سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل عن يحيى عن أبي سلمة عن
أبيه، والحديث مشهور بالإرسال ".
قلت: ثم ساقه من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير يرويه قال: " ثلاث من كن فيه
رأى وبالهن قبل موته - فذكرهن، وفي أخرهن - واليمين الفاجر تدعى الديار
بلاقع ". قلت: وهذا متصل صحيح الإسناد. ثم روي من طريق أبي العلاء عن مكحول
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم
وإن أعجل الشر عقوبة البغي واليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع ".
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد.
ورواية علي بن ظبيان وصلها القضاعي في " مسند الشهاب " (16 / 1) . ورواية
يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبيه وصلها الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (
ص 45) من طريق ابن علاثة عن هشام بن حسان عنه مرفوعا بلفظ: " إن أعجل الطاعة
ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا تنمى أموالهم ويكثر عددهم إذا
وصلوا أرحامهم ". وابن علاثة صدوق يخطىء كما في " التقريب "، لكن يبدو أنه
لم ينفرد به، فقد قال المنذري في " الترغيب " (3 / 47) وقد ذكره بلفظ: "
اليمين الفاجرة تذهب المال أو تذهب بالمال ": " رواه البزار وإسناده صحيح لو
صح سماع أبي سلمة من أبيه عبد الرحمن بن عوف ". ونحوه في " المجمع " (4 /
179) . وللحديث طريق أخر عن أبي هريرة مرفوعا به أتم منه ولفظه:(2/670)
" إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم وإن أهل البيت ليكونون فجارا، فتنموا
أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم وإن أعجل المعصية عقوبة البغي
والخيانة واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم ويذر الديار بلاقع ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 155 / 2 - من " زوائد المعجمين ":
حدثنا أحمد - هو ابن عقال - حدثنا أبو جعفر هو النفيلي - حدثنا أبو الدهماء
البصري - شيخ صدق - عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: وقال:
" لم يروه عن محمد بن عمرو إلا أبو الدهماء، تفرد به النفيلي ".
قلت: وهو ثقة لكن شيخه أبو الدهماء، وإن وثق في هذا السند، فقد قال الذهبي
: " قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ". ثم ساق له هذا الحديث من طريق
النفيلي عنه. وأما الحافظ فقد قال في " التقريب ": " وهو مقبول ". وقال
الهيثمي في " المجمع " (8 / 152) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه
أبو الدهماء البصري وهو ضعيف جدا ". وقال في موضع آخر (8 / 180) : " رواه
الطبراني في " الأوسط " وفيه أبو الدهماء البصري وثقه النفيلي، وضعفه ابن
حبان ". قلت: لكن له شاهد من حديث أبي بكرة مضى ذكره تحت الحديث (918) .
وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد صحيح ثابت، وللجملة
الأخيرة منه شاهد آخر من حديث واثلة، بلفظ:(2/671)
" اليمين الغموس تدع الديار بلاقع
". أخرجه خيثمة الأطرابلسي في " المنتخب من الفوائد " (1 / 189 / 1)
والدولابي في " الكنى " (2 / 165) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني "
(359 / 2) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (13 / 147 / 1) عن عبد الحميد بن
عبد العزيز السكوني (وقال بعضهم: اليشكري) عن عمرو بن قيس عن واثلة بن
الأسقع مرفوعا.
قلت: وعبد الحميد هذا لم أعرفه ولم يترجم له أحد حتى ولا ابن عساكر في
" تاريخ دمشق "، وإنما ترجم لسمي له حمصي أيضا ولكنه دون هذا في الطبقة
بكثير مات سنة (292) . وعمرو بن قيس وهو السكوني الحمصي ثقة تابعي.
979 - " بادروا بالأعمال خصالا ستا: إمرة السفهاء وكثرة الشرط وقطيعة الرحم وبيع
الحكم واستخفافا بالدم ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم
ولا أعلمهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم ".
أخرجه أحمد (3 / 494) وأبو عبيد في " فضائل القرآن " (ق 34 / 2) وأبو
غرزة الحافظ في " مسند عابس " (2 / 1) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (78
/ 1) عن شريك عن أبي اليقظان عن زاذان عن عليم قال:
" كنت مع عابس الغفاري على سطح، فرأى قوما يتحملون من الطاعون، فقال: ما
لهؤلاء يتحملون من الطاعون؟ ! يا طاعون خذني إليك (مرتين) ، فقال له ابن عم
له ذو صحبة: لم تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا
يتمنين أحدكم الموت(2/672)
فإنه عند انقطاع عمله؟ فقال: فذكره مرفوعا. والسياق
لأبي غرزة. ثم أخرجه من طريق ليث: حدثني عثمان عن زاذان به إلا أنه سقط من
إسناده " عليم ". وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 80) معلقا
من الوجهين. قلت: وهما ضعيفان، أبو اليقظان واسمه عثمان بن عمير، قال
الحافظ: " ضعيف، واختلط وكان يدلس ". وفي الأول منهما شريك وهو ابن عبد
الله القاضي، وفي الآخر: ليث وهو ابن أبي سليم وهما ضعيفان. لكن الحديث
صحيح، فقد رواه الطبراني وابن شاهين من طريق موسى الجهني عن زاذان قال:
" كنت مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عابس ... " فذكره نحوه
. وكذا رواه أبو بكر بن علي من هذا الوجه مثله كما في " الإصابة ". ويشهد له
حديث النهاس بن قهم أبو الخطاب عن شداد أبي عمار الشامي قال: قال عوف بن مالك
: يا طاعون خذني إليك، قال: فقالوا: أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: " ما عمر المسلم كان خيرا له "؟ قال: بلى ولكني أخاف ستا ... "
. فذكرها. أخرجه أحمد (6 / 22، 23) . والنهاس هذا ضعيف. وحديث جميل بن
عبيد الطائي حدثنا أبو المعلى (عن الحسن) قال: قال الحكم بن عمرو الغفاري:
يا طاعون خذني إليك الحديث نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 /
324 / 1 - 2) والحاكم (3 / 443) والزيادة له، وسكت عليه هو والذهبي.(2/673)
وأبو المعلى لم أعرفه، وقد ذكر الدولابي في " الكنى " (2 / 124) من طريق
حجاج بن نصير قال: حدثنا أبو المعلى زيد بن أبي ليلى السعدي عن الحسن عن معقل
بن يسار ... فذكر قصة أخرى، فيحتمل أن يكون هو هذا ولكني لم أجد له ترجمة
أيضا. وروى ابن شاهين من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عابس صاحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم فذكر الخصال الست. والحديث أشار إلى صحته الحافظ في ترجمة
الحكم من " الإصابة " (1 / 346) ، وهو حري بذلك لطرقه التي ذكرنا.
980 - " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من
بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ".
أخرجه مسلم (3 / 154) من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. وقد عزاه
المنذري في " الترغيب " (2 / 87) للنسائي أيضا ولم أجده في " سننه " الصغرى
فلعله في " الكبرى " له. والشطر الثاني من الحديث قد جاء من طرق أخرى عن أبي
هريرة نحوه وهو الآتي بعده، إن شاء الله تعالى. وسبب الحديث ما رواه ابن
سعد (4 / 85) بسند صحيح عن محمد ابن سيرين قال: " دخل سلمان على أبي الدرداء
في يوم جمعة، فقيل له: هو نائم، قال: فقال: ما له؟ قالوا: إنه إذا كان
ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة، قال: فأمرهم فصنعوا طعاما في يوم جمعة
، ثم أتاهم فقال: كل، قال: إني صائم، فلم يزل به حتى أكل، ثم أتيا النبي
صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عويمر!
سلمان أعلم منك، وهو يضرب(2/674)
على فخذ أبي الدرداء، عويمر! سلمان أعلم منك
(ثلاث مرات) ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح.
981 - " لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم ".
أخرجه الترمذي (1 / 143) وابن ماجه (1 / 526) وأحمد (2 / 495) من طريق
الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح على شرط
الشيخين، وقد صححه الترمذي. وقد جاء من طرق أخرى فانظر الذي قبله. و " إن
يوم الجمعة يوم عيد ... " وهو مخرج في " الإرواء " رقم (94) . و " نهى عن
صيام يوم الجمعة ". وسيأتي برقم (1012) . ومن طرقه ما أخرجه الطحاوي في
" شرح المعاني " (1 / 339) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: " لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما "
. وهذا إسناده حسن. وأخرجه أحمد (2 / 365 و 422 و 458 و 526) والطحاوي
أيضا من طريق عبد الملك بن عمير عن زياد الحارثي عنه نحوه. وهذا سند صحيح
رجاله رجال الستة غير زياد الحارثي، قال في " التعجيل ". " قال شيخنا: لا
أعرفه. قلت قد جزم الحسيني بأنه أبو الأوبر وهو معروف ولكنه مشهور بكنيته
أكثر من اسمه، وقد سماه زيادا النسائي والدولابي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم
ووثقه ابن معين وابن حبان وصحح حديثه ".(2/675)
قلت: وقد جاء مكنيا بهذه الكنية في بعض طرق الحديث في " المسند " مما يدل على
أنه هو زياد الحارثي، فالسند صحيح. والله أعلم. ويأتي الحديث نحوه من طريق
أخرى عن أبي هريرة (1012) . وله شاهد من حديث جنادة بن أبي أمية قال:
" دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأزد يوم الجمعة، فدعانا
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام بين يديه، فقلنا: إنا صيام، فقال:
صمتم أمس؟ قلنا: لا قال: أفتصومون غدا؟ قلنا: لا، قال: فأفطروا، ثم قال
: " لا تصوموا يوم الجمعة مفردا ". أخرجه الحاكم (3 / 608) وقال: " صحيح
على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه أن ابن إسحاق لم يخرج له مسلم إلا مقرونا، ثم هو مدلس وقد عنعنه.
982 - " نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة ".
أخرجه البخاري (5 / 17) والترمذي (1 / 356) وقال " حسن صحيح " وأحمد (5
/ 273) عن أبي مسعود البدري مرفوعا. وليس عند الأولين (يحتسبها) .
وهي زيادة صحيحة ثابتة عند الشيخين وغيرهما.(2/676)
983 - " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية
عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية ومن خرج
على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده،
فليس مني ولست منه ".
أخرجه مسلم (6 / 21) والنسائي (2 / 177) وأحمد (2 / 306 و 488) من حديث
أبي هريرة مرفوعا. ولبعضه شاهد عن حديث جندب بن عبد الله البجلي مضى
(433) بلفظ: " من قتل تحت راية عمية " ...
984 - " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه
بيعة مات ميتة جاهلية ".
أخرجه مسلم (6 / 22) من حديث ابن عمر. وأخرجه الحاكم (1 / 77 و 117)
بلفظ: " من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه
ومن مات وليس عليه إمامة وجماعة فإن موتته موتة جاهلية ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". وافقه الذهبي.
985 - " يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط، فما فوق ذلك، فما
دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار ".(2/677)
أخرجه ابن ماجه (2 / 197) عن أبي سنان عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد عن
عبادة بن الصامت قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين
إلى جنب بعير من المقاسم، ثم تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة - يعني وبرة
- فجعل بين إصبعيه ثم قال: " فذكره. ورجاله ثقات غير عيسى بن سنان وهو
مختلف فيه قال في " الميزان ": ضعفه أحمد وابن معين وهو ممن يكتب حديثه على
لينه وقواه بعضهم يسيرا، وقال العجلي: لا بأس به، وقال أبو حاتم، ليس
بالقوي ". وفي " التقريب ": " لين الحديث ".
قلت: لكنه يتقوى بورود الحديث من طريق أخرى عن عبادة بلفظ: " يا أيها الناس
إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم
فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة
وعليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه بابا من أبواب الجنة يذهب الله به الهم
والغم. وكان يكره {الأنفال} ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم ".
أخرجه ابن حبان (1693) والحاكم (3 / 49) (5 / 318، 319، 324) مفرقا من
طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول عن أبي سلام عن
أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال " فذكره. وروى منه النسائي (2 / 178
) الجملة الأولى، والدارمي (2 / 229، 230) الثانية والثالثة والأخيرة
بهذا الإسناد.(2/678)
وهو إسناد حسن رجاله كلهم ثقات وفي عبد الرحمن بن الحارث
وشيخه سليمان بن موسى الأشدق كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لاسيما وقد
جاء من طرق هذه إحداها.
والثاني عن يعلى بن شداد عن عبادة وهو الذي قبله.
والثالث عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ويحيى ابن أبي كثير عن أبي سلام
به بلفظ أتم منه وسيأتي (1972) بلفظ: " إن هذه من غنائمكم ".
وقد روى أبو سلام هذه القصة عن عمرو بن عبسة أيضا قال: " صلى بنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى بعير، فلما أسلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال: ولا
يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم "! أخرجه أبو داود
(1 / 433) : حدثنا الوليد بن عتبة حدثنا الوليد حدثنا عبد الله بن العلاء أنه
سمع أبا سلام بن الأسود قال: سمعت عمرو بن عبسة. وهذا سند صحيح رجاله رجال
الصحيح غير الوليد بن عتبة وهو ثقة. وشيخه الوليد هو ابن مسلم. ولأبي سلام
فيه إسناد آخر، قال الدولابي في " الكنى " (2 / 163) : أخبرني أحمد بن شعيب
عن محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثني أبو عبد الرحيم، قال:
حدثني منصور الخولاني عن أبي يزيد غيلان عن أبي سلام عن المقدام بن كعب (بياض
) معد يكرب عن الحارث ابن معاوية عن عبادة بن الصامت: " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم صلى إلى بعير من القسم، فلما فرغ أخذ قردة بين إصبعيه وهي وبرة
فقال: " ألا إن هذه من غنائكم وليس لي منها إلا الخمس والخمس مردود عليكم "
.(2/679)
هكذا وقع إسناده في الأصل: بياض بين كعب ومعد ولعل الصواب: المقدام بن
معد يكرب فقد أورد الحديث الحافظ في " الإصابة " وقال: " قال: أبو نعيم:
" رواه أبو سلام عن المقدام الكندي فقال: الحارث بن معاوية الكندي ".
والمقدام الكندي هو ابن معد يكرب وهو صحابي مشهور، وأما الحارث هذا فقد
اختلفوا في صحبته واستظهر الحافظ في " التعجيل " أنه من المخضرمين. وذكر
نحوه في " الإصابة ". وغيلان هو ابن أنس قال في " التقريب ": " مقبول ".
وبقية الرجال ثقات غير منصور الخولاني فلم أجد له ترجمة.
986 - " خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب
اثنا عشر ألفا من قلة ".
أخرجه أبو داود (1 / 407) والترمذي (1 / 294) وابن خزيمة في " صحيحه " (
1 / 255 / 1) وابن حبان (1663) والحاكم (1 / 443 و 2 / 101) وأحمد (1
/ 294) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (73 / 1) ومحمد بن مخلد في
" المنتقى من حديثه " (2 / 3 / 2) والضياء في " المختارة " (62 / 292 / 2)
من طريق وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله
عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
لخلاف بين الناقلين فيه عن الزهري ".(2/680)
وكذا قال الذهبي. وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم وإنما روي هذا الحديث عن
الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وقد رواه حبان ابن علي العنزي عن
عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه
الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ".
قلت: جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان وقد وصله وهي زيادة يجب قبولها ولا
يضره رواية من قصر به على الزهري ولذلك قال ابن القطان كما في الفيض: " هذا
ليس بعلة فالأقرب صحته ". وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكره
الترمذي. ووصله لوين في " حديثه " (ق 2 / 2) : حدثنا حبان بن علي به.
وهكذا وصله ابن عدي (108 / 1) من طريق أخرى عنه. وأخرجه الطحاوي في
" المشكل " (1 / 238) من طريق النسائي عنه. وأخرجه الدارمي (2 / 215)
هكذا: حدثنا محمد بن الصلت حدثنا حبان ابن علي عن يونس وعقيل عن ابن شهاب عن
عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مرفوعا به نحوه بلفظ: " وما بلغ اثني عشر
ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة ".(2/681)
ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير
حبان بن علي وهو ضعيف لكنه لم يترك كما قال الذهبي، فمثله يستشهد به.
ورواية الليث التي علقها الترمذي عن عقيل عن الزهري مرسلا وصلها الطحاوي من
طريق ابن صالح عنه. وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج
به عند التفرد فكيف عند المخالفة؟(2/682)
987 - " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج
مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله: أنهلك
وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ".
أخرجه البخاري (13 / 9 - 10، 91 - 92) ومسلم (8 / 165 - 166) وابن حبان
(1906) عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(2/685)
" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول ": فذكره.
988 - " لا تجني نفس على أخرى ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 148) : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل حدثنا
عمرو بن عاصم حدثنا أبو العوام القطان عن محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة عن
أسامة بن شريك مرفوعا. قال في " الزوائد ": " إسناده صحيح، محمد بن عبد
الله ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال النسائي: لا بأس به، وأبو العوام
القطان اسمه عمران بن داور وثقه الجمهور وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين "
. قلت: عمران متكلم فيه من جهة حفظه، وفي التقريب: " صدوق يهم "، فحديثه
لا يبلغ درجة الصحيح، بل هو حسن فقط. غير أن حديثه هذا صحيح، لأن له شاهدا
من حديث الأشعث بن سليم عن أبيه عن رجل من بني ثعلبة بن يربوع مرفوعا بهذا
اللفظ. أخرجه النسائي (2 / 251) وأحمد (5 / 377) وسنده صحيح رجاله رجال
الشيخين. وله شاهد آخر بلفظ: " ألا لا يجني جان إلا على نفسه ... " وسيأتي
إن شاء الله تعالى برقم (1974) . وشاهد ثالث وهو: " لا تجني أم على ولد،
لا تجني أم على ولد ".(2/686)
989 - " لا تجني أم على ولد لا تجني أم على ولد ".
أخرجه النسائي (2 / 251) وابن ماجه (2 / 147) وابن حبان (1683)
والحاكم (2 / 611 - 612) وصححه عن يزيد بن زياد ابن أبي الجعد عن جامع بن
شداد عن طارق المحاربي مرفوعا به. وهذا سند صحيح، ويزيد هذا ثقة.
والحديث رواه أبو يعلى أيضا وأبو نعيم كما في المنتخب (2 / 518) .
990 - " لا تجني عليه ولا يجني عليك ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 147 - 148) وأحمد (4 / 344 - 345، 5 / 81) عن هشيم
أنبأنا يونس بن عبيد عن حصين بن أبي الحر عن الخشخاش العنبري قال: " أتيت
النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي قال: فقال: ابنك هذا؟ قال: قلت:
نعم، قال: " فذكره. قال في " الزوائد ": " إسناده كلهم ثقات إلا أن هشيما
كان يدلس ".
قلت: ولكنه قد صرح بسماعه كما في هذه الرواية وهي لأحمد، فالإسناد صحيح
ولفظه على القلب: " لا يجني عليك ولا تجني عليه ". والحديث رواه أيضا أبو
يعلى والبغوي وابن قانع وابن منده والطبراني في " الكبير " وسعيد بن منصور
في " سننه " كما في " المنتخب " (6 / 126) . وله شاهد من حديث أبي رمثة وهو
مخرج في " إرواء الغليل " (2362) .
991 - " من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 70) من حديث البراء بن عازب وسنده صحيح على شرط
الشيخين.(2/687)
وقد أخرجاه في حديث: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ". وسيأتي بإذن
الله (1975) . وقد ورد بهذا اللفظ تماما من حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد (2
/ 501 و 527) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. وهذا إسناد حسن، وقال
الهيثمي (10 / 39) : " رواه أبو يعلى وإسناده جيد، ورواه البزار وفيه
محمد بن عمرو وهو حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وكأنه ذهل عن
كونه في " المسند " من هذا الوجه وإلا لعزاه له قبل أولئك. وورد من حديث
الحارث بن زياد مرفوعا. أخرجه ابن حبان (2291) . ومن حديث معاوية بن أبي
سفيان. أخرجه أحمد أيضا (4 / 100) عن الحكم بن ميناء عن يزيد بن جارية عنه.
وهذا إسناد محتمل للتحسين أو هو حسن لغيره. وقال الهيثمي: " رواه أحمد
وأبو يعلى قال: مثله والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجال أحمد رجال
الصحيح ". كذا قال: وليس بصحيح، فإن يزيد بن جارية هذا لم يرو له من الستة
إلا النسائي، ووثقه لكن وقع في كتاب الهيثمي: " عن زيد بن ثابت " بدل:
" يزيد بن جارية " فلا أدري آلوهم منه أو من بعض النساخ. وورد الحديث بلفظ:
" من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم ". رواه
الطبراني من حديث أبي هريرة. قال في " مجمع الزوائد " (10 / 39) :(2/688)
" ورجاله رجال الصحيح، غير أحمد بن حاتم وهو ثقة، ورواه الطبراني أيضا عن
معاوية بهذا اللفظ، ورجاله رجال الصحيح غير النعمان بن مرة وهو ثقة ".
قلت: وهو في " المعجم الصغير " (ص 241 - 244) في حديث طويل عن وائل بن حجر
أنه قال لمعاوية: فكيف تصنع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وفيه ضعف وجهالة.
992 - " كان إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا
ولا تعسروا ".
أخرجه مسلم (5 / 141) وأبو داود (2 / 293) من طريق أبي أسامة عن بريد بن
عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا. الحديث. وسيأتي في " يسروا ولا تعسروا ... " برقم (1151) .
993 - " الطيرة من الدار والمرأة والفرس ".
أخرجه أحمد (6 / 150، 240، 246) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 341)
عن قتادة عن أبي حسان قال: " دخل رجلان من بني عامر على عائشة، فأخبراها أن
أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فذكره) فغضبت، فطارت
شقة منها في السماء وشقة في الأرض، وقالت: والذي أنزل الفرقان على محمد ما
قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون
من ذلك ". وفي رواية لأحمد: " ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة، ثم قرأت عائشة
(ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب) إلى آخر الآية ".
وأخرجها الحاكم (2 / 479) وقال:(2/689)
" صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا، بل هو على شرط مسلم، فإن أبا حسان هذا قال الزركشي في
" الإجابة " (ص 128) : " اسمه مسلم الأجرد، يروي عن ابن عباس وعائشة ".
قلت: وهو ثقة من رجال مسلم. ورواه ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح " (6 /
46) . ويشهد له ما أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1537) : حدثنا محمد بن
راشد عن مكحول قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: الشؤم في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبو
هريرة لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون
: إن الشؤم في الدار والمرأة والفرس، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله ".
وإسناده حسن لولا الانقطاع بين مكحول وعائشة، لكن لا بأس به في المتابعات
والشواهد، إن كان الرجل الساقط من بينهما هو شخص ثالث غير العامريين المتقدمين
. هذا ولعل الخطأ الذي أنكرته السيدة عائشة هو من الراوي عن أبي هريرة، وليس
أبا هريرة نفسه، فقد روى أحمد (2 / 289) من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس
قال: " سئل أبو هريرة: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة في
ثلاث في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: كنت إذن أقول على رسول الله صلى الله
عليه وسلم (ما لم يقل ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: أصدق
الطيرة الفأل والعين حق ". وأبو معشر فيه ضعف.(2/690)
وقد وجدت لحديث الترجمة شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " الطيرة في
المرأة والدار والفرس ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 381)
والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 192 / 2) من طرق عن محمد بن جعفر عن عتبة
بن مسلم عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم،
لكنه شاذ بهذا الاختصار، فقد خالفه سليمان بن بلال: حدثني عتبة بن مسلم بلفظ
: " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس.. " الحديث. أخرجه مسلم (7 / 34)
والطحاوي.
قلت: فزادا في أوله. " إن كان الشؤم في شيء ". وهي زيادة من ثقة فيجب
قبولها، لاسيما وقد جاءت من طريق أخرى عن ابن عمر عند البخاري ولها شواهد
كثيرة منها عن سهل بن سعد وجابر وقد خرجتها فيما تقدم (799) . ومنها عن
سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " لا طيرة، وإن كانت الطيرة في شيء ففي المرأة
.... ". أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق أن سعيد
بن المسيب حدثه قال: " سألت سعدا عن الطيرة. فانتهرني (زاد في رواية: فقال
: من حدثك؟ فكرهت أن أحدثه) وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فذكره.(2/691)
وإسناده جيد، فقد ذكر له شاهدا من رواية ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي
سعيد به. وآخر من حديث أنس وسنده حسن. ونحوه حديث صخر أو حكيم بن معاوية
مرفوعا بلفظ: " لا شؤم، وقد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة، والفرس،
والدار ". وهو صحيح الإسناد كما بينته فيما سيأتي (1930) .
وجملة القول أن الحديث اختلف الرواة في لفظه، فمنهم من رواه كما في الترجمة،
ومنهم من زاد عليه في أوله ما يدل على أنه لا طيرة أو شؤم (وهما بمعنى واحد
كما قال العلماء) ، وعليه الأكثرون، فروايتهم هي الراجحة، لأن معهم زيادة
علم، فيجب قبولها، وقد تأيد ذلك بحديث عائشة الذي فيه أن أهل الجاهلية هم
الذين كانوا يقولون ذلك، وقد قال الزركشي في " الإجابة " (ص 128) :
" قال بعض الأئمة: ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى (
يعنى من حديث أبي هريرة) لموافقته نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا
عاما، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب
، وهم الذين لا يكتوون (الأصل لا يكنزون) ولا يسترقون، ولا يتطيرون،
وعلى ربهم يتوكلون ".
قلت: وقد أشار بقوله: " بعض الأئمة " إلى الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى.
فقد ذهب إلى ترجيح حديث عائشة المذكور في " مشكل الآثار "، ونحوه في " شرح
المعاني " وبه ختم بحثه في هذا الموضوع، وقال في حديث سعد وما في معناه:
" ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما دل عليه ما قبله من الحديث، (يعني حديث
ابن عمر برواية عتبة بن مسلم وما في معناه عن ابن عمر) ، وذلك أن سعدا أنتهر
سعيدا حين ذكر له الطيرة، وأخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا
طيرة، ثم قال: إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار، فلم يخبر
أنها فيهن، وإنما قال: إن تكن في شيء(2/692)
ففيهن، أي: لو كانت تكون في شيء
لكانت في هؤلاء، فإذ لم تكن في هؤلاء الثلاث فليست في شيء ".
994 - " إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق ".
أخرجه الترمذي (1 / 228) والدارمي (2 / 247) وابن ماجه (2 / 5) وابن
حبان (1095) والحاكم (2 / 6) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن
إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده: " أنه خرج مع النبي صلى الله
عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار!
فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال
" فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح الإسناد "
ووافقه الذهبي مع أنه قال في ترجمة إسماعيل هذا: " ما علمت روى عنه سوى عبد
الله بن عثمان بن خثيم ولكن صحح هذا الترمذي ". وفي التقريب: إنه مقبول.
وللحديث شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن إن شاء الله ولفظه: " إن التجار هم
الفجار. قالوا: يا رسول الله: أليس قد أحل الله البيع؟ قال بلى ولكنهم
يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون ".(2/693)
وقد مضى تخريجه برقم (365) فراجعه.
995 - " إن أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر تعلق بشجر الجنة ".
رواه ابن ماجه (1449) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 210 / 1) وابن
منده في " المعرفة " (2 / 363 / 1) عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن
الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: " لما حضر كعبا الوفاة دخلت
عليه أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا أبا عبد الرحمن إن لقيت ابني
فأقرأه مني السلام، فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر نحن أشغل من ذلك فقالت:
يا أبا عبد الرحمن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) قال:
بلى، قالت: فهو ذلك ".
قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله ثقات وإنما علته ابن إسحاق فقد كان يدلس
والظاهر أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ثم أسقطه، فقد رواه معمر الزهري عن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك قال: " قالت أم مبشر لكعب بن مالك وهو شاك: اقرأ على
ابني السلام - تعني مبشرا - فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر أو لم تسمعي ما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المسلم طير تعلق في شجر الجنة حتى
يرجعها الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة! قالت: صدقت، فأستغفر الله ".
أخرجه أحمد (3 / 455) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وفيه مخالفة لما روى ابن إسحاق،
فإن قولها " صدقت، فأستغفر الله " صريح في أن كعبا أقام الحجة عليها بخلاف
رواية ابن إسحاق فإنها على العكس من ذلك، كما هو(2/694)
ظاهر. ومتن الحديث دون
القصة أخرجه مالك في " الموطأ " (1 / 240 / 49) وعنه النسائي (1 / 292)
وابن ماجه (4271) وأحمد (3 / 455) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 156)
كلهم عن مالك عن الزهري به نحوه. وتابعه صالح ويونس عن ابن شهاب. رواه أحمد
(3 / 455) . وتابعه أيضا سفيان بن عينية. رواه أحمد (6 / 386) والترمذي
(1 / 309) وقال: " حديث حسن صحيح ". وتابعه الليث بن سعد. عند ابن حبان
في " صحيحه " (734) ، وكلهم قالوا: " المسلم " أو " المؤمن " إلا سفيان،
فإنه قال: " الشهداء "، فروايته شاذة والله أعلم.
996 - " قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون ".
رواه الضياء في " المختارة " (1 / 434) من طريق الطيالسي وهذا في " المسند "
(623) : حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران قال: حدثني عمير مولى ابن
عباس عن أسامة بن زيد قال: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في
الكعبة فرأى صورا، قال: فدعا بدلو من ماء، فأتيته به، فجعل يمحوها ويقول:
فذكره. ث(2/695)
م رواه من طريق خالد بن يزيد العمري أنبأنا ابن أبي ذئب به، ثم قال:
" لم نعتمد في رواية هذا الحديث على خالد العمري بل على رواية أبي داود ".
قلت: لكن شيخه ابن مهران وهو المديني مولى بني هاشم مجهول كما قال الحافظ في
" التقريب ". ثم رواه (1 / 437 - 438) من طريق أحمد بن عبد الرحمن أنبأنا
عمي ابن وهب حدثني ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن كريب مولى ابن عباس
عن أسامة بن زيد به وقال: " أحمد بن عبد الرحمن متكلم فيه، وقد أخرج له
مسلم في " صحيحه " وتقدم هذا الحديث في رواية عمير مولى ابن عباس ".
قلت: فالحديث بمجموع الطريقين ثابت إن شاء الله تعالى، ولاسيما وفي لعن
المصورين وأنهم أشد الناس عذابا أحاديث كثيرة، بعضها في " الصحيحين " وقد
مضى بعضها (364) .(2/696)
997 - " إنما تضرب أكباد المطي إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد
الأقصى ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 306 / 1) : حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد
بن زريع حدثنا روح عن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري:
" أن أبا بصرة جميل بن بصرة لقي أبا هريرة وهو مقبل من (الطور) ، فقال:
لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "
: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وهو على شرط الشيخين إن كان محمد بن
المنهال هذا هو التميمي الحافظ، وفي طبقته محمد بن المنهال البصري الأنماطي
أخو الحجاج وهو ثقة اتفاقا وكلاهما يروي عن يزيد بن زريع وعنهما أبو يعلى.
والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن أبي هريرة بلفظ " لا تشد الرحال "
وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (رقم 951) ، وإنما خرجته هنا لهذه الزيادة
التي فيها إنكار أبي بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهما سفره إلى الطور، ولها
طرق أخرى أوردتها هناك، فلما وقفت على هذه الطريق أحببت أن أقيدها هنا، وقد
فاتتني ثم. وفي هذه الزيادة فائدة هامة، وهي أن راوي الحديث وهو الصحابي
الجليل أبو بصرة رضي الله عنه قد فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن النهي
يشمل غير المساجد الثلاثة من المواطن الفاضلة كالطور وهو جبل كلم الله عليه
موسى تكليما ولذلك أنكر على أبي هريرة سفره إليه، وقال: " لو لقيتك قبل أن
تأتيه لم تأته " وأقره على ذلك أبو هريرة ولم(2/697)
يقل له كما يقول بعض المتأخرين
: " الاستثناء مفرغ، والمعنى: لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة "
! بل المراد: لا يسافر إلى موضع من المواضع الفاضلة التي تقصد لذاتها ابتغاء
بركتها وفضل العبادة فيها إلا إلى ثلاثة مساجد. وهذا هو الذي يدل عليه فهم
الصحابين المذكورين، وثبت مثله عن ابن عمر رضي الله عنه كما بينته في كتابي
" أحكام الجنائز وبدعها " وهو الذي اختاره جماعة من العلماء كالقاضي عياض،
والإمام الجويني والقاضي حسين، فقالوا: " يحرم شد الرحل لغير المساجد
الثلاثة كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة ". ذكره المناوي في " الفيض ".
فليس هو رأي ابن تيمية وحده كما يظن بعض الجهلة وإن كان له فضل الدعوة إليه،
والانتصار له بالسنة وأقوال السلف بما لا يعرف له مثيل، فجزاه الله عنا خير
الجزاء. فهل آن للغافلين أن يعودوا إلى رشدهم ويتبعوا السلف في عبادتهم وأن
ينتهوا عن اتهام الأبرياء بما ليس فيهم؟ .
998 - " أوثق عري الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله
والبغض في الله ".
رواه الطبراني (3 / 125 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 429 - مكتب)
عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي
ذر: " أي عرى الإيمان أظنه قال -: أوثق؟ قال الله ورسوله أعلم، قال:
الموالاة ... ".(2/698)
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، حنش هذا متروك كما في " التقريب " وغيره.
(وانظر تعليقي على " المشكاة " (2 / 609 / 49) . لكن للحديث شواهد عدة
يتقوى بها. الأول: عن البراء بن عازب، يرويه ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية
بن سويد بن مقرن عنه مرفوعا به دون الموالاة والمعاداة. أخرجه الطيالسي (2 /
48 / 2110) وأحمد (4 / 286) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 187 / 2)
. ورجاله ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف.
الثاني: عن عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان: الأولى: يرويه الصعق بن
حزن قال: حدثني عقيل الجعد عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عنه. أخرجه الطيالسي
(378 - مسنده) وابن أبي شيبة (12 / 189 / 1) والطبراني في " المعجم
الكبير " (3 / 81 / 2) وفي " الصغير " (ص 130) والحاكم (2 / 480) وقال
: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ليس بصحيح، فإن الصعق وإن
كان موثقا، فإن شيخه منكر الحديث. قاله البخاري ".
والأخرى. من رواية هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثني بكير ابن معروف
عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود به نحوه.
أخرجه الطبراني (3 / 74 / 2) .(2/699)
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله ثقات، وفي بعضهم
كلام لا يضر فيها.
999 - " إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب
بمهرها ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته وآخر يقتل دابة عبثا ".
رواه الحاكم (2 / 182) من طريق ابن خزيمة أبي بكر محمد بن إسحاق الإمام
المشهور: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري: حدثني أبي عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن سيرين عن ابن عمر مرفوعا.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي.
قلت: وليس كما قالا، فإن عبد الوارث بن عبد الصمد ليس من رجال البخاري
وإنما هو من رواة مسلم. ثم إن عبد الرحمن بن عبد الله وإن روى له البخاري
فهو متكلم فيه، وقال الذهبي في " الميزان ": إنه صالح الحديث وقد وثق وفي
التقريب: " صدوق يخطىء ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى.(2/700)
1000 - " إن الله مع الدائن (أي المديون) حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله ".
أخرجه الدارمي (2 / 263) وابن ماجه (2 / 75) والحاكم (2 / 23) وأبو
نعيم في " الحلية " (3 / 204) وابن عساكر (9 / 36 / 1) من طريق محمد بن
إسماعيل بن أبي فديك: حدثنا سعيد بن سفيان مولى الأسلميين عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم....
وزادوا إلا الحاكم: " قال: وكان عبد الله بن جعفر يقول لخازنه: اذهب فخذ
لي بدين فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي، بعد ما سمعت من رسول الله صلى
الله عليه وسلم " فذكر الحديث وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي
. وقال في الزوائد: " إسناده صحيح ". وقال المنذري (3 / 36) : " إسناده
حسن ": كذا قالوا! ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سفيان قال الذهبي في
" الميزان ": " لا يكاد يعرف، قواه ابن حبان(2/701)
" وقال الحافظ في التقريب ".
" مقبول ". أي عند المتابعة.
ولم أقف له على متابع بهذا المتن أو السند، وإن كان له شواهد، فهو لذلك
صحيح المعنى، فانظر الحديث الآتي (1029) بلفظ: " من أخذ دينا.... ".(2/702)
الاستدراكات
1- 508- (يا نعايا العرب..) .
ثم وجدت له شاهدًا قويًا موقوفًا، أخرجه الحسين المروزي في "زوائد الزهد" (393/1114) قال:
أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن شداد بن أوس أنه قال حين حضرته الوفاة: فذكره، وتابعه صالح بن كيسان عن الزهري به.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/333/6829) .
وهذا إسناد صحيح، وهو أصح من المرفوع، وقد أشار إلى ذلك ابن أبي حاتم في "العلل" (2/124/1864) عن أبيه. ولعله من الممكن أن يقال: إنه في حكم المرفوع، وبخاصة أن شدادًا قاله في حضرة وفاته.
والمرفوع عزاه الحافظ في "المطالب العالية" لأبي يعلى من الطريق المتقدمة هناك عن عم عباد بن تميم به.
وليس هو في "مسند أبي يعلى" المطبوع، ولا عزاه إليه الهيثمي في "مجمعه"، فهو إذن في "مسند أبي يعلى الكبير".
ومن هذه الطريق أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/332/6824) . ثم رواه (6825) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن جوتي: نا عبد الملك بن عبد الرحمن الذَّماري: نا سفيان الثوري عن ابن أبي ذئب عن الزهري به.(2/703)
واسحاق هذا من شيوخ الطبراني، وهو منكر الحديث كما قال ابن عدي رحمه الله تعالى.
2- 528- (لا تَلعن الريحَ، فإنها مأمورةٌ..) .
لقد أشكل على بعض الطلبة تصحيح هذا الحديث من الحفاظ المذكورين هناك، مع قول شعبة: "لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث.." فذكرها، وليس هذا منها.
وجوابًا عليه أقول: إن هذا الحصر غير مسلم به عند العلماء؛ لأنه يخالف الواقع، فقد سمع منه حديثين آخرين:
أحدهما: رؤيته - صلى الله عليه وسلم - موسى عليه السلام ليلة المعراج؛ عند البخاري (3396) ومسلم (1/105) .
والآخر: دعاء الكرب، وهو في "الصحيحين" أيضًا، وصرح فيه بالتحديث في رواية لمسلم (8/85) وأحمد (1/339) . وراجع "تهذيب التهذيب" و"فتح الباري" (11/145-146) .
3- 548- (لعن الله العقرب لا تدع مصليًا..) .
ثم رأيت الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" المطبوع في الهند (ج 10/418/9850) مرسلًا كما كنت نقلته عن مخطوطة الظاهرية، لكن محقق المطبوعة زاد في السند بين معكوفتين: [عن علي] . وأحال فيها على تعليق له على الحديث نفسه تقدم (ج 7/40/3604) ، وذكر هناك أن الزيادة وردت في "الكنز/كتاب الطب" برمز (ش) وغيره عن علي.
فرجعت إلى "الكنز" فوجدته في المجلد العاشر صفحة (107 حديث 28544) عزاه لـ (ش، هب، والمستغفري في "الدعوات" وأبو نعيم في "الطب" عن علي) . وفي مكان آخر قريب (109/28548) عزاه لـ (طس وابن مردويه وأبو نعيم(2/704)
في "الطب" عنه) . ثم رأيته قد ذكره في "كتاب القصاص" (ج 15/45/40015) عزاه مختصرًا دون القصة لـ (هب) عنه.
وبناء عليه؛ كان لا بد لي من التحقيق في صحة نسبة هذه الزيادة إلى ابن أبي شيبة أولًا، ثم صحة ثبوتها عن عبد الرحيم بن سليمان ثانيًا، فرأيت الحديث في "كتاب الطب" لأبي نعيم (ق 97/2) و"شعب الإيمان" للبيهقي (2/518/2575) أخرجاه من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا عمي أبو بكر: ثنا عبد الرحيم بن سليمان بزيادة: "عن علي".
فانكشف لي أن هذه الزيادة لا تصح عنهما؛ لأن محمد بن عثمان بن أبي شيبة -وهو ابن أخي أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة مؤلف "المصنف"- مع كونه من الحفاظ؛ فقد اختلف فيه اختلافًا شديدًا، فمن موثق، وقائل: "لا بأس به"، ومن مكذب له، وقائل: "كان يضع الحديث"! وله ترجمة مبسطة في "الميزان" و"اللسان" و"سير الأعلام" (14/21-23) ، وقد أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال:
"حافظ، وثقه جزرة، وكذبه عبد الله بن أحمد".
قلت: وهو إلى هذا قد خالف الإِمام الحافظ الثقة الأجل بقي بن مخلد راوي "المصنف" عن ابن أبي شيبة، ولذلك فزيادته عليه منكرة لا تصح، فبقي الحديث عن ابن الحنفية مرسلًا، يتقوى بمسند ابن مسعود المخرج هناك، وبالله تعالى التوفيق.
4- 704- (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام..) .
يلحق بآخر البحث الوارد تحته المتعلق برد السلام على الذمي ما يأتي:
ثم قرأ علي أحد إخواننا من كتاب "أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية (1/ 199-200) ما يوافق تمامًا هذا الذي قلته من الرد على أهل الكتاب بالشرط المذكور، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.(2/705)
5- 717- (كان إذا اعتم سدل..) .
يلحق بالصفحة (335) بعد السطر (15) :
وقد خالفهما أبو أسامة فقال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال:
كان ابن عمر يعتم ويرخيها بين كتفيه.
قال عبيد الله: أخبرنا أشياخنا أنهم رأوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمون ويرخونها بين أكتافهم.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/427/5028) ، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (رقم 6249) بسند صحيح.
6- 764- (إن آل أبي فلان..) .
يُلحق بآخر التخريج:
ثم وجدت لمحمد بن عبد الواحد متابعًا آخر عند أبي عوانة في "صحيحه" (1/96) من طريقين عن أبي العاصي -من ولد سعيد بن العاص- قال: حدثني عنبسة بن عبد الواحد به.
لكنّ أبا العاصي هذا لم أعرفه، ولم يذكره الذهبي في كتابه "المقتنى في الكنى"، إلا أنني أخشى أن تكون هي كنية محمد بن عبد الواحد نفسه، فإن عبد الواحد هو من ولد سعيد بن العاص؛ فإنه عنبسة بن عبد الواحد بن أمية بن عبد الله ابن سعيد بن العاص الأموي، فإذا كان هو نفسه لم يصلح أن يكون متابعًا كما هو ظاهر، ولكن هل يخرج من الجهالة بإخراج أبي عوانة له في "صحيحه؟ " موضع نظر.
والله أعلم.
إلا أن الزيادة التي جاء بها -وحاول تضعيفها- هي صحيحة؛ لأن لها شاهدًا من حديث أبى هريرة، رواه مسلم وغيره، وسيأتي تخريجه في هذه السلسلة برقم (3177) .(2/706)
وقد تغافل عنه الأخ حسان عبد المنان في تعليقه على ما طبع هو من كتاب "رياض الصالحين" للنووي، معللًا إياها بالجهالة المذكورة؛ مقتبسًا إياها من تخريجي المتقدم للحديث دون أن يشير إلى ذلك كما هي عادته، ودون أن يستدرك عليّ ما به تتقوى الزيادة كهذا الشاهد؛ لأن همه تكثير سواد الأحاديث الضعيفة وانتقاد من صححها؛ متشبثًا بما قد يبدو له من علة، ومعرضًا عما قد يقويها من المتابعات والشواهد كما هو الشأن في هذه الزيادة، وهذا أمر ظاهر جلي في "ضعيفته" التي طبعها في آخر طبعته لـ "الرياض"، فقد ضعف فيها عشرات الأحاديث الصحيحة، بعضها في " الصحيحين " أو أحدهما كهذا، والغريب أن الشاهد المذكور هو في طبعته من " الرياض " قبيل هذا الحديث! فهل تعامى عنه قصدًا تظاهرًا بالتحقيق؛ أم كان ذلك عن سهو منه؟ لقد كان المفروض أن نحسن الظن به، ولكن تصرفه السيىء في " ضعيفته " منعنا من ذلك، فقد رأيته ضعف فيها كثيرًا من أحاديث "مسلم" بمثل هذا التعامي، فقد انتقد فيها (558/116) تصحيحي لحديث جابر: "وجنبوه السواد" في "غاية المرام"، فأعله هو -محقًا- بعنعنة أبي الزبير، وأسكنه تعامى أيضًا عن شاهده من حديث أنس الذي أشرت إليه هناك، وقلت فيه:
"وهو مخرج في "الأحاديث الصحيحة" (496) "!
وانظر الاستدراك الآتي (11 و13) فهناك ترى أحاديث أخرى صحيحة ضعفها، وبعضها في "صحيح مسلم" أيضًا!
7- 808- (بعثت في نسم الساعة) .
ثم وقفت على خلافٍ وقع في إسناد الحديث، وذلك على وجهين:
الأول: في اسم راوي الحديث عن أبي جبيرة، فسماه ابن عيينة -كما تقدم هناك- قيس بن أبي حازم.
وخالفه المسعودي فقال: عن إسماعيل عن الشعبي عن أبي جبيرة.(2/707)
أخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه" (1/8) . لكن المسعودي -واسمه عبد الرحمن بن عبد الله- كان اختلط.
وخالفهما مروان بن معاوية فقال: عن إسماعيل عن شبيل بن عوف عن أبي جبيرة.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/390-391) من طريق يعقوب ابن حميد: ثنا مروان.. وقال الهيثمي (10/390) :
"رواه الطبراني بإسناد حسن".
قلت: وهو كما قال للخلاف المعروف في يعقوب هذا. وأشار إلى ذلك الحافظ فقال في " التقريب ":
"صدوق، ربما وهم".
قلت: ولكن قد توبع من جمع، فروايته أرجح من رواية اللذين قبله، ولكنهم قد خولفوا جميعًا، وهو الوجه التالي:
والوجه الآخر: أن جمعًا من الثقات قالوا: عن إسماعيل عن شبيل عن أبي جبيرة عن أشياخ من الأنصار قالوا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فزاد: الأشياخ.
أخرجه الطبري في "التاريخ" (1/8-9) عن يزيد -وهو ابن هارون- والطبراني في "المعجم الكبير" (22/391/972) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (4/161) عن معتمر بن سليمان، كلاهما عن إسماعيل به.
وتابعه غيرهما، فقال أبو نعيم عقبه:
"رواه أبو حمزة السكري، ومروان بن معاوية (الذي تقدم في الوجه الأول) وغيرهم عن إسماعيل مثله".
قلت: فهؤلاء الثقات جعلوا الحديث من مسند الأشياخ من الأنصار من رواية(2/708)
أبي جبيرة عنه، وليس من مسنده هو نفسه. وهذا هو الصحيح لاتفاق الجماعة عليه.
وهو للحديث أقوى؛ للخلاف في صحبة أبي جبيرة كما تقدم ذكره هناك.
8- 839- (أتاني جبريل فقال: يا محمد..) .
ثم رأيت في "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/442/1094) أنه قال للحافظ أحمد بن صالح المصري الطبري: ما تقول في مالك بن الخير الزبادي؟ قال: "ثقة".
قلت: وهذه فائدة عزيزة -خلت منها كتب التراجم المعروفة- أطلعني عليها الأخ علي الحلبي، تولاه الله وجزاه خيرًا.
9- 866- (بئس مطية الرجل زعموا) .
ثم وقفت على تخريج الشيخ شعيب لهذا الحديث في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/173-174) ؛ تبنى فيه قول الحافظ بأنه منقطع، يعني: بين أبي قلابة وأبي مسعود، وبينه وبين حذيفة، وبين وفاة هذين (68) سنة. وبناء على ذلك توقف الشيخ عن قبول تصريح أبي قلابة في إسناد الطحاوي بالتحديث، زاعمًا أن التصريح بالتحديث لم يرد في المصادر الأخرى التي وقف هو عليها، ثم ختم كلامه بتوهيمي بإيرادي الحديث في "الصحيحة".
وجوابي عليه من وجوه:
أولًا: بطلان زعمه المذكور؛ لأنه قائم على إنكار الواقع الذي لم يحط به علمه، فقد كنت ذكرت هناك من مصادر الحديث مخطوط "المعرفة" لابن منده؛ مع ذكر المجلد والورقة والوجه! وسقت إسناده مسلسلًا بالتحديث من الوليد بن مسلم إلى أبي قلابة قال: نا أبو عبد الله. فهذا مصدر غير "مشكل الطحاوي"، وفيه فائدة مهمة جدًا، وهي تصريح الوليد بالتحديث في الإِسناد في كل طبقاته، فَأمِنَّا بذلك تدليسه تدليس التسوية أولًا، وتحققنا من صحة سماع أبي قلابة من أبي عبد الله حذيفة(2/709)
للحديث ثانيًا، ولذلك فتغاضي الشيخ شعيب عن هذه الحقيقة مما يتنافى مع الأمانة العلمية؛ لما يترتب عليه من قلب الحقائق، وإظهار الحديث الصحيح بمظهر الحديث المعلول!
ثانيًا: لا يجوز -في نقدي- تقديم نفي السماع على إثباته لمخالفته القاعدة المتفق عليها: "المثبت مقدم على النافي"، ولا سيما والنافي ليس عنده إلا تاريخ الوفاة التي لا سند لها إلا أقوال معلقة، والمثبت معه السند الصحيح! وكأنه لذلك أشار الحافظ المزي في "تهذيبه" إلى تضعيف الانقطاع المذكور، فقال -وقد ذكر رواية أبي قلابة عن حذيفة-:
"وقيل: لم يسمع منه".
ويشبه ما فعله الشيخ شعيب بهذا الحديث -إلى حد كبير- ما صنعه أصحابه الحنفية بحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين التي صرح فيها أبو هريرة بأنه كان حاضرها بقوله: صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ... كما في البخاري (1227) وغيره، فنفوا ذلك! متعلقين بقول الزهري المقطوع: إن ذا اليدين استشهد ببدر، وإسلام أبي هريرة كان بعد بدر بأربع سنين، فلم يشهد القصة، فردوا الصحيح بما لم يصح من قول الزهري، انظر "فتح الباري" (3/96-97) .
على أنه لو فرض ثبوت تاريخ وفاة حذيفة وأبي قلابة فذلك لا يعني الانقطاع؛ إلا لو ثبت مع ذلك تاريخ ولادة أبي قلابة؛ بحيث يقطع أنه لم يدرك حذيفة في وقت التحمل على الأقل، وهيهات! فقد نفى ذلك الذهبي -وهو من أعلم الناس بالتاريخ- فقال في "سير الأعلام" (4/468) :
"ما علمت متى ولد". والله أعلم.
10- 895- (أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) .
ثم وجدتُ له شاهدًا آخر من حديث أنس مرفوعًا بلفظ:(2/710)
"إن الله يحب كثرة الأيدي على الطعام".
أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/188) بسند ضعيف.
ويبدو لي أن الحديث كان مشهورًا عند السلف؛ فقد رواه الأصبهاني في "ترغيبه" (2/819) عن عطاء مقطوعًا. ورواه البيهقي في "الشعب" (5/76/5837) عن الأوزاعي كذلك.
11- 907- (خيار أئمتكم..) .
هذا الحديث قد أخرجه مع الإِمام مسلم ابن حبان أيضًا (7/55/4570 - الإِحسان) وأبو عوانة (4/482-486) ، وكلهم أخرجوه من طريق مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك رضي الله عنه.
قلت. وهذا الحديث مما جنى عليه المشار إليه في الاستدراك رقم (6) ، فأعله فيما علق على ما سماه بـ "رياض الصالحين"! بقوله:
"مسلم بن قرظة مجهول الحال. وانظر الحديث رقم (129) ".
وجهل أن إخراج هؤلاء الثلاثة له في "صحاحهم" إنما هو منهم توثيق له؛ أعني مسلمًا وابن حبان وأبا عوانة، كما أنه تجاهل إيراد ابن حبان إياه في "الثقات" (5/396) ، وجزم الذهبي في "الكاشف" بأنه ثقة، ولذلك لم يسع شيخه شعيبًا الأرناؤوط إلا أن يقول في تعليقه على "الإِحسان" (10/449) : "إسناده قوي على شرط مسلم". وكيف لا والرجل تابعي مشهور كما قال البزار؟! وذكره يعقوب بن سفيان في الطبقة العليا من تابعي أهل الشام في كتابه "المعرفة" (2/333) . ونحوه ما في "تاريخ ابن عساكر" (16/482) عن أبي زرعة الدمشقي أنه ذكره في الطبقة التي تلي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي العليا.
يضاف إلى ذلك أن الإِمام أحمد احتج بهذا الحديث على عدم جواز الخروج على الأئمة، وذكر أنه جاء من غير وجه. كما رواه عنه الخلال في "السنة" (1/3/(2/711)
629 تحقيق الزهراني) . كل هذا قالوه في ابن قرظة وحديثه، والرجل يعله بجهالته! فهل هو الجهل أو التجاهل؛ أم الأمران معًا؟!
ولم يكتف الرجل بتضعيف هذا الحديث فقط من أحاديث مسلم، بل هناك أحاديث أخرى ضعفها بمثل هذا الجهل والجهالة (!) كما ستأتي الإِشارة إلى ذلك تحت الاستدراك (13) ، ولكني أريد هنا أن أبين أن الرقم (129) الذي ذكره في آخر كلمته الآنفة الذكر إنما يشير به إلى حديث أما سلمة:
"إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون.." الحديث، وفيه: "قالوا: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما أقاموا الصلاة".
رواه مسلم. فقد أعله الرجل بمثل ما أعل الذي قبله من الجهل؛ فقال (89/6) :
"في صحته نظر، فإن في إسناده ضبة بن محصن، وفيه جهالة حال".
كذا قال هداه الله، فإنه لا يزال ضالعًا في مخالفة الأئمة، راكبًا رأسه، لا يلوي على شيء من العلم، فإن هذا الحديث يقال فيه مثل ما قلنا في الذي قبله وزيادة، فقد قال الحافظ ابن خلفون الأندلسي في ضبة هذا:
"ثقة مشهور".
وقال الذهبي:
"ثقة".
وقال الحافظ: " صدوق ".
وصحح حديثه هذا الترمذي، ولم يضعفه أحد إلا هذا المتأخر، بل يزيده قوة أن له شاهدين؛ أحدهما حديث عوف هذا؛ والآخر حديث أبي هريرة نحوه رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح، وسيأتي تخريجه برقم (3007) ، وتحته الرد على هذا المتأخر. والله المستعان على فساد أهل هذا الزمان، وإعجاب كل ذي رأي برأيه،(2/712)
فوالله الذي لا إله إلا هو لولا أن كثيرًا من الناس يغترون بكل ما يطبع وينشر من أي شخص كان -يحسبون السراب ماء، والعظم لحمًا، وإنما هو كما قيل قديمًا: عظم على وضم- لما سودت سطرًا واحدًا في الرد على هذا وأمثاله كذاك السقاف الآتي بيان بعض ويلاته، ونحوه من الأغرار الذين ليس لهم سابقة في هذا العلم وغيره، ولم يتأدبوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا.. من لم يعرف لعالمنا حقه"، ولا هم يقبلون نصيحة العلماء، قال العلامة الشاطبي رحمه الله في كتابه "الاعتصام" -وهو في صدد بيان علامات أهل الأهواء والبدع (3/99) -:
"والعالم (تأملوا لم يقل: طالب العلم!) إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره، ويعلم هو من نفسه ما شهد له به، وإلا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك، فاختيار الإِقدام في هاتين الحالتين على الإِحجام لا يكون إلا باتباع الهوى، إذ كان ينبغي له أن يستفتي في نفسه غيره، ولم يفعل، وكان من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره، ولم يفعل".
هذه نصيحة الإِمام الشاطبي إلى (العالم) الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم، ينصحه بأن لا يتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء، فماذا كان ينصح يا ترى لو رأى بعض هؤلاء المتعلقين بهذا العلم في زمننا هذا؟! لا شك أنه كان يقول له: "ليس هذا عشك فادرجي"، فهل من معتبر؟! وإني والله لأخشى على هذا البعض أن يشملهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويُخلف لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء" (1) .
والله المستعان.
12- 925- (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) .
أقول: هذا الحديث مع صحته كما تقدم هناك وتلقي الأمة له بالقبول على
__________
(1) مخرج فيما سيأتي برقم (1682) من (المجلد الرابع) .(2/713)
اختلاف مشاربهم، فقد تجرأ المدعو بـ (حسن السقاف) على إنكاره بكل صفاقة، مخالفًا بذلك سبيل المؤمنين، فصرح في تعليقه على " دفع شبه التشبيه " لابن الجوزي فزعم (ص 62) : أنه حديث ضعيف! ثم غلا فصرح (ص 64) بأنه حديث باطل!!
ثم أخذ يرد عليّ تصحيحي إياه لشواهده؛ متحاملًا متجاهلًا لتصحيح من صححه من الحفاظ، مشككًا فيما نقلته عن بعض المخطوطات التي لم ترها عيناه، وما حمله على ذلك إلا جهمية عارمة طغت على قلبه، فلم يعد يفقه ما يقوله العلماء من المتقدمين أو المتأخرين، فذكرت هناك من المصححين: الترمذي والحاكم والذهبي والخِرقى والمنذري والعراقي وابن ناصر الدين الدمشقي، وأضيف الآن إليهم الحافظ ابن حجر في كتابه الذي طبع حديثًا "الإِمتاع" (ص 62-63) حتى قال في معناه شعرًا:
إن من يرحم من في الأرض قد ... آن أن يرحمه من في السما
فارحم الخلق جميعًا إنما ... يرحم الرحمن فينا الرحما
ومن المتأخرين الذين صححوا هذا الحديث الشيخان الغماريان: أحمد الغماري في كتابه "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (1/459) وقال:
"وقد رويناه من طرق متعددة".
ونقل تصحيح الترمذي والحاكم وأقرهما.
والغماري الآخر الشيخ عبد الله الذي صحح الحديث في كتابه الذي أسماه "الكنز الثمين"، فإنه أورده فيه برقم (1867) ، وقد ذكر في مقدمته أن كل ما فيه صحيح، وهو أخو الشيخ أحمد الغماري، وهو أصغر منه سنًّا وعلمًا، وهما ممن يُجِلُّهُما السقاف ويقلدهما تقليدًا أعمى، وإذا ذكر أحدهما قال فيه: "سيدي"!
فما عسى أن يقول المسلم المنصف في مثل هذا الرجل الذي يخالف أولئك الحفاظ ويسلك غير سبيلهم، بل ويخالف شيخه وسيده -على حد تعبيره- عبد الله الغماري؟! لا شك أنه {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .(2/714)
هذا أولًا.
وثانيًا: هذا الحديث فيه جملتان مباركتان:
الأولى: "ارحموا من في الأرض"، وشواهده كثيرة جدًا عن جمع من الصحابة، استوعبهم الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في مجلسه المشار إليه هناك عند تخريج الحديث، وقد طبع أخيرًا بتحقيق الأخ الفاضل أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد، فراجع فهرس أحاديثه تجد أسماءهم والإِشارة إلى مواضع أحاديثهم منه، وبعضها مما اتفق عليه الشيخان، من ذلك أسامة بن زيد، وهو مخرج في "أحاكم الجنائز" (163-164) بلفظ:
"إنما يرحم الله من عباده الرحماء".
والجملة الأخرى: "يرحمكم من في السماء".
وهي صحيحة كما تقدم، وقد بسط الكلام عليها الأخ الفاضل المشار إليه آنفًا، وهي التي أقامت ذاك المبطل وأقعدته، بل وقصصت ظهره؛ لأن حرف "في" فيها هو بمعناه في الجملة الأولى بداهة؛ أي "على"، لا يجادل في ذلك إلا معاند، فهي تؤكد أن هذا الحرف هو بهذا المعنى نفسه في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ؛ أي: على السماء؛ أي: فوق العرش، وبذلك فسرها علماء السلف والخلف -ومنهم ابن عبد البر في "التمهيد"، والبيهقي في كتابيه: "الأسماء" و"الاعتقاد"- وذاك المبطل يعلم هذه الحقيقة ولكنه يكابر، ويبطل الحديث الصحيح ليسمي هذا التفسير تأويلًا، ويسمي تعطيله لمعنى الآية الكريمة تفسيرًا على قاعدة: (رمتني بدائها وانسلت) ، فيقول (ص 65) : "أي صاحب العظمة والرفعة والكبرياء وهو الله تعالى..". ويؤكد هذا التعطيل في مكان آخر (ص 139) ، ويضيف إليه فيقول -فض فوه-.
"والآية مؤولة عند المجسمة بـ (من على السماء) .."!(2/715)
فيا ويله ما أجرأه على نبز السلف بـ "المجسمة"! وفيهم من يتظاهر بتبجيله؛ وإن كنت أعلم أنه لا مبجَّل عنده إلا هواه، وإلا فقل لي بربك كيف يرمي بالتجسيم من فسر الآية بما سبق أن عزوته للسلف؛ ومنهم الإمام البيهقي في كتابيه المذكورين آنفًا (1) ، وهما من الكتب التي يحض هذا الهالك على قراءتها في تعليقه (ص 78) ؟! وهل أدل على اتباعه لهواه من مخالفته للعلماء الذين صححوا حديث الرحمة هذا، ومنهم شيخاه الغماريان؟! وكذلك تضعيفه لكثير من الأحاديث الصحيحة الأخرى كحديث الجارية؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ ". رواه مسلم، وصححه جمع كما فصلت القول في ذلك فيما يأتي برقم (3161) ، وكحديث اختصام الملأ الأعلى، وقد صححه البخاري والترمذي وأبو زرعة والضياء، وهو غير حديث: "رأيت ربي جعدًا أمرد.." فإنه منكر، وحديث: "رأيت ربي بمنى عند النفر على جمل.. "، فإنه موضوع كما هو مبين في "الضعيفة" (6330) ، وقد لبَّس (السقاف) بهذا على القراء فأوهمهم أن الذهبي أنكر حديث الاختصام، وإنما أراد هذا، فارجع الى الرقم المذكور لترى العجب من تدليس هذا الرجل وتضليله للقراء. وقد وجدت لحديث الاختصام طريقًا أخرى -بل شاهدًا صحيحًا- فخرجته في "الصحيحة" (3169) .
وإن مما يجب التنبيه عليه بهذه المناسبة أن الرجل كما يضعف الأحاديث الصحيحة؛ فهو على العكس من ذلك يقوي الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويحتج بها معطلًا بها معاني الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، فهو مثلًا يبطل دلالة الحديث المتواتر في النزول الإِلهي، وقوله تعالى فيه: "من يدعوني فأستجيب له.." بحديث تفرد بروايته حفص بن غياث لم يذكر فيه النزول ولا قوله تعالى المذكور، بل رواه بلفظ: "ثم يأمر مناديًا ينادي يقول: هل من داع.."، وهذا خطأ بيقين؛ لمخالفة حفص لستة من الثقات رووه باللفظ الأول، وهو المحفوظ في
__________
(1) وقد نقلت عبارته تحت الحديث (6332 - الضعيفة) ، ونقلت هناك عن ابن الجوزي أنه فسر الآية كما فسرها البيهقي؛ فهل هو مجسم أيضًا؟!.(2/716)
"الصحيحين" وغيرهما، وهو متواتر كما ذكر ابن عبد البر في "التمهيد"، وقد بسطت القول في هذا وسميت المخالفين لحفص في "الضعيفة" (3897) ، ورددت على هذا المبطل ما زعمه من صحة حديث حفص بما لا يتسع المجال لذكره هنا.
وكذلك احتج بحديث موضوع من أحاديث الإِباضية فيه!: ".. ولا تضربوا لله الأمثال، ولا تصفوه بالزوال، فإنه بكل مكان". وقد بينت بطلانه، وكشفت عواره في "الضعيفة" (5332) ، والغريب العجيب من هذا الأفين أنه نقل الحديث من كتاب "مسند الربيع بن حبيب"، وهو الكتاب الوحيد من تأليف الإِباضية، ركن إليه المذكور من باب القاعدة اليهودية: "الغاية تبرر الوسيلة"؛ لأن فيه رد حديث النزول الذي اصطلح علماء الكلام على تفسير "النزول" بالزوال تحريفًا للكلم عن مواضعه، وتنفيرًا من الإِيمان بالنزول الإِلهي، وأعجب من ذلك أن قوله فيه: "فإنه بكل مكان" مما يكفر الأفين به (ص 127) من تعليقه على "ابن الجوزي"، ومع ذلك روى هذا الحديث الإِباضي الموضوع ليعطل به حديث النزول المتواتر، أليس ذلك من أكبر الأدلة على أنه ينطلق من تلك القاعدة اليهودية، ومنها يندفع لإبطال الأحاديث الصحيحة؟! والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدًا، فحسبنا الآن حديث الرحمة هذا وما ذكر معه. والله المستعان.
13- 937- (عن العرباض بن سارية في الموعظة) .
كنت خرجته هناك من الطريق المشهور في السنن وغيرها من رواية عبد الرحمن ابن عمرو السلمي عنه، وصححته لرواية جمع من الثقات عنه، مع توثيق ابن حبان إياه، وتصحيح من صحح حديثه هذا كالترمذي وابن حبان والحاكم وأبي نعيم والضياء المقدسي.
فأزيد هنا فأقول:
وصححه أيضًا جمع آخر من الحفاظ كالبزار والهروي وأبي العباس الدغولي(2/717)
والذهبي، وقال في السلمي هذا: "صدوق"، وابن القيم في " إعلامه " وغيرهم.
ويلحق بهؤلاء المصححين كل من احتج به أو شرحه، وهم جمع غفير لا يمكن حصرهم، منهم الخطيب في "الفقه والمتفقه"، والخطابي في "معالمه"، وابن تيمية في " فتاويه "، والشاطبي في "اعتصامه"، وغيرهم كثير وكثير جدًا.
يضاف إلى إجماع هؤلاء الحفاظ والأئمة على تصحيحه أنه قد جاء من وجوه أخر كما قال الشاطبي وابن رجب الحنبلي، وقد كنت خرجت الكثير الطيب منها؛ في "الإرواء" (8/107-108) و"ظلال الجنة" (1/17-20) ، فأرى من الضروري أن ألخص الكلام عليها هنا للسبب الآتي بيانه.
تلك هي الطريق الأولى وقد عرفت صحتها.
الطريق الثانية: عن يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية.
أخرجه ابن ماجه وابن أبي عاصم وابن نصر والحاكم والطبراني. وإسناده صحيح متصل.
الثالثة: من طريقين عن أرطأة بن المنذر عن المهاصِر بن حبيب عنه.
أخرجه ابن أبي عاصم والطبراني في "الكبير" و" مسند الشاميين ". وإسناده صحيح لا علة فيه.
الرابعة: عن جبير بن نفير عنه.
الخامسة: من طريقين عن خالد بن معدان عن ابن أبي بلال عن العرباض.
أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن في الشواهد، وابن أبي بلال -اسمه عبد الله- وثقه ابن حبان، وحسن إسناده الحافظ في حديث آخر له.
وللحديث شاهد عن رجل أنصاري من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند حسن عنه، مخرج في "الإِرواء" (8/108) .(2/718)
لقد أفضت في ذكر هذه الطرق تأكيدًا لصحة الحديث، وردًا على رجل طلع علينا أخيرًا بطبعةٍ جديدة لكتاب النووي "رياض الصالحين" منمقة مزخرفة يعجبك مظهرها، ولكنها قبيحة جدًا في مخبرها، ويكفي القارىء دلالة على ذلك أنه حذف منه قرابة (130) حديثًا زاعمًا أنها كلها ضعيفة، وبعضها في " صحيح البخاري " و"مسلم"، ونقدها كلها نقدًا خالف فيه أصول علم الحديث وقواعده المعروفة عند العلماء (1) ، وجعلها في آخر طبعته، ثم أتبعها بأرقام يشير بها إلى أحاديث أخرى ضعفها في التعليق عليها، وهذه كلها صحيحة، وعددها (15) حديثًا، وبعضها في "الصحيحين" أو أحدهما، وإليك أرقامها في طبعته مع الرمز لما كان منها فيهما:
(105- وهو حديث العرباض هذا، 129-م، والرد عليه في "الصحيحة" (3007) ، 207 (انظر الصحيحة 173) ، 217 - مروا أولادكم بالصلاة (مخرج في الإرواء 247) ، 241 - خ (الصحيحة 764) ، 243 (الصحيحة 919) ، 273 - م، 501 - م، 509 - م، والرد عليه في "الصحيحة" (3176) ، 957 - م، وهو في فضل صوم يوم عرفة، ص 405 - م (الصحيحة 545) ، 1262 (الصحيحة 1243) ، ص 441، ص 450 (الصحيحة 2435) ، 1431 (الصحيحة 128) .
وأما أحاديث " ضعيفته " البالغ عددها (130) فهي على قسمين: أحدهما مما كنت نبهت على ضعفه في مقدمة طبعتنا لـ "الرياض"، وتبناه هو وتوسع في تخريجه والكشف عن علله، وهو في ذلك عالة على كتبي مثل: "الإِرواء" والسلسلتين وغيرها دون أن يصرح بذلك إلا نادرًا لتقوية موقفه فقط! وذلك مِن تشبعه بما لم يعط، وذلك ما يظهر لكل من يتنبه لبعض عباراته، ولمن قابل تخريجه بتخريجاتي، ولا أدل على ذلك من وقوعه في الخطأ الذي كنت وقعت فيه بسبب أو آخر، فقد نقل من
__________
(1) ذكرت فيما تقدم بعض الأحاديث الصحيحة مما ضعفه بجهل بالغ، فانظر الاستدراك (6 و11) .(2/719)
"الصحيحة" (266) -دون عزو طبعًا- تخريج الحديث وفيه: ".. وأحمد (1/ 153) "، وهذا خطأ! والصواب: "وعبد الله بن أحمد.." كما هو مصحح عندي في نسختي، أضف إلى ذلك أنه كتم عن قرائه تحسين الترمذي إياه وتصحيح الحاكم والذهبي، وموافقتي للترمذي.
وأغرب من ذلك وأسوأ أنه قلدني (ص 518/25) في تضعيف الحديث رقم (1681 - الضعيفة) ، ووافقه على ذلك شيخه شعيب، وأنا قد رجعت عنه فنقلته الى "الصحيحة" (2827 و2828) ؛ لشواهد وقفت عليها، فما أشبههما بالجن الذين قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..} الآية! فلو أن الرجل يريد الإصلاح والنصح لحاول إنقاذ ما يمكن من الأحاديث الضعيفة السند بتتبع الطرق والشواهد لتقويتها لو كان أهلًا لذلك، وإلا فإن تضعيف الأحاديث الصحيحة لا يعجز عنه الملاحدة فضلًا عن المنافقين وأهل الأهواء أمثال أبي ريا وأذنابه.
وبالجملة؛ ففي هذا القسم أحاديث ضعيفة فعلًا، مما كنت أشرت إلى ضعفها في المقدمة كما سبق، وفصلت الكلام على ضعفها في بعض مؤلفاتي المشار إليها آنفًا، فأخذ الرجل منها خلاصتها، وقدمها إلى القراء على أنها من جهده وتحقيقه!!
وأما القسم الآخر؛ فهو مما اشتط فيه عن القواعد العلمية، واتبع فيه هواه، فبلغ عدد الأحاديث الصحيحة التي جنى عليها وضعّفها نحو (60) حديثًا، بعضها في (الصحيح) أيضًا كالأحاديث (68، 116، 123، 127 بترقيم ضعيفته) . ومنها حديث الزهد (رقم 20) تعامى فيه عن طرقه وشواهده، وأحال فيها إلى "الصحيحة"! وقد سبق الرد على مقلّده في المقدمة (ص 13-17) ؛ فارجع إليها لزامًا. وبسط القول في بيان عوار كلامه في تضعيفه إياها كلها يحتاج إلى تأليف كتاب خاص، وذلك مما لا يتسع له وقتي، فعسى أن يقوم بذلك بعض إخواننا الأقوياء في هذا العلم كالأخ علي الحلبي، وسمير الزهيري، وأبي إسحاق الحويني ونحوهم جزاهم الله(2/720)
خيرًا.
ولكن لا بد من تقديم بعض النماذج لتأكيد جنايته على السنة الصحيحة التي شملت أيضًا الأحاديث المتقدمة في هذا المجلد، وهذه أرقامها (545 - م و563 و569 و580 و596 و629 و686 و718 و764 - خ و908 و919 و922 و927 و938 و943 و946 و954) .
فالحديث (569) طعن فيه -هداه الله- بأن فيه انقطاعًا بين زرارة بن أوفي وعبد الله بن سلام مع أنه صرح بسماعه منه؛ ولكنه شكك فيه بقوله (ص 528) :
"ما أراه يصح والله أعلم، ولا أدري الوهم ممن هو؟ أمن ابن أبي شيبة أم أبي أسامة؟! ".
يقول هذا وهو يعلم أن ابن أبي شيبة هو الثقة الحافظ صاحب كتاب "المصنف". وأبو أسامة هو حماد بن أسامة الثقة الثبت، وقد احتج البخاري في "تاريخه" (2/1/439) برواية ابن أبي شيبة هذه لإثبات سماع زرارة من ابن سلام، ودعمها برواية أخرى فقال: وقال سليمان عن حماد قال: ثنا زرارة قال: نا عبد الله بن سلام. وهذا إسناد صحيح متصل. فسليمان هو ابن حرب، وحماد هو ابن زيد، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين. ثم روى البخاري بسند صحيح عن زرارة: حدثني تميم الداري. وتميم توفي قبل ابن سلام بثلاث سنين، فأين الوهم أيها الغارق في الوهم والإِيهام؟! فلا جرم أن أجمع العلماء على تصحيح هذا الحديث، فصرح بتصحيحه الترمذي والبغوي والحاكم والذهبي، وأقرهم المنذري والنووي والحافظ، وقد كتم هذا عن قرائه ليوهمهم أن لا معارض له! بل أنه فعل ذلك في كل الأحاديث التي ضعفها، ومن ذلك حديث "ضعيفته" (93 - ما من أحد يسلم علي..) ، لما نقل عن ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 19) إعلال ابن تيمية إياه لم يذكر أن ابن القيم قال: "وقد صح إسناد هذا الحديث"، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة، أنهم حين ردهم على أهل البدعة يذكرون ما لهم وما عليهم، ثم يبينون الصواب من ذلك كما(2/721)
قال ابن تيمية رحمه الله في كتبه، على أن ابن تيمية قد صحح هذا الحديث في بعض ردوده على خصومه، واحتج به الإِمام أحمد وغيره في جواز زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا مجال بيان ذلك.
وأما الحديث (954) فجاء فيه بإفك له قرنان كما يقال في بعض اللغات، فزعم (ص 515) أن راويه ابن عقيل "ضعيف، كلهم ضعفوه إلا ابن عبد البر.. انظر (التهذيب) "!
فإذا رجع القارىء إلى "التهذيب" وجد فيه أنه احتج به الأئمة: أحمد وابن راهويه والحميدي. فهل هؤلاء ليسوا بأئمة عنده أم الأمر كما قيل: "حبك الشيء يعمي ويصم"؟!
ثم إنه تعامى عن قول الحافظ العجلي في "ثقاته" (277/880 - ترتيب) :
"تابعي ثقة، جائز الحديث".
وعن قول ابن القطان بعد أن ذكر الخلاف فيه:
"حسن الحديث".
فلم يأخذ بقوله هذا وهو الصواب، بينما اعتمد عليه في تضعيفه لحديث العرباض وهو مخطىء!! لم يسبقه إليه أحد!
كما تجاهل قول الحافظ الذهبي في "المغني":
"حسن الحديث، احتج به أحمد وإسحاق".
وقول الحافظ في " التقريب ":
" صدوق ".
وبعد؛ فإن مجال القول فيما صنع الرجل في "رياض النووي" وما حطم من صحاح أحاديثه، ومن أحاديث "الصحيحة" لواسع جدًا، فلنقتصر على ما تقدم من(2/722)
الأمثلة والبينات، فإنها تدل دلالة قاطعة لدى كل منصف لا يحابي ولا يداري على أن الرجل غير موثوق بعلمه، ولا هو مؤتمن في نقله، بل هو مغرور بنفسه، لا يبالي بمخالفته للقواعد العلمية، ولا بأقوال الأئمة الحفاظ النقاد، بل إن لسان حاله يقول: هم رجال ونحن رجال! وقد سمعنا ذلك مرارًا من بعض الجهال.
وإن من غروره بنفسه وعجبه بعلمه أنه تمنى في مقدمة "ضعيفته" أن أرجع أنا إلى موافقته في تضعيفاته! كما رجع شيخه شعيب حيث وافقه في نحو مائة حديث منها فيما ذكر هو عقبها، وأظنه كان مبالغًا في ذلك، لأني رأيت الشيخ في بعض تعليقاته يخالف بعض ما نسبه إليه، أقول هذا بيانًا للواقع لا تبرئة للشيخ، فإننا نعرف منه إنكاره لبعض الأحاديث الصحيحة كحديث: " إذا وقع الذباب " ونحوه، فالرجل يريدني أن أكون مثله في تحطيم السنة الصحيحة، وأنا بفضل الله الناصر لها، والذاب عنها جهل الجاهلين، وانتحال المبطلين.
هذا، وإن مما شجعني على الرد عليه في هذا الاستدراك -علاوة على ما لا بد منه من بيان الحق، وتبصير من قد يغتر بكثرة كلامه ونُقوله المبتورة- أنه تكشف لي إعجابه برأيه وإصراره على خطئه، وبطره الحق في نقاش جرى بيني وبينه في أول ليلة من رمضان المبارك لهذه السنة (1412) حول تضعيفه لحديث العرباض، بحضور بعض الأفاضل، فقد وجهت إليه بعض الأسئلة، تبين لنا من أجوبته عليها أنه ليس على معرفة بهذا العلم ومتعلقاته، إلى درجة أنه لا يتبنى قول العلماء: "المثبت مقدم على النافي" ونحوه من القواعد العلمية! ولهذا فهو يقدم الجرح مطلقًا على التعديل، والتجهيل على التوثيق، والتضعيف على التصحيح، بل وجهله على علم غيره! فلا يقبل خبر أحدهم بأن للحديث الضعيف سندًا آخر يقويه، ولا حكمه بثبوته حتى يقف هو عليه ويرتضيه، ولذلك فهو يكتمه ويطويه، إلى غير ذلك مما لا يتيسر لي الآن أن أحصيه.
أقول هذا تحذيرًا للقراء من جنايته على السنة، ونصحًا له على أنه أخ لنا في(2/723)
الدين، ولعله يصحح موقفه منها على ضوء ما تقدم من البيان، ومستعينًا بأقوال العلماء الذين سبقونا في هذا الشأن، وملتزمًا لقواعدهم، وبخاصة من شهد لهم القاصي والداني بنبوغهم في هذا الميدان من المتقدمين والمتأخرين، كابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن كثير والذهبي والعسقلاني وغيرهم، فإذا فعل ذلك انتُفع بعلمه مع الإخلاص لله فيه.
ومع هذا كله فلا أجد في نفسي حرجًا من الاعتراف بأن الرجل كان في نقاشه معي أديبًا لطيفًا، ومصرحًا في أوله بما كان الأولى به أن يُعلنه في مقدمة "ضعيفته"؛ ليكون أقرب إلى الإِخلاص لله، وأبعد عن المحاباة والمداراة، فقد قال بعد توطئة وتودد:
"وأنا ما تعلمت هذا العلم -إن كان عندي قليل من العلم- فما تعلمته إلا بك، فأنت الذي فتحت لنا هذا الباب في كتبك، ووالله لولا كتبك واستفادتنا منها ومطالعتنا لها ما توصلنا إلى ما توصلنا إليه الآن. حتى الشيخ شعيب كان عندي قبل فترة وشهد بهذا، وقال: إنه استفاد من كتبك كثيرًا".
هكذا قال. وأرجو أن تكون هذه الكلمة خرجت من قلبه، لنرى آثارها الطيبة برجوعه قريبًا إلى الصواب إن شاء الله تعالى.
14- 959- (أمتي أمة مرحومة) .
كنت خرجته ثمة من رواية جمع عن المسعودي عن سعيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه، وأعللته باختلاط المسعودي.
ثم رأيت الروياني قد أخرج الحديث في "مسنده" (23/3/2) قال: نا محمد بن معمر: نا معاذ بن معاذ: نا المسعودي به.
فأقول هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير المسعودي، وهو ثقة هنا، قال الحافظ:(2/724)
"صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه بـ (بغداد) فبعد الاختلاط".
قلت: ومعاذ بن معاذ، وهو العنبري البصري، فيكون سمع منه قبل الاختلاط، وقد صرح بذلك الحافظ العراقي في "التقييد والإِيضاح" (ص 402) ، وتبعه ابن الكيال (293-295) ، فعليه فقد زالت العلة، وصح الإِسناد والحمد لله، وهذا من فضله تعالى وتوفيقه إياي في خدمة السنة والذب عنها.
أقول هذا لأنني وقفت في هذه الأيام على رسالة صغيرة لمؤلف مجهول في هذا العلم الشريف؛ سماها "المنهج الصحيح في الحكم على الحديث النبوي الشريف" بقلم عادل مرشد؛ ذكر في مقدمتها أنه من تلامذة الشيخ شعيب الأرناؤوط، تبين لي منها أنه لا يعرف من هذا العلم إلا التقليد والنقل من هنا وهناك على جهل أيضًا بعلم المصطلح كقوله (ص 24) :
"وتدرك العلة بتفرد الراوي".
فهذا خطأ؛ لأن الراوي إذا كان ثقة وتفرد بحديث؛ فهو صحيح ما لم يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددًا، فالعلة تدرك بالمخالفة وليس بالتفرد.
ولا أريد الآن الرد عليه وعلى ما في رُسَيْلته من الأخطاء، لأن الوقت أضيق من أن يتسع للرد على مثلها، وإن كان قد تبين لي منها أن تأليفه إياها إنما كان بباعث حقد دفين، فقد اختار أربعة أحاديث صحيحة مما كنت صححته في بعض كتبي، فضعفها هو كلها، أحدها مما صححه جمع كمسلم وابن حبان وغيرهما، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"خلق الله التربة يوم السبت.." الحديث، أعله بزعم مخالفته للقرآن، وهو زعم كنت رددته؛ بل بينت بطلانه في غير ما كتاب من كتبي مثل: "مختصر العلو" (111-112) ، وهذه السلسلة (1833) ، والتعليق على "المشكاة" (5735) ، ولم يأت المشار إليه في تأييد زعمه بشيء جديد، وإنما هو يجتر ما قاله غيره مما قد رددته(2/725)
هناك، دون أن يدلي ولو بكلمة واحدة للرد علي متجاهلًا ذلك كله، وليس ذلك من شأن من يريد الحق، وهو في ذلك كله قد قلد شيخه في تعليقه على "صحيح ابن حبان" (14/30-32) ، وهو قد رأى يقينًا ردي المشار إليه في كتبي، فإنه كثير الاستفادة منها كما تقدم (ص 724) ، فاكتفى فيه بحكاية الأقوال المردود عليها، دون الجواب عن ردي على مذهب من قال: "عنزة ولو طارت"، ومن أراد الوقوف على الحقيقة فليرجع إلى المواضع المشار إليها من كتبي.
ولذلك فقد أنصف الأستاذ رضاء الله المباركفوري في تعليقه على كتاب "العظمة" لأبي الشيخ (4/1358-1360) ، فحكى أقوال الذين أعلوه بالمخالفة، وردي لها، ثم أعاد شيئًا من ذلك في مكان آخر (ص 1377) ، ثم انتهى إلى موافقته إياي على صحة الحديث، وأنه لا حجة عند من أعلوه بالمخالفة، فجزاه الله خيرًا.
فإذن لا داعي لإِعادة ردي المشار إليه آنفًا، ولكن لا بد لي من أن أقدم طريقًا أخرى للحديث هي نص فيما ذهبنا إليه، وهو ما أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/427/11392) من طريق الأخضر بن عجلان عن ابن جريج المكي عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا:
"يا أبا هريرة! إن الله خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت.." الحديث. ورجاله ثقات. فقد جمع هذا النص بين الأيام المذكورة في القرآن والأيام السبعة المذكورة في الحديث الذي بين فيه ما جرى على الأرض من تطوير في الخلق، وهو ما كنا حملنا عليه الحديث الصحيح في رد ما أعلوه به، فالحمد لله على توفيقه، ونسأله المزيد منه بفضله وكرمه.
(تنبيه) : لقد شارك شعيبًا في تضعيف هذا الحديث الصحيح تلميذه الآخر المدعو (حسان عبد المنان) في "ضعيفته" التي سبقت الإِشارة إليها في بعض(2/726)
الاستدراكات المتقدمة، وكأنه شعر مما حكاه من التعليل الذي ذكره شيخه وغيره وليس فيه ما تقوم به الحجة، فأراد هو أن يتظاهر بما لم تستطعه الأوائل! فقال (ص 266) في أحد رواته إسماعيل بن أمية:
"لم يصرح بالتحديث".
قلت: وإسماعيل هذا ثقة ثبت كما قال الحافظ، وقد احتج به الشيخان، ولم يتهم بتدليس.
ومن هنا يتجلى خطورة ما عليه الشيخ شعيب من تشبثه في تضعيف الأحاديث الصحيحة بأوهى العلل، وتشجيعه للطلاب الذين يتمرنون على يديه في تخريج الأحاديث على تقليده في ذلك، وابتكار العلل التي لا حقيقة لها في التضعيف. والله المستعان.
ومعذرة إلى القراء فقد جرني البحث إلى الابتعاد عما كنت أريد الكتابة فيه، ألا وهو حديث هذا الاستدراك، فإنه من الأحاديث الأربعة الصحيحة التي ضعفها المومى إليه في رسيلته! (ص 36-37) بزعم أنه يخالف الأحاديث الصحيحة من رواية غير واحد من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج ناس من أمته من النار بالشفاعة!
قلت: فأكد بزعمه جهله بطريقة التوفيق بين الأحاديث التي يظهر لبعضهم التعارض بينها؛ والحقيقة أنه لا تعارض عند التأمل والابتعاد عن التظاهر بالتحقيق المزيف كما هو الواقع في هذا الحديث الصحيح، فإنه ليس المراد به كل فرد من أفراد الأمة، وإنما من كان منهم قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته؛ كما قال البيهقي في "شعب الإِيمان" (1/342) :
"وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تَصِر ذنوبه مكفرة في حياته".
قلت: فالحديث إذن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، أطلق "الأمة" وأراد بعضها؛ وهم الذين كفرت ذنوبهم بالبلايا ونحوها مما ذكر في الحديث، وما أكثر(2/727)
المكفرات في الأحاديث الصحيحة والحمد لله، وفي ذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابه المعروف في المكفرات.
والباب المشار إليه واسع جدًا في الشرع، من كان على معرفة به لم يتعرض لمثل هذا الجهل الذي وقع فيه هذا المغرور، من ذلك قوله تعالى: {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} ؛ أي: صلاة الفجر، وقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} ؛ أي: صَلِّ ما تيسر من صلاة الليل، ونحو ذلك وهو كثير.
ومن هذا القبيل الحديث المتقدم (764- إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي..) الحديث؛ فإنه ليس على إطلاقه. قال الداودي:
"المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم".
قال الحافظ عقبه في "الفتح" (10/420) :
"أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع".
وقد يستنكر بعض القراء وصفي لهذا المؤلف بـ "المغرور"، فأقول: إن لم يكن هذا وأمثاله مغرورًا فليس في الدنيا من يستحق هذا الوصف، فاسمعوا كيف يقول بعد تخريج هذا الحديث (ص 36) :
"صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي، وحسن سنده ابن حجر، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني في "الصحيحة" (959) لطرقه! وهذا الحديث مع أن أكثر أسانيده لا تصح (1) منكر المتن؛ لأنه يخالف الأحاديث الصحيحة ... " إلخ ما تقدم عنه..
فلنفترض أيها القراء! أن الشيخ الألباني لا علم عنده في رأي هذا المغرور،
__________
(1) فيه إشارة الى أن بعض أسانيده صحيح، فهو موافق للذين ذكر عنهم تصحيحه، لكنه تعالى عليهم بإدعاء نكارته! فما أجهله!(2/728)
فهل الأمر كذلك عنده بالنسبة للحافظ ابن حجر والذهبي والحاكم؟! فإن لم يكن كذلك، فكيف يستعلي عليهم وينسبهم بلسان الحال -ولسان الحال أنطق من لسان المقال في بعض الأحوال - إلى أنهم جهلوا ما علمه هو من النكارة؟!
ثم ليتأمل القراء في قوله عني: إنني صححت الحديث بطرقه، فإنه إذا رجع إلى تخريجي هناك فسيجد أنني خرجت الحديث أولًا من طريق المسعودي عن سعيد ابن أبي بردة ... ثم من طرق كثيرة عن أبي بردة به. فإذن الطرق مدارها على أبي بردة وحده.
وعليه، فقوله بأنني صححت الحديث لطرقه، كذب إن كان يدري معنى قول العلماء في الحديث: "صحيح لطرقه"، فإنه بمعنى قولهم: "صحيح لغيره".
ومن الواضح جدًا أن تصحيحي لغيره، لأنني لم أذكر طريقًا لغير أبي بردة، وتأكيدًا لهذا المعنى أضفت في هذه الطبعة الجديدة: "فهو إسناد صحيح جدًا"؛ لأن أبا بردة ثقة محتج به في "الصحيحين"، فهل كان كذبه هذا عمدًا تمويهًا على القراء وتضعيفًا للثقة بصحة الحديث؛ أو أنه لا يدري معنى ما قال؟! فما أحسن ما قيل في مثل هذه المناسبة:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
ثم وجدت لأبي بردة متابعًا قويًا، أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (2/100/968) من طريق البختري بن المختار قال: سمعت أبا بكر وأبا بردة يحدثان عن أبيهما -يعني أبا موسى الأشعري- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به.
قلت: وهذا إسناد جيد، أبو بكر ثقة كأخيه أبي بردة، والبختري بن المختار وثقه وكيع وابن المديني، وهو من رجال مسلم، وقال الذهبي والحافظ العسقلاني:
" صدوق ".
هذا؛ وقد بقي شيء كدت أن أنساه، وهو قول المغرور عقب ما تقدم نقله عنه(2/729)
من إعلاله الحديث بحديث الشفاعة:
"قال الإِمام البخاري في "التاريخ الصغير" بعد أن أورد طرق هذا الحديث وأبان عن عللها: والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة.. أكثر وأبين".
فأقول: هذا حق لا شك فيه عند أهل العلم، أما أنه أكثر فهو المعروف في كتب السنة، وقد كنت خرجت طائفة منها في "ظلال الجنة" (2/401-404) .
وأما أنه أبين؛ فيكفي للدلالة عليه أن المذكور إنما أشكل عليه حديث الترجمة ولم يتبين وجهه؛ بخلاف حديث الشفاعة فتبناه، وضرب به حديث الترجمة، مع أنه لا تعارض بينهما كما تقدم بيانه.
لكن قول المذكور عن البخاري أنه أبان عن علل طرق الحديث التي أوردها؛ فهو كذب على البخاري! فإنه لم يزد البخاري في "الصغير" على أن خرج الحديث باللفظ المختصر الذي كنت خرجته هناك في آخر التخريج من طريق أبي بردة عن عبد الله بن يزيد، فقد خرجه البخاري في "الصغير" (ص 118 - هندية) من طريق أربعة عن أبي بردة، قال في ثلاث منها: "عن رجل من الأنصار" لم يسمه، وزاد في الثانية منها: "عن أبيه". وقال في الرابعة: "عن عبد الله بن يزيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -"، فسماه وصرح بسماعه إياه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كنت خرجته هناك كشاهد لحديث أبي موسى.
وعبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي، له ولأبيه صحبة.
ثم عقب البخاري على هذه الطرق الأربعة بقوله:
"ويروى عن طلحة بن يحيى و.. وسعيد بن أبي بردة و.. والبختري بن المختار.. وعن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي أسانيدها نظر، والأول أشبه، والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة.. أكثر وأبين".
قلت: فأنت ترى أن البخاري لم يبين علة هذه الطرق التي أشار إليها، وإنما(2/730)
اقتصر على قوله: "في أسانيدها نظر". فأين البيان المزعوم؟!
والحقيقة أن في أكثر الطرق التي أشار البخاري إليها بتسميته لرواتها الذين دارت الطرق عليهم، وعددهم أحد عشر راويًا، أكثرهم ضعفاء، ولذلك حذفتهم مشيرًا إلى ذلك بالنقط ( ... ) وأبقيت الثلاثة الذين تراهم؛ لأنهم ثقات محتج بهم كما تقدم؛ إلا طلحة بن يحيى فلم يسبق له ذكر، وهو ثقة من رجال مسلم فيه كلام يسير، أشار إليه الحافظ بقوله:
"صدوق يخطىء".
وقد أخرج حديثه وحديث الآخرين الذين سردهم البخاري آنفًا في "التاريخ الكبير" (1/1/37-39) ، ولكنه لم يسق ألفاظ جميعهم، وختم ذلك بقوله:
"ألفاظهم مختلفة إلا أن المعنى قريب".
قلت: وليس بخاف على الخبير بهذا العلم وما ذكره العلماء في باب الشواهد والمتابعات أن اتفاق مثل هذا العدد الغفير على رواية هذا الحديث عن أبي بردة عن أبي موسى يجعل الحديث صحيحًا، بل ومتواترًا عن أبي بردة، حتى ولو فرضنا أنهم جميعًا ضعفاء، فكيف وفيهم أولئك الثقات الثلاثة؟!
وجملة القول: إن الرجل قد أساء جدًا في اعتباره هذا الحديث الصحيح سندًا مثالًا لما ينتقد متنًا، لأنه قد دل بذلك على جهل بالغ بطرق التوفيق بين الأحاديث، كما أساء في ذكره حديث خلق التربة مثالًا آخر لما ذكر، وإن كان مسبوقًا إليه، فإنه مقلد لا يميز الخطأ من الصواب.
ثم إنه لم يقف جهله وتعديه على الأحاديث الصحيحة إلى هذا الحد؛ بل ضعف حديثين آخرين بدعوى الشذوذ، أحدهما: حديث وائل في تحريك الإصبع في التشهد، مع أنني كنت رددت على من سبقه إلى ذلك من بعض من يماثله في الجهل بهذا العلم في "تمام المنة"، ثم رددت عليه خاصة فيما زعم من تفرد زائدة بن(2/731)
قدامة به، مثبتًا بطلان زعمه لبعض التخريجات التي أيد بها زعمه! وذلك فيما سيأتي
من هذه السلسلة -إن شاء الله- المجلد السابع (رقم 3181) .
والآخر سأتكلم عليه -إن شاء الله تعالى- في الطبعة الجديدة للمجلد الأول من هذه السلسلة رقم (60) .
15- 963- (لا يزال هذا الدين قائمًا..) .
يضاف في آخر (ص 653) بعد قوله: "والله سبحانه وتعالى أعلم " ما يأتي:
ثم بدا لي احتمال آخر؛ وهو أن قوله: "عن أبي خليفة" محرف من "ثني أبي خليفة"، فقد رأيت في "تهذيب الحافظ" (8/301) أن فطر بن خليفة روى عن أبيه، وكذلك ذكر في ترجمة خليفة نفسه أنه روى عنه ابنه فطر، فإن صح هذا فيكون صواب الرواية: "عن فطر بن خليفة: ثني أبي خليفة.."، لكن يشكل على هذا أن الحافظ ذكر في ترجمة أبي خالد الوالبي أنه روى عنه فطر بن خليفة، وليس أبوه خليفة! وهكذا في "الجرح والتعديل"، فالأمر بعد يحتاج إلى مزيد من التحقيق، فمن وجده فليتفضل به ونحن له من الشاكرين.
16- 980- (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام..) .
(فائدة هامة) : واعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" ينبغي أن يفسر باللفظ الآتي في الحديث الذي بعده: ".. إلا وقبله يوم، أو بعده يوم"، وهو متفق عليه، وبالروايات الأخرى المذكورة تحته، فإنها تدل على أن يوم الجمعة لا يصام وحده، ويؤكد ذلك الشاهد المذكور هناك بلفظ: "لا تصوموا يوم الجمعة مفردًا"، ومعناه في "صحيح البخاري" من حديث جابر (1984) ، فقول الحافظ في "الفتح" (4/234) :
"ويؤخذ من الاستثناء جواز صيامه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها؛ كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة"!(2/732)
فأقول: لا يخفى على الفقيه البصير أن الاستثناء المذكور فيه مخالفتان:
الأولى: الإعراض عن الروايات المفسرة والمقيدة بجواز صيامه مقرونًا بيوم قبله أو بعده.
والأخرى: النهي المطلق عن إفراد صوم يوم الجمعة، ومن المعلوم أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده، فإذا قيد بقيد لم يجز تعدّيه، ولا يصلح تقييد النهي هنا بما جاء من الفضل في صوم يوم معين -كعرفة أو عاشوراء أو أيام البيض- لمخالفته لقاعدة: الحاظر مقدم على المبيح، مثل صيام يوم الإثنين أو الخميس إذا اتفق مع يوم عيد الفطر أو أحد أيام الأضحى، فإنه لا يصام، لا لنهي خاص بهذه الصورة وإنما تطبيقًا للقاعدة المذكورة، وما نحن بصدده هو من هذا القبيل.
كتبت هذا -بيانًا وأداءً للأمانة العلمية- بمناسبة أن الحكومة السعودية أعلنت أن يوم عرفة سيكون يوم الجمعة في موسم سنة (1411 هـ) ، فاضطرب الناس في صيامه، وتواردت عليّ الأسئلة من كل البلاد، وبخاصة من بعض طلاب العلم في الجزائر، فكنت أجيبهم بخلاصة ما تقدم، فراجعني في ذلك بعضهم بكلام الحافظ، ففصلت له القول تفصيلًا على هذا النحو، وذكرته ببعض الروايات التي ذكرها الحافظ نفسه، وأحدها بلفظ: ".. يوم الجمعة وحده، إلا في أيام معه". وفي شاهد له بلفظ: "إلا في أيام هو أحدها". فالجواز الذي ذكره الحافظ يخالف القاعدة والقيد المذكورين.
وبهذه المناسبة أقول: إن هناك حديثًا آخر يشبه هذا الحديث من حيث الاشتراك في النهي مع استثناء فيه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.."، وهو حديث صحيح يقينًا، ومخرج في "الإرواء" (رقم 960) ، فأشكل هذا على كثير من الناس قديمًا وحديثًا، وقد لقيتُ مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلًا عن العامة، وتخريجه عندي كحديث الجمعة، فلا يجوز أن نضيف إليه قيدًا آخر غير قيد "الفرضية" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام، أو(2/733)
مفردًا"؛ فإنه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم، ولا يخفى قبحه.
وقد جرت بيني وبين كثير من المشايخ والدكاترة والطلبة مناقشات عديدة حول هذا القول، فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق، وهو صوم يوم الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت؟! فلا يُحيرون جوابًا؛ إلا قليلًا منهم فقد أنصفوا جزاهم الله خيرًا، وكنت أحيانًا أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلًا أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإِيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام:
"إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه". وهو مخرج في "الضعيفة" بسند صحيح تحت الحديث (رقم 5) .
هذا؛ وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة هذا، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث السبت: "إلا فيما افترض عليكم".
ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصومه؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه، فلا يدخل -والحالة هذه- تحت العموم المذكور، ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضًا عليه.
وأما حديث: "كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر صيام يوم السبت"، فقد تبين أنه لا يصح من قبل(2/734)
إسناده، وقد توليت بيان ذلك في "الضعيفة" برقم (1099) من المجلد الثالث، فليراجعه من شاء الوقوف على الحقيقة.
واعلم أن هذا الحديث مع تصحيح من تقدم ذكرهم من الأئمة والحفاظ هناك -وهم الإِمام مسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي، ومن أقر تصحيحهم كالبيهقي في "سننه"، والنووي في "رياضه"، والعسقلاني في "فتحه" (4/2330) و"تلخيصه" (4/215) وغيرهم كثير ممن احتج به على بدعية صلاة الرغائب كما يأتي- مع ذلك كله فقد خالفهم المدعو (حسان عبد المنان) كعادته -فأورده في "ضعيفته" التي سبق الكلام عليها، وبيان بعض الطامات والمخالفات التي فيها تحت الاستدراك (13) - متشبثًا بإعلال أبي حاتم وأبي زرعة إياه بدعوى أن حسينًا الجعفي وهم في ذكر أبي هريرة في روايته عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه، وإنما هو عن ابن سيرين مرسل ليس فيه أبو هريرة. رواه أيوب وهشام وغيرهما كذا مرسل.
كذا وقع في "علل ابن أبي حاتم": "وهشام"، وأظنه خطأ؛ لأن رواية هشام مسندة عن أبي هريرة عند مسلم وغيره ممن خرج حديثه كما تقدم، وكذلك ذكرها المزي كما عرفت.
ومهما يكن من أمر؛ فتوهيم حسين في إسناده عن أبي هريرة مما لا وجه له؛ لأنه لم يتفرد به، فقد وصله أيضًا عاصم بن سليمان الأحول عن ابن سيرين؛ لكنه قال: "عن أبي الدردا. وهذا اختلاف شكلي لا يضر؛ لأنه انتقال من صحابي إلى آخر، وكلهم عدول، مع احتمال أن يكون ابن سيرين تلقاه عنهما كليهما، فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، وليس ذلك بكثير على مثل ابن سيرين الثقة الثبت.
أخرجه أحمد (6/444) قال: ثنا أسود بن عامر: ثنا إسرائيل عن عاصم به.
ومن طريق الأسود أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/141-142) .
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/735)
وذكره الحافظ المزي في "تحفته" (8/232/10962) من رواية النسائي فقط، وقال عقبها:
"وتابعه معمر عن أيوب عن ابن سيرين".
وهذا ظاهر في أنه يعني أن أيوب قد تابع عاصمًا في روايته عن ابن سيرين مسندًا عن أبي الدرداء، فاحفظ هذا لما يأتي.
ثم أشار الحافظ إلى رواية هشام المسندة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ثم قال:
"وروي عن هشام عن ابن سيرين عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -".
وقال:
"وروي عن أيوب وابن عون ويونس بن عبيد عن محمد بن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء".
قلت: يعني: أنهم أرسلوه لم يذكروا أبا هريرة، ورواية أيوب هذا إنما يرويها عنه معمر، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" (4/279/7803) ، وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/267-268) ، وهي من رواية إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق، وفيها كلام معروف؛ لأن الدبري سمع من عبد الرزاق وهو ابن سبع سنين، وهي على خلاف رواية معمر الأولى عن أيوب المتابعة لرواية عاصم عن ابن سيرين المسندة كما تقدم عن المزي؛ فتذكر.
وأما رواية ابن عون فهي المتقدمة هناك تحت الحديث من رواية ابن سعد بسند صحيح عن ابن سيرين مرسلًا، وفيه سبب الحديث.
وأما رواية يونس بن عبيد فلم أقف على من وصلها (1) ، وكذا رواية معمر الأولى.
__________
(1) نعم وصله عنه ابن عدي (4/335) عن طريق عباد بن كثير عنه عن الحسن عن أبي الدرداء مرفوعًا. فأسنده! لكن عبادًا هذا -وهو الثقفي- متروك باعتراف الجاني!(2/736)
وعلى هذا التحقيق فإني أقول: إذا أسقطنا هاتين الروايتين من عين الاعتبار -لجهلنا بحال الإسناد إليهما- فإنه يبقى لدينا روايتان معروفتان لكل من المسند والمرسل، وإذا تذكرنا أن روايتي المسند صحيحتان، وروايتي المرسل إحداهما فقط صحيحة، والأخرى ضعيفة -وهي رواية أيوب المعلولة بالدبري- يترجح بوضوح لا خفاء فيه أن الحديث مسند عن أبي هريرة وأبي الدرداء، بل أستطيع أن أقول بأرجحية المسند حتى لو فرضنا صحة رواية أيوب المرسلة أيضًا؛ لأن المسند معه زيادة من ثقتين، وهي مقبولة في مثل هذه الحالة اتفاقًا.
فلننظر الآن ماذا فعل هذا الجاني على السنة -المضعف للأحاديث الصحيحة- من قلب للحقائق وكتم للعلم؛ ليظهر نفسه أنه محقق غير مقلد في هذا العلم الجليل:
أولًا: كتم رواية معمر الأولى عن أيوب التي ذكرها المزي!
ثانيًا: كتم ضعف روايته الأخرى عن أيوب، وهو يعلم أنها من رواية الدبري عنه، وهو يضعف عادة من هو أوثق منه بكثير إذا روى ما لا يهوى!
ثالثًا: تجاهل صحة إسناد الرواية المسندة عن أبي الدرداء فنسبها للنسائي وكفى!
رابعًا: تغافل عن تصحيح من ذكرنا لرواية أبي هريرة، وعن احتجاج من احتج به من العلماء -كما سبقت الإِشارة إليه- المستلزم لصحة المحتج به كما لا يخفى، فقال الإِمام النووي في "شرح مسلم":
"واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة.." إلخ كلامه الطيب، ونقله عنه الصنعاني والشوكاني وغيرهما وأقروه.
وإن مما يلفت النظر ويسترعي انتباه الباحث أن الرجل في جل الأحاديث التي ضعفها يختم كلامه بذكر موافقة الشيخ شعيب إياه على التضعيف، وقد رابني ذلك(2/737)
منه لكثرة ما رأيت في تعليقات الشيخ خلاف ما ينسب إليه -وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في بعض الاستدراكات المتقدمة- ومن ذلك هذا الحديث، فقد علق الشيخ عليه في ".. صحيح ابن حبان" بقوله (8/377) .
"إسناده صحيح رجاله ثقات..".
ثم خرجه برواية مسلم وابن خزيمة وتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، فلا أدري هل تراجع الشيخ عن تصحيحه مسايرة منه لتلميذه؛ أم أن هذا قال على شيخه ما لم يقل تقوية لموقفه؟! ذلك ما ستكشف عنه الأيام القادمة إن شاء الله تعالى (1) .
وإن من المفارقات العجيبة والأوهام الظاهرة -التي لا يقع في مثلها إلا من كان مبتدئًا في هذه الصناعة- نسبة الشيخ شعيب لحديث ابن سيرين المرسل لرواية البخاري عن أبي جحيفة! فقد ذكر الذهبي هذا المرسل في "السير" (1/543) ، فقال الشيخ في تخريجه:
"أخرجه أحمد (6/444) .. وابن سعد (4/1/61) مطولًا، والبخاري نحوه في "الصوم".. عن أبي جحيفة.."، وساق لفظه المطول، وليس فيه ولا كلمة مما في المرسل! ومن جهة أخرى أوهم أن الحديث عند أحمد مرسل أيضًا كما هو عند ابن سعد، وإنما هو مسند عن أبي هريرة! ومثل هذا التخريج الواهي يجعلني أعتقد أن كثيرًا من التخريجات التي نراها منسوبة للشيخ شعيب ليست له، وإنما هي بقلم بعض من يتدرب تحت يده ممن لا علم عندهم كحسان هذا، ومثله المعلق على "الإِحسان"، ففي تعليقاته عليه أوهام كثيرة -تبينت لي أثناء تحقيقي لكتاب "موارد الظمآن"، وهو وشيك الانتهاء إن شاء الله- استبعدت أن تقع من الشيخ شعيب؛ لأنها أوهام مكشوفة!
ثم رأيت الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" (3/45) من رواية سفيان عن
__________
(1) وبعد كتابة هذا بأيام هتف إليّ من أظن به الصدق والمعرفة فيما هتف أن الشيخ استُدرج إلى الموافقة! ولله في خلقه شؤون.(2/738)
عاصم عن ابن سيرين قال:
"لا تخصوا..". فذكر الحديث موقوفًا على ابن سيرين كما ترى، وإسناده صحيح؛ ولكنه لا يعل به المرفوع مسندًا ومرسلًا؛ لما سبق ذكره أن زيادة الثقة مقبولة.
فأحببت أن أذكر هذا خشية أن يعثر عليه جاهل آخر بهذا العلم فيعل الحديث بهذا الموقوف كما أعله حسان بالإرسال!
وحقيقة الأمر؛ أنه لا غرابة في ورود الحديث على وجوه مختلفة؛ تارة مسندًا، وتارة مرسلًا، وتارة موقوفًا، والراوي واحد كابن سيرين هنا، وذلك لأنه قد ينشط الراوي أحيانًا فيسنده، وقد يرسله تارة اختصارًا، وقد لا ينشط فيذكره موقوفًا، وقد يكون السبب شعوره بأن الحديث معروف بالرفع فلا يرى ضرورة للتصريح برفعه، والعبرة في هذه الحالة المصير إلى الترجيح المسوغ للبت بأنه مرفوع مسند، أو مرفوع مرسل، أو موقوف، فإذا ترجح الأول لم ينافِه ما دونه لما ذكرت. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وإن مما يؤكد صحة الحديث وشهرته عند السلف ما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي- قال:
"كانوا يكرهون أن يخصوا يوم الجمعة والليلة كذلك بالصلاة".
ورجاله ثقات.
هذا؛ وبمناسبة ما ابتلينا به من كثرة الشباب وغيرهم الذين يكتبون في هذا العلم- وهم عنه غرباء مفلسون، كما يقطع بذلك كل منصف وقف على النماذج الكثيرة من الأوهام؛ بل والجهالات المتقدمة في هذه الاستدراكات، وفي المقدمة أيضًا في هذا المجلد وغيره (1) -فإني أرى لزامًا علي أن أذكر- و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} - فأقول:
إني أنصح أولئك الكاتبين والناقدين أن لا يتسرعوا بالكتابة -إن كانوا
__________
(1) انظر مقدمة (المجلد الأول) من "السلسلة الضعيفة" الطبعة الجديدة، وقد صدرت حديثًا.(2/739)
مخلصين- لمجرد أنهم ظنوا أنهم صاروا أهلًا لذلك، بل عليهم أن يتريثوا ويتمرسوا فيه زمنًا طويلًا؛ حتى يشعروا في قرارة نفوسهم أنهم صاروا علماء فيه، وذلك بأن يقابلوا نتائج كتاباتهم وتحقيقاتهم بأحكام من سبقنا من الحفاظ والنقاد في هذا العلم، فإذا غلب عليها موافقتهم كان ذلك مؤشرًا قد سلكوا سبيل المعرفة بهذا العلم.
هذا أولًا.
وثانيًا: أن مشهد لهم بذلك بعض أهل العلم الصالحين المعاصرين بعد أن يطلعوا على شيء من كتاباتهم وتحقيقاتهم، ذاكرين نصيحة الشاطبي المتقدمة (ص 713) ، فإنها صريحة في أنه من اتباع الهوى أن يشهد المرء لنفسه بأنه عالم! وأنا أقرب هذا لكل مخلص من طلاب العلم بلفت نظره إلى مثل قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، فإنه يدل بفحوى الخطاب على أن المجتمع الإسلامي من حيث العلم والجهل قسمان: أهل الذكر -وهم العلماء بالقرآن والسنة وهم الأقلون- والذين لا يعلمون وهم الأكثرون، بنص القرآن وبحكم المشاهدة والواقع، فإذا علم هذا؛ فلينظر أولئك المشار إليهم هل هم من الأقلين أم من الأكثرين؟ وفي ظني أنهم سوف لا يجدون أنفسهم -إذا كانوا من المتقين- إلا من الأكثرين، وحينئذ عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم من حشرهم أنفسهم في زمرة أهل الذكر، فإذا بدا لهم أنهم من هؤلاء؛ فعليهم أن يحتاطوا لدينهم وأن يسألوا أهل الذكر حقًا، فإن شهدوا لهم بذلك حمدوا الله وسألوه المزيد من علمه، وإلا فهم من المغرورين المعجبين بأنفسهم، الهالكين بشهادة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - القائل: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متّبع، وإعجاب المرء بنفسه" (1) . كيف لا وهو القائل: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك؛ العُجْبَ العُجبَ"؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} .
__________
(1) سيأتي تخريجه برقم (1802) ، والذي بعده مضى برقم (658) ، ومن أراد الوقوف على آفات العجب ومصائبه وعلته وعلاجه فليرجع إلى كتاب "الإحياء" للغزالي، فإنه نافع في بابه.(2/740)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة الطبعة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، فإني أقدم اليوم إلى القراء الأحبة المجلد الثالث من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" في طبعته الثانية الجميلة، بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى منه، وكثر الطلب عليه، وتهيأت الأسباب لِإعادة طبعه على طريقة التصوير المعروفة اليوم بـ (الأوفست) . ولذلك فقد أعدت النظر فيه، ونقحته، وضممت إليه بعض الزوائد المفيدة، وصححت الأخطاء المطبعية التي كانت فيه، بالقدر الذي تساعدني عليه الطريقة المذكورة، وجعلت بقية الزوائد والفوائد في آخر الكتاب تحت عنوان: (استدراك وتصويب) ، مشيراً إليها بجعلها بين حاصرتين [] .
وألحقت ذلك بفهارس سبعة، بَديل الفهارس الأربعة التي كانت في الطبعة الأولى؛ لأنها لم تكن بقلمي، ولا كانت مرتبة الترتيب العلمي الدقيق الذي جريت عليه في المجلدات التي قبله وبعده، ذلك لأن المجلد طُبع أكثره وأنا في عمان، فتولى تصحيح تجاربه، ووضع فهارسه غيري من إخواننا الناشئين في سوريا.
فالحمد لله الذي يسر لي إعادة طبعه، والإشراف على تصحيحه، ووضع فهارسه، وقد ساعدتني في ذلك ابنتي أُنَيْسة زوجة نظام سكجها صاحب المكتبة الإسلامية؛ جزاهما الله تعالى خيراً.(م 3/1)
هذا، وقد كان جاءني خطاب مؤرخ في 7/7/1403 هـ من أحد الأفاضل السعوديّين في الرياض، يذكر فيه أن الحديث الذي أوردته في هذا المجلد برقم (1449) من رواية البخاري في "الأدب الفرد" ضعيف جداً! وأنه قد أعجب به طائفة من الذين يَتّبعونني (!) في التصحيح والتضعيف، والاستنباط الفقهي، وأخذوا يعملون به! يعني زيادة: "ومغفرته" في رد السلام، الواردة في الحديث المشار إليه. وأرفق مع الخطاب ورقة كبيرة ذات وجهين، يبين فيها وجهة نظره في التضعيف المزعوم، ونزولاً عند رغبته كتبت إليه برأيي فيه.
ويمكن تلخيص كلامه في أربعة أمور:
الأول: أن قولي هناك: "رجاله ثقات من رجال "التهذيب" غير إبراهيم ابن المختار الرازي"؛ إنما هو سبق قلم مني لأنه من رجال "التهذيب".
الثاني: أن إبراهيم هذا قد قال البخاري فيه: "فيه نظر"، وقال ابن معين.. إلخ.
الثالث: أن فوقه هارون بن سعد قال فيه ابن معين وأبو حاتم: ليس به بأس.. إلخ.
الرابع: أن محمداً شيخ البخاري فيه ليس هو ابن سعيد الأصبهاني الثقة كما جزمت أنا به، وإنما هو ابن حميد المتروك عند البخاري نفسه! فكتبت إليه جواباً مفصلاً في الرد عليه، بينت له فيه خطأه فيما ذهب إليه، إلا الأمر الأول فإنه مصيب فيه، ولذلك فإني صححت في هذه الطبعة عبارة: "غير إبراهيم.." فجعلتها "وإبراهيم.." جزاه الله خيراً.(م 3/2)
وخلاصة الرد فيما أذكر -فإني لم أحتفظ بنسخة منه لنفسي، وهذا من عيوبي التي أرجو الله تعالى أن يغفرها لي- كآلاتي:
أما الأمر الثاني، فإني لم أعتمد على قول من جرحه لسببين:
أحدهما: أنه جرح مبهم غير مفسر.
والآخر: أنه معارض بتوثيق من وثقه، وفيهم بعض المعروفين بالتشدد، وهو أبو حاتم فإنه قال -كما ذكرت هناك-:
"صالح الحديث".
وقد عزاه الفاضل المشار إليه لأبي داود، وهو من أوهامه، وإنما قال فيه أبو داود:
"لا بأس به". كما في "التهذيب".
هذا قوله، وهو في المعنى موافق لقول أبي حاتم، ونحوه فعل ابن حبان وابن شاهين فإنهما ذكراه في "الثقات".
وأما الثالث: فيكفي في رده ما نقله الفاضل نفسه عن الذهبي والعسقلاني أنه صدوق. ولا يضره أنه رافضي ما لم يكن داعية لأن العبرة في الرواية الصدق والضبط كما هو مقرر في علم المصطلح، على أنه قد ذكر بعضهم أنه نزع عن الرفض، ولعله لذلك اقتصر الذهبي في "الكاشف" على قوله فيه:
"صدوق". ولم يرمه بالرفض.
وأما الرابع: فهو من أعجب ما تغنى به! فإنه في الوقت الذي يأخذ(م 3/3)
علي جزمي بأن محمداً شيخ البخاري في هذا الحديث هو ابن سعيد الأنصاري، بدعوى أنه لا دليل عليه! إذا به يعارضه دون أي دليل أو شبه دليل، بل مجرد ادعاء؛ لو قاله بخاري زمانه لم يقبل منه! فاسمع إليه كيف يقول:
"فالقطع بأن قول البخاري: "قال محمد" يعني ابن سعيد يفتقر إلى دليل، بل عندي أنه من رواية (كذا قال! ويعني أنه هو) ابن حميد الرازي، وكأن البخاري رحمه الله قال: "قال محمد" لهذه العلة، فيتأمل هذا الموضع".
فأقول: لقد تأملته فوجدته تكلفاً ظاهراً، يعتمد على مجرد الاحتمال، وترجيح بدون مرجح، وهو ما نسبه إلي بزعمه ثم أنكره علي! مع فارق كبير بيني وبينه -لا أقول من حيث التمكن والتمرس في هذا العلم- وإنما من حيث إنني قرنت الدعوى مع الدليل فقلت هناك في محمد بن سعيد:
"وهو من شيوخ البخاري في (الصحيح) ".
وهذا ما ذكروه صراحة في ترجمة محمد هذا، ولم يذكروا مثله في ترجمة محمد بن حميد الرازي، فلا أدري كيف تجاهل صاحبنا هذا كله، فأنكر علينا ما هو واقع فيه، ونحن بُرآء منه بفضل الله تبارك وتعالى.
ثم ما معنى قوله: "وكأن البخاري رحمه الله قال: "قال محمد" لهذه العلة.."؟ أليس يعني أن البخاري لم ينسب محمداً هذا -وهو ابن حميد الضعيف عنده- إلا تعمية لحاله وستراً عليه؟! أليس هذا أشبه ما يكون بنوع من أنواع التدليس وهو المعروف بتدليس الشيوخ؟! وهل يصح أن ينسب(م 3/4)
ذلك لأمير المحدثين البخاري؟! قال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (ص 59) في تعريف التدليس المذكور:
"هو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره، كما إذا كان أصغر منه سناً،.. وتارة يحرم كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يعرف حاله...."!
فهل يليق بطالبٍ لهذا العِلْمِ أن يصدر منه مثل ذاك الكلام الذي يمس الإِمام البخاري ويرميه بالتدليس وتعميته أمر الراوي على الناس؟! أليس كان الأولى به إذا لم يكن لديه ما يرجح ما رجحناه أن يحسن ظنه بالبخاري ويحمل عدم نسبته لشيخه محمد على أنه الثقة، وليس المتروك عنده؟! هذا كان أولى به. والله الهادي.
ذلك خلاصة ما كنت كتبت به إليه في ردي المرسل إليه، فماذا كان موقفه تلقاءه؟
لقد كتب إلي جواباً آخر بتاريخ (8/12/1403 هـ) قال فيه بعد السلام والمقدمة، والدعاء لي بالخير، ووصفه إياي بـ "المحدث الخطير"! قال:
"شيخنا الجليل: جوابكم على مكتوبي وصل في حينه.. وها أنا ذا أعطف على ما كتبتم جواباً هو من باب "رب ناقل فقه إلى من هو أفقه منه"، و"رب ناقل فقه غير فقيه"، ومنكم نستفيد، ومن علومكم ننهل".
فهل استفاد شيئاً؟ لا، فإنه أرسل مع الجواب بحثاً له في ثمان(م 3/5)
صفحات! يدندن فيه حول عدم شرعية الزيادة المذكورة في رد السلام وليس في إلقائه، واستدل على ذلك بحديثين ضعيفين، أحدهما منكر، والآخر شاذ، وقد فصلت القول فيهما في الكتاب الآخر "الضعيفة" (5433) ، وبينت فيه تعصبه لرأيه، ومخالفته للعلماء في ترجيحه التعديل على التجريح المفسر، ومحاولته تضعيف رواية الجرح عن الإمام أحمد بقوله:
"ولم أجد هذا القول مستفيضاً عن أحمد"!
مع أن العلماء تلقوه بالقبول كالذهبي والهيثمي وغيرهما.
ثم أتبع الحديثين المشار إليهما بأثرين صحيحين عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، لا حجة له فيهما لأنهما في ابتداء السلام وليس في رده فهو لا يفرق بين الابتداء به ورده، ولذلك فهو يعلل الحديث بهما، ويرد بعض الآثار الواردة عن السلف على وقفه! وقد خرج بعضها في المصدر الآنف الذكر، منها عن ابن عمر أنه كان إذا سُلِّم عليه فرد زاد، قال سالم مولى ابن عمر:
"فأتيته فقلت: السلام عليكم. فقال: السلام عليكم ورحمة الله،..
ثم أتيته مرة أخرى فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطيب صلواته". رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وسكت عنه الحافظ في "الفتح".
فإذا أردت أيها القارئ أن تعرف أنه لا يفرق بين الابتداء بالسلام ورده، وأنه يخلط بينهما، فاسمع قوله:
"وكأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ بالزيادة على ما في إطلاق(م 3/6)
الآية وعمل بها، فلذا كان الناس يحيونه بما مر، ثم وقف على علم في هذا فنهى من زاد، وقال: "حسبك إلى وبركاته". كما أخرجه ابن وهب".
قلت: وهذا كذب على ابن عمر وابن وهب أيضاً، فإن نص روايته كما ذكره هو ونقله عن "الفتوحات الربانية". (5/293) وهذا عن ابن حجر، دون أن يشير إلى ذلك!:
عن ابن عمر أن رجلاً سَلَّم عليه فزاد: "ومغفرته"، فانتهره ابن عمر وقاك: حسبك إلى "وبركاته".
فأنت ترى أن هذا الأثر في النهي عن الزيادة في إلقاء السلام، وأن زيادة ابن عمر في رده وفقاً للآية.
فالعجب من هذا الكاتب الفاضل، كيف يخلط هذا الخلط الفاحش، ويتجرأ على إبطال العمل بإطلاق الآية - على حد تعبيره، ومخالفة الآثار السلفية الموافقة لها، بله الحديث، ولا يتنبه للفرق بين ذلك كله، وبين الأثرين الآخرين اللذين ذكرهما عن ابن عمر وابن عباس كما تقدمت الإشارة إليهما، وهما في النهي عن الزيادة في الإلقاء كأثر ابن عمر هذا الذي سُقت آنفاً نصه، ويحرص كل الحرص على صدّ الناس العاملين بذلك، بناء على هذا الخلط في الفهم، والجهل بهذا العلم، والله المستعان.
ومما يؤكد ذلك أن الحافظ ابن حجر قال في "الفتح" (11/6 - الطبعة السلفية) بعد أن ساق الآثار من النوعين، وبعض الأحاديث الموافقة للحديث الذي نحن في صدد الدفاع عنه، والرد على من ضعفه. وقد عزاه للبيهقي دون البخاري! قال:(م 3/7)
"ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد. أنه يؤخذ من قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ".
ثم قال:
"وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على (بركاته) ".
وهذه شهادة هامة من أمير المؤمنين في الحديث ترد على الكاتب المومى إليه من الناحيتين الحديثية والفقهية، وتطابق تماماً ما ذهبنا إليه حديثياً وفقهياً، فطوبى لإِخواننا الذين يعملون بهذه السنة وغيرها؛ وبخاصة الذين بشرنا بهم الكاتب في خطابه الأول إليَّ، مريداً منهم تركها! فـ {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ} ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ذلك، ثم خطرت في بالي خاطرة، استكمالاً لما كنت رجحته فيما رددت به على الأخ الفاضل أن شيخ البخاري في الحديث الذي ضعفه ليس هو محمد بن حميد الرازي الضعيف، وإنما هو محمد بن سعيد الأصبهاني الثقة الذي اعتمده البخاري في "صحيحه"، فكلفت أحد أصهاري أن يتتبع لي من "التاريخ الكبير" للبخاري أسماء (المحمدين) من شيوخه الذين روى عنهم فيه مباشرة أو تعليقاً، ففعل جزاه الله خيراً، فانكشف لي ما يأتي:
أنه حين يروي لمحمد بن حميد الرازي، فهو يبينه بأحد وجهين:
الأول: أن يسميه منسوباً لأبيه: (محمد بن حميد) كما رأيته في مواضع عديدة، وهذه أرقامها:(م 3/8)
(2/2/49 و74 و299 و3/2/16 و274 و4/1/73 و131) ، ومن المفيد أن أقول: إنه قد صرح بالتحديث عنه في أكثر هذه المواضع، وهذا مما لم يذكر في ترجمته ولا في ترجمة الرازي في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي ولا فروعه، وكأن ذلك لضعفه، أو لعدم رواية البخاري عنه في كتبه الأخرى التي ترجموا لرواتها، كـ "الأدب المفرد" وغيره.
الثاني: أن يقتصر على نسبته لأبيه دون أن يسميه فيقول: (قال ابن حميد) ، وهذه أرقامها:
(1/2/196 و324 و 2/2/218 و4/1/1/98-99) .
وقد رأيته أبهمه في موضعين اثنين فقط:
أحدهما: في (2/1/204) .
والآخر: في (3/2/119) .
لكن بالنسبة للموضع الأول، فقد بينه في مكان آخر (1/2/196) بأنه (ابن حميد) في نفس الحديث الذي رواه في الموضع الأول، فمن المحتمل أنه سقط بيانه من الناسخ هناك.
وأما الموضع الآخر، فيمكن أن يقال فيه الاحتمال المذكور قبل، وما سيذكر قريباً من اختلاف النسخ.
ثم وجدت فيه موضعاً ثالثاً، وقع فيه مبهماً (3/1/16) ، لكن ذكر المصحح في تعليقه عليه أنه وقع في نسخة "محمد بن حميد"، ولذلك ذكرته في الأول المتقدم.
والخلاصة: إن هذا التتبع والتحقيق كشف لي عن أن من عادة(م 3/9)
البخاري في "التاريخ الكبير"، أنه إذا روى عن محمد بن حميد الرازي بينه ونسبه بوجه من الوجهين السابقين، وهو اللائق بمقامه في دينه وعلمه، وتنزُّهه عن التدليس، كما سبق بيانه، فلا ينتقض ذلك بما وقع في تلك المواضع القليلة، لما ذكرته آنفاً.
وبذلك نتأكد من صواب ما كنت رجحته في ردي المشار إليه: إن الحديث من رواية البخاري عن محمد بن سعيد الرازي الثقة، وليس من روايته عن محمد بن حميد الرازي كما جزم به الفاضل المردود عليه دون حجة أو برهان، لأنه لو كان من حديثه لبينه البخاري كما فعل بغيره من
الأحاديث المشار إليها بأرقامها المتقدمة، وبذلك أيضا أثبتنا أن البخاري ليس من عادته أن يستر حال محمد بن حميد الرازي بعدم نسبته لأبيه لضعفه! كما أشعر به من لم يحسن الكتابة في هذا الموضوع الدقيق، والله تعالى ولي التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم طريق.
هذا، ولا يفوتني أن أشكر بعض إخواننا الذين نبهونا على بعض الأخطاء التي كانت في الطبعة السابقة، فصححناها قدر استطاعتنا، فجزاهم الله خيرا، وجعلنا وإياهم من الصالحين. الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وعلى ربهم يتوكلون.
عمان 6 شوال 1406 هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني(م 3/10)
1001 - " لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة ".
رواه ابن أبي ثابت في " حديثه " (1 / 126 / 1) : حدثنا أحمد بن بكر البالسي:
حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا يحيى بن صالح عن علي بن حوشب عن أبي قبيل عن
سالم عن أبيه مرفوعا. ورواه الطبراني في " الكبير " (3 / 194 / 2) وفي
" الأوسط " (20 / 2) من " مجمع البحرين " وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(12 / 39 / 2) من طريق أخرى عن يحيى بن صالح الوحاظي به.
قلت: وهذا سند حسن. رجاله كلهم ثقات، وفي أبي قبيل - واسمه يحيى بن هانيء
- كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، ولهذا قال الحافظ المنذري في
" الترغيب " (1 / 124) : " إسناده لا بأس به ". ونحوه قول الهيثمي (2 / 24
) : " ورجاله موثوقون ". وأخرجه ابن ماجة من طريق أخرى عن ابن عمر في حديث
له لكن إسناده ضعيف كما بينته في " الضعيفة " (1497) . وله شاهد من حديث ابن
مسعود نحوه وقد مضى برقم (649) .
1002 - " لا، بل عبدا رسولا ".
أخرجه ابن حبان (2137) وأحمد (2 / 231) من طريق محمد بن فضيل عن عمارة بن
القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: " جلس جبريل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل
منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك: أملكا أجعلك أم
عبدا رسولا؟ قال له جبريل: تواضع(3/3)
لربك يا محمد! فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ... فذكره
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس يرويه
بقية عن الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عنه به. أخرجه
البغوي في " شرح السنة " (3 / 473 - نسخة المكتب) وسنده ضعيف.
وله طريق أخرى عن ابن عباس، وهو ضعيف أيضا. أخرجه البيهقي في " الزهد "
(ق 50 - 51) وفيه زيادات منكرة، منها: أن الملك هو إسرافيل، وأنه نزل
حين شكا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام أنه أمسى وليس
له كفء سويق! وله شاهد آخر من حديث عائشة. وإسناده ضعيف أيضا، وفيه: أن
حجزة المالك لتساوى الكعبة! ولذلك فإني قد خرجته والذي قبله في " الضعيفة "
(2044 و 2045) .
1003 - " اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم
".
أخرجه أبو داود (2747) عن حيي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن
عمرو: أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة
وخمسة عشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره وفيه: " ففتح الله
له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين،
واكتسوا وشبعوا ".
قلت: وهذا إسناد حسن ورجاله ثقات رجال الصحيح، وفي حيي وهو ابن عبد الله
المعافري كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وفي " التقريب ": " صدوق يهم "
.(3/4)
1004 - " من رآني في المنام، فكأنما رآني في اليقظة إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل
بي ".
أخرجه ابن ماجة (4 / 390) عن صدقة بن أبي عمران، وابن حبان (1801) عن زيد
ابن أبي أنيسة كلاهما عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح.
(تنبيه) أورده صاحب " مختصر المشكاة " (رقم 118) عن أبي هريرة مرفوعا به
دون قوله " إن الشيطان ... " وقال: " رواه ابن حبان ". وليس هو عنده من
حديث أبي هريرة، وإنما من حديث أبي جحيفة ومع الزيادة المذكورة. وللحديث
شاهد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الكبير "
بإسناد رجاله ثقات كما قال الهيثمي (7 / 181) .
1005 - " من جاءه من أخيه معروف من غير مسألة ولا بإشراف نفس فليقبله ولا يرده،
فإنما هو رزق ساقه الله إليه ".
أخرجه ابن حبان (854) والحاكم (2 / 62) وأحمد (4 / 220 - 221) وابن
سعد (4 / 350) عن أبي الأسود عن بكير بن عبد عبد الله عن بسر بن سعيد عن
خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي الأسود
واسمه النضر بن عبد الجبار المرادي مولاهم المصري وهو ثقة، ولذا قال الحاكم
: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وللحديث شواهد كثيرة، أخرج بعضها أحمد
(5 / 65 و 195 و 6 / 452) ، ورواه الشيخان وغيرهم من حديث عمر، وسيأتي إن
شاء الله برقم (2209) .(3/5)
1006 - " الناس تبع لقريش في الخير والشر ".
أخرجه مسلم (6 / 2) وأحمد (3 / 331) الأول عن أبي الزبير، والآخر عن أبي
سفيان كلاهما عن جابر مرفوعا. وقد صرح أبو الزبير بسماعه من جابر.
وإسناد أحمد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد بلفظ: " الناس تبع لقريش في هذا
الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ".
1007 - " الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ".
أخرجه البخاري (6 / 413) ومسلم (6 / 2) والطيالسي (رقم 2380) وأحمد
(2 / 242 - 243) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا.
وله عنه طرق أخرى:
1 - فأخرجه مسلم وأحمد (2 / 319) عن همام بن منبه عنه.
2 - وأحمد (2 / 395) عن خلاس عنه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما.
3 - وأحمد (2 / 261) من طريق أبي سلمة عنه بلفظ: " الناس تبع لقريش في هذا
الأمر، خيارهم تبع لخيارهم وشرارهم تبع لشرارهم ". وإسناده حسن.
4 - وأخرجه أحمد أيضا (2 / 433) عن القاسم عن نافع بن جبير عنه به. رواه
عنه ابن أبي ذئب. ورجاله ثقات رجال الستة غير القاسم هذا، والظاهر أنه ابن
رشد بن عمر، فقد ذكروا في الرواة عنه ابن أبي ذئب لكنهم ذكروا أيضا أنه سمع
أبا هريرة وهو هنا يروي عنه بالواسطة فالله أعلم. وقد ذكر الحافظ في التقريب
: أنه مجهول. وله شاهد ولفظه:(3/6)
" الناس تبع لقريش في هذا الأمر خيارهم في
الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تبطر قريش لأخبرتها ما
لخيارها عند الله عز وجل ". أخرجه أحمد (4 / 101) من حديث معاوية بن أبي
سفيان بإسناد صحيح.
قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديما وبعض
المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثا الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربيا
قرشيا. وأعجب من ذلك أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في " الدولة
الإسلامية " ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط
متجاهلا كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفا
النظر عن البحث في الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين
أشرنا إليهم آنفا، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء
كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب وأن لا
يتأثر فيه باتجاه حزبي أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور أو
مخالفتهم. والله ولي التوفيق.
1008 - " أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا ".
أخرجه أحمد من حديث معاوية بإسناده السابق عنه وله شواهد كثيرة في
" الصحيحين " وغيرهما. وإذا كان هذا حكم المرأة التي تدخل في شعرها من شعر
غيرها، فما حكم المرأة التي تضع على رأسها قلنسوة من شعر مستعار وهي التي
تعرف اليوم بـ (الباروكة) وبالتالي ما حكم من يفتي بإباحة ذلك لها مطلقا أو
مقيدا تقليدا لبعض المذاهب غير مبال بمخالفة الأحاديث الصحيحة، وقد هداه الله
إلى القول بوجوب الأخذ بها ولو كانت مخالفة لمذهبه بل المذاهب الأخرى. أسأل
الله تعالى أن يزيدنا هدى على هدى ويرزقنا العلم والتقوى.(3/7)
1009 - " الناس ولد آدم، وآدم من تراب ".
رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 5) : أخبرنا محمد بن حميد أبو سفيان العبدي
عن سفيان بن سعيد الثوري عن هشام بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة
مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ولولا أن هشاما هذا له
أوهام لحكمت عليه بالصحة. وقد أخرجه أبو داود وغيره مطولا كما بينته في
" تخريج الحلال والحرام " رقم (312) ، وله شاهد من حديث ابن عمر. أخرجه
الترمذي (3266) .
1010 - " نهى عن المتعة (زمان الفتح متعة النساء) ، وقال: ألا إنها حرام من يومكم
هذا إلى يوم القيامة ".
رواه مسلم (4 / 134) والباغندي في " مسند عمر " ص (12) عن عمر بن عبد
العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه مرفوعا. والزيادة التي
بين المعكوفتين رواية لمسلم من طريق ابن شهاب عن الربيع ابن سبرة. وله شاهد
بلفظ: " هن حرام إلى يوم القيامة. يعني النساء المتمتع بهن ". رواه الطبراني
في " الأوسط " (1 / 174 / 2) عن صدقة بن عبد الله عن إسماعيل بن أمية عن محمد
ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجنا ومعنا النساء اللاتي
استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فودعننا عند
ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب. وأعله
الهيثمي في " المجمع " (4 / 264) بقوله:(3/8)
" وفيه صدقة بن عبد الله وثقه أبو
حاتم وغيره وضعفه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: وفي هذا الإطلاق تسامح فإن شيخ الطبراني أحمد بن مسعود ليس من رجال
الصحيح بل إني لم أعرفه ولعله أحمد بن مسعود الوزان من شيوخ بن المظفر، ترجمه
الخطيب (5 / 171) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
قلت: والحديث نص صريح في تحريم نكاح المتعة تحريما أبديا، فلا يغتر أحد
بإفتاء بعض أكابر العلماء بإباحتها للضرورة، فضلا عن إباحتها مطلقا مثل الزواج
كما هو مذهب الشيعة.
1011 - " نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها ".
أخرجه أبو داود (4131) والنسائي (2 / 192) والطحاوي في " المشكل " (4 /
264) من طريق عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية عن بحير عن خالد (هو ابن معدان
) قال: " وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية، فقال له: أنشدك بالله هل
تعلم أن رسول الله نهى ... ؟ قال: نعم " والسياق للنسائي، وهو عند أبي داود
قطعة من حديث طويل، وأخرج بعضه أحمد (4 / 132) من طريق حيوة بن شريح حدثنا
بقية حدثنا بحير بن سعد به، وأخرج أيضا القدر المذكور أعلاه بهذا الإسناد
بلفظ: " نهى عن الحرير والذهب وعن مياثر النمور ". وإسناده جيد، رجاله
كلهم ثقات، وقد صرح بقية بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه. وله شاهد من حديث
أسامة والد أبي المليح مرفوعا بلفظ: " نهى عن جلود السباع ". أخرجه أبو دود
والنسائي والترمذي (1 / 328) والطحاوي والحاكم(3/9)
(1 / 148) وأحمد (5 /
74 و 75) من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وأخرجه الطحاوي من حديث
علي وابن عمر ومعاوية نحوه. (مياثر النمور) : الميثرة: وطاء محشو يترك
على رحل البعير تحت الراكب.
1012 - " نهى عن صيام يوم الجمعة إلا في أيام قبله أو بعده ".
أخرجه الطحاوي (1 / 339) حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا القاسم بن سلام بن
مسكين قال: حدثنا أبي قال: سألت الحسن عن صيام يوم الجمعة فقال: نهي عنه إلا
في أيام متتابعة. ثم قال: حدثني أبو رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات. وله طرق
أخرى، فرواه أحمد (2 / 407) من طريق قتادة قال: حدثنا صاحب لنا عن أبي
هريرة به نحوه. ورجاله ثقات رجال الستة غير الصاحب الذي لم يسم. ثم رواه (2
/ 394) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بمعناه. وسنده صحيح.
ثم رواه (2 / 392) من طريق يونس قال: حدثنا المستور - يعني ابن عباد (1) -
حدثنا محمد بن جعفر المخزومي قال: لقي أبا هريرة رجل وهو يطوف بالبيت فقال:
يا أبا هريرة أنت نهيت الناس عن صوم يوم الجمعة؟ قال: لا ورب الكعبة، ولكن
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. ورجاله ثقات غير المخزومي هذا، ترجمه
ابن أبي حاتم (3 / 2 / 221) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والظاهر من
أنه ليس تابعيا، فهو منقطع.
_________
(1) الأصل " المستورد يعني ابن أبي عباد " والتصويب من كتب الرجال. اهـ.(3/10)
وله طريق خامس في المسند (2 / 248) عن يحيى بن
جعدة عن عبد الله بن عمرو والقاري قال: سمعت أبا هريرة يقول: لا ورب هذا
البيت، ما أنا قلت: " من أصبح جنبا فلا يصوم "، محمد ورب البيت قاله، ما
أنا نهيت عن صيام يوم الجمعة، محمد نهى عنه ورب البيت. وهذا إسناد صحيح
رجاله ثقات. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر مرفوعا دون
الاستثناء، وقد مضى بتمامه نحوه عن أبي هريرة برقم (980) .
والنهي عن صوم الجنب منسوخ كما هو مبين في محله من كتب السنة وغيرها.
1013 - " إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ".
رواه أحمد (1 / 22 و 44) وابن بطة في " الإبانة " (5 / 48 / 2) عن ميمون
الكردي عن أبي عثمان النهدي قال: كنت عند عمر وهو يخطب الناس فقال في
خطبته، فذكره مرفوعا.
قلت: إسناده صحيح، ميمون الكردي وثقة أبو داود وابن حبان، وقال ابن معين
: " ليس به بأس "، وفي رواية: " صالح ". وأخرجه بن بطة أيضا من طريق عبد
الله بن بريدة أن عمر بن الخطاب قال: " عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ... " فذكره. ورجاله ثقات لكنه منقطع، وشيخ ابن بطة فيه هو أبو بكر
محمد بن محمود السراج، ترجمه الخطيب (3 / 261) ، وروى توثيقه عن أبي الفتح
يوسف القواس، وعن أبي القاسم الأبنودي (1) : " لا بأس به ".
_________
(1) كذا الأصل، ولعله نسبة إلى " أبند ": صقع معروف من نواحي " جنديابور "
من نواحي الأهواز كما في " معجم البلدان ". اهـ.(3/11)
1014 - " ما ظن نبي الله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ يعني ستة دنانير أو سبعة ".
أخرجه أحمد (6 / 104) عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل قال: " دخلت أنا
وعروة بن الزبير يوما على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله
عليه وسلم ذات يوم، في مرض مرضه، قالت: وكان له عندي ستة دنانير - قال موسى
: أو سبعة - قالت: فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت:
فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، قالت: ثم سألني عنها
؟ فقال: ما فعلت الستة - قال: أو السبعة -؟ قلت: لا والله، لقد كان شغلني
وجعك، قالت: فدعا بها، ثم صفها في كفه، فقال ... فذكره. (انظر الاستدراك
رقم 12 / 4) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير موسى هذا، وقد ذكره ابن
حبان في " الثقات " وقال: " كان يخطىء ويخالف ".
قلت: وقد روى عنه جماعة من الثقات، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم (4 / 1 /
139) جرحا ولا تعديلا، وقال الحافظ في " التقريب ": " مستور ".
قلت: فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف. ولاسيما وقد تابعه محمد ابن عمرو
عن أبي سلمة عن عائشة به نحوه. أخرجه أحمد (6 / 182) وابن سعد في " الطبقات
" (2 / 238) . وله عدة طرق أخرى وشواهد، فالحديث صحيح. (انظر الاستدراك
رقم 12 / 19) .
1015 - " إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ".
أخرجه ابن ماجه (3678) وابن حبان (1266) والحاكم (1 / 63 و 4 / 128)
وأحمد (2 / 439) وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 47 / 2)
وتمام في " الفوائد " (112 / 1) من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم
:(3/12)
" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، لولا أن ابن عجلان
لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له في المتابعات، فهو حسن الإسناد.
1016 - " لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 145 / 2) عن عبد الله بن كيسان عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وابن كيسان هذا هو أبو مجاهد المروزي صدوق يخطىء كثيرا كما قال الحافظ
في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات. ثم رواه (3 / 150 / 1) عن رشدين بن
كريب عن أبيه عن ابن عباس رفعه.
قلت: ورشدين ضعيف كما في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات، فالحديث بمجموع
الطريقين حسن، وقد أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (65 / 62
/ 2) من طريق الطبراني. وقد أعله المناوي نقلا عن الهيثمي بابن كيسان،
ففاتهما الطريق الأخرى المقوية له، فتنبه. وللحديث شاهدان من حديث أبي سعيد
الخدري وأنس، وهما مخرجان في كتابي " تحذير الساجد " (ص 31 - 32 - الطبعة
الثالثة) ، فالحديث صحيح والحمد لله على توفيقه.
1017 - " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. يعني سلمان الفارسي ".
أخرجه البخاري (8 / 521) ومسلم (6 / 191 - 192) من طريق أبي الغيث عن
أبي هريرة قال:(3/13)
كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة
(الجمعة) فلما قرأ: * (وآخرين منهم لم يلحقوا بهم) *، قال رجل: من هؤلاء
يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو
ثلاثا قال: وفينا سلمان الفارسي، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده
على سلمان ثم قال: الحديث.
قلت: وقد صح بلفظ آخر، وهو: " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من
فارس أو قال: من أبناء فارس حتى يتناوله ". أخرجه مسلم (6 / 191) وأحمد (
2 / 308 - 309) من طريق زيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة وفيه سبب وروده، وهو ما أخرجه بن أبي
حاتم وابن جرير من طريق مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي
هريرة قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: * (وإن تتولوا
يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) * قالوا: يا رسول الله من هؤلاء
الذين إن تولينا استبدل بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف
سلمان الفارسي رضي الله عنه ثم قال: هذا وقومه، لو كان الدين.. ". قال
الحافظ بن كثير: " تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وقد تكلم فيه بعض الأئمة ".
قلت: وهو ضعيف من قبل حفظه والسبب الذي ساقه للحديث يخالف ما رواه أبو الغيث
عن أبي هريرة في اللفظ الأول. (انظر الاستدراك رقم 14 / 1) وروي بلفظ " لو
كان العلم ... " ويأتي في " الضعيفة " (2054) . وله شاهد من حديث ابن عمر
مرفوعا بلفظ: " رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنم كثيرة بيض، قالوا فما
أولته يا رسول الله؟ قال: العجم، يشركونكم في دينكم وأنسابكم. قالوا:
العجم يا رسول الله؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم
، وأسعدهم به الناس ".
1018 - " رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنم كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا
رسول الله؟ قال: العجم،(3/14)
يشركونكم في دينكم وأنسابكم. قالوا: العجم يا
رسول الله؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم،
وأسعدهم به الناس " (1) .
أخرجه الحاكم (4 / 395) من طريق هاشم بن القاسم: حدثنا عبد الرحمن ابن (
الأصل: عن) عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: قال النبي
صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي
. قلت: وهو كما قالا لولا أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار تكلم فيه غير
واحد من قبل حفظه، وقد أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ثقة، قال ابن
معين وغيره: في حديثه ضعف ". وقال في " الميزان ": " صالح الحديث، وقد
وثق ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
قلت: فحسب مثله أن يحسن حديثه، أما الصحة فلا. نعم للحديث شواهد يتقوى بها.
فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 9) من طريق عمرو بن شرحبيل عن
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به، دون الشطر الثاني، ولفظه
: " رأيت الليلة غنما سودا تتبعني، ثم أردفتها غنم عفر، فقال أبو بكر: تلك
العرب اتبعتك، ثم أردفتها الأعاجم، فقال صلى الله عليه وسلم: كذلك عبرها
الملك بسحر ". ثم أخرجه من طريق أخرى عن عمرو بن شرحبيل عن حذيفة به. ومن
طريق سوار بن مصعب عن عبد الحميد أبي غياث عن الشعبي عن النعمان بن بشير به.
أخرجه أبو نعيم (1 / 209 / 267) (2) . ثم أخرجه (1 / 10) عن عمرو بن مرة عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر مرفوعا.
_________
(1) كذا الأصل، وهو غير مفهوم، ولعل الصواب: " وأسعد بهم الناس ". اهـ.
(2) قلت: وفي متن هذا الطريق زيادة منكرة بلفظ " ومن دخل في هذا الدين فهو عربي ". وإسنادها ضعيف جدا، ولذلك أوردتها في الضعيفة (2052) . اهـ.(3/15)
ومن طريق سفيان: حدثنا حصين بن
عبد الرحمن السلمي عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى مرفوعا. وخالفه محمد بن فضيل
فرواه عن حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعا
به. أخرجه الحاكم وسكت عليه هو والذهبي، وكأنه لهذا الاختلاف، وإلا
فرجاله كلهم ثقات. ثم أخرج له أبو نعيم (1 / 10) شاهدا من طريق أبي عاصم قيس
بن نصير الأسدي: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا
به. وهذا إسناد على شرط الشيخين غير قيس هذا فلم أجد له ترجمة. لكن له طريق
أخرى عنده (1 / 8) من طريق المغيرة بن مسلم عن مطر الوراق وهشام بن حسان عن
محمد بن سيرين عن أبي هريرة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وفي الوراق كلام من قبل حفظه، لكنه هنا
متابع، فهو قوة للحديث كما لا يخفى. وأما الشطر الثاني من الحديث فهو في "
الصحيحين " وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه كما تقدم تخريجه قبل هذا.
1019 - " لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه ".
رواه ابن ماجه (رقم 1976) وأحمد (6 / 139 و 222) وابن سعد (4 / 43)
وأبو يعلى (3 / 1131) وابن عساكر (2 / 346 / 1 - 2) عن شريك عن العباس بن
ذريح عن البهي عن عائشة قالت: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أميطي عنه أذى. فتقذرته؟ فجعل يمص عنه الدم
ويمجه عن وجهه ثم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل شريك وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه ضعيف لكثرة
خطئه. فقول الحافظ العراقي بعدما عزاه لأحمد: " إسناده صحيح " غير صحيح،
ومثله قول البوصيري في " الزوائد ": " إسناده صحيح "(3/16)
إن كان البهي سمع من
عائشة، وفي سماعه كلام وقد سئل عنه الإمام أحمد؟ فقال: ما أرى في هذا شيئا
إنما يروى عن البهي ".
قلت: لكن هذا الضعف ينجبر بمجيء الحديث من طريق أخرى، فرواه ابن عساكر من
طريق أبي يعلى وهذا في " مسنده " (3 / 1100) أخبرنا زكريا بن يحيى الواسطي
أخبرنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم أن أغسل وجه أسامة بن زيد يوما وهو صبي، قالت: وما ولدت، ولا أعرف
كيف يغسل الصبيان، قالت: فآخذه، فأغسله غسلا ليس بذاك، قالت: فأخذه فجعل
يغسل وجهه ويقول: " لقد أحسن بنا إذ لم تك جارية، ولو كنت جارية لحليتك
وأعطيتك ". ورجاله ثقات، وفي مجالد وهو ابن سعيد ضعف لا يضر في الشواهد
والمتابعات. ثم وجدت له شاهدا مرسلا قويا، فقال ابن سعد (4 / 1 / 43) :
أخبرنا يحيى بن عباد قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو السفر قال
: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هو وعائشة وأسامة عندهم، إذ نظر
رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم قال ... فذكره. ومن طريق ابن سعد رواه
ابن عساكر (2 / 348 / 1) . وهذا سند صحيح مرسل، وأبو السفر اسمه سعيد بن
يحمد، تابعي ثقة يروي عن العبادلة: ابن عباس وابن عمر وابن عمرو.
1020 - " من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة
رسوله ".
أخرجه الطبراني في " الكبير " وإسناده هكذا: حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا
عارم أبو النعمان أخبرنا معتمر سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس
مرفوعا. وأخرجه الحاكم (4 / 100) عن علي بن عبد العزيز به. وقال: " صحيح
الإسناد " ورده الذهبي بقوله:(3/17)
" قلت حنش الرحبي ضعيف ".
وأقول: وحنش لقبه، واسمه الحسين بن قيس، قال في " التقريب ": إنه
" متروك ". لكن له متابعان عن عكرمة.
الأول: إبراهيم بن أبي عبلة وهو ثقة من رجال الشيخين.
والآخر: خصيف وهو صدوق سيىء الحفظ، خلط بآخره، فالحديث حسن بهذه المتابعات
ولفظ حديث خصيف مطول ونصه: " من أعان على باطل ليدحض بباطله حقا فقد برىء من
ذمة الله وذمة رسوله ومن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليذله أذل الله رقبته
يوم القيامة - أو قال إلى يوم القيامة - مع ما يدخر له من خزي يوم القيامة،
وسلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه، ومن استعمل رجلا وهو يجد غيره
خيرا منه وأعلم منه بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع
المؤمنين ومن ولي من أمر المسلمين شيئا لم ينظر الله له في حاجته حتى ينظر في
حاجتهم ويؤدي إليهم حقوقهم، ومن أكل درهم ربا كان عليه مثل إثم ست وثلاثين
زنية في الإسلام، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ". أخرجه الخطيب (6 /
76) من طريق إبراهيم بن زياد القرشي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا.
وهذا سند ضعيف لضعف خصيف كما سبق بيانه قريبا. وإبراهيم بن زياد القرشي،
روى الخطيب عن ابن معين أنه قال: " لا أعرفه ". وفي الميزان: " قال البخاري
: لا يصح إسناده، قلت: ولا يعرف من ذا؟ ".
قلت: وقد توبع على بعض الحديث، أخرجه الطبراني في " الصغير " (44) من طريق
سعيد بن رحمة المصيصي حدثنا محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عكرمة
مرفوعا مقتصرا على الجملة الأولى والأخيرة والتي قبلها، إلا أنه قال: " مثل
ثلاث وثلاثين زنية "، وقال: " تفرد به سعيد بن رحمة ".(3/18)
وقد قال ابن حبان
فيه: " لا يجوز أن يحتج به لمخالفته الأثبات ".
قلت: ومن فوقه من الرواة كلهم ثقات. وقد وجدت للحديث طريقا آخر، رواه
الطبراني في " الكبير " قال: حدثنا ابن حنبل أخبرنا محمد بن أبان الواسطي
أخبرنا أبو شهاب عن أبي محمد الجزري - وهو حمزة النصيبي - عن عمرو بن دينار عن
ابن عباس مرفوعا بتمامه. ورجاله كلهم ثقات غير حمزة هذا وهو حمزة بن أبي
حمزة الجزري النصيبي قال في " التقريب ": " متروك متهم بالوضع ".
قلت: ولم يعرفه شيخه الهيثمي حيث قال في " المجمع " (5 / 212) : " رواه
الطبراني وفيه أبو محمد الجزري حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح "!.
1021 - " من أعان على خصومة بظلم، أو يعين على ظلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 52) من طريق حسين المعلم عن مطر الوراق عن نافع عن
ابن عمر مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وإنما لم
أصححه لأن في مطر الوراق كلاما من جهة حفظه، وقد قال في " التقريب ": " صدوق
كثير الخطأ ".
قلت: ولم يتفرد به، فقد أخرجه الحاكم (4 / 99) من طريق عطاء بن أبي مسلم
عن نافع به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وفيه نظر بين، فإن عطاء بن أبي مسلم قال في " التقريب ": " صدوق يهم
كثيرا ويرسل ويدلس ". وقد رواه عن مطر أيضا المثنى بن زيد وهو مجهول،
أخرجه أبو داود بنحوه.(3/19)
وله عنده طريق أخرى صحيحة بنحوه أتم منه وقد ذكرته
فيما سبق بلفظ: " من حالت شفاعته ... " فراجعه برقم (437) ، وهو مخرج في
" الإرواء " أيضا برقم (2376) وهو تحت الطبع.
1022 - " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض
وفساد عريض ".
أخرجه الترمذي (ا / 201) وابن ماجة (1 / 606 - 607) والحاكم (2 / 164 -
165) والخطيب في " التاريخ " (11 / 61) من طريق عبد الحميد بن سليمان
الأنصاري - أخو فليح - عن محمد بن عجلان عن ابن وثيمة البصري عن أبي هريرة
مرفوعا، وقال الترمذي: " قد خولف عبد الحميد بن سليمان، فرواه الليث بن سعد
عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا (يعني منقطعا)
. قال محمد - يعني البخاري -: وحديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد
محفوظا ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت:
عبد الحميد قال أبو داود: كان غير ثقة، ووثيمة لا يعرف ".
قلت: كذا وقع عند الحاكم " وثيمة ". وإنما هو " ابن وثيمة " كما وقع عند
سائر من خرجه، وهو معروف، فإنه زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس الحدثان النصري
- بالنون - الدمشقي. وقد روى عنه أيضا محمد بن عبد الله بن المهاجر، وقال
ابن القطان: إنه مجهول الحال تفرد عنه محمد بن عبد الله الشعبي. قال الذهبي
في " الميزان ": " قلت: قد وثقه ابن معين ودحيم ". وقال الحافظ في
" التقريب ": " مقبول ".
قلت: فعلة الحديث عبد الحميد هذا، فإنه ضعيف، وقد خالفه الثقة فأرسله كما
ذكر الترمذي ولولا ذلك لكان إسناده عندي حسنا على أنه حسن لغيره، فإن له
شاهدا بلفظ: " إذا جاءكم من..... ". وهو مخرج في " الإرواء " (1868) .(3/20)
1023 - " خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضا وشهد جنازة
وصام يوما وراح يوم الجمعة وأعتق رقبة ".
رواه ابن حبان في " صحيحه " (713) وفي " الثقات " أيضا (2 / 29) عن عبد
الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح أن بشر بن أبي عمرو الخولاني أخبره أن
الوليد بن قيس التجيبي أخبره أن أبا سعيد الخدري حدثه مرفوعا به.
قلت: وسنده صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. والحديث أخرجه أبو يعلى أيضا
كما في " الجامع " ولكنه ساقه بلفظ: ".... من صام يوم الجمعة وراح إلى
الجمعة وعاد مريضا وشهد جنازة وأعتق رقبة ". وهو بهذا اللفظ في " مسند أبي
يعلى " (1 / 292) وسنده صحيح أيضا لكن في بعض لفظه اختصار بينته رواية أخرى
عنده من طريق ابن وهب أيضا: أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد
ابن قيس بلفظ: " من وافق صيامه يوم الجمعة وعاد مريضا ... " الحديث نحوه.
وهذا إسناد صحيح أيضا، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة،
ومنهم عبد الله بن وهب هذا.
1024 - " ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة ".
أخرجه أحمد (4 / 179) عن محمد بن حميد المديني قال: حدثنا عبد الله بن
عمرو بن أمية عن أبيه مرفوعا. وهذا سند ضعيف لضعف محمد بن حميد كذا وقع في
المسند وهو محمد بن أبي حميد قال الهيثمي (4 / 119) والحافظ في " التقريب "
: " وهو ضعيف ".(3/21)
وعبد الله بن عمرو ليس بالمشهور، وثقه ابن حبان، وفي " التقريب ": " وهو
مقبول ".
والحديث روي بلفظ: " ما أعطيتموهن من شيء فهو لكم صدقة ".
أخرجه الطيالسي (ص 194 رقم 1364) حدثنا محمد بن أبي حميد قال: حدثني عبد
الله بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب على عمرو بن أمية
الضمري وهو يسوم بمرط في السوق، فقالوا (كذا) : ما تصنع يا عمرو؟ قال:
أشتري هذا فأتصدق به، فقال له: فأنت إذا، قال: ثم مضى ثم رجع فقال: يا
عمرو ما صنع المرط؟ قال اشتريته فتصدقت به، قال: على من؟ قال: على الرفيقة
، قال: ومن الرفيقة؟ قال: امرأتي، قال: وتصدقت به على امرأتك؟! قال:
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحديث. فقال: يا عمرو لا تكذب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: والله لا أفارقك حتى نأتي عائشة
فنسألها. قال: فانطلقا حتى دخلا على عائشة فقال لها عمرو: يا أمتاه! هذا
عمر يقول: لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نشدتك بالله، أسمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما أعطيتموهن من شيء فهو لكم صدقة؟ "
قالت: اللهم نعم، اللهم نعم.
وأورده الهيثمي (4 / 324) بنحوه بزيادة في آخره، فقال عمر: أين كنت عن هذا
؟! ألهاني الصفق بالأسواق، وقال: " رواه البزار، وروى أحمد: ما أعطى
الرجل امرأته فهو صدقة ". وفي إسنادهما محمد بن أبي حميد وهو ضعيف ".
قلت: لكنه لم ينفرد به بل تابعه الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية به بلفظ
: " كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2
/ 1 / 396) . ورجاله ثقات غير عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري وهو مقبول
عند الحافظ، فالحديث بمجموع الطريقتين عنه حسن فإن له شواهد بمعناه، تراها في
" الترغيب " (3 / 82) .(3/22)
1025 - " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة
ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة
صدقة وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة ".
أخرجه البخاري (3 / 171 / 4 / 15) ومسلم (3 / 83) وأحمد (2 / 312 و 316
و374) من حديث أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للبخاري (3 / 224) :
" ودل الطريق صدقة " بدل " ويميط " إلخ.. وقد أورده السيوطي في " الجامع "
بهذا السياق إلا أنه ذكر فيه الجملتين معا، ثم عزاه للثلاثة المذكورين وليس
بجيد لأمرين: الأول: أن الزيادة من أفراد البخاري، والآخر أنه تلفيق بين
روايتين له وذلك يوهم أن الرواية عنده بل عند الثلاثة بالجمع بين الزيادتين
ولا يخفى ما فيه. وللحديث طرق أخرى في المسند:
1 - عن عبد الله بن لهيعة: حدثنا أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة أنه
سمع أبا هريرة يقوله مرفوعا بلفظ: " كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم ... " إلخ
بنحوه. رواه (2 / 350) عن حسن عنه. وهو إسناد حسن في المتابعات.
2 - أخرجه (2 / 328 - 329) عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا
: " كل سلامى من ابن آدم صدقة حين يصبح ". فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إن سلامك على عباد الله صدقة وإماطتك الأذى عن
الطريق صدقة ". الحديث ببعضه.
3 - رواه (2 / 395) عن خلاس عنه مرفوعا بلفظ:(3/23)
" على كل عضو من أعضاء بني آدم
صدقة ". وإسناده صحيح وقد مضى برقم (574) وفي الباب أحاديث أخرى كثيرة
تقدمت برقم (575 - 577) .
1026 - " من كان له أختان أو ابنتان، فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنة
كهاتين. وقرن بين إصبعيه ".
أخرجه الخطيب في " تاريخه " (8 / 284 - 285) من طريق الأعمش عن أنس
مرفوعا. ورجاله ثقات إلا أنه منقطع لأن الأعمش لم يثبت سماعه من الصحابة كما
في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى متصلة عن أنس بعضها عند
مسلم وقد سبق تخريجها برقم (295 - 297) . ويشهد له الحديث الآتي:
" من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة.
فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين ".
1027 - " من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة.
فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 14) وأحمد (3 / 303) من طريق علي
ابن زيد قال: حدثني محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثهم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا سند حسن في " المتابعات "،
رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف من قبل حفظه
. لكن تابعه سفيان بن حسين عن محمد بن المنكدر. وزاد: حتى ظننا أن إنسانا
(لو) قال: واحدة؟ لقال: واحدة ". أخرجه أبو يعلى (2 / 591) وسنده صحيح
على شرط مسلم. والحديث أورده في " الترغيب " (3 / 84 - 85) وقال:(3/24)
" رواه
أحمد بإسناد جيد، والبزار والطبراني في " الأوسط " وزاد: " ويزوجهن ".
قلت: له طريق أخرى عن ابن المنكدر به بلفظ: " من كانت له ثلاث بنات.... "
الحديث نحوه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 14) من طريق عاصم بن هلال
البارقي قال: حدثنا أيوب عن محمد بن المنكدر به. والبارقي فيه لين. ويشهد
له حديث عقبة مرفوعا: " من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن
وكساهن من جدته كن له حجابا من النار " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص
13 - 14) وأحمد (4 / 154) عن شيخهما أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد
المقرىء: حدثنا حرملة بن عمران: حدثني أبو عشانة المعافري قال: سمعت عقبة بن
عامر الجهني يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عشانة، وهو ثقة واسمه
حي بن يؤمن المصري وقد مضى برقم (293) . والحديث أخرجه الطبراني بنحوه
وزاد في آخره: " فقالت له امرأة: أو بنتان؟ قال: أو بنتان " ذكره المنذري
(3 / 84) وقواه بقوله: " وشواهده كثيرة ".
1028 - " ما يسرني أن لي أحدا ذهبا تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده
لدين علي ".
أخرجه مسلم (3 / 75) عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة مرفوعا. وله عنه
طريق أخرى بلفظ: " لو كان لي مثل أحد ذهبا " وسيأتي برقم (1139) . وله
شاهد من حديث أبي ذر بلفظ: " ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي
ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا
وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ".(3/25)
أخرجه البخاري (7 / 177)
وفي " الأدب المفرد " (117) عن زيد بن وهب عن أبي ذر مرفوعا. ورواه هو
وغيره بلفظ: " ما أحب أن أحدا ذاك عندي " ويأتي برقم (2211) . وله طريق
أخرى بلفظ: " ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يأتي علي ثالثة وعندي منه دينار أو
قال: منه مثقال إلا أن أرصده لغريم ". أخرجه الدارمي (2 / 315) والطيالسي
(ص 63 رقم 465) وأحمد (5 / 148 - 149) والخطيب (8 / 376) عن سويد بن
الحارث عن أبي ذر مرفوعا. وله طريق ثالث بلفظ آخر سيأتي بلفظ: " والذي نفسي
بيده ما يسرني ".
1029 - " من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله عز وجل ".
أخرجه النسائي (2 / 233) : حدثنا محمد بن المثنى: قال: حدثنا وهب بن جرير
قال: حدثنا أبي عن الأعمش عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استدانت، فقيل لها: يا أم
المؤمنين! تستدينين وليس عندك وفاء؟ قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول. فذكره. وأخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 238) من
طريق عبد الله بن أبي بكر العتلي حدثنا جرير بن حازم به. (انظر الاستدراك رقم
26 / 18 و 26 / 21) . وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين إذا كان عبيد الله بن
عبد الله سمعه من ميمونة، فإن المعروف أنه يروي عنهما بواسطة عبد الله بن عباس
. وله عند ابن ماجة وابن حبان (1157) وأبي نعيم أيضا طريق آخر عنها وفيه
عمران بن حذيفة وهو مجهول. انظر ما علقناه على الترغيب (2 / 33) . وطريق
ثالث في المسند (6 / 332) . ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا بين سالم - وهو
ابن أبي الجعد - وميمونة. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع الطرق.(3/26)
1030 - " لا تلقوا البيوع ولا يبع بعض على بعض ولا يخطب أحدكم - أو أحد - على خطبة
أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب ".
أخرجه أحمد (2 / 153) : حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر عن نافع عن ابن عمر
قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وكان يقول.... "
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه بنحوه مفرقا. وصخر هو
ابن جويرية مولى بني تميم. وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد العنبري
مولاهم البصري.
1031 - " إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة ".
أخرجه النسائي (2 / 283) عن صفوان بن سليم عن رجل ثقة عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: رجاله ثقات غير هذا الرجل، فإنه لم يسم وإن وثق فإن توثيق مثله مما لا
يعتد به حتى يسمى ويعرف كما تقرر في " المصطلح ". وأخرج البيهقي في " السنن
الكبرى " (3 / 133) من طريق عبد الرحمن ابن الحارث بن أبي عبيد - من أشياخ
كوثي مولى أبي رهم الغفاري - عن جده قال: " خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحى،
فلقيتنا امرأة بها من العطر شيء لم أجد بأنفي مثله قط، فقال لها أبو هريرة:
عليك السلام، فقالت: وعليك، قال: فأين تريدين؟ قالت: المسجد. قال:
ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ قالت: للمسجد. قال: آلله؟ قالت: آلله. قال
: آلله؟ قالت: آلله. قال: فإن حبي أبا القاسم أخبرني: " أنه لا تقبل
لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها حتى تغتسل منه غسلها من الجنابة " فاذهبي
فاغتسلي منه، ثم ارجعي(3/27)
فصلي ". وقال: " جده أبو الحارث عبيد بن أبي عبيد
وهو عبد الرحمن بن الحارث بن أبي الحارث بن أبي عبيد، ورواه عاصم بن عبد
الله عن عبيد مولى أبي رهم ".
قلت: أخرجه أبو داود (4174) وابن ماجة (4002) من طريق سفيان عن عاصم به.
وعبيد بن أبي عبيد وثقه العجلي وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات ويحتمل
أن يكون هو الرجل الثقة الذي لم يسم في طريق النسائي ويحتمل أن يكون غيره
وعلى كل حال فالحديث صحيح، فإن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي عبيد قال ابن أبي
حاتم (2 / 2 / 224) عن أبي زرعة: " لا بأس به ". وقد تابعه عاصم بن عبيد
الله وهو وإن كان ضعيفا فلا بأس به في المتابعات. والله أعلم. وللحديث
شاهد بنحوه سيأتي برقم (1093) .
1032 - " إن ما قدر في الرحم سيكون ".
أخرجه النسائي (2 / 85) وأحمد (3 / 450) من طريق شعبة عن أبي الفيض قال:
سمعت عبد الله بن مرة الزرقي عن أبي سعيد الزرقي " أن رجلا سأل رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: إن امرأتي ترضع وأنا أكره أن تحمل؟ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم.... " فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير عبد الله بن مرة الزرقي، قال الحافظ: " مجهول ".
قلت: لكن يشهد له حديث أبي سعيد الخدري قال: " ذكر العزل عند النبي صلى الله
عليه وسلم، فقال: وما ذاكم؟ قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع، فيصيب
منها ويكره أن تحمل منه والرجل تكون له الأمة، فيصيب منها ويكره أن تحمل
منه؟ فقال: " فلا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر ". أخرجه مسلم (
4 / 159) والنسائي (2 / 84 - 85) وأحمد (3 / 11) من طريق عبد الرحمن بن
بشر الأنصاري عنه. وله عند مسلم وأبي داود (2170 - 2171) وأحمد (3 / 22
و49 و 53 و 68 و 78) طرق أخرى - عن أبي سعيد نحوه.(3/28)
1033 - " درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 142 - 143) والدارقطني (295) عن ليث بن
أبي سليم عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة الراهب مرفوعا. ومن هذا
الوجه رواه ابن عساكر (9 / 74 / 2) .
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم فقد كان اختلط وقد خالفه عبد
العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة فقال: عن عبد الله بن حنظلة عن كعب من قوله
وهو الصواب كما قال البغوي. ذكره ابن عساكر وأخرجه أحمد (5 / 225) بسند
صحيح عن ابن رفيع، وكذا رواه الدارقطني وقال: هذا أصح من المرفوع. لكن قد
تابعه أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة مرفوعا به. أخرجه أحمد:
حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن أيوب به. ورواه الدارقطني.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومن أعله بتغير جرير قبل موته فلم يصب
لأنه لم يسمع منه أحد في حال اختلاطه كما قال ابن مهدي. ثم إن الموقف في حكم
المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى.
1034 - " لا يدخل الجنة قتات ".
أخرجه البخاري (7 / 86) ومسلم (1 / 71) وأبو داود (2 / 297) والترمذي
(1 / 364) وصححه، والطيالسي (ص 56 رقم 421) وأحمد (5 / 382 و 389
و392 و 402 و 404) عن همام بن الحارث عن حذيفة بن اليمان مرفوعا.
وله طريق أخرى عنه عند مسلم وأحمد (5 / 391 و 396 و 398 و 406) وابن حبان
في " روضة العقلاء " ص (153) عن أبي وائل عنه بلفظ: " نمام ". وهو بمعنى
" قتات ".
1035 - " إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام ".
رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 23) : حدثنا صالح بن(3/29)
أحمد بن حنبل:
حدثني أبي قال: أعطانا ابن الأشجعي كتاب أبيه عن سفيان عن المقدام بن شريح
عن جده قال: " قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: ... "
فذكره. ورواه القضاعي (ق 94 / 2) من طريق أحمد به.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، وابن الأشجعي هو أبو عبيدة بن عبيد
الله بن عبد الرحمن، روى عنه جماعة من الثقات وذكره ابن حبان في " الثقات "
وسماه عبادا، وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة،
لكن رواية أحمد هنا عن كتاب أبيه وجادة جيدة فلا يوهن من الحديث أنه ناوله
إياه ابنه أبو عبيدة، على أن القلب يميل إلى تقوية حديثه ما دام أنه قد روى
عنه أولئك الثقات وفيهم الإمام أحمد بالإضافة إلى توثيق ابن حبان إياه. وقد
وهم فيه المناوي وهما فاحشا فإنه نقل عن الهيثمي بعدما عزاه للطبراني في الكبير
أنه قال: " فيه أبو عبيدة بن عبد الله (1) الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه
أحد وبقية رجاله رجال الصحيح ". فتعقبه المناوي بقوله: " وهو ذهول، فإن
الأشجعي هذا من رجال الصحيحين ". والذي ذهل إنما هو المناوي نفسه، فإن أبا
عبيدة هذا لم يخرج له من الستة غير أبي داود. نعم أبوه من رجال " الصحيحين "
فكأن المناوي اختلط عليه أحدهما بالآخر. ثم قال: " وقال الحافظ العراقي:
رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبيهقي من حديث هانيء بن يزيد
بإسناد جيد ". وهانيء بن يزيد هو جد المقدام بن شريح.
1036 - " المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة
_________
(1) كذا الأصل والصواب " عبيد الله " كما تقدم. اهـ.(3/30)
والطلقاء من قريش والعتقاء
من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ".
رواه الطبراني في الكبير (1 / 232 / 2) : حدثنا علي بن عبد العزيز أخبرنا أبو
حذيفة أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي وائل عن جرير مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير علي بن عبد العزيز وهو ثقة
وهو الحافظ البغوي. وأخرجه أبو يعلى (241 / 2) وابن حبان (2287)
والطبراني (1 / 233 / 1 و 3 / 76 / 2) وابن عدي (158 / 1) وابن مخلد في
" المنتقى من أحاديثه " (2 / 87 - 88) والمظفر أبو سعيد في " فوائد منتقاة "
(131 / 2) من طريقين عن عاصم عن أبي وائل به. وهذا سند حسن. ثم رواه
الطبراني (233 / 2) عن الحجاج عن الحكم عن أبي وائل به مختصرا. والحجاج هو
ابن أرطأة وهو ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه.
طريق أخرى: ثم رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 5) والطبراني (1 / 243 / 2)
وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 145 - 146 و 2 / 304) عن الثوري عن
الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير به وزاد:
" والأنصار ". وخالفه شريك فقال: عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن
ابن هلال به. لكن شريكا سيء الحفظ. وللحديث شاهد من حديث جابر مرفوعا به.
أخرجه إبراهيم بن طهمان في " المشيخة " (250) وفيه الحسن بن عمارة وهو
متروك.(3/31)
1037 - " إنه رأس قومه، فأنا أتألفهم فيه ".
أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 5) قال: وأخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن
سوادة حدثه أن أبا سالم الجيشاني حدثه عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال له: " كيف ترى جعيلا؟ قال: فقلت: مسكين، كشكله من الناس،
قال: فكيف ترى فلانا؟ قلت: سيد من السادات، قال: فجعيل خير من ملء الأرض -
أو آلاف، أو نحو ذلك - من فلان، قال: قلت يا رسول الله، ففلان هكذا وأنت
تصنع به ما تصنع؟ فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو سالم الجيشاني اسمه سفيان بن
هانئ. (انظر الاستدراك رقم 32 / 12) .
1038 - " إن مسابكم هذه وليست بمساب على أحد وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملئوه
ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا
جبانا ".
رواه عبد الله بن وهب في " الجامع " (ص 6) وعنه الطحاوي في " المشكل " (4 /
365) وكذا ابن جرير في " التفسير " (26 / 89) والروياني في " مسنده "
(49 / 2) وأبو الحسين بن النقور في " القراءة على الوزير " (5 / 1) :
أخبرني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر الجهني
مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم إلا ابن لهيعة وهو صحيح الحديث إذا روى عنه
أحد العبادلة وهذا من رواية عبد الله بن وهب عنه فهو صحيح وبيان ذلك في
ترجمته من " التهذيب ". وقد أخرجه أحمد (4 / 158) حدثنا يحيى بن إسحاق
أنبأنا ابن لهيعة به. إلا أنه قال: " أنسابكم " بدل " مسابكم " وكذا أخرجه
البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 90 / 2) .(3/32)
ولفظ ابن جرير في إحدى روايتيه:
" الناس لآدم وحواء، كطف الصاع لم يملؤه، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا
عن أنسابكم يوم القيامة * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * ".
1039 - " نعم القوم الأزد طيبة أفواههم برة أيمانهم نقية قلوبهم ".
أخرجه أحمد (2 / 351) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي
هريرة مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف فإن ابن لهيعة سيء الحفظ. وأما الهيثمي
فقال (10 / 49) : " رواه أحمد وإسناده حسن ". كذا قال مع أنه صرح مرارا
وتكرارا في كتابه هذا بضعف ابن لهيعة لكنه أحيانا يقول فيه إنه حسن الحديث.
فلا أدري ما وجه التوفيق بين ذلك. نعم قد رواه عنه ابن وهب في " الجامع " فقال
(ص 6) : وحدثني ابن لهيعة به دون قوله " برة أيمانهم ". وابن وهب عن أبي
لهيعة صحيح الحديث كما تقدم في الحديث الذي قبله.
1040 - " خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء همام وحارث وشر الأسماء
حرب ومرة ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 7) : أخبرني داود بن قيس عن عبد الوهاب ابن
بخت مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم. وقد أخرجه ابن وهب أيضا
من رواية عبد الله بن عامر اليحصبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وإسناده صحيح أيضا. وللحديث شاهد موصول من طريق عقيل بن شبيب عن أبي وهب
الجشمي(3/33)
- وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره في
آخر حديث أوله " تسموا بأسماء الأنبياء ... " وهو مخرج في " الإرواء " (1178
) . فالحديث بهذا الشاهد ثابت إن شاء الله تعالى، ثم قال ابن وهب (ص 8) :
" وأخبرني معاوية بن صالح عن الحسن بن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " عليكم من الأسماء بيزيد، فإنه ليس أحد إلا وهو يزيد في الخير والشر
والحارث، فإن ليس أحد إلا وهو يحرث لآخرته أو دنياه، وهمام، فإن ليس أحد
إلا ويهم بآخرته أو دنياه، فإن أخطأتم هذه الأسماء فعبدوا ".
والحسن بن جابر وهو اللخمي تابعي لكن لم يرو عنه غير معاوية هذا ومحمد بن
الوليد الزبيدي ولم يوثقه غير ابن حبان. والحديث تقدم تحت الحديث (904) ،
وإنما أعدته هنا لتقويته بالشاهد الموصول ومرسل اللخمي.
1041 - " أنت عمي وبقية آبائي والعم والد ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 84 / 1 - 2) : حدثنا الحسين ابن
محمد الحناط الرامهرمزي أخبرنا أحمد بن رشد بن خيثم الهلالي أخبرنا عمي سعيد
ابن خيثم الهلالي أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن عباس قال: حدثتني
أم الفضل بنت الحارث قالت: " بينا أنا مارة والنبي صلى الله عليه وسلم في
الحجر، فقال: يا أم الفضل، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إنك حامل بغلام
، قالت: كيف وقد تحالفت قريش: لا تولدون النساء؟ قال: هو ما أقول لك،
فإذا وضعت فأتيني به، فلما وضعته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد
الله وألباه من ريقه، ثم قال: اذهبي به فلتجدنه كيسا قالت: فأتيت العباس،
فأخبرته، فتلبس، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا جميلا مديد
القامة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه فقبل بين عينيه، ثم
أقعده عن يمينه، ثم قال: هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه. قال العباس: بعض
القول يا رسول الله، قال: ولم لا أقول وأنت عمي ... " الحديث.
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، أحمد بن رشد قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 51) :(3/34)
" روى عنه أبي وسمع منه أيام عبيد الله بن موسى أحاديث أربعة " ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، والحسين بن محمد الحناط لم أجد له ترجمة. وأما الهيثمي
فقال (9 / 276) : " رواه الطبراني، وإسناده حسن "! نعم الحديث حسن لغيره،
فإن الجملة الأولى لا تحتاج إلى شاهد كما هو ظاهر والجملة الوسطى رويت من حديث
المطلب بن ربيعة وعلي بن أبي طالب وابنه الحسن بأسانيد ضعيفة قد خرجتها في
الكتاب الآخر (1944 - 1945) . وأما الجملة الأخيرة، فقد أخرجها سعيد بن
منصور في " سننه " كما في " الجامع الصغير " من حديث عبد الله الوراق مرسلا.
ثم وجدت لها شاهدا آخر، فقال ابن وهب في " الجامع " (ص 14) : وأخبرني يونس
ابن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغنا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " العم أب، إذا لم يكن دونه أب، والخالة أم إذا لم تكن أم دونها ".
وهذا إسناد مرسل أو معضل ورجاله ثقات.
1042 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي
حره ودخانه ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 308) وأحمد (1 / 388 و 446) من طريق إبراهيم الهجري
عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم
ثقات رجال مسلم غير إبراهيم الهجري وهو ابن مسلم، قال في " التقريب ":
" إنه لين الحديث رفع موقوفات ".
قلت: وهذا مرفوع قطعا، وله شاهد وهو: " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه قد
كفاه حره وعمله، فإن لم يقعده معه ليأكل، فليناوله أكلة من طعامه ".
1043 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه قد كفاه حره وعمله، فإن لم يقعده معه ليأكل،
فليناوله أكلة من طعامه ".
رواه أحمد (2 / 406 و 464) عن حماد بن سلمة أنبأنا عمار بن أبي عمار(3/35)
سمعت
أبا هريرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه هو وغيره بلفظ
: " إذا أتى أحدكم خادمه " وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (1285) .
1044 - " إن رجلا زار أخا له في قرية، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى
عليه الملك قال: أين تريد؟ قال: أزور أخا لي في هذه القرية، قال: هل له
عليك من نعمة (تربها) ؟ قال: لا، إلا أني أحببته في الله، قال: فإني رسول
الله إليك أن الله عز وجل قد أحبك كما أحببته له ".
رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (115 / 2) والحسن بن علي الجوهري في
" فوائد منتقاة " (27 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن
أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 12) من هذا
الوجه، وقول الحافظ محمد بن ناصر في " التنبيه " (ق 21 / 2) أنه مخرج في
" الصحيحين " وهم منه، فليس الحديث في صحيح البخاري. وإنما أخرجه في " الأدب
المفرد " (350) . ورواه ابن وهب في " الجامع " (30) .
1045 - " البركة في ثلاث: الجماعات والثريد والسحور ".
رواه أبو طاهر الأنباري في " المشيخة " (156 / 1 - 20) والبيهقي في " الشعب
" (2 / 426 / 2) عن داود بن عبد الرحمن أبي عبد الله العطار حدثنا عبد الله
النصري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير عبد الله النصري فلم أعرفه.
والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الكبير " والبيهقي في
" الشعب " عن سلمان، فقال شارحه المناوي: " قال الزين العراقي: رجاله
معروفون بالثقة إلا أبا عبد الله البصري ".(3/36)
قلت: كذا في الأصل " أبا عبد الله البصري " على خلاف ما في " المشيخة " " عبد
الله النصري " بالنون. والله أعلم. وهكذا رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان
" (1 / 57) عن الطبراني. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة أشار إليه الديلمي
وقد أخرجه الخطيب في " الموضح " (1 / 263) عن أسد بن عيسى: رفعين حدثنا
أرطاة بن المنذر عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.
ورواه هو وعبد الغني المقدسي من هذا الوجه بلفظ: " إن الله جعل البركة في
السحور والكيل " وسيأتي برقم (1291) . وهذا سند حسن رجاله ثقات غير أسد
هذا، فأورده الحافظ في " اللسان " وقال: " يقال له: رفعين، كان من عباد
أهل الشام، قال مكحول البيروتي عن داود بن جميل: ما كانوا يشكون أنه من
الأبدال. قال ابن حبان في " الثقات ": يغرب، روى عنه أهل العراق وأهل بلده
". ويقويه أن له طريقا أخرى عن أبي هريرة أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في
" معجمه " (138 / 2) عن ابن أبي ليلى عن عطاء عنه مرفوعا دون ذكر الجماعة.
وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد على الأقل. وله شاهد ثان ولكنه ساقط
، رواه ابن شاذان في " المشيخة الصغيرة " (158 / 1) عن أنس مرفوعا.
وفيه الحسن بن علي بن زكريا العدوي وهو وضاع وقد أساء السيوطي بإيراده
لحديثه هذا في " الجامع " وإن كان بمعنى هذا الحديث الصحيح ففيه غنية عن حديث
الكذاب ولفظه " الجماعة بركة ... " وسيأتي في " الأحاديث الضعيفة " (2673)
. وله شاهد ثالث ولكنه واه، فيه مجهولان والحارث الأعور وهو متروك، وقد
خرجته هناك مع حديث العدوي المذكور.
1046 - " ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا
الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه،(3/37)
رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة
ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط: اللئيمة ولكن من وسط أموالكم، فإن
الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ".
أخرجه أبو داود (1 / 250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم - بحمص - عند
آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن
نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير لكن وصله
الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 115) والبيهقي في " السنن " (4 / 95) من
طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: حدثنا يحيى بن جابر
الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد: " وزكى
نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث
كان ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سالم وهو
الزبيدي، وهو ثقة. وأخرجه البخاري في " تاريخه " من طريق يحيى بن جابر به
كما في ترجمة الغاضري من " الإصابة ".
(فائدة) قوله صلى الله عليه وسلم: " أن الله معه حيث كان ". قال الإمام
محمد بن يحيى الذهلي: " يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش ".
ذكره الحافظ الذهبي في " العلو " رقم الترجمة (73) بتحقيقي واختصاري.
وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود
ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود الذي يقول به غلاة
الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه
بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.(3/38)
1047 - " ثلاث من السعادة وثلاث من الشقاوة فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك وتغيب
فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون
واسعة كثيرة المرافق. ومن الشقاوة المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك
وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها، ومالك والدابة تكون قطوفا، فإن ضربتها
أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق ".
أخرجه الحاكم (2 / 162) من طريق محمد بن بكير الحضرمي حدثنا خالد بن عبد الله
حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن حفص عن محمد بن سعد عن أبيه مرفوعا
. وقال: " تفرد به محمد بن بكير فإن كان حفظه فهو صحيح على شرط الشيخين "،
فقال الذهبي: " محمد قال أبو حاتم صدوق يغلط، وقال يعقوب بن شيبة ثقة ".
وقال المنذري (3 / 68) : " محمد هذا صدوق وثقة غير واحد ".
قلت: ونص عبارة أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 214) : " صدوق
عندي يغلط أحيانا ". ثم نقل توثيقه عن جمع، فمثله لا يقل حديثه عن درجة الحسن
. والله أعلم. وتابعه محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده
به مختصرا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 232 / 1) .
1048 - " ما لصبيكم هذا يبكي؟ فهلا استرقيتم له من العين؟ ".
أخرجه أحمد (6 / 72) : حدثنا حسين قال حدثنا أبو أويس حدثنا عبد الله بن أبي
بكر عن عمرة عن عائشة قالت:(3/39)
دخل النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت صبي
يبكي فقال: فذكره. وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي
أويس وهو عبد الله بن عبد الله بن أويس قال في " التقريب ": " صدوق يهم ".
وأخرج له مسلم في الشواهد. ولعائشة حديث آخر في الرقية بلفظ: (كان يأمرها
أن تسترقي) وسيأتي إن شاء الله برقم (2521) .
1049 - " يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس اتقاء فحشه ".
أخرجه البخاري (4 / 125 - 126، 142) ومسلم (8 / 21) وأبو داود (4791)
والترمذي (1 / 360) وأحمد (6 / 38) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن
المنكدر عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: " استأذن رجل على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة. ثم أذن
له، فألان له القول، فلما خرج، قلت: يا رسول الله! قلت له ما قلت، ثم
ألنت له؟ فقال: فذكره، والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح "
قلت: ولفظ الشيخين وغيرهما: " إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ...
" وله طريق أخرى عن محمد بن فليح قال: حدثنا أبي عن عبد الله بن عبد الرحمن
ابن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عنها قالت: " استأذن رجل على النبي صلى الله
عليه وسلم، فقال: بئس ابن العشيرة، فلما دخل هش له رسول الله صلى الله عليه
وسلم وانبسط إليه، ثم خرج، فاستأذن رجل آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم
: نعم ابن العشيرة، فلما دخل لم ينبسط إليه كما انبسط إلى الآخر ولم يهش له
كما هش، فلما خرج، قلت: يا رسول الله استأذن فلان(3/40)
فقلت له ما قلت، ثم هششت
له وانبسطت إليه، وقلت لفلان ما قلت ولم أرك صنعت به ما صنعت بالآخر؟ فقال
: يا عائشة إن من شرار الناس من اتقي فحشه ".
قلت: أخرجه ابن وهب في " الجامع " (69 - 70) وأحمد (6 / 158) والبخاري
في " الأدب المفرد " (338) وسنده على شرط مسلم لولا أن فليحا وابنه فيهما
ضعف.
1050 - " لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا،
ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (73 و 83) : أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن
عبد الله بن رافع عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
1051 - " لا يجتمعان (يعني الخوف والرجاء) في قلب عبد في مثل هذا الموطن (يعني
الاحتضار) إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف ".
رواه الترمذي (1 / 183 - 184) وحسنه وابن ماجه (4261) وابن أبي الدنيا
في " المحتضرين " (5 / 1 - 2) وفي " حسن الظن " (186 / 1) من طريق عن سيار
ابن حاتم قال: أخبرنا جعفر بن سليمان قال حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك
قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت، فقال: كيف
تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا سند حسن كما قال المنذري (4 / 141) ورجاله ثقات رجال مسلم غير
سيار بن حاتم وهو صدوق له أوهام، كما في " التقريب " وقد تابعه يحيى بن عبد
الحميد الحماني عن ابن بطة في " الإبانه " (6 / 59 / 1) فصح به الحديث،
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وله شاهد عن عبيد بن عمير مرسلا. لكن
فيه أبو ربيعة زيد بن عوف متروك. رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات "
(ق 169 / 2) .(3/41)
1052 - " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج
في ذات يده ".
هذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وله عنه عدة طرق:
1 - عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عنه مرفوعا. أخرجه البخاري (6
/ 193) ومسلم (7 / 181 - 182) وأحمد (2 / 393) . وتابعه عن أبي الزناد
شعيب عند البخاري (6 / 120) . ومحمد هو ابن عمرو عند أحمد (2 / 449) .
2 - عن سفيان أيضا: حدثنا ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه البخاري (6
/ 193) ومسلم. وتابعه معمر عن ابن طاووس به. أخرجه أحمد (2 / 269) .
3 - عن الزهري عن ابن المسيب عنه. رواه البخاري (4 / 139) معلقا، ومسلم
وأحمد (2 / 269 و 275) موصولا وفيه بيان سبب الحديث وهو: " أن النبي صلى
الله عليه وسلم خطب أم هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني قد كبرت
ولي عيال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... ". الحديث.
4 - عن معمر عن همام بن منبه عنه. أخرجه مسلم وأحمد (2 / 319) .
5 - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. تفرد به مسلم.
6 - عن حماد عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة به. تفرد به أحمد (2 / 469
) وهو صحيح على شرط مسلم.
7 - عن محمد عن أبي سلمة عنه. تفرد به أحمد أيضا (2 / 502) . وهو حسن.(3/42)
وله شاهدان أحدهما من حديث ابن عباس بلفظ: " إن خير النساء.. ". الحديث،
وسيأتي برقم (2522) . والآخر عن معاوية ومضى أيضا في حديث: (اللهم لا
مانع لما أعطيت) وسيأتي أيضا برقم (2523) .
1053 - " خير ما تداويتم به الحجامة ".
أخرجه الحاكم (4 / 208) وأحمد (5 / 9 و 15 و 19) من طرق عن عبد الله بن
عمير قال: سمعت حصين بن أبي الحر يحدث عن سمرة مرفوعا. وقال: " صحيح
على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. كذا قالا: وحصين بن أبي الحر وهو ابن
مالك ابن الخشخاش لم يخرج له الشيخان شيئا وهو ثقة، فالحديث صحيح فقط ليس على
شرطهما. وله شاهد صحيح وهو: " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري
ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز ".
1054 - " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز ".
أخرجه أحمد (3 / 107) : حدثنا بن أبي عدي عن حميد عن أنس مرفوعا. وهذا
إسناد ثلاثي صحيح على شرطهما وقد أخرجاه بلفظ: (إن أمثل ... ) وزاد:
" وعليكم بالقسط ". والحديث أخرجه الثقفي في " الثقفيات " (ج 3 رقم 9 -
نسختي) من طريق أخرى عن حميد به. وقال: " رواه حماد بن سلمة عن حميد ".
(القسط) : عقار معروف في الأدوية طيب الريح تبخر به النفساء والأطفال.
و (الغمز) : يعني غمز لهاة الصبي إذا سقطت بالإصبع.
1055 - " ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت ".
رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 12 - 13) وأبو عبد الله(3/43)
الفلاكي في
" الفوائد " (90 / 1) وأبو طاهر بن قيداس في " مجلس من مجالس أبي القاسم
اللالكائي " (3 / 122 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 449) عن مؤمل بن
إسماعيل: أنبأنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك مرفوعا. وقال
اللالكائي: " هذا حديث غريب عن زياد بن علاقة لا نعلم رواه عنه غير شعبة وعنه
غير المؤمل ".
قلت: وهو سيء الحفظ كما في " التقريب "، فالإسناد ضعيف، ولعل الحديث من
الإسرائيليات، فقد أخرجه الطبراني عن عبد الرحمن بن أبزى قال: قال داود النبي
صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح كما قال
الهيثمي في " المجمع " (10 / 234) .
(تنبيه) وقع الحديث في " الجامع الصغير " وفي " الفتح الكبير " معزوا لابن
حبان والترمذي، وعزوه للترمذي خطأ بلا شك، فإنه لم يخرجه وأنا أظن أن
" الترمذي " تحرف على بعض النساخ، وأن الصواب " الباوردي "، كذلك وقع في
" الجامع الكبير " (2 / 176 / 2) . ووقع في المناوي هكذا: " حب عن أسامة بن
شريك، ابن عساكر عن أنس "! فكأنه اختلط عليه أو على بعض النساخ تخريج هذا
الحديث بتخريج الذي قبله! ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا في حديث في " جامع ابن
وهب " (ص 65) ورجاله موثقون غير شيخ أبي إسحاق السبيعي فإنه لم يسم وهو
تابعي أو صحابي والأول عندي أرجح كما بينته في الكتاب الآخر (1956) ،
فالحديث به حسن إن شاء الله.
1056 - " خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر
ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت(3/44)
بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام، يصبح
يتدفق ويمسي لا بلال بها ".
رواه الطبراني (3 / 112 / 1) وعنه الضياء في " المختارة " (67 / 114 / 2)
من طريقين عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني أنبأنا مسكين بن بكير أنبأنا
محمد بن مهاجر عن إبراهيم بن أبي حرة عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا. ومن
هذا الوجه أخرجه في " الأوسط " (1 / 118 / 1) وقال: " لم يروه عن إبراهيم
إلا ابن مهاجر ولا عنه إلا مسكين تفرد به الحسن ".
قلت: وهو ثقة من رجال مسلم وكذا من فوقه غير إبراهيم بن أبي حرة قال الذهبي
في " الميزان ": " ضعفه الساجي ولكن وثقه ابن معين وأحمد وأبو حاتم وزاد:
لا بأس به، رأى ابن عمر يروي عنه معمر وابن معين وهو جزري سكن مكة ".
قلت: فالإسناد حسن على أقل الدرجات. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2
/ 133) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته ثقات، وابن حبان في (صحيحه
) ". وكذا في " مجمع الزوائد " (3 / 286) .
قلت: لم يورده الهيثمي في " موارد الظمآن " فالظاهر أنه مما فاته. ونقل
المناوي عن الحافظ ابن حجر أنه قال: " رواته موثقون وفي بعضه مقال، لكنه قوي
في المتابعات، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر مرفوعا ".
(تنبيه) قوله " بقية " كذا وقع في " المعجم الكبير " بالمثناة التحتانية بعد
القاف ونسخته جيدة مصححة ومقابلة وكذا وقع في " المجمع " و " الجامع الكبير
" (2 / 27 / 2) وبعض نسخ " الجامع الصغير ". ووقع في " الترغيب " ونسخة
" الجامع الصغير " التي عليها شرح " فيض القدير " و " الفتح الكبير "(3/45)
بلفظ:
" بقبة " بالباء الموحدة ولعل الصواب الأول وكذلك وقع في صلب شرح " الفيض ".
ولبعض الحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: " إنها مباركة وهي طعام طعم
وشفاء سقم ". أخرجه الطيالسي (457) وأحمد (5 / 175) ومسلم (7 / 154)
وليس عندهما " وشفاء سقم ". خلافا لمن وهم من الأفاضل!
1057 - " المكر والخديعة في النار ".
روي من حديث قيس بن سعد وأنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود
ومجاهد والحسن.
1 - أما حديث قيس، فأخرجه ابن عدي في " الكامل " (58 / 2) من طريق هشام بن
عمار حدثنا جراح بن مليح حدثنا أبو رافع عن قيس بن سعد قال: لولا أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) لكنت من أمكر الناس. أورده في
ترجمة الجراح هذا وقال: " لا بأس به وبرواياته وله أحاديث صالحة جياد ".
وقال الحافظ في " الفتح " (4 / 298) بعد ما عزاه لابن عدي: " وإسناده لا
بأس به ". وتابعه الهيثم بن خارجة حدثنا الجراح بن مليح البهراني به. أخرجه
البيهقي في " الشعب " (2 / 105 / 2) من طريق أحمد بن عبيد بسنده عنه. وأما
قول المناوي: " قال في " الميزان " في سنده لين وذلك لأن فيه أحمد بن عبيد،
قال ابن معين: صدوق له مناكير. والجراح بن مليح قال الدارقطني: ليس بشيء.
ووثقه غيره. وخالف الذهبي، فقال في " الكبائر ": سنده قوي ورواه البزار
والديلمي عن أبي هريرة، والقضاعي عن ابن مسعود ".(3/46)
قلت: فيؤخذ عليه أمور:
أولا: أنه ليس في رواية ابن عدي أحمد بن عبيد، وإنما هو في رواية البيهقي في
" الشعب " كما رأيت، والسيوطي، إنما عزاه إليه فقط، فقد فاتته هذه المتابعة
القوية من هشام بن عمار عند ابن عدي.
ثانيا: أن الجراح بن مليح في الحديث هو البهراني الحمصي وليس هو الذي قال فيه
الدارقطني ما نقله المناوي عنه وإنما ذاك الجراح بن مليح الرؤاسي والد وكيع.
وقد قال الذهبي في الأول: هو أمثل من والد وكيع.
ثالثا: لا مخالفة من الذهبي في تقويته لإسناد الحديث بل ذلك هو الصواب لأنه
ليس في رجاله من ينظر فيه غير الجراح، وقد عرفت قول ابن عدي فيه، ولذا قال
الحافظ فيه في " التقريب ": " صدوق ". ولذلك قوى إسناده في " الفتح " كما
سبق. وأبو رافع هو نفيع بن رافع الصائغ المدني ثقة من رجال الشيخين.
وهشام بن عمار فيه كلام وإن كان من شيوخ البخاري، لكنه قد توبع كما عرفت.
2 - وأما حديث أنس، فأخرجه الحاكم (4 / 607) عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان
ابن سعد عنه. سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال
الشيخين غير سنان بن سعد ويقال: سعد بن سنان وهو صدوق كما في " التقريب ".
3 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان:
الأولى: عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عنه. أخرجه البزار (18 -
زوائده) والعقيلي في " الضعفاء " (268) وابن عدي في " الكامل " (236 / 2
) وقال العقيلي: " عبيد الله، قال البخاري: منكر الحديث. وفي هذا رواية
من غير هذا الوجه بغير هذا اللفظ، فيها لين أيضا ".
قلت: لعله يشير إلى الطريق الأولى، وقال الحافظ في عبيد الله هذا: " متروك
الحديث ".(3/47)
والأخرى: عن إسماعيل بن يزيد: حدثنا هشام بن عبيد الله: حدثنا حكيم بن نافع
: حدثني عطاء الخراساني عنه. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 209)
في ترجمة إسماعيل هذا، واسم جده حريث بن مردانبة القطان، وقال: " اختلط
عليه بعض حديثه في آخر أيامه ". وعطاء الخراساني هو ابن أبي مسلم صدوق يهم
كثيرا ويرسل ويدلس. ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن أبي هريرة كما
في " الفتح ".
4 - وأما حديث ابن مسعود، فيأتي الكلام عليه في الحديث الآتي.
5 - وأما حديث مجاهد، فرواه ابن وهب في " الجامع " (ص 76) عن ابن زحر عن
سليمان بن مهران عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد:
" والخيانة " وهو مع إرساله ضعيف من أجل ابن زحر واسمه عبيد الله فإنه واه 6
- وأما حديث الحسن، فقد رواه ابن المبارك في " البر والصلة " عن عوف عنه قال
: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. (1) وهذا إسناد صحيح
ولكنه مرسل أيضا إلا أنه إذا ضم إليه ما قبله من الموصول أخذ به قوة ودل مجموع
ذلك على أن للحديث أصلا، كما قال الحافظ، لاسيما وبعضه حسن لذاته كالحديث
الأول والثاني ومثلهما حديث ابن مسعود الآتي. فالحديث صحيح قطعا،
وقد علقه البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم.
1058 - " من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار ".
أخرجه ابن حبان (1107) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 153) و " المعجم
الكبير " (3 / 69 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 188) من طرق عن أبي
خليفة الفضل بن الحباب حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا أبي عن عاصم عن زر
ابن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، على ما بينته في " الروض النضير " (641) ، و " إرواء
الغليل " (1307) .
_________
(1) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي داود في " مراسيله "
بزيادة " والخيانة ". اهـ.(3/48)
والجملة الأولى لها أكثر من شاهد واحد مخرجه في " الإرواء
". والجملة الأخرى لها شواهد أيضا كما سبق آنفا، فالحديث بمجموع ذلك صحيح.
والحمد لله على توفيقه.
1059 - " ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، فذلك قول الملائكة
: * (وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون
) * ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (44 / 1) عن أبي معاذ الفضل بن خالد النحوي قال
: حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يحدث عن مسروق بن
الأجدع عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات غير الفضل هذا، فقد ترجمه ابن
أبي حاتم (3 / 2 / 61) من رواية ثقتين عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
ثم روى من طريق مسلم بن صبيح عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه قال: فذكره موقوفا عليه باختصار وهو في حكم المرفوع وإسناده صحيح.
1060 - " هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء. قال: إني لأسمع أطيط السماء،
وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (43 / 2) عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام
رضي الله عنه قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله
عنهم إذ قال لهم ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.(3/49)
ثم أخرج له شاهدا من حديث عائشة
مرفوعا نحوه، وثانيا عن ابن مسعود موقوفا، وقد خرجتهما آنفا، وثالثا من
حديث أبي ذر، وفي متنه زيادة، وقد خرجته في " المشكاة " (5347) .
1061 - " كان إذا صلى همس، فقال: أفطنتم لذلك؟ إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي
جنودا من قومه، فقال: من يكافئ هؤلاء أو من يقاتل هؤلاء؟ أو كلمة شبهها،
فأوحى الله إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث: أن أسلط عليهم عدوهم أو الجوع أو
الموت، فاستشار قومه في ذلك؟ فقالوا: نكل ذلك إليك أنت نبي الله، فقام فصلى
وكانوا إذا فزعوا، فزعوا إلى الصلاة، فقال: يا رب أما الجوع أو العدو، فلا
ولكن الموت، فسلط عليهم الموت ثلاثة أيام، فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي
الذي ترون أني أقول: اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بك ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (35 / 2) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا أبو
أسامة حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
صهيب قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الإمام أحمد (4 / 333، 6 /
16) من طريقين آخرين عن سليمان بن المغيرة به، ومن طريق حماد بن سلمة:
حدثنا ثابت به نحوه وفيه أن الصلاة هي صلاة الفجر وأن الهمس كان بعدها وفي
أيام حنين. وروى منه الدارمي (2 / 217) قوله: اللهم بك أحاول وبك أصاول
وبك أقاتل ". وسندهما صحيح على شرط مسلم.
1062 - " إذا قام أحدكم ـ أو قال الرجل ـ في صلاته يقبل(3/50)
الله عليه بوجهه، فلا يبزقن
أحدكم في قبلته ولا يبزقن عن يمينه، فإن كاتب الحسنات عن يمينه ولكن ليبزقن
عن يساره ".
أخرج ابن نصر في " الصلاة " (24 / 1) : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحجاج عن
حماد عن حماد عن ربعي بن خراش أن شيث بن ربعي بزق في قبلته، فقال حذيفة:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وحماد الأول هو ابن زيد،
وحماد الراوي عنه هو ابن أسامة أبو أسامة الكوفي.
1063 - " إذا خرج المسلم إلى المسجد كتب الله له بكل خطوة خطاها حسنة ومحى عنه بها
سيئة حتى يأتي مقامه ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (19 / 2) من طريق موسى بن يعقوب قال: حدثني
عباد بن أبي صالح السمان مولى جويرية بنت الأخفش الغطفاني أنه سمع أباه يقول:
سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجل مسلم غير موسى بن يعقوب - وهو الزمعي -
صدوق فيه ضعف. وعباد اسمه عبد الله. ثم أخرجه من طريق الأعمش عن أبي صالح به
نحوه. ومن طريق إبراهيم بن أبي أسيد عن جده عن أبي هريرة نحوه، وزاد:
" حتى إذا انتهى إلى المسجد كانت صلاته نافلة ".
1064 - " لا تديموا النظر إلى المجذومين ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 138) وابن ماجه (2 / 364)
وأحمد (1 / 233) وابن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 156 / 1) وابن معين في
" حديثه " (9 / 2) والحربي في " الغريب " (5 / 82 / 1) عن(3/51)
عبد الله بن
سعيد بن أبي هند عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين
عن ابن عباس مرفوعا به. (انظر الاستدراك رقم 51 / 22) . وهذا إسناد حسن
إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات غير محمد بن عبد الله هذا، وثقه النسائي،
وقال مرة: " ليس بالقوي ". وقال البخاري: " لا يكاد يتابع في حديثه ".
وقال الحافظ: في " التقريب " إنه " صدوق " وهذا لا يتفق مع قوله في " الفتح
" (10 / 130) : " أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف ". وقد تابعه ابن أبي الزناد
عن محمد بن عبد الله به. أخرجه ابن ماجه والطيالسي (رقم 1601) ولوين في "
أحاديثه " (26 / 1) وابن وهب في " الجامع " (ص 106) وأبو القاسم الهمداني
في " الفوائد " (1 / 199 / 1) والضياء في " المختارة " (67 / 103 / 2) .
وأورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 101) وقال: " رواه الطبراني وفيه ابن
لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". وكأنه ذهل عن كونه في " سنن ابن ماجه
" ولعله عند الطبراني من طريق أخرى فلذلك أورده. والله أعلم. ثم تأكدت من
ذلك كما يأتي. وله شاهد أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند "
(1 / 78) وأبو يعلى في " مسنده " (317 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(19 / 247 / 1) عن الفرج بن فضالة عن عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو
ابن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين عن حسين عن أبيه علي بن أبي طالب به. (1)
وهذا سند ضعيف، الفرج بن فضالة وشيخه عبد الله - وهو الأسلمي - ضعيفان كما
في " التقريب " وفي " المجمع ": " رواه عبد الله بن أحمد، وفيه الفرج بن
فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط
من الإسناد أحد ".
_________
(1) وزاد " وإذا كلمتموهم، فليكن بينكم وبينهم قيد رمح ". ولهذه الزيادة
شاهد ولكنه أشد ضعفا منها، فراجع الكتاب الآخر (1960) . اهـ.(3/52)
وخالفه في إسناده حسين بن علي بن حسين فقال: حدثتني فاطمة
بنت الحسين عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم به. علقه البخاري في
" التاريخ الصغير " (ص 170) فقال: " وقال ابن المبارك: عن حسين.... "
ووصله الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 140 / 2) من طريق يحيى الحماني
قال: حدثنا ابن المبارك به. والحماني ضعيف لسوء حفظه، فأصح الطرق هي الطريق
الأولى من رواية محمد بن عبد الله بسنده عن ابن عباس، ولذلك قال الضياء
المقدسي: " وهي أولى ".
قلت: ويرجحه رواية ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به. أخرجه
الطبراني في " الكبير " (3 / 113 / 1) . ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه
ضعيف لسوء حفظه، فحديثه حسن في الشواهد والمتابعات. وللحديث شاهد من حديث
معاذ بن جبل مرفوعا به رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه عن شيخه
الوليد بن حماد الرملي. قال الهيثمي: " ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح. والله أعلم.
1065 - " من ردته الطيرة، فقد قارف الشرك ".
رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 110) قال:
1 - حدثني ابن لهيعة عن عياش بن عباس عن أبي الحصين عن فضالة بن عبيد
الأنصاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: فذكره.
2 - وأخبر به الليث بن سعد بن عياش بن عباس عن عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل
ابن حسنة عن أبي خراش الحميري عن فضالة بن عبيد.(3/53)
3 - وأخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي عبد الرحمن المعافري عن
عبد الله بن عمرو بن العاص بنحو ذلك.
قلت: فهذه أسانيد ثلاثة فالأول منها والثالث صحيح، رجالهما كلهم ثقات.
وأبو الحصين اسمه الهيثم بن شفي المصري. وظاهرها الوقف ولكن الثالث قد
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (287) من طريق ابن وهب به مرفوعا
وزاد: " قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: يقول أحدهم: " اللهم
لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ". وكذلك أخرجه أحمد (2 /
220) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة به. قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 105) :
" رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله
ثقات ".
قلت: الضعف الذي في حديث ابن لهيعة إنما هو في غير رواية العبادلة عنه وإلا
فحديثهم عنه صحيح كما حققه أهل العلم في ترجمته، ومنهم عبد الله ابن وهب وقد
رواه عنه كما رأيت وذلك من فوائد هذا الكتاب، والحمد لله الذي به تتم
الصالحات.
قلت: فينبغي أنه ينبه على ذلك في التعليق على " فتح المجيد " حيث عزا الحديث
لأحمد، ثم أعله بابن لهيعة، فأوهم ضعف الحديث! وأما الإسناد الثاني فضعيف
لأن عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل وأبا خراش الحميري ترجمهما ابن أبي حاتم
(2 / 1 / 301) و (4 / 2 / 367) ولم يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا.
وللحديث شاهد من حديث رويفع بن ثابت مرفوعا. قال الهيثمي في " المجمع "
(5 / 105) : " رواه البزار وفيه سعيد بن أسد بن موسى روى عنه أبو زرعة
الرازي ولم يضعفه أحد وشيخه البزار إبراهيم غير منسوب وبقية رجاله ثقات ".(3/54)
قلت: أبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة كما في " اللسان " (2 / 416) وحديث رويفع
أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 282) من رواية إدريس بن يحيى عن عبد
الله بن عياش القتباني عن أبيه عن شييم بن بيتان عن شيبان بن أمية عن رويفع بن
ثابت به. وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر ".
قلت: وشيبان هذا مجهول كما في " التقريب "، فلعل البزار رواه من غير طريقه.
والله أعلم. ثم وقفت على إسناد البزار في " زوائده " للحافظ الهيثمي ثم ابن
حجر، فقال البزار (ص 167 - 168) : حدثنا إبراهيم - هو ابن الجنيد - حدثنا
سعيد بن أسد بن موسى حدثنا إدريس بن يحيى الخولاني حدثنا عبد الله بن عياش - هو
ابن عباس القتباني - عن أبيه عن شييم بن (قتبان عن شيبان بن) أمية عن رويفع
ابن ثابت به. وقال البزار: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا رويفع ولا يروى
إلا بهذا اللفظ ". قال الهيثمي عقبه أو ابن حجر: " قلت: هو إسناد حسن "!
كذا قال وفيه جهالة شيبان كما علمت وقد سقط اسمه من الناسخ كما سقط غيره مما
وضعناه بين المعكوفتين. وإبراهيم بن الجنيد الظاهر أنه الختلي البغدادي الثقة
. أنظر " لسان الميزان " لابن حجر.
1066 - " أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ".
أخرجه ابن وهب في " الجامع " (119) وعنه مسلم في " صحيحه " (7 / 19)
وكذا أبو داود (3886) عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن
عوف بن مالك الأشجعي قال:(3/55)
" كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله
كيف ترى في ذلك؟ فقال: " فذكره. وتابعه عبد الله بن صالح حدثني معاوية به.
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 56) .
1067 - " تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 706) وابن عدي في الكامل " (64 / 1) والدارقطني
(416) والحاكم (2 / 163) والخطيب (1 / 264) من طريق الحارث بن عمران
الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه الحاكم من طريق
عكرمة بن إبراهيم عن هشام بن عروة به مثله. وقال: " صحيح الإسناد ".
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت الحارث متهم وعكرمة ضعفوه ".
قلت: ومن طريق الأول ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 403 و 404) وقال
: " قال أبي: الحديث ليس له أصل وقد رواه مندل أيضا، ثم قال: قال أبي:
الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر ".
قلت: وذكره الخطيب من طرق أخرى عن هشام به ثم قال: " وكل طرقه واهية. قال
: ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه وسلم مرسلا وهو أشبه بالصواب ".
وقال الحافظ في التلخيص (3 / 146) : " ومداره على أناس ضعفاء رووه عن هشام
أمثلهم: صالح بن موسى الطلحي والحارث بن عمران الجعفري وهو حسن ".
وقال في " الفتح " (9 / 102) : " وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي
إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر ".
وروي الحديث بزيادة فيه منكرة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (5041) .(3/56)
ثم رأيت له متابعا آخر أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 120 / 2) من
طرق عن أبي بكر أحمد بن القاسم أنبأنا أبو زرعة أخبرنا أبو النضر أخبرنا الحكم
ابن هشام حدثني هشام بن عروة به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير أحمد بن
القاسم وهو التميمي ترجمه ابن عساكر (2 / 42 / 2) وروى عن عبد العزيز
الكناني أنه قال فيه: " كان ثقة مأمونا ". وفي الحكم بن هشام وأبي النضر
واسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي كلام لا يضر، وقد قال الحافظ في كل
منهما: " صدوق " زاد في الثاني " ضعف بلا مستند ". فالحديث بمجموع هذه
المتابعات والطرق وحديث عمر رضي الله عنه صحيح بلا ريب.
ولكن يجب أن نعلم أن الكفاءة إنما هي في الدين والخلق فقط.
1068 - " موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ".
رواه عباس الترقفي في " حديثه " (41 / 2) أخبرنا أبو عبد الرحمن (يعني عبد
الله بن يزيد المقري) حدثنا سعيد (يعني ابن أبي أيوب) أخبرنا محمد بن عبد
الرحمن أبو الأسود عن مجاهد عن أبي هريرة أنه كان في الرباط، ففزعوا،
فخرجوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقف، فمر به
إنسان، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره. ومن طريق الترقفي رواه ابن حبان (1583) والحافظ ابن
عساكر في " أربعين الجهاد " (الحديث 18) .
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون، نعم قد قيل:(3/57)
إن مجاهد لم
يسمع من أبي هريرة، هكذا حكاه في " التهذيب " بصيغة التمريض: " قيل " وهذا
هو الصواب، فقد وجدت تصريح مجاهد بسماعه من أبي هريرة في " سنن البيهقي " (7
/ 270) بسند صحيح عنه. وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 408
/ 3507) في ترجمة يونس بن غياث عن أبي هريرة هكذا ذكره بدون إسناد، ثم قال:
ورواه أصبغ عن ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عبد الرحمن
عن يونس بن يحيى ".
1069 - " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ".
أخرجه الطيالسي (رقم 2460) وأحمد (2 / 468 و 538) من طريق شعبة عن قتادة
قال: سمعت هلالا المزني أو المازني يحدث عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا
إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير هلال هذا وهو ابن يزيد أبو مصعب البصري
روى عنه أيضا سعيد الجريري ويحيى بن يعمر. وذكره ابن حبان في الثقات وقال:
" روى عنه أهل البصرة " كما في التعجيل. وللحديث طرق أخرى تقدم ذكر بعضها
برقم (859) . وله شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ. أخرجه البخاري (10 / 117
) وابن ماجه (2 / 342 - 343) عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن
أبجر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق،
فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم
أقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب، وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضي
الله عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكرته.
1070 - " إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث
والخبائث ".
أخرجه أبو داود (1 / 3) وابن ماجة (1 / 127) وابن حبان(3/58)
(126) والبيهقي
(1 / 96) والطيالسي (رقم 679) وأحمد (4 / 369 - 373) من طريق شعبة عن
قتادة سمع النضر بن أنس عن زيد بن أرقم مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرط
الشيخين وإن أعله بعضهم كما يأتي. ولقتادة فيه إسناد آخر رواه سعيد بن أبي
عروبة عنه عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم به. أخرجه ابن ماجة وابن
حبان (126) والبيهقي وأحمد. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أشار إليه الترمذي (1 / 11) وأعله بقوله: " في إسناده اضطراب "،
روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة، فقال سعيد: عن القاسم بن
عوف الشيباني عن زيد بن أرقم، وقال هشام الدستوائي عن قتادة عن زيد بن أرقم،
ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس فقال شعبة: عن زيد بن أرقم وقال
معمر عن النضر بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي:
سألت محمدا (يعني البخاري) عن هذا فقال: يحتمل أن يكون قتادة، روى عنهما
جميعا ".
قلت: وهذا الذي ذكره البخاري رحمه الله هو الذي نجزم به مطمئنين أن قتادة
رواه عن النضر بن أنس وعن القاسم بن عوف الشيباني كلاهما عن زيد بن أرقم وذلك
لأن قتادة ثقة حافظ ثبت، فمثله جائز أن يكون له في الحديث إسنادان فأكثر،
فإذا كان الأمر كذلك فلا نرى إعلال الحديث بأمر جائز الوقوع بل هو واقع في كثير
من الأحاديث كما يشهد بذلك من له ممارسة بهذا الشأن. على أننا لا نسلم الحكم
على الحديث بالاضطراب لمجرد الاختلاف المذكور لأن شرط المضطرب من الحديث أن
تستوي الروايات بحيث لا يترجح بعضها على بعض، بوجه من وجوه الترجيح، كحفظ
راويها أو ضبطه أو كثرة صحبته، أو غير ذلك من الوجوه. فإذا ترجح لدينا إحدى
الروايات على الأخرى فالحكم لها ولا يطلق عليه حينئذ وصف الإضطراب أو على
الأقل ليس له حكمه كما ذكر ابن الصلاح في المقدمة، والترجيح - إذا كان لابد
منه - في هذا الحديث واضح، وذلك أن سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي أثبت
الناس في قتادة(3/59)
كما قال ابن أبي خيثمة وغيره، ثم رواية الأول مقدمة هنا على
رواية هشام لما فيها من الزيادة في الإسناد، والزيادة من الثقة واجب قبولها.
على أن أبا داود الطيالسي، قال في سعيد: كان أحفظ أصحاب قتادة. وقد صرح
الإمام أحمد في رواية معمر التي ذكرها الترمذي أنها وهم كما في " سنن البيهقي "
. وقتادة بصري وفيما حدث معمر - وهو ابن راشد - بالبصرة شيء من الضعف كما
ذكر الحافظ في " التقريب ". فلم يبق ما يستحق المعارضة إلا رواية شعبة. وهو
ثقة حافظ متقن ولذلك يترجح عندي ثبوت روايته مع رواية سعيد وإلا فرواية سعيد
مقدمة عليه لما ذكرنا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم رأيت الحاكم أخرج الحديث في " المستدرك " (1 / 187) من الوجهين عن شعبة
وعن سعيد، ثم قال: كلا الإسنادين من شرط الصحيح، ووافقه الذهبي. وقد
رواه بعض الضعفاء عن قتادة على وجه آخر بلفظ آخر فانظره في " الضعيفة " (5042
) .
1071 - " كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ".
أخرجه أبو داود (1 / 3 - 4) وعنه البيهقي (1 / 96) عن وكيع عن الأعمش عن
رجل عن ابن عمر مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل. ثم أخرجه أبو
داود وكذا الترمذي (1 / 21) والدارمي (1 / 171) من طريقين عن عبد السلام
ابن حرب الملائي عن الأعمش عن أنس بن مالك به. وكذلك أخرجه البيهقي. وقال
أبو داود عقبه: " وهو ضعيف ". وقد أفصح الترمذي عن علته فقال: " وكلا
الحديثين مركب، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي، فذكر عنه
حكاية في الصلاة ". قال المنذري: " وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن الأعمش رأى
أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور ".(3/60)
وقد جاء الحديث موصولا عند البيهقي من طريق أبي بكر الإسماعيلي: حدثنا عبد
الله بن محمد بن مسلم - من أصل كتابه -: حدثنا أحمد بن أبي رجاء المصيصي - شيخ
جليل -: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ:
(كان إذا أراد الحاجة تنحى ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض) والمصيصي هذا
هو ابن عبيد الله بن أبي رجاء، قال النسائي: " لا بأس به ". وقال مرة:
" ثقة "، وذكره ابن حبان في الثقات ". وأما عبد الله بن محمد بن مسلم فهو
أبو بكر الإسفرائيني الحافظ الحجة له ترجمة في " تذكرة الحفاظ " مات سنة (318
) . وأبو بكر الإسماعيلي هو صاحب المستخرج على " الصحيح " وهو أشهر من أن
يذكر، واسمه أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عباس بن مرداس، له ترجمة أيضا في
" التذكرة " (3 / 149 - 151) وفي " الأنساب " للسمعاني، فقد صح الحديث
موصولا بإسناد صحيح، فإن القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر الصديق وهو ثقة حجة.
وهذه فائدة عزيزة. ولابن عمر حديث آخر، وهو: " كان يذهب لحاجته إلى
المغمس. قال نافع: " المغمس " ميلين أو ثلاثة من مكة ".
1072 - " كان يذهب لحاجته إلى المغمس. قال نافع: " المغمس " ميلين أو ثلاثة من مكة ".
صحيح. رواه السراج في " الثاني " من " الأول " من " مسنده " (20 / 2) :
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر عن عمرو بن
دينار عن ابن عمر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأورده عبد الحق الإشبيلي في " كتاب
التهجد " (3 / 1) وقال: " وهو حديث صحيح ذكره أبو جعفر الطبري ": وسكت
عليه في " الأحكام الكبرى " (رقم 159) ورواه ابن السكن أيضا في " سننه "(3/61)
كما
في " معجم البلدان "، وذكر أن (المغمس) على ثلثي فرسخ من مكة وأنه مكان
مستور إما بهضاب وإما بعضاه.
1073 - " تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من
سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب
الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارا ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 88 / 2 - زوائد المعجمين) : حدثنا إبراهيم
حدثنا عبد الرحمن بن سلام حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن هشام بن حسان عن
محمد بن سيرين عن عثمان بن أبي العاص الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره وقال: " لم يروه عن هشام إلا داود، تفرد به عبد الرحمن ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين وإبراهيم شيخ
الطبراني هو ابن هاشم أبو إسحاق البيع البغوي وهو ثقة. فالإسناد صحيح.
(تنبيه) عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " (1 / 408 / 2)
وتبعه في " الفتح الكبير " (2 / 33) للطبراني في " المعجم الكبير " وهو خطأ
وصوابه " المعجم الأوسط " كما سبق، وعلى الصواب عزاه الحافظ الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (3 / 88) تبعا للمنذري في " الترغيب " (1 / 279) . إلى أن
الهيثمي وقع منه خطأ أفحش، فقد أورد الحديث بثلاث روايات هذا أحدها عزا الأولى
لأحمد وكبير الطبراني، وهذه لـ " المعجم الأوسط " والأخرى لـ " الكبير ".
ثم قال: " ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق
ولهذا الحديث طرق تأتي فيما يناسبها إن شاء الله ".
قلت: ووجه الخطأ ظاهر وهو ظنه أن ابن زيد هذا في إسناد " الأوسط " أيضا
وليس كذلك كما يتبين بأدنى تأمل في إسناده السابق الذكر. وقد وقع المناوي
أيضا فيما يشبه هذا الخطأ، فقد نقل كلام الهيثمي المذكور تحت هذا الحديث الذي
عزاه السيوطي لكبير الطبراني سهوا وأقره عليه، فهو خطأ على خطأ، والمعصوم
من عصمه الله.(3/62)
وأما الروايتان الأخريان، ففيهما حقا ابن زيد وهو ابن جدعان
وهو ضعيف ولذلك أوردتهما في الكتاب الآخر (1962 / 1963) .
1074 - " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما في الجنة، يقاتل هذا في سبيل
الله عز وجل فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله
عز وجل فيستشهد ".
أخرجه مالك (2 / 17) وعنه البخاري (3 / 210) والنسائي (2 / 63)
والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 467) ثلاثتهم عن مالك ومسلم
(6 / 40) واللفظ له وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 152) من حديث الأعمش عن
أبي هريرة مرفوعا. وله عند مسلم والبيهقي طريق أخرى عنه، وستأتي بإذن
الله بلفظ " إن الله يضحك " رقم (2525) .
1075 - " يكون من بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش ".
أخرجه الترمذي (2 / 35) وأحمد (5 / 90 و 92 و 95 و 99 و 108) من طريق سماك
ابن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: فذكره مرفوعا. وقال: " حديث حسن
صحيح ". وقد تابعه عبد الملك بن عمير سمعت جابر بن سمرة به. أخرجه البخاري
(13 / 179) وأحمد (5 / 93) من طريق شعبة عنه. وله طريق أخرى بلفظ: "
يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا:
ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج ". أخرجه أبو داود (2 / 207) وأحمد (5
/ 92) عن زهير حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن
سمرة. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير الأسود هذا وهو صدوق كما في
" التقريب " و " الخلاصة ".
1076 - " إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من(3/63)
نوره، فمن أصابه من ذلك النور
اهتدى به ومن أخطأه ضل ".
أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 175) قال: أخبرنا الفريابي قال: حدثنا عبد
الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي
قال: حدثنا ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله ابن عمرو بن
العاص قال: فذكره مرفوعا وزاد في آخره: " قال عبد الله بن عمرو: فلذلك
أقول: جف القلم بما هو كائن ". وتابعه ابن المبارك عن الأوزاعي به.
أخرجه ابن حبان (1812) . وتابعه عنده معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد به.
وتابعه أيضا أبو إسحاق الفزاري. أخرجه الحاكم (1 / 30) وقال: " صحيح "
ووافقه الذهبي.
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وله عند الآجري والترمذي (2 / 107)
وأحمد (2 / 176 و 197) طرق أخرى عن ابن الديلمي.
1077 - " إن الله خلق آدم على صورته وطوله ستون ذراعا ".
أخرجه أحمد (2 / 323) : حدثنا أبو عامر حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي
الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف
من أجل موسى بن أبي عثمان وأبيه، فإنهما في عداد المجهولين وفي " التقريب "
أنهما مقبولان يعني إذا توبعا وهذا الحديث مما لم ينفردا به، فقد رواه همام
ابن منبه عن أبي هريرة بلفظ أتم منه مضى برقم (450) . ورواه أسامة بن زيد عن
سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا بالشطر الأول فقط.(3/64)
أخرجه عبد الله بن الإمام
أحمد في " كتاب السنة " (ص 186) وسنده حسن والحديث بطرقه صحيح.
1078 - " إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن
يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان ".
أخرجه الحاكم (4 / 558 - 559) من طريق محمد بن هشام بن ملاس النمري حدثنا
مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم حدثنا يزيد بن
الأصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال
: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي وزاد: " على شرط مسلم "!
قلت: أصاب الحاكم وأخطأ الذهبي، فإن الفزاري من رجال مسلم لا من شيوخه وابن
ملاس لم يخرج له مسلم أصلا وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 4 / 116) ،
فليس على شرط مسلم إذن.
وحسنه في الفتح (11 / 368) وبيانه أن الحاكم رحمه الله جرى في كتابه "
المستدرك على الصحيحين " على تصحيح السند على شرط الشيخين أو أحدهما اعتبار من
شيخهما أو أحدهما، بمعنى أن رجال الحاكم إلى الشيخ يكونون ثقات وسنده إليه
عنده على الأقل يكون صحيحا ولكن ليس على شرطيهما لأنهم دونهما في الطبقة بداهة
، فإذا أردنا أن نجاري الحاكم على هذا الاصطلاح فلابد من أن ينتهى سند الحديث
إلى شيخ البخاري ومسلم أو أحدهما ليصح القول بأنه على شرطهما، فإذا كان السند
الذي هو على شرط مسلم مثلا كما هنا انتهى إلى راو من رواة مسلم هو شيخ الراوي
الذي هو من طبقة شيوخ مسلم وليس شيخه فعلا كما هو الحال في ابن ملاس هذا، ففي
هذه الحالة لا يصح أن يقال بأنه على شرط مسلم.
ولعله مما يزيد الأمر وضوحا أنه إذا فرضنا أن إسنادا للحاكم انتهى إلى سعيد بن
المسيب عن أبي هريرة ومعلوم أن سعيدا وأبا هريرة من رجالهما ولكن إسناد
الحاكم إلى سعيد ليس على شرط الشيخين أي لم يخرجا لرجاله في صحيحيهما(3/65)
ففي هذه
الحالة يقال: " إسناده صحيح " ولا يزاد عليه فيقال " على شرطهما " حتى يكون
آخر الرجال في السند من شيوخهما. ولعلك تنبهت مما سبق أنه لابد لطالب هذا
العلم من ملاحظة كون السند من الحاكم إلى شيخ الشيخين في نفسه صحيحا أيضا، فقد
لاحظنا في كثير من الأحيان تخلف هذا الشرط، والطالب المبتدئ في هذا العلم لا
يخطر في باله في مثل هذه الحالة الكشف عن ترجمة شيخ الحاكم مثلا أو الذي فوقه
ولو فعل لوجد أنه ممن لا يحتج به وحينئذ فلا فائدة في قول الحاكم في إسناد
الحديث أنه صحيح على شرط الشيخين وهو كذلك إذا وقفنا بنظرنا عند شيخ صاحبي
" الصحيحين " فصاعدا ولم نتعد به إلى من دونهم من شيخ الحاكم فمن فوقه. وهذه
مسألة هامة لا تجدها مبسوطة - في علمي - في شيء من كتب المصطلح المعروفة،
فخذها بقوة واحفظها لتكون على بينة فيها وتتفهم شيئا من دقائق هذا العلم الذي
قل أهله. والله ولي التوفيق.
وللحديث شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم
القرن وحنى ظهره ينظر تجاه العرش كأن عينيه كوكبان دريان لم يطرف قط مخافة أن
يؤمر قبل ذلك ". أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " وغيره.
وروي عن جمع آخر من الصحابة بزيادة فيه نحوه وهو الآتي بعده.
(انظر الاستدراك رقم 66 / 19) .
1079 - " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر
أن ينفخ، فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا:
حسبنا الله ونعم الوكيل توكلنا على الله ربنا، - وربما قال سفيان: على الله
توكلنا - ".
روي من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس وزيد بن أرقم وأنس بن مالك وجابر
ابن عبد الله والبراء بن عازب.(3/66)
1 - أما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه عطية العوفي عنه به. أخرجه ابن المبارك
في " الزهد " (1597) والترمذي (1 / 70 / 316) وابن ماجة (4273) وأحمد
(3 / 7 و 73) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 105 و 7 / 130 و 312) من طرق
عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: يعني أنه حسن لغيره وذلك لأن عطية العوفي ضعيف، فرواه جماعة عنه هكذا
ورواه آخرون على وجهين آخرين كما يأتي. وتابعه أبو صالح عن أبي سعيد به.
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (71 / 1) وابن حبان (2569) والحاكم (4 /
559) من طريقين عن الأعمش عن أبي صالح به، وقال الحاكم: " ولولا أن أبا
يحيى التيمي على الطريق لحكمت للحديث بالصحة على شرط الشيخين ".
قلت: قد تابعه جرير عن الأعمش عند أبي يعلى وابن حبان، فالسند صحيح على
شرطهما.
2 - وأما حديث ابن عباس فيرويه مطرف عن عطية عنه به. أخرجه أحمد (1 / 326)
والحاكم عن مطرف عن عطية.
3 - وأما حديث زيد بن أرقم فيرويه خالد بن طهمان عن عطية به. أخرجه أحمد (4
/ 374) وابن عدي (ق 116 / 1) .
قلت: وعطية قد عرفت أنه ضعيف ومن ضعفه أنه اضطرب في إسناده، فرواه على هذه
الوجوه الثلاثة، والأول هو الأكثر عنه وكل الرواة عن عطية ذكروه بلفظ " صاحب
القرن " سوى حجاج عند ابن ماجه وحده فرواه بلفظ: " إن صاحبي الصور بأيديهما
قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران ". وحجاج مدلس وقد عنعنه. ونحوه حديث أبي
مرية في الحديث الآتي بعده.
4 - وأما حديث أنس فيرويه أحمد بن منصور بن حبيب أبو بكر المروزي الخصيب:
حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عنه به دون قوله " قال المسلمون.. ".(3/67)
أخرجه
الخطيب في " تاريخ بغداد " (5 / 153) والضياء في " المختارة " (ق 207 / 1)
. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الخصيب هذا ترجمه الخطيب
وساق له هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
5 - وأما حديث جابر فرواه مطلب بن شعيب الأزدي حدثنا محمد بن عبد العزيز
الرملي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به. أخرجه
أبو نعيم في " الحلية " (3 / 189) حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا مطلب (1) بن
شعيب الأزدي ... وقال: " حديث غريب من حديث الثوري عن جعفر تفرد به الرملي عن
الفريابي ".
قلت: الرملي هذا من شيوخ البخاري ولكنه قد ضعف، وقال الحافظ ابن حجر:
" صدوق يهم، وكانت له معرفة ". ومطلب بن شعيب الأزدي ثقة كما قال ابن يونس
، فالسند حسن وهو بما قبله صحيح. والله أعلم.
6 - وأما حديث البراء فيرويه عبد الأعلى بن أبي المساور عن عدي بن ثابت عنه
مرفوعا بلفظ: " صاحب الصور واضع الصور على فيه منذ خلق ينتظر حتى يؤمر أن ينفخ
فيه، فينفخ ". أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 39) .
قلت: وعبد الأعلى هذا ضعيف جدا، قال الحافظ: " متروك، وكذبه ابن معين ".
1080 - " الصور قرن ينفخ فيه ".
أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (ق 118 / 1 - الكواكب) وعنه
_________
(1) الأصل " مطر " وهو تصحيف. اهـ.(3/68)
الترمذي (2 /
69) وهو أيضا (2 / 217) وأبو داود (4742) والدارمي (2 / 325) وابن
حبان (2570) وابن أبي الدنيا في " الأهوال " (ق 3 / 2) والحاكم (2 / 436
، 506، 4 / 560) وأحمد (2 / 162 و 192) والثعلبي في " تفسيره " (25 / 2
) من طريق سليمان التيمي عن أسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور
؟ قال: " فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث سليمان
التيمي ".
قلت: هو ثقة عابد من رجال الشيخين ومن فوقه ثقات، ولذلك قال الحاكم:
" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقال الإمام أحمد (2 / 192) : حدثنا
يحيى بن سعيد عن التيمي عن أسلم عن أبي مرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو
عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " النفاخان في السماء
الثانية، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب أو قال: رأس أحدهما بالمغرب
ورجلاه بالمشرق ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور فينفخان ". قال الهيثمي
في " المجمع " (10 / 330) : " رواه أحمد على الشك، فإن كان عن أبي مرية،
فهو مرسل ورجاله ثقات وإن كان عن عبد الله بن عمرو فهو متصل مسند، ورجاله
ثقات ". كذا قال: وأبو مرية هذا لا يعرف، أورده الحافظ في " التعجيل "
برواية أحمد هذه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولعل ابن حبان قد ذكره في
" الثقات " فليراجع، فإن يدي لا تطوله الآن.
1081 - " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين(3/69)
فليقرأ * (إذا الشمس كورت) *
و* (إذا السماء انشقت) * و * (إذا السماء انفطرت) * ".
رواه الترمذي (2 / 235) وابن نصر في " القيام " (58) والحاكم (4 / 576)
وعبد الغني المقدسي في " ذكر النار " (222 / 1) من طريق الطبراني من طريقين
عن عبد الرزاق ثم من طريق أحمد وهذا في " المسند " (2 / 27 و 36 و 100) عنه
وكذا ابن أبي الدنيا في " الأهوال " (ق 2 / 1) عنه حدثنا عبد الله بن بحير
الصنعاني قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال: سمعت ابن عمر يقول
: فذكره مرفوعا. ثم قال الترمذي والمقدسي: " هذا حديث حسن غريب ". وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، رجاله ثقات
وعبد الرحمن بن يزيد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة وكان فاضلا.
1082 - " حوضي ما بين عدن إلى عمان ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل وأكثر
الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون
المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد، الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون
الذي لهم ".
رواه الطبراني (1 / 147 / 1 - 2) حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال: حدثنا أبو
مسهر عبد الأعلى بن مسهر حدثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن أبي سلام الأسود
عن ثوبان مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. وله عنده طريق أخرى أخرجه
(148 / 1) عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ثوبان به.
ورجاله ثقات كلهم رجال البخاري غير حفص بن عمر بن الصباح الرقي شيخ الطبراني
فذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أخطأ ". والحديث أخرجه أحمد
والترمذي وابن ماجة والحاكم من طريق أخرى عن أبي سلام الأسود عن ثوبان
مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. وله عنده طريق أخرى أخرجه (
148 / 1) عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ثوبان به.
ورجاله ثقات كلهم رجال البخاري غير حفص بن عمر بن الصباح الرقي شيخ الطبراني
فذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أخطأ ".(3/70)
والحديث أخرجه أحمد
والترمذي وابن ماجة والحاكم من طريق أخرى عن أبي سلام، وصححه الحاكم
ووافقه الذهبي، لكن فيه انقطاع بينته في " تخريج المشكاة " (5592) . وله
شاهد عند أحمد (2 / 132) من طريق عمر بن عمرو أبي عثمان الأحموسي (1) : حدثني
المخارق بن أبي المخارق عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير المخارق هذا، أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 352) بهذه
الرواية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ".
وقال المنذري (4 / 209) : " إسناده حسن "! ثم ذكر له شاهدا آخر من حديث أبي
أمامة نحوه، وقال: " رواه الطبراني، وإسناده حسن في المتابعات ".
1083 - " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".
أخرجه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 70) والطيالسي (رقم 790) من حديث
الشعبي عن النعمان بن بشير به مرفوعا. وأخرجه البخاري (10 / 360 - 361 -
فتح) من هذا الوجه بلفظ: " ترى المؤمنين ... ". وله طريق ثان عن النعمان.
أخرجه الطيالسي (رقم 793) وأحمد (4 / 274) عن سماك بن حرب عنه به مختصرا.
وسنده صحيح على شرط مسلم. وله طريق ثالث بلفظ: المسلمون كرجل واحد ... ".
ويأتي برقم (2526) .
_________
(1) لم تعرف هذه النسبة. اهـ.(3/71)
1084 - " الملك في قريش والقضاء في الأنصار والآذان في الحبشة والشرعة في اليمن
والأمانة في الأزد ".
أخرجه أحمد (2 / 364) : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن أبي صالح قال:
حدثني أبو مريم أنه سمع أبا هريرة يقول مرفوعا. وهذا إسناد صحيح رجاله
ثقات رجال مسلم غير أبي مريم وهو الأنصاري وهو ثقة كما في التقريب. وقد
أخرجه الترمذي (2 / 329 - طبع بولاق) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا زيد بن حباب
به دون قوله: " والشرعة في اليمن ". ثم رواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن
معاوية بن صالح به نحوه عن أبي هريرة ولم يرفعه. وقال: " وهذا أصح من حديث
زيد بن حباب ".
قلت: زيد ثقة صدوق كما في " الميزان " وقد رفعه، وهي زيادة يجب قبولها كما
تقرر في المصطلح. والحديث أورده في " المجمع " (4 / 192) وقال: " رواه
أحمد ورجاله ثقات ".
قلت: ولبعضه شواهد، فانظر الحديث المتقدم مر بنا برقم (1039) و " الإرواء
" (513) .
1085 - " شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب
الدعوة فقد عصى الله ورسوله ".
أخرجه مسلم (4 / 154) عن ثابت الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قال الحافظ
(9 / 200) : " وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة
مرفوعا صريحا ".
قلت: وأخرجه البخاري (6 / 144) ومسلم أيضا وأبو داود (2 / 136)(3/72)
والدارمي (2 / 105) ومالك (2 / 77) وأحمد (2 / 241) من طريق الزهري عن
الأعرج عن أبي هريرة موقوفا. ورواه الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة موقوفا كذلك. أخرجه مسلم وأحمد (267 و 405 و 494) والطيالسي (ص 304
رقم 2302) . وتابعه عن سعيد طلحة بن أبي عثمان عنده بزيادة فيه. أوردته من
أجلها في " الضعيفة " (5043) . وللحديث شاهد بلفظ: " شر الطعام طعام
الوليمة يدعى إليه الغني ويترك الفقير ". قال في " المجمع " (4 / 53) :
" رواه البزار والطبراني في " الأوسط " و " الكبير " عن ابن عباس، وفيه سعيد
ابن سويد المعولي، ولم أجد من ترجمة، وفيه عمران القطان وثقه أحمد وجماعة
وضعفه النسائي وغيره، ولفظه في الكبير: " بئس الطعام ... ". الحديث
نحوه. وراجع له " الإرواء " (2007) .
1086 - " من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ".
رواه مسلم (8 / 148) والدارمي (2 / 332) وأحمد (2 / 369 و 407 و 416
و462) والحسين المروزي في " زوائد الزهد " (1456) وأبو نعيم في " صفة الجنة
" (16 / 2) وكذا المقدسي في " صفة الجنة " (3 / 83 / 2) عن حماد بن سلمة
عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد أحمد وغيره: " في
الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ". وليست في رواية
مسلم من هذا الوجه، خلافا لما يشعر به صنيع المنذري في " الترغيب " (4 / 261
) . ثم رواه أبو نعيم من طريق يعقوب بن حميد حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن
ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة به. ومن طريق أبي داود حدثنا زهير بن معاوية
عن سعد الطائي حدثني أبو المدلة أنه سمع أبا هريرة. ومن هذا الوجه أخرجه
الترمذي وغيره وصححه ابن حبان. (انظر تخريج المشكاة 5630) .(3/73)
ثم روى بسند
صحيح عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن عبد الله بن عمرو عن أبي هريرة مرفوعا.
1087 - " النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة ".
روي من حديث جابر وعبد الله بن أبي أوفى.
1 - أما حديث جابر فيرويه عنه محمد بن المنكدر، وله عنه طريقان:
الأولى: عن سفيان الثوري عنه به، وقد اختلفوا عليه، فرواه عنه هكذا مسندا
جماعة، ورواه آخرون عنه مرسلا. أ - أما المسند فرواته خمسة:
الأول: عبد الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيان به. أخرجه تمام الرازي في "
الفوائد " (4 / 79 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 221) وابن عدي في
" الكامل " (ق 221 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 90) و " صفة الجنة "
(ق 128 / 2) وكذا الضياء المقدسي في " صفة الجنة " (3 / 84 / 1) من طريق
المقدام بن داود عنه به. وقال العقيلي: " ابن المغيرة هذا يخالف في بعض
حديثه ويحدث بما لا أصل له، وهذا مما خولف فيه ". ثم ساقه من طريق جماعة عن
سفيان به مرسلا، كما يأتي بيانه.
قلت: والمقدام بن داود ضعيف أيضا بل هو شديد الضعف لكن شيخه ليس خيرا منه،
فقد اتهمه الذهبي بالوضع، وقال أبو نعيم عقب الحديث: " تفرد به عبد الله ":
وقد فاتته المتابعات الآتية.
الثاني: الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان به. أخرجه أبو الحسن الحربي في
" الحربيات " (2 / 47 / 1 - 2) وأبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص 157
و192) من طريق النضر بن هشام قال حدثنا الحسين بن حفص به. وقال أبو الشيخ:
" لم يرو هذا الحديث عن الحسين بن حفص غير النضر ".(3/74)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم غير النضر هذا، فقد
ترجمه أبو الشيخ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قال ابن أبي حاتم في
" الجرح والتعديل " (4 / 1 / 481) : " النضر بن هشام الأصبهاني، روى عن
الحسين بن حفص وعامر بن إبراهيم وبكر بن بكار كتبت عنه بأصبهان وهو صدوق ".
الثالث: معاذ بن معاذ العنبري عن سفيان به. أخرجه أبو عثمان النجيرمي في
" الفوائد " (2 / 2 / 2) من طريق عبد الله ابن هاشم حدثنا معاذ بن معاذ
العنبري به. وقال: " قال عبد الله بن حامد (يعني شيخه) : قلت لعبد الله
الشرقي (يعني شيخ بن حامد، والراوي عن ابن هاشم) : كيف وقع هذا الحديث؟
فقال: إن عبد الله بن هاشم كف بصره، فلقن هذا الحديث، فتلقن "..
قلت: عبد الله بن هاشم هو الطوسي النيسابوري، وهو ثقة من رجال مسلم وشيوخه
وقد اتفقوا على توثيقه ولم أر أحدا من الأئمة رماه بالتلقن أو غيره، (1) فلا
يقبل من الشرقي رمية إياه به، لاسيما وهو نفسه متكلم فيه وإن وصفه السمعاني
بأنه محدث نيسابور، فقد أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " وسماعاته
صحيحة من مثل الذهلي وطبقته ولكن تكلموا فيه لإدمانه شرب المسكر ". وقد نقل
ابن العماد في " الشذرات " (2 / 313) عن الحاكم أنه قال: " رأيته، وكان
أوحد وقته في معرفة الطب لم يدع الشراب إلى أن مات، فضعف بذلك ". وذكر
الحافظ في " اللسان " عنه حكاية تدل على جهله بقوله صلى الله عليه وسلم في
الخمر: " إنها داء وليست بدواء " أو تجاهله إياه، وإلا فكيف يجوز أن يأمر
المريض بأن يشرب الخمر المعتق! فالله المستعان.
_________
(1) له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (10 / 193 / 194) و " التهذيب ". اهـ
.(3/75)
ولذلك فإني أقول: لولا أن
في سند الحديث ابن الشرقي هذا - واسمه عبد الله بن محمد بن الحسن - والراوي
عنه ابن حامد ولم أجد له ترجمة، لحكمت على هذا الإسناد بالصحة. ثم رأيت
البيهقي أخرجه في " شعب الإيمان " (2 / 36 / 2) من طريق أخرى، فقال: حدثنا
أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنبأنا عبد بن محمد ابن الحسن بن الشرقي حدثنا
عبد الله بن هاشم به، فبرئت عهدة ابن حامد منه.
الرابع: عبد الله بن حيان عن سفيان به. أخرجه النجيرمي في " الفوائد " قبيل
الطريق السابق من طريق عبد الله ابن عبد الوهاب الخوارزمي حدثنا عبد الله بن
حيان به. وابن حيان هذا قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 41) : " روى عن سهل بن
معاذ، روى عنه الليث بن سعيد ". فهو مجهول الحال، لكن الحافظ أورده في
" اللسان " وقال: " قال أبو نعيم في " تاريخه ": قدم أصبهان وحدث بها في
حديثه نكارة ".
الخامس: الفريابي عن سفيان به أخرجه البزار في " مسنده " (ص 318 من زوائده)
: حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا محمد بن يوسف الفريابي به. وقال: " لا نعلم
أسنده من هذا الطريق إلا سفيان ولا عنه إلا الفريابي ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه، ولهذا قال الهيثمي في "
المجمع " (60 / 415) : " رواه الطبراني في " الأوسط " والبزار ورجال البزار
رجال الصحيح ".
قلت: الفضل بن يعقوب هذا هو أبو العباس الرخامي، وهو ثقة من شيوخ البخاري،
وقد ترجم له الخطيب (12 / 316) وذكر في شيوخه الفريابي هذا، فصح الإسناد،
والحمد لله على توفيقه.
قلت: فهذه طرق خمس عن سفيان الثوري ليس فيها متهم باستثناء الأولى(3/76)
منها يدل
مجموعها على أن للحديث أصلا أصيلا، لاسيما والطريق الثانية والخامسة،
إسنادهما في الصحة كما عرفت.
ب - وأما المرسل فرواته خمسة أيضا:
الأول: عبد الله بن المبارك، فقال في " الزهد " (279) : أنبأنا سفيان عن
محمد بن المنكدر أنه حدثهم: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام
أهل الجنة؟ فقال: فذكره إلا أنه قال: " ولا يموت أهل الجنة ".
الثاني والثالث: قطبة بن العلاء، وعبيد الله بن موسى قالا: حدثنا سفيان
الثوري عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. أخرجهما العقيلي
(221) .
الرابع والخامس: ثم قال العقيلي: " ورواه الأشجعي ومخلد بن يزيد وغير
واحد، هكذا مرسلا ".
قلت: وهؤلاء الخمسة كلهم ثقات غير قطبة بن العلاء، ولا شك أن روايتهم
المرسلة أقوى من رواية الذين أسندوه، فلو كان الذي أسنده فردا لكانت روايتهم
تجعلنا نعتقد أنه وهم في إسناده، أما وهم جمع أيضا، فلا سبيل إلى توهيمهم،
فالصواب القول بصحته مسندا ومرسلا ولا منافاة بينهما، فإن الراوي قد ينشط
أحيانا فيسنده، ولا ينشط تارة فيرسله.
الطريق الأخرى: يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن جابر به. أخرجه
ابن عدي (ق 388 / 1) والطبراني، وعنه الضياء في " صفة الجنة ". (3 / 84
/ 1) عن مصعب بن إبراهيم حدثنا عمران بن الربيع الكوفي عن يحيى بن سعيد به.
وقال ابن عدي:(3/77)
" مصعب هذا مجهول، وأحاديثه عن الثقات ليست بالمحفوظة ".
وقال العقيلي (416) : " وفي حديثه نظر ". وعمران ابن الربيع لم أجد له
ترجمة.
2 - وأما حديث ابن أبي أوفى، فيرويه أبو عبيدة سعيد بن زربي عن ثابت البناني
عن نفيع بن الحارث عنه مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " صفة الجنة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، نفيع هذا متروك، وقد كذبه ابن معين. وابن
زربي منكر الحديث كما في " التقريب ".
وبالجملة، فالحديث صحيح من بعض طرقه عن جابر، والله أعلم.
1088 - " أشقى الأولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي. وأشار إلى حيث
يطعن ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 35) عن موسى بن عبيدة عن أبي بكر بن عبيد
الله بن أنس أو أيوب بن خالد أو كليهما: أخبرنا عبيد الله أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لعلي: " يا علي من أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله
ورسوله أعلم، قال ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، أبو بكر بن عبيد الله بن أنس مجهول. ونحوه
أبوه عبيد الله بن أنس، فلم يوثقه أحد ولا عرف إلا من رواية ابنه أبي بكر.
لكن الحديث صحيح، فقد جاءت له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم علي نفسه
وعمار بن ياسر وصهيب الرومي.
1 - أما حديث علي فيرويه عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني خالد بن
يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم أن أبا سنان الدؤلي حدثه عنه مرفوعا
به نحوه.(3/78)
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 11 / 2) والحاكم (3 /
113) وقال: " صحيح على شرط البخاري ". وقال الهيثمي (9 / 137) :
" وإسناده حسن " كذا قالا وفيه نظر لا ضرورة لبيانه لأنه حسن في الشواهد وقد
قال الهيثمي بعده: " رواه أبو يعلى وفيه والد علي بن المديني وهو ضعيف ".
2 - وأما حديث عمار فيرويه محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن محمد خثيم المحاربي عن
محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خثيم أبي يزيد عنه مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 /
263) والحاكم (3 / 140 - 141) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه
الذهبي! وهو من أوهامهما فإن محمد بن خثيم وابنه يزيد لم يخرج مسلم عنهما
شيئا، ثم إنهما في عداد المجهولين، وثقهما ابن حبان، وقال ابن معين في يزيد
: ليس به بأس، وأما إعلاله بالانقطاع بين أبي يزيد وعمار فلا وجه له خلافا
لقول الهيثمي (9 / 136) : " رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار ورجال
الجميع موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار ".
3 - وأما حديث صهيب فرواه الطبراني وأبو يعلى وفيه رشدين بن سعد وقد وثق،
وبقية رجاله ثقات، كما قال الهيثمي (9 / 136) .
1089 - " أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة ".
أخرجه البخاري (11 / 200 - فتح) من طريق عمرو بن علي (وهو المقدمي) عن معن
ابن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري
". وأخرجه الحاكم (2 / 427 - 428) وأحمد (2 / 275) من طريق معمر عن رجل
من بني غفار عن سعيد المقبري به ولفظه:(3/79)
" لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى
بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه ". قال الحافظ: " وهذا الرجل
المبهم هو معن بن محمد الغفاري فهي متابعة قوية لعمر بن علي، أخرجه الإسماعيلي
من وجه آخر عن معمر ".
قلت: أخرجه الحاكم أيضا من طريق مطرف بن مازن حدثنا معمر بن راشد سمعت محمد بن
عبد الرحمن الغفاري عن المقبري به. وسكت عليه. ومطرف هذا متهم. أما متابعة
أبي حازم وهو سلمة بن دينار، فأخرجها أحمد (2 / 417) حدثنا قتيبة قال:
حدثنا يعقوب عن أبي حازم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به ولفظه: " من عمره
الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ". وأخرجه الإسماعيلي وكذا
الثعلبي في " تفسيره " (3 / 158 / 2) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم حدثني
أبي به.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما متابعة ابن عجلان، فأخرجها أحمد
أيضا (2 / 320) من طريق سعيد بن أبي أيوب حدثني محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي
سعيد به. ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب أيضا في " التاريخ " (1 / 290) .
وتابعه أيضا الليث بن سعد عن سعيد المقبري بلفظ: " إذا بلغ الرجل من أمتي
ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ". أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن
صالح حدثنا الليث به. وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي.
وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " من عمر من أمتي سبعين سنة،
فقد أعذر الله إليه في العمر ". أخرجه الحاكم (2 / 428) من طريق سليمان بن
حرب حدثنا حماد بن زيد عن أبي حازم عنه وقال: " صحيح على شرط الشيخين ".
ووافقه الذهبي، وهو كما(3/80)
قالا لكن خالفه خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد به
بلفظ: " إذا بلغ العبد - أو قال: إذا عمر العبد - ستين سنة فقد أبلغ الله
إليه وأعذر الله إليه في العمر ".
1090 - " إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة ".
أخرجه أبو داود (2 / 297) والترمذي (1 / 355) والطحاوي في " مشكل الآثار
" (4 / 335 - 336) وأحمد (3 / 324 و 352 و 379 - 380 و 394) وأبو يعلى
(2 / 591) من طريقين عن عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن
جابر بن عبد الله مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن وإنما نعرفه من
حديث ابن أبي ذئب ".
قلت: قد تابعه سليمان بن بلال عن أحمد والطحاوي. والحديث حسن الإسناد، فإن
رجاله ثقات، وفي ابن عطاء كلام قال البخاري: " عنده مناكير ". وقواه أبو
حاتم فقال: " يحول من " كتاب الضعفاء " للبخاري ". ووثقه النسائي وابن سعد
وفي " التقريب ": " صدوق فيه لين ". ومن طريقه أخرجه الضياء في " المختارة
". وله شاهد من حديث أنس مرفوعا به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1030
) وعنه ابن عساكر (16 / 92 / 1) أخبرنا جبارة بن مغلس حدثني حفص بن صبح -
قال جبارة: من أعبد الناس - عن مالك بن دينار عنه. قال الهيثمي (8 / 98) :
" رواه أبو يعلى عن شيخه جبارة بن مغلس وهو ضعيف جدا، وقال ابن نمير: صدوق
، وبقية رجاله ثقات ".
1091 - " إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل، كان(3/81)
معاذ بين أيديهم رتوة (1) بحجر ".
روي من حيث عمر بن الخطاب ومحمد بن كعب مرسلا وأبي عون مرسلا أيضا والحسن
البصري.
1 - أما حديث عمر فرواه سعيد بن أبي عروبة عن شهر بن حوشب قال: قال عمر بن
الخطاب رضي الله عنه: " لو استخلفت معاذ بن جبل رضي الله عنه، فسألني عنه ربي
عز وجل: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره
. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 348 و 3 / 590) والمحاملي في " الأمالي
" (3 / 35 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 228) والسياق له.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل شهر بن حوشب، فإنه سيء الحفظ، ثم إنه لم يدرك
عمر بن الخطاب، فهو منقطع، لكن وصله أبو نعيم (1 / 229) فقال: حدثنا أبو
حامد ثابت بن عبد الله الناقد حدثنا علي بن إبراهيم بن مطر حدثنا عبدة بن عبد
الرحيم حدثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي العجفاء - أو
أبي العجماء الشك من عبدة - قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو عهدت
إلينا؟ فقال: فذكره بنحوه.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون مترجمون في " التهذيب " غير ابن
مطر هذا، فقد ترجمه الخطيب في " التاريخ " (11 / 337) وروى عن الدارقطني
أنه قال: ثقة. وغير ثابت بن عبد الله الناقد، فإني لم أجد له ترجمة في شيء
من المصادر التي عندي الآن، ولعله مترجم في " أخبار أصبهان " لأبي نعيم
فليراجع. (2) وعلى كل حال فهو إسناد جيد كما قلنا بشواهده المرسلة الآتية.
2 - وأما حديث محمد بن كعب، فله عنه طريقان:
الأولى: عن عمرو بن أبي عمرو عنه مرفوعا بلفظ: " إن معاذ بن جبل أمام العلماء
رتوة ".
_________
(1) أي: رمية، وزنا ومعنى. اهـ.
(2) قلت: ثم رجعت إليه فلم أجده فيه. اهـ.(3/82)
أخرجه ابن سعد (2 / 347) : أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس
المدني حدثني سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وأبو بكر اسمه
عبد الحميد.
والأخرى: عن عبد العزيز بن محمد بن عمارة بن غزية عنه به. أخرجه أبو نعيم (
1 / 229) من طريق أبي عباس الثقفي حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا عبد العزيز بن
محمد.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو العباس الثقفي هو محمد بن
إسحاق السراج الحافظ، فهو إسناد صحيح أيضا مرسلا، لكن خالفه يحيى بن أيوب
فقال: عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن أزهر عن محمد بن كعب القرظي به
، فأدخل بين عمارة وابن كعب محمد بن عبد الله بن أزهر. أخرجه أبو نعيم أيضا
من طريق الطبراني بإسناده عنه. وقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 /
311) : " رواه الطبراني مرسلا وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري ولم
أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ".
3 - وأما حديث أبي عون المرسل، فقال ابن سعد (2 / 347) : أخبرنا أبو معاوية
الضرير عن أبي إسحاق يعني الشيباني عنه مرفوعا بلفظ: " معاذ بين يدي العلماء
يوم القيامة برتوة ". وهذا مرسل صحيح أيضا.
4 - وأما مرسل الحسن البصري، فأخرجه ابن سعد أيضا من طريق هشام بن حسان،
وثابت عنه به. وهو صحيح أيضا. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا
شك ولا يرتاب في ذلك من له معرفة بهذا العلم الشريف ويؤيده اشتهاره عند السلف
، فقد روى الحاكم (3 / 268 - 269) بإسناد صحيح عن مالك بن أنس قال:(3/83)
" إن
معاذ بن جبل هلك وهو ابن ثمان وعشرين وهو أمام العلماء برتوة ". وكذلك
رواه الطبراني كما في " المجمع ". وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في
كتاب " الإيمان " (ص 73) بعد أن ذكر معاذا رضي الله عنه: وقد فضله النبي
صلى الله عليه وسلم على كثير من أصحابه في العلم بالحلال والحرام، ثم قال:
" يتقدم العلماء برتوة ". فجزم بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
وهو المراد.
1092 - " إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا، فإن
الملائكة تؤمن على ما قال أهل البيت ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 444) والحاكم (1 / 352) وأحمد (4 / 125) عن قزعة
ابن سويد عن حميد الأعرج عن الزهري عن محمود بن لبيد عن شداد بن أوس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "!
ووافقه الذهبي! وذلك من أوهامهما، فإن قزعة هذا أورده الذهبي نفسه في
" الضعفاء " وقال: " قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال
أبو حاتم: لا يحتج به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف " فأنى له
الصحة؟ ! نعم قد يحتمل التحسين، فقد قال البوصيري في " الزوائد ": (91 / 1
) : " وهذا إسناد حسن، قزعة بن سويد مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ".
وأقول: قد ضعفه الجمهور ولم يوثقه غير ابن معين في إحدى الروايتين(3/84)
عنه
وضعفه في الرواية الأخرى، وقال العجيلي وابن عدي: لا بأس به، والجرح
مقدم على التعديل. نعم للحديث شاهد من حديث أم سلمة في " صحيح مسلم " (3 / 38
) وغيره دون قوله " فأغمضوا البصر " وهو فيه من فعله صلى الله عليه وسلم وقد
خرجته في " كتاب أحكام الجنائز " (ص 12) ، فهو به حسن إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) حميد هنا هو ابن قيس الأعرج المكي الأسدي مولاهم وليس هو حميد المكي
مولى ابن علقمة.
1093 - " إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت
".
أخرجه ابن ماجه (1 / 650) من طريق عيسى بن يونس حدثنا الأجلح الكندي عن يزيد
ابن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير الأجلح وهو ابن عبد الله
الكندي وهو صدوق كما قال الذهبي والعسقلاني. والحديث قال في " الزوائد " (
131 / 2) : " هذا إسناد فيه الأجلح بن عبد الله مختلف فيه، ضعفه أحمد وأبو
حاتم والنسائي وأبو داود وابن سعد، ووثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن
سفيان وباقي رجال الإسناد ثقات. رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " عن
علي بن خشرم عن عيسى بن يونس به. ورواه مسدد في " مسنده " عن عيسى بن يونس
بإسناده ومتنه، ورواه الإمام أحمد في " مسنده " من حديث ابن عباس أيضا،
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مسنده " عن علي بن مسهر عن الأجلح إلا أنه قال
: " جعلتني لله عدلا؟ ! بل ما شاء الله (وحده) ". وله شاهد من حديث قتيلة
. رواه النسائي ".
قلت: هو في " مسند أحمد " (1839، 1964 و 2561) من طرق عن الأجلح به مثل لفظ
ابن أبي شيبة، وقد سبق تخريجه برقم (139) وسبق هناك تخريج حديث قتيلة
(136) .(3/85)
1094 - " إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا ".
رواه أحمد (6 / 363) وابن سعد (8 / 290) والنسائي (2 / 283)
وابن عساكر (17 / 274 / 1) عن بكير بن عبد الله عن بسر بن سعيد عن زينب
الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، ولفظ النسائي وابن سعد
: " إذا خرجت المرأة إلى العشاء الآخرة فلا تمس طيبا ". وفي لفظ لأحمد
والنسائي: " إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيبا ". وقد أخرجه مسلم أيضا (
2 / 33) . ومضى له شاهد بنحوه برقم (1031) .
1095 - " يا أبا أمامة! إن من المؤمنين من يلين لي قلبه ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 267) حدثنا حيوة (يعني ابن شريح) حدثنا بقية حدثنا
محمد بن زياد حدثني أبو راشد الحبراني قال: أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي،
قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب "، وبقية
- وهو ابن الوليد الحمصي - إنما يخشى منه عنعنته فقد أمناها بتصريحه بالتحديث
. وهكذا أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 23 / 2) من طريق أحمد بن
الفرج أخبرنا بقية بن الوليد به إلا أنه قال: " له قلبي " مكان " لي قلبه ".
لكن أحمد بن فرج فيه ضعف، فلا قيمة لمخالفته لمثل حيوة بن شريح الثقة.(3/86)
ومعنى
(يلين لي قلبه) أي يسكن ويميل إلي بالمودة والمحبة. والله أعلم. وليس
ذلك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر لأن الله
تعالى جعل ذلك وحده دليلا على حبه عز وجل، فقال: * (قل إن كنتم تحبون الله
فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) *. أفلم يأن للذين يزعمون حبه صلى
الله عليه وسلم في أحاديثهم وأناشيدهم أن يرجعوا إلى التمسك بهذا الحب الصادق
الموصل إلى حب الله تعالى ولا يكونوا كالذي قال فيه الشاعر:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع
لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
1096 - " يا أيها الناس! ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله، فإن بخل أحدكم أن يعطي
ماله للناس فليبدأ بنفسه وليتصدق على نفسه، فليأكل وليكتس مما رزقه الله عز
وجل ".
أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " قال (ص 54) : حدثنا حماد بن الحسن
الوراق حدثنا حبان بن هلال حدثنا سليم بن حيان حدثنا حميد بن هلال عن أبي
قتادة مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سليم بن حيان وهو ثقة
كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب ". وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه
ذكره في " منتخب كنز العمال " (2 / 219) وقال: " رواه البيهقي في " الشعب "
والديلمي وابن النجار. قال ابن حجر في الأطراف ": نظيف الإسناد ولم أر من
صححه ".(3/87)
1097 - " يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم ـ وفي رواية: قولوا بقولكم
ولا يستجركم ـ الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما
أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 153 و 241 و 249) والبيهقي في " دلائل النبوة "
(3 / 113 / 2) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك: أن رجلا
قال: يا محمد! يا سيدنا وابن سيدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق والرواية الأخرى لأحمد وهي لابن حبان
أيضا (2118 - موارد الظمآن) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضا عبد بن حميد في " المنتخب من
المسند " (143 / 2) وابن منده في " التوحيد " (ق 63 / 1) والضياء المقدسي
في " الأحاديث المختارة " (26 / 1) .
1098 - " من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنة ومحي عنه سيئة ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال:
حدثنا أحمد حدثنا أحمد بن حرب الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي عن إبراهيم
ابن طهمان عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره وقال:(3/88)
" ولم يروه عن يحيى
إلا حسين، ولا عنه إلا إبراهيم ولا عنه إلا القاسم تفرد به أحمد ".
قلت: وهو ثقة، وكذا من فوقه. وأما أحمد شيخ الطبراني فالظاهر أنه أحمد بن
حمدون الموصلي، فقد روى له الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 10 - هندية)
حديثا آخر عن صالح بن عبد الصمد الأسدي الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي
بإسناده عن جابر. وحسن إسناده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 75) ،
فالظاهر أنه ثقة عنده. بل إنه قد صرح بذلك في تخريجه لحديث الباب، فقال (1 /
206) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح إلا شيخ الطبراني
وشيخ شيخه، وهما ثقتان ".
قلت: وأما قول المنذري: " رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح ".
أقول: ففيه مؤخذتان: الأولى: أنه أطلق العزو للطبراني، فأوهم أنه في
" معجمه الكبير " وليس كذلك. والأخرى: أوهم أن رجاله كلهم رجال الصحيح
وليس كذلك أيضا كما سبق بيانه، فكان عليه أن يقيد كلامه كما فعل الهيثمي
والعصمة لله تعالى وحده. وأحمد بن حمدون الموصلي لم أجد له ترجمة فيما بين
يدي من المصادر ولعله في " ثقات ابن حبان " كما يشعر ذلك توثيق الهيثمي
والمنذري إياه، أو في " تاريخ الموصل ".
1099 - " يقول الله تعالى: يا ابن آدم! أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا
سويتك وعدلتك مشيت بين(3/89)
بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت
نفسك هذه ـ وأشار إلى حلقه ـ " وفي رواية: حتى إذا بلغت التراقي " قلت:
أتصدق، وأنى أوان التصدق؟! ".
رواه ابن ماجه (2 / 159) والإمام أحمد (4 / 210) وابن سعد في " الطبقات "
(7 / 427) عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن
بسر ابن جحاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما على كفه ووضع
عليها إصبعه ثم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير عبد الرحمن بن ميسرة، قال ابن
المديني: " مجهول ". لكن قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات ". وقال
العجلي في " الثقات " (ق 34 / 2 - ترتيب الهيثمي) : " شامي تابعي ثقة ".
ونقله عنه الحافظ في " التهذيب " ولم يزد، وفاته أنه ذكره ابن حبان أيضا
في " ثقاته " (1 / 131 - الظاهرية) . وقد روى عنه جماعة من الثقات كما في "
التهذيب ". وتابعه ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن ميسرة به كما في " تحفة
الأشراف " للحافظ المزي (2 / 97) . وقال البوصيري في " زوائد ابن ماجه "
(ق 168 / 1) : " وإسناده صحيح، رجاله ثقات ".
1100 - " رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة
وأن البقر هو ـ والله ـ خير ".
أخرجه أحمد (3 / 351) حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: حدثنا حماد - قال(3/90)
عفان
في حديثه أنبأنا أبو الزبير، وقال عبد الصمد في حديثه -: حدثنا أبو الزبير
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد
: " فقال لأصحابه: لو أنا أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم.
فقالوا: يا رسول الله والله ما دخل علينا فيها من الجاهلية، فكيف يدخل علينا
فيها في الإسلام! قال عفان في حديثه: فقال: شأنكم إذا، قال: فلبس لأمته،
قال: فقال الأنصار: رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاؤا
فقالوا: يا نبي الله شأنك إذا، فقال: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها
حتى يقاتل ". وأخرجه ابن سعد (2 / 45) : أخبرنا عفان بن مسلم به إلا أنه
قال: عن أبي الزبير عن جابر، وأخرجه الدارمي (2 / 129) أخبرنا الحجاج بن
منهال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو الزبير عن جابر.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم لكن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه عند
جميع مخرجيه، وقول الحافظ في " الفتح " (12 / 355) : " وفي رواية لأحمد:
حدثنا جابر ". فأظنه وهما منه سببه أنه انتقل نظره إلى قول حماد في رواية عبد
الصمد عنه: " حدثنا " فظن أنه من قول أبي الزبير، والله أعلم.
لكن لحديث الترجمة شاهد من حديث أبي موسى الأشعري مختصرا نحوه في حديث له وفيه
بعد قوله: " والله خير ": " فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا
الخير ما جاء الله به من الخير بعد ". أخرجه البخاري (12 / 354 - 355 - فتح)
ومسلم (7 / 57) والدارمي. وشاهد آخر من حديث ابن عباس نحوه وزاد بعد
قوله: " والله خير ": " فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وفيه أن الرؤيا كانت يوم أحد. أخرجه أحمد (1 / 271) بسند حسن.(3/91)
والحديث عزاه الحافظ والسيوطي للنسائي أيضا ولعله في " الكبرى له " وعزاه
السيوطي للضياء أيضا في " المختارة ".
1101 - " إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ".
أخرجه ابن سعد (2 / 48) والطحاوي في " المشكل " (3 / 241) والحاكم
(2 / 122) من طريق محمد بن عمرو عن سعد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع إذا
هو بكتيبة خشناء (1) فقال: من هؤلاء؟ فقالوا: هذا عبد الله بن أبي سلول في
ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام قال:
وقد أسلموا؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا ... ".
قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن سعد بن المنذر لم يرو عنه سوى محمد هذا وعبد
الرحمن بن سليمان بن الغسيل، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وذكره الحاكم
شاهدا لحديث حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: " رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا
نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال: أو أسلمتما؟ قلنا: لا، قال
: فلا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلا
وضربني ضربة وتزوجت بابنته بعد ذلك، فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا
الوشاح! فأقول: لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار ". أخرجه الطحاوي (3 / 239
) وأحمد (3 / 454) وابن سعد (3 / 534 - 535) والحاكم (2 / 121 - 122)
وصححه، ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا وهو بن خبيب بن يساف، أورده ابن
أبي حاتم (2 / 2 / 230) من رواية ابن خبيب هذا فقط، ولم يذكر فيه جرحا ولا
تعديلا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " أيضا. وله حديث آخر من حديث عائشة
قالت:
_________
(1) أي كثيرة السلاح. اهـ.(3/92)
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه
رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب
معك. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا،
قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل
، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة
، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قال: ثم رجع، فأدركه بالبيداء، فقال له
كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فانطلق ". أخرجه مسلم (5 / 201) والطحاوي (3 / 236 - 237
) وأحمد (6 / 68 و 149) من طريق مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله
بن نيار الأسلمي عن عروة ابن الزبير عنها به. وفي رواية لأحمد وابن حبان
(1621) قال: " فإنا لا نستعين بمشرك ". وهكذا مختصر أخرجه أبو داود (2 /
69 - الحلبية) والدارمي (2 / 233) وابن ماجه (2 / 193) عن مالك به.
1102 - " إنما الخير خير الآخرة ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 70) عن ثابت عن أنس بن مالك: " أن
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمد على الجهاد ما بقينا أبدا
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إن الخير خير الآخرة، فاغفر للأنصار
والمهاجرة. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير عليه إهالة سنخة،
فأكلوا منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره.
قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم.(3/93)
1103 - " أوما علمت أن المؤمن يشدد عليه ليكون كفارة لخطاياه ".
ابن سعد (2 / 207) عن إسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبي بردة عن
بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويحسبها عائشة قالت: " مرض رسول الله
صلى الله عليه وسلم مرضا اشتد منه ضجره أو وجعه، قالت: فقلت: يا رسول الله
إنك لتجزع أو تضجر، لو فعلته امرأة منا عجبت منها، قال: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
1104 - " يا ابن عابس (1) ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: بلى يا رسول،
قال: * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * هاتين السورتين ".
أخرجه النسائي (2 / 312) وابن سعد (2 / 212) وأحمد (4 / 153) عن يحيى
ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث: أخبرني أبو عبد الله أن ابن
عائش الجهني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عبد الله هذا قال الذهبي:
" لا يعرف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". لكن الحديث صحيح، فإن له
طرقا كثيرة عن عقبة بن عامر الجهني، عند النسائي وغيره. أنظر " صحيح سنن أبي
داود " (1315 و 1316) .
1105 - " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء
وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة ".
أخرجه الحاكم (4 / 595) وأحمد (2 / 328) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق
_________
(1) كذا في النسائي. وفي " الطبقات " " ابن عائش " وكذا في " الفتح الكبير "
والأول أقرب إلى الصواب وهو عقبة بن عامر بن عبس الجهني. اهـ.(3/94)
عن
سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا على
ضعف في ابن إسحاق. وأخرجه الترمذي (3 / 341) حدثنا علي بن حجر أخبرنا محمد
ابن عمار حدثني جدي محمد بن عمار وصالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به
إلا أنه لم يذكر " العضد " وقال: " وفخذه مثل البيضاء ومقعده من النار
مسيرة ثلاث مثل الربذة " وقال: " حديث حسن غريب ". وهو كما قال، فإن صالحا
مولى التوأمة وإن كان ضعيفا فهو مقرون بمحمد بن عمار وهو ابن سعد القرظ، روى
عنه جماعة من الثقات ووثقه ابن حبان ومحمد بن عمار الآخر هو ابن حفص ابن عمر
ابن سعد القرظ وهو ثقة. وقد خالفه أحمد بن حاتم الطويل فقال: حدثنا محمد بن
عمار عن صالح عن أبي هريرة. أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (19 / 2) عن
محمد بن بشر بن مطر حدثنا أحمد بن حاتم الطويل.
قلت: ابن بشر هذا لم أعرفه وابن حاتم الظاهري أنه السعدي قال الذهبي: " روى
عنه محمود بن حكيم المستملي حديثا منكرا عن " الإدريسي ". وتابعه أبو صالح عن
أبي هريرة بلفظ: " إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار
وضرسه مثل أحد ". أخرجه الترمذي (3 / 342) والحاكم (4 / 595) وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وقال الترمذي:(3/95)
" حديث حسن غريب صحيح ". وتابعه عطاء عنه بلفظ: " ضرس الكافر مثل " أحد "
وفخذه مثل " البيضاء " ومقعده من النار ما بين " قديد " و " مكة " وكثافة
جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار ". رواه أحمد (2 / 334 و 537) وابن
أبي عاصم في " السنة " (811) وأبو بكر الأنباري في " حديثه " (212 / 1) عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة
مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن وهو على شرط البخاري إلا أن عبد الرحمن بن عبد الله بن
دينار وهو مولى ابن عمر فيه كلام من قبل حفظه، ولهذا قال الحافظ: " صدوق
يخطىء ". وتابعه أبو حازم عنه بلفظ: " ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد
وغلظ جلده مسيرة ثلاث ". أخرجه مسلم (8 / 154) . وله شاهد يرويه عباد عن
أيوب عن أبي قلابة عن أبي عثمان عن ثوبان قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ضرس الكافر؟ فقال: مثل أحد وغلظ جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 315) ورجاله ثقات غير عباد وهو ابن منصور،
فهو ضعيف لسوء حفظه وتدليسه كما سبق شرحه وبسطه في أول المجلد الثاني، فقول
الحافظ عقبة: " هو إسناد حسن "، فهو غير حسن إلا إن كان عنى أنه حسن لغيره،
فمحتمل.(3/96)
1106 - " إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب ".
رواه ابن سعد (2 / 275) : أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا فطر بن
خليفة عن عطاء بن أبي رباح مرفوعا. وأخرجه الدارمي (1 / 40) من طريق
أخرى عن فطر به.
قلت: وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل وقد خالفهما عثمان بن عبد الرحمن الحراني
حدثنا فطر بن خليفة عن شرحبيل بن سعد عن ابن عباس مرفوعا. رواه أبو نعيم في "
أخبار أصبهان " (1 / 158) . والحراني هذا قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن
نمير إلى الكذب وقد وثقه ابن معين ".
قلت: وشرحبيل بن سعد صدوق أيضا لكنه اختلط. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي
والبيهقي في " الشعب " كما في " فيض القدير " وقال: " ورواه الطبراني في
" الكبير " عن سابط الجمحي وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد ضعيف، ولذلك رمز
المؤلف لضعفه لكنه له شواهد ".
قلت: ومن شواهده ما أخرجه ابن ماجه (1 / 485) من طريق موسى بن عبيدة:
حدثنا مصعب بن محمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: " فتح رسول الله
صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس، أو كشف سترا، فإذا الناس يصلون
وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم ورجا أن يخلفه الله فيهم
بالذي رآهم، فقال: " يا أيها الناس أي ما أحد من الناس، أو من المؤمنين أصيب
بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن
يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ".(3/97)
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل موسى بن عبيدة، ومن طريقه رواه أبو يعلى أيضا
كما قال البوصيري في " الزوائد " (ق 101 / 1) . ومنها عن مكحول أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره مثل رواية فطر. أخرجه الدارمي ورجاله ثقات كلهم،
فهو صحيح لولا أنه مرسل. ومنها عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي
". أخرجه عن مالك (1 / 235) وعنه ابن سعد (2 / 275) وابن المبارك في
" الزهد " (رقم 467) . وهو مرسل صحيح أيضا. ومنها عن عبد الرحمن بن سابط
مرسلا. رواه نعيم بن حماد في " زوائد الزهد " رقم (271) . وبالجملة فالحديث
بهذه الشواهد صحيح، والله أعلم.
1107 - " إنك لست مثلي إنما جعل قرة عيني في الصلاة ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (68 / 2) : حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا هقل عن
الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: " أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام من الليل، وامرأة تصلي بصلاته، فلما أحس، التفت إليها،
فقال لها: اضطجعي إن شئت، قالت: إني أجد نشاطا، قال ": فذكره. ومن هذا
الوجه أخرجه العقيلي في ترجمة يحيى بن عثمان هذا وهو الحربي وقال (265) :
" لا يتابع عليه ".
قلت: قد وثقه أبو زرعة، وقال ابن معين: ليس به بأس. فالإسناد جيد، ثم روى
ابن نصر من طريق سلام أبو المنذر القاري عن ثابت البناني عن أنس مثله بزيادة في
أوله.
قلت: وهذا إسناد حسن، سلام هذا هو ابن سليمان المزني، قال الحافظ: " صدوق
يهم ". وأما قول العقيلي عقب حديث الحربي: " هذا يرويه سلام الطويل عن ثابت
عن أنس، وسلام فيه لين ".(3/98)
قلت: بل هو متروك متهم بالكذب لكن ليس هو صاحب هذا الحديث وإنما هو القاري
كما صرحت به رواية ابن نصر المذكورة.
1108 - " لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من
خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ".
أخرجه مسلم (6 / 54) من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة
ابن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة
إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم
. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول
عبد الله. فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكر الحديث، فقال عبد الله أجل، ثم يبعث الله ريحا كريح المسك،
مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم
يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة. واستدركه الحاكم (4 / 456 - 457) على
مسلم فوهم.
1109 - " لا تسبن أحدا ولا تحقرن شيئا من المعروف وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه
وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين
وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وإن امرؤ
شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه ".
أخرجه أبو داود (2 / 179) والترمذي (2 / 120) والدولابي في " الكنى
والأسماء " (ص 66) من طريق أبي غفار حدثنا أبو تميمة الهجيمي عن أبي جري
جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا. إلا صدورا
عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك
السلام يا رسول الله، مرتين،(3/99)
قال: لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام
تحية الميت، قل: السلام عليك. قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول
الله الذي إذا أصابك ضر ودعوته كشفه عنك وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك
وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك: قلت: اعهد إلي
، قال: فذكره. وزاد بعد قوله: لا تسبن أحدا: " قال: فما سببت بعده حرا
ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة ". ولم يسق الترمذي القصة بتمامها وقال:
" حديث حسن صحيح ".
قلت: ورجاله رجال البخاري غير أبي غفار واسمه المثنى بن سعيد الطائي وهو
ثقة، ورواه ابن حبان في صحيحه والنسائي، كما في الترغيب (3 / 286) .
قلت: وكذلك رواه الحاكم (4 / 186) من طريق أخرى عن ابن تميمة، وصححه.
ووافقه الذهبي. ورواه أحمد (5 / 64) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة به
مختصرا من قوله: " ادعوا الله وحده " الخ. دون قوله: " وإن امرؤ شتمك " الخ
. وقال بدلها " ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ". وسنده صحيح أيضا
كما سبق في " أدعو إلى الله " (421) . وللحديث طريق أخرى أخرجها الدولابي من
طريق زياد الجصاص عن محمد بن سيرين قال: حدثنا جابر بن سليم الهجيمي أبو جري
قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث مختصرا. وزياد الجصاص هو
زياد بن أبي زياد الجصاص ضعيف. كما في " الخلاصة " و " التقريب ". وله طريق
ثالث بسند صحيح أيضا يأتي برقم (1352) بلفظ: (لا تحقرن من المعروف شيئا) .
الحديث. ورواه ابن نصر (221 / 2) عن أبي السليل عن أبي تميمة. والجملة
الأخيرة منه " وإن امرؤ شتمك " لها شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا
سبك رجل بما يعلم منك، فلا تسبه بما تعلم منه، فيكون أجر ذلك لك ووباله عليه
". رواه ابن منيع عنه كما في " الجامع " وقال شارحه المناوي:(3/100)
" رمز لحسنه
وهو كما قال، أو أعلى، إذ ليس في رواته مجروح ". واللفظ المشار إليه الآتي
فيه هذه الجملة أيضا وهو أقرب إلى رواية ابن عمر هذه.
1110 - " يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ".
رواه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 215 / 2) : حدثنا محمد بن عثمان بن
أبي شيبة حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج عن نافع
أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم
الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم
الجمعة وبينهما مسيرة شهر.
قلت: وأيوب بن خوط متروك كما في " التقريب ". لكن رواه أبو عبد الرحمن
السلمي في " الأربعين الصوفية " (3 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (2 /
181 / 1 - مخطوطة حلب) من طرق عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن
نافع به نحوه. ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (7 / 6 / 1) و (13 / 63 / 2)
والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (28 - 29) إلا أنهما قالا: عن
نافع عن ابن عمر أن عمر ... وزادا في آخره وكذا البيهقي: " قال ابن عجلان:
وحدثني إياس بن قرة بنحو ذلك "، وقال الضياء: " قال الحاكم (يعني أبا عبد
الله) : هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسنادا غير هذا ".
وذكره ابن كثير في " البداية " (7 / 131) فقال: " وقال عبد الله بن وهب
.... " مثل رواية " الضياء " ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية
الجبل ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا
، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا
بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. ثم قال ابن كثير:
" وهذا إسناد جيد حسن ". وهو كما قال، ثم ذكر له طرقا أخرى وقال: " فهذه
طرق يشد بعضها بعضا ".
قلت: وفي هذا نظر، فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف(3/101)
بن عمر
والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن
كثير: " في صحته من حديث مالك نظر ". ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة "
(5 / 65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان
يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه
قال: يا سارية بن حصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم
إلى بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي
: ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل
، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد
قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم،
وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا
هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر
أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يقول:
يا سارية بن حصن الجبل الجبل، قال: فعدلنا إليه ففتح الله علينا.
قلت: وهذا سند واه جدا، فرات بن السائب، قال البخاري: " منكر الحديث ".
وقال الدارقطني وغيره: " متروك "، وقال أحمد " قريب من محمد بن زياد
الطحان، يتهم بما يتهم به ذاك ". (1)
فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان وليس فيه إلا
مناداة عمر " يا سارية الجبل " وسماع الجيش لندائه وانتصاره بسببه.
ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاما من الله تعالى لعمر وليس
ذلك بغريب عنه، فأنه " محدث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ليس
فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة
بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب
_________
(1) فلا يغتر بإيراد النووي لهذه القصة بهذا التمام في " تهذيب الأسماء " (2 / 10) ، وقلده الأستاذ الطنطاوي في " سيرة عمر "، فإنهم يتساهلون في مثلها. اهـ.(3/102)
من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب
والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل
والله عز وجل يقول في كتابه: * (عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من
ارتضى من رسول) *. فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن
يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم.
على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفا، فهو من الأمور الخارقة
للعادة التي قد تقع من الكافر أيضا، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان
الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء إن الخارق
للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج، ويضربون على هذا مثل
الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري،
فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد " أغسطس " من السنة
السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان: " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء
الحواس الخمس " ص 23 قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها،
وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع
غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: " أواه يا أماه ... ماذا
أفعل؟ " ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع
تلقت منها رسالة جاء فيها: " ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك
تصيحين قائلة: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ ". وكان تاريخ الرسالة متفقا
مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها ". وفي المقال المشار إليه
أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و " الاستشفاف "
ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال
مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه
أنها مما لا يعقل! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير
هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان(3/103)
اطلاع الأولياء على
الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث
أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من
الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر)
في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما، فقد يصيب كما في هذه الحادثة وقد يخطئ
كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما
يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي
وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم
ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون) *. ولقد أحسن من قال:
إذا رأيت شخصا قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف على حدود الشرع فإنه مستدرج وبدعي
1111 - " أشبه ما رأيت بجبرائيل دحية الكلبي ".
أخرجه ابن سعد (4 / 250) عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح إلا أنه مرسل، ابن شهاب وهو الزهري تابعي صغير. ولكن
له شاهد من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا بلفظ: " عرض علي الأنبياء
... ". الحديث وفي آخره. " ورأيت جبريل، فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية "
. أخرجه مسلم (1 / 106) وأحمد (3 / 334) وابن عساكر (17 / 155 / 1) من
طريق الليث عن أبي الزبير عنه. وأخرج ابن سعد أيضا عن ابن عمر قال: " كان
جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ". وإسناده صحيح
على شرط مسلم، وبه أخرجه أحمد (2 / 107) عقب حديث ابن عمر الآخر في مجيء
جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤاله إياه عن الإسلام والإيمان
والإحسان.(3/104)
وفي المسند (6 / 142) عن عائشة رضي الله عنها: " وكان دحية
الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام " وإسناده جيد. وعنده (6
/ 146) من طريق مجالد عن الشعبي عن أبي سلمة عنها قالت: رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم واضعا يده على معرفة فرس وهو يكلم رجلا، قلت: رأيتك واضعا
يدك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه، قال: ورأيتيه؟ قالت: نعم،
قال: ذاك جبريل عليه السلام، وهو يقرئك السلام.. " الحديث. وإسناده حسن
في الشواهد، وقد أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن عمر عن يحيى بن سعيد عن
القاسم بن محمد عنها نحوه، دون إقراء السلام ... وإسناده قوي بما قبله.
1112 - " كنت أعلمتها (يعني ليلة القدر) ثم أفلتت مني، فاطلبوها في سبع بقين
أو ثلاث بقين ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 109 - زوائد نسخة المكتب الإسلامي) حدثنا يوسف
ابن موسى حدثنا عبد الله بن الجهم حدثنا عمرو بن أبي قيس (1) عن الزبير بن عدي
عن أبي وائل عن عبد الله قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة
القدر؟ فقال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير عبد الله بن
الجهم، ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 2 / 27) وقال عن أبي زرعة: " صدوق ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 176) : " رواه البزار ورجاله ثقات ".
وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما عن جماعة من الصحابة تجد بعضها
في " صحيح أبي داود " (1247 و 1248 و 1250 و 1251 و 1252) .
_________
(1) الأصل " عمرو بن أبي عيسى " والتصويب من كتب الرجال. اهـ.(3/105)
وفي " المسند "
(1 / 376 و 406 و 452 و 457) من طريقين آخرين عن ابن مسعود قال: إن رسول
الله صلى الله عليه وسلم نبأنا أن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر.
1113 - " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ".
قال في " المجمع " (4 / 98) : " رواه أبو يعلى عن عائشة وفيه مصعب بن
ثابت، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة ". وفي " التقريب ": " لين الحديث ".
قلت: وصحح له الحاكم (2 / 301) حديثا في انتظار الصلاة، ووافقه الذهبي
وهو من تساهلهما. والحديث عزاه السيوطي للبيهقي فقط في " الشعب " وقال
المناوي: " وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه، وكان ينبغي للمصنف
الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما ".
قلت: إن لم يكن في سند البيهقي من ينظر في حاله غير بشر هذا فالإسناد عندي قوي
لأن الكلام الذي أشار إليه المناوي في بشر لا يقدح فيه لأنه ثقة في نفسه بل هو
فوق ذلك ففي " التقريب ": " ثقة متقن طعن فيه برأي جهم، ثم اعتذر وتاب ".
حتى ولو كان رأيه هذا يقدح في روايته فلا يجوز ذلك بعد أن تاب منه واعتذر،
وإن كان في سند البيهقي مصعب بن ثابت فيكون المناوي قد أبعد النجعة حيث لم يعل
الحديث به بل بالثقة المتقن! والظاهر الأول. والله أعلم.
وللحديث شاهد يقويه بعض القوة وهو بلفظ: " إن الله يحب من العامل إذا عمل أن
يحسن ". أخرجه البيهقي. في " الشعب " من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن
أبيه عن عاصم بن كليب عن كليب بن شهاب الجرمي مرفوعا. وسببه رواه العلاء قال
: قال لي محمد بن سوقة: اذهب بنا إلى رجل له فضل، فانطلقا إلى عاصم بن كليب
فكان مما حدثنا أنه قال: حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر
ولم يمكن لها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا في لحد هذا.
حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم(3/106)
فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره
ولكن، إن الله. الحديث. هكذا أورده المناوي في " الفيض " من طريق البيهقي
ثم قال: " وقطبة بن العلاء أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: ضعفه النسائي
وقال أبو حاتم لا يحتج به. قال أعني الذهبي: والده العلاء لا يعرف، وعاصم
ابن كليب قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به. اهـ. وكليب ذكره ابن عبد
البر في الصحابة وقال: له ولأبيه شهاب صحبة، لكن قال في التقريب: وهم من
ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة. وعليه فالحديث مرسل ". والحديث رواه
الطبراني أيضا في " الكبير " كما في " المجمع " (4 / 98) وقال: " وفيه
قطبة بن العلاء وهو ضعيف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وجماعة لم
أعرفهم ". وله شاهد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 155) : " أخبرنا
محمد بن عمر حدثنا أسامة بن زيد عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان ابن
ثابت عن أمه، وكانت أخت مارية يقال لها: سيرين فوهبها النبي صلى الله عليه
وسلم لحسان فولدت له عبد الرحمن - قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لما
حضر إبراهيم وأنا أصيح وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح وغسله
الفضل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ثم رأيته على شفير
القبر ومعه العباس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل وأسامة زيد وكسفت الشمس
يومئذ، فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها
لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في
اللبن فأمر بها تسد فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنها لا تضر
ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي وإن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه ".
وإسناده رجال موثقون غير محمد بن عمر وهو الواقدي فإنه ضعيف جدا.
1114 - " إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، فقيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا
بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ".
رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 261) وابن حبان (1822) وأحمد (5 /
224) وابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 52 / 1) والبيهقي(3/107)
في " الزهد "
(ق 99 / 1) وهبة الله الطبري في " الفوائد الصحاح " (1 / 132 / 2) من طريق
معاوية بن صالح حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه قال: سمعت
عمرو بن الحمق الخزاعي مرفوعا به. وقال الطبري: " حديث صحيح على شرط
مسلم يلزمه إخراجه ".
قلت: وهو كما قال، ومن الغريب أن الحاكم أخرجه من هذا الوجه (1 / 340)
وقال: " صحيح " فقط. ووافقه الذهبي. وتابعه عبد الله بن يحيى بن أبي كثير
عن أبيه عن جبير بن نفير به نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 /
2 / 302) والطحاوي والخطيب في " التاريخ " (11 / 434) . وله شواهد:
1 - عن أبي أمامة به نحوه. أخرجه القضاعي (110 / 2) عن علي بن يزيد عن
القاسم عنه. وهذا إسناد ضعيف، علي بن يزيد هو الألهاني ضعيف.
2 - عن أبي عتبة الخولاني. رواه القضاعي أيضا من طريق بقية قال: أخبرنا محمد
ابن زياد عنه مرفوعا. وهذا إسناد لا بأس به لكن أبا عتبة هذا لم أعرفه إلا أن
يكون الكندي الحمصي سمع أبا أمامة الباهلي، روى عنه معاوية بن صالح كما في
" الجرح " (4 / 2 / 412) فهو مرسل. ثم استدركت فقلت: إنما هو أبو عنبة
الخولاني بالنون بدل المثناة من فوق كذلك ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 418 -
419) وقال عن أبيه: " هو من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. روى عنه أبو
الزاهرية ومحمد ابن زياد الألهاني ... ". ومن هذا الوجه أخرجه الدولابي (2
/ 10) لكن وقع في إسناده تحريف. وكذلك أخرجه أحمد (4 / 200) وصرح عن شيخه
سريج بن النعمان بأن لأبي عنبة صحبة وصرح هذا بسماعه من النبي صلى الله عليه
وسلم في حديث آخر عنده. والله أعلم. ثم رأيته في " السنة " لابن أبي عاصم
(رقم 400 - بتحقيقي) من طريق بقية حدثنا محمد بن زياد به.(3/108)
وقد رواه بقية
بإسناد آخر فقال: حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان حدثنا جبير بن نفير أن
عمر الجمعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أحمد (4
/ 135) . وهذا إسناد جيد إن كان بقية قد حفظه وإلا فالمحفوظ ما روى عبد
الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عمرو بن الحمق كما في الطريق الأولى. انظر
ترجمة عمر الجمعي هذا في " الإصابة " للحافظ ابن حجر.
1115 - " ما بين هذين وقت ".
أخرجه البزار (43) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا خالد بن الحارث عن حميد عن
أنس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الغداة؟ فصلى حين
طلع الفجر، ثم أسفر بعد، ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة؟ ما بين
... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو من أدلة القائلين بأن الوقت
الأفضل لصلاة الفجر إنما هو الغلس وعليه جرى الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة
حياته كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وإنما يستحب الخروج منها في الإسفار وهو
المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر ". وهو
حديث صحيح أخرجه البزار وغيره عن أنس، وعاصم بن عمر بن قتادة عن جده وهو في
" السنن " وغيرها من حديث رافع بن خديج، وهو مخرج في " المشكاة " (614)
وفي " الإرواء " (258) ، وهو تحت الطبع.
1116 - " احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشوا الكذب حتى
يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 64) من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن
سمرة قال: " خطبنا عمر بن الخطاب بـ (الجابية) ، فقال: إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم، فقال " فذكره.(3/109)
ومن هذا الوجه أخرجه
النسائي (في الكبرى) والطيالسي والحارث بن أبي أسامة وعبد بن حميد وأبو
يعلى الموصلي كلهم عن جرير به، كما في " زوائد ابن ماجة " للبوصيري (ق 145 /
2) وقال: " إسناد رجاله ثقات ".
قلت: وهم من رجال الشيخين. وأخرجه أحمد (1 / 18) والحاكم (1 / 114) من
طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر به نحوه بلفظ: " استوصوا بأصحابي
خيرا، ثم الذين يلونهم ... " الحديث نحوه. وقال: " صحيح على شرط الشيخين "
ووافقه الذهبي. ثم أخرج له طريقا أخرى عن سعد بن أبي وقاص قال: " وقف عمر بن
الخطاب بالجابية.... " الحديث، وقال: " إسناده صحيح ". ووافقه الذهبي.
وفيه محمد بن مهاجر بن مسمار ولم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، وأما
أبوه فثقة من رجال مسلم ولم يذكروا في الرواة عنه ابنه محمدا هذا! وجملة
القول أن الحديث صحيح بمجموع طرقه.
1117 - " أحفهما جميعا أو أنعلهما جميعا، فإذا لبست فابدأ باليمنى وإذا خلعت فابدأ
باليسرى ".
أخرجه أحمد (2 / 409 و 430 و 497) من طرق عن شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت
أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفي لفظ له
(2 / 477) : " إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى
لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا ".(3/110)
وهو عند البخاري (10 / 256 - فتح) من
طريق الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بالشطر الأول منه، وزاد: " لتكن اليمنى
أولهما تنعل، وآخرهما تنزع ". وفي رواية له من هذا الوجه: " لا يمش أحدكم
في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا ". والحديث عزاه في " ذيل
الجامع الصغير " (ق 8 / 2) لابن حبان في " صحيحه " عن أبي هريرة. ولم أره
في " موارد الظمآن " للهيثمي، فلا أدري أيهما الواهم.
1118 - " أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد
والطحال ".
رواه أحمد (2 / 97) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (89 / 2)
والعقيلي (231) وابن ماجة (3314) وابن عدي (229 / 1) والحاكم
والبيهقي (1 / 254) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 185 / 2) وابن ثرثال
في " سداسياته " (223 / 1) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن
عمر مرفوعا. وقال العقيلي: " حدثنا عبد الله قال: سمعت أبي يضعف عبد
الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: روى حديثا منكرا، حديث أحلت لنا ميتتان ".
قلت: وتابعه أخوه أسامة وعبد الله. أخرجه ابن عدي (27 / 1) عن إسماعيل بن
أبي أويس عن ثلاثتهم جميعا، وقال: " وبنو زيد بن أسلم على أن القول فيهم
أنهم ضعفاء، فإنهم يكتب حديثهم ويقرب بعضهم من بعض في باب الروايات ولم أجد
لأسامة بن زيد حديثا منكر الإسناد أو المتن، وأرجو أنه صالح ". ثم رواه ابن
عدي (216 / 2) من طريق مسعود بن سهل حدثنا يحيى بن حسان حدثنا عبد الله بن
زيد بن أسلم وسليمان بن بلال عن زيد بن أسلم به. وقال: " وهذا يدور رفعه
على الإخوة الثلاثة: عبد الله بن زيد وعبد الرحمن وأسامة، وأما ابن وهب
فإنه يرويه عن سليمان بن بلال موقوفا ".(3/111)
قلت: يعني على ابن عمر، فقد أخرجه البيهقي من طريق ابن وهب: حدثنا سليمان بن
بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أحلت لنا ... " الحديث.
وقال: " هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم "
. ثم ساقه من طريق ابن أبي أويس المتقدمة، وقال: " أولاد زيد كلهم ضعفاء
جرحهم يحيى بن معين، وكان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يوثقان عبد الله بن
زيد إلا أن الصحيح الأول ". يعني الموقوف وهو في حكم المرفوع كما تقدم في
كلامه، فالخلاف شكلي، والله أعلم.
1119 - " احلفوا بالله وبروا واصدقوا، فإن الله يكره أن يحلف إلا به ".
رواه السهمي في " تاريخ جرجان " (288) والثقفي في " الثقفيات " (ج 3 رقم 15
من منسوختي) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 267) عن عفان بن سيار قال:
حدثنا مسعر بن كدام عن وبرة عن ابن عمر مرفوعا. وقال أبو نعيم: " تفرد
به عفان عن مسعر ".
قلت: ورجاله موثقون. وللحديث طريق آخر عن ابن عمر بسند حسن سيأتي بلفظ:
" لا تحلفوا بآبائكم ". فالحديث صحيح بمجموع الطريقين.
1120 - " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق ".
أخرجه الحاكم (4 / 177) من طريق محمد بن عبد العزيز الراسبي عن أبي بكر بن
عبيد الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره، وزاد في أوله:(3/112)
" من عال جاريتين حتى تدركا دخلت الجنة أنا وهو
كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وبابان.... ". وقال: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا ولكن فاتهما أنه على شرط مسلم،
فقد أخرج في " صحيحه " هذه الزيادة فقط من هذا الوجه إلا أنه قال: " عبيد الله
ابن أبي بكر بن أنس " على القلب. وكذلك أخرجه الترمذي كما تقدم برقم (297)
. وفي رواية أخرى له: أبي بكر بن عبيد الله " كما في رواية الحاكم هذه، ثم
قال عقبها: " والصحيح الأول ".
(تنبيه) عزى المناوي الزيادة المذكورة إلى البخاري ولم أرها عنده وما أراه
إلا واهما، فلم يعزها إليه أحد غيره فيما علمت كالمنذري في " الترغيب " (3 /
83) والصغاني في " المشارق " (1 / 62 - بشرح المبارق) . والحديث أخرجه
أحمد (5 / 36) والحسن بن عرفة في " جزئه " (8 / 1) وأبو عبد الله بن نظيف
الفراء في " حديثه عن أبي الفوارس الصابوني " (ق 81 / 2) من طريق وكيع وغيره
عن محمد بن عبد العزيز الراسبي عن مولى لأبي بكرة عن أبي بكرة مرفوعا. ورجاله
ثقات غير مولى أبي بكرة فلم أعرفه. لكن الحديث صحيح، فإنه مختصر من الحديث
المتقدم من طريق أخرى عن أبي بكرة مرفوعا. فراجعه برقم (918) . ومثله ما في
" الجامع الصغير " من رواية البخاري في " التاريخ " والطبراني في " المعجم
الكبير " عن أبي بكرة بلفظ: " اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق
الوالدين ". ثم رأيته في " أخبار أصبهان " (2 / 99) من طريق الطبراني
بإسناده عن سعد مولى أبي بكرة حدثنا عبيد الله بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا به.
وعبيد الله هذا لم أجد من ترجمه، وقد ذكروه في الرواة عن أبيه.(3/113)
وسعد مولى
أبي بكرة، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 99) وقال: روى عن أبي بكرة! وكذا
قال ابن حبان في " الثقات " (1 / 107) ! وأما البخاري فأورده في " التاريخ "
(2 / 2 / 55) على الصواب فقال: روى عن عبيد الله بن أبي بكرة. وللحديث
شاهد من حديث أبي هريرة نحوه وقد خرجته فيما مضى (978) . وجاء بلفظ آخر
وهو: " من قطع رحما أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت ".
1121 - " من قطع رحما أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت ".
علقه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 207) قال:
1 - قال هشام الدستوائي: عن يحيى بن أبي كثير عن عمر عن رجل من الأنصار عن
القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم
فذكره.
2 - وقال سليمان بن بلال: عن ابن علاثة عن هشام بن حسان عن يحيى ابن أبي كثير
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
3 - وقال النفيلي عن أبي الدهماء عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرجه البيهقي (10 / 35
) من طريق أبي حنيفة عن يحيى بن أبي كثير عن مجاهد وعكرمة عن أبي هريرة مرفوعا.
ثم ذكر الخلاف فيه على يحيى ثم قال: " والحديث مشهور بالإرسال ". وقد سبق
حكاية كلامه تحت الحديث (978) وهو بمعنى هذا فراجعه. والحديث بمجموع طرقه
صحيح.
1122 - " احفظ لسانك. ثكلتك أمك معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم إلا ألسنتهم ".
أورده السيوطي هكذا في " ذيل الجامع الصغير " (ق 8 / 2) من رواية الخرائطي في
" مكارم الأخلاق " عن الحسن مرسلا وهو في " مسند أحمد " (5 / 231) من طريق
أبي وائل عن معاذ بن جبل قال:(3/114)
" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر.
... ". الحديث وفيه: " ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه
؟ ". فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة
سنامه الجهاد ". ثم قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " فقلت له: بلى يا نبي
الله فأخذ بلسانه فقال: " كف عليك هذا "، فقلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون
بما نتكلم به؟ فقال: " ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم في
النار أو قال علي مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ". وقد أخرجه الترمذي وصححه
وابن ماجة وغيرهما نحوه، وقد أعله المنذري وغيره بالانقطاع وشرح ذلك
العلامة ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم والحكم " (ص 195) . لكن الحديث
صحيح بمجموع طرقه، ولاسيما هذا القدر منه في حفظ اللسان فإن له شواهد مخرجة
في " مجمع الزوائد " (10 / 300 - 301) ومن شواهده ما في " الجامع الصغير "
عن مالك بن يخامر مرفوعا: " احفظ لسانك ". رواه ابن عساكر.
قلت: وأخرجه الطبراني (ق 59 / 1 من المنتخب منه) من طريق ابن ثوبان عن أبيه
عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال: " قلت يا رسول الله ما نجاة
المؤمن؟ قال: احفظ لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ".
قلت: وهذا إسناد حسن.
1123 - " احلقوه كله أو اتركوه كله ".
أخرجه أحمد (2 / 88) وعنه أبو داود (2 / 194 - التازية) والنسائي (2 /
276) عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. " أن النبي
صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال "
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم(3/115)
(6 / 165) من هذا
الوجه لكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ طريق عمر بن نافع عن أبيه بلفظ
: " نهى عن القزع ".
1124 - " أخر الكلام في القدر لشرار أمتي في آخر الزمان ".
رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (3 / 1، 37 / 2) والدولابي (2 / 38)
والبزار في " مسنده " (ص 230 - زوائده) وابن أبي عاصم في " السنة " (350)
والحاكم (2 / 473) والجرجاني في " الفوائد " (160 / 2) عن عنبسة الحداد
عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه
أيضا ابن بشران في " الأمالي " (74 / 1) والسلفي في " الطيوريات " (246 / 2
) والعقيلي في " الضعفاء " (331) وقال: " عنبسة بن عمرو يهم في حديثه ".
وقال البزار: " لا نعلم رواه عن الزهري إلا عنبسة وهو لين الحديث ". وقال
الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "، ورده الذهبي بقوله " عنبسة ثقة لكن لم
يرويا له ". وهذا وهم منهما فإن عنبسة هذا ما وثقه أحد! ثم رواه العقيلي
واللالكائي في " السنة " (1 / 142 / 2) عن الأغلب بن تميم عن منيع أبي خالد
عن الزهري عن رجل من الأنصار مرفوعا به. وقال العقيلي: " هذا أولى ". وكذا
قال الذهبي في ترجمة عنبسة بن مهران فيحقق، ونقل عن أبي حاتم أنه منكر الحديث
. ورواه البزار والعقيلي في " الضعفاء " (277) من طريق نعيم بن حماد:
حدثنا عمر بن أبي خليفة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة به. وقال: " عمر هذا
منكر الحديث ". ونقل عن موسى بن هارون أنه قال: " وهذا الحديث منكر ".
وأما البزار فقال: " إسناده حسن ". وهذا أقرب إلى الصواب، فإن عمر هذا قال
فيه أبو حاتم: صالح الحديث، وقال عمرو بن علي: " من الثقات ".(3/116)
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 202) : " رواه البزار والطبراني في
" الأوسط " ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح غير عمر بن أبي خليفة
وهو ثقة ".
1125 - " ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم؟ تحمدون الله
في دبر كل صلاة وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا
وثلاثين ".
أخرجه ابن ماجة (927) وأحمد (5 / 158) عن بشر بن عاصم عن أبيه عن
أبي ذر قال: " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم - وربما قال سفيان: قلت:
يا رسول الله ذهب أهل الأموال والدثور بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا
ننفق. قال لي ... " فذكره. واللفظ لابن ماجة ولفظ أحمد: " قلت: يا رسول
الله سبقنا أصحاب الأموال والدثور سبقا بينا، يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم
وعندهم أموال يتصدقون بها وليست عندنا أموال، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: ألا أخبرك ... " الحديث وفي آخره: " تسبح خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين
وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين ".
قلت: وإسناده صحيح. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 26 /
1) و " ذيل الجامع الصغير " (ق 9 / 1) من رواية أحمد وابن ماجة وابن خزيمة
والضياء عن أبي ذر بلفظ أحمد إلا أنه أسقط من أوله أداة التنبيه (ألا) وقال
: " وتحمد أربعا وثلاثين " مكان " وتكبر أربعا وثلاثين " وهذا وهم لا أدري
أهو من قلم السيوطي أو من أحد رواة الحديث عند غير أحمد وابن ماجة، فإنه
عندهما على الصواب كما رأيت، وكذلك أورده السيوطي بلفظ ابن ماجة " ألا أخبركم
.... ". في فصل " ألا ".(3/117)
1126 - " نهى عن اختناث الأسقية ".
أخرجه البخاري (10 / 73) ومسلم (6 / 110) وأبو داود (2 / 134)
والترمذي (1 / 345) والدارمي (2 / 119) والطحاوي (2 / 360) وكذا ابن
ماجه (2 / 336) والطيالسي (رقم 2230) وأحمد (3 / 6 و 67 و 69 و 93)
وأبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 112 / 1) من طريق الزهري: سمع عبيد الله
ابن عبد الله عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح
". قال الحافظ في " الفتح ": " ووقع في مسند أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن
هارون عن ابن أبي ذئب (قلت يعني عن الزهري) في أول هذا الحديث: " شرب رجل من
سقاء فانساب في بطنه جنان، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وكذا
أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة فرقهما عن يزيد به ".
قلت: وهو عند الدارمي و " المسند " عن يزيد به دون هذه الزيادة. والله أعلم
. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس بهذا اللفظ وزاد: " وأن رجلا بعدما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قام من الليل إلى سقاء فاختنثه فخرجت عليه
منه حية ". أخرجه ابن ماجة والحاكم (4 / 140) من طريق أبي عامر الغفاري:
حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط البخاري ". وليس كذلك كما أشار إليه الذهبي بقوله: " كذا قال
" وذلك لأن زمعة وسلمة ليسا من رجال البخاري، ثم إن الأول منهما ضعيف
والثاني فيه كلام، وقد رواه غيره عن عكرمة بلفظ آخر بدون هذه الزيادة فانظر
: (نهى أن يشرب من في السقاء) .
1127 - " إن أخوف ما أتخوفه على أمتي آخر الزمان ثلاثا: إيمانا بالنجوم وتكذيبا
بالقدر وحيف السلطان ".
رواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (23 / 1 - 2) عن ليث بن
أبي سليم عن طلحة بن مصرف رفعه.(3/118)
قلت: وليث ضعيف لاختلاطه، ومن طريقه رواه الطبراني في " المعجم الكبير " من
حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي في
" المجمع " (7 / 203) : " وفيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا
". لكن الحديث له شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة في نقدي وهي من حديث
أبي محجن وأبي الدرداء وأنس بن مالك.
1 - أما حديث أبي محجن فهو بلفظ: " أخاف على أمتي من بعدي ثلاثا: حيف الأئمة
وإيمانا بالنجوم وتكذيبا بالقدر ". رواه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم
" (2 / 39) وابن عساكر (16 / 308 / 1) أخبرنا حسين بن أبي زيد الدباغ
أخبرنا علي بن يزيد الصدائي أخبرنا أبو سعد البقال عن أبي محجن قال: أشهد على
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وهذا سند ضعيف أبو سعد البقال
اسمه سعيد بن المرزبان وهو ضعيف مدلس وقد عنعنه. وعلي بن يزيد الصدائي فيه
لين كما في " التقريب ". وأما الدباغ هذا فترجمه الخطيب (8 / 110 - 111)
ووثقه.
2 - وأما حديث أبي الدرداء فهو بلفظ: " أخاف على أمتي ثلاثا: زلة عالم
وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر ". رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي
الدرداء مرفوعا. وقال الهيثمي (7 / 203) : " وفيه معاوية بن يحيى الصدفي
وهو ضعيف ".(3/119)
3 - وأما حديث أنس فهو: " أخاف على أمتي بعدي تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم
". رواه أبو يعلى في " مسنده " (1023) وابن عدي (196 / 1) عن شهاب بن
خراش عن يزيد الرقاشي حدثنا أنس مرفوعا. وقال: " شهاب في بعض رواياته ما
ينكر عليه ولا أعرف للمتقدمين فيه كلاما فأذكره ".
قلت: قال الذهبي: " صدوق مشهور له ما يستنكر ... قد وثقوه ". وشيخه يزيد
الرقاشي ضعيف.
4 - وأما حديث جابر فلفظه: " ثلاث أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء وحيف
السلطان وتكذيب بالقدر ". أخرجه أحمد (5 / 90) وابنه وابن أبي عاصم في
" السنة " (324) والطبراني (1 / 92 / 1) عن محمد بن القاسم الأسدي حدثنا
فطر عن أبي خالد الوالبي عنه. ومن هذا الوجه أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ص
1802) والطبراني في " الصغير " (182) وغيره قال الهيثمي: " وفيه محمد بن
القاسم الأسدي وثقه ابن معين، وكذبه أحمد وضعفه بقية الأئمة ".
قلت: فهو واه جدا فلا يستشهد بحديثه، وفيما قبله كفاية.
1128 - " صلوا في مراح الغنم وامسحوا رغامها، فإنها من دواب الجنة ".
رواه ابن عدي (276 / 1) وعنه البيهقي (2 / 449) عن كثير بن زيد عن الوليد
ابن رباح عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " وكثير لم أر بحديثه بأسا وأرجو
أنه لا بأس به ".(3/120)
قلت: وقال الذهبي: " صدوق، فيه لين ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله ما لم يخالف. وقد توبع، أخرجه البيهقي
أيضا والخطيب في " التاريخ " (7 / 432) من طريق إبراهيم بن عيينة قال: سمعت
ابن حبان يذكر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن
الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها ".
قلت: وهذا إسناد حسن أيضا، إبراهيم بن عيينة قال الحافظ: " صدوق يهم ".
وله طريق ثالثة بلفظ: " امسح رغامها (يعني الغنم) وصل في مراحها، فإنها
من دواب الجنة ". أخرجه البزار (49) من طريق عبد الله بن جعفر بن نجيح:
حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن وهب بن كيسان عن حميد بن مالك عن أبي هريرة قال
: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم؟ قال ... "
فذكره، وقال: " لا نعلم أسند حميد عن أبي هريرة إلا هذا ". قال الهيثمي:
" عبد الله بن جعفر ضعيف ".
قلت: وهو والد علي بن المديني الحافظ. وله طريق رابعة بزيادة في أوله
أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (2070) . ثم وجدت له شاهدا يرويه أبو حيان
قال:(3/121)
سمعت شيخا من بني هاشم وذكر الغنم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ... فذكره. أخرجه ابن أبي شيبة في " مسنده " (2 / 76 / 1) .
قلت: ورجاله ثقات غير الشيخ الهاشمي فإن كان من الصحابة فهو صحيح الإسناد لأن
جهالة الصحابي لا تضر، وهو الظاهر من إخراج ابن أبي شيبة إياه في " المسند "
. وإن كان تابعيا، فهو مرسل. وهذا هو الظاهر لأن أبا حيان - واسمه يحيى بن
سعيد بن حيان - لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة وإنما عن التابعين
ولذلك أورده الحافظ في الطبقة السادسة. وعلى كل حال، فهذا الإسناد لا بأس
به في الشواهد.
1129 - " أول من يكسى خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ".
رواه البزار في " مسنده " (254 - زوائده) وابن عساكر (2 / 178 / 1) عن ليث
عن مجاهد عن عائشة مرفوعا. وقال البزار: " إسناد حسن "!
قلت: ليث ضعيف من قبل حفظه لكن الحديث صحيح، فقد رواه البخاري (2 / 339 /
370) ومسلم (8 / 157) وابن عساكر أيضا (2 / 2177) من حديث لابن عباس
وابن عساكر من حديث ابن مسعود.
1130 - " أخروا الأحمال (على الإبل) فإن اليد معلقة، والرجل موثقة ".
رواه أبو القاسم بن الجراح الوزير في المجلس السابع من " الأمالي " (2 / 1)
وابن صاعد في " جزء من أحاديثه " (2 / 9) والمخلص في الثاني من السادس من
" الفوائد المنتقاة " (188 / 1) عن سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه
يعني بكر بن وائل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.(3/122)
وهكذا رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (285 / 1 - 2) . وعنده الزيادة
. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير وائل بن داود وهو ثقة
كما قال الحافظ. وقد تابعه قيس عن بكر بن وائل به. أخرجه أبو يعلى (1403)
والبزار (114 - زوائده) والطبراني في " الأوسط " (1 / 1113) وقال: " لم
يروه عن الزهري إلا بكر ".
قلت: وهو ثقة كما علمت لكن قيس وهو ابن الربيع ضعيف من قبل حفظه وبه أعله
المناوي وخفيت عليه متابعة وائل بن داود إياه.
1131 - " أخر عني يا عمر! إني خيرت فاخترت وقد قيل (لي) : * (استغفر لهم أو لا
تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) *. لو أعلم أني لو زدت
على السبعين غفر له لزدت ".
أخرجه الترمذي (2 / 185) وأحمد (1 / 16) عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول
: " لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه،
فقام إليه فلما وقف يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله
أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا؟ يعد أيامه، قال:
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرت قال: فذكره، قال: ثم
صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجب لي وجرأتي على
رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا
حتى نزلت هاتان الآيتان * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره
إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) *. قال: فما صلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله ". وقال
الترمذي:(3/123)
" حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وإسناده حسن، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وقد تابعه عقيل عن ابن
شهاب به. دون قوله: " وقد قيل لي! (استغفر لهم ... ) الآية " ودون قوله:
" فما صلى بعده على منافق ... " الخ. أخرجه البخاري (1 / 343 - 344) و (3 /
253) والنسائي (1 / 279) .
1132 - " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس
الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
أخرجه أحمد (رقم 1691) والدارمي (2 / 233) وأبو يعلى (ص 248) والحميدي
(85) والبيهقي (9 / 208) من طريق يحيى بن سعيد حدثنا إبراهيم بن ميمون
حدثنا سعد بن سمرة بن جندب عن أبيه عن أبي عبيدة قال: آخر ما تكلم به
النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث. ثم أخرجه أحمد (برقم 1691) من طريق
أبي أحمد الزبيري حدثنا إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة به إلا أنه قال:
" يتخذون ". وهذا إسناد حسن أو صحيح رجاله ثقات كلهم إلا أن سعد بن سمرة لم
يذكروا له راويا غير إبراهيم بن ميمون. ثم أخرجه أحمد (رقم 1699) من طريق
وكيع حدثني إبراهيم بن ميمون مولى آل سمرة عن إسحاق بن سعد بن سمرة عن أبيه عن
أبي عبيدة بن الجراح به مقتصرا على الشطر الأول من الحديث. فزاد في الإسناد
إسحاق بن سعد بن سمرة فأفسده لأن إسحاق هذا لا يعرف لكن الصواب إسقاطه منه كما
رواه يحيى بن سعيد وأبو أحمد الزبيري، وهو الذي اعتمده الحافظ في التعجيل
(ص 29) . والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 325) وقال: " رواه
أحمد بأسانيد ورجال طريقين منهما ثقات متصل إسنادهما، ورواه أبو يعلى ".(3/124)
ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطيالسي (رقم 229) قال: حدثنا قيس عن إبراهيم بن
ميمون مثل رواية يحيى وأبي أحمد إسنادا، ورواية وكيع متنا، فهذا يقوي ما
استصوبناه آنفا والحمد لله على توفيقه والحديث علقه أبو عبيد في " الأموال "
(رقم 276) وأخرجه الطحاوي في " المشكل " (4 / 12) من الطريقين الأولين
ومن طريقين آخرين على الصواب بلفظ: " أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ". قال
في " المجمع ": " رواه الطبراني من طريقين عن أم سلمة، ورجال أحدهما رجال
الصحيح ".
قلت: وهو لفظ حديث أبي عبيدة المتقدم عند الطيالسي إلا أنه قال: " يهود
الحجاز ". وله شواهد كثيرة: فانظر: " لا يبقين "، " لا يترك "، " لا
يجتمع "، " يا علي إن أنت وليت " وغيرها مثل " لأخرجن اليهود " (924) .
ومنها هذا: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت
أجيزهم ".
1133 - " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ".
أخرجه البخاري (6 / 208) ومسلم (5 / 75) وأبو داود (2 / 43) والطحاوي
(4 / 16) والبيهقي (9 / 207) وأحمد (رقم 1935) من حديث ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: قلت: فذكر الحديث ثم قال:
قال ابن عباس وسكت عن الثالثة، أو قال فأنسيتها.
قلت: وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظ " المشرك " على أهل الكتاب، فإنهم هم
المعنيون بهذا الحديث كما يدل عليه الحديث السابق ومثله الحديث الآتي: " لئن
عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما ".
1134 - " لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما
".
أخرجه مسلم (5 / 160) وأبو داود (2 / 43) والترمذي (2 / 398) والحاكم
(4 / 274) والبيهقي (9 / 207) وأحمد (1 / 32) من طريق(3/125)
سفيان الثوري عن
أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وأخرجه مسلم من
طريق معقل وهو ابن عبيد الله عن أبي الزبير بهذا الإسناد مثله. وتابعه جماعة
عن أبي الزبير، وقد تقدم بلفظ " لأخرجن اليهود " (924) . والحديث استدركه
الحاكم على مسلم فوهم، وعذره في ذلك أن مسلما رحمه الله لم يسق لفظه وإنما
أحال فيه على اللفظ المتقدم هناك وهذا هو السبب في تقصير السيوطي في عدم عزوه
إياه في كتابيه " الجامع الكبير " (2 / 119 / 1) و " ذيل الجامع الصغير "
وعزاه فيهما للترمذي والحاكم فقط! ووقع في " الفتح الكبير " (2 / 7 معزوا
لأبي داود مكان الحاكم، وهو تصحيف، وإن كان في نفسه صوابا.
" تنبيه " أورده السيوطي في المصدرين السابقين بلفظ: " أخرجوا اليهود
والنصارى من جزيرة العرب ". وعزاه لمسلم عن عمر ولم أره عنده بهذا اللفظ
مطلقا وإنما بلفظ " المشركين " ومن حديث ابن عباس كما تقدم في الحديث قبله.
1135 - " اخرج فناد في الناس: من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ص 35 - مصورة المكتب الإسلامي) : حدثنا سويد بن
سعيد أخبرنا سويد بن عبد العزيز عن ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر قال: سمعت
أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فخرجت
فلقيني عمر بن الخطاب فقال: مالك أبا بكر؟ فقلت: قال لي رسول الله صلى الله
عليه وسلم: أخرج ... (الحديث) قال عمر: ارجع إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فإني أخاف أن يتكلوا عليها، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
: ما ردك؟ فأخبرته بقول عمر، فقال: " صدق ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وسويد بن عبد العزيز لين الحديث كما في " التقريب "
وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 15) وقال: " وهو متروك ".(3/126)
وسويد
ابن سعيد وهو الأنباري قال الحافظ: " صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما
ليس من حديثه وأفحش فيه ابن معين القول ".
قلت: وقد يدل على خطئه أو خطأ شيخه أن القصة وقعت لأبي هريرة مع عمر رضي الله
عنهما، كما رواه مسلم (1 / 44 - 45) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو
هريرة قال: " كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر
. . . . فقال: يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه، قال - اذهب بنعلي هاتين فمن
لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره
بالجنة. فكان أول من لقيت عمر فقال. . . . " الحديث نحوه. فهذا يشهد لثبوت
حديث الترجمة لكن عكرمة بن عمار وإن أخرج له مسلم ففيه كلام كثير، وقال
الحافظ: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب
". والحديث ذكر له السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 27 / 2) شاهدا من
حديث أبي الدرداء من رواية الطبراني في " المعجم الكبير ". وأصله في " مسلم "
(1 / 66) من حديث أبي ذر. ثم وجدت القصة قد وقعت لجابر مع عمر رضي الله
عنهما وفيها قال جابر: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ناد في
الناس: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فخرج، فلقيه عمر في الطريق ... "
الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان (7 - زوائده) بإسناد صحيح. فلعل النبي صلى
الله عليه وسلم أمر جماعة من الصحابة بالمناداة بذلك فلقيهم عمر وجرى بينه
وبينهم ما جرى. والله أعلم. وأما ما أخرجه أبو يعلى والبزار عن عمر رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه من شهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصا دخل الجنة، فقال عمر: يا رسول الله:
إذا يتكلوا، فقال: دعهم. فقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 17) :(3/127)
" وفي
إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف لسوء حفظه ".
1136 - " أمرت الرسل قبلي ألا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا ".
أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 398) والحاكم (4 / 125 - 126) عن أبي بكر بن
عبد الله بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس.
" أنها بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره، وذلك في طول
النهار وشدة الحر، فرد إليها رسولها: أنى لك هذا اللبن؟ فقالت: لبن من شاة
لي، فرد إليها رسولها: أنى لك هذه الشاة؟ قالت: اشتريتها من مالي. فشرب،
فلما كان من الغد أتت أم عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا
رسول الله بعثت إليك بذلك اللبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر، فرددت إلي
فيه الرسول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ابن أبي مريم واه ".
قلت: لكن يشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أيها الناس إن الله طيب لا
يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال * (يا أيها
الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم) *. . . ".
الحديث. أخرجه مسلم (3 / 85) والترمذي (2992) والدارمي (2 / 300)
وأحمد (2 / 328) من طريق الفضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عنه به
. قلت: وإسناده حسن، فإن فضيل بن مرزوق صدوق يهم كما قال الحافظ في
" التقريب ".(3/128)
1137 - " المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل
الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد ".
رواه أحمد (5 / 340) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 190) والقضاعي (3 / 2
/ 2) عن مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ورجاله ثقات غير مصعب هذا قال الحافظ: " لين الحديث "
. وقد تابعه زهير بن محمد عن أبي حازم إلا أنه قال: عن أبي هريرة مرفوعا به
مختصرا بلفظ: " المؤمن من المؤمن بمنزلة الرأس من الجسد، كذلك المؤمن يؤلمه
ما يصيب المؤمنين ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 367) :
حدثني الوليد بن شجاع حدثني الوليد بن مسلم حدثني زهير بن محمد به.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم لكن زهيرا هذا قال الحافظ في " التقريب ":
" رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها ".
قلت: وهذا الحديث منها، فإن الوليد بن مسلم شامي، ثم هو مدلس تدليس التسوية
. لكن يشهد له حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله ".
أخرجه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 271، 276) وأبو نعيم في " الحلية "
(4 / 126) من طريقين عنه.(3/129)
1138 - " ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا
والآخرة ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 435) من طريق هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن العلاء
ابن زيادة العدوي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وقال البوصيري في " الزوائد " (232 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله
ثقات، العلاء بن زياد ذكره ابن حبان في " الثقات " ولم أر من تكلم فيه وباقي
رجال الإسناد ثقات ".
قلت: وقد اختلف فيه على قتادة، فرواه الدستوائي عنه هكذا، وقال همام عنه
عن العلاء بن زياد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا. أخرجه
أحمد في " الزهد " (255) . وقال عمران القطان: عنه عن العلاء بن زياد عن
معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (2 / 247) وقال: " لم يتابع أحد من أصحاب قتادة عمران القطان
عليه عن معاذ بن جبل، ورواه همام وغيره عن قتادة عن العلاء مرسلا، ورواه
وكيع عن هشام عن قتادة عن العلاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
وحديث معاذ أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 175) وقال: " رواه الطبراني
ورجاله رجال " الصحيح " غير العلاء بن زياد وهو ثقة ولكنه لم يسمع من معاذ "
. وذكر له شاهدا من حديث أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: " ما سأل العباد شيئا أفضل
من أن يغفر لهم ويعافيهم ". رواه البزار ورجاله رجال " الصحيح ".(3/130)
1139 - " لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال عندي منه شيء إلا
شيئا أرصده لدين ".
أخرجه البخاري (3 / 83، 7 / 178) عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد
الله بن عتبة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا. وقال: رواه صالح
وعقيل عن الزهري.
قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: ما يسرني أن لي. ويأتي.
طريق ثالث: بلفظ: ما أحب أن لي. وتأتي أيضا.
1140 - " سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر ".
أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (264) حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن
منيع في " كتاب فضائل القرآن " قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان
عن عاصم عن زر عن عبد الله مرفوعا. أورده في ترجمة إسحاق هذا، وهو إسحاق
ابن إبراهيم بن جميل يلقب " بشحه " وقال: " شيخ صدوق صاحب أصول من المعمرين
كان قد قارب المائة، عنده " المسند " عن أحمد بن منيع وكتب هشيم ". قلت:
وسائر الرجال موثوقون معروفون فالسند حسن وقد أخرجه الحاكم (2 / 498) من طريق
عبد الله أنبأنا سفيان به موقوفا أتم منه، وهو في حكم المرفوع وقال: " صحيح
الإسناد " ووافقه الذهبي. ويشهد له حديث ابن عباس قال: " ضرب بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان
يقرأ سورة * (تبارك الذي بيده الملك) * حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر،
فإذا فيه إنسان يقرأ سورة (تبارك الملك) حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ".(3/131)
أخرجه الترمذي
(2 / 146) وابن نصر (66) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 81) من طريق
يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عنه. وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب ". وقال أبو نعيم: " لم نكتبه مرفوعا مجودا إلا من حديث
يحيى بن عمرو عن أبيه ".
قلت: أبوه عمرو بن مالك صدوق له أوهام. وابنه يحيى ضعيف ويقال: إن حماد بن
زيد كذبه كما في " التقريب "، وساق له في " الميزان " من مناكيره أحاديث هذا
أحدها.
1141 - " إن الله عز وجل زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي
الركعتان قبل صلاة الفجر ".
أخرجه البيهقي (2 / 469) من طريق عمر بن محمد بن بجير حدثنا العباس بن الوليد
الخلال بدمشق حدثنا مروان بن محمد الدمشقي حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي
كثير عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديث
غريب من حديث معاوية بن سلام، ومعاوية بن سلام محدث أهل الشام وهو صدوق
الحديث ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فليس بصاحب حديث، وبلغني عن محمد
ابن إسحاق بن خزيمة أنه قال: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في
هذا الحديث. ثم ساق البيهقي إسناده إلى ابن خزيمة بهذه الحكاية.
قلت: وابن بجير حافظ كبير صدوق ومن فوقه ثقات من رجال مسلم غير العباس بن
الوليد الخلال وهو صدوق أيضا، فالإسناد جيد. وهو كما قال البيهقي أصح من
إسناد حديث خارجة في الوتر أنها خير من حمر النعم، وقد بينت علته في " ضعيف
السنن " (255) . ومضى له شاهد مختصر (رقم 108) .(3/132)
1142 - " عائشة زوجي في الجنة ".
أخرجه ابن سعد (8 / 66) عن مسلم البطين قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أنه مرسل لأن مسلما وهو ابن عمران
البطين من صغار التابعين ولكن من المراسيل الصحيحة لأن له شواهد كثيرة تدل على
ذلك: الأول: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله
عنها قالت: فتكلمت أنا فقال: " أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة
؟ قلت: بلى، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة ". أخرجه الحاكم (4 / 10
) من طريق أبي العنبس سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنا عائشة ... وقال:
" أبو العنبس هذا ثقة، والحديث صحيح ". ووافقه الذهبي.
قلت: وأبو كثير بن عبيد التيمي وثقة ابن حبان، وروى عنه جمع.
الثاني: عنها أيضا قالت: " قلت: يا رسول الله من من أزواجك في الجنة؟ قال:
أما إنك منهن ". أخرجه الحاكم (4 / 13) من طريق يوسف بن يعقوب الماجشون:
حدثني أبي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عنها وقال: " صحيح الإسناد ".
ووافقه الذهبي.
وأقول: هو على شرط مسلم. وأخرجه ابن سعد (8 / 65) من طريق أسامة بن زيد
الليثي عن أبي سلمة الماجشون عن أبي محمد مولى الغفارين أن عائشة قالت: فذكره
نحوه. وأبو سلمة هذا هو والد يعقوب المتقدم ولم أجد من ترجمه.(3/133)
الرابع: عن القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت، فجاء ابن عباس فقال: يا أم
المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر.
أخرجه البخاري (7 / 85 - فتح) ، والحاكم (4 / 9) من طريق أخرى عن ابن عباس
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو على شرط مسلم.
الخامس: عن أبي وائل قال: " لما بعث علي عمار والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم،
خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم
لتتبعوه أو إياها ". أخرجه البخاري وأحمد (4 / 265) . وأخرجه الحاكم (4 /
6) من طريق عبد الله بن زياد الأسدي قال: سمعت عمار بن ياسر يحلف بالله أنها
زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وقال: " صحيح على شرط الشيخين "
. ووافقه الذهبي.
قلت: عبد الله بن زياد وأبو بكر بن عياش - الذي في الطريق إليه - لم يخرج
لهما مسلم شيئا. قال ابن التين في حديث البخاري: " فيه أنه قطع لها بالجنة
إذا لا يقول ذلك إلا بتوقيف ".
1143 - " يقول الله: يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتكك من مثل هذه حتى إذا سويتك
وعدلتك مشيت بين بردتين وللأرض منك وئيد ـ يعني شكوى ـ فجمعت ومنعت حتى إذا
بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟! ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 157) مختصرا والحاكم (2 / 502 و 323) وأحمد (4 /
210) وابن سعد (7 / 427) من طريق حريز بن عثمان حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة
عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش القرشي قال:(3/134)
" تلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم هذه الآية * (فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال
عزين، أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم. كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) *
، ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفه فقال " فذكره. والسياق للحاكم
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وقال البوصيري في " الزوائد "
(ق 168 / 1) : " إسناده صحيح، ورجاله ثقات ". وهو كما قالوا.
1144 - " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه
إلا لمشرك أو مشاحن ".
حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا وهم معاذ
ابن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمرو وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة
وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة.
1 - أما حديث معاذ فيرويه مكحول عن مالك بن يخامر عنه مرفوعا به. أخرجه ابن
أبي عاصم في " السنة " رقم (512 - بتحقيقي) حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو
خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي وابن ثوبان (عن أبيه) عن مكحول به. ومن هذا
الوجه أخرجه ابن حبان (1980) وأبو الحسن القزويني في " الأمالي " (4 / 2)
وأبو محمد الجوهري في " المجلس السابع " (3 / 2) ومحمد بن سليمان الربعي في
" جزء من حديثه " (217 / 1 و 218 / 1) وأبو القاسم الحسيني في " الأمالي "
(ق 12 / 1) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 288 / 2) وابن عساكر في "
التاريخ " (15 / 302 / 2) والحافظ عبد الغني المقدسي في " الثالث والتسعين
من تخريجه " (ق 44 / 2) وابن المحب في " صفات رب العالمين " (7 / 2 و 129 /
2) وقال: " قال الذهبي: مكحول لم يلق مالك بن يخامر ".
قلت: ولولا ذلك لكان الإسناد حسنا، فإن رجاله موثوقون، وقال الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (8 / 65) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "
ورجالهما ثقات ".(3/135)
2 - وأما حديث أبي ثعلبة فيرويه الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عنه. أخرجه
ابن أبي عاصم (ق 42 - 43) ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في " العرش " (118 /
2) وأبو القاسم الأزجي في " حديثه " (67 / 1) واللالكائي في " السنة " (1
/ 99 - 100) وكذا الطبراني كما في " المجمع " وقال: " والأحوص بن حكيم
ضعيف ". وذكر المنذري في " الترغيب " (3 / 283) أن الطبراني والبيهقي أيضا
أخرجه عن مكحول عن أبي ثعلبة، وقال البيهقي: " وهو بين مكحول وأبي ثعلبة
مرسل جيد ".
3 - وأما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن
أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. أخرجه أحمد (رقم 6642) .
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي: " وابن
لهيعة لين الحديث وبقية رجاله وثقوا ". وقال الحافظ المنذري: (3 / 283)
" وإسناده لين ".
قلت: لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به. أخرجه ابن حيويه في " حديثه ". (3
/ 10 / 1) فالحديث حسن.
4 - وأما حديث أبي موسى فيرويه ابن لهيعة أيضا عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن
عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة. وعبد الرحمن وهو ابن عرزب والد
الضحاك مجهول. وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة.(3/136)
5 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه هشام بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح
عنه مرفوعا بلفظ: " إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك
أو مشاحن ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 245 - زوائده) . قال الهيثمي:
" وهشام بن عبد الرحمن لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
6 - وأما حديث أبي بكر الصديق فيرويه عبد الملك بن عبد الملك عن مصعب بن أبي
ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عنه. أخرجه البزار أيضا وابن خزيمة في
" التوحيد " (ص 90) وابن أبي عاصم واللالكائي في " السنة " (1 / 99 / 1)
وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 2) والبيهقي كما في " الترغيب " (3 /
283) وقال: " لا بأس بإسناده "! وقال الهيثمي: " وعبد الملك بن عبد
الملك ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ولم يضعفه. وبقية رجاله
ثقات "! كذا قالا، وعبد الملك هذا قال البخاري: " في حديثه نظر ". يريد
هذا الحديث كما في " الميزان ".
7 - وأما حديث عوف ابن مالك فيرويه ابن لهيعة عن عبد الرحمن ابن أنعم عن عبادة
ابن نسي عن كثير بن مرة عنه. أخرجه أبو محمد الجوهري في " المجلس السابع "
والبزار في " مسنده " (ص 245) وقال: " إسناده ضعيف ".
قلت: وعلته عبد الرحمن هذا وبه أعله الهيثمي فقال: " وثقة أحمد بن صالح
وضعفه جمهور الأئمة، وابن لهيعة لين وبقية رجاله ثقات ".(3/137)
قلت: وخالفه مكحول فرواه عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
رواه البيهقي وقال: " هذا مرسل جيد ". كما قال المنذري. أخرجه اللالكائي
(1 / 102 / 1) عن عطاء بن يسار ومكحول والفضل بن فضالة بأسانيد مختلفة عنهم
موقوفا عليهم ومثل ذلك في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي. وقد قال
الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف " (ص 143) : " وفي فضل ليلة نصف شعبان
أحاديث متعددة وقد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه
في " صحيحه " ومن أمثلها حديث عائشة قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ...
" الحديث.
8 - وأما حديث عائشة فيرويه حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عنه مرفوعا بلفظ
: " إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر
من عدد شعر غنم كلب ". أخرجه الترمذي (1 / 143) وابن ماجه (1389)
واللالكائي (1 / 101 / 2) وأحمد (6 / 238) وعبد بن حميد في " المنتخب من
المسند " (194 / 1 - مصورة المكتب) وفيه قصة عائشة في فقدها النبي صلى الله
عليه وسلم ذات ليلة. ورجاله ثقات لكن حجاج وهو ابن أرطأة مدلس وقد عنعنه،
وقال الترمذي " وسمعت محمد (يعني البخاري) : يضعف هذا الحديث ".
وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب والصحة تثبت بأقل منها
عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله
الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في " إصلاح المساجد " (ص 107) عن أهل التعديل
والتجريح أنه ليس في فضل ليلة(3/138)
النصف من شعبان حديث صحيح، فليس مما ينبغي
الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل
التسرع وعدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك. والله
تعالى هو الموفق.
1145 - " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ".
أخرجه البخاري (7 / 127) ومسلم (7 / 2) والبخاري أيضا في " الأدب المفرد
" (144 و 145) وأبو داود (2 / 343) وأحمد (2 / 325 و 510) كلهم من طريق
ابن جريح قال: أخبرني زياد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع
أبا هريرة قال: فذكره مرفوعا. وله عنه طرق أخرى يأتي ذكرها قريبا. وله
شاهد من حديث فضالة بن عبيد. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (145) وابن
حبان (1936) وأحمد في المسند (6 / 20) عن أبي هاني أن أبا علي الجنبي حدثه
عنه مرفوعا بهذا اللفظ، ورواه الدارمي (2 / 276) نحوه. وهذا سند صحيح.
وورد بلفظ آخر يأتي قريبا، وله طريق آخر بلفظ: " يسلم الراكب على الماشي
والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ". أخرجه
الترمذي (2 / 118) وأحمد (2 / 510) عن روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن
الحسن عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه
منقطع، قال الترمذي: " وقال أيوب السختياني ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أن
الحسن لم يسمع من أبي هريرة ". لكن له طريق أخرى عن أبي هريرة تأتي قريبا.
1146 - " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والماشيان أيهما يبدأ بالسلام
فهو أفضل ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (143 و 144 و 145) وابن حبان(3/139)
(1935) من
طريق ابن جريج قال: أنبأنا أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فذكره موقوفا
عليه. وله حكم المرفوع لاسيما وقد ورد كذلك مرفوعا. قال الحافظ بن حجر في
فتح الباري (11 / 13) : سنده صحيح.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم وقد صرح كل من ابن جريج وأبي الزبير بالسماع
فأمنا بذلك شبهة تدليسهما. وأما المرفوع فقال الحافظ: " وأخرج أبو عوانة
وابن حبان في صحيحيهما والبزار من وجه آخر عن ابن جريج الحديث بتمامه مرفوعا "
. وقال شيخه الهيثمي في " المجمع " (8 / 36) : " رواه البزار ورجاله رجال
الصحيح ".
1147 - " يسلم الراكب على الراجل والراجل على الجالس والأقل على الأكثر، فمن أجاب
السلام كان له ومن لم يجب فلا شيء له ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ص (144) وأحمد (3 / 444) عن يحيى بن
أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل
قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الحافظ: (11 / 13) :
سنده صحيح.
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي راشد الحبراني وهو ثقة كما قال في
" التقريب ". واعلم أن الإسناد هكذا سياقه عند البخاري، وأما أحمد فلم يذكر
فيه أبا راشد هذا فصار الإسناد بذلك هكذا عن زيد بن سلام عن جده عن عبد الرحمن
ابن شبل. وجده هذا هو أبو سلام ممطور وهو من رجال مسلم ولذلك قال الهيثمي
(8 / 36) وقد ذكر الحديث من طريقه: " رواه الطبراني واللفظ له وأحمد
ورجالهما رجال الصحيح ". وأنا أخشى أن يكون وقع في كل من سندي أحمد
والبخاري سقط من قلم النساخ فسقط من سند البخاري حرف (عن) بين جده وأبي
راشد وسقط من المسند (أبي راشد) أعني أن الصواب في الإسناد: عن زيد بن سلام
عن جده عن أبي راشد عن عبد الرحمن. ويؤيد ما ذهبت إليه أمران: الأول: أنهم
لم يذكروا لزيد بن سلام رواية عن أبي راشد مباشرة بل بواسطة ممطور هذا.
والثاني: أنهم لم يذكروا أيضا أن أبا راشد هو جد زيد بن سلام.(3/140)
ويقوي ذلك أن
أحمد روى لعبد الرحمن بن شبل حديثا آخر بهذا الإسناد على الصواب من طريق همام
وعفان قالا: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني
عن عبد الرحمن بن شبل. والله أعلم.
1148 - " يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم أحد أجزأ عنهم ".
أخرجه مالك (3 / 132) عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره. وزيد بن أسلم ثقة عالم من رجال الستة وكان يرسل وهذا من
مرسلاته. وله شاهد لكنه بسند ضعيف عن الحسين بن علي قال: قيل يا رسول الله:
القوم يأتون الدار فيستأذن واحد منهم أيجزئ عنهم جميعا؟ قال: نعم. قيل:
فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟ قال: نعم. قيل فالقوم يمرون فيسلم واحد
منهم أيجزئ عن الجميع؟ قال: نعم. قيل: فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟
قال: نعم. ذكره في " المجمع " (8 / 35) وقال: " رواه الطبراني وفيه كثير
ابن يحيى وهو ضعيف ". لكن للحديث شاهد آخر من حديث علي مخرج في " الإرواء "
(770) .
1149 - " يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير ".
أخرجه البخاري (7 / 127) وأبو داود (2 / 342 - 343) والترمذي (2 / 118)
وصححه وأحمد (2 / 314) من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا.
وله عند البخاري في " الأدب المفرد " (145) طريق أخرى فقال: حدثنا أحمد بن
أبي عمرو قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن
سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " والماشي على
القاعد ". وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال البخاري في " صحيحه "، وقد أخرجه
فيه (7 / 127 - 128) معلقا عن إبراهيم بن طهمان به.(3/141)
1150 - " يسلم الفارس على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (145) والترمذي (2 / 118) وأحمد (6 /
19) من طريق أبي هاني حميد بن هاني الخولاني عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن
عبيد مرفوعا: وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح وأبو علي الجنبي اسمه عمرو
ابن مالك ". ورواه النسائي وابن حبان في " صحيحه " كما في " الفتح " (11 /
12) . وقد ورد بلفظ: (يسلم الراكب) وقد مضى قريبا.
1151 - " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا ".
أخرجه البخاري (4 / 26 - 5 / 108 و 7 / 101 و 8 / 114) ومسلم (5 / 141)
والطيالسي (ص 67 رقم 496) وأحمد (4 / 412 و 417) من طريق شعبة عن سعيد
ابن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى
اليمن فقال: فذكره. وقد ورد بلفظين آخرين: أحدهما: " كان إذا بعث أحدا من
أصحابه " والآخر: " ادعوا الناس " وقد سبقا. وله شاهد بلفظ: (يسروا ولا
تعسروا وسكنوا ولا تنفروا) . أخرجه البخاري (7 / 101) ومسلم (5 / 141)
من حديث أنس. وكذلك أخرجه أحمد (3 / 131) .
1152 - " لا يعدي شيء شيئا لا يعدي شيء شيئا (ثلاثا) . فقام أعرابي فقال: يا رسول
الله إن النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه(3/142)
فتشمل الإبل جربا؟ قال: فسكت ساعة
فقال: ما أعدى الأول؟ لا عدوى ولا صفر ولا هامة، خلق الله كل نفس فكتب
حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها ".
أخرجه أحمد (2 / 327) واللفظ له والطحاوي (2 / 378) وأبو عبيد في " غريب
الحديث " (ق 56 / 1) وأبو حفص الكناني في " الأمالي " (1 / 9 / 2) من طريق
عبد الله بن شبرمة عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مرفوعا.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وخالفه عمارة بن القعقاع فرواه عن أبي زرعة
ابن عمرو بن جرير قال: حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 21) والطحاوي أيضا
وأحمد (1 / 440) ، وتابعه سعيد بن مسروق فرواه عن عمارة عن أبي زرعة عن رجل
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله. وهذا إسناد صحيح أيضا. ولعل هذا الرجل الذي لم يسم من أصحابه هو
أبو هريرة كما في الرواية الأولى وعليه فأبو زرعة يروي الحديث عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم تارة بدون واسطة وأخرى عنه عن ابن مسعود رضي الله
عنه. ولأبي هريرة حديث آخر بلفظ (لا عدوى) وقد مضى. ولطرفه الأول شاهد
بلفظ: " لا يعدي سقيم صحيحا ". أخرجه الطحاوي (2 / 377) من طريق الوليد بن
عقبة الشيباني قال: حدثنا حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد
الحماني عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وهذا سند ضعيف. ابن أبي ثابت كثير
التدليس وثعلبة بن يزيد صدوق نسي كما في " التقريب ". وقد روى الحديث أتم
منه فانظر: (لا صفر) .
1153 - " ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين: رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها
فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها،(3/143)
ومملوك أعطى حق ربه عز وجل وحق مواليه
، ورجل آمن بكتابه وبمحمد صلى الله عليه وسلم ".
أخرجه البخاري (1 / 154 و 6 / 109) و " الأدب المفرد " (31) ومسلم (1 /
93) والنسائي (2 / 87) والترمذي (1 / 208 طبع بولاق) وصححه والدارمي
(2 / 154 - 155) والطيالسي رقم (520) وسعيد بن منصور في " سننه " (913
و914) وأحمد (4 / 402 و 405) والطبراني في " الصغير " (ص 22 - هند) من
طرق عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه مرفوعا به.
قال الشعبي: خذها بغير شيء ولو سرت فيها إلى (كرمان) لكان ذلك يسيرا.
والسياق لأحمد. وزاد مسلم وغيره في أوله عن صالح بن صالح الهمداني قال:
" رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو! إن من قبلنا من أهل
خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته؟ فقال
الشعبي: حدثني أبو بردة ... الخ. وقد ورد بألفاظ أخرى كاملا ومختصرا فانظر
: (إذا أعتق الرجل) ، (أيما رجل كانت عنده) ، (للمملوك الذي يحسن) ، (من
كانت له جارية) . ولبعضه شواهد فراجع (إذا أدى العبد) ، (من أسلم من أهل
الكتاب) .
تنبيهان: الأول: في أكثر الروايات: " أمة " وهي رواية الشيخين وأحمد
وغيرهم. وفي رواية للبخاري وغيره: " جارية ". وفي أخرى له: " وليدة ".
قال الحافظ في " الفتح " (9 / 103) : " أي أمة وأصلها ما ولد من الإماء من
ملك الرجل، ثم أطلق ذلك على كل أمة ".(3/144)
والآخر: وقع في " الأدب المفرد " للبخاري في سؤال الرجل للشعبي: " إنا نتحدث
عندنا أن الرجل إذا أعتق أم ولده ". وهذا خطأ عندي أو رواية بالمعنى بالنظر
إلى ما تصير إليه الأمة فيما بعد، أقول هذا لأن هذه اللفظة تفرد بها المحاربي
- واسمه عبد الرحمن بن محمد الكوفي - فإنه وإن كان ثقة من رجال الشيخين فقد
تكلم فيه من قبل حفظه، فقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط، وقال عثمان الدارمي
وعبد الرحمن: ليس بذاك. وقال الساجي: صدوق يهم. وهو إلى ذلك قد خالفه
ثقتان، هشيم وسفيان وهو ابن عيينة فقالا: " ... إذا أعتق أمته ". أخرجه
سعيد بن منصور عنهما، وكذا مسلم إلا أنه لم يسق لفظ سفيان والدارمي عن هشيم
وصرح هذا بالتحديث عند سعيد. فما اتفق عليه هذا الثقتان أولى بالاعتماد من
رواية المحاربي مع ما فيه من الكلام المتقدم، فروايته شاذة، وكأن البخاري
رحمه الله أشار إلى ذلك في " الصحيح "، فإنه لما ساق الحديث فيه في " كتاب
العلم " لم يذكر فيه سؤال الرجل مطلقا مع أنه رواه فيه بإسناده ولفظه في
" الأدب المفرد "، فكأنه فعل ذلك عمدا إشارة منه إلى شذوذ هذه اللفظة التي
وقعت في روايته وهذا من دقيق علمه ونقده، والله أعلم.
1154 - " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي
".
أخرجه البخاري (1 / 112 و 113) وابن ماجه (2 / 352 و 353) وأحمد (1 /
245 و 246) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 153 / 1) عن مروان بن شجاع
عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. وللحديث شاهد بلفظ:
(إن كان في شيء من أدويتكم) . وقد مر برقم (245) .
1155 - " قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة ".
أخرجه الترمذي (2 / 36 طبع بولاق) عن حبيب بن زبير قال: سمعت عبد الله بن
أبي الهذيل يقول: كان ناس من ربيعة عند عمرو بن العاص،(3/145)
فقال رجل من بكر بن
وائل: لتنتهين قريش أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من العرب وغيرهم،
فقال عمرو بن العاص: كذبت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
. وهذا إسناد صحيح. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (4 / 203) وابن أبي عاصم في
" السنة " (1009 - 1011 بتحقيقي) . وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ".
وله شاهد بلفظ: " قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع
لفاجرهم ".
1156 - " قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم ".
هو من حديث أبي بكر الصديق وسعد بن عبادة، وفيه قصة يرويها حميد بن عبد
الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة
، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا
، مات محمد ورب الكعبة: فذكر الحديث. قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان
حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله
صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: ولقد علمتم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار واديا، سلكت
وادي الأنصار، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأنت
قاعد. قلت: فذكر الحديث: قال: فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم
الأمراء. أخرجه أحمد (ج 1 رقم 18) ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن
لم يدرك أبا بكر كما في " المجمع " (5 / 191) . وللحديث شاهد من حديث جابر،
وآخر من حديث أبي هريرة وسيأتي بلفظ: (الناس تبع لقريش) .
(تنبيه) عزا السيوطي في " الجامع " هذا الحديث إلى أحمد عن أبي بكر وسعد.
هكذا أطلق سعدا ولم يقيده، فأوهم أنه سعد بن أبي وقاص، كما قيده شارحه
المناوي وليس كذلك، بل هو سعد بن عبادة فإنه صاحب القصة، كما يعرف ذلك من
التاريخ.(3/146)
1157 - " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل ".
أخرجه البخاري (11 / 195) من طريق الأعمش حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر
رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: فذكره.
وقد تكلم العقيلي في هذا الإسناد وأنكر هذه اللفظة وهي: " حدثني " وقال:
" إنما رواه الأعمش بصيغة " عن مجاهد " كذلك رواه أصحاب الأعمش عنه ".
قلت: ويؤيده أن الإمام أحمد رواه (2 / 24) عن سفيان وهو الثوري و (2 / 41
) عن أبي معاوية كلاهما عن ليث عن مجاهد به. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (
73 / 2 و 152 / 2) من طريق حماد بن شعيب عن أبي يحيى القتات عن مجاهد. قال
الحافظ: " ليث وأبو يحيى ضعيفان، والعمدة على طريق الأعمش " فلم يلتفت إلى
كلام العقيلي. والحديث صحيح على كل حال فإن له طريقا أخرى على شرط الشيخين
بلفظ: " اعبد الله كأنك تراه ". وسيأتي برقم (1473) . والحديث تمامه عند
البخاري: " وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا
تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ". ورواه بتمامه أبو
نعيم في " الحلية " (3 / 301) من طريق أخرى عن شيخ شيخ البخاري محمد بن عبد
الرحمن الطفاوي عن الأعمش عن مجاهد به. ثم قال: " هذا حديث صحيح متفق عليه من
حديث الأعمش. ورواه ليث بن (أبي) سليم عن مجاهد ".
قلت: وفي حديث ليث أن قول ابن عمر: إذا أمسيت. مرفوعا إلى النبي صلى الله
عليه وسلم فانظر: " يا ابن عمر إذا أصبحت "، كما أن فيه زيادة على الحديث هنا
وهو: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أصحاب القبور ".
أخرجه أحمد كما مضى قبله والترمذي في " الزهد " وأبو نعيم (1 / 312 و 313)
. وله عند الأخيرين تتمة، فانظر: " يا ابن عمر ". ثم وجدت لزيادة القبور
شاهدا من حديث علي بن زيد: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:(3/147)
يا ابن آدم! اعمل كأنك ترى، وعد نفسك مع الموتى، وإياك
ودعوة المظلوم ". أخرجه أحمد (2 / 343) .
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فالذي سمع منه علي بن زيد تابعي مجهول.
وابن زيد هو ابن جدعان سيىء الحفظ. وله شاهدان آخران سيأتيان برقم (1474
و1475) ، فالزيادة صحيحة أيضا، والحمد لله على توفيقه.
1158 - " كل نائحة تكذب إلا أم سعد ".
رواه ابن سعد (3 / 427 - 428) عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد
قال: " لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة،
وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: كيف
أمسيت؟ وإذا أصبح قال: كيف أصبحت؟ فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه
فيها، فثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم، كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فأسرع المشي حتى تقطعت شسوع نعالنا وسقطت
أرديتنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله أتعبتنا في المشي،
فقال: إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه فتغسله، كما غسلت حنظلة، فانتهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وهي تقول:
ويل أمك سعد حزامة وجدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . ثم
خرج به، قال: يقول له القوم أو من شاء الله منهم: يا رسول الله ما حملنا
ميتا أخف علينا من سعد، فقال: ما يمنعكم من أن يخف عليكم، وقد هبط من
الملائكة كذا وكذا، وقد سمى عدة كثيرة لم أحفظها لم يهبطوا قط قبل يومهم قد
حملوه معكم.(3/148)
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمود بن لبيد صحابي صغير. وللحديث
شاهد من حديث عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا. أخرجه ابن سعد (3 / 429) . لكن
شيخه محمد بن عمر وهو الواقدي متروك. ثم روى (3 / 429 - 430) له شاهدا من
مرسل سعد بن إبراهيم. وإسناده حسن.
1159 - " كان إذا ذهب المذهب أبعد ".
أخرجه أبو داود (1 / 2) والنسائي (1 / 8 - 9) والترمذي (1 / 32)
والدارمي (1 / 169) وابن ماجه (1 / 139) والحاكم (1 / 140) من طريق
محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة به. وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: كلا وإنما إسناده حسن لأن محمد بن عمرو في حفظه ضعف وإنما أخرج له مسلم
متابعة، لكن الحديث صحيح فإن له طريقا أخرى وشواهد، فأخرجه الدارمي وكذا
أحمد (4 / 244) من طريق محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة به.
ولفظه عند الأول: " كان إذا تبرز تباعد ". وإسناده صحيح رجاله رجال الستة
غير عمرو بن وهب، وثقه النسائي وابن حبان والعجلي وابن سعد ولفظ أحمد
بنحوه في قصة المسح على الخفين. ومن شواهده حديث عبد الرحمن بن أبي قراد قال
: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء. وكان إذا أراد الحاجة
أبعد. أخرجه النسائي وأحمد (3 / 443 و 4 / 224) من طريق أبي جعفر الخطمي
عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عنه.
وهذا إسناد صحيح: ومنها عن جابر بلفظ: " كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا
يراه أحد ". أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم من طريق إسماعيل بن عبد الملك
عن أبي الزبير عنه. وهذا إسناد ضعيف لأن إسماعيل بن عبد الملك وهو ابن أبي
الصفير صدوق كثير الوهم، وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح
بشواهده التي قبله. وأخرجه البيهقي (1 / 93) .(3/149)
1160 - " كان يقرأ في الظهر والعصر بـ * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث
الغاشية) * ".
أخرجه البزار في " مسنده " (61 - زوائده) حدثنا محمد بن معمر حدثنا روح بن
عبادة حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وقتادة عن حميد عن أنس أن النبي صلى
الله عليه وسلم.... وقال: " صحيح ".
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين غير حماد بن سلمة فهو على شرط مسلم وحده
لكنه غريب من رواية ثابت عن حميد، فلعل الأصل: " وحميد ". والله أعلم.
1161 - " إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا
وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ".
أخرجه البخاري (1 / 78 - 79) والنسائي (2 / 273) والبيهقي (3 / 18) من
حديث أبي هريرة مرفوعا، وقال النسائي: " وبشروا ويسروا ".
1162 - " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض
فأقضي له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا
فإنما أقطع له قطعة من النار ".
أخرجه البخاري (3 / 162 و 8 / 62 و 112) ومالك (2 / 197) وأبو داود (2 /
115) عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة مرفوعا.
وقد ورد عن هشام بلفظ: " إنكم تختصمون إلي "، وقد مضى برقم (455) وقد
تابعه الزهري بلفظ:(3/150)
" إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون
أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي
قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها ". أخرجه البخاري (3 / 101 و 8 / 116
و117) ومسلم (5 / 129) والطحاوي (2 / 287) وأحمد (6 / 308) عن ابن
شهاب قال: أخبرني عروة ابن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع
خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فقال: فذكره. وله شاهد بلفظ: " إنما أنا بشر
ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما
أقطع له قطعة من النار ". أخرجه ابن ماجه (2 / 51 - 52) والطحاوي (2 / 287
) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1416 مصورة المكتب) من طريق محمد بن عمرو عن
أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا. قال في " الزوائد ": " إسناده
صحيح ورجاله رجال الصحيح ".
قلت: بل هو إسناد حسن فقط، فإن محمد بن عمرو إنما روى له البخاري مقرونا
ومسلم متابعة. ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عمر قال: اختصم
رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. قال في " المجمع " (4 /
198) : " وفيه القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك ". ورواه ابن أبي شيبة
في " المصنف " عن أنس كما في " منتخب كنز العمال " (2 / 201) .
1163 - " سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا، إمامهم الدنيا فلا
تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة ".
رواه الطبراني (3 / 78 / 2) وأبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة "(3/151)
(1
/ 149 / 2) عن بزيع أبي الخليل الخصاف أخبرنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن
عبد الله بن مسعود مرفوعا.
قلت: بزيع متروك لكن قد توبع، فأخرجه ابن حبان (311) : أخبرنا الحسين بن
عبد الله بن يزيد القطان حدثنا عبد الصمد بن عبد الوهاب النصري حدثنا أبو التقى
حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش به. وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون في
" التهذيب " غير القطان هذا فلم أجد له ترجمة ولعله في " الثقات " لابن حبان
فيراجع فإنه ليس في " الظاهرية " منه الجزء الذي فيه طبقة شيوخه، وقد سمع منه
بالرقة كما في كتابه " روضة العقلاء " (ص 5) وعلى كل حال فهو من شيوخه الذين
اعتمدهم في " صحيحه " وهو من أعرف الناس به، فالنفس تطمئن لثبوت حديثه.
والله أعلم. وقد وجدت له شاهدا ولكنه مما لا يفرح به! وهو بلفظ: " يأتي
على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم، ليس لله فيهم حاجة،
فلا تجالسوهم ". رواه أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (88 / 1) :
أخبرنا علي بن أحمد بن صالح المقري حدثنا محمد بن عبد حدثنا عصام حدثنا سفيان
عن أبي حازم عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناده واه جدا، فإن عصاما وهو ابن يوسف البلخي، مختلف فيه.
ومحمد بن عبد هو ابن عامر السمرقندي، قال الذهبي: " معروف بوضع الحديث "،
قال الخطيب - وطول ترجمته: روى عن يحيى بن يحيى وعصام بن يوسف وجماعة
أحاديث باطلة. قال الدارقطني: " كان يكذب ويضع الحديث ". لكن رواه الحاكم (
4 / 323) من طريق أحمد بن بكر البالسي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان الثوري
عن عون بن أبي جحيفة عن الحسن بن أبي الحسن عن أنس به. وقال: " صحيح الإسناد
". ووافقه الذهبي.(3/152)
قلت: وليس كما قالا، فإن البالسي هذا متهم وقد أورده الذهبي نفسه في
" الميزان " وقال: " قال ابن عدي روى مناكير عن الثقات. وقال أبو الفتح
الأزدي: " كان يضع الحديث ". وزاد عليه في " اللسان ": وقال الدارقطني:
ضعيف. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " كان يخطىء ". وله حديث موضوع
بسند صحيح ". ثم ذكر له حديثا آخر غير هذا.
1164 - " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ".
رواه مسلم (2 / 171) وأحمد (4 / 366) - 367 - 370 - 375) وابن خزيمة
(1127) عن القاسم الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون في الضحى،
فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. ورواه أبو عوانة أيضا (2 / 270 و 271) .
وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا في حديث: " وأن لا أدع
ركعتي الضحى، فإنها صلاة الأوابين ". وفي إسناده مجهول كما بينته في " صحيح
أبي داود " (1286) .
1165 - " إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ".
أخرجه ابن سعد (8 / 325 و 326) والحاكم (4 / 404) عن حصين ابن عبد الرحمن
قال: سمعت أبا عبيدة بن حذيفة يحدث عن عمته فاطمة قالت: عدت رسول الله
صلى الله عليه وسلم في نسوة، وإذا سقاء معلق وماؤه يقطر عليه من شدة ما يجد
من حر الحمي، فقلنا: يا رسول الله لو دعوت الله فأذهب عنك هذا، فقال ... "
فذكره.
قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده صحيح عندي رجاله(3/153)
ثقات رجال الشيخين
غير أبي عبيدة بن حذيفة ذكره ابن حبان في " الثقات " وقد روى عنه جماعة.
وللحديث شواهد معروفة، تقدم بعضها برقم (143 - 145) .
1166 - " من حلف فليحلف برب الكعبة ".
أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 91) وأحمد (6 / 371 و 372) وابن سعد
(8 / 309) والحاكم (4 / 297) من طريق المسعودي: حدثني معبد بن خالد عن
عبد الله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي الجهنية قالت: " أتى حبر من الأحبار
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! نعم القوم أنتم لولا أنكم
تشركون! قال: سبحان الله! وما ذاك؟ . قال، تقولون إذا حلفتم: والكعبة،
قالت: فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال: إنه قد قال، فمن حلف
فليحلف برب الكعبة، قال: يا محمد! نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا
! قال: سبحان الله! وما ذاك؟ قال: تقولون ما شاء الله وشئت. قالت:
فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال: إنه قد قال، فمن قال: ما
شاء الله فليقل معها: ثم شئت ".
قلت: وهو إسناد رجاله ثقات إلا أن المسعودي - وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود - كان اختلط. وقد ذكره الحافظ برهان الدين الحلبي في رسالته
" الاغتباط بمن رمي بالاختلاط " (ص 16) . وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد
"! ووافقه الذهبي! وهذا منه غريب فقد أورد هو المسعودي هذا في " الضعفاء "
وقال: " قال ابن حبان: كان صدوقا إلا أنه اختلط بآخره ".
نعم إنه قد توبع، فقد أخرجه النسائي (2 / 140) من طريق مسعر عن معبد بن خالد
به نحوه.(3/154)
وإسناده صحيح، وذكر الحافظ في " الفتح " (11 / 457) أن النسائي
صححه في " كتاب الإيمان والنذور " وأقره لكني لم أر فيه التصحيح المذكورة،
فلعل ذلك في " السنن الكبرى " للنسائي. وقد أخرجه أحمد (2 / 69) والبيهقي
(10 / 29) عن أبي محمد الكندي قال: " جاء ابن عمر رجل فقال أحلف بالكعبة؟
قال: لا ولكن أحلف برب الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: لا تحلف بأبيك، فإنه من حلف بغير الله فقد أشرك ". ثم روى
البيهقي أيضا بإسناد رجاله ثقات أن عمر أراد أن يضرب ابن الزبير لحلفه بالكعبة
وقال له " أتحلف بالكعبة؟ ! ".
1167 - " يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول أصبغوه صبغة الجنة
، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو
شيئا تكرهه؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط، ثم يؤتى بأنعم الناس
كان في الدنيا من أهل النار فيقول: أصبغوه فيها صبغة، فيقول: يا ابن آدم هل
رأيت خيرا قط قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط
".
أخرجه أحمد (3 / 253) حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا ثابت عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 135)
وأحمد أيضا (3 / 203) عن يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة به نحوه وفيه
" لا والله يا رب " في الموضعين.(3/155)
ورواه محمد بن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس
به مختصرا. أخرجه ابن ماجة (2 / 587) .
(فائدة) في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى ومن أبواب البيهقي في
" السنن الكبرى " (10 / 41) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة
والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك ". ثم ساق
تحته أحاديث وأشار إلى هذا الحديث واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره
وقال: " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يمينا ... ". ثم روي بإسناد
الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال: " أدركت الناس منذ سبعين سنة
يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله عز وجل ".
1168 - " نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما
يوطن البعير ".
أخرجه أبو داود (1 / 138) والنسائي (1 / 167) والدارمي (1 / 303) وابن
ماجة (1 / 437) وابن خزيمة (1 / 142 / 1) وابن حبان (476) والحاكم (1
/ 229) وأحمد (3 / 428 - 444) كلهم من طريق جعفر بن عبد الله بن الحكيم عن
تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا وتميم بن محمود هذا أورده الذهبي نفسه
في " الميزان " وقال: " قال البخاري فيه نظر ". وذكره العقيلي والدولابي
وابن الجارود في الضعفاء، وأما ابن حبان فوثقه على قاعدته في توثيق غير
المشهورين بالرواية، فإن تميما هذا لم يذكروا راويا عنه غير جعفر هذا. وقول
الذهبي: روى عنه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي خطأ واضح(3/156)
فإنه - أعني الطرائفي
- مات سنة اثنتين أو ثلاث ومائتين فأنى له أن يروي عن تميم وهو من التابعين
من الطبقة الرابعة عند ابن حجر في " التقريب "؟ وقال فيه: فيه لين ".
وأقول: لكنه يتقوى بأن له شاهدا بلفظ: " نهى عن نقرة الغراب وعن فرشة السبع
وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير ". أخرجه الإمام أحمد (5 /
446 و 447) والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 131 / 2) عن عثمان البتي عن
عبد الحميد بن سلمة عن أبيه مرفوعا. ورجاله ثقات غير عبد الحميد هذا فهو
مجهول كما في " التقريب ". فالحديث عندي حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم.
وقد أخرجه ابن حبان، وكذا ابن خزيمة في " صحيحيهما " كما في " الترغيب " (1
/ 181) .
1169 - " من توضأ وجاء إلى المسجد فهو زائر الله عز وجل وحق على المزور أن يكرم
الزائر ".
أخرجه أبو الحسن بن الصلت في " حديثه عن أبي بكر المطيري " (ق 76 / 1) قال:
حدثنا محمد بن سنان بن يزيد القزاز البصري قال: حدثنا عمر بن حبيب القاضي عن
داود بن أبي هند وعوف عن أبي عثمان وسليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن سنان القزاز فهو ضعيف كما في
" التقريب ". ومثله عمر بن حبيب لكن ذكره المنذري في " الترغيب " (1 / 130)
بلفظ: " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد ... " وقال: " رواه
الطبراني في " الكبير " بإسنادين أحدهما جيد ". وقال الهيثمي في " المجمع "
(2 / 31) :(3/157)
" رواه الطبراني في " الكبير " وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح "
. (انظر الاستدراك رقم 158 / 2) . وقد وجدت له طريق أخرى عن أبي عثمان به
مرفوعا بلفظ: " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم زارني في بيت من بيوتي فإياي
زار وحق على المزور أن يكرم زائره ". رواه ابن بشران في " الأمالي " (153 /
1) عن سعيد بن زربي عن ثابت عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا.
قلت: سعيد هذا منكر الحديث كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه السلفي في
" جزء من حديثه " (17 / 1) وقال: " هذا حديث غريب مسندا لا أعلم رواه عن
البناني غير سعيد بن زربي، والمحفوظ من حديث أبي عثمان موقوفا على سلمان ".
قلت: ورواه البيهقي نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
بإسناد صحيح كما قال المنذري عقب كلامه السابق وتبعه عليه الحافظ العراقي في
" تخريج الإحياء " (1 / 136 و 4 / 317) . وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث
ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " إن بيوت الله في الأرض المساجد وإن حقا على الله أن
يكرم من زاره فيها ". رواه الطبراني (3 / 73 / 1) عن عبد الله بن أبي يعقوب
الكرماني: أخبرنا عبد الله بن زيد المقريء أخبرنا المسعودي عن أبي إسحاق عن
عمرو بن ميمون عن عبد الله مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو إسحاق وهو السبيعي والمسعودي وهو عبد الرحمن
ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي كانا قد اختلطا. والكرماني هذا، قال
الذهبي في " الميزان ": " ضعيف ". وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (2 / 22
) وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، فإعلاله بمن فوقه - كما فعلنا - أولى.(3/158)
1170 - " اخرجي إليه، فإنه لا يحسن الاستئذان، فقولي له فليقل: السلام عليكم أدخل؟
".
أخرجه أحمد (5 / 368 و 369) وأبو داود (2 / 339) عن شعبة عن منصور عن
ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر. " أنه استأذن على النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل العامري فإنه لم
يسم ولا يضر ذلك لأنه صحابي والصحابة كلهم عدول. وتابعه أبو الأحوص عن
منصور به. أخرجه أبو داود. وتابعه جرير عنه. أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (1084) .
1171 - " قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ".
أخرجه أحمد (1 / 85) عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي وكان
صاحب مطهرته، فلما حاذى (نينوى) وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: أصبر أبا
عبد الله: أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال: " دخلت على
النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك
أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام ... قال: فقال: هل لك إلى أن أشمك
من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك
عيني أن فاضتا ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، نجي والد عبد الله لا يدرى من هو كما قال الذهبي ولم
يوثقه غير ابن حبان وابنه أشهر منه، فمن صحح هذا الإسناد فقد وهم.(3/159)
والحديث
قال الهيثمي (9 / 187) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله
ثقات ولم ينفرد نجي بهذا ".
قلت: يعني أن له شواهد تقويه وهو كذلك.
1 - روى عمارة بن زاذان حدثنا ثابت عن أنس قال: " استأذن ملك القطر ربه أن
يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة ... فبينا هي
على الباب إذ دخل الحسين بن علي ... فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه
وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتلثمه ويقبله، فقال له الملك: تحبه؟
قال: نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال
: نعم، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه، فأراه إياه فجاء سهلة، أو تراب
أحمر، فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء
". أخرجه أحمد (3 / 242 و 265) وابن حبان (2241) وأبو نعيم في " الدلائل
" (202) .
قلت: ورجاله ثقات غير عمارة هذا قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وقال
الهيثمي: " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني بأسانيد وفيها عمارة بن
زاذان وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح ".
2 - وروى محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم
الفضل بنت الحارث أنها دخلت ... يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته
(تعني الحسين) في حجرة، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك
؟ قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا،
فقلت: هذا؟ فقال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء ". أخرجه الحاكم (3 /
176 و 177) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ورده الذهبي بقوله: " قلت:
بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف ".
3 - وروى عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة - شك عبد الله بن سعيد
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل
علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض
التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء ".(3/160)
أخرجه أحمد (6 / 294) : حدثنا
وكيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان سعيد وهو
ابن أبي هند سمعه من عائشة أو أم سلمة ولم أطمئن لذلك، فإنهم لم يذكروا له
سماعا منهما وبين وفاته ووفاة أم سلمة نحو أربع وخمسين سنة وبين وفاته
ووفاة عائشة نحو ثمان وخمسين. والله أعلم. وأخرجه الطبراني عن عائشة نحوه
بلفظ: " يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف ... "
قال الهيثمي (9 / 188) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وفي
إسناد " الكبير " ابن لهيعة وفي إسناد " الأوسط " من لم أعرفه ".
4 - وأخرجه الطبراني أيضا عن أم سلمة نحوه بلفظ: " إن أمتك ستقتل هذا بأرض
يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم
... ". (انظر الاستدراك رقم 161 / 21) . قال الهيثمي (9 / 189) : " رواه
الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ". (انظر الاستدراك رقم 161 / 26) .(3/161)
5 - وعن أبي الطفيل قال: " استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي صلى الله عليه
وسلم ... ".
قلت: فذكره نحو حديث أنس المتقدم. قال الهيثمي (9 / 190) . " رواه الطبراني
وإسناده حسن ".
6 - ويروي حجاج بن نصير: حدثنا قرة بن خالد حدثنا عامر بن عبد الواحد عن أبي
الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن
الحسين بن علي يقتل بـ (الطف) ". أخرجه الحاكم (3 / 179) وسكت عليه،
وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: حجاج متروك ".
قلت: بالجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له صحيح بمجموع هذه الطرق وإن
كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف ولكنه ضعف يسير، لاسيما وبعضها قد حسنه
الهيثمي، والله أعلم.
(تنبيه) حديث عائشة وعلي عزاهما السيوطي (فتح 1 / 55 و 56) لابن سعد في
" الطبقات " ولم أره فيها، فلعله في القسم الذي لم يطبع منها، والله أعلم.
فائدة: ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة كربلاء وفضل السجود على
أرضها واستحباب اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة كما عليه الشيعة اليوم
ولو كان ذلك مستحبا لكان أحرى به أن يتخذ من أرض المسجدين الشريفين المكي
والمدني ولكنه من بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم، ومن
عجائبهم أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم ولذلك فهم يقولون بالتحسين
والتقبيح العقليين ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء من
الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم وهو
المدعو السيد عبد الرضا (!) المرعشي الشهرستاني بعنوان " السجود على التربة
الحسينية ". ومما جاء فيها (ص 15) : " وورد أن السجود عليها أفضل لشرفها
وقداستها وطهارة من دفن فيها.(3/162)
فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم
السلام أن السجود عليها ينور إلى الأرض السابعة. وآخر: أنه يخرق الحجب
السبعة، وفي (آخر) : يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها،
وفي (آخر) أن السجود على طين قبر الحسين ينور الأرضين ". ومثل هذه
الأحاديث ظاهرة البطلان عندنا وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم براء منها وليس
لها أسانيد عندهم ليمكن نقدها على نهج علم الحديث وأصوله وإنما هي مراسيل
ومعضلات! ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة على أئمة
البيت حتى راح يوهم القراء أنها مروية مثلها في كتبنا نحن أهل السنة، فها هو
يقول: (ص 19) : " وليس أحاديث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة
بأحاديث الأئمة عليهم السلام، إذ أن أمثال هذه الأحاديث لها شهرة وافرة في
أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية عن طريق علمائهم ورواتهم، ومنها ما رواه
السيوطي في كتابه " الخصائص الكبرى " في " باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم
بقتل الحسين عليه السلام، وروى فيه ما يناهز العشرين حديثا عن أكابر ثقاتهم
كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني (1) والهيثمي في " المجمع " (9 /
191) وأمثالهم من مشاهير رواتهم ". فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي
ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها، وكل ما
فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتله فيها،
وقد سقت لك آنفا نخبة منها، فهل ترى فيها ما ادعاه الشيعي في رسالته على
السيوطي والهيثمي؟ ! اللهم لا، ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم
يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت! .
_________
(1) الأصل: الطبري! . اهـ.(3/163)
ولم يقف أمره عند هذا التدليس على
القراء بل تعداه إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يقول (ص 13)
: " وأول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم في السنة الثالثة من الهجرة لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش
في أحد وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله
صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساء المسلمين بالنياحة عليه
في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره
فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه كما جاء في كتاب
" الأرض والتربة الحسينية " وعليه أصحابه، ومنهم الفقيه ... ". والكتاب
المذكور هو من كتب الشيعة، فتأمل أيها القارىء الكريم كيف كذب على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فادعى أنه أول من اتخذ قرصا للسجود عليه، ثم لم يسق لدعم
دعواه إلا أكذوبة أخرى وهي أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالنياحة على حمزة
في كل مأتم ومع أنه لا ارتباط بين هذا لو صح وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر،
فإنه لا يصح ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ
على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية (
أنظر كتابنا " أحكام الجنائز " ص 28) ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين
على أكذوبة ثالثة وهي قوله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " واتسع
الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه
لله تعالى ... "، فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحاشاهم من أن يقارفوا
مثل هذه الوثنية، وحسب القارىء دليلا على افتراء هذا الشيعي على النبي صلى
الله عليه وسلم وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لمصدر معروف من مصادر
المسلمين، سوى كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وهو من كتب بعض متأخريهم
ولمؤلف مغمور منهم، ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته حتى
لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدرا لأكاذيبه! ولم يكتف حضرته بما سبق من الكذب
على السلف الأول بل تعداه إلى الكذب على من بعدهم، فاسمع إلى تمام كلامه
السابق:(3/164)
" ومنهم الفقيه الكبير المتفق عليه مسروق بن الأجدع المتوفى سنة (62
) تابعي عظيم من رجال الصحاح الست كان يأخذ في أسفاره لبنة من تربة المدينة
المنورة يسجد عليها (!) كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ إمام السنة أبو بكر ابن
أبي شيبة في كتابه " المصنف " في المجلد الثاني في " باب من كان يحمل في
السفينة شيئا يسجد عليه، فأخرجه بإسنادين أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في
السفينة لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها ".
قلت: وفي هذا الكلام عديد من الكذبات: الأولى: قوله: " كان يأخذ في أسفاره
" فإنه بإطلاقه يشمل السفر برا وهو خلاف الأثر الذي ذكره!
الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك يعطي أنه ثابت عنه وليس كذلك بل ضعيف منقطع
كما يأتي بيانه.
الثالثة: قوله " ... بإسنادين " كذب وإنما هو إسناد واحد مداره على محمد بن
سيرين، اختلف عليه فيه، فرواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 43 / 2) من
طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين قال: " نبئت أن مسروقا كان يحمل معه لبنة
في السفينة. يعني يسجد عليها ". ومن طريق ابن عون عن محمد " أن مسروقا كان
إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها ". فأنت ترى أن الإسناد الأول من
طريق ابن سيرين، والآخر من طريق محمد وهو ابن سيرين، فهو في الحقيقة إسناد
واحد ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: نبئت "، فأثبت أن ابن سيرين أخذ ذلك
بالواسطة عن مسروق ولم يثبت ذلك ابن عون وكل منهما ثقة فيما روى إلا أن يزيد
ابن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند، فيجب أن تقبل كما هو مقرر في " المصطلح "
لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وبناء عليه فالإسناد بذلك إلى مسروق ضعيف لا
تقوم به حجة لأن مداره على راو لم يسم مجهول، فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلى
مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي.(3/165)
الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأثر زيادة ليس لها أصل في " المصنف " وهي
قوله: " من تربة المدينة المنورة "! فليس لها ذكر في كل من الروايتين عنده
كما رأيت. فهل تدري لم أفتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ لقد تبين له
أنه ليس فيه دليل مطلقا على اتخاذ القرص من الأرض المباركة (المدينة المنورة)
للسجود عليه إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة ولذلك ألحق به هذه الزيادة
ليوهم القراء أن مسروقا رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركا،
فإذا ثبت له ذلك ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء بجامع اشتراك الأرضين
في القداسة! ! وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له وإنما هو من اختلاف
الشيعي عرفت أن المقيس باطل أيضا لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج
؟ ! فتأمل أيها القارىء الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب حتى على النبي صلى
الله عليه وسلم في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال، يتبين لك صدق من وصفهم من
الأئمة بقوله: " أكذب الطوائف الرافضة "! ومن أكاذيبه قوله (ص 9) : " ورد
في صحيح البخاري صحيفة (!) (331 ج 1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره
الصلاة على شيء دون الأرض "! وهذا كذب من وجهين: الأول: أنه ليس في " صحيح
البخاري " هذا النص لا عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من السلف.
الآخر: أنه إنما ذكره الحافظ ابن حجر في " شرحه على البخاري " (ج 1 / ص 388 -
المطبعة البهية) عن عروة فقال: " وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير
أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض ".(3/166)
قلت: وأكاذيب الشيعة وتدليسهم على الأمة لا يكاد يحصر وإنما أردت بيان
بعضها مما وقع في هذه الرسالة بمناسبة تخريج هذا الحديث على سبيل التمثيل وإلا
فالوقت أعز من أن يضيع في تتبعها.
1172 - " خياركم من تعلم القرآن وعلمه ".
أخرجه الدارمي (2 / 437) وابن ماجة (1 / 93) من طريق الحارث بن نبهان
حدثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا. وهذا سند ضعيف لضعف
الحارث هذا. لكن الحديث قوي بشواهده:
1 - فمنها عن علي مرفوعا بهذا اللفظ. أخرجه أحمد (ج 2 رقم 1317) من طريق عبد
الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عنه. وهو ضعيف أيضا من أجل عبد الرحمن بن
إسحاق. وقد رواه الدارمي وكذا الترمذي (2 / 149) بلفظ " خيركم ". وقال:
" حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ".
2 - ومنها عن أنس. أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 48) وعنه أبو نعيم في
" الحلية " (3 / 35) من طريق محمد بن سنان القزاز حدثنا معاذ بن عوذ الله
القرشي حدثنا سليمان التيمي عنه. وقال: " لم يروه عن التيمي إلا معاذ بن عوذ
الله ".
قلت: ولم أجد له ترجمة. والراوي عنه محمد بن سنان ضعيف وقد وثق.
وبالجملة فالحديث حسن بهذه الشواهد وهو صحيح بلفظ الترمذي والدارمي ويأتي
بعده.
(تنبيه) : حديث علي بلفظ الترمذي عزاه السيوطي في " الجامع " للبخاري أيضا
وهو سهو وإنما رواه البخاري من حديث عثمان فقط كما يأتي بعده. وأخرجه ابن
أبي شيبة في " المصنف " (12 / 65 / 1) بلفظ الترجمة بإسنادين عن عثمان وعلي
أولهما صحيح.
1173 - " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
أخرجه البخاري (6 / 108) وأبو داود (1 / 226) والترمذي(3/167)
(2 / 149)
والدارمي (2 / 437) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 71) وابن ماجة (1 /
92 و 93) والطيالسي (ص 13 رقم 73) وأحمد (ج 1 رقم 412 و 413 و 500)
والخطيب (4 / 109 و 11 / 35) كلهم من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان
ابن عفان مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقد قيل إن أبا عبد
الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان. لكن رجح الحافظ تبعا للبخاري سماعه منه
وأطال في بيان ذلك في " الفتح " فليراجعه من شاء. وفي رواية لأحمد (ج 1 رقم
405) وكذا البخاري وابن ماجة والخطيب (5 / 129) " أفضلكم " بدل: خيركم.
وروى الحديث بزيادة فيه وهو: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفضل القرآن
على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وذاك أنه منه ". أخرجه البيهقي في
" الأسماء والصفات " ص (238) من طريق يعلى بن المنهال الكوفي حدثنا إسحاق
ابن سليمان الرازي عن الجراح بن الضحاك الكندي عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد
الرحمن عن عثمان مرفوعا به. وهكذا أخرجه ابن الضريس عن الجراح به كما في
" الفتح " (9 / 54) .
قلت: والجراح صدوق كما في " التقريب " وبقية رواته ثقات رجال الستة غير يعلى
ابن المنهال فلم أجد من ترجمة. وقد تابعه الحماني عن إسحاق في رفعه، أخرجه
البيهقي أيضا (237) وقال: ويقال أن الحماني منه - يعني يعلى هذا - أخذ ذلك
والله أعلم ".
قلت: والحماني هو يحيى بن عبد الحميد، وهو ثقة حافظ من رجال مسلم إلا أنهم
اتهموه بسرقة الحديث كما في " التقريب ". وقد خالفهما يحيى بن أبي طالب عن
إسحاق بن سليمان فجعل آخر الخبر يعني " وفضل القرآن ... " الخ من قول أبي عبد
الرحمن. وتابعه على ذلك غيره كما قال البيهقي وقال الحافظ في " الفتح " (9
/ 54) : " وقد بين العسكري أنها من قول أبي عبد الرحمن السلمي ".
قلت: فثبت بذلك أن هذه الزيادة لا يصح رفعها لأن من رفعها مجهول مع مخالفته
لغيره في رفعها ويؤيد ذلك أنها لم ترد في شيء من طرق الحديث،(3/168)
وقد جاء عن
عثمان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك ولفظ هؤلاء حاشا
عثمان: " خياركم ". وقد سبق آنفا. وكذلك روي بدون الزيادة عن عبد الله بن
مسعود بلفظ: " خيركم من قرأ القرآن وأقرأه ". أخرجه الخطيب (2 / 96) من
طريق شريك عن عاصم بن أبي النجود وعطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد
الله رفعه. وأورده الحافظ (9 / 61) من رواية شريك به دون ذكر عطاء. وقال
: أخرجه ابن أبي داود.
قلت: وهذا سند ضعيف لأن شريكا سيء الحفظ والحديث إنما هو من رواية أبي عبد
الرحمن السلمي عن عثمان كما سبق.
1174 - " خيركم خيركم لأهله، وإذا مات صاحبكم فدعوه ".
أخرجه الدارمي (2 / 158) : أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة مرفوعا به.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري. وله شاهد من حديث أبي هريرة تقدم برقم
(284) " أكمل المؤمنين ... " دون الشطر الثاني.
1175 - " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ".
أخرجه البخاري في " صحيحه " (10 / 436) وفي " الأدب المفرد " (ص 185)
ومسلم (8 / 227) وأبو داود (2 / 297) والدارمي (2 / 319 و 320) وابن
ماجة (2 / 476) وأحمد (2 / 379) من حديث ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي
هريرة مرفوعا. وأخرجه ابن ماجة والطيالسي (رقم 1813) وأحمد (رقم 5964
) من طريق زمعة بن صالح عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. وزمعة
ضعيف. وتابعه صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف أيضا والصحيح رواية الجماعة عن
الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة كما في " الفتح ".(3/169)
1176 - " إن من خير ما تداوى به الناس الحجم ".
أخرجه أحمد (5 / 9 و 15 و 19) والحاكم (4 / 208) من طرق عن عبد الملك بن
عمير عن حصين بن أبي الحر عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وذلك من أوهامهما، فإن حصينا هذا وهو ابن مالك لم يخرج له الشيخان
شيئا، فهو صحيح فحسب. ثم أخرج له الحاكم شاهدا من حديث زيد بن أبي أنيسه عن
محمد بن قيس حدثنا أبو الحكم البجلي - وهو عبد الرحمن بن أبي نعم - قال:
" دخلت على أبي هريرة رضي الله عنه وهو يحتجم، فقال لي: يا أبا الحكم.
احتجم قال: فقلت: ما احتجمت قط. قال: أخبرني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم
أن جبريل عليه الصلاة والسلام أخبره: " أن الحجم أفضل ما تداوى به الناس ".
وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي أيضا.
قلت: وفيه نظر لأن محمد بن قيس وهو الأسدي الوالبي الكوفي إنما روى له
البخاري في " الأدب المفرد " فهو على شرط مسلم وحده.
1177 - " أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير عن كل حر
وعبد وصغير وكبير ".
أخرجه الدارقطني (223 و 224) وأحمد (5 / 432) عن الزهري عن عبد الله بن
ثعلبة بن صعير - أو عن ثعلبة - عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنهم اختلفوا في صحبة عبد الله بن ثعلبة لكنه
قال في هذه الرواية وغيرها: " عن أبيه ". فهو مسند، وقد أخرجه الضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " كما في " زوائد الجامع الصغير " (ق 9 / 2)
.(3/170)
وللحديث شواهد كثيرة خرجت طائفة منها في " التعليقات الجياد " ومنها عن ابن
عمر عند الدارقطني (ص 221) وعنده (220) والشحامي في " تحفة العيد " (ق
191 / 2) عن ابن عمرو، والطبراني في " الأوسط " (1 / 88 / 1) : حدثنا محمد
ابن موسى حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا الليث بن حماد عن غورك أبي عبد الله
الجعفري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعا بلفظ: " صدقة
الفطر على كل إنسان: مدان من دقيق أو قمح ومن الشعير صاع ومن الحلوى: زبيب
أو تمر صاع " وقال: " لم يروه عن جعفر إلا غورك ولا عنه إلا الليث بن حماد
الأصطخري ".
قلت: وهذا سند ضعيف جدا، قال الدارقطني: غورك ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء:
الليث وغيره.
قلت: ورواه في " سننه " (225) بسند صحيح عن جابر مرفوعا دون ذكر الحلوى.
وفي رواية لأحمد وأبي داود (1619) والبيهقي (4 / 163 و 164 و 167) من
طريق النعمان بن راشد عن الزهري به نحوه، وزاد: " غني أو فقير أما غنيكم
فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه ". وهو رواية
للدارقطني.
قلت: والنعمان بن راشد فيه ضعف، قال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". ثم أخرجه
الدارقطني (224) من طريق سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس
مرفوعا نحو حديث الترجمة لكنه زاد: " يهودي أو نصراني ". وهذه زيادة منكرة
تفرد بها الطويل، قال الدارقطني عقبه:(3/171)
" سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده
غيره ".
قلت: وزيد العمي ضعيف.
1178 - " من أهان قريشا أهانه الله ".
روي من حديث عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وعبد الله بن
عباس.
1 - أما حديث عثمان فيرويه عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى ابن عبد
الله بن معمر التيمي قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمي عبيد الله بن عمر بن موسى
يقول: حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن عثمان بن
عفان قال: قال لي أبي: يا بني إن وليت من أمر الناس شيئا فأكرم قريشا، فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه ابن حبان (2288)
وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (13 / 291 / 1) والضياء المقدسي في "
الأحاديث المختارة ". (1 / 138) كلهم من طريق أبي يعلى، والعقيلي في
" الضعفاء " (270) والحاكم (4 / 74) وكذا أحمد (1 / 64) والضياء أيضا
في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (29 / 1 و 112 / 2) من طرق عن عبيد الله به
. وقال ابن عساكر: " حديث غريب ". وبين سببه العقيلي فقال: " عبيد الله بن
عمرو بن موسى التيمي لا يتابع على حديثه، وقد روي بغير هذا الإسناد، بإسناد
يقارب هذا ".
قلت: وتفرد بتوثيقه ابن حبان، وقال الذهبي: " فيه لين ". ومحمد بن حفص
لم يوثقه غير ابن حبان أيضا، وقال الحسيني: " فيه نظر ".
2 - وأما حديث سعد فيرويه محمد بن أبي سفيان عن يوسف بن الحكم عن محمد بن سعد
عن أبيه مرفوعا بلفظ: " من يرد هوان قريش أهانه الله ".(3/172)
أخرجه الترمذي (2 /
325) وأحمد (1 / 171 و 186) والحاكم وتمام الرازي في " الفوائد " (218 /
2) و " مسند المقلين من الأمراء والسلاطين " (رقم 201) والهيثم بن كليب في
" مسنده " (18 / 2) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (163 / 1 - 2) والبغوي
في " شرح السنة " (4 / 157) وابن عساكر (15 / 189 / 2) والضياء في
" المختارة " (1 / 345) عن صالح بن كيسان عن الزهري عنه به. وقال الترمذي:
" حديث غريب من هذا الوجه ". قال العراقي في " محجة القرب في فضل العرب " (ق
20 / 1) عقبه: " قلت: ورجاله ثقات وإنما استغربه من هذا الوجه - لا مطلقا
- لغرابة إسناده لأنه اجتمع فيه خمسة من التابعين يروى بعضهم عن بعض أولهم صالح
ابن كيسان وآخرهم محمد بن سعد ".
قلت: ولا يبدو لي ما ذكره من التوثيق والتعليل، فإن يوسف بن الحكم ومحمد
بن أبي سفيان ليسا مشهورين، فلم يوثقهما غير ابن حبان، وقد اشتهر عند
المحققين تساهله في التوثيق، والأول أقل شهرة من الآخر، فأنا أظن أنه إنما
استغربه من أجل هذه الجهالة. والله أعلم. وقد اختلف في إسناده على الزهري
على وجوه:
الأول: هذا.
الثاني: رواه معمر عنه عن عمر بن سعد أو غيره أن سعد بن مالك قال: فذكره نحوه
. أخرجه أحمد (1 / 176) حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر. وكذا رواه الضياء في
" المختارة " (1 / 340 و 341) . ورجاله ثقات لولا الشك الذي وقع في سنده.
نعم أخرجه ابن عدي (ق 92 / 1) من طريق الحسن بن داود عن عبد الرزاق به إلا
أنه قال: عن عمر بن سعد عن أبيه، ولم يشك. لكن الحسن هذا هو المنكدري فيه
ضعف، وقال ابن عدي:(3/173)
" له أحاديث تحتمل وأرجو أنه لا بأس به ".
الثالث: قال محمد بن عبد الرحمن بن مجبر: عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه
. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 19 / 1) . وابن مجبر هذا متروك
. وقد أورد الحديث ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 365 و 366) من الوجه
الأول وقال: " قال أبي: يخالف في هذا الإسناد واضطرب في هذا الحديث ".
وقال ابن عساكر: " الصحيح الأول ".
3 - وأما حديث أنس فيرويه أبو هلال الراسبي عن قتادة عنه مرفوعا. أخرجه
البزار (288) وأبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (109 / 1) والطبراني
في المعجم الكبير " وابن عدي (404 / 1) ، وقال البزار: " تفرد به أبو هلال
وهو لين ". وقال الهيثمي عقبه في " زوائده ": " قلت: شاهده يعضده من حديث
سعد وعثمان ".
قلت: وأبو هلال اسمه محمد بن سليم وهو صدوق فيه لين كما في " التقريب ".
وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 27) : " رواه الطبراني في " الكبير "
و" الأوسط " وفيه محمد بن سليم أبو هلال، وقد وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية
رجالهما رجال الصحيح، ورواه البزار ".
قلت: شيخ الطبراني محمد بن محمد التمار ليس من رجال الصحيح لكن تابعه شيخا
البزار روح بن حاتم وأحمد بن العلاء الآدمي، والأول ضعيف والآخر لم أجد له
ترجمة.(3/174)
4 - وأما حديث ابن عباس فيرويه أبو مسلم صاحب الدولة عن محمد ابن علي بن عبد
الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس. أخرجه تمام في " الفوائد "
(رقم 1029) وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2 / 109) ولم يذكر في أبي
مسلم هذا جرحا ولا تعديلا.
1179 - " أدوا صاعا من طعام ".
أخرجه البيهقي (4 / 167) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 12 و 6 / 262) من
طريق عبد الله بن الجراح حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي عن
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: " غريب من حديث
حماد وأيوب ولا أعلم له راويا إلا عبد الله بن الجراح ".
قلت: وهو صدوق كما قال أبو زرعة، وقال النسائي: " ثقة ". وذكره ابن حبان
في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". وأما أبو حاتم فقال: " كان كثير
الخطأ ومحله الصدق ".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى.
(تنبيه) والمراد بالطعام هنا ما سوى القمح فإنه يجزيء فيه نصف الصاع لحديث
عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير المتقدم (1177) بلفظ: " أدوا صاعا من بر أو
قمح بين اثنين ... ". ويشهد له عدة أحاديث منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده مرفوعا. " ... مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام ". أخرجه الدارقطني
(220 و 221) من طريقين عن ابن جريج عنه. ومنها حديث أوس بن الحدثان مرفوعا
بلفظ: " أخرجوا زكاة الفطر صاعا من طعام ". لكن إسناده ضعيف جدا وفيه زيادة
منكرة ولذلك أخرجته في الكتاب الآخر (2116) .(3/175)
1180 - " إن روح القدس لا يزال يويدك ما نافحت عن الله ورسوله ".
أخرجه مسلم (7 / 164 - 165) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: " اهجوا قريشا فأنه أشد عليها من رشق بالنبل ".
فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك،
ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى
هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق
لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعجل
فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي ". فأتاه
حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لخص لي نسبك والذي
بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: الحديث. وقالت: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول: " هاجهم حسان فشفى واشتفى ". قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا حنيفا رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الضماء
تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد يسرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء
يلاقي كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء(3/176)
وللحديث طريق أخرى عن عائشة مختصرا بلفظ: " إن الله يؤيد ... ". وقد مضى.
وله شاهد بلفظ: " إن روح القدس معك ما هاجيتهم ". أخرجه الحاكم (3 / 487)
من طريق عيسى بن عبد الرحمن حدثنا عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: فذكره. وقال: صحيح. وأقره
الذهبي. وهو كما قالا. وقد رواه غير عيسى عن عدي وغيره بلفظ: (اهج
المشركين) . كما يأتي.
1181 - " أدخل الله عز وجل الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 267) والنسائي (2 / 234)
وابن ماجة (2 / 20 - 21) وأحمد (1 / 58 و 67 و 70) والخرائطي في " مكارم
الأخلاق " (ص 54) من طريق عطاء بن فروخ عن عثمان بن عفان قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عطاء بن فروخ فوثقه ابن حبان فقط، وروى
عنه اثنان. وذكر علي بن المديني في " العلل " أنه لم يلق عثمان رضي الله عنه
. وبالانقطاع أعله البوصيري في " الزوائد " (136 / 2) . وأخرجه الطيالسي في
" مسنده " (1 / 262 / 1307) : حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن رجل عن عثمان
به. وهو رواية لأحمد. ولعل هذا الرجل هو ابن فروخ هذا. لكن للحديث شاهد
بلفظ: " غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا
إذا اقتضى ".(3/177)
أخرجه الترمذي (1 / 248) والبيهقي (5 / 357 - 358) وأحمد
(3 / 340) من طريق زيد بن عطاء بن السائب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد
الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي: " حديث
صحيح حسن غريب من هذا الوجه ".
قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات معروفون غير زيد هذا فقال أبو حاتم: ليس
بالمعروف. وذكره ابن حبان في الثقات "، وقد روى عنه جمع. (أنظر الاستدراك
178 / 7) .
1182 - " ادفعوها إلى خالتها، فإن الخالة أم ".
أخرجه أبو داود (1 / 530 - الحلبية) والحاكم (3 / 120) واللفظ له وأحمد
(1 / 88 و 115) من طرق عن إسرائيل عن إسحاق عن هبيرة بن يريم وهانيء بن
هانيء عن علي قال: " لما خرجنا من مكة اتبعنا ابنة حمزة فنادت: يا عم يا
عم! فأخذت بيدها فناولتها فاطمة قلت: دونك ابنة عمك، فلما قدمنا المدينة
اختصمنا فيها أنا وزيد وجعفر، فقلت: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال زيد
: ابنة أخي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا،
وقال لي: أنت مني وأنا منك، ادفعوها ... فقلت: ألا تزوجها يا رسول الله؟
قال: " إنها ابنة أخي من الرضاعة ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم
يخرجاه بهذه الألفاظ وإنما اتفقا على حديث أبي إسحاق عن البراء مختصرا ".
قلت: أبو إسحاق هو السبيعي وكان اختلط لكن له طريق أخرى عند أبي داود
والطحاوي في " المشكل " (4 / 174) والحاكم (3 / 211) عن يزيد بن الهاد عن
محمد بن نافع بن عجير عن أبيه نافع عن علي بن أبي طالب به نحوه. وفيه:(3/178)
" وأما الجارية فادفعي بها لجعفر فإن خالتها عنده وإنما الخالة أم ". وقال
الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". كذا قال، ونافع بن عجير ليس من رجال مسلم،
وقد اختلف في إسناده كما في ترجمته من " التهذيب ". وللحديث شاهد مرسل قوي
بلفظ: " الخالة أم ". رواه ابن سعد (4 / 35 - 36) عن جعفر بن محمد عن أبيه
قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال، إذا أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في
هودجها، قال: فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة حتى ارتفعت أصواتهم،
فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: هلموا أقضي بينكم فيها وفي
غيرها، فقال علي: ابنة عمي وأنا أخرجتها وأنا أحق بها، وقال جعفر: ابنة
عمي وخالتها (1) عندي، وقال زيد: ابنة أخي، فقال في كل واحد قولا راضيا،
فقضى بها لجعفر وقال: (فذكره) ، فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه
وسلم - دار عليه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت
الحبشة يصنعونه بملوكهم.
قلت: وسنده صحيح لولا أنه مرسل.
1183 - " إذا قرأتم: * (الحمد لله) * فاقرءوا: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * إنها أم
القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و * (بسم الله الرحمن الرحيم) * إحداها ".
أخرجه الدارقطني (118) والبيهقي (2 / 45) والديلمي (1 / 1 / 70) من
طريق أبي بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد
ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.
_________
(1) خالتها أسماء بنت عميس، وأمها سلمى بنت عميس. اهـ.(3/179)
قال أبو بكر الحنفي، ثم لقيت نوحا فحدثني عن سعيد بن
أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله ولم يرفعه.
قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوعا وموقوفا فإن نوحا ثقة وكذا من دونه والموقوف
لا يعل المرفوع. لأن الراوي قد يوقف الحديث أحيانا فإذا رواه مرفوعا - وهو
ثقة - فهو زيادة يجب قبولها منه. والله أعلم. وبعضه عند أبي داود وغيره من
حديث أبي هريرة، وعند البخاري وغيره من حديث أبي سعيد بن المعلى، وعزاه
السيوطي إليه من حديث أبي بكر وهو وهم محض كما نهت عليه في " تخريج الترغيب "
(2 / 216) وغيره وهو في " صحيح أبي داود " (1310 - 1311) .
1184 - " ادن يا بني وسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ".
أخرجه الترمذي (1 / 340 - 341) وأحمد (4 / 26) من طرق عن هشام بن عروة عن
أبيه عن عمرو بن أبي سلمة. " أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
طعام، قال: " فذكره، وقال الترمذي: " وقد روي عن هشام بن عروة عن أبي
وجزة السعدي عن رجل من مزينة عن عمر بن أبي سلمة وقد اختلف أصحاب هشام بن عروة
في رواية هذا الحديث وأبو وجزة السعدي اسمه يزيد بن عبيد ".
قلت: قد صح متصلا عن أبي وجزة وغيره عن ابن أبي سلمة، فأخرجه أبو داود (2 /
141) وأحمد (4 / 27) من طرق عن سليمان بن بلال قال: حدثنا أبو وجزة عن
(وفي بعض الطرق: أخبرني) عمرو بن أبي سلمة به. وهذا سند صحيح. وأخرجه
ابن حبان (1339) عن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبي عن
أبيه ... فذكر نحوه.(3/180)
وأخرجه البخاري (9 / 458) والدارمي (2 / 100) عن
وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة به مختصرا: " سم الله وكل مما يليك ".
1185 - " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث
الحديد ".
رواه الطبراني في "الأوسط " (1 / 111 / 2) عن حمزة الزيات عن علي بن زيد بن
جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " لم يروه عن علي إلا
حمزة ".
قلت: وهو صدوق ربما وهم واحتج به مسلم لكن ابن جدعان ضعيف. وقال الهيثمي
(3 / 278) : " وفيه كلام ".
قلت: لكن يقويه أن له طريقا أخرى في " كامل ابن عدي " (ق 191 / 2) من طريق
شعيب بن صفوان عن الربيع بن ركين عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به. وقال:
" وشعيب عامة ما يرويه لا يتابع عليه ".
قلت: قد قال فيه أحمد: " لا بأس به، وهو صحيح الحديث ". وقال أبو حاتم:
" يكتب حديثه ولا يحتج به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " وكان
ربما أخطأ ".
قلت: فهو حسن الحديث إذا لم يخالف، فإذا توبع فهو صحيح الحديث كما هنا. على
أنه يشهد له حديث جابر مرفوعا به. رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا من طريق
يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عنه به.(3/181)
وابن عقيل قال الهيثمي
: " وفيه كلام ومع ذلك فحديثه حسن ". وله طريق أخرى عن جابر. أخرجه ابن
عدي (304 / 2) من طريق محمد بن عبد الله العمري عن أيوب عن محمد بن المنكدر
عنه. لكن العمري هذا واه. وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطريق، لاسيما وله
شواهد كثيرة سيأتي تخريجها بلفظ: " تابعوا بين الحج والعمرة ... " (1200) .
1186 - " إذا أبردتم إلى بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 242 - زوائده) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ
ابن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لا نعلمه رواه بهذا الإسناد إلا
قتادة - صحيح ". وقوله: " صحيح " إنما هو من صاحب " الزوائد " وهو الحافظ
الهيثمي وصرح بذلك السيوطي في " اللآلئ المصنوعة " وأقره ورجال إسناده ثقات
كلهم من رجال الشيخين. ثم أخرج له البزار شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به
من طريق عمرو بن أبي خثعم حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
وهذا إسناد ضعيف من أجل عمر هذا وهو ابن عبد الله ابن أبي خثعم قال في
" التقريب ": " ضعيف ". وقال في " مجمع الزوائد " (8 / 47) : " رواه
البزار والطبراني في " الأوسط "، وفي إسناد الطبراني عمر بن راشد، وثقه
العجلي وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله ثقات، وطرق البزار ضعيفة ".(3/182)
قلت: لم يذكر الهيثمي في " زوائد مسند البزار " للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة
غير هذه، فلعل قوله: " طرق " محرفة عن " طريق " لكن المناوي نقله عن الهيثمي
كما نقلته عنه " طرق "، ثم وهم وهما فاحشا حيث ذكر قول الهيثمي هذا عقب حديث
بريدة المذكور أعلاه، فأوهم شيئين اثنين لا حقيقة لهما:
الأول: أن لحديث بريدة أكثر من حديث واحد. وليس كذلك.
الآخر: أنه ضعيف وليس كذلك أيضا بل إسناده صحيح كما أفاده الهيثمي نفسه فيما
تقدم ومن العجيب أن الهيثمي لم يورده مع حديث أبي هريرة في المكان المشار إليه
ومن البعيد أن يكون أورده في مكان آخر من " المجمع ". وقد أخرجه أبو الشيخ
في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 274) والعقيلي في " الضعفاء " (ص
278) وأبو القاسم بن أبي قعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (8 / 1)
والبغوي في " شرح السنة " (4 / 71 / 2) من طريق عمرو بن راشد عن يحيى ابن
أبي كثير به. وقال البغوي: " عمرو بن راشد ضعيف ". وقال العقيلي: " لا
يتابعه إلا من هو دونه أو مثله ". وكأنه يشير إلى متابعة عمر بن أبي خثعم
المتقدمة. وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس يرويه النضر بن إسماعيل البجلي
عن طلحة بن عمرو عن عطاء عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 205 / 1
) والديلمي في " المسند " (1 / 1 / 104) وقال ابن عدي: " طلحة بن عمرو
عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وهذا الحديث مما فيه نظر ". وذكره ابن أبي
حاتم في " العلل " (2 / 329) من هذا الوجه وقال:(3/183)
" سئل عنه أبو زرعة؟ فقال
: هو طلحة عن عطاء مرسل ".
قلت: وطلحة هذا متروك. ومن الغريب أن السيوطي في " اللآليء " لم يحصل على
هذه الطريق إلا من عند ابن النجار! ولكنه قد ذكر له شاهدا مرسلا جيدا فقال:
" وقال ابن أبي عمرو في " مسنده ": حدثنا بشر بن السري حدثنا همام عن يحيى بن
أبي كثير عن أبي سلمة عن الحضرمي بن لاحق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إذا أبردتم ... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، الحضرمي بن لاحق تابعي صغير، روى عن ابن عباس
وابن عمرو مرسلا وليس به بأس كما قال ابن معين. ومن طريقه رواه ابن قتيبة
في " غريب الحديث " (1 / 46 / 2) .
وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق، لاسيما والطريق الأولى صحيحة لذاتها
وإلى ذلك مال السيوطي فقال في آخر بحثه: " قال الحاكم في " المستدرك ": إذا
كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا. والله أعلم. وذكر له شاهد من
حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " كان إذا بعث شيئا قال لأميرهم: إذا بعثت إلي
بريدا فاجعله جسيما وسيما حسن الوجه ". أخرجه الخرائطي في " اعتلال القلوب ":
حدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا أبي حدثنا عفيف بن سالم عن الحسن بن دينار عنه.
قلت: والحسن بن دينار، قال أبو حاتم وغيره: كذاب. فمثله لا يستشهد به
ولا كرامة على أنه ما أدرك أحدا من الصحابة، فإنه إنما ذكروا له رواية عن بعض
التابعين: كـ " ابن سيرين " وغيره.(3/184)
1187 - " إذا آتاك الله مالا لم تسأله ولم تشره إليه نفسك فاقبله، فإنما هو رزق ساقه
الله إليك ".
أخرجه الحاكم (3 / 286) والبيهقي (6 / 184) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان
" (1 / 228) عن شريك عن جامع بن أبي راشد عن زيد بن أسلم (عن أبيه) قال:
" كان رجل في أهل الشام مرضيا، فقال له عمر: على ما يحبك أهل الشام؟ قال
: أغازيهم وأواسيهم، قال: فعرض عليه عمر عشرة آلاف، قال: خذها واستعن بها
في غزوك، قال: إني عنها غني، قال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض
علي مالا دون الذي عرضت عليك، فقلت له مثل الذي قلت لي، فقال لي ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن شريكا وهو ابن عبد الله القاضي سيىء
الحفظ. لكن الحديث ورد في " الصحيحين ". وغيرهما من حديث ابن عمر بمعناه
وله شاهد من حديث عائشة عند البيهقي، ومن حديث أبي الدرداء في " تاريخ ابن
عساكر " (10 / 426) .
1188 - " إذا وجدتم الإمام ساجدا فاسجدوا أو راكعا فاركعوا أو قائما فقوموا ولا تعدوا
بالسجود إذا لم تدركوا الركعة ".
أخرجه إسحاق بن منصور المروزي في " مسائل أحمد وإسحاق " (1 / 127 / 1 مصورة
المكتب) حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة، قال: حدثنا
عبد العزيز بن رفيع عن ابن مغفل المزني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. وقد أخرجه البيهقي (2 / 89
) من طريق شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره.(3/185)
قلت: ففي رواية المروزي فائدة هامة وهى بيان أن الرجل الذي لم يسم عند
البيهقي إنما هو ابن مغفل الصحابي واسمه عبد الله، وقد كنت ملت إلى ترجيح
أنه صحابي فيما كنت علقته على " سبل السلام " (2 / 26) أثناء تدريسه في "
الجامعة الإسلامية " قبل أن أقف على هذه الرواية الصريحة في ذلك، فالحمد لله
على توفيقه. وقد أخرجه الترمذي من حديث علي ومعاذ مرفوعا نحوه. وفي إسناده
ضعف ينجبر بروايته ابن مغفل هذه. وقد وجدت له شاهدا من حديث عبد الرحمن بن
الأزهر مرفوعا بلفظ: " إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا،
ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 16 /
2) عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الحميد بن
عبد الرحمن بن الأزهر حدثه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن الأزهر صحابي صغير وابنه عبد الحميد
ابن عبد الرحمن بن الأزهر ترجمه ابن أبي حاتم (13 / 1 / 15) من رواية جعفر بن
ربيعة فقط ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعبد الله بن عبد الرحمن بن
السائب لم أجد له ترجمة. وجعفر بن ربيعة وهو المصري ثقة من رجال الشيخين.
ومما يشهد للحديث ويقويه عمل كبار الصحابة به كأبي بكر الصديق وزيد بن ثابت
وابن مسعود وقد سبق تخريجها تحت الحديث (229) فراجعها.
1189 - " إذا أتى الرجل القوم فقالوا مرحبا، فمرحبا به يوم يلقى ربه، وإذا أتى
الرجل القوم فقالوا له: قحطا، فقحطا له يوم القيامة ".
أخرجه الحاكم (3 / 525) عن حماد بن سلمة أنبأنا سعيد بن إياس الجريري عن أبي
العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: سمعت أبا سعيد الضحاك ابن قيس
الفهري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وصححه وقال
الذهبي:(3/186)
" قلت، على شرط مسلم ". وهو كما قال. والحديث قال في " المجمع "
(10 / 271 - 272) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله
رجال الصحاح غير أبي ضرير الأكبر وهو ثقة ".
1190 - " إذا أتيت أهلك فاعمل عملا كيسا ".
أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (12 / 295 - 296) من طريق عطاء بن جبلة عن
ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: " قدمت من سفر، فأتيت النبي صلى
الله عليه وسلم فقال ... (فذكره) ، فلما أتيت أهلي قلت: إن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ... (فذكره) قالت: دونك ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف ابن جريج وأبو الزبير مدلسان وقد عنعناه. وعطاء بن
جبلة قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة الرازي: منكر الحديث. وقال
أبو حاتم: ليس بالقوي.
أقول: لكن الحديث صحيح جاء من طرق أخرى، فروى الشعبي عن جابر أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال له " إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة
وتمتشط الشعثة ". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلت
فعليك الكيس الكيس ". أخرجه أحمد (3 / 298) والبخاري (9 / 298) . وأخرجه
هو ومسلم (4 / 176) والدارمي (2 / 146) والبيهقي (4 / 254) من هذا
الوجه أتم منه بلفظ: " إذا قدمت فالكيس الكيس ". وفيه أنهم كانوا في غزاة.
وفي رواية للبخاري: " الكيس الكيس يا جابر. يعني الولد ". وقال البخاري:
" تابعه عبيد الله عن وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس ".
قلت: وقد وصله البخاري في " البيوع " (4 / 269) مطولا مثل رواية الشعبي
المطولة.(3/187)
وذكر الحافظ أن ابن خزيمة أخرجه في " صحيحه " من طريق محمد بن
إسحاق عن وهب بن كيسان بلفظ: " فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا ".
1191 - " السري: النهر ".
أخرجه محمد بن العباس البزار في " حديثه " (116 / 1) حدثنا عبيد بن عبد
الواحد قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن
عن الأعمش عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح ". غير عبيد بن عبد
الواحد وهو ابن شريك البزار وكان ثقة صدوقا كما في " اللسان ". لكن أخرجه
ابن جرير في " التفسير " (16 / 53) من طريق شعبة والحاكم (2 / 373) من
طريق سفيان كلاهما عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: فذكره موقوفا
قلت: وهو أصح لكن تفسير الصحابي للقرآن له حكم الرفع كما قرره الحاكم في
" مستدركه " - لاسيما وقد روي عن ترجمان القرآن ابن عباس من قوله. رواه ابن
جرير وغيره. والحديث أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 142 - هندية) من
طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى الصدفي عن أبي سنان عن أبي إسحاق به
مرفوعا. وقال: " لم يرفع هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا أبو سنان سعيد بن سنان
".
قلت: وهو صدوق له أوهام احتج به مسلم لكن الصدفي ضعيف وبقية مدلس. وقوله:
" لم يرفعه إلا أبو سنان " فبحسب ما وصل إليه وإلا فحديث الترجمة يرده.(3/188)
وله
شاهد من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن
السري الذي قال الله عز وجل: * (قد جعل ربك تحتك سريا) * نهر أخرجه الله لتشرب
منه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 167 / 1) عن يحيى بن عبد الله:
أخبرنا أيوب بن نهيك قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عمر ...
وهذا إسناد ضعيف لضعف يحيى بن عبد الله وهو البابلتي. وشر منه شيخه أيوب بن
نهيك ولعل لذلك اقتصر ابن كثير عليه في إعلال الحديث هذا، وفيما قبله غنية
عنه. والله أعلم.
1192 - " شغلني هذا عنكم منذ اليوم، إليه نظرة، وإليكم نظرة. ثم رمى به. يعني
الخاتم ".
أخرجه النسائي (2 / 295) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 1468 - الموارد)
وأحمد (1 / 322) من طريق عثمان بن عمر أنبأنا مالك بن مغول عن سليمان
الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ
خاتما فلبسه، ثم قال: (فذكره) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد عن طاووس مرسلا نحوه وفيه
أن الخاتم كان من ذهب. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 2 / 161) بسند
صحيح عنه لولا أنه مرسل. لكن يشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه
(محمد رسول الله) ، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال:
" لا ألبسه أبدا " ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة. أخرجه
البخاري ومسلم في " اللباس ".(3/189)
وفي الحديث إشارة إلى تحريم خاتم الذهب على
الرجال وفيه أحاديث كثيرة صريحة في التحريم ذكرت بعضها في كتابي " آداب الزفاف
" فليراجعها من شاء ولذلك انعقد الإجماع على التحريم بعد أن كان هناك من
الصحابة من لبسه وهو محمول على أنهم لم يبلغهم النهي، أو حملوه على التنزيه
وربما حمله بعضهم على الخصوصية له. فانظر لذلك " فتح الباري " (10 / 266 -
268) .
1193 - " الدجال الأعور هجان أزهر (وفي رواية أقمر) كأن رأسه أصلة أشبه الناس بعبد
العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعالى ليس بأعور ".
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1900 - موارد) وأحمد (1 / 240 و 313) وأبو
إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 73 / 1 و 93 / 1) وابن منده في
" التوحيد " (83 / 1) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا
. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
غريب الحديث:
(هجان) أي أبيض. وبمعناه (أزهر) . (أقمر) أي لونه لون الحمار الأقمر،
أي الأبيض. (أصلة) الأصلة بفتح الهمزة والصاد: الأفعى: وقيل هي الحية
العظيمة الضخمة القصيرة والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية.
كما في " النهاية ". (الهلك) جمع هالك، أي فإن هلك به ناس جاهلون وضلوا،
فاعلموا أن الله ليس بأعور.(3/190)
والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر له
صفات البشر، لاسيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة.
فالحديث من الأدلة الكثيرة على البطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص
وإنما هو رمز للحضارة الأوربية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر وفتنة
أكبر من ذلك كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه.
1194 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".
أخرجه الترمذي (2 / 108) والدارمي (1 / 74) من طريق إسماعيل بن جعفر عن
عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا، وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
قلت: وهو على شرط الشيخين. ورواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 281)
وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 19) من حديث عمرو بن الحارث أن عباد بن
سالم حدثه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
ورجاله ثقات رجال الستة غير عباد بن سالم فلم أجد من ترجمه. وقد عزاه الحافظ
في " الفتح " (1 / 131) والعيني في " العمدة " (1 / 436) لابن أبي عاصم
وحده في " كتاب العلم ". قالا: " وإسناده حسن ". والله أعلم.
وأخرجه ابن ماجه (1 / 95) عن عبد الأعلى، والطبراني في " الصغير " (167)
عن عبد الواحد بن زياد كلاهما عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي
هريرة مرفوعا به. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقول الطبراني: " تفرد
به عبد الواحد بن زياد ". فهو بالنسبة لما وقع إليه وإلا فقد تابعه عبد
الأعلى كما ترى. وأخرجه ابن عبد البر (1 / 19) عن ابن زياد. وقد ورد عنه
بزيادة فيه، ويأتي قريبا. وأخرجه الدارمي (1 / 74) والطحاوي (2 / 280)
وأحمد وابن عبد البر من حديث حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن
محيريز عن معاوية مرفوعا به.(3/191)
وسنده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير جبلة بن
عطية وهو ثقة كما في " التقريب ". ولفظ أحمد وابن عبد البر: " إذا أراد
الله بعبد خيرا ... ". وله في مسند (4 / 96 / 99) طريقان آخران عن معاوية
رجال الأولى ثقات رجال مسلم غير جراد رجل من بني تميم، وهو جراد بن مجالد
الضبي قال أبو حاتم: لا بأس به وذكره ابن حبان في " الثقات ". فالإسناد حسن
. ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي (2 / 279) . والطريق الآخر إسناد صحيح على
شرط مسلم. (1) وقد جاء بزيادات فيه ويأتي. أما حديث ابن زياد المشار إليه
آنفا فهو بلفظ: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله
عز وجل يعطي ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 280) حدثنا أبو أمية:
حدثنا سريج بن النعمان الجوهري حدثنا عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن
سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال
البخاري غير أبي أمية واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي البغدادي، وهو
صدوق يهم كما في " التقريب ". وقد أخرجه مسلم (3 / 95) من طريق يونس عن ابن
شهاب قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان
وهو يخطب يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره إلا أنه
قال: " ويعطي الله ". فيخشى أن يكون الحديث عن الزهري عن حميد عن معاوية
فجعله أبو أمية عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، ويرجح ذلك أنه رواه جمع من
الثقات عن عبد الواحد بن زياد وعبد الأعلى بن عبد الأعلى كلاهما عن الزهري عن
سعيد به دون قوله: " وإنما ... إلخ. والله أعلم.
_________
(1) ثم وجدته في صحيحه (3 / 95) بهذا الإسناد. اهـ.(3/192)
ويستنتج مما تقدم أن
للزهري فيه إسنادين بلفظين أحدهما مختصر، والآخر مطول وهو من حديث معاوية
وقد جاء بزيادة أخرى وهو: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا
قاسم والله يعطي ولن تزال هذا الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم
حتى يأتي أمر الله ".
1195 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال
هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ".
أخرجه البخاري (1 / 25 و 26 و 4 / 49 و 8 / 149) والطحاوي في " المشكل "
(2 / 278) عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبر حميد قال: سمعت معاوية بن
أبي سفيان خطيبا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وكذلك
أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (1 / 20) ورواه أحمد (4 / 101) عن عبد
الوهاب بن أبي بكر عن ابن شهاب به دون قوله (وإنما أنا قاسم والله يعطي)
وزاد في آخره: (وهم ظاهرون على الناس) وهي عند الطحاوي، وكذا البخاري
في رواية. وهي عند مسلم من طريق أخرى عن معاوية بلفظ: " لا تزال ". وتقدم
برقم (270) . وروى الدارمي (1 / 75، 76) عن عبد الوهاب الجملة الأولى منه
. ولها طرقا عن معاوية ذكرت قريبا وورد بزيادات أخرى فانظر: " الخير عادة "
وتقدم برقم (651) . وما يأتي بعد حديث. وورد بلفظ " من يرد الله به خيرا
يفقهه في الدين ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على ما
ناوأهم يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 93) حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا
جعفر حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان ذكر حديثا رواه عن
النبي صلى الله عليه وسلم - لم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا
غيره - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط مسلم
وجعفر هو ابن برقان. وقد أخرجه ابن عبد البر أيضا (1 / 20) وكذا مسلم (6
/ 53 و 54) .(3/193)
1196 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه
يبارك له فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح ".
أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 279) وأحمد (4 / 92 و 93 و 98 و 99) عن
سعد بن إبراهيم عن معبد الجهني قال: كان معاوية قلما يحدث عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم شيئا، ويقول هؤلاء الكلمات قلما يدعهن أو يحدث بهن في
الجمع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند حسن رجاله كلهم
ثقات رجال الستة غير معبد الجهني قال أبو حاتم: " هو أول من تكلم بالقدر وكان
صدوقا في الحديث ". ونحوه قال الحافظ في التقريب ". والحديث روى ابن ماجه
منه الجملة الأخيرة: " إياكم والتمادح ". وستأتي (1284) .
1197 - " بينما رجل بفلاة إذا سمع رعدا في سحاب، فسمع فيه كلاما: اسق حديقة فلان ـ
باسمه ـ فجاء ذلك السحاب إلى حرة فأفرغ ما فيه من ماء، ثم جاء إلى أذناب شرج
فانتهى إلى شرجه، فاستوعبت الماء ومشى الرجل مع السحابة حتى انتهى إلى رجل
قائم في حديقة له يسقيها. فقال: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: ولم تسأل؟ قال
: إني سمعت في سحاب هذا ماؤه: اسق حديقة فلان باسمك، فما تصنع فيها إذا
صرمتها؟ قال: أما إن قلت ذلك فإني أجعلها على ثلاثة أثلاث، أجعل ثلثا لي
ولأهلي وأرد ثلثا فيها وأجعل ثلثا للمساكين والسائلين وابن السبيل (1) ".
رواه الطيالسي في مسنده (رقم 2587) ومن طريقه ابن منده في
_________
(1) (انظر الاستدراك رقم 194 / 14) . اهـ.(3/194)
" التوحيد " (21
/ 2) (انظر الاستدراك رقم 194 / 22) . عن عبد العزيز بن أبي سلمة قال:
حدثنا وهب بن كيسان عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي هريرة مرفوعا. وقال
ابن منده: " هذا إسناد متصل صحيح وروي من حديث عبد الله بن عبد الله بن الأصم
عن عمه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة ". وأخرجه أحمد (2 / 296) ومسلم (8 /
22) من طريق يزيد بن هارون: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة به.
1198 - " إذا أتيت الصلاة فائتها بوقار وسكينة، فصل ما أدركت واقض ما فاتك ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 23 / 1 و 2) من طريق مقدم بن محمد حدثنا
عمي القاسم عن هشام بن حسان عن أبي السري عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لم يروه عن هشام إلا القاسم، تفرد به
مقدم ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري في " صحيحه "، ومن فوقه من رجاله أيضا غير
أبي السري وقد أورده الدولابي في " الكنى " (1 / 186) وسماه سليمان بن
كندير، رأى ابن عمر.
قلت: وسليمان بن كندير ثقة من رجال " التهذيب " لكن كنوه بأبي صدقة ولم
يتعرضوا لهذه الكنية (أبي السري) بذكر. والحديث قال في " المجمع " (2 / 31
) : " رواه الطبراني في " الأوسط " من رواية أبي السري عن سعد ولم أجد من ذكره
وبقية رجاله موثقون ".
قلت: لكن الحديث صحيح على كل حال، فقد أخرجه الطبراني أيضا من حديث أنس نحوه
من طريقين عنه ومن حديث أبي قتادة مرفوعا بالشطر الثاني منه. وهو في
" الصحيحين " وغيرهما بتمامه. بلفظ: " وما فاتكم فأتموه " فهو يبين أن قوله
" واقض " معناه، فأتم. وهو الصواب في تفسيره. ويؤيده قوله تعالى:
* (فإذا قضيت الصلاة ... ) * ونحوه. فتنبه.(3/195)
1199 - " إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له، فإنه خير في الإلفة وأبقى في المودة
".
رواه وكيع في " الزهد " (2 / 67 / 2) بسند صحيح عن علي بن الحسين مرفوعا
. قلت: وعلي بن الحسين هو ابن علي بن أبي طالب ثقة جليل من رجال الشيخين،
فهو مرسل صحيح الإسناد. وله شاهد من حديث مجاهد مرسلا أيضا. رواه ابن أبي
الدنيا في " كتاب الإخوان " كما في " الفتح الكبير " (1 / 67) . وله شاهد
آخر عن يزيد بن نعامة الضبي خرجته في الكتاب الآخر (1726) ، فالحديث بمجموع
الطرق حسن إن شاء الله تعالى.
1200 - " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث
الحديد ".
ورد من حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعمر
ابن الخطاب وجابر بن عبد الله.
1 - أما حديث ابن عباس فيرويه سهل بن حماد أبو عتاب الدلال أخبرنا عزرة بن ثابت
عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. رواه النسائي (2 / 4) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 113
/ 1) وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (67 / 99 / 2) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وخالفه حجاج بن نصير فقال: أخبرنا
ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمرو به. أخرجه الطبراني (3 / 210 / 1) .
لكن حجاج بن نصير ضعيف، فلا يعتد بمخالفته لكن يأتي من طريقين آخرين عن ابن
عمر. وتابعه عطاء عن ابن عباس به.(3/196)
أخرجه العقيلي (464) عن يحيى بن صالح
الأيلي عن إسماعيل بن أمية عنه. وكذلك أخرجه الطبراني (3 / 21 / 1) وعنه
الضياء (63 / 14 / 1) لكنه قال: " ابن جريج " مكان إسماعيل بن أمية ".
والأيلي هذا له مناكير. وله متابعان آخران ذكرتهما تحت الحديث المتقدم بلفظ
: " أديموا الحج " (1185) .
2 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه عاصم عن شقيق عنه مرفوعا به وزاد: " والذهب
والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ". أخرجه الترمذي (1 / 155)
والنسائي وأحمد (1 / 387) وعنه ابن حبان (967) والطبري في " التفسير "
(ج 4 رقم 3956) والطبراني (3 / 76 / 2) والعقيلي (ص 157) وأبو نعيم في
" الحلية " (4 / 110) والبغوي في " شرح السنة " (2 / 112 / 1) وقال هو
والترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وإسناده حسن، فإن عاصما وهو ابن بهدلة أبي النجود وفي حفظه بعض الضعف
وعنه رواه ابن خزيمة في " صحيحه " أيضا (1 / 253 / 1) .
3 - وأما حديث ابن عمر فله عنه ثلاثة طرق:
الأولى: عن عمرو بن دينار عنه. وفي إسناده حجاج بن نصير الضعيف كما تقدم
قريبا.
الثانية: عن سلمة بن عبد الملك العوصي عن إبراهيم بن يزيد عن عبدة بن أبي
لبابة قال: سمعت ابن عمر يقول: فذكره. أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في
" معجمه " (ق 14 / 2) وابن عساكر (2 / 285 / 2) . وهذا إسناد ضعيف جدا،
إبراهيم هذا هو الخوزي متروك. وأما العوصي فصدوق يخالف كما في " التقريب ".
الثالثة: عن عثمان بن سعيد الصيداوي حدثنا سليمان بن صلح حدثني ابن ثوبان عن
منصور بن المعتمر عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعا به إلا أنه قال: " فإن متابعة
ما بينهما يزيد في العمر والرزق ".(3/197)
أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (ج 1
رقم 31) . وعزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 107) للبيهقي.
قلت: وعثمان وسليمان لم أجد من ترجمهما.
4 - وأما حديث عمر فيرويه عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة
العدوي عن أبيه عنه. أخرجه ابن ماجه (2 / 108 - الطبعة العلمية) وأحمد (1
/ 25) والحميدي في " مسنده " (17) والطبري في " التفسير " (ج 4 / 223 /
3958) والمحاملي في " الأمالي " (ج 4 رقم 33) وابن عساكر في " تاريخ دمشق
" (8 / 323 / 2) .
قلت: وعاصم بن عبيد الله ضعيف.
5 - وأما حديث جابر فله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن بشر بن المنذر حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن (دينار عنه) .
أخرجه البزار (112) وقال: " لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد ". كذا قال
وخفي عليه الطريقان الآخران، وقد خرجتهما فيما سبقت الإشارة إليه. والحديث
قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 277) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح
خلا بشر بن المنذر ففي حديثه وهم، قاله العقيلي، ووثقه ابن حبان ".
قلت: لكن محمد بن مسلم والطائفي وإن كان من رجال مسلم فقد قال الحافظ فيه:
" صدوق يخطىء ".
6 - وأما حديث عامر بن ربيعة فيرويه عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن
ربيعة عن أبيه مرفوعا به نحوه وزاد في رواية: " والحج المبرور ليس له جزاء
إلا الجنة ". أخرجه أحمد (3 / 446 و 447) .(3/198)
وعاصم بن عبيد الله ضعيف كما
تقدم وكأنه اضطرب فيه، فكان تارة يرويه عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه
كما في هذه الرواية، وتارة عنه عن أبيه عن عمر كما سبق (رقم 4) . والزيادة
المذكورة صحيحة يشهد لها حديث ابن مسعود السابق وكذا حديث أبي هريرة في
" الصحيحين " وغيرهما.
1201 - " إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاث للمسافر
ويوم وليلة للمقيم ".
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 123) : وكيع عن جرير عن أيوب عن أبي
زرعة بن عمرو بن جرير قال: رأيت جريرا مسح على خفيه. قال: وقال أبو زرعة
قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وله شاهد من حديث
صفوان بن عسال المرادي قال: " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية
وقال: ليمسح أحدكم إذا كان مسافرا على خفيه إذا أدخلهما طاهرتين ثلاثة أيام
ولياليهن وليمسح المقيم يوما وليلة ". أخرجه البيهقي (2 / 282) بإسناد
صحيح.
1202 - " إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنور ".
أخرجه الترمذي (1 / 217) وابن حبان (1295) وأحمد (4 / 22 - 23)
والبيهقي (7 / 292) عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".
قلت: وإسناده صحيح. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لأحمد والطبراني
فقط! فقال المناوي:(3/199)
" رمز لحسنه، وفيه محمد بن جابر (الأصل: حاتم)
اليمامي ".
قلت: هو في إسناد أحمد فقط دون الآخرين اللذين ذكرنا، وقد تابعه عندهم عبد
الله بن بدر اليمامي وهو ثقة، فصح الحديث والحمد لله.
1203 - " إذا دعا الرجل امرأته فلتجب وإن كانت على ظهر قتب ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 155 - زوائده) : حدثنا محمد بن ثعلبة بن محمد
ابن سواء: (حدثنا محمد بن سواء) (1) حدثنا سعيد عن قتادة عن القاسم الشيباني
عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: "
لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا زيد و (لا) حدث به عن سعيد عن قتادة إلا محمد "
. قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وجل روايته عن سعيد بن أبي عروبة ومن
فوقه ثقات من رجال مسلم. وأما محمد بن ثعلبة، فقد روى عنه جماعة من الأئمة
منهم أبو زرعة وقد عرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة، وقال الحافظ في "
التقريب ": " صدوق " فالإسناد صحيح. وقد تابعه بشر بن عبد الملك: أنبأنا
محمد بن سواء به بلفظ: " لا تمنع المرأة زوجها نفسها وإن كانت على قتب ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 170 / 1) عن محمد بن يزيد الأسفاطي
: حدثنا أبو يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك به. وقال: " لم يروه عن قتادة إلا
سعيد ولا عنه إلا محمد بن سواء، تفرد به الأسفاطي عن بشر ".
قلت: بشر هذا لم أعرفه، ويراجع له " الجرح التعديل "، فإني لا أطوله
_________
(1) سقطت من الأصل، واستدركها من قول البزار الآتي عقب الحديث ومن قول
الهيثمي الآتي، وذلك ما يقتضيه ترجمة محمد بن سواء. اهـ.(3/200)
الآن. (1) ولعل الطبراني أخرجه في " الكبير " من وجه آخر وبلفظ أتم، فقد قال
الهيثمي (4 / 312) عقب حديث الترجمة: " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا
محمد بن ثعلبة بن سواء وقد روى عنه جماعة ولم يضعفه أحد، وقد رواه الطبراني
في " الكبير " بنحوه، ورجاله رجال الصحيح خلا المغيرة بن مسلم وهو ثقة وقد
تقدم ". وقد أورده فيما تقدم (4 / 308) بلفظ: " المرأة لا تؤدي حق الله
عليها حتى تؤدي حق زوجها حتى (الأصل: كله) لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب
لم تمنعه نفسها ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه
ورجاله رجال الصحيح خلا المغيرة بن مسلم وهو ثقة ". وقال المنذري في "
الترغيب " (3 / 77) : " رواه الطبراني بإسناد جيد ". وذكر البزار أن الرواة
اختلفوا على القاسم فيه على وجوه ذكرها، قال: " وأحسب الاختلاف فيه من جهة
القاسم لأن كل من رواه عنه ثقة ".
قلت: وما أظن ذلك ينال من صحة الحديث شيئا لأن الاختلاف في تسمية صحابي
الحديث وأيهم كان فهو عدل ومن ذلك ما في " مسند أحمد " (4 / 381) : حدثنا
إسماعيل حدثنا أيوب عن القاسم الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: " قدم
معاذ اليمن أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأ
(أي فكر) في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، فلما قدم
قال: يا رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأت في نفسي
أنك أحق أن تعظم، فقال:
_________
(1) ثم رأيته قد أورده فيه (1 / 1 / 362) فقال: " بشر بن عبد الملك أبو يزيد
الكوفي نزيل البصرة. روى عن عون بن موسى. وعبد الله بن عبد الرحمن بن
إبراهيم الأنصاري، كتب عنه أبي بالبصرة في الرحلة الثانية. روى عنه أبو زرعة
. سأل عنه أبو زرعة؟ (وفي نسخة (أبي) ولعلها أصح) فقال: شيخ قلت فهو
ثقة لرواية أبي زرعة عنه. اهـ.(3/201)
" لو كنت أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن
تسجد لزوجها ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها
عليها كله حتى ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه ". وهذا إسناد
صحيح على شرط مسلم. وتابعه حماد بن زيد عن أيوب به. أخرجه ابن ماجة (1 /
292 - العلمية) وابن حبان (1390) والبيهقي (7 / 292) . وللحديث شاهد من
حديث ابن عمر. أخرجه البيهقي.
1204 - " بخ بخ - وأشار بيده لخمس - ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه ".
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 433) وابن حبان (2328) وابن عساكر "
في تاريخ دمشق " (19 / 35 / 1) عن عبد الله بن العلاء بن زبر وعبد الرحمن بن
يزيد بن جابر قالا: حدثنا أبو سلام قال: حدثني أبو سلمى راعي رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الحاكم (1 / 511 - 512) وابن سعد
أيضا (6 / 58) من طريق ابن جابر وحده به، وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام عن مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وزاد: وقال: " بخ. بخ لخمس من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة: يؤمن
بالله واليوم الآخر وبالجنة والنار والبعث بعد الموت والحساب ". أخرجه
أحمد (3 / 443 و 4 / 237 و 5 / 365) ولم يذكر زيدا في رواية.
قلت: وإسناده صحيح أيضا، والمولى الذي لم يسم هو أبو سلمى راعي رسول الله
صلى الله عليه وسلم كما في الرواية السابقة وهذا أولى من قول الهيثمي عقب
الرواية الثانية (10 / 88) :(3/202)
" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح والصحابي الذي
لم يسم هو ثوبان إن شاء الله تعالى ". ثم ساقه من رواية ثوبان عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم به. وقال: " رواه البزار وحسن إسناده إلا أن شيخه
العباس بن عبد العظيم الباساني لم أعرفه ".
قلت: كذا وقع فيه (الباساني) بالسين المهملة وإنما هو (الباشاني) بالشين
المعجمة نسبة إلى (باشان) قرية في (هراة) كما في الأنساب " (2 / 37) وقد
يقال بالسين المهملة كما أفاده محققه العلامة اليماني رحمه الله في تعليقه عليه
(2 / 36) وذكر الذهبي المادتين في " المشتبه " (494) ، فالله أعلم إلى
أيهما ينتسب شيخ البزار هذا. وقد وقفت على إسناده في " زوائد مسنده " (ص 297
) : حدثنا العباس بن عبد العظيم الباشاني حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي حدثنا عبد
الله بن العلاء بن زبر عن أبي سلام عن ثوبان به. وقال: " لا نعلمه يروى بهذا
اللفظ إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن ".
قلت: والوجه الأول عن ابن زبر عن أبي سلام عن أبي سلمى أصح من هذا وأشهر،
ولمتابعة ابن جابر له عليه ولذلك رجحت أن المولى الذي لم يسم في الرواية
الثانية إنما هو أبو سلمى وليس ثوبان ولو ثبتت رواية البزار هذه لأمكن القول
بأنه ثوبان أبو سلمى والله أعلم، وقد ذكر السيوطي في " الجامع الكبير " (1
/ 387 / 2) أن أبا سلمى هذا اسمه حريث. فالله تعالى أعلم. والحديث رواه
الطبراني في " الأوسط " عن سفينة مرفوعا، وقال الهيثمي: " ورجاله رجال
الصحيح ".
(تنبيه) وقع الحديث في " الجامع الصغير " معزوا لأحمد عن أبي أمامة أيضا وهو
وهم لا أدري منشأه، وقد انطلى أمره على المناوي فلم ينبه عليه وليس له أصل
عن أبي أمامة مطلقا فيما علمت.
1205 - " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ".
روي من حديث عبد الله بن عمر وجرير بن عبد الله البجلي وجابر(3/203)
بن عبد الله
وأبي هريرة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وعدي بن حاتم وأبي راشد عبد
الرحمن بن عبد وأنس بن مالك.
1 - أما حديث ابن عمر فيرويه سعيد بن مسلمة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر به
. أخرجه ابن ماجة (2 / 400) وابن عدي (178 / 1) والبيهقي (8 / 168)
والقضاعي (65 / 2) . وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن مسلمة وهو ضعيف
لكن قال ابن عدي: " أرجو أنه ممن لا يترك حديثه، ويحتمل في رواياته فإنها
مقاربة ". ثم رواه ابن عدي (295 / 1) من طريق محمد بن الفضل عن أبيه عن نافع
به وقال: " ومحمد بن الفضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه ".
2 - وأما حديث جرير فله عنه طرق:
الأولى: عن حصين بن عمر الأحمسي: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي
حازم عنه قال: " لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته، فقال: (يا جرير
لأي شيء جئت "؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إلي
كساءه، ثم أقبل على أصحابه وقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير
" (1 / 109 / 1) وابن عدي (ق 102 / 2) والبيهقي، والخطيب في " التاريخ
" (1 / 188) ومحمد بن محمد البزار في " حديث ابن السماك " (1 / 178 / 2)
والقضاعي في " مسند الشهاب " (65 / 2) ، وقال ابن عدي: " لا يرويه عن ابن
أبي خالد غير حصين بن عمر وعامة أحاديثه معاضيل ينفرد عن كل من يروي عنه ".
وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ".(3/204)
قلت: لكنه لم ينفرد، فقد أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 94) من طريق أبي
أمية بن فرقد قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا إسماعيل به. وقال عن
الدارقطني: " لم يروه عن يحيى القطان غير أبي أمية هذا، ولم يكن بالقوي.
وهذا إنما يعرف من رواية حصين بن عمر الأحمسي عن إسماعيل. ورواه كادح عن
إسماعيل ".
قلت: " كادح كذاب ".
الثانية " عن عوين بن عمرو القيسي عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن
بريدة عن يحيى بن يعمر عنه به. أخرجه أبو القاسم الحامض في " المنتقى من حديثه
" (10 / 2) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 164) وأبو نعيم في
" الحلية " (5 / 205 - 206) وقالا: " تفرد به عوين بن عمرو ".
قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 15) . وأما قول الحافظ
العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 319) : " إسناده جيد " فغير جيد إلا أن
يكون أراد الجودة بكثرة طرقه، فهو مقبول.
الثالثة: عن الحسن بن عمارة عن فراس بن يحيى عن الشعبي عنه. أخرجه الطبراني
في " الكبير " (1 / 113 / 1) وأبو نعيم في " مسانيد أبي يحيى فراس " (ق 88
/ 2) .
قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن عمارة وهو متروك.
3 - وأما حديث جابر فيرويه معبد بن خالد الأنصاري عن أبيه عنه به نحوه. أخرجه
الحاكم (4 / 291 - 292) وقال: " صحيح الإسناد ".
قلت: سكت عليه الذهبي، ومعبد وأبوه لم أجد من ذكرهما.(3/205)
4 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم عن صفوان بن
سليم عن أبي سلمة عنه. أخرجه ابن عدي (ق 112 / 2) . وابن لهيعة سيىء الحفظ
ومن فوقه ثقات. وقد وجدت له طريقا أخرى رواها البزار في " مسنده " (ص 239 -
زوائده) : حدثنا محمد بن الحصين حدثنا مزاحم بن العوام بن مزاحم حدثنا محمد
ابن عمر (و) عن أبي سلمة عنه. وقال: " لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا
الوجه تفرد به مزاحم ".
قلت: لم أجد له ترجمة، وقد روي من غير هذا الوجه كما سبق. وقال الهيثمي في
" المجمع " (8 / 16) : " رواه الطبراني في " الأوسط " والبزار، وفيه من لم
أعرفهم ". ووجدت له طريقا ثالثا أخرجه ابن عدي (343 / 2) عن مطلب بن شعيب:
حدثنا أبو صالح حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
ذكره في ترجمة هذا المطلب، وقال: " ولم أر له حديثا منكرا غير هذا، وهو
بهذا الإسناد منكر جدا ".
5 - وأما حديث ابن عباس فيرويه مالك بن الحسن عن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 136 / 2) ورجاله ثقات غير مالك بن
الحسن (وفي الأصل: الحسين) وهو مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث، قال
الهيثمي: (انظر الاستدراك 206 / 18) " وفيه ضعف ". وعتبة هو ابن يقظان
قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 374) : " سمعت ابن الجنيد يقول: لا يساوي شيئا "
. وذكر الهيثمي أنه رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا، وظاهر كلامه أنه من
غير هذا الطريق ولكنه لم يتكلم عليه بشيء.(3/206)
وأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (322) من الوجه الأول وقال: " عتبة بن أبي عتبة لا يتابع عليه وفي مالك نظر
ولا يتابع على الحديث إلا من طريق يقارب هذا ".
6 - وأما حديث معاذ فيرويه عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب
عنه. أخرجه ابن عدي (220 / 2) وقال: " عبد الله بن خراش منكر الحديث ".
قلت: وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف وأطلق عليه ابن عمار الكذب ".
قلت: وشهر بن حوشب ضعيف أيضا. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني كما في " مجمع
الهيثمي " وقال: " شهر لم يدرك معاذا ".
7 - وأما حديث عدي بن حاتم فيرويه الهيثم بن عدي قال: حدثنا مجالد عن الشعبي
عن عدي بن حاتم. أخرجه القضاعي (65 / 2) والعقيلي (451) وقال: " الهيثم
ابن عدي قال ابن معين: ليس بثقة كان يكذب. وقال البخاري: سكتوا عنه ". ثم
قال العقيلي: " وهذا الحديث يروى من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا ".
قلت: وتابعه سوار بن مصعب عن مجالد به. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(11 / 237 / 2) . ومجالد هو ابن سعيد، وليس بالقوي.
8 - وأما حديث أبي راشد فيرويه أبو عثمان عبد الرحمن بن خالد بن عثمان قال:
حدثني أبي خالد بن عثمان عن أبيه عثمان بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الرحمن عن
أبيه عثمان بن عبد الرحمن عنه.(3/207)
أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 31) ومن
طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 21 / 2 - 22 / 1) : حدثنا أبو
العباس الوليد بن حماد بن جابر قال: حدثني أبو عثمان عبد الرحمن بن خالد ...
قلت: وهذا إسناد مظلم لم أعرف أحدا منهم ولا ترجموا لهم سوى أبي راشد
فترجموا له في الصحابة.
وبالجملة فلم أجد في هذه الطرق كلها ما يمكن الحكم عليه بالحسن فضلا عن الصحة
غير أن بعض طرقه ليس شديد الضعف، فيمكن تقوية الحديث بها دون ما اشتد ضعفه
منها، لاسيما وقد صحح بعضها الحاكم والعراقي.
9 - وأما حديث أنس فيرويه بقية بن الوليد قال: أخبرنا يحيى بن مسلم عن أبي
المقدام عن موسى بن أنس عن أبيه مرفوعا بلفظ: " إذا جاءكم الزائر فأكرموه ".
رواه ابن أبي حاتم (2 / 242) وقال عن أبيه: " هذا حديث منكر ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو المقدام هذا هو هشام بن زياد متروك. ويحيى
ابن مسلم قال الذهبي: " شيخ من أشياخ بقية لا يعرف ولا يعتمد عليه ". ثم ساق
له حديثا آخر في إكرام المسلم.
1206 - " إذا أراد الرجل أن يزوج ابنته فليستأذنها ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1735) حدثنا بندار أنبأنا سلم بن قتيبة أخبرنا
يونس سمع أبا بردة سمع أبا موسى سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم رجال الصحيح. ويونس هو ابن أبي إسحاق.
وبندار لقب واسمه محمد بن بشار. والحديث قال في " المجمع " (4 / 279) :
" رواه أبو يعلى والطبراني، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ".(3/208)
1207 - " نهى أن نشرب من الإناء المخنوث ".
رواه أبو يعلى في " مسنده " (629) عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري وقد
مضى (1126) .
1208 - " إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن التوبة من الذنب: الندم
والاستغفار ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 344 / 1) عن إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان عن
وائل بن داود عن ابنه بكر عن الزهري قال: أخبرني أربعة: عروة بن الزبير
وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن وقاص عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " رواه حامد بن يحيى عن
سفيان غير أنه شك في إسناده ".
قلت: ورجاله ثقات غير إبراهيم بن بشار وهو حافظ له أوهام كما في " التقريب "
. قلت: فأخشى أن يكون وهم على سفيان - وهو ابن عيينة في إسناده، فقد خالفه
محمد بن يزيد الواسطي فقال: عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة
قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إن ... " الحديث.
والواسطي هذا ثقة ثبت كما في " التقريب " فالحديث صحيح من هذا الوجه. وقد
أخرجه البخاري (8 / 384) ومسلم (8 / 116) وأحمد (6 / 196) من طرق عن
الزهري عن الأربعة الذين في إسناد إبراهيم بن بشار به في حديث قصة الإفك بلفظ:
" ... وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف
بذنب ثم تاب تاب الله عليه ... " وهو رواية للبيهقي.(3/209)
وأخرجه أبو سعد المظفر
ابن الحسن في " فوائد منتقاة " (ق 132 / 1) عن سفيان ابن حسين عن الزهري عن
عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ الترجمة دون قوله: وتوبي إليه ". وسفيان بن حسين
هذا ثقة من رجال الشيخين، لكنهم ضعفوه في روايته عن الزهري، ولذلك لم يخرجا
له عنه شيئا. وفيه دليل على عدم عصمة نسائه صلى الله عليه وسلم، خلافا لبعض
أهل الأهواء!
1209 - " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء،
فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتب واحدة ".
رواه الطبراني في " الكبير " (ق 25 / 2 مجموع 6) وأبو نعيم في " الحلية "
(6 / 124) والبيهقي في " الشعب " (2 / 349 / 1) والواحدي في " تفسيره " (
4 / 85 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن عروة بن رويم عن
القاسم عن أبي أمامة مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث عاصم وعروة
، لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل بن عياش ".
قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين وهذه منها، فإن عاصما فلسطيني، ومن
فوقه ثقات، وفي عاصم والقاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - كلام
لا ينزل به حديثهما عن مرتبة الحسن. والحديث قال الهيثمي (10 / 208) :
" رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها وثقوا ".
1210 - " يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا. يعني تبوك ".
أخرجه مالك (1 / 143 - 144) وعنه مسلم (7 / 60 - 61) وأحمد(3/210)
(5 / 237 -
238) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 220 / 2) كلهم عن مالك عن أبي الزبير
المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره أن معاذ بن جبل أخبره قال:
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة،
فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوم أخر الصلاة
، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب
والعشاء جميعا، ثم قال: " إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك
وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى
آتي ". فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء
، قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟
قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن
يقول، قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، قال:
وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاد فيها، فجرت
العين بماء منهمر، أو قال غزير حتى استسقى الناس ثم قال ... " فذكره.
والحديث رواه ابن خزيمة أيضا في " صحيحه " (رقم 968) وابن حبان (549) عن
مالك به.
1211 - " ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الذاكر الله كثيرا ودعوة المظلوم والإمام المقسط ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 399 / 1) من طريق البخاري حدثنا عبد الله بن
أبي الأسود حدثنا حميد بن الأسود حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن شريك
ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره.(3/211)
قلت: وهذا إسناده حسن رجاله رجال البخاري إلا أنه إنما أخرج لحميد بن الأسود
- ويكنى بأبي الأسود - مقرونا بغيره، وفيه كلام يسير أشار إليه الحافظ بقوله
: " صدوق يهم قليلا ". وعبد الله حفيده وهو ابن محمد بن أبي الأسود، وهو
ثقة.
1212 - " أتدري إلى أين أبعثك؟ إلى أهل الله وهم أهل مكة، فانههم عن أربع: عن بيع
وسلف، وعن شرطين في بيع، وربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عندك ".
" أخرجه البغوي في " حديث عيسى بن سالم الشاشي " (ق 108 / 1) حدثنا عيسى
حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن
أسيد إلى مكة، فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير عيسى
ابن سالم الشاشي أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 278) وكناه
بـ (أبو سعيد) وقال: " ولقبه (عويس) ، وروى عن عبيد الله بن عمرو. روى
عنه أبو زرعة رحمه الله ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن أبو زرعة لا
يروي إلا عن ثقة. والحديث صحيح، فقد جاء من طرق عن عمرو بن شعيب به دون قصة
بعث عتاب بن أسيد رضي الله عنه. أخرجه أصحاب السنن وأحمد والحاكم (2 / 17)
وصححه، وهو مخرج عندي في " أحاديث البيوع " و " المشكاة " (2870)
و" إرواء الغليل " (1293)(3/212)
وأخرجه الحاكم أيضا من طريق عطاء الخراساني عن
عمرو بن شعيب به مع القصة، وأخرجه ابن حبان أيضا (6108) ، لكن سقط منه
" عمرو بن شعيب عن أبيه ". وله شواهد، فرواه محمد بن إسحاق عن عطاء عن صفوان
ابن يعلى عن أبيه قال: فذكره بتمامه. أخرجه البيهقي (5 / 313) ورجال
إسناده ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق. ثم أخرجه من طريق مقدام بن داود حدثنا يحيى
ابن بكير حدثنا يحيى بن صالح عن إسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن
عباس مرفوعا به. وقال: " تفرد به يحيى بن صالح الأيلي، وهو منكر بهذا
الإسناد ".
قلت: وفيما قبله غنية عنه.
غريب الحديث: " بيع وسلف ": قال ابن الأثير: " هو مثل أن يقول: بعتك هذا
العبد بألف على أن تسلفني في متاع، أو على أن تقرضني ألفا لأنه إنما يقرضه
ليحابيه في الثمن، فيدخل في حد الجهالة، ولأن كل قرض جر منفعة فهو ربا ".
" شرطين في بيع ": قال ابن الأثير: " هو كقولك: بعتك هذا الثوب نقدا بدينار
، ونسيئة بدينارين، وهو كالبيعتين في بيعة ".
قلت: وقد صح النهي عن بيعتين في بيعة من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مسعود
وعبد الله بن عمر، وهي مخرجة في المصادر المشار إليها آنفا، وهو رواية في
حديث الترجمة عند البيهقي. وتتابع الرواة على تفسير البيعتين في بيعة، بمثل
ما تقدم في تفسير الشرطين في بيع، فمنهم سماك بن حرب في حديث ابن مسعود عند
أحمد، وعبد الوهاب بن عطاء في حديث أبي هريرة عند البيهقي، والنسائي ترجم
بذلك لحديث الباب بقوله:(3/213)
" شرطان في بيع، وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة
إلى شهر بكذا، وإلى شهرين بكذا ". ثم ترجم لحديث أبي هريرة بقوله:
" بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقدا وبمائتي
درهم نسيئة ".
(وربح ما لم يضمن) : " هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضا فهي من
ضمان البائع الأول، ليس من ضمانه، فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه فيكون من
ضمانه ". قاله الخطابي في " معالم السنن " (5 / 144) . (وبيع ما ليس عندك
) : قال الخطابي: " يريد بيع العين دون بيع الصفة ألا ترى أنه أجاز السلم إلى
الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند
البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيع عبده الآبق، أو جمله الشارد ".
1213 - " إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال
يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ أية إلا كانت في جوف الملك ".
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (1 / 38) والضياء في " المختارة "
(1 / 201) من طريق خالد عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد
الرحمن السلمي عن علي قال: أمرنا بالسواك، وقال: فذكره. وظاهره أنه
موقوف ويحتمل أنه مرفوع ويؤيده الرواية الأخرى عنده من طريق شعبة عن الحسن بن
عبيد الله به موقوفا وزاد في آخره: " قال: قلت هو عن النبي صلى الله عليه
وسلم؟ قال: نعم إن شاء الله ". وأخرجه كذلك الأصبهاني في " الترغيب " (197
/ 1) . وتابعه فضيل بن سليمان عن الحسن بن عبيد الله به بلفظ: عن علي:
" أنه أمرنا بالسواك، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(3/214)
" إن العبد إذا
تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه، فسمع لقراءته، فيدنو منه أو كلمة نحوها حتى
يضع فاه على فيه، وما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك،
فطهروا أفواهكم للقرآن ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 60) وقال: " لا
نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد ".
قلت: وإسناده جيد رجاله رجال البخاري، وفي الفضيل كلام لا يضر، وقد قال
المنذري في " الترغيب " (1 / 102) : " رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به،
وروى بن ماجه بعضه موقوفا ولعله أشبه ".
قلت: كلا، فإن في إسناد ابن ماجه انقطاعا ومتروكا على أنه قد أخرجه غيره من
الوجه المذكور مرفوعا، وللحديث شاهد عن جابر مرفوعا به نحوه. أخرجه تمام
والبيهقي في " الشعب " والضياء في " المختارة " كما في " الجامع الصغير "
ورواته ثقات كما نقله المناوي عن ابن دقيق العيد. وشاهد آخر أخرجه ابن نصر
في " الصلاة " عن ابن شهاب مرسلا كما في " الجامع " أيضا.
1214 - " هذا أمين هذه الأمة، يعني أبا عبيدة بن الجراح ".
أخرجه مسلم (7 / 129) وابن سعد في " الطبقات " (3 / 2 / 299) من طرق عن
حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: " أن أهل اليمن لما قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام
، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال ... " فذكره. وسيأتي برقم (196) بزيادة في التخريج مع التعليق عليه بفائدة هامة.(3/215)
1215 - " لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ".
أخرجه مسلم (8 / 16) والبخاري في " الأدب المفرد " (516) وابن سعد في
" الطبقات " (8 / 308) من طريق أبي الزبير حدثنا جابر بن عبد الله: " أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا
أم السائب أو يا أم المسيب {تزفزفين} ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها!
فقال ... " فذكره. وأخرجه الحاكم (1 / 346) من هذا الوجه نحوه (انظر
الاستدراك رقم 216 / 4) . وله شاهد يرويه موسى بن عبيدة عن علقمة بن مرثد عن
حفص بن عبيد الله عن أبي هريرة قال: " ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فسبها رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره نحوه. أخرجه ابن
ماجه (2 / 348) . وموسى بن عبيدة ضعيف. وللحديث شاهدان آخران أخرجهما
الطبراني في " المعجم الكبير " من حديث عبد ربه ابن سعيد عن عمته مرفوعا نحوه.
ومن حديث فاطمة الخزاعية مرفوعا. وفي إسناد الأول محمد بن أبي حميد وهو
ضعيف.
وإسناد الآخر رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (2 / 307) .
1216 - " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن نفسها وإذنها صماتها ".
أخرجه مالك (2 / 62) ومسلم (2 / 62) وأبو داود (1 / 327) والنسائي (2
/ 77 - 78) والترمذي (1 / 206) وصححه، والدارمي (2 / 138) وابن ماجه
(1 / 576) والدارقطني (389) وأحمد (1 / 242 و 345 و 362) كلهم عن مالك
عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس مرفوعا
به.(3/216)
وتابعه زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل به نحوه وسيأتي برقم (1807)
. وتابعه ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان عن ابن الفضل به. أخرجه الدارقطني
وقال: " تابعه سعيد بن سلمة عن صالح بن كيسان. وخالفهما معمر في إسناده،
فأسقط منه رجلا، وخالفهما أيضا في متنه، فأتى بلفظ آخر وهم فيه لأن كل من
رواه عن عبد الله بن الفضل وكل من رواه عن نافع بن جبير مع عبد الله بن الفضل
خالفوا معمرا، واتفاقهم دليل على وهمه ". ثم ساق بإسناده عن سعيد بن سلمة بن
أبي الحسام أخبرنا صالح بن كيسان وبإسناده عن عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن
كيسان عن نافع بن جبير به بلفظ: " ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأذن
وصمتها إقرارها ". وهكذا أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد (1 / 234)
وابن حبان أيضا (1241) عن عبد الرزاق به. وتابعه ابن المبارك عن معمر به.
أخرجه الدارقطني وقال: " كذا رواه عمر عن صالح، والذي قبله أصح في الإسناد
والمتن لأن صالحا لم يسمعه من نافع بن جبير وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل
عنه، اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة عن صالح، سمعت النيسابوري يقول:
الذي عندي أن معمرا أخطأ فيه ". وروى الحديث بلفظ " الأيم أولى بنفسها من
وليها والبكر تستأمر في نفسها وصمتها إقرارها ". رواه الدارمي (2 / 138 -
139) وأحمد (1 / 274 - 355) من طريق عبيد الله ابن عبد الرحمن بن موهب قال
: أخبرني نافع بن جبير بإسناده السابق. وهو بهذا السند ضعيف لأن عبيد الله بن
عبد الرحمن هذا ليس بالقوي كما قال في " التقريب ".(3/217)
1217 - " من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة ".
رواه الدينوري في " المجالسة " (217 / 2 - المنتقى منها) والبيهقي في
" الشعب " (2 / 447 / 1) والضياء في " المختارة " (74 / 1) عن إبراهيم بن
حمزة الزبيري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن حميد عن الحسن عن أنس مرفوعا،
وقال: " قال الدارقطني: وخالفه يونس بن عبيد فرواه عن الحسن عن عمران بن
حصين، والله أعلم ".
قلت: وكذا قال البيهقي، ثم ساقه عن يونس عن الحسن عن عمران موقوفا، ثم قال
: " وروي عن يونس بإسناده مرفوعا ". ثم رواه من طريقين عن يونس به مرفوعا.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن - وهو البصري - مدلس وقد عنعنه
. وقد وجدت له شاهدا من حديث إسماعيل بن مسلم عن محمد بن المنكدر وأبي الزبير
عن جابر مرفوعا. أخرجه السلفي في " معجم السفر " (226 / 2) . وإسماعيل بن
مسلم ضعيف من قبل حفظه، فيستشهد به. والله أعلم.
1218 - " ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ".
أخرجه الترمذي (2 / 32) من طريق سفيان الثوري عن الزبير عن عدي قال: دخلنا
على أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال: فذكره مرفوعا.
وقال: " حديث حسن صحيح ".(3/218)
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه البخاري وغيره بلفظ: " لا
يأتي عليكم زمان " وسيأتي إن شاء الله تعالى.
1219 - " إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ".
حديث صحيح من رواية عائشة رضي الله عنها، وقد تجمع لدي عدة طرق عنها:
الأول: عن هشام بن عروة عن أبيه عنها. أخرجه أحمد (6 / 71) والبخاري في
" التاريخ الكبير " (1 / 1 / 416) والبيهقي في " الشعب " (2 / 279 / 1) من
طريقين عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
الثاني: عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عنها أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لها: " يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على
باب الرفق ". أخرجه أحمد (6 / 104 - 105) حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا سليمان
يعني ابن بلال عن شريك.
قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرطهما أيضا. متابعة عبد الله بن عبد الرحمن
أبو طوالة عن عطاء بن يسار به أخرجه البيهقي.
الثالث: عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي ملكية عنها مرفوعا به مثل اللفظ
الأول. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 96) من طريق أبي الشيخ
معلقا حدثنا (بياض) عن بقية عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي بكر. وهذا
إسناد ضعيف. وفيه مضى كفاية.(3/219)
الرابع: عن القاسم عنها به. أخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 155)
وفي " الشعب " (2 / 459 / 1) من طريق أبي غزارة محمد - يعني ابن عبد الرحمن
التيمي قال: أخبرني أبي عنه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو غزارة لين الحديث، وهو محمد بن عبد الرحمن بن
أبي بكر بن عبد الله بن أبي ملكية التيمي. وأبوه عبد الرحمن ضعيف أيضا.
وللحديث شاهد من حدث جابر مرفوعا به. أخرجه البزار في " مسنده " (ص 239 -
زوائده) من طريق أبي أويس عن محمد بن المنكدر عنه. وقال: " لا نعلم يروى
هكذا إلا بهذا الإسناد ". وقال الهيثمي في " الزوائد ": " حسن ".
1220 - " إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبد شرا
أمسك عليه ذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة ".
رواه الترمذي (2 / 64) وابن عدي (174 / 1 و 2) والبيهقي في " الأسماء " (
ص 154) عن سنان بن سعد، أو سعيد بن سنان عن أنس مرفوعا، وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب ".
قلت: وسعد هذا اختلف فيه الرواة فبعضهم يقول: سعد بن سنان، وبعضهم على
القلب: سنان بن سعد. وهذا هو الصواب عند البخاري. قال الحافظ في " التقريب
": " صدوق له أفراد ". وله شاهد من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفل مرفوعا
به. أخرجه ابن حبان (2455) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 274)
والبيهقي (ص 153 - 154) . ورجاله ثقات، لكن الحسن وهو البصري مدلس وقد
عنعنه.(3/220)
ولشطره الأول شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن الجوزي في
" ذم الهوى " (ص 126) .
1221 - " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 236 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 374
) عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن أبي عزة الهذلي - وكانت له
صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: عبيد الله هذا متروك الحديث كما قال الحافظ، لكن تابعه أيوب عن أبي
المليح بن أسامة به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1282) وابن حبان
(1815) والدولابي في " الكنى " (1 / 44) وأحمد (3 / 429) وعنه الحاكم
(1 / 42) وقال: " صحيح، ورواته عن آخرهم ثقات ". ووافقه الذهبي وهو
كما قالا. وله شاهد من حديث مطر بن عكامس السلمي مرفوعا به. أخرجه البخاري
" التاريخ " (4 / 1 / 400) والحاكم (1 / 42) من طريق سفيان الثوري عن أبي
إسحاق عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما
قالا إن كان أبو إسحاق - وهو السبيعي - سمعه من مطر، فإنه كان يدلس. وله
شاهد آخر من حديث جندب بن سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. أخرجه الحاكم (1 / 367) من طريق الحسن عنه. والحسن هو البصري وهو
مدلس أيضا. ثم رأيت الحديث رواه أيوب عن أبي المليح عن أسامة بن زيد مرفوعا به
نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 23 / 2) حدثنا إسحاق ابن
إبراهيم الدبري أنبأنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب به.(3/221)
وهذا إسناد جيد إن
كان الدبري قد حفظه - وعزاه السيوطي للضياء أيضا. وله شاهد ثالث من حديث ابن
مسعود مرفوعا نحوه بزيادة فيه: وهو: " إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له
إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره توفاه، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا
ما استودعتني "
1222 - " إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره توفاه
، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا ما استودعتني ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 566) وابن أبي عاصم في " السنة " (346) والطبراني في
" المعجم الكبير " (3 / 76 / 1) والحاكم (1 / 41 - 42) من طرق عن إسماعيل
ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وقال الحاكم: " احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم ".
ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 263 / 2) :
" هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ".
1223 - " إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك ولكن ابصق تلقاء شمالك إن كان
فارغا وإلا فتحت قدميك وادلكه ".
أخرجه النسائي (1 / 119) والحاكم (1 / 256) والبيهقي (2 / 292) وأحمد
(6 / 396) عن منصور قال: سمعت ربعي بن حراش عن طارق بن عبد الله عن
النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: " حديث صحيح ". ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا. والحديث أورده السيوطي من رواية البزار بلفظ: " إذا أردت أن
تبزق فلا تبزق عن يمينك ... " الحديث، وقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله
رجال الصحيح. انتهى. فرمز المؤلف لحسنه فقط غير حسن، إذ حقه الرمز لصحته ".(3/222)
1224 - " أرحم أمتي بأمتي أبى بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان
وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال
والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة
بن الجراح ".
أخرجه الترمذي (2 / 309) وابن ماجه (154) وابن حبان (2218) و (2219)
والحاكم (3 / 422) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا خالد
الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " هذا إسناد صحيح
على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وتابعه سفيان الثوري عن
خالد الحذاء به. أخرجه أحمد (3 / 184) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 /
351) وأبو نعيم (3 / 122) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 296 / 2 و 6
/ 282 / 2 و 11 / 97 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 534 / 2) نسخة
المكتب الإسلامي) . وتابعه أيضا وهيب حدثنا خالد الحذاء به. أخرجه أحمد (3
/ 280) والطحاوي وكذا الطيالسي (2096) . وتابعه على الجملة الأخيرة منه
عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند البخاري (7 / 73) . وإسماعيل بن علية عند مسلم
(7 / 129) وصرح الأول بتحديث أبي قلابة عن أنس. وقد أعل الحديث بعلة غريبة
، فقال الحافظ في " الفتح " بعدما عزاه للترمذي وابن حبان: " وإسناده صحيح،
إلا أن الحافظ قال: إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه
البخاري. والله أعلم ".(3/223)
وللحديث طريق أخرى، فقال الترمذي: حدثنا سفيان بن
وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود العطار عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك
مرفوعا به. وقال: " حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه وقد
رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه والمشهور حديث أبي
قلابة ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سفيان بن وكيع قال الحافظ: " كان صدوقا
إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط
حديثه ". وللحديث شواهد من حديث ابن عمر من طريقين عنه وأبي محجن والحسن
البصري مرسلا بعضها مطولا وبعضها مختصر، أخرجها ابن عساكر (2 / 296 / 2 و 6
/ 282 / 2 و 11 / 97 / 2) بأسانيد ضعيفة، وأخرج أبو يعلى في " مسنده " (4 /
1384) الطريق الأولى عن ابن عمر، والحاكم (3 / 535) الطريق الأخرى عنه،
وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 56) وزاد في رواية: " وأكرمها ". وفيه
زكريا بن يحيى المنقري ولم أعرفه، ووقع في " المناوي " زكريا بن يحيى
المقرىء وهو تصحيف. وأخرجه ابن عساكر (13 / 370 / 2 - 371 / 1) من طريق
الطبراني بإسناده عن مندل بن علي عن ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر
مرفوعا نحوه وزاد في آخره: " وقد أوتي عمير عبادة. يعني أبا الدرداء ".
ومندل ضعيف. وروى أبو نعيم في " الحلية " (1 / 56) من طريق عبد الأعلى
السامي عن عبيد الله بن عمر، ومن طريق الكوثر بن حكيم كلاهما عن نافع عن ابن
عمر مرفوعا بلفظ: " أشد أمتي حياء عثمان بن عفان ". زاد في رواية " وأكرمها
".(3/224)
قلت: والكوثر هذا قال الدارقطني وغيره: متروك. لكن تابعه السامي كما ترى،
وهو ثقة واسمه عبد الأعلى بن عبد الأعلى. لكن في الطريق إليه زكريا ابن يحيى
المنقري ولم أجد له ترجمة.
1225 - " رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد ".
أخرجه الحاكم (3 / 317 - 318) وعنه ابن عساكر في المجلس (280) من
" الأمالي " (3 / 2) من طريق زائدة عن منصور بن المعتمر عن زيد بن وهب عن
عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال: " هذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وقد ذكرا له علة
وهي أن سفيان وإسرائيل روياه عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا. أخرجه الحاكم أيضا وكذا الطبراني في "
الكبير " كما في "المجمع " (9 / 290) .
قلت: وهذه ليست علة قادحة لأن زائدة وهو ابن قدامة ثقة ثبت كما في " التقريب
" وقد أتى بزيادة فوجب قبولها، لاسيما وأنها عن شيخ آخر لمنصور غير شيخه في
رواية سفيان وإسرائيل عنه، فدل ذلك على أن لمنصور فيه شيخين وصله أحدهما
وأرسله الآخر، فهو مقو للموصول كما هو ظاهر. وقد روى الحديث بزيادة فيه
بلفظ: " وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد ". قال في " المجمع " (9 / 290
) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " باختصار الكراهة، ورواه في "
الكبير " منقطع الإسناد، وفي إسناد البزار محمد بن حميد الرازي وهو ثقة
وفيه خلاف وبقية رجاله وثقوا ". وذكر له شاهد من حديث أبي الدرداء وفيه
بيان سبب الحديث وهو بلفظ: " رضيت بما رضي الله تعالى لي ولأمتي، ابن أم
عبد ". رواه الطبراني عن أبي الدرداء قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبة خفيفة، فلما فرغ من خطبته قال: يا أبا بكر قم فاخطب، فقصر دون رسول
الله(3/225)
صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من خطبته قال: يا عمر قم فاخطب، فقام
فخطب فقصر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ودون أبي بكر، فلما فرغ من خطبته
قال: يا فلان قم فاخطب، فشقق القول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اسكت أو اجلس، فإن التشقيق من الشيطان، وإن من البيان لسحرا، وقال " يا
ابن أم عبد قم فاخطب ". فقام ابن أم عبد فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا
أيها الناس إن الله عز وجل ربنا وإن الإسلام ديننا وإن القرآن إمامنا وإن
البيت قبلتنا وإن هذا نبينا وأومأ بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم..
رضينا ما رضي الله تعالى لنا ورسوله وكرهنا ما كره الله تعالى لنا ورسوله،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصاب ابن أم عبد وصدق، رضيت ... الحديث.
وقال الهيثمي: " ورجاله ثقات إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خثيم لم يسمع من
أبي الدرداء، والله أعلم ".
1226 - " رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين ".
حديث صحيح جاء من طرق عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وعلي بن أبي طالب
وأبي عامر والبراء.
1 - رواه الترمذي (2 / 305) وأبو يعلى (4 / 1528 - 1529) والحاكم (3 /
209) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 12 / 1) وأبو حفص الكتاني في
" حديثه " (136 / 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 103) والضياء في " مناقب
جعفر " (1 / 2) عن عبد الله بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد " وتعقبه الذهبي بقوله: " عبد الله بن جعفر والد علي
ابن المديني واه ".
قلت: لكن يشهد له روايات أخرى تأتي:
2 - رواية عامر الشعبي عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سلم على عبد الله بن
جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.(3/226)
رواه البخاري (7 / 62 - فتح)
والضياء أيضا في " المختارة " (64 / 44 / 2) والطبراني (1 / 150 / 2) .
3 - عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا نحوه. رواه أبو بكر
الشافعي في " الفوائد " (13 / 19 / 1) وابن عدي (150 / 2) والحاكم (3 /
196 و 209) وصححه، والضياء أيضا، ثم أخرجه هو وابن عدي (1 / 2 و 2 / 1)
من طريق إبراهيم بن عثمان حدثنا الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا.
ورواه الطبراني (1 / 150 / 2 و 3 / 148 / 1) عن جبارة بن مغلس قال: حدثنا
أبو شيبة عن الحكم به. ثم رواه من طريق آخر عن سالم بن أبي الجعد مرسلا نحوه.
وسنده حسن. وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان ضعيف. ولما ذكره الحافظ من
طريقين عن ابن عباس قال في أحدهما: " وإسناد هذه جيد ". وكأنه يعني الأولى
المتقدمة. ورواه ابن عدي (258 / 2) عن عصمة بن محمد الأنصاري: أخبرنا موسى
ابن عقبة عن كريب عن ابن عباس مرفوعا وقال: " وعصمة هذا كل حديثه غير محفوظ
وهو منكر الحديث ".
4 - ورواه ابن سعد (4 / 39) من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن
جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا به.
قلت: والحسين هذا قال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب فلا يستشهد به خلافا
لصنيع الحافظ في " الفتح " (7 / 62) فإنه جعله شاهدا لحديث أبي هريرة وكأنه
لم يستحضر حالة بدقه عند الكتابة. ورواه (4 / 38 - 39) من طريق إسماعيل بن
أبي خالد عن رجل مرفوعا. وإسناده صحيح إلى الرجل، فإن كان صحابيا فالإسناد
صحيح لأن الجهل بالصحابي لا يضر. ثم روى عن عبد الله بن المختار قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:(3/227)
" مر بي جعفر بن أبي طالب الليلة في ملأ من
الملائكة له جناحان مضرجان بالدماء، أبيض القوادم ". وإسناده صحيح إلى ابن
المختار ولكنه معضل، فإن ابن المختار من أتباع التابعين، وقد ذكره الحافظ
من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ دون قوله: " أبيض القوادم " وقال: " أخرجه
الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم ". ولم أره عندهما إلا باللفظ المذكور
أعلاه عن أبي هريرة. والله أعلم. ثم رأيته عند الحاكم (3 / 212) من طريق
حماد بن سلمة عن عبد الله بن المختار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا
بلفظ: " مر جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أبيض
الفؤاد " وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
5 - وأخرج ابن سعد (2 / 129) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر مرفوعا في حديث. ورجاله ثقات إلا
أن ابن أبي ليلى سيىء الحفظ، فحديثه جيد في الشواهد.
6 - عن البراء بن عازب قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل جعفر،
داخله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: " إن الله جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم
يطير بهما مع الملائكة ". أخرجه الحاكم (3 / 40) من طريق عمرو بن عبد الغفار
حدثنا الأعمش عن عدي بن ثابت عن البراء، وقال: " هذا حديث له طرق عن البراء
". وتعقبه الذهبي فقال: " قلت: كلها ضعيفة عن البراء ".
قلت: فيما تقدم كفاية، وعلة هذه عمرو هذا، فإنه متروك الحديث.(3/228)
1227 - " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 415) والترمذي (3777) وابن ماجة
(144) وابن حبان (2240) والحاكم (3 / 177) وأحمد (4 / 172) من طرق
عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن وإنما
نعرفه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "
ووافقه الذهبي. وفيه نظر لأن سعيد بن راشد، ويقال ابن أبي راشد لم يرو عنه
غير ابن خثيم هذا ولم يوثقه غير ابن حبان، فأنى لحديثه الصحة؟ ! ولهذا قال
الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة
. وابن خثيم صدوق من رجال مسلم كما في " التقريب " وفيه شيء من قبل حفظه
ولذلك ضعفه بعض الأئمة كما بينه الذهبي في " الميزان "، وقد خولف في اسم
شيخه فقال البخاري في " الأدب المفرد " (364) : حدثنا عبد الله ابن صالح
حدثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن يعلى بن مرة به. وهكذا رواه في
" التاريخ " أيضا وساق عقبه رواية ابن خثيم المتقدمة وقال: " والأول أصح "
. قلت: وعليه فالإسناد جيد لأن راشد بن سعد ثقة اتفاقا، ومن دونه من رجال
" الصحيح "، وفي عبد الله بن صالح كلام لا يضر هنا إن شاء الله تعالى.
وللحديث شاهد يرويه جعفر بن لاهز بن قريط بن معدي بن رفاعة(3/229)
- ومعدي هو أبو
زمعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت أبي لاهز بن قريط بن معدي
ابن رفاعة عن أبيه عن أبي رمثة مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر (18 / 6 / 2) .
وهذا إسناد مظلم لم أجد لهم ترجمة، سوى أبي رمثة.
1228 - " اعبد الله ولا تشرك به شيئا. قال: يا نبي الله زدني. قال: إذا أسأت
فأحسن. قال: يا نبي الله زدني. قال: استقم ولتحسن خلقك ".
أخرجه ابن حبان (1922) والحاكم (4 / 244) عن حرملة بن عمران التجيبي أن
أبا السميط سعيد بن أبي سعيد المهري حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمرو: " أن
معاذ بن جبل أراد السفر فقال: يا رسول الله أوصني، قال " فذكره. وقال
الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن أبي السميط، ذكره ابن حبان في
" الثقات " وروى عنه أسامة بن زيد أيضا، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى.
وقال الهيثمي (8 / 23) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن
صالح وقد وثق وضعفه جماعة وأبو السميط سعيد بن أبي مولى المهري لم أعرفه "!
ولبعضه شاهد من حديث معاذ خرجته في الكتاب الآخر (2730) .
1229 - " إذا استلج أحدكم باليمين في أهله فإنه آثم له عند الله من الكفارة التي أمره
بها ".
رواه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 28 / 2) حدثنا محمد بن سهل
حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام سمعت أبا هريرة يقول: فذكره مرفوعا
.(3/230)
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وأخرجه أحمد (2 / 278
و317) حدثنا عبد الرزاق به نحوه. (انظر الاستدراك رقم 231 / 2) . وأخرجه
ابن ماجة (2114) حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا محمد بن حميد المعمري عن معمر به
. ومن طريق عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. والمعمري
ثقة من رجال مسلم لكن الراوي عنه ضعيف إلا أنه لم ينفرد به، فقد أخرجه الحاكم
(4 / 301) والحربي أيضا من طريق يحيى بن صالح الوحاظي حدثنا معاوية بن سلام
عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة بلفظ: " من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما
ليس تغني الكفارة ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". وأقره الذهبي
. وقال الحربي: " قوله: " استلج ... " من اللجاج وهو تكرير اليمين
وتوكيدها والإقامة عليها. يقول: إذا كانت يمينه على لجاج وتأكيد وغير
استثناء فعليه إثم عظيم وليس تغني الكفارة عنه من الإثم الذي أصابه وإنما
الكفارة على الذي على غير تأكيد ولا لجاج، ويندم فيفعل ويكفر ". (انظر
الاستدراك رقم 231 / 16) .
1230 - " إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله ".
أخرجه أحمد (4 / 310) عن أبان بن عبد الله البجلي حدثتني عمومتي عن جدهم
صخر ابن عيلة: " إن قوما من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام،
فأخذتها فأسلموا، فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فردها عليهم،
وقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، أبان هذا مختلف فيه والأكثر على
توثيقه، وقال الذهبي: " حسن الحديث ". وقال الحافظ: صدوق في حفظه لين ".(3/231)
وعمومته جمع ينجبر جهالتهم بمجموع عددهم، وقد روى عن عمه عثمان ابن أبي حازم
البجلي وهو من المقبولين عند الحافظ في " التقريب "، وكأنه لذلك سكت عليه
الحافظ في " الفتح " (6 / 131) وجعله موافقا لقول البخاري في " صحيحه ":
" باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم ".
1231 - " إذا أشار الرجل على أخيه بالسلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتله، وقعا فيه
جميعا ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 289 / 1468 - ترتيبه) حدثنا شعبة عن منصور
عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ومن طريق الطيالسي أخرجه النسائي (2 / 176) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم (8 / 170) وابن
ماجه (2 / 471) وأحمد (5 / 41) من طرق أخرى عن شعبة به نحوه ولفظ مسلم
وأحمد: " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهو في جرف جهنم، فإذا
قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا ". وفي حديث آخر لأبي بكرة: " قيل يا رسول
الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه ". أخرجاه.
1232 - " إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون: اكتبوا له أفضل ما كان
يعمل إذا كان طلقا حتى أطلقه ".
أخرجه أحمد (2 / 205) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 309) من طرق عن أبي
بكر بن عياش قال:(3/232)
" دخلنا على أبي حصين نعوده ومعنا عاصم، قال: قال أبو
حصين لعاصم: تذكر حديثا حدثناه القاسم بن مخيمرة؟ قال: قال: نعم، إنه
حدثنا يوما عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره، وقال أبو نعيم: " لم يروه عن أبي حصين إلا أبو بكر ".
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، وفيه كلام لا يضر، وقد أحسن الدفاع عنه
والثناء عليه ابن حبان في " الثقات " ومن فوقه ثقات من رجال مسلم فالإسناد
صحيح. وقد رواه عاصم بن أبي النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله ابن
عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا كان
على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض، قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله
إذا كان طليقا حتى أطلقه، أو أكفته إلي ". أخرجه أحمد (2 / 203) وإسناده
حسن. ثم أخرجه هو (2 / 159 و 194 و 198) والدارمي (2 / 316) والحاكم (1
/ 348) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 249) من طريق القاسم بن مخيمرة عن عبد
الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله
الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير على ما كان
يعمل، ما دام محبوسا في وثاقي ". والسياق للحاكم وقال: " صحيح على شرط
الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1233 - " اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار،
وتمسكوا بعهد ابن مسعود ".
روي من حديث عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وعبد الله بن
عمر.(3/233)
1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل:
حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عنه. أخرجه الترمذي (2 /
311) والحاكم (3 / 75) وقال: " إسناده صحيح ". ورده الذهبي بقوله:
" قلت: سنده واه ". ويبينه قول الترمذي عقبه: " لا نعرفه إلا من حديث يحيى
ابن سلمة بن كهيل، وهو يضعف في الحديث ".
قلت: بل هو متروك كما قال الحافظ ومثله ابنه إسماعيل وابنه إبراهيم ضعيف.
وله طريق أخرى عن ابن مسعود أخرجه ابن عساكر (9 / 323 / 1) عن أحمد بن رشد
ابن خثيم أخبرنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن فراس بن يحيى عن
الشعبي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود به دون الشطر الثاني منه.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد هذا فلم أعرفه.
2 - وأما حديث حذيفة فيرويه عبد الملك بن عمير (عن مولى لربعي بن حراش) عن
ربعي بن حراش عنه نحوه. أخرجه الترمذي (2 / 290) والطحاوي في " المشكل "
(2 / 83 - 84) وأحمد (5 / 385 و 402) والحميدي في " مسنده " (1 / 214 /
249) وابن سعد (2 / 334) وابن أبي عاصم في " السنة " (1048 و 1049 -
بتحقيقي) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 109) والخطيب (12 / 20) والحاكم
(3 / 75) وابن عساكر (9 / 323 / 1 و 12 / 31 / 1) من طرق عن عبد الملك به
مختصرا ومطولا بعضهم ذكر المولى وبعضهم لم يذكره وهو الذي رجحه الحاكم خلافا
لأبي حاتم في " العلل " (2 / 381) ورجاله ثقات عن المولى وسماه ابن أبي
عاصم في إحدى رواياته هلالا وهو مقبول عند الحافظ، وتابعه عمرو بن هرم عن
ربعي بن حراش به.(3/234)
أخرجه أحمد (5 / 399) والترمذي وابن حبان (2193)
والطحاوي من طريق سالم أبي العلاء عنه بلفظ: " إني لا أدري ما بقائي فيكم،
فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار لأبي بكر وعمر وزاد ابن حبان وأحمد:
واهتدوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه ". وقال أحمد: " واهدوا
هدي عمار وهدي ابن أم عبد ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سالم أبي العلاء وهو
مقبول الحديث كما قال الطحاوي، ووثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن معين:
ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
3 - وأما حديث أنس بن مالك فيرويه حماد بن دليل عن عمر بن نافع عن عمرو بن هرم
قال: دخلت أنا وجابر بن زيد على أنس بن مالك فقال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. أخرجه ابن عدي (75 / 1) من طريق مسلم بن صالح أبي رجاء
عنه به. ومن طريقه أيضا عنه: حدثنا حماد بن دليل عن عمرو بن هرم عن ربعي عن
حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال: " وحماد هذا قليل الرواية،
وهذا الحديث قد روى له حماد بن دليل إسنادين ولا يروي هذين الإسنادين غير
حماد بن دليل ".
قلت: قال الحافظ فيه: " صدوق، نقموا عليه الرأي ".
قلت: وهذا ليس بجرح، فالحديث جيد الإسناد وهو متابع قوي لسالم أبي العلاء
عن عمرو بن هرم عن ربعي بن حراش عن حذيفة، فصح الحديث والحمد لله.
4 - وأما حديث ابن عمر فيرويه أحمد بن صليح بن وضاح أخبرنا محمد بن قطن أخبرنا
ذا (!) النون أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عنه به، دون الشطر الثاني.(3/235)
أخرجه
ابن عساكر (9 / 323 / 2) هكذا. وأحمد بن صليح أورده في " الميزان " فقال:
" أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك (فذكره، وقال:) وهذا غلط،
وأحمد لا يعتمد عليه ".
قلت: فلا أدري قوله في " التاريخ " " ... بن وضاح أخبرنا محمد بن قطن " - أوقع
فيه خطأ من الناسخ - والأصل " ابن وضاح بن محمد بن قطن " أو أن في نقل "
الميزان " شيئا من الغلط. والله أعلم. وتابعه محمد بن عبد الله العمري
المدني عن مالك بن أنس به. أخرجه ابن عساكر. والعمري هذا قال ابن حبان:
" لا يجوز الاحتجاج به ".
1234 - " لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ".
أخرجه مسلم (1 / 60) والطيالسي (ص 290 رقم 2182) وأحمد (3 / 34 و 45
و93) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ومسلم وأحمد (2 / 419) عن
أبي هريرة، والترمذي (2 / 320) وأحمد (1 / 309) عن سفيان عن حبيب بن
أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
قلت: ورجاله رجال الصحيحين لكن حبيب بن أبي ثابت كثير التدليس كما في
" التقريب " وقد عنعنه لكنه يتقوى بالأسانيد التي قبله. وقد روي نحوه في
العرب عامة ولا يصح، ولفظه: " لا يبغض العرب إلا منافق ". أخرجه عبد الله
ابن الإمام في " زوائد المسند " (ج 2 رقم 614) من طريق إسماعيل بن عياش عن
زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه
مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا، زيد بن جبيرة متروك كما في " المجمع " (10 / 53
) " والتقريب " وهو مدني، وإسماعيل بن عياش ضعيف الحجازيين. وروي من حديث
ابن عمر ولفظه:(3/236)
لا يبغض العرب مؤمن ولا يحب ثقيفا إلا مؤمن ". قال الهيثمي
(10 / 53) : " رواه الطبراني عن ابن عمر وفيه سهل ابن عامر وهو ضعيف "،
وسيأتي إن شاء الله تعالى (2029) بلفظ: " يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك ".
1235 - " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ".
أخرجه النسائي (1 / 76) من طريق شعبة عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن
بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ومن أعله بالانقطاع بين عروة وبسرة،
فهو محجوج بما أخرجه أحمد (6 / 407) وغيره حدثنا يحيى ابن سعيد عن هشام قال
: حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين أيضا مسلسل بالتحديث، فهو من
أصح الأسانيد، وفيه رد على النسائي في قوله عقبة: " هشام بن عروة لم يسمع من
أبيه هذا الحديث ". ولا أدري كيف يقول النسائي هذا وهو يصرح بالتحديث عن
أبيه ويروي ذلك عنه يحيى بن سعيد القطان الحافظ الثقة المتقن؟ ! وأخرجه
الحاكم (1 / 136) من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن عروة وفيه قول
عروة: حدثتني بسرة بنت صفوان به. فصرح بسماعه منها ولا يعكر عليه أن في بعض
الروايات أنه رواه عن مروان عنها، فقد كان ذلك في أول الأمر، ثم لقي عروة
بسرة فسألها فصدقت مروان في روايته عنها كما جاء ذلك صريحا عند الحاكم وغيره.
والمشهور في لفظ الحديث: " من مس ذكره فليتوضأ "، وقد خرجته في " صحيح أبي
داود " (174) و " إرواء الغليل " (196) وغيرهما. وللفظ الترجمة شاهد من
حديث أبي هريرة مرفوعا:(3/237)
" إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما سترة
ولا حجاب فليتوضأ ". أخرجه ابن حبان (210) والسياق له والدارقطني (53)
والبيهقي (1 / 133) وإسناد ابن حبان جيد. وله عند البيهقي شاهد آخر عن
محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا.
1236 - " ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه، فإن
الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 303) حدثنا هشام بن عمار حدثنا الهقل بن زياد حدثنا هشام
ابن حسان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (197 / 1) : " هذا
إسناد صحيح، رجاله ثقات "!
قلت: كلهم ثقات من رجال الشيخين غير هقل بن زياد، فهو من رجال مسلم فقط،
وهشام فمن رجال البخاري وحده، لكن فيه ضعف، قال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن ". لكن الحديث صحيح إن شاء الله، فقد جاء مفرقا
من طرق أخرى، فرواه النعمان بن راشد الجزري عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي
هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ويشرب بيمينه، فإن
الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ". أخرجه أحمد (2 / 325 / 349) من طريقين
عنه.
قلت: وهو على شرط مسلم لكن النعمان هذا سيء الحفظ كما قال الحافظ.(3/238)
ثم أخرج
أحمد (5 / 311 و 4 / 383) من طريق عبد الله بن أبي طلحة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فلا يأكل بشماله وإذا شرب فلا يشرب بشماله
وإذا أخذ فلا يأخذ بشماله وإذا أعطى فلا يعطي بشماله ".
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن فيه إرسالا، فإن عبد الله
ابن أبي طلحة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وثقه ابن سعد، كما في
" التقريب " ولذلك قال الحافظ " نتائج الأفكار " (1 / 30 / 1) : " أخرجه
أحمد بسند جيد عن عبد الله بن أبي طلحة ". ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعا به
دون قوله: " وإذا أخذ ... " وزاد: " فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله
". أخرجه مسلم (6 / 109) وأبو داود (2 / 314 - الحلبية) والدارمي (2 /
96) وكذا مالك (3 / 109 - الحلبية) وأحمد (2 / 8 و 33 و 80 و 106 و 128
و135) من طرق عنه، وزاد مسلم وأحمد في رواية: " قال: وكان نافع يزيد فيها
: ولا يأخذ بها ولا يعطي بها ". وفي لفظ لمسلم وأحمد: " لا يأكلن أحد
منكم بشماله ولا يشربن ... " الحديث. وقد أخرجه البخاري " الأدب المفرد "
(1189) والترمذي. وحديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا
تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال " أخرجه مسلم (1 / 108 - 109)
وابن ماجه (2 - 303) وأحمد (3 / 334 و 387) وابن عساكر في " تاريخ دمشق
" (18 / 87 / 1) .
1237 - " نعم عبد الله خالد، سيف من سيوف الله ".
رواه ابن عساكر (5 / 272 / 2) عن محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي(3/239)
أنبأنا إسحاق
ابن محمد عن أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح وعطاء بن يسار عن أبي
هريرة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمرون، فيقول رسول
الله: يا أبا هريرة من هذا؟ فأقول: فلان، فيقول: نعم عبد الله فلان ويمر
فيقول: من هذا يا أبا هريرة فأقول: فلان، فيقول بئس عبد الله، حتى مر خالد
، فقلت: هذا خالد بن الوليد يا رسول الله. قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير إسحاق بن محمد وهو الفروي، فهو مع
أنه من رجال البخاري فقد ضعف، قال الحافظ: " صدوق كف فساء حفظه ".
والطرسوسي محدث رحال لكنه اتهم بسرقة الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات "
وقال: " يخطىء كثيرا ". وروى عنه أبو عوانة في " صحيحه ". ثم رواه من طريق
أحمد وهذا في " المسند " (2 / 360) عن هاشم بن هاشم عن إسحاق بن الحارث بن
عبد الله بن كنانة عن أبي هريرة به نحوه مختصرا وليس فيه " سيف من سيوف الله "
. وكذلك رواه ابن عساكر من طريق نعيم بن حماد أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن
عبد الواحد بن أبي عون عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. ومن طريق
الزبير بن بكار حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري عن عبد العزيز بن محمد به،
ومن طريق الفاكهي أخبرنا أبو يحيى بن أبي مرة أخبرنا يعقوب بن محمد به.
قلت: فهذان طريقان آخران عن أبي هريرة يتقوى الحديث بهما، فإن الأول رجاله
كلهم ثقات، فهو صحيح الإسناد لولا أن أبا حاتم قال: إن ابن كنانة عن أبي
هريرة مرسل. والآخر رجاله موثقون، فهو متصل جيد لولا أن عبد الواحد بن أبي
عون قال الحافظ فيه: " صدوق يخطىء ".(3/240)
والطريق الأولى قد توبع عليها أسامة بن
زيد، فأخرجه الترمذي (2 / 316) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي
هريرة به. وقال: " حديث حسن غريب ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة
وهو عندي حديث مرسل ".
قلت: لكن مجيئه من الطريق الأول موصولا ومن الطرق الأخرى عن أبي هريرة مما
يدل على أن للحديث أصلا، لاسيما وقوله: " سيف من سيوف الله " ثابت في
" الصحيحين " وغيرهما عن أنس. وللحديث شاهد آخر بلفظ: " نعم عبد الله
وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار
والمنافقين ". رواه أحمد (1 / 8) والحاكم (3 / 298) وابن عساكر (5 /
271 / 1 و 2 / 17 / 372 / 1) عن علي بن عياش أخبرنا الوليد بن مسلمة حدثني
وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي بن حرب أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على
قتال أهل الردة، فقال: فذكره مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".
وسكت عليه الذهبي.
وأقول: وحشي بن حرب روى عنه جماعة غير الوليد بن مسلم ووثقه ابن حبان.
وقال الحافظ: " مستور ". لكن أبوه حرب بن وحشي بن حرب لا يعرف إلا برواية
ابنه وحشي ولذلك قال البزار " مجهول ". وله شاهد آخر من حديث عمر رضي الله
عنه بلفظ: " خالد بن الوليد سيف من سيوف الله، سله على المشركين ". رواه ابن
عساكر (5 / 271 / 2) عن الوليد بن شجاع أخبرنا ضمرة قال: الشيباني أخبرني عن
أبي العجماء قال: قيل لعمر بن الخطاب: لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو
أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي لم استخلفته على
أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين وإن أمين هذه الأمة
أبو عبيدة بن الجراح ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال
لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: فذكره. وقال
:(3/241)
" كذا قال، وإنما هو أبو العجفاء السلمي واسمه هرم ابن نسيب، شامي ".
قلت: وهو مختلف. فيه فوثقه ابن معين وابن حبان، وقال البخاري: " في
حديثه نظر ". والشيباني اسمه السري بن يحيى وهو ثقة. وضمرة هو ابن ربيعة
وهو حسن الحديث، ومثله الوليد بن شجاع وهو من رجال مسلم. ورواه ابن سعد
(7 / 395) بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم مرسلا. ومن طريق خالد بن سمير عن
عبد الله بن رباح الأنصاري قال: حدثنا أبو قتادة الأنصاري مرفوعا في قصة
مختصرا بلفظ: " اللهم هو سيف من سيوفك فانتصر به ". قال: فيومئذ سمي خالد
سيف الله.
1238 - " كان يرخي الإزار من بين يده ويرفعه من ورائه ".
رواه ابن سعد (1 / 459) بسند صحيح عن يزيد بن أبي حبيب مرفوعا. ولكنه
مرسل. وقد وصله هو والبيهقي في " الشعب " (2 / 225 / 1) من طريق محمد بن
أبي يحيى مولى الأسلميين عن عكرمة مولى ابن عباس قال: رأيت ابن عباس إذا اتزر
أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه ويرفع الإزار مما وراءه، قال
: فقلت له: لم تأتزر هكذا؟ قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر
هذه الإزرة ".
قلت: وهذا إسناد صحيح. ثم روى ابن سعد بسند صحيح عن محمد بن أبي يحيى عن رجل
عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرته وتبدو
سرته ورأيت عمر يأتزر فوق سرته.
1239 - " كان يكره أن يطأ أحد عقبه ولكن يمين وشمال ".
أخرجه الحاكم (4 / 279) عن شيبان حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت البناني
عن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو رضي الله(3/242)
عنهما
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، ثم ساقه من طريق أمية بن خالد:
حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
به نحوه. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: شعيب ليس من رجال مسلم، فالحديث صحيح فقط، وكذلك عمرو ابن شعيب لكن
أظن أن ذكره في هذا الإسناد وهم، فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت مثل رواية
شيبان عن سليمان لم يذكر عمرا إلا أن حماد قال: عن ثابت عن شعيب بن عبد الله
ابن عمرو عن أبيه قال: " ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط
ولا يطأ عقبه رجلان ". أخرجه أبو داود (3770) وابن ماجه (244) وأحمد
(2 / 165 و 167) . فظاهر هذا السياق أن الحديث مرسل لأن أبا شعيب هو محمد بن
عبد الله بن عمرو كما صرح به شيبان في روايته - ولا صحبة له ولذلك قال
المنذري في " مختصر السنن " (5 / 302) : " وشعيب هذا هو والد عمرو بن شعيب،
ووقع هنا وفي كتاب ابن ماجه: شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه. وهو شعيب
ابن محمد بن عبد الله بن عمرو، فإن كان ثابت البناني نسبه إلى جده حين حدث عنه
، فذلك سائغ وإن كان أراد بأبيه محمدا فيكون الحديث مرسلا، فإن محمد لا صحبة
له وإن كان أراد بأبيه جده عبد الله فيكون مسندا، وشعيب قد سمع من عبد الله
ابن عمرو ".
قلت: والراجح عندي الثاني وهو أنه أراد بأبيه جده عبد الله بن عمرو لرواية
سليمان بن المغيرة المصرحة بأن الحديث من مسنده. ويؤيده أن في رواية لأحمد
بلفظ: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ... ". فهذا نص على ما
ذكرنا، والله الموفق.(3/243)
1240 - " اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم ".
رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 73) وأبو داود (2 / 110)
والنسائي (2 / 132 و 133) وأحمد (4 / 275 و 288 و 375) من طريق حماد بن
زيد عن حاجب بن المفضل بن المهلب عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بشير يقول
: فذكره مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله ثقات غير المفضل بن المهلب وهو صدوق كما
في " التقريب ". وورد بلفظ آخر يأتي في " إن عليك ". والحديث عزاه ابن
القيم في " تحفة الودود " (ص 75 - هند) لابن حبان في " صحيحه "، ولم يورده
الهيثمي في " موارد الظمآن ". والله أعلم.
1241 - " طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ـ سبع مرات ـ لمن لم يرني وآمن بي ".
رواه أحمد (5 / 248 و 257 و 264) عن همام بن يحيى وحماد بن الجعد عن قتادة
عن أيمن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير أيمن هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 /
1 / 319) ولم يزد على ما جاء في هذا الإسناد أنه روى عن أبي أمامة وعنه
قتادة! ومعنى ذلك أنه مجهول، وصرح بذلك الذهبي في " الميزان " وساق له هذا
الحديث، وقال: " وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " فقال: " هو أيمن بن مالك
الأشعري ". قال الحافظ في " اللسان ": " قلت: واختلف على همام في الحديث،
فقال عبيد الله بن موسى وأبو(3/244)
داود الطيالسي وغير واحد: عن قتادة عنه عن أبي
أمامة. وقال أبو عامر العقدي: عن همام عن قتادة عن أيمن عن أبي هريرة رضي
الله عنه، والله أعلم. وصحح ابن حبان الطريقين في (صحيحه) ".
قلت: طريق أبي هريرة في " الموارد " (2303) . والطريق الأولى أرجح عندي
لاتفاق ثلاثة عليها وتفرد العقدي بالأخرى. وعلى كل حال فالإسناد ضعيف لجهالة
أيمن، وتوثيق ابن حبان إياه مما لا يوثق به كما هو معروف وإن اعتمده الهيثمي
، فقال في تخريج الحديث (10 / 67) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها
رجال الصحيح غير أيمن بن مالك الأشعري وهو ثقة ". لكن للحديث شاهد من حديث
ثابت عن أنس مرفوعا: " طوبى لمن آمن بي ورآني مرة وطوبى لمن آمن بي ولم
يرني سبع مرار ". أخرجه أحمد (3 / 155) حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا
جسر عن ثابت.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير جسر وهو ابن فرقد وهو ضعيف من
قبل حفظه لكن لم ينفرد به فقال أبو يعلى في " مسنده " (857) : حدثنا الفضل
ابن الصباح أخبرنا أبو عبيدة عن محتسب عن ثابت به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محتسب هذا وهو ابن عبد الرحمن الأعمى ترجمة
ابن أبي حاتم (4 / 1 / 439) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال ابن عدي
في " الكامل " (ق 402 / 2 - منتخبه) : " يروي عن ثابت أحاديث ليست بمحفوظة "
. وقال الذهبي في " الميزان ": " لين ". وفي " المجمع " (10 / 67) :(3/245)
" رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن كما تقدم وإسناد أحمد فيه جسر وهو ضعيف
". وذكر فيما تقدم (10 / 66) : " أن في رجال أبي يعلى محتسبا أبا عائذ وثقه
ابن حبان وضعفه ابن عدي وبقية رجاله رجال الصحيح غير الفضل ابن الصباح وهو
ثقة ". وقد جاء الحديث من طريق أخرى بلفظ ثلاث بدل " سبع " من حديث عبد الله
ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي عبد الرحمن الجهني.
1 - أما حديث ابن عمر، فقال الطيالسي (1845) : حدثنا العمري عن نافع قال:
" جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن أنتم نظرتم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بأعينكم هذه؟ قال: نعم، قال: وكلمتموه بألسنتكم هذه؟ قال
: نعم، قال: وبايعتموه بأيمانكم هذه؟ قال: نعم، قال: طوبى لكم يا أبا
عبد الرحمن! قال: أفلا أخبرك عن شيء سمعته منه؟ سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي ثلاثا
".
قلت: والعمري هذا ضعيف لكن يشهد لحديثه ما يأتي.
2 - وأما حديث أبي سعيد فيرويه دراج عن أبي الهيثم عنه مرفوعا به. أخرجه ابن
حبان (2302) وأحمد (3 / 71) والخطيب في " التاريخ " (4 / 91) .
3 - وأما حديث أبي عبد الرحمن الجهني فيرويه محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي
حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: " بينا نحن
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع ركبان، فلما رآهما قال: كنديان مذحجيان
حتى أتياه، فإذا رجال من مزحج قال: فدنا إليه أحدهما ليبايعه قال: فلما أخذ
بيده قال: يا رسول الله! أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك ماذا له؟ قال
: طوبى له، قال فمسح على يده، فانصرف، ثم أقبل الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه،
قال: يا رسول الله! أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: طوبى له
، ثم طوبى له، ثم طوبى له، قال فمسح على يده فانصرف ".(3/246)
أخرجه أحمد (4 / 152
) في " مسند عقبة بن عامر الجهني " وكأنه أشار بذلك إلى أن أبا عبد الرحمن
الجهني راوي هذا الحديث هو عقبة هذا وقد قيل في كنيته أقوال فليضم هذا إليها.
قلت: وهذا إسناد جيد، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث.
1242 - " نهى عن خاتم الذهب وعن خاتم الحديد ".
أخرجه البيهقي " شعب الإيمان " (2 / 251 / 1) عن محمد بن عجلان عن عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " وأحمد بنحوه.
قلت: وهذا إسناد حسن، والحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى عن ابن عمرو
وشواهد خرجتها في " آداب الزفاف " (ص 127 و 128 - الطبعة الثالثة) .
1243 - " الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة
ورفع بها درجة ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 257 / 1) عن الوليد بن كثير حدثني عبد
الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قد تقرر
أنه حسن الحديث. وعبد الرحمن بن الحارث وهو أبو الحارث المدني، قال الحافظ
: " صدوق له أوهام ". والوليد بن كثير هو أبو محمد المدني صدوق احتج به
الشيخان. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا تنتفوا الشيب
فإنه نور يوم القيامة، من شاب شيبة ... ". الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان (
1479) بسند حسن.
1244 - " الشيب نور في وجه المسلم، فمن شاء فلينتف نوره ".
رواه ابن عدي (212 / 1) والبيهقي في " الشعب " (2 / 250 / 2)(3/247)
عن ابن لهيعة
عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن فضالة بن عبيد مرفوعا
. وقال ابن عدي: " لا يرويه غير ابن لهيعة ".
قلت: وهو ضعيف لكن تابعه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه
البيهقي ولفظه: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ". فقال
رجل: إن رجالا ينتفون الشيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شاء
نتف شيبه! أو قال: نوره ".
قلت: فالحديث حسن بهذا الإسناد. وهو صحيح بدون قوله: " فقال رجل.... " الخ
لمجيئه كذلك عن جمع من الصحابة. منهم عمرو بن عبسة عند ابن سعد (1 / 433)
وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 282 / 1) وغيرهما وهو مخرج في " التعليق
على المشكاة " (4459) . ومنهم عمر بن الخطاب عند ابن حبان (1477)
والطبراني في " الكبير " (1 / 4 / 1) والعقيلي، والضياء في " المختارة "
(رقم 112 و 123 - بتحقيقي) . وأبو هريرة عند ابن حبان (1479) . ونوف
البكالي مرسلا، رواه ابن عساكر (17 / 342 / 2) . وأبو نجيح السلمي عند ابن
حبان (1478) والحاكم (3 / 50) وصححه ووافقه الذهبي. وأم سليم عند
الحاكم في " الكنى "، والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 83 / 1)
وزاد في آخره: " ما لم يغيرها، وهي زيادة منكرة بل باطلة لعدم ورودها في
شيء من طرق الحديث إلا في هذه، وهي واهية فيها سالم أبو عتاب ترجمه ابن أبي
حاتم (2 / 1 / 191) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو آفته. وفيه آخران
لم أعرفهما. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أنهم غيروا
الشيب بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتغيير في غير ما حديث في
" الصحيحين " وغيرهما فهل يكون جزاء من أطاع أمره صلى الله عليه وسلم أن يذهب
نور شيبه؟ ! ثم رأيت الزيادة المذكورة عند البيهقي من حديث عمرو بن عبسة
المشار(3/248)
إليه آنفا لكن في إسنادها شهر بن حوشب وهو ضعيف على أنها بلفظ: " ما
لم يخضبها أو ينتفها " هكذا على الشك، فلعل أصل الحديث لا ما لم ينتفها " ثم
عرض الشك للراوي، والله أعلم.
1245 - " وفروا عثانينكم وقصروا سبالكم (وخالفوا أهل الكتاب) ".
أخرجه أحمد (5 / 264) والبيهقي في " الشعب " (2 / 259 / 2) من طريق عبد
الله بن العلاء بن زبر قال: سمعت القاسم مولى يزيد يحدث عن أبي أمامة قال
: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار بيض لحاهم، فقال:
يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، فقالوا: يا رسول الله إن
أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (فذكره) فقالوا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون،
فقال: " انتعلوا وتخففوا وخالفوا أهل الكتاب " والزيادة لأحمد.
قلت: وهذا إسناد حسن. وقال الهيثمي (5 / 131) : " رواه أحمد والطبراني،
ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم وهو ثقة وفيه كلام لا يضر ".
(عثانينكم) جمع (عثنون) وهي اللحية. و (سبالكم) جمع (السبلة)
بالتحريك: الشارب.
1246 - " لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث، فإنهما ناكبان عن الحق ما دام على
حرامهما، فأولهما فيئا، سبقه بالفيء كفارة، فإن سلم ولم يرد عليه سلامه ردت
عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في
الجنة أبدا ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 402) وأحمد (4 / 20) والبيهقي في
" الشعب " (2 / 287 / 2) عن يزيد الرشك قال: سمعت معاذة العدوية قالت: سمعت
هشام ابن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح.(3/249)
1247 - " استرقوا لها فإن بها النظرة ".
أخرجه البخاري (10 / 165) واللفظ له ومسلم (7 / 18) من طريق محمد بن
الوليد الزبيدي أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب ابنة أبي سلمة عن
أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في
وجهها سفعة فقال: فذكره. وأخرجه الحاكم (4 / 212) .
1248 - " العين حق ".
أخرجه البخاري (10 / 166) ومسلم (7 / 13) وأبو داود (2 / 153) وأحمد
(2 / 318) من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة به مرفوعا. وله طريق أخرى
أخرجه ابن ماجه (2 / 356) عن مضارب بن حزن عنه. وإسناده حسن بما قبله.
وفيه عند البخاري وأحمد زيادة (ونهى عن الوشم) . وللحديث شواهد كثيرة
فأخرجه ابن ماجه من حديث عامر بن ربيعة وكذلك أخرجه الحاكم وغيره في حديث سبق
بلفظ: (إذا رأى أحدكم من نفسه) ومن شواهده ما يأتي بعده. وانظر
(استعيذوا بالله من العين) ، (أكثر من يموت) ، (إن العين) ، (كان يأمرها
) ، (كنت أرقي) ، (مروا أبا ثابت) ، (ما يصيبكم) ، (من رأى شيئا) ، (
لا شيء في الهام) ، (لا عدوى) .
1249 - " العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر ".
قال في " الجامع ": " رواه ابن عدي وأبو نعيم في " الحلية " عن جابر وابن
عدي عن أبي ذر ".
قلت: وقد أخرجه أبو نعيم " الحلية " (7 / 90) وأبو بكر الشيرازي في " سبعة
مجالس من الأمالي " (8 / 2) والخطيب في " تاريخه " (9 / 244)(3/250)
من طريق محمد
ابن مخلد وابن عدي كلاهما عن شعيب بن أيوب حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان
عن محمد بن المنكدر عن جابر به. قال ابن عدي: وحدث سفيان هذا عن محمد بن
المنكدر ويقال إنه غلط وإنما هو عن معاوية عن علي بن علي عن ابن المنكدر عن
جابر ". " والحديث أشار إليه الذهبي في ترجمة شعيب بن أيوب هذا وقال: إنه
منكر. وضعفه الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة "، وإسناده حسن عندي لأن
شعيب بن أيوب وثقه الدارقطني وابن حبان، وجرحه أبو داود جرحا مبهما فقال:
إني لأخاف الله تعالى في الرواية عنه ".
1250 - " العين حق، تستنزل الحالق ".
أخرجه الحاكم (4 / 215) وأحمد (1 / 274 و 294) والطبراني في " الكبير "
(3 / 178 / 2) من طريق سفيان عن دويد حدثني إسماعيل بن ثوبان عن جابر بن زيد
عن ابن عباس به مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح ". ووافقه الذهبي. مع
أنه أورد دويدا في " الميزان " وقال: " قال أبو حاتم: لين " ولم يزد، فمن
أين جاءت الصحة إلى إسناده؟ ! وفي " المجمع " (5 / 107) : " رواه أحمد
والطبراني وفيه دويد البصري وقال أبو حاتم لين، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: لكن الحديث له شاهد بلفظ: (إن العين لتوقع الرجل) وقد مضى برقم (889
) ، فهو به حسن إن شاء الله تعالى.
1251 - " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا ".
أخرجه مسلم (7 / 13 و 14) من حديث ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس.
ورواه الترمذي بدون الجملة الأولى ويأتي بعده بلفظ (لو كان ... ) . ورواه أبو
نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 191) عن ليث عن طاووس به دون الجملة الوسطى.(3/251)
1252 - " لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ".
أخرجه الترمذي (2 / 6 طبع بولاق) وابن ماجه (2 / 356) وأحمد (6 / 438)
وابن عدي (228 / 1) عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عروة - وهو أبو حاتم بن
عامر - عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله!
إن ولد جعفر تسرع إليهم العين فأسترقي لهم؟ فقال: " نعم، فإنه لو ... " الخ
. وقال الترمذي " حسن صحيح ".
قلت: ورجاله ثقات مشهورون من رجال الشيخين غير عبيد بن رفاعة وهو ثقة وغير
عروة بن عامر، قال في التقريب: " مختلف في صحبته، له حديث في الطيرة (1)
وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ". ثم أخرج الترمذي الحديث من طريق أيوب عن
عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
قلت: فصرح أيوب أنه من مسند أسماء خلاف المتبادر من رواية سفيان الأولى.
وللحديث شاهد صحيح من رواية ابن عباس تقدم قبله. وقد رواه الترمذي بلفظ:
" لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا ". وقال:
" حديث حسن صحيح ".
1253 - " إياكم وأبواب السلطان، فإنه قد أصبح صعبا هبوطا ".
رواه الديلمي (1 / 2 / 345) من طريق الطبراني، وابن منده في " المعرفة "
(2 / 62 / 2) وابن عساكر (13 / 232 / 1) عن عبيد بن يعيش حدثنا محمد بن
فضيل عن إسماعيل عن قيس عن أبي الأعور السلمي مرفوعا به.
_________
(1) أخرجه أبو داود وابن السني بلفظ: " أحسنها الفأل "
وقد ذكر في محله. اهـ.(3/252)
ثم رواه ابن منده
من طريق يحيى بن زكريا عن إسماعيل به.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وأبو الأعور اسمه عمرو بن سفيان وهو
مختلف فيه كما قال ابن عساكر لكن أثبتت صحبته جمع منهم الإمام مسلم.
(هبوطا) أي ذلا. في " النهاية ": " فيه: " اللهم غبطا لا هبطا "، أي
نسألك الغبطة ونعوذ بك من الذل والانحطاط والنزول. يقال: هبط هبوطا
وأهبط غيره ".
1254 - " طوبى لمن رآني وطوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي ".
أخرجه الحاكم (3 / 86) من طريق جميع بن ثواب حدثنا عبد الله بن بسر صاحب
النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال: " هذا حديث قد روي بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك، وأقرب هذه الروايات
إلى الصحة ما ذكرنا ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: جميع واه ".
قلت: لكنه قد توبع، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 20) دون قوله:
" ولمن رأى ... " وزاد: طوبى لهم وحسن مآب ". وقال: " رواه الطبراني،
وفيه بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة، وبقية رجاله ثقات ". وقد وقفت
على إسناده، أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 113 / 2) من طريق أبي يعلى
والطبراني بإسناديهما عن بقية عن، وقال الطبراني عنه: حدثنا محمد بن عبد
الرحمن بن عرق اليحصبي عن عبد الله بن بسر به.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله معروفون غير اليحصبي هذا فقد ترجمه ابن أبي حاتم
(3 / 2 / 316) برواية جماعة عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والظاهر أنه
وثقه ابن حبان، يدل عليه كلام الهيثمي السابق. والله أعلم.(3/253)
وأما أسانيد الحديث إلى أنس التي أشار إليها الحاكم، فقد أخرجه الخطيب في
" التاريخ " (3 / 49 و 306 و 13 / 127) من ثلاثة طرق عنه وهي واهية شديدة
الضعف، فلا نطيل الكلام بتخريجها. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري
مرفوعا به ولكنه واه جدا. أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (110
/ 2) من طريق إبراهيم أبي إسحاق عن أبي نضرة عنه. وهذا إسناد ضعيف جدا،
إبراهيم هذا هو ابن الفضل، وهو متروك كما في " التقريب ". وبالجملة فالحديث
حسن إن شاء الله تعالى من أجل طريق بقية التي أخرجها الضياء في " المختارة ".
والله أعلم.
1255 - " إذا استلقى أحدكم على ظهره فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى ".
أخرجه الترمذي (2 / 127) حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي حدثنا أبي حدثنا
سليمان التيمي عن خداش عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكره. وقال: " هذا حديث رواه غير واحد عن سليمان التيمي ولا
يعرف خداش هذا من هو؟ ". ورواه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 360) من
طريق أخرى عن التيمي به.
قلت: وأخرجه البزار في " مسنده " (ص 249 - زوائده) حدثنا قيس بن آدم حدثنا
جدي أزهر بن سعد عن سليمان التيمي عن خداش عن أبي الزبير عن جابر عن ابن عباس
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وقال: " قد روى مرة (!)
عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحد عن جابر عن ابن عباس إلا
أزهر، وخداش بصري لا نعلمه روى عنه إلا التيمي ومحمد بن ثابت البصري وقد
وثق ".(3/254)
قلت: وقيس بن آدم لم أجد له ترجمة وأما جده أزهر بن سعد فهو ثقة من رجال
الشيخين. فلعل المخالفة ليست منه بل من حفيده والصواب رواية القرشي عن التيمي
، فقد توبع عليها، فقال الإمام أحمد (3 / 299) حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد
الله بن الأخنس عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
وأخرجه مسلم (6 / 154) من طريق روح بن عبادة حدثني عبيد الله به ولفظه:
" لا يستلقين أحدكم، ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى ". ثم أخرجه هو والترمذي
وأحمد (3 / 349) والطحاوي من طريق الليث عن أبي الزبير به بلفظ: " نهى عن
اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى
وهو مستلق على ظهره ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه مسلم
وأحمد (3 / 297 و 322) من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر
ابن عبد الله به نحوه. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. " نهى أن
يستلقي الرجل ويثني إحدى رجليه على الأخرى ". أخرجه الطحاوي وابن حبان
(1961) من طريق روح بن القاسم عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حفص عن عمر بن
سعد بن أبي وقاص عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(تنبيه) : أورده السيوطي بلفظ (قفاه) بدل " ظهره ". وعزاه للترمذي عن
البراء وأحمد عن جابر، والبزار عن ابن عباس. ولم أجد له أصلا من حديث
البراء عند الترمذي أو غيره.
(فائدة هامة) : وأما الحديث الذي فيه تعليل النهي عن الاستلقاء بأن الله
تعالى استلقى لما خلق خلقه! فهو منكر جدا كما حققته في " الضعيفة " (755) .
فراجعه.(3/255)
1256 - " ما أحب عبد عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل ".
رواه أحمد في " المسند " (9 / 259) وابن قدامة في " المتحابين في الله "
(107 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث الذماري عن القاسم عن
أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد شامي جيد.
1257 - " إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله كما يخلص الكير خبث الحديد ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (497) وابن أبي الدنيا في " المرض
والكفارات " (ق 190 / 1) من طريقين عن ابن أبي ذئب عن جبير بن أبي صالح عن
ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره.
قلت: ورجاله ثقات غير جبير بن أبي صالح، قال الذهبي: " لا يدرى من هو؟ ".
لكن أسقطه بعض الرواة عن ابن أبي ذئب من الإسناد، فأخرجه ابن حبان (695)
وابن أبي الدنيا أيضا (ق 167 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب " (ق 191 / 1
- مصورة المكتب) من طريق ابن أبي فديك، والطبراني في " الأوسط " (1 / 67 /
1 - زوائده) والقضاعي في " مسند الشهاب " (113 / 2) عن عبد الله بن نافع،
ويوسف بن يعقوب الأنباري في " حديثه " (ق 114 / 2) حدثنا الزبير بن بكار قال
: حدثنا أبو عوانة، ثلاثتهم عن ابن أبي ذئب عن الزهري به. ولعل هذا أصح من
الأول لاتفاق الجماعة عليه، فالإسناد صحيح إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه
الخطيب في " تلخيص المتشابه " (ق 20 / 2) عن محمد بن عبد الرحمن بن بحير
حدثنا أبي حدثنا مالك بن أنس - أملاه علي سنة سبع وسبعين - عن ابن شهاب به.
وقال: " ابن بحير بفتح الباء وكسر الحاء، روى عنه ابنه محمد عن مالك بن أنس
أحاديث منكرة، الحمل فيها على أبيه، منها هذا الحديث ".(3/256)
1258 - " إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي وقل: بسم الله (وبالله) ، أعوذ بعزة الله
وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا ".
أخرجه الترمذي (2 / 278) والحاكم (4 / 219) والضياء في " المختارة " (ق
51 / 1) عن محمد بن سالم حدثنا ثابت البناني قال: قال لي: يا محمد (فذكره)
فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. وقال
الترمذي: " حديث حسن غريب، ومحمد بن سالم شيخ بصري ".
قلت: وقال الضياء: " سئل أبو حاتم عنه؟ فقال: لا بأس به ". وذكره ابن
حبان في " الثقات " (2 / 267) ، فالحديث صحيح الإسناد وكذلك قال الحاكم
ووافقه الذهبي.
1259 - " إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس ".
أخرجه النسائي (2 / 37) من طريق عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة
قالت: " يا رسول الله، والله ما طفت طواف الخروج، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم " (فذكره) . وقال النسائي: " لم يسمعه من أم سلمة ". ثم ساق هو
والبخاري (1 / 410) من طريق مالك، وهذا في " الموطأ " (1 / 370 - 371)
عن أبي الأسود عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة به نحوه.(3/257)
وفي رواية
للبخاري من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام ابن عروة عن زينب عن أم
سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -
وهو بمكة، فأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة - للصبح - فطوفي على
بعيرك والناس يصلون ". ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت.
1260 - " إذا اكتحل أحدكم فليكتحل وترا وإذا استجمر فليستجمر وترا ".
أخرجه أحمد (2 / 351 / 356) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن لهيعة، فهو سيء الحفظ.
والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 96) : " رواه أحمد وفيه ابن لهيعة
وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". كذا قال، وابن لهيعة ضعيف الحديث إلا في
الشواهد أو المتابعات، وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة مرفوعا به
نحوه. وفي سنده ضعف بينته في الكتاب الآخر (1028) فالحديث بمجموع الطريقين
حسن إن شاء الله. وأما رمز السيوطي له بالصحة، وأقره المناوي فلا وجه له.
والله أعلم. ثم رأيت الإمام أحمد أخرجه (4 / 156) من طريق ابن لهيعة أيضا
عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الرحمن بن جبير عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعا به
. وفي لفظ له بهذا الإسناد إلا أنه جعل الحارث بن يزيد مكان عبد الله بن هبيرة
: " كان إذا اكتحل اكتحل وترا وإذا استجمر استجمر وترا ". وقد مضى له شاهد
مفصل برقم (633) وفيه بيان أن الإيتار خاص باليمنى فراجعه. (انظر
الاستدراك رقم 258 / 25) .(3/258)
وللشطر الأول منه شاهد آخر من حديث سفيان عن عاصم
عن أبي العالية عن أنس مرفوعا نحوه بلفظ: " الكحل وتر ". أخرجه تمام في "
الفوائد " (ق 57 / 1) أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان - قراءة عليه - حدثنا
محمد بن عوف أبو جعفر الحمصي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي
العالية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات إذا كان عاصم هذا هو ابن سليمان الأحول
فإنه بصري مثل أبي العالية واسمه رفيع بن مهران الرياحي. ويحتمل أنه عاصم بن
بهدلة الكوفي، فإن كان هو، فالسند حسن. كما يحتمل أنه عاصم بن كليب الكوفي،
وهو ثقة. أو عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني وهو ضعيف
يصلح للاستشهاد به لكن الاحتمال الأول أقوى لأنه كان يحدث عن أبي العالية كما
في " الدارقطني " (ص 63) . (انظر الاستدراك رقم 259 / 14) . وللشطر الثاني
من الحديث شاهد في " مسلم " عن جابر مرفوعا، وبذلك صح الحديث والحمد لله.
1261 - " إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل ".
ورد بهذا اللفظ من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة
وغيرهم.
1 - أما حديث عائشة فيرويه عبد العزيز بن النعمان عنها. أخرجه أحمد (6 / 239
) من طريق عبيد الله بن رباح عنه. ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد العزيز بن
النعمان فهو مجهول، وقال البخاري: " لا يعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها
". وأما ابن حبان فوثقه. وفي رواية لأحمد (6 / 123 و 227) عن عبد العزيز
ابن النعمان عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان
أغتسل "(3/259)
وهو بهذا اللفظ صحيح عنها، فقد رواه القاسم بن محمد عنها قالت:
" إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه
وسلم ". أخرجه الترمذي (1 / 23) وابن ماجة (608) بسند صحيح عنها.
وأخرجه مسلم (1 / 187) وغيره من طريق أخرى عنها عن النبي صلى الله عليه
وسلم مرفوعا من قوله صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرجه الخطيب في " التاريخ "
(12 / 286) من طريق ثالثة عنها مرفوعا بلفظ الترجمة.
2 - وأما حديث ابن عمر فيرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه
ابن ماجة (611) وأحمد (2 / 178) والخطيب (1 / 311 و 6 / 283) من طرق
عنه وهو إسناد حسن وزاد الأولان: " وتوارت الحشفة ". وفي إسنادهما الحجاج
وهو ابن أرطأة وهو مدلس وقد عنعنه وقد تابعه عليها عبد الله بن بزيع عن أبي
حنيفة عن عمرو بن شعيب به. وزاد في آخره: " أنزل أو لم ينزل ".(3/260)
أخرجه
الطبراني في " الأوسط " (1 / 9 / 2) وقال: " لم يروه عن عمرو إلا أبو حنيفة
ولا عنه إلا عبد الله ".
قلت: هو وشيخه ضعيفان لكن زيادته يشهد لها حديث أبي هريرة الآتي. والزيادة
الأولى حسنة إن شاء الله بمجموع الطريقتين عن عمرو بن شعيب. وقد أخرج الطحاوي
(1 / 35) في معناها أثرا من طريق حبيب بن شهاب عن أبيه قال: " سألت أبا
هريرة: ما يوجب الغسل؟ فقال: إذا غابت المدورة ".
وإسناده صحيح وحبيب بن شهاب وهو العنبري وأبوه مترجمان في " الجرح
والتعديل " (1 / 2 / 103 / 2 / 1 / 361) .
3 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه أبو رافع عنه مرفوعا به وزاد: " أنزل أم لم
ينزل ". أخرجه البيهقي (1 / 163) بإسناد صحيح، وهو عند " مسلم " (1 / 186
) بنحوه، وهو مخرج في " صحيح سنن أبي داود " (209) .
1262 - " الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي أما البادي فإنه يطيع إذا أمر
ويجيب إذا دعي وأما الحاضر، فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا ".
أخرجه ابن حبان (1580 - 1581) والنسائي في " الكبرى " (2 / 50 - سير)
والحاكم (1 / 11) من طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير عن
عبد الله بن عمرو: قال رجل: " يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: أن
تهجروا ما كره الله، والهجرة هجرتان ... " الحديث.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي كثير وهو زهير بن الأقمر
الزبيدي، قال الذهبي: " ما حدث عنه سوى عبد الله بن الحارث الزبيدي، وثقه
العجلي والنسائي وكأنه مات في خلافة عبد الملك ". وفي " التقريب ":
" مقبول ".
قلت: فقول الحاكم: " صحيح ". غير مقبول! ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن
عمر مرفوعا به. أخرجه ابن عرفة في " جزئه " (91) وعنه البيهقي في " الشعب "
(2 / 416 / 1) بإسناد صحيح، فثبت الحديث، والحمد لله.
1263 - " إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين
الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ".
أخرجه البخاري (4 / 207) والنسائي (1 / 147) وابن ماجة (851)(3/261)
وابن
الجارود (190) وأحمد (2 / 238) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
وتابعه بقية عن الزبيدي قال: أخبرني الزهري به. أخرجه النسائي. وهو في
" الصحيحين " بنحوه. وراجع تعليقي عليه في كتابي " صحيح الترغيب والترهيب "
(1 / 205) .
1264 - " بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام ".
رواه ابن عدي (20 / 2) وأبو العباس الأصم في " الفوائد المنتقاة " (3 / 1)
وعنه الحاكم (1 / 483) حدثنا أيوب (يعني أبو سويد الحميري) حدثنا الأوزاعي
عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم
يخرجاه لأنهما لم يحتجا بأيوب بن سويد لكنه حديث له شواهد كثيرة ". ووافقه
الذهبي. وأيوب بن سويد ضعفه أبو حاتم وغيره وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ".
وتابعه محمد بن ثابت حدثنا محمد بن المنكدر به نحوه. أخرجه أحمد (3 / 325
و334) . وتابعه طلحة بن عمرو عن محمد بن المنكدر به. أخرجه الطيالسي (1817
) وعنه الخرائطي في " المكارم " (25) . فالحديث حسن بمجموع الطريقين.
وقد وجدت له طريقا أخرى عن جابر يرويه بشر بن الوليد حدثنا محمد ابن مسلم
الطائفي عن عمرو بن دينار عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 113 / 2)
وقال: " لم يروه عن عمرو إلا محمد بن مسلم، ولا عنه إلا بشر ".
قلت: ورجاله ثقات غير أن بشر بن الوليد كان شاخ وخرف، ومحمد بن مسلم
الطائفي صدوق يخطىء، وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 107) وتبعه الهيثمي
في " المجمع " (3 / 207) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن "!(3/262)
1265 - " إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيبها، لا تصب جلدة مؤمن أو ثوبه فتؤذيه ".
رواه أحمد (1 / 179) وابن أبي شيبة (2 / 80 / 2) وابن خزيمة في " صحيحه "
(1 / 141 / 2) وأبو يعلى (ص 230) والضياء في " المختارة " (1 / 331)
عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن محمد عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه
سعد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله " ثقات "، وابن إسحاق إنما نخشى من تدليسه وقد
صرح بالتحديث عند أحمد وأبي يعلى والضياء في رواية له.
1266 - " إذا تمنى أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل ".
أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 193 / 1 - مصورة المكتب)
أنبأنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث عزاه السيوطي لأوسط
الطبراني، قال المناوي: " ورمز لحسنه وهو تقصير أو قصور وحقه الرمز لصحته
، فقد قال الحافظ والهيثمي وغيره: رجاله رجال الصحيح ".
قلت: لا يلزم من هذا القول صحة الإسناد لاحتمال أن يكون فيه علة تمنع الصحة
كالانقطاع والتدليس ونحوه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم الشريف أما
إسناد ابن حميد هذا فلا نعلم له علة، وقد توبع عبيد الله بن موسى عن سفيان به
نحوه كما يأتي (1325) .(3/263)
1267 - " ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي
كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل ".
أخرجه الحاكم (4 / 438) عن كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعا. وقال:
" صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شواهد فانظر " بادروا
... " رقم (758) .
1268 - " ما يخرج رجل صدقته حتى يفك بها لحيي سبعين شيطانا ".
رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 248 / 2) والحاكم (1 / 417) وأحمد (5
/ 350) والطبراني في " الأوسط " (1 / 90 / 1 - زوائد المعجمين) عن أبي
معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا. وقال الحاكم
: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
1269 - " إذا خرجت اللعنة من في صاحبها نظرت، فإن وجدت مسلكا في الذي وجهت إليه وإلا
عادت إلى الذي خرجت منه ".
أخرجه أحمد (1 / 408) والبيهقي في " الشعب " (2 / 92 / 2) من طريقين عن
عمر بن ذر عن العيزار بن جرول الحضرمي قال: " كان منا رجل يقال له أبو عمير،
قال وكان مؤاخيا لعبد الله (يعني ابن مسعود) فكان عبد الله يأتيه في
منزله، فأتاه مرة، فلم يوافقه في المنزل، فدخل على امرأته، قال: فبينا هو
عندها إذ أرسلت خادمتها في حاجة، فأبطأت عليها فقالت: قد أبطأت، لعنها الله
! قال: فخرج عبد الله فجلس على الباب(3/264)
قال: فجاء أبو عمير، فقال لعبد الله:
ألا دخلت على أهل أخيك؟ قال: فقال: قد فعلت ولكنها أرسلت الخادمة في حاجة،
فأبطأت عليها فلعنتها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره
) . وإني كرهت أن أكون لسبيل اللعنة ".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي عمير، فهو مجهول، والظاهر أن الحضرمي
تلقى الحديث عنه ويؤيده أن في رواية أحمد: عن العيزار ... عن رجل منهم يكنى
أبا عمير ... ، لكن في طريق أخرى عند أحمد (1 / 425) عن عمر بن ذر عن العيزار
من (تنعة) أن ابن مسعود قال: فذكره مرفوعا. والعيزار هذا قد أدرك ابن
مسعود فقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 37) : " روى عن علي رضي الله عنه، روى عنه
علقمة بن مرثد ". ثم روى توثيقه عن ابن معين، فمن الممكن أن يكون سمعه منه
ولعله لذلك قال المنذري في " الترغيب " (3 / 287) : " وإسناده جيد ".
وعلى كل حال فالحديث حسن على أقل الأحوال لأن له شاهدا من حديث أبي الدرداء
مرفوعا نحوه. أخرجه أبو داود (4905) وابن أبي الدنيا في " الصمت " (2 / 14
/ 1) وفيه عمران بن عتبة، لا يدرى من هو؟ !
1270 - " انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام. فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى
عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ ! قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال:
فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي
أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى
اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة ".
أخرجه أحمد (5 / 128) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 406 - 407)
والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 88 / 1) من طريق يزيد بن زياد بن أبي
الجعد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال:(3/265)
" انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا فلان
بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يزيد ابن زياد بن
أبي الجعد وهو ثقة. وخالفه جرير فقال: عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن
ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره.
ورجاله ثقات أيضا لكن أشار البيهقي إلى ترجيح الأول. والله أعلم.
1271 - " إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب على البكر أقام
عندها ثلاثا ".
أخرجه البيهقي (7 / 302) والخطيب في " التاريخ " (10 / 406) عن أبي قلابة
عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي أنبأنا أبو عاصم عن سفيان عن أيوب
وخالد عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه " قال: حدثنا الصغاني عن أبي قلابة
وقال: " هو غريب ولا أعلم من قاله غير أبي قلابة ".
قلت: وهو صدوق يخطىء تغير حفظه لما سكن بغداد كما في " التقريب " لكنه لم
ينفرد به، فقد رواه محمد بن إسحاق عن أيوب عن أبي قلابة به مختصرا بلفظ:
" للبكر سبع وللثيب ثلاث ". أخرجه الدارمي (2 / 144) وابن ماجة (1916)
والدارقطني (409) . ومحمد بن إسحاق ثقة، ولكنه مدلس وقد عنعنه. لكن
يشهد له حديث أم سلمة مرفوعا به. أخرجه مسلم (4 / 173) . وقد تكلم الحافظ
في " الفتح " (9 / 276) على حديث الرقاشي بما يتلخص(3/266)
منه أنه غير محفوظ بهذا
اللفظ، لكن الطريق الأخرى والشاهد مما يقويه ويدل على أن له أصلا أصيلا.
والله أعلم.
1272 - " من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السطان افتتن وما ازداد أحد
من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا ".
رواه أحمد (2 / 371 و 440) وابن عدي (14 / 1) عن إسماعيل ابن زكريا عن
الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا
وقال: " لا أعلم يرويه غير إسماعيل بن زكريا وهو حسن الحديث يكتب حديثه ".
قلت: وهذا سند حسن فإن بقية رجال الإسناد ثقات كلهم، وإسماعيل احتج به
الشيخان، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء قليلا ". وخالفه شريك فقال: عن الحسن
ابن الحكم عن عدي بن ثابت عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" من بدا جفا ". أخرجه أحمد (4 / 297) .
قلت: وشريك سيىء الحفظ لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف؟ .
1273 - " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: من هم
يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ".
أخرجه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (25 / 1) عن محمد بن
آدم المصيصي حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي الأحوص عن عبد
الله يعني ابن مسعود مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن آدم(3/267)
المصيصي وهو ثقة
كما قال النسائي وغيره. ورواه الآجري في " الغرباء " (1 / 2) من هذا الوجه
والترمذي (2 / 104) من طريق أخرى عن حفص به دون السؤال. وقال: " حسن صحيح
". وله شاهدان من حديث سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو بن العاص عند
الداني بإسنادين صحيحين. ورواه الهروي في " ذم الكلام " (146 / 1)
والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 23 / 2) عن جابر بن عبد الله. والهروي
أيضا عن سهل بن سعد وابن عمر وعبد الرحمن بن سنة. ورواه عن كثير بن عبد
الله عن أبيه عن جده نحوه. ورواه اللالكائي في " السنة " (1 / 26 / 1) عن
جابر وعن أبي هريرة مثل حديث ابن مسعود وأصله في " مسلم " (1 / 90) وابن
عدي (36 / 1) عن سهل أيضا وكذا الدولابي (1 / 192 - 193) . ولوين في
" قطعة من حديثه " (2 / 1) عن ابن عمر دون السؤال. ورواه تمام في " الفوائد
" (148 / 1) عن سليمان بن سلمة الخبائري حدثنا المؤمل بن سعيد الرحبي عن
إبراهيم بن أبي عبلة عن واثلة بن الأسقع مرفوعا. لكن الخبائري متروك. ورواه
ابن عدي (234 / 1) عن إسماعيل بن عياش حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة
عن يونس بن سليم عن جدته عن ميمونة عن عبد الرحمن ابن سنة مرفوعا. وقال:
" لا أعلم لعبد الرحمن بن سنة غير هذا الحديث ولا يعرف إلا من هذه الرواية ".
ورواه الترمذي (2 / 105) وابن عدي (273 / 2) من طريق كثير ابن عمرو بن
عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وقال ابن عدي: " كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع
عليها ". وأما الترمذي فقال: " حديث حسن صحيح "
قلت: وهذا من تساهله، فإن كثيرا هذا ضعيف جدا، وفي حديثه جملة لم ترد في
شيء من الطرق ولفظها:(3/268)
" وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل
". ثم رواه البيهقي من طريق كثير بن مروان الشامي حدثنا عبد الله بن يزيد
الدمشقي - الذي كان بالباب - قال: حدثني أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي
وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: فذكره إلا أنه قال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يماروا
(!) في دين الله ولا يكفروا (!) أهل القبلة بذنب ". ثم رواه من طريق يحيى
ابن المتوكل قال: حدثتني أمي أنها سمعت سالم ابن عبد الله بن عمر - قال يحيى
وقد رأيت سالما يحدث - عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
فذكره إلى قوله " للغرباء " وزاد: " ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمنا "
وقال: " ورواه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر دون قوله " فطوبى
للغرباء " إلى آخره، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم " ثم ساقه عن محمد بن زيد
بسنده، ومن حديث أبي حازم عن أبي هريرة إلى قوله " فطوبى للغرباء " وقال:
" رواه مسلم ". وقد روي الحديث بزيادة أخرى بلفظ: " إن الإسلام بدأ غريبا
وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال النزاع (1) من
القبائل ". رواه الدارمي (2 / 311 - 312) وابن ماجة (2 / 478) وأحمد
وابنه عبد الله (1 / 398) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 24 / 2)
والبغوي في " شرح السنة " (1 / 10 / 2) عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي
إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا وقال البغوي: " هذا حديث صحيح ".
_________
(1) قال البيهقي: " النزاع جمع نزيع ونازع وهو الغريب الذي نزع من أهله
وعشيرته وأراد بقوله " طوبى للغرباء " المهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله
عز وجل ". اهـ.(3/269)
وأقول: هو كما قال لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي عمرو بن عبد الله مدلس
وقد عنعنه في جميع الطرق عنه مع كونه كان اختلط، فأنا متوقف في صحته بعد أن
كنت تابعا في تصحيحه برهة من الزمن غيري. والله أعلم.
1274 - " إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت
قدمه اليسرى ".
أخرجه أحمد (3 / 58 و 88 و 93) والبخاري (1 / 404 - 405) ومسلم (2 / 76) وابن ماجة (1 / 256 - 257) من طرق عن ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن بن
عوف عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما أخبراه: " أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد، فتناول حصاة فحكها، ثم قال.... "
فذكره.
1275 - " لست من الدنيا وليست مني، إني بعثت والساعة نستبق ".
رواه الضياء في " المختارة " (1 / 486) أخبرنا أبو المعمر بقاء بن عمر ابن
حند {في الأصل حنذ، والمثبت من تكملة الإكمال} - قراءة عليه ببغداد - أن
أبا غالب أحمد بن الحسن بن البنا أخبرهم أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن
حسنون النرسي أنبأنا أبو إبراهيم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج أخبرنا عبد
الله - هو ابن أبي داود - أخبرنا أبو الطاهر أحمد ابن عمرو بن السراج أخبرنا
بشر بن بكر عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبد الله قال: قدم أنس بن مالك على
الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
يذكر به الساعة؟ فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم رواه
من طريق أخرى عن أبي المغيرة عن الأوزاعي به بلفظ: " أنتم والساعة كهاتين ".
ورواه ابن عساكر (3 / 76 / 1) باللفظ الأول أخبرنا أبو غالب بن(3/270)
البنا به إلا
أنه كنى موسى السراج بـ " أبي القاسم " وهو الصواب فقد كناه بذلك الخطيب في
ترجمته (13 / 64) ووثقه. وابن حسنون النرسي هو محمد بن أحمد بن محمد بن
أحمد، ترجمه الخطيب (1 / 356) وقال: كتبنا عنه وكان صدوقا ثقة من أهل
القرآن حسن الاعتقاد " وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون، فهو سند صحيح.
والله أعلم.
1276 - " أشفع الأذان وأوتر الإقامة ".
أخرجه الدارقطني في " الأفراد " (رقم 50 ج 2) من طريق عامر بن سيار حدثنا
محمد بن عبد الملك حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره وقال: " غريب من حديث محمد بن المنكدر عن جابر، تفرد
به محمد بن عبد الملك الأنصاري ولا نعلم حدث به عنه غير عامر بن سيار ".
قلت: روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما
أغرب " كما في " الميزان "، وأما ابن أبي حاتم فقال (3 / 1 / 322) عن أبيه
: " مجهول ". ويشهد له ما أخرجه الخطيب (4، 434) من طريق أحمد بن عبد
الرحيم الحوطي حدثنا يحيى بن يزيد الخواص حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن أبي
قلابة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: فذكره.
قلت: والخواص والحوطي لم أعرفهما لكن الحديث صحيح فإنه في " الصحيحين "
وغيرهما من طرق عن خالد به بلفظ: " أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة "
. وقول الصحابي: " أمر " في حكم المرفوع كما هو مقرر في الأصول، على أنه قد
أخرجه الحاكم (1 / 198) مصرحا برفعه من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن
أبي قلابة بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يشفع الآذان
ويوتر الإقامة ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو
كما قالا.(3/271)
1277 - " كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فمه سمى الله تعالى وإذا
أخره حمد الله تعالى، يفعل ذلك ثلاث مرات ".
أخرجه الخرائطي في " فضيلة الشكر " (ق 129 / 2) والطبراني في " المعجم
الأوسط " (ق 108 / 1 من المنتقى منه للمزي) من طريقين عن عتيق بن يعقوب حدثنا
عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عجلان عن أبيه (وليس عند الأول: عن
أبيه) عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: " تفرد به عتيق بن يعقوب
الزبيري ".
قلت: وثقه ابن حبان والدارقطني، ومن فوقه ثقات معروفون على كلام يسير في
ابن عجلان، فالإسناد حسن. والحديث قال الهيثمي (5 / 81) : " رواه الطبراني
في " الأوسط " وفيه عتيق بن يعقوب، ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ".
قلت: ترجمته في " اللسان " ومنه نقلت توثيقه، وله ترجمة أيضا في " الجرح
والتعديل " (3 / 2 / 46) . وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " كان إذا شرب في
الإناء تنفس ثلاثة أنفاس، يحمد الله تبارك وتعالى في كل نفس ويشكره في آخرهن
". رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (111 / 2) والطبراني (3 / 79 / 2
) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 67 / 1) والعقيلي (421) وابن
السني (465) وأبو الحسين بن النقور في " القراءة على الوزير الرئيس أبي
القاسم " (1 / 4 / 1 - 2) وكذا أبو بكر الأبهري في " جزء من الفوائد " (3 /
1) حدثنا عيسى (يعني ابن يونس) عن المعلى بن عرفان عن شقيق بن سلمة عن ابن
مسعود مرفوعا.(3/272)
قلت: وهذا سند ضعيف جدا علته المعلى بن عرفان، قال ابن معين: ليس بشيء.
وقال البخاري منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. ثم قال العقيلي:
" وهذا يروى بغير هذا الإسناد بخلاف هذا اللفظ في معناه من طريق صالح ".
قلت: وكأنه يشير إلى طريق أبي هريرة السابق. ورواه الهيثم بن كليب في
" المسند " (64 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (10 / 100 / 2) عن
مصعب بن سعيد أخبرنا عيسى بن يونس به. لكن مصعب هذا - وهو المصيصي - ضعيف.
وله شاهد آخر يرويه شبل بن العلاء بن عبد الرحمن عن سمي مولى أبي بكر بن عبد
الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن نوفل بن معاوية مرفوعا بلفظ:
" كان يشرب بثلاثة أنفاس يسمي الله عز وجل في أوله، ويحمده في آخره ". أخرجه
ابن السني (466) والطبراني في " الأوسط " أيضا. قال الهيثمي: " وشبل بن
العلاء ضعيف ".
قلت: قال ابن عدي: روى أحاديث مناكير. وذكره ابن حبان في " الثقات ". فهو
لا بأس به في الشواهد، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى.
1278 - " كان يمر بالغلمان فيسلم عليهم ويدعو لهم بالبركة ".
رواه ابن عساكر (17 / 445 / 2) عن الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن
أنس بن مالك قال: فذكره.
قلت: الموقري متروك كما قال الحافظ، لكن الحديث عند البخاري (11 / 27 - فتح
) ومسلم (7 / 5 - 6) والدارمي (2 / 276) وغيرهم من طريق ثابت البناني عن
أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه مر على صبيان، فسلم عليهم، وقال: كان النبي
صلى الله عليه وسلم يفعله. قال الحافظ:(3/273)
" وأخرجه النسائي من طريق جعفر بن
سليمان عن ثابت بأتم منه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار
، فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم ".
قلت: وهذا إسناده صحيح. وهو بمعنى حديث الموقري، فهو شاهد قوي له وقد
أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 498) وابن حبان (2145) وأبو نعيم (6 /
291) والخطيب (8 / 398) من هذا الوجه.
1279 - " كان يلبس يوم العيد بردة حمراء ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (53 / 2 - زوائده) حدثنا محمد بن إسحاق - هو ابن
راهويه - حدثنا أبي حدثنا سعد بن الصلت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن
الحسين عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات معروفون غير سعد بن الصلت وهو البجلي
مولاهم ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 86) من رواية جماعة آخرين عنه ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا، وهو في " ثقات ابن حبان " (6 / 378) فقد قال الهيثمي
(2 / 198) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ".
1280 - " إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج، قال:
فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجيء
هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما. ويجيء هذا
فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت! ويجيء هذا فيقول: لم أزل به
حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج ".(3/274)
أخرجه ابن حبان (رقم 65) أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي
حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد
الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري، وعطاء بن السائب وإن
كان قد اختلط، فإنما روى عنه سفيان - وهو الثوري - قبل الاختلاط.
1281 - " المرأة لآخر أزواجها ".
رواه أبو علي الحراني القشيري في " تاريخ الرقة " (3 / 39 / 2) حدثنا العباس
ابن صالح بن مسافر الحراني حدثنا أبو عبد الله السكري، إسماعيل ابن عبد الله
ابن خالد حدثنا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية رضي الله عنه أم
الدرداء، فأبت أن تزوجه وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: " المرأة في آخر أزواجها أو قال: لآخر أزواجها " أو كما
قالت - ولست أريد بأبي الدرداء بدلا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير العباس بن صالح هذا، فلم أجد له
ترجمة الآن، فيراجع له " الجرح والتعديل " (1) . ورواه أبو الشيخ في
" التاريخ " (ص 270) حدثنا أحمد بن إسحاق الجوهري حدثنا إسماعيل بن زرارة قال
: حدثنا أبو المليح الرقي به مقتصرا على المرفوع فقط. وهذا إسناد صحيح.
رجاله ثقات معروفون غير الجوهري قال أبو الشيخ: " ثقة حسن الحديث، فمن حسان
حديثه ... ". ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. ورواه البغوي في " حديث عيسى بن
سالم " (103 / 1) عن أبي بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية ابن قيس أن معاوية
ابن أبي سفيان خطب أم الدرداء ... الحديث إلا أنه لم يرفع المرفوع منه بل أوقفه
على أبي الدرداء، وقد رواه مرفوعا عنه الطبراني بلفظ: " أيما امرأة توفي
عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها ".
_________
(1) ثم رجعت إليه فلم أره. وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 514)
. اهـ.(3/275)
رواه الطبراني في " الأوسط "
(1 / 175) عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلاعي قال:
خطب معاوية بن أبي سفيان أم الدرداء بعد وفاة أبي الدرداء، فقالت أم الدرداء:
سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قالت: وما كنت لأختار على أبي الدرداء، فكتب إليها معاوية: فعليك بالصوم
فإنه محسمة.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل أبي بكر بن أبي مريم كان اختلط وبه أعله الهيثمي
(4 / 270) ولكنه عزاه للكبير أيضا، ومن هذا الوجه أخرجه أيضا أبو بكر
الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (ق 181 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(19 / 281 / 2) وبالجملة فالحديث بمجموع الطريقين قوي، والمرفوع منه صحيح
، وله طرق أخرى مرفوعا وموقوفا عند ابن عساكر (19 / 281 / 2) عن أبي
الدرداء. وله شاهدان موقوفان.
الأول: عن أبي بكر رضي الله عنه يرويه ابن عساكر (19 / 193 / 1) من طريق
كثير بن هشام عن عبد الكريم عن عكرمة. " أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير
ابن العوام وكان شديد عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية
اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها فلم تزوج بعده جمع بينهما
في الجنة ". ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالا لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن
يكون تلقاه عن أسماء بنت أبي بكر. والله أعلم.
والآخر: عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة رضي الله
عنه أنه قال لامرأته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي،
فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله على أزواج النبي
صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ".(3/276)
أخرجه البيهقي في
" السنن " (7 / 69 - 70) . ورجاله ثقات لولا عنعنة أبي إسحاق - وهو السبيعي
- واختلاطه. وله شاهد مرفوع أخرجه الخطيب في " التاريخ " (9 / 328) من
طريق حمزة النصيبي عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعا به. لكن حمزة هذا متروك
متهم فلا يستشهد به، وفيما تقدم كفاية.
1282 - " أيام التشريق أيام طعم وذكر ".
رواه الطبراني في " التفسير " (ج 4 صفحة 211 رقم 3911) وابن حبان (959)
وأحمد (2 / 229 و 387) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 428) عن عمر بن
أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" فذكره "، ولفظ أحمد في أحد روايتيه: " طعم وذكر الله، قال مرة: أيام
أكل وشرب ".
قلت: ورجاله ثقات إلا عمر بن أبي سلمة، قال الحافظ: " صدوق يخطيء ".
قلت: لكنه قد توبع، فرواه ابن ماجه (1719) من طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة بلفظ: أيام منى أيام أكل وشرب ". وتابعه صالح بن أبي الأخضر عن ابن
شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة به. رواه الطحاوي. وأخرجه الطحاوي من حديث
علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص. وهو وابن سعد (2 / 187) عن عبد الله
ابن حذافة وهو أيضا عن نبيشة الهذلي، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم، وبشر بن سحيم. وأم عمر بن خلدة الزرقي والحكم الزرقي وأم مسعود
وأحمد (2 / 39) عن ابن عمر. ولفظه مثل لفظ الترجمة.
قلت: فالحديث متواتر.(3/277)
1283 - " إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ".
رواه النسائي (2 / 49) وابن ماجه (2 / 242) وابن خزيمة (1 / 282 / 2)
وابن حبان (1011) والحاكم (1 / 466) والبيهقي (5 / 127) وأحمد (1 /
215 و 347) والضياء في " المختارة " (59 / 200 / 2) عن عوف بن أبي جميلة
حدثني زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال لي رسول الله صلى
الله عليه وسلم غداة العقبة، وهو واقف على راحلته: هات القط لي. فلقطت له
حصيات هن حصى الحذف، فوضعهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء مرتين، وقال بيده،
فأشار يحيى - أحد رواته - أنه رفعها وقال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وليس كذلك، فإن زياد بن حصين لم يخرج له
البخاري في صحيحه فهو على شرط مسلم فقط، وكذلك صححه النووي في " المجموع "
(8 / 171) وابن تيمية في " الاقتضاء " (ص 51) .
1284 - " إياكم والتمادح، فإنه الذبح ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 407) من طريق سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن
معبد الجهني عن معاوية مرفوعا. وفي " الزوائد ": إسناده حسن لأن معبد
الجهني مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات.
قلت: وهو كما قال. وفي " فيض القدير ": " ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع
والحارث والديلمي ".
قلت: هو عند أحمد قطعة من حديث " من يرد الله به خيرا ". ومضى الكلام عليه
هناك (1196) .
1285 - " إذا أتى أحدكم خادمه بطعام قد ولى حره ومشقته ومؤنته فليجلسه معه: فإن أبى
فليناوله أكلة في يده ".(3/278)
أخرجه البخاري (6 / 214) والدارمي (2 / 107) وأحمد (2 / 283 و 409 و 430
) عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا. واللفظ لأحمد. وله عنه طرق
كثيرة متواترة بألفاظ متقاربة مثل: " إذا أصلح خادم " و " إذا جاء أحدكم خادمه
" و " إذا جاء أحدكم الصانع " و " إذا جاء خادم أحدكم " و " إذا صنع خادم أحدكم
" و " إذا صنع لأحدكم " و " إذا كفى أحدكم " و " إذا كفى الخادم " و "
المملوك أخوك فإذا صنع ". ويأتي بعضها برقم (1297) .
1286 - " أيمن امرئ وأشأمه ما بين لحييه ".
أخرجه ابن حبان (2542) أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم البزاز البغدادي -
بالبصرة - حدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن الأعمش عن
خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن الحسين هذا
وهو ثقة كما قال الدارقطني. وترجمه الخطيب (2 / 233) . والحديث عزاه
السيوطي للطبراني فقط، ولم يتكلم المناوي عليه بشيء!
1287 - " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر
رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة ".
رواه الطبراني في " التفسير " (ج 1 صفحة 45 رقم 45) وأبو الفضل الرازي في
" معاني أنزل القرآن على سبعة أحرف " (ق 68 / 2) عن إسماعيل بن أبي أويس قال
: حدثنا أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة
رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح وفي بعضهم كلام لا
ينزل حديثهم من مرتبة الحسن.
1288 - " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ من فرح الرب عز وجل ".(3/279)
رواه تمام في " الفوائد " (3 / 2) أخبرنا خيثمة بن سليمان حدثنا أبو جعفر
أحمد بن حاتم القاضي - بسامرا - حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى
ابن سعيد القطان حدثنا عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن حاتم القاضي
السامرائي ترجمه الخطيب (4 / 114) وقال: " ما علمت من حاله إلا خيرا ".
وخيثمة بن سليمان ثقة حافظ.
1289 - " أول نبي أرسل نوح ".
رواه الديلمي في " مسنده " (1 / 1 / 9) وابن عساكر في " تاريخه " (17 / 326
/ 2) عن إبراهيم بن أبي سويد أخبرنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير إبراهيم هذا وهو ابن الفضل المخزومي
المدني وهو ضعيف بل متروك. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهد قويا عن أبي هريرة
مرفوعا في حديث الشفاعة الطويل، ففيه: " فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح أنت
أول الرسل إلى الأرض ". أخرجه مسلم (1 / 327) والترمذي (2436) وقال:
" هذا حديث حسن صحيح ".
1290 - " إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ".
رواه ابن سعد (4 / 291 و 7 / 10) والطحاوي في " المشكل " (4 / 151)
والبيهقي في " الشعب " (2 / 221 / 1) عن مفضل بن فضالة رجل من قريش عن أبي
رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف خز لم نره عليه قط
قبل ولا بعد - فقال: فذكره مرفوعا.(3/280)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير المفضل هذا وهو ابن أبي أمية أبو
مالك البصري أخو مبارك، ضعيف. لكن له شاهد من حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعا
نحوه. أخرجه ابن حبان (1434 و 1435) وغيره. وله شاهد آخر من حديث أبي
هريرة أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات ".
1291 - " إن الله جعل البركة في السحور والكيل ".
رواه الخطيب في " الموضح " (1 / 263) عن رفعين بن عيسى حدثنا أرطاة بن المنذر
عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه عبد
الغني المقدسي في " فضائل رمضان " (15 / 2) من هذا الوجه وسماه أسد بن عيسى
. قلت: وأسد هذا أورده الحافظ في " اللسان " وقال: " يقال له رفعين كان من
عباد أهل الشام، قال مكحول البيروني عن داود بن جميل: ما كانوا يشكون أنه من
الأبدال. قال ابن حبان في " الثقات " يغرب روى عنه أهل العراق وأهل بلده ".
قلت: فالحديث حسن إن شاء الله تعالى إلا أن لفظة الكيل لم يذكرها المقدسي في
روايته عنه وذكر بدلها " الجماعة " كما سيأتي بلفظ " البركة في ثلاثة.... "
وقد وجدت للرواية الأولى شاهد من حديث علي بلفظ: " والطعام والمكيل "
وسنده ضعيف كما بينته في " الجماعة بركة ... ".
1292 - " الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف ".
ابن سعد (8 / 490) أخبرنا يزيد بن هارون حدثنا جعفر بن كيسان حدثتنا عمرة بنت
قيس العدوية قالت: " دخلت على عائشة فسألتها عن الفرار من الطاعون؟ فقالت
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وأخرجه أحمد (6 / 82 و 255
) حدثني يحيى ابن إسحاق أخبرني جعفر بن كيسان به ولفظه " ... المقيم فيها
كالشهيد والفار.. ".(3/281)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير عمرة هذه لا تعرف وفي ترجمتها أورد ابن سعد
هذا الحديث ولم يزد! وروى لها ابن خزيمة في صحيحه هذا الحديث أو غيره.
لكن أخرجه أحمد أيضا (6 / 145) حدثنا يزيد أنبأنا جعفر بن كيسان ويحيى بن
إسحاق وعفان - المعني، وهذا لفظ حديث يزيد لم يختلفوا في الإسناد والمعنى
قالا: أنبأنا جعفر بن كيسان العدوي قال: حدثتنا معاذة بنت عبد الله العدوية
قالت: دخلت ... الحديث. كذا وقع في هذه الرواية: " معاذة بنت عبد الله "
وهو وهم لا أدري ممن هو، فإن الحافظ لما ترجم في " التعجيل " لابن كيسان لم
يذكر معاذة هذه في شيوخه، والإمام أحمد صرح بأنهم لم يختلفوا في إسناده وقد
ذكره عن يحيى بن إسحاق في موضعين كما سبق على الصواب. والله أعلم. ثم رأيت
أحمد رواه من طريق يحيى ابن إسحاق ... عن معاذة، فالظاهر أن جعفر بن كيسان قد
تلقاه عنها وعن عمرة. والله أعلم. ومعاذة بنت عبد الله العدوية ثقة من
رواة الشيخين. وللحديث شاهد عن جابر مرفوعا بلفظ: " الفار من الطاعون كالفار
من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف ". أخرجه أحمد (3 / 324) وعبد بن
حميد (144 / 2) من طريق عمرو بن جابر الحضرمي عنه. وفي رواية لأحمد (3 /
352 و 360) بلفظ: " ... ، والصابر فيه له أجر شهيد " بدل " والصابر فيه
كالصابر في الزحف " وعمرو بن جابر هذا ضعيف كما في " التقريب " لكنه يتقوى بما
قبله. وبالجملة فالحديث إن لم يكن صحيحا، فهو على الأقل حسن. والله أعلم.
1293 - " إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على
الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزع
عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربك، فيقول: الحق، فيقولون
: الحق الحق ".(3/282)
أخرجه أبو داود (2 / 536 - 537 - الحلبي) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 95
- 96) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 200) عن أبي معاوية عن الأعمش
عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجه ابن خزيمة من طريق أخرى عن
أبي معاوية ومن طريق أخرى عن الأعمش به موقوفا. وتابعه عنده شعبة عن مسلم به
موقوفا. وتابعه أيضا منصور عنه به، ولفظه: " عن مسروق قال: سئل عبد الله
عن هذه * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * ... قال " فذكره موقوفا نحوه.
قلت: والموقوف وإن كان أصح من المرفوع، ولذلك علقه البخاري في " صحيحه "
(9 / 113 - مطبعة الفجالة) ، فإنه لا يعل المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي
كما هو ظاهر، لاسيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري
والترمذي (4 / 170 - تحفة) وابن ماجه (1 / 84) وابن خزيمة (97) وأبو
جعفر ابن أبي شيبة في " العرش " (ق 117 / 2) والبيهقي بعضهم مطولا وبعضهم
مختصرا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
1294 - " إذا توضأ أحدكم للصلاة، فلا يشبك بين أصابعه ".
أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / ق 4 - 5) من طريق عتيق بن يعقوب الزهري
حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " لم يروه بهذا السند إلا
الدراوردي، ورواه الناس عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن كعب بن عجرة ".
وتعقبه الهيثمي في " زوائده " بقوله: " قلت: حديث كعب بن عجرة بغير هذا
اللفظ وغير هذا المعنى ".(3/283)
قلت: في هذا الاطلاق نظر، فقد أخرجه أحمد وغيره من طريق ابن عجلان عن سعيد
عن كعب به مرفوعا بألفاظ مختلفة، ونص بعضها: " إذا توضأت فأحسنت وضوءك ثم
خرجت عامدا إلى المسجد فلا تشبكن بين أصابعك - أراه قال - في صلاة ". فهذا كما
ترى لا يغاير حديث أبي هريرة هذا المعنى، وإنما يبينه ويفصله. وفي إسناده
اضطراب كما بينته في التعليق على " الترغيب " (1 / 123 - 124) وأما إسناد
أبي هريرة هذا، فقد أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 240) بعدما عزاه للأوسط
بقوله: " وفيه عتيق بن يعقوب ولم أر من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح ".
كذا قال، وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن ابن عجلان لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له مقرونا.
والآخر: أن عتيقا الزهري قد وثقه الدارقطني وغيره كما تقدم تحت الحديث
(1277) ، فالإسناد حسن. لكن للحديث طريق أخرى صححها ابن خزيمة (1 / 61 / 1
) والحاكم والذهبي وقد خرجتها في المصدر الآنف الذكر من طريق إسماعيل بن
أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا به أتم منه.
1295 - " إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا استنثر فليستنثر وترا ".
أخرجه الحميدي في " مسنده " (957) حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا به. ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " المستخرج
" (1 / 131 / 2) وقال: " رواه مسلم عن قتيبة وعمرو الناقد وابن نمير كلهم
عن سفيان ".
قلت: لكن ليس عنده الفقرة الثانية، وكذلك أخرجه البخاري وغيره وقد خرجته
في " صحيح أبو داود " (128) .(3/284)
ولها شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه أبو
نعيم أيضا من طريق إسحاق حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير سمع جابرا
يقول: فذكره. ومن طريق معقل عن أبي الزبير به مثله، وقال: " رواه مسلم عن
إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق ".
وأقول: إنما رواه مسلم بالفقرة الأولى فقط دون الثانية.
(تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " الجامعين " بلفظ: " إذا توضأ أحدكم
فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر، وإذا استنثر فليستنثر وترا ". وقال: " رواه
أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي هريرة ". ولم أره في الكتاب المذكور إلا
باللفظ المذكور أعلاه وطرفه الأول عند الشيخين وغيرهما كما خرجته في المصدر
السابق. والله أعلم.
1296 - " إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا ينزعه إلا الصلاة لم
تزل رجله اليسرى تمحو سيئة وتكتب الأخرى حسنة حتى يدخل المسجد ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 198 / 1) والحاكم (1 / 217) من
طريقين عن كثير بن يزيد عن أبي عبد الله القراظ عن ابن عمر أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال فذكره، وقال: " كثير بن زيد وأبو عبد الله القراظ
مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق، وهذا حديث صحيح ". ووافقه الذهبي.
قلت: بل هو إسناد حسن، أبو عبد الله القراظ واسمه دينار ثقة من رجال مسلم،
وكثير بن زيد قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قال الذهبي: " صدوق فيه لين ".(3/285)
نعم الحديث صحيح لغيره فإنه له شواهد في " الصحيحين " وغيرهما، تراها في "
الترغيب " (1 / 125) .
(تنبيه) : أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني والحاكم
والبيهقي في " الشعب " بزيادة في آخره بلفظ: " ولو يعلم الناس ما في العتمة
والصبح لأتوهما ولو حبوا ". وعزاه في " الكبير " (1 / 49 / 1) لهم إلا
الحاكم وليس عند الطبراني هذه الزيادة فلعلها عند البيهقي وهي ثابتة في حديث
آخر يرويه أبو هريرة عند الشيخين وغيرهما وأخشى ما أخشاه أن يكون انتقل نظر
السيوطي إليه عند كتابة الحديث فضمها إليه متوهما أنها منه، والله أعلم.
1297 - " إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه فليأكل معه فإن أبى فليناوله منه ".
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (31) والدارمي (2 / 107) وابن ماجه (2 /
308) وأحمد (2 / 473) عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه سمعت أبا هريرة
يقول مرفوعا. وهذا رجاله ثقات غير أبي خالد وهو مقبول كما في " التقريب ".
وعنه أخرجه الترمذي وصححه بلفظ: (إذا كفى) ويأتي وفي رواية عنه. " إذا
جاء أحدكم الصانع بطعامكم قد أغنى عنكم عناء حره ودخانه فادعوه فليأكل معكم،
وإلا فلقموه في يده ". رواه أحمد (2 / 316) حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا
معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة مرفوعا.
قلت: فذكر أحاديث كثيرة بهذا الإسناد هذا منها، وهو صحيح على شرط الستة.
وقد مضى بنحوه من طريق أخرى عن أبي هريرة (1285) .
1298 - " ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا ".
أخرجه عبد ابن حميد في " المنتخب من المسند " (140 / 2) أنبأنا عثمان(3/286)
ابن عمر
أنبأنا عبد الله بن عامر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله ابن عامر وهو
ضعيف لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه الحاكم (1 / 399) من طريق أيوب بن سليمان
ابن بلال (1) ؟ حدثني أبو بكر عن سليمان بن بلال قال: قال زيد بن أسلم قال
محمد بن المنكدر به، وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي.
قلت: أيوب بن سليمان لم يخرج له مسلم شيئا. وأبو بكر اسمه عبد الحميد بن عبد
الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، مشهور بكنيته وهو ثقة من رجالهما. وله
شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به دون أوله. أخرجه ابن عدي (ق 174 / 2) .
وسنده لا بأس به في الشواهد. وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا مثل
لفظ الترجمة. أخرجه ابن حبان (2465) وأحمد (2 / 235) من طريق محمد بن
إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عنه قال: " لا نعلمه إلا بهذا اللفظ
بأحسن من هذا الإسناد ".
قلت: وهو جيد لولا عنعنة ابن إسحاق. أخرجه البزار (240) . وهو رواية لابن
حبان (1919) وأحمد (2 / 403) من هذا الوجه بلفظ: " أخلاقا " بدل " أعمالا
". ولهذا اللفظ شاهد في " الصحيحين " وغيرهما مضى (286) .
1299 - " من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني
_________
(1) الأصل " أيوب بن بلال بن سليمان " وهو خطأ ولعله من الطابع أو الناسخ
. اهـ.(3/287)
فقد أحب الله عز وجل ومن أبغض عليا فقد
أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ".
رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (10 / 5 / 1) بسند صحيح عن أم سلمة
قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وله شاهد
من حديث سلمان مختصرا يرويه أبو عثمان النهدي قال: " قال رجل لسلمان: ما أشد
حبك لعلي! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب عليا فقد
أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ". أخرجه الحاكم (3 / 130) عن أبي زيد سعيد
ابن أوس الأنصاري حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي ... وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي، وقد وهما فإن أبا زيد هذا لم يخرج له الشيخان
شيئا على ضعف فيه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". والحديث أورده السيوطي
من رواية الحاكم عن سلمان، فاستدرك عليه المناوي فقال بعد أن أقر الحاكم على
قوله السابق! : " ورواه أحمد باللفظ المذكور عن أم سلمة وسنده حسن ". وليس
هو عنده باللفظ المذكور وإنما بلفظ: " من سب عليا فقد سبني ". ثم إن إسناده
ضعيف أيضا ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (2310) .
1300 - " إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول،
فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ".
أخرجه أبو داود (2 / 114 - 115) والحاكم (4 / 93) والطيالسي(3/288)
(ص 19 رقم
125) وأحمد (ج 2 رقم 745 و 882) وابنه في " زوائد المسند " (ج 1 رقم 1279
و1280 و 1281 و 1282) عن شريك عن سماك بن حرب عن حنش عن علي رضي الله عنه
مرفوعا. واللفظ لأحمد. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
كذا قالا. وفيه نظر، وحنش وهو ابن المعتمر فيه بعض الكلام وفي " التقريب
" أنه " صدوق له أوهام ويرسل ". وشريك سيء الحفظ إلا أنه قد توبع بلفظ:
" إذا تقاضى إليك رجلان ". وقد خرجته في " الإرواء " (2667) . والحديث
رواه ابن حبان وصححه أيضا كما في نيل الأوطار (8 / 228) .
1301 - " إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ".
أخرجه مسلم (1 / 155) من طريق سهيل عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة
مرفوعا، ورواه ابن عجلان عن القعقاع أتم منه بلفظ: " إنما أنا لكم بمنزلة
الوالد ". وهو مخرج في " المشكاة " (347) و " صحيح أبي داود " (6) .
1302 - " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول:
افسحوا ".
صحيح من حديث جابر مرفوعا وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن أبي الزبير عنه مرفوعا به. أخرجه مسلم (7 / 10) وأحمد (3 /
342) .
الثانية: عن سليمان بن موسى قال: أخبرني جابر به. أخرجه أحمد (3 / 295) .
قلت: وإسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان فهو على شرط مسلم
لكن قال الحافظ: " صدوق فقيه، في حديثه بعض لين ".(3/289)
وقال الحافظ في " الفتح
" (2 / 393 - طبع الخطيب) : " حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري، أخرجه
مسلم من طريق أبي الزبير "..، وذكره السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير
" بلفظ: " إذا جاء أحدكم الجمعة، فلا يقيمن أحدا من مقعده، ثم يقعد فيه ".
وقال: " رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " عن جابر ".
1303 - " إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفيه ترابا ".
أخرجه أبو داود (2 / 250 - الحلبية) والبيهقي (6 / 6) وأحمد (1 / 278
و289 و 350) من طريق عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن
عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن ثمن الخمر ومهر البغي
وثمن الكلب وقال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على رجاله كلهم ثقات، وعبد الكريم هو الرقي.
1304 - " إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشي لك
إلى صلاة، وفي رواية: إلى جنازة ".
أخرجه أبو داود (2 / 166 - 167) وابن السني (541) والحاكم (1 / 344
و549) وأحمد (2 / 172) من طريق ابن وهب أخبرني حيي بن عبد الله عن أبي عبد
الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وزاد في المكان
الأول: " على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وليس كذلك فإن حيي بن عبد الله(3/290)
لم
يخرج له مسلم شيئا، ثم هو مختلف فيه كما تراه في " الميزان ". وقال في
" التقريب ": " صدوق يهم ". فحسب مثله أن يكون حديثه حسنا، أما الصحة فلا.
1305 - " إذا توضأت فانتثر وإذا استجمرت فأوتر ".
أخرجه الترمذي (1 / 8) والنسائي (1 / 17 و 27) وابن ماجه (406) وابن
حبان (149) وأحمد (4 / 339 و 340) والخطيب (1 / 286) عن منصور ابن
المعتمر عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الأشجعي وهو صحابي
معروف، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
1306 - " إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك ".
أخرجه الترمذي (1 / 10) والحاكم (1 / 182) وأحمد (1 / 287) عن عبد
الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب حسن "
(انظر الاستدراك رقم 291 / 14) . وقال الحاكم: " صالح هذا أظنه مولى
التوأمة فإن كان كذلك فليس من شرط هذا الكتاب وإنما أخرجته شاهدا ".
قلت: هو مولى التوأمة قطعا لأنه وقع ذلك صريحا عند الترمذي وأحمد كما ترى
وهو متكلم فيه كما أشار إلى ذلك الحاكم، وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق اختلط بآخره، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب
وابن جريج ".(3/291)
قلت: موسى بن عقبة أقدم منهما، فإنه مات سنة إحدى وأربعين، ومات ابن جريج
سنة خمسين أو بعدها، ومات ابن أبي ذئب سنة ثمان وخمسين، فالإسناد حسن إن
شاء الله تعالى. والحديث صحيح لأن له شاهد من حديث لقيط بن صبرة مرفوعا بلفظ
: " إذا توضأت فخلل الأصابع ". صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما وقد خرجته في
" صحيح أبي داود " (130) .
1307 - " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ".
أخرجه مسلم (3 / 121) والنسائي (1 / 298 و 299) وأحمد (2 / 257 و 378)
من طريق أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره، إلا أن النسائي قال: " دخل " مكان " جاء ". لكن في
رواية أخرى عنده من طريق ابن أبي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه أنه سمع أبا
هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بلفظ: " إذا جاء رمضان
فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ". ومن هذا الوجه
أخرجه البخاري (1 / 474 و 2 / 321) وأحمد (2 / 281 و 401) وقال هو
والبخاري: " دخل " بدل " جاء ". وقال مسلم " إذا كان ... " وقال البخاري:
" أبواب السماء " مكان " أبواب الجنة ". وكذلك رواه الدارمي (2 / 26)
ولكنه قال: " إذا جاء ... وصفدت الشياطين ".
1308 - " إذا جاء رمضان فصم ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك ".
أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 210) وأحمد (4 / 377)(3/292)
والطبراني
في " المعجم الكبير " من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ للطبراني، قال الهيثمي
بعدما عزاه إليه: " وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة ".
قلت: لكن الحديث صحيح له شواهد عديدة في الكتب الستة وغيرها وقد خرجت طائفة
منها في " الإرواء " (901) وسيأتي حديث ابن علي إن شاء الله برقم (1917) .
1309 - " إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية
مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى
إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه
الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أروح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من
أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون
: دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه
الهاوية. وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي
ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به
باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار ".
أخرجه النسائي (1 / 260) وابن حبان (733) والحاكم (1 / 352 و 353) من
طريق قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره. وقال الحاكم:(3/293)
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وهو كما قالوا.
1310 - " إذا حم أحدكم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر ".
أخرجه الحاكم (4 / 200 و 401) والضياء في " الأحاديث المختارة " (ق 106 / 1
) عن عبيد الله بن محمد بن عائشة، وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 953) ومن
طريقه الضياء عن روح بن عبادة كلاهما قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن
أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وأعله
بعضهم بما لا يقدح، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 337) : " سألت أبي
وأبا زرعة عن حديث رواه روح بن عبادة وابن عائشة عن حماد (قلت: فذكره) قال
أبي: رواه موسى بن إسماعيل وغيره عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي
صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه. قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو حميد عن الحسن
عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح ".
قلت: والذي أراه أن كلا من المسند والمرسل صحيح، فإنه لا مانع أن يكون حميد
تلقاه من الوجهين، فحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، ثم تلقاه حماد بن سلمة
كذلك وحدث به كذلك، والله أعلم. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع "
للنسائي أيضا، والظاهر أنه يعني في " سننه الكبرى " ويؤيده أن الحافظ المزي
ذكر أنه أخرجه في " الطب " وليس هو من كتب " سننه الصغرى " المعروفة
بـ " المجتبى ". والله أعلم.
1311 - " إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول وليتفل(3/294)
عن يساره ثلاثا وليسأل الله من
خيرها وليتعوذ من شرها ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 450) عن العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غير العمري هذا - واسمه عبد
الله بن عمر - وهو سيء الحفظ لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " ...
فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه "
. والباقي مثله. أخرجه مسلم (6 / 52) وأبو داود (2 / 601 - حلبية) وابن
ماجه أيضا والحاكم (4 / 392) وأحمد (3 / 350) من طريق الليث بن سعد عن
أبي الزبير عن جابر وقال الحاكم " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ". فوهم
في استدراكه على مسلم!
1312 - " إن الرجل ليس كما ذكروا ولكن أنتم شهداء الله في الأرض وقد غفر له ما لا
يعلمون ".
أخرجه ابن منده بسند ضعيف من رواية خالد بن العلاء عن مجاهد عن يزيد بن
شجرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال الناس خيرا
وأثنوا عليه خيرا، فجاء جبرائيل، فقال: فذكره. وقال: " غريب وفي سنده
ضعيفان ". كذا في ترجمة يزيد بن شجرة من " الإصابة " وقال: " مختلف في صحبته
".
قلت: وخالد بن العلاء لم أجد من ذكره.(3/295)
لكن الحديث صحيح فقد جاء من حديث أنس
وصححه الحاكم والذهبي وعن أبي هريرة وعن بشر بن كعب وقد خرجت أحاديثهم في
" أحكام الجنائز " (ص 46) وبينت هناك أن قول بعض الناس عقب صلاة الجنازة:
" ما تشهدون فيه؟ اشهدوا له بالخير " بدعة قبيحة، وأن الحديث لا يشهد لها.
فراجعه.
1313 - " اقرأ فلان! فإنها السكينة نزلت للقرآن، أو عند القرآن ".
أخرجه أحمد (4 / 284) حدثنا عفان حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت
البراء قال: قرأ رجل سورة (الكهف) وله دابة مربوطة، فجعلت الدابة تنفر
، فنظر الرجل إلى سحابة قد غشيته أو ضبابة، ففزع، فذهب إلى النبي صلى الله
عليه وسلم، قلت: سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الرجل؟ قال: نعم. (قال
: فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) ، فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6 / 458 - فتح
) ومسلم (2 / 193) وأحمد (4 / 281) أيضا وأبو يعلى (2 / 479 - 480) من
طرق أخرى عن شعبة به. وأخرجه البخاري في " التفسير " (8 / 450) وفي
" فضائل القرآن " (9 / 52) ومسلم وأحمد (4 / 293 و 298) وابن نصر (ص 97
- الأثرية) من طرق أخرى عن أبي إسحاق به. ولم يقف الحافظ ابن حجر في " النكت
الظراف " (2 / 42) على طريق البخاري في " الفضائل " مع أنه قد أشار إليها في
شرحه للحديث في المكان المشار إليه من " التفسير " فجل من لا ينسى. وإنما
آثرت البدء بتخريج الحديث من طريق شعبة دون الطرق الأخرى،(3/296)
لما هو معروف عند
أهل العلم بهذا الفن أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط وكان يدلس وأن شعبة
روى عنه قبل الاختلاط، ثم هو قد صرح بسماع أبي إسحاق إياه من البراء دون سائر
الرواة عنه. ثم إن هذه القصة قد صح نحوها عن أسيد بن حضير وأنه هو صاحب القصة
لكن فيها أنه قرأ سورة (البقرة) ، فإن كانت واحدة فيجمع بين الحديثين بأنه
قرأها مع (الكهف) وإلا فهما قصتان ولا مانع من التعدد. وهذه أخرجها ابن
نصر في " قيام الليل " (ص 97) وابن حبان (1716) والحاكم (1 / 554)
وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله طريق أخرى عن أسيد
عند الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 107 / 2) . وأخرجها البخاري (9 /
57) ومسلم (2 / 194) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. أن أسيد بن
حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده ... الحديث نحوه. وقد تكرر ذكر " السكينة
في القرآن " والحديث وقيل في معناها أقوال كثيرة ذكرها الحافظ، منها قول وهب
أنها روح من الله، ومنها أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان! قال الحافظ:
" وهو اللائق بحديث الباب، وليس قول وهب ببعيد ". والله أعلم.
1314 - " أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة ".
أخرجه أحمد (4 / 411) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني
عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(فذكره) . فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم.
فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردكم؟ ". قالوا: عمر قال: لم
رددتهم يا عمر؟ " قال: إذا يتكل الناس يا رسول الله!
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران(3/297)
الجوني هو عبد
الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ (1 / 200) فقصر وكأنه أراد طريق مؤمل
الآتية. ثم أخرجه أحمد (4 / 402) حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة
به وزاد في آخره. " قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ". لكن مؤمل بن
إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة
مطولا بينه وبين عمر، وفي آخرها: " قال عمر: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل
الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخلهم ".
أخرجه مسلم (1 / 44) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو كثير قال: حدثني
أبو هريرة. وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها:
" قال: يا رسول الله! إن الناس قد طمعوا وخبثوا. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم (يعني لجابر) : اقعد ". أخرجه ابن حبان (رقم 7) بإسناد صحيح من
حديث جابر. وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه:
" قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ". وقد أخرجه البخاري
(1 / 199 - فتح) ومسلم (1 / 45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ... " الحديث وفيه:
" أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا. وأخبر بها معاذ عند موته
تأثما ". وأخرجه أحمد (5 / 228 و 229 و 230 و 232 و 236) من طرق عن معاذ
قال في أحدها: " أخبركم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني
أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول:(3/298)
" من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا
من قلبه، أو يقينا من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة. وقال مرة: دخل
الجنة ولم تمسه النار ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ترجم البخاري
رحمه الله لحديث معاذ بقوله: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا
يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله "
. ثم ساق إسناده بذلك وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له: " ودعوا
ما ينكرون ". أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت بمحدث
قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ". رواه مسلم (1 / 9) . قال
الحافظ: " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها
الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. ومن
قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن.
ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه
اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي.
وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد،
فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم ".
هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال
لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " (2 / 238)
وترى سائرها في " الفتح ". والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه
تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:
الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات،
فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقا.
الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون(3/299)
ببعض
الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في
الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.
الثالثة: كالذي قبله ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في
حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق. . . " الحديث، ثم هو إلى ذلك
لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي
وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة
أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: " من
قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه ". وهو
حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932) . والله سبحانه
وتعالى أعلم.
1315 - " من لقي الله لا يشرك به شيئا، يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان غفر له.
قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ".
أخرجه الإمام أحمد (5 / 232) حدثنا روح حدثنا زهير بن محمد حدثنا زيد بن أسلم
عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما كنت ذكرت في تعليقي على " مشكاة المصابيح " (رقم
47) وبيان ذلك أن رجال إسناده كلهم ثقات رجال الشيخين، وزهير بن محمد -
وهو أبو المنذر الخراساني - وإن كان ضعفه بعضهم من قبل حفظه، فالراجح فيه
التفصيل الذي ذهب إليه كبار أئمتنا، فقال البخاري: " ما روى عن أهل الشام
فإنه مناكير، وما روى عن أهل البصرة فإنه صحيح ".
قلت: وروح الراوي عنه هنا هو ابن عبادة البصري الحافظ وقال الأثرم عن أحمد:(3/300)
" في رواية الشاميين عن زهير مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة، عبد
الرحمن بن مهدي وأبي عامر ".
قلت: وابن مهدي بصري، ومثله أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي
البصري الحافظ. وقال ابن عدي: " ولعل أهل الشام أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث
عنه أهل العراق فروايتهم عنه مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به ". وقال العجلي:
" لا بأس به وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني ". وهذا
هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في " التقريب ": " رواية أهل الشام عنه غير
مستقيمة فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون
آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه ". ولذلك فإن ابن عبد
البر غلا حين قال فيه: " ضعيف عند الجميع "! فرده عليه الذهبي بقوله: " كلا
بل خرج له (خ وم) مات سنة 162 ".
قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى
الله عز وجل ولم يشرك به شيئا، ذلك لأن الشرك أكبر الكبائر كما هو معروف في
الأحاديث الصحيحة. ومن هنا يظهر لنا ضلال أولئك الذين يعيشون معنا ويصلون
صلاتنا ويصومون صيامنا، و.... ولكنهم يواقعون أنواعا من الشركيات
والوثنيات كالاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ودعائهم في الشدائد من
دون الله والذبح لهم والنذر لهم ويظنون أنهم بذلك يقربونهم إلى الله زلفى،
هيهات هيهات. * (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) *!(3/301)
فعلى كل
من كان مبتلى بشيء من ذلك من إخواننا المسلمين أن يبادروا فيتوبوا إلى رب
العالمين ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم النافع المستقى من الكتاب والسنة.
وهو مبثوث في كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن
تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومن نحا نحوهم وسار سبيلهم. ولا يصدنهم عن
ذلك بعض من يوحي إليهم من الموسوسين بأن هذه الشركيات إنما هي قربات وتوسلات،
فإن شأنهم في ذلك شأن من أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ممن يستحلون بعض
المحرمات بقوله " يسمونها بغير اسمها ". (انظر الحديث المتقدم 90 و 415) .
هذه نصيحة أوجهها إلى من يهمه أمر آخرته من إخواننا المسلمين المضللين، قبل أن
يأتي يوم يحق فيه قول رب العالمين في بعض عباده الأبعدين: * (وقدمنا إلى ما
عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *.
1316 - " سبحي الله مائة تسبيحة، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل
واحمدي الله مائة تحميدة تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل
الله وكبري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة وهللي
الله مائة تهليلة - قال ابن خلف: أحسبه قال - تملأ ما بين السماء والأرض ولا
يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت به ".
أخرجه أحمد (6 / 344) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 379 - 380) من
طريق سعيد بن سليمان قال: حدثنا موسى بن خلف قال: حدثنا عاصم ابن بهدلة عن
أبي صالح عن أم هاني بنت أبي طالب قال: قالت: " مر بي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إن قد كبرت وضعفت - أو كما قالت - فمرني
بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: فذكره.(3/302)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي عاصم كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة
الحسن، ومثله موسى بن خلف وكنيته أبو خالد البصري، قال الحافظ: " صدوق
عابد، له أوهام ". وأما أبو صالح فهو ذكوان السمان الزيات، وكنت قديما قد
سبق إلى وهلي أنه أبو صالح باذان مولى أم هاني، فأوردت الحديث من أجل ذلك في
" ضعيف الجامع الصغير " برقم (3234) ، فمن كان عنده فليتبين هذا، ولينقله
إلى " صحيح الجامع " إذا كان عنده. * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) *
. والحديث قال المنذري (2 / 245) : (رواه أحمد بإسناد حسن والنسائي ولم
يقل: " ولا يرفع ... " إلى آخره، والبيهقي بتمامه، ورواه ابن أبي الدنيا
فجعل ثواب الرقاب في التحميد، ومائة فرس في التسبيح، وقال فيه: " وهللي
الله مائة تهليلة لا تذر ذنبا ولا يسبقها عمل ". ورواه ابن ماجة باختصار،
ورواه الطبراني في " الكبير بنحو أحمد، ولم يقل: " أحسبه ". ورواه في
" الأوسط " بإسناد حسن إلا أنه قال فيه: " قالت: قلت: يا رسول الله! قد
كبرت سني ورق عظمي فدلني على عمل يدخلني الجنة، فقال: بخ بخ، لقد سألت ...
" وقال: " قولي: " لا إله إلا الله مائة مرة فهو خير لك مما أطبقت عليه
السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ عمل أفضل مما يرفع لك إلا من قال مثل ما قلت
، أو زاد ". ورواه الحاكم بنحو أحمد، وقال: " صحيح الإسناد " وزاد:
" وقولي: (ولا حول ولا قوة إلا بالله) (1) لا يترك ذنبا ولا يشبهها بعمل
". وقال الهيثمي في المجمع (10 / 92) عقب رواية أحمد: " رواه أحمد
والطبراني في " الكبير "، ولم يقل أحسبه. ورواه في " الأوسط " إلا أنه قال
فيه: قلت: يا رسول الله ... " وأسانيدهم حسنة ".
_________
(1) الذي في " المستدرك " المطبوع: وقول لا إله إلا الله لا يترك ... ". اهـ
.(3/303)
أقول: ولابد من التحقيق
فيما ذكراه من التخريج قدر الإمكان:
أولا: ما عزاه لابن ماجه (3810) والحاكم (1 / 513 - 514) إنما أخرجاه من
طريق زكريا بن منظور حدثني محمد بن عقبة بن أبي مالك عن أم هاني به نحوه.
ولما صححه الحاكم تعقبه الذهبي بقوله: " زكريا ضعيف، وسقط من بين محمد وأم
هاني ". كذا الأصل لم يسم الساقط. ومحمد هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وقال
الحافظ: " مستور ". وقال في زكريا منظور: " ضعيف ".
ثانيا: رواية الطبراني في " الأوسط " إنما أخرجها (4 / 436) من طريق ابن
شوذب عن أبان عن أبي صالح عن أم هاني به. وأبان هذا يغلب على الظن أنه ابن
عباس المتروك، فإنه بصري وكذلك الراوي عنه: ابن شوذب. واسمه عبد الله،
فإنه كان سكن البصرة، فإن كان غيره فلم أعرفه. وجملة القول: أن الاعتماد في
تقوية الحديث إنما هو الطريق الأول، والطرق الأخرى إن لم تزده قوة، فلن تؤثر
فيه وهنا.
1317 - " سبق المفردون. قالوا: يا رسول الله! ومن (المفردون) ؟ قال: الذين
يهترون في ذكر الله عز وجل ".
أخرجه أحمد (2 / 323) والحاكم (1 / 495 - 496) ومن طريقه البيهقي في
" شعب الإيمان " (1 / 314 - هندية) عن أبي عامر العقدي حدثنا علي بن مبارك عن
يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال: سمعت أبا هريرة
رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم:(3/304)
" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي.
وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن ابن يعقوب هذا إنما أخرج له البخاري
في " جزء القراءة " ولم يحتج به في " صحيحه " وهو ثقة. وسائر رواته رجال
الشيخين. وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي البصري. وعلي بن
المبارك قد تكلم فيه بعضهم فيما رواه خاصة عن يحيى بن أبي كثير، وذلك لأنه
كان له عنه كتابان، أحدهما سماع منه، والآخر مرسل عنه. ولكن المحققين من
الحفاظ قد وضعوا قاعدة في تمييز أحد الكتابين عن الآخر، فقال أبو داود لعباس
العنبري: " كيف يعرف كتاب الإرسال؟ قال: الذي عند وكيع عنه عن عكرمة من كتاب
الإرسال وكان الناس يكتبون كتاب السماع ". وقال ابن عمار عن يحيى بن سعيد:
" أما ما روينا نحن عنه فمما سمع، وأما ما روى الكوفيون عنه فمن الكتاب الذي
لم يسمعه ". وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في " التقريب ": " كان له عن
يحيى بن أبي كثير كتابان، أحدهما سماع، والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه
فيه شيء ". على أن ابن عدي قد أطلق الثقة في روايته عن يحيى فقال في " الكامل
" (ق 192 / 1) بعد أن ساق له بعض الأحاديث: " ولعلي بن المبارك غير هذا،
وهو ثبت عن يحيى بن أبي كثير ومقدم في يحيى وهو عندي لا بأس به ". إذا عرفت
هذا، فقد خالفه عمر بن راشد إسنادا ومتنا، فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة عن أبي هريرة به إلا أنه قال: " المستهتر في ذكر الله، يضع الذكر
عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافا ".(3/305)
أخرجه البيهقي والترمذي (2 /
279) وقال: " حديث حسن غريب ".
وأقول: بل هو منكر ضعيف، فإن عمر بن راشد وهو أبو حفص اليمامي مع أنه ضعيف
اتفاقا، فقد خالف علي بن المبارك سندا ومتنا كما ذكرنا. أما السند، فذكر
أبا سلمة مكان عبد الرحمن بن يعقوب. وأما المتن، فإنه أسقط منه تفسير
(المفردون) وزاد قوله: " يضع الذكر " ... ". فلا جرم أن قال أحمد وغيره:
" حدث عن يحيى وغيره بأحاديث مناكير ". ولذلك قال البيهقي عقبه:
" والإسناد الأول أصح ". وللحديث طريق أخرى يرويه العلاء بن عبد الرحمن عن
أبيه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة،
فمر على جبل يقال له: (جمدان) ، فقال: " سيروا هذا جمدان، سبق المفردون "
. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات
". رواه مسلم (8 / 63) والبيهقي (1 / 313 - 314) .
غريب الحديث:
1 - (المفردون) : أي المنفردون. قال ابن الأثير: " يقال: فرد برأيه وأفرد
وفرد، استفرد، بمعنى انفرد به ". قال النووي رحمه الله: " وقد فسرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بـ (الذاكرين كثيرا والذاكرات) وتقديره:
والذاكراته، فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الآية ولأنه
مفعول يجوز حزفه. وهذا التفسير هو مراد الحديث ".(3/306)
2 - (يهترون) : أي يولعون. قال ابن الأثير: " يقال: (أهتر فلان بكذا
واستهتر فهو مهتر به ومستهتر) : أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره.
(تنبيه) : كان من دواعي تخريج هذا الحديث أنه وقعت هذه اللفظة في " الشعب "
هكذا (يهتزون) بالزاي، بحيث تقرأ (يهتزون) ، فبادرت إلى تخريجه وضبط هذه
اللفظة منه خشية أن يبادر بعض الصوفية الرقصة إلى الاستدلال به على جواز ما
يفعلونه في ذكرهم من الرقص والاهتزاز يمينا ويسارا، جاهلين أو متجاهلين أنه
لفظ محرف. وقد يساعدهم على ذلك ما جاء في " شرح مسلم " للنووي: " وجاء في
رواية: " هم الذين اهتزوا في ذكر الله ". أي لهجوا به ". وكذلك.. جاء في
حاشية " مسلم - استانبول " نقلا عن النووي! على أنه لو صح لكان معناه: يفرحون
ويرتاحون بذكر الله تبارك وتعالى كما يؤخذ من مادة (هزز) من " النهاية "،
فهو حينئذ على حد قوله صلى الله عليه وسلم: " أرحنا بها يا بلال! ". (1) أي
بالصلاة. وهو قريب من المعنى الذي قاله النووي. والله أعلم.
وبهذه المناسبة لابد من التذكير نصحا للأمة، بأن ما يذكره بعض المتصوفة عن
علي رضي الله عنه أنه قال وهو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " كانوا
إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح ". فاعلم أن هذا لا يصح عنه
رضي الله عنه، فقد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1، 76) من طريق محمد بن
يزيد أبي هشام حدثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من (جعفي) عن السدي عن
أبي أراكة عن علي.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم.
1 - أبو أراكة لم أعرفه ولا وجدت أحدا ذكره وإنما ذكر الدولابي في " الكنى "
(أبو أراك) وهو من هذه الطبقة، وساق له أثرا عن عبد الله بن عمرو، ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كعادته.
_________
(1) وهو مخرج في " المشكاة " 1253. اهـ.(3/307)
2 - الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول.
3 - محمد بن يزيد قال البخاري: " رأيتهم مجمعين على ضعفه ".
1318 - " قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني - يجمع أصابعه إلا الإبهام - فإن
هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ".
أخرجه مسلم (8 / 71) وابن ماجه (2 / 433) وأحمد (3 / 472 و 6 / 394) من
طريق يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله: كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال:
فذكره. والسياق لمسلم، وقال أحمد: " واهدني " بدل: " وعافني ". وكذلك
قال عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك به. أخرجه مسلم وأحمد أيضا إلا أنه أسقط
اللفظين كليهما! وجمع بينهما أبو معاوية حدثنا أبو مالك الأشجعي بلفظ: " كان
الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء
الكلمات ... " فذكرها خمسا. وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص نحوه مرفوعا.
وفيه: " قل: اللهم اغفر لي ... " فذكر الخمس، لكن قال أحد رواته وهو موسى
الجهني في روايته عنه: " أما (عافني) فأنا أتوهم، وما أدري ".
قلت: الرواية الأخرى لم يتردد في هذا اللفظة، وهي ثابتة في طرق الحديث الأول
، فالراجح فيه رواية الخمس، والله أعلم. وقد وهم المنذري في حديث الأشجعي،
فذكره رواية في حديث سعد انظر تعليقي على هذا الحديث من " صحيح الترغيب " رقم (14 / 7) .(3/308)
1319 - " إذا ذكرتم بالله فانتهوا ".
أخرجه البزار في " مسنده " ص 312 - زوائده) من طريق سعد بن سعيد بن أبي سعيد
المقبري عن أخيه عبد الله بن سعيد - أحسبه - رفعه قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، فإن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ضعيف
جدا، وقد أرسله. هكذا رأيته في " زوائد البزار " للهيثمي بإفراد الحافظ ابن
حجر، ويبدو أن نسخ " البزار " مختلفة في هذا الحديث، فإن الهيثمي أورده في
" مجمع الزوائد " (10 / 226) هكذا: " عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي
هريرة أحسبه رفعه قال: إذا ... رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي
سعيد وهو ضعيف ". فجعله من مسند أبي هريرة، ومن رواية سعيد المقبري عنه. (1) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " فقال: " رواه البزار عن أبي سعيد
المقبري مرسلا ". فجعله من مرسل أبي سعيد! وتعقبه المناوي بما دل عليه كلام
الهيثمي أنه ليس مرسلا وإنما هو مسند تردد الراوي في وقفه ورفعه لا في إرساله
وعدمه، والله أعلم. لكن للحديث شاهد يرويه يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد
الكندي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ذكر الله فانتهوا "
. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 174 / 2) .
قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سنان بن سعد ويقال سعد بن سنان،
قال الحافظ: " صدوق له أفراد ".
_________
(1) ثم رأيته كذلك في " كشف الأستار " للهيثمي (ق 303 / 2) وهذا القسم لم
يطبع حتى الآن ولا ذكر المحقق أو الناشر أنه سيطبع! . اهـ.(3/309)
1320 - " إن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه ويكره
البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف ويحب الحيي العفيف المتعفف ".
أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 231 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص
101) عن حاتم بن يونس الجرجاني حدثنا إسماعيل بن سعيد الجرجاني حدثنا عيسى بن
خالد البلخي حدثنا ورقاء عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " وفي هذا الإسناد
ضعف ".
قلت: لم يظهر لي وجهه، فإن ورقاء وهو ابن عمر اليشكري فمن فوقه ثقات من رجال
الشيخين، وعيسى بن خالد البلخي الظاهر أنه عيسى بن خالد الخراساني فإنه من
هذه الطبقة، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 275) وروى عن عمرو بن علي الفلاس
أنه قال: وكان ثقة. وإسماعيل بن سعيد الجرجاني هو الشالنجي الطبري، ترجمه
ابن أبي حاتم (1 / 1 / 174) وروى عن الإمام أحمد أنه قال " رحم الله أبا
إسحاق كان من الإسلام بمكان، كان من أهل العلم والفضل قال الحسن بن علي: كان
أوثق من كتبت عنه إلا أقل ذاك ". وترجمه السهمي ترجمة حسنة، وفيها ساق
الحديث وقال: " يقال: إن هذا الحديث تفرد إسماعيل بن سعيد الشالنجي بهذا
الإسناد ".
قلت: قد تابعه أحمد بن سعيد بن جرير حدثنا عيسى بن خالد به. أخرجه أبو الشيخ
في " طبقات الأصبهانيين " (166 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 78
) في ترجمة ابن جرير هذا ووثقه. وهو حديث صحيح، له شواهد تشهد لصحته أذكر
هنا أهمها، فروى الطبراني (رقم 5308) والضياء في " المختارة " عن زهير بن
أبي علقمة الضبعي قال:(3/310)
" أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل سيىء الهيئة، فقال
: ألك مال؟ قال: نعم من كل أنواع المال، قال: فلير عليك، فإن الله يحب أن
يرى أثره على عبده حسنا، ولا يحب البؤس ولا التباؤس ".
قلت: وإسناده صحيح، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 132) :
" ورواه الطبراني، وترجم لزهير، ورجاله ثقات ".
قلت: وفي ترجمته ساق البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 390) منه قوله
: " إن الله يحب أن يرى أثره على عبده ". وهذا القدر منه له شواهد كثيرة ذكرت
بعضها في " تخريج الحلال والحرام " (رقم 75) - وقد طبع والحمد لله تعالى -
وفي " الصحيحة " فيما تقدم (1290) . وأما قوله " ويبغض السائل ... " الخ
فلم أجد له شاهدا معتبرا إلا ما في " الجامع الكبير " (1 / 156 / 2) : " إن
الله يبغض السائل الملحف ". الديلمي عن أبي هريرة، الديلمي عن ابن عباس. كذا
في مخطوطة الظاهرية منه، ولا تخلو من شيء، فإن مثل هذا التكرار غير معهود في
" التخريج "، وقد عزاه في " الجامع الصغير " لأبي نعيم في " الحلية " عن أبي
هريرة وليس هو في فهرس " الحلية " فلعله أراد كتابه المتقدم " أخبار أصبهان "
. وحديث ابن عباس أخرجه أبو بكر الشيرازي في " سبعة مجالس من الأمالي " (ق 12
/ 2) عن أبي محمد موسى بن عبد الرحمن المقري الصنعاني عن ابن جريج عن عطاء عن
ابن عباس مرفوعا. لكن موسى هذا قال الذهبي: " ليس بثقة ". ثم وجدت له شاهدا
لا بأس به بلفظ: " إن الله يحب الحليم الغني المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء
السائل الملحف ".(3/311)
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (ج 5 / 600 / 6231)
من طريق سعيد عن قتادة قوله: * (لا يسألون الناس إلحافا) *: ذكر لنا أن النبي
صلى الله عليه وسلم كان يقول: فذكره. ورواه ابن المنذر أيضا كما في " الدر
المنثور " (1 / 359) . ورواه نصر المقدسي في (الأربعين) (الحديث 21) من
حديث عائشة مرفوعا وفيه عصمة بن محمد بن فضالة الأنصاري وهو متهم بالكذب
والوضع. وروى الطبراني (ق 84 / 2 - من المنتقى منه) عن سوار بن مصعب
الهمداني عن عمرو بن قيس الملائي عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود
: قال: فذكر قصة رجل مع فاطمة رضي الله عنها وجريدتها وأن فيها حديثا مرفوعا
جاء فيه: " والله يحب الحليم الحيي العفيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء
السائل الملحف ". لكن سوار متروك كما قال النسائي وغيره. وأخرج أبو يعلى في
" مسنده " (1 / 295) وأبو بكر ابن سليمان الفقيه في " مجلس من الأمالي ".
(16 / 1) والبيهقي في " الشعب " (2 / 231 / 1) كلهم من طريق عثمان بن أبي
شيبة حدثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ
: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى نعمته على عبده، ويبغض البؤس
والتباؤس ". وعطية ومحمد بن أبي ليلى ضعيفان.
1321 - " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فإن وسع له فليجلس وإلا فلينظر أوسع مكان يراه
فليجلس فيه ".
رواه السلفي في " الطيوريات " (65 / 1) وابن عساكر (8 / 77 / 2) من طريق
البغوي حدثنا محمد بن سليمان لوين حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن زرارة عن
مصعب بن شيبة عن أبيه مرفوعا. ثم رأيته في قطعة من حديث لوين (2 / 2)
بهذا الإسناد. (انظر الاستدراك رقم 312 / 22) .(3/312)
ومصعب لين الحديث كما في
" التقريب " قال: " وهو في الخامسة ". وأما أبوه شيبة فهو ابن جبير بن شيبة
ابن عثمان الحجبي، فلم يترجموا له، وإنما ترجموا لجده الأعلى: شيبة بن
عثمان، ومع ذلك ذكر الحافظ في " الإصابة " أنه روى عنه مصعب هذا، فليحقق،
ولعل قوله: " عن أبيه " غير محفوظ ولذلك لم يذكره البخاري كما يأتي. والله
أعلم. (انظر الاستدراك رقم 313 / 8) . والحديث عزاه السيوطي للبغوي
والطبراني
والبيهقي في " الشعب ". ونقل المناوي عن الهيثمي أنه قال: " إسناده حسن ".
فإن كان من هذا الوجه فليس بحسن، وهو الذي يغلب على الظن، وقد أخرجه
البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 352) من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن شيبة
عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " إذا جاء أحدكم فأوسع له أخوه، فإنما هي
كرامة أكرمه الله بها ". ذكره في ترجمة مصعب بن شيبة هذا، فهذه علة أخرى في
الحديث ألا وهي الإرسال وخفيت هذه العلة على المناوي تبعا للسيوطي، فإنه
عزاه بهذا اللفظ للبخاري في " التاريخ " والبيهقي في " الشعب " عن مصعب بن
شيبة. فلم يقل (مرسلا) كما هي عادته في مثله دفعا لإيهام أنه صحابي، ولكنه
هنا وهم أو نسي، فقال المناوي: " رمز لحسنه وفيه عبد الملك بن عمير أورده
الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال أحمد: مضطرب الحديث. وابن معين: مختلط،
لكنه اعتضد، فمراده أنه حسن لغيره ".
قلت: وجدت له شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا جاء أحدكم إلى القوم
فوسع له فليجلس فإنما هي كرامة من الله أكرمه بها أخوه المسلم، فإن لم يوسع له
فلينظر إلى أوسع مكان فليجلس فيه ". رواه أبو بكر الشيرازي في " سبعة مجالس من
الأمالي " (7 / 2) : من طريق الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ
والخطيب في " التاريخ "(3/313)
(2 / 133) عن أبي بكر محمد بن عبد الله الأردبيلي:
حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الحلبي أخبرنا مجاهد بن موسى أخبرنا معن أخبرنا
مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، قال الحاكم: " لم نكتبه من حديث مالك بن أنس
عن نافع إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف أورده الخطيب في ترجمة محمد بن جعفر هذا ووصفه بـ " البزار "
وقال: " روى عنه أبو بكر المفيد حديث منكرا ". ثم ساق له هذا. وقال الذهبي
: " لا يعرف، روى عنه المفيد خبرا موضوعيا ... " ثم ذكره. ووافقه الحافظ في
" اللسان ". ولست أرى ما ذهبا إليه من أن الحديث موضوع لأن له شاهدا من حديث
مصعب بن شيبة كما تقدم، وهو وإن كان ضعيف الإسناد فإنه كاف في إبعاد حكم
الوضع عليه والله أعلم. ثم رأيت له شاهدا آخر يقويه ويأخذ بعضده وقد قواه
الذهبي نفسه! أخرجه الحارث ابن أبي أسامة عن أبي شيبة الخدري مرفوعا به كما في
" الجامع الصغير "، وقال شرحه المناوي ": " قال الذهبي: حديث جيد، ورمز
المؤلف لحسنه ".
1322 - " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ".
رواه أبو داود (2608 / 2609) وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 18 / 1) عن ابن
عجلان عن نافع عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا. ثم رواه أبو داود بهذا
الإسناد إلا أنه جعل أبا هريرة مكان أبي سعيد، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في
" مسنده " (1 / 295) على الوجه الأول.
قلت: وهذا إسناد حسن. وله شاهد من حديث ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن هبيرة
عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره بلفظ: " لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم "(3/314)
أخرجه أحمد (2 / 176 - 177)
قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيىء الحفظ.
1323 - " إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك
فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء ".
رواه المخلص في " حديثه " كما في " المنتقى منه " (12 / 69 / 1) والبزار في
(المسند) (81) الديلمي في (مسنده) (1 / 1 / 108) . (انظر الاستدراك
رقم 315 / 7) . والحافظ عبد الغني المقدسي في (أخبار الصلاة) (67 / 1، 68
/ 2) من طرق عن معاذ بن فضالة حدثنا يحيى بن أيوب المصري عن بكر بن عمرو عن
صفوان بن سليم - قال بكر: حسبت - عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال البزار: " لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا
من هذا الوجه ".
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري، وفي يحيى بن أيوب المصري
كلام يسير لا يضر. وقال الهيثمي في " زوائد البزار ": " ورجاله موثقون ".
وقال المناوي في " الفيض ": " قال ابن حجر: حديث حسن، ولولا شك بكر لكان
على شرط الصحيح، وقال الهيثمي: رجاله موثقون. انتهى، وبه يعرف استرواح
ابن الجوزي في حكمه بوضعه ".(3/315)
1324 - " إذا ساق الله إليك رزقا من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه، فإن الله
أعطاك ".
أخرجه ابن حبان (856) عن حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث
أن بكر بن سوادة حدثه أن عبد الله بن يزيد المعافري حدثه عن قبيصة بن ذؤيب:
" أن عمر بن الخطاب أعطى السعدي ألف دينار، فأبى أن يقبلها وقال: لنا
عنها غنى، فقال له عمر: إني قائل لك ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
... ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (رقم 1045)
من طرق أخرى عن عمر به نحوه دون قوله: " ألف دينار ".
1325 - " إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه ".
أخرجه ابن حبان (2403) من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والزبيري اسمه محمد بن عبد الله بن
الزبير بن عمر الأسدي الزبيري مولاهم. وتابعه عبيد الله بن موسى عن سفيان به
نحوه، وقد مضى لفظه برقم (1266) .
1326 - " صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس
ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن
الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ".
أخرجه مسلم (8 / 155) والبيهقي (2 / 234) وأحمد (2 / 355 -(3/316)
356 و 440)
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وله شاهد بلفظ:
" سيكون في آخر أمتي ... " وقد مضى.
1327 - " إذا سمعت جيرانك يقولون أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت،
فقد أسأت ".
رواه النسائي في " مجلس من الأمالي " (55 / 2) حدثنا إسحاق بن إبراهيم:
أنبأنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رجل
: يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت؟ قال: فذكره. ورواه الهيثم بن
كليب عن أحمد أخبرنا عبد الرزاق به. ومن طريق إسحاق وهو الدبري رواه
الطبراني أيضا (3 / 77 / 2) وصححه ابن حبان والحاكم كما ذكرت في " المشكاة
" (4988) . ثم روى النسائي (56 / 2) له شاهد من حديث أبي هريرة قال: جاء
رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أخذت
به دخلت الجنة ولا تكثر علي، فقال: لا تغضب. وأتاه رجل آخر فقال: يا نبي
الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. فقال كن محسنا. قال: وكيف أعلم
أني محسن؟ فقال: تسأل جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن وإن قالوا
: إنك مسيء، فأنت مسيء.
1328 - " إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول ".
أخرجه أحمد (3 / 438) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن بن معاذ عن
أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وزبان، فإنهما ضعيفان. لكن الحديث
صحيح، فإن له شواهد، أحدها في " الصحيحين " وغيرهما عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا نحوه، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (535) . و (التثويب) :
الدعاء على الصلاة كما في " القاموس ". فهو يشمل الأذان والإقامة.(3/317)
1329 - " إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصل بعدها شيئا حتى يتكلم أو يخرج ".
أخرجه الديلمي (1 / 1 / 64) من طريق الطبراني حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا
خالد بن عبد السلام حدثنا الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن
مالك الخطمي مرفوعا. سكت عنه الحافظ في " مختصر الديلمي ". وإسناده ضعيف
جدا، الفضل بن المختار، قال الهيثمي (2 / 195) : " ضعيف جدا ". وعزاه
لكبير الطبراني.
قلت: وأحمد بن رشدين هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر
المصري. قال ابن عدي: " كذبوه، وأنكرت عليه أشياء ".
قلت: لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (882) وكذا ابن خزيمة
(1 / 194 / 1) وغيرهما من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مرفوعا.
وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (1034) .
1330 - " إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد
ذلك ".
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (251) وابن عساكر في " تاريخ
دمشق " (2 / 391 / 2) عن سليمان بن سيف حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود:
أخبرنا أبي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير سليمان بن أبي داود وهو الحراني الملقب
بـ (بومة) ، قال الذهبي: " وضعفه أبو حاتم، وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن حبان: لا يحتج به ".(3/318)
قلت: ولم يتفرد به، فقد أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 67)
عن علي بن عاصم حدثنا ابن جريج عن سعيد المقبري به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن عاصم، قال الحافظ:
" صدوق يخطىء ويهم ". وقد تابعه ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به
مرفوعا بلفظ: " تشميت المسلم إذا عطس ثلاث مرات، فإن عطس فهو مزكوم ".
أخرجه أبو داود (2 / 603 - الحلبية) وابن السني (250) واللفظ له ولم
يسقه أبو داود، وإنما أحال على لفظ قبله بمعناه. وأخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (939) من هذا الوجه موقوفا، وهو رواية لأبي داود. وإسناده حسن
مرفوعا وموقوفا، والراجح الرفع لأنه موافق للطريقين السابقين. ويشهد له
حديث سلمة بن الأكوع: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال
له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل
مزكوم ". أخرجه مسلم (2993) وأبو داود والترمذي (2744) وكذا البخاري في
" الأدب المفرد " (935 و 238) وابن السني (249) وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ".
1331 - " إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة ".
" رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (2 / 1 ورقم 79 - منسوخة المكتب) عن سعيد
ابن زربي عن الحسن عن كعب بن عاصم الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وسلم:
يقول:(3/319)
قلت: سعيد بن زربي منكر الحديث كما في " التقريب " وسائر رجاله ثقات
إلا أن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه. ثم رواه من طريق مصعب بن إبراهيم
عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا.
قلت: ومصعب بن إبراهيم هذا منكر الحديث أيضا كما قال ابن عدي، وساق له
حديثا آخر مما أنكر عليه. وقال الذهبي: " قلت: وله حديث آخر عن سعيد عن
قتادة ... " قلت: فذكره. ثم رواه (91) من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش:
حدثنا أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن كعب بن عاصم به مرفوعا بلفظ:
".... من ثلاث: أن لا يجوعوا، ولا يجتمعوا على ضلالة، ولا يستباح بيضة
المسلمين ".
قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: لم يكن بذاك
. وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث.
قلت: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن. انظر " الضعيفة " (1510) .
1332 - " إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق
للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح
الشر على يديه ".
أخرجه ابن ماجة (237) وابن أبي عاصم في " السنة " (251 - منسوخة المكتب)
عن محمد بن أبي حميد المدني (عن موسى بن وردان) عن حفص بن عبيد الله بن أنس
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن أبي حميد ضعيف.(3/320)
وموسى بن وردان صدوق ربما
أخطأ، وقد سقط من إسناد ابن ماجة، ولذلك رواه المروزي في " زوائد الزهد "
(968) وهو رواية لابن أبي عاصم (253 - 254) والبيهقي في " شعب الإيمان "
(1 / 379 - طبع الهند) . وله عند ابن ماجة وكذا ابن أبي عاصم (252) شاهد
يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا به.
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جدا لكن تابعه عقبة بن محمد عن زيد بن أسلم
به. أخرجه ابن أبي عاصم (250) . ورجاله ثقات غير عقبة هذا، والظاهر أنه
أخو أسباط بن محمد، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 317) عن أبيه: " لا أعرفه "
. وللحديث شاهد آخر، ولكنه مرسل ضعيف. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن
إن شاء الله تعالى. وراجع " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (296 - 299) ففيه
زيادة تخريج.
1333 - " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله عز وجل منها أو
لخرج منها ولد، وليخلقن الله نفسا هو خالقها ".
أخرجه أحمد (3 / 140) حدثنا أبو عاصم أنبأنا أبو عمرو - مبارك الخياط جد ولد
عباد بن كثير - قال: سألت ثمامة بن عبد الله بن أنس عن العزل؟ فقال: سمعت
أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن
العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن
أبي عاصم في " السنة " (320) .(3/321)
وهذا سند حسن أو محتمل للحسن رجاله ثقات رجال
الستة غير مبارك الخياط أبو عمرو، قال الحافظ في التعجيل: " روى عنه أبو عامر
العقدي وأبو عاصم النبيل. ذكره ابن أبي حاتم وقال: بصري جاور بمكة، وذكره
ابن حبان في الثقات ". وجزم بحسنه الهيثمي حيث قال (4 / 296) : " رواه أحمد
والبزار وإسنادهما حسن ". وله شاهد من حديث ابن عباس سيأتي بلفظ: " والذي
نفسي بيده لو أن النطفة " الخ ... ، فالحديث بهذا الشاهد حسن إن شاء الله تعالى
. والحديث رواه الضياء المقدسي أيضا في " المختارة " وابن حبان في " صحيحه "
كما في " الجامع " وشرحه. وله شواهد أخرى، منها عن جابر قال: " جاء رجل من
الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل
عنها؟ قال: سيأتيها ما قدر لها، فأتاه بعد ذلك، فقال: قد حملت الجارية،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة ". أخرجه ابن
ماجة (89) وأحمد (3 / 313) ولفظه: " ما قدر الله لنفس أن يخلقها إلا هي
كائنة ".
قلت: وسنده صحيح على شرطهما. وعن عبادة أن أول من عزل نفر من الأنصار أتوا
النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن نفرا من الأنصار يعزلون، ففزع، وقال
: " إن النفس المخلوقة كائنة، فلا آمر ولا أنهى ". أخرجه الطبراني في
" الأوسط " (1 / 168 / 2) من طريق عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عنه
وقال: " ولم يروه عن يعلى إلا عيسى ".(3/322)
قلت: وهو لين الحديث كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في
" الكبير " أيضا كما في " المجمع " (4 / 296) .
1334 - " لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من دهره
، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات (عليه) دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا
سيئا، وإن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل سيىء لو مات (عليه) دخل النار،
ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خير استعمله قبل موته فوفقه
لعمل صالح، (ثم يقبضه عليه) ".
أخرجه أحمد (3 / 120 و 123 و 230 و 257) وابن أبي عاصم في " السنة " (347 -
353) من طرق عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وطرفه الأول أورده السيوطي من رواية
الطبراني عن أبي أمامة، وإسناده ضعيف كما بينه المناوي، فكان عليه أن يعزوه
لأحمد أيضا، إشارة منه إلى تقويته كما هي عادته غالبا.
1335 - " من علم آية من كتاب الله عز وجل، كان له ثوابها ما تليت ".
أخرجه أبو سهل القطان في " حديثه عن شيوخه " (4 / 243 / 2) حدثنا محمد بن
الجهم حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن أبيه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد عزيز، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن(3/323)
الجهم وهو ابن
هارون الكاتب السمري ترجمه الخطيب (2 / 161) برواية جماعة من الثقات عنه،
وقال: " وقال الدارقطني: ثقة صدوق ". وقال الحافظ في " اللسان ": " ما
علمت فيه جرحا ".
قلت: قد فاته توثيق الدارقطني إياه.
1336 - " إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟
فيقولون: ربنا وما فوق ما أعطيتنا؟ قال: فيقول: رضواني أكبر ".
أخرجه ابن حبان (2647) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 141 / 1) وفي
" الأخبار " (1 / 282) والحاكم (1 / 82) من طريق محمد بن يوسف الفريابي:
حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ".
ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن
سفيان به نحوه مختصرا، أخرجه الحاكم أيضا. وتابعه أبو أحمد الزبيري حدثنا
سفيان به. أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (6 / 262 / 6751) .
1337 - " إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت ".
أخرجه مالك في " الموطأ " (1 / 132 / 8) وعنه النسائي (1 / 137) وابن
حبان (433) والحاكم (1 / 244) وأحمد (4 / 34) كلهم عن مالك عن زيد بن
أسلم عن رجل من بني الديل يقال له بسر بن محجن عن أبيه محجن: " أنه كان في
مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى
الله عليه وسلم فصلى، ثم رجع، ومحجن في مجلسه لم يصل معه، فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم(3/324)
ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ فقال:
بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه
وسلم " فذكره. وقال الحاكم: " حديث صحيح ومالك بن أنس الحكم في حديث
المدنيين وقد أحتج به في الموطأ ". ثم أخرجه هو وأحمد (4 / 34 / 338) من
طرق أخرى عن زيد بن أسلم به.
قلت: وبسر بن محجن لم يرو عنه غير زيد بن أسلم ولم يوثقه غير ابن حبان ومع
ذلك قال فيه الحافظ: " صدوق ". ولعل وجهه ما تقدم عن الحاكم. والله أعلم.
والحديث صحيح على كل حال، فإن له شاهدا من حديث يزيد بن الأسود في " السنن "
وغيرها على ما خرجته في " صحيح أبي داود " (590) . والحديث عزاه السيوطي
لسعيد بن منصور فقط في " سننه " بلفظ: " إذا دخلت مسجدا فصل مع الناس، وإن
كنت قد صليت ".
1338 - " اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وأقلل له
من الدنيا، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل
عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ".
أخرجه ابن حبان (2475) والطبراني في " المعجم الكبير " (ق 74 / 2 - منتخب
منه) من طريق عبد الله بن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب عن أبي هانيء عن أبي علي
الجنبي عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي علي الجنبي واسمه عمرو
ابن مالك وهو ثقة كما في " التقريب "، وهو غير عمرو بن مالك النكري المتكلم
فيه. وأبو هانيء اسمه حميد بن هانيء الخولاني المصري. وللحديث شاهدان.
(انظر الاستدراك رقم 325 / 19) . (انظر الاستدراك رقم 325 / 23) .(3/325)
الأول:
عن عمرو بن غيلان الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه
أتم منه، وفيه: ".... فأقلل ما له وولده " و ".... فأكثر ماله وولده
وأطل عمره ". أخرجه ابن ماجة (4133) والطبراني (ق 58 / 1 - المنتخب)
والضياء في " الموافقات " (ق 40 / 1) من طرق عن هشام بن عمار حدثنا صدقة بن
خالد حدثنا يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم عن عمرو بن غيلان
الثقفي.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن له علتان:
الأولى: أن ابن غيلان هذا مختلف في صحبته، ولذلك أعله في " الزوائد " (452
/ 2) بالإرسال.
الأخرى: أن ابن عمار مع كونه من شيوخ البخاري ففيه كلام، قال الحافظ: صدوق،
مقرىء، كبر، فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح ". لكنه قد توبع. أخرجه
الترقفي في " حديثه " (52 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 295 / 2)
من طريقين آخرين عن صدقة به. (انظر الاستدراك رقم 326 / 13) .
الشاهد الآخر: عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
مثل حديث ابن غيلان. أخرجه الطبراني (ق 77 / 1 - المنتخب) من طريقين عن عمرو
ابن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عنه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عمرو بن واقد هذا متروك كما في " التقريب ".
(انظر الاستدراك رقم 326 / 20) .
1339 - " إذا دعى الغائب للغائب، قال له الملك: ولك بمثل ".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 180 / 1) من طرق عن لوين أنبأنا حبان بن علي
العنزي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم فذكره.(3/326)
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير حبان بن علي وهو ضعيف مع فقهه وفضله،
ولعله أخطأ في إسناده وإلا فمتن الحديث صحيح له شواهد:
الأول: عن أم الدرداء قالت: حدثني سيدي (تعني زوجها أبا الدرداء) أنه سمع
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت
الملائكة آمين، ولك بمثل ". أخرجه مسلم (8 / 86) وأبو داود (1534)
واللفظ له من طريق موسى بن ثروان حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثتني أم
الدرداء. وأخرجه أحمد (6 / 452) من طريق أخرى عن طلحة به لكنه لم يذكر أبا
الدرداء في إسناده، فجعله من مسند أم الدرداء! ثم أخرجه مسلم وأحمد (5 /
195 و 6 / 452) وكذا ابن ماجة (2895) وأبو الشيخ في " أحاديث أبي الزبير
عن غير جابر " (17 / 1) من طريق صفوان بن عبد الله بن صفوان - وكانت تحته أم
الدرداء - قال: " قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده ووجدت
أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت نعم، قالت: فادع الله لنا بخير
، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب
مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين
ولك بمثل ". قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك
يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
(تنبيه) لم يقف المناوي على إسناد ابن عدي فلم يتكلم عليه بشيء ولكنه قال:
" ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء الصغرى، وهي تابعية، فهو عندهما
مرسل ". كذا قال وكأنه لم يتنبه لقولها في الرواية الأولى: " حدثني سيدي "(3/327)
وقول صفوان في آخر الحديث: " فلقيت أبا الدرداء.... " فكل ذلك صريح في أن
الحديث من مسند أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فجل من لا ينسى.
الشاهد الثاني: عن أنس مرفوعا بلفظ: " إذا دعى المرء لأخيه بظهر الغيب قالت
الملائكة: آمين، ولك بمثله ". أخرجه البزار في " مسنده " (زوائده - 308)
من طريق مؤمل حدثنا حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب عنه، وقال: " لا
نعلم رواه عن حماد إلا مؤمل ".
قلت: هو ابن إسماعيل البصري صدوق سيىء الحفظ كما في " التقريب " فقول الهيثمي
في " مجمع الزوائد " (10 / 152) : " ورجاله ثقات ". فهذا ليس بجيد.
الثالث: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعاء
الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد ". أخرجه البزار أيضا، لكن سقط من " الزوائد "
إسناده فلم يبق منه إلا هذا الذي ذكرته: عن عمران ... وقال: " لا نعلمه يروى
عن عمران إلا من هذا الوجه، وخالد بصري ". كذا الأصل. والله أعلم. ولعل
السقط من " مسند البزار " نفسه، بدليل أن الهيثمي لم يزد على قوله في " المجمع
": " رواه البزار ". فلو كان السند ثابتا في نسخته لتكلم عليه إن شاء الله
كما هي غالب عادته (1) .
1340 - " إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه
، فلا يذكرها ولا يفسرها ".
أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 287 - 288) من طريق ي
_________
(1) ثم وقفت على إسناده في مصورة " كشف الأستار " (ق 299 / 2) ، فإذا هو من
طريق خالد بن حميد عن الحسن عن عمران. والحسن مدلس، وخالد بن حميد البصري
لم أعرفه. اهـ.(3/328)
حيى بن معين قال
: حدثنا يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ويحيى بن صالح هو
الوحاظي الحمصي.
(تنبيه) أورده السيوطي من رواية الترمذي عن أبي هريرة بلفظ: " إذا رأى أحدكم
الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا
يخبر بها ". وكذلك في " الجامع الكبير " (1 / 56 / 2) ، وقال المناوي في
" الفيض ": " رمز لحسنه تبعا للترمذي، وحقه الرمز لصحته وظاهر صنيع المصنف
أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة، ولا كذلك، فقد رواه ابن ماجه وعن أبي
هريرة باللفظ المزكور ". كذا قال، ولم أجد الحديث عند الترمذي وابن ماجه
باللفظ المذكور بعد مزيد من البحث عنه وتعاطي كل الوسائل الممكنة، وقوله:
" تبعا للترمذي صريح أو كالصريح في أنه وقف عليه عنده وعلى أنه حسنه، فلعله
وقع في بعض النسخ منه.
1341 - " الرؤيا ثلاث، فالبشرى من الله وحديث النفس وتخويف من الشيطان، فإذا رأى
أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد
وليقم يصلي ".
رواه أحمد (2 / 395) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 193 / 2) وعنه
ابن ماجه (2 / 449) قالا: حدثنا هوذة بن خليفة عن عوف عن محمد عن أبي
هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير هوذة بن خليفة وهو صدوق
كما قال في " التقريب ".(3/329)
ثم أخرجه أحمد (2 / 269) ومسلم (7 / 52) أيضا من
طريق أيوب عن ابن سيرين به دون قوله " فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن
شاء ". والباقي مثله سواء. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الترمذي
(3 / 247 - تحفة) . وله شاهد من حديث عوف بن مالك مرفوعا نحوه سيأتي (1870
) .
1342 - " إذا رأت ذلك فأنزلت فعليها الغسل ".
أخرجه مسلم (1 / 172) وأبو عوانة (1 / 289) وابن ماجه (601) وأحمد (3
/ 121 و 199 و 282) ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس " أن أم
سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى
الرجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . فقالت أم سلمة: يا
رسول الله أيكون هذا؟ قال: نعم. ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق
أصفر. فأيهما سبق أو علا أشبهه الولد ". والسياق لابن ماجه، وللنسائي (1
/ 43) منه قوله: " ماء الرجل غليظ ... ". وما قبله له طريق أخرى عن أنس به
نحوه. عند أبي عوانة وغيره، وشاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه
مسلم وأبو عوانة وغيرهما. فراجع " صحيح أبي داود " (234 - 235) .
1343 - " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل
".
رواه أبو عبيد في " غريب الحديث " (29 / 1) حدثنا ابن علية ويزيد كلاهما عن
هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن
وغيرهم على ما هو مخرج في " الإرواء " (2013) وإنما خرجته هنا لهذا المصدر
العزيز.(3/330)
1344 - " إذا رأى (المؤمن) ما فسح له في قبره، يقول: دعوني أبشر أهلي، فيقال له:
اسكن ".
أخرجه أحمد (3 / 331) عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر
عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الصحيح، وفي أبي بكر بن عياش كلام لا
ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. لاسيما وله طريق أخرى يرويه ابن لهيعة عن أبي
الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر، فقال: سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره نحوه أطول منه. أخرجه أحمد (3 / 346) . ورجاله ثقات
لولا أن ابن لهيعة سيء الحفظ، فمثله يستشهد به. وله شاهد من حديث أنس بن
مالك مرفوعا بلفظ: " إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك ... فيقال له: هذا
بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتا في الجنة،
فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي ... " الحديث. أخرجه أبو داود (2 / 539 -
540 - طبع الحلبي) وأحمد (3 / 233) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبي
نصر عن سعيد عن قتادة عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وهو في " الصحيحين
" وغيرهما دون موضع الشاهد. وهو رواية لأبي داود. وله شاهد آخر من حديث
أبي سعيد الخدري مرفوعا نحو حديث أنس. أخرجه أحمد (3 / 3 - 4) عن عباد بن
راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عنه. وهذا إسناد جيد، رجاله رجال
الصحيح، وفي عباد كلام لا يضر.(3/331)
1345 - " إذا رأيت الأمة ولدت ربتها أو ربها ورأيت أصحاب الشاء يتصاولون بالبنيان
ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رءوس الناس، فذلك من معالم الساعة
وأشراطها ".
أخرجه أحمد (1 / 318 - 319) من طريق عبد الحميد حدثنا شهر حدثني عبد الله
ابن عباس مرفوعا به وزاد في آخره: " قال: جلس رسول الله صلى الله عليه
وسلم مجلسا له، فأتاه جبريل عليه السلام، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله
عليه وسلم، واضعا كفيه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله حدثني ما الإسلام (قلت: فذكر الحديث بطوله، وفيه) قال: يا رسول الله
فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله خمس من
الغيب لا يعلمهن إلا هو: * (إن الله عنده علم الساعة ... ) * الآية ولكن إن
شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك، قال: أجل يا رسول الله، فحدثني، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وزاد في آخره: " قال: يا رسول الله
ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: العرب ".
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، شهر وهو ابن حوشب سيء الحفظ ولكن
الحديث صحيح ثابت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة نحوه، ومن حديث عمر بن
الخطاب عند مسلم وغيره دون الزيادة.
1346 - " بحسب أصحابي القتل ".
أخرجه أحمد (3 / 472) حدثنا يزيد بن هارون - ببغداد - أنبأنا أبو مالك
الأشجعي سعد بن طارق عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره
. قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط مسلم. والحديث قال الهيثمي (7 / 23
) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد البزار، ورجال أحمد رجال الصحيح ".(3/332)
ثم
ذكر له شاهدا من حديث سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
سيكون بعدي فتن يكون فيها ويكون، فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا، قال: بحسب
أصحابي القتل. وفي رواية: يذهب الناس فيها أسرع ذهاب. وقال: " رواه
الطبراني بأسانيد، رجال أحدهما ثقات، ورواه البزار كذلك ".
قلت: وأخرجه أحمد أيضا (1 / 189) بالرواية الثانية من طريق عبد الملك ابن
ميسرة عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد به.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن ظالم، قال الحافظ
: " صدوق لينه البخاري ". وعبد الملك بن ميسرة هو أبو زيد الهلالي الزراد.
وقوله: " بأسانيد " فيه تساهل موهم لأن مدارها في " كبير الطبراني " (رقم
345 - 348) على هلال، فتنبه.
1347 - " عقوبة هذه الأمة بالسيف ".
أخرجه الخطيب (1 / 317) من طريق المؤمل قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا
يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم عن عقبة بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير المؤمل وهو ابن إسماعيل البصري،
قال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". لكن يشهد له حديث أبي بردة قال: " خرجت من
عند عبيد الله بن زياد، فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلست إلى رجل من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره.
قال الهيثمي (7 / 225) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ".(3/333)
1348 - " لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع حتى لو أن
أحدهم دخل جحر ضب دخلتم وحتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم ".
رواه الدولابي في " الكنى " (2 / 30) والحاكم (4 / 455) عن إسماعيل بن أبي
أويس عن أبيه عن أبي عروة موسى بن ميسرة الديلمي وابن أخيه ثور الديلمي بن زيد
عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قال: ولا أعلمهما إلا حدثاني مثل ذلك سواء
عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
. وليس عند الحاكم: " قال: ولا أعلمهما ... " وقال: " صحيح ووافقه
الذهبي ".
قلت: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن ميسرة الديلمي وهو ثقة على أنه متابع.
وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، وهو مع كون مسلم احتج
به، ففيه ضعف وكذلك ابنه إسماعيل لكن هذا قد توبع فقال ابن نصر في " السنة "
(13) حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق (حدثنا) أبو أويس
عن ثور بن زيد عن عكرمة به. وقال: البزار في " مسنده " (235 - زوائده) :
حدثنا محمد بن عمر بن هياج الكوفي حدثنا إسماعيل بن صبيح حدثنا أبو أويس عن ثور
ابن زيد عن عكرمة به. وقال: " لا نعلمه إلا بهذا الإسناد، وثور مدني ثقة،
إسناد حسن ".
قلت: وهو كما قال إن شاء الله تعالى أنه إسناد حسن لما علمت من حال أبي أويس
وسائر رجاله ثقات. بل الحديث صحيح، فإن له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو
نحوه، أخرجه الترمذي والحاكم (1 / 129) بسند ضعيف كما بينته في " تخريج
المشكاة " (171) ، وله شاهد آخر في " المجمع " (7 / 261) .(3/334)
(تنبيه) : ذكر المناوي في " الفيض " أن الحديث أخرجه الحاكم في " الإيمان "
وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي. وهذا من أوهامه رحمه الله، فإن الحاكم
إنما أخرجه في " الفتن والملاحم " في المكان الذي سبقت الإشارة إليه ولم
يصححه على شرط مسلم وإنما صححه مطلقا وأقره الذهبي، وفي " الإيمان " إنما
هو حديث آخر عن أبي هريرة مرفوعا بهذا المعنى وليس في " وحتى ولو أن أحدهم
... ". وفي " المجمع " (7 / 261) : " رواه البزار ورجاله ثقات ".
(تنبيه) : قوله: " أمه " هكذا وقع في كل المصادر التي تقدم عزو الحديث إليها
: ابن نصر، الدولابي، البزار، وهو الصواب ووقع في " مستدرك الحاكم ":
" امرأته ". وهو خطأ من أحد رواته أو نساخه، فاتني أن أنبه عليه في " صحيح
الجامع الصغير وزيادته " (4943) ، فقد أورده السيوطي من رواية الحاكم فقط
بلفظه المذكور، فليعلق عليه من كان عنده نسخة منه أو من " الجامع الصغير "
أو " الفتح الكبير " مع العلم بأن الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه من حديث ابن
عمرو هو باللفظ الأول الصحيح وهو في " صحيح الجامع " أيضا برقم (5219) وقد
وقع مني فيه خطأ وهو حذف الجملة المتعلقة بهذا اللفظ ووضع مكانها نقط....
كما جريت عليه في هذا الكتاب إشارة مني إلى أن المحذوف ضعيف، وكانت زلة مني
أسأل الله أن يغفرها لي. فإن العكس هو الصواب كما علمت. وعليه فليصحح لفظ "
صحيح الجامع " بإعادة الجملة المحذوفة، والله تعالى ولي التوفيق.
1349 - " خلل أصابع يديك ورجليك، يعني إسباغ الوضوء. وكان فيما قال له: إذا ركعت
فضع كفيك على ركبتيك حتى تطمئن وإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم
الأرض ".
أخرجه أحمد (1 / 287) من طريق موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة قال سمعت
ابن عباس يقول:(3/335)
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكره.
قلت: ورجاله موثقون إلا أن صالحا هذا وهو ابن نبهان كان اختلط، لكنهم قد
ذكروا أن ابن أبي ذئب، وغيره من القدماء قد روى عنه قبل الاختلاط، وموسى
أقدم منه كما سبق تحقيقه تحت الحديث (1306) وذكرت هناك لطرفه الأول شاهدا.
ولسائره شاهد آخر من حديث رفاعة بن رافع عند أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج
في " صحيح أبي داود ".
1350 - " إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه فكله ما لم ينتن ".
أخرجه أبو داود (2861) من طريق حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن عبد
الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله
عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجته في " صحيحه " (6 / 59) من
طريق معن بن عيسى حدثني معاوية به نحوه دون قوله: " سهمك فيه ".
1351 - " إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم ".
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 100 / 2 - مخطوطة الظاهرية) : أبو خالد
الأحمر عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد مرسل حسن. وله شاهد موقوف يرويه بكر بن سوادة عن أبي
الدرداء قال: فذكره مع تقديم وتأخير.(3/336)
أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد
" (رقم 797) أخبرنا يحيى ابن أيوب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم ولكني لا أدري إذا كان بكر بن سوادة
سمع من أبي الدرداء أم لا؟ ولكنه شاهد لا بأس به للمرسل، وهو وإن كان
موقوفا، فله حكم الرفع لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وقد روي عنه
مرفوعا، ذكره كذلك الحكيم الترمذي في " كتاب الأكياس والمغترين " (ص 78 -
مخطوطة الظاهرية) وكذلك عزاه السيوطي في " الجامع " إلى الحكيم عنه. يعني في
" نوادر الأصول ". وذكر المناوي أن إسناده ضعيف. والله أعلم.
1352 - " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن
تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار، فإنه من الخيلاء
والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك، فلا تسبه بما
تعلم فيه، فإن أجره لك ووباله على من قاله ".
أخرجه أحمد (5 / 63) حدثنا يزيد أخبرنا سلام بن مسكين عن عقيل بن طلحة حدثنا
أبو جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله
! إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به. قال:
فذكره. ثم رواه عن عبد الصمد حدثنا سلام به إلا أنه قال: " فلا تشتمه بما
تعلمه فيه، فإن أجر ذلك لك ووباله عليه ". وهذا إسناد صحيح رجاله رجال
الشيخين غير عقيل بن طلحة، وهو ثقة ولأبيه صحبة كما في " التقريب ".(3/337)
وله
طريق ثان، فقال أحمد (5 / 63 - 64) : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا
يونس حدثنا عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فذكره نحوه وزاد في آخره: " ولا تسبن أحدا "، فما سببت بعده أحدا
ولا شاة ولا بعيرا. ورجاله ثقات رجال الصحيح غير عبيدة الهجيمي وهو مجهول
وفيه انقطاع، فإن أبا تميمة تابعي ليس بصاحب وإنما هو يرويه عن أبي جري جابر
ابن سليم أو سليم بن جابر. كذلك رواه هشيم عن يونس بن عبيد بلفظ: " اتق الله
ولا تحقرن ... ". وقد سبق الكلام عليه برقم (770) . وله طريق أخرى عن أبي
تميمة موصولا بلفظ: " لا تسبن أحدا " ويأتي قريبا.
1353 - " إذا رويت أهلك من اللبن غبوقا، فاجتنب ما نهى الله عنه من ميتة ".
أخرجه الحاكم (4 / 125) والبيهقي (9 / 357) عن يحيى بن يحيى أنبأنا خارجة
عن ثور عن راشد بن سعد - زاد الثاني: وأعطاني كتابا - عن سمرة بن جندب
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا إلا أنني أخشى أن يكون منقطعا بين راشد بن سعد وسمرة،
فإن بين وفاتيهما نحو خمسين سنة. وقد ذكر أبو حاتم وغيره أنه لم يسمع من
ثوبان. والله أعلم.
(غبوقا) في " النهاية ": " الغبوق: شرب آخر النهار، مقابل الصبوح ".(3/338)
1354 - " إذا سمعت النداء، فأجب داعي الله عز وجل ".
أخرجه الدارقطني (197) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 122) عن محمد
ابن سليمان عن أبي داود حدثني أبي عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم عن
عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة: " أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله إني أسمع النداء، ولعلي لا أجد قائدا؟ قال ": فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سليمان بن أبي داود وهو الحراني وهو ضعيف.
لكنه لم يتفرد به، فقد رواه البيهقي في " السنن " (3 / 57 - 58) من طريق بشر
ابن حاتم الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن
عبد الله بن معقل به.
قلت: ورجاله ثقات غير بشر بن حاتم الرقي أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 355)
بروايته عن عبيد الله هذا، ولم يزد! وقال البيهقي عقبه: " خالفه أبو عبد
الرحيم، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن معقل ".
قلت: وصله الطبراني في " الأوسط " (1 / 22 / 2) من طريق الشاذكوني حدثنا
محمد بن سلمة الحراني حدثنا أبو عبد الرحيم خالد بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة
به. وقال الطبراني: " لم يروه عن عدي إلا زيد ".
قلت: وهو ثقة لكن في الطريق إليه الشاذكوني واسمه سليمان بن داود وهو حافظ
متهم بالوضع، لكن الظاهر من قول الطبراني المذكور أنه لم ينفرد ويؤيده أن
الحافظ الهيثمي لما أورده في " المجمع " (2 / 42 - 43) قال: " رواه الطبراني
في " الأوسط " و " الكبير " وفيه يزيد بن سنان(3/339)
ضعفه أحمد وجماعة، وقال أبو
حاتم محله الصدق، وقال البخاري: مقارب الحديث ". ووجه التأييد أنه ليس في
إسناد الطبراني في " الأوسط " يزيد بن سنان فهو في إسناد معجمه الكبير، فينتج
أن إسناده غير إسناد " الأوسط ". وأنه لم يتفرد به الشاذكوني. والله أعلم.
والحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد عديدة من حديث أبي هريرة عند مسلم
وأبي عوانة وغيرهما، وابن أم مكتوم الأعمى وهو صاحب القصة من طرق عنه عند
أبي داود وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (561) .
1355 - " إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبا، فقد أظلت الساعة ".
أخرجه أحمد (6 / 378) والحميدي (351) قالا - والسياق للحميدي - حدثنا
سفيان قال: حدثنا محمد بن إسحاق أنه سمع محمد بن إبراهيم التيمي يحدث عن
بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي قالت: " سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم على المنبر يقول: يا هؤلاء! إذا سمعتم ... ".
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق وهو حسن الحديث
إذا أمنا تدليسه كما هنا فقد صرح بالتحديث وذلك من فوائد الحميدي رحمه الله
دون أحمد، ولذلك أعله الهيثمي بالعنعنة، فقال المناوي في شرحه على " جامع
السيوطي ": " وقد رمز لحسنه، وهو كما قال، إذ غاية ما فيه أن فيه ابن
إسحاق، وهو ثقة لكنه مدلس، قال الهيثمي: وبقية رجال إسنادي أحمد رجال
الصحيح ".
قلت: ومن الغريب قوله: " وهو كما قال.... "، فإن عنعنة من عرف بالتدليس
علة في الحديث تمنع من القول بحسنه كما لا يخفى على العارفين بهذا العلم الشريف
. وسفيان هو ابن عيينة، وقد تابعه سلمة بن الفضل عن أحمد.(3/340)
1356 - " إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين، فليبن على واحدة،
فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا؟ فليبن على ثنتين، وإن لم يدر ثلاثا صلى أو
أربعا؟ فليبن على ثلاثا، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم ".
أخرجه الترمذي (1 / 80 - 81) وابن ماجه (1209) والطحاوي (1 / 251)
والحاكم (1 / 324 - 325) والبيهقي (2 / 332) وأحمد (1 / 190) من طريق
محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث
حسن غريب صحيح ". كذا قال، ومكحول وابن إسحاق مدلسان وقد عنعناه! فأنى له
الحسن فضلا عن الصحة؟ ! نعم قد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية لأحمد (1 /
193) ولكنه أرسله عن مكحول، ووصله من طريق غيره، فقال أحمد: حدثنا
إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: إذا صلى أحدكم فشك في صلاته.... قال ابن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله
: هل أسنده لك؟ فقلت: لا، فقال: لكنه حدثني أن كريبا مولى ابن عباس حدثه عن
ابن عباس به. وهكذا أخرجه البيهقي وقال عقبة: " فصار وصل الحديث لحسين بن
عبد الله وهو ضعيف إلا أن له شاهدا من حديث مكحول ". يعني عن كريب به. ثم
أخرجه هو والحاكم (1 / 324) من طريقين عن عبد الرحمن بن ثابت عن أبيه عن
مكحول به مختصرا بلفظ:(3/341)
" من سها في صلاته في ثلاث أو أربع فليتم، فإن الزيادة
خير من النقصان ". وقال الحاكم: " هذا حديث مفسر صحيح الإسناد ".
قلت: هو حسن الإسناد لولا عنعنة مكحول، لكن لم يتفرد به، فقد رواه إسماعيل
ابن مسلم المكي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس به مختصرا.
أخرجه الطحاوي وأحمد (1 / 195) والبيهقي. ثم أخرج له البيهقي شاهدا قويا
من طريق جعفر: أنبأنا سعيد يعني ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا،
فليلق الشك وليبن على اليقين ". وقال: " جعفر هذا هو ابن عون ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا من فوقه، فالسند صحيح.
1357 - " إذا سرتم في أرض خصبة، فأعطوا الدواب حقها أو حظها، وإذا سرتم في أرض جدبة
فانجوا عليها، وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل، وإذا عرستم، فلا
تعرسوا على قارعة الطريق فإنها مأوى كل دابة ".
أخرجه البزار (ص 113 - زوائده) والبيهقي (5 / 256) مختصرا من طريق أبي
جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره وقال: " لا نعلمه عن أنس إلا من هذا الوجه بهذا التمام، وروي بعضه
عن الزهري عنه ".(3/342)
قلت: وهو ضعيف من أجل أبي جعفر الرازي فإنه سيء الحفظ. وقد وصله الطحاوي في
" المشكل " (1 / 31) والبيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك
به دون قوله " وإذا عرستم ... "، وفيه رويم بن يزيد، ترجمه ابن أبي حاتم (
1 / 2 / 523) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن وثقه الخطيب، فالسند صحيح
كما تقدم برقم (682) وقد خرجت هناك طرفا من هذا الحديث، بتخاريج لا تراها
هنا، فارجع إليها إن شئت. وخالفه عبد الله بن صالح فقال: حدثني الليث به
إلا أنه لم يذكر فيه أنس ابن مالك. أخرجه الطحاوي وعبد الله فيه ضعيف. لكن
الحديث له شاهد من حديث جابر، ورجاله ثقات ليس فيه علة سوى عنعنة الحسن
البصري ومن أجلها خرجته في الكتاب الآخر (1140) لأنه أطول من هذا، فالحديث
به حسن. والله أعلم. وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه
مسلم (6 / 54) والطحاوي وابن حبان (972) والبيهقي وغيرهم.
و (الدلجة) : بالضم والفتح: سير الليل. و (التعريس) : نزول المسافر آخر
الليل نزلة للنوم والاستراحة.
1358 - " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن
فسدت فسد سائر عمله ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (13 / 2 من زوائده) حدثنا أحمد هو ابن
(بياض في الأصل) حدثنا إسماعيل بن عيسى الواسطي حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق
حدثنا القاسم بن عثمان عن أنس مرفوعا، وقال: " لا يروى عن أنس إلا بهذا
الإسناد تفرد به إسحاق ". قال صاحب الزوائد. " كذا قال ".(3/343)
قلت: يشير إلى أن له طريقا أخرى عن أنس، وقد ساقها عقب هذا بلفظ " أول ما
يسأل.... " ويأتي قريبا.
قلت: وهذه الطريق ضعيفة وعلتها القاسم بن عثمان ضعفه البخاري والدارقطني.
ثم وجدت الحديث أخرجه الضياء في " المختارة " (209 / 2) من طريق الطبراني:
حدثنا أحمد بن أبي عوف حدثنا إسماعيل بن عيسى الواسطي به. ثم رواه من طريق
أخرى عن الأزرق به. ثم أخرجه الطبراني والضياء (1 / 197) من طريق روح بن
عبد الواحد القرشي حدثنا خليد بن دعلج عن قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ: " أول ما
يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت، فقد أفلح وإن فسدت فقد
خاب وخسر ". وقال الطبراني: " لم يروه عن قتادة إلا خليد تفرد به روح ".
قلت: قال أبو حاتم: " ليس بالمتين ". وخليد بن دعلج ضعيف. وقد خالفه أبان
ابن يزيد العطار فقال: أخبرنا قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعا به إلا أنه قال:
" فقد أفلح وأنجح ". أخرجه ابن شاذان في " جزء من حديثه " (ق 16 / 1) عن
عثمان بن السماك حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أخبرنا موسى بن إسماعيل:
أخبرنا أبان به. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير البرتي
وعثمان بن السماك، وهو عثمان بن أحمد بن السماك، وهما ثقتان مترجمان في "
تاريخ الخطيب " ولولا عنعنة الحسن البصري لقلت بأنه إسناد صحيح. لكن أخرجه
ابن نصر في " الصلاة " (ق 31 / 1) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا موسى بن إسماعيل
به إلا أنه قال: عن الحسن عن أنس بن حكيم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره. فالحديث حديث أنس بن حكيم(3/344)
عن أبي هريرة وليس حديث أنس
ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل في " جزء ابن شاذان " سقطا.
ويؤيده أني وجدت في مسودتي أن ابن شاذان روى في " الثامن من أجزائه " (15 / 1
) عن الحسن عن أنس بن حكيم عن أبي هريرة به. وكذلك رواه سفيان بن حسين عن علي
ابن زيد عن أنس بن حكيم الضبي قال: قال لي أبو هريرة: إذا أتيت أهل مصرك
فأخبرهم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه وفيه:
" فإن صلحت صلاته وإلا زيد فيها من تطوعه، ثم يقابل سائر الأعمال المفروضة
بذلك ". أخرجه أحمد (2 / 290) وابن نصر والبغوي في " شرح السنة " (2 / 24
/ 1) وقال: " حديث حسن ".
قلت: وهو كما قال، فإن أنس بن حكيم هذا مستور كما في " التقريب " فقد روى
عنه ابن جدعان أيضا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 14) . وقد تابعه
يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي به أتم منه. أخرجه أحمد (2 / 425
) وابن نصر. وتابعه حميد عن الحسن عن أبي هريرة، فأسقط من بينهما أنس ابن
حكيم، فلعل الحسن دلسه في هذه الرواية عنه. أخرجه أحمد (4 / 103) . وللحسن
فيه شيخ آخر، يرويه همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن حريث بن قبيصة قال:
قدمت المدينة فلقيت أبا هريرة ... قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره مثل رواية أبان بن يزيد العطار المتقدمة. أخرجه النسائي (1 / 81)
والترمذي (2 / 270) وحسنه، وابن نصر والطحاوي في " المشكل " (3 / 227)
. ثم أخرجه هو وابن شاذان في " الثامن من أجزائه " (14 / 2) من طريقين عن
الحسن عن (وفي أحدهما: أخبرني) صعصعة عن أبي هريرة.(3/345)
وللحديث شاهد من حديث
أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " أول ما يسأل العبد عنه ويحاسب به صلاته، فإن
قبلت منه قبل سائر عمله وإن ردت عليه رد سائر عمله ". أخرجه السلفي في "
الطيوريات " (ق 86 / 1) عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد
الخدري. قلت: عطية العوفي ضعيف، حسن له الترمذي كثيرا في " سننه " وذلك
محتمل في الشواهد كما هنا. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم.
1359 - " إن الله يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا
تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ".
أخرجه الترمذي (3 / 308) وابن ماجه (2 / 525) وابن حبان (2477) وأحمد
(2 / 358) من طريق عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن
أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب، وأبو خالد الوالبي اسمه هرمز ".
قلت: قد روى عنه جمع من الثقات، وأورده فيهم ابن حبان، وقال أبو حاتم:
" صالح الحديث ". فهو جيد الحديث، لكن العلة من زائدة بن نشيط فإنه لم يرو
عنه مع ابنه غير فطر بن خليفة، ولم يوثقه غير ابن حبان، وبيض له ابن أبي
حاتم (1 / 2 / 612) ، فهو مجهول الحال، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في
" التقريب ": " مقبول ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للحاكم بدل ابن
حبان ولم أره عنده الآن عن أبي هريرة وقد ذكر المناوي أنه قال:(3/346)
" صحيح
وأقره الذهبي في " التلخيص ". لكنه في " كتاب الزهد " نقله عن التوراة بهذا
اللفظ، ثم قال: وروي مرفوعا ولا يصح. انتهى. وفيه عند الترمذي أبو خالد
الوالبي عن أبيه. وأبوه لا يعرف كما في " المنار "، وزائدة ابن نشيط لا
يعرف أيضا ".
قلت: وقوله: " عن أبيه " وهم ظاهر، فإنه ليس لهذا الأب ذكر في سند الترمذي
ولا غيره ولعله وقع نظره على قوله " عن أبيه " عقب " ابن نشيط " فانتقل إلى
ما بعد " عن أبي خالد الوالبي " فسها. ثم وجدت الحديث في " التفسير " من
" مستدرك الحاكم " (2 / 443) مصححا كما ذكر المناوي، رواه من طريق عمران بن
زائدة به. ووجدت للحديث شاهدا قويا عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ
لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم! لا تباعد مني فأملأ
قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا ". أخرجه الحاكم (4 / 326) من طريق سلام بن أبي
مطيع حدثنا معاوية بن قرة عنه. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي،
وهو كما قالا. وتابعه سلام الطويل عن زيد عن معاوية بن قرة به. أخرجه ابن
عدي (163 / 1) في ترجمة سلام هذا وهو متروك. وزيد العمي ضعيف.
1360 - " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم،
ثم إن شربوا (الرابعة) فاقتلوهم ".
أخرجه أبو داود (2 / 473 - الحلبي) وابن ماجه (2 / 121) وابن حبان (1519
) والحاكم (4 / 372) وأحمد (4 / 95 و 96 و 101) عن عاصم بن بهدلة عن(3/347)
ذكوان أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فذكره، والزيادة لأحمد في رواية والحاكم وسكت، عنه وقال الذهبي:
" قلت: صحيح ". وهو كما قال إن كان يعني: صحيح لغيره وإلا فهو حسن للخلاف
المعروف في عاصم بن بهدلة. وله طريق أخرى يرويه المغيرة عن معبد القاص عن عبد
الرحمن بن عبد عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه ... " وفيه الزيادة. أخرجه أحمد
(4 / 93 - 97) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وعبد الرحمن بن عبد هو القاري.
ومعبد هو ابن خالد بن مرير الجدلي. والمغيرة هو ابن مقسم. ثم إن الحديث
غاية في الصحة، فقد رواه جماعة آخرون من الصحابة منهم أبو هريرة وجرير بن عبد
الله البجلي وعبد الله بن عمر والشريد أبو عمرو وعبد الله بن عمرو وشرحبيل
ابن أوس، وقد ساق الحاكم أسانيده إليهم، وصححه ابن حبان أيضا من حديث أبي
هريرة ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضا. وقد قيل إنه حديث منسوخ، ولا دليل
على ذلك بل هو محكم غير منسوخ كما حققه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على
" المسند " (9 / 49 - 92) واستقصى هناك الكلام على طرقه بما لا مزيد عليه
ولكنا نرى أنه من باب التعزيز، إذا رأى الإمام قتل، وإن لم يره لم يقتل
بخلاف الجلد فإنه لابد منه في كل مرة وهو الذي اختاره الإمام ابن القيم رحمه
الله تعالى.
1361 - " إذا شربتم اللبن فمضمضوا، فإن له دسما ".
أخرجه ابن ماجه (1 / 181) من طريق محمد بن خالد (الأصل: خالد بن محمد) عن
موسى بن يعقوب حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أم سلمة زوج
النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(3/348)
قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " (1 / 250) ورجاله ثقات
كما قال البوصيري في " الزوائد " (37 / 2) وفي موسى بن يعقوب وهو الزمعي
كلام من قبل حفظه. وله شاهد يرويه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي
عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مضمضوا من اللبن فإن
له دسما ". أخرجه ابن ماجه، وقال البوصيري: " هذا إسناد ضعيف، عبد المهيمن
، قال البخاري: منكر الحديث ".
قلت: وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". فقوله في المكان المشار إليه
من " الفتح ": " أخرجه ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله، وإسناد
كل منهما حسن ". فهو غير حسن لحال عبد المهيمن! وله عند ابن ماجه شاهد آخر
من طريق الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مثل حديث سهل.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن سلم من تدليس الوليد، لكنه شاذ عندي بهذا
اللفظ، فقد أخرجه البخاري (1 / 250 و 10 / 59 - 60) ومسلم (1 / 188 - 189
) والنسائي (1 / 40) والترمذي (1 / 149) والبيهقي (1 / 160) وأحمد (
1 / 223 و 227 و 329 و 337 و 373) من طرق عن الأوزاعي وغيره عن الزهري بلفظ:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال: إن له دسما ".
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".(3/349)
1362 - " إذا صلى أحدكم فلم يدر كيف صلى؟ فليسجد سجدتين وهو جالس ".
أخرجه أبو داود (1 / 236 - الحلبي) والترمذي (2 / 243 - شاكر) وابن ماجه
(1 / 363 - 364) وأحمد (3 / 12) من طريق يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال
قال: قلت لأبي سعيد: أحدنا يصلي فلا يدري كيف صلى؟ فقال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: وهو كما قال أو أعلى، وهو يعني حسن لغيره وإنما لم يحسنه لذاته -
والله أعلم - لأن عياضا هذا مجهول، تفرد عنه يحيى بن أبي كثير كما في
" التقريب " لكنه قد تابعه عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به نحوه.
أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (939) ، وقد
أخرجه ابن حبان (537) والحاكم (1 / 322) نحو رواية مسلم، وإسناده حسن،
وهو رواية لأبي داود. وعنده من الطريق الأولى زيادة قد أخرجته من أجلها في "
ضعيف أبي داود " (187) وهي عند ابن حبان أيضا (187 - 188) .
1363 - " إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا ".
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 65 / 2) حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان
ابن بلال عن جعفر بن محمد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: قال معاوية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط الشيخين.(3/350)
ثم أخرجه بأسانيد عديدة
من حديث أنس وعائشة وجابر وأبي هريرة مرفوعا أتم منه، وهي في " الصحيحين "
وغيرهما، وقد خرجتهما في " صحيح أبي داود " (614 - 619) .
1364 - " إذا صلوا على جنازة وأثنوا خيرا، يقول الرب عز وجل: أجزت شهادتهم فيما
يعلمون وأغفر له ما لا يعلمون ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 154) قال محمد بن حميد: حدثنا
حكام بن سلم الرازي سمع عيسى بن يزيد أبا معاذ عن خالد بن كيسان عن الربيع
بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أورده في ترجمة خالد بن
كيسان ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع ابن أبي حاتم (1 / 2 / 348
) ، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (3 / 58) وقال الحافظ: " مقبول ".
وعيسى بن يزيد أبو معاذ ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 291) ولم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، وقد وثقه ابن حبان أيضا. وحكام بن سلم الرازي ثقة.
ومحمد بن حميد وهو الرازي قال الحافظ بن حجر: " حافظ ضعيف، وكان ابن معين
حسن الرأي فيه ". وبالجملة فالحديث ضعيف الإسناد، لكن له شواهد كثيرة تراها
في " مجمع الزوائد " (3 / 4) وقد خرجت بعضها في " كتاب الجنائز " (ص 45) .
1365 - " إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك(3/351)
ينكأ لك عدوا أو يمشي لك صلاة "
. (1)
أخرجه أبو داود (2 / 166 - 167 - الحلبية) وابن حبان (715) والحاكم
(1 / 344) من طريق ابن وهب حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: وليس كما قالا، فإن حييا هذا لم يخرج له مسلم شيئا، وهو إلى ذلك فيه
كلام من قبل حفظه كما أشار إليه الحافظ بقوله في ترجمته: " صدوق يهم ". فمثله
بحسب أن يحسن حديثه، أما الصحة فلا. ثم رأيت الذهبي نفسه قد أورده في
" الضعفاء "، وقال: " حسن الحديث، قال أحمد: منكر الحديث ". هذا وفي
رواية لأبي داود: " جنازة " مكان " صلاة ". وهي عندي رواية شاذة، فقد رواه
ابن لهيعة أيضا حدثني حي بن عبد الله بالرواية الأولى: أخرجه أحمد (2 / 172)
، ورواه ابن حبان أيضا (715) من طريق أخرى عن ابن وهب به إلا أنه جعل من
فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " كان إذا جاء الرجل يعوده قال: " فذكره.
(ينكأ) يقال: نكيت في العدو وأنكي نكاية فأنا ناك، إذا أكثرت فيهم الجراح
والقتل فوهنوا لذلك. نهاية.
1366 - " إذا غربت الشمس فكفوا صبيانكم، فإنها ساعة ينتشر فيها الشياطين ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 26 / 2) من طريق ليث
_________
(1) (انظر الاستدراك رقم 351 / حديث 1365) . اهـ.(3/352)
عن مجاهد عن
ابن عباس رفعه قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ليث وهو ابن أبي سليم، كان اختلط لكن الحديث صحيح
له شاهد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا نحوه، أخرجه الشيخان وغيرهما وقد
مضى لفظه برقم (40) .
1367 - " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته
الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه
سبعون ألف ملك حتى يصبح ".
أخرجه أحمد (1 / 81) وأبو داود (3099) وابن ماجه (1 / 440) والحاكم
(1 / 349) وأبو يعلى في " مسنده " (77) والبيهقي (3 / 380) عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى قال: " جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده، فقال له
علي رضي الله عنه: أعائد جئت أم شامتا؟ قال: لا بل عائدا، قال: فقال
له علي رضي الله عنه: إن كنت جئت عائدا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول.. فذكره، وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه
الذهبي، وهو كما قالا، وقد ذكر الحاكم ثم البيهقي أن له علة من قبل إسناده
لكن الأول صرح بأنها غير قادحة في صحته. وهو الظاهر. والله أعلم، لاسيما
وقد قال أبو داود عقبه: " أسند هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم من
غير وجه صحيح ".
قلت: وليس من هذه الوجوه ما أخرجه الترمذي (1 / 181) من طريق ثوير أبي
فاختة عن أبيه قال:(3/353)
" أخذ علي بيدي، وقال: انطلق بنا إلى الحسن نعوده،
فوجدنا عنده أبا موسى فقال علي عليه السلام: أعائدا ... " الحديث نحوه، وقال
: " حديث حسن غريب، وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجه منهم من وقفه ولم
يرفعه، وأبو فاختة اسمه سعيد بن علاقة ".
قلت: وهو ثقة لكن ابنه ثوير ضعيف كما في " التقريب " إلا أنه يتقوى بما قبله
. ومن طرقه ما روى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن يسار " أن عمر
ابن حريث عاد الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال له علي: أتعود الحسن وفي نفسك
ما فيها؟ فقال له عمرو: إنك لست بربي فتصرف قلبي حيث شئت. قال علي رضي الله
عنه: أما إن ذلك لا يمنعنا أن نؤدي إليك النصيحة؟ سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: " ما من مسلم عاد أخاه إلا ابتعث الله له سبعين ألف ملك يصلون
عليه.. " الحديث نحو رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى دون ذكر الخرافة والرحمة.
أخرجه أحمد (1 / 97 و 118) وابن حبان (710) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير
عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي فهو مجهول وثقه ابن حبان (3 / 141 - 142) .
ومن طرقه أيضا ما روى شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال: " عاد أبو موسى
الأشعري الحسن بن علي ... " الحديث. أخرجه أحمد (1 / 120 - 121 و 121) وأبو
داود (3098) . ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن نافع وهو الكوفي
أبو جعفر مولى بني هاشم. ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " صدوق " كما في
" التهذيب ". ولم أره في " الثقات " المطبوع. وقيل إنه عبد الله بن يسار
المتقدم، وفيه بعد، والله أعلم. وروى مسلم بن أبي مريم عن رجل من الأنصار
عن علي رضي الله عنه مرفوعا به مختصرا.(3/354)
أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد
المسند " (1 / 138) . ورجاله موثقون غير الأنصاري فإنه لم يسم.
(خرافة الجنة) أي في اجتناء ثمرها. يقال: خرفت النخلة أخرفها خرفا وخرافا.
1368 - " إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق أو الماء، فإنه أوسع، أو أبلغ للجيران ".
أخرجه أحمد (3 / 377) حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا الأعمش قال: بلغني عن
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه منقطع بين الأعمش وجابر.
وقد خالفه سفيان الثوري فقال: عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا
به نحوه. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 252) عن عبد الله بن إبراهيم
السواق: حدثني بشر بن الحارث عن المعافى بن عمران عنه. وقال عن الدارقطني:
" غريب من حديث الثوري عن الأعمش أيضا عن إبراهيم التيمي، تفرد به هذا الشيخ
عن بشر بن الحارث المعروف بالحافي.
قلت: قد رواه أبو بكر المفيد عن محمد بن عبد الله تلميذ بشر بن الحارث عن بشر
، وهذا التلميذ مجهول، والمفيد محمد بن محمد بن النعمان ليس بموثوق به ".
قلت: وهو عن أبي ذر محفوظ، رواه عبد الله بن الصامت عنه مرفوعا بلفظ: " إذا
طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فاصبهم منها بمعروف ".(3/355)
أخرجه مسلم (8 / 37) والبخاري في " الأدب المفرد " (113) والترمذي (3 /
93) والدارمي (2 / 108) وابن ماجه (2 / 324) وابن المبارك في " الزهد "
(606) وأحمد (5 / 149 - 156 - 161 - 171) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح
". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 19) من رواية أحمد بلفظ
الترجمة، ومن رواية البزار بلفظ: " إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها أو المرق،
وتعاهد جيرانك ". وقال: " ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن مغراء، وثقه
أبو زرعة وجماعة وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح ". ثم أورده في
مكان آخر منه (8 / 165) بلفظ: " إذا طبخ أحدكم قدرا فليكثر مرقها، ثم
ليناول جاره منها "، وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبيد الله
ابن سعيد قائد الأعمش، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ".
قلت: وقد أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 186 / 2) من طريق عبد الرحمن بن
المغراء الأزدي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به.
قلت: وهذه فائدة عزيزة، بين فيها ابن المغراء الواسطة بين الأعمش وجابر
أنها أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع، وهو صدوق من رجال الشيخين لكن ابن
المغراء قال الحافظ: " تكلم في حديث عن الأعمش ". وجملة القول أن الحديث
بطرقه عن جابر، والشاهد الذي ذكرته من حديث أبي ذر صحيح بلا ريب. والله
أعلم.
1369 - " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له ".
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (1 / 221) والطبراني في(3/356)
" المعجم
الأوسط " (1 / 28 / 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 236) من طريقين
عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث قال الهيثمي في " المجمع "
(2 / 51) : " رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن ".
قلت: وذلك لأن في إسناده زهير بن عباد، وفيه خلاف، لكن طريق البيهقي سالم
منه، فصح الحديث والحمد لله. وقوله: " الكبير " لعله سبق قلم، أو خطأ
مطبعي، فإنما رواه الطبراني في " الأوسط " كما عرفت وهو على علم به، فقد
عزاه إليه في " زوائده " ومنه نقلت، فلو كان قوله: " الكبير " صوابا، لضم
إليه " الأوسط " أيضا. والله أعلم.
(تنبيه) أخرج أبو داود وغيره الشطر الأول من الحديث. راجع " صحيح أبي داود
" (645) .
1370 - " إذا حضر أحدكم الأمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة. (يعني الجمع بين الصلاتين
) ".
أخرجه النسائي (1 / 98) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 194 - 2 / 1)
من طريق يزيد بن زريع قال: حدثنا كثير بن قاروند (وقال الطبراني: ابن قنبر
) قال: سألنا سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر؟ فأخبر عن أبيه،
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه ابن شميل قال:
حدثنا كثير ابن قاروند به. أخرجه النسائي (1 / 99) .(3/357)
قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات معروفون غير كثير بن قاروند، هكذا أورده
في " التهذيب " ولم يذكر خلافا في اسم أبيه، ورواية الطبراني تثبته ويؤيده
أن ابن أبي حاتم أورده في كتابه (3 / 2 / 155) : " كثير بن قنبر " وفقا
لرواية الطبراني، وذكر أنه روى عنه علاوة على يزيد بن زريع والنضر بن شميل:
روح بن عبادة وعلي بن عبد العزيز. وزاد في " التهذيب " مكانهما: " ويوسف
ابن خالد السمتي والفضل بن سليمان ".
قلت: السمتي متهم، وسائرهم ثقات قد رووا عنه وقد ذكره ابن حبان في " الثقات
" فهذا من اتفاق أولئك الثقات على الرواية عنه، مما يلقي الطمأنينة في القلب،
على الاحتجاج بحديثه. والله أعلم.
1371 - " إذا صليت الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس (فإنها تطلع بقرني شيطان) ،
فإذا طلعت فصل، فإن الصلاة محضورة ومتقبلة، حتى تعتدل على رأسك مثل الرمح،
فإذا اعتدلت على رأسك، فإن تلك الساعة تسجر فيها جهنم، وتفتح فيها أبوابها
حتى تزول عن حاجبك الأيمن، فإذا زالت عن حاجبك الأيمن فصل، فإن الصلاة محضورة
متقبلة حتى تصلي العصر، (ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس) ".
أخرجه أحمد (5 / 312) والحاكم (3 / 518) من طريق حميد بن الأسود: حدثنا
الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن صفوان بن المعطل السلمي أنه سأل النبي صلى
الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله إني أسألك عما أنت به عالم، وأنا به
جاهل، من الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم..... " فذكره. وقال الحاكم - والزيادتان له -:(3/358)
" صحيح الإسناد "
. ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا لولا أن حميد بن الأسود قد قال فيه الحافظ: " يهم قليلا "
. وقد خولف في إسناده، رواه ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن
أبي هريرة قال: " سأل صفوان بن المعطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
..... " الحديث، فجعله من مسند أبي هريرة، لا من مسند صفوان.
أخرجه ابن ماجة (1252) وابن حبان (619) . ويرجح هذه الرواية أن ابن حبان
أخرجه (618) من طريق ابن وهب عن عياض بن عبد الله القرشي عن سعيد بن أبي سعيد
عن أبي هريرة به نحوه. وهذا إسناد على شرط مسلم لكن عياضا هذا فيه لين كما
قال الحافظ، فهو في المتابعات لا بأس به، والحديث بمجموع الطريقين صحيح،
وقد حسن البوصيري في " الزوائد " (ق 98 / 1 مصورة المكتب) طريق ابن أبي فديك
، وعزاه لابن خزيمة في " صحيحه " من طريق ابن وهب. واعلم أن قوله " ثم دع
الصلاة حتى تغيب الشمس " هو كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة بعد العصر
حتى تغرب الشمس ". وكلاهما من العام المخصوص لحديث أنس وعلي الصريحين في ذلك
، فراجعهما برقم (200 و 314) .
1372 - " إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله عز وجل بأسه بأهل الأرض، وإن كان فيهم
صالحون، يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يرجعون إلى رحمة الله ".
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 441 / 2) من طريق سفيان بن عيينة عن
جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن الحسن بن محمد عن عائشة مرفوعا.(3/359)
قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وقد
ذكروا للحسن بن محمد وهو ابن علي بن أبي طالب رواية عن جمع من الصحابة منهم
عائشة رضي الله عنها. لكن يبدو أن بينهما واسطة، فقد أخرجه الحاكم (4 / 523
) من طريق عبد الله. أنبأنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن أبي يعلى منذر
الثوري عن الحسن بن محمد بن علي عن مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:
" دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، أو على بعض أزواج النبي صلى
الله عليه وسلم وأنا عنده فقال " فذكره. وسفيان هو ابن عيينة، وقد رواه
عنه أحمد أيضا (6 / 41) لكن وقع فيه: " عن حسن بن محمد عن امرأته " فلعله
محرف من " امرأة ". سكت عليه الحاكم والذهبي، وليس بجيد، فإن المولاة وإن
لم تسم، فهي صحابية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم عدول
، فالسند صحيح سواء كان عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عنها عن
عائشة أو غيرها كما يأتي عنه صلى الله عليه وسلم. وقد جاء من وجه آخر سميت
فيه المولاة، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 218) من طريق الطبراني:
حدثنا أحمد بن زهير بن منصور الطوسي حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا محمد بن طلحة
عن زبيد قال: حدثني جامع بن أبي راشد - ودموعه تنحدر - عن أم بشر عن أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره.
قلت: أحمد بن زهير إن كان النسائي الحافظ فهو ثقة وإن كان غيره - وهو الظاهر
- فلم أعرفه، ومن فوقه كلهم ثقات، ولكن لا أدري أهكذا الرواية، أم سقط ما
بين جامع وأم بشر راويان كما تدل عليه رواية الحاكم. والله أعلم.
وأخرجه أحمد (6 / 294) من طريق شريك بن عبد الله عن جامع بإسناده المتقدم عن
الحسن بن محمد قال: حدثتني امرأة من الأنصار - هي حية اليوم إن شئت أدخلتك
عليها، قلت: لا، حدثتني - قالت: دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ... الحديث. وشريك سيىء الحفظ، فيؤخذ من حديثه ما وافق
الثقات.(3/360)
وللحديث طريق أخرى عن أم سلمة يرويه ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور
ابن سويد عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره، نحوه. أخرجه أحمد (6 / 304) . وليث وهو ابن أبي
سليم ضعيف يمكن الاستشهاد به. والله أعلم.
1373 - " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها ".
أخرجه أحمد (5 / 169) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شمر بن عطية عن
أشياخه عن أبي ذر قال: " قلت: يا رسول الله أوصني، قال " فذكره. وزاد:
" قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل
الحسنات ". وبهذا الإسناد أخرجه في " الزهد " (ص 27) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير أشياخ شمر، فلم يسمعوا، لكنهم جمع
ينجبر الضعف بعددهم، كما قال السخاوي في غير هذا الحديث. وتابعه أبو نعيم:
حدثنا الأعمش به إلا أنه قال: " عن شيخ من التيم ". أخرجه أبو نعيم في
" الحلية " (4 / 217) من طريقين عنه. وقال: " رواه أبو نعيم عن الأعمش،
وجوده يونس بن بكير عنه ". ثم ساقه من طريق عقبة بن مكرم حدثنا يونس بن بكير
عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر به نحوه. وهذا إسناد جيد
رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ووالد إبراهيم اسمه يزيد بن شريك التيمي.
وللحديث شاهد من رواية ميمون بن أبي شبيب عن أبي ذر مرفوعا بلفظ:(3/361)
" اتق الله
حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحها ". أخرجه
أحمد (5 / 153 و 158 و 177) واللفظ له في رواية، والدارمي (2 / 323)
والترمذي (1 / 359) وقال: " حديث حسن صحيح "! ثم أخرجه هو وأحمد (5 /
228 و 236) من طريق ميمون أيضا عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه وقال: " قال
محمود - يعني ابن غيلان -: والصحيح حديث أبي ذر ".
قلت: وهو على الوجهين منقطع لأن ميمونا لم يسمع من معاذ وأبي ذر كما بينته
في " الروض النضير " (855) وراجع " جامع العلوم والحكم " (111 - 132)
لابن رجب الحنبلي، فقد بسط الكلام على الحديث سندا وشرحا بسطا شافيا.
وجملة القول أن حديث الترجمة صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم.
1374 - " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ".
أخرجه الحاكم (2 / 553) من طريق معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وابن كعب اسمه عبد الرحمن.
وقد تابعه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن كعب به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار
" (3 / 124) . وتابعه إسحاق بن راشد عن عبد الرحمن بن كعب به نحوه. وزاد
فيه " إن أم إسماعيل منهم ".(3/362)
أخرجه الطحاوي أيضا. وإسناده صحيح، وهذه
الزيادة في حديث معمر عند الحاكم مقطوعا بلفظ: " قال الزهري: فالرحم أن أم
إسماعيل منهم ". وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (7 /
190) والطحاوي وأحمد (5 / 173 و 174 و 175) . (انظر الاستدراك رقم 363 /
6) .
1375 - " علموا ويسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1230) وأحمد (1 / 239 و 283 و 365)
وابن عدي (227 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 66 / 1) من طريق ليث
ابن سليم قال: حدثني طاووس عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا سند ضعيف، ليث كان اختلط. لكن تابعه أبو جناب عن طاووس عن ابن
عباس به دون قوله: " وبشروا ولا تنفروا ". رواه أبو جعفر البختري الرزاز في
" جزء من الأمالي " (2 1) .
قلت: بيد أن هذه المتابعة لا تفيد الحديث قوة لأن أبا جناب هذا واسمه يحيى بن
أبي حية الكلبي قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه ". فيحتمل أنه تلقاه عن ليث
ثم دلسه! والحديث بيض المناوي لإسناده، ولم يزد على قوله: " زاد في الأصل
(يعني الجامع الكبير) وحسن ".
قلت: ولعله يعني حسن لغيره وإلا فضعفه بين لا يخفى، لكن وجدت له شاهدا رواه
ابن شاهين في " الفوائد " (ق 112 / 1) من طريق إسماعيل بن(3/363)
حفص الأبلي حدثنا
أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا
غضبت فاسكت ".
قلت: وهذا إسناد حسن، الأبلي هذا قال الحافظ: " صدوق ". ومن فوقه من رجال
البخاري. وسائر الحديث شواهده معروفة، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى.
1376 - " إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه ".
أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (ص 252) من طريق ابن عدي وهذا في " الكامل
" (297 / 1) عن عمار بن رجاء حدثنا أحمد بن أبي طيبة عن أبيه عن الأعمش عن
أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " إنه من غرائب أحاديث أبي طيبة "
. واسمه عيسى بن سليمان الدارمي، وكان من العلماء والزهاد كما قال السهمي،
وأطال في ترجمته، وقال ابن عدي: " كان رجلا صالحا ولا أظن أنه كان يتعمد
الكذب، ولكن لعله كان يشبه عليه فيغلط، وقد حدث جماعة عنه ".
قلت: فهو ممن يستشهد بحديثه لسلامته من الضعف الشديد، وعمار بن رجاء ثقة
حافظ ترجمه السهمي أيضا، وسائر الرواة من رجال " التهذيب ". وللحديث شاهد
من حديث ابن مسعود مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني وغيره، وقد تكلمت على
إسناده في " الروض النضير " (635) وذكرت له هناك شواهد أخرى، فالحديث
بمجموع ذلك صحيح.(3/364)
1377 - " عذاب القبر حق ".
أخرجه أحمد (6 / 174) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأشعث ابن سليم عن
أبيه عن مسروق عن عائشة: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت
لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
عذاب القبر؟ فقال: " نعم عذاب القبر حق "، قالت عائشة: " فما رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة بعد إلا تعوذ من عذاب القبر ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (1 / 345) من
طريق أخرى عن شعبة به. وتابعه هاشم بن القاسم حدثنا شعبة به مرفوعا مختصرا
دون القصة. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 64) . ولهاشم بن القاسم فيه
إسناد آخر، فقال أحمد (6 / 81) : حدثنا هاشم قال: حدثنا إسحاق بن سعيد قال
: حدثنا سعيد عن عائشة: أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من
المعروف إلا قالت لها اليهودية: " وقاك الله عذاب القبر ... " الحديث نحوه أتم
منه، وفيه الترجمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا. وسعيد هو ابن عمرو ابن سعيد بن
العاص الأموي الكوفي والد إسحاق الراوي عنه. وله طريق أخرى عنها يرويه عاصم
ابن بهدلة عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " عذاب القبر حق. قالت: قلت: فلم يسمعه أحد؟ قال
: لا يسمعه الجن أو الإنس، ويسمعه غيرهم، أو قال: يسمعه الهوام ". أخرجه
أبو الشيخ في " أحاديثه " (ق 7 / 1) .
قلت: وهذا إسناد حسن.(3/365)
والحديث عزاه في " الجامع " للخطيب وحده! وأصله
عند البخاري (4 / 199) ومسلم (2 / 92) من طريق منصور عن أبي وائل به نحو
رواية الأشعث بن سليم عن أبيه، عنه إلا أنه ذكر أن الداخل على عائشة عجوزان،
وفيه: " فقال صلى الله عليه وسلم: صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم
كلها ". وله شاهد أخرجه الطبراني (3 / 78 / 2) : حدثنا محمد بن عثمان بن
أبي شيبة أخبرنا يعلى بن المنهال السكوني أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو بكر
ابن عياش عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " إن الموتى ليعذبون
في قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم ". وهذا إسناد لا بأس به في
المتابعات، ورجاله كلهم معروفون غير السكوني ترجمه ابن أبي حاتم برواية آخر
عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم رأيته في " أخبار أصبهان " (1 / 198
) من طريق محمد بن شيراز حدثنا يعلى بن المنهال السكوني به. وقال المنذري (4
/ 182) : " رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن ".
1378 - " إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق، ويبغض سفسافها ".
أخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (12 / 1) والحاكم (1 / 48) وأبو نعيم في
" الحلية " (3 / 255 و 8 / 133) والسلفي في " معجم السفر " (18 / 1) من
طريق محمد بن ثور الصنعاني عن معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وهو
كما قال، فقد تابعه حجاج بن سليمان بن القمري حدثنا أبو غسان عن أبي حازم به.
أخرجه الحاكم وصححه أيضا وقال:(3/366)
" وحجاج بن قمري شيخ من أهل مصر ثقة مأمون "
. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وللحديث شاهد من رواية عامر بن سعد عن أبيه
مرفوعا نحوه. أخرجه ابن عساكر وابن النجار والضياء كما في " الجامع الكبير "
(1 / 150 / 1) ، وقد راجعت " الأحاديث المختارة " للضياء المقدسي، راجعت
منه " مسند سعد بن أبي وقاص "، فلم أجد الحديث فيه. والله أعلم. وقد روي
من حديث الحسين بن علي مرفوعا بلفظ: " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها،
ويكره سفسافها ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 140 / 1) وابن عدي (
114 / 1) عن خالد بن إلياس العدوي أخبرني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان
عن أمه فاطمة بنت حسين عن أبيها حسين بن علي به. وقال: " خالد بن إلياس
أحاديثه كأنها غرائب وأفرادات عمن يحدث عنهم، ومع ضعفه يكتب حديثه ".
قلت: ويؤخذ من كلام سائر الأئمة فيه أنه ضعيف جدا. وعليه فلا يصلح شاهدا،
فالاعتماد على ما سبق.
1379 - " إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله، فإنه أعظم لأجره ".
أخرجه الدارقطني (289) والحاكم (71 / 477) وعنه البيهقي (5 / 259) من
طريق أبي مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا أبو ضمرة الليثي عن هشام بن عروة
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، والعثماني هذا لم يخرج له الشيخان
شيئا، وفيه كلام يسير، فقد أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال:(3/367)
" ثقة
له عن أبيه مناكير ". لكنه ذكر في " الميزان " أن نكارتها من قبل أبيه.
وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فالحديث حسن على أقل الدرجات.
1380 - " إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفا من خشب ".
أخرجه الترمذي (رقم 2204) وابن ماجة (3960) واللفظ له وأحمد (5 / 96
و6 / 393) والطبراني في " الكبير " (1 / 44) من طرق ثلاثة عن عديسة بنت
أهبان قالت: " لما جاء علي بن أبي طالب ههنا (البصرة) دخل على أبي، فقال:
يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى، قال فدعي جارية له
فقال: يا جارية أخرجي سيفي، قال: فأخرجته فسل منه قدر شبر فإذا هو خشب!
فقال: إن خليلي وابن عمك عهد إلي: إذا كانت ... (الحديث) ، فإن شئت خرجت
معك، قال: لا حاجة لي فيك، ولا في سيفك ". وقال الترمذي: " حديث حسن
غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد ".
قلت: وهو ثقة، وقد تابعه اثنان آخران كما تقدمت الإشارة إليه وهما عبد
الكبير بن الحكم الغفاري وأبو عمرو القسملي. وعديسة لم يوثقها أحد فيما علمت
لكنها تابعية وابنة صحابي، وقد روى عنها ثلاثة كما تقدم، فالنفس تطمئن
لثبوت حديثها. فلا جرم حسنه الترمذي. والله أعلم. ويشهد له حديث سهل بن
أبي الصلت قال: سمعت الحسن يقول:(3/368)
" إن عليا بعث إلى محمد بن مسلمة، فجيء به
، فقال: ما خلفك عن هذا الأمر؟ قال دفع إلي ابن عمك - يعني النبي صلى الله
عليه وسلم - سيفا فقال: " قاتل به ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم
بعضا، فاعمد به إلى صخرة فاضربه بها ثم الزم بيتك، حتى تأتيك منية قاضية أو
يد خاطئة "، قال: " خلوا عنه ". أخرجه أحمد (5 / 225) ورجاله ثقات لكنه
منقطع بين الحسن - وهو البصري - وعلي. ثم أخرجه (5 / 226) من طريق زياد بن
مسلم أبي عمر حدثنا أبو الأشعث الصنعاني قال: بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن
الزبير فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - سمى زياد اسمه - فقال: إن الناس
صنعوا ما صنعوا فما ترى؟ فقال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم
إن أدركت شيئا من هذا الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ... " الحديث نحوه
. وسنده حسن. ثم أخرجه (3 / 493) وابن ماجة (3962) من طريق علي بن زيد
ابن جدعان عن أبي بردة قال: دخلت على محمد بن مسلمة فقال فذكره مرفوعا:
" إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان كذلك فأت بسيفك أحدا فاضربه ... "
الحديث مثل رواية الحسن. فالحديث صحيح بمجموع الطرق. ورواه زهدم بن الحارث
الغفاري وغيره قال: قال أهبان بن صيفي مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في
" المعجم الكبير " (رقم 863 - 868) .
1381 - " إذا كان يوم القيامة بعث إلى كل مؤمن بملك معه كافر فيقول الملك للمؤمن: يا
مؤمن! هاك هذا الكافر، فهذا فداؤك من النار ".
أخرجه ابن عساكر (18 / 143 / 2) عن يحيى بن صالح الوحاظي أخبرنا سعيد بن يزيد
ابن ذي عضوان عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله
عليه وسلم به. وقال: " قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث يزيد بن سعيد عن
عبد الملك، وهو(3/369)
حديث غريب من هذا الوجه، ويزيد هذا من أهل الشام ثقة. كذا
وقع في الحديث: " سعيد بن يزيد "، وفي الكلام: " يزيد بن سعيد "، وقد وقع
لي هذا الحديث من حديث يحيى بن صالح أعلى من هذا، وسمي فيه يزيد بن سعيد ".
ثم ساقه من طريق أبي نعيم عن الطبراني أخبرنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة
أخبرنا يحيى بن صالح الوحاظي به. ثم ساقه من طرق أخرى عن يحيى به.
قلت: ويزيد بن سعيد قال ابن حبان في " الثقات ": " ربما أخطأ ". وأورده
ابن أبي حاتم (4 / 2 / 267) من رواية جماعة من الثقات عنه. فلم يذكر فيه
جرحا ولا تعديلا، وقد وثقه ابن شاهين أيضا كما سبق، وسائر الرواة ثقات
رجال الشيخين، فالإسناد صحيح. والحديث أخرجه مسلم (8 / 104) وأحمد (4 /
391 و 402 و 407 و 408 و 410) وأبو القاسم الأصم في " جزء من أحاديث مشايخه "
رقم (58 منسوخة المكتب) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 80) من طرق عن
أبي موسى نحوه دون بعث الملك. زاد أبو نعيم: " قال أبو أسامة (أحد رواته) :
هذا خير للمؤمنين من الدنيا وما فيها، وإسناده كأنك تنظر إليه ".
وللحديث شاهد من رواية جبارة بن مغلس حدثنا كثير بن سليم عن أنس بن مالك
مرفوعا به، وزاد في أوله: " إن هذه الأمة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا
كان يوم القيامة ... " الحديث. أخرجه ابن ماجه (4292) وإسناده ضعيف، لا
بأس به في الشواهد، وقد تقدمت هذه الزيادة من طريق أخرى عن أبي موسى مرفوعا
نحوه رقم (957) .
1382 - " إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قيد ميل أو اثنين،
فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه
ومنهم(3/370)
من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما
".
أخرجه مسلم (2864) والترمذي (2423) وأحمد (6 / 3) عن عبد الرحمن بن
يزيد بن جابر حدثني سليم بن عامر حدثنا المقداد صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وزاد في
آخره: " فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه، أي يلجمه
إلجاما ". والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". وله شاهد من حديث
عقبة بن عامر مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (2538) والحاكم (4 / 571)
وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1383 - " إنكم مفتوح عليكم، منصورون ومصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله،
وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه، من كذب علي متعمدا فليتبوأ
مقعده من النار، ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير ردي في بئر فهو
ينزع منها بذنبه ".
أخرجه أحمد (1 / 401) : حدثنا عبد الملك بن عمرو ومؤمل قالا: حدثنا سفيان
عن سماك عن عبد الرحمن عن عبد الله قال: " انتهيت إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وهو في قبة حمراء - قال عبد الملك: من أدم - في نحو من أربعين رجلا فقال
... " فذكره. وكذلك أخرجه أبو داود في " سننه " (2 / 624 - 625 طبعة الحلبي
) حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر حدثنا سفيان به، إلى قوله " من أدم ". وقال(3/371)
عقبة: " فذكره نحوه ". يعني نحو لفظ حديث زهير حدثنا سماك بن حرب بلفظ: " من
نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه "، فلم يسق الحديث
بتمامه وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي، شيخ أحمد المتقدم. وتابعه
شعبة عن سماك بن حرب به، دون قوله " ومثل الذي ... ". أخرجه أحمد (1 / 436
) والترمذي (رقم 2258) وقال: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وهو كما قال، فإن إسناده صحيح، رجاله ثقات، ومن اقتصر على تحسينه
فهو تقصير! وتابعه المسعودي عن سماك به. أخرجه أحمد (1 / 389 و 436) .
وتابعه شريك عن سماك به مقتصرا على قوله: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار ". أخرجه ابن ماجه (رقم 30) .
1384 - " أفضل المؤمنين أحسنهم خلقا وأكيسهم أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا
أولئك الأكياس ".
رواه البيهقي في " الزهد الكبير " (52 / 2) عن عبيد الله بن سعيد بن كثير
ابن عفير حدثني أبي حدثني مالك بن أنس عن سهيل بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن
عبد الله بن عمر. أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين
أفضل؟ قال: " أحسنهم خلقا "، قال: " فأي المؤمنين أكيس؟ . قال: " أكثرهم
... ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عبيد الله بن سعيد هذا،(3/372)
قال ابن حبان
: يروي عن الثقات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال: لا يشبه حديثه
حديث الثقات. ومن طريقه أخرجه ابن عدي والدارقطني في " الغرائب " وقالا:
" تفرد به عبيد الله بن سعيد عن أبيه عن مالك ". كما في " اللسان ". ثم وجدت
للحديث بعض الشواهد، فأخرجه ابن ماجه (2 / 565) عن نافع بن عبد الله عن فروة
ابن قيس عن عطاء بن أبي رباح به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة فروة بن قيس وكذا الراوي عنه، وخبره باطل كما
قال الذهبي في " طبقات التهذيب "، ونقله البوصيري عنه في " الزوائد " (287 /
2) وأقره، فقول المنذري في " الترغيب " (4 / 129) : " بإسناد جيد " غير
جيد. ثم ذكر هو والبوصيري والهيثمي في " المجمع " (10 / 309) أنه رواه
الطبراني في " الصغير " بإسناد حسن.
قلت: وفيه عنده (209) معلى الكندي عن مجاهد عن ابن عمر به مع اختصار الجملة
الأولى منه، وزاد في آخره: " ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ". ورجاله
ثقات غير المعلى هذا، وقد أورده البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 394
) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 330) من رواية الأعمش عنه، ولم يذكرا فيه جرحا
ولا تعديلا، وقد روى عنه مالك بن مغول أيضا هذا الحديث، وذكره ابن حبان في
" الثقات ". فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن، وأما الجملة الأولى فهي صحيحة.
1385 - " إذا قسمت الأرض وحدت، فلا شفعة فيها ".
أخرجه أبو داود (2 / 256 - الحلبي) والبيهقي (6 / 104) عن ابن جريج عن ابن
شهاب الزهري عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(3/373)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح لولا عنعنة ابن جريج
فإنه مدلس، ولا يضره التردد في تعيين تابعيه، فإنهم ثقات جميعا، وقد تابعه
مالك ولم يتردد في روايته عنه، فقال: عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي
هريرة به، ولفظه: " الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق
فلا شفعة ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 265 - 266) وابن حبان (
1152) والبيهقي من طرق عن مالك به. وهذا إسناد صحيح، لكن أعله الطحاوي بأن
الأثبات من أصحاب مالك إنما رووه مرسلا لم يذكروا فيه أبا هريرة. ثم ساقه من
طريق ابن وهب وغيره عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة مثله.
وكذلك رواه يحيى عن مالك في " الموطأ " (2 / 192) . فالظاهر - والله أعلم -
أن هذا الاختلاف إنما هو من الزهري نفسه، فكان تارة يرسله وتارة يوصله وليس
ذلك مما يضر في صحة الحديث شيئا لأن الراوي ثقة، فقد ينشط أحيانا فيوصله
ويفتر أحيانا فيرسله والوصل زيادة فيجب قبولها. لاسيما والحديث في
" الصحيحين " وغيرهما من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله
مرفوعا نحوه.
1386 - " إذا صلى أحدكم إلى سترة، فليدن منها، لا يمر الشيطان بينه وبينها ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 79 / 2) من طريق سليمان بن أيوب
الصريفيني أخبرنا بشر بن السري عن داود بن قيس الفراء عن نافع بن جبير بن
مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سليمان بن أيوب هذا، فقد أغفلوه ولم
يترجموه، اللهم إلا السمعاني في " الأنساب "، فإنه أورده في هذه النسبة
(الصريفيني) وقال:(3/374)
" يروي عن سفيان بن عيينة ومرحوم العطار وغيرهما ".
وذكر أنه أخو شعيب بن أيوب الصريفيني المضعف، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
وقد خولف في إسناده، فأخرجه البيهقي (2 / 272) من طريق بحر ابن نصر قال:
قرىء على ابن وهب: أخبرك داود بن قيس المدني أن نافع بن جبير بن مطعم حدثه أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره هكذا مرسلا، ورجاله ثقات، وقال
البيهقي: " قد أقام إسناده سفيان بن عيينة، وهو حافظ حجة ".
قلت: يشير إلى ما أخرجه قبل من طريق أبي داود عن جمع قالوا: حدثنا سفيان عن
صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: فذكره إلا أنه قال: " لا يقطع الشيطان عليه صلاته ". ومن هذا
الوجه أخرجه النسائي والطحاوي في " المشكل " (3 / 251) والحاكم، وصححه
ابن حبان (409) وأحمد، وصححه جمع آخرون كما حققته في " صحيح أبي داود "
(692) . وخالفه عيسى بن موسى بن إياس عن صفوان فقال: عن نافع بن جبير عن
سهل بن سعد مرفوعا. أخرجه الطحاوي - ووقع سقط في إسناده - وأبو نعيم في
" الحلية " (3 / 165) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عيسى به. وقال أبو نعيم:
" كذا قال إسماعيل: " سهل بن سعد "، وتابعه عليه عبيد الله بن أبي جعفر،
واختلف على صفوان فيه، فرواه ابن عيينة عن صفوان عن نافع عن سهل، ورواه
يزيد بن هارون عن شعبة عن واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل بن حنيف عن
أبيه نحوه ". وجملة القول: أن أصح الأسانيد رواية ابن عيينة عن سهل بن أبي
حثمة، فالحديث من مسنده لا من مسند جبير بن مطعم أو غيره.
1387 - " ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وسهام
الإسلام ثلاثة: الصوم(3/375)
والصلاة والصدقة، لا يتولى الله عبدا فيوليه غيره يوم
القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة، والرابعة لو حلفت
عليها لم أخف أن آثم: لا يستر الله على عبده في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة
".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (216 / 2) : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن شيبة الخضري أنه شهد عروة يحدث عمر بن عبد
العزيز عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، فقال عمر بن
عبد العزيز: إذا سمعتم مثل هذا من مثل عروة، فاحفظوه. قال إسحاق: وحدثني
عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
قلت: إسناده إلى عائشة ضعيف من أجل شيبة الخضري فإن فيه جهالة كما قال الذهبي
: وأما إسناده إلى ابن مسعود فصحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وهذه
فائدة عزيزة بهذا الإسناد عن ابن مسعود، فقد أخرجه أحمد (6 / 145) والطحاوي
في " المشكل " (2 / 50) والحاكم (1 / 19 و 4 / 384) من الطريق الأولى فقط
عن عائشة. وقد عرفت ضعفها بالجهالة، فقول الحافظ المنذري في " الترغيب " (1
/ 143) . " رواه أحمد بإسناد جيد "! فهو غير جيد، ونحوه قول الهيثمي في
" المجمع " (1 / 143) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات "! ويبدو أن له طريقا
أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه، فقد قال الهيثمي عقب ما تقدم: " ورواه أبو
يعلى أيضا عن ابن مسعود بمثله ".
قلت: عزاه المنذري للطبراني في " الكبير " وقد رأيته فيه (3 / 13 / 2) من
طريقين عنه موقوفا عليه وكلاهما منقطع. ووجدت له طريق أخرى عن عائشة أيضا،
أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 268) عن الحسن بن محمد بن الحسين
الأصبهاني حدثنا أبو مسعود(3/376)
أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن
عائشة مرفوعا به نحوه. أورده في ترجمة الحسن هذا، ويعرف بـ (ابن بوبة)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وبقية رجاله ثقات: وللحديث شاهد من حديث
أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " ثلاث لو حلفت عليهن لبررت، والرابعة لو حلفت عليها
لرجوت أن لا آثم: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا
يتولى الله عبدا فيوليه غيره في الآخرة، ولا يحب عبد قوما إلا بعثه الله فيهم
أو معهم، والرابعة: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه عند المقام
". رواه أبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (1 / 106 / 2) وأبو عبد الله
الصاعدي في " السداسيات " (4 / 2) عن طالوت بن عباد حدثنا فضال بن جبير حدثنا
أبو أمامة مرفوعا. وفضال بن جبير ضعيف الحديث كما قال أبو حاتم.
1388 - " ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا - يشير إلى قبر - في عمله
أحب إليه من بقية دنياكم ".
رواه ابن صاعد في زوائد " الزهد " (159 / 1) من (الكواكب 575 ورقم 31 -
هندية) : حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي حدثنا حفص بن غياث عن أبي مالك
- وهو سعد بن طارق الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى
الله عليه وسلم على قبر دفن حديثا فقال: فذكره. وقال ابن صاعد: " هو حديث
غريب حسن ".
قلت: ورجاله ثقات كلهم رجال مسلم إلا أن الرفاعي هذا قد تكلم فيه بعضهم، قال
الحافظ: " ليس بالقوي.... قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه ".
قلت: ولكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 225
) وكذا الطبراني في " الأوسط " (رقم 907) من طريقين آخرين عن حفص بن غياث
به.(3/377)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فصح الحديث من هذه الطريق والحمد لله.
وقد قال المنذري في " الترغيب " (1 / 146) : " رواه الطبراني بإسناد حسن ".
وقال الهيثمي (2 / 249) : " ورجاله ثقات ".
1389 - " إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى ".
أخرجه الحاكم (4 / 311) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 198) والخطيب
(5 / 454) عن عقبة بن عبد الله الأصم حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه
مرفوعا به، وقال الحاكم. " صحيح الإسناد " وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت:
عقبة ضعيف ". وكذا قال في الميزان. وعزاه في " الجامع " للحاكم والبيهقي
في " الشعب "، ثم رمز لضعفه.
قلت: لكن الأصم هذا قد تابعه عليه قتادة بلفظ: " لا تقولوا للمنافق سيدنا
وتقدم.. برقم (370) ، فهو به حسن.
1390 - " إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر قال الله عز وجل: صدق عبدي لا
إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق
عبدي لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، قال:
صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك
وله الحمد: قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا(3/378)
لي الملك ولي الحمد، وإذا قال:
لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا
ولا حول ولا قوة إلا بي، من رزقهن عند موته لم تمسه النار ".
أخرجه الترمذي (2 / 253) وابن ماجه (3794) وابن حبان (2325) وأبو يعلى
في " مسنده " (344 - 345) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (104 / 1
- ظاهرية) من طرق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي
سعيد أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والسياق لابن
ماجه وزاد قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئا لم أفهمه، قال: فقلت لأبي جعفر
: ما قال؟ فقال: من رزقهن عند موته لم تمسه النار " وقال الترمذي: " حديث
حسن غريب، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي
سعيد بنحو هذا الحديث بمعناه لم يرفعه شعبة، حدثنا بذلك بندار حدثنا محمد بن
جعفر عن شعبة بهذا ".
قلت: وإسناده صحيح، فإن شعبة ممن سمع من أبي إسحاق قبل اختلاطه وكونه
موقوفا لا يضر لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر. ويؤيد أن أبا إسحاق قد
توبع على رفعه، فقال عبد بن حميد: حدثنا مصعب بن مقدام حدثنا إسرائيل عن أبي
جعفر الفراء عن الأغر مثل حديث أبي إسحاق إلا أنه زاد فيه: " قال: ومن قال
في مرضه ثم مات لم يدخل النار ". وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير
أبي جعفر الفراء، وهو ثقة كما في " التقريب ".
1391 - " إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما:
المنكر والآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما
كان يقول هو: عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده(3/379)
ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون
ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له نم، فيقول: أرجع إلى أهلي
فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى
يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون، فقلت:
مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمي
عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من
مضجعه ذلك ".
أخرجه الترمذي (2 / 163) وابن أبي عاصم في " السنة " (864 - بتحقيقي) من
طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " حديث حسن غريب ".
قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي ابن إسحاق وهو العامري
القرشي مولاهم كلام لا يضر.
1392 - " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل
في بيته من صلاته خيرا ".
أخرجه مسلم (2 / 187 - 188) وابن ماجه (1 / 415) وأحمد (3 / 59 و 316)
والخطيب في " التاريخ " (4 / 311) من طرق عن الأعمش عن أبي سفيان عن
جابر - زاد بعضهم: حدثنا أبو سعيد - عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال:
فذكره. وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.(3/380)
أخرجه أحمد (3 / 15 و 59) وأبو الشيخ في
" طبقات الأصبهانيين " (96 / 2) . وهذا يشهد أن الحديث حديث أبي سعيد لا
جابر، وابن لهيعة وأبو الزبير وإن كان فيهما ضعف فلا بأس بهما في الشواهد.
1393 - " إذا قمتم إلى الصلاة فلا تسبقوا قارئكم بالركوع والسجود ولكن هو يسبقكم ".
أخرجه البزار في " مسنده " (56) عن يوسف بن خالد حدثني جعفر ابن سعد بن سمرة
حدثني حبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة
مرفوعا بلفظ: " لا تسبقوا إمامكم بالركوع، فإنكم تدركونه بما سبقكم ".
وقال الهيثمي في " زوائده ": " وفي الإسنادين ضعف بين ".
قلت: وذلك لأن في الأول يوسف بن خالد وهو السمتي قال الحافظ: " تركوه،
وكذبه ابن معين ". وفوقه من يجهل. وفي الآخر إسماعيل بن مسلم وهو المكي
ضعيف. والحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه. لكن الحديث معناه صحيح، ورد في
مجموعة من الأحاديث عن معاوية وغيره فراجع " صحيح أبي داود " (رقم 630) .
1394 - " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ".
أخرجه أبو داود (1 / 549 - حلبي) وابن جرير الطبري في " التفسير "(3/381)
(3 / 526
/ 3015) وأبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة " (1 / 2) والحاكم (1 /
426) والبيهقي (4 / 218) وأحمد (2 / 423 و 510) من طرق عن حماد بن سلمة
عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي،
وفيه نظر فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره، فهو حسن. نعم لم
يتفرد به ابن عمرو، فقد قال حماد بن سلمة أيضا: عن عمار بن أبي عمار عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد فيه: " وكان المؤذن يؤذن إذا
بزغ الفجر ". أخرجه أحمد (2 / 510) وابن جرير والبيهقي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شواهد كثيرة:
1 - شاهد قوي مرسل يرويه حماد أيضا عن يونس عن الحسن عن النبي صلى الله عليه
وسلم فذكره. أخرجه أحمد (2 / 423) مقرونا مع روايته الأولى.
2 - وشاهد آخر موصول يرويه الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال:
" أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم،
فشربها ". أخرجه ابن جرير (3 / 527 / 3017) بإسنادين عنه وهذا إسناد حسن.
3 - وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: " سألت جابر عن الرجل يريد الصيام
والإناء على يده ليشرب منه، فيسمع النداء؟ قال جابر: كنا نتحدث أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ليشرب ". أخرجه أحمد (3 / 348) : حدثنا موسى حدثنا
ابن لهيعة.(3/382)
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. وتابعه الوليد بن مسلم أخبرنا ابن
لهيعة به. أخرجه أبو الحسين الكلابي في " نسخة أبي العباس طاهر بن محمد ".
ورجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ، وأما الهيثمي فقال
في " المجمع " (3 / 153) : " رواه أحمد، وإسناده حسن "!
4 - وروى إسحاق عن عبد الله بن معقل عن بلال قال: " أتيت النبي صلى الله عليه
وسلم أوذنه لصلاة الفجر، وهو يريد الصيام، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني
فشربت، ثم خرجنا إلى الصلاة ". أخرجه ابن جرير (3018 و 3019) وأحمد (6 /
12) ورجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح لولا أن أبا إسحاق وهو
السبيعي - كان اختلط، مع تدليسه. لكنه يتقوى برواية جعفر بن برقان عن شداد
مولى عياض ابن عامر عن بلال نحوه. أخرجه أحمد (6 / 13) .
5 - وروى مطيع بن راشد: حدثني توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنظر من في المسجد فادعه، فدخلت - يعني -
المسجد، فإذا أبو بكر وعمر فدعوتهما، فأتيته بشيء، فوضعته بين يديه، فأكل
وأكلوا، ثم خرجوا، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ".
أخرجه البزار (رقم 993) كشف الأستار وقال: " لا نعلم أسند توبة عن أنس إلا
هذا وآخر، ولا رواهما عنه إلا مطيع ". " قال الحافظ بن حجر في " زوائده " (
ص / 106) : إسناده حسن ".
قلت: وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 152) .
6 - وروى قيس بن الربيع عن زهير بن أبي ثابت الأعمى عن تميم بن عياض عن ابن
عمر قال:(3/383)
" كان علقمة بن علاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بلال
يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رويدا يا بلال! يتسحر
علقمة، وهو يتسحر برأس ". أخرجه الطيالسي (رقم 885 - ترتيبه) والطبراني
في " الكبير " كما في " المجمع " (3 / 153) وقال: " وقيس بن الربيع وثقه
شعبة وسفيان الثوري، وفيه كلام ".
قلت: وهو حسن الحديث في الشواهد لأنه في نفسه صدوق، وإنما يخشى من سوء حفظه
، فإذا روى ما وافق الثقات اعتبر بحديثه. ومن الآثار في ذلك ما روى شبيب من
غرقدة البارقي عن حبان بن الحارث قال: " تسحرنا مع علي بن أبي طالب رضي الله
عنه، فلما فرغنا من السحور أمر المؤذن فأقام الصلاة ". أخرجه الطحاوي في
" شرح المعاني " (1 / 106) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (8 / 11 / 1)
. ورجاله ثقات غير حبان هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 269) بهذه
الرواية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات "
(1 / 27) .
1395 - " إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما ".
أخرجه أحمد (2 / 114) حدثنا سريج حدثنا عبد الله عن سعيد المقبري قال:
" جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه، فدخلت معهما: فضرب بيده صدري وقال
: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد رجاله ثقات رجال مسلم غير
أن عبد الله وهو ابن عمر العمري المكبر قال الذهبي: " صدوق في حفظه شيء ".
وقال الحافظ: " ضعيف عابد ".(3/384)
قلت: وكون عبد الله هذا هو العمري، هو الذي يترجح عندي خلافا لقول الهيثمي
في " المجمع " (8 / 63) : " رواه أحمد، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو
متروك ".
قلت: والذي حمله على الجزم بأنه عبد الله المقبري كونه مشهورا بالرواية عن
أبيه سعيد المقبري. فذهب وهله إلى ذلك، لكن العمري هو أيضا ممن يروي عن سعيد
المقبري، فكان لابد من دليل آخر يرجح كونه هذا أو ذاك، ودليلي على مارجحته،
هو أن الإمام أحمد رحمه الله ساق هذا الحديث بين أحاديث أخرى لسريج حدثنا عبد
الله عن نافع عن ابن عمر، وعبد الله فيها هو العمري قطعا، لكثرة روايته أولا
نافع ولأن عبد الله المقبري لم يذكروا له رواية عن نافع ثانيا، والله أعلم.
وظني أن الحافظ بن حجر يذهب إلى هذا الذي رجحته، فإنه ذكر الحديث في " الفتح
" (11 / 70) من رواية أحمد هذه، وسكت عنه، ومعلوم عند أهل المعرفة بهذا
الشأن أن سكوت الحافظ هذا يعني أنه حسن، فلو كان يرى أنه المقبري لم يسكت عليه
إن شاء الله تعالى بل ولبين حاله، فإنه متروك متهم بالكذب. والله تعالى
أعلم. وقد تابعه داود بن قيس قال: سمعت سعيد المقبري يقول: فذكره بنحوه إلا
أنه لم يرفع الحديث وزاد: " فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن! إنما رجوت
أن أسمع منكما خيرا. وداود بن قيس هذا هو الفراء ثقة من رجال مسلم، فروايته
أصح، لكني وجدت للمرفوع طريقا أخرى يتقوى بها، أخرجه أبو نعيم في " الحلية "
(8 / 198) من طريق إبراهيم بن يوسف الحضرمي (الأصل: المصري وهو تصحيف)
حدثنا عمران بن عيينة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجلس الرجل إلى الرجلين إلا على إذن منهما
إذا كانا يتناجيان ". وقال: " غريب من حديث عبد العزيز، وعمران أخي سفيان
تفرد به إبراهيم ابن يوسف فيما ذكره أبو الحسن الحافظ الدارقطني ".(3/385)
قلت: وهو حسن الحديث، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال موسى ابن إسحاق:
ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". ولم يحك ابن أبي حاتم في كتابه (1 / 1
/ 148) سوى توثيق موسى إياه. وقال الحافظ: " صدوق فيه لين ". والحديث
أورده السيوطي من حديث ابن عمر بلفظ: " إذا كان إثنان يتناجيان فلا تدخل
بينهما ". وقال: " رواه ابن عساكر ". ولم يتكلم المناوي على إسناده بشيء
إلا أنه أشار إلى تقويته بقوله: " وله شواهد ".
1396 - " خير مساجد النساء بيوتهن ".
رواه أحمد (6 / 301) وعبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (1 / 221 /
2) وابن خزيمة رقم (1684) والحاكم (1 / 209) والقضاعي (102 / 1) من
طريق عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي السائب مولى بني زهرة عن أم
سلمة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل دراج أبي السمح، فإنه ضعيف لكثرة مناكيره.
وأبو السائب مولى بني زهرة، يقال: اسمه عبد الله بن السائب ثقة من رجال مسلم
. والحديث يشهد له حديث ابن عمر الآتي.
(تنبيه) : ذكر المنذري في " الترغيب " (1 / 125) أن الحاكم قال في هذا
الحديث: " صحيح الإسناد ". ولم أرى ذلك في نسختي المطبوعة من " المستدرك "
بل صرح أنه ذكره شاهدا لحديث ابن عمر بلفظ: " لا تمنعوا نساءكم المساجد،
وبيوتهن خير لهن ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (576) .(3/386)
1397 - " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان
عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث والرجلة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (1875) قال: حدثنا الحسن بن يحيى الأرزي حدثنا
محمد بن بلال حدثنا عمران القطان عن محمد بن عمرو عن سالم عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات من رجال " التهذيب "، وفي بعضهم كلام لا
يضر. وتابعه عبد الله بن يسار مولى ابن عمر عن سالم به. أخرجه البزار (1876
) وغيره، وصححه الحاكم والذهبي وهو مخرج " حجاب المرأة " (ص 67) .
1398 - " إن العبد إذا قام للصلاة أتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه، فكلما ركع أو
سجد تساقطت عنه ".
أخرجه محمد بن نصر في " الصلاة " (64 / 2) وفي " قيام الليل " (ص 52)
وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 99 - 100) من طريق ثور بن يزيد عن أبي المنيب
قال: " رأى ابن عمر فتى قد أطال الصلاة وأطنب، فقال: أيكم يعرف هذا
فقال رجل أنا أعرفه، فقال: أما أني لو عرفته لأمرته بكثرة الركوع والسجود،
فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وأبو المنيب هو الجرشي الدمشقي وهو
غير أبي المنيب البصري الأحدب. وتابعه جبير بن نفير أن عبد الله بن عمر رأى
فتى ... الحديث. أخرجه ابن نصر (65 / 1) من طريق أبي صالح حدثنا معاوية بن
صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عنه.(3/387)
ورجاله ثقات غير أبي صالح
واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف. لكن تابعه ابن وهب حدثني معاوية بن صالح
به. فهو سند جيد لولا أن العلاء كان اختلط. أخرجه البيهقي في " السنن " (3 /
10) . وتابعه أيضا آدم بن علي البكري قال: " كنت قاعدا مع ابن عمر، وشاب
قائم يصلي فجعل يطيل القيام، فقال: يا آدم أتعرف هذا؟ ... " الحديث. أخرجه
ابن بشران في " الكراس الأخير من الجزء الثلاثين من الأمالي " (7 / 1) عن
عبيد بن إسحاق العطار حدثنا عبد الله بن اليمامي: حدثني آدم بن علي البكري.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة اليمامي هذا، وضعف عبيد العطار، وفيما تقدم
غنية عنه.
1399 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو
أكلتين، فإنه ولي علاجه وحره ".
صحيح من حديث أبي هريرة وله عنه طرق:
الأولى: عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
فذكره. أخرجه البخاري (3 / 131 و 7 / 71 - النهضة) وأحمد (2 / 283 و 409
و430) والدارمي (2 / 107) .
الثانية: عن موسى بن يسار عنه مرفوعا به نحوه وفيه: " فإن كان الطعام مشفوها
قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ". أخرجه مسلم (5 / 94) وأحمد (2 /
277) وأبو داود (2 / 328 - 329 - الحلبي) .(3/388)
الثالثة: عن عمار بن أبي عمار قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره نحو الطريق
الأولى. أخرجه أحمد (2 / 406) بسند صحيح على شرط مسلم.
الرابعة: عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه إلا أنه قال: " فإن أبى
فليناوله أكله في يده ". أخرجه أحمد (2 / 259 و 283) بسند صحيح على شرط
الشيخين.
الخامسة: عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عنه مرفوعا مختصرا بلفظ: " إذا جاء
خادم أحدكم بالطعام فليجلسه، فإن أبي فليناوله ". أخرجه الدارمي (2 / 107)
والبخاري في " الأدب المفرد " (200) وإسناده حسن في المتابعات، رجاله ثقات
رجال الشيخين غير أبي خالد والد إسماعيل، لم يرو عنه غير ابنه، ولم يوثقه
غير ابن حبان. وله شاهد يرويه أبو الزبير أنه سأل جابرا عن خادم الرجل إذا
كفاه المشقة والحر؟ فقال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه، فإن
كره أحدكم أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده ". أخرجه أحمد (3 / 346) من طريق
ابن لهيعة والطبراني في " الأوسط " (رقم 37) عن الأوزاعي كلاهما عنه.
وتابعه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير به. أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (198) . وإسناده صحيح على شرط مسلم.
(تنبيه) : حديث جابر هذا عزاه صاحب " الفتح الكبير " (1 / 147) لـ (طص)
- يعني " المعجم الصغير " للطبراني تبعا لأصله " الزيادة " (ق 20 / 2)
و" الجامع الكبير " (1 / 41 / 1 مصور دار الكتب) خلافا لنسخة الظاهرية منه
(1 / 77 / 1) ففيها (طس) ولعله الأقرب إلى الصواب، وإن كان مخالفا لـ "
المجمع " أيضا كما يأتي، فإني كنت رتبت " المعجم الصغير " قديما على مسانيد
الصحابة، فلم أجد الحديث عندي في " مسند جابر ". والله أعلم.(3/389)
قال الهيثمي
في " المجمع " (4 / 238) : " رواه أحمد والطبراني في الصغير (!) بنحوه،
وإسناده حسن ". ثم ذكر له شاهدا عن عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه وقال:
" رواه الطبراني وإسناده منقطع ".
1400 - " ما أصاب الحجام فأعلفه الناضح ".
أخرجه أحمد (4 / 141) عن يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عباية بن رفاعة بن رافع
ابن خديج يحدث: " أن جده حين مات ترك جارية وناضحا وغلاما وحجاما وأرضا،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجارية، فنهى عن كسبها: قال شعبة:
مخافة أن تبغي، وقال: وما أصاب الحجام فأعلفه الناضح، وقال في الأرض:
ازرعها، أو ذرها ".
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، ويحيى بن أبي سليم هو أبو بلج الفزاري،
وهو بكنيته أشهر. وللحديث شواهد تقوية، منها عن جابر: " أن النبي صلى الله
عليه وسلم سئل عن كسب الحجام؟ فقال: أعلفه ناضحك ". أخرجه أحمد (3 / 307
و381) : حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر، وفي الموضع الثاني:
سمع جابرا) .
قلت: وهذا إسناد متصل صحيح على شرط مسلم. ومنها عن حرام بن محيصة عن أبيه:
" أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام؟ فنهاه عنه، فذكر له
الحاجة، فقال: أعلفه نواضحك ". أخرجه مالك (2 / 974 / 28) وعنه الترمذي (
1 / 241) وكذا أحمد (5 / 435) عن ابن شهاب عن ابن محيصة - أخي بني حارثة -
عن أبيه. وأخرجه ابن ماجه (2166) وأحمد أيضا من طرق أخرى عنه سماه في
بعضها حرام بن محصية به، وقال الترمذي:(3/390)
" حديث حسن صحيح ".
1401 - " أيكم كانت له أرض أو نخل فلا يبعها حتى يعرضها على شريكه ".
أخرجه النسائي (2 / 234) وابن الجارود في " المنتقى " (299) وأحمد (3 /
307) من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم لولا أن ابن الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن
قد أخرجه مسلم وغيره من طريق ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن
عبد الله يقول: فذكره نحوه أتم منه. وهو مخرج في " الإرواء " (1532) .
1402 - " إذا كان ثلاثة جميعا فلا يتناج اثنان دون الثالث ".
أخرجه بهذا اللفظ أحمد (2 / 351) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي
هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء
الحفظ، فإذا روى ما وافق الثقات دل ذلك على أنه قد حفظ، وقد جاء هذا الحديث
من طرق عن جمع آخر من الصحابة منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود.
1 - أما حديث ابن عمر، فله عنه طرق:
الأولى: عن نافع عنه به نحوه. أخرجه مالك (3 / 151 - 152) وعنه البخاري (
11 / 68) وكذا في " الأدب المفرد " (1168) ومسلم (7 / 12) وأحمد (2 /
17 و 32 و 121 و 123 و 126 و 141 و 146) من طرق عنه، وزاد أحمد في رواية
أيوب عنه:(3/391)
" إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه ".
الثانية: عن عبد الله بن دينار عنه مرفوعا بلفظ: " لا يتناجى اثنان دون واحد
". أخرجه مالك (3 / 151) واللفظ له وابن ماجه (2 / 415) وأحمد (2 / 9
و60 و 62 و 73 و 79) من طرق عنه.
الثالثة: عن أبي صالح - ذكوان - عنه مثله. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "
(1170) وأبو داود (2 / 562) أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1351) وأحمد (
2 / 18 و 42 و 141) وزاد: " قال: فقلت لابن عمر: فإذا كانوا أربعة؟ قال:
فلا بأس به ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
الرابعة: عن يحيى بن حبان عنه. أخرجه أحمد (2 / 32) .
الخامسة: عن سعيد المقبري عنه مرفوعا بمعناه. أخرجه أحمد (2 / 114 و 138) .
2 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه أبو وائل شقيق ابن سلمة عنه مرفوعا بلفظ:
" إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإنه يحزنه ذلك ".
أخرجه البخاري (11 / 68) وفي " الأدب المفرد " (1169) ومسلم (7 / 13)
وأبو داود والترمذي (4 / 27 - تحفة) والدارمي (2 / 282) وابن ماجه
وأحمد (1 / 375، 425 و 430 و 431 و 438 و 440 و 460 و 464 و 465) من طرق
عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وفي رواية للشيخين بلفظ: " لا
يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه ".(3/392)
1403 - " إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ".
أخرجه الترمذي (3 / 394) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (233) من
طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال: طلبت النبي
صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه، فجلست، فإذا نفر هو فيهم، ولا أعرفه،
وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم، فقالوا: يا رسول الله! فلما رأيت
ذلك قلت: عليك السلام يا رسول الله! عليك السلام يا رسول الله؟! عليك السلام
يا رسول الله! قال: " إن عليك السلام تحية الميت ". ثم أقبل علي فقال: (
فذكره) ثم رد علي النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وعليك ورحمة الله
وعليك ورحمة الله وعليك ورحمة الله ". والسياق للترمذي وقال: " حديث
حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري، ولفظ ابن السني: " إن
عليك السلام تحية الموتى، إذا لقى أحدكم أخاه فليقل: السلام عليك ورحمة الله
". وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 123 / 1 - مصور المكتب) لابن
السني فقط، وهو قصور ظاهر. والجملة الأولى منه أخرجه أبو داود (2 / 644)
وأحمد (3 / 482) من طريق أخرى عن أبي تميمة الهجيمي مرفوعا به ولفظه: " لا
تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى ".
1404 - " إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها
للشيطان ولا يمسح يده(3/393)
بالمنديل حتى يلعق يده، فإن الرجل لا يدري في أي طعامه
يبارك الله، فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كل شيء حتى عند مطعمه
أو طعامه ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها، فإن في آخر الطعام البركة ".
أخرجه ابن حبان (1343) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 187 / 2) من
طريقين عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر - وقال البيهقي: أنه سمع
جابر بن عبد الله يحدث - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وتابعه ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به. أخرجه أحمد (3 / 394) .
والحديث في " صحيح مسلم " (6 / 114) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبير
عن جابر به دون قوله: " فإن الشيطان يرصد ... " ولهذا تعمدت إخراجه من طريق
ابن حبان والبيهقي ولما في رواية الثانية منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث
، فاتصل السند وزالت شبهة العنعنة الواردة في رواية " مسلم ". على أن هذا قد
شد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه.
(يرصد) أي يرقب. جاء في " المصباح ": " الرصد: الطريق، والجمع (أرصاد)
مثل: سبب وأسباب. ورصدته رصدا، من باب القتل: قعدت له على الطريق،
والفاعل: راصد، وربما جمع على (رصد) مثل خادم وخدم. و (الرصيدي)
نسبته إلى الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من
أموالهم ظلما وعدوانا ".
قلت: ومن المؤسف حقا أن ترى كثير من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين
تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوربية - قد تمكن الشيطان من سلبه قسما
من أموالهم ليس عدوانا بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أو(3/394)
إهمالا منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد
منهم يأكل لوحده - دون ضرورة - في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره
بالجنب، خلافا للحديث السابق (664) . وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم،
فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من
المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم
والميكروبات! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم: " فليمط ما
رابه منها وليطعمها ولا يدعها للشيطان ". ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن
الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في
موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ (كلينكس) ، فلا يكاد أحدهم
يجد شيئا من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل
، خلافا لنص الحديث. وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع،
فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في
الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون،
وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون.
ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم،
مهما كان موسعا فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن
اتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم.
فالسنة السنة أيها المسلمون! * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول
إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه
تحشرون) *.
1405 - " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفا أمامي
، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال ".
أخرجه البخاري (2 / 425) والطيالسي في " مسنده " (1719) وأحمد(3/395)
(3 / 372
و389) من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وزاد أحمد والبخاري. " قال:
ورأيت قصرا أبيض بفناءه جارية، قال: قلت لمن هذا القصر؟ قال: لعمر بن
الخطاب، فأردت أن أدخل فأنظر إليه، قال: فذكرت غيرتك. فقال عمر: بأبي أنت
وأمي يا رسول الله! أو عليك أغار؟ ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين،
وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (7 / 145) من وجه آخر عن عبد العزيز به مختصرا
بلفظ: " رأيت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة، ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال ".
والزيادة المذكورة هي عنده (7 / 114) وكذا البخاري (3 / 452 و 4 / 358)
من طرق أخرى عن ابن المنكدر به. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أنس ابن مالك
مرفوعا به نحوه بلفظ: " دخلت الجنة، فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا:
هذه الرميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك ". أخرجه مسلم وأحمد (3 / 239 و 268
) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عنه. وأخرجه أحمد أيضا (3 / 106
و125) من طريق حميد عن أنس به. وللشطر الثاني منه شاهد من حديث أبي هريرة
مرفوعا نحوه أتم منه. أخرجه الشيخان وغيرهما. وله شاهد آخر من حديث قابوس
عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا نحوه. وهذا سند لا بأس به في الشواهد. أخرجه
أحمد (1 / 257) .
1406 - " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل درجتين ".
رواه ابن عساكر (6 / 337 / 2) من طريق محمد بن محمد الباغندي(3/396)
أخبرنا عبد الله
ابن سعيد الكندي الأشج أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن.
1407 - " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله
عليه عشرا ".
البيهقي في " سننه " (3 / 249) عن عبد الرحمن بن سلام أنبأنا إبراهيم بن
طهمان عن أبي إسحاق عن أنس مرفوعا. وقال الذهبي في " مختصره " (1 / 147
/ 2) : " إسناده صالح ".
قلت: كلا، فإن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس وقد عنعنه.
وله طريق أخرى يرويها درست بن زياد القشيري عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا
بلفظ: " أكثروا علي من الصلاة في يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت
له شهيدا أو شافعا يوم القيامة ". أخرجه ابن عدي (129 / 2) في ترجمة درست
هذا وقال: " أرجو أنه لا بأس به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف "
. قلت: والرقاشي ضعيف أيضا. ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " الشعب " كما
في " المناوي ". وروي مرسلا مختصرا بلفظ: " إذا كان يوم الجمعة وليلة
الجمعة فأكثروا الصلاة علي ". أخرجه الشافعي (رقم 431) أخبرنا إبراهيم بن
محمد: أخبرني صفوان ابن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.(3/397)
وإبراهيم هذا هو ابن يحيى الأسلمي متروك. ولهذا شاهد من حديث عمر مرفوعا
بسند ضعيف ذكره السخاوي في " القول البديع " (ص 120 - هند) . وأورده ابن أبي
حاتم في " العلل " (1 / 205) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا به
دون قوله: " وليلة الجمعة.... " وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر بهذا
الإسناد ". وبالجملة فالحديث بهذا الطرق حسن على أقل الدرجات، وهو صحيح
بدون ذكر ليلة الجمعة. انظر " تخريج مشكاة المصباح " (1361) .
1408 - " إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون:
نعم. فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟
قال: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ".
رواه الثقفي في " الثقفيات " (3 / 15 / 2) عن عبد الحكم بن ميسرة الحارثي أبي
يحيى حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري مرفوعا
. وقال: " غريب من حديث الثوري لا أعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه الضحاك
ابن عبد الرحمن بن عرزب وغيره عن أبي موسى ".
قلت: وصله الترمذي (1 / 190) ونعيم بن حماد في " زوائد الزهد " (108)
وابن حبان (726) من طريق حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانا،
وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال:
ألا أبشرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى. فقال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي
موسى الأشعري مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".(3/398)
قلت: ورجاله ثقات غير ابن عرزب فهو مجهول، ولعل تحسين الترمذي إنما هو أنه
علم أنه توبع عليه كما يشير إلى ذلك قول الثقفي المتقدم: " رواه الضحاك بن عبد
الرحمن بن عرزب وغيره ". وقد تابعه أبو بردة عن أبي موسى كما في الطريق
الأولى، ورجالها ثقات غير الحارثي أبي يحيى فهو ضعيف كما قال الدارقطني،
فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال.
1409 - " كان يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه ".
أخرجه ابن ماجة (977) وابن حبان (87) والحاكم (1 / 218) وأحمد من طرق
عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: فذكره مرفوعا وقال الحاكم: " صحيح
على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1410 - " كان إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وإذا سافر اعتكف من العام
المقبل عشرين ".
أخرجه الإمام أحمد (3 / 104) وعنه ابن حبان (918) حدثنا ابن أبي عدي عن
حميد عن أنس قال: فذكره مرفوعا. وقال: " لم أسمع هذا الحديث إلا من ابن
أبي عدي عن حميد عن أنس ".
قلت: وهو صحيح الإسناد وعلى شرط الشيخين، وقول السفاريني في " شرح
الثلاثيات " (1 / 634) : " قلت: وإسناده حسن كما رمز إليه الجلال السيوطي،
وقاله المناوي في " شرح الجامع الصغير ". فهو تقصير عجيب، وخاصة السيوطي،
فإن ابن عدي واسمه محمد بن إبراهيم ثقة محتج به في " الصحيحين "، ومثله حميد
الطويل. فإن قيل إنما نزل به من الصحة إلى الحسن لأن حميدا مدلس ولم يصرح
بالسماع. فالجواب من وجهين:(3/399)
الأول: أنهم ذكروا في ترجمة حميد أن كل ما يرويه معنعنا عن أنس فإنما أخذه عن
ثابت عنه. وثابت وهو البناني ثقة محتج به أيضا في " الصحيحين ".
والآخر: أن الإعلال بالتدليس - لو سلم هنا - يجعل الحديث ضعيفا وليس حسنا!
وقد أخرج الترمذي (1 / 153) من طريق أخرى عن ابن أبي عدي به نحوه وقال:
" حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس بن مالك ".
1411 - " إذا لقيتم المشركين (وفي رواية أهل الكتاب) فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا
لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها ".
أخرجه مسلم (7 / 5) وأبو داود (2 / 642) وأحمد (2 / 346 و 459) وابن
السني في " عمل اليوم والليلة " (337) من طرق عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره واللفظ لابن السني ولم يسق مسلم لفظه وإنما أحال على لفظ الدراوردي
قبله ويأتي، ولفظ أبي داود عن سهيل قال: " خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا
يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم، فقال أبي: لا تبدؤهم بالسلام، فإن
أبا هريرة حدثنا عن رسول الله قال: لا تبدؤهم بالسلام ... ". وهو رواية
لأحمد، وله الرواية الأخرى " أهل الكتاب ". وتابعه سفيان الثوري عن سهيل بن
أبي صالح بلفظ " المشركين ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1111)
ومسلم وأحمد (2 / 444 و 525) وابن السني، وفي لفظ لأحمد " اليهود ".
وتابعه زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح بلفظ: " إذا لقيتموهم ... قال زهير:
فقلت لسهيل: اليهود والنصارى؟ فقال: المشركون ".(3/400)
أخرجه أحمد (2 / 263) .
وتابعه وهيب قال: حدثنا سهيل به إلا أنه قال: " أهل الكتاب ". أخرجه
البخاري في " الأدب المفرد " (1103) . وتابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي
عن سهيل به، ولفظه: " لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم
أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ". أخرجه مسلم والترمذي (3 / 388) وقال:
" حديث حسن صحيح ".
قلت: وهذا الاختلاف في لفظه، يبدو لي - والله أعلم - أنه من سهيل نفسه فإنه
كان فيه بعض الضعف في حفظه. والله أعلم.
1412 - " إذا مر رجال بقوم فسلم رجل عن الذين مروا على الجالسين، ورد من هؤلاء واحد
أجزأ عن هؤلاء وعن هؤلاء ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 251) عن محمد بن المسيب حدثنا عبد الله
ابن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط عن عباد البصري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال:
" غريب من حديث زيد وعباد، لم نكتبه إلا من حديث يوسف ".
قلت: وفيه ضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " وثقه يحيى، وقال
أبو حاتم: لا يحتج به ". وعباد البصري جمع ولم يتعين عندي من هو؟ وسائر
الرواة ثقات غير محمد بن المسيب، ترجمه الخطيب في " التاريخ " (3 / 297)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد خولف عباد في إسناده، أخرجه ابن السني
في " عمل اليوم والليلة " (230) من طريق أبي مالك صاحب البصري حدثنا حفص بن
عمرو بن رزيق(3/401)
القرشي المدني حدثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه عن جده عن زيد
ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " قيل يا رسول
الله صلى الله عليه وسلم القوم يمرون يسلم رجل منهم يجزئ ذلك عنهم؟ قال: نعم
، قال: فيرد رجل من القوم أيجزئ ذلك عنهم؟ قال: نعم ". لكن الإسناد ضعيف،
فإن من دون زيد بن أسلم لم أعرفهم. وقد أخرجه مالك عنه مرسلا كما تقدم برقم
(1148) . وللحديث شاهد جيد عن علي رضي الله عنه مرفوعا نحوه، وهو مخرج في
" الإرواء " (770) ، فهو به صحيح، وأخرجه المحاملي أيضا في " الأمالي " (5
/ 62 / 2) .
1413 - " إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء ".
أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2106) حدثنا الربيع عن يزيد عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1015
- 1016) من طريق أخرى عن الرقاشي به. ويزيد الرقاشي ضعيف، وسائر رجال أبي
يعلى ثقات رجال الشيخين. وبالرقاشي أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 334) ،
وفاته أن له طريقا أخرى خيرا من هذه عند أبي يعلى أيضا، فقال (1008) :
حدثنا إبراهيم بن الحجاج الساجي أخبرنا سهيل بن زياد عن التيمي عن أنس مرفوعا
به. وتابعه حفص بن عمرو الربالي حدثنا سهل بن زياد به. أخرجه الخطيب في
" التاريخ " (8 / 204) والضياء في " المختارة " (127 / 2) . وأخرجه
الثقفي في " الثقفيات " (4 / 27 / 2) .
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي سهل بن زياد ضعف يسير، قال الذهبي في
" الميزان ": " ما ضعفوه، وله ترجمة في " تاريخ الإسلام ".(3/402)
وقال في
" الضعفاء ": " صدوق فيه لين ". وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه
. أخرجه ابن السني وغيره صححه الحاكم وإسناده واه كما بينته في " تخريج
الترغيب " (1 / 116) فالحديث بمجموع طرقه صحيح.
1414 - " إذا وجد أحدكم وهو في صلاته ريحا فلينصرف فليتوضأ ".
رواه الطبراني في " الأوسط " (24 / 1 - 2 من ترتيبه) عن إبراهيم بن راشد
الأدمي حدثنا محمد بن بلال البصري حدثنا عمران القطان عن هشام بن عروة عن أبيه
عن ابن عمر مرفوعا. قال الطبراني: " لم يروه عن عمران إلا محمد بن بلال "
. قلت: وهو صدوق كما في " التقريب ". وكذلك الأدمي، وعمران القطان حسن
الحديث. وللحديث شاهد من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (1
/ 88 و 99) وفيه ابن لهيعة وهي سيىء الحفظ.
1415 - " إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده حيث يجد ألمه، ثم ليقل سبع مرات: أعوذ بعزة
الله وقدرته على كل شيء من شر ما أجد ".
أخرجه أحمد (6 / 390) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 88) من طريق أبي
معشر عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة عن عمرو بن كعب بن مالك عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي(3/403)
وفيه ضعف من
قبل حفظه. وسائر رواته ثقات غير عمرو بن كعب فلم أعرفه، ولكعب بن مالك عدة
من الولد رووا عنه، ولم يذكره فيهم الحافظ في " التهذيب ". نعم ذكروا في
شيوخ ابن خصيفة عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك، وذكر ابن أبي حاتم (3 / 1
/ 243) في ترجمته عمرو هذا أنه سمع نافع ابن جبير بن مطعم، سمع منه يزيد بن
خصيفة. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعليه فقوله في هذا الإسناد " عن
أبيه " إنما يعني عبد الله بن كعب بن مالك، وإذا كان كذلك فالحديث مرسل لأن
عبد الله هذا تابعي، ويشكل عليه أن الإمام أحمد أورده في مسند كعب بن مالك،
فكأنه جرى على ظاهر الإسناد، وتبعه عليه الهيثمي وغيره، فقال في " مجمع
الزوائد " (5 / 114) : عن كعب بن مالك ... رواه أحمد والطبراني وفيه أبو
معشر نجيح وقد وثق على أن جماعة كثيرة ضعفوه، وتوثيقه لين وبقية رجاله ثقات
". ولم يسم عمرو وهذا في إسناد الخرائطي وإنما وقع فيه: " عن ابن كعب ابن
مالك ". ولولا رواية أحمد لكان من الممكن أن يقال إنه عبد الله أو عبيد الله
أو محمد أو معبد أو عبد الرحمن، فإنهم جميعا أولاده وقد رووا عنه، والله
أعلم. والحديث صحيح، له شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي مرفوعا نحوه
أتم منه. أخرجه مسلم والخرائطي (ص 94) وغيرهما وهو مخرج في " شرح العقيدة
الطحاوية " (ص 68) . وبعد كتابة ما تقدم تبينت أن أبا معشر قد أخطأ في
إسناده، فقد قال مالك في " الموطأ " (2 / 942) عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن
عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان: وبي وجع كاد يهلكني، قال:
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسحه بيمينك سبع مرات، وقل(3/404)
" أعوذ بعزة
الله وقدرته من شر ما أجد. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله ما كان بي ". ومن
طريق مالك أخرجه أبو داود (3891) والترمذي (2 / 9) والحاكم (1 / 343)
كلهم عنه به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما أخرجه مسلم من حديث الجريري عن يزيد بن
عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص بغير هذا اللفظ ".
1416 - " إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين ".
أخرجه البخاري (5 / 134) ومسلم (5 / 94) ولم يسق لفظه وأحمد (2 / 18،
20، 102 و 142) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقد
تابعه أسامة عند مسلم، وكذا مالك كما سيأتي بلفظ: " العبد إذا نصح لسيده "
وللحديث شاهد من حديث أبي موسى وغيره فراجع (للملوك الذي يحسن) ، (إذا أدى
العبد) .
1417 - " لابد للناس من عريف، والعريف في النار ".
أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 25) معلقا ووصله أبو نعيم في
" أخبار أصبهان " (2 / 148) عن العلاء بن أبي العلاء - قيم الجامع - قال:
حدثني جدي مرداس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ذكره أبو الشيخ في ترجمة مرداس الأصبهاني هذا ولم يزد فيها على قوله: " قيم
الجامع " فهو مجهول ولم أر له ذكرا في كتب الرجال. لكن أخرجه أبو يعلى في
" مسنده " (1 / 410) من طريق أخرى عن عيسى بن ميمون أخبرنا يزيد الرقاشي عن
أنس به ويزيد ضعيف.(3/405)
وللحديث شاهد من حديث غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده
مرفوعا به. أخرجه أبو داود (2 / 23) وإسناده مجهول كما ترى، وسكت عليه
الحافظ في " الفتح " (13 / 144) ولعله لشواهده التي منها حديث أنس الذي قبله
. ومنها ما ذكره عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة - أحد الضعفاء - عن عبيد بن زياد
الشني عن الجلاس بن زياد الشني عن جعبونة بن زياد الشني أنه سمع النبي صلى الله
عليه وسلم يقول: ذكره. رواه ابن منده هكذا معلق كما في " الإصابة " للحافظ
وقال: " وبقية رجاله مجهولون ".
قلت: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن إن شاء الله تعالى.
1418 - " أشد أمتي لي حبا قوم يكونون أو يخرجون بعدي يود أحدهم أن أعطى أهله وماله
وأنه رآني ".
أخرجه أحمد (5 / 156 و 170) من طريق يحيى بن سعيد عن ذكوان أبي صالح عن رجل
من بني أسد أن أبا ذر أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الرجل الأسدي فإنه لم يسم. وخالفه
سهيل بن أبي صالح فقال: عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من أشد أمتي لي
حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ". أخرجه مسلم (8 / 145
) .
وروي من حديث أنس مرفوعا به. أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص
50) عن إبراهيم ابن هدبة عنه. وإبراهيم هذا متروك، فالعمدة على الذي قبله.(3/406)
1419 - " من ذكر رجلا بما فيه فقد اغتابه ومن ذكره بغير ما فيه فقد بهته ".
أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (ص 34) عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم
عن عبد الله بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم مثله.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو بكر هذا وهو الغساني الشامي ضعيف. وعبد الله
ابن أبي مريم مجهول كما قال الحافظ، لكنه لم يتفرد به، فقد رواه العلاء بن
عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره،
قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته،
وإن لم يكن فيه فقد بهته ". أخرجه مسلم (8 / 21) والترمذي (1 / 351 - 352
) وقال حديث حسن صحيح، والدارمي (2 / 299) وأحمد (2 / 230 و 384 و 386
و458) من طرق عنه. والحديث أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 45) من
طريق ابن جريج عن عبد الله بن أبي مريم به. وقال: " رواه روح بن عبادة وأبو
عاصم عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عبد الله بن أبي مريم
مثله. ورواه هشام بن يوسف عن أبي بكر بن أبي سبرة عن مسلم بن أبي مريم عن أبي
صالح مثله ".
1420 - " سيد ريحان أهل الجنة الحناء ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " وعنه عبد الغني المقدسي في " السنن "
(184 / 2) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي رحمه الله حدثنا معاذ بن
هشام: حدثني أبي عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا وقال
المقدسي:(3/407)
" رواه أحمد كذلك ". كذا قال، وليس هو في " مسنده " وهو المراد
عند إطلاق العزو إليه وسنده صحيح على شرط الشيخين. وأبو أيوب هو المراغي
الأزدي. وخالفه شعبة فقال، عن قتادة عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو به.
أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (42) والخطيب في " التاريخ " (5 / 56) من
طريق يونس بن حبيب قال: حدثنا بكر بن بكار قال: حدثنا شعبة وقال الخطيب:
" تفرد بروايته بكر ابن بكار عن شعبة ".
قلت: وبكر مختلف فيه. والرواية الأولى أصح، والله أعلم، وقد علقه أبو
نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 8) من طريقه به موقوفا. ورواه ابن قتيبة في
" غريب الحديث " (1 / 51 / 1) عن القومسي قال: أنبأنا الأصمعي عن أبي هلال
الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا به إلا أنه قال " الفاغية " بدل
الحناء وهي هي. (انظر الاستدراك رقم 408 / 13) .
1421 - " اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته
، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه ".
أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 51 - مختصره) من طريق أبي الشيخ
حدثنا ابن أبي عاصم حدثنا أبي حدثنا شبيب بن بشر عن أنس مرفوعا.
بيض له الحافظ، لكن نقل عنه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 47 / 1) أنه
حسنه في " زهر الفردوس " يعني مختصره هذا، فلعل ذلك وقع في نسخة الحافظ التي
هي بخطه، أو بعض النسخ التي قرئت عليه، وألحق بها فوائد جديدة. وهذا
الإسناد غير بعيد على التحسين فإن رجاله ثقات غير شبيب ابن بشر، وهو مختلف
فيه، قال ابن معين: ثقة، ولم يرو عنه غير أبي عاصم(3/408)
كذا قال وقد روى عنه
جمع منهم إسرائيل وأحمد بن بشير الكوفي، وقال أبو حاتم: لين الحديث، حديثه
حديث الشيوخ، وذكره ابن حبان وقال: يخطىء كثيرا، وقال الحافظ في "
التقريب ": " صدوق يخطىء "
1422 - " من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة ".
أخرجه أحمد (2 / 179 و 221) من طريق ليث بن أبي سليم ضعيف. لكنه لم يتفرد
به. فقد أخرجه أيضا (2 / 183) من طريق محمد بن راشد عن سليمان بن موسى أن
عبد الله بن عمرو كتب إلى عامل له على أرض له أن لا تمنع فضل مائك فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: فذكره نحوه. وهذا إسناد حسن إلا أنه
منقطع بين سليمان وابن عمرو لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن، وقد وجدت له
شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به ولفظه: " من منع فضل مائه في الدنيا منع
الله فضله يوم القيامة، فقال: اليوم أمنع فضلي كما منعت ما لم تعمل يدك ".
أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (ق 63 / 1 - 2) عن الحسن بن أبي جعفر عن عمرو
ابن دينار عن أبي صالح عنه. والحسن هذا قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف
الحديث مع عبادته وفضله ".
قلت: فمثله يستشهد به، فالحديث به صحيح إن شاء الله تعالى.
1423 - " دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من
قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت:(3/409)
ومن هو؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، (قال:
فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته، فقال عمر: عليك يا رسول الله أغار؟) ".
أخرجه الترمذي (2 / 293) وابن حبان (2188) وأحمد (3 / 107 و 179) من
طرق عن حميد الطويل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والزيادة لأحمد وإسناده ثلاثي. وله
طريق أخرى، فقال حماد بن سلمة أنبأنا أبو عمران الجوني وحميد عن أنس به نحوه
وفيه الزيادة بلفظ: " قال: قال يا رسول الله من كنت أغار عليه فإني لم أكن
أغار عليك ". أخرجه أحمد (3 / 191) وكذا أبو يعلى في " مسنده " (1035)
لكنه لم يذكر في إسناده حميدا، ومن طريقه أخرجه ابن حبان أيضا (2189) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث جابر
نحوه دون قوله: " قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو ". وقد مضى لفظه تحت
الحديث (1405) .
1424 - " سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران: فاطمة وخديجة وآسية امرأة فرعون
".
رواه الطبراني (3 / 150 / 2) عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس
رفعه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهدان:(3/410)
الأول: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. أخرجه
أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (86 / 1 و 91 / 2) من طريق محمد بن دينار
عن داود بن أبي هند عن الشعبي عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن دينار
وهو الأزدي الطامي قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ".
والآخر: عن عائشة قالت لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك
إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ: " سيدات نساء أهل
الجنة أربع ... " فذكرهن. أخرجه الحاكم (3 / 185) وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1425 - " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في
أكفانهم ".
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (9 / 80) من طريق سعيد بن سلام العطار حدثنا أبو
ميسرة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد هالك، سعيد بن سلام هذا كذبه ابن نمير، وقال البخاري:
يذكر بوضع الحديث. وضعفه آخرين، وشذ العجيلي فقال: لا بأس به. وأبو
ميسرة لم أعرفه، وقد خالفه شعبة فرواه عن قتادة به دون قوله: " فإنهم يبعثون
.... ". أخرجه الخطيب أيضا (4 / 160) . وهذا القدر من الحديث صحيح قطعا
مخرج في " الجنائز " (ص 58) ، فلننظر في باقيه.(3/411)
والحديث أورده ابن الجوزي
في " الموضوعات " (ص 579 من " اللآليء " - هند) من رواية العقيلي بسنده عن
العطار به. ولم أره في ترجمة العطار من " الضعفاء " للعقيلي، ومن رواية ابن
عدي في " الكامل " (ق 154 / 2) عن سليمان ابن أرقم عن ابن سيرين عن أبي هريرة
مرفوعا نحوه وقال ابن الجوزي: " سليمان بن أرقم متروك وكذا سعيد بن سلام ".
وتعقبه السيوطي بقوله: " قلت: الحديث حسن صحيح، وله طرق كثيرة وشواهد
.... ". ثم ذكره من حديث جابر. وفيه عنعنة أبي الزبير، وقد أخرجه أيضا
المعافى بن زكريا في " جزء من حديثه " (1 / 2) ورجاله كلهم ثقات، وهو عزاه
للحارث في " مسنده " والديلمي، وفي إسنادهما من لم أعرفه مع العنعنة.
وذكره أيضا من حديث البيهقي في " شعب الإيمان " بسنده عن أبي قتادة مرفوعا نحوه
دون قوله: " فإنهم يبعثون....."، وفيه التزاور. وفي سنده سلم بن إبراهيم
الوراق كذبه بن معين عن عكرمة بن عمار، قال في " التقريب ": " صدوق يغلط وفي
روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب ".
ثم ذكر له بعض الشواهد الموقوفة، فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق. والله
أعلم. ثم وجدت للوراق متابعا قويا، فقال ابن السماك في " حديثه " (2 / 95 /
2) : حدثنا عبد الملك حدثنا إسماعيل بن سنان أبو عبيدة العصفري حدثنا عكرمة بن
عمار قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة مرفوعا به.
وهكذا أخرجه أبو عمرو بن منده في " المنتخب من الفوائد " (ق 254 / 1) عن أبي
قلابة الرقاشي حدثنا إسماعيل بن سنان أبو عبيدة العصفري به.
قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله رجال مسلم غير العصفري
قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس وغير أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي قال
الحافظ:(3/412)
" صدوق يخطىء، تغير حفظه لما سكن بغداد ".
قلت: فيرتقي الحديث بهذه الطريق إلى مرتبة الصحيح لغيره. والله أعلم.
1426 - " إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم ".
أخرجه أبو داود (5247) وابن حبان (1997) والحاكم (4 / 284 - 285) من
طريق عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن
ابن عباس قال: " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فذهبت الجارية تزجرها،
فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: دعيها، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول
الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان عليها قاعدا، فأحرقت منها مثل
موضع درهم، فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد
". ووافقه الذهبي.
قلت: هو على شرط مسلم غير أن أسباط هذا قد ضعف ولذلك أنكر أبو زرعة على مسلم
إخراجه لحديث أسباط هذا، وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". نعم الحديث
صحيح، فإن له شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بنحوه مخرج في " المشكاة " (
4303) .
1427 - " إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تستمع لسوادي حتى أنهاك ".
رواه مسلم (7 / 6) وابن ماجة (138) وأحمد (1 / 1 / 38 و 394 و 404)
وابن سعد (9 / 153 - 154) وأبو عبيد (8 / 1) عن الحسن بن عبيد الله
التيمي عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال أحمد: " سوادي: سري، أذن
له أن يسمع سره ".(3/413)
1428 - " خذ هذا ولا تضربه، فإني قد رأيته يصلي مقبلنا من خيبر وإني قد نهيت عن ضرب
أهل الصلاة ".
أخرجه أحمد (5 / 250 و 258) من طريق حماد بن سلمة أخبرنا أبو غالب عن أبي
أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر ومعه غلامان، فقال علي
رضي الله عنه يا رسول الله أخدمنا، فقال: خذ أيهما شئت، فقال: خر لي: قال
: خذ هذا ولا تضربه، فإني قد رأيته يصلي.... وأعطى أبا ذر الغلام الآخر،
فقال استوصي به خيرا، ثم قال: يا أبا ذر ما فعل الغلام الذي أعطيتك؟ قال:
أمرتني أن أستوصى به خيرا فأعتقته ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي غالب وهو حسن الحديث.
والحديث عزاه السيوطي في " الزيادة على الجامع " (ق 24 / 2) للبيهقي في
" شعب الإيمان " عن أبي أمامة نحوه: ورمز له كعادته بـ (هب) ، وتصحفت على
ناسخ " الجامع الكبير " فوقع فيه (1 / 88 / 2) (حب) يعني ابن حبان.
1429 - " أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة ".
أخرجه ابن سعد (1 / 258 - 260) عن شيخه محمد بن عمر الأسلمي بأسانيد له عن
جمع من الصحابة، قال: دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: " وبعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وهو أحد الستة إلى كسرى يدعوه
إلى الإسلام وكتب معه كتابا: قال عبد الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقرئ عليه، ثم أخذه فمزقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: اللهم مزق ملكه. وكتب كسرى إلى باذان عامله في اليمن أن ابعث
من عندك رجلين جلدين(3/414)
إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني بخبره، فبعث باذان
قهرمان ورجلا آخر وكتب معهما كتابا، فقدما المدينة، فدفعا كتاب باذان إلى
النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهما إلى
الإسلام وفرائصهما ترعد، وقال: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد
فأخبركما بما أريد، فجاءاه من الغد فقال لهما.... فذكره. ومحمد بن عمر
الأسلمي وهو الواقدي متروك. لكن حديث الترجمة ثابت لوروده من طرق، فأخبره
ابن جرير الطبري في " التاريخ " (2، 654) عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا.
وذكر الحافظ ابن كثير في " البداية " (4 / 270) أن البيهقي روى (ولعله
يعني في " الدلائل ") من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن أبي بكرة
. " أن رجلا من أهل فارس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إن ربي قد قتل الليلة ربك ". قال البيهقي: وروى في حديث
دحية بن خليفة أنه لما رجع من عند قيصر وجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
رسل كسرى، وذلك أن كسرى بعث يتوعد صاحب صنعاء ويقول له ألا تكفيني أمر رجل
قد ظهر بأرضك يدعوني إلى دينه، لتكفنيه أو لأفعلن بك. فبعث إليه قال لرسله:
أخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة. فوجدوه كما قال. قال: وروى داود بن أبي
هند عن عامر الشعبي نحو هذا. وهذا كله ذكره الحافظ ابن كثير، وقد فاته مع
حفظه أن حديث أبي بكرة أخرجه الإمام أحمد (5 / 43) حدثنا أسود بن عامر حدثنا
حماد بن سلمة به. وإسناده على شرط مسلم ولا علة فيه سوى ما يخشى من عنعنة
الحسن البصري من التدليس ولكنه قد صرح بالتحديث في رواية أخرى عند أحمد (5 /
51) فصح الحديث والحمد لله تعالى. ولعله لما ذكرنا للحديث من الشواهد
والطرق سكت عليه الحافظ في " فتح الباري " (8 / 96) .(3/415)
وحديث دحية الذي مر
معلقا في كلام البيهقي قد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 88 / 2)
من رواية أبي نعيم عنه مرفوعا بلفظ: " اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد
قتل ربه الليلة. يعني كسرى ". وقصة تمزيق الكتاب عند البخاري وغيره وقد
خرجته في " التعليق على فقه السيرة " (ص 389) .
1430 - " اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها من هذا
الماء واتخذوا مكانها مسجدا ".
أخرجه ابن حبان (304) وكذا النسائي (1 / 114) وأحمد (4 / 23) وابن سعد
(5 / 552) وأبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 22 - 23) من طريق عبد الله بن
بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: " خرجنا ستة وافدا إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، خمسة من بني حنيفة ورجل من بني ضبيعة بن ربيعة حتى قدمنا على رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا
واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه ومضمض، ثم صب لنا في إداوة
ثم قال: (فذكره) . فقلنا: يا رسول الله! البلد بعيد والماء ينشف، قال:
فأمدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، فخرجنا، فتشاحنا على حمل الإداوة
أينا يحملها، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نوبا بيننا، لكل رجل منا
يوما وليلة، فخرجنا بها حتى قدمنا بلدنا، فعملنا الذي أمرنا، وراهب القوم
رجل من طيء، فنادينا بالصلاة فقال الراهب: دعوة حق، ثم هرب فلم ير بعد ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
1431 - " أربع ركعات قبل الظهر يعدلن بصلاة السحر ".
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 15 / 2) حدثنا جرير عن أبي سنان عن
أبي صالح مرفوعا مرسلا.(3/416)
قلت: وهذا إسناد مرسل حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سنان وهو سعيد
ابن سنان البرجمي الشيباني الأصغر، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". وقد
أخرج له مسلم. وللحديث شاهد أخرجه أبو محمد العدل في " الفوائد " (ق 277 / 1
) عن علي بن عاصم حدثنا يحيى البكاء أخبرني ابن عمر مرفوعا به وزاد: " بعد
الزوال ". وهذا إسناد ضعيف، يحيى البكاء وهو ابن مسلم ضعيف كما في
" التقريب ". وعلي بن عاصم صدوق يخطىء. وبعد، فالحديث عندي حسن بمجموع
الطريقين، والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " قيام الليل " لابن نصر، أخرجه (
ص 78) من الوجه المذكور إلا أنه زاد فقال: عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك رواه الترمذي والخطيب في " التاريخ " (1 /
253) وابن الجوزي في " منهاج القاصدين " (1 / 40 / 1) وزادوا " وليس شيء
إلا وهو يسبح الله تعالى تلك الساعة ". وقال الترمذي: " غريب لا نعرفه إلا
من حديث علي بن عاصم ".
1432 - " من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه بعده ".
أخرجه أبو يعلى (3 / 1361 - مصورة المكتب) وابن حبان (2031) عن هدبة بن
خالد حدثنا حزم بن أبي حزم عن ثابت البناني عن أبي بردة قال: " قدمت المدينة
فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) وإنه كان بين أبي: عمر،
وبين أبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذلك ".(3/417)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد تكلم في حزم وهدبة بغير حجة.
وقد أخرجه مسلم وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (41) من طريق عبد الله
ابن عمر مرفوعا نحوه، وقد سقت لفظ الأول منهما في الكتاب الآخر (2089) .
1433 - " أربى الربا شتم الأعراض ".
رواه الهيثم بن كليب في " المسند " (30 / 2) عن أبي حسين عن نوفل بن مساحق عن
سعيد بن زيد مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد
الرحمن بن أبي حسين، وهو ثقة من رجال الشيخين. وللحديث شاهد مرسل رواه عبد
الرزاق والبيهقي في " الشعب " عن عمرو ابن عثمان مرسلا بزيادة: " أشد الشتم
الهجاء، والراوية أحد الشاتمين ": كذا في " الجامع الصغير " وذكر المناوي
أنه مع إرساله فهو منقطع أيضا وله شاهد من حديث البراء بن عازب وسعيد بن زيد
مرفوعا بلفظ: " وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " وزاد سعيد
" بغير حق ". انظر الترغيب (3 / 296 - 297) .
1434 - " أربعة يوم القيامة يدلون بحجة: رجل أصم لا يسمع ورجل أحمق ورجل هرم ومن
مات في الفترة، فأما الأصم فيقول: يا رب جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما
الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول: لقد
جاء الإسلام وما أعقل وأما الذى مات على الفترة فيقول: يا رب ما أتاني رسولك
فيأخذ مواثيقهم(3/418)
ليطعنه، فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، قال: فوالذي
نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ".
رواه الطبراني (79 / 2) بسند صحيح عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن
سريع مرفوعا. ومن طريقه وطريق أحمد رواه الضياء في " المختارة " (1 / 463
) وهو في المسند (4 / 24) وصحيح ابن حبان (1827) ومن هذا الوجه لكن سقط
من ابن حبان اسم قتادة. وهو في المسند عن أبي هريرة أيضا وكذلك رواه ابن أبي
عاصم في " السنة " (355 - منسوخة المكتب) من طريقين عن أبي رافع عن أبي هريرة
مرفوعا به إلا أنه قال في آخره: " فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم
يدخلها يسحب إليها ". وإسناده صحيح، وكذا الذي قبله. ووجدت له شاهدا آخر
من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه البغوي في " حديث ابن
الجعد " (ق 94 / 1) . وأخرجه الديلمي (1 / 1 / 171) من طريق قتادة عن
الحسن عن الأسود ابن مربع به. وحديث أبي سعيد فيه ذكر المولود بدل الأصم وله
شاهد من حديث أنس ومعاذ وسيأتي تخريجها تحت الحديث (2468) .
1435 - " عثمان في الجنة ".
رواه ابن عساكر (11 / 101 / 1) عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن
ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
قلت: والتيمي هذا كذاب. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة أشهرها من
حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:(3/419)
" عشرة في الجنة: النبي في
الجنة وأبو بكر ... وعمر ... وعثمان ... الحديث وهو مخرج في " الروض النضير
".
1436 - " معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ".
رواه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 228) وعنه ابن عساكر (16 / 308 / 1) عن
سلام بن سليمان حدثنا زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري
مرفوعا.
قلت: وهذا موضوع، آفته سلام هذا وهو الطويل وهو كذاب، كما تقدم مرارا.
وزيد العمي ضعيف. ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا
الحسن ابن سهيل أخبرنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن الزهري
مرفوعا بلفظ: " أعلمها بحلالها وحرامها معاذ بن جبل ". وهذا مع إرساله فيه
الحسن بن سهل ولم أعرفه. لكن للحديث شاهد قوي من حديث أنس بن مالك مضى تخريجه
(1224) وهو من رواية أبي قلابة عنه وقد أخرجه أبو نعيم من هذا الوجه بلفظ:
" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ". ثم رواه من طريق سويد بن سعيد:
حدثنا عمر بن عبيد عن عمران عن الحسن وأبان عن أنس مرفوعا به. وهذا إسناد
واه. ثم رأيت الحديث عند العقيلي في " الضعفاء " (ص 170 - 171) من الوجه
المذكور أعلاه بأتم منه بلفظ: " أرحم هذه الأمة بها أبو بكر وأقواهم في دين
الله عمر وأفرضهم(3/420)
يزيد بن ثابت وأقضاهم علي بن أبي طالب وأصدقهم حياء عثمان
وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وأقرؤهم لكتاب الله عز وجل أبي بن كعب
وأبو بكر وعاء من العلم وسلمان عالم لا يدرك ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال
الله وحرامه وما أظلت الخضراء ولا أقلت البطحاء أو قال الغبراء من ذي لهجة
أصدق من أبي ذر ". أورده في ترجمة سلام المذكور وقال: " لا يتابع عليه.
والغالب على حديثه الوهم، والكلام كله معروف بغير هذه الأسانيد، بأسانيد
ثابتة جياد ".
قلت: وكأنه يشير إلى حديث أنس الذي مرت الإشارة إليه وغيره، لكني لم أجد
لقوله فيه " وأبو هريرة وعاء من العلم وسلمان عالم لا يدرك " وما يشهد له،
والله أعلم. نعم قد توبع سلام على قضية أبي هريرة كما تقدم في الكتاب الآخر (
1744) .
1437 - " ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف ".
ورد من حديث جمع من الصحابة منهم سنان بن سنة وعبد الرحمن بن معاذ التيمي
وأم سليمان بن عمرو بن الأحوص وعثمان بن عبيد الله التيمي وجابر.
1 - أما حديث سنان فيرويه يحيى بن هند أنه سمع حرملة بن عمرو وهو أبو عبد
الرحمن قال: " حججت حجة الوداع مررت في عمي سنان بن سنة، قال: فلما وقفنا
بعرفات رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا إحدى إصبعيه على الأخرى، فقلت
لعمي: ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يقول " وذكره.
أخرجه أحمد (4 / 343) وابن سعد (4 / 317) والمحاملي في الأمالي " (5 /
120 / 1) .
قلت: ورجاله ثقات غير يحيى بن هند أورده ابن أبي حاتم (4 / 2 / 194 و 195)
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وقال:(3/421)
" روى عن سنان بن سنة، ولسنان صحبة،
وروى عنه عبد الرحمن بن حرملة ".
قلت: وأنت ترى أن بينه وبين سنان حرملة بن عمرو والله أعلم.
2 - وأما حديث عبد الرحمن بن معاذ التيمي فيرويه حميد بن قيس عن محمد بن
إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي. " أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يأمرنا أن نرمي في الجمار بمثل حصى الخذف ". أخرجه الدارمي (2 / 62
) وأحمد (4 / 61 و 5 / 374) والبيهقي (5 / 127) .
قلت: وهذا إسناد صحيح. وفي رواية لأحمد من طريق معمر عن حميد الأعرج به إلا
أنه قال: عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والأول أصح.
3 - وأما حديث أم سليمان فيرويه بريد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن
الأحوص عن أمه قالت: فذكره نحوه. أخرجه أبو داود (1 / 455 - الحلبية)
وأحمد (3 / 503 و 6 / 379) والبيهقي. وإسناده حسن في الشواهد.
4 - وأما حديث عثمان بن عبيد الله فيرويه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد
الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه مرفوعا به. أخرجه الدارمي والبيهقي وإسناده
صحيح.
وأما حديث جابر فيرويه سفيان عن أبي الزبير عنه. أخرجه أبو داود (1 / 450)
والدارمي والبيهقي.
قلت: وإسناده على شرط مسلم، وقد أخرجه (4 / 80) بهذا الإسناد(3/422)
من فعله صلى
الله عليه وسلم وصرح فيه أبو الزبير بالسماع، فلعل أصل الحديث أنه صلى الله
عليه وسلم رمى بذلك وأمر به، فروى بعضهم هذا، وبعضهم هذا.
1438 - " تربة الجنة درمكة بيضاء ".
أخرجه أحمد (3 / 361) عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: " إني سائلهم عن تربة الجنة وهي درمكة
بيضاء، فسألهم؟ فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم الخبزة من الدرمك ".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد وهو ابن سعيد وليس بالقوي وقال
الهيثمي في " المجمع " (10 / 399) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير
مجالد، ووثقه غير واحد ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير "
(رقم 2956) من رواية أبي الشيخ في " العظمة " عن جابر بلفظ: " أرض الجنة
خبزة بيضاء ". ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه
وسلم: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ
أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن
عليك يا أبا القاسم! ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى، قال
: تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى
الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟
قال: إدامهم بالام ونون، قالوا ما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة
كبدها سبعون ألفا ". أخرجه البخاري (11 / 313 - 315 - فتح) ومسلم (8 / 128
) .
1439 - " ارموا (بني إسماعيل) فإن أباكم كان راميا ".
رواه أحمد بن محمد الزعفراني في " فوائد أبي شعيب " (82 / 1) عن(3/423)
إسماعيل بن
عياش عن ابن حرملة يعني عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال:
" مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرمون فقال ... " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن عياش قد ضعف في روايته عن الحجازيين،
وهذه منها، فإن عبد الرحمن بن حرملة مدني وهو صدوق ربما أخطأ. لكن الحديث
صحيح، فإن له طريقا أخرى يرويه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم يرمون فقال: (فذكره) ارموا وأنا
مع ابن الأدرع، فأمسك القوم قسيهم، قالوا: من كنت معه غلب، قال: ارموا
وأنا معكم كلكم ". أخرجه ابن حبان (1646) والحاكم (2 / 94) وقال: " صحيح
على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وله شاهد من حديث زياد بن الحصين عن أبي
العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم بنفر
يرمون، فقال: رميا بني إسماعيل ... ". أخرجه ابن ماجه (2 / 189) وأحمد (1
/ 364) والحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما
قال: وله شاهد آخر عند البخاري في " الجهاد وأحمد في " المسند " (4 / 50)
من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: حدثني سلمة بن الأكوع قال: " خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم ... " الحديث. وأخرجه الحاكم من طريق
أخرى عن سلمة به وزاد. " فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على
السواء ما نضل بعضهم بعضا.
1440 - " أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم(3/424)
دماء بعض وكان ذلك سابقا من الله كما
سبق في الأمم قبلهم فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل ".
رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (71 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (26 /
2) والطبراني في " الأوسط وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (5 / 116 / 2)
والحاكم في " المستدرك " (1 / 68) كلهم عن أبي اليمان الحكم بن نافع
البهراني حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة
عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد على
شرط الشيخين ولم يخرجاه والعلة عندهما فيه أن أبا اليمان حدث به مرتين فقال
مرة: عن شعيب عن الزهري عن أنس. وقال مرة: عن ابن أبي الحسن عن أنس، وقد
قدمنا القول في مثل من حديثه إنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن
شيخين، فمرة يحدث عن هذا، ومرة عن ذاك ".
قلت: هذا الجواب غير سديد هنا لما يأتي. قال أبو زرعة النصري الدمشقي في
" الثاني من حديثه " (49 / 1) : " سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث
أبي اليمان هذا فقال: ليس له عن الزهري أصل، وأخبرني أنه من حديث شعيب إذ
كان به ملصق بكتاب الزهري، قال: وبلغني أن أبا اليمان قد اتهم وليس له أصل
كأنه يذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري إذ كان به ملصقا، ورأيته كأنه يعذر أبا
اليمان، ولا يحمل، قال أبو زرعة: وقد سألت عنه أحمد بن صالح مقدمه دمشق
سنة تسع وعشرة ومائتين فقال لي: مثل قول أحمد أنه لا أصل له عن الزهري،
ورواه ابن عساكر (5 / 116 / 2) عن أبي زرعة. ثم روى ابن عساكر من طريق عبد
الله وهذا في " المسند " (9 / 427 و 428) حدثني أبي أنبأنا أبو اليمان
أنبأنا شعيب بن أبي حمزة فذكر هذا الحديث يتلو أحاديث ابن أبي حسين وقال:
أخبرنا أنس بن مالك عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم(3/425)
فذكر الحديث، قال
عبد الله: هنا قوم يحدثون به عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري؟ قال: ليس هذا
من حديث الزهري إنما هو من حديث ابن أبي الحسين. ثم روى عن سعيد بن عمرو
البردعي قال قلت لمحمد بن يحيى في حديث أنس عن أم حبيبة حديث شعيب بن أبي حمزة
حدثكم به أبو اليمان وقال عن ابن أبي حسين؟ فقال لي محمد بن يحيى نعم: حدثنا
به من أصله عن ابن أبي حسين فقلت: حدثنا به غير واحد عن أبي اليمان وقالوا:
عن الزهري؟ فقال: لقنوه عن الزهري!
قلت: يحيى بن معين رحل إليه قبلك أو بعدك؟ - وذاك أن يحيى روى هذا عن أبي
اليمان فقال عن الزهري - فقال لي محمد بن يحيى: رحل إليه بعدي، قلت: فيقال
إنه لم يسمع من شعيب بن أبي حمزة غير حديث واحد والبقية عرض؟ قال: لا أعلمه
. ثم روى عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني قال: سألت يحيى بن معين عن حديث أبي
اليمان حديث الزهري عن أنس عن أم حبيبة؟ فقال يحيى: أنا سألت أبا اليمان فقال
: الحديث حديث الزهري، فمن كتبه عني من حديث الزهري فقد أصاب ومن كتبه عني من
حديث ابن أبي حسين فهو خطأ، إنما كتبته في آخر حديث ابن أبي حسين فغلطت فحدثت
به من حديث ابن أبي حسين وهو صحيح من حديث الزهري هكذا قال يحيى. ثم روى من
طريق إبراهيم بن هاني النيسابوري قال: " قال لنا أبو اليمان الحديث حديث
الزهري والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها ".
قلت: ورواه الحاكم أيضا من هذه الطريق وقال عقبه: " هذا كالأخذ باليد فإن
إبراهيم بن هاني ثقة مأمون ".
قلت: وقد تابعه الإمام يحيى بن معين كما تقدم، فثبت لدينا يقينا أن الحديث
من رواية أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس، فمن ذهب من الأئمة إلى أنه لا
أصل له كما سبق، فإنما مستنده ما كان حدث به أبو اليمان أول الأمر، أما وقد
صح فراجعه عنه وجزمه بأن الحديث حديث الزهري، فلم يبق لمذهبهم(3/426)
وجه يعتد به في
العلم وبذلك يظهر أن الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه
الذهبي. وأما لو كان الحديث من رواية شعيب عن ابن أبي حسين عن أنس فيكون
معلولا بالانقطاع لأن ابن أبي حسين واسمه عبد الله بن عبد الرحمن لم يذكروا له
رواية عن أحد عن الصحابة غير أبي الطفيل عامر بن واثلة. والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى ولكنه واه يرويه موسى بن عبيدة عن محمد ابن عبد الرحمن بن
أبي عياش الزرقي عن أنس بن مالك عن أم سلمة مرفوعا. أخرجه ابن عدي (423 / 2)
وابن أبي عاصم أيضا، لكن وقع عنده " سعيد بن عبد الرحمن " مكان " محمد بن عبد
الرحمن بن أبي عياش الزرقي ": وموسى بن عبيدة ضعيف لا يحتج به.
1441 - " ارفع إزارك واتق الله ".
أخرجه أحمد (4 / 390) حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن
الشريد عن أبيه، أو عن يعقوب بن عاصم أنه سمع الشريد يقول: " أبعد رسول
الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره، فأسرع إليه، أو هرول فقال (فذكره)
. قال: إني أحنف تصطك ركبتاي، فقال: ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن
. فما رؤي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه أو إلى أنصاف ساقيه ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، وهو على شرط الشيخين إن كان عن عمرو،
وعلى شرط مسلم إن كان عن يعقوب والأرجح الأول فقد تابعه عليه زكريا بن إسحاق
حدثنا إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد به دون قوله: " واتق الله ".
أخرجه أحمد أيضا والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 287) والجزلي في " غريب
الحديث " (5 / 57 / 2) .(3/427)
1442 - " أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا ".
أخرجه أحمد (4 / 90) والحميدي (562) والطبراني في " المعجم الكبير " (1
/ 190 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (36 / 1) عن سفيان بن
عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني أبو نجيح عن خالد بن حكيم بن
حزام قال: " تناول أبو عبيدة بن الجراح رجلا من أهل الأرض بشيء، فكلمه خالد
ابن الوليد فقيل له: أغضبت الأمير، فقال خالد إني لم أرد أن أغضبه ولكن سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير خالد بن حكيم وهو ثقة كما
رواه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 324) عن ابن معين.
(تنبيه) : وقع في " مسند أحمد " ابن أبي نجيح. والصواب أبو نجيح.
1443 - " استعيذوا بالله من شر جار المقام، فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل ".
أخرجه الحاكم (1 / 532) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم " وأقره الذهبي، وهو كما قالا
إلا أن عبد الرحمن هذا وهو القرشي مولاهم فيه كلام يسير من قبل حفظه فهو حسن
الحديث. وقد أخرجه أحمد (2 / 346) من هذا الوجه بلفظ. " تعوذوا بالله من
شر جار المقام، فإن جار المسافر إذا شاء أن يزال زال ".(3/428)
وتابعه محمد بن
عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به إلا أنه قال: " من جار السوء في دار
المقام، فإن جار البادية يتحول عنك ". أخرجه النسائي (2 / 319) والحاكم
أيضا لكن جعله من فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ... " الحديث وقال:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي: قلت: وإنما هو حسن فقط. وهكذا
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (117) وابن حبان (2056) . وله شاهد من
حديث عقبة بن عامر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ
بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار
السوء في دار المقام ". قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 144) .
" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة ".
1444 - " استعيذوا بالله من عذاب القبر، قالت: قلت: يا رسول الله! وإنهم ليعذبون
فى قبورهم؟ قال: نعم عذابا تسمعه البهائم ".
أخرجه ابن حبان (787) وأحمد (6 / 362) من طريق أبي معاوية قال: حدثنا
الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قالت: " دخل علي رسول الله صلى
الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في
الجاهلية، فسمعهم وهو يعذبون، فخرج وهو يقول ... " فذكره.(3/429)
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث عائشة نحوه. أخرجه
البخاري (11 / 147 - فتح) ومسلم (2 / 92) وأحمد (6 / 44 - 45 و 205 -
206) وزاد في بعض الطرق: " نعم، عذاب القبر حق ". وقد خرجته فيما تقدم (
377) . وله شاهد آخر من حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص مرفوعا بلفظ
: " استجيروا من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق ". أخرجه الطبراني في
" الكبير " وأصله عند البخاري (3 / 192 و 11 - 149 - فتح) من طريق موسى بن
عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد - قال ولم أسمع أحدا سمع من النبي صلى الله
عليه وسلم غيرها - قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر.
والطبراني إنما رواه عن وجه آخر عن موسى به كما ذكرنا، وسكت عليه الحافظ في
" الفتح " فأشعر بثبوته عنده، كيف لا وما قبله يشهد له.
1445 - " تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم ".
أخرجه النسائي (2 / 315) وابن ماجة (2 / 433) وابن حبان (2442)
والحاكم (1 / 531) وأحمد (2 / 540) من طرق عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد
الله بن أبي طلحة عن جعفر بن عياض عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي
وهو منه غريب فقد قال في ترجمة جعفر بن عياض من " الميزان ": " تفرد عنه
إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، لا يعرف ". وقال الحافظ في " التقريب ":(3/430)
" مقبول ": يعني عند المتابعة، وقد وجدت له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استعيذوا بالله من الفقر والعيلة
ومن أن تظلموا أو تظلموا ". قال الهيثمي (10 / 143) : " رواه الطبراني،
ويحيى بن إسحاق بن يحيى بن عبادة لم يسمع من عبادة وبقية رجاله رجال الصحيح "
. والحديث رواه حماد بن سلمة قال: أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن
سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني
أعوذ بك من القلة والفقر والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم ". أخرجه
النسائي وابن حبان (2443) .
قلت: وإسناده صحيح.
1446 - " علقو السوط حيث يراه أهل البيت ".
أخرجه أبو نعيم (7 / 332) حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا عبد الله بن إبراهيم
الأكفاني حدثنا إسحاق بن بهلول حدثنا سويد بن عمرو الكلبي حدثنا الحسن بن صالح
عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، حبيب بن الحسن، ضعفه البرقاني ووثقه ابن أبي الغواس
والخطيب وأبو نعيم كما في الميزان، عبد الله بن إبراهيم الأكفاني ترجمه
الخطيب (9 / 405) وقال: " كان ثقة ". إسحاق بن بهلول، قال ابن أبي حاتم
(1 / 1 / 215) : " سئل أبي عنه فقال: " صدوق "، وبقية رجال الإسناد ثقات
معروفون من رجال " التهذيب ". وللحديث شاهد عن ابن عباس، أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد "(3/431)
(ص 179) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 92 / 2)
وابن عدي (27 / 2) من ثلاثة طرق ضعيفة عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس
عن أبيه عن جده مرفوعا. فهذا إسناده حسن، وقد توبع داود من أخويه عيسى وعبد
الصمد بلفظ: " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب ". (انظر
الاستدراك رقم 432 / 1) .
1447 - " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب ".
أخرجه الطبراني في الكبير (3 / 92 / 2) من طريق سلام بن سليمان أخبرنا عيسى
وعبد الصمد أنبأنا علي بن عبد الله بن عباس عن أبيهما عن ابن عباس مرفوعا
. وسلام هذا هو أبو العباس المدائني الدمشقي قال أبو حاتم: ليس بالقوي. لكن
تابعه المهدي والد هارون الرشيد عن عبد الصمد وحده. أخرجه الخطيب (12 / 203
) وابن عساكر في " التاريخ " أيضا (13 / 307 / 2) فالحديث حسن إن شاء الله.
وقال الحافظ الهيثمي (8 / 106) : " رواه الطبراني في الكبير والأوسط
والبزار وإسناد الطبراني فيهما حسن ".
قلت: وهو عند البزار في " مسنده " (ص 249 - زوائده) من طريق مندل عن ابن
أبي ليلى عن داود بن علي بإسناده المتقدم عن ابن عباس بلفظ: " ضعوا السوط حيث
يراه الخادم ". وابن أبي ليلى سيىء الحفظ ومندل وهو ابن علي العنزي ضعيف.
(انظر الاستدراك رقم 432 / 19) .
1448 - " ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 63) عن محمد بن حجاج قال: حدثنا يونس
ابن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: فذكره.(3/432)
قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن حجاج وهو الدمشقي روى عنه جمع من الثقات سماهم
ابن أبي حاتم (3 / 235) عن أبيه ثم قال: " وسألته عنه؟ فقال: شيخ ".
فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى وكأنه لذلك رمز السيوطي لحسنه كما في " الفيض
". وقد أشار البخاري إلى أن له شاهدا من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله
عليه وسلم، ساق إسناده إلى الأعمش عن عمرو عن سالم عن أم الدرداء عنه. وهذا
إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وسالم هو ابن أبي الجعد، وعمرو هو ابن دينار.
1449 - " كنا إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم علينا قلنا: وعليك السلام ورحمة
الله وبركاته ومغفرته ".
أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 330) قال: قال محمد: حدثنا
إبراهيم بن مختار عن شعبة عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم من رجال " التهذيب " إبراهيم بن المختار
وهو الرازي، روى عن جماعة من الثقات ذكرهم ابن أبي حاتم (1 / 1 / 138) ثم
قال: " سألت أبي عنه: فقال: صالح الحديث وهو أحب إلي من سلمة بن الفضل،
وعلي بن مجاهد ". ومحمد الراوي عنه هو ابن سعيد بن الأصبهاني، وهو من شيوخ
البخاري في " الصحيح " فالإسناد متصل غير معلق، والكلام فيه كالكلام في حديث(3/433)
هشام بن عمار في الملاهي الذي رواه البخاري عنه بصيغة (قال) . كما هو مذكور
في محله.
1450 - " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك ".
رواه البزار (96) والطبراني (3 / 154 / 1) والمخلص في " الفوائد المنتقاة
" (6 / 66 / 2) وأبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (1 / 292 / 2) عن عبد
العزيز بن مسلم عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه. ورواه
الضياء في " المختارة " (227 / 1) عن المخلص، وعن الطبراني من طريقين آخرين
عن عبد العزيز بن مسلم ثم قال: " قال حمدان بن علي: سألت أحمد عن حديث عبد
العزيز القسملي: استغنوا عن الناس؟ قال: منكر، ما رأيت حديث أنكر منه ".
(انظر الاستدراك رقم 343 / 4) .
قلت: ولعله يعني مجرد التفرد الذي لا يستلزم الضعف كما قال في حديث الاستخارة
الذي رواه البخاري أنه منكر، وإلا فإسناد حديث الترجمة صحيح على شرط الشيخين
، وقد قال الحافظ العراقي: " إسناده صحيح ". وقال الهيثمي والسخاوي: "
رجاله ثقات " قال المناوي عقبه: " وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب ".
قلت: ومن الغرائب أن في نسخة " الجامع الصغير " التي طبع عليها شرح المناوي
الرمز بالصحة! والحديث قال المنذري (2 / 9) : " رواه البزار والطبراني
بإسناد جيد والبيهقي ".
1451 - " استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة ".
رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 252 / 2) وعن الديلمي(3/434)
(1 / 1 / 49)
وابن حبان (966) والحاكم (1 / 441) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 /
203) من طريق ابن خزيمة أيضا عن سفيان بن حبيب: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن
عبد الله المزني عن ابن عمر مرفوعا وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين
". ووافقه الذهبي، وهو من أوهامهما، فإن ابن حبيب هذا لم يخرج الشيخان في
" صحيحيهما " وإنما روى له البخاري في " الأدب المفرد " وهو ثقة، فالإسناد
صحيح فقط.
1452 - " يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره
في كل يوم مائة مرة ".
أخرجه أحمد (4 / 260 - 261 و 5 / 411) عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن رجل
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (وفي رواية: قال: جلست إلى شيخ من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الكوفة، فحدثني، فقال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم، أو) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فذكره. وفي أخرى عن رجل من المهاجرين سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. وهذه أخرجها الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (1 / 45 / 2) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر. ويبدو أنه
الأغر المزني، فقد أخرجه أحمد أيضا (4 / 260) قبيل هذا من طريق ثابت البناني
وعمرو بن مرة كلاهما عن أبي بردة عنه به دون الأمر بالاستغفار. وهكذا أخرجه
مسلم (8 / 72 - 73) وأحمد أيضا (4 / 211) والنسائي في " عمل اليوم
والليلة " كم في " تحفة الأشراف " للحافظ المزي (1 / 78 - 79) وأبو داود (1
/ 348 - الحلبي) . من طريق البناني فقط، وأفاد المزي أن النسائي أخرجه من
الطريق الأولى أيضا، طريق حميد بن هلال. وبعد كتابة ما تقدم، رأيت ابن أبي
حاتم ذكر الحديث في " العلل " (2 / 137) من الطريق الأولى ثم قال: " قال أبي
: يقال: إن هذا الرجل هو الأغر المزني، وله صحبة ".(3/435)
ثم وجدت ما يؤيد ذلك،
فقد أخرج الطحاوي في " شرح المعاني " ((2 / 362) من طريق زياد بن المنذر قال
: حدثنا أبو بردة بن أبي موسى قال: حدثنا الأغر المزني قال: " خرج إلينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه وهو يقول: يا أيها الناس استغفروا ربكم
ثم توبوا إليه، فوالله (إني) لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة "
. لكن زياد بن المنذر وهو أبو الجارود الأعمى كذبه ابن معين.
1453 - " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود ".
روي من حديث معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة
وأبي بردة مرسلا.
1 - أما حديث معاذ فيروى عن ثور بن يزيد الشامي عن خالد بن معدان عن معاذ بن
جبل مرفوعا به. ويرويه عن ثور جمع من الضعفاء:
الأول: سعيد بن سلام العطار الأعور حدثنا ثور به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء
" (ص 151) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 246 - هندية) و " الكبير "
أيضا و " الأوسط " والروياني في " مسنده " (ق 250 / 1) والخلعي في "
الفوائد " (2 / 58 / 2) وابن عدي في " الكامل " (182 / 1) وأبو نعيم في "
الحلية " (5 / 215 و 6 / 96) والقضاعي (60 / 1) والبيهقي في " شعب
الإيمان " (2 / 291 / 1) والكلاباذي في " مفتاح المعاني " (35 / 1 رقم 45)
كلهم عن سعيد به. وقال العقيلي: " لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ". وقال
ابن عدي " يتبين على حديثه وروايته الضعف ".(3/436)
وروى عن ابن نمير أنه قال فيه:
" كذاب ". وعن البخاري أنه يذكر بوضع الحديث. وفي " الميزان ": " وقال
أحمد بن حنبل: كذاب ". ثم ساق له من منكراته هذا الحديث. وقد اتفق العلماء
جميعا على تضعيف العطار هذا سوى العجلي فإنه قال في كتاب " الثقات ": " لا بأس
به ": فلا ينبغي الالتفات إليه خلافا لصنيع السيوطي في " التعقبات " (ص 38)
وإن تبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (265 / 2) لأنه شاذ عن الجماعة،
لاسيما وهو مخالف لقاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل "، وقد قال ابن أبي
حاتم (2 / 255) عن أبيه: " حديث منكر لا يعرف له أصل ".
الثاني: حسين بن علوان عن ثور بن يزيد به. أخرجه ابن عدي (96 / 2) وقال:
" ابن علوان عامة أحاديثه موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث ".
الثالث: عمرو بن يحيى القرشي حدثنا شعبة عن ثور بن يزيد به. أخرجه أبو نعيم
في " أخبار أصبهان " (2 / 217) . والقرشي هذا قال أبو نعيم: " متروك الحديث
". وقال الذهبي: " أتى بحديث شبه موضوع عن شعبة عن ثور ... " فساق له حديثا
آخر بلفظ " قلوب بني آدم ... " وقد مضى في الكتاب الآخر (511) .
2 - وأما حديث علي فرواه الخلعي في " الفوائد " أخبرنا أبو العباس(3/437)
أحمد بن
محمد الحاج قال أنبأناه أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد القرقساني العطار قال
: حدثنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا غندر
قال: حدثنا شعبة عن مروان الأصغر عن النزال بن سبرة عنه به دون قوله: " فإن
... ".
قلت: وهذا إسناد مظلم من دون غندر واسمه محمد بن جعفر لم أعرفهم ويحتمل أن
يكون عبد الله بن عبد الرحمن هو الإمام الدارمي صاحب " السنن " المعروف بـ "
المسند " فإنه من هذه الطبقة. وأحمد بن عبد الله أظنه الجويباري الكذاب
المشهور.
3 - وأما حديث عبد الله بن عباس فيرويه الحسين عبد الله - صاحب السلعة - حدثنا
إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثني المأمون قال: حدثني الرشيد أمير المؤمنين عن
المهدي أنه أسر إليه شيئا، قال: لا تطلعن عليه أحدا فإن أمير المؤمنين - يعني
المنصور - حدثني عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (8
/ 56 - 57) وروى عن أحمد بن كامل القاضي أنه قال في الحسين هذا: " كان ماجنا
نادرا كذابا في تلك الأحاديث التي حدث بها من الأحاديث المسندة عن الخلفاء ".
4 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه سهل بن عبد الرحمن الجرجاني عن محمد بن مطرف
عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عنه مرفوعا. أخرجه ابن حبان في " روضة
العقلاء " (ص 187) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص 182 في ترجمة الجرجاني
هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو عندي سهل بن عبد الرحمن المعروف بـ
" السندي بن عبدويه الرازي "، قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 201) . " يكنى بأبي
الهيثم، روى عن زهير بن معاوية وشريك ومندل وجرير بن حازم، وغيرهم. روى
عنه عمرو بن رافع وحجاج بن حمزة وأبو عبد الله الطهراني ومحمد بن عمار
وغيرهم.(3/438)
سمعت أبا الوليد يقول: لم أر بالري أعلم بالحديث من رجلين: يحيى بن
الضريس، ومن زائد الأصبع، يعني السندي. سئل أبي عنه؟ فقال: " شيخ ".
وأخرج له أبو عوانة في " صحيحه " وذكره ابن حبان في " الثقات " كما في
" اللسان ".
قلت: فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي. والله أعلم.
5 - وأما حديث أبي بردة، فأخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في " آداب الصحبة "
(ص 26) من طريق أبي الفضل المروزي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا السيناني حدثنا
الحسين بن واقد عن ابن أبي بردة عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد مرسل " رجاله ثقات، والسيناني اسمه الفضل بن موسى. وأبو
الفضل المروزي يدعى صدقة بن الفضل. لكن مخرجه السلمي ضعيف متهم.
1454 - " أسلم وإن كنت كارها ".
رواه أحمد (3 / 19 / 181) وأبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (1 / 98 / 1)
والضياء في " المختارة " (100 / 1 - 2) من طرق عن حميد عن أنس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أسلم قال: أجدني كارها. قال: فذكره.
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو عند أحمد ثلاثي.
1455 - " أسلم وغفار وأشجع ومزينة وجهينة ومن كان من بني كعب موالي دون الناس،
والله ورسوله مولاهم ".
أخرجه أحمد (5 / 417 - 418) حدثنا يزيد حدثنا أبو مالك الأشجعي حدثنا موسى بن
طلحة عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
وأخرجه الحاكم (4 / 82) من طريق يحيى بن جعفر حدثنا يزيد بن هارون به وقال
:(3/439)
" صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي.
قلت: قد أخرجه مسلم (7 / 178) : حدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون به
إلا أنه قال: " الأنصار " مكان " أسلم " والباقي مثله سواء. وروى له شاهدا
من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " قريش والأنصار.... ". والباقي مثله
ولكنه لم يذكر ومن كان من بني كعب ".
1456 - " اسمح يسمح لك ".
رواه أحمد (1 / 248) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (212 / 2
) عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رفعه.
قلت: ورجاله ثقات لولا عنعنة الوليد، لكن أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(17 / 450 / 1) عن طريق الحكم بن موسى أبي صالح حدثنا الوليد بن مسلم أخبرنا
ابن جريج أنه سمع عطاء به. ومن طريق حفص بن غياث وإسماعيل بن عياش عن ابن
جريج به. وفي حديث ابن عياش تصريح ابن جريج بالسماع أيضا، وأخرجه الضياء في
" المختارة " (63 / 11 / 1) من طريق الطبراني عن عمرو بن عثمان حدثنا الوليد
ابن مسلم حدثنا ابن جريج عن عطاء به. فاتصل الإسناد وصح الحديث، والحمد لله
. وقد أخرجه ابن عساكر أيضا (2 / 94 و 17 / 451 / 1) من طريق خارجة عن ابن
جريج عن عطاء مرسلا بلفظ: " اسمحوا يسمح لكم ". وقال: " قال لنا أبو محمد
ابن الأكفاني: هو خارجة بن مصعب ".
قلت: وتابعه مندل بن علي العنزي عند ابن عساكر أيضا، وكلاهما ضعيف والصواب
في الحديث أنه مسند عن ابن عباس كما تقدم. (انظر الاستدراك رقم 440 / 24) .(3/440)
1457 - " اشتكت النار إلى ربها وقالت: أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين: نفسا في
الشتاء ونفسا في الصيف، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير وأما نفسها في الصيف
فسموم ".
أخرجه الترمذي (3 / 346) وابن ماجه (2 / 586) من طريق الأعمش عن أبي صالح
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال
الترمذي والسياق له: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده عند ابن ماجه صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه وكذا أحمد (
2 / 238 - 277 - 462 - 503) من طرق عن أبي هريرة نحوه.
1458 - " إن التجار يحشرون يوم القياة فجارا إلا من اتقى وبر وصدق ".
أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 53 / 2) عن أبي العباس أحمد بن سعيد
الجمال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار
عن البراء بن عازب قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع
فقال: " يا معشر التجار! " حتى إذا اشرأبوا قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي العباس هذا،
ترجمه الخطيب (4 / 170) وقال: " وكان ثقة حسن الحديث. وقال ابن المنادي
: كان من الثقات ". ثم ساقه من طريق إسماعيل بن عبيدة بن رفاعة بن رافع
الأنصاري ثم الزرقي عن أبيه عن جده رفاعة.(3/441)
أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المصلى فوجد الناس يتبايعون فقال: فذكره. وهذا قد أخرجه الترمذي
وابن حبان والحاكم وصححوه، لكن في إسماعيل هذا جهالة كما بينته في " أحاديث
البيوع "، ثم في " التعليق الرغيب " (3 / 29) ، فلما وقفت على طريق البراء
هذه بادرت إلى تخريجها تقوية الحديث. والحمد لله على توفيقه، ولذا أوردته
في " صحيح الترغيب والترهيب " (16 / 12) بعد أن كنت بيضت له في " المشكاة "
(2799) ، فلينقل هذا التصحيح إلى هناك.
1459 - " أشيروا على النساء في أنفسهن، فقال: إن البكر تستحي يا رسول الله؟ قال:
الثيب تعرب عن نفسها بلسانها، البكر رضاها صماتها ".
أخرجه (4 / 192) عن الليث بن سعد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي
حسين المكي عن علي بن عدي الكندي عن أبيه مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله
ثقات رجال الستة غير عدي بن عدي وهو ثقة فقيه كما في التقريب. وله شاهد من
حديث ابن عمر وفيه بيان سبب ورود الحديث ولفظه: قال ابن عمر لعمر بن الخطاب
: اخطب على ابنة صالح، فقال: إن له يتامى ولم يكن ليؤثرنا عليهم، فانطلق
عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب ليخطب، فانطلق زيد إلى صالح فقال: إن عبد
الله بن عمر أرسلني إليك يخطب ابنتك، فقال: لي يتامى ولم أكن لأترب لحمي
وأرفع لحمكم، أشهدكم أني قد أنكحتها فلانا، وكان هوى أمها إلى عبد الله بن
عمر فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، خطب عبد الله بن
عمر ابنتي فأنكحها أبوها يتيما في حجره ولم يؤامرها، فأرسل رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى صالح فقال: أنكحت ابنتك ولم تؤامرها؟ فقال: نعم، فقال
: (أشيروا على النساء أنفسهن) .(3/442)
وهو بكر، فقال صالح: فإنما فعلت هذا لما
يصدقها ابن عمر، فإن له في مالي مثل ما أعطاها. أخرجه أحمد (2 / 57) عن
يزيد بن أبي حبيب عن إبراهيم بن صالح - واسمه الذي الذى يعرف به نعيم بن
النمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه صالحا - أن عبد الله بن عمر
أخبره به. ورجاله ثقات رجال الستة غير إبراهيم بن صالح راوي الحديث عن ابن
عمر، قال الحسيني: روى عنه يزيد بن أبي حبيب فيه نظر. قال الحافظ في
" التسجيل " قلت: أخرج الحديث مع أحمد الحارث في مسنده والطحاوي وابن السكن
في الصحابة وابن المقري في فوائده كلهم من طريق الليث عن إبراهيم المذكور
وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات فقال إبراهيم بن صالح بن عبد الله
شيخ يروي المراسيل روى عنه ابن أبي حبيب " قلت: وقال الهيثمي (4 / 279) :
رواه أحمد وهو مرسل ورجاله ثقات ". ثم قال الحافظ: وقد ذكرت في كتابي في
الصحابة أن الزبير بن بكار قال: إن إبراهيم هذا ولد في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم، والمراد يكون حديثه عن ابن عمر مرسلا أنه لم يدرك القصة التي
رواها يزيد بن أبي حبيب عن ابن عمر، وكان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وكان إبراهيم إذ ذاك طفلا ولم يذكر في سياق الحديث أن ابن عمر أخبر بذلك
. وأما إدراكه ابن عمر فلا شك فيه، وقد وجدت له ذكرا فيمن شهد على ابن عمر
في وقف أرضه، ومات هو قبل ابن عمر كما ذكره البخاري ومن تبعه أنه قتل في
الحرة، فإن ابن عمر عاش بعد وقعة الحرة نحو عشرة سنين ".
قلت: وقد وقعت لابن عمر قصة أخرى خلاف هذه ولا بأس من ذكرها لما فيها من
الفائدة، قال ابن عمر: " توفي عثمان ابن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت
حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال: وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون - قال
عبد الله: وهما خالاي - قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون
فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في(3/443)
المال فحطت إليه
وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبيا حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن
عمتها عبد الله بن عمر فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة
وإنما حطت إلى هوى أمها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي يتيمة ولا
تنكح إلا بإذنها، قال: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن
شعبة ". أخرجه أحمد (2 / 130) والدارقطني ص (385) عن ابن إسحاق حدثني عمر
ابن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب عن نافع مولى ابن عمر عنه. وهذا إسناد جيد
رجاله رجال الشيخين غير ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث، وقد توبع، فرواه
الدارقطني والحاكم (2 / 167) عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين به نحوه مختصرا
وفيه عند الحاكم: لا تنكحوا النساء حتى تستأمروهن، فإذا سكتن فهو إذنهن ".
وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وسيأتي لفظه
في موضعه.
1460 - " اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو حينئذ
يشير إلى رباعيته - اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فى سبيل الله ".
أخرجه البخاري (5 / 37) ومسلم (5 / 179) واللفظ له من حديث أبي هريرة
. ثم أخرجه البخاري من حديث ابن عباس قال: " اشتد غضب الله على من قتله النبي
صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله
صلى الله عليه وسلم ". هكذا أخرجه البخاري موقوفا على ابن عباس، وكذلك أورده
الحافظ بن كثير في " البداية " (4 / 29) موقوفا عليه، وهو في حكم المرفوع
حتما وقد وقع مرفوعا في نسخة البخاري التي عليها شرح العيني (8 / 225)
فراجعه بلفظ: عن ابن عباس: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا أدري
أهي زيادة من بعض النساخ أو أنها ثابتة في بعض نسخ البخاري. والله أعلم.(3/444)
(تنبيه) : عزا الحافظ بن كثير حديث ابن عباس هذا لمسلم من طريق عبد الرزاق:
حدثنا مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا ابن جريج عن عمرو ابن
دينار عن عكرمة عن ابن عباس. وهو في البخاري عن شيخه مخلد ابن مالك هذا
بالإسناد المذكور. ونسبته إلى مسلم وهم عندي فإن مخلدا هذا ليس رجاله، وقد
قال العيني في الكلام عليه: " وهو من أفراده (يعني البخاري) ووهم الحاكم
حيث قال: روى عنه مسلم لأن أحدا لم يذكره في رجاله " ثم أن مما يلفت النظر قول
ابن كثير: ورواه مسلم من طريق عبد الرزاق حدثنا مخلد. الخ. فإن عبد الرزاق
هذا وابن همام متقدم في الطبقة على مخلد بن مالك وهو يروي عن ابن جريج مباشرة
بدون واسطة مات سنة (211) بينما كانت وفاة مخلد بن مالك سنة (241) فأخشى أن
يكون في نسخة البداية تحريفا من النساخ في هذا المكان كما أنها ممزقة في كثير
من المواطن كما يظهر ذلك للباحث.
(تنبيه ثان) : قال الحافظ بن حجر: حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس هذا من
مراسيل الصحابة فإنهما لم يشهدا الواقعة (يعني وقعة أحد التي فيها دمى رسول
الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما حملاها عمن شهدها أو سمعها من النبي صلى الله
عليه وسلم بعد ذلك " وللحديث شاهد بلفظ: " أشد الناس عذاب يوم القيامة رجل
قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين ".
1461 - " ذبوا بأموالكم عن أعراضكم، قالوا: يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن
أعراضنا؟ قال: يعطى الشاعر ومن تخافون من لسانه ".
رواه السهمي في " تاريخ جرجان " (182) والديلمي (2 / 154) عن سهل بن عبد
الرحمن الجرجاني حدثنا محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة مرفوعا. أورده في ترجمة سهل هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا
وهو عندي(3/445)
السندي بن عبدويه الثقة، انظر الحديث المتقدم (1453) . ورواه
الخطيب في تاريخه (9 / 107) من طريق أخرى عن إسماعيل بن عبد الرحمن حدثني
محمد بن مطرف الهمداني به. فلا أدري! تصحف اسم سهل بإسماعيل على بعض النساخ
أم الرواية هكذا عند الخطيب؟ ولم أجد في الرواة من هذه الطبقة من يدعى
إسماعيل بن عبد الرحمن فالظاهر أنه تصحف على بعض الناسخين أو أخطأ فيه بعض رواة
السند إليه. والله أعلم. والجملة الأولى من الحديث رواها أبو نعيم في
" أخبار أصبهان " (2 / 213) وأبو الحسين البوشنجي في " المنظوم والمنثور "
(178 / 1) عن الحسين بن علوان الكوفي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
مرفوعا. لكن الحسين هذا كذاب وضاع. وهو الذي روى بهذا السند حديث: " أربع
لا يشبعن من أربع: أنثى من ذكر ... الحديث وقد مضى فالاعتماد على ما قبله.
والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " بلفظ حديث عائشة وقال: " رواه
الخطيب عن أبي هريرة وابن لال عن عائشة ". قال المناوي: " ورواه عنها
الديلمي أيضا ". ولم يتكلم عليهما المناوي بشيء!
1462 - " اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله فهو كائن، فليس من كل الماء يكون الولد ".
أخرجه مسلم (4 / 159 - 160) وأحمد (3 / 26 و 47 و 59 و 82 و 93) واللفظ
له، وابن أبي عاصم في " السنة " (364 و 365) من طرق عن أبي الوداك جبر من
نوف عن أبي سعيد قال: " أصبنا سبيا يوم حنين، فكنا نلتمس فداءهن، فسألنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال " فذكره. ولفظ مسلم:(3/446)
" ما من
كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء ". وأخرجه
الطيالسي (2193) من طريق عمارة العبدي عن أبي سعيد نحوه بلفظ: " إن قضى الله
عز وجل شيئا ليكونن وإن عزل ". قال أبو سعيد: ولقد عزلت عن أمة لي، فولدت
أحب الناس إلي: هذا الغلام ". لكن عمارة هذا وهو ابن جوين أبو هارون متروك.
1463 - " أشيدوا النكاح، أشيدوا النكاح، هذا النكاح لا السفاح ".
رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 218 / 2) بسند صحيح عن يونس بن بكير:
أخبرنا محمد بن عبيد الله عن عبد الله بن أبي عبد الله بن هبار بن الأسود عن
أبيه عن جده أنه زوج بنتا له، وكان عندهم كبر وغرابيل، فخرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فسمع الصوت، فقال: ما هذا؟ فقيل: زوج هبار ابنته،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قال: قلت: فما الكبر. قال: الطبل
الكبير. والغرابيل الصنوج. ثم رواه من طريق أبي معشر عن يحيى بن عبد الله بن
هبار عن أبيه عن جده مختصرا. وليس فيه ذكر الكبر والغرابيل.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مجهول، عبد الله بن هبار، وابنه يحيى لم أجد من
ترجمهما. وأبو معشر واسمه نجيح ضعيف. ومن طريقه رواه الطبراني أيضا في
ترجمة " هبار " من " الإصابة ". وفي الطريق الأولى محمد بن عبيد الله وهو
العرزمي وهو متروك، ورواه الطبراني من طريقه أيضا كما في " المجمع " (4 /
290) ، وعبد الله بن أبي عبد الله بن هبار لم أجد له ترجمة أيضا، ومن طريقه
أخرجه الحسن بن سفيان في " مسنده " كما في " الإصابة " وقال عقب هذا والذي
قبله:(3/447)
" وفي كل من الإسنادين ضعف ". قال أبو نعيم: اسم أبي عبد الله ابن
هبار بن عبد الرحمن. قلت: أخرجه البغوي من طريق عبد الله بن عبد الرحمن ابن
هبار به. لكن في سنده علي بن قرين (الأصل: قرس!) وقد نسبوه بوضع الحديث.
لكن أخرج الخطيب في " المؤتلف " من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت
لنا بعلو في " فوائد بن أبي ثابت " هذا من يراعيه بسنده إلى محمد بن سلمة (
الأصل: أحمد بن سلمة) الحراني عن (الفزاري عن عبد الله بن) عبد الله بن
هبار عن أبيه قال: زوج هبار ابنته فضرب في عرسها بالدف. الحديث.
وأخرج الإسماعيلي في " معجم الصحابة " والخطيب في " المؤتلف " من طريقه -
ونقله من خطه قال: أخبرني محمد بن طاهر بن أبي الدميكة حدثنا إبراهيم بن عبد
الله الهروي حدثنا هشيم أخبرني أبو جعفر عن يحيى بن عبد الملك بن هبار عن أبيه
قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار علي بن هبار فذكر الحديث كما تقدم
في ترجمة علي بن هبار ". يعني مثل رواية ابن منده المشار إليها آنفا.
وأبو جعفر هكذا وقع في خط الخطيب بدل أبي معشر. قال الحافظ في ترجمته على ابن
هبار فما أدري أهو سهوا أو اختلاف من الرواة. وما بين القوسين استدركته من
هذه الترجمة ومن جزء " حديث ابن أبي ثابت " المحفوظ في ظاهرية دمشق (2 / 138
/ 2) والفزاري هو العرزمي المتقدم كما جزم به الحافظ، وقال: والعرزمي
ضعيف جدا. وجملة القول أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف لاضطرابه، وجهالة
بعض رواته وضعف آخرين منهم. نعم له شاهد من حديث السائب بن يزيد قال: " لقي
رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار يتغنين يقلن فحيونا نحييكم، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم لهن، ثم دعاهن فقال: لا تقلن هكذا، ولكن قولوا: حيانا
وإياكم، فقال رجل: يا رسول الله أنرخص للناس في هذا؟ فقال: نعم إنه نكاح،
لا سفاح، أشيدوا النكاح ".(3/448)
قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 290) : " رواه
الطبراني وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في
روايته ".
قلت: فالحديث به حسن، لاسيما وهو بمعنى حديث ابن الزبير مرفوعا. " أعلنوا
النكاح ".
1464 - " اشفعوا تؤجروا، فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا ".
أخرجه أبو داود (5132) والنسائي (1 / 356) والخرائطي في " مكارم الأخلاق
" (ص 75) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه عن
معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بنحو من حديث أبي موسى
الأشعري، وقد أخرجه عنه الثلاثة المذكورون أيضا والترمذي (2 / 112) وقال
: " حديث حسن صحيح ". وأحمد (4 / 400 - 409 - 413) والخطيب في " التاريخ "
(2 / 5) . ولفظ حديث الترجمة عند النسائي: إن رجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى
تشفعوا فيه فتؤجروا، اشفعوا تؤجروا ". وعزاه السيوطي في " الجامع الصغير "
للطبراني في " الكبير " فقصر، وسكت عليه المناوي.
1465 - " أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام ".
رواه الطبراني (1 / 275 / 2) : حدثنا القاسم بن محمد الدلال حدثنا مخول بن
إبراهيم حدثنا كامل أبو العلاء عن عبد الله بن سليمان عن الحسن بن علي
مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، الدلال هذا، ضعفه الدارقطني، وذكره ابن حبان في
" الثقات "، وأخرج له الحاكم في " المستدرك "، ومن فوقه ثقات غير عبد الله
ابن سليمان فلم أعرفه. ثم رواه (1 / 294 / 2) : حدثنا أحمد بن عمرو القطراني
حدثنا زياد بن يحيى حدثنا أبو عتاب الدلال حدثنا عمرو بن ثابت حدثني حبيب بن
أبي ثابت عن الحسن مرفوعا.(3/449)
قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا من أجل عمرو بن ثابت، فقد جزم بضعفه الحافظ
وغيره وبقية رجاله ثقات، رجال مسلم غير القطراني هذا فلم أجد له ترجمة،
وحبيب مدلس وقد عنعنه.
قلت: فلعل الحديث يتقوى بمجموع الطريقين، وهو قوي بما له من الشواهد، منها
عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يمكنكم من الجنة، إطعام
الطعام، يا بني عبد المطلب، أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام ". ذكره الهيثمي
(5 / 17) وسقط من قلمه أو من الناسخ ذكر مخرجه، وقال: " وفيه عبد الله
ابن محمد العبادي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وعن مقدام بن
شريح عن أبيه، عن جده قال: " قلت: يا رسول الله حدثني بشيء يوجب لي الجنة،
قال: يوجب الجنة إطعام الطعام، وإفشاء السلام " وفي رواية حسن الكلام ".
قال الهيثمي: " رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ". وعن أنس قال
: " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم علمني عملا يدخلني الجنة، قال: أطعم
الطعام، وأفش السلام، وأطيب الكلام، وصل بالليل والناس نيام، تدخل
الجنة بسلام ". قال: " رواه الطبراني وفيه حفص بن أسلم وهو ضعيف ".(3/450)
1466 - " أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تورثوا الجنان ".
رواه المقدسي في " المختارة " (135 / 1) عن الطبراني حدثنا محمد بن معاذ
الحلبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد قال: كان
عبد الله بن الحارث يمر بنا فيقول: فذكره مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن معاذ الحلبي، والظاهر
أنه الدمشقي الذي ترجمه الحافظ بن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 4 / 2 - 5 /
1) برواية جمع من الثقات وأفاد أنه كان من أهل الفتوى في دمشق وأن أبا حاتم
قال: لا أعرفه، مات سنة (215) . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به
وفيه زيادة أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (1324) .
1467 - " أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يدفعونهم إلى
آبائهم يوم القيامة ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 263) والديلمي (1 / 1 / 118)
وابن عساكر (19 / 219 / 2) والحافظ عبد الغني في تخريج حديثه (73 / 40 / 1
) عن مؤمل بن إسماعيل حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن الأصبهاني عن أبي حازم
عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء
الحفظ كما في " التقريب " وقد خالفه يحيى القطان فقال: " عن سفيان به موقوفا
على أبي هريرة. أخرجه ابن عساكر من طريق مسدد بن مسرهد أخبرنا يحيى به. فهو(3/451)
موقوف صحيح الإسناد، ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي ولأن له
طريقا أخرى عنه مرفوعا بلفظ: " ذراري المسلمين في الجنة، يكفلهم إبراهيم عليه
السلام ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 326) عن عبد الرحمن بن ثابت عن عطاء بن
قرة عن عبد الله بن صخرة عنه.
قلت: وهذا إسناد حسن وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي كما سبق برقم (605) .
(تنبيه) : أورد السيوطي حديث الترجمة من رواية أحمد والحاكم والبيهقي في
" البعث " عن أبي هريرة، وعزوه باللفظ المذكور إلى أحمد والحاكم فيه تساهل
واضح لما عرفت من أن لفظهما مخالف له، ثم إنه زاد في التساهل بل التقصير،
فإنه لما ذكره باللفظ الآخر: " ذراري ... " لم يعزه إلا لأبي بكر بن أبي داود
فقط في " البعث "؟ .
1468 - " أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة ".
رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 261 / 1) معلقا حدث إبراهيم بن المختار عن
محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أبي مالك قال: " سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين: قال: هم ... ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وإبراهيم بن المختار
صدوق سيء الحفظ. ويشهد له ما أخرج أبو نعيم في " الحلية " (6 / 308) من
طريق الطبراني وهذا في " الأوسط " بسنده عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن
أنس بن مالك قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين لم
يكن لهم ذنوب يعاقبون(3/452)
بها فيدخلون النار، ولم تكن حسنة يجاوزون بها فيكونون
من ملوك الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هم خدم أهل الجنة ". وأخرج
الجملة الأخيرة منه أبو يعلى في " مسنده " (1011 - 1012) والكلاباذي في
" مفتاح المعاني " (276 / 1) من طريق الأعمش عن يزيد الرقاشي به. وتابعه
مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس به. أخرجه البزار (232) . ويشهد له
أيضا ما أخرجه البزار في " مسنده " (232 - زوائده) من طريق عباد بن منصور عن
أبي رجاء عن سمرة بن جندب مرفوعا به وقال: " تفرد به عباد بهذا اللفظ ".
قلت: وعباد بن منصور ضعيف، وقال الهيثمي (7 / 219) : " رواه الطبراني في
" الكبير " و " الأوسط " والبزار، وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان
وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات ". وجملة القول أن الحديث صحيح عندي بمجموع هذه
الطرق والشواهد.
1469 - " اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة ونزول المطر ".
أخرجه الشافعي في " الأم " (1 / 223 - 224) : أخبرني من لا أتهم قال: حدثني
عبد العزيز بن عمرو عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فإنه مع إرساله، فيه جهالة شيخ الشافعي، فإنه لم
يسم، وليس يلزم أن يكون ثقة، فإن في شيوخه من اتهم، وهو إبراهيم بن محمد
ابن أبي يحيى الأسلمي، كيف لا وقد تقرر في علم المصطلح أن قول الثقة حدثني
الثقة. لا يحتج به حتى يعرف هذا الذي وثق! وعبد العزيز بن عمرو وهو أبو
محمد الأموي صدوق يخطىء.(3/453)
قلت: لكن الحديث له شواهد من حديث سهل بن سعد وابن عمر وأبي أمامة خرجتها في
" التعليق الرغيب " (1 / 116) وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة إلا أنه إذا ضمت
إلى هذا المرسل أخذ بها قوة وارتقى إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
1470 - " اضمنوا لى ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا
وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ".
رواه بن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 91) وابن حبان (رقم 107)
والحاكم (4 / 358 - 359) والخرائطي في " المكارم " (ص 31) وأحمد (5 /
323) والطبراني (49 / 1 - منتقى منه) والبيهقي في " الشعب " (2 / 47 / 1
) عن عمرو عن المطلب بن عبد الله عن عبادة مرفوعا.
قلت: وهذا سند حسن لولا الانقطاع بين المطلب وعبادة ولذلك لما صححه الحاكم
تعقبه المنذري في " الترغيب " (3 / 64) بقوله: " بل المطلب لم يسمع من عبادة
". لكن ذكر له البيهقي (2 / 125 / 2) شاهدا مرسلا من طريق عبد الرزاق عن
معمر عن أبي إسحاق عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ضمن لي ستا
ضمنت له الجنة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: من إذا حدث صدق وإذا
وعد أنجز وإذا أئتمن أدى ومن غض بصره وحفظ فرجه وكف يده أو قال نفسه ".
قلت: والزبير هذا إن كان ابن العوام فهو منقطع لأن أبا إسحاق وهو عمرو بن
عبد الله السبيعي فإنه روى عن علي وقيل إنه لم يسمع منه، وهو - أعني الزبير
- أقدم وفاة من علي، فلأن يكون لم يسمع منه أولى، ثم هو إلى ذلك مدلس ولم
يصرح بالتحديث، فلعل هذا الانقطاع هو الإرسال الذي عناه البيهقي حين قال:(3/454)
" وله شاهد مرسل ". وجملة القول: أن الحديث بمجموع الطريقين حسن. والله
أعلم. وله شاهد آخر متصل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عنه
مرفوعا بلفظ: " تقبلوا لي بست، أتقبل لكم الجنة، قالوا: وما هي؟ قال:
إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا أئتمن فلا يخن وكفوا أيديكم
واحفظوا فروجكم ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 30) والحاكم (
4 / 359) شاهدا لما قبله، وسنده حسن عندي، رجاله كلهم ثقات غير سعد بن سنان
وهو صدوق له أفراد. فالحديث صحيح به.
1471 - " اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، فإن غلبتم فلا تغلبوا على
السبع البواقي ".
أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 133) حدثني سويد بن سعيد
أخبرني عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا سند ضعيف، سويد بن سعيد ضعيف، وشيخه الهلالي صدوق يخطىء وسائر
رجاله ثقات على اختلاط أبي إسحاق وهو السبيعي وتدليسه. لكن الحديث صحيح،
فإن له شاهدا قويا يرويه شعبة عن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر رضي الله
عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ: " التمسوها في
العشر الأواخر (يعني ليلة القدر، فإن ضعف أحدكم أو عجز) (وفي رواية: أو
غلب) فلا يغلبن على السبع البواقي ". أخرجه مسلم (3 / 170) والطيالسي (
958 - ترتيبه) وعنه البيهقي (4 / 311) وأحمد (2 / 44 و 75 و 78 و 91)
والرواية الأخرى له.(3/455)
ومما يشهد له حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ:
" اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في تسع يبقين وسبع، يبقين،
وخمس يبقين، وثلاث يبقين ". أخرجه الطيالسي (962) دون ذكر التسع، وأحمد
(3 / 71) والسياق له وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو عنده (3 / 173) من
طريق أخرى من طريق أبي نضرة عنه بلفظ: " فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان
التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ". قال: " قلت يا أبا سعيد إنكم
أعلم بالعدد منا، قال: أجل نحن أحق بذلك منكم، قال: قلت: ما التاسعة
والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنتان
وعشرون وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى
خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة ". وهو في " صحيح أبي داود " (1252) .
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم جابر بن سمرة عند الطيالسي وأحمد
والطبراني، ومعاوية بن أبي سفيان عند ابن نصر في " قيام الليل " (106) ،
وعبادة بن الصامت عنده أيضا (ص 105) وأحمد (5 / 313 و 318 و 319 و 321
و324) وزاد في رواية: " فمن قامها ابتغائها واحتسابا، ثم وفقت له ما تقدم
من ذنبه وما تأخر ". وفي إسنادها عمر بن عبد الرحمن، أورده ابن أبي حاتم (
3 / 1 / 120) لهذا الإسناد ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان
فذكره في " الثقات " (1 / 145) على قاعدته. رواه عنه عبد الله بن محمد بن
عقيل وبه أعله الهيثمي فقال:(3/456)
" رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وفيه عبد
الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام وقد وثق ".
قلت: والمتقرر فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، فإعلال الحديث بشيخه أولى.
وأما قول الحافظ في " الخصال المكفرة " (ص 24 طبع دمشق) بعد عزوه لأحمد:
" ورجاله ثقات، ومن طريق أخرى عن عبادة ... وكذا الطبراني في المعجم نحوه "
. فلنا عليه ملاحظتان:
الأولى: أنه أفاد أن للحديث طريقين عند أحمد وهذا وهم، فليس له عنده بهذا
اللفظ إلا طريق واحدة وهي هذه.
والأخرى: أنه أفاد أن رواية عمر بن عبد الرحمن ثقة أيضا، وليس كذلك لأنه لم
يوثقه غير ابن حبان وهو متساهل في التوثيق كما شرحه الحافظ نفسه في مقدمة "
اللسان ".
قلت: ومن شواهده ما روى بقية بن الوليد حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدن عن
أبي بحرية عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر؟
فقال: " هي في العشر الأواخر أو في الخامسة أو في الثالثة ". أخرجه أحمد (5
/ 234) .
قلت: وإسناده جيد، فإن رجاله كلهم ثقات، وبقية قد صرح بالتحديث.
" التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل "
(ص 106) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 223 / 1) عن علي بن عاصم عن الجريري
عن بريدة عن معاوية مرفوعا.(3/457)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، علي بن عاصم وهو الواسطي قال الحافظ: " صدوق،
يخطيء ". وأخرجه ابن عدي (ق 114 / 1) من طريق خالد بن محدوج سمعت أنس بن
مالك يقول: فذكره مرفوعا مختصرا. وروى عن البخاري أنه قال في خالد هذا:
" كان يزيد بن هارون يرميه بالكذب ". ثم قال ابن عدي: " وعامة ما يرويه
مناكير ". لكن له شاهد قوي من حديث أبي بكرة، خرجته في " المشكاة " (2092)
، فمن شاء فليراجعه، ومن أجله نقلته من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " و " ضعيف
الجامع الصغير " إلى " صحيح الجامع " رقم (1249) .
1472 - " أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عز وجل، أحلوا حلاله وحرموا
حرامه ".
أخرجه تمام في " الفوائد " (6 / 111 / 1 - 2) عن سليمان بن أيوب بن حذلم
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا معاوية بن صالح حدثنا إبراهيم بن أبي العباس
حدثني ابن حميد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن نعيم بن
همار عن المقدام بن معدي كرب عن أبي أيوب الأنصاري عن عوف بن مالك الأشجعي
قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجير وهو مرعوب فقال " فذكره.
ثم أخرجه من طريق أحمد بن الغمر بن أبي حماد - بحمص - حدثنا سليمان بن عبد
الرحمن به لكنه لم يذكر في إسناده إبراهيم بن أبي العباس.
قلت: والأول أصح، فإن رجال إسناده كلهم ثقات فهو صحيح، وأما الآخر فإن ابن
أبي حماد قد ترجمه ابن عساكر في " تاريخه " (2 / 36 / 1 - 2)(3/458)
برواية جمع عنه
، ولكنه لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولا وفاة، فهو مجهول الحال، فيقدم
عليه ابن حذلم فإنه صدوق كما قال النسائي. ومن لطائف إسناده أنه من رواية
أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (1 /
41 - 42) من رواية أبي أيوب الأنصاري وقال: " رواه الطبراني في " الكبير "
ورواته ثقات ". وكذلك أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 170) إلا أنه قال:
" ورجاله موثقون ". وله شاهد يرويه كثير بن جعفر عن ابن لهيعة عن أبي قبيل
حدثني عبد الله بن عمرو أن معاذ بن جبل قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال " فذكره. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 38 -
مختصره) من طريق أبي الشيخ عنه به. وقال الحافظ في " مختصره ": " قلت: أبو
قبيل ضعيف، وكذا ابن لهيعة وكثير بن جعفر ".
قلت: كثير بن جعفر لم أجد من ضعفه، وقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 150)
برواية جماعة عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم رأيت ابن أبي حاتم أورد
الحديث في " العلل " (1 / 469 - 470) من طريق أخرى عن سليمان بن عبد الرحمن
الدمشقي به إلا أنه قال: حدثنا معاوية بن صالح عن محمد بن حرب عن بحير بن سعد
به. فذكر محمد بن حرب مكان إبراهيم بن أبي العباس، وأسقط منه ابن حمير.
وقال عن أبيه. " هذا حديث باطل ". ولم يظهر لي وجه بطلانه مع ثقة رجاله،
لاسيما من الطريق الأولى والشاهد المذكور، وله شاهد آخر، يرويه ابن لهيعة
عن عبد الله (وفي رواية: أخبرني عبد الله) بن هبيرة عن عبد الله بن مريج
الخولاني قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد الله بن عمرو
يقول:(3/459)
" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع، فقال: أنا
محمد النبي الأمي، قاله ثلاث مرات، ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم
وخواتمه وجوامعه وعلمت كم خزنة النار، وحملة العرش، وتجوز بي، وعوفيت
، وعوفيت أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذهب بي، فعليكم بكتاب
الله، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه ". أخرجه أحمد (2 / 172 و 212) .
وابن لهيعة ضعيف، وعبد الله بن مريج الخولاني لم أعرفه، ولم يورده الحافظ
في " تعجيل المنفعة " وهو من شرطه. ولعله لا وجود له، وإنما هو من مخيلة
ابن لهيعة وسوء حفظه، فقد سماه في الرواية الأخرى عبد الرحمن بن جبير، وهو
ثقة معروف من رجال مسلم. والله أعلم.
1473 - " اعبد الله كأنك تراه، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
أخرجه أحمد (2 / 132) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 115) من طريق الأوزاعي
: أخبرني عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله صلى
الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: فذكره، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وابن أبي لبابة قال أحمد: " لقي ابن عمر بالشام " كما في " تهذيب التهذيب "
ولم يحك في ذلك خلافا، وأما في " الفتح " فقد قال (11 / 195) بعدما عزا
الحديث للنسائي: " رواية من رجال الصحيح وإن كان اختلف في سماع عبدة من ابن
عمر ". وقال أبو نعيم عقبه: " رواه الفريابي عن الأوزاعي عن مجاهد عن ابن
عمر مثله ".
قلت: هو في البخاري من طريق الأعمش حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر به دون
قوله: " اعبد الله كأنك تراه ".
1474 - " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه(3/460)
يراك، واعدد نفسك في الموتى
وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع أن يشهد الصلاتين العشاء
والصبح ولو حبوا فليفعل ".
رواه الطبراني في " الكبير " وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 153 / 2)
عن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم
حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره. هكذا بهذا السياق واللفظ أورده المنذري في " الترغيب "
(1 / 154 و 4 و 133) والهيثمي في " المجمع " (2 / 40) وأورده السيوطي في
" الجامع الصغير " فزاد ونقص عازيا للطبراني أيضا في " الكبير " ورمز لحسنه،
وقال ابن المنذري: " رواه الطبراني في " الكبير " وسمى الرجل المبهم جابرا
ولا يحضرني حاله " وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في الكبير، والرجل الذي
من النخع لم أجد ذكره وسماه جابرا " وكأنه يشير إلى رد كلام المنذري المذكور
. والله أعلم. لكن الحديث له شاهد يقويه وإلى درجة الحسن يرقيه وهو بلفظ:
" اعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى
، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ". أخرجه أبو نعيم (8 / 202 / 203) من
طريق عن عبد العزيز بن أبي رداد عن أبي سعيد عن زيد بن أرقم به مرفوعا. وأبو
سعيد هذا لم أعرفه وقد قال أبو نعيم عقب الحديث: " تفرد به أبو إسماعيل
الأيلي " كذا وليس في الإسناد راو بهذه الكنية والنسبة وإنما فيه أبو سعيد
كما ترى فلعل إحدى الكنيتين من تحريف بعض النساخ فإن في النسخة شيئا كثيرا من
تحريفاتهم وعلى كل حال سواء كان أو أبا سعيد وأبا إسماعيل فإني لم أجد من
ذكره. وأما السيوطي فقد رمز له بالحسن ولعله لشواهده التي منها ما تقدم
ومنها:(3/461)
" اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر
وعند كل شجر وإذا عملت سيئة بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية ".
1475 - " اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل
شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية ".
رواه الطبراني في الكبير عن أبي سلمة قال: قال معاذ: قلت: يا رسول الله
أوصني قال فذكره، قال الهيثمي (4 / 218) : " رواه الطبراني وأبو سلمة لم
يدرك معاذا ورجاله ثقات ". وقال المنذري (4 / 132) : " رواه الطبراني
بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ ". قال المناوي عقبه:
" وقد رمز المصنف لحسنه ".
قلت: وهو حري بذلك، فإن له شواهد متفرقة في أحاديث عدة، فالجملتان الأوليان
شاهدة في قبله. وانظر الحديث الماضي برقم (1175) ، وانظر الحديث (1070)
من " السنة " لابن أبي عاصم.
1476 - " يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه ".
أخرجه السلفي في " الفوائد المنتقاة من أصول سماعات الرئيس الثقفي " (2 / 165
/ 1) من طريق يحيى بن صالح حدثنا سليمان بن عطاء عن أبي الواصل عن أنس قال
: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو واصل هذا هو عبد الحميد بن واصل الباهلي قال ابن
أبي حاتم (3 / 1 / 18) :(3/462)
" روى عن أنس، وروى عن ابن مسعود مرسل وأبي أمية
الحبطي، روى عنه عبد الكريم الجزري وشعبة ومحمد بن سلمة وعتاب بن بشير ".
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 136) .
وسليمان بن عطاء هو ابن قيس القرشي أبو عمرو الجزري قال الحافظ: " منكر
الحديث ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 186) بلفظ: " ثبتني
به حتى ألقاك ". وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ".
قلت: فلعله عنده من طريق أخرى.
(تنبيه) : أورد الحديث شارح الطحاوية (ص 358) من رواية أبي إسماعيل
الأنصاري في كتابه " الفاروق " بسنده عن أنس به. ولما خرجت الشرح المذكور
علقت عليه بقولي: " لم أقف على إسناده، وما أخاله يصح، وكتاب " الفاروق "
لم نقف عليه مع الأسف ". ثم دلني بعض الأفاضل على رواية الطبراني المذكورة كما
شرحته في مقدمة الشرح المشار إليه، وبينت فيها أن قول الهيثمي " ورجاله ثقات
" لا يعني أنه صحيح فراجعها. ثم وقفت على إسناد الحديث عند السلفي كما رأيت،
فإن كان طريق الطبراني وهو طريقه، فالحديث ضعيف، وعندي في ذلك وقفة،
فلننتظر ما يجد لنا. ثم وقفت على الحديث في " تاريخ بغداد " أخرجه (11 / 160
) من طريق عيسى بن خلاد بن بويب حدثنا عتاب بن بشير حدثنا أبو واصل عبد الحميد
عن أنس به.(3/463)
أورده في ترجمة عيسى هذا وقال: " قال الدارقطني: شيخ كان في
بغداد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو مجهول الحال. وعتاب بن بشير
صدوق يخطئ كما في " التقريب " وأخرج له البخاري. وجملة القول أن الحديث عندي
حسن الإسناد. والله أعلم.
1477 - " اعبد الله ولا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة
وحج واعتمر، - قال أشهد: وأظنه قال: وصم رمضان - وانظر ماذا تحب من
الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه ".
رواه الطبراني (ج 4 - رقم 3222 - صفحة 16) قال: حدثني حاتم بن بكير الضبي
قال: حدثنا أشهد بن حاتم الأرطبائي قال: حدثنا ابن عون عن محمد بن جحادة عن
رجل عن زميل له عن أبيه وكان أبوه يكنى أبا المنتفق - قال: أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم بعرفة، فدنوت منه حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته فقلت
يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته قال " فذكره ".
قلت: هذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل وزميله وأشهد بن حاتم صدوق يخطىء كما قال
الحافظ، وقد خولف في إسناده، فقال أحمد (6 / 383) : حدثنا عفان حدثنا همام
قال: حدثنا محمد جحادة قال: حدثني المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال:
" انطلقت إلى الكوفة لأجلب بقالا، قال: فأتيت ... المسجد ... إذا فيه رجل من
قيس يقال له ابن المنتفق وهو يقول: فذكره مرفوعا في قصة له مع النبي صلى الله
عليه وسلم. ثم أخرجه (5 / 372 - 373) من طريق يونس بن المغيرة بن عبد الله
به.(3/464)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله اليشكري لم أجد له ترجمة
في كتب الرجال إلا في " تعجيل المنفعة " ولم يزد فيه على قوله: " ليس
بالمشهور ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 43) . " رواه أحمد والطبراني
في " الكبير " وفي إسناده عبد الله بن أبي عقيل اليشكري ولم أر أحدا روى عنه
غير ابنه المغيرة بن عبد الله ". وله شاهد قوي فقال عبد الله بن أحمد في
" زوائد المسند " (4 / 76) حدثني (أبو) صالح: الحكم بن موسى قال: أنبأنا
عيسى بن يونس عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن سعد عن أبيه أو عن عمه
قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغرقد، فأخذت بزمام ناقته أو بخطامها،
فدفعت عنه، فقال: دعوه مأرب ما جاء به، فقلت: نبئني بعمل يقربني إلى الجنة
ويبعدني من النار، قال: فرفع رأسه إلى السماء، ثم قال: لئن كنت أوجزت
الخطبة، لقد أعظمت أو أطولت، تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي
الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان وتأتي إلى الناس ما تحب أن يأتوه إليك وما
كرهت لنفسك فدع الناس منه، خل عن زمام الناقة ".
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة بن سعد وهو ابن
الأخرم الطائي، روى عنه جمع من الثقات وقال العجلي: كوفي ثقة. وذكره ابن
حبان في " الثقات ". والحديث هذا قال الهيثمي: " رواه عبد الله في " زياداته
" والطبراني في " الكبير " بأسانيد، ورجال بعضها ثقات على ضعف في يحيى بن
عيسى كثير ".
قلت: إسناد عبد الله خلو منه كما رأيت وهو جيد كما بينت فكان الأولى بالهيثمي
أن يتكلم عليه ويبين حاله ولا ينشغل عنه بالطريق الضعيف. وله شاهد آخر من
حديث أبي أيوب الأنصاري.(3/465)
" أن أعرابيا عرض للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في
مسير، فأخذ بخطام ناقته ... " الحديث دون " وتحج البيت ... " الخ. أخرجه
أحمد (5 / 417) بسند صحيح على شرط الشيخين. وهذا القدر له شاهد آخر من مرسل
أبي قلابة. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال " فذكره وزاد:
" حجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم ".
1478 - " أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه
أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيىء سيفه ".
أخرجه الحاكم (2 / 92 - 93) من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن نافع بن
جبير عن نافع بن سرجس أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في ابن خيثم غير نافع بن سرجس، وقد
أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 237) وقال: " كنيته أبو سعيد، يروي عن
أبي واقد الليثي، وروى عنه عبد الله بن عثمان بن خيثم ". وكذا قال ابن أبي
حاتم (4 / 1 / 452 - 453) وزاد في شيوخه أبا هريرة، ثم روى عن عبد الله بن
أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: نافع بن سرجس، قلت: كيف حديثه؟ قال:
لا أعلم إلا خيرا.
1479 - " كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من(3/466)
مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو
يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها
، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى
الله عليه وسلم منها، وفي ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها - أراه قال -
* (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * ".
أخرجه أبو داود (1 / 333 - التنازية) من طريق أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن
ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة: " يا ابن أختي
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل ... ". وخالفه سعيد بن منصور
أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد به إلا أنه أرسله فقال: عن هشام عن أبيه قال
: " أنزل في سودة رضي الله عنها وأشباهها * (وإن امرأة خافت ... ) * " الحديث
. أخرجه البيهقي (7 / 297) وقال: " ورواه أحمد بن يونس عن أبي الزناد
موصولا كما سبق ذكره في أول كتاب النكاح ". ولعل الوصل أرجح، فإن أحمد بن
يونس ثقة من رجال الشيخين، وقد زاد الوصل وزيادة الثقة مقبولة، لاسيما وله
شاهد من حديث ابن عباس قال: " خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فقالت: يا رسول الله لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة، فقبل،
فنزلت الآية. * (وإن(3/467)
امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية قال: فما
اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ". أخرجه أبو داود الطيالسي (1944 - ترتيبه)
ومن طريقه الترمذي (3 / 94 - 95) وكذا الطبراني في " المعجم الكبير " (3 /
134 / 1) والبيهقي (7 / 297) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وسنده حسن كما قال الحافظ في " الإصابة ". وقد روى في حديث سبب خشية
سودة أن يطلقها صلى الله عليه وسلم، وهو فيما أخرجه ابن سعد في " الطبقات "
(8 / 53) من طريق ابن أبي الزناد بإسناده المتقدم عن عائشة قالت: " كانت
سودة بنت زمعة قد أسنت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستكثر منها،
وقد علمت مكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يستكثر مني، فخافت أن
يفارقها وضنت بمكانها عنده، فقالت: يا رسول الله يومي الذي يصيبني لعائشة،
وأنت منه في حل، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك نزلت: * (وإن
امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية ". لكن في إسناده شيخه محمد بن
عمر، وهو الواقدي وهو كذاب. ثم روي من طريق القاسم بن أبي بزة أن النبي صلى
الله عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها ... الحديث، ونحوه من رواية الواقدي عن
التيمي مرسلا، وفيه أنها قالت: يا رسول الله ما بي حب الرجال، ولكن أحب أن
أبعث في أزواجك، فأرجعني ... ونحوه عن معمر معضلا. وهذا مرسل أو معضل، فإن
القاسم هذا تابعي صغير روى عن أبي الطفيل وسعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم.
وهو مع إرساله منكر لأن الروايات المتقدمة صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم لم
يطلقها. وهذا يقول: " بعث إلى سودة بطلاقها ". فإن قيل لماذا خشيت سودة
طلاق النبي صلى الله عليه وسلم إياها؟ فأقول: لابد أن تكون قد شعرت بأنها قد
قصرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في القيام ببعض حقوقه، فخشيت(3/468)
ذلك، ولكني
لم أجد نصا يوضح السبب سوى رواية الواقدي المتقدمة التي أشارت إلى ضعفها من
الناحية الجنسية، ولكن الواقدي متهم كما سبق. ويحتمل عندي أن السبب ضيق
خلقها، وحدة طبعها الحامل على شدة الغيرة على ضراتها، فقد أخرج مسلم (4 /
174) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: ما رأيت امرأة أحب إلي أن
أكون في سلافها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة. قالت: فلما كبرت جعلت
يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. وللشطر الأول من طريق أخرى
عند ابن سعد (8 / 54) عن ثابت البناني عن سمية عن عائشة به إلا أنه وقع فيه "
فيها حسد " ولعله محرف من " حدة ". والله أعلم.
1480 - " أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ومكان الزبور المئين ومكان الإنجيل
المثاني وفضلت بالمفصل ".
أخرجه الطيالسي (2 / 9 / 1918) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 154)
والطبراني في " التفسير " (1 / 100 رقم 126) وابن منده في " المعرفة "
(2 / 206 / 2) من طريق عمران القطان عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن
الأسقع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمران القطان فهو حسن
الحديث للخلاف المعروف فيه، وقد تابعه سعيد بن بشير عن قتادة به. أخرجه
الطبري ويوسف بن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (ق 22 / 2) . وتابعه ليث
ابن أبي سليم عن أبي بردة عن أبي المليح به. أخرجه الطبري أيضا (رقم 129) .
وله شاهد من مرسل أبي قلابة مرفوعا نحوه. أخرجه الطبري (127) .
قلت: وإسناده صحيح مرسل. قلت فالحديث بمجموع طرقه صحيح. والله أعلم.(3/469)
1481 - " أعطي يوسف شطر الحسن ".
رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 68 / 2) . وأحمد (3 / 286) :
حدثنا عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. ورواه الواحدي في " تفسيره " (88 / 2)
من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به. وأخرجه ابن جرير في
" التفسير " (12 / 122 - 123) والحاكم (2 / 570) وابن عدي (261 / 1)
وابن عساكر (19 / 218 / 1) من طرق أخرى عن عفان به وزادوا: " وأمه ".
وزاد الأخيران: " يعني سارة ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "،
ووافقه الذهبي. وقال ابن عدي: " ما أعلم رفعة أحد غير عفان، وعفان أشهر
وأصدق وأوثق من أن يقال فيه شيء مما ينسب فيه إلى الضعف ". وأخرجه مسلم (
1 / 99) من طريق أخرى عن حماد بن سلمة في حديث الإسراء وفيه: " فإذا أنا
بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أعطي شطر الحسن ". وأما ما أخرجه ابن
جرير في " التفسير " (12 / 123) قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام عن
أبي معاذ عن يونس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطي يوسف
وأمه ثلث حسن أهل الدنيا وأعطي الناس الثلثين، أو قال: أعطي يوسف وأمه
الثلثين وأعطي الناس الثلث ". فهو منكر باطل بهذا اللفظ، لمخالفته للحديث
الصحيح ولأن إسناده واه جدا، فإنه مع إرساله فيه أبو معاذ واسمه سليمان بن
أرقم وهو متروك وابن حميد اسمه محمد الرازي ضعيف.(3/470)
1482 - " أعطيت هذه الآيات من آخر البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي (ولا
يعطى منه أحد بعدي) ".
أخرجه أحمد (5 / 883) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 65) والسراج في
" مسنده " (3 / 47 / 1) والبيهقي (1 / 213) عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي
ابن حراش عن حذيفة مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد عزاه إليه الحاكم في " المستدرك "
(1 / 563) ولم يسق لفظه، وإنما أشار إليه بقوله في آخر حديث حذيفة ساقه
بهذا المسند عنه مرفوعا بلفظ: " فضلنا على الناس بثلاث.... " فذكرها ثم قال
عقبها: " وذكر خصلة أخرى ".
قلت: وهي هذه قطعا فقد ذكرها أحمد والسراج والبيهقي عقب لفظ مسلم بهذا
اللفظ المذكور أعلاه. " وأعطيت هذه الآيات.... ". والحديث رواه ابن خزيمة
أيضا في " صحيحه " كما في " هداية الإنسان " ليوسف بن عبد الهادي (ق 22 / 1)
. ولربعي بن حراش إسناد آخر في هذا الحديث رواه منصور عن ربعي عن خرشة بن الحر
عن المعرور بن سويد عن أبي ذر مرفوعا به. وزاد في رواية: ويعني الآيتين من
آخر سورة البقرة ". أخرجه أحمد (5 / 151 - 180) .
قلت: وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. وأخرجه الحاكم (1 / 562) من طريق
عبد الله بن صالح المصري أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن
نفير عن أبي ذر به، وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ورده الذهبي بقوله:
" كذا قال، ومعاوية لم يحتج به (خ) ، ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا ".(3/471)
يعني عن جبير بن نفير لم يذكر أبا ذر في إسناده، أخرجه أبو داود في " مراسيله
" كما في " الترغيب " (2 / 220) وكذا الحاكم. وهو الصحيح عندي لأن عبد
الله بن صالح وإن أخرج له البخاري ففيه ضعف من قبل حفظه وغفلته، وقد خالفه
ابن وهب وهو ثقة ضابط، وتابعه معن بن عيسى عند الدارمي كما بينته في " تخريج
المشكاة " (2173) . وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر مرفوعا نحوه. أخرجه
أحمد (4 / 158) وابن نصر (65) وأبو جعفر بن أبي شيبة في " العرش " (114
/ 2) من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عنه. (انظر
الاستدراك رقم 472 / 8) .
قلت: وإسناده جيد، وقال الذهبي في " العلو " (رقم 87 - مختصره) :
" إسناده صالح ".
1483 - " أعطيت فواتح الكلم وخواتمه، قلنا: يا رسول الله علمنا مما علمك الله عز
وجل، فعلمنا التشهد ".
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1737) عن هشيم عن عبد الرحمن ابن إسحاق عن
أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن إسحاق، وهو أبو شيبة
الواسطي ضعيف اتفاقا. لكن للحديث شاهد من حديث ابن مسعود قال: " إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وجوامعه، أو جوامع الخير وفواتحه وإنا
كنا لا ندري ما نقول في صلاتنا حتى علمنا فقال: قولوا: التحيات لله.... "
الخ التشهد. أخرجه ابن ماجة (1892) وأحمد (1 / 408) من طريقين عن أبي
إسحاق عن أبي الأحوص عنه.(3/472)
وتابعهما شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي
الأحوص به بلفظ: " إن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وجوامعه
وخواتمه فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله....، ثم ليتخير
أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع ربه عز وجل ". أخرجه أحمد (1 / 437) .
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فإن شعبة سمع من أبي إسحاق وهو السبيعي
قبل الاختلاط. وللشطر الأول منه شاهد آخر سبق ذكره تحت الحديث (1472) من
رواية ابن لهيعة بسنده عن ابن عمرو مرفوعا، فراجعه.
1484 - " أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم
على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا ".
أخرجه أحمد (1 / 6) من طريق المسعودي قال: حدثني بكير بن الأخنس عن رجل عن
أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال أبو
بكر: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومصيب من حافات البوادي.
قلت: وهذا سند ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم. والمسعودي كان اختلط واسمه
عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. لكن الحديث صحيح فإن له
شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، وفاته حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال: " سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا
على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي
رب إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي، قال: إذن أكملهم لك من الأعراب ".(3/473)
أخرجه
أحمد (2 / 359) عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم لكن زهير هذا وهو أبو المنذر الخراساني فيه
ضعف من قبل حفظه. والحديث قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 345) :
" رواه أحمد والبيهقي في " البعث " من رواية سهل بن أبي صالح....، وسنده
جيد وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند
البزار وعن ثوبان عند ابن أبي عاصم، فهذه طرق يقوي بعضها بعضا ".
قلت: وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عند أحمد أيضا (1 / 197) .
1485 - " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا، فحز بها يده فما رقأ الدم
حتى مات، قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة ".
أخرجه البخاري (2 / 373) وأبو يعلى في " المغاريد " (1 / 70 / 1) من طريق
جرير عن الحسن قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد وما نسينا منذ
حدثنا وما نخشى أن يكون جندب كذب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.
1486 - " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا
ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه
أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ".
أخرجه النسائي (2 / 125) وأحمد (1 / 382) من طريق أبي معاوية(3/474)
عن الأعمش
عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري مختصرا فانظر إن
شئت " تخريج حل مشكلة الفقر " (114) .
1487 - " إن أعظم الناس فرية لرجل هجا رجلا، فهجا القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه
وزنى أمه ".
أخرجه ابن ماجه (2 / 411) والبيهقي (10 / 241) عن سليمان الأعمش أنه حدثهم
عن عمرو بن مرة عن يوسف بن ماهك عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم على شرط الشيخين، وقد صححه
البوصيري في " الزوائد " (ق 227 / 1 - الحلبية) .
1488 - " اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة ".
أخرجه أحمد (5 / 248 - 249 - 255 - 258) وابن نصر في " الصلاة " (65 / 2)
من طرق عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي عن رجاء بن حيوة عن أبي
أمامة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر انقطع به
، قال ": فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم.
1489 - " أفضل العمل الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد ".
أخرجه أحمد (5 / 368) عن شعبة أخبرني عبد الملك المكتب قال: سمعت أبا عمرو
الشيباني يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:(3/475)
" سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الملك المكتب فلم
أعرفه ويحتمل أنه عبد الملك بن عمير الكوفي المعروف بالقبطي أو عبد الملك بن
ميسرة الهلالي الكوفي الزراد، فإنهما قد ذكرا في شيوخ شعبة بن الحجاج. وهما
ثقتان، ولعل الأرجح أنه الأول منهما. وقد توبع، فأخرجه مسلم (1 / 63) من
طريق الحسن بن عبد الله عن أبي عمرو الشيباني به دون قوله: " والجهاد " وسمى
الرجل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه هو والبخاري (2 / 9 / 527)
من طريق شعبة وغيره عن الوليد بن عزار قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول:
حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبد الله قال: " سألت النبي صلى الله
عليه وسلم: أي العمل أحب (وفي رواية: أفضل) إلى الله؟ قال: الصلاة على
وقتها (وفي الرواية الأخرى: لوقتها) ، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين
. قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن، ولو استزدته
لزادني ". والحديث أورده السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " من رواية
البيهقي في " الشعب " عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " أفضل العمل الصلاة على
ميقاتها، ثم بر الوالدين، ثم أن يسلم الناس من لسانك ". وبلفظ: " أفضل
العمل الصلاة لوقتها والجهاد في سبيل الله ". وظاهر أنه باللفظ الثاني صحيح
لكن لم يذكر " بر الوالدين "، وهو صحيح أيضا باللفظ الأول دون قوله: ثم أن
يسلم الناس من لسانك " فإني لم أرها في شيء من طرق الحديث في " الصحيحين "
وغيرهما كالمسند (1 / 410 - 418 - 421 - 439 - 444 - 448 - 451) بل إن قول
ابن مسعود: " ولو استزدته لزادني " ليدفعها فهي زيادة منكرة لمخالفتها لرواية
" الشيخين "، " ثم الجهاد في سبيل الله ".(3/476)
وللحديث شاهد موقوف يرويه نافع عن
ابن عمر أنه كان يقول: " إن أفضل العمل بعد الصلاة الجهاد في سبيل الله تعالى
". أخرجه أحمد (2 / 32) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. والجملة الأولى منه رفعها عبد الله
العمري عن نافع به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 66) من طريق محمد بن
حمير الحمصي عنه بلفظ: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل
؟ قال الصلاة في أول وقتها ". ذكره في ترجمته علي بن محمد بن مخلد بن خازم أبي
الطيب الكوفي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله شاهد من حديث أنس قال:
" سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها ".
أخرجه الخطيب (10 / 286) في ترجمته عبد الرحمن بن الحسن بن أيوب الضرير، روى
عنه جمع من الثقات، مات سنة (315) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ومن فوقه
ثقات من رجال مسلم. وأورده السيوطي في " الجامع " من رواية الخطيب عن أنس
بلفظ: " أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله ".
ولم أره في " فهرس التاريخ " بهذا التمام. وعزوه إليه فقط قصور واضح فعزوه
لأحمد كان أولى، وذكره بلفظ " الشيخين ": " ثم ... ثم ... "، أولى وأولى
كما لا يخفى على أولي النهي.
1490 - " أفضل العمل إيمان بالله وجهاد في سبيل الله ".
أخرجه ابن حبان (94) عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثنا أبي
عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال:(3/477)
" دخلت المسجد، فإذا رسول
الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فقال: يا أبا ذر إن للمسجد تحية وإن
تحيته ركعتان، فقم فاركعهما، فقال: فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه فقلت
.... يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيل الله،
قال: قلت: يا رسول الله..... " الحديث بطوله، وهو طويل جدا.
قلت: وإسناده هالك، إبراهيم بن هشام هذا قال أبو حاتم: " كذاب ".
قلت: لكن حديث الترجمة منه صحيح، فقد أخرجه مسلم (1 / 62) من طريق أبي
مراوح الليثي عن أبي ذر قال: " قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال
الإيمان بالله، والجهاد في سبيله. قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال:
أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا. قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين
صانعا، أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل
؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك ".
1491 - " أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل الجهاد من جاهد
نفسه في ذات الله وأفضل المهاجرين من جاهد لنفسه وهواه في ذات الله ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (142 / 2) بسند صحيح عن سويد ابن حجير عن العلاء
ابن زياد قال: " سأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: أي المؤمنين
أفضل إسلاما؟ قال ... " فذكره وفي آخره: " قال: أنت قلته يا عبد الله بن
عمرو أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: بل رسول الله صلى الله
عليه وسلم قاله ".
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.(3/478)
(تنبيه) : كذا وقع في الأصل: " وأفضل المهاجرين من جاهد ... " الخ. ولا
يخفى ما فيه ولعل الصواب ما في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني في
" الكبير " عن ابن عمرو بلفظ: ".... وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا
وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات
الله عز وجل ". قال المناوي: " وإسناده حسن. ذكره الهيثمي ". ولبعضه شاهد
مرسل بإسناد صحيح بلفظ: " الإسلام إطعام الطعام وطيب الكلام والإيمان
السماحة والصبر وأفضل المسلمين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وأفضل الهجرة من هجر ما حرم الله عليه ".
أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (143 / 2) عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبيد بن
عمير عن أبيه عبيد بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ما
الإسلام؟ قال: إطعام الطعام.... ". وهذا إسناد مرسل صحيح. ثم أخرجه
موصولا.... من طريق محمد بن ذكوان عن عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة به. لكن
محمد بن ذكوان وهو {الجهضمي} الطاحي ضعيف. ومن طريق سويد أبي حاتم: حدثني
عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده به. وسويد هذا ضعيف أيضا، فالصواب
المرسل. وأخرجه الحاكم (3 / 626) من طريق بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد
ابن عمير عن أبيه عن جده مرفوعا به دون ذكر الطعام والكلام والهجرة وذكر
بدلها: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ".(3/479)
1492 - " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعين في النار،
وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين
في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في
الجنة، وثنتين وسبعين في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم
الجماعة ".
رواه ابن ماجة (2 / 479) وابن أبي عاصم في " السنة " (63) واللالكائي في
" شرح السنة " (1 / 23 / 1) من طريقين عن عباد بن يوسف حدثني صفوان بن عمرو
عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير عباد بن يوسف وهو الكندي
الحمصي وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " ووثقه غيره، وروى عنه جمع.
وللحديث شواهد تقدم بعضها برقم (203) .
1493 - " أفشوا السلام تسلموا ".
رواه البخاري في " الأدب المفرد " (477 / 1266) وأحمد (4 / 286) وأبو
يعلى (101 / 2) وابن حبان (1934) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 /
277) وكذا العقيلي في " الضعفاء " (356) وأبو حامد بن بلال النيسابوري
في أحاديثه (15 / 1) وعبد الرحيم الشرابي في " أحاديث أبي اليمان وغيره "
(83 / 1) والقضاعي (61 / 1) عن قنان بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوسجة
عن البراء مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته
بمرو " (71 / 1) وقال العقيلي: " حدثنا عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول:
سمعت يحيى بن آدم يقول: قنان ليس من بابتكم، قال أبي: كان يحيى قليل الذكر
للناس، ما سمعته ذاكرا أحد غير قنان " قال العقيلي:(3/480)
" والمشهورون بغير هذا
الإسناد في إفشاء السلام ".
قلت: وقنان حسن الحديث فقد وثقه ابن معين، وقال النسائي ليس بالقوي وذكره
ابن حبان في " الثقات " (2 / 249) ، وبقية رجال الإسناد " ثقات " فهو سند
حسن.
(تنبيه) زاد البخاري وأحمد وأبو يعلى وأبو نعيم: " والأشرة شر ". زاد
البخاري: قال أبو معاوية: الأشرة: العبث.
1494 - " أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا
".
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 98) والديلمي (1 / 1 / 123)
من طريق ابن لال تبليغا عن عمار بن أخت سفيان الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي محمد بن عمر، وعمار وهو ابن محمد
ابن أخت الثوري كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن. وللحديث شاهد من حديث
ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (4 / 269 - 270) بإسناد واه جدا.
وله شاهد آخر فقال عبد الله بن المبارك في " الزهد " (684) : أخبرنا هشام بن
الغازي عن رجل عن أبي شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه.
قلت: وأبو شريك هذا لم أعرفه، ولا أستبعد أن يكون صحابيا، فقد جاء في
القسم الثالث من " الإصابة ": " أبو شريك: ذكره المستنفري في " الصحابة "
وأخرج من طريق ابن إسحاق أن عمر أعطاه أرضا ". وله شاهد ثالث من حديث ابن
عمر وإسناده ضعيف جدا، خرجته في " الروض النضير " (481)(3/481)
وله شاهد رابع
بلفظ: " أفضل الأعمال إدخالك السرور على مؤمن أو أشبعت جوعته أو كسوت عورته أو
قضيت له حاجة ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 95 / 1 من الجمع بين
المعجمين " عن كثير النواء حدثني أبو مسلم الأنصاري - وكان ابن خمسين ومائة
سنة - سمعت عمر بن الخطاب يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال
أفضل؟ قال إدخالك ... ، وقال: " لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ".
قلت: وهو ضعيف لضعف النواء وهو كثير بن إسماعيل التميمي. وأبو مسلم
الأنصاري هذا المحمر لم أعرفه. والشطر الأول منه يرويه النضر بن محرز عن محمد
ابن المنكدر عن جابر قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم.... "، أخرجه
ابن عساكر في " التاريخ " (17 / 285 / 2) . والنضر هذا ضعيف.
1495 - " أفضل الإيمان الصبر والسماحة ".
الديلمي (1 / 1 / 128) عن عبد العزيز بن الزبير عن زيد العمي عن معاوية بن
قرة عن معقل بن يسار مرفوعا.
قلت: ويروى عن الحسن مرسلا ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، زيد العمي ضعيف من
قبل حفظه. وعبد العزيز بن الزبير، لم أعرفه. ومرسل الحسن وهو البصري
وصله عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 10) .(3/482)
وأسنده ابن أبي شيبة في
" الإيمان " (رقم 43) عنه عن جابر بن عبد الله أنه قال: " قيل يا رسول الله
أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة ". ورجاله ثقات، فهو صحيح لولا
عنعنة البصري. والحديث صحيح المتن لأن له شاهدين عند أحمد من حديث عمرو بن
عبسة وعبادة بن الصامت، وأخرج أولهما البيهقي أيضا في " الزهد الكبير " (87
/ 1) من طريق أخرى عنه. ووجدت له شاهدا آخر مرسل أخرجه ابن نصر في " الصلاة
" (ق 143 / 2) عن عبيد بن عمير مرفوعا. وإسناده صحيح، وهو قطعة من حديث
ذكرته تحت الحديث (1491) .
1496 - " أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل ".
رواه ابن مله في " الأمالي " (3 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 249)
والديلمي (1 / 1 / 127) عن هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد - ولم
يكن بدمشق أحفظ لكتاب الله منه - عن سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي
ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل قال أن تجاهد
.... وقال أبو نعيم: " كذا قال قتادة، وتفرد به عنه سعيد بن بشير وخالف
سويد بن حجير قتادة، فقال: عن العلاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ".
قلت: سعيد بن بشير ضعيف كما في " التقريب "، فلا يصح عن قتادة ولا القول بأن
سويدا خالف قتادة كما هو ظاهر. وسويد بن حجير ثقة من رجال مسلم، فإن صح
السند إليه فالحديث صحيح. والله أعلم.(3/483)
والحديث عزاه السيوطي لابن النجار
فقط! ويشهد للحديث حديث فضالة بن عبيد مرفوعا بلفظ: " المجاهد من جاهد نفسه
لله أو قال في الله عز وجل. أخرجه أحمد (6 / 20 - 22) والترمذي (3 / 2 -
تحفة) وابن حبان ثم وقفت على إسناد الحديث عند سويد بن حجير فانظر " أفضل
المؤمنين " (1491) (1624) من طريق أبي هانىء الخولاني أن عمرو بن مالك
الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه
قال: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".
قلت: وإسناده جيد.
1497 - " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الشكر الحمد لله ".
رواه ابن حبان (2326) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (2 / 2) والبغوي في
شرح السنة (1 / 144 / 2) عن موسى بن إبراهيم الأنصاري عن طلحة بن خراش
الأنصاري قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول: فذكره وقال البغوي: " هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث
موسى بن إبراهيم ".
قلت: وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب ".
1498 - " أفضل الكلام ما اصطفى الله لعباده: سبحان الله وبحمده ".
رواه أحمد (5 / 148) وابن بشران في الكراس الأخير من الجزء الثلاثين (ق 3 /
1) عن عفان بن مسلم حدثنا وهيب حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبد
الله بن الصامت عن أبي ذر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي
الكلام أفضل قال: ما اصطفى الله ...(3/484)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 86)
وكذا أحمد (5 / 161) من طريق شعبة عن الجريري به مرفوعا بلفظ: " ألا أخبرك
بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال
: إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده ". وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق
حبان بن هلال حدثنا وهيب به فذكره مثل حديث عفان وأخرجه أحمد أيضا (5 / 176)
من طريق يزيد أنبأنا الجريري به. وللحديث شاهد عن بعض أصحاب النبي صلى الله
عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الكلام سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر ". أخرجه أحمد (4 / 36) حدثنا وكيع قال:
حدثنا الأعمش عن أبي صالح عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر كما هو
معلوم، وقد علقه البخاري في " صحيحه " (9 / 117) بلفظ: " أفضل الكلام أربع
.... " والباقي مثله سواء. وقد وصله مسلم (6 / 172) وغيره من حديث سمرة
ابن جندب مرفوعا به.
1499 - " ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ فتلا عليه: الحمد لله رب العالمين ".
أخرجه الحاكم (1 / 560) من طريق علي بن عبد الحميد المعني حدثنا سليمان بن
المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم
في سير، فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم
فقال " فذكره ". أخرجه الحاكم (1 / 560) وقال: " صحيح على شرط مسلم ".
وأقره الذهبي.(3/485)
وأقول: المعني هذا لم يخرج له مسلم شيئا ولكنه ثقة، فالحديث صحيح فقط وله
شواهد تجدها في أول " تفسير بن كثير ". والحديث بيض له المناوي!
1500 - " أفضل الحج العج والثج ".
رواه أبو بكر بن سعيد القاضي في " سند أبي بكر الصديق " (74 / 1) قال: حدثنا
محمد بن إسحاق البلخي قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: حدثنا الضحاك بن عثمان
الحزامي عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر عن أبي بكر الصديق قال: سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل الحج؟ قال: العج والثج. ثم رواه (101 /
1) هو والدارمي (2 / 31) والترمذي (2 / 84 - تحفة) وابن ماجة (2 / 217
) من طرق عن ابن أبي فديك به إلا أنه جعل عبد الرحمن بن يربوع بدل " ابن عمر "
ثم رواه من طريق سعيد بن عثمان والضحاك جميعا عن محمد ابن المنكدر عن سعيد بن
عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر، وقال الترمذي: " حديث غريب، لا نعرفه إلا
من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك ابن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد
الرحمن بن يربوع، وقد روى محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن
أبيه غير هذا الحديث، وروى أبو نعيم الطحان ضرار بن صرد هذا الحديث عن ابن
أبي فديك عن الضحاك ابن عثمان عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن
يربوع عن أبيه عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخطأ فيه ضرار. قال
أبو عيسى: سمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: من قال في هذا الحديث
عن محمد بن المنكدر عن ابن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه فقد أخطأ. قال:
وسمعت محمدا يقول: ذكرت له حديث ضرار بن صرد عن أبي فديك، فقال: هو خطأ،
فقلت: قد روى غيره عن ابن أبي فديك أيضا مثل روايته فقال: لا شيء، إنما
رووه عن ابن أبي فديك ولم يذكروا فيه سعيد بن عبد الرحمن، ورأيته يضعف ضرار
ابن صرد ".(3/486)
وجملة القول: أن الرواة اختلفوا على ابن أبي فديك في إسناد هذا
الحديث، وأكثرهم قالوا: عنه عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد
الرحمن بن يربوع عن أبي بكر. وهذا الإسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه
منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من ابن يربوع كما تقدم في كلام الترمذي، والله
أعلم. ثم وجدت له شاهدا، فقال أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1260 - 1261) :
حدثنا أبو هشام الرفاعي أخبرنا أبو أسامة أخبرنا أبو حنيفة عن قيس بن مسلم عن
طارق بن شهاب عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
وزاد " فأما العج فالتلبية وأما الثج فنحر البدن ". وهذا إسناد رجاله ثقات
رجال مسلم على ضعف في الرفاعي واسمه محمد ابن يزيد بن محمد غير أبي حنيفة فهو
مضعف عند جماهير المحدثين، ولكنه غير متهم، فالحديث به حسن. والله أعلم.(3/487)
الاستدراك والتصويب
الصفحة ... السطر
____________________
12/4: ".. (6/104) [وابن حبان في "صحيحه" (2141 - موارد الظمآن] ..".
12/19: ".. في " الطبقات " (2/238) [وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند ابن عباس 1/260/433 و498) وابن حبان في "صحيحه" (2142 - موارد الظمآن] ..".
14/21: [قلت: ثم وجدت لابن خالد الزنجي متابعَيْن:
الأول: شيخ من أهل المدينة عن العلاء بن عبد الرحمن به.
أخرجه الترمذي (3256) وقال:
"حديث غريب، وفي إسناده مقال. ".
قلت: وذلك لجهالة الشيخ المدني فإنه لم يُسمِّ، وليس هو الزنجي فإنه مكي، والظاهر أنه عبد العزيز بن محمد، فقد أخرجه الحاكم (2/458) من طريق سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد: ثنا العلاء بن عبد الرحمن به. وقال:
"صحيح على شرط مسلم" ووافقه الذهبي.
قلت: وعبد العزيز هذا هو الدراوردي المدني، فهو -والله أعلم- الشيخ الذي لم يسم عند الترمذي، وهو ثقة.
والآخر: عبد الله بن جعفر بن نَجيح عن العلاء به.
أخرجه الترمذي أيضًا (3257) .
قلت: فالحديث بهذه المتابعات صحيح. والله أعلم] .
26/18: ".. جرير بن حازم به [والأصبهاني في "الترغيب" (ق 132/2 - مصورة الجامعة الإِسلامية) من طريق ثالث عن الأعمش به] ".(3/488)
الصفحة ... السطر
____________________
26/21: ".. وابن حبان [و"مسند ابن راهويه" (4/225/1 - مصورة الجامعة) ] ".
32/12: [وأخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (285) من طريق آخر عن ابن وهب به] .
51/22: ".. (5/82/1) و [ابن جرير في "تهذيب الآثار" (1/17/45) ] عن..".
66/19: [ (تنبيه) : قال ابن جرير الطبري:
"تظاهرت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: إن إسرافيل قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ".
نقله عنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2/176) ، وأتْبَعَهُ بقوله: "رواه مسلم في (صحيحه) "!
وهذا وهم محض، قلده عليه مختصره الشيخ الصابوني (1/590) وهذا من جهله بهذا العلم وعدم عنايته به، وتقليده تقليدًا أعمى، ولم يقنع بذلك حتى ضم إليه سيئة أخرى، وهي أنه سرق هذا التخريج من ابن كثير فنقله إلى حاشيته، موهمًا القراء أنه من علمه!] .
134/حديث 1143- (يقول الله..) هو مكرر الحديث (1099) فمعذرة.
158/2: [قلت: وفيه نظر، لأنه عند الطبراني في "المعجم الكبير" (6145) من طريق سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي: حدثنا عمي عن داود بن أبي هِنْد بِهِ، وعم سعيد هذا اسمه محمد بن سعيد بن أبان، وليس من رجال (الصحيح) ، ولا هو معروف إلا بهذه الرواية، كما يستفاد من "الجرح والتعديل" (3/2/264) ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/426) ، لكن قد وثقه الدارقطني أيضًا كما في "تاريخ بغداد" (5/303-304) ، فالإِسناد صحيح،(3/489)
الصفحة ... السطر
____________________
فإن سائر الرواة ثقات رجال مسلم، غير شيخ الطبراني محمد بن الحسين بن مكرم البغدادي وثقه الدارقطني كما رواه عنه في "تاريخ بغداد" (2/233) ، وروى عن إبراهيم بن فهد قال: ما قدم علينا من بغداد أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر بن مكرم بحديث البصرة خاصة، ولا أعرف منه. مات سنة تسع وثلاثمائة. ووقع في "المعجم الكبير": ".. ابن الحسن" والصواب: "ابن الحسين" كما في "التاريخ"، وهكذا على الصواب وقع في المعجم الصغير للطبراني (رقم 865 طبع المكتب الإسلامي و1024 الروض النضير) ، وفي غير موضع من "المعجم الأوسط" (6135-6161 بترقيمي) ، وكذلك هو في "تذكرة الحفاظ" للذهبي (2/735) ووصفه بـ "الحافظ الإِمام المسند"] .
161/21: ".. الطبراني أيضًا [في "الكبير" (23/289/637) ] عن..".
161/26: [قلت: فيه يحيى الحماني، قال الحافظ: "حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث"] .
178/7: [قلت: ورواه البخاري (2076) وابن ماجه (2203) من طريق أخرى عن جابر مرفوعًا بلفظ:
"رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"] .
194/14: ".. فجاء [ (وفي لفظ: فتنحى) ] ذلك..".
194/22: "ومن طريقه [مسلم (8/223) و] ابن منده..".
206/18: ".. 1/136/2) [وأبو زيد عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (2/239) ] ، ورجاله..".
210/10: ".. /2 مجموع 6) [وفي "مسند الشاميين" (ص 24 - مصورة الجامعة) ] وأبو نعيم..".(3/490)
الصفحة ... السطر
____________________
216/4: ".. (8/308) [والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (ق 56/2) ] من..".
231/2: ".. نحوه. [ورواه الشيخان من طريق أخرى عن عبد الرزاق به. وهو مخرج في "إرواء الغليل" (7/166) ] ".
231/16: [ثم تبين لي أن الحاكم والذهبي قد وهما في استدراك الحديث على البخاري، فقد رأيته أخرجه في "صحيحه" (6626) من الطريق المتقدم لكن بلفظ ".. أعظم إثمًا، لِيَبَرَّ. يعني الكفارة".
وهو بهذا اللفظ أولى من اللفظ الذي عند الحاكم، وهو في بعض نسخ البخاري مثل لفظ الحاكم كما في "فتح الباري" (11/520) وقال في تفسير اللفظ المحفوظ:
"والتقدير: ليترك اللجاج ويبر. ثم فسر البر بالكفارة. والمراد أنه يترك اللجاج فيما حلف، ويفعل المحلوف عليه، ويحصل له البر بأداء الكفارة عن اليمين الذي حلفه إذا حنث".
قلت: وهذا التفسير والشرح أولى مما قاله الحربي. والله أعلم] .
258/25: [ثم رأيت ابن جرير الطبري قد أخرج الحديث في "تهذيبه" (2/99/1249) من طريق ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة أن أبا يونس حدثه، دون الاستجمار. وهذا سَنَدٌ صحيح، لأن ابن لهيعة صحيح الحديث برواية العبادلة عنه، وابن وهب أحدهم. فصح الحديث والحمد لله؛ لأن الاستجمار له شاهد يأتي قريبًا] .
259/14: [ويؤيّد الاحتمال الأول أن الحافظ المزي ذكر أبا العالية في شيوخ عاصم بن كليب، وذكر في الرواة عن هذا السفيانين.
والحديث أخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيبه" (1250) : حدثني محمد بن عوف الطائي به إلا أنه قال: "عن أم العالية" مكان "أبي(3/491)
الصفحة ... السطر
____________________
العالية"، ولم أعرفها والله أعلم] .
291/14: ".. (1/10) [وابن ماجه (447) ] والحاكم..".
312/22: ".. رواه [أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين" (292/525) و] السِّلفي..".
ويحذف من السطر الذي بعده: "البغوي: ثنا".
313/8: [وإنما قلت: "فليحقق" لأن مصعبًا هذا هو مصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان بن عبد الدار خازن الكعبة كما في "تاريخ البخاري" (4/1/352) و"الجرح والتعديل" (4/1/305) وغيرهما.
فشيبة والد مصعب هذا إنما هو حفيد شيبة بن عثمان بن عبد الدار، وهو صحابي معروف، فيبعد جدًا أن يدرك ابن الحفيد جده الأعلى، أعني أن يدرك مصعبٌ جدَّ جدِّه: عثمان بن عبد الدار، ولذلك لم يذكره في شيوخه لا هو ولا غيره من الصحابة، وإنما ذكر فيهم طلق بن حبيب وصفية بنت شيبة. فقول الحافظ ابن حجر في "التهذيب" تبعًا لأصله في ترجمة شيبة بن عثمان:
"روى عنه ابنه مصعب".
فهو خطأ لعله سبق قلم.
ويؤيد ذلك أن الحافظ ذكر في ترجمة مُسافِع بن عبد الله بن شيبة بن عثمان.. العبدري أنه روى عنه ابنُ ابنِ عمه مصعب بن شيبة. فهذا صريح في أن مصعبًا ليس ابن شيبة بن عثمان.
وجملة القول: إن مصعبًا هذا تابع تابعي، لا تثبت له رواية عن جده الأعلى شيبة ابن عثمان، وإنما يروي عنه بواسطة مسافع بن عبد الله بن شيبة بن عثمان، وأن أباه هو شيبة بن جبير وليس شيبة بن عثمان الصحابي، ولا يعرف، فالإِسناد مرسل، على ضعف مصعب، وجهالة(3/492)
الصفحة ... السطر
____________________
أبيه. والله سبحانه وتعالى أعلم] .
315/7: ".. (1/1/108) [وكذا الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (ق 206/1) ، والحافظ..".
325/19: ".. منتخب منه) [وكذا ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند ابن عباس 1/289/485) والأصبهاني في "الترغيب" (ق 244/1) ] من طريق..".
325/23: [وقال الأستاذ الأديب محمود شاكر في تعليقه على "التهذيب": "ولم أقف على الخبر في غير هذا المكان". يعني في غير "التهذيب"!] .
326/20: [وله شاهد ثالث عند الأصبهاني في "ترغيبه" من طريق أبي الشيخ: ثنا الحسن بن محمد: ثنا أبو زرعة: ثنا يحيى بن بكير قال: حدثني يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره.
قلت: وهذا مرسل، ورجاله ثقات معروفون من رجال "تهذيب التهذيب" غير شيخ أبي الشيخ: الحسن بن محمد فلم أعرفه] .
326/13: ".. 52/1) [والطبري في "التهذيب" (1/417/965) ، وابن عساكر..".
351/حديث 1365- (إذا عاد أحدكم..) هو مكرر الحديث (1304) فمعذرة.
363/6: [وابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 109 و285) ] .
408/13: [ (تنبيه) : عرفت مما سبق أن إسناد الطبراني هو غير إسناد الخطيب، وأنه أصح، ولم يقف عليه ابن الجوزي، فأورده في "الأحاديث الموضوعة" (3/55) من طريق الخطيب المعلولة ببكر بن بكار، ومع أن المناوي بين الفرق بين الإِسنادين في "فيض القدير"، ونقل فيه قول الهيثمي في رواية الطبراني: "رجاله رجال الصحيح خلا عبد الله(3/493)
الصفحة ... السطر
____________________
ابن أحمد بن حنبل، وهو ثقة مأمون".
أقول: إنه مع ذلك، غفل في "التيسير" فجعل الإِسنادين إسنادًا واحدًا فقال:
"رواه الطبراني والخطيب عن ابن عمرو بإسناد ضعيف"! فتنبه لهذا الخلط والخبط، ولا تكن من الغافلين] .
432/1: (ص 179) [وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (مسند عمر 1/411/683] والطبراني..".
432/19: [وللحديث شاهدان من حديث أبي الدرداء وعبادة بن الصامت، أخرجهما ابن جرير الطبري في "تهذيبه" (684-686) ] .
434/4: " (96) [وابن جرير في "التهذيب" (مسند عمر 1/20/27) ] والطبراني..".
440/24: "ضعيف [لكن تابعهما عبد الرزاق في "المصنف" (1/73/236 و237) .
ومن طريقه ابن جرير في "التهذيب" (2/215/1573) عن ابن جريج قال:
"قلت لعطاء: إني رأيت إنسانًا منكشفًا على الحوض يغرف بيده على فرجه؟ قال: فتوضأ، فليس عليك، إن الدين سمح، قد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"اسمحوا يسمح لكم".
وقد كان مَنْ مضى لا يفتشون عن هذا، ولا يلحفون فيه. يعني: يفحصون عنه"] والصواب في ... ".
472/8: ".. (114/2) [والطبراني في "المعجم الكبير" (17/283) ] من طريقين..".(3/494)
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، فهذا هو المجلد الرابع من كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" يحوي -كأمثاله المتقدمة- خمسمائة حديث من الأحاديث الثابتة، أقدمه اليوم إلى القراء الكرام بعد أن مضى نحو خمس سنوات من طبع المجلد الذي قبله في سوريا، ولم يتيسر لنا طبع هذا الذي بين أيديهم إلا في هذه الآونة وفي الأردن، وبصعوبات طبعية جمة أحاطت به لا يعلم قدرها إلا الله عز وجل، لا داعي لشرحها وبيانها، إذ ما كل ما يُعلم يُقال، فحسبي أن أحتسب الأجر في تحملها عند الله تعالى الذي هو وحده ملاذ المؤمن ومعاذه في كل ما يناله ويصيبه من سراء أو ضراء، فإن ذلك كله خير بالنسبة للمسلم الصابر، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتقدم في هذه السلسلة رقم (147) :
"عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يُحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن".(م 4/3)
ولعل من الخير الذي قضاه الله لنا، في هذه البرهة المديدة لطبع الكتاب والصعوبات المشار إليها آنفاً أنه تبارك وتعالى أتاح لي فُرصةً للاستفادة من بعض الكتب الحديثية المصورة، أو التي تم طبعها حديثا، ووقفت عليها بعد أن نُضد هذا المجلد، ولم يقيض لي الاستفادة منها من قبل، الأمر الذي مكنني من أن أستمد منها جل مادة (الاستدراك) الذي يراه القارئ في آخر الكتاب، مصداقاً لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... فأمر المؤمن كله خير"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
هذا وقد يكون من المفيد أن أشير هنا إلى أمر هام طالما سُئلت عنه كتابة ولفظاً، وهو قولهم:
ما هو السبب في مخالفتك في التصحيح والتضعيف بعض من تقدمك من الحفاظ المحدثين كالسيوطي والمناوي وغيرهما، فضلاً عن بعض المشتغلين بالحديث من المعاصرين؟
والجواب:
أ- أما بالنسبة للحفاظ المتقدمين، فالسبب يعود إلى أمرين أساسين: الأول: أن الإنسان من طبعه الخطأ والنسيان، لا فرق في ذلك بين المتقدمين والمتأخرين، فقد ينسى المتقدم ويسهو، فيستدرك عليه المتأخر، وقديماً قالوا: كم ترك الأول للآخر.
فالحكم حينئذ للدليل والبرهان، فمع أيهما كان اتُّبع.
والآخر: وهو الأهم؛ أن المتأخر العارف بهذا الفن قد يتوسع في تتبع الطرق من دواوين السنة لحديث ما، فيساعده ذلك على تقوية الحديث لمعرفته بشواهده ومتابعاته وهذا من منهجي في التخريج، كما أشرت إلى ذلك فيما يأتي(م 4/4)
(ص 525) ، وعلى تضعيف إسناد ظاهره الصحة، لأن تتبعه للطرق كشف له عن علة قادحة فيه كالإرسال أو الانقطاع أو التدليس وغيرهما، ما كان ليظهر له ذلك لولا تتبعه للطرق، وهذا أمر مذكور في علم مصطلح الحديث، فراجعه إن شئت في "الباعث الحثيث" في "المعلل من الحديث" (ص 68-77) أو غيره، ونحن -بفضل الله- من العارفين بذلك نظراً وتطبيقاً منذ نحو نصف قرن من الزمان، وكتبي أكبر شاهد على ذلك وبخاصة "إرواء الغليل"، وهذه السلسلة والسلسلة الأخرى، والأمثلة متوفرة فيهما بكثرة، ولا بأس من الإشارة إلى بعضها مما سيأتي في هذا المجلد (رقم 1502 و1513 و1528 و1542 و1566) و (ص 102 و143 و158 و176 و190 و202 و204 و215 و242 و243 و291 و299 و302 و314 و324 و330 و352 و355 و367 و381 و403 و404 و411 و424 و449 و466 و486 و541 و564 و568 و572 و618 و641 و648) .
ب- وأما بالنسبة للمخالفين من المعاصرين، فليس لمخالفتهم عندي قيمة تُذكر، لأن جمهورهم لا يُحسن من هذا العلم إلا مجرد النقل، وتسويد الحواشي بتخريج الأحاديث وعزوها لبعض الكتب الحديثية المطبوعة، مستعينين على ذلك بالفهارس الموضوعة لها قديماً وحديثاً، الأمر الذي ليس فيه كبير فائدة، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة كتابي "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (ص 4) ، بل إنني أرى أن مثل هذا التخريج لا يخلو من شيء من التضليل -غير مقصود طبعاً- لكثير من القراء الذين يستلزمون من مجرد عزو الحديث لإمام أن الحديث مثبت! ويزداد توهمهم لصحة الحديث إذا اقترن مع تخريجه القول بأن رجاله ثقات، أو رجاله رجال(م 4/5)
الصحيح، وهو لا يعني الصحة عند العلماء، كما كنت حققته في مقدمة كتابي "صحيح الترغيب" (1/39-47) وغيرها، كما أنهم يتوهمون من قول المُخرِّج: في إسناده فلان وهو ضعيف. أن الحديث ضعيف! وقد يكون معهم بعض هؤلاء المُخرِّجين أنفسهم! لجهلهم بما تقرر في علم المصطلح: أنه لا يلزم من ضعف السند ضعف المتن لاحتمال أن يكون لهذا الضعيف متابع يتقوى به، أو يكون للحديث شاهد يعتضد به كما أشرت إلى ذلك في تخريج الحديث الآتي برقم (1901) صفحة (525) ، وهذه حقيقة يعلمها كل من مارس هذا العلم وكان حافظاً واسع الاطلاع على المتون والأسانيد والشواهد، ذا معرفة بالرواة وأحوالهم، مع الدأب والصبر على البحث والنقد النزيه، وتجد هذه الحقيقة جليةً في كتبي كلها، وبخاصة هذه السلسلة، وبالأخص هذا المجلد منها، ويتجلى ذلك للقارئ بصورة سريعة جلية برجوعه إلى فهرس (أ- المواضيع والفوائد) . على أنه قد يكون إعلال الحديث بالراوي الضعيف، إنما هو اعتماد على قولٍ مرجوحٍ في تضعيفه قاله بعض أئمة الجرح والتعديل، ويكون هناك من وثقه ويكون توثيقه هو الراجح، فالتصحيح والتضعيف عملية علمية دقيقة، تتطلب معرفة جيدة بعلم الحديث وأصوله من جهة، وتحرياً وإحاطة بالغة بطرق الحديث وأسانيدها من جهة أخرى، وهذا أمر لا يستطيعه ولا يُحسنه جماهير المشتغلين اليوم بتخريج الأحاديث، وإذا رأَيت لأحدهم تحقيقاً ونفساً طويلاً في ذلك فهو على الغالب مسروق منتحل! والمنصفون منهم يَعزون التحقيق لصاحبه، وقليل ما هم. وسيرى القراء الكرام في هذا الكتاب أمثلة كثيرة تدل على ما ذكرنا من التقصير في تتبع الطرق والتحقيق؛ الذي أودى ببعض المعاصرين إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة، فانظر مثلا آخر الكلام على حديث (العترة) (رقم 1761) ففيه الإشارة إلى(م 4/6)
من ضعفه من أفاضل الدكاترة المعاصرين وإلى من ضعف حديث: "تركت فيكم أمرين ... كتاب الله وسنتي.." من إخواننا الطيبين -إن شاء الله- فإنك تجد في ذلك مثالاً صالحاً للعبرة، هذا مع كون الاثنين على شيء لا بأس به من المعرفة بهذا العلم، فماذا يُقال عن الذين يتكلمون في تصحيح الأحاديث وتضعيفها بغير علم، بل بالهوى أو بالتقليد الأعمى لمن لا تخصص له بهذا العلم الشريف بل ولا له أية معرفة به!! كالذين يضعفون أحاديث المهدي الصحيحة، وأحاديث عيسى عليه السلام وغيرها. انظر (ص 38) ، وبعضهم يُخرج الأحاديث بطريقة يوهم القراء أنه بقلمه، وهو لغيره، حرصاً منه على الشهرة، وأن يُقال فيه محدث! وهؤلاء فيهم كثرة، وأساليبهم اليوم مختلفة.
وبين يدي الآن المجلد الأول من كتاب "مختصر تفسير ابن كثير" اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني، فيه العجب العجاب من السرقة باسم الاختصار والتحقيق، وليس فيه من التحقيق شيء، فإن الرجل ابتاع أسلوبا جديداً في ادعاء العلم وما ليس له منه، ذلك أن الحافظ ابن كثير في تخريجه لأحاديث "تفسيره" له طريقتان في غير ما رواه الشيخان:
الأولى: يسوق الحديث بإسناد مخرجه من المصنفين كأصحاب السنن والمسانيد والتفاسير.
والأخرى: يسوق الحديث ويُخرجه بعزوه إلى المصنفين دون أن يذكر الإسناد.
وهو في كل من الحالتين تارة يُصرح بمرتبة الحديث، وذلك من فوائد "تفسيره" وتارة يسكت، وهو في الحالة الأولى أكثر سكوتاً، ومن أمثلته(م 4/7)
حديث قتل اليهود ثلاثة وأربعين نبياً في ساعة واحدة؛ وقد خرجته في السلسلة الأخرى برقم (5461) . ومنها حديث "الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم ترزقون ... " وإسناده ضعيف جداً، وهو مخرج هنالك برقم (936) ، وحديث: اسم الله الأعظم في (آل عمران) : (قل اللهم مالك الملك ... ) وهو موضوع كما بينته هناك برقم (2772) إلى غير ذلك من الأمثلة وهي كثيرة جداً، لو تتبعَتْ لكان منها كتاب في مجلد كبير.
فجاء هذا الرجل الصابوني إلى هذه الأحاديث التي سكت عنها ابن كثير فاعتبرها صحيحة بإيراده إياها في "مختصره" وتصريحه في مقدمته (ص 9) بأنه اقتصر فيه على الأحاديث الصحيحة، وحذف الأحاديث الضعيفة! كما حذف الروايات الإسرائيلية، وهو في كل ذلك غير صادق كما تقدم وزدته بياناً في تخريج الحديث المشار إليه آنفا برقم (5461) ، وهو في ذلك قد سبق كل من كتب في هذا العلم الشريف جهلا وتضليلاً ودعوى فارغة، بحيث لا أعرف له شبيهاً إلا أن يكون المسمى عز الدين بليق صادقاً في قوله في مقدمة كتابه الذي سماه بغير حق "منهاج الصالحين":
"لا يروي الأحاديث المتناقضة، ويستبعد الأحاديث الضعيفة أو الموضُوعة".
وهو في قوله هذا أفاك كذاب، فقد درست كتابه هذا دراسة دقيقة لمناسبة عرضت، وتتبعت أحاديثه حديثاً حديثاً، فهالني كثرة ما فيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حتى جاوز مجموعها الأربعمائة حديث، فتعجبت من جرأته وإقدامه على هذه الدعوى الطويلة العريضة، وهو من أجهل -إن لم أقل: أجهل- من رأيت ممن كتب في الحديث الشريف، ولا أعلم من يساويه(م 4/8)
في ذلك إلا أن يكون الصابوني هذا، فإنه قلده حذو القذة بالقذة، فادعى كما سبق بأن مختصره ليس فيه إلا الأحاديث الصحيحة! إلا أنه يزيد عليه بإعجابه بنفسه وغروره بأنه أستاذ التفسير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة كما يصف نفسه به في كتبه، وبأنه يضمر لأهل الحديث والعاملين به الذين يُسمَّوْن في بعض البلاد بـ (السلفيين) أشد البغض، ويحقد عليهم أسوأ الحقد، يدلك على ذلك ما سود به كتيبه الذي سماه بغير حق أيضاً "الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح"، فإنه ما ألفه إلا للرد على السلفيين الذين أحيوا -فيما أحيوا- سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة، وليته كان رداً علمياً، إذن لقلنا: له رأيه واجتهاده -إن كان له رأي واجتهاد! - ولكنه جعله -والله أعلم- ذريعة لينال منهم، ويشفي بذلك غيظ نفسه، ويروي غليل صدره بسبهم وشتمهم والافتراء عليهم، فهو يلقبهم بـ "المتسلفين" (ص 35) ويكرر ذلك في غير ما موضع (ص 77 و138) وبـ "الجاهلين" (ص 75) وبـ "سوء الفهم وغباء الذهن" (ص 80) وبـ "الأدعياء المتطاولين على العلماء"، وبـ "تضليل السلف الصالح" (ص 89) ويكرر هذا في غير ما مكان واحد، وبـ "أدعياء العلم" (ص 130) ! إلى غير ذلك من الألفاظ التي تنبئ العاقل على ما انطوت عليه نفس هذا الرجل من الغل والحسد وسوء الظن بالمسلمين. فالله سبحانه وتعالى حسيبه، وليس من همي أن أرد عليه في كلماته هذه، فإن الأمر كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا} ولكني أريد أن أبين للناس أنه هو الدعي للعلم لكي لا يغتروا به وبكتاباته التي تطفح بالجهل المركب كما رأيت فيما تقدم صنيعه في "مختصره".
وأصرح من ذلك دلالة وأكشف لخزيه وعاره أنه زين الصفحة الأولى من(م 4/9)
الورقة الأولى من "مختصره" وكذلك فعل بكتابه الآخر الذي سماه "صفوة التفاسير"؛ زينهما بأربعة أحاديث مخرجة تخريجاً مكذوباً مفضوحاً فيها كلها، ووضع تحتها اسم المنفق على طبع الكتابين المذكورين السيد حسن عباس شربتلي، وليس يهمني تحقيق أنها بقلم هذا أو الصابوني لأن الغاية تحذير القراء من الوقوع في الكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى العلماء، وتعريفهم بمن يدعي العلم ليحذروه،! والأحاديث الأربعة هي كما ساقها:
1- "أشراف أمتي حملة القرآن". الترمذي
2- "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ... ". البخاري
3- "اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه". البخاري
4- "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ... ". متفق عليه
فعزوه هذه الأحاديث الأربعة إلى المذكورين كذب عليهم وهاك البيان:
أما الحديث الأول فلم يروه الترمذي مطلقاً، وإنما رواه الطبراني وغيره من المتساهلين في الرواية الذين لا يلتزمون الصحيح من الحديث. (انظر الجامع الصغير والكبير للسيوطي) .
والحديث الثاني والثالث فكذب على البخاري، فإنه لم يروهما، وإنما روى الثاني منهما الترمذي وصححه، وهو مخرج في التعليق على "الطحاوية" (ص 206 - الطبعة الرابعة) .
وأما الثالث فرواه مسلم دون البخاري كما في "الترغيب" و"الجامعين" وغيرهما.
وأما الرابع، فإنما رواه الإمام مالك في "الموطأ" معضلاً، لكن له شاهد عن ابن عباس، خرجته في "المشكاة"، وآخر بمعناه، سيأتي الكلام(م 4/10)
عليه في هذا المجلد بإِذن الله في نهاية الحديث (1761) . ثم وقفت له على شاهد ثالث من حديث أنس في "طبقات الأصبهانيين" لأبي الشيخ (ص 279 - مخطوطة الظاهرية) ، فازداد الحديث به قوة على قوة، والحمد لله، وكان الأولى أن يذكر هناك، أو في (الاستدراك) ، ولكن هكذا قُدِّر، والخيرة فيما اختاره الله عز وجل.
هذا وقد يقول قائل: إن تَعْصيب الجناية في هذه الأحاديث الأربعة بالشيخ الصابوني لا وجه له، لأنها ليست بقلمه.
فأقول: الحقيقة أن ما تقدم من الإشارة إلى نمط من أخطائه في "مختصره" وإن كان يكفي لإدانته بالجناية على أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتضليله لقرائه فيها، فإنه يتحمل أيضا مسؤولية هذه الأحاديث الأربعة أيضا، لأنها إن لم تكن بقلمه وتزلف بنسبتها إلى المحسن الشربتلي، فحسبه أنه رضي بنشرها له في أول صفحة من كتابيه، وإن مما لا شك فيه أن أقل من ذلك يُعتبر إقرارا منه لها عند أهل العلم، فكيف وهو قد زين بها واجهة كتابيه؟!
فإن قيل: لعله لا يعلم ما ذكرت من حالها.
فأقول: نعم هذا ممكن، بل إن حسن الظن به وأنه لم يتقصد تزيين واجهة كتابه بالكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى العلماء يحملنا على ترجيح أنه لا يعلم ذلك، ولكن أليس هذا الاعتذار عنه أو منه، هو كما يُقال: عذر أقبح من ذنب! إذ كيف يجوز له أن يُزين بها كتابه وهو لا يعلم حالها؟؟ والله عز وجل يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} . ولقد أحسن من قال لمثله:(م 4/11)
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
إن هذا الرجل وأمثاله من المقلدين يقيمون أشد النكير على الشباب المؤمن، لا لشيء إلا لكونهم يتبعون السنة الصحيحة، ولا يلتزمون مذهباً معيناً يقلدونه -كما هو الواجب كتاباً وسنة واتباعاً للأئمة الأربعة وغيرهم- بدعوى أنهم ليسوا من أهل العلم، فيوجبون عليهم أن يقلدوا المذهب، وينسون أنفسهم حين يكتبون في علم الحديث وهم به أجهل من أولئك السُّنِّيِّين بفقههم التقليدي! دون أن يشعروا مطلقاً بأنهم يعيثون فساداً في الأصل الثاني من أصلي الشريعة، ألا وهي السنة المطهرة وأنهم يتعرضون بذلك للوقوع في وعيد الكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمداً أو جهلاً، فيصدق عليهم على الأقل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حدث عني بحديث يُرى (أي عند أهل العلم بالحديث) أنه كذب فهو أحد الكذابَيْن". رواه مسلم وغيره. فإن الحديث الأول الذي عزاه للترمذي كذباً، هو نفسه أيضاً لا يصح كما قال إمام المحدثين البخاري، لأنه من رواية نهشل بن سعيد وهو كذاب كما قال الإمام ابن راهويه ومن قبله الطيالسي، وفيه راو آخر واهٍ، وقد خرجته في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (2416) .
ذكرت آنفاً ما يقتضيه حسن الظن به أن تخريج تلك الأحاديث ليست له، ولكني وجدت الرجل -لإغراقه في جهله- لا يَدَعني أن أبقى عند ما ذكرتُ، فقد وجدته وقع له في صلب كتيبه المتقدم أكاذيب أخرى تشبه تلك مشابهة تامة، إلى أخطاء أخرى، لا بُد لي من بيانها نصحاً وتحذيراً.
1- ذكر (ص 67) حديث " ... وسننت لكم قيامه"، وقال:(م 4/12)
"رواه أصحاب السنن" وهم أربعة معروفون، ولم يروه منهم إلا النسائي وابن ماجه!
2- ذكر (ص 18) حديثاً في فضل رمضان، وقال:
"رواه النسائي"
وهو كذب عليه، فإنه لم يروه، وإنما رواه الطبراني كما في "الترغيب" و"المجمع" للهيثمي، وقال:
"فيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو ضعيف".
3- وذكر (ص 50) حديث: "أرِحنا بها يا بلال"، فقال في الحاشية مخرجاً له:
"لسان العرب".
فلم يعرف هذا المسكين مصدراً لهذا الحديث غير هذا الكتاب المعروف بأنه ليس من كتب الحديث، وإنما هو في اللغة، مع أنه في "سنن أبي داود" ومخرج في كتب السنة مثل "المشكاة" (1253) وغيره!
4- أورد (ص 56) أثر أُبيّ بن كعب في صلاته في رمضان عشرين ركعة، وأنه كان لا يقنت إلا في النصف الثاني ... وقال نقلاً عن "المغني" لابن قدامة: "رواه أبو داود".
قلت وله علة ظاهرة وهي الانقطاع بين الحسن -وهو البصري- وعمر، وبمثله يحتج على السلفيين المتمسكين بالسنة في صلاة التراويح كما تقدم، ويرميهم بكل باقعة كما سلف.
5- ذكر (ص 78) حديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وفي رواية(م 4/13)
أخرى: "ما كان الله ليجمع أمتي على ضلالة. وقال:
"رواه أصحاب السنن".
وهذا كذب أيضاً عليهم جميعاً إلا الترمذي فإنه رواه باللفظ الأول، وأما الآخر فرواه ابن أبي عاصم في "السنة" وإسناده ضعيف كما بينته في "ظلال الجنة" (رقم 80) ، لكنه حسن بمجموع طرقه كما شرحته في "الصحيحة" (1331) وغيره.
6- وفي (ص 96) ذكر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وقال:
"أخرجه البخاري".
قلت: وهو كذب عليه أيضاً فإنما رواه مسلم فقط في "الصحيح" عن ابن مسعود، نعم رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن ابن عمرو، فإن كان يعنيه، فهذا من الأدلة على أن الصابوني لجهله لا يُفرق بين ما يرويه البخاري في "الصحيح" وما يرويه خارجه، وإلا لقيد العزو إليه بقوله: "في الأدب المفرد"! وهو مخرج في المجلد الأول من هذه "السلسلة الصحيحة" برقم (134) ، وسيأتي بإذن الله تعالى بزيادة في التخريج والطرق في هذا المجلد برقم (1626) .
7- ذكر (ص 128) حديث: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، وقال في تخريجه:
"أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد في المسند (5/252) وقال: إسناده صحيح".
قلت: ولقد كذب على الإمام أحمد أيضاً -وإن كان الحديث في نفسه(م 4/14)
ثابتاً- فإنه لم يقل ذلك، وقد أخرجه في موضع آخر من "المسند" (5/256) ، وهذا الكذب يعرفه كل مشتغل بهذا العلم الشريف، فإن الإمام أحمد رحمه الله ليس من عادته في مسنده التصحيح. ولقد خطر في البال أنه لم يحسن التعبير، أراد أن يقول: وقال الترمذي: "إسناده صحيح"، ولكن الترمذي لم يقل ذلك أيضاً، وإنما قال: "حسن صحيح"، والفرق بين العبارتين لا يخفى على أهل العلم.
ولهذا الرجل أخطاء كثيرة، وأكاذيب أخرى، وبخاصة على إخواننا السلفيين، لا مجال لذكرها أو الإشارة إليها في هذه المقدمة؛ فإنها حديثية محضة، ولعله يُتاح لنا ذلك في فرصة أخرى إن شاء الله.
وجملة القول: إنني أطلت الكلام في الشيخ الصابوني بصورة خاصة من بين المخالفين من المعاصرين، لأنه يصلح مثالاً لجمهورهم الذين لا يحسنون من هذا العلم حتى ولا مجرد النقل، وزاد عليهم في كثرة أوهامه وأكاذيبه، فلا يقام لأمثاله وزن في هذا العلم الشريف.
وهذا لا يمنعني من أن أعترف أن هناك بعض الرجال المتأخرين لهم فضلهم الظاهر في هذا العلم، نستفيد كثيراً من تحقيقاتهم وتعليقاتهم، كأمثال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وغيره من الأفاضل. والله ولي التوفيق.
وفي الختام لا بد لي من أن أشكر كل من ساعدني في تبييض هذا المجلد وتقديمه إلى المطبعة وتصحيح تجاربه ووضع فهارسه، وبخاصة ابنتي أنيسة أم عبد الله جزاها الله خيراً، وبارك فيها وفي زوجها وذريتهما، فإنها ساعدتني كثيرا في تصحيح التجارب وكتابة بطاقات الفهارس، فوفرت عليَّ بذلك وقتاً كثيراً وجهداً عظيماً.(م 4/15)
كما أشكر الدار السلفية في الكويت، والمكتبة الإسلامية في عمان على جهودهما في طبع هذا المجلد ونشره على الناس.
أثابني الله وإياهم جميعاً على خدمة حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقديمه إلى المسلمين صافياً نقياً، ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وختم لنا بالوفاة على الإيمان والتوحيد الخالص؛ إنه سميع مجيب.
عمان 12 ربيع الآخر سنة 1404 هـ
وكتب
محمد ناصر الدين الألباني(م 4/16)
1501 - " أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانا كما أمركم الله ".
رواه النسائي في " القضاء " من " السنن الكبرى " له (4 / 4 / 2) وابن ماجة
(3252) وأبو الحسن الحربي في " الحربيات " (1 / 18 / 1) وابن عدي في
" الكامل " (157 / 1) عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى: حدثنا نافع
وفي رواية عنه قال: سليمان بن موسى أخبرني عن نافع - عن ابن عمر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات وابن جريج قد صرح بالتحديث في الرواية
الأخرى، على أن للحديث شواهد تقدم بعضها في المجلد الثاني برقم (569) وفي
المجلد الثالث برقم (1439) . وأما الجملة الأخيرة من الحديث فهي مشهورة وردت
عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس في " الصحيحين " وغيرهما وهما مخرجان
في " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " برقم (404) ، وزاد مسلم
: " كما أمركم الله ".
(تنبيه) : أقول بهذه المناسبة لقد سئلت كثيرا عما جاء على غلاف بعض الطبعات
الأخيرة لكتاب " الحلال والحرام " للأستاذ القرضاوي أنه من " تخريج محمد ناصر
الدين الألباني "!
فأقول: إنه خطأ محض، كما كنت بينت ذلك في مقدمة كتابي المذكور " غاية المرام
... "، والتخريجات المطبوعة في حاشية كتاب الأستاذ هي بقلمه، ليس لي فيها
ولا كلمة وهي مع كونها نقول مقتضبة من مصادر مختلفة، ففيها أخطاء علمية
كثيرة من الناحية الحديثية والسكوت عن بيان مراتب عشرات الأحاديث النبوية مما
يباين أسلوب في كتبي، وكل تخريجاتي وتحقيقاتي، فلا يجوز أن ينسب إلي شيء
مما جاء في تلك الحاشية، كيف وفيها كثير مما يخالف ما ذهبت إليه في " غاية
المرام " كما تنبه لذلك بعض الأذكياء من القراء. والله المستعان.(4/3)
1502 - " أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة ".
هكذا أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن
أبي هريرة. وقال المناوي في شرحه: " إسناده حسن ". وفيه بعد عندي،
فقد أخرجه الترمذي (2 / 236) من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد
الله بن رافع عن أبي هريرة مرفوعا في حديث أوله: " اليوم الموعود يوم القيامة
، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت
على يوم أفضل منه، فيه ساعة ... ". وموسى بن عبيدة ضعيف وقد تفرد به كما
أفاد ابن عدي، وقد ذكرت كلامه في التعليق على " المشكاة " (رقم 1362) .
وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 113 / 2) كما ذكره في " الصغير "
لكن بزيادة " وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة، واليوم الموعود يوم القيامة
". وهكذا ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 203) من طريق الزبيدي عن
أيوب بن خالد بن صفوان أن أوس الأنصاري حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به دون قوله: " واليوم الموعود
..... ". وقال: " قال أبي: هذا خطأ، إنما هو أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس
عن عبد الله (بن) رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
قلت: يعني كما رواه موسى بن عبيدة. فيبدو من مجموع ما تقدم أن مدار الحديث
عليه، فأنى له الحسن؟ ! لكن يشكل عليه أن أبا حاتم رجح إسناده على إسناد
الزبيدي، وهذا ثقة، والأول ضعيف، فكيف يرجح روايته عليه؟ وهذا مما يلقي
في البال أن يكون المرجح عنده،(4/4)
من غير طريق موسى بن عبيدة، فلعل البيهقي
أخرجه في " الشعب " من غير طريقه أيضا. وفيه بعد. والله أعلم.
نعم حديث الترجمة صحيح، فقد رواه شعبة قال: سمعت العلاء يحدث عن أبيه عن أبي
هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما تطلع الشمس بيوم ولا تغرب
بأفضل أو أعظم من يوم الجمعة، وما من دابة إلا تفزع ليوم الجمعة.... "
الحديث. أخرجه أحمد (2 / 457) بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه مسلم
في " صحيحه " (3 / 6) من وجه آخر عن أبي هريرة نحوه. وهو رواية لأحمد (2 /
401 و 418) ، وأخرجه الحاكم (2 / 544) من وجه ثالث عن أبي هريرة مختصرا
وقال: " صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجاه من حديث الزهري بغير هذا اللفظ ".
ولم أره عند البخاري والله أعلم. ثم وجدت لتمام حديث موسى بن عبيدة شاهدا من
حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليوم
الموعود يوم القيامة، وإن الشاهد يوم الجمعة، وإن المشهود يوم عرفة ويوم
الجمعة ذخره الله لنا، وصلاة الوسطى صلاة العصر ". أخرجه الطبراني (3458)
عن هاشم بن مرثد، وابن جرير في " التفسير " عن محمد بن عوف قالا: حدثنا محمد
ابن إسماعيل بن عياش قال: حدثني أبي قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فاستثناء ابن إسماعيل، ثم هو منقطع بين شريح
ابن عبيد وأبي مالك الأشعري. ومحمد بن إسماعيل بن عياش قال الهيثمي (7 /
135) :(4/5)
" ضعيف ". وبين وجهه الحافظ في " التقريب " بقوله: " عابوا عليه أنه
حدث عن أبيه بغير سماع ". لكنه أفاد في " التهذيب " فائدة هامة فقال: " وقد
أخرج أبو داود عن محمد بن عوف عنه عن أبيه عدة أحاديث، لكن يرونها (الأصل:
يروونها) بأن محمد بن عوف رآها في أصل إسماعيل ".
قلت: فإذا صح هذا، فرواية ابن عوف عنه قوية لأنها مدعمة بموافقتها لما وجده
ابن عوف في أصل إسماعيل، وهي وجادة معتبرة، كما لا يخفى على المهرة.
وبالجملة فالحديث بهذا الشاهد حسن. والله أعلم. وأخرج تمام في " الفوائد "
(5 / 2) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (4 / 280 / 2) عن عمار بن مطر:
حدثنا مالك بن أنس عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن نافع بن جبير بن مطعم عن
أبيه مرفوعا في قوله تعالى: * (وشاهد ومشهود) *: " الشاهد يوم الجمعة،
والمشهود يوم عرفة ". لكن عمار بن مطر قال الذهبي: " هالك، وثقه بعضهم،
ومنهم من وصفه بالحفظ ". فلا يستشهد به لشدة ضعفه. وفيما تقدم غنية عنه.
1503 - " أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ".(4/6)
رواه الطبراني في " فضل عشر ذي الحجة " (13 / 2) عن قيس بن الربيع عن الأغر
ابن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير قيس بن الربيع فهو
سيء الحفظ، فحديثه حسن بماله من الشواهد. فمنها ما في " الموطأ " (1 / 422 /
246) عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش (1) بن أبي ربيعة عن طلحة بن
عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون قوله " له
الملك ... " وزاد في أوله: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ". وهذا إسناد مرسل
صحيح، وقد وصله ابن عدي والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة مرفوعا به وزاد
: " له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ".
كما في " الجامع الكبير " (1 / 114 / 1) و " الزيادة على الجامع الصغير " (ق
29 / 1) . ومنها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به نحوه، وفيه
الزيادة التي في " الموطأ " والزيادة التي في " الشعب " دون قوله:
" يحيي ويميت، بيده الخير ". أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف بينته في " تخريج
المشكاة " (2598) . ومنه يتبين أن قوله: " يحيي ... " منكر، لتفرد هذه
الطريق به. ومنها ما أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (331 / 1 - المدينة)
عن أبي مروان: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب مرسلا
مختصرا بلفظ:
_________
(1) بالشين المعجمة، وقد يصحف، انظر الشاهد الآتي للحديث (1695) . اهـ.(4/7)
" أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وإن أفضل ما أقوله أنا وما قال
النبيون من قبلي: لا إله إلا الله ".
قلت: وهذا مرسل حسن الإسناد، المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب صدوق، ومن
دونه ثقات رجال مسلم غير أبي مروان وهو محمد بن عثمان بن خالد الأموي صدوق
يخطىء كما قال الحافظ في " التقريب ".
وجملة القول: أن الحديث ثابت بمجموع هذه الشواهد والله أعلم.
1504 - " أفضل الشهداء من سفك دمه، وعقر جواده ".
أخرجه أحمد (5 / 265) من طريق علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي
أمامة قال: " ... قلت: يا نبي الله أي الشهداء أفضل؟ قال: من سفك ... ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف علي بن يزيد وهو الألهاني، قال الحافظ: " ضعيف ".
وله شاهد يرويه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثنا أبي عن جدي عن
أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (94) . لكن
إبراهيم هذا كذاب، فلا يصلح للاستشهاد به. بيد أن الحديث صحيح، فإن له شواهد
كثيرة منها عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي
القتل أشرف؟ قال: " من أهريق دمه، وعقر جواده ".(4/8)
أخرجه أبو داود وأحمد
بسند صحيح، كما بينته في " صحيح أبي داود " (1196 و 1303) . ومنها عن جابر
قال: " قيل يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه ".
أخرجه الدارمي (2 / 201) وابن حبان (1608) وأحمد (3 / 300 و 302) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وله طريق أخرى عن جابر عند أحمد (3 / 346
و391) . ومنها عن عمرو بن عبسة مثل الذي قبله. أخرجه أحمد (4 / 114) عن
أبي قلابة عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان أبو قلابة سمعه
من عمرو بن عبسة.
1505 - " يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين ".
أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 428) : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب
حدثنا عمي عبد الله بن وهب أخبرني إبراهيم بن سعد الزهري عن الزهري أخبرني عبد
الملك بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه: أخبرني رجل من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ثم أخرجه من طريق عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني
عبد الملك بن أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أن بعض أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: ثم ذكر مثله ولم يرفعه.(4/9)
قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، عبد الله بن صالح وإن احتج به البخاري فقد تكلم
فيه من قبل حفظه. وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب وإن احتج به مسلم، فقد قال
الحافظ: " صدوق تغير بأخرة ". وقد خولف في رفعه، فقال الإمام أحمد في
" مسنده " (5 / 430) : حدثنا أبو كامل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن هشام
عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن بعض أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره موقوفا، قال أحمد عقبه: " لم يرفعه ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي كامل، واسمه مظفر
ابن مدرك الخراساني وهو ثقة، وهو وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع،
لاسيما وقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ:
" أفضل الناس يومئذ ... " والباقي مثله سواء وقال: " رواه العسكري في
" الأمثال " والديلمي وسنده حسن ".
1506 - " أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به ".
أخرجه الحاكم (4 / 122) من طريق ابن وهب عن أبي هاني الخولاني عن أبي علي
الجنبي - وهو عمرو بن مالك - عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه
الذهبي. وهو كما قالا.(4/10)
وأخرجه الترمذي (2 / 56) وابن حبان (2541)
والحاكم (1 / 35) وكذا ابن المبارك في " الزهد " (553) ومن طريقه
القضاعي في " مسنده " (ق 52 / 1) وأحمد (6 / 19) من طريق حيوة بن شريح:
أخبرني أبو هاني ... بلفظ: " طوبى لمن هدي ... " الحديث. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
وأقول: الصواب: أنه صحيح فقط كما قالا في الرواية الأولى، فإن عمرو بن مالك
لم يخرج له مسلم شيئا. وله شاهد يرويه حسام بن مصك عن ثابت عن أنس بن مالك
مرفوعا بلفظ: " طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا ". أخرجه أبو عبد الله الرازي
في " مشيخته " (ق 26 / 2) . لكن حسام هذا قال الحافظ: " ضعيف يكاد أن يترك "
. وله شاهد آخر صحيح بنحو الرواية الأولى من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا
وقد مضى تخريجه برقم (129) وذكرنا له هناك ثلاث طرق لا تجدها في كتاب آخر.
1507 - " بينما رجل في حلة له وهو ينظر في عطفيه إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها
إلى يوم القيامة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (ص 170 - زوائده) : حدثنا عبد الله بن سعيد(4/11)
حدثنا
عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا رشدين بن كريب عن أبيه قال: " كنت أقود ابن
عباس في زقاق أبي لهب، وذلك بعدما ذهب بصره، فقال: سمعت أبي يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير رشدين بن كريب وهو ضعيف كما في
" التقريب "، وقد اضطرب في لفظه، فرواه تارة هكذا، وتارة على أنها قصة
وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه! فقال: أبو يعلى في " مسنده
" (4 / 1580) : حدثنا الحسن بن حماد الكوفي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد
المحاربي عن ابن كريب عن أبيه قال: " كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب،
فقال: يا كريب! بلغنا مكان كذا وكذا؟ قلت: أنت عنده الآن، فقال: حدثني
العباس بن عبد المطلب قال: " بينما أنا مع النبى صلى الله عليه وسلم في هذا
الموضع، إذ أقبل رجل يتبختر بين برديه وينظر إلى عطفيه وقد أعجبته نفسه، إذ
خسف الله به الأرض في هذا الموطن، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ". وهذا
إسناد رجاله ثقات أيضا غير رشدين، وبهذا اللفظ أورده الهيثمي في " المجمع " (
5 / 125) وقال: " رواه أبو يعلى والطبراني والبزار بنحوه باختصار، وفيه
رشدين بن كريب وهو ضعيف ".
قلت: واللفظ الأول أقرب إلى الصواب لأن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمر
وأبي هريرة مرفوعا بلفظ: " بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في
الأرض إلى يوم القيامة ". أخرجه البخاري (4 / 73) .(4/12)
1508 - " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران
وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ".
رواه أحمد (1 / 293) والطحاوي في " المشكل " (1 / 50) والحاكم (2 / 594
و3 / 160 و 185) والضياء في " المختارة " (65 / 67 / 1) والطبراني (رقم
11928) عن داود بن الفرات الكندي عن علباء بن أحمد اليشكري عن عكرمة عن ابن
عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة أخطط، ثم قال:
" تدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير علباء بن أحمد، فهو من رجال مسلم. وله
شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " حسبك من نساء العالمين ... " فذكرهن. أخرجه
أحمد (3 / 135) وصححه ابن حبان (2223) . ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عند
الطبراني (12179) بسنده عن كريب عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " سيدات نساء أهل
الجنة بعد مريم بنت عمران: فاطمة وخديجة وآسية امرأة فرعون ".
قلت: وإسناده صحيح. وذكره الهيثمي (9 / 223) بلفظ آخر نحوه وقال:(4/13)
" رواه الطبراني، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك ".
قلت: طريق كريب سالم منه، فاقتضى التنبيه. وله شاهد من حديث عائشة مرفوعا
مثله دون لفظة " بعد " ولكنه قدم (مريم) في الذكر. أخرجه الحاكم (3 / 185
و186) وسكت عنه، وقال الذهبي: " صحيح على شرط الشيخين ". وهو كما قال.
1509 - " إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم ".
أخرجه أبو داود (2 / 195 - تازية) والنسائي (2 / 279) والترمذي (3 / 55
- تحفة) وابن ماجة (2 / 380) وابن حبان (1475) وأحمد (5 / 147 و 150
و154 و 156 و 169) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 439) والطبراني (1638)
من طريقين عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود عن أبي ذر عن النبي صلى الله
عليه وسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وأبو الأسود الديلي اسمه ظالم
ابن عمرو بن سفيان ".
قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك عبد الله بن بريدة، فهو صحيح على
شرطهما، فالعجب من الحاكم كيف لم يخرجه. لا يقال: إنما لم يخرجه لأن كهمسا
أرسله، فقال: عن عبد الله بن بريدة أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره. أخرجه النسائي. لا يقال هذا لأن من مذهبه أن زيادة الثقة مقبولة
، وهو الصواب على تفصيل معروف في علم المصطلح، وقد رواه ثقتان عن عبد الله
ابن بريدة موصولا مسندا كما تقدم، فهي زيادة مقبولة اتفاقا، لاسيما وله طريق
أخرى عن أبي ذر يرويه أبو إسحاق عن ابن أبي ليلى عنه مرفوعا بلفظ:(4/14)
" أفضل ما
غيرتم به الشمط الحناء والكتم ". أخرجه النسائي (2 / 278 و 279) . وأبو
إسحاق هو عمرو بن عبيد الله السبيعي وهو ثقة لكنه مدلس، وكان قد اختلط، فهو
لا بأس به في الشواهد، إلا من رواية سفيان الثوري وشعبة فحديثهما عنه حجة.
1510 - " اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا، ولا يزدادون من
الله إلا بعدا ".
أخرجه الحاكم (4 / 324) وكذا الدولابي في " الكنى " (1 / 155) والمخلص في
" الفوائد المنتقاة " (1 / 38 / 2) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (78 /
1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (ق 84 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير
" (9787) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 242 و 8 / 315) والقضاعي في "
مسند الشهاب " (49 / 2) من طريق مخلد بن يزيد عن بشير بن سلمان عن سيار أبي
الحكم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح
الإسناد ". وهو كما قال، أو قريب منه، فإن في مخلد بن يزيد كلاما يسيرا.
لكن وقع عنده " بشير بن زاذان " ولذلك تعقبه الذهبي بقوله: " قلت: هذا منكر
، وبشير ضعفه الدارقطني، واتهمه ابن الجوزي ".
قلت: وهذا غير بشير بن سلمان، هذا ضعيف، وذاك ثقة من رجال مسلم، وهو
صاحب هذا الحديث كما وقع في المصادر المذكورة، فلا تغتر بتعقب الذهبي المذكور
ولا بمتابعة المناوي له بقوله عقبه: " فأنى له الصحة؟ ! ".(4/15)
وتابعه السري
بن إسماعيل عن سيار أبي الحكم به. أخرجه تمام في " الفوائد " (167 / 2) .
لكن السري هذا متروك الحديث كما في " التقريب ".
(تنبيه) لفظ الهيثم بن كليب وغيره: " ولا تزاد منهم إلا بعدا " بدل قوله
في رواية الحاكم وغيره: " ولا يزدادون من الله إلا بعدا ". وقد وقع عند
الطبراني - وعنه أبو نعيم - مختصرا جدا بلفظ: " اقتربت الساعة ولا تزداد
منهم إلا بعدا ". وذكره السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني بهذا
اللفظ إلا أنه قال: " قربا " مكان " بعدا ". وهو خطأ لعله ليس من السيوطي،
وقد نبه عليه المناوي.
1511 - " سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع ".
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 605) وابن ماجة (3843) وعبد بن
حميد في " المنتخب من المسند " (ق / 118 / 1) والفاكهي في " حديثه " (2 /
34 / 2) عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن. وكذا قال الهيثمي (10 / 182) بعد ما عزاه لأوسط
الطبراني، وله عنده شاهد من حديث عائشة. وعزاه الحافظ ابن رجب الحنبلي في
" فضل علم السلف " (ص 8) للنسائي بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقول: اللهم إن أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع ".(4/16)
1512 - " اقرأ القرآن في أربعين، (ثم في شهر، ثم في عشرين، ثم في خمس عشرة، ثم في
عشر، ثم في سبع، قال: انتهى إلى سبع) ".
أخرجه الترمذي (2 / 156) من طريق سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عبد الله
ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره، قال: " حديث حسن
غريب ".
قلت: وظاهر إسناده الصحة، لكن الأظهر أنه منقطع، فقد رواه محمد بن ثور عن
معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله
ابن عمرو: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في أربعين، ثم في شهر
، ثم في عشرين، ثم في خمس عشرة، ثم في عشر، ثم في سبع، قال: انتهى إلى سبع
". وهذا أقرب إلى الصواب، وإسناد حسن. وأكثر طرق الحديث لم يرد فيها ذكر
الأربعين. وفي بعضها أنه انتهى إلى ثلاث. فراجع مسند الإمام أحمد (2 / 158
و162 و 163 و 164 و 165 و 188 و 189 و 193 و 195 و 199 و 200 و 216) ، ويأتي
أحدها بعد هذا. وللثلاث شاهد من حديث سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال:
" يا رسول الله! أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: إن استطعت. قال: وكان يقرأه
كذلك حتى توفي ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1274) : أخبرنا ابن لهيعة
قال: حدثني حبان بن واسع عن أبيه عن سعد بن المنذر الأنصاري....
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، وابن لهيعة وإن كان سيء الحفظ، فذاك إن
كان من رواية غير العبادلة عنه، وهذا من رواية عبد الله بن المبارك عنه كما
تراه.(4/17)
والحديث عزاه الحافظ في " الإصابة " (3 / 88) للحسن بن سفيان أيضا
والبغوي من طريق ابن لهيعة. وعزاه السيوطي لأحمد والطبراني في " الكبير "،
ولم أره في " مسند أحمد " وهو المراد عند إطلاق العزو إليه، بل ليس لسعد بن
المنذر هذا ذكر في " المسند "، وهو عند الطبراني (5481) من طريق أخرى عن
ابن لهيعة. ويشهد للثلاث أيضا الحديث الآتي.
1513 - " اقرأ القرآن في كل شهر، اقرأه في خمس وعشرين، اقرأه في عشرين، اقرأه في
خمس عشرة، اقرأه في سبع، لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث ".
أخرجه الإمام أحمد (2 / 165 و 189) من طريق همام عن قتادة عن يزيد بن عبد
الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو قال: " قلت: يا رسول الله! في كم
أقرأ القرآن؟ قال: اقرأه في شهر، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك،
قال: اقرأه في خمس وعشرين. قال: قلت.... " الحديث. وقد أخرجه أبو داود
باختصار، وللطيالسي الجملة الأخيرة منه. انظر " صحيح أبي داود " (1257) .
وللحديث طرق كثيرة في " المسند " مطولا ومختصرا، منها ما أخرجه (2 / 188
و195) من طريق شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن في شهر، فقلت: إني أطيق
أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: اقرأ القرآن في خمسة أيام ".(4/18)
قلت: وإسناده صحيح، وللطيالسي (2256) الجملة الأخيرة منه بلفظ: " أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في خمس ". وعزاها السيوطي في
" الجامع " للطبراني فقط فقصر، وزاد في التقصير أنه رمز لضعفه كما قال
المناوي! ثم أقره!
1514 - " اقرءوا المعوذات في دبر كل صلاة ".
أخرجه أبو داود (1523) وابن حبان (2347) وأحمد (4 / 159) ، من طريق
حنين بن أبي حكيم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير حنين هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات "
وروى عنه جمع، وقال الحافظ في " التقريب ". " صدوق ". وقد تابعه يزيد بن
محمد القرشي عن علي بن رباح به. أخرجه أحمد (4 / 155) من طريق يزيد بن عبد
العزيز الرعيني وأبي مرحوم عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح بالطريقين، عن يزيد وهو ثقة من رجال البخاري.
1515 - " لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر ".
أخرجه ابن حبان (1824) والحاكم (1 / 33) من طرق عن جرير بن حازم قال:
سمعت أبا رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس وهو على المنبر قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال:(4/19)
" صحيح على شرط الشيخين، ولا
نعلم له علة ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
1516 - " إن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا ".
أخرجه مسلم (4 / 194 - 195) والترمذي (2 / 231) من طريق معمر قال:
فأخبرني أيوب أن عائشة قالت: " لا تخبر نسائك أني اخترتك، فقال لها النبي
صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. أخرجاه في آخر حديث ابن عباس في هجره صلى
الله عليه وسلم نساءه شهرا. وهذا إسناد ظاهر الانقطاع، لأن أيوب وهو ابن
أبي تميمة الكيساني لم يدرك عائشة رضي الله عنها، ومسلم لم يخرجه قصدا وإنما
تبعا لحديث ابن عباس كما وقع له. وكذلك قول الترمذي عقبة: " حديث حسن صحيح "
. إنما يعني حديث ابن عباس. وقد وجدت لحديث الترجمة شاهدا من رواية أبي
الزبير عن جابر مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (3 / 328) . وإسناده على شرط مسلم
على أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، فلعل الحديث حسن بمجموع الطريقين. والله
أعلم.
1517 - " أقل أمتي الذين يبلغون السبعين ".
رواه ابن الضريس في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " (5 / 1) والعقيلي
في " الضعفاء " (56) عن بحر بن كنيز عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا.
ذكره العقيلي في ترجمة بحر هذا وقال:(4/20)
" ليس له أصل من حديث قتادة ولا يتابع
عليه بحر ". ثم روى عن البخاري أنه قال فيه: " ليس هو عندهم بالقوي، وليس
لهذا المتن حديث يثبت، والرواية فيه فيها لين ". ومن طريق بحر رواه ابن عدي
أيضا (39 / 2) وقال: " الضعف على حديثه بين، وهو إلى الضعف أقرب ".
ثم رواه ابن عدي (213 / 2) عن أبي عباد بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: " أقل أمتي أبناء السبعين " وقال: " أبو عباد عبد الله بن سعيد
المقبري عامة ما يرويه الضعف عليه بين ". لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد عزاه
السيوطي للحكيم الترمذي من حديث أبي هريرة به. فقال المناوي: " وفيه محمد بن
ربيعة، أورده الذهبي في " ذيل الضعفاء " وقال: لا يعرف. وكامل أبو العلاء
جرحه ابن حبان ".
قلت: كامل من رجال مسلم وهو حسن الحديث، وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء،
من السابعة ". وكامل بن ربيعة معروف بالصدق كما تقدم في الحديث (757) وهو
نحو هذا. فالحديث حسن عندي لذاته أو على الأقل بمجموع طرقه. وقد روي من حديث
ابن عمر مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 13594)
من طريق سعيد بن راشد السماك عن عطاء عنه.(4/21)
وسعيد هذا قال البخاري: " منكر
الحديث ". وقال النسائي: " متروك ". ثم وجدت لعبد الله بن سعيد المقبري
متابعا، ولكنه مثله في الضعف أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1542) من طريق
إبراهيم بن الفضل بن سليمان مولى بني مخزوم عن المقبري به. وفي لفظ له:
" معترك المنايا بين الستين إلى السبعين ". وأخرجه الرامهرمزي في " الأمثال "
(47 / 1) والخطيب في " التاريخ " (5 / 476) والقضاعي (15 / 2) . قال
الحافظ: " إبراهيم بن الفضل المخزومي متروك ". لكن يشهد له حديث أبي هريرة
المتقدم هناك برقم (727) فإنه عند الثعلبي من طريق ابن عرفة بهذا اللفظ.
والله أعلم.
1518 - " أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل، فإن لله دواب يبثهن في الأرض في تلك الساعة ".
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1233) وأبو داود (5104) من طريق الليث
عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن زياد عن جابر بن عبد الله
مرفوعا. والبخاري أيضا (1235) وأبو داود من طرق أخرى عن الليث قال: حدثني
يزيد بن الهاد عن عمر بن علي بن حسين (وقال أبو داود: عن علي بن عمر بن حسين
ابن علي وغيره قالا) عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الهاد: وحدثني
شرحبيل عن جابر عنه.
قلت: فهذه ثلاثة أسانيد لليث بن سعد،(4/22)
وفي الأول سعيد بن زياد وهو مجهول.
وسعيد بن أبي هلال ثقة كان اختلط.
والثاني مرسل من عمر بن علي بن حسين على رواية البخاري وهو صدوق فاضل.
أو من مرسل علي بن عمر بن حسين على رواية أبي داود وهو مستور كما في " التقريب
" ولعل الأول أصح فقد أخرجه أحمد (3 / 355) مثل رواية البخاري.
والثالث فيه شرحبيل وهو ابن سعد المدني مولى الأنصار قال الحافظ: " صدوق
اختلط بأخرة ". ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضا (3 / 355) .
وله طريق رابع يرويه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن
جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (3 / 306) والبخاري في " الأدب "
(1234) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 256 / 2) وابن حبان (1996)
والحاكم (1 / 445 و 4 / 283 - 284) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه
الذهبي.
قلت: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه.
وجملة القول أن طرق الحديث الأربعة كلها معلولة، لكن الحديث بمجموعها قوي
يرتقي إلى درجة الصحة. والله أعلم.
1519 - " يا أبا فاطمة! أكثر من السجود، فإنه ليس من مسلم يسجد لله تبارك وتعالى
سجدة إلا رفعه الله تبارك وتعالى بها درجة (في الجنة وحط عنه بها خطيئة) ".
أخرجه أحمد (3 / 428) وابن سعد (7 / 508) من طريق ابن لهيعة حدثنا(4/23)
الحارث
ابن يزيد عن كثير الأعرج الصدفي، قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذي
الفواري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق لأحمد،
والزيادة لابن سعد. وهذا إسناد رجاله ثقات غير كثير وهو ابن قليب بن موهب
الصدفي قال الذهبي: " مصري لا يعرف، تفرد عنه الحارث بن يزيد ".
قلت: وقد قيل: إنه كثير بن مرة الحضرمي وهو ثقة، ويؤيده أن ابن ماجة
أخرجه (1 / 435) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان
عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه قال: " قلت: يا رسول الله
أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال: عليك بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة
إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ". وقال الحافظ في " التهذيب " (
8 / 425) : " والحديث المذكور معروف من رواية كثير بن مرة عن أبي فاطمة،
ومن طريقه أخرجه النسائي وابن ماجة ".
قلت: لعل النسائي أخرجه في " الكبرى له " فإني لم أجد في " الصغرى " له إلا
حديث آخر (2 / 182 - 183) من طريق أخرى عن زيد بن واقد عن كثير بن مرة أن أبا
فاطمة يعني حدثه أنه قال: فذكره، إلا أنه قال: " عليك بالهجرة، فإنه لا مثل
لها ". وسواء كان كثير الأعرج هذا هو بن مرة الحضرمي أو غيره، فقد روى
الحديث الحضرمي أيضا وهو ثقة كما مر فالحديث صحيح.
1520 - " إذا ملأ الليل بطن كل واد فصل العشاء الآخرة ".
أخرجه أحمد (5 / 365) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 331) من طريق(4/24)
محمد
ابن عمرو عن عبد العزيز بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن رجل من جهينة قال: "
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى أصلي العشاء الآخرة؟ " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن ضمرة هذا، ترجمه ابن أبي حاتم ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. وله شاهد من حديث عائشة قالت: " سئل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن وقت العشاء؟ فذكره. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 17
/ 2) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا قطن بن نسير الزراع حدثنا جعفر بن
سليمان الضبعي عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن عنها.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات وعلي بن سعيد الرازي فيه كلام يسير من قبل
حفظه. وبالجملة فالحديث ثابت بمجموع الطريقين، وأقل أحواله أن يكون حسنا.
والله أعلم.
1521 - " اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة
البقرة ".
أخرجه الحاكم (1 / 561) من طريق عاصم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي عاصم وهو ابن بهدلة كلام وقد خالفه
سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص فقال: قال عبد الله ... فذكره موقوفا عليه.(4/25)
أخرجه الدارمي (2 / 447) : حدثنا أبو نعيم حدثنا شعبة عن سلمة. ومن هذا
الوجه أخرجه الحاكم (2 / 260) أيضا وقال: " صحيح الإسناد "! وقال في
الموضع الأول: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، وهو أصح من المرفوع، ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا
يقال من قبل الرأي. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير "
(8642 - 8645) من طرق، منها طريقان عن شعبة وعاصم عن أبي الأحوص به موقوفا
. فدل ذلك على أن من رفعه عن عاصم فقد وهم. ولكنه على كل حال في حكم المرفوع
كما تقدم. والله أعلم.
1522 - " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أحسنتم (وفي رواية:
أصبتم) ، ولا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر ".
أخرجه أحمد (4 / 204 / 205) من طريق عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن
المسور بن مخرمة قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن بسر بن
سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال: " سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ
آية من القرآن، فقال: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال
: فقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير هذا! فذهبا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله آية كذا وكذا، ثم
قرأها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقال الأخر: يا رسول
الله فقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس هكذا يا رسول الله
؟ قال: هكذا أنزلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم.(4/26)
ولبسر فيه إسناد آخر،
فقال الإمام أحمد (4 / 169 - 170) : حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا سليمان بن
بلال حدثني يزيد بن خصيفة أخبرني بسر بن سعيد قال: حدثني أبو جهيم: " أن
رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول صلى الله عليه
وسلم " الحديث نحوه دون قوله: " فأي ذلك قرأتم أحسنتم ". وسنده صحيح على شرط
الشيخين. وأبو سلمة الخزاعي اسمه منصور بن سلمة البغدادي. وتابعه ابن وهب
عند ابن جرير في " التفسير ". (1 / 43) .
وله شاهد مختصر من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " نزل القرآن على سبعة أحرف،
المراء في القرآن كفر، ثلاث مرات، فما عرفتم منه فاعملوا، وما جهلتم منه
فردوه إلى عالمه ". أخرجه أحمد (2 / 300) وابن جرير في " التفسير " (1 / 2
) وأبو يعلى (4 / 1432) من طريق أبي حازم عن أبي سلمة - لا أعلمه إلا - عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان (1780) . وقد تابعه
على الجملة الثانية منه محمد بن عمرو الليثي حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة به.
أخرجه أحمد (2 / 286 و 424 و 475 و 503 و 528) . وأخرج هو (1 / 419 و 421
و452) وابن جرير (1 / 23 / 12 و 13) وابن حبان (1783) من طرق عن عاصم عن
زر عن عبد الله قال: " اختلف رجلان في سورة، فقال هذا: أقرأني النبي صلى
الله عليه وسلم ... " الحديث وفيه: " وعنده رجل (وفي رواية أنه علي) فقال
: اقرأوا كما علمتم - فلا أدري أبشيء أمر أم(4/27)
شيء ابتدعه من قبل نفسه - فإنما
أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم. قال: فقام كل رجل منا وهو لا يقرأ
على قراءة صاحبه ". وفي رواية ابن حبان: " فأمر عليا فقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم ... ". وإسناده حسن.
وله شاهد آخر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه مرفوعا، وفيه: " إن
القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه
فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (4
/ 192) بسند حسن. وعزاه السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " (32 / 19
) للطبراني في " الكبير "، ولم يفعل ذلك في " الدر المنثور " (2 / 6) فقد
عزاه فيه لابن سعد وابن الضريس في " فضائله " وابن مردويه عن عمرو بن شعيب
... نحوه.
1523 - " يا عم! أكثر الدعاء بالعافية ".
أخرجه الطبراني (رقم 11908) والحاكم (1 / 529) والضياء في " المختارة "
(66 / 86 / 1) من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لعمه العباس: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط
البخاري، وقد روي بلفظ آخر ". ووافقه الذهبي. قال الضياء عقبه: " قلت:
وهلال بن خباب وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما، وقال إبراهيم بن
الجنيد: سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب؟ وقلت: إن يحيى القطان(4/28)
يزعم أنه
تغير قبل أن يموت واختلط. فقال يحيى: لا، ما اختلط، ولا تغير. قلت ليحيى
: فثقة هو؟ قال ثقة مأمون ".
قلت: يبدو من مجموع أقوال الأئمة فيه أنه تغير قليلا في آخر عمره، ولذلك قال
الحافظ فيه: " صدوق تغير بآخره " لكن لم يخرج له البخاري، فالحديث حسن فقط.
واللفظ الآخر الذي أشار إليه الحاكم هو - فيما يظهر - ما رواه يزيد بن أبي
زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: " قلت يا رسول الله
علمني شيئا أسأله الله عز وجل. قال: سل الله العافية. فمكثت أياما، ثم جئت
فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله. فقال لي: يا عباس يا عم رسول
الله! اسألوا الله العافية في الدنيا والآخرة ". أخرجه البخاري في " الأدب
المفرد " (726) والترمذي (2 / 266) وأحمد (1 / 209) وقال الترمذي: "
حديث صحيح، وعبد الله بن الحارث بن نوفل قد سمع من العباس بن عبد المطلب ".
قلت: لكن يزيد بن أبي زياد هو الهاشمي مولاهم فيه ضعف من قبل حفظه، فلعل
تصحيحه إياه بالنظر إلى طريقه السابقة وشواهده، فقد روي من حديث أنس نحوه،
وجاءت الجملة الأخيرة منه من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعا، وهو مخرج في "
المشكاة " (2490) . والحديث قال الهيثمي (10 / 175) : " رواه الطبراني،
وفيه هلال بن خباب وهو ثقة، وقد ضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات ".(4/29)
1524 - " اكسروا قسيكم ـ يعني في الفتنة ـ واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت،
وكونوا فيها كالخير من ابني آدم ".
رواه الترمذي (3 / 222 - تحفة) والبيهقي في " الشعب " (2 / 113 / 2) وابن
عساكر (17 / 491 / 1) عن همام حدثنا محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن
الهزيل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال
الترمذي: " حديث حسن غريب ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري. وفي الحديث إشارة قوية
إلى أن الأمر بلزوم البيت، إنما هو في وقت الفتن والهرج والمرج. فعليه يحمل
بعض الأحاديث الآمرة بلزوم البيت مطلقا، كالحديث الآتي (1535) ونحوه الحديث
(1531) .
1525 - " اكفلوا لي بست أكفل لكم الجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا
يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم
".
أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 325 / 1) والطبراني (8018) والسلفي في
" معجم السفر " (ق 137 / 2) وابن الجوزي في " ذم الهوى " (ص 83 و 138) من
طريق فضال بن جبير سمعت أبا أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يقول: فذكره. وقال ابن عدي: " ولفضال بن جبير قدر عشرة أحاديث
كلها غير محفوظة ". وقال ابن حبان: " لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي
أحاديث لا أصل لها ".
قلت: لكن له شاهد من حديث عبادة بن الصامت يتقوى به، قد مضى تخريجه(4/30)
برقم (1470) فهو به حسن، وتجد تحته شواهد أخرى فراجعها إن شئت. ثم رواه الطبراني
(8082) من طريق العلاء بن سليمان الرقي عن الخليل بن مرة عن أبي غالب عن أبي
أمامة مرفوعا بلفظ: " لا تظلموا عند قسمة مواريثكم، وأنصفوا الناس من أنفسكم
ولا تجبنوا عند قتال عدوكم ولا تغلوا غنائمكم، وامنعوا ظالمكم من مظلومكم "
. قلت: والعلاء وشيخه خليل ضعيفان، وأعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4
/ 199) بالأول منهما فقصر.
1526 - " كان يرقي، يقول: امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا يكشف الكرب إلا أنت ".
أخرجه الإمام أحمد (6 / 50) : حدثنا عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان....
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (4 / 63)
ومسلم (7 / 16) من طرق أخرى عن هشام به إلا أنهما قالا: " لا كاشف له إلا
أنت ". وأخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 89) : حدثنا عمرو بن شبة
ابن عبيدة النميري حدثنا يحيى بن سعيد به مختصرا بلفظ: " اكشف البأس، رب
الناس، لا يكشف الكرب غيرك ".
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. وله شاهد من حديث رافع بن خديج قال: " دخل صلى
الله عليه وسلم على ابن لعمار فقال: اكشف البأس رب الناس، إله الناس ".(4/31)
أخرجه ابن ماجة (3473) بإسناد صحيح على شرط مسلم.
وشاهد آخر من حديث ثابت بن قيس بن شماس مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في
" التاريخ " (4 / 2 / 377 / 3387) وأبو داود وغيرهما وصححه ابن حبان (
1418) والطبراني في " المعجم الكبير " (1323) .
1527 - " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي. قالو: كيف تعرض
عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ".
رواه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 14 / 2) عن حسين بن علي عن
ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس مرفوعا.
قلت: وإسناده صحيح، وقد أعل بما لا يقدح كما بينته في كتابي " صحيح أبي
داود " (962) و " تخريج المشكاة " (1361) و " صحيح الترغيب " (رقم 698)
ولذلك صححه جمع من المحدثين، ذكرتهم هناك. ولطرفه الأول شاهد من رواية أبي
رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود، الأنصاري مرفوعا به. أخرجه الحاكم (2 /
421) وقال: " صحيح الإسناد، فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ".
ورده الذهبي بقوله: " قلت: ضعفوه ".
قلت: لكنه في الشواهد لا بأس به، فإنه غير متهم في صدقه، وقد أشار إلى هذا
الحافظ بقوله في " التقريب ":(4/32)
" ضعيف الحفظ ". وله شاهد آخر من حديث أنس بن
مالك رضي الله عنه، تقدم تخريجه في المجلد الثالث برقم (1407) .
(فائدة) : قوله: (أرمت) قال الحربي: " كذا يقول المحدثون ولا أعرف وجهه
، والصواب: وقد أرممت أي صرت رميما كما قال الله تعالى: * (من يحيي العظام
وهو رميم) *. وانظر تعليقي على كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 293
) .
1528 - " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة ".
أخرجه أحمد (2 / 333) : حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك (الأصل: عن عبد
الملك) عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ضعف يحيى بن يزيد وأبيه. وهو النوفلي.
لكن الحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى وشواهد. أما الطريق فأخرجه الترمذي (2
/ 280) من طريق مكحول عن أبي هريرة به. وقال: ليس إسناده بمتصل، مكحول لم
يسمع من أبي هريرة ". وأما الشواهد فهي من حديث أبي أيوب الأنصاري عند أحمد
وغيره، وصححه ابن حبان (2338) ومن حديث عبد الله بن عمر. وقد خرجا تحت
حديث ابن مسعود المتقدم برقم (105) . والحديث عزاه السيوطي لابن عدي فقط عن
أبي هريرة! وأقره المناوي!
(تنبيه) ذكر له السيوطي في " الجامعين " شاهدا من حديث جابر بلفظ: " أكثروا(4/33)
من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضر،
أدناها الهم ". وقال: " رواه الطبراني في (الأوسط) .
قلت: وعندي وقفة في ثبوت هذا اللفظ عن جابر في " الأوسط "، فإن المنذري ثم
الهيثمي لم يذكراه في كتابيها أصلا. وإنما أورداه من رواية الأوسط (وهو فيه
برقم - 5360) عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من
تسع وتسعين داء، أيسرها الهم ". وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في " الفرج بعد
الشدة " (ص 6 - الهند) والحاكم (1 / 542) وقال الطبراني: " لم يروه عن
ابن عجلان إلا بشر بن رافع ".
قلت: وهو واه كما قال الذهبي في تعقبه على الحاكم، ونحوه في " الترغيب "
(2 / 255) . ثم رأيت عند أبي نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 295) من طريق
سليمان بن داود بن سليمان البصري حدثنا عمرو بن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن
قيس بن أبي حازم عن عمر بن الخطاب مرفوعا به.
لكن سليمان هذا وهو الشاذكوني كذاب، وعمرو بن جرير كذبه أبو حاتم وقال
الدارقطني: متروك الحديث. فلا يستشهد بهما ولا كرامة.
وروى المحاملي في " الأمالي " (4 / 47 / 2) من طريق إبراهيم بن هاني قال:
حدثنا خلاد بن يحيى المكي قال: حدثنا هشام بن سعد قال: أخبرني محمد بن زيد بن
المهاجر قال: قال أبو ذر: " أوصاني حبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر من قول لا
حول ولا قوة إلا بالله، وكان يقال: فيها دواء من تسعة وتسعين داء أدناه
الهم ".(4/34)
ورجاله ثقات غير إبراهيم بن هاني قال ابن عدي: " مجهول يأتي
بالبواطيل ". وأخرج الطيالسي (رقم 2494) وأحمد (2 / 235) والحاكم (1 /
21) من طريق يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن أبي هريرة
مرفوعا بلفظ: " ألا أدلك على كلمة تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول
ولا قوة إلا بالله. فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم ". وقال الحاكم:
" صحيح ولا يحفظ له علة ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وتابعه كميل
ابن زياد عن أبي هريرة به. أخرجه الطيالسي (رقم 2456) وأحمد (2 / 520)
والبزار (ص 298 - زوائده) والحاكم (1 / 517) والبيهقي في " الشعب " (1
/ 368) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
وأقول: إسناد أحمد وأحد إسنادي البزار صحيح، وأما إسناد الحاكم والآخرين
فهو من رواية أبي إسحاق عن كميل به وزاد: " ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا
إليه ".
قلت: وفي ثبوت هذه الزيادة في هذا الحديث نظر عندي لأن أبا إسحاق وهو عمرو
ابن عبد الله السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس وقد عنعنه. وقد وجدت له طريقا
أخرى عن ابن شهاب عن سليمان بن قادم عن أبي هريرة به. أخرجه أبو عروبة الحراني
في " حديث الجزريين " (ق 41 / 2) ، وسليمان بن قادم لم أعرفه.
وله شاهد آخر من حديث قيس بن سعد بن عبادة مرفوعا بلفظ: " ألا أدلك على باب
من أبواب الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله ".(4/35)
أخرجه الترمذي (2 / 377 / 378
) وأحمد (3 / 422) والبزار (ص 298 - زوائده) والبيهقي في " الشعب " (1
/ 368) من طريق وهب ابن جرير حدثنا أبي قال: سمعت منصور بن زاذان عن ميمون بن
أبي شبيب عن قيس بن سعد به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ".
قلت: وهو كما قال، وقد أعل بالانقطاع كما يأتي، وقال الهيثمي في " مجمع
الزوائد " (10 / 98) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، غير ميمون بن أبي
شبيب وهو ثقة ".
قلت: وتعقبه الحافظ في " زوائد البزار " بقوله: " قلت: لكن لم يسمع من قيس
". وأقول: لا أدري من أين جاء الحافظ بهذا النفي الجازم، مع أنه ذكر في
" التهذيب " أنه روى عن معاذ بن جبل وعمر وعلي وأبي ذر والمقداد وابن
مسعود والمغيرة بن شعبة وعائشة وغيرهم. وتاريخ وفاته لا ينفي سماعه، فإنه
مات سنة (83) ، وتوفي قيس بن سعد سنة (60) ، وقول أبي داود: " لم يدرك
عائشة " بعيد عندي، كيف وهي قد توفيت سنة (57) ، فبين وفاتيهما ست وعشرون
سنة فقط، فهو قد أدركها قطعا، نعم لا يلزم من الإدراك ثبوت سماعه منها، فهذا
شيء آخر، ويؤيد ما ذكرت أن الحافظ نفسه قد ذكره في " التقريب " في الطبقة
الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين الذين رووا عن الصحابة كالحسن البصري
وابن سيرين. والله أعلم.
(تنبيه) لقد خفي على الهيثمي ثم ابن حجر العسقلاني كون حديث قيس في " سنن
الترمذي " فأورده الأول في " مجمع الزوائد " وهو الحافظ في " زوائد البزار "!
وكذلك خفي على المنذري فلم يعزه للترمذي، بل قال (2 / 256) : " رواه
الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ".(4/36)
قلت: ولم أره في " كتاب الدعاء "، ولا في " كتاب المعرفة " من " المستدرك "
، فالله أعلم. ثم وجدته بواسطة فهرسي للمستدرك في " الأدب " منه (4 / 290)
وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وشاهد آخر من حديث معاذ بن جبل مثل
حديث قيس. أخرجه أحمد (5 / 228 و 242 و 244) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء
ابن السائب عن أبي رزين عنه. ورجاله ثقات، فالسند صحيح لولا اختلاط عطاء،
وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعده، خلافا لصنيع المنذري وغيره.
ثم وجدت حديث جابر في " أوسط الطبراني " (3684) وفي " الصغير " (215 -
الروض) من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرنا بلهط بن
عباد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم الرمضاء فلم يشكنا وقال: أكثروا ... " الحديث بلفظ " الجامعين " وقال
الطبراني: " لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، ولم يسند بلهط إلا هذا
الحديث " زاد في " الصغير ": " وهو عندي ثقة ". وذكره ابن حبان في
" الثقات ". قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 440) :
" بلهط بن عباد، روى عن محمد بن المنكدر حديثا منكرا، روى عنه عبد المجيد بن
عبد العزيز بن أبي رواد ".
قلت: وكأنه يشير إلى هذا الحديث، وقال الذهبي في ترجمة " بلهط ":(4/37)
" لا
يعرف والخبر منكر.. " ثم ساق له هذا من رواية العقيلي.
وبالجملة فالحديث بهذا اللفظ الأخير ضعيف لجهالة بلهط هذا، والراوي عنه عبد
المجيد، فيه ضعف. وأما بلفظ الترجمة فهو صحيح لطرقه وشواهده، ولذلك
أوردته في " صحيح الجامع الصغير " بخلاف حديث بلهط فأوردته في " ضعيف الجامع
الصغير "، وكنت طبعت عليه تعليقا فليحذف لأنه خطأ واضح يتبين لمن قرأ هذا
التخريج. والله المستعان.
1529 - " لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما، بعث الله رجلا مني،
اسمه اسمي، فيملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما ".
أخرجه البزار (ص 236 - 237 - زوائد ابن حجر) وابن عدي في " الكامل " (129 /
1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 165) عن داود بن المحبر حدثنا أبي
المحبر بن قحذم عن أبيه قحذم بن سليمان عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا.
وقال البزار: " رواه معمر عن هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق عن أبي
سعيد، وداود وأبوه ضعيفان ". وكذا ضعفهما الهيثمي في " المجمع " (7 / 314
) فقال: " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " من طريق داود بن
المحبر بن قحذم عن أبيه، وكلاهما ضعيف ". كذا قال! وأما في " زوائد البزار
" فقد تعقب البزار بقوله عقب كلامه الذي نقلته آنفا: " قلت: بل داود كذاب ".(4/38)
وأقول: هو كما قال، ولكن ألا يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة
شيطان أبي هريرة: " صدقك وهو كذوب "، فإن هذا الحديث ثابت، عنه صلى الله
عليه وسلم من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة، منها طريق أبي الصديق التي أشار
إليها البزار، غاية ما في الأمر أن يكون داود بن المحبر كذب خطأ أو عمدا في
إسناده الحديث إلى والد معاوية بن قرة فإن المحفوظ أنه من رواية معاوية بن قرة
عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به. هكذا أخرجه الحاكم (4 / 465)
من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني حدثنا عمر (وفي " تلخيص المستدرك "
: عمرو) بن عبيد الله العدوي عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي
سعيد الخدري مرفوعا به أتم منه وقال: " صحيح الإسناد "!
قلت: ورده الذهبي بقوله: " قلت: سنده مظلم ". وكأنه يشير إلى جهالة
العدوي هذا، فإني لم أجد من ترجمه، لا فيمن اسمه (عمر) ولا في (عمرو) .
لكن رواية معمر عن هارون - وهو ابن رئاب - التي علقها البزار، تدل على أنه قد
حفظه عن معاوية، وهذا هو الصواب الذي نقطع به لأن لمعاوية متابعات كثيرة بل
هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري، أصحها طريقان عنه:
الأولى: عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ:
" لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا، ثم يخرج رجل من عترتي
أو من أهل بيتي يملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وعدوانا ". أخرجه أحمد (
3 / 36) وابن حبان (1880) والحاكم (4 / 557) وأبو نعيم في " الحلية " (
3 / 101) ، وقال الحاكم:(4/39)
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو
كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه: " مشهور من حديث أبي
الصديق عن أبي سعيد ". فإنه بقوله: " مشهور " يشير إلى كثرة الطرق عن أبي
الصديق، كما تقدم، وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو، وهو ثقة اتفاقا محتج به
عند الشيخين وجميع المحدثين، فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين، فقد خالف سبيل
المؤمنين، ولذلك لم يتمكن ابن خلدون من تضعيفه، مع شططه في تضعيف أكثر
أحاديث المهدي بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق والطريق الآتية، فمن نسب
إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهوا أو عمدا.
الثانية: سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي به، ولفظه: " يخرج في
أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر
الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا ". أخرجه الحاكم (4 /
557 - 558) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وابن خلدون أيضا فإنه
قال عقبه في " المقدمة " (فصل 53 ص 250) : " مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له
أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولم يرد أن أحدا تكلم فيه ".
قلت: ووثقه ابن معين أيضا، وقال أبو حاتم: " صدوق ". فهو إسناد صحيح كما
تقدم عن الحاكم والذهبي وابن خلدون. وبقية الطرق والشواهد قد خرجتها في
" الروض النضير " تحت حديث ابن مسعود (647) من طرق(4/40)
عن عاصم بن أبي النجود عن
زر بن حبيش عنه. ورواه أصحاب السنن وكذا الطبراني في " الكبير " أيضا (
10213 - 10230) وصححه الترمذي والحاكم وابن حبان (1878) ولفظه عند أبي
داود " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني
أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض ... "
الحديث وممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في " منهاج السنة " (4 / 211
) : " إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو
داود والترمذي وأحمد وغيرهم من من حديث ابن مسعود وغيره ". وكذا في
" المنتقى من منهاج الاعتدال " للذهبي (ص 534) .
قلت: فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي، ومعهم
أضعافهم من المتقدمين والمتأخرين أذكر أسماء من تيسر لي منهم:
1 - أبو داود في " السنن " بسكوته على أحاديث المهدي.
2 - العقيلي.
3 - ابن العربي في " عارضة الأحوذي ".
4 - القرطبي كما في " أخبار المهدي " للسيوطي.
5 - الطيبي كما في " مرقاة المفاتيح " للشيخ القاريء؟
6 - ابن قيم الجوزية في " المنار المنيف "، خلافا لمن كذب عليه.
7 - الحافظ ابن حجر في " فتح الباري ".
8 - أبو الحسن الآبري في " مناقب الشافعي " كما في " فتح الباري ".
9 - الشيخ علي القارئ في " المرقاة ".
10 - السيوطي في " العرف الوردي ".
11 - العلامة المباركفوري في " تحفة الأحوذي ".
وغيرهم كثير وكثير جدا.(4/41)
بعد هذا كله أليس من العجيب حقا قول الشيخ الغزالي في " مشكلاته " التي صدرت
عنه حديثا (ص 139) : " من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث
صريح، وما ورد صريحا فليس بصحيح "! فمن هم الذين لقنوك هذا النفي وحفظوك
إياه وأنت طالب؟ أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث،
ورجاله، وإلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه؟ ! أليس في
ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حفظته طالبا، لاسيما فيما يتعلق بالسنة
والحديث تصحيحا وتضعيفا، وما بني على ذلك من الأحكام والآراء، ذلك خير من
أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لقنته طالبا،
ومن غير أهل الاختصاص والعلم؟ !
واعلم يا أخي المسلم أن كثير من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا
الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي!
وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية
منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقا، بل هي كلها لا تخرج
عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات
بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من
المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم
، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين،
فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم
الله في الأرض، بل على العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعيا من
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة وعشرين عاما وهو يعمل لتوطيد
دعائم الإسلام، وإقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد
المسلمين شيعا وأحزابا، وعلماءهم - إلا القليل منهم - اتخذهم الناس رؤسا!
لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد،
وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج(4/42)
إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع
والعقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج
المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم
بواجبهم، والله يقول: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) *.
ومنهم - وفيهم بعض الخاصة - من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة ولكنه
توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي، فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال:
" وداوني بالتي كانت هي دواء "! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا
القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر!! فهم بذلك أبطلوا ما
يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر! وطائفة منهم رأوا أن عقيدة
المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالا سيئا، فادعاها كثير من
المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة
مهدي (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن، إنما
يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة! وإلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه
السابق! وما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر
الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة، لأن بعض الدجاجلة ادعاها، مثل
ميرزا غلام أحمد القادياني، وقد أنكرها بعضهم فعلا صراحة، كالشيخ شلتوت،
وأكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضا، وبعضهم يظهر ذلك من
فلتات لسانه، وإن كان لا يبين. وما مثل هؤلاء المنكرين جميعا عندي إلا كما
لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة! (فهل من مدكر
) .
1530 - " أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل بي ملكا عند قبري، فإذا صل علي رجل من
أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة ".(4/43)
الديلمي (1 / 1 / 31) عن محمد بن عبد الله بن صالح المروزي حدثنا بكر بن خداش
عن فطر بن خليفة عن أبي طفيل عن أبي بكر الصديق مرفوعا. بيض له الحافظ،
وبكر بن خداش ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 385) برواية اثنين آخرين عنه ولم
يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده الحافظ في " اللسان " برواية جمع آخر عنه
وقال: ربما خالف. قاله ابن حبان في " الثقات ". ومحمد بن عبد الله بن صالح
المروزي لم أعرفه. والحديث قال السخاوي في " القول البديع " (ص 117) :
" أخرجه الديلمي، وفي سنده ضعف ". لكن ذكر له شاهد من حديث عمار بن ياسر رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملكا أعطاه أسماع
الخلائق، فهو قائم على قبري، إذا مت، فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال: يا
محمد صلى عليك فلان بن فلان، قال: فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك بكل
واحدة عشرا ". وقال (ص 112) : " رواه أبو الشيخ ابن حيان وأبو القاسم
التيمي في " ترغيبه " (209 / 2 - مدينة) والحارث في " مسنده " وابن أبي
عاصم والطبراني في " معجمه الكبير " وابن الجراح في " أماليه " بنحوه وأبو
علي الحسن بن نصير الطوسي في " أحكامه " والبزار في " مسنده " وفي سند الجميع
نعيم بن ضمضم، وفيه خلاف عن عمران بن الحميري، قال المنذري: لا يعرف.
قلت: بل هو معروف، ولينه البخاري، وقال: " لا يتابع عليه ". وذكره ابن
حبان في " ثقات التابعين " قال صاحب الميزان(4/44)
أيضا: لا يعرف قال: نعيم بن ضمضم
ضعفه بعضهم. انتهى. وقرأت بخط شيخنا (يعني الحافظ بن حجر) لم أر فيه
توثيقا ولا تجريحا، إلا قول الذهبي هذا ". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في
" التاريخ " (3 / 2 / 416) وهو في " زوائد البزار " (306) فالحديث بهذا
الشاهد وغيره مما في معناه حسن إن شاء الله تعالى.
1531 - " أفضل الناس (وفي رواية: خير الناس) رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه
، ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه، ويدع الناس من شره ".
أخرجه البخاري (6 / 4 و 11 / 277 - 278) ومسلم (6 / 39) وأبو داود (1 /
389) والنسائي (2 / 55) والترمذي (3 / 16 - تحفة) وابن ماجة (2 / 475
) والحاكم (2 / 71) وأحمد (3 / 16 و 37 و 56 و 88) من طرق عن الزهري عن
عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ فقال: رجل ... " الحديث. والرواية الثانية
لمسلم وأحمد. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ولم يخرجاه.
قلت: فيه عنده سليمان بن كثير عن الزهري، وهو وإن كان ثقة فقد تكلموا في
روايته عن الزهري خاصة، وقد خالف الجماعة في لفظ الحديث فقال: " سئل أي
المؤمنين أكمل إيمانا ". هكذا أخرجه عنه أبو داود والحاكم. لكن رواه أحمد من
طريقه بلفظ الجماعة، وهو الصواب.
1532 - " اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ".
أخرجه أبو داود (2 / 124 - 125) والدارمي (1 / 125) والحاكم (1 / 105 -
106)(4/45)
وأحمد (2 / 162 و 192) عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن
عبد الله بن عمرو قال: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله
عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء ورسول الله صلى
الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضى! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت لرسول
الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: فذكره. وقال الحاكم
: " رواة هذا الحديث قد احتجا بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه الوليد بن
أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن
كان كذلك فقد احتج به مسلم ". كذا قال، وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي
مغيث مولى بني الدار حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان.
1533 - " ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحومها داء. يعني البقر ".
رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (11 / 122 / 1) عن زهير (يعني ابن
معاوية) عن امرأته - وذكر أنها صدوقة - أنها سمعت مليكة بنت عمر - وذكر
أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه - أنه وضعت لها
من وجع بها سمن بقر، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، وقد أخرجه أبو داود في " المراسيل
" والطبراني في " الكبير " وابن منده في " المعرفة " وأبو نعيم في " الطب "
بنحوه كما في " المقاصد الحسنة " وقال (331) : " رجاله ثقات لكن الراوية عن
ملكية لم تسم، وقد وصفها الراوي عنها زهير بن معاوية أحد الحفاظ بالصدق
وأنها امرأته، وذكر أبي داود له في " مراسيله " لتوقفه في صحبة مليكة ظنا،
وقد جزم بصحبتها جماعة وله شواهد عن ابن مسعود رفعه:(4/46)
" عليكم بألبان البقر
وسمنانها، وإياكم ولحومها، فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء، ولحومها
داء " أخرجه الحاكم وتساهل في تصحيحه له كما بسطته مع بقية طرقه في بعض
الأجوبة، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر، وكأنه لبيان
الجواز، أو لعدم تيسر غيره، وإلا فهو لا يتقرب إلى الله تعالى بالداء، على
أن الحليمي قال كما أسلفته في " عليكم ": إنه صلى الله عليه وسلم قال في البقر
كذلك ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر منه ورطوبة ألبانها وسمنها واستحسن هذا
التأويل. والله أعلم ".
قلت: وحديث ابن مسعود شاهد قوي لحديث الترجمة وسيأتي تخريجه برقم (1949) .
ومضى الكلام على الطرق المتعلقة بألبان البقر برقم (518) وسيأتي تحت الحديث
(1650) .
1534 - " ارفعوا عن بطن محسر، وعليكم بمثل حصى الخذف ".
أخرجه أحمد (1 / 219) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 72) والبيهقي (5
/ 115) من طريق سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه ابن خزيمة في
" صحيحه " (1 / 278 / 1) والحاكم (1 / 462) وعنه البيهقي من طريق محمد بن
كثير حدثنا سفيان بن عيينة به. إلا أنه قال: " ارفعوا عن بطن عرنة، وارفعوا
عن بطن محسر ". فلم يذكر الشطر الثاني منه. وقال: صحيح على شرط مسلم "،
وهو كما قال. ثم ذكر له شاهدا من طريق أخرى عن ابن عباس نحوه. وله شاهد آخر
من حديث جبير بن مطعم صححه ابن حبان، وقد أشرت إليه في " تخريج المشكاة " (2596) .(4/47)
والحديث أخرجه الطحاوي من طريق أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي:
حدثنا ابن عيينة به أتم منه، ولفظه: " عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن
عرنة، والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر، وشعاب منى كلها منحر ".
وإسناده صحيح أيضا. وأما الأمر بحصى الخذف فقد جاء عن جمع من الصحابة، وقد
مضى تخريج الكثير منها برقم (1437) .
1535 - " الزم بيتك ".
رواه ابن عدي (325 / 1) وابن عساكر (16 / 388 / 1) عن أبي الربيع الزهراني
أخبرنا الفرات بن أبي الفرات قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على عمل، فقال: يا رسول الله: خر
لي. فقال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، الفرات بن أبي الفرات، قال أبو حاتم: صدوق. وقال
ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن عدي: " الضعف بين على روايته ". لكن الحديث
ثابت لأن له شواهد يتقوى بها منها عن أبي ذر في حديث طويل له، أخرجته في
" الإرواء " (2517) . ومنها عن محمد بن سلمة الأنصاري في حديث له. أخرجه
أحمد (4 / 225) . ورجاله ثقات لولا أن الحسن البصري لم يصرح بالسماع.(4/48)
ومنها عن أبي موسى الأشعري في حديث له في الفتن جاء في رواية أبي داود عنه في
آخره: " قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم ". ومن طريق أبي
داود أخرجه الحاكم (4 / 440) وقال: " صحيح الإسناد ". وأقره الذهبي.
وقد خرجته في " الإرواء " أيضا. ومنها عن عبد الله بن عمرو بن العاص في حديث
له مضى تخريجه والكلام على هذه الزيادة منه بصورة خاصة برقم (205) . ومنها
عن أبي ثعلبة الخشني، وإسناده ضعيف كما بينته في " الضعيفة " رقم (1025) من
المجلد الثالث، وسيطبع قريبا إن شاء الله تعالى.
1536 - " ألظوا بـ (يا ذا الجلال والإكرام) ".
روي من حديث ربيعة بن عامر وأبي هريرة وأنس بن مالك.
1 - أما حديث ربيعة فيرويه عبد الله بن المبارك أخبرني يحيى بن حسان عن ربيعة
ابن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه البخاري في
" التاريخ " (2 / 1 / 256) والحاكم (1 / 498 - 499) وأحمد (4 / 177)
وأبو عبد الله بن منده في " المعرفة " (ق 13 / 1) وفي " التوحيد " (ق 72 /
2) وابن عساكر في " التاريخ " (6 / 107 / 1) كلهم عن ابن المبارك به.
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال ابن
منده في الكتاب الأول: " حديث غريب، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". وقال في
الكتاب الآخر:(4/49)
" يحيى بن حسان فلسطيني ثقة مشهور ". وقال الإمام أحمد في
روايته هذه عن ابن المبارك: " يحيى بن حسان من أهل بيت المقدس وكان شيخا
كبيرا حسن الفهم ". ووثقه النسائي أيضا وابن حبان.
2 - أما حديث أبي هريرة فيرويه رشدين بن سعد حدثنا موسى بن حبيب عن سهيل بن أبي
صالح عن أبيه عنه مرفوعا. أخرجه الحاكم، ورشدين ضعيف.
3 - وأما حديث أنس فيرويه مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن حميد عنه.
أخرجه الترمذي (4 / 267) وقال: " حديث غريب، وليس بمحفوظ، وإنما يروى
هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وهذا أصح، والمؤمل غلط فيه، فقال: عن حميد عن أنس، ولا يتابع فيه ".
قلت: وذكر نحوه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 170 و 192) لكن قوله:
" ولا يتابع عليه " فيه نظر، فقد ذكر ابن أبي حاتم أيضا أن روح بن عبادة رواه
عن حماد عن ثابت وحميد عن أنس به. وأخرجه أبو سعد المظفر بن حسن في " فوائد
منتقاة " (136 / 2) . ثم قال ابن أبي حاتم: " قال أبي: هذا خطأ حماد يرويه
عن أبان بن أبي عياش عن أنس ".
قلت: وروح بن عبادة ثقة فاضل احتج به الستة، فلا أدري وجه تخطئته، بدون حجة
بينة، مع إمكان القول بصحة ما رواه هو، وما رواه غيره من الثقات، بمعنى أن
حماد(4/50)
بن سلمة كان له عدة أسانيد عن أنس، فرواه روح عنه عن ثابت وحميد،
وتابعه المؤمل - وإن كان فيه ضعف - عنه عن حميد. ورواه أبو سلمة قال:
حدثنا حماد عن ثابت وحميد وصالح المعلم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم
كما في " العلل "، ولا مانع من مثل هذا الجمع، فإن له أمثلة كثيرة في الرواة
، ومنهم حماد بن سلمة بالخصوص لسعة حفظه. والله أعلم. وقد وجدت له طريقا
أخرى عن أنس، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 17 / 2) : حدثنا أبو
معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عنه مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير الرقاشي فإنه ضعيف مع زهده،
فروايته لا بأس بها إن شاء الله في المتابعات. وجملة القول أن الحديث صحيح من
الطريق الأول من حديث ربيعة، والطرق الأخرى تزيده قوة على قوة.
1537 - " الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها ".
أخرجه أبو داود (2 / 195 - التازية) وأحمد (2 / 226 - 227 و 227 و 4 / 163
) وابن منده في " المعرفة " (ق 16 / 1) من طريق عبد الملك بن أبجر عن إياد
ابن لقيط عن أبي رمثة قال: " انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم
.. قال: فقال لي أبي: أرني هذا الذي بظهرك، فإني رجل طبيب، قال ... " فذكره
. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبجر جد عبد الملك، فإنه ابن سعيد بن
حيان بن أبجر وهو ثقة عابد.(4/51)
1538 - " أرحامكم أرحامكم ".
أخرجه ابن حبان (2037) : أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو
أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال في مرضه: فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن سفيان
وهو الفسوي، وهو ثقة حافظ.
1539 - " نزلت في أناس من أمتي في آخر الزمان يكذبون بقدر الله عز وجل. يعني قوله
تعالى: * (ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر) * ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5316) من طريق جرير بن حازم عن سعيد بن
عمرو بن جعدة المخزومي عن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه ابن شاهين وابن مردويه من طريق عمرو بن أبي حفص عن خالد بن سلمة عن
سعيد به إلا أنه قال: ابن زرارة الأنصاري. وفي رواية لابن منده وابن مردويه
: زياد بن أبي زياد الأنصاري عن أبيه. قال الحافظ في " الإصابة ": " كذا قال
، والاضطراب فيه من حفص بن سليمان وهو ضعيف ".
قلت: والصواب: (ابن زرارة) لمتابعته جرير بن حازم المذكورة أولا، وقد
فاتت الحافظ فلم يذكرها مطلقا، كما فاته التنبيه على ضعف إسناده، والكشف عن(4/52)
علته، ألا وهي جهالة سعيد بن عمرو المخزومي وابن زرارة، وقد أشار إليها
شيخه الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 117) بعدما عزاه للطبراني: " وفيه
من لم أعرفه ". ولكن للحديث شواهد يتقوى بها:
1 - أخرج البزار وابن المنذر بسند جيد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
قال " ما أنزلت هذه الآية: * (إن المجرمين في ضلال وسعر. يوم يسحبون في
النار على وجوههم ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر) * إلا في أهل القدر ".
2 - وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر عن إبراهيم بن محمد بن علي بن
عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، وكانت أمه لبابة بنت عبد الله بن عباس رضي
الله عنهما قالت: كنت أزور جدي ابن عباس رضي الله عنهما في كل يوم جمعة قبل أن
يكف بصره فسمعته يقرأ في المصحف فلما أتى على هذه الآية * (إن المجرمين....) *
قال: يا بنية ما أعرف أصحاب هذه الآية ما كانوا بعد، وليكونن. ومن طريق
عطاء بن أبي رباح عنه أنه قيل له: قد تكلم في القدر. فقال: أو فعلوها؟ !
والله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: * (ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر
) *: أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن
أريتني واحدا منهم فقأت عينيه بإصبعي هاتين. أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم
وابن مردويه. كذا في " الدر المنثور " (6 / 137) . ولا ينافي ما تقدم ما
أخرجه مسلم (8 / 52) وغيره عن أبي هريرة قال:(4/53)
" جاء مشركو قريش يخاصمون
رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت: * (يوم يسحبون في النار....) *
. أقول: لا ينافيه لإمكان نزول ذلك المشركين وأشباههم من نفاة القدر في هذه
الأمة. والله أعلم.
1540 - " كان يدعو: اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني
بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه
بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ".
أخرجه الحاكم (1 / 525) عن عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني خالد
ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الصهباء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره
ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ...
الحديث. وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: أبو
الصهباء لم يخرج له البخاري ".
قلت: ولم أعرف من هو؟ ووجدت للحديث طريقا أخرى يرويه معلى بن رؤبة التميمي
الحمصي عن هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة، فأتى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه ذلك، وسأله أن يأمر له بوسق من تمر
، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أمرت لك بوسق من تمر، وإن
شئت علمتك كلمات هي خير لك. قال: علمنيهن، ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه،
فقال....(4/54)
قلت: فذكره. أخرجه ابن حبان (2430) والديلمي (1 / 2 / 195) . وهاشم هذا
قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 104) : " روى عن عمر رضي الله عنه، مرسل. روى
عنه معلى بن رؤبة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والمعلى بن رؤبة لم
أجد له ترجمة، ولعله في " ثقات ابن حبان ". وبالجملة فالحديث حسن بمجموع
الطريقين. والله أعلم.
1541 - " كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو
وشماتة الأعداء ".
أخرجه النسائي (2 / 316، 317) والحاكم (1 / 104) وأحمد (2 / 173) من
طريق حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا
، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".
وأقول: حيي هذا صدوق يهم كما في " التقريب "، فالإسناد حسن. وأخرج مسلم (
8 / 76) والنسائي الجملة الأخيرة منه من حديث أبي هريرة من فعله صلى الله
عليه وسلم. وأخرجه البخاري (4 / 256) من قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ:
" تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء ".
وعند البخاري أيضا (4 / 200) من حديث أنس استعاذته صلى الله عليه وسلم من
أشياء ذكرها منها: " ضلع الدين، وغلبة الرجال ".(4/55)
1542 - " اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ
بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من
خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ بك عبدك ونبيك، اللهم إني
أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها
من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 433 - 434 - التازية) وابن حبان (2413) وأحمد (6 /
134) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1103 - مصور المكتب الإسلامي) من طريق
حماد بن سلمة أخبرني جبر بن حبيب عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء، فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رواته ثقات رواة مسلم غير جبر بن حبيب وهو ثقة.
وأما قول البوصيري في " الزوائد " (232 / 1) : " هذا إسناد فيه مقال، أم
كلثوم هذه لم أر من تكلم فيها، وعدها جماعة في الصحابة، وفيه نظر لأنها
ولدت بعد موت أبي بكر ".
قلت: يكفيها توثيقا أن مسلما أخرج لها في " صحيحه " وروى عنها الصحابي الجليل
جابر بن عبد الله الأنصاري، وهي زوجة طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين
بالجنة، وقد رزقت منه زكريا ويوسف وعائشة، كما ذكر ابن سعد في ترجمة طلحة
(3 / 214) . ثم رأيت الحديث في " المستدرك " (1 / 521 - 522) من طريق شعبة
عن جبر بن حبيب به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.(4/56)
وتابعه سعيد
الجريري عند أبي يعلى قرنه بجبر بن حبيب. ولطرفه الأول شاهد من حديث جابر بن
سمرة قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه وهو في الصلاة،
فلما سلم سمعته يقول: " فذكره دون قوله: " عاجله وآجله " في الموضعين.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 2058) من طريق قيس بن الربيع عن
عائذ بن نصيب قال: سمعت جابر بن سمرة.
قلت: وقيس بن الربيع سيء الحفظ. وعائذ بن نصيب وثقه ابن معين قال أبو حاتم
: شيخ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 208) .
1543 - " اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 36 و 7 / 239) من طريق الطبراني وهذا في
" المعجم الكبير " (رقم - 10379) حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا محمد بن زياد
البرجمي حدثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال:
" أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما،
فلم يجد عند واحدة منهن، فقال: (فذكره) فأهديت له شاة مصلية، فقال: هذه
من فضل الله، ونحن ننتظر الرحمة ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث مسعر
وزبيدة، تفرد به البرجمي ".
قلت: وثقه ابن حبان وابن إشكاب والفضل بن سعد الأعرج كما في " اللسان "
وأما أبو حاتم فلم يعرفه فقال: " مجهول " كما رواه ابنه (3 / 2 / 258) عنه
، وتبعه الذهبي في " الميزان " وغيره. وسائر الرواة ثقات، فالسند عندي
صحيح. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 159) :(4/57)
" رواه الطبراني،
ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد البرجمي، وهو ثقة ".
1544 - " اللهم رب جبرائيل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر ".
أخرجه النسائي (2 / 320) من طريق أبي حسان عن جسرة عن عائشة أنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قلت: إسناد ضعيف رجاله كلهم ثقات غير جسرة - وهي بنت دجاجة - ففيها ضعف. لكن
لحديثها شاهدان:
الأول: عن سليمان بن سنان المزني أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم
صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: " اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر ومن
فتنة الدجال ومن فتنة المحيا والممات ومن حر جهنم ". أخرجه النسائي عقب
حديث عائشة وقال: " هذا الصواب ".
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير المزني هذا وهو ثقة كما قال
الحافظ في " التقريب "، ولا منافاة بين الحديثين لاختلاف المخرج، بل أحدهما
يشهد للآخر.
والشاهد الثاني يرويه عبد الوهاب بن عيسى الواسطي حدثنا يحيى بن أبي زكريا
الغساني عن عباد بن سعيد عن مبشر بن أبي مليح عن أبيه (عن جده أسامة بن عمير)
رضي الله عنه " أنه صلى ركعتي الفجر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى
قريبا منه ركعتين خفيفتين ثم سمعته يقول وهو جالس:(4/58)
اللهم رب جبريل وإسرافيل
وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار، ثلاث مرات ".
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (101) والحاكم (3 / 622) وسكت
عليه هو والذهبي.
قلت: وهو ضعيف: مبشر بن أبي المليح قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 342) :
" روى عن أبيه، وعنه شعبة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعباد بن
سعيد بصري ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 80) برواية عبد الله بن محمد ابن أخي
جويرية بن أسماء الضبعي والغساني هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
والغساني ضعيف. والواسطي هو أبو الحسن التمار، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 /
73) عن أبيه: " ليس به بأس ".
1545 - " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي
أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا
أنا في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجا،
فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها
، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال
أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته. فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه
بمائة من أمته. فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني
بألف فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم ".
أخرجه الحافظ بن كثير في " البداية " (2 / 275) فقال: وقال ابن إسحاق:
حدثنا(4/59)
ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: نعم أنا.. إلخ. ثم قال: " وهذا
إسناد جيد قوي ".
قلت: والظاهر أنه نقله عن " سيرة ابن إسحاق " وقد روى أوله الحاكم من هذا
الوجه (2 / 600) وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. والطبري في
" تفسيره " (3 / 82 / 2070) . وقد جاءت هذه القصة من حديث أبي ذر وأبي بن
كعب. أما الأول: فأخرجه الدارمي (1 / 9) أخبرنا عبد الله بن عمران حدثنا
أبو داود حدثنا جعفر بن عثمان القرشي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن
أبي ذر الغفاري قال: قلت: يا رسول الله كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال
: " يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة ... " الحديث. وقد سبق مع
الكلام عليه.
وأما الآخر: فأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند " (5 / 139)
: حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزار حدثنا يونس بن محمد حدثنا معاذ بن
محمد بن أبي بن كعب حدثنا أبي محمد بن معاذ بن (الأصل: عن وهو تصحيف) محمد
عن أبي بن كعب. أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه
وسلم على أشياء لا يسأله عنها غيره. فقال: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في
النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: " لقد سألت أبا
هريرة! إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل
يقول لرجل: أهو هو؟ قال نعم. فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم
أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل
واحد منها بعضدي، لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه.(4/60)
فأضجعاني
بلا قصر ولا هصر: وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري
ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع. فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرجا شيئا
كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها. فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل
الذي أخرج يشبه الفضة. ثم هز إبهام رجلي اليمنى ثم فقال: اغد واسلم. فرجعت
بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير ". قال الهيثمي (8 / 223) :
" ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان ".
قلت: توثيق ابن حبان فيه تساهل كثير كما نبهنا عليه مرارا، ولذلك فقد أورد
الذهبي في " الميزان " محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده قال
. وعن ابنه معاذ قال ابن المديني: " لا نعرف محمد هذا ولا أباه ولا جده في
الرواية. وهذا إسناد مجهول ". وعزا الحافظ بن كثير (2 / 226) حديث أبي
هذا لابن عساكر فقط! وفي الباب عن أنس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، واستخرج القلب
، واستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء
زمزم، ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعن ظئره -
فقالوا: إن محمد قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت
أرى أثر ذلك المخيط في صدره. أخرجه مسلم (1 / 101 - 102) وأحمد (3 / 121
و149 و 288) والآجري أيضا في " الشريعة " ص (437) من طريق حماد بن سلمة
حدثنا ثابت البناني عنه. وللطرف الأول من الحديث شاهد آخر وهو الآتي بعده.(4/61)
1546 - " أنا دعوة أبي إبراهيم، وكان آخر من بشر بي عيسى ابن مريم عليه الصلاة
والسلام ".
رواه ابن عساكر في " التاريخ " (1 / 265 / 2) عن بشر بن عمارة عن الأحوص بن
حكيم عن خالد بن سعد عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت: قيل: يا
رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: نعم، أنا ... الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، بشر بن عمارة والأحوص بن حكيم ضعيفان لكن يشهد له
حديث أبي أمامة قال: " يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ " قال: فذكره بلفظ
: " دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها
قصور الشام ". أخرجه أحمد (5 / 262) : حدثنا أبو النضر حدثنا فرج حدثنا
لقمان بن عامر قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت: فذكره. وأخرجه ابن سعد في
" الطبقات " (1 / 102) وابن عدي (165 / 1) .
قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الهيثمي (8 / 222) قال: " وله شواهد تقويه،
ورواه الطبراني ".
قلت: منها الحديث الذي قبله. ومنها ما رواه بحير بن سعيد عن خالد عن عتبة
ابن عبد السلمي نحوه أتم منه بلفظ: " كانت حاضنتي ... " الحديث. وقد مضى
بتمامه وتخريجه برقم (373) .(4/62)
1547 - " أوقدوا واصطنعوا، أما إنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم ".
أخرجه الحاكم (3 / 36) من طريق محمد بن أبي يحيى الأسلمي حدثني أبي أن أبا
سعيد الخدري رضي الله عنه أخبره: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
بالحديبية فقال: " لا توقدوا نار بليل ". فلما كان بعد ذلك قال: " فذكره.
وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأبو يحيى
الأسلمي اسمه سمعان، وهو ثقة كأبيه.
1548 - " أما علمت أنك ومالك من كسب أبيك؟! ".
رواه الطبراني (رقم 13345) عن وهب بن يحيى بن زمام العلاف حدثنا ميمون بن
يزيد عن عمر بن محمد عن أبيه عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله
عليه وسلم يستعدي على والده، قال: إنه أخذ مالي. فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم: فذكره. وأخرجه البزار في " مسنده " (ص 138 - زوائده ورقم 1259
- كشف الأستار) : حدثنا وهب بن يحيى حدثنا ميمون بن يزيد به. وقال: " لا
نعلمه عن ابن عمر مرفوعا، إلا بهذا الإسناد ". كذا وقع في " الزوائد "
".... ابن يزيد " وتبعه في " المجمع " فإنه قال (4 / 154) :(4/63)
" رواه البزار
والطبراني في " الكبير " وفي " الأوسط " منه الولد من كسب الوالد " فقط وفيه
ميمون بن يزيد لينه أبو حاتم، ووهب ابن يحيى بن زمام لم أجد من ترجمه وبقية
رجاله ثقات ". والذي في " الجرح والتعديل " (لابن أبي حاتم (4 / 1 / 239)
: " ميمون بن زيد أبو إبراهيم السقاء بصري روى عن ليث ... ". ثم ذكر عن أبيه
أنه قال: " لين الحديث ". وذكر خلاصته في " الميزان " إلا أنه قال في نسبه:
" ابن زيد أو ابن يزيد أبو إبراهيم ". زاد الحافظ في " اللسان " فقال:
" وذكره ابن حبان في " الثقات " ابن زيد بن أبي عبس (1) ابن جبر الأنصاري
الحارثي من أهل المدينة روى عنه أهل الحجاز.
قلت: ويبدو لي أن هذا غير الذي لينه أبو حاتم، فهذا مدني، وذاك بصري،
فافترقا، وأنه الذي وثقه ابن حبان. والله أعلم. ثم وجدت ما يؤيد ما ذكرته
من التفريق، فقد رأيت ابن أبي حاتم قد أورد أيضا المدني قبل البصري بترجمة
وقال: " روى عن أبيه، روى عنه ... ". كذا الأصل بيض للراوي عنه ولم يذكر
فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك فعل قبله البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 341
) لكن يستفاد منه إملاء البياض الذي في " الجرح "، فقد قال البخاري: " يعد في
أهل المدينة ". وكأنه يعني أنه روى عنه
_________
(1) الأصل (عيسى) وهو خطأ صححته من " تاريخ " البخاري و " جرح " ابن أبي
حاتم. اهـ.(4/64)
أهلها. وهو ما صرح به ابن حبان كما
تقدم عن " اللسان ". وبالجملة فإعلال الهيثمي للحديث وتضعيفه إياه، إنما هو
قائم على التسوية بين (الميمونين) ، وهو خطأ لما ذكرنا، وإن أقره عليه
الشيخ الأعظمي في تعليقه على " الكشف " وصاحبنا السلفي في تعليقه على " كبير
الطبراني "! وثمة خطأ آخر في كلام الهيثمي، وإن أقره عليه من ذكرنا، ألا
وهو تسويته بين إسنادي " الكبير " و " الأوسط "، وليس كذلك، فإن إسناده في
الثاني منهما هكذا: حدثنا محمد بن علي بن شعيب حدثنا محمد بن أبي بلال التيمي
حدثنا خلف بن خليفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الذي ذكره
الهيثمي.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، خلف ومن فوقه من رجال
مسلم، ومحمد بن أبي هلال هو الذي حدث عن مالك بن أنس قال ابن معين: ليس به
بأس، كما في " تاريخ بغداد " (2 / 98) . وأما محمد بن علي بن شعيب، وهو
أبو بكر السمسار، ترجمه الخطيب أيضا (3 / 66) بروايته عن جمع، وعنه
إسماعيل الخطبي مات سنة (290) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث له
طرق وشواهد كثيرة بمعناه، قد خرجت الكثير الطيب منها في " إرواء الغليل " (
830) و " الروض النضير " (195، 603) .
1549 - " أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها؟! فنهى
عن ذلك ".
أخرجه أبو داود (1 / 401 - 402) : حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي
الزبير عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار قد وسم في
وجهه، فقال: " فذكره.(4/65)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، على ضعف في محمد بن كثير وهو العبدي
وعنعنة أبي الزبير فإنه مدلس. وقد أخرجه مسلم (6 / 165) من طريق معقل عن
أبي الزبير به مختصرا بلفظ: " لعن الله الذي وسمه ". ثم أخرجه من طريق ابن
جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " نهى رسول الله
صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه ". وهذا إسناد
صحيح مصرح فيه بالسماع، وقد خرج في " الإرواء " (2186) .
1550 - " أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت مني وشجرتي، وأما
أنت يا علي فختني، وأبو ولدي، وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد
فمولاي ومني وإلي، وأحب القوم إلي ".
أخرجه أحمد (5 / 204) والبخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 19 - 20) والحاكم
(3 / 217) والطبراني في " المعجم الكبير " رقم - 378 مختصرا عن محمد بن
إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة عن أبيه قال: " اجتمع
جعفر وعلي وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال زيد
: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله، فقال أسامة بن زيد: فجاؤا يستأذنونه،
فقال: اخرج فانظر من هؤلاء؟ فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد، ما أقول أبي (!)
قال: ائذن لهم، ودخلوا، فقالوا: من أحب إليك؟ قال: فاطمة، قالوا:
نسألك عن الرجال، قال: " فذكره. وقال الحاكم:(4/66)
" صحيح على شرط مسلم ".
ووافقه الذهبي. وفيه نظر لأن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو
مدلس وقد عنعنه عند جميعهم. لكن له طريق أخرى عند الطبراني (379) من طريق
عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله،
يعني مختصرا ليس فيه ذكر لزيد بن حارثة. وللحديث شاهد من حديث علي بإسناد
رجاله ثقات خرجته في " الإرواء " (2191) وله عنه طريق أخرى في " مشكل الآثار
"، وفيه رجل مجهول كما بينته هناك وفيه قوله لجعفر: " وأنت من شجرتي التي
أنا منها ". وفي " الترمذي " (2 / 312) عن عمر أنه قال لابنه عبد الله: "
إن زيد كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ".
وقال: " حديث حسن غريب ". وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد،
إلا قوله في آخره: " وأحب القوم إلي " فحسن. والله أعلم. وأما قول
الهيثمي (9 / 275) : " رواه أحمد وإسناده حسن "، فلا يخفى ما فيه.
1551 - " أما أهل النار الذين هم أهلها (وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل
إخراجهم) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم
(يريد الله عز وجل إخراجهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة
، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار(4/67)
الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة
أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ".
أخرجه مسلم (1 / 118) وأبو عوانة (1 / 186) والدارمي (2 / 331 - 332)
وابن ماجة (2 / 582 - 583) وأحمد (3 / 11 و 78 - 79) والطبري في
" التفسير " (1 / 552 / 797) من طريق سعيد بن يزيد أبي سلمة عن أبي نضرة عن
أبي سعيد الخدري مرفوعا به. وتابعه أبو سعيد الجريري عن أبي نضرة به.
والرواية الثانية مع الزيادة له. أخرجه أحمد (3 / 20) وعبد بن حميد في
" المنتخب من المسند " (ق 95 / 2) . وتابعه أيضا سليمان التيمي عنه. أخرجه
أبو عوانة وعبد بن حميد. وتابعه عثمان بن غياث وعوف عن أبي نضرة به نحوه.
وزاد عثمان: " فيحرقون فيكونون فحما ". أخرجه أحمد (3 / 25 و 90) بإسناد
صحيح. وله عنده (3 / 90) طريق أخرى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن أبي
سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " سيخرج ناس من النار قد احترقوا
وكانوا مثل الحمم، ثم لا يزال أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات
القثاء في السيل ". وخالفه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد
أخبره به. وابن لهيعة سيء الحفظ، والأول أصح، وهو على شرط مسلم.
(ضبائر) : جمع (ضبارة) : جماعة الناس.(4/68)
وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها،
خلافا لقول بعضهم لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث
ولم يتنبه لهذا ولا لغيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيد له من ذهب من أفاضل
علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني ردا علميا متينا في
كتابه " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار "، وقد حققته، وخرجت
أحاديثه، وقدمت له بمقدمة ضافية نافعة، وهو تحت الطبع، وسيكون في أيدي
القراء قريبا إن شاء الله تعالى.
1552 - " أما بعد يا معشر قريش! فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه
بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب - لقضيب في يده ".
أخرجه أحمد (1 / 458) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح قال ابن شهاب: حدثني
عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة أن عبد الله بن مسعود قال: " بينا نحن عند
رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلا من قريش، ليس فيهم إلا
قرشي، لا والله ما رأيت صفيحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ، فذكروا
النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم، حتى أحببت أن يسكت، قال: ثم أتيته
فتشهد، ثم قال: (فذكره) ، ثم لحى قضيبه، فإذا هو أبيض يصلد ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد "
(5 / 192) : " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أحمد
رجال الصحيح، ورجال أبي يعلى ثقات ". ورواه القاسم بن الحارث عن عبيد الله
فقال: عن أبي مسعود الأنصاري.(4/69)
أخرجه أحمد (4 / 118 و 5 / 274 و 274 - 275)
وابن أبي عاصم في " السنة " (1118 و 1119 - بتحقيقي) . والقاسم هذا مجهول
كما بينته في " تخريج السنة " فقوله: " أبي مسعود " مكان " ابن مسعود "، وهم
منهم لا يلتفت إليه.
(يلحى) : أي يقشر. وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم،
فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون، ثم دالت دولتهم، بعصيانهم لربهم،
واتباعهم لأهوائهم، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم وذل
المسلمون من بعدهم، إلا ما شاء الله. ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين
في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم، ويرجعوا إلى دينهم،
ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب
الحديث والفقه، ولا يحكموا آراءهم وأهواءهم، وما وجدوا عليه أباءهم
وأجدادهم، وإلا فسيظلون محكومين من غيرهم، وصدق الله إذ قال: * (إن الله لا
يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *. والعاقبة للمتقين.
1553 - " إن السلف يجري مجرى شطر الصدقة ".
أخرجه أحمد (1 / 412) وأبو يعلى (3 / 1298 - مصورة الكتب) من طريق حماد بن
سلمة أخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أذنان قال: " أسلفت علقمة ألفي درهم، فلما
خرج عطاؤه قلت له: اقضيني، قال: أخرني إلى قابل، فأتيت عليه فأخذتها، قال
: فأتيته بعد، قال: برحت بي وقد منعتني، فقلت: نعم، هو عملك، قال: وما
شأني، قلت: إنك حدثتني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(فذكره) قال: نعم فهو كذاك، قال: فخذ الآن ".(4/70)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن أذنان لم يوثقه غير ابن حبان، وقد
اختلف في اسمه والراجح أنه سليم كما ذهب إليه المحقق أحمد شاكر رحمه الله
تعالى، ويأتي التصريح بذلك قريبا في بعض الطرق. وعطاء بن السائب كان اختلط
. لكن للحديث طريق أخرى، فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 9180) :
حدثنا علي بن عبد العزيز أخبرنا أبو نعيم أخبرنا دلهم بن صالح حدثني حميد بن
عبد الله الثقفي أن علقمة بن قيس استقرض من عبد الله ألف درهم ... الحديث نحوه
ولم يرفع آخره، ولفظه: " قال عبد الله: لأن أقرض مالا مرتين أحب إلي من أن
أتصدق به مرة ". ودلهم هذا ضعيف. وحميد بن عبد الله الثقفي، أورده ابن أبي
حاتم (1 / 2 / 224) لهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
والجملة الأخيرة منه قد رويت من طريقين آخرين عن ابن مسعود مرفوعا، فهو بمجموع
ذلك صحيح. والله أعلم. راجع " تخريج الترغيب " (2 / 34) . وتابعه عن
الجملة الأخيرة منه قيس بن رومي عن سليم بن أذنان به مرفوعا بلفظ: " من أقرض
ورقا مرتين كان كعدل صدقة مرة ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 19
) وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (314 / 1) والبيهقي في " السنن " (
5 / 353) . وله طريق أخرى عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مرفوعا
بلفظ: " من أقرض مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به ".(4/71)
أخرجه ابن حبان (
1155) والخرائطي والهيثم بن كليب في " مسنده " (53 / 2 - 54 / 1)
والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 68 / 1) وابن عدي (212 / 2) من طريق
أبي حريز أن إبراهيم حدثه عنه.
قلت: وهذا سند لا بأس به في المتابعات، رجاله ثقات غير أبي حريز واسمه عبد
الله بن الحسين الأزدي، قال الذهبي: " فيه شيء ". وقال الحافظ: " صدوق
يخطىء ".
(السلف) : القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه.
قلت: ومع هذا الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع
المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم،
فإنك لا تكاد تجد فيهم من يقرضك شيئا إلا مقابل فائدة إلا نادرا، فإنك قليل ما
يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقدا أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك
زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في
صريح قوله صلى الله عليه وسلم: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا
". وقد فسره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط،
كما سيأتي بيانه عند تخريج الحديث برقم (2326) .
1554 - " أمرت أن أبشر خديجة ببيت (في الجنة) من قصب لا صخب فيه ولا نصب ".
ورد من حديث جمع من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر - وهذا لفظه وعائشة
وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى.(4/72)
1 - أما حديث عبد الله بن جعفر فيرويه محمد بن إسحاق قال: فحدثني هشام بن عروة
ابن الزبير عن أبيه عروة عنه مرفوعا به. أخرجه أحمد (1 / 205) والحاكم (3
/ 184، 185) والضياء في " المختارة " (ق 128 / 1) وقال الحاكم: " صحيح
على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.
قلت: ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وهو حسن الحديث إن
كان حفظه بهذا الإسناد، فقد خالفه فيه جماعة فجعلوه من مسند عائشة، وهو
الآتي بعده.
2 - وأما حديث عائشة فيرويه عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير حدثني
هشام بن عروة عن أبيه عنها مرفوعا دون قوله: " لا صخب ... ". أخرجه أحمد (6
/ 279) وعنه الحاكم (3 / 185) وكذا الخطيب في " التاريخ " (12 / 234)
ولفظه عن أحمد: " أمرني ربي ... ". ثم أخرجه هو (6 / 58 و 202) والبخاري
(3 / 13 و 4 / 116 و 477) ومسلم (7 / 133) والترمذي (2 / 321) والحاكم
(3 / 186) من طرق أخرى عن هشام به، وزاد الترمذي والحاكم: " لا صخب فيه
ولا نصب ". وقال: " حديث حسن "! وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "
ووافقه الذهبي.
3 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة قال: سمعت
أبا هريرة قال:(4/73)
" أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه
خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها
السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرهها ببيت ... " الحديث مثله بتمامه. أخرجه
البخاري (3 / 14 و 4 / 979) ومسلم أيضا وأحمد (2 / 230) ومن طريقه
الحاكم أيضا وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! كذا قال وهو من
أوهامه الكثيرة التي تابعه عليها الذهبي في الاستدراك على الشيخين، وقد
أخرجاه!
4 - وأما حديث ابن أبي أوفى. فيرويه إسماعيل بن أبي خالد قال: " قلت لعبد
الله بن أبي أوفى: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة
؟ قال: نعم بشرها ببيت ... " الحديث. أخرجه الشيخان وأحمد (4 / 355 و 356
و357 و 381) .
(القصب) هو هنا: الدر الرطب المرصع بالياقوت.
1555 - " أمرني جبريل أن أقدم الأكابر ".
رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (9 / 97 / 1) : حدثنا أبو حفص عمر بن
موسى التوزي أخبرنا نعيم بن حماد أخبرنا ابن المبارك أخبرنا أسامة بن زيد عن
نافع عن ابن عمر مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، علته نعيم بن حماد فإنه ضعيف، واتهمه بعضهم وبقية
رجاله ثقات معروفون غير التوزي بفتح المثناة من فوق وتشديد الواو. ترجمه
الخطيب(4/74)
(11 / 214) برواية اثنين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا. ولا
تعديلا. قال ابن قانع: مات سنة (284) . وقد توبع، فأخرجه أبو نعيم في
" الحلبة " (8 / 174) : حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله
حدثنا نعيم بن حماد به إلا أنه قال: " أن أكبر ". وقال: " رواه عبد الله بن
المبارك وعبد الله بن وهب جميعا عن أسامة ".
قلت: وفيه إشعار بأن الحديث لم يتفرد به نعيم ولا ابن المبارك، إنما تفرد
به أسامة بن زيد. وهو حسن الحديث، إن كان الليثي مولاهم المدني، وأما إن
كان العدوي مولى عمر المدني فهو ضعيف، وكلاهما يروي عن نافع. وعنهما ابن
المبارك وابن وهب فلم أدر أيهما المراد هنا. ثم وجدت لنعيم أكثر من تابع واحد
، فأخرجه أحمد (2 / 138) والبيهقي (1 / 40) من طريقين آخرين عن عبد الله
ابن المبارك به. وفيه بيان سبب وروده، ولفظه: " رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهو يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: " فذكره بلفظ " الحلية ".
وعلقه البخاري في " صحيحه " (1 / 284 - فتح) من طريق نعيم بن حماد. وذكر
الحافظ أن أسامة هو ابن زيد الليثي المدني. ولا أدري ما مستنده في هذا؟ وإن
تبعه عليه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند. نعم لعل ذلك إنما هو النظر
إلى جلالة الإمام عبد الله بن المبارك وعلمه، فإنه لو كان يعني العدوي الضعيف
لبينه. أو لعل له عادة إذا روى عن الليثي الثقة أطلق ولم ينسبه، وإذا روى
عن الآخر الضعيف قيده فنسبه. والله أعلم. وقد توبع عليه في الجملة. فأخرجه
البخاري تعليقا والبيهقي وغيره موصولا من طريق عفان حدثنا صخر بن جويرية عن
نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(4/75)
" أراني أتسوك بسواك فجاءني
رجلان أحدها أكبر من الآخر. فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر،
فدفعته إلى الأكبر منهما ".
قلت: وهذا إسناد صحيح وهو بظاهره يدل على أن القضية وقعت مناما خلافا لرواية
أسامة. لكن الحافظ جمع بينهما فقال: " إن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم
، فحفظ بعض الرواة لما لم يحفظ بعض. ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو
داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن
وعنده رجلان فأوحي إليه: أن أعط السواك الأكبر ". قال ابن بطال: فيه تقديم
ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال
المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس. فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم
الأيمن، وهو صحيح. وسيأتي الحديث فيه ".
قلت: وحديث أبي داود صحيح الإسناد عندي، كما بينته في " صحيح أبي داود " رقم
(45) . ويشهد للحديث أيضا، ما أخرجه الشيخان والنسائي وغيرهم في حديث (
القسامة) من رواية رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة قالا: " فذهب عبد الرحمن
ابن سهل - وكان أصغر القوم - يتكلم قبل صاحبيه. فقال له رسول الله صلى الله
عليه وسلم " كبر الكبر في السن " وفي رواية للنسائي: " الكبر، ليبدأ الأكبر
، فتكلما ". يعني رافعا وسهلا.
قلت: فهذا خاص في الكلام، وحديث الترجمة ونحوه في السواك وأما في الشرب(4/76)
فالسنة تقديم الأيمن كما تقدم عن المهلب، والحديث الذي أشار سيأتي إن شاء
الله تعالى (1771) .
1556 - " أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 2) وعنه الضياء في
" المختارة " (61 / 249 / 1) من طريق الحسين بن سعد بن علي بن الحسين بن واقد
حدثني جدي علي بن الحسين حدثني أبي أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير الحسين بن سعد بن علي ... فإني لم أجد
له ترجمة، مع أنهم ذكروه في الرواة عن جده علي بن الحسين. وعطاء بن السائب
كان اختلط. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (2 /
98) وأعله به فقط! لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة:
الأول: عن سهل بن سعد بلفظ: " ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على
أضراسي ". رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثقون، وفي بعضهم خلاف كما
قال الهيثمي. ثم رأيته في " الكبير " (6018 / 1) من طريق عبيد بن واقد أبي
عباد القيسي حدثنا أبو عبد الله الغفاري قال: سمعت سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: "
أمرني جبريل بالسواك حتى ظننت أني سأدرد ". وعبيد ضعيف. واللفظ الذي ذكره
الهيثمي لم أره في ترجمة سهل من " الكبير ".
والثاني: عن عائشة مرفوعا بلفظ: " لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني ".(4/77)
" رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ".
قلت: وهو كما قال، لكنه عنده (6670) من رواية عمرو بن أبي عمرو مولى
المطلب عن عائشة وما أظن أنه سمع منها.
الثالث: عن أنس بن مالك مرفوعا: " أمرت بالسواك حتى خشيت أن أدرد، أو حتى
خشيت على لثتي ". رواه البزار (ص 60 - زوائده) من طريق عمران بن خالد الخياط
عن ثابت عنه. وعمران هذا هو الخزاعي وهو ضعيف كما قال أبو حاتم وغيره.
وروى أبو إسحاق السبيعي عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن السواك؟ فقال:
" ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه ".
أخرجه أحمد (1 / 285 و 339 - 340) والبيهقي (1 / 35) عن شعبة وسفيان عنه
. والتميمي هذا - واسمه أربد - مجهول. وتابعهما شريك بن عبد الله عن أبي
إسحاق بلفظ: " أمرت بالسواك حتى ظننت أو حسبت أن سينزل فيه القرآن ". أخرجه
أحمد (1 / 237 و 307 و 315 و 337) . وشريك سيء الحفظ. ويشهد له حديث ليث
عن أبي بردة عن أبي مليح بن أسامة عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي ". أخرجه أحمد (3 /
490) .(4/78)
قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله كلهم ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم،
وهو ضعيف لاختلاطه.
(يدردني) : أي يسقط أسناني.
1557 - " امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 117) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا
سفيان عن الأسود بن قيس العبدي عن نبيح أبي عمرو عن جابر قال: خرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه: فذكره، وقال: " مما كتبته عاليا من
حديث الثوري إلا من هذا الوجه ".
قلت: وابن أبان هذا متروك، وكذبه بن معين وغيره كما في " التقريب ".
وقد خولف في متنه، فقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان به بلفظ: " كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته مشينا قدامه وتركنا خلفه للملائكة "
. أخرجه الحاكم (4 / 281) .
قلت: وقبيصة بن عقبة صدوق ربما خالف كما في " التقريب " واحتج به الشيخان
فالإسناد صحيح. وتابعه وكيع عن سفيان به. أخرجه ابن حبان (2099) .
وتابعه أبو عوانة حدثنا الأسود بن قيس به أتم منه في قصة صنع جابر رضي الله
عنه الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(4/79)
" ... فلما فرغ قام، وقام
أصحابه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: خلوا ظهري للملائكة.... ". أخرجه أحمد
(3 / 397 - 398) والدارمي (1 / 23 - 25) .
قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو شاهد قوي للروايتين المتقدمتين، وهو يدل على
صحة كل منهما، ويجمع بينهما، ويدل على أن مشيهم بين يديه وتركهم ظهره صلى
الله عليه وسلم إنما كان بأمره صلى الله عليه وسلم. لكن يشكل على هذا رواية
شعبة عن الأسود بن قيس به مرفوعا بلفظ: " لا تمشوا بين يدي، ولا خلفي، فإن
هذا مقام الملائكة ". أخرجه الحاكم (4 / 281) وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". كذا قال! وفي " تلخيص الذهبي ": " صحيح الإسناد " وهو الأقرب
، فإن نبيحا هذا ليس من رجال الشيخين، وقد وثقه جماعة، ومن دونه كلهم ثقات
. فقد زاد النهي عن المشي بين يديه أيضا، وهم كانوا يمشون بين يديه كما سبق،
فإما أن يقال: إن النهي كان بعد، وإما أن يقال: إنها زيادة شاذة. ولعل
هذا أقرب. والله أعلم.
1558 - " أمط الأذى عن الطريق، فإنه لك صدقة ".
رواه ابن سعد (4 / 299) والبخاري في " الأدب المفرد " (228) وابن نصر في
" الصلاة " (222 / 1 و 224 / 1) وأحمد (4 / 422 و 423) عن أبي الوازع وهو
جابر بن عمر عن أبي برزة الأسلمي قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل أعمله
. قال: فذكره.(4/80)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 34) دون
قوله: " فإنه لك صدقة ". وكذلك هو في " الأدب " ورواية لأحمد. وكذلك رواه
القضاعي (63 / 1) بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعا. ولفظ مسلم: " اعزل ... ".
وهو رواية لأحمد.
1559 - " امسحوا على الخفاف (ثلاثة أيام) . يعني في السفر ".
أخرجه أحمد (5 / 213) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3755) من طرق
عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي أخبرنا منصور عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن
ميمون الأودي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت الأنصاري أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد " لو استزدناه لزادنا ". وتابعه
جرير عن منصور به. أخرجه الطبراني (3757) وابن حبان (183) ، والزيادة
لهما.
قلت: هكذا وقع في هذه الرواية لم يقيد بالمسافر، وقد جوده سفيان بن عيينة
فقال: عن منصور به، ولفظه: " سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح
على الخفين؟ فرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوما وليلة ".
أخرجه أحمد (5 / 213) والطبراني (3754) . وهذا إسناد صحيح. والحديث
أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السنن وأحمد والطبراني وغيرهما من طرق أخرى
عديدة عن إبراهيم به. ومنهم من لم يذكر فيه عمرو بن ميمون الأودي.(4/81)
وصححه
ابن حبان (181 و 182) وابن الجارود في " المنتقى " (86) ، وانظر " صحيح
أبي داود " (145) .
1560 - " املك يدك، وفي رواية: لا تبسط يدك إلا إلى خير ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 444) والطبراني في " الكبير " (رقم
- 818) من طريق صدقة بن عبد الله الدمشقي عن عبد الله بن علي عن سليمان بن
حبيب أخبرني أسود بن أصرم المحاربي: " قلت: يا رسول الله أوصني، قال:
" فذكره. وقال البخاري: " وفي إسناده نظر ".
قلت: ووجهه أن صدقة هذا وهو أبو معاوية السمين ضعيف. لكنه لم يتفرد به فقد
أخرجه الطبراني (817) من طريقين عن أبي المعافى محمد بن وهب بن أبي كريمة
الحراني أخبرنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت عن سليمان
ابن حبيب المحاربي عن أسود بن أصرم المحاربي: " أنه قدم بإبل له سمان إلى
المدينة في زمن قحل، وجدوب من الأرض، فلما رآها أهل المدينة عجبوا من سمنها
، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، فأتى بها، فخرج إليها، فنظر إليها، فقال: لم جلبت إبلك هذه؟
قال: أردت بها خادما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عنده خادم؟
فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: عندي يا رسول الله، قال: فأت بها، فجاء
بها عثمان، فلما رآها أسود، قال: مثلها أريد، فقال: عندك فخذها، فأخذها
أسود، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إبله. فقال أسود: يا رسول الله
أوصني، قال: هل تملك لسانك؟ قال: فما أملك إذا لم أملكه؟ قال: أفتملك يدك
؟ قال: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " فلا تقل بلسانك إلا معروفا ولا
تبسط يدك إلا إلى خير ".(4/82)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وأبو عبد الرحيم اسمه خالد بن أبي
يزيد الحراني وهو خال محمد بن سلمة الحراني.
1561 - " إن أبيتم إلا أن تجلسوا فاهدوا السبيل وردوا السلام وأعينوا المظلوم ".
أخرجه أحمد (4 / 282 و 291 و 293) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 60)
وابن حبان (1953) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: " مر
رسول الله صلى الله عليه وسلم على مجلس من الأنصار، فقال: " فذكره. ثم أخرجه
أحمد (4 / 282 و 291 و 301) والدارمي (2 / 282) والترمذي (2 / 121)
والطحاوي أيضا (1 / 59) من طريق شعبة به إلا أن شعبة قال: " ولم يسمعه
أبو إسحاق من البراء ".
قلت: وهذا من الأدلة الكثيرة على أن أبا إسحاق - وهو السبيعي - كان مدلسا،
ولذلك جرينا في تحقيقاتنا على عدم الاحتجاج بما لم يصرح به في التحديث، على
أن فيه علة أخرى، وهي اختلاطه، لكن شعبة روى عنه قبل الاختلاط ومع الانقطاع
المذكور، فقد قال الترمذي عقبه: " حديث حسن غريب "! لكن الحديث صحيح، فقد
أخرجه الشيخان، والبخاري في " الأدب المفرد " (1150) وأحمد (3 / 36) من
حديث أبي سعيد الخدري نحوه، وفيه من الخصال الثلاث قوله: " وردوا السلام ".
وكذلك أخرجه في " الأدب " (1149) من حديث أبي هريرة.(4/83)
وسنده صحيح على شرط
مسلم. وأخرجه ابن حبان (1954) من طريق أخرى عنه، وفيه الخصلة الأولى بلفظ
: " إرشاد السبيل ". وسنده حسن. وأخرجه الطحاوي من حديث عمر بن الخطاب
نحوه وفيه الخصلتان: " أن ترد السلام،.... وتهدي الضال وتعين الملهوف ".
وهذه الجملة الأخيرة بمعنى الخصلة الثالثة: " وأعينوا المظلوم ". كما هو
ظاهر. وسنده حسن، رجاله ثقات غير عبد الله بن سنان الهروي، لم يذكر فيه ابن
أبي حاتم (2 / 2 / 68) جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه جمع من الثقات.
وإعانة المظلوم من الأمور السبعة التي جاء الأمر بها في حديث البراء الآخر في
" الصحيحين " وغيرهما.
1562 - " إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها
عذاب يوم القيامة، إلا من عدل، فكيف يعدل مع أقربيه؟ ".
أخرجه البزار (رقم 1597) والطبراني في " الأوسط " (رقم - 6891) عن هشام بن
عمار حدثنا صدقة عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن يزيد بن الأصم عن عوف
ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الطبراني: " لا يروى عن عوف
إلا بهذا الإسناد، تفرد به زيد ".
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، وكذا من فوقه ومن دونه، لكن هشام بن عمار
فيه كلام، قال الحافظ: " صدوق مقرىء، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح "
.(4/84)
لكن في كلام الطبراني المتقدم ما يشعر أنه لم يتفرد به، والله أعلم.
وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 132) : " رواه البزار والطبراني في
" الكبير " ورواته رواة الصحيح ". وقال في " المجمع " (5 / 200) : " رواه
البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " باختصار، ورجال " الكبير "
رجال الصحيح ". كذا قال، وهو يشعر أن رجال البزار و " الأوسط " ليسوا من
رجال الصحيح، وهو خلاف الواقع! فالصواب أن يقال: " ورجالهم جميعا رجال
الصحيح ". وللحديث شاهد يرويه محمد بن أبان الواسطي أخبرنا شريك عن عبد الله
ابن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة - قال شريك: لا أدري رفعه أم لا؟ - قال:
" الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة ". أخرجه
الطبراني في " الأوسط " وقال: " لم يروه عن عبد الله إلا شريك، تفرد به محمد
ابن أبان ".
قلت: وهو صدوق تكلم فيه الأزدي، لكن شيخه شريك وهو ابن عبد الله القاضي
ضعيف لسوء حفظه، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء
بالكوفة ".
قلت: فقول المنذري: " رواه الطبراني بإسناد حسن " فهو غير حسن، ومثله قول
الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ".(4/85)
1563 - " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن
".
أخرجه ابن ماجة (1 / 422) من طريق ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن
عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وشيخه الضحاك بن أيمن مجهول، كما
في " التقريب ". وأعله السندي بأن ابن عرزب لم يلق أبا موسى. قاله المنذري.
قلت: وإعلال السند بما ذكرنا أولى من إعلاله بالانقطاع لأن هذا لم أجد من
ادعاه غير المنذري، ولم يذكر في " التهذيب " أن ابن عرزب لم يلق أبا موسى،
بل ذكر أنه روى عنه. وسكت، ففيه إشارة إلى أن روايته عنه موصولة، فالعلة ما
ذكرنا، والله أعلم.
ثم استدركت فقلت: لعل عمدة المنذري فيما ذهب إليه من الانقطاع هو الرواية
الأخرى عند ابن ماجة وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 510 - تحقيقي) من طريق
ابن لهيعة عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا
موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وهذا مما يدل على ضعف ابن لهيعة
وعدم ضبطه، فقد اضطرب في روايته هذا الحديث على وجوه أربعة، هذان اثنان منها.
والثالث: قال: حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله
ابن عمرو مرفوعا به إلا أنه قال: " إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس ".(4/86)
أخرجه
أحمد (رقم 6642) ، وقال المنذري (3 / 283) : " إسناده لين ". ونحوه قول
الهيثمي في ابن لهيعة (8 / 65) : " لين الحديث ".
والرابع: قال: عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبادة بن نسي عن كثير بن
مرة عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره باللفظ
الأول. أخرجه البزار في " مسنده " (ص 245 - زوائده) وقال الهيثمي:
" إسناد ضعيف ". ومما يشهد للحديث ما أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم
512 - تحقيقي) : حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي
وابن ثوبان (عن أبيه) عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل مرفوعا به.
وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1980) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من
حديثه " (217 / 1 و 218 / 1) وغيرهم، وهو خير أسانيده وطرقه، وقد سبق
ذكرها والكلام عليها مفصلا برقم (1144) وإنما أعدت الكلام على الحديث هنا
لزيادة في التخريج والتحقيق على ما تقدم هناك. والله ولي التوفيق.
(المشرك) : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى، أو في صفاته، أو في
عبادته.
(المشاحن) قال ابن الأثير: " هو المعادي، والشحناء، العداوة، والتشاحن
تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة
الأمة ".(4/87)
1564 - " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوه بيده، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ".
أخرجه أحمد (رقم 1 و 16 و 29 و 53) وأبو داود (2 / 217) والترمذي (2 /
25 و 177) وابن ماجة (2 / 484) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 62 - 64
) والضياء في " الأحاديث المختارة " (رقم 54 - 58 بتحقيقي) وغيرهم من طرق
عديدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق أنه
قال: أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم
لا يضركم من ضل إذ اهتديتم) * وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فذكره. وقال الترمذي واللفظ له: " هذا حديث حسن صحيح "، وذكر أن الرواة
اختلفوا في رفعه ووقفه، يعني على إسماعيل، والراجح عندي الرفع لما يأتي
بيانه، ولذلك صححه الإمام النووي في " رياض الصالحين " (رقم 202 - بتحقيقي)
وراجع له الفائدة الثانية من مقدمتي عليه (ص: ي ول) . وقال الحافظ بن
كثير في " التفسير " (2 / 109) : " وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة
وابن حبان في " صحيحه " وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن إسماعيل بن
أبي خالد به متصلا مرفوعا، ومنهم من رواه عنه موقوفا على الصديق، وقد رجح
وقفه الدارقطني وغيره ".
قلت: وفي هذا الكلام ملاحظتان:
الأولى: عزوه الحديث للنسائي بعموم قوله: الأربعة، وقد صرح بعزوه إليه
المنذري في " الترغيب " (3 / 170) والنووي وغيرهم، ولم أره في " السنن
الصغرى " للنسائي، ولا عزاه إليه الشيخ النابلسي في " ذخائر المواريث " ولا
السيوطي في " الجامع(4/88)
الصغير "، فالظاهر أنه في " السنن الكبرى " له، ويؤيده
أن المناوي ذكر أنه في " التفسير " للنسائي و " التفسير " إنما هو في " الكبرى
" له، وهو في ذلك تابع للحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (5 / 303) .
والأخرى: جزمه بأن الدارقطني رجح وقفه، فقد نقل كلامه الضياء المقدسي في آخر
الحديث، وخلاصته أن الثقات اختلفوا على إسماعيل، فمنهم من رفعه، ومنهم من
أوقفه، ثم ذكر أسماء إلى رفعوه، فبلغ عددهم اثنين وعشرين شخصا وعدد الذين
أوقفوه أربعة فقط! قال الدارقطني: وجميع رواة هذا الحديث ثقات، ويشبه أن
يكون قيس بن أبي حازم كان ينشط في الرواية مرة فيرفعه، ومرة يجبن عنه فيوقفه
على أبي بكر ". فأنت ترى أنه لم يرجح الموقوف بل ظاهر به كلامه أنه إلى
الترجيح المرفوع أميل، وهو الصواب لأن الذين رفعوه أكثر من الذين أوقفوه
أضعافا مضاعفة كما رأيت. لاسيما وقد أفاد الحافظ المزي أنه رواه عمران بن
عيينة عن بيان بن بشر عن قيس نحوه. وهذه متابعة قوية، فإن بيان بن بشر ثقة
ثبت، فقد وافق إسماعيل على رفعه، فدل على أن أصل الحديث عنده مرفوع وإن كان
أوقفه أحيانا للسبب الذي ذكره الدارقطني أو غيره. وعمران بن عيينة صدوق له
أوهام، ومثله وإن كان لا يحتج به، فلا أقل من أن يستشهد به. نعم رواه شعبة
عن الحكم عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر موقوفا عليه. والحكم وهو ابن عتيبة
وإن كان ثقة ثبتا مثل إسماعيل بن أبي خالد، فهو دونه من ناحيتين:
الأولى: أنه ربما دلس كما في " التقريب ".
والأخرى: أنه لم يتابع على وقفه، بخلاف إسماعيل فإنه قد توبع على رفعه كما
تقدم. فهو الأرجح حتما إن شاء الله تعالى.(4/89)
1565 - " إن أنتم قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار، فإنما يعذب بالنار رب النار
".
أخرجه أبو داود (1 / 417) وأحمد (3 / 494) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن
الحزامي عن أبي الزناد حدثني محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه مرفوعا به نحوه
. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي محمد بن حمزة
الأسلمي كلام لا يضر، على أنه قد توبع، فأخرجه أحمد أيضا من طريق زياد بن سعد
أن أبا الزناد أخبره قال: أخبرني حنظلة بن علي عن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب
النبي صلى الله عليه وسلم حدثه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه
ورهطا معه إلى رجل من عذرة، فقال: " إن قدرتم على فلانا فأحرقوه بالنار "،
فانطلقوا حتى إذا تواروا منه نادهم أو أرسل في أثرهم، فردهم ثم قال: " فذكره
. قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث أبي
هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: " إن وجدتم
فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
أردنا الخروج: " إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها
إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما ". أخرجه البخاري (6 / 112 - 113 - فتح)
وأبو داود والترمذي (2 / 387 -(4/90)
تحفة) وأحمد (2 / 307 و 338 و 453) من
طريق سليمان بن يسار عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وللحديث
شاهدان آخران تقدما برقم (487 و 488) .
1566 - " أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ".
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 207) : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد
ابن يحيى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد
الرحمن أن ابن عمر قال لحمران بن أبان: ما منعك أن تصلي في جماعة؟ قال:
قد صليت يوم الجمعة في جماعة الصبح، قال: أو ما بلغك أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: فذكره، وقال: " تفرد به خالد مرفوعا، ورواه غندر موقوفا ".
قلت: خالد بن الحارث وهو الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت احتج به الشيخان
كما في " التقريب "، فزيادته مقبولة، فرواية غندر موقوفا لا يعله، لاسيما
وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي. وسائر الرواة ثقات كلهم من
رجال مسلم غير محمد بن يحيى وهو ابن منده أبو عبد الله الأصبهاني، وهو ثقة
حافظ له ترجمة في " أخبار أصبهان " (2 / 222 - 224) وساق له بعض الأحاديث عن
هذا الشيخ عنه. وله ترجمة في " تذكرة الحفاظ " أيضا. وعبد الله بن محمد هو
ابن جعفر بن حيان أبو محمد الحافظ الثقة المشهور بـ " أبي الشيخ "، ترجمه أبو
نعيم أيضا (2 / 90) ، فالإسناد صحيح.(4/91)
ولقد أخطأ في هذا الحديث رجلان:
السيوطي ثم المناوي، فضعفاه، فقال في " فيض القدير ": " أشار المصنف لضعفه،
وذلك لأن فيه الوليد بن عبد الرحمن، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال ابن
معين: ليس بشيء ".
قلت: الوليد بن عبد الرحمن هذا الذي ضعفه ابن معين ثم الذهبي، ليس هو صاحب
هذا الحديث، فإنه شيخ لمعتمر بن سليمان كما صرح الذهبي في " الضعفاء " (ق 218
/ 1) تبعا لابن أبي حاتم (4 / 2 / 9 - 10) وقال عن أبيه: " مجهول ".
قلت: ومعتمر بن سليمان من الطبقة التاسعة عند الحافظ، وجل روايته عن أتباع
التابعين، مات سنة (187) ، فيبعد على الغالب أن يكون الوليد بن عبد الرحمن
صاحب هذا الحديث هو هذا المضعف. والصواب أنه الوليد بن عبد الرحمن الجرشي
الحمصي، فإنهم ذكروا في ترجمته أنه روى عن ابن عمر وأبي هريرة و.. وعنه
يعلى بن عطاء و ... ، فهو هذا قطعا، وهو ثقة من رجال مسلم كما سبقت الإشارة
إليه من قبل، فصح الحديث والحمد لله، بعد أن كدنا أن نتورط بتضعيف من ذكرنا
إياه قبل أن نقف على إسناده في " الحلية "، فالحمد لله الذي بنعمته تتم
الصالحات. وقد وقفت له على شاهد، ولكنه ضعيف جدا، أذكره للمعرفة لا
للاستشهاد، يرويه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن
أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الصلاة صلاة
الصبح يوم الجمعة في جماعة، ما أحسب من شهدها منكم إلا مغفورا له ". أخرجه
البزار (رقم 621 - كشف الأستار) وقال: " تفرد به أبو عبيدة فيما أعلم ".(4/92)
قلت: لعله يعني بهذا التمام، وإلا فقد رواه ابن عمر كما سبق. وأعله
الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 168) بقوله: " عبيد الله بن زحر وعلي بن
يزيد ضعيفان ". لكنه عزاه للطبراني أيضا في " الكبير " و " الأوسط "، وهو في
" الكبير " برقم (366) .
1567 - " إن كنت صائما فصم أيام الغر. يعني الأيام البيض ".
أخرجه النسائي (1 / 328) وابن حبان (945) وأحمد (2 / 336 و 346) عن أبي
عوانة عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: " جاء
أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها، وجاء معها بأدمها
فوضعها بين يديه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل، وأمسك
أصحابه فلم يأكلوا، وأمسك الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ما يمنعك أن تأكل؟ " قال: إني أصوم ثلاثة أيام من الشهر، قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن عبد الملك بن عمير قال
الحافظ في " التقريب ": " ثقة فقيه، تغير حفظه، وربما دلس ". وقد خالفه
يحيى بن سام فقال: عن موسى بن طلحة عن أبي ذر قال: " أمرنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة،
وخمس عشرة ". أخرجه النسائي (1 / 328 - 329) وابن حبان (943) والبيهقي
في " السنن " (4 / 294) وأحمد (5 / 152 و 177) .(4/93)
ويحيى بن سام مقبول عند
الحافظ. وقال أحمد (5 / 150) : حدثنا سفيان حدثنا اثنان عن موسى بن طلحة
ومحمد بن عبد الرحمن وحكيم بن جبير عن ابن الحوتكية عن أبي ذر أنه قال: فذكره
نحوه. وفي رواية له: حدثنا سفيان قال: سمعنا من اثنين وثلاثة: حدثنا حكيم
ابن جبير عن موسى بن طلحة. وكذا رواه النسائي وقد ساق بعده وجوها أخرى من
الاختلاف على موسى بن طلحة، وقد ذكر بعضه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 /
267) ثم لم يذكر ما هو الراجح منه عنده! لكن للحديث شاهد قوي من رواية همام
قال: حدثنا أنس بن سيرين قال: حدثني عبد الملك بن قدامة بن ملحان عن أبيه قال
: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصوم أيام الليالي الغر البيض:
ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ". أخرجه النسائي والبيهقي عن أنس بن
سيرين به. وكذا رواه أحمد (5 / 27) لكن عبد الملك هذا فيه جهالة، ويقال
في أبيه: قتادة بن ملحان. وأخرجه ابن حبان (946) من طريق شعبة: حدثني أنس
ابن سيرين سمعت عبد الملك بن المنهال بن ملحان عن أبيه به نحوه. وكذا رواه
أحمد (5 / 28) إلا أنه لم يقل: " ابن ملحان " وكذلك رواه البيهقي وقال:
" وروينا عن يحيى بن معين أنه قال: هذا خطأ، إنما هو عبد الملك بن قتادة بن
ملحان القيسي ". يعني كما في رواية أحمد المتقدمة.
وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات. والله أعلم.(4/94)
(تنبيه) : في رواية أحمد: " ومنها صنابها وأدمها ". قال في " النهاية ":
" الصناب: الخردل المعمول بالزيت، وهو صباغ يؤتدم به ".
1568 - " إن كنت عبد الله فارفع إزارك ".
أخرجه أحمد (2 / 141) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن زيد
ابن أسلم عن ابن عمر قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي
إزار يتقعقع، فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله بن عمر، قال: إن كنت عبد الله
فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات ". ثم
أخرجه (2 / 147) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي (5 / 123) : " رواه
أحمد والطبراني في " الأوسط " بإسنادين، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح
". كذا قال، وحقه أن يقول: ورجال إسناديه رجال الصحيح، فإن الطفاوي في
الإسناد الأول من رجال البخاري! وسائره وكذا جميع رجال الإسناد الثاني
رجال الشيخين.
قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه يجب على المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما
دون الكعبين، بل يرفعه إلى ما فوقهما، وإن كان لا يقصد الخيلاء، ففيه رد
واضح على بعض المشايخ الذين يطيلون ذيول جببهم حتى تكاد أن تمس الأرض،
ويزعمون أنهم لا يفعلون ذلك خيلاء! فهلا تركوه اتباعا لأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم بذلك لابن عمر، أم هم أصفى قلبا من ابن عمر؟ !(4/95)
1569 - " أنا ابن العواتك ".
رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 باب نبوآت النبي صلى الله عليه وسلم)
من طريق محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن
العاص قال: أنبأنا سيابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين
: فذكره. وتابعه عمر بن عوف الواسطي حدثنا هشيم أنبأ يحيى بن سعيد به. أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " (6724) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8
/ 219) : " ورجاله رجال الصحيح ". وقد قيل: عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن
عمرو بن سعيد بن العاص. ثم رواه من طريق أبي عوانة عن قتادة به مرفوعا. قال
قتيبة بن سعيد: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث جدات من سليم اسمهن عاتكة
، فكان إذا افتخر قال: أنا ابن العواتك ". قال البيهقي: بلغني أن إحداهن أم
عدنان، والأخرى أم هاشم، والثالثة جدته من قبل زهرة ". ورواه ابن وهب في
" الجامع " (1) عن عقيل عن ابن شهاب مرفوعا وزاد: " من سليم ".
قلت: وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " خذها وأنا ابن العواتك ". رواه ابن عساكر
(15 / 128 / 1) عن إسحاق بن زيد حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة
حدثنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن جابر قال: لا ألوم أحد ينتهى عند خصلتين،
عند إجرائه فرسه، وعند قتاله، وذلك أني(4/96)
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
أجرى فرسه فسبق، فقال: " إنه لبحر! " ورأيته يوما يضرب بسيفه في سبيل الله
فقال: فذكره، انتمى إلى جداته من بني سليم.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير إسحاق بن زيد وهو الخطابي الحراني، ترجمه
ابن أبي حاتم (1 / 1 / 220) بروايته عن جمع، وقال: " سمع منه أبي بحران "
. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل
الدرجات.
1570 - " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ".
أخرجه الترمذي (4 / 140) والدارمي (1 / 27) من طريق سفيان بن عيينة عن ابن
جدعان عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وخالفه حماد بن
سلمة فقال: عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال: " خطبنا ابن عباس على منبر البصرة
فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... ".
قلت: فذكر حديث الشفاعة بطوله وفيه: " ثم آتى باب الجنة، فآخذ بحلقة باب
الجنة، فأقرع الباب.. ". أخرجه أحمد (1 / 281 - 282 و 295 - 296) . وعلي
ابن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف. ولهذا القدر من حديثه شاهد من طريق أخرى عن
زمعة عن سلمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: ".... وأنا أول من يحرك بحلق الجنة
ولا فخر.... ".(4/97)
أخرجه الدارمي (1 / 26) والديلمي (1 / 2 / 308) .
وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن زمعة ضعيف قرنه مسلم بغيره، وسلمة
وهو ابن وهرام مثله أو أحسن حالا منه، ولعل الترمذي حسنة من أجل هذا الشاهد
. والله أعلم.
(تنبيه) حديث الترجمة عزاه السيوطي للترمذي وأحمد، ولم أره في " المسند "
بهذا اللفظ وإنما رواه فيه (3 / 144 و 247 - 248) من طريقين آخرين والدارمي
(1 / 27 - 28) من أحدهما عن أنس في حديثه الطويل في الشفاعة، وفيه:
" فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة الباب، فأستفتح.... ". وأخرجه مسلم (1 /
130) من طريق أخرى عن أنس مختصرا بلفظ: " أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة
وأنا أول من يقرع باب الجنة ". وكذا أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 109
) . وفي رواية لهما: " أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء
تبعا ". وأخرجه الخطيب في " الفوائد " رقم (12 - نسختي) . وفي أخرى لهما:
" أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء
نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد ". ولفظ أبي عوانة: ".... من الأنبياء
من يأتي الله يوم القيامة ما معه مصدق إلا رجل واحد ". وأخرج له أبو نعيم في
" صفة الجنة " (ق 30 / 2) طريقا أخرى من رواية زياد النميري عن أنس مرفوعا
بلفظ: " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة، ولا فخر ". وزياد ضعيف.(4/98)
وشاهد
آخر عن عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني سمعت أبا هريرة يقول:
فذكره مرفوعا دون قوله: " ولا فخر ". وهذا إسناد حسن في الشواهد، أبو
يزيد المدني وثقه ابن معين، وأخرج له البخاري. وعبد السلام ابن عجلان قال
أبو حاتم: يكتب حديثه. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " يخطىء
ويخالف ".
(تنبيه) حديث ابن جدعان عن أنس، وقع عند الترمذي في أثناء حديثه عن أبي نضرة
عن أبي سعيد مرفوعا " أنا سيد ولد آدم ... " الحديث بطوله وفيه: " فيأتوني
فأنطلق معهم، قال ابن جدعان: قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ". أي أحركها.
1571 - " أنا سيد ولد آدم ".
قلت: جاء من طرق:
1 - رواه ابن سعد (1 / 20) : أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني أخبرنا الأوزاعي
عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال:
وأخبرنا الحكم بن موسى أخبرنا هقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني
عبد الله بن فروخ قال: حدثني أبو هريرة قال: فذكره مرفوعا.
قلت: والسند الثاني صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه (7 / 59) بأتم منه وقد
خرجته في " شرح الطحاوية " ص (107) .
2 - وأخرجه الحاكم (2 / 604 - 605) من طريق عبيد بن إسحاق العطار حدثنا(4/99)
القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل حدثني أبي: حدثني أبي عن جابر
ابن عبد الله مرفوعا به. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: "
قلت: لا والله، والقاسم متروك تالف، وعبيد ضعفه غير واحد ومشاه أبو حاتم
".
3 - وأخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 400) عن لبيد بن حيان أبي جندل
سمع معبد بن هلال سمع أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ورجاله ثقات غير لبيد هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 181) ترجمة مختصرة
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن له طريق أخرى عند الدارمي (1 / 27)
وأحمد (3 / 144) من طريق عمر بن أبي عمرو عن أنس مرفوعا بلفظ: " إني لأول
الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر
وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة
ولا فخر وإني آتي باب الجنة فآخذ بحلقها.. " الحديث.
قلت: وسنده جيد، رجاله رجال الشيخين.
4 - وعن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا به نحوه.
أخرجه أحمد (3 / 2) والترمذي (4 / 140) وابن ماجة (2 / 581 - 582)
وقال الترمذي: " حديث حسن ".
قلت: ابن جدعان فيه ضعف، فحديثه حسن في الشواهد.
5 - عن عبد الله بن سلام مرفوعا مثل حديث أبي سعيد.(4/100)
أخرجه ابن حبان في "
صحيحه " (2127 - موارد) .
قلت: وإسناده صحيح.
1572 - " أنا محمد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي
التي أنزلنيها الله ".
رواه البخاري في " التاريخ الصغير " (7) : حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد
حدثنا ثابت وحميد عن أنس مرفوعا به. وأخرجه أحمد (3 / 153 و 241) من
طريقين آخرين عن حماد بن سلمة به. وزاد في أوله: " أن رجلا قال: يا محمد:
أيا سيدنا وابن سيدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد ... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
1573 - " انبذوه (يعني الزبيب) على غذائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم
واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان، ولا تنبذوه في القلل، فإنه إذا
تأخر عن عصره صار خلا ".
أخرجه أبو داود (3710) والنسائي (2 / 336) وأحمد (4 / 232) من طرق عن
يحيى بن أبي عمرو السيباني (بالسين المهملة، ووقع عندهم جميعا بالمعجمة وهو
خطأ مطبعي) عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه فيروز قال: " أتينا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله قد علمت من نحن، ومن أين(4/101)
نحن؟
قال: " إلى الله وإلى الرسول ". فقلنا: يا رسول الله إنا لنا أعنابا ما
نصنع بها؟ قال: زببوها، قلنا: ما نصنع بالزبيب؟ قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
(الشنان) : جمع (الشنة) : القربة الخلق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من
غيرها. (القلل) : جمع (القلة) : الجرة من الفخار.
1574 - " أنت عتيق الله من النار، قاله لأبي بكر ".
أخرجه الترمذي (2 / 292) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 9) من
طريقين عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه إسحاق بن طلحة عن عائشة: " أن أبا
بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال.... " فذكره، فيومئذ سمي
عتيقا. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب ".
قلت: وعلته إسحاق بن يحيى بن طلحة فإنه ضعيف، وقد اختلف عليه في إسناده،
فرواه من أشرنا إليهما هكذا، وخالفهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرني إسحاق
ابن يحيى عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت على عائشة ... الحديث.
أخرجه الحاكم (3 / 376) وقال: " صحيح على شرط مسلم "! وأشار الذهبي إلى
رده عليه بقوله: " كذا قال! ". ورده ظاهر لأن إسحاق بن يحيى مع ضعفه فليس
من رجال مسلم! وله طريق أخرى، رواه صالح بن موسى الطلحي عن معاوية بن إسحاق
عن(4/102)
عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أن أبا بكر رضي الله عنهما مر بالنبي
صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره بلفظ: " من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار،
فلينظر إلى هذا ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 10) وابن عبد البر
في " الاستيعاب " (3 / 964) وكذا الحاكم (3 / 61) وقال: " صحيح الإسناد
"! ورده الذهبي بقوله: " قلت: صالح ضعفوه، والسند مظلم ". وقال الحافظ
في صالح هذا: " متروك ". لكن للحديث شاهد جيد من حديث عبد الله بن الزبير قال
: " كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (
فذكره) فسمي عتيقا ". أخرجه ابن حبان (2171) وابن الأعرابي في " المعجم "
(41 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 7) والطبراني (رقم - 7) وأبو
الخطاب نصر القاري في " حديث أبي بكر بن طلحة " (ق 165 / 1) وهبة الله
الطبري في " الفوائد الصحاح " (1 / 134 / 1 - 2) وابن عساكر في " حديث عبد
الخلاق الهروي وغيره " (235 / 1) من طرق عن حماد بن يحيى حدثنا سفيان بن
عيينة عن زياد بن سعد عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وقال الطبري: "
حديث غريب من حديث سفيان مسندا، لا أعلم رواه عنه غير حامد بن يحيى البلخي ".
قلت: وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 301) عن أبيه، وروى عنه أبو
زرعة، وهو لا يروي إلا عن ثقة، فالسند جيد لأن من فوقه ثقات كلهم من رجال
الشيخين، فلا أدري بعد هذا وجه قول أبي حاتم فيما ذكره ابنه في " العلل " (2
/ 386) :(4/103)
" هذا حديث باطل "! فإن من المعلوم من " المصطلح " أن تفرد الثقة
بالحديث لا يجعله شاذا، بله باطلا. ومن الغريب أن الحافظ بن حجر في "
الإصابة " لم يذكر هذا الشاهد القوي للحديث، وكذلك صنع السيوطي في " الزيادة
على الجامع " (ق 63 / 2) ! وإنما اقتصرا على ذكره من الطريق الأولى الضعيفة
!
1575 - " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان،
وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت
من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ".
رواه أحمد (4 / 107) والنعالي في " حديثه " (131 / 2) وعبد الغني المقدسي
في " فضائل رمضان " (53 / 1) . وابن عساكر (2 / 167 / 1) عن عمران القطان
عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القطان كلام يسير. وله شاهد من
حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه ابن عساكر (2 / 167 / 1 و 5 / 352 / 1) من
طريق علي بن أبي طلحة عنه. وهذا منقطع، لأن عليا هذا لم ير ابن عباس.
1576 - " انطلق أبا مسعود! ولا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة
له رغاء قد غللته ".
أخرجه أبو داود (2 / 25 - تازية) من طريق مطرف عن أبي الجهم عن أبي مسعود
الأنصاري قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعيا، ثم قال ... (فذكره)
. قال: إذا لا أنطلق، قال:(4/104)
" إذن لا أكرهك ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الجهم واسمه سليمان
ابن الجهم الحارثي وهو ثقة. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه
مسلم (6 / 10) وأحمد (2 / 426) . (غللته) من الغلول: وهو الخيانة في
المغنم أو في مال الدولة.
1577 - " انظروا قريشا، فخذوا من (وفي رواية: فاسمعوا) قولهم، وذروا فعلهم ".
رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 205) وأحمد (4 / 260) وابن أبي
عاصم في " السنة " (رقم - 1543) عن مجالد عن الشعبي عن عامر بن شهر قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
قلت: ومجالد ضعيف، لكن تابعه إسماعيل بن أبي خالد عند ابن حبان (1568)
وابن السماك في " حديثه " (5 / 96 / 1) والبغوي في " حديث عيسى الشاشي "
(111 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (52 / 1 - 2) وأبو نعيم في " أخبار
أصبهان " (1 / 140) وكذا أحمد في رواية له (3 / 428 - 429) قرنه بمجالد
فصح الحديث والحمد لله. ومن طريق أحمد أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 45
/ 1) . وخالف منصور بن أبي الأسود فقال: عن مجالد عن الشعبي قال: حدثني
معمر قال: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول ... " فذكره.
قال ابن أبي حاتم (2 / 362) :(4/105)
" فسمعت أبي يقول: هذا غلط، إنما هو الشعبي
عن عامر بن شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وخالف أيضا شريك فقال: عن
إسماعيل عن عطاء عن عامر بن شهر. أخرجه أحمد (4 / 260) .
قلت: فجعل عطاء مكان الشعبي وهو خطأ من شريك وهو ابن عبد الله القاضي. فإنه
كان سيء الحفظ. وبالجملة فالحديث ثابت من رواية مجالد بن سعيد وإسماعيل بن
أبي خالد عن الشعبي عن عامر بن شهر، وهو صحابي معروف، وهو أول من اعترض على
الأسود الكذاب باليمن.
1578 - " ابن آدم إن أصابه البرد قال: حس، وإن أصابه الحر قال: حس ".
أخرجه أحمد (6 / 410) من طريق يحنس عن خولة بنت قيس بن {قهد} الأنصارية
من بني النجار قالت: " جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما.... فقدمت
إليه برمة فيها خبزة أو حريرة، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في
البرمة ليأكل، فاحترقت أصابعه، فقال: حس، ثم قال: " فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
(حس) كلمة تقال عند الألم المفاجئ، يقال: ضرب فما قال: حس، وقد تنون.
1579 - " أفضل العبادة الدعاء ".
روي من حديث ابن عباس، وله عنه طريقان:(4/106)
الأولى: عن كامل بن العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه.
والأخرى: عن أبي يحيى عن مجاهد عنه. أخرجهما الحاكم (1 / 491) وقال:
" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! وأقول: أبو يحيى وهو القتات ضعيف،
وحبيب بن أبي ثابت مدلس، فالحديث بمجموع الطريقين حسن.
1580 - " إن آدم خلق من ثلاث ترابات سوداء وبيضاء وخضراء ".
رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 34) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق "
(2 / 309 / 1) عن يزيد بن أبي حبيب عمن حدثه عن أبي ذر به مرفوعا.
قلت: ورجاله ثقات غير تابعيه الذي لم يسم. لكن يقويه أن له شاهد من حديث أبي
موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " إن الله خلق آدم ... " الحديث وفيه: " فجاء بنو
آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود ... ". الحديث. وإسناده
صحيح كما كنت ذكرته في " التعليق على المشكاة " (100) وسيأتي بيان ذلك برقم
(1630) إن شاء الله تعالى. واعلم أن قوله: (خضراء) كذلك وقع في الأصل،
ولعل الصواب (حمراء) كما وقع في " الجامع الصغير " برواية ابن سعد، ويؤيده
الشاهد الذي ذكرته. والله تعالى أعلم.(4/107)
1581 - " إن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، لم تكن دابة إلا تطفي النار عنه
غير الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه ".
أخرجه ابن ماجة (2 / 295) وابن حبان (1082) وأحمد (6 / 83 و 109 و 217)
من طريق نافع عن سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة. أنها دخلت على عائشة،
فرأت في بيتها رمحا موضوعا، فقالت: يا أم المؤمنين! ما تصنعين بهذا الرمح؟
قالت: نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: فذكره،
وزاد في آخره: فأمر عليه الصلاة والسلام بقتله.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير السائبة هذه قال الذهبي: " تفرد عنها
نافع ".
قلت: يشير إلى أنها مجهولة، فقول البوصيري في " الزوائد " (194 / 2) :
" هذا إسناد صحيح " غير صحيح لجهالة المذكورة، لكنها قد توبعت، فقد أخرج
النسائي (2 / 27) من طريق قتادة عن سعد بن المسيب: أن امرأة دخلت على عائشة
وبيدها عكاز ... الحديث نحوه.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان سعد بن المسيب سمعه من عائشة، وإلا فإن ظاهره
أنه من مرسله. والله أعلم. وقد خالفه عبد الحميد بن جبير فقال: عن سعيد بن
المسيب عن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل
الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام. أخرجه البخاري (6 / 305 -
فتح) وابن ماجة وأحمد (6 / 421 و 462) وليس عندهما الشطر الثاني منه.(4/108)
1582 - " أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ".
ورد من حديث عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وثوبان مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم وشداد بن أوس وعلي ابن أبي طالب.
1 - أما حديث عمر فيرويه صفوان بن عمرو عن أبي المخارق زهير بن سالم عن كعب عن
عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال كعب:
فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 /
46) وقال: " غريب من حديث كعب، تفرد به صفوان ".
قلت: وهو ثقة احتج به مسلم. وزهير بن سالم قال الحافظ: " صدوق فيه لين ".
قلت: فالسند حسن إن شاء الله تعالى، وهو صحيح قطعا بما بعده وأخرجه أحمد (
1 / 42) : حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا صفوان حدثني أبو المخارق زهير بن
سالم أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر (حمص) فذكر الحديث. قال عمر -
يعني لكعب -: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئا أعلمه
، قال: ما أخوف شيء تخافه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمة مضلين
، قال عمر: صدقت، قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 - وأما حديث أبي الدرداء فيرويه أخ لعدي بن أرطأة عن رجل عنه قال: " عهد
إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره بلفظ الترجمة. أخرجه أحمد (6
/ 441) .(4/109)
وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل والراوي عنه. ومن هذا الوجه أخرجه
الطبراني أيضا كما في " المجمع " (5 / 239) .
3 - وأما حديث أبي ذر فيرويه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم
الجيشاني قال: سمعت أبا ذر يقول: كنت مخاصر النبي صلى الله عليه وسلم يوما
إلى منزله فسمعته يقول: " غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال ". فلما خشيت
أن يدخل قلت: يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال؟ قال: " الأئمة
المضلين ". أخرجه أحمد (5 / 145) .
قلت: ورجاله ثقات، إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ.
4 - وأما حديث ثوبان فيرويه أبو قلابة عبد الله بن يزيد الجرمي حدثني أبو
أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ". أخرجه أبو داود (2 / 203) والدارمي
(1 / 70 و 2 / 311) والترمذي (3 / 231 تحفة) وأحمد (5 / 178) من طريق
حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة به. وقال الترمذي: " حديث صحيح ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو قلابة
به، وسياق الإسناد له.(4/110)
أخرجه الحاكم (4 / 449) وقال: " صحيح على شرط
الشيخين ". ووافقه الذهبي.
قلت: أبو أسماء واسمه عمرو بن مرثد لم يحتج به البخاري. وخالف معمر في
إسناده فقال: أخبرني أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء
الرحبي عن شداد بن أوس مرفوعا به. أخرجه ابن حبان (1564) وأحمد (4 / 123)
. فجعله من مسند شداد وأدخل بينه وبين أبي قلابة أبا الأشعث الصنعاني، فإن
كان معمر قد حفظه، فيكون لأبي قلابة إسنادان في هذا الحديث، أحدهما عن أبي
أسماء عن ثوبان. والآخر عن أبي الأشعث عن أبي أسماء عن شداد. والله أعلم.
5 - وأما حديث شداد، فقد تقدم في الذي قبله.
6 - وأما حديث علي فيرويه جابر عن عبد الله بن نجي عنه. وهذا إسناد ضعيف كما
بينته في " تخريج السنة لابن أبي عاصم " (100) .
1583 - " إن أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله ".
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 58) عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري
حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة
مرفوعا.
قلت: وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 101 / 1)
لكنه قال: عن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا به إلا
أنه قال:(4/111)
" من إذا قرأ القرآن يتحزن به ". وهكذا رواه أبو نعيم في " الحلية
" (4 / 19) من طريق الطبراني. وتابعه عنده إسماعيل بن عمرو حدثنا مسعر بن
كدام عن عبد الكريم المعلم عن طاووس به إلا أنه قال: " من إذا سمعته يقرأ رأيت
أنه يخشى الله ". وإسماعيل ضعيف. لكن تابعه جعفر بن عون عند الدارمي (2 /
471) ، لكنه لم يذكر ابن عباس في إسناده. وهو بهذا اللفظ أصح عندي لمجيئه من
طرق أخرى، ولذلك اعتمدته في " صفة الصلاة ". ورواه الضياء في " المختارة "
(63 / 13 / 2) من طريق سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثل لفظ
الترجمة. ورجاله ثقات. فهو صحيح الإسناد إن كان ابن جريج سمعه من عطاء.
وهو مما يرجح اللفظ الذي صححته من جهة، ويبين أن الحديث حديث ابن عباس لا
عائشة من جهة أخرى.
1584 - " أفضل عباد الله تعالى يوم القيامة الحمادون ".
رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (من حديث عمران بن حصين مرفوعا وفيه
من لم أعرفهم كما قال الهيثمي (10 / 95) . لكن يشهد له ما أخرجه أحمد (4 /
434) من طريق مطرف قال: قال لي عمران: " إني لأحدثك بالحديث اليوم، لينفعك
الله عز وجل به بعد اليوم، اعلم أن خير عباد الله تبارك وتعالى يوم القيامة
الحمادون، واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام(4/112)
يقاتلون على الحق، ظاهرين
على من ناواهم، حتى يقاتلوا الدجال، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد أعمر أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى
الله عليه وسلم حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرىء بعد ما شاء الله أن يرتئي ".
قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وهو إن كان ظاهره الوقف فهو في
المعنى مرفوع، ويؤكد ذلك أمران:
الأول: أنه جعله بيانا لقوله: " الحديث "، والمراد به المرفوع كما هو ظاهر
. الثاني: أنه ساق معه حديثين آخرين مرفوعين، فأشعر بذلك أن الذي قبله مثلهما
في الرفع، ولذلك قال الهيثمي: " رواه أحمد موقوفا، وهو شبه مرفوع،
ورجاله رجال الصحيح ".
1585 - " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد
الإيمان في قلوبكم ".
أخرجه الحاكم (1 / 4) من طريق ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي
هانىء الخولاني حميد بن هاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن
العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " رواته
مصريون ثقات ". ووافقه الذهبي. وأقول: رجاله كلهم رجال مسلم غير عبد
الرحمن بن ميسرة، وهو أبو ميسرة الحضرمي المصري، لم يوثقه أحد غير الحاكم،
كما رأيت، لكن روى عنه جمع غير ابن وهب، وقال أبو عمر الكندي: كان فقيها
عفيفا. فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. والحديث قال الهيثمي في " المجمع
" (1 / 52) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن ".(4/113)
1586 - " إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ".
رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع (71) (ورقة 103 / 1) من القطعة
المخطوطة منه من طريق أبي يعلى حدثنا القواريري حدثنا أبو معشر البراء أخبرنا
شداد بن سعيد عن أبي الوازع جابر بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن المغفل
يقول: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني أحبك
، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهو في " موارد الظمآن "
برقم (2505) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال مسلم، وفي جابر بن عمرو وشداد بن سعيد
كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى.
1587 - " إن البركة وسط القصعة، فكلوا من نواحيها، ولا تأكلوا من رأسها ".
رواه السري بن يحيى في " حديث الثوري " (211 / 2) عنه عن عطاء بن السائب عن
سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وابن السائب قد سمع منه الثوري قبل
الاختلاط. ورواه الحميدي في " مسنده " (89 / 1) : حدثنا سفيان قال: حدثنا
عطاء.
قلت: وسفيان هذا هو ابن عيينة، وأخرجه الحاكم (4 / 116) من طريق الحميدي
عنه. وأخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 55) من طريق أخرى عن سفيان الثوري
به وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وابن عيينة إنما سمع
من عطاء بعد اختلاطه، فالاعتماد على رواية الثوري عنه.(4/114)
1588 - " إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة ".
أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 72) : حدثني عباس بن محمد
وأبو يحيى البزار عن حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن العوام بن مراجم من بني قيس
ابن ثعلبة عن أبي عثمان النهدي عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل حجاج هذا، قال الحافظ: " ضعيف كان يقبل
التلقين ".
قلت: وهذا أخطأ في إسناد هذا الحديث ورفعه، فقال ابن أبي حاتم في " العلل "
(2 / 226 - 227) : " قال أبو زرعة: هذا خطأ، إنما هو شعبة عن العوام بن
مراجم عن أبي السليل قال: قال سلمان..، موقوف ". والحديث قال في " المجمع
" (10 / 352) : " رواه الطبراني في " الكبير " والبزار وعبد الله بن أحمد،
وفيه الحجاج بن نصير وقد وثق على ضعفه، وبقية رجال البزار رجال الصحيح غير
العوام بن مراجم وهو ثقة ".
قلت: ولم أره في " مسند عثمان " في " كبير الطبراني "، والله أعلم. ثم
إنني لم أدر ما وجه تخصيص البزار بقوله: " وبقية رجاله رجال الصحيح " مع أن
عبد الله بن أحمد أحد إسناديه كذلك، فإن أبا يحيى البزار - واسمه: محمد بن
عبد الرحيم المعروف بصاعقة، من رجال البخاري! والحديث صحيح: لأنه قد صح عن
أبي هريرة مرفوعا من طريقين عنه:
الأولى: عن العلاء بن عبد الرحمن. عن أبيه عنه بلفظ:(4/115)
" لتؤدن الحقوق إلى
أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ". أخرجه مسلم (8
/ 18 / 19) والبخاري في " الأدب المفرد " (183) والترمذي (2 / 68)
وأحمد (2 / 235 و 323) وابن أبي الدنيا في " الأهوال " (91 / 2) ، وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي ذر وعبد الله بن أنيس ".
والأخرى: عن واصل عن يحيى بن عقيل عنه مرفوعا بلفظ: " يقتص الخلق بعضهم من
بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة ". أخرجه أحمد (2 / 363) .
قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. ثم وجدت له طريقا ثالثة برواية ابن لهيعة
عن دراج أبي السمح عن أبي حجيرة عنه مرفوعا بلفظ: " ألا والذي نفسي بيده
ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا ". أخرجه أحمد (2 / 390
) . وإسناده حسن في المتابعات، وتساهل المنذري فقال في " الترغيب " (4 /
201) : " رواه أحمد بإسناد حسن ".
فأقول: كيف وفيه دراج أبو السمح وله مناكير وعنه ابن لهيعة وهو سيء الحفظ
وقد اضطرب في إسناده فرواه مرة هكذا، ومرة قال: حدثنا دراج عن أبي الهيثم
عن أبي سعيد الخدري به.(4/116)
أخرجه أحمد أيضا (3 / 29) . وفي الباب عن أبي ذر
وغيره، فراجع إن شئت " المجمع ". وحديث أبي ذر أخرجه الطيالسي في " مسنده "
(480) : حدثنا شعبة قال: أخبرنا الأعمش قال: سمعت منذر الثوري يحدث عن
أصحابه عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان، فقال
: " يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان؟ ". قلت: لا، قال: " ولكن ربك يدري،
وسيقضي بينهما يوم القيامة ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أصحاب المنذر - وهو ابن
يعلى الثوري - فإنهم لم يسموا، وذلك مما لا يضر لأنهم جمع من التابعين ينجبر
جهالتهم بكثرتهم كما نبه على ذلك الحافظ السخاوي في غير هذا الحديث. وأخرجه
ابن أبي الدنيا حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن الأعمش به.
1589 - " إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو الله أن أكون
أكثرهم واردة ".
أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 44) والترمذي (3 / 299 - 300)
وابن أبي عاصم كما في " نهاية ابن كثير " (1 / 351) والطبراني في " الكبير
" (6881) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب (وفي بعض
النسخ: حسن غريب) ، وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن
النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. ولم يذكر فيه عن سمرة، وهو أصح ".
قلت: وما في النسخة الأولى أعني الغرابة فقط أقرب إلى الصحة، وهو الذي نقله(4/117)
ابن كثير عن الترمذي لأن السند لا يقبل التحسين، فإن فيه ثلاث علل:
الأولى: الإرسال الذي ذكره الترمذي ورجحه.
الثانية: عنعنة البصري، فإنه كان مدلسا لاسيما عن سمرة.
الثالثة: سعيد بن بشير وهو الأزدي مولاهم، وهو ضعيف كما في " التقريب ".
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 363) بلفظ أتم وهو: " إن
الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا من أمته، فأرجو أن أكون يومئذ أكثرهم كلهم
نقلت واردة، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن معه عصا، يدعو من عرف
من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم ". وقال: " رواه الطبراني وفيه
مروان بن جعفر السمري، وثقه ابن أبي حاتم. وقال الأزدي: يتكلمون فيه وبقية
رجاله ثقات ".
قلت: إن كان كما قال رجاله ثقات ولم يكن في الإسناد ما يقدح في ثبوته،
فالإسناد حسن عندي لأن السمري هذا صدوق صالح الحديث، كما قال ابن أبي حاتم (4
/ 1 / 276) عن أبيه، وهو مقدم على جرح الأزدي لأن هذا نفسه يتكلمون فيه!
ثم وقفت على إسناده عند الطبراني (7053) ، فإذا هو من طريق السمري المذكور:
حدثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة: (حدثنا جعفر بن سعد بن
سمرة عن خبيب بن سليمان بن سمرة) (1) عن أبيه عن سمرة.
قلت: وهذا سند ضعيف، سليمان بن سمرة لم يوثقه أحد غير ابن حبان (3 / 94) ،
وخبيب ابنه مجهول، وجعفر بن سعد ليس بالقوي كما في " التقريب ". وللحديث
شاهدان موصولان، وثالث مرسل.
_________
(1) قلت: ما بين المعكوفتين ساقط في الأصل المطبوع من الطبراني، فاستدركته من
حديث آخر منه برقم (7034) . اهـ.(4/118)
الأول: من رواية عطية العوفي عن أبي سيد الخدري مرفوعا بلفظ: " إن لي حوضا
طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم،
وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه
العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان، ومنهم من يأتيه
الرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: قد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا
يوم القيامة ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 110) وكذا ابن أبي
الدنيا في " كتاب الأهوال " كما في " ابن كثير " (1 / 363 و 369) وابن ماجة
(2 / 279) مختصرا. وعطية ضعيف.
الثاني: عن محصن بن عقبة اليماني عن الزبير بن شبيت (كذا) عن أبي عثمان عن
ابن عباس قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب
العالمين هل فيه ماء؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء
الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصا من نار
يذودون الكفار عن حياض الأنبياء ". أخرجه ابن أبي الدنيا. وقال ابن كثير (1
/ 370) : " وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وليس هو في شيء من الكتب الستة "
. قلت: والزبير ومحصن لم أجد من ترجمهما.
الثالث: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش (الأصل: خراش) حدثنا حزم
ابن أبي حزم سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" إذا فقدتموني، فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا، وهو قائم على حوضه
، بيده عصا يدعوا من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي
نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ".(4/119)
قال الحافظ بن كثير: " وهذا
مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقد أفتى شيخنا
المزي بصحته من هذه الطرق ".
قلت: وإنما لم يحسنه الحافظ مع أن رجاله رجال " الصحيح " لأن في خالد بن خداش
وشيخه حزم كلاما، قال الحافظ بن حجر في الأول منهما: " صدوق يهم ". وقال
في الآخر: " صدوق يخطىء ". ومنه تعلم خطأ قوله في " الفتح " (11 / 293) :
" والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح على الحسن ... "!
قلت: نعم هو صحيح عن الحسن بالطريق الأخرى عنه التي أشار إليها الترمذي في
كلامه السابق من رواية الأشعث بن عبد الملك عنه. ومن الغريب أن لا يذكرها
الحافظان ابن حجر وابن كثير! ! وجملة القول: إن الحديث بمجموع طرقه حسن أو
صحيح. والله أعلم. ثم وجدت له شاهد آخر من حديث عوف بن مالك مرفوعا به.
وفيه زيادة خرجته من أجلها في " الضعيفة " (2450) .
1590 - " إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم
والصلاة ".
أخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 35 - الكشف) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا
زكريا بن يحيى الطائي حدثنا شعيب بن الحبحاب عن أنس قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال:(4/120)
" لا نعلم رواه هكذا إلا زكريا ".
قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري، وفيه كلام، مات سنة (251) وعليه فلم يلق
شعيب ابن الحبحاب فإنه مات سنة (130) فالظاهر أنه سقط من نسختنا من " الزوائد
" - وهي سقيمة - الواسطة بينهما. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد "
(1 / 58) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". ثم تبين لي أن الحديث ليس من
رواية زكريا بن يحيى، وإنما من رواية أبيه يحيى بن زكريا، فقد وجدت الحديث
في " مسند أبي يعلى " (3 / 1031) بهذا الإسناد عن هذا الشيخ، لكنه قال:
أخبرنا أبو زكريا بن يحيى الطائي أبو مالك حدثنا شعيب.... وفي " الثقات "
لابن حبان (2 / 308) : " يحيى بن زكريا أبو مالك الطائي من أهل البصرة، يروي
عن شعيب بن الحبحاب. روى عنه بندار ".
قلت: فهو صاحب هذا الحديث، وهل هو والد زكريا بن يحيى بن عمر بن حفص الطائي
أبو السكين الكوفي نزيل بغداد؟ ذلك ما ظننته أول الأمر لأنهم ذكروا في ترجمته
أنه روى عن أبيه، وقد وقع في إسناد أبي يعلى (أبو زكريا) كما رأيت. ثم عرض
لي الشك في أنه هو، حين رأيت بن حبان سمى أباه زكريا، وليس في ترجمة الابن
من اسمه زكريا في آبائه. والله أعلم. وعلى كل حال، فالحديث صحيح فقد صح من
حديث أبي هريرة مفرقا، وشطره الثاني جاء من حديث عائشة أيضا وغيرها. فراجع
ما تقدم برقم (284 و 521) .(4/121)
1591 - " إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: (خراسان) يتبعه قوم كأن وجوههم
المجان المطرقة ".
أخرجه الترمذي (3 / 234) وابن ماجة (2 / 506) والحاكم (4 / 527) وأحمد
(1 / 4 و 7) والضياء في " المختارة " (33 - 37 بتحقيقي) من طريق أبي
التياح عن المغيرة بن سبيع عن عمرو بن حريث عن أبي بكر الصديق قال: حدثنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".
وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المغيرة بن سبيع وهو ثقة.
وعمرو بن حريث صحابي صغير. وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد الضبعي.
(تنبيه) هكذا لفظ الحديث عند جميع من ذكرنا من المخرجين، وذكره السيوطي في
" الزيادة على الجامع الصغير " بلفظ: ".... من قبل المشرق من مدينة يقال....
" وقال: " رواه أحمد وابن ماجة عن أبي بكر "! ولا أصل له بهذا اللفظ
عندهما ولا عند غيرهما ممن زكرنا، اللهم إلا في رواية للضياء بلفظ: " الدجال
يخرج من قرية يقال لها (خراسان) .
قلت: وهو شاذ عندي بهذا اللفظ لمخالفته لجميع من رواه بلفظ الترجمة: " أرض
بالمشرق يقال لها (خراسان) ". والله أعلم.(4/122)