا يتابع عليه ".
وقال الدارقطني: " يعتبر به ". وقال الحاكم أبو أحمد: " ليس بالقوي عندهم
". وقال ابن عدي: " لم أر له حديثا منكرا، وأرجو أنه لا بأس به ".
قلت: ومن الملاحظ أن الأئمة المتقدمين والمشهورين قد اتفقوا على توثيقه،
ولم يضعفه منهم غير عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو مع ثقته ليس مشهورا بالجرح
والتعديل - فيما علمت - والآخرون الذين ضعفوه، لم يأتوا بسبب الجرح، اللهم
إلا قول العقيلي: " له غير حديث لا يتابع عليه ". وهذا ليس بجرح قادح لأن
كثيرا من الثقات يصدق فيهم مثل هذا القول لأن لهم ما تفردوا به ولم يتابعوا
عليه. نعم، لعل في الرجل نوع ضعف وسوء حفظ، ينزل به حديثه عن مرتبة الصحة
من أجل ذلك استشهد به مسلم، ولعل ابن عدي يشير إلى ذلك بقوله: " لا بأس به
". وكذلك قول الذهبي فيه في " الميزان ". " صالح الحديث ".(5/625)
فهو حسن الحديث
إن شاء الله تعالى. وأما قول الحافظ فيه: " صدوق يخطىء ". فهو مما يحتمل
ذلك. والله أعلم.
2479 - " أيها الناس! لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأحسن في ذات الله - أو في سبيل
الله - من أن يشكى ".
أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (4 / 250 - ابن هشام) ومن طريقه أحمد (3 /
86) : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب
بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد
الخدري قال: اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه، فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فينا خطيبا، فسمعته يقول: فذكره، وليس في " المسند " قوله: " من
أن يشكى ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون، غير زينب بنت كعب،
فقال في " التجريد ": " صحابية، تزوجها أبو سعيد الخدري ". قال الحافظ في "
الإصابة " بعد أن عزاه للتجريد: " وكأن سلفه فيه أبو إسحاق بن الأمين، فإنه
ذكرها في ذيله على " الاستيعاب "، وكذا ذكرها ابن فتحون. وذكرها غيرهما في
التابعين، وروايتها عن زوجها أبي سعيد، وأخته الفريعة في " السنن الأربعة "
و" مسند أحمد ". روى عنها ابنا أخويها سعد بن إسحاق، وسليمان بن محمد ابني
كعب بن عجرة. وذكرها ابن حبان في (الثقات) ".(5/626)
قلت: وذكرها الذهبي في "
فصل النسوة المجهولات " في آخر " الميزان ". وقال الحافظ في " التقريب ": "
مقبولة، من الثانية، ويقال: لها صحبة ". قلت: وابنا أخويها سعد وسليمان
ثقتان، وقد رويا عنها فهي على ما تقتضيه القواعد الحديثية مجهولة الحال، إن
لم تثبت صحبتها، فمثلها مما يطمئن القلب لحديثها. والله أعلم.
2480 - " إن بين أيديكم عقبة كؤودا، لا ينجو منها إلا كل مخف ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 325 - زوائده) ، وابن جرير الطبري في " تهذيب
الآثار " (1 / 407 / 935) من طريق أسد بن موسى: حدثنا أبو معاوية عن موسى
الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ... فذكره، وقال البزار: " هذا إسناد صحيح، لا نعلمه
إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو كما قال، فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم،
غير أسد بن موسى، وموسى الصغير، هما ثقتان، كما قال الهيثمي (10 / 263)
على خلاف في أسد بن موسى لا يضر إن شاء الله تعالى، ولاسيما وقد تابعه عبد
الحميد بن صالح في " الحلية " (1 / 226) . وقال المنذري (4 / 84) : " رواه
البزار بإسناد حسن ". ثم ساقه من رواية الطبراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء
، قالت: " قلت له:(5/627)
مالك لا تطلب ما يطلب فلان وفلان؟ قال: " إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ورائكم عقبة كؤودا، لا يجوزها المثقلون "
. فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة ". وقال: " رواه الطبراني بإسناد صحيح ".
قلت: ثم ساق له شاهدا من حديث أنس بنحوه، في إسناده ضعف. ووقفت له على شاهد
آخر بلفظ: " لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول ". لكن إسناده ضعيف، ولفظه منكر،
ولذلك أوردته في " الضعيفة " برقم (3176) . (مخف) : أي من الذنوب، وما
يؤدي إليها، في " النهاية ": " يقال: أخف الرجل فهو مخف، وخف وخفيف، إذا
خفت حاله ودابته، وإذا كان قليل الثقل، يريد به المخف من الذنوب، وأسباب
الدنيا، وعلقها ".
2481 - " مثل المؤمن ومثل الموت، كمثل رجل له ثلاثة أخلاء، أحدهم ماله، قال:
خذ ما شئت، وقال الآخر: أنا معك فإذا مت أنزلتك. وقال الآخر: أن معك
وأخرج معك، فأحدهم ماله والآخر أهله وولده والآخر عمله ".
أخرجه البزار (313) : حدثنا محمد بن أبي مرحوم وأحمد بن جميل قالا: حدثنا
النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله
ثقات رجال مسلم على ضعف في بعضهم،(5/628)
غير شيخي البزار، وابن جميل، فهما ثقتان
مترجم لهما في " تاريخ بغداد " (4 / 76 - 77) . والحديث أورده المنذري (4 /
100) بنحوه، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " بأسانيد أحدها صحيح،
وفي " الأوسط " نحوه ". وزاد الهيثمي في العزو (10 / 252) : البزار، وقال
: " وأحد أسانيده في " الكبير " رجاله رجال الصحيح ". ثم ذكراه من حديث أبي
هريرة نحوه وقالا: " رواه البزار، ورواته رواة الصحيح ". ثم ذكره الهيثمي
من حديث أنس، وزاد في آخره: " فيقول: إن كنت لأهون الثلاثة علي ". وقال:
" رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران
القطان وقد وثق وفيه خلاف ". قلت: قد تابعه الحجاج عن قتادة عن أنس به.
أخرجه الحاكم (1 / 74) ، وقال: " صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا. والحجاج هذا هو ابن الحجاج الباهلي البصري الأحول. وله شاهد
مفصل من حديث عائشة مرفوعا. رواه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 118) من
طريق عبد الله بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير
عنها وقال: " هذا حديث منكر من حديث الزهري، لا يشبه أن يكون حقا وعبد الله
بن عبد العزيز ضعيف الحديث، عامة حديثه خطأ، لا أعلم له حديثا مستقيما ".(5/629)
2482 - " والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها. يعني شاة ميتة ".
أخرجه أحمد (1 / 329) : حدثنا محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن
عبيد الله عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد
ألقاها أهلها، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات
، رجال الشيخين، غير محمد بن مصعب - وهو القرقساني - قال الحافظ: " صدوق
كثير الغلط ". قلت: ولحديثه هذا شواهد كثيرة تدل على أنه قد حفظه، وسأذكر
بعضها إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك قال المنذري في " الترغيب " (4 / 101)
: " رواه أحمد بإسناد لا بأس به ". وقال الهيثمي (10 / 287) : " رواه أحمد
، وأبو يعلى والبزار وفيه محمد بن مصعب وقد وثق على ضعفه وبقية رجالهم
رجال الصحيح ". وقد جاء الحديث من رواية جابر بن عبد الله والمستورد بن شداد
وعبد الله بن ربيعة السلمي وأبي هريرة وسهل بن سعد. 1 - أما حديث جابر،
فيرويه جعفر بن محمد عن أبيه عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
بالسوق داخلا من بعض العالية والناس كنفيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ
بأذنه ثم قال: أيكم يحب هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما
نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه
أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال:(5/630)
فذكره ". أخرجه مسلم (8 / 210 - 211) وأحمد (
3 / 365) .
2 - وأما حديث المستورد، فيرويه مجالد بن سعيد عن قيس بن أبي حازم عنه قال:
كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟
قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله! قال: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 52
) وابن ماجة (4111) وأحمد (4 / 229 و 230) وقال الترمذي: " حديث حسن "
. 3 - وأما حديث السلمي، فيرويه عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه نحو حديث ابن
عباس. أخرجه أحمد (4 / 336) بإسناد صحيح، قال الهيثمي: " ورجاله رجال
الصحيح ". 4 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه أبو المهزم عنه به مثله. أخرجه
الدارمي (2 / 306 - 307) وأحمد (2 / 338) . وأبو المهزم قال الهيثمي: "
ضعفه الجمهور ". 5 - وأما حديث سهل، فيرويه زكريا بن منظور: حدثنا أبو حازم
عنه به نحوه. أخرجه ابن ماجة (4110) والحاكم (4 / 306) وقال: " صحيح
الإسناد ".(5/631)
ورده الذهبي بقوله: " قلت: زكريا ضعفوه "، وبه أعله في "
العلل " (2 / 109) . وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، فراجعها إن شئت في "
الترغيب " و " المجمع ".
2483 - " رديه فيه، ثم اعجنيه ".
أخرجه ابن ماجة (3336) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا ابن وهب أخبرني
عمرو بن الحارث أخبرني بكر بن سوادة أن حنش بن عبد الله حدثه عن أم أيمن
أنها غربلت دقيقا فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفا، فقال: ما هذا؟
قالت: طعام نصنعه بأرضنا، فأحببت أن أصنع منه لك رغيفا، فقال: فذكره.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب " الجوع " (ق 9 / 1) : حدثنا خالد بن خداش
قال: حدثنا عبد الله بن وهب به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات،
رجال مسلم، غير ابن كاسب، قال الحافظ: " صدوق ربما وهم ". وقد تابعه ابن
خداش كما رأيت، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وهو من شيوخ مسلم.
قلت: فالحديث بمجموع روايتهما عن ابن وهب صحيح، وهو بإسناد ابن أبي الدنيا
على شرط مسلم، فلا تغتر بعد هذا البيان بتصدير المنذري الحديث بقوله(5/632)
(4 / 111) : " وروي عن أم أيمن ... رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في " كتاب الجوع "
وغيرهما ". فإنه من أوهامه. وقال البوصيري في " الزوائد " (225 / 1) : "
قلت: ليس لأم أيمن عند ابن ماجة سوى هذا الحديث، وآخر في " الجنائز "،
وليس لها رواية في شيء من الخمسة الأصول. ورجال إسنادها حسن، يعقوب مختلف فيه
وكذلك ابن عبد الله ". كذا قال وحنش بن عبد الله ثقة بلا خلاف علمته ولذلك
جزم الحافظ في " التقريب " بأنه ثقة. والمختلف فيه إنما هو حنش بن المعتمر،
فلعله اختلط عليه بهذا. وتعقبه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في قوله: "
وليس لها رواية في شيء من الخمسة الأصول ". بقوله: " بل أخرج لها مسلم في 44 -
كتاب فضائل الصحابة 18 - باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها، حديث رقم 103
وهو الحديث الذي رواه ابن ماجة في كتاب الجنائز برقم 1635 ". قلت: وهذا تعقب
لا وجه له، لأن قول البوصيري: " ليس لها رواية ... " إنما يعني رواية مرفوعة
عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر، والحديث المشار إليه عند مسلم
وابن ماجة، إنما هو من قولها غير مرفوع. فتنبه. (فائدة) : والمراد من قوله
صلى الله عليه وسلم: " رديه.. "، أي: ردي ما غربلتيه من النخالة إلى الدقيق
، ثم اعجنيه من جديد. وهذا من زهده صلى الله عليه وسلم في طعامه. انظر بعض
الأحاديث في ذلك في " مختصر الشمائل " (باب - 5) .(5/633)
2484 - " والله يا عائشة! لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 465) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى
الله عليه وسلم " (ص 166 - 167) من طريق عباد بن عباد المهلبي عن مجالد عن
الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة من الأنصار علي
، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إليه
بفراش حشوه صوف، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قلت
: يا رسول الله! فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك، فذهبت، فبعثت بهذا.
فقال رديه، فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرات،
فقال: ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي كما في " الترغيب " (4 / 115
) وأشار إلى تقويته. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين غير مجالد
- وهو ابن سعيد - وفيه ضعف، قال الحافظ: " ليس بالقوي ". قلت: لكن وجدت
له شاهدا لا بأس به، يرويه أبو معشر عن سعيد عن عائشة، قالت: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة! لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك،
إن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت
نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا. قال: فنظرت إلى جبريل، قال: فأشار إلي: أن
ضع نفسك. قال: فقلت: نبيا عبدا. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد ذلك لا يأكل متكئا، يقول: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ".(5/634)
أخرجه أبو يعلى (3 / 1203) وعنه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه
وسلم " (ص 213) وعن هذا أبو نعيم في " الدلائل " (216) ، وحسن إسناده
الهيثمي كما تقدم تحت الحديث (544) ، وفيه نظر عندي لأن أبا معشر - واسمه
نجيح بن عبد الرحمن السندي - قال الحافظ: " ضعيف، أسن واختلط ". وللجملة
الأخيرة من حديثها طريق أخرى عنها، وشواهد سبق ذكرها وتخريجها تحت الحديث (
544) . وأما وصف الملك وحجزته فلم أجد له شاهدا نقويه به، فهذا منكر ولذلك
خرجته في " الضعيفة " (2045) .
2485 - " كان إذا صافح رجلا لم يترك يده حتى يكون هو التارك ليد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ".
روي من طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه: الأولى: عن هلال بن أبي هلال
القسملي عنه. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 225 - مصورة حلب) عن أبي بكر
محمد بن جعفر البخاري حدثنا هلال بن أبي هلال القسملي ... واللفظ له. قلت:
والقسملي ضعيف، والراوي عنه لم أعرفه. الثانية: عن زيد العمي عنه. أخرجه
الترمذي (2 / 80) واستغربه وابن ماجة (3716) وابن سعد في " الطبقات " (
1 / 378) والبغوي في " شرح السنة " (13 / 245 / 3680 - المكتب(5/635)
الإسلامي) .
وزيد العمي ضعيف أيضا. الثالثة: عن أبي جعفر الرازي عن أبي درهم عن يونس بن
عبيد عن مولى لآل أنس - قد سماه ونسيته - عنه. أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق
النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 25) وابن سعد أيضا. وهذا ضعيف لجهالة
المولى، ولسوء حفظ أبي جعفر الرازي. الرابعة: عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن
أنس. أخرجه ابن حبان (2132) . قلت: ورجاله ثقات لولا أن مبارك بن فضالة
مدلس، وقد عنعنه. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذه الطرق، ولاسيما وله
شواهد: الأول: عن ابن عمر، رواه إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن
نافع عنه. أخرجه الترمذي واستغربه وقد مضى الكلام عليه تحت الحديث (14) .
لكن أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 16) وقال: " رواه البزار، وفيه
يزيد بن عبد الرحمن بن أمية ولم أعرفه ". وأقول: الظاهر أنه إبراهيم بن عبد
الرحمن بن يزيد بن أمية كما وقع عند الترمذي، سقط اسم إبراهيم من نسخة "
البزار "، كما انقلب فيه اسم أبيه عبد الرحمن بن يزيد إلى يزيد بن عبد الرحمن
، ولم أره في " زوائد البزار " للحافظ لنستعين به على التحقيق. ثم قال
الهيثمي: " ورواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس
وبقية رجاله وثقوا ".(5/636)
ثم طبع كتابه " كشف الأستار "، فإذا الحديث فيه (2472
) من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن عن يزيد بن أمية عن نافع.. فهذا تحريف آخر:
" عن يزيد "، والصواب: " ابن يزيد ". والثاني: عن أبي هريرة. قال
الهيثمي (9 / 15) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وإسناد
الطبراني حسن ".
2486 - " إنها ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة، قلنا: ونحن
على ديننا اليوم؟ قال: وأنتم على دينكم اليوم. قنا: فنحن يومئذ خير، أم
ذلك اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير ".
أخرجه البزار في " مسنده " (3671) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو
أحمد عن عبد الجبار بن العباس عن عون بن أبي جحيفة - قال: ولا أعلمه إلا -
عن أبيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحافظ في "
زوائده " (ص 330) : " خبر غريب صحيح ". قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم
ثقات رجال مسلم غير عبد الجبار بن العباس، وهو ثقة. وقال الهيثمي (10 /
323) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الجبار بن العباس الشبامي
وهو ثقة ". ثم روى له البزار شاهدا من حديث طلحة بن عمرو نحوه.(5/637)
وأخرجه ابن
حبان أيضا (2539) وأحمد (3 / 487) من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي حرب
بن أبي الأسود عنه قال: " أتيت المدينة وليس لي بها معرفة، فنزلت الصفة مع
رجل، فكان بيني وبينه كل يوم مد من تمر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات يوم، فلما انصرف، قال رجل من أصحاب الصفة: يا رسول الله! أحرق بطوننا
التمر، وتخرقت عنا الخنف! فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب، ثم
قال: " والله لو وجدت خبزا أو لحما لأطعمتكموه، أما إنكم توشكون أن تدركوا،
ومن أدرك ذلك منكم أن يراح عليكم بالجفان وتلبسون مثل أستار الكعبة ".
قال: فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يوما وليلة ما لنا طعام إلا البرير، حتى
جئنا إلى إخواننا الأنصار فواسونا، وكان خير ما أصابنا هذا التمر ".
والسياق لأحمد - وهو أتم -، وإسناده صحيح رجاله رجال مسلم، وقال الهيثمي
(10 / 322 - 323) : " رواه الطبراني والبزار بنحوه ... ورجال البزار رجال
الصحيح غير محمد بن عثمان العقيلي، وهو ثقة ". قلت: وهذا تقصير، وقد
رواه أحمد، فكان من الواجب عزوه إليه، ولاسيما وأن رجاله كلهم رجال الصحيح
. وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أنتم اليوم خير أم إذا غدت على أحدكم صحيفة وراحت أخرى
وغدا في حلة وراح في أخرى وتكسون بيوتكم كما تكسى الكعبة؟ فقال رجل: نحن
يومئذ خير؟ قال: بل أنتم اليوم خير ". قال الهيثمي:(5/638)
" رواه الطبراني،
ورجاله رجال الصحيح غير أبي جعفر الخطمي، وهو ثقة ". قلت: وله شاهد ثالث من
حديث علي رضي الله عنه مرفوعا نحوه. أخرجه الترمذي وحسنه، وفيه أن تابعيه
لم يسم، فلعله حسنه لشواهده بل هو بها صحيح، وانظر " الترغيب " (3 / 109
و123 و 4 / 118) و " المشكاة " (5366) . وله شاهد رابع من حديث ابن مسعود
جود إسناده المنذري ثم الهيثمي، وفيه نظر بينته في " التعليق الرغيب " (3 /
123) لكنه يصلح للشواهد. وله شاهد خامس عن الحسن البصري مرسلا. أخرجه أبو
نعيم في " الحلية " (1 / 340) من طريقين عنه.
(تنبيه) : تقدم الحديث برقم (1884) برواية البزار عن أبي جحيفة فقط، ووقع
فيه هناك سقط، لعله من المخطوطة، فيصحح من هنا.
2487 - " إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا
وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. يعني عليا رضي الله
عنه ".
أخرجه النسائي في " خصائص علي " (ص 29) وابن حبان (2207) والحاكم (3 /
122 - 123) وأحمد (3 / 33 و 82) وأبو يعلى (1 / 303 - 304) وأبو نعيم
في " الحلية " (1 / 67) وابن عساكر (12 / 179 / 2 - 180 / 2) من طرق عن
إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنا
جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه،
قال: فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومضينا معه ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: (فذكره) ،
قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنه قد سمعه.(5/639)
ولفظ الحاكم وغيره: " فلم يرفع
رأسه، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وقال: " صحيح
على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وهذا من أوهامهما، فإن إسماعيل
بن رجاء وأباه لم يخرج لهما البخاري، فهو على شرط مسلم وحده. ويقابل هذا
الوهم قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 133 - 134) : " رواه أحمد،
ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة، وهو ثقة ". قلت: فمن عادة الهيثمي
في مثل هذا الإسناد أن يطلق قوله: " ورجاله رجال الصحيح "، ولا يستثني،
لأن فطرا هذا من رجال البخاري، إلا أن الدارقطني قد قال فيه: " لم يحتج به
البخاري ". وصرح الخزرجي وغيره أن البخاري يروي له مقرونا بآخر، لكنه قد
توبع كما أشرت إلى ذلك في أول التخريج بقولي: " ... من طرق "، فالحديث صحيح
لا ريب فيه.
(تنبيه) : قد خبط عبد الحسين الشيعي في " مراجعاته " (ص 180) في تخريج هذا
الحديث خبطا عجيبا، فقال بعدما عزاه للحاكم وأحمد: " وأخرجه البيهقي في "
شعب الإيمان "، وسعيد بن منصور في " سننه "، وأبو نعيم في " حليته "،
وأبو يعلى في " السنن "، 2585 في ص 155 من الجزء 6 من (الكنز) ". قلت:
وهذا مما يدل على جهله البالغ بكتب الحديث، وقلة تحقيقه، فإن الحديث في "
الكنز " الذي أشار إليه مرموز له فيه بـ (حم ع هب، ك حل ص) . وقد وقع في
رمز (هب ص) تصحيف، والصواب (حب، ض) كما في " الجامع الكبير " للسيوطي (
1 / 223 / 2) ، وبناء على ذلك التصحيف الذي لم يتنبه له الشيعي جاء منه ذلك
العزو الذي لا أصل له: " البيهقي في شعب الإيمان وسعيد بن منصور في سننه "!(5/640)
فإن قيل: لا لوم على الشيعي في ذلك، لأنه فسر الرمز الذي رآه في الكتاب،
وليس كل من ينقل من كتاب ما يكلف أن يحقق في نصوصه ورموزه. فأقول: هذا حق،
ولكن في ترتيب الرموز الواقعة في " الكنز " ما يشعر العالم بأن فيها تحريفا دون
أن يكلفه ذلك مراجعة ما، فرمز (هب، ك، حل، ص) غير معقول ولا مهضوم عند
أهل العلم، لأن (هب) المرموز به للبيهقي هو تلميذ (ك) المرموز به للحاكم
فكيف يقدم التلميذ على شيخه في الذكر؟ ولاسيما وكتاب شيخه معدود في " الصحاح
"، بخلاف " شعب البيهقي ". ولأن (ص) المرموز به لسعيد بن منصور، هو أعلى
جميع المرموز لهم، فكيف يؤخر عنهم وهو مقدم عليهم؟ ! ولكن الصواب كما ذكرنا
(ض) ، وهو رمز للضياء المقدسي في " المختارة ". فلو كان عند الشيعي معرفة
بتراجم أئمة الحديث لكان ذلك كافيا في صيانته من هذا الخبط العجيب. زد على ذلك
أنه فسر (ع) بـ " أبو يعلى في السنن "! وإنما هو أبو يعلى في " المسند "،
وطلبة العلم المبتدئون يعلمون أن أبا يعلى ليس له " كتاب السنن ". وله من
مثل هذا غرائب وعجائب كقوله في حديث: " من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ...
": " أخرجه البيهقي في " صحيحه "، والإمام أحمد في " مسنده "! وليس
للبيهقي أيضا كتاب الصحيح، ولا أخرج الحديث الإمام أحمد في " مسنده "، بل هو
حديث موضوع كما حققته في الكتاب الآخر برقم (4903) ، وقد خرجت فيه جملة
كثيرة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي احتج بها الشيعي المذكور على أهل
السنة في ولاية علي رضي الله عنه وعصمته، فراجع الأرقام (4882 - 4907) فما
بعدها تر العجب العجاب، ويتبين لك أن الرجل لا علم عنده مطلقا بعلم الحديث
ورواته وصحيحه وسقيمه، وإنما هو قماش جماع حطاب!
(تنبيه آخر) : لقد ساق الحديث الشيعي المذكور في حاشية الكتاب (ص 166) بلفظ
: " كما قوتلتم على تنزيله "، فحرف قوله صلى الله عليه وسلم: " قاتلت "، إلى
قوله " قوتلتم "، غمزا(5/641)
في الصحابة وطعنا فيهم، عامله الله بما يستحق. وقد
روي الحديث بلفظ آخر من طريق محمد بن جعفر الفيدي قال: نبأنا محمد ابن فضيل عن
الأجلح قال: نبأنا قيس بن مسلم وأبو كلثوم عن ربعي بن خراش قال: سمعت عليا
يقول وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبدا، فارددهم علينا. فقال له
أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن
تنتهوا يا معشر قريش! حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب
أعناقكم، وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم. فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله
؟ قال: لا. قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل
. قال: وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه
الخطيب في " التاريخ " (1 / 133 - 134 و 8 / 433) ، وابن عساكر (12 / 149 /
2) . قلت: وإسناده حسن إن كان الفيدي قد حفظه، فإن له أحاديث خولف فيها كما
قال الحافظ في " التهذيب "، ومال إلى أنه ليس هو الذي حدث عنه البخاري في "
صحيحه "، وإنما هو القوسي، ولذلك لم يوثقه في " التقريب "، بل قال فيه: "
مقبول "، يعني عند المتابعة. وفيه إشارة إلى أنه لم يعتد بإيراد ابن حبان
إياه في " الثقات "، ولم يتابع عليه فيما علمت. والله سبحانه وتعالى أعلم
. ثم وجدت له طريقا أخرى عن ربعي، يتقوى بها، يرويه شريك عن منصور عنه عن علي
قال: " جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش فقالوا: يا محمد! إنا
جيرانك وحلفاؤك، وإن من(5/642)
عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في
الفقه، إنما فروا من ضياعنا وأموالنا، فارددهم إلينا. فقال لأبي بكر: ما
تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه النبي صلى الله عليه
وسلم، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغير
وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " يا معشر قريش! والله ليبعثن عليكم
رجلا منكم، امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين، أو يضرب بعضكم ".
قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله! قال: لا قال عمر: أنا هو يا رسول الله!
قال: لا، ولكن ذلك الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها ".
أخرجه الترمذي (2: 298) ، والنسائي في " الخصائص " (ص 8) والضياء في "
المختارة " (1 / 161) ، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا
من حديث ربعي عن علي ". قلت: شريك سيء الحفظ ولكنه يصلح للاستشهاد به
والتقوية وقد تابعه أبان بن صالح، عن منصور بن المعتمر به. أخرجه أبو داود (
2700) وعنه الضياء (1 / 161 - 162) .
2488 - " والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار ".
أخرجه الحاكم (3 / 150) من طريق محمد بن فضيل: حدثنا أبان بن تغلب عن جعفر
بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:(5/643)
" صحيح على شرط مسلم ". قلت: وهو كما
قال، وبيض له الذهبي. وتابعه هشام بن عمار: حدثنا أسد بن موسى حدثنا سليم
بن حيان عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري نحوه. أخرجه ابن حبان (
2246) . قلت: ورجاله ثقات على ضعف في هشام بن عمار لتلقنه.
2489 - " كان يحرس حتى نزلت هذه الآية: * (والله يعصمك من الناس) * (1) ، فأخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس!
انصرفوا فقد عصمني الله ".
أخرجه الترمذي (2 / 175) وابن جرير (6 / 199) والحاكم (2 / 313) من
طريق الحارث بن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت:
فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب " وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن
عبد الله بن شقيق، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ... ولم يذكروا
فيه: عن عائشة ". قلت: وهذا أصح، لأن الحارث بن عبيد - وهو أبو قدامة
الإيادي - فيه ضعف من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ بقوله: " صدوق يخطىء ".
_________
(1) المائدة: الآية: 67. اهـ.(5/644)
وقد خالفه بعض الذين أشار إليهم الترمذي، ومنهم إسماعيل بن علية الثقة الحافظ
، رواه ابن جرير بإسنادين عنه عن الجريري به مرسلا. قلت: فهو صحيح مرسلا،
وأما قول الحاكم عقب المسند عن عائشة: " صحيح الإسناد "، فمردود لما ذكرنا،
وإن تابعه الذهبي. نعم الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث أبي هريرة قال: "
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا نظروا أعظم شجرة يرونها
، فجعلوها للنبي صلى الله عليه وسلم، فينزل تحتها، وينزل أصحابه بعد ذلك في
ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة - وقد علق السيف عليها - إذ جاء أعرابي
فأخذ السيف من الشجرة، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فأيقظه
، فقال: يا محمد! من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
الله. فأنزل الله: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل
فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (1) ! الآية ". أخرجه ابن حبان في (
صحيحه - 1739 موارد) ، وابن مردويه كما في ابن كثير (6 / 198) من طريقين عن
حماد بن سلمة حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. قلت: وهذا إسناد حسن.
وذكر له ابن كثير شاهدا ثانيا من حديث جابر. رواه ابن أبي حاتم. وله شاهدان
آخران عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي مرسلا. واعلم أن الشيعة يزعمون -
خلافا للأحاديث المتقدمة - أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير (خم) في علي رضي
الله عنه، ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها، ومنها عن
أبي سعيد الخدري، ولا يصح عنه كما حققته في " الضعيفة "
_________
(1) المائدة: الآية: 67. اهـ.(5/645)
(4922) ،
والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في " مراجعاته " (ص 38) دون أي
تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في كل أحاديث كتابه، لأن غايته حشد كل ما يشهد
لمذهبه، سواء صح أو لم يصح على قاعدتهم: " الغاية تبرر الوسيلة "! فكن منه
ومن رواياته على حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس على القراء - إن لم أقل يكذب
عليهم - فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر، بل
الباطل: " أخرجه غير واحد من أصحاب السنن، كالإمام الواحدي ... "! ووجه
كذبه أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة
، وإنما هو مفسر، يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما
لا يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف، كما هو مبين في المكان
المشار إليه من " الضعيفة ". وهذه من عادة الشيعة قديما وحديثا: أنهم
يستحلون الكذب على أهل السنة، عملا في كتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا
باستحلالهم للتقية، كما صرح بذلك الخميني في كتابه " كشف الأسرار " (ص 147 -
148) ، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب، ولذلك قال أعرف الناس بهم،
شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشيعة أكذب الطوائف ". وأنا شخصيا قد لمست كذبهم
لمس اليد في بعض مؤلفيهم وبخاصة عبد الحسين هذا والشاهد بين يديك، فإنه فوق
كذبته المذكورة، أوهم القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسكوته عن
علته وادعائه كثرة طرقه، فقد كان أصرح منه في الكذب الخميني، فإنه صرح في
الكتاب المذكور (ص 149) أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن
أبي طالب باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة، كذا قال عامله الله بما يستحق،
وسأزيد هذا الأمر بيانا في " الضعيفة " إن شاء الله تعالى.(5/646)
2490 - " إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقر
بهم عينه، ثم قرأ: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * (1) الآية،
ثم قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين ".
أخرجه البزار (ص 221) وابن عدي (ق 270 / 1) والبغوي في " التفسير " (8 /
82 - منار) عن قيس بن الربيع عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البزار: " رواه الثوري
عن عمرو بن مرة موقوفا ". وقال الحافظ عقبه: " وهو أحفظ من قيس وأوثق ".
قلت: ولا شك في ذلك، ولكن من الممكن أن يقال: إن الموقوف في حكم المرفوع،
لأنه لا يقال بمجرد الرأي، بل هو ظاهر الآية المذكورة وهو الذي رجحه ابن جرير
وغيره في تفسيرها وقد أخرجه هو (27 / 15) والحاكم (2 / 468) من طرق عن
الثوري عن عمرو بن مرة به موقوفا على ابن عباس، فهو صحيح الإسناد. وأما
الحديث الذي أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " بإسناد آخر عن سعيد بن جبير
عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده
؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر
بإلحاقهم به، وقرأ ابن عباس: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * (2) ، الآية ". فهو موضوع، وإن سكت عليه الحافظ ابن كثير (8 / 82) وكأنه
مقلوب عن هذا، وقد خرجته وبينت علته في الكتاب الآخر (2602) .
_________
(1) الطور: الآية: 21. اهـ.
(2) الطور: الآية: 21. اهـ.(5/647)
2491 - " كان إذا دعا (يعني: في الاستسقاء) جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 167 / 2 - مكتب 2) : حدثنا زهير حدثنا يزيد
بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (3 / 24) بنحوه من طريق
الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة بلفظ: " إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى
فأشار بظهر كفيه إلى السماء ". وأخرجه أحمد (3 / 153) : حدثنا حسن بن موسى
به. ثم أخرجه (3 / 241) عن مؤمل: حدثنا حماد به. ثم قال (3 / 271) :
حدثنا عفان بلفظ: " إن الناس قالوا: يا رسول الله! هلك المال وأقحطنا،
وهلك المال فاستسق لنا، فقام يوم الجمعة وهو على المنبر، فاستسقى - وصف حماد
- وبسط يديه حيال صدره وبطن كفيه مما يلي الأرض، وما في السماء قزعة، فما
انصرف حتى أهمت الشاب القوي نفسه أن يرجع إلى أهله، فمطرنا إلى الجمعة الأخرى
، فقالوا: يا رسول الله! تهدم البنيان، وانقطع الركبان، ادع الله أن
يكشطها عنا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم حوالينا لا
علينا. فانجابت حتى كانت المدينة كأنها في إكليل ". وأخرجه أبو يعلى أيضا (
ق 166 / 2) : حدثنا زهير: حدثنا عفان به. وأخرجه أبو داود من طريق أخرى عن
عفان بموضع الشاهد فقط منه. وتابعه عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس به مختصرا
بلفظ:(5/648)
" كان يدعو ببطن كفيه، ويقول: هكذا بظهر كفيه ". أخرجه أبو يعلى (2
/ 264 - 265) . وعمر هذا ضعيف. (فائدة) : قد ذهب إلى العمل بالحديث وأفتى
به الإمام مالك رحمه الله تعالى كما جاء في " المدونة " لابن القاسم (2 / 158
) .
2492 - " من عال ثلاثا من بنات يكفيهن ويرحمهن ويرفق بهن، فهو في الجنة ".
أخرجه أبو يعلى (2 / 591) : حدثنا أبو خيثمة أخبرنا يزيد بن هارون أن سفيان
بن حسين عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وفيه قصة. وأخرجه أحمد (3
/ 303) والبزار (2 / 384 / 1908) والبخاري أيضا في " الأدب المفرد " (78
) عن علي بن زيد عن محمد بن المنكدر به. قلت: وإسناد أبي يعلى ظاهره الصحة،
فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكني أخشى أن يكون سقط من بين سفيان ومحمد
علي بن زيد - وهو ابن جدعان الذي في إسناد أحمد - فإني لم أر من ذكر في شيوخ
سفيان محمد بن المنكدر، وقد راجعت " تهذيب الكمال " للحافظ المزي " ومن
عادته أن يستقصي في كل ترجمة أسماء الشيوخ والرواة عنه، ولم يذكر ذلك في
ترجمة سفيان، ولا في ترجمة ابن المنكدر. والله أعلم. ولكنه على كل حال قد
توبع، فقال البزار وبحشل في " تاريخ واسط " (83) : حدثنا محمد بن كثير بن
نافع الثقفي ابن بنت يزيد بن هارون قال: حدثنا سرور بن المغيرة قال:(5/649)
حدثنا
سليمان التيمي عن محمد بن المنكدر به. قلت: وهذا إسناد جيد لولا أني لم أعرف
الثقفي هذا. وسرور وثقه ابن حبان (6 / 437 و 8 / 301) . وقال أبو حاتم: "
شيخ ". وابن سعد: " معروف ". انظر " تيسير الانتفاع ". وقد سبق الحديث
برقم (1027) ، وقد أعيد هنا لزيادة تحقيق. والحديث قال الهيثمي (8 / 157
) تبعا للمنذري (3 / 84 - 85) : " رواه أحمد بإسناد جيد والبزار والطبراني
في (الأوسط) ". كذا قالا، وقد عرفت أن في إسناد أحمد علي بن زيد بن جدعان
، وهو ضعيف لسوء حفظه. ولم يتكلما على إسناد البزار الآخر بشيء! وقلدهما
الأعظمي كما هي عادته! لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم
(294 - 296) .
2493 - " إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له ظئرين يكملان رضاعته في الجنة ".
أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (3 / 112) : حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن
عمرو بن سعيد عن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول
الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق
ونحن معه، فيدخل البيت، وإن ليدخن - وكان ظئره قينا -(5/650)
فيأخذه، فيقبله، ثم
يرجع، (قال عمرو) : فلما توفي إبراهيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فذكره) . وبهذا الإسناد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 136 و 139)
مفرقا في موضعين، مصرحا بأن الحديث من قول عمرو مرفوعا، لم يسنده إلى أنس.
وكذلك أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (7 / 76 - 77) من طريق زهير وابن نمير
عن إسماعيل - وهو ابن علية - به، في سياق واحد كسياق أحمد. وكذلك رواه أبو
يعلى (4195 و 4196) . وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (9 / 51 / 6911) من
طريقين آخرين به، لكن لم يذكر: " قال عمرو "، فجعل الحديث كله من مسند أنس،
وهو شاذ مخالف لرواية الجماعة. وعمرو بن سعيد هو أبو سعيد البصري. وتابعه
وهيب عن أيوب به دون قول عمرو: " فلما توفي إبراهيم ... ". إلخ. أخرجه أبو
يعلى (4197) . قلت: فهذا يؤكد أن حديث الترجمة مرسل، ليس من مسند أنس،
ويزيده تأكيدا أن ثابتا لم يذكره أيضا في حديثه عن أنس، كما رواه سليمان بن
المغيرة عنه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة
غلام، فسميته باسم أبي: إبراهيم ". ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين يقال له
: أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ في كيره،
قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقلت: يا أبا سيف! أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك، فدعا
النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي، فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول ...
الحديث.(5/651)
أخرجه مسلم (7 / 76) وأبو داود (3126) وابن حبان في " صحيحه " (
4 / 245 / 2891) والبيهقي (4 / 69) وأحمد (3 / 194) وابن سعد (1 / 136
) وأبو يعلى (6 / 42 / 3288) وعلقه البخاري في " الجنائز " عقب رواية أخرى
له (1303) مختصرة عن هذه ولم يسق لفظها، فعزو السيوطي في " الجامع " قوله
صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام ... " للبخاري أيضا فيه نظر لا يخفى
، وإن قلده فيه الغماري في " كنزه " كعادته، ولم يتنبه له المناوي. وهذا
القدر من الحديث أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 454) . (تنبيه) :
لقد غفل عن إرسال عمرو بن سعيد لحديث الترجمة المعلق الفاضل على " مسند أبي
يعلى " حين قال: " إسناده صحيح ". ثم عزاه لمسلم وغيره. وحقه التفريق بين
حديث الترجمة، وبين ما قبله على ما سبق بيانه. وإذ الأمر كذلك، فلابد من
تخريج شاهد له يقويه ويأخذ بعضده وهو حديث البراء بن عازب قال: " توفي
إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ابن ستة عشر شهرا فقال: ادفنوه بالبقيع
، فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة ". أخرجه أحمد (4 / 297 و 304) وابن
عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 215 / 1) بسند صحيح على شرط الشيخين وأبو يعلى
(1696) بسند آخر عنه، صحيح على شرط مسلم. وهو في " صحيح البخاري " (1382
و3255 و 6195) وغيره من طريق ثالث عنه نحوه، دون الشطر الأول منه، وهو
مخرج في " السلسلة الأخرى " تحت الحديث (3202) ، فإنه قد جاء بزيادات أخرى لا
يصح بعضها، خرجته لذلك هناك، مميزا ما صح منها مما لا يصح، فذكرت هذا في
جملة ما صح وبالله التوفيق.(5/652)
ثم إن لفظ ابن حبان: " إن له مرضعتين في الجنة "
. فهو شاهد قوي لحديث عمرو. والله سبحانه وتعالى أعلم.
2494 - " ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا [قالها مرتين أو ثلاثا] ، من حيث
يطلع قرن الشيطان، [يشير [بيده] إلى المشرق، وفي رواية: العراق] ".
هو من حديث ابن عمر وله عنه طرق: الأولى: عن نافع عنه أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: فذكره. أخرجه البخاري (2 / 275
و4 / 374) ومسلم (8 / 180 - 181) وأحمد (2 / 18 و 92) من طرق عنه.
والسياق والزيادة الأولى لمسلم. وفي رواية لأحمد: " كان قائما عند باب عائشة
فأشار بيده نحو المشرق ". وهو رواية لمسلم. ولفظ البخاري في الموضع الأول
المشار إليه: " قام خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة ". وفي أخرى لمسلم: عند باب
حفصة. وهي شاذة عندي. الثانية: عن سالم عنه مثل رواية نافع الأول إلا أنه
كرر الجملة ثلاثا وقال فيها: " ها "، بدل: " ألا ". أخرجه البخاري (2 /
384 و 4 / 374) ومسلم أيضا والترمذي (2 / 44) ، وقال: " حسن صحيح ".(5/653)
وأحمد (2 / 23 و 40 و 72 و 140 و 143) والسياق له في رواية وكذا مسلم وفي
إحدى روايتي البخاري: " وهو على المنبر.. يشير إلى المشرق ". وفي الأخرى:
" قام إلى جنب المنبر فقال ... ". وفي أخرى لأحمد: " صلى الفجر فاستقبل مطلع
الشمس، فقال ... ". وإسناده صحيح. وفي أخرى له ولمسلم من طريق عكرمة بن
عمار عن سالم بلفظ: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: "
رأس الكفر من ههنا ... ". لكن عكرمة فيه ضعف من قبل حفظه، فلا يحتج به فيما
يخالف الثقات. وفي أخرى لأحمد قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يشير بيده يؤم العراق: ها إن الفتنة ... " الحديث بتمامه. وهو رواية لمسلم.
ويشهد لها رواية أخرى له من طريق ابن فضيل عن أبيه قال: سمعت سالم بن عبد
الله بن عمر يقول: يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة!
سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: فذكره مرفوعا.
الثالثة: عن عبد الله بن دينار عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يشير إلى المشرق فقال: فذكره، مثل رواية سالم الأولى، إلا أنه كرر الجملة
مرتين. أخرجه مالك (3 / 141 - 142) والبخاري (2 / 321 و 3 / 471) وأحمد(5/654)
(2 / 23، 50، 73، 110) ، وكرر الجملة ثلاثا في رواية له والسياق للبخاري
. الرابعة: عن بشر بن حرب: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا ومدنا ويمننا وشامنا
. ثم استقبل مطلع الشمس فقال: من ههنا يطلع قرن الشيطان من ههنا الزلازل
والفتن ". أخرجه أحمد (2 / 126) ورجاله ثقات رجال مسلم، غير بشر هذا فإنه
لين. لكن يشهد له حديث توبة العنبري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. إلى قوله: " وشامنا " مع تقديم وتأخير وزاد: " فقال
رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأعرض عنه، فقال: فيها الزلازل والفتن
وبها يطلع قرن الشيطان ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 133) وإسناده
صحيح. وله طريق أخرى عند الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 201 / 1) عن
ابن عمر نحوه وفيه: " فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله!
وفي عراقنا؟ ... " الحديث. وإسناد صحيح أيضا. وأصله عند البخاري وأحمد
فراجع له كتابي " تخريج فضائل الشام " (ص 9 - 10) . وقد تقدم تخريجه والذي
قبله برقم (2246) بزيادة. ثم إن للحديث شاهدا من رواية أبي مسعود مرفوعا
بلفظ: " من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين
... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 382) . قلت: وطرق الحديث متضافرة على أن
الجهة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي(5/655)
المشرق، وهي على
التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة، فالحديث علم من أعلام نبوته
صلى الله عليه وسلم، فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة
بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها
. وقد روى البخاري (7 / 77) وأحمد (2 / 85، 153) عن ابن أبي نعم قال:
" شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذبابا فقال: يا أهل
العراق! تسألوني عن محرم قتل ذبابا، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتي في الدنيا
". وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة
عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء، فقد عقد عبد الحسين
الشيعي المتعصب في كتابه " المراجعات " (ص 237) فصولا عدة في الطعن فيها
وتكذيبها في حديثها، ورميها بكل واقعة، بكل جرأة وقلة حياء، مستندا في ذلك
إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد بينت قسما منها في " الضعيفة " (4963
- 4970) مع تحريفه للأحاديث الصحيحة، وتحميلها من المعاني ما لا تتحمل كهذا
الحديث الصحيح، فإنه حمله - فض فوه وشلت يداه - على السيدة عائشة رضي الله
عنها زاعما أنها هي الفتنة المذكورة في الحديث - * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم
إن يقولون إلا كذبا) * (1) معتمدا في ذلك على الروايتين المتقدمتين:
الأولى: رواية البخاري: فأشار نحو مسكن عائشة ... والأخرى: رواية مسلم:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا.
.. فأوهم الخبيث القراء الكرام بأن الإشارة الكريمة إنما هي إلى مسكن عائشة
ذاته،
_________
(1) الكهف: الآية: 5. اهـ.(5/656)
وأن المقصود بالفتنة هي عائشة نفسها! والجواب، أن هذا هو صنيع
اليهود الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فإن قوله في الرواية الأولى: "
فأشار نحو مسكن عائشة "، قد فهمه الشيعي كما لو كان النص بلفظ: " فأشار إلى
مسكن عائشة "! فقوله: " نحو " دون " إلى " نص قاطع في إبطال مقصوده الباطل،
ولاسيما أن أكثر الروايات صرحت بأنه أشار إلى المشرق. وفي بعضها العراق.
والواقع التاريخي يشهد لذلك. وأما رواية عكرمة فهي شاذة كما سبق، ولو قيل
بصحتها، فهي مختصرة جدا اختصارا مخلا، استغله الشيعي استغلالا مرا، كما يدل
عليه مجموع روايات الحديث، فالمعنى: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت
عائشة رضي الله عنها، فصلى الفجر، ثم قام خطيبا إلى جنب المنبر (وفي رواية
: عند باب عائشة) فاستقبل مطلع الشمس، فأشار بيده، نحو المشرق. (وفي
رواية للبخاري: نحو مسكن عائشة) وفي أخرى لأحمد: يشير بيده يؤم العراق.
فإذا أمعن المنصف المتجرد عن الهوى في هذا المجموع قطع ببطلان ما رمى إليه
الشيعي من الطعن في السيدة عائشة رضي الله عنها. عامله الله بما يستحق.
2495 - " والذي نفسي بيده، لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخرها ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 42) : حدثنا روح حدثنا عثمان الشحام حدثنا مسلم بن
أبي بكرة عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد - وهو ينطلق
إلى الصلاة - فقضى الصلاة ورجع عليه وهو ساجد، فقام النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: من يقتل هذا؟ فقام رجل فحسر عن يديه فاخترط سيفه وهزه ثم قال:
يا نبي الله! بأبي أنت وأمي كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمد عبده ورسوله؟ ثم قال: من يقتل هذا؟ فقام رجل فقال: أنا.(5/657)
فحسر عن
ذراعيه واخترط سيفه وهزه حتى ارعدت يده فقال: يا نبي الله! كيف أقتل رجلا
ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله؟ فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي
(6 / 225) : " رواه أحمد والطبراني من غير بيان شاف، ورجال أحمد رجال
الصحيح ". وعزاه الحافظ في " الإصابة " (2 / 174 - 175) لمحمد بن قدامة
والحاكم في " المستدرك ". ولم أره فيه بهذا السياق وإنما أخرج (2 / 146) من
طريقين آخرين عن الشحام بإسناده حديثا آخر في الخوارج وصححه على شرط مسلم.
وللحديث شاهد من حديث أنس نحوه. وفيه أن الرجل الأول الذي قام لقتله هو أبو
بكر، والثاني عمر، وزاد: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم
إلى هذا فيقتله؟ قال علي: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت له
إن أدركته. فذهب علي فلم يجد، فرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أقتلت الرجل؟ قال: لم أدر أين سلك من الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: إن هذا أول قرن خرج من أمتي، لو قتلته ما اختلف من أمتي اثنان ".
أخرجه أبو يعلى (3 / 1019 - 1020) من طريق يزيد الرقاشي قال: حدثني أنس بن
مالك به. قلت: ورجاله رجال مسلم، غير الرقاشي، وهو ضعيف. وتابعه موسى
بن عبيدة: أخبرني هود بن عطاء عن أنس به نحوه. وفيه أن أبا بكر قال: كرهت
أن أقتله وهو يصلي، وقد نهيت عن ضرب المصلين. أخرجه أبو يعلى (3 / 1025 -
1026) . قلت: وموسى بن عبيدة ضعيف. وله طريق ثالثة، يرويه عبد الرحمن بن
شريك: حدثنا أبي عن الأعمش عن أبي سفيان(5/658)
عن أنس به نحوه، لكن ليس فيه حديث
الترجمة. أخرجه البزار (ص 207) . قلت: وهذا إسناد فيه ضعف من أجل شريك
وابنه. وله شاهد آخر يرويه جامع بن مطر الحبطي: حدثنا أبو رؤبة شداد بن عمران
القيسي عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقال: يا رسول الله! إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة
يصلي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه
أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: اذهب فاقتله، فذهب
عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر قال فكره أن يقتله قال فرجع، فقال:
يا رسول الله! إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله، قال: يا علي! اذهب
فاقتله، قال، فذهب علي فلم يره، فرجع علي فقال: يا رسول الله! إنه لم يره
، فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم،
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، حتى يعود السهم
في فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية. أخرجه أحمد (3 / 15) . قلت: وإسناده
حسن، رجاله ثقات معروفون، غير أبي روبة هذا، وقد وثقه ابن حبان وروى عنه
يزيد بن عبد الله الشيباني أيضا وقال الهيثمي (6 / 225) : " رواه أحمد
ورجاله ثقات ". ثم صرح في الصفحة التالية أنه صح هو وحديث أبي بكرة المتقدم،
حديث الترجمة. (فوقه) : في " النهاية ": " فوق السهم: موضع الوتر منه ".(5/659)
2496 - " كان يبعثه البعث فيعطيه الراية، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، جبريل عن
يمينه، وميكائيل عن يساره. يعني عليا رضي الله عنه ".
أخرجه ابن حبان (2211) وأحمد (1 / 199) والبزار (2574 - الكشف)
والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 131 / 1) والنسائي في " الخصائص " رقم (
25) نحوه تحقيق البلوشي وابن عساكر (12 / 215 / 1 - 2) من طرق عن أبي إسحاق
عن هبيرة بن يريم قال: سمعت الحسن بن علي قام فخطب الناس فقال: يا أيها
الناس! لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون. لقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه (الحديث) ، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا
سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشترى بها خادما. قلت: ورجاله ثقات رجال
الشيخين، غير هبيرة هذا، فقد اختلفوا فيه، وقال الحافظ: " لا بأس به،
وقد عيب بالتشيع ". قلت: وأبو إسحاق - وهو السبيعي - مدلس وكان اختلط،
وقد اختلف عليه في إسناده، فرواه جمع عنه هكذا. وخالفهم حفيده إسرائيل فقال:
عن أبي إسحاق عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي ... الحديث. أخرجه
أحمد وابن عساكر. قلت: ولعل هذا الاختلاف من السبيعي نفسه لاختلاطه، لكنه
قد توبع. فقال سكين بن عبد العزيز، حدثني حفص بن خالد: حدثني أبي خالد بن
جابر قال:(5/660)
لما قتل ابن أبي طالب قام الحسن خطيبا ... فذكره. أخرجه البزار (
2573) : حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا سكين بن عبد العزيز به.
وأخرجه أبو يعلى (4 / 1596) : حدثنا إبراهيم بن الحجاج: أخبرنا سكين به، إلا
أنه زاد في الإسناد، فقال: عن خالد بن جابر عن أبيه عن الحسن ... فزاد فيه
جابرا والد خالد. وكذا رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 235 / 8634
) من طريق عبد الرحمن قال: حدثنا سكين بن عبد العزيز به. وقال الطبراني: "
لم يروه إلا سكين، تفرد به عبد الرحمن ". قلت: بل تابعه إبراهيم بن الحجاج
كما تقدم. وقال البزار: " ولا نعلم حدث به [عن] حفص إلا سكين، وإسناده
صالح ". كذا قال! وحفص بن خالد بن جابر وأبوه وجده لا يعرفون، وحفص
وأبوه أوردهما ابن أبي حاتم (1 / 2 / 172، 323) ولم يذكر فيهما جرحا ولا
تعديلا. وقال في حفص: " روى عن أبيه. روى عنه سكين بن عبد العزيز ". وقال
في خالد بن جابر: " روى عن الحسن بن علي، روى عنه ابنه حفص بن خالد بن جابر "
. قلت: وهذا مطابق لرواية البزار. لكن في " تاريخ البخاري " (1 / 2 / 362 -
363) : " حفص بن خالد بن جابر، سمع أباه عن جده: قال الحسن بن علي: قتل علي(5/661)
ليلة نزل القرآن. سمع منه سكين بن عبد العزيز ". قلت: وهذا مطابق لرواية
أبي يعلى و " أوسط الطبراني "، فالاختلاف في إسناده قديم، ولعله من حفص هذا
، فإنه وإن وثقه ابن حبان، فهو متساهل في التوثيق كما هو معروف. وللحديث
طريق ثالث، لكنه لا يساوي فلسا، لأنه من رواية أبي الجارود عن منصور عن أبي
رزين قال: خطبنا الحسن بن علي حين أصيب أبوه وعليه عمامة سوداء فذكر نحوه.
أخرجه البزار. قلت: وأبو الجارود - واسمه زياد بن المنذر الأعمى - قال
الحافظ: " رافضي كذبه يحيى بن معين ". وله طريق رابع، يرويه علي بن جعفر بن
محمد: حدثني الحسين بن زيد عن عمر بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال: خطب
الحسن بن علي الناس حين قتل ... فذكر الحديث بتمامه، وزاد: " ثم قال: أيها
الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن
النبي، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي
إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل
ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس
وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال
تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا
المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) * (1) فاقتراف الحسنة
مودتنا أهل البيت ".
_________
(1) الشورى: الآية: 23. اهـ.(5/662)
أخرجه الحاكم (3 / 172) ، وسكت عليه. وتعقبه الذهبي
بقوله: " قلت: ليس بصحيح ". وأشار إلى أن آفته شيخ الحاكم الحسن بن محمد بن
يحيى العلوي، وقد اتهمه في " الميزان " بوضع حديث: " علي خير البشر "،
وأنكر على الخطيب تساهله في قوله فيه: " هذا حديث منكر، ليس بثابت "! ووافقه
الحافظ في " اللسان ". قلت: وعلي بن جعفر هذا، لم يوثقه أحد، بل أشار
الترمذي إلى تضعيفه، بأن استغرب حديثه بلفظ: " من أحبني وأحب هذين ... ".
وهو مخرج في الكتاب الآخر (3122) . وقال الذهبي في " الميزان ": " ما رأيت
أحدا لينه، ولا من وثقه، لكن حديثه منكر جدا، ما صححه الترمذي ولا حسنه "
. وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة. قلت: وهذه
الزيادة التي تفرد بها دون سائر الطرق منكرة جدا، ولاسيما آخرها المتعلق
بتفسير آية المودة، فإن التفسير المذكور باطل، لا يعقل أن يصدر من الحسن ابن
علي رضي الله عنه، لأن الآية مكية نزلت قبل زواج علي بفاطمة رضي الله عنهما،
والمعنى كما صح عن ابن عباس: إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم، وما روي
عن ابن عباس مما يخالف هذا باطل لا يصح عنه كما حققته في الكتاب الآخر برقم (
4974) . وجملة القول، أن حديث الترجمة حسن بطريقيه الأولين، ويمكن
الاستشهاد(5/663)
بالطريق الرابع أيضا. والله أعلم.
(تنبيه) : أورد الهيثمي في " المجمع " (9 / 146) الحديث من رواية أبي
الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي ... الحديث بطوله مثل الطريق الرابع، وفيه
الزيادة المذكورة. ثم قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير
" باختصار، وكذا أبو يعلى، والبزار بنحوه، ورواه أحمد باختصار كثير،
وإسناد أحمد، وبعض طرق البزار والطبراني حسان ". قلت: وقد خرجت لك كل
روايات هؤلاء الأئمة وطرقها - سوى طريق أبي الطفيل، فإني لم أقف عليه بعد -
وهي كلها مختصرة كما صرح بذلك الهيثمي وليس فيها تلك الزيادة المنكرة التي في
رواية الحاكم، فإذا عرفت هذا، يتبين لك خطأ الفقيه الهيثمي في " الصواعق " (
ص 101) حين قال: " وأخرج البزار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق
بعضها حسان أنه خطب خطبة من جملتها: من عرفني فقد عرفني ... " إلخ. وشرحه
أنه وقع على تخريج الحافظ الهيثمي المذكور، فلخصه تلخيصا سيئا، غير متنبه
لكون الخطبة بطولها مما تفرد به " أوسط " الطبراني دون الآخرين وأن التحسين
المذكور إنما هو لبعض طرقهم، وليس منها طريق أبي الطفيل، وهذه مما سكت عنه
الهيثمي مع الأسف الشديد. ثم وقفت على إسنادها في " الأوسط " (2344 - بترقيمي
) ، فإذا هو من رواية سلام ابن أبي عمرة عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل.
وسلام هذا قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 341) : " يروي عن الثقات
المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج بخبره ".(5/664)
2497 - " يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، [أ] ولعلك أن تمر بمسجدي
[هذا أ] وقبري ".
أخرجه أحمد (5 / 235) : حدثنا الحكم بن نافع أبو اليمان حدثنا صفوان بن عمرو
عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذا لما بعثه النبي صلى
الله عليه وسلم خرج إلى اليمن معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ
راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: فذكره.
وزاد: فبكى معاذ بن جبل جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تبك يا معاذ! للبكاء، أو إن البكاء من
الشيطان ". وكذا رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 121) : حدثنا
أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو حدثنا أبو اليمان به. وقال أحمد: حدثنا أبو
المغيرة: حدثنا صفوان به دون قوله: " فقال: لا تبك ... " إلخ. والزيادتان
له، وزاد في آخره: ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس
بي المتقون، من كانوا، وحيث كانوا ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم
ثقات، وأبو المغيرة اسمه عبد القدوس بن الحجاج، وخالف الإمام أحمد عنه
البزار في " مسنده " فقال (1 / 380 - الكشف) : حدثنا العباس بن عبد الله،
حدثنا عبد القدوس بن الحجاج به مثل رواية أبي اليمان، إلا أنه أسقط من الإسناد
السكوني، فقال: عن راشد بن سعد عن معاذ بن جبل ... وقال الحافظ عقبه في "
زوائد البزار " (ص 87) : " قلت: فيه انقطاع ".(5/665)
وسكت الهيثمي عن هذه العلة
، فقال في " المجمع " (3 / 16) : " رواه البزار، ورجاله ثقات "!
قلت: وإنما نسبت المخالفة إلى البزار، وليس إلى شيخه العباس بن عبد الله
الراوي عن أبي المغيرة مباشرة لأن البزار قد تكلم فيه، بخلاف شيخه - وهو
المعروف بالترقفي - فإنه ثقة حافظ. ولأبي المغيرة عن صفوان شيخ آخر، فقال
صفوان: حدثني أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني عن يزيد بن قطيب عن معاذ أنه كان
يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: " لعلك أن تمر
بقبري ومسجدي، قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، يقاتلون على الحق (مرتين) ،
فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك، ثم يفيئون إلى الإسلام، حتى تبادر المرأة
زوجها، والولد والده، والأخ أخاه، فانزل بين الحيين: السكون والسكاسك "
. أخرجه أحمد أيضا، والطبراني (20 / 89 - 90) والبيهقي (9 / 20) . قال
الهيثمي (10 / 55) بعد أن عزاه للأولين: " ورجاله ثقات، إلا أن يزيد بن
قطيب لم يسمع من معاذ ". قلت: وهذا النفي مأخوذ من أنه روى عن أبي بحرية فقط
، لم يذكروا أنه روى عن معاذ، اللهم إلا ابن حبان، فقد أورده في التابعين من
" ثقاته " (5 / 544) ، فقال: " عن معاذ، كنيته أبو بحرية ". كذا وقع فيه،
ولعله اعتمد في جزمه بأنه روى عن معاذ على رواية أحمد هذه، فالله أعلم.
وأما قوله: " كنيته أبو بحرية "، فقد وقع ذلك في بعض نسخ " الثقات " كما ذكر
المعلق عليه، والظاهر أنها غير صحيحة، فإن (أبو بحرية) كنيته عبد الله بن
قيس كما في(5/666)
" كنى " الدولابي وغيره، وهو شيخ يزيد هذا كما تقدم. والله
أعلم. (تنبيه) : هذا الحديث استدل به الدكتور البوطي في آخر كتابه " فقه
السيرة " على شرعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم التي زعم أن ابن تيمية
ينكرها! ونحن وإن كنا لا نخالفه في هذا الاستدلال، فإنه ظاهر، ولكنا ننبه
القراء بأن هذا الزعم باطل وافتراء على ابن تيمية رحمه الله، فإن كتبه طافحة
بالتصريح بشرعيتها، بل وتوسع في بيان آدابها، وإنما ينكر ابن تيمية قصدها
بالسفر إليها، المعني بحديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ".
الحديث، كما كنت بينت ذلك وبسطت القول فيه من أقوال ابن تيمية نفسه في ردي
على البوطي المسمى: " دفاع عن الحديث النبوي "، فما معنى إصرار الدكتور على
هذه الفرية حتى الطبعة الأخيرة من كتابه؟ ! الجواب عند القراء الألباء.
2498 - " ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا إذا سددوا ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 884) : حدثنا الجراح بن مخلد أخبرنا سالم
بن نوح أخبرنا سهيل أخبرنا ثابت عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، غير سهيل وهو ابن أبي حزم كما في
حديث قبله عند أبي يعلى، وهو ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب ". فقول
المنذري (4 / 135) ثم الهيثمي (10 / 203) : " رواه أبو يعلى بإسناد حسن ".
فهو غير حسن، إلا إن كان المراد أنه حسن لغيره، فإن له شواهد كثيرة، تقدم
بعضها برقم (1298) .(5/667)
2499 - " أحسنت، [اتركها حتى تماثل] ".
أخرجه مسلم (5 / 125) والترمذي (1441) وابن الجارود (816) والبيهقي (
8 / 229) والطيالسي (1 / 300 - ترتيبه) وعنه أحمد (1 / 156) وكذا أبو
يعلى (ق 23 / 1 - مصورة 2) عن السدي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال:
خطب علي فقال: يا أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم
ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها،
فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى
الله عليه وسلم فقال: فذكره. والزيادة لمسلم. ولها شاهد من طريق أخرى يأتي
. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن وهو
من التابعين، قد سمع من أنس بن مالك، ورأى حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه ". قلت: والطريق الأخرى عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي جميلة عن علي به
نحوه بلفظ: " إذا جفت دماؤها فاجلدها وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ".
أخرجه أبو داود (2 / 239) والبيهقي والطيالسي وأحمد (1 / 89، 136، 145
) . قلت: وعبد الأعلى بن عامر - وهو الثعلبي - ضعيف.(5/668)
2500 - " ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء
له كفارة وطهورا، ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله، أو يدعو غير
الله في كشفه ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69 / 2) : حدثنا يعقوب بن عبيد أخبرنا
هشام بن عمار أخبرنا يحيى بن حمزة أخبرنا الحكم بن عبد الله أنه سمع المطلب بن
عبد الله بن حنطب المخزومي يحدث: أنه سمع أبا هريرة يحدث قال: دخلت على أم
عبد الله بنت أبي ذباب عائدا لها من شكوى فقالت: يا أبا هريرة! إني دخلت على
أم سلمة أعودها من شكوى، فنظرت إلى قرحة في يدي فقالت: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى،
رجاله ثقات رجال البخاري، على ضعف في هشام بن عمار غير ثلاثة منهم: الأول:
أم عبد الله بنت أبي ذباب، فإني لم أجد من ترجمها، وقد أورد الحافظ ابن حجر
في مادة (ذباب) من " التبصير " (2 / 578) جماعة ليست فيهم، ومنهم سعد بن
أبي ذباب، وهو صحابي، وله حديث في " مسند أحمد " (4 / 79) وغيره،
فالظاهر أنها أخته، وأنها صحابية، ويؤيد هذا رواية أبي هريرة عنها. والله
أعلم. الثاني: الحكم بن عبد الله، الظاهر أنه ابن المطلب بن عبد الله بن
حنطب المخزومي، شيخه في هذا الإسناد، نسب إلى جده الأدنى. قال الذهبي: "
قال الدارقطني: يعتبر به. وقال أبو محمد بن حزم: لا يعرف حاله ". وزاد
عليه في " اللسان ": " أنه روى عنه جماعة، منهم: أخوه عبد العزيز، ومحمد
بن عبد الله الشعيثي،(5/669)
وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي، ويحيى بن حمزة في هذا
الإسناد، وكل هؤلاء ثقات. قال الزبير بن بكار: كان من سادة قريش ووجوهها،
وكان من أبر الناس بأبيه، وولاه بعض ولاة المدينة على المساعي ثم ترك ذلك
وتزهد، ولحق بـ (منبج) مرابطا، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". الثالث:
يعقوب بن عبيد، هو النهرتيري، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 210) وقال: "
سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ". ونقله عنه الخطيب في " التاريخ " (14 / 280
) وأقره. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (4 / 145 - 146) من رواية
ابن أبي الدنيا وقال: " وأم عبد الله ابنة أبي ذئاب (كذا) لا أعرفها ".
قلت: ومع ذلك صدر الحديث بلفظ: " عن " مشيرا لتقويته، ولعل ذلك لما ذكرته
آنفا من استظهار كونها صحابية، مع شهادة القرآن للجملة الأخيرة منه، وكثرة
الشواهد لسائره، وقد مضى بعضها، فانظر مثلا الحديثين (2273 و 2274) .
والله أعلم.(5/670)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقدمة
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ، ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له.
وأشهدُ أنْ لا إلهَ ألاّ اللهُ وحدهُ لا شريك له. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه.
أمّا بعد: فهذا هو المجلدُ السادسُ من كتابي الكبير "سِلْسِلَة الأحاديث الصحيحة.."، وهو يَضُمُّ بين دَفَّتيه باقةً عَطِرَةً جديدةً منَ أحَاديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُنَّتِهِ المطهّرة، وسيرتِه المُشرَّفة.
وهذا المجَلَّدُ -كسابقيهِ- تتضمَّنُ أحاديثُهُ ألوانًا من العقائدِ، وأنواعًا من الأداب والأخلاق، وصنوفًا مِن الفقه والأحكام، وفنونًا من العلوم الحديثيَّة الاصطلاحيَّةِ، وغير ذلك ممّا سيستفيدُ منه -إنْ شاء اللهُ- المسلمون بعامّةٍ، وطلبةُ العلمِ بخاصّةٍ، ودُعاةُ السُّنَّة وأهلُها بشكلٍ أخصَّ.
وحتى يكونَ إخوانُنا القرّاءُ الأفاضلُ على اطِّلاعٍ لما قلتُ، ومعرفةٍ بما أشَرْتُ، أذكُرُ -في هذه المقدّمة الوجيزة- أهمّ ما وقَعَ لي في هذا المجلَّد من أحاديثَ ورواياتٍ ومباحثَ علميّة:
من ذلك -فيما أرى- بعضُ الأحاديث، أو المسائل التي ظَهَرَ لي مِنِّي ابتداءٌ -أو بدلالة غيري- فيها تغيُّرُ رأيٍ، أو اختلافُ اجتهادٍ، أو خطأٌ انكشف(6/3)
لي فيما بعد، كمثلِ الأحاديث فوات الأرقامِ (2520 و2551 و2576 و2639 و2658 و2723 و2748 و2764 و2813 و2827 و2878 و2883) وغيرها.
وهذا الذي ذكرتُهُ هنا يجعلُني أُشيرُ إلى مسألةٍ مُهمّةٍ جدًّا؛ وهي مُتَعَلِّقةٌ بما تَشَبَّثَ به بعضُ جهلةِ مُبتدعةِ هذا العصر؛ الذين سوّدوا بعضَ الرسائل والكتب طَعْنًا في السنَّة وَأهلها، وتشكيكًا بِحَمَلَتِها ودُعاتِها، كمثل ذاك الهالكِ في تعصُّبِهِ، الغارق في جهلهِ، المدعو (السقَّاف) ، فقد استغلَّ عددًا مِن تلك الاجتهاداتِ المختلفةِ، أو المراجعات العلميّة، واسِمًا إياها بـ " التناقضات "، وإنَما هي تناقُصْاتُ رأسِه، واضطراباتُ فكره، التي انعكست على قَلْبه عداءً، وعلى قَلَمِهِ استعداءًا!!
أمّا أهلُ العَدْل والإنْصاف فإنهم يَعُدُّون مثل هذه المواقف العلمية رفعةً في الأمانة، وعُلُوًّا في أداءِ الحقِّ لأهلِهِ..
على أنّني أذكُرُ للإخوة القُرَّاء أنَّ كثيرًا من تلك "التناقضات" التي سوَّد ذِكْرَها ذاك السقّافُ الأَشِرُ إنّما هي من تلبيسهِ على القُرَّاء، ومحاولتِه تضليله إياهم، وتلاعُبِهِ بعقولهم!! وهذا مما لا يخفى -إن شاء الله- على مَن له أدنى اشتغالٍ بعلوم السنّةِ، أو على مَن له أدنى درايةٍ بطرائِق المبتدِعةِ في الكتابةَ!! (1)
__________
(1) وقد ذكرت في مقدمة المجلد الأول من هذه السلسلة/الطبعة الجديدة نماذج مما زعم فيها التناقض، وبينت أنه لا تناقض في شيء منها، وإنما هو الاستسلام للحق، واتباع للعلم الذي لا يقبل الجمود والوقوت، وأن زعمه نابع من جهله وحسده وحقده، وأقمت الدليل القاطع على ذلك، وهو استمراره في ادعاء "التناقضات" التي لا يستفيد منها أحد، دون أن يبين الصواب منها ولو في نوع واحد!!(6/4)
وبينَ يَدَيَّ مثالٌ يَلْتقي -تقريبًا- مَعَ ما ذكرتُ من صنائعِ أهل الإنصاف وتعامُلِهم فيما يختلفُ فيه قولُ العالم -أحيانًا- في بعض مسائل العلمِ:
فها هو فضيلةُ الشيخ بكر أبو زيد -نَفَعَ اللهُ بهِ- يبحثُ في جُزْئِهِ اللطيف "مرويّات دُعاء خَتْم القُرآن" روايةَ خَبَرٍ في سندِه (صالحُ بنُ بشيرٍ المُرِّي) ، وحالُه معروفٌ عند أهلِ الحديث، فقال -حفظه الله- في نهاية بحثه:
" ... فهو متروكُ الحديث مع صلاحِهِ وزهادتِهِ، والمتروكُ لا يُعْتَبَرُ بحديثِهِ في باب الشواهد، ولا المتابعات، وهذا يتَّفق مع ما قرّره العلاّمةُ الألبانيُّ في "الضعيفة" (1/214 و309) ، خلافَ ما قرّرهُ في تعليقهِ على "مشكاة المصابيح" (1/36) (رقم: 98) ، فإنّه اعْتَبَرَ به، فَلْيُصَحَّحْ.
وهذا لا يُشَغَّبُ بهِ على أهل العلمِ، كالحالِ في تعدُّدِ الروايات عن الإمام الواحِدِ في الفقهيّاتِ، وفي رُتبةِ الحديثِ الواحد، وكذا في منزلة الراوي.
وللحافظَيْنِ الذهبي وابنِ حَجَر في هذا شيءٌ غيرُ قليلٍ يُعْلَمُ مِن المقابَلَةِ بين "الكاشف" و"المُغْني"؛ كلاهما للذهبي، وبين "التقريب" و "التلخيص" و"الفتح"؛ ثلاثتها لابن حَجَر، والأعذارُ في هذا مَبْسوطةٌ، وانظر "رفع الملام" لابن تيميَّة.
لكنّ هذا يُوافق لدى المبتدعةِ شهوةً يُعالجونَ بها كمَدَ الحسرةِ من ظهور أهل السنَّة، ولهم في الإيذاء وقائعُ مشهودةٌ على مَرِّ التاريخ، لكنّها تنتهي بخذلانهم، والله الموعدُ".(6/5)
قلتُ: لقد أصاب -حفظه اللهُ- كَبِدَ الحقيقة بأبْيَنِ طريقةٍ، وكأنَّ كلماتِهِ سِهامٌ مُوَجَّهةٌ نحو نَحْرِ ذاك السقّافِ الجَهُولِ (1) لتهدمَ كُتُبَهُ كُلَّها ورسائلَه جميعَها، إذ إنّها مبنيّةٌ على هذا الأساس المتهاوي، فهي على شَفَا جُرُفٍ هار!!
فَلْيَكُن هذا الكلامُ العلميُّ العالي نَهْجًا يَضَعُهُ المنْصِفون نُصبَ أعينهم، ليكونَ طريقًا سويًّا في نَقَداتِهم أو تنبيهاتِهم..
وممّا سَيَراهُ القُرّاءُ الأفاضلُ في هذا المجلّد:
ردودٌ علميّة، ومُناقَشات حديثيّة أو فقهيّة لعددٍ كبير من المعاصِرين المشتغلين بالتأليف، أو المنْشغلين بالكتابة والتصنيف، كمثل ما تراه تحت الأحاديث ذوات الأرقام:
(2724) شعيب الأرناؤوط، و (2742) حبيب الرحمن الأعظمي، و (2755) عبد القادر الأرناؤوط، و (2656) و (2890) زهير الشاويش، و (2758) محمد علي الصابوني، و (2739) الكشميري، و (2814) و (2792) عبد الله الغُماري، و (2735) و (2899) و (2914) حسّان عبد المنّان، و (2753) إسماعيل الأنصاري، و (2580) تقيّ الدين النبهانيّ، و (2647) عبد الرحيم الطحّان..
وغيرهم كثير..
وسيرى القُرّاءُ الحريصون على معرفة السنّة الصحيحةِ وتَطْبيقها أحاديثَ
__________
(1) وانظر الحديث الآتي برقم (2567) مثالًا على ما قلتُ.(6/6)
كثيرةً فيها من الأخلاق النبوية والآداب المحمديّة الكمّ الطيّب المبارك، مثل الأحاديث (2501 و2570 و2605 و2616 و2648 و2658) .
وهناك الكثير من الفوائد الفقهية مثل ما جاء تحت الحديث (2565) حول معنى حديث: " أنت ومالك لأبيك ".
وفي الحديث (2571) مناقشة مهمة لابن حزم في تجويزه عطية المرأة دون إذن زوجها.
وفي الحديث (2920) إثبات صلاة ركعتين بعد العصر، وأن وقتَ كراهةِ الصلاةِ بعدها إنما هو عندَ اصفرارِ الشمسِ.
وهناك مجموعة طيبة من الأدعية والأذكار مثل الأحاديث (2506 و2524 و2563 و2578 و2598 و2664 و2686 و2727 و2753 و2754 و2755 و....) إلى غير ذلك من الفوائد الفقهية، والحديثية، والمواضيع المختلفة التي يمكن الاطلاع على رؤوسها بواسطة الفهارس المختلفة.
وسيرى القرّاءُ الأفاضلُ -أيضًا- في هذا المجلّد، أحاديثَ تكرّرت إمّا في مجلّدات سابقة من هذه "السلسلة"، وإمّا في كُتُبي ومُصَنّفاتي الأُخرى، احتفظتُ بها هنا لفوائد زوائد، أو تنبيهات وإشارات إضافيّة إمّا في المتن، أو في الإسناد، أو في التخريج، أو في الشرح والاستنباط، مثل الأحاديث: (2541 و2563 و2579 و2590 و2652 و2719 و2724 و2792 و2848 ... ) .
وبَعْدُ:
فإنّي أسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُعينَني على إتمام ما أقدرُ عليه من(6/7)
مشروعي القديم "تَقْريب السُّنَّة بين يَدَي الأُمّة" الذي أفنيتُ فيه شَبَابي، وقضيتُ فيه كهولَتي، وأُتُمِّم به -الآن- شيخوختي، سائلًا الله -جلّ في عُلاه- أن أكون ممن قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
"خيركم مَن طال عُمُره وحَسُن عملُه"، راجيًا منه جلَّ شأنه حُسْنَ الختام، والوفاة على الإيمان ...
وفي الختام؛ لا يفوتني أن أقوم بواجب الشكر لابنتي الكبرى (أم عبد الله) ، فإن لها الفضل في تيسير تصحيح تجاربِ هذا المجلد، ولفت النظر إلى كثير من الأمور التي قد يسهو عنها أي مؤلف؛ فضلًا عمن بلغ الثمانين من العمر، من مثل سقوط كلمة أو جملة، أو استرعاء نظر إلى تكرر تخريج حديث، أو عدم تمام الكلام عليه، ونحو ذلك، فجزاها الله عني خير الجزاء.
وكذلك الأخ علي الحلبي، فقد استفدتُ من ملاحظاته التي كان كتبها على الأصل الذي هو بخطي، وبعضه قد كتب منذ عشراتِ السنين، أو كتبها على بعض التجارب التي أتيح له الاطلاع عليها. فله ولكل من كان له يد في إخراج المجلد ونشره بإشراف صهري نظام سكجها/صاحب المكتبة الإسلامية/عمّان - جزيل الشكر.
وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين.
عمان في 27 ذو القعدة 1415 هـ
محمد ناصر الدين الألباني(6/8)
2501 - " إياكم والجلوس في الصعدات (وفي رواية: الطرق) فإن كنتم لابد فاعلين،
فأعطوا الطريق حقه. قيل: وما حقه؟ قال: غض البصر ورد السلام وإرشاد
الضال ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 58) والبزار في " مسنده " (2 / 425
/ 2018) - كشف الأستار من طريق محمد بن المثنى ويزيد بن سنان قالا: حدثنا
عبد الله بن سنان: حدثنا عبد الله بن المبارك عن جرير بن حازم عن إسحاق ابن
سويد عن ابن حجيرة عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره،
وقال البزار: " لا نعلم أسنده إلا جرير، ولا عنه إلا ابن المبارك. ورواه
حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد مرسلا ". كذا وقع فيه وقد وصله الطحاوي من طريق
حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر أن النبي
صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث وقال الطحاوى: " منقطع الإسناد ". قلت:
يعني أنه مرسل وهو أشبه بالصواب كما قال الدارقطني في " العلل " (2 / 251)
وإسحاق بن سويد يروي عنه كل من الحمادين، فمن الممكن أن يكون كلاهما قد روياه
عنه مرسلا، ثم لينظر هل سقط من رواية " كشف الأستار " أو ناسخه ذكر يحيى بن
يعمر؟ (1)
_________
(1) ثم طبع أصل الكشف، أعني " مسند البزار " المعروف بـ " البحر الزخار "،
فإذا هو كما في " الكشف " ليس فيه يحيى بن يعمر.(6/9)
ثم إن عبد الله بن سنان - وهو الهروي - قد توبع، فقال أبو داود في
" سننه " (4817) : حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري: أخبرنا ابن المبارك
بإسناده عن ابن حجير العدوي قال: سمعت عمر بن الخطاب به. قلت: كذا وقع في "
السنن " (ابن حجير) وكذا في " تهذيب الكمال " وفروعه وفي رواية البزار
والطحاوي (ابن حجيرة) وكذا في ترجمة إسحاق من " الجرح والتعديل " وجزم
المعلق على " التهذيب " بأنه مصحف، وما أرى ذلك بصواب لأن الرجل مجهول كما
جزم به المنذري في " مختصر السنن " (7 / 181) وهو معنى قول الحافظ فيه: "
مستور ". قلت فهو غير مشهور ولا يعرف إلا فى هذا الحديث، فليس من الممكن إذن
ترجيح رواية على أخرى! وقد أخطأ في هذا الحديث الحافظ الهيثمي مرتين: الأولى
: إيراده إياه وهو في " السنن ". والأخرى: قوله (8 / 62) : " رواه البزار
ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سنان الهروي وهو ثقة " ذلك أن ابن حجيرة
ليس من رجال (الصحيح) بل هو مجهول كما تقدم. وفي ظني أنه توهم أنه عبد
الرحمن بن حجيرة الخولاني أبو عبد الله المصري، فإنه من رجال مسلم ولكنه ليس
به كما سبق، ولا ذكروا له رواية عن عمر ولا في الرواة عنه إسحاق بن سويد.(6/10)
وكأنه اغتر به أو اتفق أن وافقه على هذا الخطأ المعلق على " مشكل الآثار " -
الطبعة الهندية، فإنه قال: " في الخلاصة هو عبد الرحمن بن حجيرة - بضم أوله
وفتح الجيم - الأكبر أبو عبد الله الخولاني قاضى مصر ". وفيه خطأ آخر وهو
نسبته هذا التفسير لـ " الخلاصة " وليس فيه إلا قوله: " عبد الرحمن بن حجيرة
.. "! والخلاصة أن علة هذا الإسناد جهالة ابن حجير هذا. لكن الحديث صحيح،
فإنه في " الصحيحين "، و " الأدب المفرد " (1150) وأبي داود (4815) وابن
حبان (594 - الإحسان) والطحاوي أيضا، وأحمد (3 / 36) من حديث أبي سعيد
الخدري مرفوعا نحوه، ومسلم (7 / 2) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه دون قوله
: " وإرشاد الضال ". وزاد أبو سعيد: " وكف الأذى، والأمر بالمعروف،
والنهي عن المنكر ". وفي رواية لأحمد (3 / 61) من طريق عبد الرزاق وهذا في
" المصنف " (11 / 20 / 19786) من طريق رجل عن أبي سعيد به، لكنه ذكر مكان "
كف الأذى ": " وأرشدوا السائل ". وهو بمعنى " إرشاد الضال ". ولفظ أبي
طلحة: [" غض البصر ورد السلام وحسن الكلام "] . وقد جاء المعنى المشار
إليه في أحاديث أخرى عن أبي هريرة والبراء بن(6/11)
عازب وعبد الله بن عباس وسهل
بن حنيف.
1 - أما حديث أبي هريرة، فله طريقان: الأولى: عن العلاء بن عبد
الرحمن عن أبيه عنه: فذكره نحوه بلفظ: " إدلال السائل ورد السلام وغض
الأبصار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (1049) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. والأخرى: عن عبد
الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عنه بلفظ: " غض البصر وإرشاد ابن السبيل
وتشميت العاطس إذا حمد الله، ورد التحية ". أخرجه البخاري أيضا (1014)
وأبو داود (4816) وابن حبان (595) . وإسناده جيد على شرط مسلم. 2 - وأما
حديث البراء فيرويه شعبة وغيره عن أبى إسحاق عنه - ولم يسمعه منه - نحوه بلفظ
: " فردوا السلام وأعينوا المظلوم واهدوا السبيل ". أخرجه الترمذي (2727)
والدارمي (2 / 282) وابن حبان (596) والطحاوي أيضا، وأحمد (4 / 282
و291 و 393 و 304) . وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: بل هو صحيح لشواهده
المتقدمة، وجملة: " وأعينوا المظلوم " جاءت(6/12)
في " الصحيحين " من طريق أخرى
عن البراء في حديث آخر له بلفظ: " أمرنا بسبع.. " الحديث، فذكرها فيهن.
وذكر مسلم (6 / 135) في رواية له: " وإنشاد الضال ". كذا فيه، ولعله: "
وإرشاد ". 3 - وأما حديث ابن عباس فيرويه ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن
أبيه عن جده عبد الله بن عباس به، ولفظه: " فردوا السلام وغضوا البصر
واهدوا السبيل وأعينوا على الحمولة ". أخرجه البزار (2019) وقال: " لا
نعلم لابن عباس غير هذا الطريق، وروي عن غيره بألفاظ، ولا نعلم في حديث "
وأعينوا على الحمولة " إلا في هذا، وداود ليس بالقوي في الحديث، ولا يتوهم
عليه إلا الصدق، وإنما يكتب من حديثه ما لم يروه غيره ". قلت: وابن أبي
ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن - سيىء الحفظ، وبه أعله الهيثمي. وهو ما
قاله - عقب ما سبق - الحافظ ابن حجر في " زوائد البزار " (2 / 211) . 4 -
وأما حديث سهل فيرويه أبو معشر: حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري عنه نحوه
بلفظ: " قالوا: وما حق المجالس؟ قال: ذكر الله كثيرا، وأرشدوا السبيل
وغضوا الأبصار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (6 / 105 / 5592) .(6/13)
وأعله
الهيثمي بأبي بكر هذا فقط، فقال: " تابعي، لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا "
. وكأنه يشير إلى ضعف في أبي معشر من قبل حفظه، واسمه نجيح. 5 - وأما حديث
وحشي فيرويه وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده بلفظ: " فردوا السلام وغضوا
من أبصاركم واهدوا الأعمى (1) ، وأعينوا المظلوم " أخرجه الطبراني أيضا (22
/ 138 / 367) . قال الهيثمي: " ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف ". قلت: حرب
بن وحشي لم يوثقه غير ابن حبان (4 / 173) وفيه جهالة كما بينته في " تيسير
الانتفاع ". واعلم أن في هذه الأحاديث مجموعة طيبة من الآداب الإسلامية
الهامة بأدب الجلوس في الطرق وأفنية الدور، ينبغي على المسلمين الاهتمام بها
، ولاسيما ما كان منها من الواجبات مثل غض البصر عن النساء المأمور به في كثير
من الأحاديث الأخرى، وفي قول ربنا تبارك وتعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) * (النور: 30
) . فإذا كان هذا الأمر الإلهي قد وجه مباشرة إلى ذاك الجيل الأول الأطهر
الأنور ولم يكن يومئذ ما يمكن أن يرى من النساء إلا الوجه والكفان ومن بعضهن
، كما
_________
(1) كذا الأصل، ومطابق لنقل " المجمع ". ووقع في " الفتح " (12 / 11) "
الأغبياء "، وهو الأقرب لمعنى سائر الأحاديث. والله أعلم.(6/14)
تواترت الأحاديث بذلك كحديث الخثعمية، وحديث بنت هبيرة وغيرهما مما هو
مذكور في " جلباب المرأة " و " آداب الزفاف ". أقول: إذا لم يكن إلا هذا مما
يمكن أن يرى من النساء يومئذ، فإن مما لا شك فيه أنه يتأكد الأمر بغض النظر في
هذا الزمن الذي وجدت فيه " النساء الكاسيات العاريات " اللاتي قال فيهن النبي
صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد.. " الحديث، وفيه:
" ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن
الجنة.. " الحديث. وقد مضى بتمامه مع تخريجه برقم (1326) . فالواجب على كل
مسلم - وبخاصة الشباب منهم - أن يغضوا من أبصارهم، وعن النظر إلى الصور
الخليعة المهيجة لنفوسهم، والمحركة لكامن شهواتهم، وأن يبادروا إلى الزواج
المبكر إحصانا لها، فإن لم يستطيعوا، فعليهم بالصوم فإنه وجاء كما قال عليه
الصلاة والسلام، وهو حديث صحيح مخرج في " الإرواء " (1781) ، ولا يركنوا
إلى الإستمناء (العادة السرية) مكان الصيام (1) ، فيكونوا كالذين قال الله
فيهم من المغضوب عليهم: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) *؟! (
البقرة: 61) . أسأل الله تعالى أن يستعملنا والمسلمين في طاعته، وأن
يصرفنا عما لا يرضيه من معصيته، إنه سميع مجيب.
_________
(1) انظر ما سبق برقم (1830) . اهـ.(6/15)
2502 - " إن شئت دعوت الله لك فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك ".
أخرجه ابن حبان (708 - موارد) والبزار (83 - زوائده) والأصبهاني في "
الترغيب " (59 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (رقم 1424) من طرق عن محمد
ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم وبها لمم، فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يشفيني، قال:
فذكره. فقالت: بل أصبر ولا حساب علي. قلت: وهذا إسناد حسن. وسكت عنه
الحافظ (10 / 115) . وله شاهد من حديث ابن عباس نحوه، وزاد: " فقالت:
إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها ". أخرجه الشيخان وغيرهما
كابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (87 / 1) والبغوي في " شرح السنة "
(1423) . وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة قال: جاءت الحمى إلى النبي صلى
الله عليه وسلم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار، فبقيت
عليهم ستة أيام ولياليهن، فاشتد ذلك عليهم، فأتاهم في ديارهم، فشكوا ذلك
إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا، وبيتا بيتا، يدعو لهم
بالعافية. فلما رجع تبعته امرأة منهم، فقالت: والذي بعثك بالحق إني لمن
الأنصار، وإن أبي لمن الأنصار، فادع الله لي كما دعوت للأنصار، قال: " ما
شئت، إن شئت دعوت الله أن يعافيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة ".(6/16)
قالت: بل
أصبر، ولا أجعل الجنة خطرا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (132 / 502
) من طريق عطاء بن أبي رباح عنه، وإسناده صحيح. ويبدو أن هذه قصة أخرى غير
الأولى لاختلاف المرض فيها، ففي هذه الحمى، وفي تلك اللمم وهو الجنون،
ويحتمل أن تكونا واحدة، وتكون الحمى شديدة تشبه في شدتها اللمم. والله أعلم.
2503 - " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به
من سيئاته ".
أخرجه مسلم (8 / 16) والترمذي (1 / 181) وابن أبي الدنيا في " الكفارات "
(69 / 1 و 76 / 1) وأحمد (3 / 4 و 24 و 61 و 81) من طرق عن محمد بن عمرو
بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: فذكره، والسياق لمسلم، وابن أبي الدنيا في رواية،
ولم يذكر الآخرون أبا هريرة في إسناده، وقال الترمذي: " إلا يكفر الله به عنه
سيئاته "، فلم يقل: " من "، وهو شاذ، تفرد به أسامة بن زيد دون سائر الطرق
، على أنه عند أحمد من طريقه بلفظ: " من خطاياه ". وهو المحفوظ. وكذلك
أخرجه البخاري في " المرض " (10 / 91 - فتح) من الوجه المذكور عنهما معا،
إلا أنه لم يذكر (السقم) ، وقال مكانه: " هم ولا غم، حتى الشوكة يشاكها،
إلا كفر الله بها من خطاياه "، وهو رواية لأحمد (2 / 202 و 335 و 3 / 18
و48) . وللحديث طريق أخرى بلفظ مختصر مضى برقم (2410) .(6/17)
وفي رواية لابن أبي
الدنيا من طريق عبيد الله بن عبد الله بن موهب: سمعت أبا هريرة يقول: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مؤمن يشاك شوكة في الدنيا ويحتسبها
إلا قص بها من خطاياه يوم القيامة " قلت: وعبيد الله هذا قال أحمد: "
أحاديثه مناكير، ولا يعرف لا هو ولا أبوه ". لكن له شاهد من حديث جابر
مرفوعا بلفظ: " ما من مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة يمرض مرضا، إلا
قص الله عنه من خطاياه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (508) وابن
أبي الدنيا (ق 87 - 88) والبزار (758 - كشف) بإسناد صحيح رجاله ثقات رجال
مسلم غير شيخه إسحاق بن إسماعيل، وهو ثقة من شيوخ أبي داود، وقد توبع عند
أحمد (3 / 386 و 400) بلفظ: " حط الله ". وكذلك أخرجه أبو يعلى (2 / 611
) . وهو كذلك عند أحمد (3 / 346) من طريق أبي الزبير عن جابر به، إلا أنه
قال: " حط عنه خطيئته ". لم يقل: " من ". وكذلك رواه ابن حبان (696) من
هذا الوجه، وزاد: " كما تنحط الورقة عن الشجرة ". وأبو الزبير مدلس.
وشاهد ثان من حديث عائشة بلفظ:(6/18)
" لا يصيب عبدا شوكة فما فوقها إلا قاص الله عز
وجل بها من خطاياه ". أخرجه أحمد (6 / 185) بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد
أخرجه في " صحيحه " (8 / 15) من طريق أخرى عنها بلفظ: " إلا قص بها من
خطاياه، أو كفر بها من خطاياه "، والشك من يزيد بن خصيفة أحد رواته.
2504 - " من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 234) وأحمد (3 / 304) وابن أبي
الدنيا في " الكفارات " (73 / 1) والبيهقي (3 / 380) وابن حبان في "
صحيحه " (711) من طريق هشيم: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن
ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الحميد بن جعفر،
فهو على شرط مسلم وحده. ومن طريقه أخرجه البزار أيضا (1 / 368 / 775 - الكشف
) . وخالفه أبو معشر فقال: عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصارى قال: دخل أبو
بكر ابن محمد بن عمرو بن حزن على عمر بن الحكم بن ثوبان فقال: يا أبا حفص
حدثنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه اختلاف، قال: حدثني كعب
بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره نحوه. أخرجه أحمد (3
/ 460) وابن أبي الدنيا (85 / 2) إلا أنه وقع عنده: " عبد الله بن عبد
الرحمن " على القلب.(6/19)
وأبو معشر اسمه نجيح السندي، وهو ضعيف، وسائر رواته
ثقات. ومن هذا تعلم أن قول الهيثمي (2 / 297) تبعا للمنذري (4 / 164) :
" رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وإسناده حسن ". قلت:
فهو غير حسن لما علمت من ضعف أبي معشر مع مخالفته في إسناده. وقالا في حديث
جابر، وقد عزواه للبزار أيضا - ولم أجده في زوائده -: " ورجال أحمد رجال
الصحيح ". وللحديث شاهد من رواية أبي عمارة قيس مولى سودة بنت عمرو بن حزم عن
أبيه عن جده مرفوعا به، وزاد: " ثم إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها حتى
يرجع ". أخرجه ابن أبي الدنيا (86 / 2 - 87 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (
ص 358) . وأبو عمارة هذا ضعفه البخاري جدا فقال: " فيه نظر ". وأما ابن
حبان فذكره في " الثقات "، ولعله معتمد الهيثمي في قوله بعد أن ساق الحديث (
2 / 297) : " رواه الطبرانى في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله موثقون "!
وأما المنذري فقال: " وإسناده إلى الحسن أقرب "! والحديث أخرجه ابن عبد
البر أيضا في " التمهيد " (24 / 273) وصححه(6/20)
من طريق هشيم وغيره عن عبد
الحميد بن جعفر، وخالفه خالد بن الحارث عنه في مخالفة لا تضر في صحة متنه كما
تقدم بيانه برقم (1929) ، وقد قدر إعادة تخريجه هنا، ولا يخلو من فائدة.
2505 - " إن الرجل يشفع للرجلين وللثلاثة والرجل للرجل ".
أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 205) : حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا
عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وأخرجه البزار (3473 - كشف) من
طريقين آخرين عن عبد الرزاق دون الجملة الأخيرة. قلت: وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين. وأورده المنذري في " الترغيب " (4 / 220) ، ثم الهيثمي في "
المجمع " (10 / 382) من رواية البزار (3473 - كشف الأستار) ، وقالا: "
ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وله شاهد يرويه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا به. أخرجه ابن خزيمة (ص 670) وأحمد (3 / 20 و 63) . وعطية ضعيف
كما هو معلوم.(6/21)
2506 - " ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار: يا رب إن عبدك
فلانا قد استجارك مني فأجره، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا
قالت الجنة: يا رب! إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1472 - 1473) والضياء أيضا في " صفة الجنة
" (3 / 89 / 1) : حدثنا أبو خيثمة أخبرنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الضياء: "
هذا الحديث عندي على شرط الصحيحين ". وكذا قال المنذري قبله في " الترغيب " (
4 / 222) وتبعهما ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 148) وهو كما قالوا
، وبيان ذلك: 1 - أبو حازم هو سلمان الأشجعي الكوفي، وهو ثقة بلا خلاف،
قيل: إنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. 2 - يونس هو ابن يزيد الأيلي، قال
الذهبي: " ثقة حجة شذ ابن سعد في قوله: ليس بحجة ... ". وقال الحافظ: "
ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ ". 3 - جرير
هو ابن حازم الأزدي البصري، قال الذهبي: " أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا
ذكر ابن عدي له لما أوردته ". وقال الحافظ:(6/22)
" ثقة، لكن فى حديثه عن قتادة
ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ". قلت: وليس هذا من حديثه عنه، وإنما
عن يونس الأيلي، وقد ذكروه في شيوخه. 4 - أبو خيثمة هو زهير بن حرب الحرشي
النسائي، ثقة اتفاقا. وقال الحافظ: " ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف
حديث ". وبالجملة، فالحديث صحيح بلا ريب، وما في بعض رواته من الكلام فهو
يسير لا يضر في صحته - كما هو ظاهر - والله أعلم. (فائدة) : لقد اعتاد بعض
الناس في دمشق وغيرها التسبيع المذكور في هذا الحديث جهرا وبصوت واحد عقب
صلاة الفجر، وذلك مما لا أعلم له أصلا في السنة المطهرة، ولا يصلح مستندا
لهم هذا الحديث لأنه مطلق، ليس مقيدا بصلاة الفجر أولا، ولا بالجماعة، ولا
يجوز تقييد ما أطلقه الشارع الحكيم، كما لا يجوز إطلاق ما قيده، إذ كل ذلك
شرع يختص به العليم الحكيم. فمن أراد العمل بهذا الحديث، فليعمل به في أي
ساعة من ليل أو نهار، قبل الصلاة، أو بعدها. وذلك هو محض الاتباع،
والإخلاص فيه. رزقنا الله تبارك وتعالى إياه. وأما حديث: " إذا صليت الصبح
فقل قبل أن تتكلم: " اللهم أجرني من النار " سبع مرات.. " الحديث، فهو ضعيف
كما تراه محققا في " الضعيفة " (1624) فلا تغتر بمن حسنه، فإنها زلة عالم،
ولا بمن قلده، فإنه لا علم عنده. ثم طبع " مسند أبي يعلى " بتحقيق الأخ حسين
سليم أسد، فإذا به يضيف حديث الترجمة! ويقول في التعليق عليه:(6/23)
" إسناده
ضعيف، يونس هو ابن خباب، قال يحيى بن سعيد: كان كذابا.. ". ثم أفاض في نقل
أقوال الأئمة في تضعيف يونس هذا، ثم نقل عن " مجمع الزوائد " (10 / 171) أنه
قال: " رواه البزار، وفيه يونس بن خباب، وهو ضعيف ". قلت: أصاب البزار،
وأخطأ المعلق المشار إليه خطأ فاحشا، وخلط خلطا قبيحا بين راويين، أحدهما
ثقة، وهو يونس بن يزيد الأيلي في إسناد أبي يعلى، والآخر واه، وهو يونس
بن خباب، وذلك لمجرد التقائهما في الاسم والطبقة، وإن اختلف شيوخهما
والرواة عنهما! والواجب في مثل هذا التأني والتحري في شأنهما حتى يتمكن من
التعرف على شخصيتهما، وإلا وقع في الخطأ ولابد، كما حصل للمشار إليه ذلك
لأن البزار رحمه الله قد ساق الحديث بأسانيد له عن يونس بن خباب كما في " كشف
الأستار " (4 / 51) منها قوله: وحدثنا يوسف بن موسى: حدثنا جرير بن عبد
الحميد عن ليث عن يونس بن خباب عن أبي علقمة عن أبي هريرة به. ومن هذا الوجه
أخرجه أبو نعيم في " صفة الجنة " (1 / 9 / 68) من طريق أخرى عن جرير به، إلا
أنه وقع فيه: " أبي حازم بن يونس ". وأظن أن قوله: " ابن يونس " خطأ من
الناسخ أو الطابع، فإنه في " حادي الأرواح " على الصواب من الطريق نفسها. على
أن قول يونس بن خباب: " عن أبي حازم " غير محفوظ عن يونس والظاهر أنه من
تخاليط ليث، وهو ابن أبي سليم، كان تارة يرويه هكذا، وتارة عن أبي علقمة،
كما في رواية البزار، وهو الصواب عن يونس، لأنه كذلك هو في الطرق والأسانيد
المشار إليها عند البزار. ويؤيده طريق أخرى عند الطيالسي في " مسنده " قال (2579) : حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء(6/24)
قال: سمعت أبا علقمة - قال شعبة: حدثني
يونس بن خباب سمع أبا علقمة عن أبي هريرة - ولم يرفعه يعلى إلى أبي هريرة قال
: قال: " من سأل الله الجنة سبعا قالت الجنة.. " الحديث. فقد دارت الطرق
الصحيحة على يونس بن خباب عن أبي علقمة عن أبي هريرة، بينما طريق أبي يعلى
تدور على جرير بن حازم الذي لم يذكر في تلك الطرق عن يونس، فتبادر في ذهن ذلك
المعلق أن يونس في هذه الطريق هو يونس بن خباب في تلك الطرق، وليس كذلك،
لاحتمال أن يكون راويا آخر متابع، وهذا هو الراجح، لأن جرير ابن حازم من
المعروف من ترجمته أنه يروي عن يونس بن يزيد الأيلي كما تقدم، فهذا هو ملحظ
أولئك الحفاظ الذين صرحوا بصحة الحديث، وأنه على شرط الصحيحين. فهل خفي هذا
على ذاك المعلق فوقع في الخطأ، أم أصابه غرور بعض الشباب بما عندهم من علم ضحل
بهذا الفن الشريف؟! ذلك ما لا أدريه، ولكنني فوجئت بمعلق آخر اطلع على تصحيح
الحفاظ المشار إليهم، وهم ضياء الدين المقدسي، والمنذري، وابن القيم، بل
وأضاف إليهم رابعا، وهو الحافظ ابن كثير! ثم أخذ يرد عليهم بأن يونس بن
خباب ليس من رجال الشيخين، وبأنه متكلم فيه، قال: " فالإسناد ضعيف واه "!
ذلك هو المعلق على كتاب أبي نعيم المتقدم ذكره: " صفة الجنة ". لقد كان يكفي
لردع هذا الشاب عن تسرعه في الرد على أولئك الحفاظ وتخطئتهم، أن يفكر قليلا
في السبب الذي حملهم على تصحيح الحديث، إنه لو فعل ذلك لوجد أن الصواب معهم،
وأنه هو المخطىء في مخالفتهم، ولكن المصيبة إنما هي التزبب قبل التحصرم.
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.(6/25)
2507 - " أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، [إنما أنت من بنات آدم]
، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه
، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. وفي رواية: فإن
التوبة من الذنب الندم ".
أخرجه البخاري (8 / 363 - 364 - فتح) ومسلم (8 / 116) وأحمد (6 / 196)
والرواية الأخرى له (6 / 364) وأبو يعلى (3 / 1208 و 1218) والطبري في "
التفسير " (18 / 73 و 75) والبغوي (6 / 74) من حديث عائشة رضي الله
عنها، في حديثها الطويل عن قصة الإفك، ونزول الوحي القرآني ببراءتها في آيات
من سورة النور: * (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ... ) * الآيات (11 - 20)
، والزيادة التي بين المعقوفتين هي لأبي عوانة في " صحيحه "، والطبراني في "
معجمه " كما في " الفتح " (8 / 344 و 364) . وقوله: " ألممت ". قال الحافظ
: أي وقع منك على خلاف العادة، وهذا حقيقة الإلمام، ومنه: ألمت بنا
والليل مرخ مستورة. قال الداوودي: " أمرها بالاعتراف، ولم يندبها إلى
الكتمان، للفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، فيجب على أزواجه
الاعتراف بما يقع منهن ولا يكتمنه إياه، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها
ذلك بخلاف نساء الناس، فإنهن ندبن إلى الستر ".(6/26)
ثم تعقبه الحافظ نقلا عن
القاضي عياض فيما ادعاه من الأمر بالاعتراف، فليراجعه من شاء، لكنهم سلموا له
قوله: إنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك. وذلك غيرة من الله تعالى على
نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكنه سبحانه صان السيدة عائشة رضي الله عنها
وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن، ونزول التبرئة
بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها، وإن كان وقوع ذلك ممكنا من الناحية
النظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن، ولهذا كان موقف النبي صلى الله عليه
وسلم في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ
عنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الترجمة: " إنما أنت من بنات آدم، فإن
كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله.. "، ولذلك قال
الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: " وفيه أن النبي صلى الله عليه
وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي. نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي
جمرة نفع الله به ". يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشة
رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي. ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن
الوقوع، وهو ما يدندن حوله كل حوادث القصة وكلام الشراح عليها، ولا ينافي
ذلك قول الحافظ ابن كثير (8 / 418) في تفسير قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا
للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما
فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) * (التحريم: 10
) . " وليس المراد بقوله: * (فخانتاهما) * في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء
الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور
". وقال هناك (6 / 81) :(6/27)
" ثم قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله
عظيم) *، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا سهلا
، ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا، فكيف وهي زوجة
النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله
أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا،
وهو سبحانه لا (1) يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك، حاشا وكلا، ولما لم
يكن ذلك، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق
في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
) * ". أقول: فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان، لأن المقصود بـ " العصمة "
الواردة في كلامه رحمه الله وما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي
الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل، وهو الإمكان المشار إليه، فهي بالمعنى
الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " فالمعصوم من عصمه الله " في
حديث أخرجه البخاري وغيره، وليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم
الصلاة والسلام، وهي التي تنافي الإمكان المذكور، فالقول بهذه في غير
الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم، وهذا ما صرح به أبو بكر الصديق
نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي
الله عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها، فقالت: ألا
عذرتني؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم؟! (2)
وهذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف
بما يوافق هوى الرجل، ولا يتخذ إلهه هواه.
_________
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب " لم " كما يدل عليه قوله الآتي: " ولما لم يكن
ذلك ... ".
(2) كذا في " روح المعاني " للآلوسي (6 / 38) وعزاه الحافظ في " الفتح " (8
/ 366) للطبري وأبي عوانة.(6/28)
واعلم أن الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم، أن رجلا عاش برهة طويلة مع إخواننا
السلفيين في حلب، بل إنه كان رئيسا عليهم بعض الوقت، ثم أحدث فيهم حدثا دون
برهان من الله ورسوله، وهو أن دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبي صلى الله
عليه وسلم وأهل بيته وذريته من الوقوع في الفاحشة، ولما ناقشه في ذلك أحد
إخوانه هناك، وقال له: لعلك تعني عصمتهن التي دل عليها تاريخ حياتهن، فهن
في ذلك كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة المشهورين، المنزهين منها ومن
غيرها من الكبائر؟ فقال: لا، إنما أريد شيئا زائدا على ذلك وهو عصمتهن التي
دل عليها الشرع، وأخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كل صالح وصالحة، أي
العصمة التي تعني مقدما استحالة الوقوع! ولما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز
القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، وموقف الرسول
وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا
يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها: إنما أنت من بنات آدم،
فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ... الحديث:
فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب 33: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم
الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *! جاهلا أو متجاهلا أن الآية المذكورة نزلت
قبل قصة الإفك، بدليل قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن صفوان بن
المعطل السلمي: " فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب "، وفيه أنها
احتجبت منه. ودليل آخر، وهو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله (8 / 351) :
" ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش،(6/29)
وفي حديث الإفك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل زينب عنها. فثبت أن الحجاب
كان قبل قصة الإفك ". ثم اشتدت المجادلة بينهما في ذلك حتى أرسل إلي أحد
الإخوان الغيورين الحريصين على وحدة الصف خطابا يشرح لي الأمر، ويستعجلني
بالسفر إليهم، قبل أن يتفاقم الأمر، وينفرط عقد الجماعة. فسافرت بالطائرة -
ولأول مرة - إلى حلب، ومعي اثنان من الإخوان، وأتينا الرجل في منزله،
واقترحت عليهما أن يكون الغداء عنده تألفا له، فاستحسنا ذلك. وبعد الغداء
بدأنا بمناقشته فيما أحدثه من القول، واستمر النقاش معه إلى ما بعد صلاة
العشاء، ولكن عبثا، فقد كان مستسلما لرأيه، شأنه في ذلك شأن المتعصبة الذين
يدافعون عن آرائهم دون أي اهتمام للأدلة المخالفة لهم، بل لقد زاد هذا عليهم
فصرح في المجلس بتكفير من يخالفه في قوله المذكور، إلا أنه تنازل - بعد جهد
جهيد - عن التكفير المشار إليه، واكتفى بالتصريح بتضليل المخالف أيا كان!
ولما يئسنا منه قلنا له: إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو غير مقتنع به،
ينافي أصلا من أصول الدعوة السلفية، وهو أن الحاكمية لله وحده، وذكرناه
بقوله تعالى في النصارى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) *،
ولهذا فحسبك أن يظل كل منكما عند رأيه، ما دام أن أحدكما لم يقنع برأي الآخر
، ولا تضلله، كما هو لا يضللك، وبذلك يمكنك أن تستمر في التعاون معه فيما
أنتما متفقان عليه من أصول الدعوة وفروعها. فأصر على فرض رأيه عليه وإلا فلا
تعاون، علما بأن هذا الذي يريد أن يفرض عليه رأيه هو أعرف منه وأفقه بالدعوة
السلفية أصولا وفروعا، وإن كان ذاك أكثر ثقافة عامة منه. وصباح اليوم
التالي بلغنا إخوانه المقربين إليه بخلاصة المناقشة، وأن الرجل(6/30)
لا يزال مصرا
على التضليل وعدم التعاون إلا بالخضوع لرأيه. فأجمعوا أمرهم على عزله، ولكن
بعد مناقشته أيضا، فذهبوا إليه في بيته - بعد استئذانه طبعا - وأنا معهم،
وصاحباي فطلبوا منه التنازل عن إصراره وأن يدع الرجل على رأيه، وأن يستمر
معهم في التعاون، فرفض ذلك، وبعد مناقشة شديدة بينه وبين مخالفه في الرأي
وغيره من إخوانه، خرج فيها الرجل عن طوره حتى قال لمخالفه لما ذكره بالله: أنا
لا أريد أن تذكرني أنت بالله! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لذكرها الآن
، وعلى ضوء ما سمعوا من إصراره، ورأوا من سوء تصرفه مع ضيوفه اتفقوا على
عزله، ونصبوا غيره رئيسا عليهم. ثم أخذت الأيام تمضي، والأخبار عنه تترى
بأنه ينال من خصمه ويصفه بما ليس فيه، فلما تيقنت إصراره على رأيه وتقوله
عليه، وهو يعرف نزاهته وإخلاصه قرابة ثلاثين سنة، أعلنت مقاطعته حتى يعود
إلى رشده، فكان كلما لقيني وهش إلي وبش أعرضت عنه. ويحكي للناس شاكيا
إعراضي عنه متجاهلا فعلته، وأكثر الناس لا يعلمون بها، في الوقت الذي يتظاهر
فيه بمدحي والثناء علي وأنه تلميذي! إلى أن فوجئت به في منزل أحد السلفيين
في عمان في دعوة غداء في منتصف جمادى الأولى لسنة (1396) فسارع إلى استقبالي
كعادته، فأعرضت عنه كعادتي، وعلى المائدة حاول أن يستدرجني إلى مكالمته
بسؤاله إياي عن بعض الشخصيات العلمية التي لقيتها في سفري إلى (المغرب) ،
وكنت حديث عهد بالرجوع منه، فقلت له: لا كلام بيني وبينك حتى تنهي مشكلتك!
قال: أي مشكلة؟ قلت: أنت أدرى بها، فلم يستطع أن يكمل طعامه. فقصصت على
الإخوان الحاضرين قصته، وتعصبه لرأيه، وظلمه لأخيه المخالف له، واقترحت
عقد جلسة خاصة ليسمعوا من الطرفين. وكان ذلك بعد(6/31)
يومين من ذلك اللقاء، فبعد
أن انصرف الناس جميعا من الندوة التي كنت عقدتها في دار أحدهم في (جبل النصر)
وبقي بعض الخاصة من الإخوان، بدأ النقاش، فإذا بهم يسمعون منه كلاما عجبا،
وتناقضا غريبا، فهو من جهة يشكوني إليهم لمقاطعتي إياه، وأنه يهش إلي ويبش
، ويتفاخر في المجالس بأني شيخه، ومن جهة أخرى لما يجري البحث العلمي بيني
وبينه يصرح بتضليلي أيضا وبمقاطعتي! فيقول له الإخوان: كيف هذا، وأنت تشكو
مقاطعته إياك؟! فلا يجيب على سؤالهم، وإنما يخوض في جانب آخر من الموضوع.
وباختصار فقد انكشف للحاضرين إعجابه برأيه وإصراره عليه، وتعديه على من يزعم
أنه شيخه وجزمه بضلاله، والله المستعان. فإذا قيل له: رأيك هذا هو وحي
السماء، ألا يمكن أن يكون خطأ؟ قال: بلى، فإذا قيل له: فكيف تجزم بضلال
مخالفك مع احتمال أن يكون الصواب معه؟ لم يحر جوابا، وإنما يعود ليجادل بصوت
مرتفع، فإذا ذكر بذلك قال: عدم المؤاخذة، لقد قلت لكم: هذه عادتي! فلا
تؤاخذوني! فطالبه بعض الحاضرين بالدليل على العصمة التي يزعمها، فتلى آية
التطهير: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *،
فقيل له: الإرادة في هذه الآية شرعية أم كونية، فأجاب: كونية! فقيل له:
هذا يستلزم أن أولاد فاطمة أيضا معصومون! قال: نعم. قيل وأولاد أولادها؟
فصاح وفر من الجواب. وواضح من كلامه أنه يقول بعصمة أهل البيت جميعا إلى يوم
يبعثون، ولكنه لا يفصح بذلك لقبحه. فقام صاحب الدار وأتى برسالة لشيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقرأ منها فصلا هاما في بيان الفرق بين الإرادة
الشرعية والإرادة الكونية، فالأولى محبته تعالى ورضاه لما أراده من الإيمان
والعمل(6/32)
الصالح، ولا تستلزم وقوع المراد، بخلاف الإرادة الكونية، فهي
تستلزم وقوع ما أراده تعالى، ولكنها عامة تشمل الخير والشر، كما في قوله
تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (يس: 82) ، فعلى
هذا، فإذا كانت الإرادة في آية التطهير إرادة شرعية فهي لا تستلزم وقوع المراد
من التطهير، وإنما محبته تعالى لأهل البيت أن يتطهروا، بخلاف ما لو كانت
إرادة كونية فمعنى ذلك أن تطهيرهم أمر كائن لابد منه، وهو متمسك الشيعة في
قولهم بعصمة أهل البيت، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
ضلالهم في ذلك بيانا شافيا في مواطن عديدة من كتابه " منهاج السنة "، فلا بأس
من أن أنقل إلى القراء الكرام طرفا منه لصلته الوثيقة بما نحن فيه، فقال في
صدد رده على الشيعي المدعي عصمة علي رضي الله عنه بالآية السابقة: " وأما آية
(الأحزاب 33) : * (ويطهركم تطهيرا) * فليس فيها إخبار بذهاب الرجس
وبالطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجبهما، وذلك كقوله تعالى (المائدة 6) :
* (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) *، والنساء: 26) :
* (يريد الله ليبين لكم ويهديكم) *، و (النساء: 28) : * (يريد الله أن
يخفف عنكم) *. فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا ليست هي الملتزمة
لوقوع المراد، ولو كان كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته. وهذا على قول
شيعة زماننا أوجه، فإنهم معتزلة يقولون: إن الله يريد ما لا يكون، فقوله
تعالى: * (يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * إذا كان بفعل المأمور وترك المحظور
، كان ذلك متعلقا بإرادتهم وبأفعالهم، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا. ومما
يبين أن ذلك مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار
الكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي
فأذهب(6/33)
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". رواه مسلم من حديث عائشة. ورواه أهل
السنن من حديث أم سلمة، وفيه دليل على أنه تعالى قادرا على إذهاب الرجس
والتطهير، وأنه خالق أفعال العباد، ردا على المعتزلي. ومما يبين أن الآية
متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام: * (يا نساء النبي من يأت منكن
بفاحشة مبينه - إلى قوله - ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة
وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن) * (الأحزاب 30 - 34) ، فهذا
السياق يدل على أن ذلك أمر ونهي، وأن الزوجات من أهل البيت، فإن السياق
إنما هو في مخاطبتهن ويدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي وفاطمة
وابنيهما " (1) . وقال في " مجموعة الفتاوى " (11 / 267) عقب آية التطهير: "
والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، فمن أطاع
أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه ". وقال المحقق الآلوسي في
تفسير الآية المذكورة بعد أن ذكر معنى ما تقدم عن ابن تيمية (7 / 47 - بولاق)
: " وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا: إن الله أذهب عنكم
الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرا. وأيضا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون
الصحابة لاسيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى
_________
(1) " المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال " (ص 168)
، وراجع منه (ص 84، 427 - 428 و 446 - 448 و 473 و 551) . اهـ.(6/34)
فيهم: * (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) *، بل لعل هذا أفيد لما
فيه من قوله سبحانه: * (وليتم نعمته عليكم) *، فإن وقوع هذا الإتمام لا
يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان ". وللبحث عنده تتمة لا يخرج
مضمونه عما تقدم، ولكن فيه تأكيد له، فمن شاء فليراجعه. فأقول: لقد أطلت
الكلام في مسألة العصمة المزعومة، لأهميتها ولصلتها الوثقى بحديث عائشة رضي
الله عنها. وتذكيرا للأخر المشار إليه لعله يجد فيما كتبت ما ينير له سبيل
الهداية، والعودة لمواصلة أخيه، راجعا عن إضلاله، وللتاريخ والعبرة أخيرا
. ثم توفي الرجل بعد كتابه هذا بسنين طويلة إلى رحمة الله ومغفرته، ومعذرة
إلى بعض الإخوان الذين قد يرون في هذا النقد العلمي وفيما يأتي ما لا يروق لهم
، فأذكرهم بأن العلم الذي عشته دهري هو الذي لا يسعني مخالفته، وما قول
البخاري وسليمان بن حرب الآتي تحت رقم 2630 في (حرب بن ميمون) : " هو أكذب
الخلق " - وذلك بعد موته - عنهم ببعيد.
2508 - " إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها
ظللتها الملائكة، فقالت: * (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون
وعمله ونجني من القوم الظالمين) *، فكشف لها عن بيتها في الجنة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1521 - 1522) : حدثنا هدبة أخبرنا حماد بن
سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن فرعون ... إلخ. هكذا(6/35)
وقع فيه
موقوفا عليه غير مرفوع، وهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال بمجرد الرأي، مع
احتمال كونه من الإسرائيليات. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أورده
السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 245) موقوفا أيضا، وقال: " أخرجه أبو
يعلى والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة ". ثم عزاه لعبد بن حميد عن أبي هريرة
موقوفا أيضا نحوه. وقال الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " (3 / 390) :
" صحيح موقوف ". وقال الهيثمي (9 / 218) : " ورجاله رجال الصحيح ". وله
شاهد من حديث سلمان رضي الله عنه قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا
انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة. أخرجه
الطبري في " تفسيره " (28 / 110) والحاكم (2 / 496) وقال: " صحيح على
شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وعزاه السيوطي لابن أبي
شيبة أيضا وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في " شعب الإيمان ". قلت: ثم
طبع " شعب الإيمان " هذا، فرأيته قد أخرجه (2 / 244 / 1637) من طريقين عن
يزيد بن هارون: أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان به موقوفا أيضا.(6/36)
وإسناده صحيح. ثم أخرج (1638) من طريق معمر عن ثابت عن أبي رافع قال: "
وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد. ثم حمل على بطنها رحى عظيمة حتى ماتت ".
وهذا صحيح. لكنه مع وقفه مرسل.
2509 - " لو كان في هذا المسجد مائة [ألف] أو يزيدون، وفيه رجل من أهل النار فتنفس
فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه ".
أخرجه البزار (3499) وأبو يعلى في " المسند " (4 / 1573 - 1574) وابن أبي
الدنيا في " صفة النار " (ق 8 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 307)
والسياق له من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد: قال
: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن شبيب عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. وقال أبو
نعيم: " غريب من حديث سعيد، تفرد به أبو عبيدة عن هشام ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير محمد بن شبيب،
وهو الزهراني، ترجمه ابن أبي حاتم، فقال (3 / 2 / 285) : " روى عن الحسن
وعبد الملك بن عمير، روى عنه هشام الدستوائي وهشام بن حسان وحماد بن زيد،
ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: محمد بن شبيب الزهراني
ثقة ".(6/37)
وسمع منه شعبة أيضا كما في " تاريخ البخاري " (1 / 1 / 114) .
وجهله ابن الجوزي وغيره، فأورده الذهبي في " الميزان "، فقال: " محمد بن
شبيب قال ابن الجوزي: مجهول. ثم ساق له في " الواهيات " حديثا، وهو: هشام
بن حسان عن محمد بن شبيب ... (فذكره) . قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر ".
قلت: ومن الغريب أن الذهبي لم يتنبه أنه الزهراني المترجم عند البخاري وابن
أبي حاتم، وقد يقال أنه تنبه لذلك ولكنه يرى أنه غيره. فأقول: فكان الواجب
الذي يقتضيه هذا العلم أن ينبه على ذلك، على النحو الذي صنعه الحافظ ابن حجر،
ولو أنه لم يصب الهدف، فإنه عقب عليه في " اللسان " بقوله: " ومحمد بن شبيب
المذكور هو محمد بن عيسى بن شبيب النهدي، فنسب إلى جده، وله ترجمة في (
الكامل) ". قلت: ففاته أيضا أنه الزهراني، أو أن ينبه أنه غيره على الأقل.
على أنني لم أجد في ترجمة من اسمه (محمد) من " الكامل " لابن عدي من اسم جده
" شبيب النهدي ". والله أعلم.
والحديث قال المنذري (4 / 227) : " رواه أبو يعلى وإسناده حسن، وفي متنه
نكارة، ورواه البزار ولفظه.. ".
وقال الهيثمي (10 / 391) : " رواه أبو يعلى عن شيخه إسحاق، ولم ينسبه،
فإن كان ابن راهويه فرجاله رجال الصحيح، وإن كان غيره فلم أعرفه ".
قلت: بل هو غيره قطعا، فقد ساق له حديثا قبل هذا، وحديثا آخر قبلهما،(6/38)
وقد
سماه فيه فقال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثني ... فإذا قال بعده: حدثنا
إسحاق ... ولم ينسبه فهو الذى قبله يقينا، فلا أدري كيف لم يتنبه الهيثمي
لهذا، فإن مثله لا يخفى عليه مثله! وقد ازددت بذلك يقينا حين رأيت أبا نعيم
قد نسبه في روايته كما سبق، وسماه ابن أبي الدنيا إسحاق بن إبراهيم، وهو هو
وكنيته أبو يعقوب المروزي، وهو ثقة.
وأما قوله: " فرجاله رجال الصحيح "، فوهم أيضا لما عرفت من ترجمة محمد بن
شبيب، وأنه ليس من رجال " التهذيب "، ولعله توهم أنه محمد بن سيرين، فقد
وقع كذلك عند البزار في " مسنده " (ص 315 - زوائده) من طريق عبد الرحيم بن
هارون الغساني عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن جعفر بن أبي وحشية به نحوه
وعبد الرحيم هذا ضعيف كذبه الدارقطني كما في " التقريب " وقوله:. " محمد بن
سيرين " يحتمل أنه فيه فيدل على ضعفه لمخالفته أبا عبيدة الحداد الثقة،
ويحتمل أنه من الناسخ، ويؤيد الأول قول الهيثمي: " رواه البزار، وفيه عبد
الرحيم بن هارون، وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يعتبر
حديثه إذا حدث من كتابه، فإن في حديثه من حفظه بعض مناكير، وبقية رجاله رجال
الصحيح ". فإن قوله: " ... رجال الصحيح "، يشعر بأنه وقع في نسخته أيضا:
محمد بن سيرين. لكن يحتمل أنه وهم فيه أيضا كما وهم في إسناد أبي يعلى. فالله
سبحانه وتعالى أعلم. هذا ولم يتبين لي وجه النكارة التي ذكر المنذري،
وحكاها ابن الجوزي عن الإمام أحمد، ونحن على الصحة التي تقتضيها صحة الإسناد،
لا نخرج عنها إلا(6/39)
بحجة بينة، ويعجبني بهذه المناسبة كلمة رائعة وقفت عليها في
" سير أعلام النبلاء " للذهبي (9 / 188) : " قال يحيى بن سعيد (وهو القطان
الإمام) : لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد
، وإلا فلا تغتروا بالحديث إذا لم يصح الإسناد ". والله تعالى هو الموفق.
2510 - " إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه من ترك عشر ما يعرف فقد هوى،
ويأتي من بعد زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا ".
أخرجه الهروي في " ذم الكلام " (1 / 14 - 15) من طريقين عن محمد بن طفر بن
منصور حدثنا محمد بن معاذ حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن الحجاج بن
أبي زياد عن أبي الصديق أو أبي نضرة - شك الحجاج - عن أبي ذر مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن طفر هذا، فإني
لم أجد له حتى الآن ترجمة، وهو الذي كان حال بيني وبين تصحيح الحديث لما
خرجت حديث أبي هريرة بنحوه في " الضعيفة " (684) ، ثم وجدت أنه لم يتفرد به،
فلم أر من الأمانة العلمية إلا تصحيحه، فقد قال البخاري في ترجمة الحجاج ابن
أبي زياد الأسود (1 / 2 / 374) : " قال إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن
يونس ... (قلت: فساق إسناده مثله والطرف الأول من متنه، ثم قال:) وقال
إسحاق: حدثنا المؤمل سمع(6/40)
حماد بن سلمة سمع حجاج الأسود يحدث ثابتا عن أبي
الصديق عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم في زمان من ترك -
نحوه ". قلت: وهذا وصله أحمد في " المسند " (5 / 155) : حدثنا مؤمل:
حدثنا حماد: حدثنا حجاج الأسود - قال مؤمل: وكان رجلا صالحا - قال: سمعت
أبا الصديق يحدث ثابتا البناني عن رجل عن أبي ذر به. قلت: فزاد أحمد في
إسناده: " عن رجل "، فأفسده، وبه أعله الهيثمي (1 / 127) ، فقال: " رواه
أحمد، وفيه رجل لم يسم ". قلت: وعندي أن هذه الزيادة هي من مؤمل، وهو
ابن إسماعيل البصري، فإنه سيىء الحفظ كما في " التقريب "، فكان يضطرب فيها،
فيذكرها تارة فحفظها عن أحمد، ولا يذكرها تارة كما في رواية إسحاق المتقدمة
عنه، وإسحاق هو ابن راهويه الإمام، وهذا هو الصواب لموافقتها لرواية عيسى
بن يونس، ولا اختلاف فيها كما رأيت، فقد اتفق عليها علي بن خشرم وإبراهيم
بن موسى - وهو أبو إسحاق الفراء - وكلاهما ثقة من رجال الشيخين، ومن ذلك
يتبين أن الحديث صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات غير الحجاج بن أبي زياد، وهو
ثقة كما قال أحمد وابن معين، ثم الذهبي في " تلخيص المستدرك " (4 / 332)
وترجم له في " الميزان " ترجمة مختصرة مخلة، خلافا للحافظ في " اللسان "،
فراجعه، وهو راوي حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم " المتقدم (621) ، فانظر
ترجمته ثم. وأما تردد الحجاج بين أبي نضرة وأبي الصديق، فمما لا يضر في صحة
السند لأنه تردد بين ثقتين، فتنبه.(6/41)
وقد روي الحديث بنحوه من حديث عبد الله
بن سيد مرفوعا بسند ضعيف، ومن حديث عبد الله بن مسعود موقوفا بسند صحيح،
وسيأتي تخريجه برقم (3189) .
2511 - " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: ما لي لم أر ميكائيل
ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار ".
أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 247 / 2) : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى
بن سعيد القطان أخبرنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن عائذ عن مجاهد عن ابن
عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وربما لم يرفعه - قال: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن عائذ، وهو ثقة
كما في " التقريب ". والحديث أخرجه الحاكم (2 / 80 - 81) وعنه البيهقي (9
/ 149) من طريق مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه لم يقل: " وربما لم
يرفعه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "! ووافقه الذهبي! وذلك
من أوهامهما لما تقدم من الاستثناء، وقد أقره المنذري أيضا (2 / 154) ! ثم
قال الحاكم: " وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور، وفي يحيى بن سعيد قدوة ".
قلت: وهو كما قال، لكن يحيى قد ذكر أن الراوي - ولعله ابن عمر أو من دونه -
كان ربما لم يرفعه، وذلك مما لا يضر لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه،
ولأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر. (تنبيه) : " حارس الحرس " كذا وقع
في " المسند " وفي المصدرين الآخرين: " حارس حرس " ولعله الصواب، فإنه كذلك
في " مصنف ابن أبي شيبة " (5 / 296) : حدثنا وكيع أخبرنا ثور به موقوفا.
وكذا هو في " الترغيب ". والله أعلم.(6/42)
2512 - " ما من أحد يموت سقطا ولا هرما - وإنما الناس فيما بين ذلك - إلا بعث ابن
ثلاثين سنة، فإن كان من أهل الجنة كان على نسحة آدم، وصورة يوسف، وقلب
أيوب، ومن كان من أهل النار عظموا، أو فخموا كالجبال ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 302 / 1) : حدثنا هيثم بن خالد حدثنا عبد
الكبير بن المعافى: حدثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد الله
الهاشمي عن عبد الله بن عكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال: " لم يروه عن عبيدة إلا هشيم، تفرد به عبد الكبير به المعافى
". قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 63) : " سمع منه أبي وروى عنه وقال:
وكان ثقة رضا، كان يعد من الأبدال ". قلت: وإنما العلة ممن فوقه، فهشيم -
وهو ابن بشير الواسطي - مع كونه ثقة ثبتا، فهو كثير التدليس كما في " التقريب
". وشيخه عبيدة - وهو ابن معتب الضبي -، قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال
أحمد: تركوا حديثه ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 218) : "
وفيه عبيدة بن معتب وقد أجمعوا على ضعفه ".(6/43)
وعبد الله بن عبيد الله الهاشمي
هو من طبقة عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي وهو ثقة من
رجال الشيخين، لكنهم لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عكيم ولا ذكروا
إبراهيم - وهو النخعي - في الرواة عنه. وهيثم بن خالد وهو المصيصي أورده
الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال الدارقطني: ضعيف ". وأقره الحافظ في "
التهذيب " وجزم بضعفه في " التقريب ". لكن قد رواه شبيب بن سعيد عن شعبة عن
الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: جاءنا كتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة: " إني كنت رخصت لكم في إهاب
الميتة وعصبها، فلا تنتفعوا بعصب ولا إهاب ". أخرجه ابن عدي في ترجمة شبيب
هذا من " الكامل " (4 / 1347) والطبراني أيضا كما في " التلخيص الحبير " (1
/ 47) وقال: " إسناده ثقات، وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في (
الأوسط) ". قلت: فضالة لفظ حديثه يختلف عن هذا فإنه بلفظ: " إني كنت رخصت
لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب ". فذكر الجلد في
الموضعين مكان الإهاب والمحفوظ (الإهاب) وهو الجلد قبل الدبغ، هكذا رواه
جماعة عن شعبة به، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 38) .(6/44)
وفضالة بن مفضل قال
ابن أبي حاتم (3 / 2 / 79) عن أبيه: " لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم، سألت
عنه سعيد بن عيسى بن تليد؟ فثبطني عنه، وقال: الحديث الذي يحدث به موضوع أو
نحو هذا ". واعلم أن حديث ابن عكيم هذا قد اختلف العلماء فيه رواية ودراية:
وأما رواية، فقد أعله بعضهم بالإرسال والاضطراب، وهو مردود لأنه إن سلم به
بالنظر لبعض الطرق، فهو غير مسلم بالنسبة للطرق الأخرى كما كنت بينته في
المصدر المذكور آنفا ولذلك قواه بعض المتقدمين ومنهم الإمام أحمد رحمه الله
تعالى، فقال ابنه صالح في " مسائله " (ص 160) : " قال أبي: الله قد حرم
الميتة، فالجلد هو من الميتة، وأذهب إلى حديث ابن عكيم، أرجو أن يكون صحيحا
: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". قال أحمد: " وليس عندي في دباغ
الميتة حديث صحيح، وحديث ابن عكيم هو أصحها "! كذا قال رحمه الله، مع أنه
قد ورد في الدباغ خمسة عشر حديثا ساقها الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 54)
بعضها في " الصحيحين " وهي مخرجة في " غاية المرام " (25 - 29) .(6/45)
وأما
الدراية فقد اختلف العلماء في كون الدباغ مطهرا أم لا؟ والجمهور على الأول،
واختلفوا في الجواب عن حديث الترجمة، وأصح ما قيل إن الإهاب هو الجلد الذي
لم يدبغ، فهو المنهي عنه، فإذا دبغ فقد طهر. ومن شاء التفصيل فليراجع " نيل
الأوطار " وغيره.(6/46)
2513 - " أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري [كذا على وجه الأرض] ولم يشق شقا، فإذا
حافتاه قباب الؤلؤ، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا هو مسكة ذفرة، وإذا حصاه
اللؤلؤ ".
أخرجه أحمد (3 / 152) : حدثنا عبد الصمد، والزيادة له، و (3 / 247) :
حدثنا عفان والسياق له، قالا: حدثنا حماد: أنبأنا ثابت عن أنس بن مالك
أنه قرأ هذه الآية: * (إنا أعطيناك الكوثر) * قال: قال: رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 133 / 6437) من طريق
هدبة بن خالد: حدثنا حماد بن سلمة به، والبزار (4 / 179 / 3488) من طريق
روح: حدثنا حماد به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وعزاه السيوطي
في " الدر المنثور " (6 / 401) لابن المنذر أيضا وابن مردويه عن أنس. وقال
ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 286) : " وقال أبو خيثمة: حدثنا عفان.
حدثنا حماد بن سلمة ... وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن عبيد (الأصل:
عبيدة وهو خطأ) حدثنا يزيد بن هارون حدثنا الجريري عن معاوية بن قرة عن أنس
بن مالك قال:(6/47)
أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض! لا والله، إنها
لسائحة على وجه الأرض، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى الياقوت، وطينها
المسك الأذفر. قال: قلت: ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط له. ورواه ابن
مردويه في " تفسيره " عن محمد بن أحمد: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا مهدي
بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الجريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره هكذا مرفوعا ". قلت: وإسناد
ابن أبي الدنيا صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يعقوب ابن عبيد - وهو
النهرتيري - قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 210) : " سمعت منه مع أبي، وهو صدوق
". وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (14 / 280) : وقد خالفه مهدي بن حكيم
فرواه عن يزيد بن هارون به مرفوعا عند ابن مردويه، ومهدي هذا لم أجد له ترجمة
، ولكن الموقوف صحيح كما رأيت، وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل
الرأي، لاسيما وقد صح مرفوعا من الطريق الأولى. ونحوه ما روى سفيان الثوري
عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى: * (وماء مسكوب) * قال:
إنها تجري في غير أخدود. ذكره ابن القيم. وإسناده مقطوع صحيح. قلت: وفيما
تقدم دليل على بطلان ما أخرج ابن مردويه في " الدر المنثور " (6 / 402) عن
ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * قال: " نهر في
الجنة عمقه [في الأرض] سبعون ألف فرسخ ". وعزاه المنذري (4 / 254 - 255)
لابن أبي الدنيا وعنده الزيادة، وأشار إلى تضعيفه، بل هو عندي منكر
لمخالفته لحديث أنس هذا. والله أعلم.(6/48)
(تنبيه) : أورد المنذري حديث أنس
الموقوف الذي سبق نقله عن ابن القيم، وقال عقبه (4 / 255) : " رواه ابن أبي
الدنيا موقوفا، ورواه غيره مرفوعا، والموقوف أشبه بالصواب ". قلت: وكأنه
يشير بالمرفوع إلى رواية ابن مردويه المتقدمة، وهذا التصويب صحيح، كما يتبين
لك مما سبق من التحقيق، لكن الذي يبدو لي أن المنذري لم يطلع على الطريق
الأخرى المرفوعة عند الإمام أحمد، وإلا لما أغفلها مع صحة إسنادها، فالصواب
أن كلا من الموقوف والمرفوع صحيح. ولا منافاة بينهما كما هو ظاهر. والله
أعلم.
2514 - " ذاك نهر أعطانيه الله - يعني - في الجنة، أشد بياضا من اللبن وأحلى من
العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: إن هذه لناعمة: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أكلتها أنعم منها ".
أخرجه الترمذي (2 / 88) وابن جرير في " التفسير " (30 / 209) وأحمد (3 /
237) والمقدسي في " صفة الجنة " (3 / 3 / 85 / 1) من طرق عن محمد بن عبد
الله ابن مسلم عن أبيه عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ما الكوثر؟ قال آفذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب،
ومحمد بن عبد الله بن مسلم هو ابن أخي ابن شهاب الزهري، وعبد الله بن مسلم هو
أخو الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ". قلت:
وقد تابعه ابن شهاب الزهري نفسه وغيره، فقال أبو أويس: أخبرني ابن شهاب أن
أخاه أخبر أن أنس بن مالك الأنصاري أخبره به.(6/49)
أخرجه أحمد (3 / 236 و 237)
وابن جرير والحاكم (2 / 537) وتابعه عبد الوهاب بن أبي بكر عن عبد الله بن
مسلم بن شهاب به. أخرجه ابن جرير، وأحمد (3 / 220) . قلت: فهذه ثلاث طرق
عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، وهو ثقة من رجال مسلم، فهو مشهور عنه، وليس
مشهورا عن ابنه محمد فقط كما يوهم كلام الحاكم عليه، لكنه من طريق ابنه حسن
كما قال الترمذي، لأن فيه كلاما من قبل حفظه، لكن متابعة عمه الزهري إياه،
وكذا عبد الوهاب بن أبي بكر المدني - وهو ثقة أيضا - يجعل حديثه صحيحا. ولعل
الترمذي لم يقف على هذه المتابعات، وإلا لكان حقه أن يصححه. والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى بنحوه. فقال أحمد (3 / 221) : حدثنا سيار بن حاتم حدثنا
جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة. فقال أبو بكر: يا
رسول الله إن هذه لطير ناعمة! فقال: أكلتها أنعم منها (قالها ثلاثا) ،
وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر! ". وهذا إسناد على شرط مسلم،
غير سيار بن حاتم، وهو صدوق له أوهام كما في " التقريب "، وفيه نكارة ظاهرة
، ولا يقويه ما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 295) من رواية
الحاكم من طريق الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي
عن حذيفة مرفوعا مثل حديث سيار. قلت: لا يقويه، لأن الفضل هذا ضعيف جدا،
قال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". وقد ساق له الذهبي طائفة
من أحاديثه، وقال عقبها:(6/50)
" فهذه أباطيل وعجائب ". وقد ساقها ابن عدي أيضا
في " الكامل " (ق 323 / 2) ومنها هذا الحديث، ولكنه لم يذكر في إسناده
حذيفة وقال عقبها: " لا يرويها غير الفضل بن المختار، وبه تعرف، وعامتها
مما لا يتابع عليه " ومثله ما أخرجه المقدسي (3 / 85 / 1 - 2) من طريق عبد
الله بن زياد عن زرعة عن نافع عن ابن عمر قال: ذكرت عند النبي صلى الله عليه
وسلم طوبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى؟ قال
: الله ورسوله أعلم. قال: طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله عز وجل
، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا، ورقها الحلل، يقع عليها الطير
كأمثال البخت. فقال أبو بكر: إن هناك لطيرا ناعما. قال: أنعم منه من يأكله
، وأنت منهم إن شاء الله تعالى ". سكت عنه ابن كثير في " تفسيره " (8 / 184
- منار) ولعل ذلك لظهور علته، فإن عبد الله بن زياد وهو الفلسطيني. تكلم
فيه ابن حبان، وساق له حديثا آخر وقال: " ليس هذا من أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم ". وساق له الحافظ في " اللسان " حديثا ثالثا من طريق أبي
نعيم بإسناده عنه به، وقال: " قال أبو نعيم: الحمل فيه على عبد الله بن
زياد ". ولجملة الطير وأنها أمثال البخت، شاهدان من مرسل يحيى الجزار
والحسن البصري أخرجهما ابن أبي شيبة (13 / 102 - 103) بإسنادين صحيحين عنهما.(6/51)
2515 - " إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة ".
أخرجه البزار (ص 113 - زوائده) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا سعيد
بن عبد الحميد بن جعفر حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى
التوأمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره،
وقال: " لا نعلمه متصلا عن ابن عباس إلا من هذا الطريق ". قلت: قال الحافظ
عقبه: " قلت: إسناده حسن، لأن سماع موسى من صالح قبل الاختلاط ". قلت:
وهذه فائدة هامة لا توجد هكذا في كتب الرجال، فقد ذكروا فيها أن صالحا كان
اختلط، وأن ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد سمعوا منه قبل الاختلاط،
ولم يذكروا معهم موسى بن عقبة هذا، وهو حري بذلك، فقد كانت وفاته سنة (141)
، فهو متقدم الوفاة عليهم بنحو عشر سنين، وأكثر من ذلك بالنسبة لبعضهم. وقد
غفل عن هذه الفائدة الحافظ المنذري فأشار في " الترغيب " (2 / 131) إلى
إعلاله بصالح مولى التوأمة، وصرح بذلك الهيثمي، فقال في " مجمع الزوائد "
(3 / 260) : " رواه البزار، وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف "!(6/52)
2516 - " لا ينقع بول في طست في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول، ولا
يبولن في مغتسل ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 34 - مجمع البحرين نسخة الحرم المكي) حدثنا
أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي حدثنا يحيى بن عباد أبو عباد حدثنا يونس بن
أبي إسحاق عن بكر بن ماعز: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن النبي صلى الله
عليه وسلم، فذكره: وقال: " لا يروى عن عبد الله بن يزيد إلا بهذا الإسناد،
تفرد به يحيى ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وهو الضبعي البصري نزيل
بغداد، وكذلك سائر رجاله ثقات من رجال التهذيب غير من دونه، أما البغوي
فترجم له الخطيب (6 / 370 - 371) وغيره، وهو ثقة مأمون. وأما شيخ
الطبراني: أحمد، فلم أعرفه، فإن الأحمدين في شيوخ الطبراني كثيرون كما يتبين
من " معجمه الصغير "، ومن أشهرهم أحمد بن علي الأبار، وهو ثقة حافظ، ترجم
له الخطيب أيضا (4 / 306) فلعله هو، فقد قوى إسناده جماعة من الحفاظ، فقال
المنذري (1 / 84) : " رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد حسن، والحاكم،
وقال: صحيح الإسناد " وكذا قال الهيثمي (1 / 204) إلا أنه لم يعزه للحاكم،
ولم أره في " مستدركه " بعد مراجعته في مواطن منه مثل " الطهارة " و " المعرفة
" و " اللباس ". ونقل السيوطي في حاشيته على " النسائي " (1 / 14) عن
الحافظ ولي الدين العراقي أنه قال:(6/53)
" رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد
". ذكره في صدد التوفيق بينه وبين حديث أميمة بنت رقيقة قالت: " كان للنبي
صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل ". أخرجه أبو داود
وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (19) . والتوفيق بأن يحمل حديث
الترجمة على أن المراد بانتفاعه طول مكثه، فلا يعارض حديث أميمة، لأن ما يجعل
في الإناء لا يطول مكثه غالبا. والله أعلم. وروى ابن أبي شيبة في " المصنف
" كتاب " الطهارة " (1 / 175 - طبعة العزيزية - هند) عن سفيان عن أبي إسحاق
عن بكر بن ماعز عن أبي بريدة - يحسبه - عن أبيه قال: " لا تبول في طست في بيت
تصلي فيه، ولا تبول في مغتسلك ". قلت: ورجاله إلى بكر ثقات رجال الشيخين
غير أبي بريدة فإني لم أعرفه، ومن المحتمل أن يكون محرفا عن أبي بردة، وهو
ابن أبي موسى الأشعري، فإنه يروي عن أبيه، وعنه أبو إسحاق وهو السبيعي،
وكلاهما ثقة من رجال الشيخين غير أن السبيعي مدلس، وكان اختلط، لكن روى عنه
سفيان - وهو الثوري - قبل الاختلاط. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في "
المعجم الأوسط " للطبراني برقم (2270 - بترقيمي) أورده في ترجمة أحمد بن زهير
التستري، وقد روى له فيه (1 / 111 / 1 - 121 / 1) أكثر من خمسين ومائة
حديث (2229 - 2384) ، فهو من شيوخه المشهورين، ولكني لم أجد له ترجمة. ثم
رأيته مترجما في " تذكرة الحفاظ " للذهبي، ووصفه بـ " الحافظ الحجة أحد
الأعلام.. ". و (زهير) جده، واسم أبيه يحيى.(6/54)
وبذلك يتبين أن السند صحيح
لما عرفت من أن من فوقه من الرواة ثقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
2517 - " عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب ".
أخرجه أحمد (2 / 108) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن
أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة، فهو سيىء الحفظ، وبه أعله
المنذري (1 / 101) ، ثم الهيثمي (1 / 220) وعزاه للطبراني أيضا في "
الأوسط ". ثم استدركت فقلت: بل هو إسناد جيد، لأن قتيبة أحاديثه عن ابن
لهيعة صحيحة كما قرره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (8 / 15) وقد رواه عن
قتيبة ابن عساكر أيضا (2 / 472) ، ثم أخرجه هو والطبراني (1 / 177 / 1 /
3265) . ثم وجدت له شاهدا من حديث حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن
المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، إلا
أنه قال: " مطهرة للفم "، والباقي مثله سواء. أخرجه ابن حبان (144) .
وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح "، وفي حماد بن سلمة كلام إذا
روى عن غير ثابت، ولكنه لا يضر، فالحديث صحيح. والله الموفق. ثم رأيت
الحافظ في " التلخيص " (1 / 60) قد أعل هذا المتن عن أبي هريرة(6/55)
بالشذوذ،
فالعمدة على حديث ابن عمر. على أنه قد أخرجه البيهقي في " الشعب " (3 / 27 /
2776) من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف. وقد صح الحديث دون قوله: " عليكم
" عن جمع من الصحابة، أسانيد بعضهم صحيحة، وهو مخرج في " الإرواء " (1 /
105 / 66) .
2518 - " لا يسمع النداء أحد في مسجدي هذا، ثم يخرج منه - إلا لحاجة - ثم لا يرجع إلا
منافق ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 27 / 1) ومن طريقه أبو نعيم في " صفة
النفاق " (29 / 1) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا أبو مصعب حدثنا عبد
العزيز بن أبي حازم: حدثني أبي وصفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " تفرد به
أبو مصعب، ولم يروه موصولا عن أبي هريرة غير صفوان وأبي حازم ". قلت:
وجميعهم ثقات من رجال الشيخين غير الرازي، وهو حافظ حسن الحديث، قال
الدارقطني: ليس بذاك. وقال مسلمة: كان ثقة عالما بالحديث. وأبو مصعب اسمه
أحمد بن أبي بكر. وقال المنذري (1 / 115) وتبعه الهيثمي (2 / 5) : "
رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". قلت: وفي
هذا الإطلاق نظر ظاهر، لأن الرازي ليس من رجال " الصحيح "، وكثيرا ما يطلقان
مثله، فكن على انتباه.(6/56)
وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه، عند الطيالسي
وأحمد في " مسنديهما "، وفي إسناده كلام ذكرته في " التعليق الرغيب ".
والحديث رواه أبو داود في " مراسيله " (84 / 25) والدارمي (1 / 118) عن
الأوزاعي، والبيهقي في " سننه " (3 / 56) عن سفيان، كلاهما عن عبد الرحمن
بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب مرسلا. وإسناده صحيح، ولا ينافي
الموصول، لأن الذين وصلوه ثقات، إلا أن يكون الوهم من الرازى. وعلى كل حال
فالحديث صحيح بالطريق الأخرى. واعلم أن الحديث ظاهر لفظه اختصاص الحكم
المذكور فيه بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه من حيث المعنى عام لكل
المساجد، للأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب صلاة الجماعة. والخروج من المسجد
يفوت عليه الواجب. فتنبه. ويؤيد ذلك ما روى أبو الشعثاء قال: كنا مع أبي
هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة: " أما هذا
فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ". أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في "
الإرواء " (1 / 263 / 245) و " صحيح أبي داود " (547) . تنبيهان: الأول:
لقد فات المعلق على " مراسيل أبي داود " تقوية مرسله بحديث الترجمة المتصل عن
سعيد عن أبي هريرة. والآخر: أنه أعل المرسل بتدليس الوليد - وهو ابن مسلم -
، وفاته أنه قد(6/57)
تابعه أبو المغيرة عند الدارمي، كما فاتته متابعة سفيان
المذكورة - وهو ابن عيينة - عند البيهقي. ولفظ رواية أبي المغيرة.. عن عبد
الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودعه بحج أو عمرة، فقال له
: لا تبرح حتى تصلي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكر الحديث)
فقال: إن أصحابي بالحرة! قال: فخرج. قال: فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى
أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه. قلت: وإسناده مرسل صحيح.
2519 - " كذبت لا يدخلها (يعني النار) ، فإنه شهد بدرا والحديبية. يعني حاطب بن
أبي بلتعة رضي الله عنه ".
أخرجه مسلم (7 / 169) وابن حبان (9 / 125 / 6076) وأحمد (3 / 349) من
طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر: أن عبدا لحاطب جاء رسول الله
صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه ابن جريج: أخبرني أبو
الزبير أنه سمع جابرا يقول: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 325) : حدثنا حجاج
حدثنا ابن جريج به. (تنبيه) : أورد الإمام ابن الوزير اليماني في كتابه
القيم " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " (ص 64 - الطبعة المنيرية)
هذا الحديث بالمعنى فقال:(6/58)
" وقد ثبت في " صحيح مسلم " مرفوعا أن حاطبا يدخل
الجنة ". فأشكل ذلك على بعض الطلاب المغاربة، وكأنه فتش عنه في " صحيح مسلم
" فلم يجده. فسألني عنه في سفرتي الأولى إلى المغرب سنة 1396. وكونه رواية
بالمعنى ظاهر جدا، لأن شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب بأنه لا يدخل
النار، تستلزم دخوله الجنة ولابد، إذ إنه لا منزلة بين المنزلتين! .
2520 - " يبعث مناد عند حضرة كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتم
على أنفسكم. فيقومون فيتطهرون فتسقط خطاياهم من أعينهم، ويصلون فيغفر لهم ما
بينهما، ثم توقدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند صلاة الأولى نادى: يا بني آدم
قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم ما
بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت
العتمة فمثل ذلك، فينامون وقد غفر لهم، ثم قال: فمدلج في خير ومدلج في شر
".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 69 / 2) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (4
/ 189) : حدثنا الحسن بن علي المعمري أخبرنا محمد بن الخليل الخشني أخبرنا
أيوب بن حسان الجرشي عن هشام بن الغار عن أبان - يعني العطار - عن عاصم بن
بهدلة عن زر ابن حبيش أنه حدثه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. ثم رواه الطبراني من طريق عبد ربه بن ميمون النحاس عن
الربيع بن حظيان عن عاصم به نحوه.(6/59)
قلت: ولم يسق لفظه. والإسناد الأول حسن
، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير أيوب ابن حسان الجرشي،
وهو صالح الحديث كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 244) عن أبيه. وغير المعمري
، وهو صدوق حافظ مترجم له في " الميزان " و " اللسان " وغيرهما. وعاصم بن
بهدلة - وهو ابن أبي النجود - فيه كلام معروف لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن
. وأبان هو ابن يزيد العطار الثقة احتج به الشيخان، وقد وهم فيه الهيثمي
وهما فاحشا، فقال (2 / 299) : " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه أبان بن
أبي عياش، وثقه أيوب وسلم العلوي، وضعفه شعبة وأحمد وابن معين وأبو حاتم
". وبيانه من وجهين: الأول: أنه لم يتنبه لما في الإسناد نفسه من بيان أن
أبان هو العطار، ففسره من عنده بأنه أبان بن أبي عياش، وهذا متروك عند
الحافظ، فصار الحديث بذلك واهيا! وقد كنت اغتررت به في بعض مؤلفاتي، فلتصحح
. والآخر: أنه غفل عن متابعة الربيع بن حظيان لأبان التي ساقها الطبراني عقب
الحديث كما رأيت، وهي متابعة لا بأس بها فإن الربيع هذا أورده ابن أبي حاتم
(1 / 2 / 459) من رواية ثقتين عنه. وله راو ثالث وهو عبد ربه الراوي لهذا
الحديث عنه، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 44) من رواية ثقتين عنه، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، والربيع قال فيه أبو زرعة:(6/60)
منكر الحديث. وذكره
ابن حبان في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". وتابعه أيضا حماد بن سلمة
عن عاصم به نحوه، وحسن إسناده المنذري (1 / 138) وتبعه الهيثمي (1 / 299
) وهو مخرج في " الروض النضير " رقم (611) .
2521 - " كان يأمرها (يعني عائشة) أن تسترقي من العين ".
أخرجه مسلم (7 / 17) وأحمد (6 / 63) من طريق مسعر: حدثنا معبد بن خالد عن
عبد الله بن شداد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... فذكره
. ورواه سفيان عن معبد بلفظ: " كان يأمرني أن أسترقي من العين ". أخرجه مسلم
. ورواه ابن ماجه (2 / 356) والحاكم (4 / 412) وأحمد (6 / 63 و 138)
من هذا الوجه نحوه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ".
ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكهما على مسلم، وكذا في استدراكهما على
البخاري، فقد وجدته عنده أيضا من هذا الوجه (10 / 164) .
2522 - " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ".
أخرجه أبو داود (2 / 153) وعنه البيهقي (9 / 351) : حدثنا عثمان بن أبي
شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها
قالت: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وسكت عليه الحافظ في " الفتح
" (10 / 164) .(6/61)
وتابعه سفيان عن الأعمش به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في "
المصنف " (8 / 59) .
2523 - " إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش، أخشاه على ولد في صغر وأرعاه
على بعل بذات يد ".
أخرجه أحمد (1 / 318 - 319) من طريق عبد الحميد: حدثنا شهر حدثني ابن عباس
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قوم يقال لها سودة، وكانت
مصبية كان لها خمسة صبية أو ستة من بعل لها مات، فقال لها رسول الله صلى الله
عليه وسلم: ما يمنعك مني؟ قالت: والله يا نبي الله ما يمنعني منك أن لا تكون
أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يضغوا هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشية،
قال: فهل منعك مني شيء غير ذلك؟ قالت: لا والله. قال لها رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " يرحمك الله، إن خير.. " الحديث. قال الحافظ في " الفتح "
(9 / 422) : " وسنده حسن، وله طريق أخرى أخرجها قاسم بن ثابت في " الدلائل
" من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس باختصار القصة ". قلت: الحكم
بن أبان صدوق له أوهام، وشهر في الطريق الأولى هو ابن حوشب، صدوق كثير
الإرسال والأوهام كما قال الحافظ في " التقريب "، فلعل تحسين الحافظ للحديث
من طريقه إنما هو تحسين لغيره. والله أعلم. وللحديث شاهدان أحدهما من حديث
أبي هريرة بلفظ:(6/62)
" خير نساء ركبن الإبل ". وقد مضى برقم (1052) ، والآخر
من حديث معاوية الآتي بعده. ثم إن الحديث أخرجه ابن سعد (8 / 108) من طريق
عامر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانىء فقالت يا رسول الله لأنت
أحب إلي من سمعي وبصري، وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع
بعض شأني وولدي. وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده صحيح لكنه مرسل، عامر هو الشعبي. وهذا هو
الصحيح أن صاحبة القصة هي أم هانىء بنت أبي طالب ليست هي سودة، وهذا من أوهام
شهر بن حوشب، وقد رواه على الصحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة المشار إليه
آنفا فراجعه.
2524 - " اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، من
يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
أخرجه مالك (3 / 94) وأحمد (4 / 92 - 93 و 95 و 98) والطحاوي في " المشكل
" (2 / 278 - 279) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 19 - 20) من طرق عن
محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية على المنبر: اللهم.. إلخ. سمعت
هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر. والسياق
لأحمد. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وله عنده (4 / 101) طريق أخرى بزيادة
:(6/63)
" وخير نسوة ركبن الإبل صالح نساء قريش، أرعاه على زوج في ذات يده وأحناه
على ولد في صغره ". وإسناده هكذا: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن
مبشر مولى أم حبيبة عن زيد بن أبي عتاب عن معاوية مرفوعا به. وهذا سند صحيح
رجاله رجال البخاري، غير عبد الله بن مبشر، وقد وثقه ابن معين كما في "
التعجيل ". وقد علق هذه الزيادة البخاري في " صحيحه " (193) وقال الحافظ:
" وصله أحمد والطبراني من طريق ابن مبشر هذا، ورجاله موثقون، وفي بعضهم
مقال لا يقدح ". اهـ. مجموعا من " الشرح " و " التعجيل ". قلت: وهذا البعض
الذي فيه المقال لم يتبين لي من هو من بين هؤلاء الثلاثة، فأبو نعيم وهو
الفضل بن دكين ثقة ثبت كما قال الحافظ نفسه في " التقريب "، وكذلك زيد بن أبي
عتاب ثقة عنده، فلم يبق إلا ابن مبشر هذا، وقد وثقه ابن معين كما سبق، ولم
يحك الحافظ فيه أي خلاف في " التعجيل ". والله أعلم. ولهذه الزيادة شاهد من
حديث أبي هريرة سبق بلفظ: " خير نساء ركبن الإبل "، فراجعه برقم (1052) .(6/64)
2525 - " إن الله عز وجل يضحك من رجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلهما الله الجنة، يكون
أحدهما كافرا فيقتل الآخر، ثم يسلم فيغزو في سبيل الله فيقتل ".
أخرجه أحمد (2 / 511) : حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة حدثنا ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به، وفيه زيادة: " قيل كيف يكون ذاك
؟ قال: يكون أحدهما " إلخ. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله طريق
أخرى بنحوه أخرجه النسائي (2 / 63) وأحمد (2 / 244) عن سفيان بن عيينة عن
أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا صحيح أيضا على شرطهما. وقد
أخرجاه من هذا الوجه بلفظ: " يضحك الله إلى رجلين "، وسيأتي بإذن الله تعالى
. وله في " المسند " (3 / 318) طريق ثالث: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن
همام بن منبه عنه. وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا. وقد أخرجه مسلم (6 /
40) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 468) وأخرجه الشيخان من طريق
الأعرج عنه به نحوه، وقد مضى برقم (1074) .(6/65)
2526 - " المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ".
رواه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 271 و 276) عن الأعمش عن خيثمة عن
النعمان بن بشير مرفوعا به، وقال أحمد: " المؤمنون ". وأخرجه البخاري
(7 / 77 - 78) ومسلم أيضا، وأحمد (4 / 70) والطيالسي رقم (790) من
حديث الشعبي عن النعمان به مرفوعا بلفظ: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم
وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".
ثم أخرجه الطيالسي رقم (793) وأحمد (4 / 274) من طريق حماد بن سلمة عن
سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير به مختصرا. وإسناده صحيح على شرط
مسلم. وله شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " إن المؤمن من أهل الإيمان
بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس
". أخرجه أحمد (5 / 340) : حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا عبد الله أخبرنا مصعب
بن ثابت حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي. وهذا إسناد لا بأس به
في الشواهد، رجاله ثقات رجال البخاري غير مصعب بن ثابت، وهو لين الحديث،
وكان عابدا كما في " التقريب ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 87
) ، وقال: " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير سوار بن عمارة وهو ثقة ".(6/66)
كذا قال. وأنت ترى أنه ليس في إسناده سوار هذا، ولم أجد له طريقا في "
المسند " غير التي ذكرتها. والله أعلم. ثم رأيت الهيثمي قد أعاد ذكره في
مكان آخر (8 / 187) وقال: " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط
"، ورجال أحمد رجال الصحيح ". قلت: هو عند " كبير الطبراني " (6 / 160 -
161) من طريق أحمد بن الحجاج، وفي " الأوسط " (1 / 288 / 2 / 4832 بترقيمي
) من طريق سوار بن عمارة الرملي أخبرنا زهير ابن محمد عن أبي حازم به. قلت:
وسوار هذا وثقه ابن معين وابن حبان (8 / 302) . وقال أبو زرعة الدمشقي في "
تاريخه " (1 / 285 و 709) : " رأيت يحيى بن معين يكتب بين يدي سوار بن عمارة
الرملي، وهو يملي عليه علمه في سنة أربع عشرة ومائتين، ومات [سوار] بعد
ذلك بيسير ". وزهير بن محمد هو أبو المنذر الخراساني الشامي، ورواية
الشاميين عنه فيها ضعف. وعبد الله في إسناد أحمد هو ابن المبارك الإمام،
وقد أخرجه في كتابه " الزهد " (241 / 693) .
2527 - " المملوك أخوك، فإذا صنع لك طعاما فأجلسه معك، فإن أبى فأطعمه ولا تضربوا
وجوههم ".
أخرجه الطيالسي (ص 312 رقم 2369) وأحمد (2 / 505) من طريق ابن أبي ذئب عن
عجلان عن أبي هريرة به مرفوعا.(6/67)
وهذا سند حسن أو صحيح، رجاله رجال الستة
غير عجلان، وهو مولى المشعل. قال النسائي: " ليس به بأس "، ووثقه ابن
حبان، وفي " التقريب ": " لا بأس به ". والحديث صحيح متواتر عن أبي هريرة
بألفاظ متقاربة، سبق ذكرها في: " إذا أتى أحدكم خادمه ".
2528 - " أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من
أفضل المسلمين. قال: وكذلك من شهد فينا من الملائكة ".
أخرجه ابن أبي خيثمة في " التاريخ " (230) : حدثنا أبي قال: أخبرنا جرير عن
يحيى ابن سعيد الأنصاري عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان
أبوه من أهل بدر وجده من أهل العقبة - قال: ... فذكره. وقال: " سئل يحيى
بن معين عن هذا الحديث؟ فقال: ليس بشيء باطل ". كذا قال، ولا وجه له فيما
نرى، فالإسناد صحيح متصل على شرط البخاري، فقد أخرجه في " صحيحه " (3992 -
فتح) : حدثني إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا جرير به، ثم رواه (3993) من طريق
حماد (وهو ابن زيد) عن يحيى به نحوه. ثم ساقه (3994) من طريق يزيد:
أخبرنا يحيى سمع معاذ بن رفاعة: أن ملكا سأل النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا
ظاهره الإرسال، فلعله وجه قول ابن معين المتقدم، لكن اتفاق جرير وحماد على
وصله يرفعه ويرجح وصله، والله أعلم. وراجع له " فتح الباري " (7 / 312)(6/68)
وللحديث شاهد من رواية يحيى بن سعيد عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج
قال: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 465) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين،
ويحيى بن سعيد هذا هو ابن حيان التميمي، ثقة احتج به الشيخان، وهو غير
الأنصاري المتقدم.
2529 - " يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض وكان
الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصحابه: أهو هو؟ قال: نعم، قال:
فزنه برجل فوزنت به، فوزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم
قال: زنه بمائة فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف فوزنت بهم، فرجحتهم
، كأني أنظر إليهم ينتثرون علي من خفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو
وزنته بأمة لرجحها ".
أخرجه الدارمي (1 / 9) : حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا أبو داود حدثنا جعفر
بن عثمان القرشي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال
: قلت: يا رسول الله! كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال: يا أبا ذر أتاني
.. إلخ. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون، وفي جعفر بن عثمان - وهو
ابن عبد الله بن عثمان - كلام لا يضر إن شاء الله تعالى، وقد وثقه أبو حاتم،
وأبو داود في الإسناد هو الطيالسي، ومن طريقه رواه ابن عساكر أيضا كما في "
البداية " (2 / 276) والعقيلي كما في " الميزان " (1 / 190) .(6/69)
وللحديث
شواهد كثيرة، فانظر (أنا دعوة أبي إبراهيم) ، رقم (1545 و 1546) والحديث
عند ابن عساكر أتم منه، ففيه ذكر شق صدره، وخياطته، وجعل الخاتم بين كتفيه
. قال: " فما هو إلا أن وليا عني، فكأنما أعاين الأمر معاينة ".
2530 - " إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة [وحسرة] يوم القيامة، فنعم
المرضعة وبئست الفاطمة ".
أخرجه البخاري (13 / 107 - فتح) والنسائي (2 / 187 - 188 و 304) وأحمد (
2 / 476) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم، والسياق للبخاري دون الزيادة، وهي عند الآخرين،
وقالا: " فنعمت المرضعة ... "، وهي كذلك في رواية أخرى لأحمد (2 / 448) :
حدثنا يزيد ابن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذئب به، إلا أنه قال: " فبئست
المرضعة. ونعمت الفاطمة "، فانقلبت عليه، أعني يزيد بن هارون مع ثقته
وإتقانه! قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى: " (فنعمت المرضعة) أى
الحالة الموصلة إلى الإمارة، وهي الحياة. (وبئست الفاطمة) أي الحالة
القاطعة عن الإمارة، وهي الموت، أي فنعمت حياتهم، وبئس موتهم. والله
تعالى أعلم ". ثم إن الحديث أخرجه البخاري معلقا من طريق أخرى عن أبي هريرة
قوله. لكن في إسناده عبد الله بن حمران، وهو صدوق، لكن قال فيه ابن حبان في
" الثقات ": " يخطىء "، فلا يعتد بمخالفته، لاسيما وزيادة الثقة مقبولة.(6/70)
2531 - " ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث؟ رجل توضأ في بيته فأحسن
وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحى، فقد أسرع
الكرة وأعظم الغنيمة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1530 - 1531) ومن طريقه ابن حبان (629)
: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن المقبري
عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، فأعظموا
الغنيمة، وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعث قوم بأسرع
كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث، فقال: فذكره. وأخرجه ابن عدي في " الكامل "
(2 / 275) من طريقين آخرين عن حاتم به. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله
ثقات رجال مسلم على ضعف في حميد بن صخر لا يضر حديثه، وقال المنذري (1 / 235
) : " رواه أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح ". وللحديث شاهد قاصر من
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أخرجه الترمذي وغيره، وفيه ضعف بينته في
" التعليق الرغيب " (1 / 166) لكن يقويه حديث أبي هريرة هذا، وقد رواه عنه
البزار في " مسنده " (ص 300) من طريق زيد بن الحباب: حدثني حميد مولى بني
عبدة (لعله: ابن علقمة) عن عطاء ابن أبي رباح عنه. وقال البزار:(6/71)
" لا
نعلم رواه عن عطاء عن أبي هريرة غير حميد، وهو ضعيف ". قلت: وهو حميد
المكي مولى ابن علقمة، وهو غير ابن قيس الأعرج المكي كما في " التهذيب "،
وهو مجهول كما صرح في " التقريب ". وله شاهد آخر، يرويه ابن لهيعة: حدثني
حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي
قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة ... "
الحديث أخرجه أحمد (2 / 175) . قلت: وإسناده جيد، فإن رجاله ثقات على ضعف
في ابن لهيعة، لكن تابعه ابن وهب عند الطبراني في " الكبير " كما في " المجمع
" (2 / 235) ولذلك قال المنذري (1 / 235) : " رواه أحمد من رواية ابن
لهيعة، والطبراني بإسناد جيد ".
2532 - " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله
بها درجة ".
أخرجه ابن ماجه (995) وأحمد (6 / 89) من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن عياش قد ضعفوه في روايته عن
المدنيين، وهذه منها. لكنه قد توبع. فقد أخرجه أحمد (6 / 67 و 160) وابن
خزيمة (1550) وابن حبان (1511) وعبد بن حميد (394) والحاكم (1 / 214) من طريق أسامة بن زيد(6/72)
عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه به، دون قوله: "
ومن سد ... ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي،
وأقره المنذري (1 / 174) . وقد توبع ابن عياش على الزيادة المذكورة. فروى
الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2) من طريق أحمد بن محمد بن القواس: حدثنا
مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عروة عن عائشة مرفوعا
بلفظ: " من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتا في الجنة ".
وقال الطبراني: " لم يروه عن المقبري إلا ابن أبي ذئب، ولا عنه إلا الزنجي،
تفرد به القواس ". قلت: ولم أعرفه، لكن شيخه الزنجي فيه ضعف، ومن فوقه
ثقات. إلا أن الزنجي قد تابعه وكيع كما تقدم برقم (1892) . فصح الحديث
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات (1) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا
به، إلا أنه قال: " ... ولا يصل عبد صفا إلا رفعه الله به درجة، وذرت عليه
الملائكة من البر " أخرجه الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن عبد الله بن خالد
بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن جده عن غانم بن الأحوص أنه سمع أبا صالح السمان
يقول: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره بتمامه مرفوعا. وقال:
_________
(1) ثم عرفت القواس ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 10) وقال: " ربما
خالف ". وله ترجمة في " التهذيب " (1 / 79 - 80) . اهـ.(6/73)
" لم يرو غانم ابن
الأحوص عن أبي صالح غير هذا الحديث ". قلت: وغانم هذا ليس بالقوي كما قال
الدارقطني. وإسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم وجده ذكرهما
ابن حبان في " الثقات "، وخالفه غيره. وأما أبوه عبد الله بن خالد، فقال
الأزدي: " لا يكتب حديثه ". قال الذهبي: " وهو مجهول مع ضعفه ". قلت:
ومع هذه العلل قال المنذري (1 / 175) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ولا
بأس بإسناده "! وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه ثابت صحيح. وبالله التوفيق.
2533 - " خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل
إلى فرجة في الصف فسدها ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2) من طريق ليث بن حماد: حدثنا حماد
بن زيد عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا به، وقال: " لم يروه
عن حماد بن زيد إلا ليث ". قلت: وقد ضعفه الدارقطني. وبه أعله الهيثمي (2
/ 90) . وليث الذي فوقه هو ابن أبي سليم، وكان اختلط. ومن طريقه أخرج
الشطر الثاني من الحديث الديلمي في " مسند الفردوس "(6/74)
(4 / 24 - ترتيبه)
وأخرج الشطر الأول منه البزار (58 - زوائده) من طريق محمد بن الفضل: حدثنا
حماد عن ليث عن نافع عن ابن عمر به. وقال: " لا نعلم رواه عن نافع إلا ليث "
. لكن الحديث صحيح، لأنه جاء من طرق أخرى مفرقا: أما الشطر الأول فأخرجه أبو
داود، وابن خزيمة (1566) وابن حبان (397) من حديث ابن عباس مرفوعا وفي
إسناده جهالة بينته في " التعليق الرغيب " (1 / 173) لكن له شواهد كثيرة أشرت
إلى بعضها هناك، وخرجت بعضها في " صحيح أبي داود " (676) . وأما الشطر
الثاني منه، فله شاهد من حديث البراء بن عازب، أخرجه أبو داود، وفيه شيخ
كوفي لم يسم، أخرجته من أجله في " ضعيف أبي داود " رقم (85) . وآخر من حديث
معاذ أخرجه البيهقي وغيره، وقد تكلمت على إسناده في " التعليق الرغيب " أيضا
(1 / 175) . (تنبيه) : أورد الحديث بتمامه عن ابن عمر مرفوعا المنذري، ثم
قال (1 / 175) : " رواه البزار بإسناد حسن، وابن حبان في " صحيحه " كلاهما
بالشطر الأول. ورواه بتمامه الطبراني في " (الأوسط) ". قلت: وفيه
مؤاخذات: الأولى: أن إسناد البزار فيه ليث بن أبي سليم ضعيف كما سبق.
الثانية: أنه عند ابن حبان إنما هو من حديث ابن عباس، وليس عن ابن عمر،
وقد تقدم آنفا.(6/75)
الثالثة: أن إسناد الطبراني فيه الليثان، وكلاهما ضعيف.
(فائدة) : قال الخطابي في " معالم السنن " (1 / 334) : " قلت: معنى " لين
المنكب ": لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها، لا يلتفت ولا يحاك
بمنكبه منكب صاحبه، وقد يكون فيه وجه آخر، وهو أن لا يمتنع على من يريد
الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان. بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه
بمنكبه لتتراص الصفوف، ويتكاتف الجموع ". قلت: هذا المعنى الثاني هو
المتبادر من الحديث، والمعنى الأول بعيد كل البعد عن سياقه لمن تأمله. وإن
مما يؤيد ذلك لفظ حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعا: " أقيموا الصفوف
. وحاذوا بالمناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات
للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله ". وإسناده صحيح
كما قال النووي (1) ، فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج، ووصل
الصفوف، ولذلك قال أبو داود عقبه: " ومعنى " لينوا بأيدي إخوانكم ": إذا
جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في
الصف ". ولذلك استدل به النووي في " المجموع " (4 / 301) على أنه " يستحب
أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف.. ". وليس يخفى على كل محب للسنة عارف بها
أن قول الخطابي:
_________
(1) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (672) . اهـ.(6/76)
" ولا يحاك منكبه بمنكب صاحبه " مخالف لما كان يفعله أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم حين يصلون خلفه، وذلك تنفيذا منهم لقوله صلى الله
عليه وسلم: " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من ورائي ". رواه البخاري (725)
عن أنس، قال أنس: " وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه ".
وله شاهد من حديث النعمان بن بشير، وهما مخرجان في " صحيح أبي داود " (668)
. وقد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق، وزعم أنه هيئة زائدة
على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة! وزعم أن المراد بالإلزاق الحث على
سد الخلل لا حقيقة الإلزاق، وهذا تعطيل للأحكام العملية، يشبه تماما تعطيل
الصفات الإلهية، بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه
وهو الإلزاق. ومع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان.
وأسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو (حسان عبد المنان) ، فإنه
تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس.. من طبعته لـ " رياض الصالحين " (
ص 306 / 836) وليس هذا فقط، بل دلس على القراء، فأحال ما أبقي من حديث
البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا
قول أنس المذكور! والرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) ، وله من مثل هذا
الكتم للعلم ما لا يعد ولا يحصى، وقد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة
، فانظر على سبيل المثال الاستدراك رقم (13) من المجلد الأول من هذه السلسلة
، الطبعة الجديدة.(6/77)
2534 - " إذا قرأ الإمام: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، فأمن الإمام فأمنوا
، فإن الملائكة تؤمن على دعائه، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما
تقدم من ذنبه ".
أخرجه أبو يعلى (4 / 1408) : حدثنا عمرو الناقد أخبرنا سفيان عن الزهري عن
سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وعمرو هو ابن محمد بن بكير الناقد أبو
عثمان البغدادي، ثقة حافظ، احتج به الشيخان وغيرهما. وقد أخرجاه وغيرهما
، وهو مخرج في " الإرواء " (344) بلفظ: " إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من
وافق.. " إلخ. وإنما أخرجته بلفظ الترجمة لما فيه من الزيادة، وهي قوله
بعد * (ولا الضالين) *: " فأمن الإمام فأمنوا "، فإنها صريحة بأمرين اثنين:
الأول: أن الإمام يؤمن بعد ختمه الفاتحة، والآخر: أن المأموم يؤمن بعد فراغ
الإمام من التأمين. وقد قيل في تفسير رواية الشيخين أقوال كثيرة ذكرها الحافظ
في " الفتح " (2 / 218 - 219) ، منها أن معنى قوله: إذا أمن، بلغ موضع
التأمين، كما يقال: أنجد إذا بلغ نجدا، وإن لم يبلغها. قال ابن العربي: "
هذا بعيد لغة وشرعا ". وقال ابن دقيق العيد: " وهذا مجاز، فإن وجد دليل
يرجحه عمل به، وإلا فالأصل عدمه ". قال الحافظ: " استدلوا له برواية أبي
صالح عن أبي هريرة بلفظ: إذا قال الإمام: * (ولا الضالين) * فقولوا: (آمين
) ، قالوا: فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: إذا أمن على المجاز ".(6/78)
وأقول: يمكن الجمع بطريقة أخرى، وهي أن يؤخذ بالزائد من الروايتين فيضم إلى
الأخرى، وهو قوله في رواية سعيد: " إذا أمن الإمام فأمنوا "، فتضم الزيادة
إلى رواية أبي صالح فيصير الحديث هكذا: " إذا قال الإمام: * (ولا الضالين) *
آمين، فقولوا آمين ". وهذا الجمع أولى من الجمع المذكور، وذلك لوجوه.
الأول: أنه مطابق لرواية أبي يعلى هذه، الصريحة بذلك. الثاني: أنه موافق
للقواعد الحديثية من وجوب الأخذ بالزيادة من الثقة. الثالث: أنه يغنينا عن
مخالفة الأصل الذي أشار إليه ابن دقيق العيد. الرابع: أنه على وزن قوله صلى
الله عليه وسلم: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك
الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه
الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أيضا. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (
794) . فكما أن هذا نص في أن المقتدي يقول التحميد بعد تسميع الإمام، فمثله
إذا أمن فأمنوا، فهو نص على أن تأمين المقتدي بعد تأمين الإمام. الخامس: أنه
هو الموافق لنظام الاقتداء بالإمام المستفاد من مثل قوله صلى الله عليه وسلم:
" إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر كبروا [ولا تكبروا حتى يكبر] وإذا
ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ... " الحديث. أخرجه
الشيخان وغيرهما من حديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما، وهو مخرج في المصدر
السابق (614 و 618) ، والزيادة لأبي داود. فكما دل الحديث أن من مقتضى
الائتمام بالإمام عدم مقارنته بالتكبير، وما(6/79)
ذكر معه، فمن ذلك عدم مقارنته
بالتأمين. وإخراج التأمين من هذا النظام يحتاج إلى دليل صريح، وهو مفقود،
إذ غاية ما عند المخالفين إنما هو حديث أبي صالح المتقدم، وليس صريحا في ذلك
، بل الصحيح أنه محمول على رواية سعيد هذه لاسيما على لفظ أبي يعلى المذكور
أعلاه. السادس: أن مقارنة الإمام بالتأمين تحتاج إلى دقة وعناية خاصة من
المؤتمين، وإلا وقعوا في مخالفة صريحة وهي مسابقته بالتأمين، وهذا مما
ابتلي به جماهير المصلين، فقد راقبتهم في جميع البلاد التي طفتها، فوجدتهم
يبادرون إلى التأمين، ولما ينته الإمام من قوله: * (ولا الضالين) *،
لاسيما إذا كان يمدها ست حركات، ويسكت بقدر ما يتراد إليه نفسه، ثم يقول:
آمين فيقع تأمينه بعد تأمينهم! ولا يخفى أن باب سد الذريعة يقتضي ترجيح عدم
مشروعية المقارنة خشية المسابقة، وهذا ما دلت عليه الوجوه المتقدمة. وهو
الصواب إن شاء الله تعالى، وإن كان القائلون به قلة، فلا يضرنا ذلك، فإن
الحق لا يعرف بالرجال، فاعرف الحق تعرف الرجال. ذلك ما اقتضاه التمسك بالأصل
بعد النظر والاعتبار، وهو ما كنت أعمل به وأذكر به مدة من الزمن. ثم رأيت
ما أخرجه البيهقي (2 / 59) عن أبي رافع أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن
الحكم، فاشترط أن لا يسبقه بـ * (الضالين) * حتى يعلم أنه دخل الصف، وكان
إذا قال مروان: * (ولا الضالين) * قال أبو هريرة: " آمين "، يمد بها صوته،
وقال: إذا وافق تأمين أهل الأرض أهل السماء غفر لهم. وسنده صحيح. قلت:
فهذا صريح في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يؤمن بعد قول الإمام: * (ولا
الضالين) *. ولما كان من المقرر أن راوي الحديث أعلم بمرويه من غيره، فقد
اعتبرت عمل أبي هريرة هذا تفسيرا لحديث الترجمة، ومبينا أن معنى " إذا أمن
الإمام(6/80)
فأمنوا.. "، أي: إذا بلغ موضع التأمين كما تقدم عن الحافظ، وهو
وإن كان استبعده ابن العربي، فلابد من الاعتماد عليه لهذا الأثر. وعليه فإني
أكرر تنبيه جماهير المصلين بأن ينتبهوا لهذه السنة، ولا يقعوا من أجلها في
مسابقة الإمام بالتأمين، بل عليهم أن يتريثوا حتى إذا سمعوا نطقه بألف (آمين
) قالوها معه. والله تعالى نسأل أن يوفقنا لاتباع الحق حيثما كان إنه سميع
مجيب. وفي هذا الأثر فائدة أخرى وهي جهر المؤتمين بـ (آمين) ، وذلك مما
ملت إليه في الكتاب الآخر لمطابقته لأثر آخر صحيح عن ابن الزبير، وحديث لأبي
هريرة مرفوع تكلمت على إسناده هناك (956) فراجعه.
2535 - " إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة ولعله يتم الركوع ولا يتم
السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع ".
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ق 236 / 2) من طريق أبي الشيخ عن عبد الله
بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو الشعثاء حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة
عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، على
ضعف يسير في محمد بن عمرو، والمعتمد فيه أنه حسن الحديث. وعبدة هو ابن
سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي، وهو من رجال الشيخين. وأبو الشعثاء اسمه
علي بن الحسن بن سليمان الحضرمي، وهو ثقة من شيوخ مسلم. ولم يستحضر الحافظ
المنذري حال إسناده، فقال في " الترغيب " (1 / 182) :(6/81)
" رواه أبو القاسم
الأصبهاني، وينظر في إسناده ". وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (7 / 256)
بإسناد واه عن عبدة به 0 فالعمدة على رواية أبي الشعثاء.
2536 - " لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها ".
أخرجه الإمام أحمد (4 / 22) : حدثنا وكيع قال: حدثنا عكرمة بن عمار عن عبد
الله بن زيد - أو بدر، أنا أشك - عن طلق بن علي الحنفي قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال
مسلم غير عبد الله بن زيد أو بدر - شك عكرمة - فإن كان ابن زيد، فلم أعرفه،
وإن كان ابن بدر - وهو الراجح - فهو ثقة بلا خلاف بينهم، وهو عبد الله بن بدر
بن عميرة الحنفي اليمامي. روى عن جمع من الصحابة منهم طلق بن علي، وعنه جمع
من أتباع التابعين، منهم عكرمة هذا، وأيوب بن عتبة وغيرهما. وقد تابعه
أيوب بن عتبة في روايته لهذا الحديث عنه، ولكنه خالفه في إسناده، فقال أحمد
: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أيوب بن عتبة حدثنا عبد الله بن بدر عن عبد
الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ساقه أحمد عقب الرواية السابقة، وكأنه فعل ذلك للإشارة إلى مخالفة أيوب
لعكرمة، ولا شك أن مخالفته مردودة لأنه ضعيف لسوء حفظه، حتى قال ابن حبان:
" كان يخطىء كثيرا ويهم حتى فحش الخطأ منه ".(6/82)
فعكرمة خير منه، وإن تكلم فيه
، ويكفيه أن مسلما احتج به. لكن تابعه ملازم بن عمرو فقال: حدثنا عبد الله
بن بدر أن عبد الرحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدثه: أنه خرج وافدا
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم
فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر المسلمين! إنه لا صلاة لمن لا يقيم
صلبه في الركوع والسجود ". أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة (593) وابن
حبان (500) . وملازم هذا ثقة بلا خلاف يذكر، فروايته أرجح من رواية عكرمة
بن عمار، لاسيما وقد قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يختاره على عكرمة بن عمار
ويقول: هو أثبت حديثا منه. إلا أنه من الممكن أن يقال: يحتمل أن يكون لعبد
الله بن بدر في الحديث إسنادان، أحدهما عن طلق بن علي، والآخر عن عبد الرحمن
بن علي بن شيبان عن أبيه. فروى عكرمة عنه الأول، وملازم عنه الآخر. والله
أعلم. وخالفهم جميعا عامر بن يساف فقال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله
بن بدر الحنفي عن أبي هريرة مرفوعا به نحو حديث الترجمة. أخرجه أحمد (2 / 525
) . قلت: ورجاله ثقات غير عامر بن يساف، ففيه ضعف. قال ابن عدي: " هو منكر
الحديث عن الثقات، ومع ضعفه يكتب حديثه ".(6/83)
وقال أبو داود: " ليس به بأس،
رجل صالح ". وقال العجلي: " يكتب حديثه، وفيه ضعف ". وأعله الحافظ في "
التعجيل " بالانقطاع بين الحنفي وأبي هريرة، ومما سبق يتبين خطأ قول المنذري
(1 / 183) : " رواه أحمد بإسناد جيد ". ومثله قول العراقي في " تخريج
الإحياء " (1 / 132) : " إسناده صحيح ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد "
(2 / 120) : " رواه أحمد من رواية عبد الله بن زيد الحنفي عن أبي هريرة،
ولم أجد من ترجمه ". قلت: الذي في " المسند ": " عبد الله بن بدر " كما تقدم
، وكذلك نقله الحافظ عن " المسند "، فالظاهر أنه تصحف على الهيثمي، أو وقع
له ذلك في نسخته من " المسند ". والله أعلم. وبالجملة، فالأصح في الحديث
أنه من رواية عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه مرفوعا
بلفظ: " لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ". لكن لحديث الترجمة
شاهد من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس مرفوعا في حديث. أخرجه أبو
يعلى (3 / 914 - 916) .(6/84)
وعلي بن زيد - هو ابن جدعان - لا بأس به في الشواهد.
2537 - " الصلاة ثلاثة أثلاث: الطهور ثلث والركوع ثلث والسجود ثلث، فمن أداها
بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله ومن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله ".
أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 177 / 349) : حدثنا زكريا بن يحيى الضرير
حدثنا شبابة بن سوار حدثنا مغيرة بن مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لا نعلمه مرفوعا
إلا عن المغيرة، ولم يتابع عليه، وإنما يحفظ عن أبي صالح عن كعب قوله ".
قلت: المغيرة بن مسلم ثقة كما قال الهيثمي (2 / 147) ولم يضعفه أحد، ولذا
قال الحافظ: " صدوق ". وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن زكريا
الضرير، وقد ترجمه الخطيب (8 / 457 - 458) برواية جمع من الحفاظ عنه، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فمثله يحتج به ولو في مرتبة الحسن، ولذلك قال
المنذري (1 / 185) وتبعه الهيثمي: " وإسناده حسن ". قلت: وهو كما قالا
، إلا أن يثبت بإسناد أصح من هذا عن أبي صالح عن كعب من قوله كما تقدم عن
البزار، ولكنه لم يذكر إسناده بذلك لننظر فيه. وللشطر الأخير من الحديث
شاهد عن أنس، تقدم برقم (1358) .(6/85)
ثم وجدت للمغيرة متابعا يرويه أبو فروة قال
: حدثني أبي عن أبيه: حدثنا سليمان الأعمش به. أخرجه ابن جميع في " معجم
الشيوخ ". قلت: وأبو فروة هذا هو يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي.
ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 288) بروايته عن جمع، منهم أبو محمد، ثم قال:
" كتب إلى أبي وإلي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 276) وقال: "
حدثنا عنه أبو عروبة، مات بـ (الرها) سنة تسع وستين ومئتين ". وابنه
محمد بن يزيد بن سنان ليس بالقوي كما في " التقريب ". ويزيد بن سنان ضعيف.
2538 - " سألت ربي مسألة وودت أني لم أسأله، قلت: يا رب! كانت قبلي رسل منهم من
سخرت له الرياح ومنهم من كان يحيي الموتى، [وكلمت موسى] . قال: ألم أجدك
يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك
صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: فقلت بلى يا رب! [فوددت أن لم أسأله] ".
أخرجه الحاكم (2 / 526) والزيادتان له، والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج
2 - مخطوط) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 2 خط و 11 / 455 /
12289 - ط) و " المعجم الأوسط " (1 / 210 / 3394 بترقيمي) وابن أبي(6/86)
حاتم
كما في " تفسير ابن كثير "، والضياء المقدسي في " المختارة " (ق 248 / 2)
من طرق عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني:
" لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا أبو الربيع الزهراني، وسليمان بن أيوب صاحب
البصري ". كذا قال: وفاته أنه تابعهما أبو النعمان عنده في " كبيره "،
والبيهقي أيضا وقرن معه سليمان بن حرب، وعبد الله بن الجراح عند الحاكم،
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، فإن عطاء بن السائب
، وإن كان اختلط، فإن حماد بن زيد سمع منه قبل الاختلاط كما في " تهذيب
التهذيب "، وقال النسائي فيه: " ثقة في حديثه القديم، إلا أنه تغير،
ورواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة ". وعليه فقول الهيثمي (8 / 254
) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عطاء بن السائب، وقد
اختلط "! فهو غير جيد. لأنه يشعر بأنه معلول بالاختلاط، وقد عرفت أنه ليس
بصواب. وكذلك ذكره الحافظ في آخر ترجمته أن رواية ابن زيد عنه صحيحة. وقد
تبع الهيثمي في ذهوله عن هذه الحقيقة جمع، منهم المناوي في " الجامع الأزهر "
، وصاحبنا السلفي في تعليقه على الطبراني!(6/87)
(تنبيه) : قد أورد السيوطي
الحديث في " الجامع الكبير " (6 - 14517) بتخريج: " ق في (1) ، كر عن ابن
عباس ". فقالت اللجنة في التعليق عليه: " بياض في الأصل في جميع النسخ ".
فأقول: من المعلوم من مقدمة السيوطي في " الجامع " في أثناء تحدثه عن رموزه
قوله: " وللبيهقي (ق) ، فإن كان في " السنن " أطلقت، وإلا بينته ".
فالبياض المشار إليه سواء كان من المؤلف - كما هو الظاهر - أو من النساخ،
فصوابه: " الدلائل " كما يفهم من التخريج السابق. وقد أزيل هذا البياض من
بعض مخطوطات " الجامع " لكن بقي حرف (في) ! وعليه جرى صاحب " كنز العمال " (
11 / 456) لكنه حذف (في) ! فصار المعنى: ".. البيهقي في السنن "! وهذا
غير صحيح! وبعد كتابة ما تقدم رأيت ابن الجزري قد قوى الحديث في كتابه الفريد
" النشر في القراءات العشر "، فقال (2 / 391) : " روى ابن أبي حاتم بإسناد
جيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " فذكر الحديث.(6/88)
2539 - " من بات طاهرا بات في شعاره ملك لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك:
اللهم اغفر لعبدك فلانا، فإنه بات طاهرا ".
أخرجه عبد الله بن المبارك في " حديثه " (2 / 101 / 2) وفي " الزهد " (ق
216 / 1 ورقم 1244 - ط) وابن عدي (ق 89 / 1) وابن حبان (167 - موارد)
وابن شاهين في " الترغيب " (ق 313 / 2) كلهم عن ابن المبارك: أخبرنا الحسن
ابن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، لكن وقع في " الموارد ": " ابن عمر " مكان أبي هريرة
ولعله سبق قلم من الناسخ، نعم قد روي عن ابن عمر من طريق أخرى كما يأتي. قلت:
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، على ضعف في ابن ذكوان، لكن لا
ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن، وقد قال فيه ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به "
. وقال الذهبي: " وهو صالح الحديث ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء، وكان
يدلس ". وخالف ابن المبارك ميمون بن زيد فقال: حدثنا الحسن بن ذكوان عن
سليمان الأحول عن عطاء عن ابن عمر به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 209
/ 1) والبزار (1 / 149 / 288 - زوائده) وقال: " لا نعلمه عن ابن عمر إلا
من هذا الوجه، والحسن روى عنه جماعة ثقات ". قلت: لكن ميمون بن زيد لينه
أبو حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات ". ثم أخرجه الطبراني وابن شاهين
والعقيلي في " الضعفاء " (ص 33) من(6/89)
طريق إسماعيل بن عياش عن العباس بن عتبة عن
عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر به. أورده العقيلي في ترجمة العباس هذا، وقال:
" لا يصح حديثه ". ثم قال: " وقد روي بغير هذا الإسناد، بإسناد لين أيضا "
. قلت: وكأنه يشير إلى إسناد ميمون بن زيد المذكور. والذهبي نقل كلام
العقيلي: " لا يصح حديثه "، وأقره. وزاد الحافظ عليه في ترجمة العباس،
فقال: " وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " لكنه سماه (عياشا) بالياء المثناة
من تحت، وبالشين المعجمة ". قلت: ولفظ حديثه: " طهروا هذه الأجساد طهركم
الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إلا بات معه ملك في شعاره، لا ينقلب ساعة من
الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهرا " وبهذا اللفظ أورده
المنذري في " الترغيب " (1 / 207) والهيثمي في " المجمع " (10 / 128)
والحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 93) لكنهم جميعا جعلوه من حديث ابن عباس،
وقالوا: " رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد ". إلا أن الهيثمي قال:
" وإسناده حسن ". لكنه في مكان آخر لما أورده من حديث ابن عمر بلفظ حديث
الترجمة، قال (1 / 226) :(6/90)
" رواه البزار والطبراني في " الكبير "، وفيه
ميمون بن زيد، قال الذهبي: لينه أبو حاتم، وفي إسناد الطبراني العباس بن
عتبة، قال الذهبي: يروي عن عطاء - وساق له هذا الحديث، وقال: - لا يصح
حديثه. قلت: قد رواه سليمان الأحول عن عطاء، وهو من رجال الصحيح. كذلك هو
عند البزار، وأرجو أنه حسن الإسناد. ولفظ الطبراني: طهروا هذه الأجساد ...
". قلت: فساق لفظه كما تقدم آنفا. فهذا يشعر أنه من حديث ابن عمر أيضا فهو
مخالف لتصريحه في المكان المشار إليه آنفا أنه من حديث ابن عباس: فالله أعلم
بسبب هذا التناقض. ثم إن في كلامه السابق ما يقتضي التنبيه عليه، وهو أنه
يشعر أن الطبراني لم يروه من طريق ميمون بن زيد، ولا من طريق سليمان الأحول،
والأمر بخلافه كما يتبين لك من مراجعة تخريجي لرواية ميمون هذا، كما يشعر
أيضا أن رواية البزار ليست من رواية ميمون، وهو خلاف الواقع أيضا، وقد نبه
على هذا الأمر الأخير في هامش " المجمع "، وأظنه بقلم الحافظ ابن حجر رحمه
الله. وجملة القول أن الحديث حسن الإسناد لولا عنعنة ابن ذكوان، فهو حسن
برواية العباس بن عتبة. والله أعلم. وأما قول المعلق على " موارد الظمآن "
(1 / 287 - دمشق) : " ويشهد له حديث معاذ عند أحمد (5 / 235) .. " إلخ،
فهو خطأ، لأنه ليس فيه منه إلا فضل من بات طاهرا، دون قوله: " بات في شعاره
ملك.. " إلخ، فهو شاهد قاصر جدا، وهذا مما يقع فيه كثيرا المشار إليه
وأمثاله ممن لا فقه عندهم، ولا معرفة بالمعاني والمتون من المشتغلين بهذا
العلم الشريف. وقد وقع له خطأ آخر في تخريجه لحديث معاذ، فحسنه من حديث شهر
بن حوشب عند أبي(6/91)
داود وغيره، وغفل عن متابعة ثابت البناني إياه عند أبي داود
وغيره. انظر تخريجي للحديث فيما يأتي برقم (3288) . ثم انكشف لي سبب
التناقض المتقدم ذكره، وهو أن الطبراني في " الأوسط " لما أخرج الحديث فيه (
2 / 9 / 2 / 5219 - بترقيمي) أخرجه من طريق إسماعيل بن عياش المتقدمة من
روايته في " المعجم الكبير " وغيره عن العباس بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح..
فقال: (عن ابن عباس) مكان (عن ابن عمر) ، وهذا من العباس هذا أو إسماعيل
بن عياش. والله أعلم. ثم رأيت الحافظ قد أورد حديث ابن حبان برواية ابن حبان
، ثم قال (11 / 109) : " وأخرج الطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عباس
نحوه بسند جيد ".
2540 - " يدخل أهل الجنة الجنة، فيبقى منها ما شاء الله عز وجل، فينشئ الله تعالى
لها ـ يعني خلقا ـ حتى يملأها ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 152) : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن ثابت عن أنس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح
على شرط مسلم، وقد أخرجه هو (8 / 152) وأبو يعلى (3 / 892) من طريق عفان
: حدثنا حماد به. وتابعه قتادة عن أنس به. أخرجه البخاري (7384) ومسلم
وأحمد (3 / 134 و 141 و 231) .(6/92)
وله شاهد من حديث أبي هريرة. أخرجه الشيخان
وغيرهما، وهو مخرج في الكتاب الآخر، تحت الحديث (6199) . وقد وقع في رواية
للبخاري (7449) من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: ".. وينشئ للنار ... "
، مكان ".. الجنة ". وهي بلا شك رواية شاذة لمخالفتها للطريق الأولى عن أبي
هريرة ولحديث أنس، وقد أشار إلى ذلك الحافظ أبو الحسن القابسي (علي بن محمد
بن خلف القيرواني ت 403) ، وقال جماعة من الأئمة: إنه من المقلوب، وجزم
ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه،
وأنكرها الإمام البلقيني، واحتج بقوله تعالى: * (ولا يظلم ربك أحدا) *.
ذكره الحافظ في " الفتح " (13 / 437) . فأقول: هذا الشذوذ في هذا الحديث
مثال من عشرات الأمثلة التي تدل على جهل بعض الناشئين الذي يتعصبون لـ " صحيح
البخاري "، وكذا لـ " صحيح مسلم " تعصبا أعمى، ويقطعون بأن كل ما فيهما
صحيح! ويقابل هؤلاء بعض الكتاب الذين لا يقيمون لـ " الصحيحين " وزنا،
فيردون من أحاديثهما ما لا يوافق عقولهم وأهواءهم، مثل (السقاف) و (حسان)
و (الغزالي) وغيرهم. وقد رددت على هؤلاء وهؤلاء في غير ما موضع.(6/93)
2541 - " اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر له. يعني أنسا رضي الله عنه ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1048) : حدثنا أبو الربيع الزهراني أخبرنا
حماد ابن زيد عن سنان بن ربيعة عن أنس بن مالك قال: انطلقت بي أمي إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! خويدمك فادع الله له.
فقال: (فذكره) قال: فكثر مالي، وطال عمري حتى قد استحييت من أهلي،
وأينعت ثماري (!) ، وأما الرابعة يعني المغفرة. قلت: وهذا إسناد جيد،
رجاله ثقات رجال الشيخين غير سنان بن ربيعة، فأخرج له البخاري مقرونا بغيره،
وقال الحافظ: " صدوق فيه لين ". وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (653
) من طريق سعيد بن زيد عن سنان به نحوه، وفيه أنه قال: " فدعا لي بثلاث،
فدفنت مائة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى
استحييت من الناس، وأرجو المغفرة ". وترجم له بـ " باب من دعا بطول العمر "
. وأصله في " صحيح البخاري " (11 / 122 - فتح) ومسلم (2 / 128) من طريقين
آخرين عن أنس دون ذكر العمر، وقد وهم مخرج " الأدب المفرد " حيث عزاه لمسلم
دون البخاري، ودون أن ينبه على أن العمر ليس عندهما، وتقدم تخريجه برقم (140 و 141) ومع ذلك فقد ترجم له البخاري في " الصحيح "(6/94)
بقوله: " باب دعوة
النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ". فذكر الحافظ أن
البخاري أشار بذلك إلى طريق سنان هذه.
2542 - " يا سعد! اتق أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 92 - زوائده) : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد
الأموي حدثنا أبي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال: "
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة مصدقا، فقال: (فذكره) . قال
: لا آخذه، اعفني: فأعفاه "، وقال: " ما رواه هكذا إلا يحيى الأموي ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك سائر الرواة، ولذلك قال الحافظ عقبه
: " إسناده صحيح، وله شاهد من حديث ابن المسيب عن سعد نفسه ". وقال الهيثمي
في " المجمع " (3 / 86) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". والشاهد
المشار إليه أخرجه أحمد (5 / 285) بإسناد رجاله ثقات رجال البخاري، إلا أن
سعيد بن المسيب لم يدرك سعدا. وله شاهد آخر من حديث قيس بن سعد بن عبادة
الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ساعيا، فقال أبوه: لا تخرج
حتى تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا، فلما(6/95)
أراد الخروج أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا قيس لا تأتي
يوم القيامة على رقبتك بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها يعار،
ولا تكن كأبي رغال " الحديث. أخرجه البيهقي (4 / 157) عن هشام بن سعد بسنده
عن قيس. قلت: وهذا إسناد حسن، للخلاف المعروف في هشام، وقد جعل قيسا في
القصة مكان أبيه سعد، فإن كان حفظه، وإلا فالصواب ما في الروايتين السابقتين
أنه سعد.
2543 - " لا يفتح الإنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، يأخذ الرجل
حبله فيعمد إلى الجبل فيحتطب على ظهره فيأكل به خير له من أن يسأل الناس معطى
أو ممنوعا ".
أخرجه أحمد (2 / 418) : حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن
العلاء - يعني - ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وصححه
ابن حبان (3378 - الإحسان) . وعبد العزيز بن محمد هو الدراوردي فيه كلام لا
يضر، وقد تابعه على الجملة الأولى منه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن العلاء
به. أخرجه أبو يعلى (6691) وابن عدي (299 / 2) وقال: " وابن مجبر مع
ضعفه يكتب حديثه ". قلت: لكن كذبه مسلمة بن قاسم والخطيب، فلا قيمة
لمتابعته، فالعمدة(6/96)
على رواية الدراوردي. ثم وجدت له متابعا قويا من رواية
محمد بن جعفر عن العلاء به. أخرجه الطبري في " التهذيب " (مسند عمر - 19 / 25
) ، فصح الحديث والحمد لله. وللطرف الأول منه طريق آخر يرويه الطبري (20 /
26) والأصبهاني (72 / 2) عن ابن عجلان: حدثني سعيد عن أبي هريرة مرفوعا.
وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه. أخرجه الشيخان
وغيرهما، وشاهد من حديث الزبير بن العوام. أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج
في " تخريج الحلال " (157) . وللجملة الأولى شواهد من حديث عبد الرحمن بن
عوف نفسه عند أحمد (1 / 193) ومن حديث أبي كبشة الأنماري عنده أيضا (4 /
231) والترمذي وصححه، وهو مخرج في " المشكاة " (5287) ومن حديث أم سلمة
، وفيه يونس ابن خباب، وهو ضعيف. وهو مخرج في " الروض النضير " (1192) .
2544 - " بقي كلها غير كتفها ".
أخرجه الترمذي (2 / 77) وأحمد (6 / 50) عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي
إسحاق عن أبي ميسرة عن عائشة: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: ... فذكره. وقال
الترمذي:(6/97)
حديث صحيح، وأبو ميسرة هو الهمداني، اسمه عمرو بن شرحبيل ". قلت
: هو ثقة عابد مخضرم من رجال الشيخين، وكذلك سائر رجاله ثقات من رجال الشيخين
، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وهو وإن كان رمي بالتدليس
والاختلاط، فإن سفيان - وهو الثوري - سمع منه قبل الاختلاط، ولعله كان لا
يروي عنه إلا ما صرح بالتحديث كشعبة، فقد قالوا: الثوري أثبت الناس فيه.
وللحديث طريق أخرى، وشاهد من حديث أبي هريرة. أما الطريق، فأخرجه أبو نعيم
في " الحلية " (5 / 23) : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم حدثنا موسى بن
إسحاق القاضي الأنصاري حدثنا عيسى بن عثمان حدثنا عمي يحيى بن عيسى حدثنا
الأعمش عن طلحة عن مسروق عنها قالت: أهدي لنا شاة مشوية، فقسمتها إلا كتفها،
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له. فقال: " بقي لكم إلا كتفها "
، وقال: " غريب من حديث الأعمش عن طلحة، تفرد به يحيى بن عيسى ". قلت:
وهو النهشلي الفاخوري، وهو صدوق يخطىء، واحتج به مسلم. وعيسى بن عثمان هو
النهشلي الكسائي، وهو صدوق من شيوخ الترمذي. وموسى بن إسحاق الأنصاري
القاضي، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 135) : " سمعت عنه، وهو ثقة صدوق ".
قلت: فالسند حسن لولا أنني لم أجد لشيخ أبي نعيم ترجمة الآن. وأما الشاهد،
فقال البزار (ص 99 - مختصر الزوائد) : حدثنا علي بن(6/98)
محمد حدثنا عمرو بن
العباس: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة
: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران، قال
: فذبحتها، فقسمتها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى النبي صلى الله عليه وسلم
، وكان أحب الشاة إليه الذراع، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة
: ما بقي عندنا منها إلا الذراع. قال: " كلها بقي إلا الذراع ". وقال
المختصر وهو ابن حجر: " إسناده حسن ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 /
109) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون من
رجال " التهذيب " غير علي بن محمد، فلم أعرفه الآن. ثم رأيت حديث الترجمة في
" المستدرك " (4 / 136) مختصرا من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به عن عائشة
قالت: " كانت لنا شاة فخشينا أن تموت، فقتلناها وقسمناها إلا كتفها ".
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
2545 - " إن الله تبارك وتعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه ".
أخرجه أحمد (4 / 446 و 5 / 2 و 3) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن
معاوية عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، واسم أبي قزعة سويد بن حجير.(6/99)
وفي لفظ له:
" لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه ". وتابعه عليه بهز بن
حكيم عن أبيه به، إلا أنه قال: " عملا " مكان: " توبة ". أخرجه أحمد (5 /
5) . قلت: وبهز ثقة حجة، لاسيما في روايته عن أبيه، وفيها ما يفسر رواية
أبي قزعة، ويزيل الإشكال الوارد على ظاهرها، فهي في ذلك كقوله تعالى: * (إن
الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) * (آل عمران: 90)
ولذلك أشكلت على كثير من المفسرين، لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من
الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل
الآية المذكورة: * (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) * إلى قوله: * (
أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها ...
) * إلى قوله: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * (
آل عمران: 86 - 89) فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين، وإزالة
الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر منها ما تأيد
برواية بهز هذه، فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية وتزيل
الإشكال عنها. فكما أن معنى قوله في الحديث: " لا يقبل توبة عبد كفر بعد
إسلامه "، أي توبته من ذنب في أثناء كفره، لأن التوبة من الذنب عمل، والشرك
يحبطه كما قال تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) فكذلك قوله
تعالى في الآية: * (لن تقبل توبتهم) *، أي من ذنوبهم، وليس من كفرهم.
وبهذا فسرها بعض السلف، فجاء في " تفسير روح المعاني " للعلامة الآلوسي (1 /
624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها:(6/100)
" وقيل: إن هذه التوبة
لم تكن عن الكفر، وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه، فتابوا عنها مع
إصرارهم على الكفر، فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير (1) عن أبي
العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرا
بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، فلم تقبل توبتهم،
ولو كانوا على الهدى قبلت، ولكنهم على ضلالة ". قلت: وهذا هو الذي اختاره
إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى، فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر
وبيان.
2546 - " اشووا لنا منه، فقد بلغ محله ".
أخرجه أبو يعلى (2 / 796) ومن طريقه الضياء في " الأحاديث المختارة " (ق
194 / 2) : حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة السامي أخبرنا وكيع عن شعبة عن
قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت عائشة فرأى لحما،
فقال: اشووا لنا منه. فقالوا يا رسول الله! إنها صدقة. فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين
غير ابن أبي سمينة وهو التمار البغدادي، ثقة. ولكني لم أجد من قال فيه (
السامي) (2) . والله أعلم ثم رواه (2 / 823) من طريق أبي داود قال: أنبأنا
شعبة به نحوه بلفظ: " هو عليها صدقة، ولنا هدية ". وهو بهذا اللفظ في "
الصحيحين " وغيرهما.
_________
(1) أخرجه في تفسيره (6 / 579 رقم 7376 - 7381) من طرق عن داود بن أبي هند عن
أبي العالية بنحوه، والسياق المذكور لفقه الآلوسي من مجموع الطرق، فتنبه.
اهـ.
(2) ووقع في " مسند أبي يعلى " (3078) المطبوع: " الشامي "! وهو بغدادي!
. اهـ.(6/101)
2547 - " إن الله إذا استودع شيئا حفظه ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم " (509) وابن حبان (2376 - الموارد)
والبيهقي (9 / 173) والطبراني (3 / 206 / 2) وعلي بن المفضل المقدسي في "
الأربعين في فضل الدعاء والداعين " (5 / 250 / 1) عن محمد بن عائذ الدمشقي:
أخبرنا الهيثم بن حميد عن المطعم بن المقدام عن مجاهد قال: خرجت إلى العراق،
وشيعنا عبد الله بن عمر، فلما فارقنا قال: إني ليس عندي شيء أعطيكم،
ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، وإني أستودع الله
دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات،
على ضعف يسير في الهيثم بن حميد. وله شاهد من حديث عمر رضي الله عنه، أخرجه
عبد الوهاب بن أحمد أبو الحسين في " حديث أبي بكر بن أبي الحديد " (ق 191 / 2
) عن نهشل الضبي عن أبي غالب أو أبي قزعة أو عن كلاهما عنه مرفوعا. قلت: هكذا
وجدته بخطي عن المصدر المذكور، ويبدو أن فيه سقطا وزيادة فقد أخرجه الإمام
أحمد (2 / 87) من طريق سفيان عن نهشل بن مجمع عن قزعة عن ابن عمر قال: " إن
لقمان الحكيم كان يقول: (فذكر حديث الترجمة) وقال مرة نهشل عن قزعة أو عن
أبي غالب ". ثم أخرجه أحمد من طريق أخرى عن سفيان: أخبرني نهشل بن مجمع الضبي
- قال: وكان مرضيا - عن قزعة قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
لقمان ... الحديث. قلت: وهذا سند صحيح لولا أن نهشلا تردد بين قزعة وأبي
غالب، وقزعة(6/102)
ثقة، وأبو غالب مجهول، ولا يجوز ترجيح أحد طرفي التردد على
الآخر إلا بمرجح، وهذا ما لم نجده حتى الآن، ولذلك كنت أوردته في " الضعيفة
" (3191) وأوضحت السبب هناك. وأزيد هنا فأقول: إن في رواية نهشل هذه أن
الحديث هو من قول لقمان الحكيم، وهذه زيادة على رواية مجاهد التي ظاهرها أنها
من قوله صلى الله عليه وسلم، والزيادة على الثقة لا تقبل إلا من ثقة مثله
وهذا معدوم هنا. فتنبه. وفي معنا الحديث ما أخرجه النسائي في " عمل اليوم
والليلة " (508) وكذا ابن السني من طريق الليث بن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن
الحسن بن ثوبان أنه سمع موسى بن وردان يقول: أتيت أبا هريرة أودعه لسفر أردته
فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ألا أعلمك يا ابن أخي شيئا علمنيه رسول الله صلى
الله عليه وسلم أقوله عند الوداع؟ قلت: بلى. قال: قل: أستودعكم الله الذي
لا تضيع ودائعه. قلت: وهذا إسناد حسن. وأخرجه أحمد (2 / 403) لكنه لم
يذكر سعيد ابن أبي أيوب في إسناده. وتابعهما ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان به
، إلا أنه قال: " ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا
أردت سفرا أو تخرج مكانا، تقول لأهلك.. "، فذكره. أخرجه ابن السني (501)
وابن ماجه (2825) مختصرا، وأحمد (2 / 358) بلفظ: " أستودع الله دينك
وأمانتك وخواتيم عملك ". وابن لهيعة سيىء الحفظ فلا يحتج به إلا فيما وافق
الثقات واللفظ الذي قبله أصح. انظر الحديث المتقدم (16) .(6/103)
2548 - " ما من ذي رحم يأتي رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج له
يوم القيامة من جهنم حية يقال لها: شجاع، يتلمظ، فيطوق به ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 235 / 2 - النسخة العتيقة) و " الأوسط " (
2 / 42 / 1 / 5723) عن عبد الله بن أبي زياد القطواني: أخبرنا إسحاق بن
الربيع العصفري عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن جرير بن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير العصفري،
وقد روى عنه جمع آخر من الثقات غير القطواني، قال الذهبي: " ذكره ابن عدي،
وساق له حديثين غريبين، متن الواحد: " كل معروف صدقة ". رواه عنه أحمد بن
بديل، وإسحاق صدوق إن شاء الله ". وأقره الحافظ في " التهذيب ". وأما في
" التقريب " فقال: " مقبول ". وقال المنذري (2 / 33) ، ثم الهيثمي (8 /
154) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بإسناد جيد ". وللحديث
شواهد عند المنذري أحدها في " سنن أبي داود " تقدم تخريجه برقم (2438) .(6/104)
2549 - " أحسن ابن الخطاب ".
أخرجه أحمد (5 / 368) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن
عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر، فقال له: اجلس، فإنما
هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري، وجهالة الصحابي لا
تضر، وهو أبو رمثة كما في رواية أبي داود (1007) من طريق المنهال بن خليفة
عن الأزرق بن قيس به نحوه. والمنهال ضعيف. وللحديث شاهد من حديث معاوية رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم أو
يخرج. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1034) . والحديث
نص صريح في تحريم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج، كما
يفعله كثير من الأعاجم وبخاصة منهم الأتراك، فإننا نراهم في الحرمين الشريفين
لا يكاد الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا وهناك قياما إلى السنة
! وفي الحديث فائدة أخرى هامة، وهي جواز الصلاة بعد العصر، لأنه لو كان غير
جائز، لأنكر ذلك على الرجل أيضا كما هو ظاهر، وهو مطابق لما ثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، ويدل على أن ذلك ليس من
خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا
صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " محمول على ما إذا كانت الشمس مصفرة، لأحاديث
صحت مقيدة(6/105)
بذلك. وقد سبق تخريج بعضها مع الكلام عليها من الناحية الفقهية تحت
الحديث (200 و 314) .
2550 - " يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني
نبيا ".
أخرجه الحاكم (3 / 179) من طريق علي بن قادم: حدثنا عبد السلام بن حرب عن
يحيى ابن سعيد قال: كنا عند علي بن الحسين فجاء قوم من الكوفيين، فقال
علي: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. فذكرته لسعيد بن المسيب، فقال: وبعدما اتخذه نبيا
. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا.
2551 - " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو،
ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ".
أخرجه مسلم (4 / 107) والنسائي (2 / 44) وفي " الكبرى " أيضا (ق 83 / 1
) وابن ماجه (3014) والدارقطني في " سننه " (ص 289) وكذا البيهقي (5 /
118) وابن عساكر في جزء " فضل عرفة " (ق 2 / 2) كلهم من طريق مخرمة بن بكير
عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يحدث عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(6/106)
(تنبيه) : قد وقع لبعض العلماء بعض
الأوهام في متن الحديث، فوجب بيانها ليكون القراء على حذر منها: أولا: قال
المنذري في " الترغيب " (2 / 129) بعدما عزاه لمسلم والنسائي وابن ماجه: "
وزاد رزين في " جامعه " فيه: اشهدوا ملائكتي! أني قد غفرت لهم ". فأقول:
هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من روايات الحديث التى وقفت عليها، وقد ذكرت
آنفا مخرجيها، وإنما رويت هذه الزيادة من حديث جابر رضي الله عنه، لكن فيه
عنعنة أبي الزبير، مع الاختلاف عليه في لفظه، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر
(679) وهو شاهد قوي لحديث الترجمة، دون قوله: " فيقول: ما أراد هؤلاء؟ "
، وفيه: " ينزل الله إلى السماء الدنيا "، بدل قوله: " وإنه ليدنو ".
وإنا لنعهد من رزين أنه كثيرا ما يخلط بين حديث وحديث يختلفان في المخرج،
فيسوق أحدهما ثم يضم إليه زيادة من حديث آخر، دون أن يشير إلى ذلك، وقد تكون
زيادة لا أصل لها في شيء من طرق الحديث. والله أعلم. ثانيا: أورد السيوطي
حديث الترجمة في " الجامع الكبير " من رواية مسلم والنسائي وابن ماجه أيضا
بلفظ: " عبدا أو أمة ". فهذه الزيادة " أو أمة " لا أصل لها أيضا عندهم،
ولا عند غيرهم ممن أخرج الحديث. وانطلى أمرها على صاحب " الفتح الكبير في ضم
الزيادة إلى الجامع الصغير "، وعلي أيضا حينما جعلت " الفتح " قسمين: " صحيح
الجامع الصغير وزيادته " و " ضعيف الجامع الصغير وزيادته "، فأوردت الحديث
في القسم الأول برقم (5672) ، فمن كان عنده فليعلق عليه بما يدل على أن هذه
الزيادة لا أصل لها.(6/107)
ثالثا: جاء الحديث في " الترغيب " (2 / 129 - الطبعة
المنيرية) برواية الثلاثة المذكورين أيضا بلفظ " عبيدا " بصيغة الجمع، وكذلك
وقع في سائر النسخ المطبوعة، منها مطبوعة مصطفى عمارة، ويظهر أنه خطأ قديم
لعله من المؤلف نفسه، فقد جاء كذلك في مخطوطة الظاهرية (ق 139 / 1) ، ونبه
عليه الحافظ الناجي، فقال في " العجالة " (133 / 2) : " كذا وجد في أكثر
نسخنا، وإنما هو " عبدا " بالإفراد ". رابعا: وقع في " الترغيب " أيضا بلفظ
: " ليدنو يتجلى " بهذه الزيادة: " يتجلى ". وكذلك وقع فيما سبقت الإشارة
إليه من الطبعات والنسخ، وهي زيادة منكرة لا أصل لها أيضا في شيء من طرق
الحديث ورواياته، ولا أدري إذا مر عليه الناجي فلم يعلق عليه بشيء، أو أنها
لم تقع في نسخته من " الترغيب "، غالب الظن الأول، وليس كتابه في متناول يدي
الآن، لترجيح أحد الاحتمالين. وهذا الخطأ عندي أسوأ من الذي قبله لأنه مغير
لمعنى الحديث، لأنه تفسير للدنو بالتجلي، وهذا إنما يجري على قاعدة الخلف
وعلماء الكلام في تأويل أحاديث الصفات، خلافا لطريقة السلف رضي الله عنهم، كما
خالفوهم في تأويل أحاديث نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا (1) بأن المعنى
نزول رحمته. وهذا كله مخالف لما كان عليه السلف من تفسير النصوص على ظاهرها
دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى: * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * (
الشورى: 11) ، فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين،
وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته
، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل. فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو
، فكن على علم بذلك
_________
(1) وهي أحاديث كثيرة متواترة، خرجت طائفة كبيرة منها في " الإرواء " (449)
، وفي " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (492 - 513) . اهـ.(6/108)
حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم. وتجد تفصيل هذا
الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها "
مجموعة الفتاوى "، فراجع مثلا (ج 5 / 464 - 478) . وقد أورد الحديث على
الصواب فيها (ص 373) واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة، وبحديث
جابر المشار إليه آنفا.
2552 - " إن الله عز وجل أنزل: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *
و* (أولئك هم الظالمون) * و * (أولئك هم الفاسقون) *. قال ابن عباس: أنزلها
الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى
ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله (العزيزة) من (الذليلة) فديته خمسون
وسقا، وكل قتيل قتله (الذليلة) من (العزيزة) فديته مائة وسق، فكانوا على
ذلك، حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فذلت الطائفتان كلتاهما
لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤمئذ لم يظهر ولم يوطئهما عليه (1)
وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت (العزيزة) إلى (
الذليلة) أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت (الذليلة) : وهل كان هذا في
حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض
؟ ! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما
_________
(1) لفظ الطبراني: " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمئذ لم يظهر عليهم ولم
يوطئهما، وهو الصلح ". اهـ.(6/109)
منكم لنا، وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد فلا
نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله
صلى الله عليه وسلم بينهما، ثم ذكرت (العزيزة) فقالت: والله ما محمد
بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا
وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه
وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا
من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول
الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله
عز وجل: * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا:
آمنا) * إلى قوله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) *، ثم
قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله عز وجل ".
أخرجه أحمد (1 / 246) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 95 / 1) من
طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود عن ابن عباس قال: فذكره. وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (2 /
281) لأبي داود أيضا وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن
عباس، وهو عند ابن جرير في " التفسير " (12037 ج 10 / 352) من هذا الوجه،
لكنه لم يذكر في إسناده ابن عباس. وعند أبي داود (3576) نزول الآيات الثلاث
في اليهود خاصة في قريظة والنضير. فقط خلافا لما يوهمه قول ابن كثير في "
التفسير " (6 / 160) بعد ما ساق رواية أحمد هذه المطولة: " ورواه أبو داود
من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه نحوه "!(6/110)
وقد نقل عنه صاحب " الروض الباسم في
الذب عن سنة أبي القاسم " أنه حسن إسناده. ولم أر هذا في كتابه: " التفسير "
، فلعله في بعض كتبه الأخرى. وتحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا
العلم الشريف، فإن مداره على عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو كما قال الحافظ
: " صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها ". فقول الهيثمي (7 / 16)
: " رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف
، وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات ". قلت: فقوله فيه: " ضعيف، وقد وثق "
ليس بجيد لأنه يرجح قول من ضعفه على قول من وثقه، والحق أنه وسط حسن الحديث،
إلا أن يخالف وهذا مما لا يستفاد من قوله المذكور فيه. والله أعلم. (فائدة
هامة) : إذا علمت أن الآيات الثلاث: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون) *، * (فأولئك هم الظالمون) *، * (فأولئك هم الفاسقون) * نزلت في
اليهود وقولهم في حكمه صلى الله عليه وسلم: " إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه،
وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه "، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه
الآيات فقال: * (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا) *، إذا
عرفت هذا، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين
يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية، أقول: لا يجوز تكفيرهم بذلك،
وإخراجهم من الملة إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله، وإن كانوا مجرمين بحكمهم
بغير ما أنزل الله، لا يجوز ذلك، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم
المذكور، فهم مخالفون لهم من جهة(6/111)
أخرى، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل
الله، بخلاف اليهود الكفار، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم
المتقدم: " ... وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه "، بالإضافة إلى أنهم ليسوا
مسلمين أصلا، وسر هذا أن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي. فالاعتقادي مقره
القلب. والعملي محله الجوارح. فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع، وكان
مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي
لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبدا. وأما إذا كان مخالفا لما وقر في
قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس
كفرا اعتقاديا، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له،
وعلى هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا
من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها: 1 - اثنتان في الناس هما بهم
كفر، الطعن في الأنساب والنياحة على الميت. رواه مسلم. (1) 2 - الجدال في
القرآن كفر. (2) 3 - سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. رواه مسلم. (3) 4 -
كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. (4) 5 - التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر
. (5) 6 - لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض. متفق عليه. (6)
_________
(1) تخريج " الطحاوية " (ص 298) .
(2) " صحيح الجامع الصغير " (3 / 83 / 3101) .
(3) تخريج " الإيمان " لأبي عبيد (ص 86) ، وتخريج " الحلال " (رقم 341) .
(4) " الروض النضير " (رقم 587) .
(5) " الأحاديث الصحيحة " (رقم 667)
(6) " الروض النضير " (رقم 797) ، و " الأحاديث الصحيحة " رقم (1974) .(6/112)
إلى
غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من
المسلمين بشيء من هذه المعاصي، فكفره كفر عملي، أي إنه يعمل عمل الكفار، إلا
أن يستحلها، ولا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم، لأنه شارك
الكفار في عقيدتهم أيضا، والحكم بغير ما أنزل الله، لا يخرج عن هذه القاعدة
أبدا، وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: " كفر دون
كفر "، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه
بعض التابعين وغيرهم، ولابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل
أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة، ونحا نحو الخوارج الذين يكفرون
المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يصلون ويصومون! 1 - روى ابن جرير
الطبري (10 / 355 / 12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: * (ومن لم يحكم بما
أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * قال: هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته
وكتبه ورسله. 2 - وفي رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون
إليه (1) ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر. أخرجه الحاكم (2 / 313
) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط
الشيخين. فإن إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في " تفسيره " (6 /
163) عن الحاكم أنه قال: " صحيح على شرط الشيخين "، فالظاهر أن في نسخة "
المستدرك " المطبوعة سقطا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.
3 - وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من
_________
(1) كأنه يشير إلى الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه.(6/113)
جحد ما أنزل
الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063
) . قلت: وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكنه جيد في الشواهد. 4 - ثم
روى (12047 - 12051) عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث) :
كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح. 5 - ثم روى (
12052) عن سعيد المكي عن طاووس (وذكر الآية) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة
. وإسناده صحيح، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي، وثقه ابن معين
والعجلي وابن حبان وغيرهم، وروى عنه جمع. 6 - وروى (12025 و 12026) من
طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز (1) ناس من بني عمرو بن سدوس (
وفي الطريق الأخرى: نفر من الإباضية) (2) فقالوا: أرأيت قول الله: * (ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: * (
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * أحق هو؟ قال: نعم. قالوا
: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) * أحق هو؟ قال: نعم.
قال: فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي
يدينون به، وبه يقولون وإليه يدعون -[يعني الأمراء]- فإن هم تركوا شيئا
منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفرق (3) . قال:
أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرجون، ولكنها
أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك. أو نحوا من هذا، وإسناده صحيح.
وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال
_________
(1) من كبار ثقات التابعين واسمه لاحق بن حميد البصري.
(2) طائفة من الخوارج.
(3) أي: تجزع وتخاف.(6/114)
ساقها ابن
جرير (10 / 346 - 357) بأسانيده إلى قائليها، ثم ختم ذلك بقوله (10 / 358
) : " وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار
أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون
بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى. فإن قال قائل:
فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله،
فكيف جعلته خاصا؟ قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله
الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم - على سبيل ما
تركوه - كافرون. وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو
بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في
كتابه، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي ". وجملة القول أن الآية نزلت
في اليهود الجاحدين لما أنزل الله، فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفرا
اعتقاديا، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم، فهو بذلك
مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه.
وقد شرح هذه وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم ابن سلام في " كتاب
الإيمان " " باب الخروج من الإيمان بالمعاصي " (ص 84 - 87 - بتحقيقي) ،
فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق. وبعد كتابة ما سبق، رأيت شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في " مجموع الفتاوي " (3 / 268) : " أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ".(6/115)
ثم ذكر (7 / 254)
أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها؟ فقال: كفر لا ينقل عن الإيمان،
مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.
وقال (7 / 312) : " وإذا كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان
ونفاق، فكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن
الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل
الله فأولئك هم الكافرون) *، قالوا: كفرا لا ينقل عن الملة. وقد اتبعهم على
ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة ".
2553 - " من خرج حاجا فمات كتب الله له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا
فمات كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله
فمات كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1505) : حدثنا إبراهيم بن زياد - سبلان -:
أخبرنا أبو معاوية أخبرنا محمد بن إسحاق عن جميل بن أبي ميمونة عن عطاء بن يزيد
الليثي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وتابع أبا يعلى، الحافظ الطبراني في " الأوسط " (2 / 24 / 2 / 5454) : حدثنا
محمد ابن السري قال: أخبرنا إبراهيم بن زياد - سبلان - به. وقال: " تفرد به
أبو معاوية ". ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 326 - 327)
والبيهقي في " الشعب " (3 / 474) .(6/116)
قلت: وهذا إسناد فيه علتان: الأولى:
جهالة حال جميل بن أبي ميمونة، فقد أورده ابن أبي حاتم عن أبيه من روايته عن
ابن أبي زكريا الخزاعي. وعنه محمد بن إسحاق ثم قال: " وروى عن سعيد بن
المسيب. روى عنه الليث بن سعد ". وبه أعله الهيثمي، فقال (3 / 209) : "
رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه جميل بن أبي ميمونة، وقد ذكره ابن أبي
حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
والأخرى: عنعنة ابن إسحاق، وبها أعله المنذري تلميحا، فقال (2 / 166) : "
رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية إسناده ثقات ". قلت: وقد
وجدت له إسنادا آخر عن الليثي، فقال يحيى بن صاعد في " مجلسان من الأمالي " (
ق 51 / 2) : حدثنا عمرو بن علي قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا
هلال بن ميمون الفلسطيني عن عطاء بن يزيد الليثي به. وأخرجه أبو نعيم في "
أخبار أصبهان " (2 / 21) من طريق ابن صاعد به، لكنه قال: " الواسطي " بدل "
الفلسطيني "، وهو خطأ من الناسخ أو الطابع. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله
كلهم ثقات رجال الشيخين غير هلال بن ميمون الفلسطيني، وثقه ابن معين وابن
حبان، وقال النسائي: ليس به بأس. وأما أبو حاتم فقال: " ليس بالقوي،
يكتب حديثه ". وقد أخرج له ابن حبان عدة أحاديث في " صحيحه "، وهذه أرقامها
(1160(6/117)
و 1746 و 2053 - وهو مكرر الذي قبله، 3183 - الإحسان) والأخيران
رقمهما في " موارد الظمآن " (357 و 431) وأما حديث الرقم الأول فقد سقط منه
، وقد استدركته في كتابي الجديد " صحيح موارد الظمآن "، وهو على وشك التمام
إن شاء الله تعالى. بل هو تحت الطبع الآن يسر الله صدوره قريبا إن شاء الله.
(تنبيه) : شيخ الطبراني المتابع لأبي يعلى هو محمد بن السري بن مهران الناقد
البغدادي، ترجمه الخطيب (5 / 318 - 319) ووثقه. وقد ساق له الطبراني قبل
هذا الحديث خمسة أحاديث أخرى نسبه فيها إلى جده (مهران) إلا في هذا، فكان
ذلك سببا لوهم المعلق على " مجمع البحرين "، فإنه فسره (3 / 186) على أنه (
محمد بن السري بن سهل أبو بكر البزار) الموثق عند الخطيب أيضا وغيره، وفي
ذلك دليل على أنه غير متقن لهذا العلم، لأن سبب وهمه أنه لم يتنبه أن الطبراني
في " الأوسط " قد أورد حديثه هذا في آخر أحاديثه كما تقدم، وهو قد عزاه لـ "
الأوسط "! هذا أولا. وثانيا: أنه لما رأى الخطيب قد ذكر في ترجمة ابن سهل
هذا أنه من شيوخ الطبراني، تسرع فحكم بأنه هو، ولو أنه صبر وتابع البحث
لوجد ما يحول بينه وبين الوهم. فإن الخطيب بعد ترجمة واحدة فقط ترجم لابن
مهران هذا، وذكر في شيوخه (سبلان) صاحب هذا الحديث. وعنه الطبراني!!
2554 - " ما خالط قلب امرئ مسلم رهج (1) في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار ".
_________
(1) أي: الغبار. اهـ.(6/118)
أخرجه أحمد (6 / 85) : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن
الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: أن مكاتبا لها دخل
عليها ببقية مكاتبته، فقالت له: أنت غير داخل علي غير مرتك هذه، فعليك
بالجهاد في سبيل الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن عياش
وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها. وقال المنذري (2 / 168) وتبعه
الهيثمي (5 / 276) : " رواه أحمد، ورواته ثقات ". قلت: وأخرجه ابن أبي
عاصم (ق 84 / 2) من طريق سويد بن عبد العزيز: حدثنا الأوزاعي به. قلت:
وقد وجدت له طريقا أخرى قد يعتضد به ويقوى، فقال الطبراني في " الأوسط " (2 /
124 - 125 - مصورة الجامعة الإسلامية) : حدثنا هشيم بن خلف حدثنا محمد ابن
عمار الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي عن صدقة بن عبد الله الدمشقي عن ابن
جريج عن محمد بن زياد المدني عن فرات مولى عائشة قال: قالت عائشة: فذكره
مرفوعا نحوه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، صدقة بن عبد الله الدمشقي ضعيف كما قال
الحافظ. وفرات مولى عائشة لم أعرفه، ولعل اسمه أصابه تحريف. وله طريق
ثالث، فقال ابن أبي عاصم: حدثنا عمر بن يحيى الأيلي حدثنا حفص بن جميع عن
المغيرة عن الحكم عن عطاء عنها، رفعت الحديث نحوه.(6/119)
قلت وحفص بن جميع ضعيف
كما في " التقريب ".
2555 - " من رمى بسهم في سبيل الله كان له نورا يوم القيامة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 183 - زوائده) : حدثنا عبد الرحمن بن الفضل بن
موفق حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حميد المكي - مولى لابن علقمة - عن عطاء - يعني
ابن أبي رباح - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره، وقال: " تفرد به عن حميد زيد ". قلت: وهو صدوق من رجال مسلم، لكن
شيخه المكي مولى ابن علقمة - وهو غير ابن قيس الأعرج المكي - مجهول كما قال
الحافظ، وهو أصغر من الأعرج كما قال الذهبي، ويبدو أن الهيثمي توهم أنه ابن
قيس المخرج له في " الصحيحين "، فإنه قال في " المجمع " (5 / 270) : " رواه
البزار عن شيخه عبد الرحمن بن الفضل بن موفق، ولم أعرفه وبقية رجاله رجال
الصحيح "! ومن العجيب أن الحافظ ابن حجر أقره على ذلك، فإنه قال عقب قول
البزار المتقدم: " قال الشيخ: رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن، وهو ثقة "
! قلت: وأنا أظن أنه يعني بـ (الشيخ) شيخه الهيثمي، وحينئذ يشكل قوله عنه
في عبد الرحمن: " وهو ثقة "! والهيثمي قد قال فيه كما سبق: " لم أعرفه ".
وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 382) وقال: " روى عنه الحضرمي وأهل
العراق ". وجملة القول أن إسناد الحديث ضعيف، لما عرفت من جهالة حميد المكي
، فلا يغتر بقول المنذري (2 / 172) :(6/120)
" رواه البزار بإسناد حسن ". فإن
الظاهر أنه وهم في حميد أيضا. لكن للحديث شاهد قوي من حديث أبي نجيح السلمي
مرفوعا بلفظ: " من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة، ومن رمى
بسهم كان له نورا يوم القيامة.. " الحديث. أخرجه البيهقي في " سننه " (9 /
161) بإسناد صحيح. والشطر الأول منه عند النسائي (2 / 59) من طريقين آخرين
، وكذا أحمد (4 / 113) وأحد إسناديه صحيح أيضا. ثم طبع " ثقات ابن حبان "
فرأيته قد أورد فيه عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق (8 / 382) وذكر أنه روى
عنه الحضرمي وأهل العراق، ورواية الحضرمي - وهو من شيوخ الطبراني - في "
المعجم الأوسط " كما في كتابي " تيسير انتفاع الخلان " يسر الله إتمامه.
2556 - " من جرح جرحا في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه ريح المسك ولونه لون
الزعفران عليه طابع الشهداء ومن سأل الله الشهادة مخلصا أعطاه الله أجر شهيد
وإن مات على فراشه ".
أخرجه ابن حبان (1615 - موارد) من طريق ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير
ابن مرة عن مالك بن يخامر السكسكي أن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، وأخرجه أبو داود (2541)
من هذا الوجه نحوه دون قوله: " وإن مات على فراشه ".(6/121)
وكذلك أخرجه النسائي (2 / 59) من طريق سليمان بن موسى قال: حدثنا مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل
حدثهم به دون ذكر الفراش. وفي أوله زيادة بلفظ: " من قاتل في سبيل الله عز
وجل من رجل مسلم فواق ناقة قد وجبت له الجنة ". وهكذا أخرجه أحمد (5 / 230 -
231) والترمذي (1 / 311) بتمامه، والحاكم (2 / 77) ببعضه، وصححه هو
والترمذي. وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث سهل بن حنيف مرفوعا بلفظ: " من
سأل الله الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه
". أخرجه الدارمي (2 / 205) والحاكم (2 / 77) وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وللشطر الأول منه شاهد من حديث
أبي الدرداء عند أحمد، ورجاله ثقات، لكن فيه انقطاع بينته في " التعليق
الرغيب " (2 / 167) .
2557 - " ما من قوم اجتمعوا في مجلس، فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك المجلس
حسرة عليهم يوم القيامة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (مصورة الجامعة الإسلامية 4 / 434) والبيهقي
في " الشعب " (1 / 400 / 533) من طريق شداد بن سعيد الراسبي: حدثنا جابر بن
عمرو الراسبي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره، وقال: " لا يروى عن عبد الله بن مغفل إلا بهذا الإسناد ".(6/122)
قلت:
وهو حسن في الشواهد والمتابعات، فإن جابر بن عمرو، وشداد بن سعيد، وإن
كانا من رجال مسلم ففيهما ضعف من قبل حفظهما، وقال المنذري في " الترغيب " (
2 / 236) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، والبيهقي، ورواة
الطبراني محتج بهم في (الصحيح) ". وقال الهيثمي (10 / 80) : " رواه
الطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، ورجالهما رجال (الصحيح) ". قلت:
وقد تقدمت بعض شواهده من حديث أبي هريرة وغيره، فراجع الأرقام (74 - 80) .
2558 - " أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلقون في الصف الأول فلا يلفتون
وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة ينظر إليهم ربك،
إن ربك إذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 227 - مصورة الجامعة) قال: حدثنا علي بن
سعيد حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا عمي عنبسة بن سعيد حدثنا عبد
الله بن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رويم عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد
الخدري مرفوعا، وقال: " لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن المبارك، ولا عنه
إلا عنبسه، تفرد به سعيد بن يحيى ".(6/123)
قلت: هو سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان
الأموي البغدادي، وهو ثقة من رجال الشيخين. وعمه عنبسة بن سعيد، وثقه
الدارقطني، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين
غير عروة بن رويم، وهو ثقة. وعلي بن سعيد وهو الرازي الحافظ مختلف فيه،
والذي يتلخص من كلامهم فيه أنه حسن الحديث، إلا أن يخالف، ولذلك قال المنذري
في " الترغيب " (2 / 194) : " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقال الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (5 / 292) : " رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق عنبسة
بن سعيد بن أبان، وثقه الدارقطني كما نقل الذهبي، ولم يضعفه أحد، وبقية
رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وعروة بن رويم ليس من رجال الصحيح كما سبق.
وللحديث شاهد من حديث نعيم بن همار مرفوعا مثله. أخرجه أحمد (5 / 287)
وكذا سعيد بن منصور في " سننه " (2566) والبخاري في " التاريخ الكبير " (4 /
2 / 95) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (472) وأبو يعلى (4 / 1626)
وأبو العباس المقدسي في " فضل الجهاد " (ق 115 / 2) وابن أبي عاصم في "
الجهاد " (94 / 1) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 234 و 235) من طريق
إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عنه. قلت:
وهذا إسناد شامي متصل صحيح. وقال المنذري (2 / 193) وتبعه الهيثمي (5 /
292) :(6/124)
" رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتهما ثقات ". قال الهيثمي: " ورواه
الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه ". وهو في " أوسط الطبراني " (2
/ 227 - مجمع البحرين - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق ابن لهيعة عن علي بن
دينار الهذلي عن نعيم بن همار به. وقال الدمياطي في " المتجر الرابح " (ص
383) : " رواه أحمد وأبو يعلى بإسنادين جيدين ". ورواه ابن أبي شيبة (7 /
147 / 2) عن يحيى بن أبي كثير مرسلا.
2559 - " أول ثلة (1) يدخلون الجنة الفقراء المهاجرون الذين تتقى بهم المكاره، إذا
أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت للرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى
يموت وهي في صدره، وإن الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها
وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقوتلوا وأوذوا في سبيلي
وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب. وتأتي الملائكة
فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء
الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي
وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب * (سلام عليكم بما صبرتم فنعم
عقبى الدار) * [الرعد: 24] ".
أخرجه الأصفهاني في " الترغيب والترهيب " (ص 213 - مصورة الجامعة) :
_________
(1) الأصل: ثلاثة، والتصحيح من " المستدرك " و " المسند ". اهـ.(6/125)
أخبرنا
أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق: أنبأنا والدي أنبأنا أبو طاهر أحمد بن
عمرو المصري - بها - حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن
الحارث أن أبا عشانة حدثه قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح،
أبو الطاهر فمن فوقه ثقات من رجال مسلم غير أبي عشانة واسمه حي بن يومن المصري
، وهو ثقة كما قال الحافظ في " التقريب ". وعبد الوهاب بن محمد بن إسحاق هو
الحافظ ابن الحافظ ابن منده، وهما ثقتان مشهوران من الحفاظ الذين ترجمهم
الحافظ الذهبي في " التذكرة "، فالإسناد صحيح، فقول المنذري (2 / 194) : "
رواه الأصبهاني بإسناد حسن، ومتنه غريب ". قلت: ففيه تقصير ظاهر، وأما
استغرابه إياه، فلعله لما رواه معروف بن سويد الجذامي عن أبي عشانة به مرفوعا
نحوه، ليس فيه: " أين عبادي الذين ... في سبيلي ". أخرجه أحمد (2 / 168)
وابن حبان (2565) والبزار (4 / 256 - 257 / كشف الأستار) . فأقول: معروف
هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، وعمرو بن الحارث أوثق منه
وأشهر، فلا ضير في مخالفة الجذامي إياه في بعض ألفاظه. وأخرجه الحاكم (2 /
71) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (4 / 27 - 28) من طريق أخرى عن ابن وهب
به وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.(6/126)
ثم وجدت له متابعا، فقال أحمد
في الموضع المشار إليه: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو عشانة به مثل
رواية عمرو بن الحارث: فالحديث صحيح عندي لا غبار عليه. والحمد لله الذي
بنعمته تتم الصالحات.
2560 - " أين ذهبتم؟! إنما هي يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل - من الكفار - إذا
اهتديتم ".
أخرجه أحمد (4 / 129 و 201 - 202) من طريق علي بن مدرك عن أبي عامر الأشعري
قال: كان رجل قتل منهم بـ (أوطاس) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
يا أبا عامر ألا غيرت؟ (1) فتلا هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم
أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * [المائدة: 105] ، فغضب رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقال: فذكره. ورواه الطبراني ولفظه: عن أبي عامر أنه كان
فيهم شيء فاحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: ما حبسك؟ قال: قرأت هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا
يضركم من ضل إذا اهتديتم) *، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يضركم
من ضل من الكفار إذا اهتديتم ". قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 19) : "
ورجالهما ثقات، إلا أني لم أجد لعلي بن مدرك سماعا من أحد من الصحابة ". قلت:
خفي عليه أن ابن حبان أورده في " ثقات التابعين "، وقال (3 / 180) : " سمع
أبا مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه شعبة بن الحجاج، مات
سنة عشرين ومائة ".
_________
(1) أي: لو أخذت الدية. اهـ.(6/127)
قلت: وأبو مسعود مات سنة أربعين، وأبو عامر الأشعري
مات في خلافة عبد الملك ابن مروان، وكانت خلافته سنة 65، وقيل سنة 73، فهو
بإمكانه أن يسمع منه من باب أولى، لأنه تأخر وفاته عن وفاة أبي مسعود بعشرين
سنة أو أكثر. ولذلك ذكر الحافظ في " التقريب " أنه ثقة من الرابعة. مات سنة
عشرين ومائة. وجملة القول: إن الحديث صحيح الإسناد، ورجاله كلهم ثقات،
وهو يلتقي في الجملة مع الأحاديث الكثيرة التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وهي كثيرة معروفة.
2561 - " من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله سبحانه
بقارعة قبل يوم القيامة ".
أخرجه أبو داود (2503) وعنه البيهقي (9 / 48) والدارمي (2 / 209) وابن
ماجه (2762) وابن أبي عاصم في " الجهاد " (83 / 1) والطبراني في " مسند
الشاميين " (ص 176) وفي " المعجم الكبير " (8 / 211 / 7747) وأبو العباس
المقدسي في " فضل الجهاد " (ق 120 / 2) من طرق عن الوليد بن مسلم: حدثنا
يحيى ابن الحارث الذماري عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات،
على خلاف في القاسم وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة،
والمتقرر فيه أنه حسن الحديث، والوليد بن مسلم، وإن كان يخشى منه تدليس
التسوية، فالقاسم مشهور الرواية عن أبي أمامة، وكذا الذماري عنه. وفي "
مسند الروياني " (30 / 217 / 2) ومن طريقه ابن عساكر في " الأربعين في الحث
على الجهاد " (ص 84) التصريح بالتحديث مكان (عن) في سائر المواضع.(6/128)
وتابعه
مسلمة بن علي الخشني عن الذماري به. أخرجه الطبراني في " الشاميين " (ص 175)
. وله شاهد من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا به. قال الهيثمي (5 / 284) : "
رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو ضعيف ". وروى
نجدة بن نفيع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
استنفر حيا من العرب، فتثاقلوا، فنزلت: * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) *
، قال: كان عذابهم: حبس المطر عنهم. أخرجه البيهقي، ونجدة مجهول كما في "
التقريب ". ثم رأيت الحديث في " مسند الشاميين " للطبراني، أخرجه (ص 53) من
طريق علي بن بحر: حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي
هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد آخر للوليد بن مسلم مخالف للطريق الأولى
التي تقدمت من رواية الطرق، وراويه عنه علي بن بحر ثقة، فإن كان حفظه فيكون
للوليد بن مسلم إسنادان. وقد تابعه عمر بن سعيد الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن
عبد العزيز التنوخي. أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب " (1432) . ويؤيده أنه
رواه أبو حلبس عن عبد الملك بن مروان عن أبي هريرة به. أخرجه في " مسند
الشاميين " (ص 157) .(6/129)
وأبو حلبس مجهول، وانظر (ص 159) . ثم وقفت على
الشاهد عند الطبراني في " الأوسط " (4 / 226 / 8497) ، فإذا هو يرويه من طريق
عمرو بن الحصين العقيلي: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا سويد بن عبد
العزيز عن مكحول عن واثلة به. وقال: " لم يروه عن سعيد (!) بن عبد العزيز
إلا ابن علاثة، تفرد به عمرو بن الحصين ". قلت: هو متروك متهم كما تقدم
مرارا. فلا قيمة حينئذ لحديثه كشاهد. وقريب منه سويد بن عبد العزيز، لكني
أخشى أن يكون تحرف اسم (سويد) في السند من " سعيد "، فإنه هكذا وقع في تذييل
الطبراني عليه، وهو الراجح عندي لأنه هو المعروف بالرواية عن مكحول بخلاف
سويد، وسعيد ثقة، لكنه كان اختلط.
2562 - " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قال: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ".
أخرجه الترمذي (2 / 265) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 322) عن محمد
بن ثابت البناني قال: حدثني أبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا
الوجه ". وأقول: هذا من تساهل الترمذي رحمه الله، فإن محمد بن ثابت هذا
متفق على تضعيفه، وإن كان بعضهم أشار إلى أنه صدوق في نفسه، والضعف من قبل
حفظه، وقد أخرج حديثه هذا ابن عدي في " الكامل " (ق 290 / 1) في جملة
أحاديث ساقها له، ثم قال:(6/130)
" وهذه الأحاديث مع غيرها مما لم أذكره عامتها مما
لا يتابع محمد بن ثابت عليه ". نعم لو أن الترمذي قال: " حديث حسن " لأصاب،
فقد وجدت له متابعا وشاهدا. أما المتابع، فهو زائدة بن أبي الرقاد قال:
حدثنا زياد النميري عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 268) .
وزياد وزائدة ضعيفان وثقا، وقد حسن لهما الهيثمي (10 / 77) حديثا آخر لهما
عن أنس، فقال: " وإسناده حسن ". أقول: فلا أقل من أن يستشهد بهما. وأما
الشاهد، فيرويه محمد بن عبد الله بن عامر: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك عن
نافع عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم (6 / 354) وقال: "
غريب من حديث مالك، لم نكتبه إلا من حديث محمد بن عبد الله بن عامر ". قلت:
ولم أعرفه، ويحتمل أن (عامر) محرف (نمير) ، فإن كان كذلك فهو ثقة. ثم
رأيت ما يرجح أنه هو، فقد ذكره المزي في الرواة عن قتيبة، ومن فوقه ثقات من
رجال الشيخين، فالإسناد صحيح، إن كان شيخ أبي نعيم (أبو الحسن علي ابن أحمد
بن عبد الله المقدسي) ثقة، أو متابعا، فإني لم أجد له ترجمة ولا في " تاريخ
ابن عساكر "، على أن أبا نعيم في استغرابه المتقدم قد أشار إلى أنه قد توبع.
والله أعلم. وروى زيد بن الحباب أن حميدا المكي مولى ابن علقمة حدثه أن عطاء
بن أبي رباح حدثه عن أبي هريرة مرفوعا به، إلا أنه قال بدل " حلق الذكر ":(6/131)
"
المساجد ". قلت: وما الرتع يا رسول الله! قال: " سبحان الله، والحمد لله
، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". أخرجه الترمذي أيضا، وقال: " حديث
حسن غريب ". قلت: حميد المكي مجهول كما قال الحافظ، فالإسناد ضعيف، فقول
الحافظ المنذري (2 / 251) : " رواه الترمذي وقال: " حديث غريب "، وقال
الحافظ: وهو مع غرابته حسن الإسناد ". قلت: فهذا من تساهل المنذري. كيف لا
، وحميد هذا لم يوثقه أحد، ولا روى عنه غير زيد بن الحباب، وقال البخاري
في حديثه هذا: " لا يتابع عليه ". ثم إن هناك تغايرا بين ما نقلته عن الترمذي
، وما نقله المنذري عنه، والأليق بحال الإسناد وحسن الظن بالترمذي - على
تساهله - ما نقله هو عنه: " حديث غريب "، دون قوله: " حسن ". والله أعلم.
وله شاهد آخر من حديث جابر مرفوعا نحوه في حديث له. أخرجه الحاكم (1 / 494 -
495) وغيره من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة قال: سمعت أيوب بن خالد بن
صفوان الأنصاري عنه. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله:(6/132)
" قلت:
عمر ضعيف ". قلت: وشيخه أيوب نحوه في الضعف وإن روى له مسلم، فقد قال
الحافظ: " فيه لين ". ولم يوثقه غير ابن حبان، فقول المنذري (2 / 234)
بعد أن أشار إلى الكلام الذي في عمر: " وبقية رجاله ثقات مشهورون محتج بهم،
فالحديث حسن. والله أعلم "! تساهل ظاهر. وقد خرجته في " الضعيفة " (6205) ، نعم يمكن القول بتحسين الحديث بهذا الشاهد ونحوه. ومن أجل ذلك أوردته
هنا، وكنت خرجت حديث الترمذي عن أبي هريرة في " الضعيفة " (1150) لتفرده
بتفسير الرتع، فلينتبه لهذا إخوتي القراء قبل أن يفاجئهم من اعتاد أن يدعي "
التناقضات " فيما لا يفهمه، أو يفهمه، ولكن زين له أن يدس السم في الدسم،
ولا أدل على ذلك من تأليفه الذي نشره باسم " صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه
وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها "! ! وهو في الحقيقة، إنما فيه
ما يدل على تعصبه لمذهب الشافعية - ولا أقول الشافعي - على السنة المحمدية،
حتى وصل به الأمر أن يبطل صلاة من قرأ سورة * (إذا السماء انشقت) *، وسجد
فيها، مع علمه بأن الحديث متفق على صحته، ولذلك لم يورده في " صحيحه "
المزعوم لأنه مخالف لمذهبه، كما أنه لما ساق حديث أبي سعيد من رواية مسلم فيما
كان صلى الله عليه وسلم يقرؤه في صلاة الظهر لم يذكره بتمامه، بل بتر منه ما
كان صلى الله عليه وسلم يقرؤه في الركعتين الآخيرتين من الظهر، لأنه مخالف
لمذهبه، والأدهى والأمر أن الإمام الشافعي قد قال في كتابه " الأم " بهذا
الذي بتره من الحديث تعصبا منه للشافعية! وأعجب من هذا كله لقد خالفهم جميعا
انتصارا منه للبدعة، ومتابعة منه للعوام، فكذب على رسول الله(6/133)
صلى الله عليه
وسلم حين صرح بأن التلفظ بالنية في الصلاة سنة! مع أن الإمامين الرافعي
والنووي صرحا بأنه ليس بشيء، فمثل هذا الدعي الذي يخالف السنة والأئمة انتصارا
لهواه والبدعة، لا يستغرب منه أن ينتصب لمحاربة من نذر نفسه لخدمة السنة،
ونشرها بين المسلمين، بالافتراء عليه ونسبة " التناقضات " إليه. فالله حسيبه.
2563 - " من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير - عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها
عشر حسنات وحط عنه بها عشر سيئات ورفعه الله بها عشر درجات وكن له كعشر رقاب
وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يؤمئذ عملا يقهرهن، فإن
قالها حين يمسي، فكذلك ".
أخرجه أحمد (5 / 420) والطبراني (4 / 151 / 3883) عن إسماعيل بن عياش عن
صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري عن
النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح شامي رجاله كلهم ثقات،
وأبو رهم اسمه أحزاب، وقد قيل بصحبته. ورواه ابن لهيعة: حدثني الحارث بن
يزيد عن ربيعة بن مطير عن أبي رهم به. أخرجه الطبراني رقم (3884) . وربيعة
بن مطير لم أعرفه، وعلى الهامش: " ابن قيصر، صح "، ولم أعرفه أيضا. وفي
الرواة عن أبي رهم (واسمه أحزاب) ربيعة بن قيصر، ويقال: ابن مصبر الحضرمي
المصري كما في " تهذيب المزي "، وفي " ثقات ابن حبان " (4 / 230) : " ربيعة
بن يورا المصري "، وهو مجهول. انظر " تيسير الانتفاع ".(6/134)
وقد وجدت له طرقا
أخرى، فرواه أبو الورد عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب مرفوعا به. أخرجه
أحمد (5 / 414 - 415) والطبراني (4 / 221 / 4089) . قلت: وأبو محمد
الحضرمي لا يعرف كما قال الذهبي، وعلق حديثه هذا البخاري في " صحيحه " (11 /
171 - فتح) لكن بلفظ: " كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل ". وهو شاذ أيضا
. وتابعه القاسم أبو عبد الرحمن عن أبي أيوب به نحوه. أخرجه الطبراني (1 /
205 / 1 - 2) . قلت: وسنده حسن في المتابعات والشواهد. وتابعه عبد الله
بن يعيش عن أبي أيوب به نحوه، إلا أنه قال: " من قال إذا صلى الصبح: لا إله
إلا الله ... وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك ". أخرجه ابن حبان (2341)
وأحمد (5 / 415) والطبراني (4 / 222 / 223) وسنده حسن كما قال الحافظ.
وتابعه أبو الورد بن أبي بردة عن غلام أبي أيوب عن أبي أيوب به، وفيه قصة.
أخرجه الطبراني (1 / 199 / 1) . وغلام أبي أيوب اسمه أفلح، وهو ثقة.(6/135)
والراوي عنه أبو الورد بن أبي بردة جزم الحافظ بأنه أبو الورد بن ثمامة بن حزن
القشيري، يعني المتقدم من روايته عن أبي محمد الحضرمي. وأن قوله هنا ابن أبي
بردة وهم. قلت: ويحتمل أن كنية ثمامة والد أبي الورد: " أبو بردة "، فلا
ضرورة للتوهيم حينئذ. والله أعلم. وابن ثمامة مقبول عند الحافظ. والله
أعلم. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من قال: لا إله إلا
الله ... بعد ما يصلي الغداة عشر مرات ... " الحديث، إلا أنه قال: " وكن له
بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 389
و472) من طريق الحسن بن عرفة: حدثنا قران بن تمام الأسدي عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو في " جزء الحسن بن عرفة " المشهور
(رقم: 18) ، وقال الناجي في " العجالة " (70) : " وإسناده على شرط مسلم
، لكن لم يخرجوه ". وأقول: قران بن تمام لم يخرج له مسلم شيئا، فهو صحيح
فقط كما ذكرنا. وقد سبق تخريجه برقم (113) . وأخرجه أحمد (2 / 360)
وابن منده في " التوحيد " (ق 59 / 2) والبيهقي (1 / 345) من طريق سمي عن
أبي صالح به نحوه، لكنه قال: " حين يصبح " و " حين يمسي ".(6/136)
وإسناده صحيح
على شرط الشيخين. ورواه أبو بكر بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد
الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا مثله في الصباح والمساء، والباقي نحوه
، وقال: " يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء
قدير. غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ". أخرجه البزار في " مسنده
" (3 / 260 / 1051 - البحر الزخار) : حدثنا بعض أصحابنا قال: أخبرنا محمد بن
سليمان بن مسمول قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي سبرة. قلت: وهذا إسناد ضعيف
جدا، أبو بكر هذا متروك متهم. وبه أعله الهيثمي (10 / 113 و 114) . (
تنبيه) : سبق تخريج حديث الترجمة في المجلد الأول برقم (114) ، ثم قدر الله
إعادة تخريجه هنا من مصادر جديدة، وفوائد عديدة، وله الحمد والمنة.
2564 - " إن أولادكم هبة الله لكم * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (1)
، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ".
أخرجه الحاكم (2 / 284) وعنه البيهقي (7 / 480) من طريق محمد بن علي بن
الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: أنبأ أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ عن حماد
عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه هكذا،
وإنما اتفقا على حديث عائشة: أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه ".
_________
(1) الشورى: 49. اهـ.(6/137)
قلت: وفيه وهمان. الأول: قوله: صحيح على شرط الشيخين، وإن وافقه الذهبي
، فإن إبراهيم الصائغ - هو ابن ميمون - ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق لم يخرج
لهما الشيخان شيئا. وحماد - وهو ابن أبي سليمان - لم يخرج له البخاري في "
صحيحه " أصلا، وإنما في " الأدب المفرد "، فهو صحيح فقط. والآخر: أن
الشيخين لم يخرجا أصلا حديث عائشة الآخر: " أطيب ما أكل الرجل ... " الحديث،
وإنما أخرجه بعض أصحاب السنن، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (رقم 830
و1626) . وفي الحديث فائدة فقهية هامة قد لا تجدها في غيره، وهي أنه يبين أن
الحديث المشهور: " أنت ومالك لأبيك " (الإرواء 838) ليس على إطلاقه، بحيث
أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه.
2565 - " من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام ".
أخرجه النسائي (2 / 314) وابن أبي عاصم في " الجهاد " (رقم 1 / 88 / 2)
والطبراني في " الكبير " (17 / 335 رقم 927) عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن
عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي القاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة -
كلام لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. وللحديث شاهد من رواية زبان عن فائد
عن سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا به، وزاد:(6/138)
" سير المضمر المجتهد ". أخرجه
أبو يعلى في " مسنده " (1486) . قلت: وزبان فيه ضعف. وشاهد آخر من حديث
عمرو بن عبسة مرفوعا به نحوه دون الزيادة. قال المنذري (2 / 62) : " رواه
الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بإسناد لا بأس به ". وقال الهيثمي (3 /
194) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله موثقون ". أقول
: لكن رواه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 234) وابن أبي عاصم (ق 89 / 1
) من طريق جنادة بن أبي خالد عن أبي شيبة عن عمرو بن عبسة بلفظ: " سبعين خريفا
". وأبو شيبة هذا - وهو المهري - ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 390) برواية
بليح أيضا عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات
". وجنادة ترجمه ابن أبي حاتم أيضا (1 / 1 / 515) برواية زيد بن أبي أنيسة
، وهو الراوي عنه لهذا الحديث، وفي ترجمته ذكره البخاري، ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، وهو في " ثقات ابن حبان " (6 / 150) وصرح الذهبي في "
الميزان (1 / 424) بجهالته.(6/139)
2566 - " من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه يوم القيامة وحقره وصغره ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 141) وأحمد في " مسنده " (رقم 6509
و6986 و 7085) والطبراني في " الأوسط " (4 / 484 - مصورة الجامعة الإسلامية)
وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 124) و (5 / 99) من طرق عن عمرو بن مرة عن
خيثمة عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. ثم أخرجه الطبراني من طريق محمد بن
سليمان بن أبي داود: حدثنا أبي عن عبد الكريم بن مالك عن سعيد بن المسيب قال:
سمعت عبد الله بن عمرو، فذكر نحوه، وقال: " لم يروه عن سعيد إلا عبد الكريم
". قلت: وهو الجزري أبو سعيد الحراني، وهو ثقة من رجال الشيخين. لكن
الراوي عنه سليمان بن أبي داود - وهو الحراني - ضعفه أبو حاتم وغيره. وأما
ابنه محمد فثقة. إلا أن الإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين، فالعمدة عليه.
وإليه أشار الحافظ المنذري بقوله في " الترغيب " (1 / 31) : " رواه الطبراني
في " الكبير " بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي ".
2567 - " حبذا المتخللون من أمتي ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 39 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال:
حدثنا أحمد: حدثنا محمد بن عمار الموصلي حدثنا عفيف بن سالم عن محمد بن أبي
حفص الأنصاري عن رقبة بن مصقلة عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال:(6/140)
" لم يروه
عن رقبة إلا محمد، ولا عنه إلا عفيف، تفرد به ابن عمار ". قلت: وأعله
الهيثمي بمحمد بن أبي حفص الأنصاري قال: " لم أجد من ترجمه ". وتبعه محقق "
مجمع البحرين " (1 / 338 - مكتبة الرشد) ! قلت: أورده الحافظ المزي في شيوخ
عفيف بن سالم كما وقع هنا، وفي الرواة عن رقبة بن مصقلة: محمد بن أبي حفص
العطار. ثم رجعت إلى " الميزان "، فوجدت فيه: " محمد بن أبي حفص الكوفي
العطار. روى عن السدي: قال الأزدي: " يتكلمون فيه "، فقال الحافظ في "
اللسان ": " قال النباتي: هو محمد بن عمر الأنصاري الآتي ذكره ". فرجعت إلى
المكان المشار إليه فرأيت فيه: " محمد بن عمر الأنصاري عن كثير النواء بخبر
منكر، ضعفه الأزدي. انتهى. وفي " الثقات " لابن حبان: محمد بن عمر بن علي
الأنصاري يروي عن أسامة بن زيد الليثي، وعنه الحضرمي. فيحتمل أن يكون هو هذا
". ثم رجعت إلى " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، فإذا فيه (4 / 1 / 19)
: " محمد بن عمر، وهو ابن أبي حفص الأنصاري العطار، روى عن السدي، روى عنه
أبو نعيم ". أقول: فقد تبين أن محمد بن أبي حفص الأنصاري هو محمد بن عمر
الأنصاري العطار، وأنه معروف برواية ثلاثة من الثقات عنه:(6/141)
الأول: عفيف بن
سالم. الثاني: الحضرمي. الثالث: أبو نعيم. قلت: وهؤلاء كلهم ثقات، ثم
رأيت في " اللسان ": " محمد بن عمر بن أبي حفص العطار الأنصاري، يروي عنه
عفيف بن سالم وأبو غسان، كان ممن يخطىء. قاله ابن حبان في (الثقات) ".
فهذا راو رابع عنه، وهو أبو غسان، واسمه مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي،
لكن قوله: " ابن أبي حفص " إن لم يكن خطأ، ففيه فائدة جديدة، وهي أن أبا
حفص جد محمد بن عمر، وليس كنية أبيه كما هو صريح كلام ابن أبي حاتم المتقدم.
والله أعلم. وجملة القول: أن محمد بن أبي حفص الأنصاري هذا معروف برواية
هؤلاء الثقات الأربعة عنه، فمثله يستشهد به، بل كان يمكن القول بأنه يحتج به
في مرتبة من يحسن حديثه، لولا قول ابن حبان فيه: " كان ممن يخطىء "، فالحديث
عندي حسن لغيره لأن له شاهدا من حديث أبي أيوب الأنصاري به أتم منه، رواه أحمد
وغيره، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (1975) كما ذكرت لحديث الترجمة هناك
مصادر أخرى، وقع فيها اسم الأنصاري هكذا: " محمد بن أبي جعفر "، فذهب وهلي
إلى أنه غير الذي ترجمته هنا، وكان ذلك مني خطأ على خطأ بعض الرواة،
فالاعتماد على ما ذكرت هنا، وهو مما لم أسبق إليه فيما علمت، فإن أصبت فمن
الله، وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمني، والله أسأل أن يعفو عني،
ويغفر لي ذنبي.(6/142)
2568 - " إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته ".
أخرجه مسلم (6 / 4) وأبو عوانة في " صحيحه " (4 / 400) وأحمد (4 / 86
و87 - 88 و 89) ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (1803) من طرق عن
المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن جابر بن سمرة مرفوعا وفي
رواية للطبراني ومن طريقه الخطيب في " تاريخه " (10 / 38) من طريق حاتم بن
إسماعيل عن المهاجر بن مسمار به بلفظ: " إذا أنعم الله عز وجل على عبد [نعمة
] فليبدأ ... " الحديث. (تنبيه) : سقطت من مطبوعة الطبراني لفظة " نعمة "،
وهي ثابتة في مخطوطة الظاهرية (1 / 191 / 1) وكذا في " تاريخ بغداد ".
2569 - " إذا صنع خادم أحدكم طعاما فولي حره ومشقته فليدعه فليأكل معه، فإن لم يدعه
فليناوله منه ".
أخرجه أحمد (2 / 483) : حدثنا سريج قال: حدثنا فليح عن أيوب بن عبد الرحمن
بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند
حسن رجاله موثقون كلهم على ضعف في فليح، وقد صح من طرق أخرى بنحوه فانظر: "
إذا أتى أحدكم خادمه.. " رقم (1285) ومن ألفاظه: " إذا صنع لأحدكم خادمه
طعاما ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام
مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ".(6/143)
أخرجه مسلم (5 / 94) وأبو
داود (2 / 149) وأحمد (2 / 277) عن داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي
هريرة مرفوعا. (مشفوها) فسره ما بعده (قليلا) قال في " النهاية ": "
المشفوه: القليل، وأصله الماء الذي كثرت عليه الشفاه حتى قل ". وله شاهد
من حديث جابر يرويه أبو الزبير أنه سأل جابرا عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة
والحر، فقال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه فإن كره أحد أن يطعم
معه فليطعمه أكلة في يده. أخرجه أحمد (3 / 346) : حدثنا موسى حدثنا ابن
لهيعة عن أبي الزبير به. قال الحافظ في " الفتح " (9 / 478) بعد أن عزاه
لأحمد: " وإسناده حسن ". قلت: ابن لهيعة سيىء الحفظ، وقد توبع، فأخرجه
البخاري في " الأدب المفرد " (30) : حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا مخلد بن
يزيد قال: أنبأنا ابن جريج قال: حدثني أبو الزبير به. وهذا سند صحيح على
شرطه في الصحيح. وابن جريج وابن الزبير مدلسان، لكنهما قد صرحا بالتحديث.
2570 - " إذا لبست نعليك فابدأ باليمنى وإذا خلعت فابدأ باليسرى وليكن اليمنى أول ما
تنتعل، واليسرى آخر ما تحفى، ولا تمش في نعل واحد، اخلعهما جميعا أو
البسهما جميعا ".
رواه أبو عمر بن منده في " المنتخب من الفوائد " (265 / 2) عن عتاب بن(6/144)
بشير
عن خصيف عن محمد بن عجلان، قال عتاب: ثم لقيت محمد بن عجلان فحدثني به عن أبي
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن في الشواهد،
خصيف - وهو ابن عبد الرحمن الجزري - ضعفه أحمد وغيره، وعتاب بن بشير ومحمد
بن عجلان ثقتان، في حفظهما ضعف لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن إن شاء الله
تعالى. وقد توبع، فقال أحمد (2 / 245) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه مالك في " الموطأ " (3 / 105) عن
أبي الزناد به. ومن طريقه أخرجه ابن حبان (5431 - الإحسان) وكذا البخاري
ومسلم (6 / 153) وله طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه، تقدم أحدها برقم (1117)
. واعلم أن ما في هذا الحديث من الأدب في الانتعال، والتفريق بين البدء به
والخلع، هو مما غفل عنه أكثر المسلمين في هذا الزمان لغلبة الجهل بالسنة،
وفقدان المربين للناس عليها، وفيهم بعض من يزعم أنه من الدعاة إلى الإسلام،
بل وفيهم من يقول في هذا الأدب: إنه من القشور، وتوافه الأمور! فلا تغتر
بهم أيها المسلم، فإنهم - والله - بالإسلام جاهلون، وله معادون من حيث
يشعرون أو لا يشعرون، وقديما قيل: من جهل شيئا عاداه. ومن عجيب أمرهم أنهم
يطنطنون في خطبهم ومحاضراتهم بوجوب تبني الإسلام كلا لا يتجزأ، فإذا بهم أول
من يكفر بما إليه يدعون، وإن ذلك لبين في أعمالهم وأزيائهم، فتراهم أو ترى
الأكثرين منهم لا يهتمون بالتزيي بزي نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإنما
بالتشبه بحسن البنا وأمثاله: لحية قصيرة، وكرافيت (عقدة العنق) ، وبعضهم
تكاد لحيتهم تكون على مذهب العوام في بعض البلاد: " خير الذقون إشارة تكون "!
مع تزييه بلباس أهل العلم، العمامة والجبة، وقد تكون كالخرج، وطويلة
الذيل كلباس النساء! فإنا لله وإنا إليه راجعون.(6/145)
2571 - " إذا ملك الرجل المرأة لم تجز عطيتها إلا بإذنه ".
أخرجه الطيالسي (ص 299 رقم 2667) : حدثنا حماد حدثنا حبيب المعلم عن عمرو ابن
شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وهذا سند حسن. وورد بلفظ: "
لا يجوز لامرأة "، وقد مضى برقم (825) مع بعض الشواهد. ثم وجدت له شاهدا
قويا آخر، وكان ذلك من دواعي إعادته هنا، وهو ما أخرجه عبد الرزاق في "
مصنفه " (9 / 125 / 16607) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " لا يجوز لامرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها إذا هو ملك
عصمتها ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، فهو شاهد قوي لأحاديث الباب الموصولة
. ثم رواه عن رجل عن عكرمة مرسلا نحوه. واعلم أن هذا الحديث قد عمل به قوم من
السلف كما حكاه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 403) ورواه ابن حزم في "
المحلى " (8 / 310 - 311) عن أنس بن مالك وأبي هريرة وطاووس والحسن
ومجاهد، قال: " وهو قول الليث بن سعد، فلم يجز لذات الزوج عتقا، ولا حكما
في صداقها، ولا غيره إلا بإذن زوجها، إلا الشيء اليسير الذي لابد لها منه في
صلة رحم، أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل ". ثم ذكر أقوال العلماء الآخرين مع
مناقشة أدلتهم، واختار هو جواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها. وساق
في تأييد ذلك بعض الأحاديث الصحيحة كحديث ابن عباس الذي فيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم أمر النساء في خطبة العيد بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي الخاتم
والخرص والشيء. ولا حجة في شيء من ذلك، لأنها وقائع أعيان يحتمل كل منها
وجها لا(6/146)
يتعارض مع حديث الترجمة، وما في معناه عند إمعان النظر، فتأمل معي
إلى حديث ابن عباس هذا مثلا، فإن فيه التصريح بأن تصدقهن كان تنفيذا لأمر
النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فرض أنهن لم يكن مأذونا لهن بالتصدق من أزواجهن
، بل فرض نهيهم إياهن عن الصدقة، ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم بها، فهل من
قائل بأن نهيهم مقدم على أمره صلى الله عليه وسلم، مع أنه لا نهي منهم، كل ما
في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يتصدقن بغير إذن أزواجهن،
فإذا أمرهن بالتصدق في مناسبة ما، فلا شك حينئذ أن هذا الأمر يكون مخصصا
لنهيهم، هذا لو فرض تقدمه على الأمر ولا دليل على ذلك. والحقيقة أن ابن حزم
معذور فيما ذهب إليه لأنه هو الأصل الذي تدل عليه النصوص التي ذكرها، ولو أن
حديث الترجمة وما في معناه صح عنده لبادر إلى العمل بها لأنها تضمنت زيادة حكم
على الأصل المشار إليه. ولكنه رحمه الله أعل الحديث بأنه صحيفة منقطعة.
وهذا خلاف ما عليه جماهير علماء الحديث، وفي مقدمتهم الإمام أحمد من الاحتجاج
بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه موصول، وأما جوابه عنه بأنه لو
صح منسوخ فقد عرفت الجواب عنه، ثم كيف ينسخ الجزء الكل، أي الخاص العام؟! ثم
إن هذا الحديث جهله وتجاهله جل الدعاة اليوم الذين يتحدثون عن حقوق المرأة في
الإسلام، ليس لأنه ترجح لديهم مذهب المخالفين له، بل لأن هذا المذهب يوافق ما
عليه الكفار، فيريدون تقريب الإسلام إليهم بأنه جاء بما يوافقهم في تصرف
المرأة في مالها، وهم يعلمون أن ذلك لا ينفعهم فتيلا، لأنهم يسمحون لها أن
تتصرف أيضا في غير مالها، فهي تزوج نفسها بنفسها، بل وأن تتخذ أخدانا لها!!
وصدق الله العظيم إذ يقول: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع
ملتهم) * (البقرة: 120) .(6/147)
2572 - " إذا رأى أحدكم من أخيه ومن نفسه ومن ماله ما يعجبه فليبركه، فإن العين حق
".
أخرجه الحاكم (4 / 215) وأحمد (3 / 447) من طريق وكيع بن الجراح بن مليح:
حدثنا أبي عن عبد الله بن عيسى عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن
عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل قال: فانطلقا
يلتمسان الخمر، قال: فوضع عامر (كذا في " المسند " وفي " المستدرك ": "
سهل " وهو الصواب) جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه، فأصبته بعيني، فنزل
الماء يغتسل، قال، فسمعت له في الماء قرقعة، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني
، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر
إلى بياض ساقيه، قال: فضرب صدره بيده ثم قال: " اللهم أذهب عنه حرها وبردها
ووصبها ". قال: فقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وفيه نظر، فإن أمية بن هند
أورده الذهبي في " الميزان "، وقال: " قال ابن معين: لا أعرفه، قلت: روى
عنه سعيد بن أبي هلال وغيره ". ولم يذكر توثيقه عن أحد، وقد وثقه ابن حبان
(4 / 41 و 6 / 70) ، فهو مجهول الحال، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": "
إنه مقبول ". يعني لين الحديث إلا إذا توبع، ولم أجد له متابعا في هذا
الحديث.(6/148)
وقد أخرجه الحاكم أيضا، والنسائي في " اليوم والليلة " (211
و1033) وعنه ابن السني (202) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 57 / 3646
) وعنه أبو يعلى (13 / 152 / 7195) من طريق عمار بن رزيق عن عبد الله بن
عيسى. لكن الحديث صحيح، فقد وجدت له طريقا أخرى، أخرجه ابن قانع في ترجمة
سهل بن حنيف من كتابه " معجم الصحابة "، وابن السني أيضا (201) كلاهما من
طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل حدثنا
مسلمة بن خالد الأنصاري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعا بلفظ: "
ما يمنع أحدكم إذا رأى.. " الحديث. ومسلمة هذا مجهول كما قال الذهبي في "
الميزان "، وبقية رجاله رجال مسلم على ضعف في الحماني. وأخرجه الإمام مالك
(3 / 118 - 119) وعنه ابن حبان في " صحيحه " (1424 - موارد) عن محمد بن
أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بـ (
الخرار) فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، وكان سهل رجلا أبيض حسن
الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء! قال:
فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا
وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبر سهل بالذي كان من أمر عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علام
يقتل أحدكم أخاه! ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له "، فتوضأ له عامر، فراح
سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس. وهذا إسناد صحيح.(6/149)
ثم أخرجه
هو وابن ماجه (2 / 356) وأحمد (3 / 487) من طريق الزهري عن أبي أمامة به
نحوه، وليس فيه: إن العين حق. وفيه بيان صفة اغتسال عامر، وعند أحمد صفة
الصب على سهل. وهو صحيح أيضا وقد روى التبريك من فعله عليه السلام فانظر: (
كان إذا خاف) ، والجملة الأخيرة من الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة،
ولها شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم (1248 - 1251) ، وانظر الحديث الآتي (2576
) . والحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 94 - 101) من طرق عن
ابن شهاب الزهري به. وله عنده طريقان آخران عن أبي أمامة، أحدهما من طريق
مسلمة المتقدمة عند أبي يعلى.
2573 - " ارملوا بالبيت ليرى المشركون قوتكم ".
أخرجه أحمد (1 / 373) : حدثنا روح حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن أيوب بن
جبير عن ابن عباس: أن قريشا قالت: إن محمدا وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب
، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم العام الذي اعتمر فيه قال لأصحابه:
فذكره، فلما رملوا قالت قريش: ما وهنتهم. هذا سند صحيح على شرط مسلم. وقد
علقه البخاري في " صحيحه " (5 / 86) عن حماد بن سلمة به نحوه، وتابعه حماد
بن زيد عن أيوب به نحوه، ولفظه: " وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن
يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين ليري المشركين جلدهم، فقال
المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا!
".(6/150)
وفي " المسند " (1 / 305) طريق آخر رواه عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل (مر الظهران) في عمرته بلغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف! فقال أصحابه: لو
انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه أصبحنا غدا حين ندخل على
القوم وبنا جمامة، قال: " لا تفعلوا ولكن اجمعوا إلي من أزوادكم "، فجمعوا
له وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتى تولوا (1) ، وحثا كل واحد منهم في جراب، ثم
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد - وقعدت قريش نحو الحجر -
فاضطبع بردائه ثم قال: " لا يرى القوم فيكم غمزة "، فاستلم الركن ثم دخل حتى
إذا تغيب عن الركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضون
بالمشي، إنهم لينقزون نقز الظباء، ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة، قال أبو
الطفيل: وأخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع
. وسنده صحيح على شرط مسلم أيضا. وأخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (3 /
3 / 1) من الوجهين. ورواه مسلم (4 / 64) من طريق الجريري عن أبي الطفيل
نحوه. وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 315) . ثم روى من طريق عطاء عن ابن
عباس قال: " إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليري
المشركين قوته ". (فائدة) : قد يقول قائل: إذا كان علة شرعية الرمل إنما هي
إراءة المشركين قوة المسلمين، أفلا يقال: قد زالت العلة فيزول شرعية الرمل؟
والجواب: لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل بعد ذلك في حجة الوداع كما
جاء في حديث جابر الطويل وغيره مثل حديث ابن عباس هذا في رواية أبي الطفيل
المتقدمة. ولذلك قال ابن حبان في " صحيحه " (6 / 47 - الإحسان) :
_________
(1) كذا الأصل، وكذا في " جامع المسانيد " (31 / 32) و " مجمع الزوائد " (
3 / 278) والظاهر أن المراد: انصرفوا وقد شبعوا، وزاد حتى حثها كل واحد.
اهـ.(6/151)
" فارتفعت
هذه العلة، وبقي الرمل فرضا على أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم
القيامة ".
2574 - " استعينوا بالنسل، فإنه يقطع عنكم الأرض وتخفون له ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 255 / 1) : حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد
الوهاب بن عبد المجيد حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح، ثم اجتمع إليه المشاة من أصحابه وصفوا له
، وقالوا: نتعرض لدعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: اشتد علينا
السفر. وطالت الشقة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
ففعلنا ذلك وخفنا له، وذهب ما كنا نجد ".
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 /
400 / 1880) من طريق أخرى عن عبد الوهاب به.
ثم رواه من طريق ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد به نحوه، ولفظه: " عليكم
بالنسلان ". قال: فنسلنا فوجدناه أخف علينا.
وهو صحيح أيضا، وقد مضى بتخريج آخر (465) .
وقد وجدت له شاهدا بإسناد لا بأس به في الشواهد من حديث عبد الله بن عمرو
مختصرا بلفظ: " اشتدوا ".(6/152)
رواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه "
(2 / 15 / 2) عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "
شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم العيا، فقال: " فذكره. وقد روي الحديث
من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " اربطوا أوساطكم بأرديتكم،
وعليكم بالهرولة ". وهو مخرج في الكتاب الآخر (2734) .
و (النسل) و (النسل) و (النسلان) : الإسراع في المشي.
2575 - " اشربوا فإني أيسركم، قاله للصائمين في السفر ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 70 / 2) : حدثنا وهب بن بقية: أنبأنا خالد
عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم
على نهر من ماء وهو على بغل، والناس صيام، والمشاة كثير، فقال: " اشربوا
"، فجعلوا ينظرون إليه، فقال: فذكره، فجعلوا ينظرون إليه، فحول وركه،
فشرب وشرب الناس ". ثم رواه (78 / 2) : حدثنا زهير حدثنا عبد الصمد بن عبد
الوارث: حدثني أبي حدثنا الجريري به بلفظ: " قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم على نهر من ماء السماء، والناس صيام في يوم صائف، وهم مشاة ورسول
الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، فقال: " اشربوا أيها الناس "، قالوا:
نشرب يا رسول الله؟ ! قال: فقال:(6/153)
" إني لست مثلكم، إني أيسر منكم، إني
راكب ". فأبوا، فثنى نبي الله صلى الله عليه وسلم فخذه، فنزل فشرب وشرب
الناس، وما كان يريد أن يشربه. قلت: وإسناده صحيح من الوجهين، والجريري
هو أبو مسعود سعيد بن إياس البصري، ثقة من رجال الشيخين، وكان قد اختلط،
لكن لم يكن اختلاطه فاحشا كما قال ابن حبان، ولعله لذلك أخرج له الشيخان.
والحديث أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 21) : حدثنا يزيد: أنبأنا أبو مسعود
الجريري به نحوه. ويزيد هذا هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة أيضا من رجال
الشيخين، لكن قول المعلق على " مسند أبي يعلى " (2 / 338) : إنه قديم السماع
من الجريري، وهم محض، لمخالفته لما في " التهذيب " عن العجلي: " روى عنه في
الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك.. و.. " إلخ. وإنما صححنا حديثه لما
ذكرته آنفا. والله أعلم.
2576 - " أصدق الطيرة الفأل، والعين حق ".
أخرجه أحمد (2 / 289) : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس
قال: سئل أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطيرة في ثلاث
: في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: إذا أقول على رسول الله صلى الله عليه
وسلم [ما لم يقل؟! ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، يقول:
فذكره. وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر وشيخه محمد بن قيس. كما في " التقريب
". والزيادة من " المسند " تحقيق أحمد شاكر (14 / 266 - 267) .(6/154)
لكن للحديث
طريق أخرى، يرويه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن حية حدثه عن أبيه عن أبي هريرة
به نحوه. أخرجه أحمد أيضا (5 / 70) وفي إسناده جهالة واضطراب بينته في "
الضعيفة " (4804) . وفي " الصحيحين " و " المسند " (2 / 266) من طريق أخرى
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طيرة،
وخيرها الفأل. قيل: يا رسول الله: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها
أحدكم ". ولهذا شاهد من حديث أنس عند الشيخين تقدم تخريجه برقم (786) .
وأما جملة " العين حق " فهي مستفيضة إن لم تكن متواترة، وقد تقدم تخريج الكثير
الطيب من طرقها، فانظر الأحاديث (781 و 1248 - 1251) . وللجملة الأولى شاهد
يرويه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (97 / 288) بسند صحيح عن الأعمش
عن حبيب بن أبي ثابت عن عقبة بن عامر الجهني قال: سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن الطيرة؟ قال: " أصدقها الفأل، ولا ترد مسلما.. " الحديث. وحبيب
بن أبي ثابت مدلس، ونحوه الأعمش، لكن تابعه سفيان عن حبيب، لكنه قال: عن
عروة بن عامر. أخرجه أبو داود (3919) والبيهقي (8 / 139) . قلت: وعروة
بن عامر هو القرشي، ويقال الجهني المكي، مختلف في(6/155)
صحبته، وقوله في " عمل
اليوم ": (عقبة) أظنه محرفا من بعض النساخ. وعلى الصواب ذكره شيخ الإسلام
ابن تيمية في آخر كتابه " الكلم الطيب " دون أن يعزوه لأحمد، وكنت عزوته في
التعليق عليه لأبي داود، والأولى أن يعزى لابن السني لأن لفظه مطابق للفظه.
والله أعلم. وأخرجه عبد الرزاق (10 / 406 / 19512) عن معمر عن الأعمش أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا صحيح معضل.
2577 - " أفما يسرك إذا أدخلك الله الجنة أن تجده على باب من أبوابها فيفتحه لك. يعني
ابنه الصغير ".
رواه ابن سعد (7 / 32 - 33) : أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا
عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن معاوية بن قرة عن عمه أنه كان
يأتي النبي بابنه فيجلسه بين يديه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " تحبه
؟ " قال: نعم حبا شديدا، قال: ثم إن الغلام مات، فقال له النبي صلى الله
عليه وسلم: " كأنك حزنت عليه؟ " قال: أجل يا رسول الله، قال: فذكره. قال
: بلى، قال: " فإنه كذلك إن شاء الله ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات
رجال الشيخين، لكن رابني منه قوله: " عن عمه "، وقد تبادر لذهني أول الأمر
أنه لعله محرف من " عن أبيه "، فإنه هكذا في " المسند " و " سنن النسائي "
بإسنادين عن معاوية بن قرة، وكلاهما أصح من هذا. ولكن يبدو أنه لا تحريف،
فإن ابن سعد أورده في ترجمة (أخو قرة بن إياس) فالظاهر أنه وهم من بعض رواته
، وهو من أحد العبدين: ابن جعفر، أو ابن عمير، فإن كلاهما كان تغير حفظه.
ثم إن لفظ الحديث عند النسائي في إحدى روايتيه أتم، فراجعه إن شئت في " أحكام
الجنائز " (ص 162) .(6/156)
2578 - " ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ أن
تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في
الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق
، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد
لله، مثل ذلك ".
هذا الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي: صدي بن عجلان مرفوعا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، وله عنه طرق. الأولى: عن ابن عجلان عن مصعب بن محمد بن
شرحبيل عن محمد بن سعد بن زرارة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو
يحرك شفتيه فقال: " ماذا تقول يا أبا أمامة؟ " قال: أذكر ربي. قال: ...
فذكره. أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 166) وابن حبان في "
صحيحه " (2331 - مواد الظمآن) والروياني في " مسنده " (30 / 221 / 1)
والطبراني في " المعجم الكبير " (8122) لكن في إسناده خلط! قلت: وهذا إسناد
حسن رجاله ثقات على الخلاف المعروف في محمد بن عجلان. الثانية: عن سالم بن
أبي الجعد قال: حدثني أبو أمامة به نحوه. أخرجه الحاكم (1 / 513) ومن
طريقه البيهقي في " الدعوات " (رقم 132) وأحمد (5 / 249) وقال الحاكم: "
صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.(6/157)
الثالثة: عن مجاهد
بن رومي مثل الرواية الأولى. أخرجه الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (ق 78
/ 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص 117) وفي " فوائده " (ق 166 / 1)
والطبراني في " الدعاء " (1743) . قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، رجال
الشيخين غير مجاهد هذا، وقد وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في " الثقات " (7
/ 499) . الطريق الرابعة: عن المعتمر بن سليمان: سمعت ليثا عن عبد الكريم بن
أبي المخارق عن أبي عبد الرحمن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا نحوه، إلا أنه قال
: (الحمد لله) مكان (سبحان الله) . أخرجه الروياني (30 / 220 / 2)
والطبراني في " الكبير " (7930) وفي " الدعاء " (1744) وزاد في آخره: "
تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك ". وكذلك رواه ابن عساكر (8 / 150 / 1) إلا
أنه ذكر في آخره التسبيح أيضا. وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف كان قد
اختلط، وقول الهيثمي في " المجمع " (10 / 93) أنه مدلس فمن أوهامه. وابن
أبي المخارق ضعيف. وخالف معتمر أبو إسرائيل فقال: عن ليث عن يزيد بن الأصم
عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ... فخالف في الإسناد، وجعله من مسند أبي
الدرداء. وأبو إسرائيل ضعيف واسمه (إسماعيل بن خليفة الملائي) . الطريق
الخامسة: عن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن الوليد(6/158)
ابن العيزار عن أبي
أمامة به مطولا، ذكر فيه التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وختمهن بقوله
: " قلهن يا أبا أمامة وعلمهن عقبك، فإنهن أفضل من ذكرك الليل مع النهار
وذكرك النهار مع الليل ". أخرجه البيهقي برقم (131) . والحسن بن أبي جعفر
ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب "
بنحو حديث الترجمة وأتم منه، وقال: (2 / 253) : " رواه أحمد وابن أبي
الدنيا واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما "
باختصار، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه الطبراني بإسنادين
أحدهما حسن.. ".
2579 - " أفي القوم أبي؟ ".
رواه الحربي في " الغريب " (5 / 184 / 2) : حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا وكيع عن
سفيان عن سلمة عن ذر عن ابن أبزى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أغفل
آية، فلما صلى قال: أفي القوم أبي؟ فقال أبي: آية كذا نسخت أم نستها؟ قال
: " بل أنسيتها ". قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير
أحمد بن جعفر - وهو الضرير الوكيعي - وهو حافظ ثقة له ترجمة في " تاريخ بغداد
" (4 / 58 - 59) .(6/159)
ورواه أئمة آخرون، وهو مخرج في " صفة الصلاة "، وإنما
أخرجته هنا لعزة هذا المصدر. وفي الحديث دلالة واضحة على جواز الفتح على
الإمام إذا ارتج عليه في القراءة، وما في بعض المذاهب أن المقتدي إذا أراد أن
يفتح على إمامه ينبغي عليه أن ينوي القراءة! فهو رأي يغني حكايته عن رده!
2580 - " أقبلت مع سادتي نريد الهجرة، حتى دنونا من المدينة، قال: فدخلوا المدينة
وخلفوني في ظهرهم، قال: فأصابني مجاعة شديدة، قال: فمر بي بعض من يخرج من
المدينة فقالوا لي: لو دخلت المدينة فأصبت من ثمر حوائطها، فدخلت حائطا فقطعت
منه قنوين، فأتاني صاحب الحائط، فأتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأخبره خبري، وعلي ثوبان، فقال لي: " أيهما أفضل؟ "، فأشرت له إلى أحدهما
، فقال: " خذه "، وأعطى صاحب الحائط الآخر وخلى سبيلي ".
أخرجه أحمد (5 / 223) : حدثنا ربعي بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن
إسحاق -: حدثنا أبي، عن عمه وعن أبي بكر بن زيد بن المهاجر أنهما سمعا
عميرا مولى أبي اللحم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات
معروفون غير عم إسحاق، وهو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري،
فلم أعرفه، ولا يخدج ذلك في السند، لأنه مقرون بأبي بكر بن زيد بن المهاجر،
وهذا ثقة من رجال مسلم، واسمه محمد، وكنيته أبو بكر كما جزم بذلك الحافظ
ابن حجر في(6/160)
" تعجيل المنفعة " (ص 469) خلافا لابن أبي حاتم، فإنه ذكر في "
الجرح والتعديل " (4 / 2 / 342) عن أبيه أن محمد بن زيد بن المهاجر هو أخو
أبي بكر هذا. والله أعلم. والحديث أخرجه البيهقي (10 / 3) من طريق أخرى
عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن عمير، فأسقط من السند أبا بكر هذا وقرينه
عم إسحاق بن عبد الله. وأخرجه الحاكم (4 / 132) من طريق ثالثة عن عبد الله
موصولا، لكن وقع في سنده شيء من التحريف، لا أدري هو من الطابع أم من بعض
الرواة، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ولولا أن في عبد
الرحمن هذا بعض الضعف من قبل حفظه لحكمت على الحديث بالصحة، فهو حسن فقط.
والله أعلم. من فقه الحديث: فيه دليل على جواز الأكل من مال الغير بغير إذنه
عند الضرورة، مع وجوب البدل. أفاده البيهقي. قال الشوكاني (8 / 128) : "
فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد، وعلى أن الحاجة
لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته، ولو
كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه، فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب
النخل ". ومن هنا يتبين خطأ الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه " النظام
الاقتصادي في الإسلام "، فإنه أباح فيه (ص 20 - 21) للفرد إذا تعذر عليه
العمل ولم تقم(6/161)
الجماعة الإسلامية بأوده " أن يأخذ ما يقيم به أوده من أي مكان
يجده، سواء كان ملك الأفراد أو ملك الدولة، ويكون ملكا حلالا له، ويجوز أن
يحصل عليه بالقوة، وإذا أخذ الجائع طعاما يأكله أصبح هذا الطعام ملكا له "!
ووجه الخطأ واضح جدا، وذلك من عدة نواح، أهمها معارضته للحديث، فإنه لم
يملك الجائع ما أخذه من الطعام ما دام يجد بدله. ومنها أن المحتاج له طرق
مشروعة لابد له من سلوكها كالاستقراض دون فائدة، وسؤال الناس ما يغنيه شرعا،
ونحو ذلك من الوسائل الممكنة. فما بال الشيخ - عفا الله عنه - صرف النظر عنها
، وأباح للفرد أخذ المال بالقوة دون أن يشترط عليه سلوك هذه الطرق المشروعة؟
! ولست أشك أنه لو انتشر بين الناس رأي الشيخ هذا لأدى إلى مفاسد لا يعلم
عواقبها إلا الله تعالى.
2581 - " اقرأ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ".
رواه الحربي في " غريب الحديث " (5 / 142 / 2) : حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن
حميد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري، ومسدد هو
ابن مسرهد، وقد خولف في إسناده بحيث يتبين أنه من مراسيل أنس رضي الله عنه،
لكن مراسيل الصحابة صحيحة كما هو مقرر في علم المصطلح، وبخاصة أنه قد ثبت أنه
تلقاه عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام أحمد (5 / 114
) : حدثنا يحيى بن سعيد به.. عن أنس أن أبيا قال: " ما حك في صدري شيء منذ
أسلمت إلا أني قرأت آية.. " فذكر الحديث.(6/162)
قلت: وتمامه كما في النسائي (1 /
150) من طريق آخر عن يحيى: وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه
وسلم! فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله! أقرأتني آية كذا
وكذا؟ قال: نعم، وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: " نعم، إن
جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن
يساري، فقال جبريل عليه السلام: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده
استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف ". وقد سبق تخريجه برقم (843
) ، وقد رواه الإمام ابن جرير الطبري أيضا في مقدمة " تفسيره " (رقم 26 و 27
) من طرق أخرى عن حميد الطويل به. ورواه هو وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن
حميد به، إلا أنه أدخل بين أنس وأبي عبادة بن الصامت! وأظن أن ذلك من أوهام
ابن سلمة لمخالفته لرواية الثقات المتقدمة عن حميد. وله شاهد من رواية علي بن
زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه نحوه، وزاد: " ما لم يختم آية عذاب
برحمة، أو آية رحمة بعذاب، كقولك: (هلم) و (تعال) ". أخرجه ابن جرير (
40) والطحاوي في " المشكل " (4 / 191) وأحمد (5 / 51) وعلي بن زيد -
وهو ابن جدعان - ضعيف من قبل حفظه، لكن هذه الزيادة صحيحة، لأن لها شاهدا من
طريق أخرى عن أبي صحيحة، سبق ذكرها وتخريجها في الموضع المشار إليه آنفا.(6/163)
وفي ذلك بيان أن المراد بالسبعة أحرف سبع لغات في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف
الألفاظ واتفاق المعاني، كما شرحه وبينه بيانا شافيا الإمام الطبري في مقدمة
تفسيره، كما أوضح أن الأمة ثبتت على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية،
وأنه ليس هناك نسخ ولا ضياع، وأن القراءة اليوم على المصحف الذي كان عثمان
رضي الله عنه جمع الناس عليه، في كلام رصين متين، فراجعه، فإنه مفيد جدا.
2582 - " اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء
واتخذوها مسجدا. قالوا: إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف؟ فقال: مدوه
من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيبا ".
أخرجه النسائي (8 / 1 المساجد - 11 باب) وابن حبان (98 / 304 - موارد) من
طريق عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: " خرجنا وفدا
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة
لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة
وأمرنا، فقال: فذكره. فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا
مكانها واتخذناها مسجدا، فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيء
فلما سمع الأذان قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد ". قلت
: إسناده صحيح، ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (4 / 23) والحربي في " غريب
الحديث " (5 / 141 / 2 و 156 / 2) من الوجه المذكور مختصرا.(6/164)
2583 - " التمسوا الساعة التى ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس ".
رواه الترمذي (رقم 489) والحسن بن شقيق في " المنتقى من الأمالي " (42 / 2
) وابن عدي (300 / 2 و 325 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 176 -
177) عن محمد بن حميد عن موسى بن وردان عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال ابن
عدي: " محمد بن حميد - ويقال: حماد بن أبي حميد - حديثه مقارب، وهو مع
ضعفه يكتب حديثه ". وقال في الموضع الآخر: " لا يرويه عن موسى غير محمد بن
أبي حميد، ومحمد لين ". قلت: نعم هو لين، ولكنه قد توبع، ولعل الترمذي
أشار إلى ذلك بقوله عقبه: " حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي عن أنس عن
النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه ". والمتابع هو ابن لهيعة، أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 258 / 747) وفي " الأوسط " (1 / 10 /
135 - بترقيمي) من طريق يحيى بن بكير: حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان به،
وزاد في آخره: " وهي قدر هذا يعني: قبضته ". وقال الطبراني:(6/165)
" لم يروه
عن موسى إلا ابن لهيعة ". قلت: ومن الطرائف أن قوله هذا مردود بقول ابن عدي
المتقدم وروايته، كما أن قول ابن عدي مردود بقول الطبراني وروايته، وجل من
أحاط بكل شيء علما. ثم إن الحديث عندي حسن بمجموع الطريقين، ثم إنه يرتقي إلى
درجة الصحة بحديث جابر رضي الله عنه مرفوعا نحوه أتم منه، رواه أبو داود
وغيره، وصححه جمع، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (963) .
2584 - " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها
ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ".
رواه البخاري (2 / 224 - 225 و 4 / 264 و 7 / 5 و 160) ومسلم (4 / 119)
ومالك (3 / 87) وابن حبان (6 / 15 / 3716 - الإحسان) وأحمد (6 / 56 و 65
و221 - 222 و 260) من حديث عروة عن عائشة قالت: لما قدم رسول الله صلى
الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا
أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول
: كل امرىء مصبح في أهله، والموت أدنى من شراك نعله. وكان بلال إذا أقلع
عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول، وفي رواية لأحمد:(6/166)
تغنى فقال: ألا ليت شعري
هل أبيتن ليلة، بواد وحولي إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة، وهل
يبدون لي شامة وطفيل. قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخبرته، فقال: فذكره. زاد أحمد في رواية: قال: فكان المولود يولد بالجحفة
، فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. والسياق لأحمد، وسنده صحيح على شرط
الستة. وله عنده (6 / 239 - 240) طريق أخرى عنها. وسنده حسن. (فائدة)
: الجحفة: بضم الجيم قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة، وكانت تسمى
(مهيعة) كما في " القاموس ". وقد كان سكانها في ذلك الوقت اليهود، ولم
يكن بها مسلم، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل حمى المدينة
إليها كما قال ابن حبان، ونحوه في " شرح مسلم " للنووي.
2585 - " اللهم اغفر لحذيفة ولأمه ".
رواه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 60) : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله
ابن محمد بن إسحاق الأذرعي حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن
حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان قال: " أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فلما فرغ صلى، فلم يزل يصلي حتى
صلى العشاء ثم خرج، فتبعته، قال: من هذا؟ قلت: حذيفة، قال: فذكره ".(6/167)
ورواه ابن عساكر (4 / 147 / 2) من طريق أبي يعلى: نبأنا أبو عبد الرحمن
الأذرعي به، ومن طريق أحمد: أنبأنا حسين بن محمد: نبأنا إسرائيل به. قلت:
وهو في " المسند " (5 / 391) : حدثنا حسين بن محمد به أتم منه. ثم أخرجه
أحمد (5 / 404) والحاكم (1 / 312 - 313) من طريق زيد بن الحباب به مختصرا
ليس فيه حديث الترجمة، ورواية الحاكم مختصرة جدا ليس فيها إلا الصلاة بين
المغرب والعشاء. وهكذا رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1194) من هذا الوجه،
وعزاه المنذري في " الترغيب " (1 / 205) للنسائي بإسناد جيد. هكذا أطلق
العزو للنسائي، وهو إنما أخرجه في " السنن الكبرى / المناقب " (5 / 80 - 81
) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو من
أوهامهما، فإن ميسرة بن حبيب ليس من رجالهما، وهو ثقة. والحديث أخرجه
الترمذي في " المناقب " (9 / 338 / 3783) من طريق أخرى عن إسرائيل مثل رواية
" المسند " عن حسين بن محمد، وابن نصر في " قيام الليل " (ص 33) أخصر منه.
وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ". قلت: هو
ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، تكلم فيه بغير حجة كما في "
التقريب "، فالإسناد صحيح.
2586 - " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر
أهلها النساء ".
أخرجه مسلم (8 / 88) والترمذي (2605) وأحمد (1 / 224) من(6/168)
طريق أيوب عن
أبي رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس يقول: قال محمد صلى الله عليه وسلم
: فذكره. وتابعه حماد بن نجيح سمعه من أبي رجاء به. أخرجه أحمد (1 / 234)
والسهمي في " تاريخ جرجان " (47) وقرن مع حماد صخر بن جويرية بلفظ: "
المساكين " مكان " الفقراء "، والمعنى واحد، وله شاهد كما يأتي قريبا.
ورواه البخاري (6541) والترمذي أيضا (2606) وابن حبان (7412 - الإحسان)
وأحمد (4 / 429) من طريق عوف بن أبي جميلة عن أبي رجاء عن عمران مرفوعا به.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وهكذا يقول عوف: عن أبي رجاء عن عمران بن
حصين، ويقول أيوب: عن أبي رجاء عن ابن عباس. وكلا الإسنادين ليس فيهما
مقال، ويحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعا، وقد روى غير عوف أيضا هذا
الحديث: عن أبي رجاء عن عمران بن حصين ". قلت: وهذا هو الراجح، أن أبا
رجاء يرويه عن ابن عباس، وعن عمران فإنه ثقة حجة، وقد تابعه مطرف عن عمران
عند أحمد (4 / 443) . ويشهد للحديث ما رواه أبو عثمان عن أسامة بن زيد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها
المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون، إلا أصحاب النار، فقد أمر بهم إلى
النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء ".(6/169)
أخرجه البخاري (5196 و 6547) ومسلم أيضا، وابن حبان (7413) وأحمد (5 / 205 و 209) .
وروي الحديث عن ابن عمرو أيضا بإسناد ضعيف فيه لفظة منكرة، وهي: " الأغنياء
والنساء "، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (2800) .
2587 - " أفضل الصدقة المنيحة، تغدو بعساء وتروح بعساء ".
رواه الخطابي في " غريب الحديث " (106 / 2) عن الحميدي: أخبرنا سفيان أخبرنا
أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " قال الحميدي: (
العساء) العس الكبير ". قال الخطابي: " ولم أسمعه إلا في هذا الحديث،
والحميدي من أهل اللسان، ورواه ابن المبارك فقال: " تغدو برفد، وتروح برفد
"، وكان ذلك شاهدا لقول الحميدي، لأن الرفد: القدح الكبير، وأول الأقداح
الغمر، وهو الذي لا يبلغ الري، ثم القعب، وهو قدر ري الرجل، ثم القدح،
وهو يروي الاثنين والثلاثة، ثم العس، يعب فيه الجماعة، ثم الرفد، أكبر منه
، ثم الصحن، أكبر منه، ثم التبن،، وهو أكبرها، ثم أكبر منها الجنبة،
تعمل من جنب البعير ". وهكذا في النسخة المطبوعة من " الغريب " (1 / 507 -
508) ، ونقل ابن الأثير منه إلى قوله: " من أهل اللسان "، وقال عقبه: "
ورواه أبو خيثمة، ثم قال: أو قال: " بعساس " كان أجود، فعلى هذا يكون جمع (
العس) ، أبدل الهمز من السين ". والحديث في " مسند الحميدي " (1061) بهذا
السياق، إلا أنه وقع فيه: " بعس " في الموضعين، وذكر المعلق عليه أن الأصل
(نفس) .(6/170)
قلت: ولعل الأصل (بعساء) ، فلم يحسن الناسخ قراءته، ثم صححه
المعلق من بعض المصادر الحديثية، فإن الحديث رواه أحمد (2 / 242) بإسناد
الحميدي، فقال: حدثنا سفيان بإسناده، لكن بلفظ: " إلا رجل يمنح أهل بيت
ناقته تغدو بعس، وتروح بعس، إن أجرها لعظيم ". وهكذا أخرجه مسلم (3 / 88
) من طريق زهير بن حرب: حدثنا سفيان بن عيينة به. وأخرجه البخاري (2629
و5608) من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: " نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة،
الشاة الصفي منحة، تغدو بإناء، وتروح بآخر ". ورواه أحمد (2 / 358 و 483
) نحوه من طريق آخر، وزاد: " ومنيحة الناقة كعتاقة الأحمر، ومنيحة الشاة
كعتاقة الأسود ". وهي زيادة منكرة فيها من لا يعرف حاله، وانظر ترجمة عبد
الله بن صبيح في " تيسير انتفاع الخلان " يسر الله لي إتمامه. (اللقحة) :
الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة. (الصفي) : أي الكريمة الغزيرة
اللبن.
2588 - " أصلاتان معا؟! قاله لرجل يصلي والمؤذن يقيم ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (283 / 1) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي
هريرة قال:(6/171)
" رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي، والمؤذن يقيم،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد،
رجاله ثقات معروفون غير عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير شيخ أبي يعلى. أورده
ابن أبي حاتم (3 / 1 / 54) وقال: " روى عن علي بن مسهر وعبد الله بن عطاء
الطائي. روى عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني ". ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 421) وقال: " من أهل
الموصل، كنيته أبو نصر.. حدثنا عنه الحسن بن إدريس ". قلت: وروى عنه غيره
أيضا، وأخرج له ابن حبان في " صحيحه " ثمانية أحاديث كلها من رواية أبي يعلى
عنه، وأحدها مقرون بـ (الحسن بن إدريس) . ويشهد للحديث ويقويه حديث ابن
بحينة قال: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي
والمؤذن يقيم، فقال: " أتصلي الصبح أربعا؟! ". أخرجه مسلم (2 / 154) وفي
رواية له عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي وقد أقيمت
صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو؟ فلما انصرفنا أحطناه نقول: ماذا قال
لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال لي: " يوشك أن يصلي أحدكم الصبح
أربعا؟! ". وكذا رواه أبو عوانة (2 / 37 - 38) وابن ماجه (رقم 1153)
والبيهقي (2 / 481) . ورواه البخاري (663) نحو الرواية الأولى.(6/172)
وله شواهد
أخرى عند ابن خزيمة في " صحيحه " (1124 - 1126) وابن حبان (441) والبزار
في " مسنده " (1 / 245 / 503 و 517 و 518) .
2589 - " اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ".
أخرجه الطبراني (3 / 164 / 2) وعنه أبو علي الصواف في " الفوائد " (3 / 166
- 167) ورواه الضياء في " المختارة " (226 / 2) بإسنادين عن شبل بن عباد عن
سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه سكب للنبي صلى الله عليه
وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما خرج قال: من وضع لي وضوئي؟ قالت: ابن
أختي يا رسول الله، قال: فذكره. قال الضياء: " قصدنا من هذا الحديث: "
وعلمه التأويل "، وأما قوله: " فقهه في الدين " فقد أخرج في الصحيحين " (1) .
ثم أخرجه هو (233 - 234) والبيهقي في " الدلائل " (ج2 باب ما جاء في دعائه
لابن عباس) وأحمد (1 / 266 و 314 و 328 و 335) من طريق عبد الله بن عثمان
بن خثيم عن سعيد بن جبير به. وكذا أخرجه الطبراني (3 / 84 / 2) وسنده صحيح
على شرط مسلم. ثم قال الضياء: " ولم يخرجا: " وعلمه التأويل "، وهذه
زيادة حسن ". قلت: وصححه الحاكم (3 / 534) ووافقه الذهبي.
_________
(1) قلت: البخاري في " الوضوء " (باب 10) ومسلم (7 / 158) من طريق أخرى
بلفظ: " اللهم فقهه في الدين "، وفي رواية للبخاري في " الفضائل ": " اللهم
علمه الكتاب "، وفي أخرى ".. علمه الحكمة "، وصححه الترمذي (3824) .
وهو مخرج في " الروض النضير " (395) . اهـ.(6/173)
ثم أخرجه
الطبراني في " الكبير " (3 / 89 / 1 - 2) و " الصغير " أيضا (ص 112 - هند)
من طريق داود بن أبي هند عن ابن جبير به. وله في " الكبير " طريق آخر عن ابن
عباس، فقال (3 / 113 / 2) : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار أخبرنا أبي
أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم أخبرنا ورقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عنه
مرفوعا. وتقدم له طريق رابع بلفظ: " اللهم أعط ابن عباس الحكمة ... ".
والجملة الثانية أخرجها الطبراني (3 / 144 / 1) من طريق شبيب عن عكرمة عن ابن
عباس مرفوعا. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذا التمام، وقد عزاه في " شرح
الطحاوية " (ص 234) للبخاري، وهو وهم، كما كنت نبهت عليه في تخريج الحديث
هناك، وقد ذكرت ثمة أن الإمام أحمد رواه من طريق أخرى بلفظ آخر، ذكرت طرفا
منه، والآن أرى أن أسوقه بتمامه لأن فيه فائدة فقهية، قل من يعرفها ويعمل
بها، وهو التالي.
2590 - " ما شأني (وفي رواية: ما لك) أجعلك حذائي فتخنس؟! ".
أخرجه الحاكم (3 / 534) والرواية الثانية والزيادة الآتية بين المعقوفتين
له، وأحمد (1 / 330) والسياق له عن حاتم بن أبي صغيرة أبي يونس عن عمرو بن
دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم [وهو يصلي من آخر الليل] فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه،
فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست،(6/174)
فصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي.. فذكره، فقلت: يا رسول الله! أو ينبغي
لأحد أن يصلي حذاءك، وأنت رسول الله الذي أعطاك الله، قال: فأعجبته، فدعا
الله لي أن يزيدني علما وفهما، زاد أحمد: " قال: ثم رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ، ثم أتاه بلال فقال: يا رسول الله!
الصلاة. فقام فصلى ما أعاد وضوءا ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "
. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال الهيثمي (9 / 284) : " رواه أحمد،
ورجاله رجال الصحيح "، والجملة الأخيرة في الدعاء له، قد جاءت من طرق أخرى
بأتم منها، وقد سبق ذكرها قبل هذا الحديث. وفيه فائدة فقهية هامة، قد لا
توجد في كثير من الكتب الفقهية، بل في بعضها ما يخالفها، وهي: أن السنة أن
يقتدي المصلي مع الإمام عن يمينه وحذاءه، غير متقدم عليه، ولا متأخر عنه،
خلافا لما في بعض المذاهب أنه ينبغي أن يتأخر عن الإمام قليلا بحيث يجعل أصابع
رجله حذاء عقبي الإمام، أو نحوه، وهذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح،
وبه عمل بعض السلف، فقد روى الإمام مالك في " موطئه " (1 / 154) عن نافع أنه
قال: " قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري،
فخالف عبد الله بيده، فجعلني حذاءه ". ثم روى (1 / 169 - 170) عن عبيد الله
بن عبد الله بن عتبة أنه قال: دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة، فوجدته يسبح
، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء (يرفأ) تأخرت
فصففنا وراءه.(6/175)
وإسناده صحيح أيضا. بل قد صح ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم
في قصة مرض وفاته حين خرج وأبو بكر الصديق يصلي الناس، فجلس صلى الله عليه
وسلم حذاءه عن يساره، (مختصر البخاري / 366) ، ومن تراجم البخاري (57 -
باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين) . انظر المختصر (10 -
كتاب الأذان) والتعليق عليه. تنبيه: تقدم حديث الترجمة برقم (606) فقدر
إعادته هنا بفوائد زائدة، والخيرة فيما اختاره الله.
2591 - " أليس قد صام بعده رمضان وصلى بعده ستة آلاف ركعة، وكذا وكذا ركعة لصلاة
السنة؟ ".
رواه البيهقي في " الزهد " (73 / 2) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن طلحة
بن عبيد الله: أن رجلين من بلي - وهو حي من قضاعة - قتل أحدهما في سبيل
الله، وأخر الآخر بعده سنة ثم مات، قال طلحة: فرأيت في المنام الجنة فتحت،
فرأيت الآخر من الرجلين دخل الجنة قبل الأول، فتعجبت. فلما أصبحت ذكرت ذلك،
فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن كان أبو سلمة سمع من طلحة، فقد نفى سماعه
منه ابن معين وغيره، لكن الحديث صحيح لما له من الشواهد يأتي الإشارة إلى
بعضها. وقد أخرجه ابن ماجه (3925) وابن حبان (2466) من طريق محمد بن
إبراهيم التيمي عن أبي سلمة به أتم منه.(6/176)
وكذا رواه أحمد (1 / 161 - 162
و163) ، فظننت أن (محمد بن عمرو) الذي في إسناد " الزهد " وهم، ثم ظهر أنه
رواية، فقد رأيت الإمام أحمد أخرجه (2 / 333) من طريقه عن أبي سلمة عن أبي
هريرة به، ثم من طريقه عن أبي سلمة عن طلحة.. وسنده عن أبي هريرة حسن كما
قال المنذري في " الترغيب " (1 / 142) . ويشهد له حديث عامر بن سعد بن أبي
وقاص قال: سمعت سعدا وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون:
فذكره أتم منه. أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (310) والحاكم (1 / 200)
وأحمد (1 / 177) من طريق مخرمة عن أبيه عنه، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد،
ولم يخرجاه، والعلة فيه أن طائفة من أهل مصر ذكروا أن مخرمة لم يسمع من أبيه
لصغر سنه،.. وأثبت بعضهم سماعه منه ". قلت: والراجح أن روايته عن أبيه
وجادة من كتاب أبيه، وهي حجة، ولعل مالكا رحمه الله أشار إلى ذلك حينما روى
الحديث في " الموطأ " (1 / 187) بلاغا، فقال: إنه بلغه عن عامر بن سعد به،
إلا أنه لم يذكر: " وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
2592 - " إن أبي وأباك في النار ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " (3552) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا
أبو كريب حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن عن
عمران بن الحصين قال: جاء حصين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت
رجلا كان يصل الرحم، ويقري(6/177)
الضيف مات قبلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره: فما مضت عشرون ليلة حتى مات مشركا. قلت: وهذا إسناد رجاله
كلهم ثقات غير العباس بن عبد الرحمن، وهو مولى بني هاشم، لا يعرف إلا برواية
داود عنه كما في " تاريخ البخاري " (4 / 1 / 5) و " الجرح والتعديل " (3 /
211) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، وقول الحافظ في "
التقريب ": " مستور " سهو منه لأنه بمعنى: " مجهول الحال "، وذلك لأنه نص
في المقدمة أن هذه المرتبة إنما هي في " من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق ".
قلت: وذهل عنه الهيثمي، فقال في " المجمع " (1 / 117) : " رواه الطبراني
في " الكبير "، ورجاله رجال (الصحيح) "! وذلك لأن العباس هذا لم يخرج له
الشيخان، ولا بقية الستة، وإنما أخرج له أبو داود في " المراسيل " و "
القدر "، وحديثه في " المراسيل " يشبه هذا في المعنى، فقد أخرجه فيه (برقم
508) من طريق داود أيضا عنه قال: جاء رجل إلى العباس فقال: أرأيت الغيطلة -
كاهنة بني سهم - في النار مع عبد المطلب؟ فسكت: ثم قال: أرأيت الغيطلة..،
فوجأ العباس أنفه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر وإن كان حقا؟! " وكذا
رواه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 24 - 25) بأتم منه. والحديث أخرجه
الجورقاني (1) في " الأباطيل والمناكير " (1 / 235) من
_________
(1) اختلفوا في ضبطه اختلافا كثيرا، هل هو بالراء أم بالزاي؟ وهل هو بفتح
الجيم أم بالضم. انظر الحاشية على " السير " (20 / 178) . اهـ.(6/178)
طريق أخرى عن داود بن
أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - على أن من مات في الجاهلية
مشركا فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس، وبخاصة
الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن
سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار.
فلما قفى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1 / 132 -
133) وأبو عوانة (1 / 99) وأبو داود (4718) والجورقاني (1 / 233)
وصححه، وأحمد (3 / 268) وأبو يعلى (6 / 229 / 3516) وابن حبان (578 -
الإحسان) والبيهقي (7 / 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن
أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: " حيثما مررت بقبر كافر
فبشره بالنار ". فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن
مما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم لما زار قبر أمه: " استأذنت
ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي..
" الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188)
من حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب
كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة.(6/179)
واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس
اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما
فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن فيهم من يظن
أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث
ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى
الله عليه وسلم الذي قالها إن صدقوا بها. وهذا - كما هو ظاهر - كفر بواح، أو
على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه
يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به،
إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه،
فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في
ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة
، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم
كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم
لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم - المشفق على دينه
أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار
بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها
وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: * (ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين.
الذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 1 - 3) وقوله: * (وما كان لمؤمن ولا
مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم..) * (الأحزاب
: 36) ، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما -
وأحلاهما مر -: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وإما تكذيب رواتها
الثقات كما تقدم.(6/180)
وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث
أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا وعنه - في بعض
رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم،
وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما
، فكأنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن
في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله
عليه وسلم أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع باطل عند
أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني،
وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير "
للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1 / 222 - 229) وقال ابن
الجوزي في " الموضوعات " (1 / 284) : " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه
قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن
يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله
تعالى: * (فيمت وهو كافر) *، وقوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح) : "
استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ". ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة
ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد
المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322) : " كثيرا
ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك
مناف للمحبة الشرعية. والله المستعان ". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي
عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما
تقدم، وحاول في كتابه " اللآلىء "(6/181)
(1 / 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث
الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا
يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق
عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى
العلماء. ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث
الترجمة إعراضا مطلقا، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم
وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم
أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن
المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد
، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديما جدا في رسالة له في حديث
الإحياء - طبع الهند - ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره،
فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض
عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير "
و" زيادته " و " الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله
المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ
البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث:
" خرجت من نكاح غير سفاح "، قال عقبه: " وأبواه كانا مشركين، بدليل ما
أخبرنا.. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه
صلى الله عليه وسلم.(6/182)
2593 - " أما شعرت أني أمرتهم بأمر فهم يترددون، ولو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت
ما سقت الهدي ولا اشتريته حتى أحل كما حلوا ".
أخرجه إسحاق ابن راهويه في " مسنده " (4 / 126 / 2) : أخبرنا النضر ووهب
قالا: حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن علي بن حسين عن ذكوان مولى عائشة عن
عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع ليال خلون أو خمس
من ذي الحجة في حجته وهو غضبان، فقلت: يا رسول الله من أغضبك أدخله الله
النار؟! فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه
مسلم (4 / 33 - 34) وأحمد (6 / 175) والبيهقي (5 / 19) من طرق أخرى عن
شعبة به. قلت: وهذا الحديث مثل أحاديث كثيرة ذكرها ابن القيم في " زاد
المعاد "، فيها كلها أمره صلى الله عليه وسلم المفردين والقارنين الذين لم
يسوقوا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، وآثرت هذا منها بالذكر ههنا لعزة مخرجه
الأول: " مسند إسحاق "، وحكاية عائشة غضبه صلى الله عليه وسلم بسبب تردد
أصحابه في تنفيذ الأمر بالفسخ، علما أن ترددهم رضي الله عنهم لم يكن عن عصيان
منهم، فإن ذلك ليس من عادتهم، وإنما هو كما قال راويه الحكم عند أحمد وغيره
: " كأنهم هابوا "، وذلك لأنهم كانوا في الجاهلية لا يعرفون العمرة في أيام
الحج كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: أنهم
رأوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل معهم، فظنوا أن في الأمر سعة فترددوا،
فلما عرفوا منه السبب وأكد لهم الأمر بادروا إلى تنفيذه رضي الله عنهم.(6/183)
وإذا
كان الأمر كذلك فما بال كثير من المسلمين اليوم - وفيهم بعض الخاصة - لا
يتمتعون، وقد عرفوا ما لم يكن قد عرفه أولئك الأصحاب الكرام في أول الأمر،
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأحاديث: " دخلت العمرة في الحج
إلى يوم القيامة "، ألا يخشون أن تصيبهم دعوة عائشة رضي الله عنها؟!
2594 - " أما كان فيكم رجل رحيم؟! ".
رواه الطبراني في " حديثه عن النسائي " (316 / 1) : أنبأنا محمد بن علي بن
حرب المروزي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن
عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم
رجل، فقال لهم: إني لست منهم، عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها نظرة
ثم اصنعوا بي ما بدا لكم، فنظروا فإذا امرأة طويلة أدماء فقال لها: أسلمي
حبيش قبل نفاذ العيش. أرأيت لو تبعتكم فلحقتكم بحلية أو أدركتكم بالخوانق أما
كان حق أن ينول عاشق تكلف إدلاج السرى والودائق؟ قالت: نعم فديتك، فقدموه
فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقفت عليه، فشهقت شهقة ثم ماتت، فلما قدموا على
رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال، فذكره. ثم رأيته في " السير
" للنسائي (2 / 47 / 1 - 2) بهذا السند، إلا أنه قال:
أرأيت إن تبعتكم فلحقتكم ... [بحلية أو أدركتكم] (1) بالخوانق
ألم يك حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق
_________
(1) زيادة من مطبوعة " السنن الكبرى " للنسائي (5 / 201) ومنه صححت بعض
الأخطاء.(6/184)
ومن طريقه أخرجه في " المعجم الكبير " أيضا (3 / 144
/ 2) وفي " الأوسط " (1 / 92 / 2 / 1688) والبيهقي في " دلائل النبوة " (
5 / 117 - 118) من طريق النسائي أيضا، وكذا ابن منده في " المعرفة " (2 /
89 / 2) وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به
محمد بن علي بن حرب ". قلت: وثقه النسائي، وروى عنه جمع، ومن فوقه من
رجال (الصحيح) ، إلا أن علي بن الحسين بن واقد روى له مسلم في " المقدمة "،
وهو صدوق يهم كما في " التقريب "، فالإسناد حسن كما قال الهيثمي في " المجمع
" (6 / 210) . وللقصة طريق أخرى عند البيهقي وابن منده، ولكن ليس فيها
حديث الترجمة.
2595 - " أما يكفيك في سبيل الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تصوم؟! ".
أخرجه أحمد (3 / 327) : حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد عن أبي
الزبير قال: سمعت جابرا يقول: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقلب
ظهره لبطنه، فسأل عنه؟ فقالوا: صائم يا نبي الله! فدعاه، فأمره أن يفطر
فقال: فذكره. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.(6/185)
وله طرق أخرى عن جابر بنحوه
في " الصحيحين " وغيرهما، وهي مخرجة في " الإرواء " (925) . وفي الحديث
دلالة ظاهرة على أنه لا يجوز الصوم في السفر إذا كان يضر بالصائم، وعليه يحمل
قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصيام في السفر " وقوله: " أولئك
هم العصاة "، وفيما سوى ذلك فهو مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر، وهذا خلاصة
ما تدل عليه أحاديث الباب، فلا تعارض بينها والحمد لله.
2596 - " أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة ".
رواه ابن ماجه (1 / 363) وأحمد (3 / 309 / 330) عن زائدة: حدثنا عبد الله
بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم لأبي بكر: أي حين توتر؟ قال: أول الليل بعد العتمة، قال: فأنت يا عمر
؟ فقال: آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا سند حسن
كما في " زوائد ابن ماجه " و " التلخيص " (4 / 237) وله شواهد تبلغ بها إلى
درجة الصحة، فمنها عن ابن عمر نحوه. أخرجه ابن ماجه، وابن نصر في " قيام
الليل " ص (116) والحاكم (1 / 1 - 3) عن محمد بن عباد المكي: حدثنا يحيى
بن سليم عن عبيد الله عن نافع عنه. وقال الحاكم: " إسناد صحيح ". ووافقه
الذهبي، وكذلك قال صاحب " الزوائد ". قلت: وهو على شرط الشيخين، فإن
رجاله كلهم من رجالهما. ورواه ابن ماجه، وابن حبان (673 - موارد) أيضا،
قال الحافظ: " وكذا البزار، وقال: " لا نعلم رواه عن عبيد الله بن عمر عن
نافع إلا يحيى(6/186)
ابن سليم "، قال ابن القطان: هو صدوق، فالحديث حسن ". وله
طريق أخرى ضعيفة عند البزار من حديث كثير بن مرة عن ابن عمر " (1) . قلت:
وإنما اقتصر على تحسينه لأن يحيى بن سليم وإن كان من رجال الشيخين فهو سيىء
الحفظ. ومنها عن أبي قتادة نحوه. أخرجه أبو داود (1 / 227) والحاكم من
طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن
رباح عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما
قالا. وأخرجه أيضا ابن خزيمة والطبراني، وله شواهد أخرى في أسانيدها ضعف،
فليراجعها من شاء في " التلخيص " و " المجمع " (2 / 245) .
2597 - " إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير [ما دمت
على ذلك] ".
رواه أبو إسحاق الحربي في " الغريب " (5 / 64 / 2) عن زهير بن محمد عن العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم
ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون، وأحلم ويجهلون، قال: فذكره. قلت:
ورجاله كلهم ثقات إلا أن زهير بن محمد - وهو أبو المنذر الخراساني - فيه ضعف من
قبل حفظه.
_________
(1) قلت: حديث ابن عمر هذا لم يورده الهيثمي في " كشف الأستار "، ولا في "
المجمع "، لا من هذه الطريق ولا التي قبلها. والله أعلم.(6/187)
وسلم بن قادم شيخ الحربي له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (9 /
145 - 146) وقال: إنه ثقة. وكذلك وثقه صالح بن محمد الأسدي، وقال ابن
معين: " ليس به بأس "، كما أسنده الخطيب عنهما. وقد أورده في " اللسان "،
ولم يزد في ترجمته على قوله: " قال ابن حبان في " الثقات ": يخطىء "، وهذا
قصور شديد! وقد توبع، فقال أحمد (2 / 484) : حدثنا عبد الرحمن عن زهير به
. وفيه الزيادة التي بين المعقوفتين ولا أدري إذا كانت ساقطة من الأصل: "
غريب الحديث "، أو سقطت في حين عنه نقلت، والراجح الأول. وهي على كل صحيحة
كأصل الحديث، فقد توبع عليه زهير. أخرجه مسلم (7 / 8) وأحمد (2 / 300)
من طريق شعبة قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن به مع الزيادة ثم أخرجه أحمد (2
/ 412) من طريق عبد الرحمن إبراهيم القاص قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن به
. (تسفهم) أي: تطعمهم. (المل) الرماد الحار.
2598 - " إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك
وتعالى جدك ولا إله غيرك. وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل:
اتق الله، فيقول: عليك بنفسك ".(6/188)
رواه أبو عبد الله بن منده في " التوحيد " (123 / 2) ومن طريقه الأصبهاني في
" الترغيب " (739) : أخبرنا محمد بن يعقوب بن يوسف: أبنا محمد بن إسحاق
الصغاني: أبنا أبو جعفر محمد بن سعيد الأنصاري: أبنا أبو معاوية محمد بن خازم
عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود
مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، محمد بن يعقوب هذا هو أبو العباس الأصم حافظ
ثقة، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم. وأبو جعفر محمد بن سعيد الأنصاري هو ابن
الأصبهاني الملقب (حمدان) ولم يذكروا في ترجمته أنه أنصاري. والله أعلم.
والحديث أخرجه البيهقي في " الشعب " (1 / 359 - هند) من طريق الحاكم عن أبي
العباس الأصم. ورواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (849) من طريق أخرى
عن محمد بن سعيد به.
2599 - " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله
يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ".
أخرجه أبو يعلى في " المسند " (4 / 1447 - 1448) وعنه ابن حبان (693 -
موارد) : حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرنا أبو
زرعة أخبرنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:....
فذكره. ثم قال أبو يعلى (4 / 1449) : حدثنا عقبة أخبرنا يونس به.(6/189)
وأخرجه
الحاكم (1 / 344) من طريق أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير به.
وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: يحيى وأحمد ضعيفان،
وليس يونس بحجة ". وأقول: الحق أن يونس هذا وسط، فحديثه يحتج به في مرتبة
الحسن، وقد صرح بذلك الذهبي نفسه في آخر ترجمته من " الميزان "، فقال: "
وقد أخرج مسلم ليونس في الشواهد، لا الأصول، وكذلك ذكره البخاري مستشهدا به،
وهو حسن الحديث ". فإعلال الحديث به مردود. ومثله يحيى بن أيوب وهو
البجيلي، فقد وثقه الجمهور، وتناقض فيه ابن معين، فمرة وثقه، وأخرى ضعفه
، وقال الحافظ: " لا بأس به ". وأما أحمد بن عبد الجبار، فقد تابعه شيخا
أبي يعلى أبو كريب - واسمه محمد بن العلاء -، وعقبة - وهو ابن مكرم البصري
- وكلاهما ثقة من شيوخ مسلم، فالإسناد حسن، وهو صحيح بالشواهد الآتية:
الأول: عن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده - وكان لجده صحبة - أنه خرج
زائرا لرجل من إخوانه، فبلغه شكاته، قال: فدخل عليه فقال: أتيتك زائرا
عائدا ومبشرا! قال: كيف جمعت هذا كله؟ قال: خرجت وأنا أريد زيارتك،
فبلغني شكاتك، فكانت عيادة، وأبشرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال: " إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في
جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه ".(6/190)
أخرجه أحمد (5 / 272) والسياق له، وأبو داود (3090) وابن سعد في "
الطبقات " (7 / 477) وكذا البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 73) وابن أبي
الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 69 / 1) والدولابي في " الكنى " (1 / 27
) (1) كلهم عن أبي المليح عن محمد بن خالد.. ومن هذا الوجه أخرجه أيضا أبو
يعلى، والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " كما في " الترغيب " (4 / 147)
وقال: " ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد ". قلت: يشير بذلك إلى أنه مجهول،
وذلك ما صرح به الحافظ ابن حجر في " التقريب "، ومثله ابنه محمد، فإنه لم
يرو عنه غير أبي المليح، وقال الذهبي في " الميزان ": " محمد بن خالد عن
أبيه عن جده أبي خالد السلمي، لا يدرى من هؤلاء، روى عنه أبو المليح الرقي "
. الثاني: عن حماد بن أبي حميد الزرقي عن أبي عقيل مولى الزرقيين عن عبد الله
بن إياس بن أبي فاطمة عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم جالسا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يصح فلا يسقم؟
قلنا: نحن يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه! وعرفناها
في وجهه، فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصيالة؟ قال: قالوا: يا رسول
الله لا. قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات؟ قالوا: بلى
يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله إن الله
ليبتلي ... الحديث.
_________
(1) وقع عنده " خلف السلمي "، وهو خطأ.(6/191)
أخرجه ابن سعد (7 / 508) والبخاري في " التاريخ " (4 /
1 / 266 - 267) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد هذا - وهو لقبه، واسمه
محمد - ضعيف. وأبو عقيل اسمه مسلم بن عقيل، وفي ترجمته ساقه البخاري،
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (4 / 1 / 190) .
وعبد الله بن إياس بن أبي فاطمة وأبوه لم أجد لهما ترجمة. وأما أبو فاطمة -
وهو الضمري كما في إسناد " التاريخ " - فذكره ابن حجر في " الإصابة " - القسم
الأول - وساق له هذا الحديث، ولم يزد! الثالث: عن جابر: حدثنا من سمع
بريدة الأسلمي يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أصاب رجلا من
المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين، إلا ليغفر الله له
من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفر له إلا بمثل ذلك، أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم
يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك ". أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا (ق 88 / 1 - 2) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل الذي حدث جابرا: فإنه لم يسم. وجابر،
وهو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، ولذلك أشار المنذري (4 / 147) إلى تضعيف
حديثه.
2600 - " إن بعضكم على بعض شهداء ".
أخرجه الطيالسي (2388) وأحمد (2 / 466 و 470) وأبو داود (3233)
والنسائي (2 / 273) من طرق عن إبراهيم بن عامر عن عامر بن سعد عن أبي هريرة
قال:(6/192)
مروا على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال:
وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا شرا، فقال: وجبت. ثم قال: فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، عامر بن سعد وهو البجلي، ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 186
) وخرج له مسلم في " الصحيح "، وروى عنه جمع من الثقات، وقد توبع كما يأتي
. وإبراهيم بن عامر، وهو ابن مسعود بن أمية بن خلف القرشي الكوفي ثقة بلا
خلاف. ثم أخرجه أحمد (2 / 261 و 498 و 528) وابن ماجه (1492) وابن حبان
(748) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به نحوه. وهذا
إسناد حسن. وللحديث شاهد صحيح من حديث أنس نحوه. أخرجه الشيخان وغيرهما من
طرق عنه. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 44 - 45) .
2601 - " آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا
ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا
ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من
هذه الشجرة لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم!
لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله
غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها
، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني
من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم
! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ - فيقول -: لعلي إن أدنيتك منها تسألني
غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه،
فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة
هي أحسن من(6/193)
الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من
مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها
؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له
عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب
أدخلنيها! فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا
ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فضحك ابن مسعود
، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب
العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إني لا أستهزئ
منك، ولكني على(6/194)
ما أشاء قادر. (وفي رواية: قدير) .
أخرجه مسلم (1 / 119 - 120) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 207) وأحمد (1
/ 410 - 411) وأبو يعلى (3 / 1235 - 1236) والطبراني في " الكبير " (3 /
48 / 2) من طرق عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس عن ابن مسعود أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والرواية الأخرى لأحمد والطبراني.
وفي رواية من طريق عبيدة عن عبد الله مرفوعا نحوه مختصرا، وفيه: " فقال له:
تمن. فيتمنى، فيقال له: لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا. قال: فيقول:
أتسخر بي وأنت الملك؟ ... " الحديث. أخرجه مسلم، وأحمد (1 / 378 - 379)
والترمذي (2 / 98) وصححه. (تنبيه) : دل قوله تعالى في آخر الحديث: "
ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة
الطحاوية " (ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: " يجيء في كلام بعض الناس: وهو
على ما يشاء قدير، وليس بصواب.. ". فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك
في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى: * (وهو على جمعهم إذا يشاء
قدير) * (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم
المشار إليه، والله أعلم.
2602 - " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة [ولا ينجيه من النار] ، قالوا: ولا أنت يا
رسول الله؟ قال: ولا أنا -[وأشار بيده هكذا على رأسه:]- إلا أن
يتغمدني الله منه بفضل ورحمة، [مرتين أو ثلاثا] [فسددوا وقاربوا] [
وأبشروا] [واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا] [
واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل] ".
ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبو هريرة وعائشة وجابر
وأبو سعيد الخدري وأسامة بن شريك.(6/195)
1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق:
الأولى: عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم. أخرجه البخاري (4 / 48) ومسلم (8 / 140) وأحمد (2 / 264)
والسياق لمسلم، وفيه عند البخاري الزيادة السابعة. الثانية: عن سعيد المقبري
عنه به، وفيه الزيادة السادسة. أخرجه البخاري (4 / 222) وأحمد (2 / 514
، 537) . الثالثة: عن بسر بن سعيد عنه به، وفيه بعض الزيادة الرابعة بلفظ:
" ولكن سددوا ". أخرجه مسلم (8 / 139) وأحمد (2 / 451) . الرابعة: عن
محمد بن سيرين عنه به. أخرجه مسلم، وأحمد (2 / 235 و 326 و 390 و 473 و 509
و524) . وفيه عند مسلم الزيادة الثانية، وعند أحمد الزيادة الأولى
والثانية والثالثة. الخامسة: عن أبي صالح عنه به، وفيه الزيادة الرابعة.
أخرجه مسلم، وابن ماجه (4201) وأحمد (2 / 344 و 495) . السادسة: عن
زياد المخزومي عنه. وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (2 / 256 و 473) .
السابعة: عن محمد بن زياد عنه. وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (2 / 385
- 386 و 469) وإسناده صحيح.(6/196)
الثامنة: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه.
وفيه الزيادة الرابعة والخامسة. أخرجه أحمد (2 / 482) وإسناده جيد في
المتابعات. التاسعة: عن أبي مصعب عنه. أخرجه أحمد (2 / 488) . العاشرة:
عن أبي سلمة عنه وفيه الزيادة الرابعة. أخرجه أحمد (2 / 503 و 509)
وإسناده حسن. 2 - وأما حديث عائشة، فيرويه موسى بن عقبة قال: سمعت أبا سلمة
بن عبد الرحمن ابن عوف يحدث عن عائشة به. وفيه الزيادة الرابعة والسابعة.
أخرجه البخاري (4 / 223) ومسلم (8 / 141) وأحمد (6 / 125) . 3 - وأما
حديث جابر، فله عنه طريقان: الأولى: عن أبي سفيان عنه أخرجه مسلم، وأحمد (
2 / 495 و 3 / 337 و 362) والدارمي (2 / 305) وفيه عنده الزيادة الرابعة.
الأخرى: عن أبي الزبير عنه، وفيه الزيادة الأولى. أخرجه مسلم، وأبو نعيم
في " صفة الجنة " (ق 9 / 1) . 4 - وأما حديث أبي سعيد، فيرويه عطية العوفي
عنه، وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (3 / 52) وعطية ضعيف، وقال
المنذري (4 / 200) :(6/197)
" رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه البزار والطبراني من
حديث أبي موسى والطبراني أيضا من حديث أسامة بن شريك، والبزار أيضا من حديث
شريك بن طارق بإسناد جيد ". قلت: وتحسينه لإسناد أحمد غير حسن لضعف عطية،
إلا إن كان يعني تحسينه لغيره، فهو مقبول. 5 - وأما حديث أسامة، فيرويه
المفضل بن صالح عن زياد بن علاقة عنه، وفيه الزيادة الثانية. أخرجه الطبراني
في " المعجم الكبير " (1 / 25 / 2) والمفضل هذا ضعيف أيضا. وفي الباب عن
جمع آخر من الصحابة، فمن شاء فليراجع " المجمع " (10 / 356 - 357) . واعلم
أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: * (
وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * ونحوها من الآيات والأحاديث
الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن
الباء في قوله في الحديث: " بعمله " هي باء الثمنية، والباء في الآية باء
السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا
لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات. قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: " ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى
الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، والإعراض
عن الأسباب بالكلية قدح(6/198)
في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن
المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات، بل لابد من ريح
مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط وزوال
الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال
الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل ولم يولد له، بل لابد من أن الله شاء خلقه
فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع
. وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكر الحديث) ، وقد قال تعالى: * (
ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) *. فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي
نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا. أي
ليس العمل عوضا وثمنا كافيا في دخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله
ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف الدرجات
. وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس: 1 - فريق آمنوا بالقدر وظنوا أن ذلك
كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة. وهؤلاء
يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه. 2 - وفريق أخذوا
يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر، متكلين على حولهم
وقوتهم وعملهم، وكما يطلبه المماليك. وهؤلاء جهال ضلال: فإن الله لم يأمر
العباد بما أمرهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به، ولكن
أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم. وهو سبحانه(6/199)
كما قال: " يا
عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ". فالملك إذا
أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم، وهم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم
فيطالبون بجزاء ذلك، والله تعالى غني عن العالمين، فإن أحسنوا أحسنوا
لأنفسهم، وإن أساءوا فلها. لهم ما كسبوا، وعليهم ما اكتسبوا، * (من عمل
صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) * ". انتهى كلام شيخ
الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " (8 / 70 - 71) ومثله في "
مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية (ص 9 - 10) و "
تجريد التوحيد المفيد " (ص 36 - 43) للمقريزي.
2603 - " اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور [مائة مرة] ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المسند " (2 / 71 / 1) : ابن فضيل وابن إدريس عن
حصين عن هلال بن يساف عن زاذان قال: أخبرنا رجل من الأنصار قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلاة.. فذكره، إلا أنه قال: "
أنت التائب أو التواب "، هكذا بالشك، ولعل الصواب ما أثبته في الأعلى، فقد
تابعه شعبة عن حصين به دون شك، وزاد: " مائة مرة "، إلا أنه قال: " في
صلاة "، بدل قوله: " في دبر الصلاة ". أخرجه أحمد (5 / 371) : حدثنا محمد
بن جعفر حدثنا شعبة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط
الشيخين غير هلال بن يساف وزاذان - وهو الكندي مولاهم الكوفي - وهما من رجال
مسلم.(6/200)
2604 - " الناس أربعة والأعمال ستة، فالناس: 1 - موسع عليه في الدنيا والآخرة،
2 - وموسع له في الدنيا مقتور عليه في الآخرة، 3 - ومقتور عليه في الدنيا
موسع عليه في الآخرة، 4 - وشقي في الدنيا والآخرة. والأعمال: 1 و 2 -
موجبتان، 3 و 4 - ومثل بمثل، 5 - وعشرة أضعاف، 6 - وسبعمائة ضعف. 1 و 2
- فالموجبتان: من مات مسلما مؤمنا لا يشرك بالله شيئا، فوجبت له الجنة. ومن
مات كافرا وجبت له النار. 3 و 4 - ومن هم بحسنة فلم يعملها، فعلم الله أنه
قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة. ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، ومن
عملها كتبت واحدة، ولم تضاعف عليه. 5 - ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها
. 6 - ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف ".
أخرجه أحمد (4 / 345) وابن حبان (31) عن شيبان بن عبد الرحمن،(6/201)
وابن أبي
شيبة في " مسنده " (2 / 38 / 2) عن زائدة عن الركين بن الربيع عن أبيه عن عمه
- وهو يسير بن عميلة - عن خريم بن فاتك الأسدي أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، والسياق لأحمد. قلت: وهذا إسناد صحيح، والربيع والد
الركين، وثقه ابن معين وغيره وهو مترجم في " الجرح والتعديل ". وخالفهما
المسعودي فقال: عن الركين بن الربيع عن رجل عن خريم ... أخرجه أحمد (4 / 321
) . والمسعودي ضعيف لاختلاطه. ومسلمة بن جعفر - من بجيلة - وسكت عنه،
وقال الذهبي: " قلت: ومسلمة تعبت عليه، فلم أعرفه ". قلت: ترجمه ابن أبي
حاتم (4 / 1 / 267) من روايته عن الركين بن الربيع وغيره. وعنه جمع، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع البخاري. وقال في " اللسان " (6 /
33) : " يجهل، وقال الأزدي: ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 /
180) . والجملة الأخيرة من الحديث أخرجها الحاكم أيضا من الوجه الأول، وقال
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأخرجها الترمذي أيضا والنسائي كما في
" الترغيب "، فراجع تعليقي عليه (2 / 156) .(6/202)
2605 - " ومن قعد فلا حرج. يقوله المؤذن في آخر أذانه في اليوم البارد ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المسند " (2 / 5 / 2) : أخبرنا خالد بن مخلد قال:
حدثني سليمان بن بلال قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم
بن الحارث (الأصل: بن نعيم بن الحارث) عن نعيم النحام - من بني عدي بن كعب -
قال: نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي، فقلت: ليت المنادي ينادي
ومن قعد فلا حرج، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت:
وهذا إسناد صحيح عزيز على شرط الشيخين. وأخرجه البيهقي (1 / 398) من طريق
ابن أبي أويس: حدثني سليمان بن بلال به، وزاد: " وذلك في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم في آخر أذانه ". وقال: " تابعه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد إلا
أنه قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج ". قلت:
هذه الزيادة رواها هشام بن عمار: حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين
حدثنا الأوزاعي به. أخرجه البيهقي. وهشام وعبد الحميد فيهما ضعف. وإلى
هذا يشير الهيثمي بقوله بعد أن ساقه بهذه الزيادة:(6/203)
" رواه الطبراني في الكبير
، ورجاله موثقون خلا شيخ الطبراني عبد الله بن وهيب الغزي (1) فلم أعرفه ".
ومما يؤكد ضعفها عدم ورودها في طرق الحديث الأخرى، فقال عبد الرزاق في " المصنف
" (1926) وعنه أحمد (4 / 220) : عن معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ قد سماه
عن نعيم بن النحام به نحوه دونها. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ الذي
لم يسم، وهو صحابي أو تابعي كبير، فإن عبيد بن عمير الراوي عنه من كبار
التابعين، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله الأول، فقد قال عبد
الرزاق (1927) عقبه: عن ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم بن
النحام به نحوه. دون الزيادة. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الحاكم (3 / 259)
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، بل هو على شرط
الشيخين إن كان ابن جريج سمعه من نافع ولم يدلس. لكن تابعه عمر بن نافع عن
نافع به. أخرجه ابن قانع كما في " الإصابة "، وقال في " الفتح " (2 / 98 -
99) : " أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح ". وخالف إسماعيل بن عياش
سليمان بن بلال في إسناده، فقال: حدثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن
يحيى بن حبان عن نعيم بن النحام ...
_________
(1) الأصل (العري) بالإهمال، والتصحيح من " المعجم الصغير " (1108 / الروض
النضير) و " الأوسط " وله فيه ثمانية أحاديث (4534 - 4542 بترقيمي) وشيخه
فيها (محمد بن المتوكل بن أبي السري العسقلاني) وفي الرواة عنه ذكره المزي
لكن باختلاف يسير، فقال: " وأبو العباس عبد الله بن محمد بن وهيب الجذامي
الغزي ". والمفروض أن يكون ابن عساكر ترجم له في " تاريخ دمشق " لكن في
النسخة خرم. والله أعلم.(6/204)
أخرجه أحمد. قلت: ورواية إسماعيل عن
المدنيين ضعيفة، وهذه منها، لاسيما وقد خالفه سليمان بن بلال وكذا
الأوزاعي كما تقدم، وتابعهما إبراهيم بن طهمان كما ذكر الحافظ رحمه الله
تعالى. (فائدة) : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين - مع
الأسف - وهي من الأمثلة التي بها يتضح معنى قوله تبارك وتعالى: * (وما جعل
عليكم في الدين من حرج) *، ألا وهي قوله عقب الأذان: " ومن قعد فلا حرج "،
فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان: " حي على الصلاة " المقتضى لوجوب إجابته
عمليا بالذهاب إلى المسجد والصلاة مع جماعة المسلمين إلا في البرد الشديد
ونحوه من الأعذار. وفي ذلك أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر: " أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول في أثره: " ألا صلوا في
الرحال ". في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر ". متفق عليه، ولم يذكر
بعضهم " في السفر " (1) وهي رواية الشافعي في " الأم " (1 / 76) وقال عقبه
: " وأحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه. وإن قاله في أذانه
فلا بأس عليه ". وحكاه النووي في " المجموع " (3 / 129 - 131) عن الشافعي،
وعن جماعة
_________
(1) وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 339 - 344) .(6/205)
من أتباعه، وذكر عن إمام الحرمين أنه استبعد قوله: " في أثناء
الأذان "، ثم رده بقوله: " وهذا الذي ليس ببعيد بل هو السنة، فقد ثبت ذلك
في حديث ابن عباس أنه قال لمؤذن في يوم مطير - وهو يوم جمعة -: " إذا قلت:
أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم ".
رواه الشيخان ". قلت: وهو مخرج في " الإرواء " أيضا (554) . ونقل الحافظ
في " الفتح " (2 / 98) عن النووي بعد أن حكى عنه جواز هذه الزيادة في الأذان
وآخره أنه قال: " لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان ". ولم أره في " المجموع "
. والله أعلم. واعلم أن في السنة رخصة أخرى، وهي الجمع بين الصلاتين للمطر
جمع تقديم، وقد عمل بها السلف، وفصلت القول فيها في غير ما موضع، ومن ذلك
ما سيأتي تحت الحديث (2837) وهذه الرخصة كالمتممة لما قبلها، فتلك والناس
في بيوتهم، وهذه وهم في المسجد والأمطار تهطل، فالرخصة الأولى أسقطت عنهم
فرضية الصلاة الأولى في المسجد، والرخصة الأخرى أسقطت عنهم فرضية أداء الصلاة
الأخرى في وقتها، بجمعهم إياها مع الأولى في المسجد. وصدق الله القائل: * (
ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) *.(6/206)
2606 - " كان يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: أنا أفرس بالخيل منك. فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال
منك! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وكيف ذاك؟ قال: خير الرجال رجال
يحملون سيوفهم على عواتقهم، جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من
أهل نجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، بل خير الرجال رجال أهل
اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة، ومأكول حمير خير من آكلها،
وحضرموت خير من بني الحارث، وقبيلة خير من قبيلة، وقبيلة شر من قبيلة،
والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما، لعن الله الملوك الأربعة: جمداء
ومخوساء ومشرخاء وأبضعة، وأختهم العمردة. ثم قال: أمرني ربي عز وجل أن
ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم. وأمرني أن أصلي عليهم، فصليت عليهم مرتين. ثم
قال: عصية عصت الله ورسوله غير قيس وجعدة وعصية (1) . ثم قال: لأسلم
وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة، خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند
الله عز وجل يوم القيامة. ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب،
وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول ".
_________
(1) كذا الأصل، وكذا في " جامع المسانيد " (10 / 19) و " المجمع "، ولم
يتبين لي وجه استثنائه بعد إثباته! . اهـ.(6/207)
أخرجه الإمام أحمد (4 / 387) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو حدثني
شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمرو بن عبسة السلمي قال:
فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. ثم رواه أحمد من طريق يزيد
بن يزيد بن جابر عن رجل عن عمرو بن عبسة به مختصرا دون قوله: " ثم قال: أمرني
ربي أن ألعن قريشا ... ". ورجاله ثقات. وأخرج منه ابن أبي خيثمة في "
التاريخ " (2 / 10 / - مخطوطة الرباط) من طريق أبي حمزة العبسي عن عبد الرحمن
بن جبير بن نفير وراشد بن سعد عن جبير بن نفير عن عمرو بن عبسة قوله: " لأسلم
وغفار ... " إلى آخره دون ذكر القبيلتين. ورجاله ثقات غير أبي حمزة العبسي
فلم أعرفه. ثم تبين أن الصواب (العنسي) بالنون الساكنة، واسمه عيسى بن
سليم الحمصي، وهو صدوق من رجال مسلم. والحديث أورده الهيثمي (10 / 43)
بتمامه وقال: " رواه أحمد متصلا ومرسلا والطبراني، ورجال الجميع ثقات ".
والقدر الذي أخرجه ابن أبي خيثمة له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به دون
قوله أيضا: " وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول ". أخرجه مسلم (7 / 179) .(6/208)
2607 - " لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا
في الطلب: أخذ الحلال وترك الحرام ".
أخرجه أبو عبد الله الرازي في " مشيخته " (ق 149 / 1 - مجموع 33) وابن حبان
في " صحيحه " (1084 و 1085 - موارد) والحاكم (2 / 4) والبيهقي في " السنن
" (5 / 264) من طرق عن عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد ابن
أبي هلال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي. قلت: وهو كما قالا، لولا ما يخشى من اختلاط سعيد بن أبي هلال، إلا
أن هذه الخشية غير واردة هنا لمجيء الحديث من طريق أخرى. فقد أخرجه ابن ماجه (
2144) والحاكم والبيهقي من طريقين عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ:
" إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها
الناس وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ". وقال الحاكم: " صحيح
على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: هو كما قالا، فقد أمنا تدليس أبي
الزبير وصاحبه بتصريحهما بالتحديث في رواية حجاج بن محمد: أخبرنا ابن جريج:
أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله به. أخرجه السلفي في " الطيوريات "،
وعلقه البيهقي.(6/209)
ولبعضه شاهد من حديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: " أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما كتب له منها ".
أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق الربيع بن سليمان: حدثنا عبد الله بن وهب:
أبنا سليمان بن بلال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن
سويد عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت:
وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن عبد الملك هذا لم يخرج له البخاري شيئا.
وتابعه هشام بن عمار: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي
عبد الرحمن به بلفظ: " لما خلق له منها ". أخرجه ابن ماجه (2142) والقضاعي
في " مسند الشهاب " (ق 60 / 2) ولم يقع عند ابن ماجه: " منها ". ثم وقفت
على متابع لابن أبي هلال، يرويه وهب بن جرير: حدثنا شعبة عن ابن المنكدر به:
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 156 و 7 / 158) عن إسحاق بن بنان: حدثنا
حبيش ابن مبشر: حدثنا وهب بن جرير به. وقال: " غريب من حديث شعبة، تفرد به
حبيش عن وهب ". قلت: وهب ثقة من رجال الشيخين. وحبيش ثقة من رجال " التهذيب ".(6/210)
وأما إسحاق بن بنان، فله ترجمة في " تاريخ بغداد " (6 / 390 - 391)
وروى عن الدارقطني أنه ثقة. فصح الإسناد والحمد لله.
2608 - " والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما. يعني لحم الذي استغاباه ".
أخرجه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (186) والضياء المقدسي في " المختارة
" (2 / 33 / 2) من طرق عن أبي بدر عباد بن الوليد الغبري: حدثنا حبان ابن
هلال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: " كانت
العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما،
فناما، فاستيقظا، ولم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم
نوم نبيكم صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: ليوائم نوم بيتكم) فأيقظاه فقالا
: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام
، وهما يستأدمانك. فقال: أقرهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما! ففزعا
، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك
نستأدمك، فقلت: قد ائتدما. فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي
نفسي (فذكره) قالا: فاستغفر لنا، قال: هو فليستغفر لكما ". قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري، قال أبو حاتم
وتبعه الحافظ: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وروى عنه جمع من
الحفاظ الثقات، وقد توبع، فقال الضياء عقبه: " وقد رواه عفان بن مسلم عن
حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن(6/211)
أبي يعلى: أن العرب كانت تخدم بعضهم
بعضا في الأسفار. فذكره. قيل: (الموائمة) : الموافقة، ومعناه أن هذا
النوم يشبه نوم البيت لا نوم السفر، عابوه بكثرة النوم ". وله شاهد مرسل في
" التوبيخ " (243) عن السدي، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن. والسند إليه
ضعيف.
2609 - " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ".
أخرجه أبو يعلى (1 / 29) وعنه ابن عدي (304 / 2) وابن حبان في " الضعفاء
" (2 / 155) وعبد بن حميد في " مسنده " (2 / 1) وأبو بكر المروزي في "
مسنده " (رقم 51 و 52) والبزار (ص 328) والحاكم (4 / 127) من طريق عبد
الواحد بن زيد عن أسلم الكوفي عن مرة الطيب عن زيد بن أرقم عن أبي بكر الصديق
مرفوعا. وفي رواية لأبي يعلى عنه عن فرقد السبخي عن مرة الطيب به. وقال
ابن عدي: " وقال البخاري: عبد الواحد بن زيد تركوه. وقال ابن معين: ليس
بشيء. وقال السعدي: ليس من معادن الصدق ". وقال النسائي: " ليس بثقة ".
ولذلك قال الهيثمي عقب الحديث في " الزوائد ": " عبد الواحد ضعيف جدا ".
وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 293) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني
في " الأوسط "، رجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم خلاف ".(6/212)
كذا قال! وقد عرفت
أن رجال أبي يعلى هم رجال البزار ولا فرق إلا في روايته الأخرى، فقد جعل عبد
الواحد شيخه فيها فرقدا السبخي مكان أسلم الكوفي في الرواية الأولى، ومدار
الروايتين على عبد الواحد وهو ممن لا خلاف في ضعفه، اللهم إلا عند ابن حبان
فإنه مع إيراده إياه في " الضعفاء " وقال فيه: " كان ممن يغلب عليه العبادة
حتى غفل عن الإتقان فكثرت المناكير في روايته فبطل الاحتجاج به ". ثم ساق له
هذا الحديث. أقول: فهو مع ذلك كله أورده في " الثقات " أيضا! قال الحافظ: "
فما أجاد ". أقول: فما أظن أن هذا هو البعض الذي قال الهيثمي: " فيه خلاف "
. نعم، يمكن أن يكون قصد به فرقدا، فإن فيه خلافا للجمهور من ابن معين ونحوه
، فإنهم ضعفوه، إلا ابن معين في رواية. وهب أن الراجح أنه ثقة فما فائدة ذلك
والراوي عنه هو عبد الواحد بن زيد؟! (تنبيه) : لفظ الحديث عند الحاكم وهو
رواية لابن عدي: " كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به ". قلت: ونحو ما
تقدم عن الهيثمي قول المنذري (3 / 15) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني
في " الأوسط " والبيهقي، وبعض أسانيدهم حسن ". قلت: فلعل التحسين المذكور
هو بالنسبة لإسناد " الأوسط " والبيهقي، فإني لست أطولهما.(6/213)
ثم رأيت الحديث
عند البيهقي في " شعب الإيمان "، فإذا هو عنده (2 / 173 / 2) من طريق عبد
الواحد بن زيد عن أسلم الكوفي به! فلم يبق إلا النظر في إسناد " الأوسط "،
وما أظنه إلا من هذا الوجه، فأرجو أن ييسر لي الوقوف عليه. لكن الحديث عندي
صحيح، فإن له شواهد، أقواها حديث جابر بن عبد الله يرويه عنه عبد الرحمن بن
سابط: حدثني جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" يا كعب بن عجرة! إنه لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به. يا
كعب بن عجرة ... " الحديث. أخرجه الدارمي (2 / 318) وابن حبان (1569
و1570) والحاكم (4 / 127) والبيهقي في " الشعب " (2 / 173 / 2) والسياق
له، ولأحمد (3 / 399 و 321) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عنه. قلت:
وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وقد صرح ابن سابط فيه بسماعه إياه من جابر،
ففيه رد لما جاء في ترجمته عن ابن معين أنه قال: لم يسمع منه. وله طريقان
آخران عن جابر. أحدهما عند البيهقي، والآخر عند الترمذي (1 / 119) وقال:
" حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ثم وقفت على إسناده في " المعجم الأوسط " (2
/ 65 / 1) فإذا هو فيه كما في " الشعب "!(6/214)
2610 - " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر
آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل ".
أخرجه مسلم (2 / 174 - 175) وأبو عوانة (2 / 317) والترمذي (456) وابن
ماجه (1 / 360) وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (4623) وابن نصر في " قيام
الليل " (ص 116) وابن الجارود في " المنتقى " (269) وابن خزيمة (1086)
والبيهقي (3 / 35) وأحمد (3 / 389) من طريق عبد الرزاق، كلهم عن الأعمش
عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وتابعه أبو الزبير عن جابر به نحوه. أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق
معقل بن عبيد الله عنه به. وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا
عن الرجل يوتر عشاء ثم يرقد؟ قال جابر: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 348) .
2611 - " 1 - أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه
عضوا منه، 2 - وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار،
يجزي كل عضو فيهما عضوا منه. 3 - وأيما امرأة مسلمة أعتقت امراة مسلمة كانت
فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها ".
أخرجه الترمذي (1 / 292) من طريق عمران بن عيينة - هو أخو سفيان -(6/215)
عن حصين عن
سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " حديث حسن صحيح غريب من
هذا الوجه ". ثم قال: " وفي الحديث ما يدل على أن عتق الذكور للرجال أفضل من
عتق الإناث لقوله صلى الله عليه وسلم: من أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار
، يجزي كل عضو منه عضوا منه. الحديث صح في طرقه ". قلت: لكن مدار جل طرقه
على سالم بن أبي الجعد، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه: الأول: هذا،
جعله من مسند أبي أمامة، وقد تفرد به عمران بن عيينة، وفيه كلام من قبل
حفظه، وقد أشار لذلك الحافظ بقوله: " صدوق له أوهام ". فتصحيح حديثه غير
مقبول، وحسبه التحسين إذا لم يخالف. الثاني: قال أبو داود الطيالسي في "
مسنده " (1198) : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سالم بن أبي الجعد عن
شرحبيل بن السمط قال: قيل لكعب بن مرة أو مرة بن كعب البهزي: حدثنا حديثا
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أبوك، واحذر، قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي (10
/ 272) . وأخرجه أبو داود في " سننه " (3967) والطحاوي في " المشكل " (1
/ 312) وأحمد (4 / 235) وعبد بن حميد في " المنتخب " (ق 56 - 57) من طرق
أخرى عن شعبة به. وعزاه الحافظ في " الفتح " (5 / 104) للنسائي، وقال:
" إسناده صحيح، ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة، وللطبراني من حديث عبد
الرحمن بن عوف، ورجاله ثقات ".(6/216)
قلت: لم أره في " صغرى النسائي " فلعله في "
الكبرى " له، وفي توثيق رجال الطبراني نظر يأتي بيانه. وكذا في قوله: "
إسناده صحيح "، إذا كان إسناده من الوجه المذكور، فقد أعله أبو داود عقب
إخراجه إياه بالانقطاع، فقال: " سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بـ (
صفين) ". ثم رأيته في " كبرى النسائي " (3 / 170 / 4883) من هذا الوجه.
وقد نقل الحافظ في " التهذيب " وفاته بصفين عن أبي داود، لكنه ذكر قبيله عن
صاحب " تاريخ حمص " أنه توفي بـ (سلمية) سنة (36) . وعن يزيد بن عبد ربه:
أنه مات سنة (40) وهذا أكثر ما قيل في وفاته، وهو الذي اعتمده ابن الأثير
في " أسد الغابة " فلم يذكر غيره. وإذا كان كذلك، وكان معلوما أن عليا رضي
الله عنه توفي سنة (40) أيضا، فإنه يؤيد الانقطاع الذي قاله أبو داود ما
نقله الحافظ أيضا في ترجمة سالم بن أبي الجعد عن أبي زرعة أنه قال: " سالم بن
أبي الجعد عن عمر، وعثمان، وعلي، مرسل ". وكذلك يؤيده ما نقله عن أبي
حاتم أنه قال: " سالم لم يدرك ثوبان ". مع أن ثوبان تأخرت وفاته إلى سنة (54
) . وبالجملة فالإسناد منقطع، فتصحيح الحافظ له هفوة منه، عفا الله عنا
وعنه. هذا، وقد تابع شعبة الأعمش، فقال أحمد (4 / 235) : حدثنا أبو معاوية
: حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة به، إلا أنه لم يذكر الفقرة الثالثة من حديث
الترجمة. وكذلك أخرجه ابن ماجه (2522) والطحاوي (1 / 311) من طريق أخرى
عن أبي معاوية. وقد تابعه سليم بن عامر عن شرحبيل بالفقرة الأولى، وقد سبق
تخريجه برقم (1756) وأخرجه النسائي (4885) .(6/217)
وله متابع آخر ذكرته هناك.
الثالث: قال قتادة: عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن
أبي نجيح السلمي مرفوعا به. إلا أنه لم يذكر الفقرة الثانية منه. أخرجه أبو
داود (3965) والنسائي في " الكبرى " (3 / 169 / 4879) والطحاوي (1 / 312
) والطيالسي (1154) وعنه البيهقي، وأحمد (4 / 113 و 384) عن هشام بن
أبي عبد الله عنه. وتابعه عبد الصمد عن قتادة به. وأبو نجيح اسمه عمرو بن
عبسة رضي الله عنه. أخرجه ابن حبان (1208) . قلت: وهذا إسناد متصل صحيح
على شرط مسلم، وهذا الوجه هو الأصح من كل الوجوه المتقدمة إن شاء الله تعالى
. وللفقرة الأولى والثانية شاهد من حديث أيوب عن أبي قلابة أن شرحبيل بن حسنة
قال: هل من رجل يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرو بن عبسة:
أنا. قال: اتق الله واحذر. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكرهما. إلا أنه قال في الفقرة الثانية: " ومن أعتق رقبتين فهما فداؤه.. "
. قال أيوب: فحسبته يعني امرأتين. أخرجه الطحاوي (1 / 313) . قلت:
وإسناده صحيح إن سلم من تدليس أبي قلابة، وما قاله أيوب تؤيده الروايات
السابقة، فإنها صريحة في ذلك. والله أعلم. وللحديث شاهد بفقراته الثلاثة
من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 /
16 / 2) : حدثنا عمرو بن(6/218)
إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي: حدثني
جدي إبراهيم بن العلاء: حدثني عمي الحارث بن الضحاك: حدثني منصور بن المعتمر
قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا به
في حديث له أوله: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الليل أسمع؟ ... "
. قال المنذري (3 / 62) : " رواه الطبراني، ولا بأس برواته، إلا أن أبا
سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه ". ونحوه قول الهيثمي (4 / 243) : "
رواه الطبراني، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله حديثهم حسن ".
ودونه قول الحافظ المتقدم: " ورجاله ثقات "! قلت: وفي ذلك نظر من وجوه: 1
- الانقطاع الذي صرح به المنذري ثم الهيثمي، وقد نقله الحافظ في " التهذيب "
عن جمع من الأئمة المتقدمين كأحمد وغيره. 2 - الحارث بن الضحاك لم أعرفه،
ولم أجد أحدا ترجم له، حتى ابن عساكر في " تاريخ دمشق "، بل ولم يذكره هو،
ولا المزي في شيوخ ابن أخيه إبراهيم بن العلاء بن الضحاك. 3 - عمرو بن إسحاق بن
إبراهيم بن العلاء، لم أجد له ترجمة أيضا، ولا في " التاريخ "، وإنما ذكره
في جملة الرواة عن جده إبراهيم بن العلاء.(6/219)
وفي الحديث فضيلة عتق العبيد،
وتفضيل عتق الذكر على عتق الأنثى، وقد بين وجه ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح
"، فليراجعه من شاء. نسأل الله تعالى أن يأتي يوم يتمكن فيه المسلمون من
القيام بهذه الفضيلة، ولن يكون ذلك إلا بعد أن يعودوا إلى دينهم، فهما سليما
وعملا صحيحا، وبذلك يستأنفون الحياة الإسلامية، وتقوم لهم دولتهم المنشودة
، وعسى أن يكون ذلك قريبا.
2612 - " انظري أين أنت منه (يعني الزوج) ، فإنه جنتك ونارك ".
أخرجه النسائي في " الكبرى " (ق 86 / 2 - عشرة النساء) وأحمد (4 / 341 و 6
/ 419) والحميدي (355) وعنه الحاكم (2 / 189) وعن هذا البيهقي (7 /
291) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 47 / 1) والطبراني في " الأوسط " (
1 / 170 / 1) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن بشير بن يسار أخبره أن
حصين بن محصن أخبره عن عمة له أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
لبعض الحاجة، فقضى حاجتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذات زوج
أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح، ولم يخرجاه "
. ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (3 / 74) . قلت: ورجاله ثقات رجال
الشيخين غير حصين بن محصن، ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين "، لكن ذكره جمع
في " الصحابة "، وكأن الحافظ مال إلى ذلك فقال في " التقريب ": " معدود في
الصحابة ".(6/220)
2613 - " الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ".
موقوف. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 126 / 2) من طريق سعيد بن
منصور: حدثنا سفيان عن منصور عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: قال
عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد
صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبد الرحمن بن يزيد - وهو
النخعي الكوفي - وهو ثقة اتفاقا، لكن أعل بالوقف، فقال المنذري (3 / 65) :
" رواه البيهقي وغيره، ورواته لا أعلم فيهم مجروحا، لكن قيل: إن صوابه
موقوف ". وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 32) : بعد ما عزاه
للبيهقي من حديث ابن مسعود: " ورواه العدني في " مسنده " موقوفا عليه ". قلت
: وكذلك رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 8748) : حدثنا محمد بن
النضر الأزدي: أخبرنا معاوية بن عمرو أخبرنا زائدة عن منصور به موقوفا،
ولفظه: " إن الإثم حواز القلوب، فما حز في قلب أحدكم شيء فليدعه ". ثم رواه
بالإسناد نفسه موقوفا، إلا أنه جعل الأعمش مكان زائدة، ولفظه لفظ الترجمة،
إلا أنه قدم وأخر. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا، فإن محمد بن النضر الأزدي
هو محمد بن أحمد بن النضر الأزدي، وقد وثقه عبد الله بن أحمد ومحمد بن عبدوس
كما في ترجمته من " التاريخ " (1 / 364) واللذان فوقه ثقتان من رجال الشيخين
،(6/221)
وزائدة هو ابن قدامة، فقد اختلف هو وسفيان - وهو ابن عيينة - في إسناده
على منصور - وهو ابن المعتمر الكوفي - فأوقفه زائدة، ورفعه سفيان، والرفع
زيادة من ثقة وهي مقبولة، وما لم يأت متابع لزائدة على وقفه فلا يسعني إلا
أن أرجح الرفع، وكأن المنذري أشار إلى ذلك بقوله: " قيل: إن صوابه موقوف "
. والله أعلم. والحديث عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 320) لسعيد بن
منصور والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الله - أظنه ابن مسعود -. قلت:
والظاهر أن هذا الظن من السيوطي، لا مبرر له، فهو ابن مسعود يقينا، لأن عبد
الرحمن بن يزيد - وهو النخعي - معروف بالرواية عنه دون غيره من العبادلة. ثم
ترجح عندي الوقف حينما رأيت هنادا يقول في " الزهد " (2 / 465 / 934) : حدثنا
أبو معاوية عن الأعمش عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي الأحوص قال: قال
عبد الله: فذكره موقوفا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ومتابعة قوية من الأعمش
لمنصور، وإن اختلفا في الراوي عن ابن مسعود، فقال الأول: إنه عبد الرحمن بن
يزيد، وقال الأعمش: أبو الأحوص، واسمه عوف بن مالك. ولا مانع من أن يكون
لمحمد بن عبد الرحمن بن يزيد شيخان فيه. ويؤيده أن زائدة رواه أيضا عن
الأعمش مثل رواية أبي معاوية. أخرجه الطبراني (رقم 8749) . وكذلك رواه أبو
يحيى الحماني عن حبيب بن حسان (الأصل: سنان) الأسدي قال: سمعت أبا وائل
يقول: ...(6/222)
أخرجه البيهقي (7277) . لكن حبيب بن حسان هذا متروك فلا يشتغل به.
(تنبيه) : " حواز " أو " حواز " بتشديد الزاي أو الواو. قال ابن الأثير:
" هي الأمور التي تحز فيها، أي تؤثر، كما يؤثر الحز في الشيء، وهو ما يخطر
فيها من أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها، وهي بتشديد الزاي، جمع حاز.
ورواه شمر: " الإثم حواز القلوب " بتشديد الواو، أي يحوزها ويتملكها، ويغلب
عليها، ويروى " الإثم حزاز القلوب " بزايين، الأولى مشددة، وهي فعال من
الحز ".
2614 - " من أقال أخاه بيعا أقال الله عثرته يوم القيامة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 140 / 2) : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني
حدثنا سعيد بن سليمان عن شريك عن عبد الملك بن أبي بشير عن أبي شريح قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لم يروه عن عبد الملك
إلا شريك ". قلت: وهو ابن عبد الله القاضي، وهو صدوق لكنه سيىء الحفظ،
وسائر رواته كلهم ثقات، إلا أنه منقطع، فإن عبد الملك بن أبي بشير إنما روايته
عن التابعين. وسعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي. والحلواني له ترجمة في "
تاريخ بغداد "، وأبو شريح هو الخزاعي الكعبي اسمه خويلد بن عمرو على المشهور
، وهو صحابي معروف أسلم يوم الفتح.(6/223)
وللحديث شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة
، صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وهو مخرج في " المشكاة " (2881) و "
الإرواء " (1334) وغيرهما.
2615 - " نعم وعليك بالماء ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 95 / 1) : حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد
ابن أبي عمر العدني حدثنا مروان بن معاوية عن حميد الطويل عن أنس: أن سعدا
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت ولم توص
أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال، فذكره. وقال: " قال موسى: وهم فيه مروان
بمكة، وإنما هو: " عن حميد عن الحسن " يعني مرسلا ". قلت: مروان هذا ثقة
اتفاقا، بل تعجب الإمام أحمد من إتقانه وحفظه فقال: " ما كان أحفظه! "،
واحتج به الشيخان، فمثله لا يوهم بمجرد الدعوى. ولذلك لم يلتفت إلى هذا
الإعلال الحافظان المنذري في " الترغيب " (2 / 53) والهيثمي في " المجمع " (
3 / 138) ، فقالا: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته محتج بهم في (
الصحيح) ". وأقول: لو جاز لنا التوهيم بالظن لكان نسبة الوهم إلى العدني
أولى، وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، فقد تكلم فيه بعضهم، وقال
الحافظ في " التقريب ": " صدوق، صنف المسند، لكن قال أبو حاتم: كانت فيه
غفلة ".(6/224)
2616 - " كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال:
" سمع الله لمن حمده " لم يزالوا قياما حتى يروه قد وضع وجهه (وفي لفظ:
جبهته) في الأرض، ثم يتبعونه ".
أخرجه مسلم (2 / 46) وأبو داود (622) وعنه أبو عوانة (2 / 179)
والطبراني في " الأوسط " (2 / 295 / 1 - 2) من طرق عن أبي إسحاق الفزاري عن
أبي إسحاق الشيباني، حدثنا محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول
على المنبر: حدثني البراء بن عازب - وكان ما علمت غير كذوب - أنهم كانوا
... إلخ واللفظ الآخر لأبي داود، والسياق للطبراني، وقال: " لم يرو هذا
الحديث عن أبي إسحاق الشيباني إلا أبو إسحاق الفزاري ". قلت: وهو إبراهيم بن
محمد بن الحارث، إمام ثقة حافظ، له تصانيف، من رجال الشيخين. وأبو إسحاق
الشيباني اسمه سليمان بن أبي سليمان ثقة من رجالهما أيضا، فالسند صحيح غاية،
وقد تابعه أبو إسحاق السبيعي عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج مع حديث
الترجمة عندي في " صحيح أبي داود " (631) . وله فيه طريق أخرى عن البراء (
632) . وإنما أخرجت الحديث هنا لأمرين: الأول: أن جماهير المصلين يخلون بما
تضمنه من التأخر بالسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض، لا أستثني منهم أحدا
حتى من كان منهم حريصا(6/225)
على اتباع السنة، للجهل بها أو الغفلة عنها، إلا من
شاء الله، وقليل ما هم. قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم ": " في الحديث
هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة أن لا ينحني المأموم للسجود حتى يضع
الإمام جبهته على الأرض إلا أن يعلم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع
الإمام من السجود قبل سجوده. قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: في هذا الحديث
وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن الإمام قليلا بحيث يشرع في
الركن بعد شروعه، وقبل فراغه منه ". والآخر: أنني وجدت للحديث مصدرا جديدا
لم أكن قد وقفت عليه من قبل، بل كان في حكم المفقود عندي، ألا وهو " المعجم
الأوسط " للإمام الطبراني، فأحببت أن أعرف القراء الكرام بذلك بطريق العزو
إليه، لعل أحدا منهم ممن يشاركنا في هذا العلم، ويوجد لديه فراغ من الوقت،
يسعى إلى تحقيقه، وإخراجه إلى عالم المطبوعات (1) ، فإنه غزير المادة جدا، "
فيه كل نفيس وعزيز ومنكر " كما قال الذهبي في ترجمته من " التذكرة ". وقد
صورته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ومنها حصلت على نسخة مصورة على
الورق في طريقي إلى الحج السنة الماضية (1399) جزى الله القائمين عليها خيرا
. وأنا الآن في صدد ترقيم أحاديثه، ووضع فهارس له، وقد انتهيت منها
والحمد لله، فكانت أربعة: 1 - فهرس رواتها من الصحابة على الحروف، وعددهم
قرابة ستمائة، وبجانب اسم الواحد منهم أرقام أحاديثه، وبذلك يتبين المقل
منهم من المكثر.
_________
(1) ثم طبع بعد نحو عشر سنوات من كتابة ما تقدم في عشر مجلدات دون أي تخريج أو
تحقيق حديثي! . اهـ.(6/226)
2 - فهرس أسماء رواة الآثار من الصحابة وغيرهم وعددهم نحو
الستين، وبجانب الواحد رقم أثره. 3 - فهرس الآثار، وبجانبها أرقامها،
وعددها يزيد على المئتين من أصل نحو عشرة آلاف هي مجموع أحاديث الكتاب،
وسائرها مرفوعة. 4 - أسماء شيوخ الطبراني، وعددهم قرابة الثمانمئة، وبجانب
اسم أحدهم أرقام أحاديثه، وهي تساعد على معرفة المقل منهم من المكثر، وهو
مفيد في غير المشهورين منهم.
2617 - " اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة ".
روي من حديث أنس وابن عباس وبشر بن قدامة الضبابي. 1 - أما حديث أنس،
فله عنه طريقان: الأولى: من رواية الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عنه قال:
حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة
دراهم، فقال: " اللهم اجعله حجا، لا رياء فيه ولا سمعة ". أخرجه الترمذي
في " الشمائل " (ص 191) وابن ماجه (2890) وابن أبي شيبة في " المصنف " (
4 / 106) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 177) وأبو نعيم في " الحلية " (6
/ 308) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، الربيع بن صبيح قال الحافظ: " صدوق سيىء
الحفظ، وكان عابدا مجاهدا ".(6/227)
ويزيد بن أبان قريب منه، قال الحافظ: " زاهد
ضعيف ". ولذلك جزم الحافظ في " الفتح " (3 / 297) بأن إسناده ضعيف. قلت:
لكن يقويه ما بعده. والطريق الأخرى: يرويه عليل بن أحمد العنزي: حدثني أبي
أحمد بن يزيد بن عليل: أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت
البناني عنه مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 271 -
مصورة الجامعة الإسلامية) ، وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 34 /
2) . قلت: وهذه متابعة قوية من ثابت البناني فإنه ثقة، وكذلك اللذان دونه
، ثلاثتهم من رجال " التهذيب ". لكن أحمد بن يزيد بن عليل لم أجد له ترجمة سوى
ما ذكره شارح " القاموس " (ع ل ل) أنه " من شيوخ ابن خزيمة ". وأما ابنه
عليل، فقد ذكره ابن حجر في " التبصير " (3 / 966) والحافظ بن ناصر الدين في
" التوضيح " (2 / 170 / 1) بروايته عن حرملة وغيره. مات سنة ثلاثمائة.
ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، لكن في " الإكمال " (6 / 260) أنه قال: "
وكان ثقة صحيح الكتاب ". 2 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه أحمد بن محمد بن أبي
بزة: محمد بن يزيد بن خنيس: حدثنا ابن جريج عن عطاء عنه قال: غدا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم عرفة من منى، فلما انبعثت به راحلته - وعليها قطيفة
قد اشتريت بأربعة دراهم - قال: فذكره.(6/228)
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 /
119 / 2) وقال: " لم يروه عن ابن جريج إلا محمد بن يزيد، تفرد به أحمد بن
أبي بزة ". قلت: قال الذهبي: " هو إمام في القراءة، ثبت فيها، لين الحديث
". ولم يعرفه الهيثمي، فقال (3 / 221) : " رواه الطبراني في " الأوسط "،
وفيه أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة، ولم أعرفه ". قلت: وهو مترجم في
" الميزان "، و " اللسان " (1 / 283 - 284) . 3 - وأما حديث بشر بن قدامة
الضبابي، فيرويه محمد بن عبد الله بن الحكم: أبنا سعيد بن بشير القرشي:
حدثني عبد الله بن حكيم الكتاني - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عنه، قال:
أبصرت عيناي حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس، على
ناقة له حمراء قصواء، تحته قطيفة بولانية، وهو يقول: (فذكره) ، والناس
يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعيد بن بشير: فسألت عبد
الله بن حكيم، فقلت: يا أبا حكيم: وما القصوى؟ قال: أحسبها المبتترة
الأذنين، فإن النوق تبتر آذانها لتسمع. أخرجه البيهقي في " سننه " (4 / 332
- 333) والذهبي في " الميزان " في ترجمة القرشي، وقال: " تفرد به ابن عبد
الحكم ". قلت: وهو ثقة مصري فقيه حافظ. لكن شيخه القرشي قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 8) عن أبيه:(6/229)
" شيخ مجهول، وعبد الله بن حكيم مجهول، لا نعرف واحدا
منهما ". قلت: لكن القرشي قد أثنى عليه ابن عبد الحكم فقال: " كان يلزم
المسجد - وذكر من فضله "، كما في " الضعفاء " للعقيلي (ص 149) وقد أخرج
حديثه ابن خزيمة في " صحيحه " كما في الإصابة ". وجملة القول أن الحديث صحيح
بهذه الطرق، والحمد لله على توفيقه.
2618 - " نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضا من الثلج، فسودته خطايا بني آدم ".
أخرجه الترمذي (1 / 166) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 271 / 1)
والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 1 - 2) وكذا أحمد (1 / 307 و 329
و373) والخطيب في " التاريخ " (7 / 362) من طرق عن عطاء بن السائب عن سعيد
بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وقال الترمذي: "
حديث حسن صحيح ". وقال: " اللبن " مكان " الثلج "، وهو شاذ عندي لمخالفته
للفظ الجماعة. وأخرج الطرف الأول منه النسائي في " الصغرى " (2 / 36) و "
الكبرى " أيضا (ق 87 / 2) من الوجه المذكور. قلت: ورجال إسناده ثقات رجال
البخاري، إلا أن عطاء بن السائب كان اختلط، لكنه لا بأس به في المتابعات
والشواهد، فقد أخرجه ابن خزيمة من طريق أبي الجنيد: حدثنا حماد بن سلمة عن عبد
الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير بلفظ:(6/230)
" الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من
يواقيت الجنة، وإنما سودته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أحد، يشهد
لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا ". وهذه متابعة قوية من ابن خثيم، لكن في
الطريق إليه أبو الجنيد هذا - واسمه الحسين بن خالد - قال ابن معين: " ليس
بثقة ". وقال ابن عدي: " عامة حديثه عن الضعفاء ". قلت: شيخه هنا حماد بن
سلمة وهو ثقة، وقد رواه جماعة من الثقات عن حماد عن عطاء بن السائب به كما
تقدم. أخرجه أحمد وغيره ممن سبق ذكرهم. فهذا يدل على وهم أبي الجنيد على
حماد حين رواه عنه عن ابن خثيم خلافا لرواية الجماعة، فروايته منكرة، سندا
ومتنا. وللطرف الأول منه شاهد من حديث أنس مرفوعا، بلفظ: " الحجر الأسود من
حجارة الجنة ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 275) والطبراني في "
الأوسط " (1 / 118 / 1) والبيهقي في " السنن " (5 / 75) من طريق شاذ بن
فياض: حدثنا عمر بن إبراهيم عن قتادة عنه. وقال العقيلي معللا: " ويروى عن
أنس موقوفا ". وبينه ابن أبي حاتم، فقال في " العلل " (1 / 276) عن أبيه:
" أخطأ عمر بن إبراهيم، ورواه شعبة وعمرو بن الحارث المصري عن قتادة عن أنس
، موقوف ".(6/231)
قلت: أخرجه أحمد (3 / 277) عن شعبة به موقوفا. وإسناده صحيح،
وهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي، فلا جرم أن الإمام أحمد
أودعه " المسند "! وفي معنى سائر الحديث حديث رافع الحجبي سمع عبد الله بن
عمرو يرفعه: " إن الركن والمقام من ياقوت الجنة، ولولا ما مسهما من خطايا
بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقم إلا
شفي ". أخرجه البيهقي بإسناد جيد، وأخرجه الترمذي وغيره من طريق أخرى
مختصرا، وهو مخرج في " المشكاة " (2579) .
2619 - " لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة إلا شفي، وما على الأرض
شيء من الجنة غيره ".
أخرجه البيهقي في " السنن " (5 / 75) من طريق يوسف بن يعقوب: حدثنا مسدد
حدثنا حماد بن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو يرفعه. قلت:
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال البخاري غير يوسف بن يعقوب، وهو أبو
محمد البصري القاضي، ثقة حافظ، ترجمة الخطيب في " تاريخه " (14 / 310 - 312
) والذهبي في " تذكرة الحفاظ "، فلولا عنعنة ابن جريج لقلت: إنه إسناد صحيح
. لكن له شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وله عنه ثلاث طرق: الأولى:
أخرجها الترمذي وغيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه بالشطر الأخير
منه نحوه، وقد سبق الكلام عليه قبله.(6/232)
الثانية: رواه الطبراني في " الأوسط "
(1 / 118 / 1) و " الكبير " (3 / 117 / 2) وأبو الحجاج الأدمي في " جزء
فيه أحاديث عشرة مشايخ " (193 / 2 - 194 / 1) من طريق محمد بن عمران بن أبي
يعلى: حدثني أبي عمران بن أبي ليلى عن عطاء عنه بلفظ: " الحجر الأسود من
حجارة الجنة، وكان أبيض كالمهاة، وما في الأرض من الجنة غيره، ولولا ما
مسه من دنس الجاهلية وما كان منها، ما مسه من ذي عاهة إلا برأ ". وقال
الطبراني: " لم يروه عن عطاء إلا ابن أبي ليلى تفرد به عمران عن أبيه ". قلت
: واسم أبيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه، وبه أعل
الحديث الهيثمي (3 / 242) بعد أن عزاه لـ " الكبير " و " الأوسط " ومنه تبين
أن قول المنذري في " الترغيب " (2 / 123) : " رواه الطبراني في " الأوسط "
و" الكبير " بإسناد حسن ". أنه غير حسن. وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 /
118 / 1) : حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا [غوث
بن] جابر بن غيلان بن منبه الصنعاني: حدثنا عبد الله بن صفوان عن إدريس بن [
بنت] وهب بن منبه: حدثني وهب بن منبه عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: "
لولا ما طبع الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة،
لاستشفى به من كان به داء ". وقال:(6/233)
" لا يروى عن وهب عن طاووس إلا بهذا
الإسناد، تفرد به الحلواني ". قلت: وهو ثقة من شيوخ الشيخين، لكن شيخ شيخه
عبد الله بن صفوان ضعيف، أورده العقيلي في " الضعفاء " (ص 209) وروى عن
هشام بن يوسف أنه سئل عنه؟ فقال: " كان ضعيفا لم يكن يحفظ الحديث ". ثم ساق
له هذا الحديث: حدثناه محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا الحسن بن علي
الحلواني به. والزيادتان منه. ثم قال: " وفي هذا الحديث رواية من غير هذا
الوجه، فيها لين أيضا ". قلت: وكأنه يشير إلى الرواية التي قبلها. وإدريس
ابن بنت وهب ضعيف، وهو من رجال " التهذيب ". وأما غوث بن جابر بن غيلان
فقال ابن معين: " لم يكن به بأس " كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 58)
. وشيخ الطبراني محمد بن علي الصائغ، هو المكي كما في " المعجم الصغير "،
ولم أجد له ترجمة. ثم رأيت الذهبي قد وثقه في " السير " (13 / 428) وقد أخرج
له في " الأوسط " نحو خمسين حديثا. ثم هو متابع من الحضرمي كما تقدم. وجملة
القول: أن رجال الإسناد كلهم معروفون، فيتعجب من الحافظ الهيثمي إذ قال (3 /
243) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه جماعة لم أجد من ترجمهم ".
ولعله لم يتح له أن يكتشف السقط الذي في إسناد الطبراني، فخفي عليه أن(6/234)
شيخ
الحلواني هو غوث بن جابر، وشيخ ابن صفوان هو إدريس ابن بنت وهب، ولكن كيف
فاته ضعف ابن صفوان نفسه؟! ثم إن مما يزيد الحديث قوة على قوة أن له طريقا
أخرى عن ابن عمرو نفسه ذكرته تحت الحديث السابق.
2620 - " ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يلي من أمر الناس شيئا ".
أخرجه الحاكم (4 / 91) وأحمد (2 / 377 و 520 و 536) والبزار (2 / 255 /
1643) عن عاصم بن بهدلة عن يزيد بن شريك أن الضحاك بن قيس بعث معه بكسوة إلى
مروان بن الحكم، فقال مروان للبواب: انظر من بالباب؟ قال: أبو هريرة،
فأذن له، فقال: يا أبا هريرة! حدثنا شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه
وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن، للكلام
المعروف في عاصم بن بهدلة. نعم هو صحيح بطريق أخرى يرويها هشام بن حسان عن
عباد بن أبي علي عن أبي حازم مولى أبي رهم الغفاري عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
أخرجه الحاكم وابن حبان (1559) وأحمد (2 / 352 و 521) وغيرهم. وهذا
إسناد حسن بما قبله، رجاله ثقات غير أن عبادا هذا لم يوثقه غير ابن حبان،
وقد تكلمت عليه في " التعليق الرغيب " (2 / 279) وصححه الحاكم والذهبي،
وكذا ابن خزيمة كما في " الفتح " (13 / 169) وأقره.(6/235)
وله شاهد من حديث عائشة
مرفوعا نحوه. أخرجه أبو يعلى (8 / 188 / 4745) والطبراني في " الأوسط " (1
/ 239 / 2 / 4037) من طريق عمر بن سعد النصري عن ليث عن مجاهد عن عائشة نحوه.
وقال الطبراني: " لم يروه عن ليث إلا عمر بن سعد ". قلت: ضعفه البخاري في "
التاريخ " بقوله (2 / 3 / 158) : " لم يصح حديثه ". وأقره الذهبي في "
الميزان "، وكذا الحافظ في " اللسان "، إلا أنهما لم ينسباه: النصري،
بخلاف البخاري وابن أبي حاتم، فقد نسباه هذه النسبة، فكأن الحافظ ذهل عنها،
فزاد عقب هذه الترجمة ترجمة أخرى فقال: " عمر بن سعد النضري " (كذا فيه
بالضاد المعجمة!) .. ". ثم ذكر أنه روى عن ليث بن أبي سليم وغيره، وعنه
إسماعيل بن موسى الفزاري وموسى بن إسماعيل! وهما اللذان ذكرهما ابن أبي حاتم
في ترجمة الأول، وكذا البخاري إلا أنه لم يذكر موسى بن إسماعيل، فأوهم
الحافظ أنه غير الأول، وهو هو فاقتضى التنبيه. ثم وقفت على طريق ثالث للحديث
عن أبي هريرة أوقفه عليه راويه أبو جمرة قال: أخبرني أبو عبد العزيز عنه نحوه
. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (7181) ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي
عبد العزيز هذا فهو مجهول كما قال أبو حاتم وغيره. وأما ابن حبان فذكره -
على قاعدته - في " الثقات " (5 / 590) وساق له طرف هذا الحديث.(6/236)
2621 - " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا، لا يفكه إلا العدل أو
يوبقه الجور ".
أخرجه أحمد (2 / 431) وأبو يعلى (4 / 1564) والبيهقي في " السنن " (10 /
96) والطبراني في " الأوسط " (1 / 199 / 1) عن محمد بن عجلان عن أبيه عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لأحمد: عن ابن عجلان
قال: حدثني سعيد عن أبي هريرة به. وأخرجه البزار (ص 178) بالروايتين. قلت
: وهذا إسناد حسن، وقال المنذري (3 / 139) : " رواه أحمد بإسناد جيد رجاله
رجال الصحيح "! . قلت: وله طريقان آخران عن أبي هريرة. الأول: عن سعيد بن
يسار عنه. أخرجه الدارمي (2 / 240) والبزار بسند صحيح، وأحمد (2 / 431)
بسند حسن. والآخر: عن بشر بن سعيد عنه. أخرجه الحاكم (4 / 89) . وله
شاهد من حديث أبي أمامة سبق تخريجه برقم (349) . وشاهد آخر من طريق يزيد بن
أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عيادة مرفوعا به، وزاد: " وما
من أحد يتعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله عز وجل أجذم ". أخرجه أحمد (5 /
284 و 285) وابنه (5 / 327 - 328) . قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل:
الأولى: الرجل الذي لم يسم، فهو مجهول العين.(6/237)
الثانية: عيسى بن فائد مجهول
أيضا كما قال ابن المديني وغيره. الثالثة: يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي
مولاهم، قال الحافظ: " ضعيف، كبر فتغير فصار يتلقن ". ومن ذلك تعلم تساهل
المنذري في قوله (3 / 139) وإن تبعه الهيثمي (5 / 65) : " رواه أحمد
والبزار، ورجال أحمد رجال " الصحيح "، إلا الرجل المبهم "! وبيانه أن أحدا
من الثلاثة المذكورين ليس من رجال " الصحيح "، اللهم إلا ابن أبي زياد فهو من
رجال مسلم، لكنه إنما أخرج له مقرونا بغيره، فتنبه. شاهد ثالث: يرويه عطية
العوفي عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا، وزاد: " فإن كان محسنا فكه عدله، وإن
كان سيئا زيد غلا إلى غله ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 200 / 1) من
طريقين عن عطية، هذا أحدهما، ووقع في الأخرى عنه: حدثني بريدة به. وعطية
ضعيف. (فائدة) : لما أخرج البزار طريق سعيد بن يسار المتقدمة، أخرجها من
طريق حماد ابن سلمة عن يحيى بن سعيد عنه. ومن طريق عبيد بن عمرو القيسي:
حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد عن أبي هريرة، قال البزار عقبه: " هكذا رواه عبيد
، والثقات يروونه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة. وهو الصواب
". فأقول: ليس هناك خطأ في رواية عبيد حتى تخطأ، كل ما في الأمر أنه لم(6/238)
ينسب
سعيدا إلى أبيه يسار، وهذا يقع كثيرا في الأسانيد، وإنما يمكن أن يخطأ لو
قال: سعيد بن أبي سعيد المقبري، فهذه مخالفة ظاهرة، ولكن هذا إنما يصار
إليه لو لم يكن ليحيى بن سعيد رواية عن سعيد المقبري، والواقع أن روايته عنه
في مسلم، كما أن روايته عن سعيد بن يسار في " الصحيحين "، فليس هناك مانع أن
يكون يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري الثقة الثبت - قد روى الحديث عن السعيدين عن
أبي هريرة! لا شيء يمنع من ذلك، هذا لو كان عبيد القيسي ثقة، ولكني لم
أعرفه، وإن كنت أظن أنه أبو عبد الرحمن الذي روى عنه قتيبة، فإنه من هذه
الطبقة، وقد وثقه ابن حبان (8 / 430) والله سبحانه وتعالى أعلم.
2622 - " أصبت السنة، قاله عمر لعقبة وقد مسح من الجمعة إلى الجمعة على خفيه وهو
مسافر ".
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 48) والدارقطني في " السنن " (ص 72
) والحاكم (1 / 180 - 181) وعنه البيهقي في " السنن " (1 / 280) من طريق
بشر بن بكر: حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال:
خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة، فدخلت على عمر بن الخطاب، فقال:
متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا،
قال: فذكره. وقال الدارقطني: " وهو صحيح الإسناد ". وقال الحاكم: "
حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا.(6/239)
وتابعه
عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح به مثله. أخرجه الطحاوي والدارقطني
والحاكم والبيهقي من طريق المفضل بن فضالة، والدارقطني أيضا (ص 73) وعنه
الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (رقم 240 - بتحقيقي) عن حيوة،
كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب: أخبرني عبد الله ابن الحكم البلوي به. لكن
البلوي هذا مجهول، ففي " اللسان ": " قال الدارقطني في حاشية السنن: ليس
بمشهور. وقال في موضع آخر ليس بالقوي. وقال الجوزقاني في " كتاب الأباطيل "
: لا يعرف بعدالة ولا جرح ". وأما يزيد بن أبي حبيب فهو ثقة من رجال الشيخين
، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه. وأما السند فرواه عنه المفضل وحيوة كما
ذكرنا. وتابعهما ابن لهيعة وعمرو ابن الحارث والليث بن سعد عن يزيد بن أبي
حبيب به، إلا أنهم قالوا: " أصبت ". ولم يذكروا: " السنة ". أخرجه
الطحاوي وبقية الأربعة. وخالفهم يحيى بن أيوب فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن
علي بن رباح به، فلم يذكر في إسناده " عبد الله بن الحكم البلوي "، وقال: "
أصبت السنة ". أخرجه الدارقطني، وعنه الضياء المقدسي (241) . وأما المتن
، فقد تبين من التخريج السابق، وخلاصته أن المفضل وحيوة ويحيى ابن أيوب
ثلاثتهم قالوا: " أصبت السنة ".(6/240)
وخالفهم ابن لهيعة وعمرو بن الحارث والليث
بن سعد فقالوا: " أصبت "، لم يقولوا: " السنة ". قلت: ولا شك أن الصواب
في إسناده إثبات البلوي فيه لاتفاق الثقات الخمسة عليه كما رأيت. وأما المتن
، فالصواب فيه إثبات لفظ " السنة "، وذلك لأمور: الأول: أن عدد النافين
والمثبتين، وإن كان متساويا، فالحكم للمثبتين للقاعدة المعروفة: " زيادة
الثقة المقبولة ". الثاني: أن هؤلاء المثبتين كلهم ثقات من رجال الشيخين،
بخلاف الأولين، ففيهم ابن لهيعة، وليس من رجالهما على الكلام المعروف فيه.
الثالث: أن هناك ثقة آخر أثبت هذه الزيادة وهو موسى بن علي بن رباح كما في
الرواية الأولى، ولم يختلف عليه فيها، فهي الراجحة يقينا، حتى لو كان
الأرجح رواية الثقات عن يزيد بن أبي حبيب، لأن مدارها على البلوي وقد عرفت
أنه مجهول لا يحتج به. وبهذه الجهالة أعله ابن حزم في " المحلى " (2 / 92 -
93) ، فخفي عليه الطريق الأولى فضعف الحديث من أصله فوهم، والظاهر أنه لم
يقف عليها، فلا عجب منه، وإنما العجب مما قاله الدارقطني في " العلل "،
فإنه بعد أن ذكر هذه الرواية الصحيحة قال: " وتابعه مفضل بن فضالة وابن
لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح فقالا
فيه: " أصبت السنة "، وخالفهم عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب والليث بن سعد
، فقالوا فيه: " فقال عمر: أصبت "، ولم يقولوا: " السنة "، وهو المحفوظ
" (1) .
_________
(1) نقلته ملخصا من " الأحاديث المختارة " ومن " نصب الراية " (1 / 180) .
ثم رأيته في " علل الدارقطني " (2 / 110 - 111) . اهـ.(6/241)
قلت: وفيما قاله الدارقطني أخطاء تظهر لكل من تأمل تخريجنا السابق،
وهاك بيانها ملخصا: الأول: ذكر ابن لهيعة مع مفضل في جملة من قال: " أصبت
السنة "، وإنما هو ممن قال: " أصبت " فقط كما سبق. الثاني: ذكر يحيى بن
أيوب مع عمرو والليث اللذين قالا: " أصبت " كما قال ابن لهيعة. والصواب أن
يذكره بديل ابن لهيعة، ويذكر هذا بديله هنا. الثالث: قوله: وهو المحفوظ.
والصواب العكس كما تقدم تحقيقه. ولعل هذا الخطأ الثالث نشأ من الخطأين
الأولين، وهما نشآ من تلخيصه لروايات المختلفين، ومن الملاحظ أنه لما جعل
ابن لهيعة مع المفضل وحده، وجعل يحيى ابن أيوب مع عمرو والليث ضعف ذلك
الجانب، وقوى هذا الجانب، زد على ذلك أنه نسي أن يجعل مع المفضل حيوة فازداد
جانبه ضعفا على ضعف، كما ذهل أن يقرن معهما موسى بن علي، ولولا ذلك لتبين له
الصواب إن شاء الله تعالى. والخلاصة: أن الذين قالوا: " أصبت السنة " هم
أربعة: 1 - موسى بن علي بن رباح. 2 - المفضل بن فضالة. 3 - حيوة بن شريح.
4 - يحيى بن أيوب. (وكلهم ثقات رجال الشيخين غير موسى بن علي، فمن رجال
مسلم وحده) . والذين قالوا: " أصبت " فقط هم ثلاثة: 1 - عبد الله بن لهيعة
. 2 - وعمرو بن الحارث. 3 - والليث بن سعد. (وهم من رجال الشيخين غير ابن
لهيعة كما تقدم) .(6/242)
وبهذا يتجلى لك الصواب بإذن الله تعالى، فلا جرم أن صحح
الحديث من سبق ذكرهم، وتبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في " مجموع
الفتاوى " (21 / 178) : " وهو حديث صحيح ". ويمكن أن يلحق بهم البيهقي
والنووي وغيرهما ممن أورده ولم يضعفه، بل ساقه معارضا به أحاديث التوقيت التي
استدل بها الجمهور، فأجاب عنه البيهقي عقبه بقوله: " وقد روينا عن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه التوقيت، فإما أن يكون رجع إليه حين جاءه الثبت عن النبي
صلى الله عليه وسلم في التوقيت، وإما أن يكون قوله الذي يوافق السنة المشهورة
أولى ". ونقله النووي في " المجموع " (1 / 485) وارتضاه. فلو أنهما وجدا
مجالا لتضعيفه لاستغنيا بذلك عن التوفيق بينه وبين أحاديث التوقيت بما ذكراه.
على أنه يمكن التوفيق بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث عمر على الضرورة وتعذر
خلعه بسبب الرفقة أو غيره، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
في بحث طويل له في المسح على الخفين. وهل يشترط أن يكونا غير مخرقين؟ فقال (
21 / 177) : " فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوما وليلة، وثلاثة
ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم، والمفهوم لا عموم
له، فإذا كان يخلع بعد الوقت عند إمكان ذلك عمل بهذه الأحاديث، وعلى هذا
يحمل حديث عقبة بن عامر لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق،
ومسح أسبوعا بلا خلع، فقال له عمر: أصبت السنة. وهو حديث صحيح ".(6/243)
وعمل به
شيخ الإسلام في بعض أسفاره، فقال (21 / 215) : " لما ذهبت على البريد، وجد
بنا السير، وقد انقضت مدة المسح فلم يمكن النزع والوضوء إلا بالانقطاع عن
الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظني عدم التوقيت عند
الحاجة كما قلنا في الجبيرة، ونزلت حديث عمر وقوله لعقبة بن عامر: " أصبت
السنة " على هذا توفيقا بين الآثار، ثم رأيته مصرحا به في " مغازي ابن عائذ "
أنه كان قد ذهب على البريد - كما ذهبت - لما فتحت دمشق ... فحمدت الله على
الموافقة، (قال) : وهي مسألة نافعة جدا ". قلت: ولقد صدق رحمه الله،
وهي من نوادر فقهه جزاه الله عنا خير الجزاء، وقد نقل الشيخ علاء الدين
المرادي في كتابه " الإنصاف " (1 / 176) عن شيخ الإسلام أنه قال في "
الاختيارات ": " لا تتوقف مدة المسح في المسافر الذي يشق (عليه) اشتغاله
بالخلع واللبس، كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين ". وأقره. وهو في "
الاختيارات " (ص 15) المفردة.
2623 - " ومن أمرك أن تعذب نفسك؟! صم شهر الصبر، ومن كل شهر يوما. قلت: زدني.
قال: صم شهر الصبر، ومن كل شهر يومين. قلت: زدني أجد قوة. قال: صم شهر
الصبر ومن كل شهر ثلاثة أيام ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 238 - 239) والطيالسي في "
مسنده " (31) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 194 / رقم 435) عن
حماد ابن يزيد بن مسلم: حدثنا معاوية بن قرة عن كهمس الهلالي قال:(6/244)
أسلمت
، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بإسلامي، فمكثت حولا وقد ضمرت
ونحل جسمي [ثم أتيته] ، فخفض في البصر ثم رفعه، قلت: أما تعرفني؟ قال:
ومن أنت؟ قلت: أنا كهمس الهلالي. قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قلت: ما أفطرت
بعدك نهارا، ولا نمت ليلا، فقال: ... فذكره. وأورده الحافظ في " المطالب
العالية " (1 / 303 / 1036) من رواية الطيالسي وسكت عليه، وقال الهيثمي في
" المجمع " (3 / 197) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه حماد بن يزيد
المنقري، (قلت: وفي " الجرح " المقرىء) ولم أجد من ذكره ". قلت: وقد
فاته أن البخاري ذكره في " التاريخ " (2 / 1 / 20) وكناه بأبي يزيد البصري،
وقال: " سمع معاوية بن قرة، سمع منه موسى، وسمع أباه ومحمد بن سيرين ".
وكذا ذكره أيضا ابن أبي حاتم (1 / 2 / 151) وزاد في شيوخه: بكر بن عبد
الله المزني ومخلد بن عقبة بن شرحبيل الجعفي. وفي الرواة عنه: يونس بن محمد
، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن عون الزيادي، وطالوت بن عباد الجحدري.
وينبغي أن يزاد فيهم: أبو داود الطيالسي، فإنه قد روى عنه هذا الحديث، وذكره
ابن حبان أيضا في " الثقات " (2 / 62 - مخطوطة الظاهرية) وعلى هامشه بخط بعض
المحدثين: " وذكره البزار، وقال: ليس به بأس ". وللحديث شاهد من حديث
مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها بهذه القصة، وفي آخره زيادة أوردته من أجلها
في " ضعيف أبي داود " برقم (419) .(6/245)
وعند الطيالسي في هذا الحديث قصة، وفي
آخرها حديث آخر أخرجه الضياء في " المختارة " برقم (258 و 259) من طريق
الطيالسي وغيره.
2624 - " أذن في قومك أو في الناس يوم عاشوراء: من [كان] أكل فليصم بقية يومه [إلى
الليل] ، ومن لم يكن أكل فليصم ".
ورد من حديث سلمة بن الأكوع والربيع بنت معوذ ومحمد بن صيفي وهند بن أسماء
وأبي هريرة وعبد الله بن عباس ورجال لم يسموا من أسلم ومعبد القرشي ومحمد
بن سيرين مرسلا. 1 - أما حديث سلمة، فقال أحمد (4 / 50) : حدثنا يحيى بن
سعيد عن يزيد بن عبيد قال: حدثنا سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لرجل من أسلم: فذكره. وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين،
ويحيى بن سعيد هو القطان ومن طريقه أخرجه البخاري (13 / 205 - 206) والنسائي
(1 / 319) وفي " الكبرى " (ق 22 / 1) وابن خزيمة (2092) ، ثم أخرجه
البخاري (4 / 113 - 114 و 201) ومسلم (3 / 151 - 152) والدارمي (2 / 22
) والبيهقي (4 / 220 و 288) وأحمد (4 / 47، 48) وابن حبان (5 / 252 /
3610) من طرق أخرى عن يزيد بن عبيد به. وإسناد أحمد والدارمي والبخاري
ثلاثي أيضا والزيادة الأولى لأحمد، والأخرى لمسلم. 2 - وأما حديث الربيع،
فقالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي
حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان(6/246)
أصبح مفطرا فليتم بقية
يومه. قالت: فكنا نصومه بعد ذلك، ونصوم صبياننا الصغار، ونجعل لهم اللعبة
من العهن، ونذهب بهم إلى المسجد، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى
يكون عند الإفطار. أخرجه البخاري (4 / 163) ومسلم (3 / 152) وابن خزيمة
(2088) والطحاوي (1 / 336) وابن حبان (3611) والبيهقي (4 / 288)
وأحمد (6 / 359) . 3 - وأما حديث محمد بن صيفي، فقال: قال لنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: أمنكم أحد طعم اليوم؟ فقلنا: منا من طعم،
ومنا من لم يطعم. قال: فقال: فأتموا بقية يومكم من كان طعم ومن لم يطعم،
وأرسلوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم. يعني أهل العروض حول المدينة.
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 54 - 55) وعنه ابن ماجه (1 / 528 -
529) وابن خزيمة (2091) وابن حبان (932 - موارد) وأحمد (4 / 488) من
طريق حصين عن الشعبي عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال البوصيري في "
الزوائد " (110 / 1) . 4 - وأما حديث هند بن أسماء، فيرويه محمد بن إسحاق:
حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عنه قال:
" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال: مر قومك
فليصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء، فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم
آخره ". أخرجه أحمد (3 / 484) والطحاوي (1 / 335 - 336) . قلت: وهذا
إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون، غير حبيب بن هند،(6/247)
ترجمه ابن أبي حاتم (1 /
2 / 110) برواية ثقتين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره
ابن حبان في " الثقات " (3 / 38 - هندية) . وفي رواية لأحمد من طريق عبد
الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة - وكان هند من أصحاب الحديبية -
وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بصيام عاشوراء - وهو
أسماء بن حارثة - فحدثني يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم بعثه، فقال: مر قومك بصيام هذا اليوم ... " الحديث نحوه. لكن يحيى
بن هند هذا لا يعرف إلا برواية ابن حرملة هذا، وبها ذكره ابن أبي حاتم (4 /
2 / 194 - 195) ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده أيضا
في " الثقات " (3 / 287) . وقال في ترجمة حبيب بن هند بن أسماء المتقدم: "
كأنهما أخوان إن شاء الله ". وقال الحافظ في التوفيق بين روايتيهما: " قلت:
فيحتمل أن يكون كل من أسماء وولده هند أرسلا بذلك، ويحتمل أن يكون أطلق في
الرواية الأولى على الجد اسم الأب، فيكون الحديث من رواية حبيب بن هند عن جد
أسماء، فتتحد الروايتان. والله أعلم ". قلت: التوفيق فرع التصحيح، وما
أرى أن الرواية الأخرى ثابتة، لما عرفت من حال راويها يحيى بن هند. والله
أعلم. ثم رأيت رواية سعيد بن حرملة في " صحيح ابن حبان " (5 / 252 / 3609 -
الإحسان) من طريق سهل بن بكار قال: حدثنا وهيب عن عبد الرحمن بن حرملة عن
سعيد بن المسيب عن أسماء بن حارثة به.(6/248)
وهذا سند جيد، يدل على أن له أصلا عن
أسماء، ولعل ابن حرملة كان له عنه إسنادان، فتارة يرويه عن يحيى بن هند،
وتارة عن ابن المسيب.. والله أعلم. 5 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه حبيب بن
عبد الله عن شبيل عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم صائما يوم عاشوراء
فقال لأصحابه: " من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه، ومن كان أصاب من غداء
أهله فليتم بقية يومه ". أخرجه أحمد (2 / 359) . ورجاله موثقون غير حبيب بن
عبد الله وهو الأزدي اليحمدي، وهو مجهول. 6 - وأما حديث ابن عباس فيرويه
جابر عن عكرمة عنه قال: " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل قرية على
رأس أربعة فراسخ - أو قال فرسخين - يوم عاشوراء فأمر من أكل أن لا يأكل بقية
يومه، ومن لم يأكل أن يتم صومه ". أخرجه أحمد (1 / 232) . وجابر هو ابن
يزيد الجعفي، وهو ضعيف. 7 - وأما حديث الرجال الأسلميين، فيرويه ابن شهاب
عن ابن سندر عن رجال منهم [من أسلم] (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لرجل من أسلم: ... فذكره نحو الحديث الأول. أخرجه النسائي في " الكبرى " (38
/ 1) : أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد - يعني - بن موهب قال: حدثني
الليث عن عقيل عن ابن شهاب. وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن سندر، وقد جزم
الحافظ في " باب من
_________
(1) زيادة من " تهذيب التهذيب ". اهـ.(6/249)
نسب إلى أبيه ... " من " التقريب " أنه عبد الله. ثم لم
يترجم له في الأسماء، وهو تابع في ذلك لابن أبي حاتم، فقد قال في " الجرح
والتعديل " (2 / 1 / 320) : " سندر أبو الأسود، له صحبة، روى عنه عبد الله
بن سندر ". والشطر الأول منه في " التاريخ " للبخاري (2 / 2 / 210) وزاد:
" كناه عثمان بن صالح، وروى الزهري عن سندر بن أبي سندر عن أبيه ". ونقله
هكذا في " الإصابة "، وذكر فيه أن له ابنا آخر يدعى مسروحا. ويزيد بن موهب
هو ابن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي. وأحمد بن إبراهيم هو أبو
عبد الملك القرشي البسري الدمشقي. وقد خالف معمر عقيلا فأرسله، أخرجه عبد
الرزاق (7834) قال: أخبرنا معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
قدم المدينة قال لرجل من أسلم: فذكره. 8 - وأما حديث معبد القرشي، فقال عبد
الرزاق (7835) : عن إسرائيل عن سماك ابن حرب عنه قال: كان النبي صلى الله
عليه وسلم بـ (قديد) فأتاه رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره
نحوه. وعن عبد الرزاق أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 342 / 803
) . قلت: وهذا إسناد جيد، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 187) : " رواه
الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". 9 - وأما مرسل ابن سيرين، فقال
ابن أبي شيبة (3 / 57) : حدثنا ابن علية عن أيوب عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم أمر رجلا من أسلم يوم عاشوراء ... الحديث(6/250)
وإسناده صحيح مرسل. ورواه عبد
الرزاق (7852) عن عطاء مرسلا. وفي الباب أحاديث أخرى خرجها الهيثمي في "
مجمع الزوائد "، فمن شاء المزيد فليرجع إليه، وآخر فيه زيادة منكرة بلفظ: "
فأتموا بقية يومكم واقضوه ". وفي إسناده جهالة، ولذلك خرجته في المجلد
الحادي عشر من " الضعيفة " برقم (5199) وفي " ضعيف أبي داود " برقم (422)
. من فقه الحديث. في هذا الحديث فائدتان هامتان: الأولى: أن صوم يوم عاشوراء
كان في أول الأمر فرضا، وذلك ظاهر في الاهتمام به الوارد فيه، والمتمثل في
إعلان الأمر بصيامه، والإمساك عن الطعام لمن كان أكل فيه، وأمره بصيام بقية
يومه، فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر كما قال ابن القيم رحمه
الله في " تهذيب السنن " (3 / 327) . وهناك أحاديث أخرى تؤكد أنه كان فرضا،
وأنه لما فرض صيام شهر رمضان كان هو الفريضة كما في حديث عائشة عند الشيخين
وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " برقم (2110) . والأخرى: أن من وجب
عليه الصوم نهارا، كالمجنون يفيق، والصبي يحتلم، والكافر يسلم، وكمن
بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة، فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين
الوجوب، ولو بعد أن أكلوا أو شربوا، فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله
صلى الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، وهو حديث
صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " (2118) . وإلى هذا(6/251)
الذي أفاده حديث
الترجمة ذهب ابن حزم وابن تيمية والشوكاني وغيرهم من المحققين. فإن قيل:
الحديث ورد في صوم عاشوراء والدعوى أعم. قلت: نعم، وذلك بجامع الاشتراك في
الفريضة، ألست ترى أن الحنفية استدلوا به على جواز صوم رمضان بنية من النهار،
مع إمكان النية في الليل طبقا لحديث أبي داود، فالاستدلال به لما قلنا أولى
كما لا يخفى على أولي النهى. ولذلك قال المحقق أبو الحسن السندي في حاشيته
على " ابن ماجه " (1 / 528 - 529) ما مختصره: " الأحاديث دالة على أن صوم
يوم عاشوراء كان فرضا، من جملتها هذا الحديث، فإن هذا الاهتمام يقتضي
الافتراض. نعم الافتراض منسوخ بالاتفاق وشهادة الأحاديث على النسخ. واستدل
به على جواز صوم الفرض بنية من النهار، لا يقال صوم عاشوراء منسوخ فلا يصح
الاستدلال به. لأنا نقول: دل الحديث على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء.
والثاني: أن الصوم واجب في يوم بنية من نهار، والمنسوخ هو الأول، ولا
يلزم من نسخه نسخ الثاني، ولا دليل على نسخه أيضا. بقي فيه بحث: وهو أن
الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوما من الليل، وإنما علم من
النهار، وحينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضروريا، كما إذا شهد
الشهود بالهلال يوم الشك، فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة " أهـ
. قلت: وهذا هو الحق الذي به تجتمع النصوص، وهو خلاصة ما قال ابن حزم رحمه
الله في " المحلى " (6 / 166) وقال عقبه: " وبه قال جماعة من السلف كما
روينا من طريق ... عبد الكريم الجزري أن(6/252)
قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبح
الناس، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل
فليصم بقية يومه ". قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 69)
وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في "
الاختيارات العلمية " (4 / 63 - الكردي) : " ويصح صوم الفرض بنية النهار إذا
لم يعلم وجوبه بالليل، كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، فإنه
يتم بقية يومه ولا يلزمه قضاء وإن كان أكل " وتبعه على ذلك المحقق ابن القيم
، والشوكاني، فمن شاء زيادة بيان وتفصيل فليراجع " مجموع الفتاوى " لابن
تيمية (25 / 109 و 117 - 118) و " زاد المعاد " لابن القيم (1 / 235) و "
تهذيب السنن " له (3 / 328) و " نيل الأوطار " للشوكاني (4 / 167) . وإذا
تبين ما ذكرنا، فإنه تزول مشكلة كبرى من مشاكل المسلمين اليوم، ألا وهي
اختلافهم في إثبات هلال رمضان بسبب اختلاف المطالع، فإن من المعلوم أن الهلال
حين يرى في مكان فليس من الممكن أن يرى في كل مكان، كما إذا رؤي في المغرب
فإنه لا يمكن أن يرى في المشرق، وإذا كان الراجح عند العلماء أن حديث " صوموا
لرؤيته ... " إنما هو على عمومه، وأنه لا يصح تقييده باختلاف المطالع، لأن
هذه المطالع غير محدودة ولا معينة، لا شرعا ولا قدرا، فالتقييد بمثله لا
يصح، وبناء على ذلك فمن الممكن اليوم تبليغ الرؤية إلى كل البلاد الإسلامية
بواسطة الإذاعة ونحوها، وحينئذ فعلى كل من بلغته الرؤية أن يصوم، ولو
بلغته قبل غروب الشمس بقليل، ولا قضاء عليه، لأنه قد قام بالواجب في حدود(6/253)
استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والأمر بالقضاء لم يثبت كما سبقت
الإشارة إليه، ونرى أن من الواجب على الحكومات الإسلامية أن يوحدوا يوم
صيامهم ويوم فطرهم، كما يوحدون يوم حجهم، ولريثما يتفقون على ذلك، فلا نرى
لشعوبهم أن يتفرقوا بينهم، فبعضهم يصوم مع دولته، وبعضهم مع الدولة الأخرى،
وذلك من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما هو مقرر في علم الأصول.
والله تعالى ولي التوفيق.
2625 - " لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم ".
أخرجه مسلم (7 / 60) من طريق معقل عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى
النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل
منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، فذكره.
وتابعه ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير به. أخرجه أحمد (3 / 337، 347) من
طريقين عنه. وخالفهما حسان بن عبد الله فقال: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا يونس
ابن يزيد: حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحارث عن جده نوفل بن الحارث بن عبد
المطلب أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج، فأنكحه امرأة،
فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب
بدرعه فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلي، فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال
نوفل: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فذكره إلا أنه قال: " ما
عشت " بدل: " ولقام لكم ". أخرجه الحاكم (3 / 246) وعنه البيهقي في "
الدلائل " (6 / 114) . وسكت عنه الحاكم والذهبي. وابن لهيعة فيه ضعف من
قبل حفظه، وأبو(6/254)
إسحاق هو السبيعي كما في " الإصابة "، وكان اختلط، مع
تدليس له. وسعيد بن الحارث لم أعرفه، فالإسناد مظلم، والأول أقوى لمتابعة
معقل لابن لهيعة عليه، لكن فيه عنعنة أبي الزبير، وهو معروف بالتدليس، فلا
أدري إذا كان سمعه من جابر أم لا؟ ولعل الحافظ ابن حجر قد ترجح عنده الأول،
فقد أورده في " الفتح " (11 / 240) من رواية مسلم هذه ساكتا عليه، أو من أجل
شواهد ذكرها قريبا، وبها يتقوى الحديث عندي إن شاء الله تعالى. منها حديث
عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من
شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته
ففني. أخرجه البخاري (6 / 146 و 11 / 239) ومسلم (8 / 218) وابن ماجه (
3345) وأحمد (4 / 108) وزاد: " فليتني لم أكن كلته ". وإسنادها جيد.
2626 - " أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم، فإنها
عمرة متقبلة ".
أخرجه الحاكم (3 / 477) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عبد الله
بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن
أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. وسكت عنه. وقال الذهبي
: " قلت: سنده قوي ".(6/255)
قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (1 / 198) : حدثنا داود
بن مهران الدباغ: حدثنا داود - يعني العطار - به. وأخرجه أبو داود أيضا
وغيره وهو في " صحيح أبي داود " برقم (1569) . وقد أخرجه البخاري (3 / 478
) ومسلم (4 / 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا. وكذلك
أخرجاه من حديث عائشة نفسها، وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال:
" هذه مكان عمرتك ". وفي أخرى: بنحوه قال: " مكان عمرتي التي أدركني الحج
ولم أحصل منها ". وفي أخرى: " مكان عمرتي التي أمسكت عنها ". وفي أخرى: "
جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ". رواها مسلم. وفي ذلك إشارة إلى سبب أمره
صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج. وبيان ذلك: أنها كانت أهلت
بالعمرة في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، إما ابتداء أو فسخا للحج إلى
العمرة (على الخلاف المعروف) (1) ، فلما قدمت (سرف) . مكان قريب من مكة -،
حاضت، فلم تتمكن من إتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول البيت، لقوله صلى
الله عليه وسلم لها - وقد قالت له: إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟
قال: -
_________
(1) قلت: والأول أرجح، وهو الذي اختاره ابن القيم، ويؤيده قول عائشة في
رواية لأحمد (6 / 245) في رواية عنها: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في حجة الوداع، فنزلنا الشجرة، فقال: من شاء فليهل بعمرة ... قالت:
وكنت أنا ممن أهل بعمرة ". فهذا صريح فيما رجحنا، لأن الشجرة شجرة ذي الحليفة
ميقات أهل المدينة ومبتدأ الإحرام.(6/256)
" انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن العمرة وأهلي بالحج، واصنعي ما
يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي حتى تطهري. (وفي رواية: فكوني في حجك
، فعسى الله أن يرزقكيها) "، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت
بالكعبة والصفا والمرة، وقال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر: "
قد حللت من حجك وعمرتك جميعا "، فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم
أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين
وأرجع بأجر؟ وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ وفي أخرى
: يرجع الناس (وعند أحمد (6 / 219) : صواحبي، وفي أخرى له (6 / 165
و266) : نساؤك) بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ وكان صلى الله عليه وسلم
رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت
بعمرة من التنعيم (1) . فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - وكلها صحيحة -
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من
عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم
المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل
منها بمكة، ثم أنشأوا الحج مفردا (2) . إذا عرفت هذا، ظهر لك جليا أن هذه
العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من
النساء الطاهرات، فضلا عن الرجال. ومن هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها،
وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها، فقد كانت
إذا حجت تمكث إلى أن
_________
(1) انظر " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " (92 / 111 - 114) .
(2) انظر " زاد المعاد " (1 / 280 - 281) و " فتح الباري ". اهـ.(6/257)
يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة، كما في
" مجموع الفتاوى " لابن تيمية (26 / 92) . وقد أخرجه البيهقي في " السنن
الكبرى " (4 / 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت
تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. وإسناده صحيح. وأما ما رواه مسلم (4 /
36) من طريق مطر: قال أبو الزبير: فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي
الله صلى الله عليه وسلم. ففي ثبوته نظر، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من
قبل حفظه، لاسيما وقد خالفه الليث بن سعد وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن
جابر بقصة عائشة، ولم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر، فهو شاذ أو منكر، فإن
صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب، ولذلك قال شيخ الإسلام
ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص 119) : " يكره الخروج من مكة لعمرة
تطوع، وذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده،
لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة
تطييبا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا، ويخرج عند من لم
يكرهه على سبيل الجواز ". وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في "
مجموع الفتاوى " (26 / 252 - 263) ، ثم قال (26 / 264) : " ولهذا كان
السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل
أصحاب ابن عباس - قال: " الذين يعتمرون من(6/258)
التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم
يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة
أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف،
وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ". وأقره الإمام أحمد.
وقال عطاء بن السائب: " اعتمرنا بعد الحج، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير ".
وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها ... ". وقال ابن القيم رحمه الله في " زاد
المعاد " (1 / 243) : " ولم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة
خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى
مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا
من مكة في تلك المدة أصلا، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وشرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر،
ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه، لأنها
كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة،
وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها،
فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم
يحضن ولم يقرن، وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من
التنعيم تطييبا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن
كان معه " أهـ. قلت: وقد يشكل على نفيه في آخر كلامه، ما في رواية للبخاري
(3 / 483 - 484) من طريق أبي نعيم: حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة،
فذكر القصة -، وفيه: " فدعا عبد الرحمن فقال: اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة
، ثم افرغا من طوافكما ".(6/259)
لكن أخرجه مسلم (4 / 31 - 32) من طريق إسحاق بن
سليمان عن أفلح به، إلا أنه لم يذكر: " ثم افرغا من طوافكما ". وإنما قال:
" ثم لتطف بالبيت ". فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم، فقد وجدت
له مخالفا آخر عند أبي داود (1 / 313 - 314) من رواية خالد - وهو الحذاء -
عن أفلح به نحو رواية مسلم، فهذه التثنية شاذة في نقدي لمخالفة أبي نعيم
وتفرده بها دون إسحاق بن سليمان وخالد الحذاء وهما ثقتان حجتان. ثم وجدت لهما
متابعا آخر وهو أبو بكر الحنفي عند البخاري (3 / 328) وأبي داود. ويؤيد
ذلك أنها لم ترد لفظا ولا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة، وما أكثرها
في " مسند أحمد " (6 / 43 و 78 و 113 و 122 و 124 و 163 و 165 و 177 و 191
و219 و 233 و 245 و 266 و 273) وبعضها في " صحيح البخاري " (3 / 297 و 324
و464 و 477 - 478 و 482 و 4 / 99 و 8 / 84) ومسلم (4 / 27 - 34) وكذا لم
ترد في حديث جابر عند البخاري (3 / 478 - 480) ومسلم (4 / 35 - 36) وأحمد
(3 / 309 و 366) وكذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا،
ولا من الطريق الأخرى عند الشيخين وغيرهما. نعم في رواية لأحمد (1 / 198) من
طريق ابن أبي نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبي بكر يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره نحوه. إلا أنه قال: " فأهلا
وأقبلا، وذلك ليلة الصدر "، لكن الواسطة بين أبي نجيح وعبد الرحمن لم يسم،
فهو مجهول، فزيادته منكرة، وإن سكت الحافظ في " الفتح " (3 / 479) على
زيادته التي في آخره: " وذلك ليلة الصدر "، ولعل ذلك لشواهدها. والله
أعلم.(6/260)
وجملة القول أنه لا يوجد ما ينفي قول ابن القيم المتقدم أنه لم يعتمر
بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، ولذلك لما نقل
كلامه مختصرا الحافظ في " الفتح " لم يتعقبه إلا بقوله (3 / 478) : " وبعد
أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته "! ومن تأمل ما سقناه من الروايات
الصحيحة، وما فيها من بيان سبب أمره صلى الله عليه وسلم إياها بذلك تجلى له
يقينا أنه ليس فيه تشريع عام لجميع الحجاج، ولو كان كما توهم الحافظ لبادر
الصحابة إلى الإتيان بهذه العمرة في حجته صلى الله عليه وسلم وبعدها، فعدم
تعبدهم بها، مع كراهة من نص على كراهتها من السلف كما تقدم لأكبر دليل على عدم
شرعيتها. اللهم إلا من أصابها ما أصاب السيدة عائشة رضي الله عنها من المانع
من إتمام عمرتها. والله تعالى ولي التوفيق. وإن مما ينبغي التنبه له أن قول
ابن القيم المتقدم: " إنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة "، لا ينافيه
اعتماره صلى الله عليه وسلم من (الجعرانة) ، كما توهم البعض لأنها كانت مرجعه
من الطائف، فنزلها، ثم قسم غنائم حنين بها، ثم اعتمر منها.
2627 - " مررت ليلة أسري بي على موسى فرأيته قائما يصلي في قبره [عند الكثيب الأحمر]
".
أخرجه مسلم (7 / 102) والنسائي (1 / 242) وابن حبان (49 - الإحسان)
وأحمد (3 / 120) من طرق عن سليمان التيمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: ... فذكره. وتابعه ثابت البناني عن أنس به، والزيادة له.
أخرجه مسلم والنسائي وابن حبان (50) وأحمد (3 / 148 و 248)(6/261)
وأبو نعيم
في " الحلية " (6 / 253) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 197 / 2) من طرق
عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس به. وخالفهم معاذ بن
خالد قال: أنبأنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن ثابت عن أنس به. أخرجه
النسائي وأفاد أنه خطأ من معاذ بن خالد فقال عقب الرواية السابقة: " هذا أولى
بالصواب عندنا من حديث معاذ بن خالد. والله تعالى أعلم ". ثم أخرجه هو،
وأحمد (5 / 59 و 362 و 365) من طرق أخرى عن سليمان عن أنس عن بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم وفي رواية: سمعت أنسا يقول: أخبرني بعض أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم به. قلت: فالظاهر أن أنسا تلقاه عن غيره من الصحابة، فكان
تارة يذكره ويسنده، وتارة يرسله ولا يذكره، ولا يضر ذلك في صحة الحديث
لأن مراسيل الصحابة حجة، كما هو معلوم.
2628 - " إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فود لو خرجت - يعني نفسه -
والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين
فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم
ذلك، وإذا قال: إن فلانا قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا. وإن المؤمن
يجلس في قبره فيسأل: من ربه؟ فيقول: ربي الله. فيقال: من نبيك؟ فيقول:
نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فما دينك؟ قال:(6/262)
ديني الإسلام. فيفتح
له باب في قبره فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك. ثم يرى القبر، فكأنما كانت
رقدة. فإذا كان عدوا لله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحب أن تخرج
روحه أبدا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره أو أجلس، فيقال له: من ربك
؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت. فيفتح له باب من جهنم، ثم يضرب ضربة
تسمع كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش - فقلت لأبي
هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي ينهشه الدواب والحيات - ثم يضيق عليه قبره ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 92 - زوائده) : حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي
حدثنا الوليد بن القاسم حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة -
أحسبه رفعه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال
البزار: " لا نعلم رواه عن يزيد هكذا إلا الوليد ". قلت: وهو صدوق يخطىء
كما في " التقريب "، ومن فوقه من رجال الشيخين، وقال الهيثمي عقبه: " في "
الصحيح " بعضه، ورجاله ثقات، خلا شيخ البزار فإني لا أعرفه ". قال الحافظ
ابن حجر عقبه: " قلت: هو موثق، ولم يتفرد به ". قلت: له ترجمة في " تاريخ
بغداد " (9 / 93) وقال: " وكان ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين يعني ومائتين
".(6/263)
وقال السيوطي في " شرح الصدور " (ص 38) : " سنده صحيح "! وللشطر الأول
منه شاهد موقوف من طريق ثور بن يزيد عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري
قال: " إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في
الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح
فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل
تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا
لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية،
قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه
نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك ". أخرجه
عبد الله بن المبارك في " الزهد " (443) . قلت: ورجاله ثقات لكنه منقطع بين
ثور بن يزيد وأبي رهم. وقد وصله ورفعه سلام الطويل فقال: عن ثور عن خالد
بن معدان يعني: عن أبي رهم رفعه. أخرجه ابن صاعد في زوائد " الزهد " (444)
، لكن سلام هذا متروك، لكن ذكره ابن القيم في " الروح " (ص 20) من طريق
معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن أبا رهم السمعي حدثه أن أبا أيوب
الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره دون تخريج،
وقد عزاه في " شرح الصدور " لابن أبي الدنيا والطبراني في " الأوسط "، وسكت
عنه، ومعاوية بن يحيى ضعيف. ثم ذكر السيوطي من رواية آدم بن أبي إياس في "
تفسيره ": حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن مرفوعا:(6/264)
" إذا مات العبد تلقى
روحه أرواح المؤمنين فيقولون له: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات
قبلي، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية ". قلت:
وهذا مرسل ضعيف الإسناد. ثم ذكر آثارا كثيرة بمعناه. وبالجملة فالحديث صحيح
كما قال السيوطي بهذه الشواهد والله أعلم. ثم رأيت القرطبي قال في " التذكرة
" (ق 40 / 2 - 41 / 1) بعد أن ذكر أثر ابن المبارك المتقدم عن أبي أيوب
وغيره من الآثار: " وهذه الأخبار وإن كانت موقوفة فمثلها لا يقال من جهة
الرأي، وقد خرج النسائي بسنده عن أبي هريرة ... الحديث، وفيه: " فيأتون به
أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه، يقدم عليه فيسألونه: ماذا
فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا.... "
الحديث ". قلت: وقد سبق تخريجه برقم (1309) وسيعاد بتوسع برقم (2758) .
2629 - " كان يخرج يهريق الماء، فيتمسح بالتراب، فأقول: يا رسول الله! إن الماء
منك قريب؟ فيقول: وما يدريني لعلي لا أبلغه ".
أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (292) : أخبرنا ابن لهيعة عن عبد
الله بن هبيرة عن حنش عن ابن عباس مرفوعا. وأخرجه أحمد (1 / 288) وابن
سعد في " الطبقات " (1 / 383) من طريق ابن المبارك به. ثم قال (1 / 303) :
حدثنا يحيى بن إسحاق وموسى بن داود قالا: حدثنا ابن لهيعة به. وقال الهيثمي
(1 / 263) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وهو
ضعيف ".(6/265)
قلت: لكن رواية ابن المبارك مع سائر العبادلة عن ابن لهيعة صحيحة عند
العلماء كما ذكروا في ترجمته، ولذلك فالإسناد عندي صحيح لأن سائر رجاله ثقات
معروفون من رجال مسلم، وحنش هو ابن عبد الله السبائي (1) الصنعاني الدمشقي.
ولبعضه شاهد من رواية محمد بن سنان القزاز: حدثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين:
حدثنا هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: " رأيت النبي
صلى الله عليه وسلم تيمم بموضع يقال له مربد الغنم، وهو يرى بيوت المدينة ".
أخرجه الدارقطني (ص 68) والحاكم (1 / 180) وقال: " حديث صحيح تفرد به
عمرو بن محمد بن أبي رزين، وهو صدوق، وقد أوقفه يحيى ابن سعيد الأنصاري
وغيره عن نافع عن ابن عمر ". قلت: ووافقه الذهبي، وهو مردود من وجهين:
الأول: أن ابن أبي رزين هذا فيه كلام من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ في "
التقريب " بقوله: " صدوق ربما أخطأ ". فإذا خالف الثقات، فلا تطمئن النفس
لتصحيح حديثه. والآخر: أن القزاز هذا ضعيف، فتعصيب الخطأ به أولى من تعصيبه
بشيخه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم. ثم أخرجه الحاكم من طريق يحيى
بن سعيد عن نافع قال:
_________
(1) كذا بالمد، ويقال (السبئي) بالقصر، قال في " تاج العروس ": "
وكلاهما صحيح ".(6/266)
" تيمم ابن عمر على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى
العصر، فقدم والشمس مرتفعة ولم يعد الصلاة ". وأخرجه عبد الرزاق (884)
عن الثوري عن محمد ويحيى بن سعيد به. وأخرجه الدارقطني (ص 68) والبيهقي (
1 / 233) من طريق أخرى عن محمد بن عجلان عن نافع به نحوه. والدارقطني من
طريق أخرى عن سفيان: أخبرنا يحيى بن سعيد به. ومالك (1 / 76) وعنه عبد
الرزاق (883) عن نافع به نحوه. فهو موقوف صحيح الإسناد، كما أشار إلى ذلك
الحاكم فيما تقدم. وروى البيهقي عند الوليد بن مسلم قال: قيل لأبي عمرو -
يعني الأوزاعي -: حضرت الصلاة والماء حائز (1) عن الطريق أيجب علي أن أعدل
إليه؟ قال: حدثني موسى بن يسار عن نافع به نحوه، ولفظه: " عن ابن عمر أنه
كان يكون في السفر فتحضره الصلاة والماء منه على غلوة أو غلوتين ونحو ذلك،
ثم لا يعدل إليه ". وعن حكيم بن رزيق عن أبيه قال: سألت سعيد بن المسيب عن
راع في غنمه أو راع تصيبه جنابة وبينه وبين الماء ميلان أو ثلاثة؟ قال: "
يتيمم صعيدا طيبا. وهذا صحيح أيضا. وأما ما رواه ابن أبي شيبة في " المصنف
" (1 / 160) : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: " يتلوم الجنب
ما بينه وبين آخر الوقت ". وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن أبي إسحاق به
نحوه، ولفظه:
_________
(1) كذا الأصل، ولعل الصواب (جائر) أي مائل، وإن كان (حائز) يأتي
بمعناه. اهـ.(6/267)
" اطلب الماء حتى يكون آخر الوقت، فإن لم تجد ماء تيمم ثم صل
". قلت: فهذا على وقفه ضعيف الإسناد، علته الحارث هذا - وهو ابن عبد الله
الأعور - فإنه ضعيف، ولذلك قال البيهقي عقبه: " وهذا لم يصح عن علي،
وبالثابت عن ابن عمر نقول، ومعه ظاهر القرآن ".
2630 - " اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قال: فإن لم ألقك عند الصراط؟ قال:
اطلبني عند الميزان. قال: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض
، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن ".
أخرجه الترمذي (2 / 70) وأحمد (3 / 178) والضياء المقدسي في " الأحاديث
المختارة " (ق 242 / 1 - 2) من طريق حرب بن ميمون الأنصاري أبي الخطاب:
حدثنا النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم
أن يشفع في يوم القيامة، فقال: أنا فاعل. قال: قلت: يا رسول الله! فأين
أطلبك؟ قال: اطلبني.. الحديث. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا
من هذا الوجه ". قلت: وأقره المنذري في " الترغيب " (4 / 211) وكذا
الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 405) ورجاله ثقات رجال مسلم، فإنه أخرج
لحرب هذا حديثا آخر في " الأطعمة " (6 / 121) وسائر رجاله من رجال الشيخين،
وهو إلى ذلك ثقة بلا خلاف، إلا ما وهم فيه بعضهم، فلابد من تحقيق القول في
ذلك، فأقول: قال الذهبي في " الميزان ":(6/268)
" حرب بن ميمون (م، ت) أبو
الخطاب الأنصاري، بصري صدوق يخطىء، قال أبو زرعة: لين. وقال يحيى بن معين
: صالح. قلت: يروي عن مولاه النضر بن أنس وعن عطاء بن أبي رباح. وعنه عبد
الله بن رجاء ويونس المؤدب وجماعة، وقد وثقه علي بن المديني وغيره، وأما
البخاري فذكره في " الضعفاء " وما ذكر الذي بعده صاحب الأغمية (1) ... ". ثم
قال الذهبي عقبه: " حرب بن ميمون العبدي أبو عبد الرحمن البصري العابد المعروف
بـ (صاحب الأغمية) عن عوف وحجاج بن أرطاة وخالد الحذاء ... ضعفه ابن
المديني والفلاس، وقال ابن معين: صالح. قلت: توفي سنة بضع وثمانين
ومائة، وهو الأصغر والأضعف، وقد خلطه البخاري وابن عدي بالذي قبله،
وجعلهما واحدا، والصواب أنهما اثنان، الأول صدوق لقي عطاء، والثاني ضعيف
أكبر من عنده حميد الطويل. قال عبد الغني بن سعيد: هذا مما وهم فيه البخاري،
نبهني عليه الدارقطني ". قلت: ما استصوبه الذهبي رحمه الله هو الصواب، وبه
جزم غير ما إمام من المتقدمين والمتأخرين، فقال الساجي: " حرب بن ميمون
الأصغر ضعيف الحديث عنده مناكير، والأكبر صدوق ". وكذا قال عمرو بن علي
الفلاس، وروى عبد الله بن علي عن أبيه نحوه. وقال الحافظ ابن حجر في الأكبر
: " صدوق، رمي بالقدر من، السابعة ". وفي الأصغر:
_________
(1) جمع (الغماء) : سقف البيت. " المعجم الوسيط ".(6/269)
" متروك الحديث مع
عبادته، من الثامنة، ووهم من خلطه بالأول ". وجرى على التفريق بينهما
الخزرجي أيضا في " الخلاصة " وغيره كما يأتي. لكن في كلام الذهبي المتقدم بعض
الأوهام لابد من التنبيه عليها إتماما للتحقيق: أولا: قوله في ترجمة الأكبر:
" قال أبو زرعة: لين " خطأ وحقه أن ينقل إلى ترجمة الأصغر ففيها أورده ابن
أبي حاتم (1 / 2 / 251) تبعه الحافظ في " التهذيب ". ثانيا: قوله فيها وفي
ترجمة الأصغر: " وقال ابن معين: صالح " خطأ أيضا، والصواب ذكره في ترجمة
الأصغر فقط، كما فعل ابن أبي حاتم وابن حجر. ثالثا: قوله: وأما البخاري
فذكره في " الضعفاء ". فأقول: إن كان يريد كتابه المعروف بـ " الضعفاء " كما
هو المتبادر فلم أره ذكر فيه الأكبر، ولا الأصغر، من النسخة المطبوعة في
الهند، فلا أدري إذا كان ذلك في نسخة أخرى منه، وإن كنت أستبعد هذا، فإن
الحافظ ابن حجر لم يذكره مطلقا. ولكنه قال: " قال البخاري: قال سليمان بن
حرب: هو أكذب الخلق ". ولكن الحافظ في الوقت الذي لم يعز هذا لـ " ضعفاء
البخاري "، فإنه أورده في ترجمة حرب بن ميمون الأصغر، بينما البخاري نفسه
إنما أورده في " التاريخ الكبير " في ترجمة الأكبر، فقال (1 / 2 / 65) : "
حرب بن ميمون يقال أبو الخطاب البصري مولى النضر بن أنس الأنصاري عن أنس (!)
سمع منه يونس بن محمد. قال سليمان بن حرب: هذا أكذب الخلق ". ولم يذكر
البخاري في ترجمة الأصغر شيئا (1 / 2 / 64) .(6/270)
وقد استظهر محقق " التاريخ "
أن الحامل للحافظ وغيره على صرف قول البخاري هذا إلى ترجمة الأصغر أن ابن
المديني وعمرو بن علي قد ليناه، ووثقا هذا الأنصاري. ثم أجاب عن تكذيب
سليمان له بما خلاصته أنه جرح مبهم غير مفسر لأنه قائم على قصة لا تستلزم
التكذيب المذكورة بصورة لا تحتمل التأويل، فراجع كلامه فإنه مفيد. وخلاصة
القول: إن حرب بن ميمون الأكبر صاحب هذا الحديث، ثقة حجة، وثقه ابن المديني
شيخ البخاري والفلاس والساجي، وكذا مسلم بإخراجه له في " الصحيح "، وابن
حبان بذكره إياه في " الثقات "، والخطيب بقوله فيه: " كان ثقة "، ولم
يضعفه أحد سوى ما تقدم من قول سليمان بن حرب فيه، وقد عرفت الجواب عنه،
وأنه غير حرب بن ميمون الأصغر كما سبق عن جماعة من الأئمة. وبهذه المناسبة
لابد من التنبيه على وهم أيضا وقع في ترجمة (الأصغر) هذا من " تهذيب التهذيب
" لابن حجر، فقد قال (2 / 227) : " قال المزي: وقد جمع بينهما غير واحد،
وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ". والذي رأيته في " تهذيب الكمال " للحافظ
المزي خلافه، فإنه بعد أن ترجم للأكبر أتبعه بترجمة الأصغر، وقال في آخرها:
" ذكرناه للتمييز بينهما، وقد جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد،
وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ". فالظاهر أنه سقط من الناسخ أو الطابع لـ "
تهذيب التهذيب " جملة " وفرق بينهما غير واحد "، فاختل المعنى. والله أعلم
.(6/271)
ولعله من هذا القبيل ما جاء في أول ترجمة الأكبر من " تهذيب التهذيب " قال:
" روى له مسلم حديثا في تكثير الطعام عند أم سليم، والآخر في قوله صلى الله
عليه وسلم لأنس: اطلبني ... ". فإنه يوهم أن الحديث الآخر - حديث الترجمة -
رواه مسلم أيضا، وليس كذلك، ولولا أنه كان رمز له في رأس الترجمة بأنه أخرج
له مسلم والترمذي وابن ماجه في " التفسير "، لكان يمكن حمل قوله: " والآخر
" على الترمذي، ولكن ذكره لابن ماجه عقبه يمنع منه إلا بتكلف ظاهر. واعلم
أن هذا الحديث أورده الشيخ السهسواني الهندي في " صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ
دحلان " (ص 353) مستدلا به على أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم
في حياته ثابت، ثم ساق أحاديث هذا أولها، وقال بعد أن ذكر تحسين الترمذي
إياه: " قلت: ورجاله رجال الصحيح، وكلهم ثقات غير حرب بن ميمون أبي الخطاب
، فقد اختلف فيه، قال الذهبي في " الميزان " ... ". ثم ساق كلامه المتقدم،
ولكن ملخصا. ففهم منه مقلده صاحب كتاب " التوصل إلى حقيقة التوسل " أن الحديث
ضعيف، فقال عقب الحديث (ص 320 - الطبعة الثانية) : " الحديث غير صحيح السند
كما سيأتي بيانه ". والبيان الذي وعد به لا يزيد على قوله في الصفحة المقابلة
بعد أن ذكر أيضا تحسين الترمذي إياه:(6/272)
" وفي سنده أبو الخطاب حرب بن ميمون ضعف
ووثق، وممن ضعفوه (!) شيخ المحدثين البخاري، فحديث يقول فيه الترمذي:
حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه الحسن الغريب (!) ، والترمذي معروف لينه
وتساهله في نقد الرواة والروايات. وفيه أيضا من ضعفه البخاري، وحسبك به
ناقدا حجة في هذا الشأن، فكيف يحتج بهذا الحديث ... ؟! اللهم علمنا العلم الذي
لا جهل معه "! قلت: فهذا الكلام مع ما فيه من الركة والعجمة وضعف البيان
حتى وصف الترمذي باللين! وقال: " ضعفوه "، وهو يريد " ضعفه "، فهو يدل
على عدم معرفة قائله بهذا العلم الشريف، وقلة اطلاعه على أقوال أئمة الجرح
والتعديل، فضلا عن عجزه التام عن التوفيق بين أقوالهم في الراوي الواحد. فمن
كان هذا حاله، فمن البدهي أن يقول ما لم يقله أحد قبله، حتى ولا مقلده
وعمدته في الكلام على الأحاديث، وهو الشيخ الفاضل: السهسواني، فإن هذا تكلم
على الحديث بإسلوب معروف عند أهله، وإن كان لم يفصح عن مرتبته، مع أن ظاهره
أقرب إلى تأييده تحسين الترمذي إياه منه إلى رده، فجاء هذا المومى إليه فلخص
كلامه تلخيصا بعيدا جدا عن الواقع أدى به إلى التصريح بأن إسناده غير صحيح،
وأن راويه أبا الخطاب مختلف فيه " ضعف ووثق، وممن ضعفه البخاري " وهذا كله
لعدم علمه ومعرفته، ولذلك فلم يحسن التعبير، فـ (أبو الخطاب) متفق على
توثيقه، ولم يضعفه أحد غير البخاري، على ما في تضعيفه إياه من تردد العلماء
، هل أراد به أبا الخطاب هذا أم حرب بن ميمون الأصغر؟ كما تقدم بيانه، وأنه
إن أراد به الأول، فهو جرح غير مفسر، كما تقدم، ولذلك لم يعتمد عليه من جاء
بعده من النقاد كالذهبي والعسقلاني والخزرجي، ومن قبلهم المنذري الذي أقر
الترمذي على التحسين، وكل هؤلاء يعلمون أن البخاري هو شيخ المحدثين حقا،
ولكنهم يعلمون أيضا أن الحق لا يعرف بالرجال، وأنه لا عصمة لأحد منهم،(6/273)
وإنما
هو مشاع بينهم، فلذا فهم يبحثون عنه، فمع من كان اتبعوه، وهذا ما صنعوه هنا
، فأعرضوا على تضعيف البخاري، واعتمدوا قول الذين وثقوه كما سبق. وأزيد هنا
فأقول: قال الذهبي في " ديوان الضعفاء " (مخطوط) : " حرب بن ميمون أبو
الخطاب، ثقة، رماه بالكذب سليمان بن حرب ". وقال في " المغني " (1 / 153 -
طبع حلب) : " ثقة، غلط من تكلم فيه، وهو صدوق ". فأنت تراه لم يعتد بمن
رماه بالكذب فضلا عمن تكلم فيه. ولهذا الرجل قصة طويلة فيها عبرة لمن يعتبر،
لا مجال للتحدث عنها بهذا المكان، وإنما لابد من الإشارة إليها بأوجز ما يمكن
من الكلام. فهو رجل عاش نحو ربع قرن من الزمان رئيسا على إخواننا السلفيين في
حلب، ومنذ بضع سنين بدأ يظهر شيئا من الشدة عليهم، وفرض الرأي، فمن استسلم
له قربه إليه، ومن خالفه في رأيه أبعده عنه، وامتنع من التعاون معه، ولو
كان صاحبه القديم منذ بدء الدعوة هناك، يفعل هذا، وهو ممن لا علم عنده يذكر
ولا تحقيق إلا ما كان استفاده من غيره، إلى أن خرج عليهم برأي لا عهد لهم به
، وهو أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم معصومات من الزنا، وإن كان الجميع
متفقين معه على أنهن متن وهن عفيفات شريفات، فكان لا يقنع إلا بأن يقولوا معه
إنهن معصومات العصمة الشرعية، فلما طالبوه بالحجة، وناقشه فيها أبرز من فيهم
فقها وفهما، كان جزاؤه منه أن قاطعه وهجره، وبالنار إن استمر على مخالفته
أوعده، وحاول أن يبعده عن الجماعة، بعد أن أعلن عدم استعداده أن يتعاون معه
، فجلب بذلك ضررا على نفسه ودعوته، حيث تبين للجماعة هناك بأن عمله ليس على
المنهج، وعلى الرغم من نصحي إياه، فلم يستجب، فكانت عاقبته أن أزالوه من(6/274)
رياسته، بعد أن اجتمعوا في داره، وأنا معهم وبعض إخواننا الدمشقيين،
وكلهم ينصحونه ويطلبون منه أن يكف عن فرض رأيه وإصراره وأن يتعاون مع كل
إخوانه وبخاصة القدامى والفقهاء منهم، فرفض، فكان أن أقالوه عن رياسته
ونصبوا عليهم غيره وهم في داره! فكان بعد ذلك ينال من صاحبه القديم كلما جاء
ذكره، ويصفه بما ليس فيه! مع أنه معروف بين إخوانه بإخلاصه وتدينه وفقهه
وغيرته على الدعوة، فيما نعلم والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا، من أجل
ذلك قطعت صلتي به، فلا أزوره ولا يزورني، وإن كان يظهر مودتي وتبجيلي كلما
لقيني وأنا أصد عنه، حتى يتوب إلى ربه من فعلته ويعتذر لأخيه عن إساءته إليه
، ولله عاقبة الأمور. وعلى الرغم من أنه ترك بلدته (حلب) وتركته الجماعة
كما سبق، فهو لا يزال يعلن في البلاد السعودية أنه رئيس الجماعة، بل ويصرح
بأنه مؤسس الدعوة السلفية، فعل ذلك في كتابه " التوصل "، فانتقدته في كتابي "
التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 91 - 93) ، فرد علي في طبعته الثانية من كتابه
المذكور، بما يبدو للقارئ اللبيب أنه تبين له صواب نقدي إياه، ولكنه لم يظهر
ذلك، وأكبر دليل على ذلك أنه في طبعته الثانية قيد لقبه السابق، فقال عن
نفسه بنفسه (!) : " مؤسس الدعوة السلفية بحلب "، دون أن يذكر بأنه استفاد
ذلك من نقدي المشار إليه، وتأول قوله: " مؤسس " بما كنت ذكرته أنا في نقدي
بأنه لعله أراد به: " مجدد الدعوة السلفية "، فتكلم طويلا بكلام لا يخرج عن
التأويل المذكور، فوددت لو أنه صرح بأنه: " مجدد الدعوة السلفية بحلب " إذن
لما وافقه إخوانه على ذلك، لأنهم يعلمون أنه ليس أهلا لذاك، وأنه حسبه أن
يكون تابعا لأحد المجددين، كما قلت هناك، وكتابه المذكور أكبر شاهد على ما
أقول، فهو ممتلئ بالأخطاء العلمية، من أنواع مختلفة، على ركة وعي في التعبير
، وكلامه في هذا(6/275)
الحديث من أوضح الأدلة على ذلك، والله هو المسؤول أن يحفظ
علينا إيماننا، ويطهر قلوبنا من الحسد والغل والكبر، إنه خير مسؤول (1) .
2631 - " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله
عليه الجنة ".
أخرجه البخاري (4 / 387) ومسلم (1 / 88 و 6 / 8) والدارمي (2 / 324)
وأحمد (5 / 25) من طرق عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار
المزني في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول
الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك، إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: ... فذكره. وفي رواية للبخاري عن الحسن قال: أتينا
معقل بن يسار نعوده، فدخل علينا عبيد الله، فقال له معقل: ... فذكره نحوه.
وتابعه أبو المليح أن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار في مرضه، فقال
له معقل: ... فذكره نحوه، ولفظه: " ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد
لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة " أخرجه مسلم، وقد مضى من رواية أحمد
وغيره نحوه برقم (1754) .
_________
(1) وقد ذكرت تحت حديث عائشة المتقدم (2507) تفصيل ما أجملت هنا من الرد على
قوله بالعصمة، وكان ذلك منذ نحو عشرين سنة. ثم توفي الرجل إلى رحمة الله،
وغفر لنا وله، فترددت كثيرا في نشر هذا - والكتاب تحت الطبع - ثم أمضيته
للتاريخ والعبرة، ودفعا للقيل والقال، ولا سيما وقد بدأ بعض ذوي الأغراض
والأهواء من الناشرين والمعلقين يخوضون بعد وفاته فيما لا علم لهم به،
والله يقول: * (فاسأل به خبيرا) *. اهـ.(6/276)
2632 - " ما من عبد أتى أخا له يزوره في الله إلا نادى مناد من السماء: أن طبت وطابت
لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار في وعلي قراه، فلم أرض
له بقرى دون الجنة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1024) والبزار (2 / 388 - 389) وأبو
نعيم في " الحلية " (3 / 107) والضياء في " المختارة " (ق 240 / 1) من
طريق يوسف بن يعقوب: أخبرنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه عن أنس
مرفوعا. وقال أبو نعيم: " رواه الضحاك بن حمرة عن حماد بن جعفر عن ميمون بن
سياه مثله ". قلت: وابن حمرة ضعيف، ولكن الإسناد الذي قبله رجاله رجال "
الصحيح "، غير ميمون بن عجلان هذا، وقد أورده البخاري في " التاريخ " (7 /
343) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 239) من رواية يوسف هذا عنه، ولم يذكرا فيه
جرحا ولا تعديلا، غير أن ابن أبي حاتم قال: " وسئل أبي عنه؟ فقال: شيخ "
. واعلم أن من قيل فيه: " شيخ "، فهو في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل،
يكتب حديثه وينظر فيه كما قال ابن أبي حاتم نفسه (1 / 1 / 37) وجرى عليه
العلماء كما تراه في " التدريب " (ص 232) ، ومعنى ذلك أنه ممن ينتقى من
حديثه، أو أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، ولعله قد أشار إلى ذلك الحافظ
الذهبي بقوله في مقدمة " الميزان ": " ولم أتعرض لذكر من قيل فيه: " محله
الصدق "، ولا من قيل فيه: " لا بأس به "، ولا من قيل فيه: " هو صالح
الحديث "، أو " يكتب حديثه "، أو " هو شيخ "، فإن هذا وشبهه يدل على عدم
الضعف المطلق ".(6/277)
قلت: وجل هؤلاء ممن يحسن العلماء حديثهم عادة، فليكن مثلهم
من قيل فيه: " هو شيخ "، ويؤيده أن الحافظ المنذري جود إسناد حديث هذا الشيخ
، فقال عقبه في " الترغيب " (3 / 239) : " رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد
". ووثقه الهيثمي، فقال في " المجمع " (8 / 173) : " رواه البزار وأبو
يعلى، ورجال أبي يعلى رجال " الصحيح " غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة ".
ولعل تصريحه بتوثيقه إياه، إنما هو اعتماد منه على توثيق ابن حبان، فقد أورده
في " الثقات " كما يستفاد من " التعجيل "، وإن لم أره في نسخة الظاهرية من "
الثقات "، فإن فيها خرما. ثم طبع كتاب " الثقات " وقد أورده فيه (7 / 473)
برواية محبوب بن الحسن وأهل البصرة عنه. وهذان من رجال " الميزان " و "
اللسان " فراجعهما. وقد روى عن هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الملك الزئبقي أيضا
عند الضياء، وكذا محمد بن بكر، لكن سماه ميمون المرئي، لكن في " التهذيب "
من هذه الطبقة: " ميمون بن سياه المرئي البصري، ويقال إنه ابن ميمون بن عبد
الرحمن بن صفوان ابن قدامة ". وابن سياه هذا هو من شيوخ ميمون بن عجلان كما
في ترجمتهما من " التاريخ " و " الجرح والتعديل " وهو شيخه في هذا الإسناد
كما ترى، وقد فرقا بينهما، فهو غير المرئي إذن، ومن الممكن أن يكون مشاركا
له في هذه النسبة. والله أعلم.(6/278)
وقد توبع ميمون بن عجلان من الضحاك بن حمرة
في الرواية المعلقة عند أبي نعيم، لكن الضحاك هذا ضعيف. وللحديث شاهد من
حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 245) والترمذي
وحسنه في نسخة، وصححه ابن حبان (712) وإسناده صالح للاستشهاد به كما بينته
في التحقيق الثاني لـ " المشكاة " (5015) . ولأبي يعلى بهذا الإسناد حديث
آخر عن أنس في فضل المصافحة عند اللقاء، تقدم ذكره تحت الحديث (525) .
2633 - " أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث
شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة، فقال: هل تشتهون
شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث
مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد
أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى! فلما رأى أن ليس لهم حاجة
تركوا ".
أخرجه مسلم (6 / 38 - 39) والترمذي (3014) والدارمي (2 / 206) وابن
ماجه (2 / 185) والبيهقي في " الشعب " (4 / 19 - 20) والطيالسي (38 /
294) وابن أبي شيبة (5 / 308) وهناد في " الزهد " (154) والطبري (8206) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال:(6/279)
سألنا عبد الله [بن
مسعود] عن هذه الآية * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون) *؟ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فقال: ... فذكره
. والسياق لمسلم، والزيادة للترمذي، وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: هو
مرفوع في صورة موقوف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه صراحة، لكنه
في حكم المرفوع قطعا، وذلك لأمرين: الأول: أن قوله: " سألنا عن ذلك؟ فقال
: " لا يمكن أن يكون المسؤول والقائل إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو
مرجعهم في بيان ما أشكل أو غمض عليهم والآخر: أن ما في الحديث من فضل الشهداء
عند الله، ومخاطبته تعالى إياهم وجوابهم وطلبهم منه أن ترد أرواحهم إلى
أجسامهم، كل ذلك مما لا يمكن أن يقال بالرأي. ولذلك قال النووي في " شرح
مسلم ": " وهذا الحديث مرفوع لقوله: " إنا قد سألنا عن ذلك، فقال، يعني
النبي صلى الله عليه وسلم ". وأمر ثالث: أنه قد جاء طرف منه مرفوعا من حديث
ابن عباس رضي الله عنه عند أحمد (1 / 266) وصححه الحاكم (2 / 297 - 298)
ووافقه الذهبي، وقد تكلمت عليه في " تخريج الطحاوية " (ص 393) و " المشكاة "
(3853) . وكأنه لما ذكرنا استجاز شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن
يصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أورده في " مجموع الفتاوى " (4 / 224 - 225) من رواية مسلم بلفظ:(6/280)
" فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك [رسول
الله صلى الله عليه وسلم] ؟ فقال: ... "، فزاد فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم، ويحتمل أن تكون هذه الزيادة في بعض النسخ القديمة من " صحيح مسلم ".
والله أعلم.
2634 - " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن أدخل الجنة ".
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 148 / 1) عن حفص بن عبد الله: حدثني
إبراهيم ابن طهمان عن أيوب عن نافع [و] عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر
أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره.(6/281)
قلت: وهذا إسناد
صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري، وحفص بن عبد الله هو السلمي النيسابوري.
وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن نافع به دون قوله: " وإن أدخل الجنة ".
لكنها زيادة جيدة، لها شواهد ذكرتها في " الروض النضير " (561) وقد أورده
المنذري في " الترغيب " (3 / 182) بهذه الزيادة ساكتا عليها.
2635 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون ".
أخرجه أحمد (2 / 368) : حدثنا معاوية حدثنا أبو إسحاق عن الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. قلت: وهذا
إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد
بن الحارث الفزاري. ومعاوية، الظاهر أنه معاوية بن عمرو، فقد ساق له الإمام
أحمد حديثا آخر قبل هذا الحديث، وهو الأزدي أبو عمرو البغدادي، وهو من شيوخ
البخاري، ومن الغريب أنهم لم يذكروا في ترجمته ولا في ترجمة الإمام أحمد،
أن الإمام روى عنه، مع أنه من طبقة شيوخه كوكيع بن الجراح، وكان معاوية أسن
منه بسنة، حتى الحافظ المزي لم يذكره مع أن من عادته استقصاء شيوخ المترجم
والرواة عنه، فلما لم أره قد ذكره ذهب وهلي إلى احتمال أن يكون وقع في نسخة "
المسند " سقط في اسم شيخه، وأنه مروان بن معاوية، فإنه سمع من أبي إسحاق
الفزاري وسمع منه الإمام أحمد، ولكن سرعان ما زال هذا الاحتمال حينما رأيت
الإمام أحمد قد روى الحديث الآخر عن معاوية بن عمرو، فالحمد لله على توفيقه.
ثم تأيد ذلك بذكر ابن الجوزي إياه في شيوخ أحمد في " مناقبه " (ص 50) وبذكر
الحافظ المزي أبا إسحاق الفزاري في شيوخ معاوية في " تهذيبه " (2 / 169) وقد
تابعه أبو حمزة عن الأعمش به، إلا أنه زاد: وأبي سعيد ... ". أخرجه البيهقي
في " الشعب " (2 / 383 / 2 - 384 / 1) . وسنده صحيح أيضا، وأبو حمزة هو
محمد بن ميمون السكري المروزي.
2636 - " لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (309) والترمذي (2020) والحاكم (1 /
47) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 91 / 2) وابن أبي الدنيا في(6/282)
" الصمت "
(2 / 14 / 2 و 4 / 40 / 2) من طرق عن كثير بن زيد قال: سمعت سالما يحدث عن
ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن
غريب ". وقال الحاكم: " هذا حديث أسنده جماعة من الأئمة عن كثير بن زيد، ثم
أوقفه عنه حماد بن زيد وحده، فأما الشيخان فإنهما لم يخرجا عن كثير بن زيد،
وهو شيخ من أهل المدينة من أسلم، كنيته أبو محمد، لا أعرفه بجرح في الرواية،
وإنما تركاه لقلة حديثه ". كذا قال، وقد تكلم فيه أئمة الحديث فمنهم من
وثقه، ومنهم من ضعفه ومنهم من مشاه وهو الأرجح، وترى أقوالهم فيه في "
التهذيب "، ولخصها الحافظ بقوله: " صدوق يخطىء ". وهذا يعني عنده أنه حسن
الحديث أو يقاربه. هذا وزاد الحاكم في روايته: " قال سالم: وما سمعت ابن
عمر لعن شيئا قط ". وهي عند البخاري أيضا بزيادة: " ليس إنسانا "، ولفظ
ابن أبي الدنيا: " إلا إنسانا واحدا ". وهذه عند ابن أبي الدنيا أيضا بلفظ:
" إلا مرة " وقد بينتها رواية الزهري عن سالم قال: " لم أسمع ابن عمر لعن
خادما قط غير مرة واحدة، غضب فيها على بعض(6/283)
خدمه فقال: " لعنه الله "! كلمة
لم أحب أن أقولها ". كذا ولعل الصواب: " يقولها ". أخرجه ابن أبي الدنيا (
2 / 14 / 1) وسنده صحيح. ورواه البيهقي بنحوه وزاد: " فأعتقه ". (تنبيه
) : هنا وهمان وقعا لبعضهم: الأول: عزا المنذري في " الترغيب " (3 / 287)
هذا الحديث للترمذي من حديث عبد الله بن مسعود، وإنما هو من حديث ابن عمر،
وحديث ابن مسعود أتم من هذا، وقد خرجته في " تخريج السنة " برقم (1014) .
والآخر: وقع الإسناد عند الترمذي - طبعة دعاس -: " عن كثير عن زيد بن سالم "،
وهذا تصحيف فاحش، والصواب: " عن كثير بن زيد عن سالم "، فليصححه من كان
عنده نسخة منه. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا ينبغي
لصديق أن يكون لعانا ". وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (3 / 286) .
2637 - " من ترك دينارين، فقد ترك كيتين ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 335 / 1) من طريق الربيع بن نافع عن محمد بن
المهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير
المهاجر - وهو ابن أبي(6/284)
مسلم الشامي الأنصاري - مولى أسماء بنت يزيد، وقد
ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية جمع آخر من الثقات، ولم يذكرا فيه جرحا
ولا تعديلا، وأورده ابن حبان في " الثقات " (3 / 255) . قلت: فمثله يحتج
به في التابعين، لاسيما ولحديثه شواهد كثيرة، منها ما أخرجه الحسن بن سفيان
عن حبيب بن هرم بن الحارث السلمي عن عمه الحكم بن الحارث السلمي مرفوعا بلفظ:
" من ترك دينار فكية، ومن ترك دينارين فكيتين ". هكذا ذكره في " الجامع
الكبير "، وفي " أسد الغابة " (2 / 31) عن حبيب المذكور، قال: " كان عطاء
عمي في ألفين، فإذا خرج عطاؤه قال لفلان: انطلق فاقض عنا ما علينا، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... " فذكره. وقال: " أخرجه
الثلاثة ". يعني: ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر، إلا أنه قد نص في "
المقدمة " (1 / 5) أنه يعني الاسم، وليس الحديث! فلا يؤخذ منه أن الثلاثة
أخرجوا الحديث عنده، لاسيما وابن عبد البر لم يذكره في كتابه " الاستيعاب ".
وحبيب بن هرم هذا أورده ابن أبي حاتم برواية أبي جناب عون بن ذكوان الجرشي عنه
عن عمه. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك أورده ابن حبان في " الثقات
" (3 / 39) . ومن شواهد الحديث ما أخرجه الطيالسي (357) وغيره عن عاصم بن
بهدلة عن زر عن عبد الله (هو ابن مسعود) قال:(6/285)
" إن رجلا من أهل الصفة مات،
فوجدوا في شملته دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيتان ".
وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (2481 - موارد الظمآن) وبوب له فيه بـ " باب
فيمن يأكل نصيب الفقراء وهو غني ". قلت: يشير إلى أن الحديث ليس على إطلاقه
، لكن المعنى الذي ترجمه له ليس بظاهر، ويبدو لي أنه محمول على من مات وعليه
دين، لديه قضاؤه، وإليه يشير صنيع راوي الحديث كما تقدم في رواية " أسد
الغابة ". وهنا وجه آخر من التأويل، يستفاد مما رواه البيهقي عن ابن راهويه
أنه قال: " إنما ترك الصلاة عليه، لأنه كان من أهل الصفة، وهو يظهر أنه
فقير ليس له شيء، وأنه من أهل الصفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
ترك كيتين "، أي: لمثله كيتان ". وفي " الفتح " (4 / 388) نحوه. قلت:
وهذا لا ينافي ما ذكرته. والله الموفق.
2638 - " كان إذا كان في سفر، فأسحر يقول: سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا،
ربنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذا بالله من النار ".
أخرجه مسلم (8 / 80) وأبو داود (5086) وابن خزيمة في " صحيحه " (2571)
وابن حبان (4 / 168 / 2690) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (508)
من طريق النسائي، وهذا في " السنن الكبرى " (5 / 257 / 8828) والحاكم (1
/ 446) وعنه البيهقي في " الدعوات الكبير " (2 / 187) كلهم من(6/286)
طرق عن ابن
وهب: حدثنا سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: ... فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه
الذهبي. قلت: إنما هو صحيح فقط، لأن راويه عنده عن ابن وهب (الربيع بن
سليمان) ، وليس من رجال مسلم، وقد زاد زيادتين: إحداهما: " ونعمته " بعد
قوله: " بحمد الله ". وهي عند أبي داود أيضا. والأخرى في آخر الحديث: "
يقول ذلك ثلاث مرات، ويرفع بها صوته ". قلت: هما شاذتان لعدم ورودهما في
أكثر الطرق المشار إليها عن ابن وهب. وحسبك دليلا إعراض صاحبي " الصحيح ":
مسلم وابن حبان عنهما، وكذا ابن خزيمة، فقد ساق في " صحيحه " بإسنادين، من
طريق ابن وهب المذكورة، ومن طريق عبد الله بن عامر عن سهيل بن أبي صالح به.
ثم بين أن الزيادتين ليستا في طريق ابن وهب وإنما في طريق عبد الله بن عامر ثم
قال: " عبد الله ابن عامر ليس من شرطنا في هذا الكتاب، وإنما خرجت هذا عن
سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح، فكتب هذا إلى جنبه ". قلت: يعني أنه
وقع له الحديث هكذا برواية عبد الله بن عامر مقرونا برواية سليمان بن بلال،
فأخرجها في " الصحيح " مقرونا، وهو ليس بحجة، وإنما الحجة سليمان. وعبد
الله بن عامر هو المدني ضعيف. (تنبيهات) : لقد أعل الحديث الحافظ ابن عمار
الشهيد في كتابه " علل أحاديث صحيح مسلم "، فقال (ص 128 - 129) بعد أن ضعف
عبد الله بن عامر:(6/287)
" فيشبه أن يكون سليمان سمعه من عبد الله بن عامر. ولا
أعرفه إلا من حديث ابن وهب هكذا "! قلت: وهذا إعلال عجيب غريب، يغني حكايته
عن رده، فإن سليمان بن بلال ثقة حجة متفق على الاحتجاج بحديثه عند الشيخين
وغيرهما، ولم يرم بتدليس، فكيف يصح إعلال حديثه بمثل (عبد الله) هذا الضعيف
؟! ولقد أحسن الرد عليه الأخ علي الحلبي فيما علقه عليه، جزاه الله خيرا.
وهذا هو الأول. الثاني: أورده الحافظ السخاوي في " الابتهاج " (ص 47) وقال
: " أخرجه مسلم وأبو داود بزيادة " ونعمته "، والحاكم بزيادة أن يقوله ثلاث
مرات، ويرفع به صوته ". قلت: وفاته أن زيادة أبي داود عند الحاكم أيضا.
الثالث: ساقه ابن القيم في " الوابل الصيب " (ص 298) بلفظ الحاكم، وصححه
على شرط مسلم، وإنما هو صحيح فقط كما سبق بيانه. وعلق عليه الشيخ إسماعيل
الأنصاري بما لا يجدي، بل وبما يوهم خلاف الواقع فيما يتعلق بكلام الحافظ
السخاوي من المبالغة فيه، وسكت عن بيان الخطأ المشار إليه، فضلا عن شذوذ آخر
في رواية الحاكم، وهو قوله مكان " فأسحر ": فبدا له الفجر "! وكذلك لم
يتنبه لهذا الأخ بدر في تعليقه على " الدعوات "، فتعقب تصحيح الحاكم على شرط
مسلم بقوله: " قلت: قد أخرجه مسلم كما تقدم، فهو ليس كما قالا ". وهذا
الاستدراك عليهما خطأ مضاعف، فإنه مع إقراره إياهما على تصحيحه على شرط مسلم،
فإنه لا يصح عزوه إليه وفيه الشذوذ في المواضع الثلاثة التي ليست عند مسلم،
فتنبه.(6/288)
2639 - " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين ".
رواه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (43 / 2) والبزار (2059)
والطبراني في " المعجم الكبير " عن الأفريقي عن رجل عن عبد الله بن يزيد عن
عبد الله بن عمرو مرفوعا. ورواه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 270)
والقضاعي (104 / 2) عن عبد الرحمن بن زياد عن راشد بن عبد الله المعافري عن
عبد الله بن يزيد به. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الرحمن بن زياد -
وهو ابن أنعم -، وهو الأفريقي في الطريق الأولى، وهو ضعيف في حفظه كما قال
في " التقريب ". وراشد بن عبد الله المعافري - وهو الرجل الذي لم يسم في
الطريق الأولى - ترجمه البخاري وكذا ابن أبي حاتم (1 / 2 / 485) ولم يذكرا
فيه جرحا ولا تعديلا. (تنبيه) : قد عرفت أن صحابي الحديث هو ابن عمرو وهو
ابن العاص، وكذلك وقع في " الترغيب " (3 / 292) و " المجمع " (8 / 80)
و" الجامع الصغير ". لكن وقع في شرحه للمناوي (ابن عمر) ، وبينه الشارح
بقوله: " بن الخطاب "، وهو خطأ موافق لـ " الجامع الكبير " (1 / 115 / 1)
. والحديث، قال المنذري (3 / 292) : " رواه الطبراني والبزار، وفي
إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء
المتقدم ". قلت: يشير إلى حديثه بلفظ:(6/289)
" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام
والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين ". وهو شاهد قوي مخرج
في " تخريج الحلال " (408) وانظر الرقم المتقدم (1448) وبه ينجو الحديث
من الضعف الظاهر من إسناده الذي حملني قديما على إيراده في " ضعيف الجامع "
برقم (1110) ، ثم نبهنا الحافظ المنذري إلى أنه حسن لغيره جزاه الله خيرا،
فلينقل منه إلى " صحيح الجامع "، وقد فعلت، والله تعالى ولي التوفيق.
2640 - " إن عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض
، فدل على رجل (وفي رواية راهب) ، فأتاه، فقال: إني قتلت تسعة وتسعين
نفسا، فهل لي من توبة؟؟ قال: بعد قتل تسعة وتسعين نفسا؟! قال: فانتضى
سيفه فقتله به، فأكمل به مائة، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض؟
فدل على رجل [عالم] ، فأتاه فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال
: ومن يحول بينك وبين التوبة؟! اخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى
القرية الصالحة قرية كذا وكذا، [فإن بها أناسا يعبدون الله] ، فاعبد ربك [
معهم] فيها، [ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء] ، قال: فخرج إلى القرية
الصالحة، فعرض له أجله في [بعض] الطريق، [فناء بصدره نحوها] ، قال:
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قال: فقال إبليس: أنا أولى به،
إنه لم يعصني ساعة قط! قال: فقالت ملائكة الرحمة: إنه خرج تائبا [مقبلا
بقلبه(6/290)
إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط]- فبعث الله عز
وجل ملكا [في صورة آدمي] فاختصموا إليه - قال: فقال: انظروا أي القريتين
كان أقرب إليه فألحقوه بأهلها، [فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى إلى
هذه أن تباعدي] ، [فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد [بشبر] ،
فقبضته ملائكة الرحمة] [فغفر له] . قال الحسن: لما عرف الموت احتفز بنفسه (
وفي رواية: ناء بصدره) فقرب الله عز وجل منه القرية الصالحة، وباعد منه
القرية الخبيثة، فألحقوه بأهل القرية الصالحة ".
أخرجه أحمد (3 / 20 و 72) من طريق همام بن يحيى: حدثنا قتادة عن أبي الصديق
الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: لا أحدثكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم، سمعته أذناي ووعاه قلبي، فذكره بتمامه إلا الجملة التي بين
الشرطتين - فقد قال همام: فحدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن
أبي رافع - فذكرها - ثم رجع إلى حديث قتادة قال: فقال: انظروا ... قلت:
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6 / 373 - فتح) ومسلم
(8 / 104) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 352 / 1) من حديث ابن أبي عدي
عن شعبة عن قتادة به مختصرا، وفيه زيادة: " فأوحى الله ... "، وزيادة: "
فناء بصدره نحوها ". وأخرجه مسلم، والبيهقي أيضا (2 / 352 / 1) من طريق
معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة ... به أتم منه، وفيه سائر الزيادات، إلا
زيادة " بشبر "، فهي عنده من طريق العنبري عن شعبة، ومن طريق ابن أبي عدي
عنه. وقد يستغرب ذكر إبليس في هذه القصة، ولكن لا غرابة في ذلك بعد ثبوت(6/291)
إسنادها، لاسيما وقد جاء ذكره فيها من حديث عبد الله بن مسعود موقوفا، لكن
وقع فيه أنه هو الذي اختصم مع ملك الرحمة، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر برقم
(5254) ثم إن زيادة الإيحاء إلى الأرض يبدو أنها مدرجة لقول قتادة عن الحسن
في آخر الحديث: لما عرف الموت ... إلخ، فانظر " الفتح " و " التعليق الرغيب "
. وقد جاء الحديث عن جمع آخر من " الصحابة " مطولا ومختصرا، خرجها الهيثمي (
10 / 211 - 213) منها عن معاوية بن أبي سفيان، وفي حديثه أن العالم قال: "
لئن قلت لك: إن الله عز وجل لا يتوب على من تاب لقد كذبت ". وفيه في آخره:
" فغفر الله له ". أخرجه أبو يعلى (4 / 1775 - 1776) والطبراني (19 / 369
/ 367) و " مسند الشاميين " (1 / 349) من طريقين عن عبد الرحمن بن يزيد بن
جابر قال: حدثني [عبيدة] بن أبي المهاجر - أو أبو عبد رب، الوليد شك - قال
سمعت معاوية بن أبي سفيان ... فذكره. قلت: رجاله ثقات، لكن عبيدة بن أبي
المهاجر لم يوثقه غير ابن حبان، ولا يعرف إلا بهذه الرواية - وأما (أبو عبد
رب) فهو الدمشقي الزاهد، وهو صدوق كما قال الذهبي، وانظر " تيسير الانتفاع
" - والشك المذكور إنما هو في رواية أبي ليلى، دون الطبراني، ولعل الراجح
أنه من حديث (أبي عبد رب) ، فإنه المحفوظ عن الوليد بن مسلم في حديثين آخرين
تقدم أحدهما برقم (1734) وقد رواهما عنه ابن ماجه وابن حبان من طريق الوليد
به. وساقهما أحمد (4 / 94) سياقا واحدا من طريق عبد الله بن المبارك:
أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد به. فالسند جيد كما قال المنذري (4 / 78) .
ومنها عن عبد الله بن عمرو، وفيه تسمية القرية الأولى " نصرة "، والأخرى(6/292)
"
كفرة ". أخرجه الطبراني بإسناد لا بأس به، كما في " الترغيب "، ورجاله رجال
الصحيح كما في " المجمع "، وسكت عنه الحافظ.
2641 - " لا تقاتل قوما حتى تدعوهم ".
أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (5 / 217 / 9424) : أخبرنا عمر بن ذر عن
يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما بعث عليا بعث خلفه رجلا فقال: " اتبع عليا، ولا تدعه من ورائه، ولكن
اتبعه وخذ بيده، وقل له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم حتى يأتيك
. قال: فأقام حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ... فذكره ". قال عبد
الرزاق: وسمعته أنا من يحيى ابن إسحاق. قلت: وإسناده صحيح، ولكنه معضل
أو مرسل، وقد وصله الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس، فقد ذكره الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (5 / 305) مختصرا نحوه، وقال: " رواه الطبراني في "
الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح " غير عثمان بن يحيى القرقساني، وهو ثقة "
. قلت: وإسناده هكذا (2 / 222 / 1 / 8430 - بترقيمي) : حدثنا موسى بن جمهور
حدثنا عثمان بن يحيى القرقساني حدثنا سفيان عن عمر بن ذر عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن
أبي طالب إلى قوم يقاتلهم، ثم بعث إليه رجلا فقال: لا تدعه من خلفه، وقل له
: لا تقاتلهم حتى تدعوهم ". وقال: " لم يروه عن إسحاق إلا عمر، تفرد به ابن
عيينة ". قلت: وهو ثقة، وكذا من فوقه، وأما القرقساني فوثقه ابن حبان (8 / 455) .(6/293)
وتابعه وكيع: حدثنا عمر بن ذر به. أخرجه ابن أبي شيبة (12 /
363 / 14002) . فصح الإسناد موصولا. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس قال: "
ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم ". أخرجه الدارمي (2
/ 217) والبيهقي (9 / 107) وأحمد (1 / 236) وأبو يعلى (2 / 674)
والطبراني في " الكبير " (3 / 116 / 1) من طرق عن سفيان الثوري عن ابن أبي
نجيح عن أبيه عن ابن عباس به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن
أعله الدارمي بقوله: " قال عبيد الله (يعني ابن موسى) : سفيان لم يسمع من
ابن أبي نجيح. يعني هذا الحديث ". قلت: وهذا إعلال غريب، فإن الثوري ثقة
ثبت، رجحه كثيرون على شعبة، وهو معروف الرواية عن عبد الله بن أبي نجيح،
فدعوى عدم سماعه لهذا الحديث من عبد الله ليس من السهل قبولها إلا بحجة ناهضة،
لا بدعوى مجردة. وقد تابعه حجاج بن أرطاة عن ابن أبي نجيح به. أخرجه أحمد (
1 / 231) وابن أبي شيبة (12 / 365 / 14013) . وتابعه عبد الواحد بن زياد
عن ابن أبي نجيح به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 111 / 2) .
وعبد الواحد بن زياد ثقة من رجال الشيخين. (تنبيه) : هذا الحديث قاعدة هامة
في دعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم،(6/294)
فإن استجابوا فبها ونعمت، وإلا
فرضت عليهم الجزية، فإن رفضوا قوتلوا، وعلى هذا جرى النبي صلى الله عليه
وسلم وأصحابه، ولا يخالف ذلك ما في " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه
وسلم أغار على بني المصطلق، وهم غارون.. أي غافلون، أي أخذهم على غرة.
فإنه ليس فيه أنه لم يكن قد بلغتهم دعوته صلى الله عليه وسلم، كيف وهي قد
بلغت فارس والروم بله العرب، فمن البلاهة بمكان إنكار بعض الكتاب المعاصرين
لهذا الحديث بحجة أنه مخالف للقاعدة المذكورة، فإنه ليس من الضروري أن يدعى
الكفار قبل قتالهم مباشرة! وقد أشار إلى هذا الحسن البصري حين سئل عن العدو؟
هل يدعون قبل القتال؟ قال: " قد بلغهم الإسلام منذ بعث الله محمدا صلى الله
عليه وسلم ". أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 365) وسعيد بن منصور (3 / 2 / 206
/ 2486) وانظر الرد على البعض المشار إليه مع تخريج حديث " الصحيحين " في "
صحيح أبي داود " (2367) .
2642 - " عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 412) وأبو نعيم في " الحلية " (3 /
178) والطبراني في " الكبير " (1 / 12 / 1) و " الأوسط " (4 / 393) من
طرق عن أبي جعفر النفيلي عن يونس بن راشد: حدثنا عون بن محمد ابن الحنفية عن
أبيه عن جده، وقال: " لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به النفيلي
". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل
الحراني.(6/295)
ويونس بن راشد صدوق، لم يتكلم فيه أحد بجرح قادح. وعون بن محمد
ابن الحنفية، ذكره ابن أبي حاتم (3 / 386) برواية اثنين آخرين، ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. فهو على شرط ابن حبان في " ثقاته " فليراجع، ثم وجدته
فيه (7 / 279) وقد حسن إسناده المنذري، فقال في " الترغيب " (3 / 115) :
" رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقال الهيثمي (5 / 96) : " رواه الطبراني في
" الكبير " و " الأوسط "، وفيه عون بن محمد ابن الحنفية، ذكره ابن أبي حاتم
، وروى عنه جماعة، ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات ". وفاته توثيق ابن
حبان إياه. وللحديث شواهد يتقوى بها من حديث ابن عباس، وأبي هريرة، مخرجة
في " الترغيب " (3 / 115) و " المشكاة " (4472) والروض النضير " (407) .
2643 - " إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا لم يعطه [ولو سأله درهما لم يعطه
ولو سأله فلسا لم يعطه] ، ولو سأل الله الجنة لأعطاها إياه، ذو طمرين لا
يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 177 / 2 / 7699 - بترقيمي) : حدثنا محمد
بن إبراهيم العسال: أخبرنا سهل بن عثمان: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم
بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا.(6/296)
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال
مسلم غير العسال هذا، وقد وثقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 217) لكن
في سنده انقطاع، فقد قال أبو حاتم: " لم يدرك سالم بن أبي الجعد أبا الدرداء
". وغفل عن هذه العلة المنذري (4 / 94) ، ثم الهيثمي (10 / 264) ، فقالا
: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح ". لكن للحديث شواهد
يتقوى بها، منها عن أنس مرفوعا بلفظ: " رب أشعث أغبر ذي طمرين، مصفح عن
أبواب الناس، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (4 /
406) من طريق عبد الله بن موسى التيمي عن أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله عن
أنس مرفوعا. وهذا إسناد حسن في الشواهد رواته موثقون، إلا أن التيمي هذا قال
الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". ومنها عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " رب أشعث
مدفوع على الأبواب، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه مسلم (8 / 36 / 154)
من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وتابعه كثير بن زيد عن المطلب بن
عبد الله عنه مرفوعا نحوه، وزاد: " تنبو عنه أعين الناس ". أخرجه الحاكم (4 / 328) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.(6/297)
وأقول بل هو حسن فقط،
فإن كثير بن زيد - وهو الأسلمي - فيه كلام من قبل حفظه.
2644 - " ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها؟ تصلح بين الناس، فإنها صدقة يحب الله
موضعها ".
أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 50) من طريق أبي أمية: أخبرنا كثير بن
هشام عن أبي (كذا) المسعودي عن أبي جناب عن رجل عن أبي أيوب الأنصاري رضي
الله عنه مرفوعا. 2 - ثم رواه من طريق ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن عثمان
العجلي: أخبرنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن عمر عن عمر مولى غفرة عن أبي أيوب
الأنصاري به نحوه. 3 - ومن طريقه أيضا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل أخبرنا جرير
عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ... فذكره مرسلا. قلت: وهذه الأسانيد كلها ضعيفة. أما
الأول، فهو مسلسل بالعلل الآتية: الأولى: جهالة الرجل الذي لم يسم. الثانية
: ضعف أبي جناب، واسمه يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه
". الثالثة: المسعودي، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود
الكوفي، قال الحافظ:(6/298)
" صدوق اختلط قبل موته ". الرابعة: أبو أمية، وهو
محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي، وهو " صدوق يهم " كما في "
التقريب ". والثاني مسلسل بالعلل أيضا: الأولى: عمر مولى غفرة، واسم أبيه
عبد الله. قال الحافظ: " ضعيف كثير الإرسال ". الثانية: عبد الله بن عمر،
وهو العمري المكبر، ضعيف مشهور بذلك. الثالثة: خالد بن مخلد وهو القطواني
، قال الحافظ: " صدوق يتشيع، وله أفراد ". والثالث، رجاله كلهم ثقات رجال
مسلم غير إسحاق بن إسماعيل - وهو الطالقاني - وهو ثقة، فهو إسناد صحيح،
ولكنه مرسل. وله طريق رابعة، أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 196 / 1)
من طريق موسى بن عبيدة عن عبادة بن عمير بن عبادة بن عوف قال: قال لي أبو أيوب
: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره بلفظ: " ... يحبها الله
ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا ". والباقي مثله. وإسناده
ضعيف أيضا، عبادة بن عمير لم أجد من ترجمه. وموسى بن عبيدة ضعيف. إلا أن
الحديث عندي يرتقي إلى مرتبة الحسن على الأقل، بمجموع هذه الطرق، لاسيما
وفيها ذلك المرسل الصحيح. والله أعلم.(6/299)
ثم وجدت لحديث أبي أيوب طريقا أخرى،
فقال الطيالسي في " مسنده " (81 / 598) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (7
/ 490 / 11094) : حدثنا أبو الصباح الشامي عن عبد العزيز الشامي عن أبيه عن
أبي أيوب به نحوه. قلت: وهذا إسناد مظلم، من دون أبي أيوب لم أعرف أحدا
منهم.
2645 - " إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 269) : حدثنا إبراهيم حدثنا عمرو بن عثمان
: أخبرنا محمد بن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال: " لم يروه عن محمد بن خالد
إلا عمرو ". قلت: وهو الوهبي، وهو ثقة، وكذا من فوقه على ضعف يسير في
محمد بن عمرو، فالسند حسن على ما يأتي بيانه. وإبراهيم هو ابن محمد بن عرق
الحمصي كما في ترجمة شيخه عمرو من " تاريخ ابن عساكر " (13 / 289 / 2) وأما
إبراهيم نفسه فلم يترجم له هو. وقال الحافظ في " اللسان ": " هو شيخ
للطبراني غير معتمد ". ثم روى الطبراني وابن عدي في " الكامل " (2 / 376)
من طريق حمزة بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " أكرم المجالس ما
استقبل به القبلة "، وقالا: " لم يروه عن نافع إلا حمزة ".(6/300)
قلت: وهذا
إسناد ضعيف جدا، حمزة بن أبي حمزة الجزري النصيبي، متروك متهم بالوضع كما في
" التقريب ". ولهذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 59) : " رواه
الطبراني في " الأوسط "، وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك ". وقال في
حديث الترجمة: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده حسن ". وكذا قال
المنذري (4 / 61) وهو كما قالا لولا جهالة ابن عرق الحمصي، فلعلهما وقفا
على توثيق له، أو متابع له، وإلى هذا يشير قول الطبراني المتقدم: " لم يروه
... إلا عمرو ". والله أعلم. وقد روى له الطبراني حديثا آخر في " المعجم
الصغير " (180 / الروض النضير) . وله في " المعجم الأوسط " (17) حديثا (
2522 - 2539) وقريب منها في " الدعاء " (انظر المجلد الأول منه ص 167)
وذكره المزي فيمن روى عن (عمرو ابن عثمان الحمصي) و (محمد بن مصفى) .
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " إن لكل شيء شرفا، وإن شرف
المجالس ما استقبل به القبلة ". وهو مخرج في الكتاب الآخر (1486) .
2646 - " كم من جار متعلق بجاره يقول: يا رب! سل هذا لم أغلق عني بابه، ومنعني
فضله؟ ".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " مكارم الأخلاق " (ص 85 رقم 345)(6/301)
والأصبهاني في "
الترغيب " (ص 223 - الجامعة) من طريق موسى بن خلف: حدثنا أبان عن عطاء عن
ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا، وقال الأصبهاني: " أبان هو ابن بشير
المكتب ". قلت: وهو مجهول كما قال ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في "
الثقات " (6 / 68) (1) ، وقد روى عنه جمع كما في " تيسير الانتفاع ".
ويتقوى حديثه برواية عبد السلام عن ليث عن نافع عن ابن عمر قال: " لقد أتى
علينا زمان - أو قال: حين - وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم
الآن الدنيا والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت النبي صلى الله عليه
وسلم يقول: ... فذكره. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (111) . قلت:
ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ليث وهو ابن أبي سليم على الراجح، فإنه قد شاركه
في الرواية عن نافع ليث بن سعد الإمام الحجة، لكن هذا لم يذكروا في الرواة عنه
عبد السلام هذا، وهو ابن حرب، وإنما ذكروه في الرواة عن ابن أبي سليم،
وهو ضعيف من قبل حفظه، فيتقوى حديثه بالذي قبله. والله أعلم. (تنبيه) : لم
يطلع المنذري في " الترغيب " (3 / 237) على رواية البخاري هذه لهذا الحديث،
فاقتصر في عزوه على الأصبهاني وحده، وبناء عليه أشار إلى تضعيفه! ولو وقف
على هذه الرواية لما فعل ذلك إن شاء الله تعالى.
_________
(1) قلت: وقع فيه " ابن كثير ". والتصحيح من " التاريخ " و " الجرح " و "
اللسان ". وانظر " تيسير الانتفاع ". اهـ.(6/302)
2647 - " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر
تعانقوا ".
رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 8 / 1 / 99 - بترقيمي) قال: حدثنا
أحمد ابن يحيى بن خالد بن حيان الرقي حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا عبد
السلام بن حرب عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: ... فذكره. ثم قال: " لم
يروه عن شعبة إلا عبد السلام. تفرد به الجعفي ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما
في " التقريب "، وهو من شيوخ البخاري في " الصحيح "، ومن فوقه من رجال
الشيخين، ولذلك قال المنذري (3 / 270) وتبعه الهيثمي (8 / 36) : " رواه
الطبراني، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". قلت: فالإسناد جيد، وإن كنت
لم أجد من ترجم أحمد بن يحيى الرقي (1) ، فإن الظاهر من كلام الطبراني أنه لم
يتفرد به. ثم هو من مشايخه المكثيرين، فقد روى له نحو ثمانين حديثا (78 -
160) . ويشهد له حديث جابر بن عبد الله أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم في الشام فسافر إليه فإذا عبد الله بن أنيس قال: فخرج
فاعتنقني،..... الحديث. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (969) وغيره
بسند حسن وعلقه البخاري في " كتاب العلم " من صحيحه "، وترجم له في " الأدب
المفرد " بـ " باب المعانقة ". ثم وجدت للحديث طريقا آخر، يرويه غالب التمار
قال:
_________
(1) وهو من تلامذة الإمام أحمد كما في " طبقات الحنابلة " (1 / 184) . اهـ.(6/303)
كان محمد بن سيرين يكره المصافحة، فذكرت ذلك للشعبي، فقال: " كان
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا، فإذا قدموا من سفر عانق
بعضهم بعضا ". أخرجه البيهقي في " سننه " (7 / 100) بإسناد جيد كما قال
الحافظ ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 272) . ويشهد له ما
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (4 / 28 - تحقيق صاحبنا محمد زهري
النجار) من طريق أبي غالب عن أم الدرداء قالت: " قدم علينا سلمان فقال: أين
أخي؟ قلت: في المسجد، فأتاه، فلما رآه اعتنقه ". قلت: وإسناده حسن.
فقه الحديث: يؤخذ من هذا الحديث فائدتان: الأولى: المصافحة عند التلاقي.
والأخرى: المعانقة بعد العودة من السفر. ولكل منهما شواهد عن النبي صلى الله
عليه وسلم. أما الأولى، ففيها أحاديث كثيرة معروفة من فعله صلى الله عليه
وسلم وقوله، وقد مضى بعضها في هذه " السلسلة " برقم (160 و 529 و 530
و2004 و 2485) . وانظر " الترغيب " (3 / 270 - 271) و " الآداب الشرعية "
لابن مفلح (2 / 277) . وأما الأخرى، ففيه حديث جابر رضي الله عنه قال: "
لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم ".(6/304)
وهو حديث صحيح كما
سيأتي بيانه إن شاء الله في هذا المجلد برقم (2657) . قلت: وفي ذلك من
الفقه تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى:
المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة. ولهذا كنت أتحرج من المعانقة في
الحضر، وبخاصة أنني كنت خرجت في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم 160)
حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل. ثم لما جهزت
المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام "
ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قويت الحديث، فحذفتها منه
كما سيرى في الطبعة الجديدة من المجلد إن شاء الله، وقد صدر حديثا والحمد
لله. فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن
التيهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم
إلى منزله رضي الله عنه الثابت في " الشمائل المحمدية " (رقم 113 ص 79 - مختصر
الشمائل) ولكن هذا إنما يدل على الجواز أحيانا، وليس على الالتزام
والمداومة كما لو كان سنة، كما هو الحال في المصافحة فتنبه. وقد رأيت للإمام
البغوي رحمه الله كلاما جيدا في التفريق المذكور وغيره، فرأيت من تمام
الفائدة أن أذكره هنا، قال رحمه الله في " شرح السنة " (12 / 293) بعد أن
ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهره الاختلاف: " فأما المكروه من المعانقة
والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه
فعند التوديع وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب وشدة الحب في الله
. ومن قبل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة.(6/305)
وإنما كره ذلك في
الحضر فيما يرى لأنه يكثر ولا يستوجبه كل أحد، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون
بعض وجد عليه الذين تركهم، وظنوا أنه قصر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام
التحية المصافحة ". واعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة وصاحبه محمد إلى
كراهة المعانقة، حكاه عنهما الطحاوي خلافا لأبي يوسف. ومنهم الإمام مالك،
ففي " الآداب الشرعية " (2 / 278) : " وكره مالك معانقة القادم من سفر،
وقال: " بدعة "، واعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم،
بأنه خاص له، فقال له سفيان: ما تخصه بغير دليل، فسكت مالك. قال القاضي:
وسكوته دليل لتسليم قول سفيان وموافقته، وهو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص "
. هذا وقد تقدم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبل الفم، وبين وجه ذلك
الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية "، فقال (2 / 275) : " ويكره تقبيل
الفم، لأنه قل أن يقع كرامة ". ويبدو لي من وجه آخر، وهو أنه لم يرو عن
السلف، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وما أحسن ما قيل: وكل خير في اتباع من
سلف وكل شر في ابتداع من خلف. فالعجب من ذاك الدكتور الحلبي القصاص الواعظ
الذي نصب نفسه للرد على علماء السلفيين وأتباعهم، وتتبع عثراتهم، وأقوالهم
المخالفة لأقوال العلماء بزعمه، وينسى نفسه، فقد سمعت له شريطا ينكر فيه على
أحدهم عدم شرعية تقبيل الفم، ويصرح بأنه كتقبيل الجبهة واليد وأنه لا فرق!
فوقع في المخالفة التي ينكرها على السلفيين، ولو أن أحدا منهم قاس هذا القياس
(البديع!) لأبرق وأرعد وصاح وتباكى، وحشد كل ما يستطيع حشده من أقوال
العلماء! وأما هو فلا بأس(6/306)
عليه من مخالفتهم! * (يا أيها الذين آمنوا لم
تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *. أصلحه
الله وهداه.
2648 - " كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى
يقرأ أحدهما على الآخر: * (والعصر إن الإنسان لفي خسر) *، ثم يسلم أحدهما
على الآخر ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 11 / 2 / 5256) : حدثنا محمد بن هشام
المستملي: حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن
أبي مدينة الدارمي - وكانت له صحبة - قال: ... فذكره. وقال: " لا يروى
عن أبي مدينة إلا بهذا الإسناد. قال ابن المديني: اسم أبي مدينة عبد الله بن
حفص ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن هشام
المستملي، وهو أبو جعفر المروزي المعروف بابن أبي الدميك، مستملي الحسن بن
عرفة، توفى سنة (289) ، ترجمه الخطيب (3 / 361 - 362) ووثقه. وقال
الدارقطني: لا بأس به. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 307)
وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو
ثقة ". ثم رأيت الحديث في " شعب الإيمان " (6 / 501 / 9057) من طريق يحيى
ابن أبي بكير قال: أخبرنا حماد بن سلمة به. وقال:(6/307)
" ورواه غيره عن حماد عن
ثابت عن عتبة بن الغافر قال: كان الرجلان ... فذكره ". قلت: لم أجد من وصله
، ولا عرفت عتبة بن الغافر، والمحفوظ رواية الثقتين يحيى بن أبي بكير وابن
عائشة عن حماد. (تنبيه) : سقطت جملة التسليم في آخر الحديث من " مجمع
الزوائد " و " مجمع البحرين " أيضا، وهي ثابتة في أصلهما: " المعجم الأوسط "
كما ترى، وفي " شعب الإيمان " أيضا، وفي غيره من المصادر التي عزت الحديث
إلى الطبراني، مثل " تفسير ابن كثير " (4 / 547) و " الدر المنثور " (6 /
392) . وأما قول المعلق على " مجمع البحرين " (8 / 272) في الحاشية، وقد
ألحقها بآخر الحديث بين معقوفتين [] : " ما بين المعكوفتين من طص ". فما أراه
إلا وهما، لأن هذا الرمز (طص) إنما يعني عنده " معجم الطبراني الصغير " كما
نص عليه في المقدمة (ص 28) ولم يخرجه الطبراني في " الصغير "، وهو نفسه لم
يعزه إليه في تخريجه إياه. والله أعلم. وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى
عليه عمل سلفنا رضي الله عنهم جميعا: إحداهما: التسليم عند الافتراق، وقد
جاء النص بذلك صريحا من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا انتهى أحدكم إلى
المجلس فليسلم، وإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة ".
وهو حديث صحيح مخرج في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم(6/308)
(183) وهو في
" صحيح الأدب المفرد " برقم (773 / 986) وقد صدر حديثا وفي " صحيح زوائد
ابن حبان " ( ... / 1931) وهو تحت الطبع. وفي معناه الأحاديث الآمرة بإفشاء
السلام، وقد تقدم بعضها برقم (184 و 569 و 1493) . والأخرى: نستفيدها من
التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس
عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، ولم لا وقد أثنى الله
تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: * (والسابقون الأولون من المهاجرين
والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات
تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) * (1) . وقال ابن
مسعود والحسن البصري: " من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه
وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها
هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة
دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي
المستقيم " (2)
2649 - " كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 276 / 1 - مجمع البحرين) : حدثنا
_________
(1) انظر " إعلام الموقعين " لابن القيم (4 / 159) لتتبين معنى الاتباع،
وأنه واجب.
(2) أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 97) بإسنادين عنه،
وعزاه ابن القيم (4 / 179) للإمام أحمد - ولعله يعني في " الزهد " - عن ابن
مسعود. وانظر " المشكاة " (193) . اهـ.(6/309)
محمد بن
الحسن حدثنا يزيد بن موهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن عبد الله بن الأشج
حدثه أن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع حدثه أنه سمع سلمة بن الأكوع
يقول: ... فذكره، وقال: " لم يروه عن سلمة إلا يزيد، ولا عنه إلا بكير
، تفرد به عمرو ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا من فوقه. ويزيد
بن موهب، هو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الهمداني الرملي، وهو
ثقة مترجم في " التهذيب ". ومحمد بن الحسن هو ابن قتيبة العسقلاني، وهو ثقة
أيضا، مترجم في " تاريخ ابن عساكر ". فالسند صحيح، وقد قواه الهيثمي تبعا
للمنذري، فقال في " مجمع الزوائد " (8 / 73) : " رواه الطبراني في " الأوسط
" و " الكبير " بنحوه، وإسناد " الأوسط " جيد، وفي إسناد " الكبير " ابن
لهيعة، وهو لين ". وقال المنذري (3 / 287) : " رواه الطبراني بإسناد جيد
".
2650 - " ليس منا من سحر (أو سحر له) أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 169 - زوائده) والطبراني في " الأوسط " (4 /
393) عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
وقال البزار: " لا نعلمه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وزمعة ضعيف ".(6/310)
وكذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 217) . وأقول: وسلمة بن وهرام
قريب منه. لكن للحديث شاهد من رواية أبي حمزة العطار إسحاق بن الربيع: عن
الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا بلفظ: " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن
أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن عقد عقدة، أو قال عقد عقدة، ومن أتى
كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". أخرجه البزار وقال: " قد
روي بعضه من غير وجه، فأما بتمامه ولفظه فلا نعلمه إلا عن عمران بهذا الطريق
، وأبو حمزة بصري لا بأس به ". وقال المنذري (4 / 52) : " رواه البزار
بإسناد جيد، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس دون قوله: " ومن أتى ... " إلخ
، بإسناد حسن ". كذا قال، وهو مردود بضعف زمعة، إلا أن يعني أنه حسن لغيره
، فنعم. وقال الهيثمي: " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن
الربيع، وهو ثقة ". قلت: نعم، ولكن الحسن - وهو البصري - مدلس وقد
عنعنه، فهو جيد بحديث الترجمة، وأما قوله: " ومن أتى ... "، فله شواهد
كثيرة، وبعض أسانيدها صحيح، وهي مخرجة في " الإرواء " (2066) ، ومع ذلك
فقد ضعفه الجاني على السنة في تعليقه على " إغاثة اللهفان " (1 / 359)
متجاهلا إسناده الصحيح. وقد تقدم تخريج الحديث برقم (2195) ، فقدرت الإعادة
لزيادة فائدة.(6/311)
2651 - " من قرأ * (سورة الكهف) * [كما أنزلت] كانت له نورا يوم القيامة، من مقامه
إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره، ومن توضأ فقال
: سبحانك اللهم وبحمدك [أشهد أن] لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب
في رق، ثم جعل في طابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة ".
أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (81 و 952) والطبراني في " الأوسط
" (1 / 5 / 1) من طريق يحيى بن محمد بن السكن، والحاكم (1 / 564) من طريق
أبي قلابة عبد الملك بن محمد، والزيادة له، كلاهما عن يحيى بن كثير العنبري
: حدثنا شعبة عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد
الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال الطبراني
: " لم يروه عن شعبة إلا يحيى ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من
فوقه، فهو إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "
إنما هو من أوهامه، وإن تابعه الذهبي. وقد أعل بالوقف، فقال الهيثمي (1 /
239) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح "، إلا أن
النسائي قال بعد تخريجه في " اليوم والليلة ": (هذا خطأ، والصواب موقوفا)
". ثم رواه من رواية الثوري، وغندر عن شعبة موقوفا. ونحوه في " الترغيب "
(1 / 105) .(6/312)
قلت: ورواية سفيان الموقوفة، أخرجها النسائي (954) والحاكم
أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه عن أبي هاشم به موقوفا. وقد رواه يوسف
بن أسباط عن سفيان به مرفوعا بالشطر الأخير منه. أخرجه ابن السني (رقم 30) .
لكن ابن أسباط ضعيف. ورواه هشيم عن أبي هاشم به، إلا أنه اختلف عليه وقفا
ورفعا، فرواه أبو النعمان عنه موقوفا بالشطر الأول نحوه. أخرجه الدارمي (2 /
454) . وخالفه نعيم بن حماد فرواه عنه مرفوعا. أخرجه الحاكم (2 / 368)
وقال: " صحيح الإسناد "!! . وخالفهم جميعا قيس بن الربيع فقال: عن أبي هاشم
الرماني عن أبي مجلز السدوسي عن قيس بن أبي حازم البجلي عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا بالفقرة الأخيرة. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (8 / 25) ووقع في
سنده بعض الأخطاء المطبعية. قلت: وقيس بن الربيع سيىء الحفظ، وقد خالفهم
في قوله: " قيس بن أبي حازم " مكان قولهم: " قيس بن عباد ". وخلاصة القول:
إن الحديث صحيح، لأنه وإن كان الأرجح سندا الوقف، فلا يخفى أن مثله لا يقال
بالرأي، فله حكم الرفع. والله أعلم.(6/313)
(تنبيه) : قد سبق في حديث أبي
الدرداء المتقدم برقم (582) أن العصمة من الدجال قراءة عشر آيات من أول سورة
(الكهف) . وفي حديث الترجمة (عشر آيات من آخرها) وهو رواية في حديث أبي
الدرداء المشار إليه، ولكنها شاذة كما كنت بينته هناك، لكن حديث الترجمة
شاهد قوي لها، ولذلك فإني أراني مضطرا إلى القول بصحة الروايتين، وأنها
بمنزلة قراءتين لآية واحدة، يجوز العمل بكل منهما، لأن لكل منها شاهدا يدل
على أنهما محفوظتان، كما يتبين ذلك للقارئ الملم بالتحقيق المذكور هنا وهناك
. والله أعلم. ثم تنبهت لشيء هام حملني على التراجع عن قولي هذا الأخير، ألا
وهو أن هذا الشاهد مداره على شعبة أيضا، كحديث أبي الدرداء المشهود له،
وهذا لا يصلح كما هو ظاهر. ولاسيما أنه قد خالفه في هذا الحديث سفيان فقال: "
سورة الكهف " في الموضعين، فلم يقل: " من آخرها "، كما قال شعبة، رواه
عنهما النسائي (949 و 952) ، وبخاصة أن شعبة اضطرب فيها كما تقدم بيانه هناك.
2652 - " من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان:
براءة من النار وبراءة من النفاق ".
روي من حديث أنس وأبي كاهل وعمر بن الخطاب. 1 - أما حديث أنس، فله عنه
أربعة طرق: الأولى: عن أبي قتيبة سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن
أبي ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره.
أخرجه الترمذي (2 / 7 - شاكر) وأبو سعيد ابن الأعرابي في " المعجم " (ق 116
/ 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 103 / 2 و 116 / 1) وأبو القاسم(6/314)
الهمداني
في " الفوائد " (ق 197 / 1) والبيهقي في " الشعب " (3 / 61 / 2872) . قلت
: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن أعله الترمذي بالوقف، فقال: " وقد روي هذا
الحديث موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو
عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس. وإنما يروى هذا الحديث عن حبيب ابن أبي حبيب
البجلي عن أنس بن مالك قوله ". قلت: ثم وصله هو وابن عدي من طريق وكيع عن
خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب (زاد الترمذي: البجلي) عن أنس نحوه
موقوفا عليه لم يرفعه. قلت: وهذا ليس بعلة قادحة لأنه لا يقال بمجرد الرأي،
فهو في حكم المرفوع، لاسيما وقد رفعه عبد الرحمن بن عفراء الدوسي: حدثنا
خالد بن طهمان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه
هكذا دون ذكر حبيب. أخرجه ابن عدي. والدوسي هذا صدوق، ومثله شيخه خالد بن
طهمان إلا أنه كان اختلط، فلا أدري أسقط منه ذكر حبيب في السند أم من الناسخ،
ولعل هذا أقرب، فقد قال ابن عدي: " وهذا الحديث قد ذكر فيه حبيب بن أبي
حبيب، فروى عنه هذا الحديث طعمة بن عمرو، وخالد بن طهمان، رفعه عنه طعمة،
ورواه خالد عنه مرفوعا وموقوفا، ولا أدري حبيب بن أبي حبيب هذا هو صاحب
الأنماط، أو حبيب آخر؟! ".(6/315)
قلت: فمن الظاهر من كلام ابن عدي هذا أن في
الرواية المرفوعة عن خالد بن طهمان (حبيب بن أبي حبيب) ، فهو يرجح أن السقط
من الناسخ. ثم هو قد ذكر ذلك في ترجمة حبيب بن أبي حبيب صاحب الأنماط، ولا
أرى أن له علاقة بهذا الحديث، لاسيما وهو متأخر الطبقة، فإنه من أتباع
التابعين، روى عن قتادة وغيره، فهو إما حبيب بن أبي حبيب البجلي كما هو
مصرح به في رواية الترمذي، وإما حبيب بن أبي ثابت كما في رواية الترمذي
وغيره، لكن وقع في رواية ابن عدي: " عن حبيب - قال أبو حفص: وهو الحذاء ".
فلعل الحذاء لقب حبيب بن أبي ثابت عند أبي حفص، وهو عمرو بن علي الفلاس
الحافظ، فتكون فائدة عزيزة لم يذكروها في ترجمة ابن أبي ثابت. والله سبحانه
وتعالى أعلم. وجملة القول: إن الحديث يدور على حبيب بن أبي ثابت أو حبيب بن
أبي حبيب، وكلاهما ثقة، لكن الأول أشهر وأوثق، إلا أنه مدلس، فإن كان
الحديث حديثه فعلته التدليس، وإن كان الحديث حديث ابن أبي حبيب البجلي - وبه
جزم البيهقي كما يأتي - فعلته اختلاط خالد بن طهمان الراوي عنه، لكنه يتقوى
بمتابعة طعمة له، وكذلك يتقوى في حال كون الحديث محفوظا عن الحبيبين، كما هو
ظاهر لا يخفى لذي عينين. الثانية: ثم قال الترمذي: " وروى إسماعيل بن عياش
هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى
الله عليه وسلم نحو هذا. وهذا حديث غير محفوظ، وهو مرسل، وعمارة بن غزية
لم يدرك أنس بن مالك ".(6/316)
قلت: وصله ابن ماجه (798) : حدثنا عثمان بن أبي
شيبة: حدثنا إسماعيل بن عياش به، ولفظه: " من صلى في مسجد جماعة أربعين
ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء، كتب الله له بها عتقا من النار "
. وأخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (12 / 275) من طريق آخر عن إسماعيل بلفظ
: " الظهر "، مكان " العشاء ". ورواه سعيد بن منصور أيضا في " سننه " كما في
" التلخيص الحبير " (2 / 27) عن إسماعيل، وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا
من روايته عن مدني، كما قال الحافظ، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في " العلل
" وضعفه، وذكر أن قيس بن الربيع وغيره روياه عن أبي العلاء عن حبيب بن أبي
ثابت: قال: " وهو وهم، وإنما هو حبيب الإسكاف ". الثالثة: عن يعقوب بن
تحية قال: حدثنا يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا بلفظ: " من صلى
أربعين يوما في جماعة: صلاة الفجر، وعشاء الآخرة أعطي براءتين ... " الحديث
. أخرجه أبو المظفر الجوهري في " العوالي الحسان " (ق 161 / 1 - 2) والخطيب
في " التاريخ " (14 / 288) وابن عساكر (15 / 127 / 2) من طرق عن يعقوب به
. أورده الخطيب في ترجمة يعقوب هذا، وسماه يعقوب بن إسحاق بن تحية أبو يوسف
الواسطي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، إلا أنه ساق له بعض الأحاديث التي
تدل على حاله، وقال الذهبي:(6/317)
" ليس بثقة، وقد اتهم ". ثم ساق له بسنده
المذكور عن أنس مرفوعا: " إن من إجلالي توقير المشايخ من أمتي "، وقال: "
قلت: هو المتهم بوضع هذا ". وأورد هذه الطريق ابن الجوزي في " العلل " من
حديث بكر بن أحمد بن يحيى الواسطي عن يعقوب بن تحية به. وقال: " بكر ويعقوب
مجهولان ". ذكره الحافظ وأقره، وفاته أن بكرا قد توبع عند الخطيب وغيره،
كما أشرت إلى ذلك آنفا بقولي في تخريجه: " من طرق عن يعقوب ". فالعلة محصورة
في يعقوب وحده. الرابعة: عن نبيط بن عمرو عن أنس مرفوعا بلفظ: " من صلى في
مسجدي هذا أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة ... " الحديث. قلت:
ونبيط هذا مجهول، والحديث بهذا اللفظ منكر، لتفرد نبيط به ومخالفته لكل من
رواه عن أنس في متنه كما هو ظاهر، ولذلك كنت أخرجته قديما في " الضعيفة " (
رقم 364) فأغنى ذلك عن تخريجه هنا. ومن الغرائب أن بعض إخواننا من أهل
الحديث تسرع فكتب مقالا نشره في " مجلة الجامعة السلفية " ذهب فيه إلى تقوية
هذا الحديث المنكر، متجاهلا جهالة نبيط هذا، ومخالفة متن حديثه للطرق
المتقدمة. ولقد اضطررت أن أقول: " متجاهلا " لأنه في رده على الغماري في بعض
أحاديث التوسل قد صرح بأن(6/318)
توثيق ابن حبان لا يوثق به عند العلماء! ثم رأيناه
قد وثق هو به، فوثق نبيطا هذا تبعا له، وليس له إلا راو واحد، ومع ذلك
ففيه ضعف. ولله في خلقه شؤون. ومما يؤكد نكارته الشاهد الآتي لحديث الترجمة
: 2 - وأما حديث أبي كاهل، فيرويه الفضل بن عطاء عن الفضل بن شعيب عن منظور
عن أبي معاذ عن أبي كاهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... ، فذكر
حديثا طويلا، وفيه: " اعلمن يا أبا كاهل أنه من صلى أربعين يوما وأربعين
ليلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كان حقا على الله عز وجل أن يرويه يوم
المعطش ". أخرجه الطبراني (18 / 361 - 362) والعقيلي (ص 353) في ترجمة
الفضل هذا، وقال: " إسناده مجهول، وفيه نظر ". وقد ساقه المنذري بطوله
في " الترغيب " (4 / 139 - 140) من رواية الطبراني، ثم قال: " وهو بجملته
منكر، وتقدم في مواضع من هذا الكتاب ما يشهد لبعضه، والله أعلم بحاله ".
والخلاصة: فالحديث بمجموع طرقه الأربعة عن أنس حسن على أقل الأحوال، وبقية
الطرق إن لم تزده قوة. فلن تؤثر فيه ضعفا. والله تعالى أعلم. ثم رأيت
البيهقي رحمه الله جزم بأن حبيبا في الطريق الأولى هو حبيب ابن أبي حبيب البجلي
أبو عمير، وأن من قال في السند: " حبيب بن أبي ثابت فقد أخطأ ". ثم ساقه من
طريق طعمة، ومن طريق خالد بن طهمان على الصواب. فأحدهما يقوي الآخر كما سبق
. والله تعالى أعلم.(6/319)
3 - وأما حديث عمر بن الخطاب، فأخرجه ابن ماجه وابن
عساكر كما تقدم في الطريق الثانية عن أنس مع بيان علته. (تنبيه) : تبين فيما
بعد أن الحديث سبق مخرجا في المجلد الرابع برقم (1979) لكن لما رأيت أن
تخريجه هنا أوسع وأنفع منه هناك رأيت الاحتفاظ به هنا. " وما قدر يكن ".
2653 - " ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل، وهذه عنده؟ أنفقيها ".
ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله عنها طرق: الأولى: عن محمد بن
عمرو عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه
الذي مات فيه: [يا عائشة] ما فعلت الذهب؟ قالت: قلت: هي عندي. قال:
ائتيني بها. فجئت بها، وهي ما بين التسع أو الخمس، فوضعها في يده، ثم قال
بها - وأشار يزيد بيده -: فذكره. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2142 -
موارد) وأحمد (6 / 182) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 2 / 33) . قلت:
وهذا إسناد حسن صحيح، فقد تابع محمد بن عمرو، أبو حازم عن أبي سلمة به أخرجه
ابن سعد، وابن حبان (2143) . وتابعه الوازع بن نافع عند أبي الشيخ ابن
حيان في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 303) لكن الوازع متروك.
الثانية: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال:(6/320)
دخلت أنا وعروة
بن الزبير يوما على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات
يوم في مرض مرضه، قالت: وكان له عندي ستة دنانير - قال موسى - أو سبعة،
قالت: فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت: فشغلني وجع نبي
الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، قالت: ثم سألني عنها فقال: ما فعلت
الستة؟ قال: أو السبعة؟ قلت: لا والله لقد كان شغلني وجعك. قالت: فدعا
بها، ثم وضعها في كفه، فقال: فذكره. دون قوله: " أنفقيها ". أخرجه ابن
حبان (2141) وأحمد (6 / 104) . قلت: وإسناده صحيح بما قبله، رجاله ثقات
رجال الشيخين غير موسى ابن جبير وهو الأنصاري المدني، وقد روى عنه جمع من
الثقات، وأورده ابن حبان في " ثقاته " (7 / 451) وقال: " كان يخطىء
ويخالف ". الثالثة: عن يعقوب بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن أبيه أو عبيد الله
بن عبد الله - شك يعقوب - عن عائشة قالت: أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثمانية دراهم بعد أن أمسينا، فلم يزل قائما وقاعدا لا يأتيه النوم، حتى سمع
سائلا يسأل، فخرج من عندي فما عدا أن دخل، فسمعت غطيطه، فلما أصبح قلت: يا
رسول الله رأيتك أول الليل قائما وقاعدا لا يأتيك النوم حتى خرجت من عندي،
فما عدا أن دخلت فسمعت غطيطك؟ قال: أجل، أتت رسول الله ثمانية دراهم بعد أن
أمسى، فما ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، دون الزيادة. أخرجه
ابن سعد. ورجاله ثقات غير والد عبد الرحمن، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 /
300) ، فقال:(6/321)
" محمد بن عبد الله بن عبد القاري، وهو جد يعقوب بن عبد
الرحمن المديني الإسكندراني، روى عن أبيه عن عمر وأبي طلحة. روى عنه الزهري
وابنه عبد الرحمن ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان
فليراجع كتابه " الثقات " (7 / 374) ، وقد تردد يعقوب هل هو الراوي له عن
عائشة، أو عبيد الله بن عبد الله، وعبيد الله هذا لم أعرفه، ومحمد بن عبد
الله القاري مجهول الحال فيما يظهر مما نقلته عن ابن أبي حاتم، فإن صح هذا عن
عائشة، فهي قصة أخرى غير التي تقدمت. والله أعلم. ونحوها ما أخرجه ابن سعد
أيضا، قال: أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي أبي حازم
عن سهل بن سعد قال: " كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير
وضعها عند عائشة، فلما كان في مرضه قال: يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي. ثم
أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغل عائشة ما به، حتى قال ذلك ثلاث
مرات، كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشغل عائشة ما به،
فبعثت - يعني به - إلى علي فتصدق به، ثم أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليلة الاثنين في جديد الموت، فأرسلت عائشة إلى امرأة من النساء بمصباحها،
فقالت: اقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن، فإن رسول الله صلى الله عليه
وسلم في جديد الموت ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال
المنذري (2 / 42) ، ثم الهيثمي (3 / 124) : " رواه الطبراني في " الكبير "
ورواته ثقات محتج بهم في (الصحيح) ". (جديد الموت) كذا وقع في " الطبقات
" و " المجمع " و " الترغيب " أيضا(6/322)
(طبعة المنيرية) لكن المعلق عليه صححه
بزعمه فجعله (حديد) بالحاء المهملة ثم علق عليه فقال: " في بعض النسخ " جديد
الموت " بالجيم، وهو خطأ، والصواب " حديد " بالحاء المهملة، أي بسجن الموت
وشدته والله أعلم ". قلت: وما خطأه هو الصواب، والمعنى ظاهر جدا: أي في
وجه الموت وطريقه، فقد جاء في " النهاية ": " وفيه: " ما على جديد الأرض "
أي وجهها ". ثم رأيت في " لسان العرب " ما هو صريح في ما ذكرت. قال (3 / 112
) : " والجديد: ما لا عهد لك به، ولذلك وصف الموت بالجديد، هذلية، قال
أبو ذؤيب: فقلت لقلبي يا لك الخير إنما يدليك للموت الجديد حبابها. وقال
الأخفش والمغافص الباهلي: " جديد الموت: أوله ". فصح ما قلته، والحمد لله.
2654 - " من لم يدع الله يغضب عليه ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (658) والترمذي (2 / 342) وابن ماجه (
3827) والحاكم (1 / 491) وأحمد (2 / 442 و 477) وابن أبي شيبة (10 /
200) والبيهقي في " الشعب " (1 / 35 / 1099) والطبراني في " الدعاء " (2
/ 796 / 23) وفي " الأوسط " (3 / 216 / 2452 ط) وابن عدي في " الكامل " (
7 / 295) والبغوي في " تفسيره " (7 / 310 - منار) من طرق كثيرة عن صبيح أبي
المليح قال: سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم:(6/323)
"
صحيح الإسناد، فإن أبا صالح الخوزي، وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح،
إنما هما في عداد المجهولين، لقلة الحديث ". كذا قال، وأقره الذهبي، وفيه
نظر من جهة أبي المليح، فإنه ليس مجهولا، كيف وقد روى عنه جمع من الثقات،
ذكرهم في " التهذيب "، منهم: وكيع بن الجراح ومروان بن معاوية الفزاري
وحاتم بن إسماعيل وأبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، وهؤلاء كلهم رووا هذا
الحديث عنه، فأنى له الجهالة، لاسيما وقد قال ابن معين فيه: " ثقة "،
وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 475) ووثقه الحافظ. وأما شيخه أبو صالح
الخوزي، فحشره في زمرة المجهولين هو اللائق بمثله، لأنهم لم يذكروا راويا عنه
سوى أبي المليح هذا، لولا أن أبا زرعة قال فيه: " لا بأس به "، كما ذكره ابن
أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 393) وأقره ولذلك قال الحافظ ابن
كثير في " التفسير " (7 / 309) عقب الحديث، وقد ساقه من طريق أحمد بأحد
إسناديه: " تفرد به أحمد، وهذا إسناد لا بأس به ". وهذا عين ما كنت قلته
في السلسلة الأخرى تحت الحديث (21) وقد ذكرت ذلك بالمناسبة، فقلت ثم: "
وهو حديث حسن ". وقد أشكل هذا على بعض الطلبة من إخواننا الكويتيين ونسب إلي
أنني صححت الحديث. والواقع أنني حسنته فقط كما ذكرت آنفا، بل ورددت على
الحاكم تصحيحه إياه تحت الحديث المشار إليه، كما نسب إلي غير ذلك مما لا يحسن
ذكره هنا، وسأكتب إليه بذلك إن شاء الله تعالى.(6/324)
(تنبيهات) : الأول: قول
ابن كثير: " تفرد به أحمد " يعني: دون أصحاب الستة، وهو وهم، فقد عرفت من
تخريجنا إياه أنه قد رواه بعضهم. الثاني: تصحيح الحاكم للحديث مع تصريحه
بجهالة بعض رواته، دليل على أن من مذهبه تصحيح حديث المجهولين، فهو في ذلك
كابن حبان، فاحفظ هذا فإنه ينفعك في البحث والتحقيق إن شاء الله تعالى.
الثالث: زاد الحاكم في رواية له من طريق محمد بن محمد بن حبان الأنصاري:
حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا أبو
المليح بإسناده: " ... وإن الله ليغضب على من يفعله، ولا يفعل ذلك أحد غيره
. يعني الدعاء " فظننت أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث من الجرجرائي أو
الأنصاري فإني لم أعرفه، والفزاري من شيوخ أحمد في حديث الترجمة، وأحمد جبل
في الإتقان والحفظ ولم يذكرها عنه مع متابعة الثقات له كما سبق، ولذلك
أوردت الحديث بهذه الزيادة في " الضعيفة " (4040) . ثم إن للحديث شاهدين من
حديث أنس، والنعمان بن بشير. 1 - أما حديث أنس فيرويه حماد بن عبد الرحمن
الكلبي، عن المبارك بن أبي حمزة عن الحسن عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
فيما يذكر عن ربه عز وجل: " يا ابن آدم! إنك إن سألتني أعطيتك، وإن لم
تسألني أغضب عليك ". أخرجه الطبراني في " الدعاء " (رقم 24) .(6/325)
وحماد،
وابن أبي حمزة ضعيفان. 2 - أما حديث النعمان، فهو بلفظ: " الدعاء هو العبادة
"، ثم قرأ: * (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي
سيدخلون جهنم داخرين) *. أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وصححه ابن حبان
والحاكم والذهبي وغيرهم، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 246 / المعارف)
، و " صحيح أبي داود " (1329) ، و " الروض النضير " (888) . وإن مما لا شك
فيه أن الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يستلزم غضب الله تعالى على من لا
يدعوه، فشهادة هذا الحديث لحديث الترجمة شهادة قوية لمعناه دون مبناه. وقد
غفل عن هذه الأحاديث بعض جهلة الصوفية أو تجاهلوها، بزعمهم أن دعاء الله سوء
أدب مع الله، متأثرين في ذلك بالأثر الإسرائيلي: " علمه بحالي يغني عن سؤاله
"! فجهلوا أن دعاء العبد لربه تعالى ليس من باب إعلامه بحاجته إليه سبحانه
وتعالى * (يعلم السر وأخفى) *، وإنما من باب إظهار عبوديته وحاجته إليه
وفقره، كما تقدم بيانه في المجلد الأول من " الضعيفة " رقم (22) .
2655 - " من أدى زكاة ماله طيبة بها نفسه يريد وجه الله والدار الآخرة لم يغيب شيئا
من ماله، وأقام الصلاة وأدى الزكاة، فتعدى عليه الحق، فأخذ سلاحه فقاتل،
فقتل، فهو شهيد ".
أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (2336) عن زكريا بن يحيى بن أبان(6/326)
المصري،
والحاكم (1 / 404 - 405) عن أحمد بن إبراهيم بن ملحان كلاهما قالا: حدثنا
عمرو بن خالد الحراني: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن
القاسم بن عوف الشيباني عن علي بن الحسين قال: حدثتنا أم سلمة: أن النبي
صلى الله عليه وسلم بينما هو في بيتها وعنده رجال من أصحابه يتحدثون إذ جاء
رجل فقال: يا رسول الله كم صدقة كذا وكذا من التمر؟ قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " كذا وكذا من التمر "، فقال الرجل: إن فلانا تعدى علي فأخذ مني
كذا وكذا، فازداد صاعا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " فكيف إذا سعى عليكم من
يتعدى عليكم أشد من هذا التعدي؟ ". فخاض الناس وبهرهم الحديث، حتى قال رجل
منهم: يا رسول الله إن كان رجلا غائبا عنك في إبله وماشيته وزرعه وأدى زكاة
ماله فتعدى عليه الحق، فكيف يصنع وهو غائب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي،
وإنما هو وهم منهما، بل هو صحيح فقط، ليس على شرطهما ولا على شرط أحدهما،
فإن عمرو بن خالد لم يرو له مسلم، والقاسم بن عوف الشيباني لم يخرج له
البخاري. والحديث أورده في " المجمع " (3 / 82) وقال: " رواه الطبراني في
" الكبير " و " الأوسط "، ورجال الجميع رجال الصحيح ". قلت: وأخرجه أحمد (6 / 301) : حدثنا زكريا بن عدي قال: أنبأنا عبيد الله (الأصل: عبد، وهو
خطأ) ابن عمرو به مختصرا.(6/327)
وهو في " كبير الطبراني " (23 / 287 / 632) و "
الأوسط " (3 / 29 / 1370 - مجمع البحرين) بتمامه، وكذلك رواه البيهقي في "
السنن " (4 / 137) من طريق الحاكم والجملة الأخيرة من الحديث: " من قاتل
دون ماله فهو شهيد " لها شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ متقاربة
، قد خرجت بعضها في " أحكام الجنائز " (ص 56 - 57 - طبعة المعارف) وفيما
يأتي من هذه السلسلة، (المجلد السابع رقم 3247) ، وفي بعضها بيان أن الحديث
ببعض القيود، مثل أن يذكره بالله ثلاثا، لعله يرعوي، فإن لم يرتدع، استعان
بمن حوله من المسلمين، فإن لم يكن حوله أحد، استعان عليه بالسلطان إن أمكن،
فإذا تعاطى المظلوم هذه الأسباب ونحوها فلم يندفع الظلم، قاتله، فإن قتله
فهو في النار، وإن قتل فهو شهيد.
2656 - " إن الله لا ينظر إلى [أجسادكم ولا إلى] صوركم وأموالكم ولكن [إنما]
ينظر إلى قلوبكم [وأشار بأصابعه إلى صدره] وأعمالكم ".
أخرجه مسلم (8 / 11) وابن ماجه (4143) وأحمد (2 / 539) وأبو نعيم في "
الحلية " (4 / 98) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 480) من طرق عن
كثير بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا
به. والزيادة الثانية لابن ماجه وأحمد والبيهقي. وقال أبو نعيم: " رواه
الثوري عن جعفر بن برقان به مثله ". قلت: ثم وصله هو (7 / 124) والبيهقي
من طريق محمد بن غالب تمتام:(6/328)
حدثنا قبيصة حدثنا سفيان به، إلا أنه قال: "
وأجسامكم " بدل: " وأموالكم ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الثوري عن
جعفر، ولا أعلم رواه عنه [إلا] قبيصة ". قلت: وتابعه غيره، فقال أحمد (
2 / 285) : حدثنا محمد بن بكر البرساني حدثنا جعفر - يعني ابن برقان - به.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا به، وقال: " أجسادكم " مكان " أموالكم "،
وذكر الزيادة الأخيرة بدل " وأعمالكم ". أخرجه مسلم من طريق أبي سعيد مولى
عبد الله بن عامر بن كريز قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره. والزيادة
الأولى له. وله شاهد صحيح معضل، فقال ابن المبارك في " الزهد " (1544) :
أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. (تنبيه هام) : قال البيهقي عقب الحديث: " هذا هو الصحيح المحفوظ
فيما بين الحفاظ، وأما الذي جرى على ألسنة جماعة من أهل العلم وغيرهم: " إن
الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم "، فهذا لم
يبلغنا من وجه يثبت مثله، وهو خلاف ما في الحديث الصحيح، والثابت في
الرواية أولى بنا وبجميع المسلمين، وخاصة بمن صار رأسا في العلم يقتدى به.
وبالله التوفيق ". قلت: ويبدو أن هذا الخطأ الذي جرى عليه من أشار إليهم
البيهقي من أهل العلم، قد استمر إلى زمن الإمام النووي، فقد وقع الحديث في "
رياضه " (رقم(6/329)
1577 - المكتب الإسلامي) باللفظ الخطأ الذي حكاه البيهقي عن
الجماعة (1) مع أنه أورده في أول كتابه (رقم 8) مختصرا ليس فيه هذا الوهم،
ولا أدري أهو منه أم من بعض ناسخي الكتاب، ومن الغريب أن يستمر هذا الخطأ في
أكثر النسخ المطبوعة منه اليوم، وأعجب منه أن شارحه ابن علان جرى على ذلك في
شرحه للحديث (4 / 406) مما هو ظاهر البطلان كما كنت شرحت ذلك في مقدمتي لـ "
رياض الصالحين " بتحقيقي وبهذه المناسبة لابد لي من كلمة قصيرة حول طبع المكتب
الإسلامي لهذا الكتاب " الرياض " طبعة جديدة! سنة (1412) . لقد وضع لها
مقدمة سوداء، ملؤها الزور والافتراء، والغمز واللمز، مما لا مجال الآن
لتفصيل القول في ذلك فإنه بحاجة إلى تأليف كتاب خاص، والوقت أضيق وأعز،
وبخاصة أن كل من يقرأها ويقرأ بعض تعليقاته يقطع بأن الرجل محرور، ومتناقض
فيما يقول، و ... إذا كانت الحكمة القديمة تقول: " يغنيك عن المكتوب عنوانه "
، فيكفي القاريء دليلا على ما أشرت إليه قوله تحت عنوان الكتاب واسم المؤلف:
" تحقيق جماعة من العلماء تخريج محمد ناصر الدين الألباني ". فغير وبدل ما
كان في الطبعة الأولى: " تحقيق محمد ناصر الدين الألباني " فجعل مكان كلمة (تحقيق) كلمة (تخريج) لينسب التحقيق إلى غيره وهم (جماعة العلماء) ! وهذا
أقل ما يقال فيه أنه لم يتأدب بأدب القرآن: * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا
تعثوا في الأرض مفسدين) *. ثم من هم هؤلاء (العلماء) ؟ لقد أبى أن يكشف عن
أسمائهم لأمر لا يخفى
_________
(1) ثم طبع هناك على الصواب مع التنبيه في الحاشية على خطأ الأصل. اهـ.(6/330)
على كل قاريء لبيب، واعتذر هو عن ذلك بعذر أقبح من ذنب
فقال في " المقدمة " (ص 6) : " اشترطوا علينا أن لا تذكر أسماؤهم.. "! وإن
من السهل على القاريء أن يعرف حقيقة هؤلاء (العلماء) بالرجوع إلى تعليقاتهم،
فإنه سوف لا يجد علما ولا تحقيقا إلا ما كان في الطبعة الأولى، وإلا ما
ينقلونه من كتبي مثل " صحيح أبي داود " وغيره، بل إنه سيرى ما يدل على الجهل
وقلة العلم! وهاكم مثالا على ذلك، ما جاء في حاشية (ص 643) تعليقا على
قول الإمام النووي رحمه الله في آخر الحديث (1891) : " وفي رواية للبخاري
ومسلم ". " قلت: رواها مسلم فقط، فعزوها للبخاري وهم "! فأقول: بل هذا
القائل هو الواهم، فإن الحديث في " البخاري " (رقم 3245 - فتح 6 / 318) . ثم
أقول: من هو القائل: " قلت ... "؟ والجواب: مجهول باعتراف الناشر الذي
نقلت كلامه آنفا، فنسأله - وقد حشر نفسه في " جماعة العلماء " باشتراكه معهم
في التعليق والتصحيح مصرحا باسمه تارة، هذا إن لم يكن هو المقصود بقوله: "
جماعة العلماء " - فنسأله أو نسأل " جماعة العلماء " - كله واحد! -: ما قيمة
قول المجهول في علم مصطلح الحديث؟ وهذا إذا لم يكن قوله في ذاته خطأ، فكيف
إذا كان عين الخطأ كما رأيت؟! ومن هذا القبيل قولهم أو قوله (!) تعليقا على
الحديث (1356) :(6/331)
" يفهم من كلام الشيخ ناصر: أن الحديث ضعيف لتدليس الوليد
بن مسلم، والأمر ليس كذلك، فإن الوليد صرح بالتحديث.. ". قلت: فجهلوا أو
جهل أن تدليس الوليد هو من نوع تدليس التسوية الذي لا يفيد فيه تصريحه هو
بالتحديث عن شيخه، بل لابد أن يصرح كل راو فوقه بالتحديث من شيخه فما فوق!
فاعتبروا يا أولي الأبصار.
2657 - " لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 398 / 1876) من طريق إسماعيل بن مجالد عن
أبيه عن عامر عن جابر قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرشح للتحسين،
مجالد - وهو ابن سعيد - ليس بالقوي، وبه أعله الهيثمي، فقال (9 / 272) :
".. وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وأقول: ولكن
إسماعيل هذا، وإن كان من رجال البخاري فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه.
وقال الذهبي في " الكاشف ": " صدوق ". وكذا قال الحافظ في " التقريب "،
وزاد: " يخطىء ". قلت: وهذا أصح، فمثله وسط، يدور حديثه بين أن يكون حسنا
لذاته أو حسنا لغيره، فإن توبع لم يتوقف الباحث عن تحسينه، وهذا هو الواقع
هنا فقد تابعه مثله أو قريب منه، وهو أسد بن عمرو عن مجالد بن سعيد به.
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (4 / 281) .(6/332)
وأسد هذا اختلفوا فيه أيضا،
وهو من رجال اللسان "، وتجد أقوال الأئمة فيه مفصلا، وفيه أن بعضهم تكلم
فيه لأنه كان من أصحاب الرأي، وقد وثقه جمع منهم أحمد وابن معين، وعن هذا
رواية أخرى من طريق أحمد بن سعيد بن أبي مريم عنه قال: " كذوب ليس بشيء ".
وأشار الذهبي إلى رفض هذه الرواية، ولعل ذلك لجهالة أحمد بن سعيد هذا، فإني
لم أجد له ترجمة. وهي في نقدي حرية بالرفض لمخالفتها لكل أقوال الأئمة
الموثقين والمضعفين، أما الموثقين فواضح، وأما المضعفين، فلأن أكثرهم أطلق
الضعف، والآخرون غمزوه بضعف الحفظ، أو أن عنده مناكير، وابن عدي الذي جاء
من بعدهم، ختم ترجمته بقوله فيه: " له أحاديث كثيرة عن الكوفيين، ولم أر في
أحاديثه شيئا منكرا، وأرجو أن حديثه مستقيم، وليس في أهل الرأي بعد أبي
يوسف أكثر حديثا منه ". قلت: فحري بمن كان كثير الحديث مثله، وليس فيها ما
ينكر أن يكون ثقة، ولئن وجد - كما ذكر بعضهم - فهو لقلته مغتفر. والله أعلم
. وبالجملة فالحديث بهذه المتابعة صحيح إلى مجالد بن سعيد، ولكنه بحاجة إلى
ما يدعمه، وقد وجدته، فقال الأجلح عن الشعبي: " أن النبي صلى الله عليه
وسلم استقبل جعفر بن أبي طالب حين جاء من أرض الحبشة، فقبل ما بين عينيه وضمه
إليه (وفي رواية: واعتنقه) ". أخرجه ابن سعد (4 / 35) وابن أبي شيبة (
12 / 106) ومن طريقه أبو داود (5220) . قلت: وهذا إسناد جيد مرسل،
الأجلح - وهو ابن عبد الله - صدوق، فيه كلام يسير لا يضر، ولذلك قال الذهبي
في " المغني ": " شيعي، لا بأس بحديثه، ولينه بعضهم ".(6/333)
وقال الحافظ في "
التقريب ": " شيعي صدوق ". وزاد ابن أبي شيبة في أوله: " ما أدري بأيهما
أفرح؟ بقدوم جعفر، أو بفتح خيبر ". وبهذه الزيادة أخرجه البيهقي في " السنن
" (7 / 101) و " شعب الإيمان " (6 / 477 / 8968) وقال: " هذا مرسل ". ثم
رواه من طريق زياد بن عبد الله: حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر الشعبي عن عبد
الله بن جعفر قال: فذكر حديث الترجمة (1) ، وقال: " والمحفوظ هو الأول،
مرسل ". قلت: وهذه متابعة ثالثة من زياد بن عبد الله، وهو البكائي، وفيه
لين، وقد خالف، فجعله من مسند عبد الله بن جعفر، والصحيح عن مجالد من حديث
جابر كما تقدم. وقد وصله الحاكم (3 / 211) من طريق آخر عن الأجلح عن الشعبي
عن جابر به لكن ليس فيه (المعانقة) . ثم رواه من طريق ثقتين عن الشعبي مرسلا
، وقال: " هذا حديث صحيح، إنما ظهر بمثل هذا الإسناد الصحيح مرسلا ". قال
الذهبي عقبه:
_________
(1) قلت: وفي " الشعب " الزيادة المذكورة، وأخرى بلفظ: " فقبل شفتيه "،
وهي منكرة جدا، والمحفوظ كما تقدم، يأتي بلفظ: " ما بين عينيه ".(6/334)
" وهو الصواب ". وهكذا مرسلا ذكره الذهبي في ترجمة (جعفر)
من كتابه " السير " (1 / 213) . لكنه عاد فذكر فيما بعد الزيادة المشار إليها
آنفا، فقال (1 / 216) : " وروي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
قدم جعفر قال: لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر ". فأشار إلى أن للحديث
أكثر من طريق واحد، ولم ينتبه لهذه الإشارة القوية المعلق عليه، فقال: "
سبق تخريجه في الصفحة (213) تعليق (1) ". وإذا رجعت إلى التعليق المشار
إليه، فلا تجد فيه سوى العزو لابن سعد والحاكم. ونقل كلامه المتقدم،
وتعقيب الذهبي عليه بأن المرسل هو الصواب! وقد وجدت للحديث وجهين آخرين لعل
الذهبي - وهو الحافظ النحرير - أشار إليهما: الأول: عن عون بن أبي جحفة عن
أبيه قال: " لما قدم جعفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الحبشة،
قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه، ثم قال: ما أدري أنا بقدوم
جعفر أسر، أو بفتح خيبر؟ ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 100
/ 244) : حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم (الأصل: سالم) الخولاني وأحمد بن خالد
بن مسرح قالا: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني حدثنا مخلد بن يزيد
عن عون بن أبي جحيفة به. قلت: وهذا إسناد جيد: مخلد وعون ثقتان من رجال
الشيخين. والوليد بن(6/335)
عبد الملك الحراني، روى عنه جمع غير المذكورين منهم أبو
زرعة - ولا يروي إلا عن ثقة - وأبو حاتم، وقال: " صدوق ". وذكره ابن
حبان في " الثقات " (9 / 227) وقال: " مستقيم الحديث ". وأخرج له في "
صحيحه " عدة أحاديث، فانظر " التيسير ". وأبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، هو
من الشيوخ المكثرين من الرواية، فقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(3 / 140) فذكر أنه حدث بدمشق سنة (289) (1) عن جمع من الشيوخ سماهم، منهم
هشام بن عمار قارب عددهم العشرين شيخا. وروى عنه جمع من الشيوخ جاوز عددهم
العشرة، منهم الطبراني وابن عدي. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولكن
رواية هؤلاء عنه تعديل له، ولاسيما وقد أكثر الطبراني عنه، فروى له في كتاب
" الدعاء " فقط تسعة أحاديث (انظر المجلد الأول من " الدعاء " تحقيق الدكتور
محمد سعيد البخاري) وروى له في " المعجم الأوسط " (1 / 171 / 3188 - 3190)
ثلاثة أحاديث، أحدهما في " المعجم الصغير " أيضا (رقم 689 - " الروض النضير "
) . وأما قرينه (أحمد بن خالد بن مسرح) فقال الدارقطني كما في " اللسان ":
" ليس بشيء ". ومن طريقه وحده أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " أيضا (2
/ 107 /
_________
(1) وذكره الذهبي في وفيات هذه السنة تحت ترجمة (زكريا بن يحيى السجزي) من "
تذكرة الحفاظ ". اهـ.(6/336)
1470) و " المعجم الصغير " (ص 8 - هندية رقم 934 " الروض النضير ")
وزاد في " الكبير ": " فعانقه ". والوجه الآخر من الوجهين المشار إليهما ما
ذكره الإمام البغوي في " شرح السنة " (12 / 292) عقب الحديث المرسل: " وعن
البياضي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب، فالتزمه، وقبل
ما بين عينيه ". والبياضي هذا لم أعرفه، وينسب إليها جمع من الصحابة فانظر
" الأنساب " و " تاج العروس "، ولم أقف على إسناده إليه، وقد وهم المعلق
على " شرح السنة " وهما فاحشا، فقال: " أخرجه أبو داود (5220) في الأدب:
باب في قبلة ما بين العينين، ورجاله ثقات، لكنه مرسل ". وإنما عند أبي
داود في الباب والرقم المشار إليهما حديث الشعبي المتقدم معزوا إلى جمع منهم
أبو داود بالرقم نفسه! وثمة وجه ثالث لا يصلح للاستشهاد به، أذكره بيانا
لحاله، وإلا ففيما تقدم كفاية، وهو من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن
عمير عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: " لما قدم جعفر
وأصحابه استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فقبله بين عينيه ". أخرجه ابن عدي (
6 / 220) ومن طريقه البيهقي، وقال ابن عدي: " رواه أبو قتادة الحراني عن
الثوري عن يحيى بن سعيد: وقال: عن عمرة عن عائشة ".(6/337)
قلت: فذكر الحراني (عمرة) مكان (القاسم بن محمد) في رواية محمد بن عبد الله بن عبيد، وهو
متروك كالحراني. هذا وقد كنت منذ بعيد لا أرى تقبيل ما بين العينين لضعف حديث
جعفر هذا بسبب الإرسال، وعدم وقوفي على شاهد معتبر له، فلما طبع " المعجم
الكبير "، ووقفت فيه على إسناده من طريق (أنس بن سلم) ، وعلى ترجمته عند
ابن عساكر، وتبين لي أنه شاهد قوي للحديث المرسل، رأيت أنه من الواجب علي
نشره في هذه السلسلة، أداء للأمانة العلمية، ولعلمي أن الكثيرين من أمثالي
لم تقع أعينهم عليه فضلا عن غيرهم، فأحببت لهم أن يكونوا على بصيرة منه.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وللمعانقة في
السفر شاهد قوي تقدم برقم (2647) .
2658 - " نهى عن الخلوة ".
أخرجه الحاكم (2 / 102) والبيهقي في " الدلائل " (2 / 2 / 229 / 2) وكذا
البزار في " مسنده " (رقم 2022 - كشف الأستار) من طريقين عن عبيد الله بن
عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج
رجل من خيبر، فتبعه رجلان، ورجل يتلوهما يقول: " ارجعا " حتى أدركهما
فردهما، ثم [لحق الأول فـ] قال: إن هذين شيطانان، [وإني لم أزل بهما حتى
رددتهما عنك، فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم] فاقرأ على رسول الله
السلام، وأعلمه أنا في جمع صدقاتنا، [و] لو كانت تصلح له بعثنا بها إليه،
قال: فلما قدم [الرجل] على النبي صلى الله عليه وسلم حدثه، فنهى عند ذلك عن
الخلوة. وقال الحاكم - والسياق له، والزيادات للبيهقي -:(6/338)
" صحيح الإسناد
على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وعبد الكريم هو
ابن مالك الجزري الحراني الثقة، وليس عبد الكريم بن أبي المخارق البصري
الضعيف، فإنه وإن كان يروي أيضا عن عكرمة، فليس هو من شيوخ عبيد الله الرقي
. وفي هذا الحديث فائدة هامة، وهو تعليل النهي عن الوحدة بعلة غير معقولة
المعنى خلافا لما كنت نقلته عن الطبري تحت الحديث (62) ، فتنبه.
2659 - " لتقاتلنه وأنت ظالم له. يعني الزبير وعليا رضي الله عنهما ".
أخرجه الحاكم (3 / 366) عن منجاب بن الحارث عن عبد الله بن الأجلح: حدثني
أبي عن يزيد الفقير، (قال منجاب: وسمعت فضل بن فضالة يحدث به جميعا عن أبي
حرب ابن أبي الأسود قال: " شهدت عليا والزبير لما رجع الزبير على دابته يشق
الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله، فقال له: مالك؟ فقال: ذكر لي علي حديثا
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... (فذكره) . فلا أقاتله.
قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك. قال
: قد حلفت أن لا أقاتل. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس.
قال: فأعتق غلامه جرجس، ووقف فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه ". قلت:
وهذا إسناد حسن من الوجه الأول، وصحيح من الوجه الآخر إن ثبتت عدالة فضل بن
فضالة، فإني لم أجد له ترجمة. ولا أستبعد أن يكون هو فضيل بن فضالة الهوزني
الشامي، تحرف اسمه على الناسخ، وهو صدوق روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "
الثقات "، وهو من رجال " التهذيب ". أو أنه(6/339)
فضيل بن فضالة القيسي البصري.
روى عن أبي رجاء وعبد الرحمن بن أبي بكرة، روى عنه شعبة، وهو ثقة، وقال
ابن أبي حاتم (3 / 2 / 74) عن أبيه: شيخ. وهذا أقرب إلى طبقته من الأول،
فإنه يروي عن التابعين كما ترى، وذاك عن الصحابة، ثم هو بصري كشيخه أبي حرب
. والله أعلم. وتابعه عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن الرقاشي عن جده عبد
الملك عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: فذكره مختصرا. أخرجه الحاكم
أيضا من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي: حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد
الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي به. وقال: " هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن
أبي الأسود، فقد روى عنه يزيد بن صهيب وفضل بن فضالة في إسناد واحد ".
ووافقه الذهبي. ثم ساقه من الطريق المتقدمة وقد خولف الرقاشي في إسناده، وهو
ضعيف من قبل حفظه، فقال أبو يعلى في " مسنده " (1 / 191 - 192) : حدثنا أبو
يوسف يعقوب بن إبراهيم أخبرنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن
مسلم الرقاشي عن جده عبد الملك عن أبي جرو المازني قال: شهدت عليا والزبير به
مختصرا. وأبو يوسف هذا هو الدورقي الثقة. فروايته أرجح من رواية الرقاشي،
وتابعه جعفر بن سليمان: حدثنا عبد الله بن محمد الرقاشي حدثني جدي عن أبي جرو
المازني به. أخرجه الحاكم. فهذا مما يرجح رواية أبي يوسف الدورقي.(6/340)
وعلى كل
حال، فهي لا بأس بها في المتابعات. وللحديث عنده طريق أخرى يرويه عن محمد بن
سليمان العابد: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي
للزبير: فذكر نحوه مختصرا. وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: العابد لا يعرف،
والحديث فيه نظر ". وأقره الحافظ في " اللسان " على قوله: " لا يعرف ".
وقد خالفه يعلى بن عبيد فقال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام - رجل
من حيه - قال: خلا علي بالزبير يوم الجمل ... الحديث. أخرجه ابن أبي شيبة في
" المصنف " (15 / 283 / 19673) وأورده في ترجمة عبد السلام هذا، وقال عن
البخاري: " ... عن علي والزبير، لا يثبت سماعه منهما ". وقال العقيلى: "
ولا يروى هذا المتن من وجه يثبت ". وأعله الدارقطني في " العلل " (4 / 102
) بالإرسال. وقال الذهبي في عبد السلام هذا: " مجهول ". ونحوه قول الحافظ
فيه: " مقبول ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " في " أتباع التابعين "
قال:(6/341)
" عبد السلام البجلي، روى المراسيل. روى عنه إسماعيل بن أبي خالد ".
قال الحافظ عقبه في " التهذيب ": " فكأنه لم يشهد القصة عنده ". قلت: وإليه
يشير كلام البخاري السابق. ويستغرب منه - والذهبي أيضا - أن يفوتهما كلامه،
فلا يذكرانه، بل ولا يشيران إليه في كتابيهما " التهذيب " و " الميزان ".
وأما قول الذهبي المتقدم: " والحديث فيه نظر "، فلا أدري وجهه، لاسيما وهو
قد صححه من طريق ابن أبي الأسود، وهو الجواب عن قول العقيلي: " لا يروى عن
وجه يثبت ". ولو سلمنا بذلك، فوروده من وجوه ليس فيها من هو متهم أو متروك،
فلا شك حينذاك بأن بعضها يقوي بعضا. كما هي القاعدة عند المحدثين. ثم داخلني
شك في ثبوت القصة التي ذكرت في أول التخريج لأنها من رواية عبد الله بن محمد
بن سوار الهاشمي عن منجاب. وكذلك أخرجها البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 2
/ 189 / 1) إلا أنه قال: " عن يزيد الفقير عن أبيه "، فزاد: " عن أبيه ".
وزاد بعد قوله: ابن أبي الأسود: " دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه " وسبب
الشك أن ابن سوار هذا لم أعرفه، وقد فتشت عنه فيما لدي من كتب الرجال، فلم
أعثر عليه، فأخشى أن يكون غير مشهور بالرواية، فإن الحافظ المزي لم يذكره في
الرواة عن (منجاب) . وأيضا فالزيادة الأولى عند البيهقي إن كانت محفوظة،
فهي علة أخرى لأن أبا يزيد الفقير - واسمه صهيب - لم أجد له ترجمة أيضا.(6/342)
والزيادة الأخرى عنده تحول دون معرفة كون القصة بالإسناد الأول أم الآخر. وقد
قال الحافظ ابن كثير في " التاريخ " (7 / 241) بعد أن ساق القصة من طريق
البيهقي: " وعندي أن الحديث الذي أوردناه إن كان صحيحا عنه فما رجعه سواه،
ويبعد أن يكفر عن يمينه ثم يحضر بعد ذلك لقتال علي. والله أعلم ". قلت:
ويؤيده رواية شريك عن الأسود بن قيس قال: حدثني من رأى الزبير يقعص الخيل
بالرمح قعصا فثوب به علي: يا عبد الله! يا عبد الله! قال: فأقبل حتى التقت
أعناق دوابهما، قال: فقال له علي: أنشدك بالله. أتذكر يوم أتانا النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا أناجيك، فوالله لتقاتلنه وهو لك ظالم. قال: فضرب
الزبير وجه دابته، فانصرف. أخرجه ابن أبي شيبة (19674) . وبالجملة: فحديث
الترجمة صحيح عندي لطرقه كما تقدم، دون قصة عبد الله بن الزبير مع أبيه.
والله أعلم.
2660 - " يعيش هذا الغلام قرنا. فعاش مائة سنة. يعني عبد الله بن بسر ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 323) وفي " الصغير " (ص 93)
والحاكم (4 / 500) والبيهقي في " دلائل النبوة " (6 / 503) والطبراني
في " مسند الشاميين " (836) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 4 / 2) من
طريق البخاري وغيره عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد
الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ... فذكره. قلت: وهذا
إسناد لا بأس به في الشواهد رجاله كلهم ثقات معروفون غير(6/343)
إبراهيم هذا، وقد
ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 127) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان في " ثقاته "، وقد أورده في " أتباع
التابعين " منه (2 / 7 - مخطوطة الظاهرية) . وتابعه أبو عبد الله الحسن بن
أيوب الحضرمي قال: أراني عبد الله بن بسر شامة في قرنه، فوضعت أصبعي عليها،
فقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه عليها ثم قال: " لتبلغن قرنا "
. قال أبو عبد الله: وكان ذا جمة. أخرجه أحمد (4 / 189) وعنه ابن عساكر،
والدولابي في " الكنى " (2 / 55) والبزار في " مسنده " (3 / 280 - كشف
الأستار) . قلت: وإسناده ثلاثي جيد. وقال الهيثمي (9 / 405) : " رواه
الطبراني وأحمد بنحوه، ورجال أحمد رجال " الصحيح " غير الحسن بن أيوب، وهو
ثقة، ورجال الطبراني ثقات ". وأورده بنحوه من رواية الطبراني والبزار
وقال: " ورجال أحد إسنادي البزار رجال " الصحيح " غير الحسن بن أيوب الحضرمي،
وهو ثقة ". وتابعه سلامة بن جواس: أخبرنا محمد بن القاسم الطائي عن عبد
الله بن بسر به وزاد: " قلت: بأبي وأمي يا رسول الله! وكم القرن؟ قال:
مائة سنة. قال عبد الله: فلقد عشت خمسا وتسعين سنة. وبقيت خمس سنين إلى أن
يتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم
مات ". أخرجه ابن عساكر.(6/344)
ومحمد بن القاسم الطائي ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1
/ 64 - 65) برواية جمع آخر من الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو
على شرط ابن حبان في " ثقاته "، ولم أره في النسخة المطبوعة منه في الهند،
ولا في مخطوطة الظاهرية أيضا. وسلامة بن جواس، قال ابن أبي حاتم (2 / 1 /
302) : " روى عنه أبو زرعة ومحمد بن عوف الحمصي ". قلت: فهو ثقة، لأن أبا
زرعة لا يروي إلا عن ثقة، كما هو معلوم، ثم هو على شرط ابن حبان أيضا، وقد
أورده في " ثقاته " (8 / 300) . وقد تابعه يحيى بن صالح: حدثنا محمد بن
القاسم الطائي.. به. رواه البزار أيضا. ويحيى ثقة. وتابعه جنادة بن مروان
الرقي: حدثنا محمد بن القاسم الطائي. رواه الحاكم أيضا إن كان محفوظا.
وتابعه الوليد بن مروان بن عبد الله بن أخي جنادة بن مروان: حدثني محمد بن
القاسم أبو القاسم الحمصي عن عبد الله بن بسر - وكان عبد الله بن بسر شريكا
لأبيه في قرية يقال لها (تموينة) (1) يرعيان فيها خيلا لهم - قال أبو القاسم
: سمعت عبد الله بن بسر يقول: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا مع
أبي، فقام أبي إلى قطيفة لنا قليلة الخمل فجمعها بيده، ثم ألقاها للنبي صلى
الله عليه وسلم فقعد عليها. ثم قال أبي لأمي: هل عندك
_________
(1) لم أرها في " معجم البلدان " والظاهر أنها قرية من قرى حمص، فإن في ترجمة
عبد الله بن بسر أنه كان سكن حمص. والله أعلم. ثم تبين أنه محرف (تنوينة)
من قرى حمص في " معجم البلدان " (2 / 50) .(6/345)
شيء تطعمينا؟ فقالت:
نعم، شيء من حيس. قال: فقربته إليهما، فأكلا، ثم دعا رسول الله صلى الله
عليه وسلم، ثم التفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام، فمسح بيده
على رأسي، ثم قال: فذكره ". قال أبو القاسم: فعاش مائة سنة. أخرجه تمام في
" الفوائد " (ق 55 / 2) وعنه ابن عساكر (9 / 4 / 2 و 17 / 447 / 2) في
موضعين أحدهما في ترجمة الوليد هذا، ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث،
الأمر الذي يشعر بأنه مجهول، وأنا أظن أنه الذي في " الجرح والتعديل " (4 /
2 / 18) : " الوليد بن مروان، روى عن غيلان بن جرير روى عنه معتمر بن سليمان
، سمعت أبي يقول: هو مجهول ". ونحوه في " الميزان " و " اللسان ". أقول:
لكن القصة التي ذكرها قد جاءت من طريق أخرى مطولة ومختصرة، وأتمها ما رواه
صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الله بن بسر المازني قال: " بعثني أبي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم أدعوه إلى الطعام، فجاء معي، فلما دنوت المنزل أسرعت
فأعلمت أبوي، فخرجا فتلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحبا به، ووضعا
له قطيفة كانت عند زبيرته (1) فقعد عليها، ثم قال أبي لأمي: هات طعامك،
فجاءت بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقال: " خذوا بسم الله من حواليها، وذروا ذروتها، فإن
البركة فيها ".
_________
(1) كذا الأصل، وفي " لسان العرب " - وقد ذكر الحديث بلفظ: " ... فوضعنا له
قطيفة زبيرة " -: قال ابن المظفر: كبش زبير أي ضخم ... "، لكن لا يساعد على
هذا المعنى قوله في رواية أحمد: " ... كانت عند زبيرته "، فليتأمل فإنه موضع
نظر. اهـ.(6/346)
فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا معه، وفضل منها
فضلة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لهم وارحمهم
وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم ". أخرجه أحمد (4 / 688) وإسناده
ثلاثي صحيح، وأخرجه هو ومسلم (6 / 122) من طريق يزيد بن جعفر بن عبد الله
بن بسر مختصرا. وله عند أحمد وغيره طرق أخرى، يزيد بعضهم على بعض. (فائدة
) : القرن: أهل كل زمان، واختلفوا في تحديده على أقوال ذكرها ابن الأثير
وغيره، منها أنه مائة سنة، وهذا الحديث يشهد له، وإليه مال الحافظ في "
الفتح " (7 / 4) ، فقال: " وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم (!)
ما يدل على أن القرن مائة، وهو المشهور ". وعزوه لمسلم وهم، سببه أن أصله
فيه كما سبقت الإشارة إليه.
2661 - " أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا ".
روي من حديث أبي هريرة وبلال بن رباح وعبد الله بن مسعود وعائشة. 1 -
أما حديث أبي هريرة فيرويه عنه محمد بن سيرين، وله عنه طرق: الأولى: أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 101 / 1) والقطيعي في " جزء الألف دينار
" (ق 40 / 1) قالا: حدثنا جعفر الفريابي قال: حدثنا بشر بن سيحان قال:
حدثنا حرب بن ميمون عن هشام بن حسان بن حسان عن ابن سيرين عنه مرفوعا به.(6/347)
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 280 و 6 / 274) من طريق أخرى عن الفريابي
وغيره عن بشر به. وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1437) : حدثنا بشر بن
سيحان به، وزاد: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا، فأخرج إليه
صبرا من تمر، فقال: ما هذا يا بلال! قال: تمر ادخرته يا رسول الله! قال:
أما خفت أن تسمع له بخارا في جهنم؟ !! أنفق ... " إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد
، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير بشر بن سيحان، وهو أبو
علي الثقفي البصري. كتب عنه أبو حاتم وقال: " ما به بأس، كان من العباد ".
وكذلك روى عنه أبو زرعة، وسئل عنه فقال: " شيخ بصري صالح "، كما في "
الجرح والتعديل " (1 / 1 / 358) . وفات هذا الحافظ فلم يذكره في ترجمته من
" اللسان "، وإنما قال: " قال ابن حبان في " الثقات ": ربما أغرب ".
الثانية: عن بكار بن محمد السيريني حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين به
وفيه القصة. أخرجه البزار (4 / 251 / 3655) والطبراني في " الكبير " (1 /
101 / 1) و " الأوسط " (4 / 486 - الجامعة الإسلامية) وأبو نعيم في "
الحلية " (2 / 180) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 347) . وأبو صالح
الحربي في " الفوائد العوالي " (ق 175 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 55) في ترجمة بكار هذا، وساق له حديثين آخرين، وقال:(6/348)
" لا يتابع عليها "،
وقال في هذا: " الرواية فيه مضطربة من غير حديث ابن عون أيضا ". قلت: وله
ترجمة في " الميزان " و " اللسان "، والجمهور على تضعيفه. الثالثة: عن
مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين به. أخرجه البزار (4 / 251
/ 3654) والطبراني في " الكبير " أيضا، وأبو سعيد ابن الأعرابي في " معجمه
" (ق 76 / 2) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 245 / 1) وقال البزار
: " تفرد به مبارك، وإسناده حسن ". قلت: هو كذلك لولا أن المبارك هذا كان
يدلس كما في " التقريب " وغيره. نعم هو حسن، بل صحيح لغيره. والحديث قال
المنذري (2 / 40) والهيثمي (10 / 241) : " رواه البزار وأبو يعلى
والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وإسناده حسن ". ولم يذكر المنذري
البزار. 2 - وأما حديث بلال فيرويه محمد بن الحسن الأسدي: أخبرنا إسرائيل عن
أبي إسحاق عن مسروق عنه. أخرجه البزار (3653 - كشف) والطبراني (1 / 107 /
1) ، وقال البزار: " لم يقل: " عن بلال " إلا محمد بن الحسن، ورواه غيره
عن مسروق مرسلا ". قلت: وهو محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، قال
الحافظ: " صدوق، فيه لين ".(6/349)
وقد خالفه سفيان، فقال: عن إسحاق به مرسلا لم
يذكر فيه بلالا. أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 90 / 1) . وتابعه
زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق به. أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " (ق 14
/ 1) . فهو إسناد مرسل صحيح إن كان أبو إسحاق حفظه، فإنه كان اختلط، وقد
خولف في إسناده وهو الآتي. 3 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه قيس بن الربيع عن
أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عنه. أخرجه البزار (3653 - كشف الأستار)
وابن الأعرابي (122 / 2) والطبراني (1 / 100 / 2 و 3 / 72 / 1) والقضاعي
(ق 64 / 2) وقال البزار: " كذا رواه قيس، ورواه عنه جماعة هكذا،
وخالفهم يحيى بن كثير عن قيس عن عائشة بدل عبد الله ". قلت: قد روي عنها من
طريق أخرى، وهو التالي. 4 - وأما حديث عائشة فيرويه سفيان بن وكيع: حدثنا
حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن طلحة عن خيثمة عن مسروق عنها. أخرجه محمد
بن الحسين الحراني في " الفوائد " (ق 29 / 1) . قلت: ورجاله ثقات غير سفيان
بن وكيع فهو ضعيف. وجملة القول أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، كيف والطريق
الأولى من الحديث الأول لا ينزل عن مرتبة الحسن، كما سبق.(6/350)