الصّراط المستقيم
تخريج
الأستاذ السّلفيّ الصّالح
الشّيخ
محمّد ناصر الدّين الألبانيّ
أبو عبد الرّحمن
جمعيّة الدّعوة المحمّديّة
إلى
الصّراط المستقيم
بحلب
ـــــــــ
بيت التّوحيد
الصّراط المستقيم
رسالةٌ فيما قرّره الأثبات في ليلة النّصف من شعبان
لجماعةٍ من علماء الأزهر
و بهامشها تخريجٌ للأحاديث الواردة فيها
خرّجها
الأستاذ السّلفيّ الصّالح
الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألبانيّ
أبو عبد الرّحمن
ــــــــــــــــــــ
طبعت على نفقة الدّعوة المحمّديّة للصّراط المستقيم بحلب
غرّة شعبان 1372
حلب - مطبعة النّهضة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الّذي هدانا لهذا ؛ وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
. . .
الحمد لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه ، ونستغفره .
ونعوذ به من شرور أنفسنا ، وسيّئات أعمالنا .
من يهد الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدا .
والصّلاة والسّلام على أفضل الخلق وخاتم الرّسل والأنبياء ؛ سيّدنا محمّدٍ ؛ عبد الله ورسوله ؛ الّذي أرسله بالهدى ودين الحقّ ؛ ليظهره على الدّين كلّه ؛ ولو كره المشركون ؛ صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الّذين ساروا على نهجه ، واتّبعوا هداه ، وتمسّكوا بسنّته الزّهراء ، ومحبّته البيضاء ؛ الّتي لا يزيغ عنها إلاّ هالك ؛ رضي الله عنهم وعن التّابعين و تابعيهم بإحسانٍ إلى ما شاء الله .
أما بعد :(1/1)
فقد اطّلعت منذ سنواتٍ على رسالةٍ أصدرها جماعةٌ من علماء الأزهر ؛ ذكروا فيها ما قرّره الثّقات الأثبات في ليلة النّصف من شعبان ، ودعائها المشهور ؛ فألفيتها رسالةً هاديةً ؛ تنمّ عن تحقيقٍ وتدقيقٍ ؛ يستندان إلى كتاب الله - تعالى - ، و سنّة رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - ، وتبيّن للنّاس وجه الحكم في دعاءٍ طالما ظلّ النّاس يدعون به الله - تعالى - ؛ على رغم ما فيه من مخالفةٍ لصريح القرآن وصحيح السّنّة ، ويحضرون في المساجد بين المغرب و العشاء لتلاوته ثلاث مرّاتٍ ؛ بنيّة طول العمر ، ودفع البلاء ، والاستغناء عن النّاس .
على أنّ هذا الدّعاء ، وهذا الاجتماع في ليلة النّصف من شعبان - على النّحو المذكور - لم يثبت عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم أجمعين - ، ولا عن أحدٍ من السّلف ؛ ولمّا كان هذا العمل تعبّدًا وتقرّبًا إلى الله ؛ كان على الموصين به أن يتأكّدوا من صحّته ؛ بنقلٍ صحيحٍ عن رسول الله ، أو عن أصحابه ، أو السّلف الصّالح - رضوان الله عليهم - ؛ لأنّ الله لا يرضى عبادةً من عباده إلاّ بما شرع هو - سبحانه و تعالى - ؛ وإلاّ كانت العبادة غير مشروعةٍ ؛ وكلّ عبادةٍ غير مشروعةٍ فإنّها ليست عبادةّ ؛ إنّما هي بدعةٌ ؛ وكلّ بدعةٍ ضلالة ؛ وكلّ ضلالةٍ في النار ؛ قال الله - تعالى - : [ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليم ] ، و قال - تعالى - : [ و أنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه و لا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله ] ، وقال - صلّى الله عليه و سلّم - : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )) ، و قال - عليه الصّلاة والسّلام - : (( أمّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّدٍ ، و شرّ الأمور محدثاتها ؛ وكلّ محدثةٍ بدعة ، وكلّ بدعةٍ ضلالة ، وكلّ ضلالةٍ في النار )) .(1/2)
ورضي الله عن حذيفة بن اليمان ؛ فقد قال : (( كلّ عبادةٍ لم يتعبّدها أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ؛ فلا تعبّدوها )) .
وروى ابن الماجشون عن الأمام مالك / رض / أنّه قال : من ابتدع في الدّين بدعةً ويراها حسنةً ؛ فقد زعم أنّ محمدًا - صلّى الله عليه وسلّم - خان الرّسالة ؛ لقوله - تعالى - : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ] ؛ فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا .
وفيما تقدّم أمرٌ من الله ورسوله باتّباع الصّراط المستقيم ، والنّهي عن اتّباع غيره من السّبل ، وردّ كلّ ما هو محدثٌ بعد النّبّي - صلّى الله عليه وسلّم - من الدّين ؛ لأنّ الدّين أكمله الله ؛ ولم تبق زيادةٌ لمستزيد ؛ فما أراد الله من الدّين فقد أتمّ النعمة به وأكمله ، وبلّغه رسول الله إلى الأمّة ، وأدّى الأمانة ؛ فلم يترك - صلّى الله عليه وسلّم - شيئًا يقرّبنا من الجّنّة إلاّ أمرنا به ، ولم يترك لنا شيئًا يقرّبنا من النّار إلاّ حذّرنا منه - صلّى الله عليه وسلّم - ؛ فهل يحقّ لأيٍّ كان ؛ مهما كان شأنه ، ومهما علت منزلته أن يشرع من الدّين ما لم يأذن به الله ، وما لم يبلّغه رسول الله ؟!.
ولقد ردّ الإمام مالكٌ - رحمه الله - على من يبتدع في الدّين بدعةً ويراها حسنةً ؛ واعتبره كأنّه قد اتّهم رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بخيانة الرّسالة - والعياذ بالله تعالى - .(1/3)
و إنّنا في هذه المناسبة الهادية نلفت أنظار إخواننا المؤمنين المسلمين إلى أن يُقلعوا عن الاعتقاد أنّ هناك بدعةً حسنةً في الدّين - والعياذ بالله - ، إذ ليس في الإسلام ما يُسمّى بدعةً حسنة ؛ إنّما فيه سنّة ؛ تلك السّنّة الّتي وصفها الرّسول - صلى الله عليه وسلّم - بالمحجّة البيضاء ؛ فقال - عليه الصلاة والسلام - : (( تركتكم على المحجّة البيضاء ؛ ليلها كنهارها ؛ لايزيغ عنها إلاّ هالك )) ، وهكذا فإنّ في الإسلام سنّةً لا بدعة ، وفيه اتّباعٌ لا ابتداع .
قال الله - تعالى - فيما أنزله على رسوله - صلّى الله عليه وسلّم - من القرآن : [ قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ] ، وقال - صلّى الله عليه و سلّم - : (( لايؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به )) ، ورحم الله من قال :
وكلّ خيٍر في اتّباع من سلف
وكلّ شرٍّ في ابتداع من خلف
وبعد هذا ؛ لانظنّ أحدًا يؤمن بالله ، و رسوله ، و اليوم الآخر سمع و وعي ما تقدّم ؛ ثمّّ يجرأ على الله ورسوله مردّدًا أنّ هناك بدعةً حسنةً في الدّين ( ! ) .
إنّنا نعتقد أنّ من تصله رسائلنا سوف يكون ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه ، ويأخذ بما فيها من قول الله ، وقول رسوله ، ويتّبعه ، وينفّذه على نفسه ، ويبشّر به غيره من إخوانه المسلمين ، وإنّنا نربأ بالمسلمين أن يقولوا على الله مالا يعلمون .(1/4)
هذا وقد يسّر الله لنا الحصول على هذه الرّسالة ؛ فرأينا قبل أن ننشرها أن نعرض ما جاء فيها من الأحاديث على الأخ الكريم والسّلفي الصّالح الأستاذ الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألبانيّ ؛ أحد أعلام علماء الحديث بدمشق ؛ فأرسلت له رسالةً بهذا الشّأن ، و وضعت ضمنها - أيضًا - هذه الرّسالة الّتي يسّر الله لنا طبعها ونشرها ؛ فتكرّم - حفظه الله - ؛ وخرّج أحاديثها ، وعلّق على ما جاء فيها من أحاديث ؛ بتعليقٍ جعل الفائدة من الرّسالة أعمّ وأهدى ؛ فجزى الله الأستاذ ناصر الدّين عن الإسلام وأهله والسّنّة وناصريها ما هو أهله ، وإنّنا نشكر حسن صنيعه ؛ مبتهلين إلى الله أن يزيده من فضله وعلمه ، وندعوه - تعالى - أن يثبّته وإيّانا ، وسائر المسلمين على الصّراط المستقيم ؛ ليكونوا حقًّا خير أمّةٍ أخرجت للنّاس .
و إنّنا نعلم كثيرًا من النّاس ؛ وخاصّةً السّادة العلماء لا يرضون بهذه البدع المنكرة القائمة اليوم ؛ ولكنّهم ينتظرون ويترقّبون من يجرأ على قول الحقّ ، ولا تأخذه فيه لومة لائم ؛ فأحببت أن أكون - أنا وإخواني ؛ أفراد الدّعوة المحمّديّة للصّراط المستقيم - أوّل من يجهر بهذا الحقّ ؛ مبتغين في ذلك رضا الله - تعالى - .
اللّهم تقبّل عملنا هذا لوجهك خالصًا ، و ليسخط بعد ذلك من يسخط .
اللّهم عليك توكّلنا ؛ أنت حسبنا ونعم الوكيل .
صدر عن بيت التّوحيد باسم الدّعوة المحمّديّة
للصّراط المستقيم
محمّد نسيب الرّفاعيّ
بسم الله الرحمن الرحيم
ماقرّره الثّقات الأثبات
في ليلة النّصف من شعبان(1/5)
يحتفل المسلمون بليلة النّصف من شعبان في كلّ سنة ؛ فيسارعون إلى المساجد ؛ لتأدية صلاة المغرب في جماعة ؛ ثم يجلسون - عقب الفراغ من الصّلاة - لتلاوة الدّعاء المعروف ؛ مشترطين لقَبول هذا الدّعاء قراءة سورة ( يس ) ، و صلاة ركعتين قبله ، و يكرّرون القراءة والصّلاة والدعاء - ثلاث مرّاتٍ - ؛ يفعلون ذلك في المرّة الأولى بنيّة طول العمر ، و في المرّة الثّانية بنيّة دفع البلاء ، وفي المرّة الثّالثة بنيّة الاستغناء عن النّاس ؛ ومن لم يدرك ذلك في المسجد عمله في البيت ؛ وقد أنكر هذا العمل بعض أهل العلم ، ونسبوه إلى الابتداع و البعد عمّا جاءت به السّنّة الغرّاء .
ولعلّ الّذي حدا بالنّاس إلى الحرص على إحياء هذه اللّيلة - على النّحو المتقدّم - ما ذكره بعض العلماء في كتب التّفسير والحديث ممّا يدلّ على فضل ليلة النّصف ، و يحثّ على اغتنامها ؛ من ذلك : ما رواه الطّبراني و ابن حبّان في " صحيحه " ؛ عن معاذٍ بن جبل - رضي الله عنه - ؛ قال : قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - : (( يطّلع الله إلى جميع خلقه - ليلة النّصف من شعبان - فيغفر لجميع خلقه ؛ إلاّ لمشركٍ ، أو لمشاحن )) (1) .
__________
(1) قال الحافظ الهيثميّ في " مجمع الزوائد " ( 8/65 ) : (( رواه الطّبراني في " الكبير " ، و " الأوسط " ؛ و رجالهما ثقات )) ؛ قلت : و أخرجه أبو نُعيمٍ في "حلية الأولياء " ( 5 / 191 ) ؛ من حديث معاذ ؛ و هو حديثٌ صحيحٌ ؛ لشواهده الكثيرة ؛ فأخرجه ابن ماجه ( 1 / 432 ) ؛ من حديث أبي موسى الأشعريّ ، و أحمد ( رقم : 6642 ) ؛ من حديث ابن عمرٍو ؛ و الطّبرانيّ و البيهقيّ من حديث أبي بكرٍ الصّديّق ؛ بإسنادٍ لا بأس به - كما قال الحافظ المنذريّ في " الترغيب " ( 2/ 20 ) - ، وفي الباب عن غيرهم من الصّحابة والتّابعين .
فهذه الطّرق الكثيرة لا يشكّ من وقف عليها أنّ الحديث صحيحٌ ؛ لا سيّما وبعض طرقه حسنٌ لذاته ؛ كحديث معاذٍ ، و أبي بكرٍ ( رض ) .
.(1/6)
وما رواه البيهقيّ ؛ عن العلاء بن الحارث أنّ عائشة - رضي الله عنها - قالت : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - من اللّيل ؛ فصلّى ؛ فأطال السّجود ؛ حتّى ظننت أنّه قُبض ؛ فلما رأيت ذلك ؛ قُمت ؛ حتّى حرّكت إبهامه ؛ فتحرّك ؛ فرجعت ؛ فسمعته يقول - في سجوده - : (( أعوذ بعفوك من عقابك ، وأعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بك منك ؛ لا أُحصي ثناءً عليك ؛ أنت كما أثنيت على نفسك )) ؛ فلمّا رفع رأسه من السجود ، و فرغ من صلاته ؛ قال : (( يا عائشة ( ! ) ، أو : يا حميراء ( ! ) ؛ أظننت أنّ النّبيّ قد خُلس بك )) ؛ قلت : لا - يا رسول الله - ؛ و لكنّني ظننت أنّك قد قُبضت ؛ لطول سجودك ؛ فقال : (( أتدرين أيّ ليلةٍ هذه ؟ )) ؛ قلت : الله ورسوله أعلم ؛ قال : (( هذه ليلة النّصف من شعبان ؛ إنّ الله - عزّ وجلّ - يطّلع على عباده - ليلة النّصف من شعبان - ؛ فيغفر للمستغفرين ، و يرحم المسترحمين ، ويؤخّر أهل الحقد كما هم )) (1) .
ومن ذلك ما رُوي عن عكرمة في تفسير قوله - تعالى - : [ حم ، والكتاب المبين ، إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ إنّا كنا منذرين ، ... فيها يفرق كلّ أمرٍ حكيم ] ؛ أنّه قال : اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمرٍ حكيمٍ هي ليلة النّصف من شعبان . و احتُجّ لعكرمة (2)
__________
(1) قلت : هذا لا يصحّ إسناده ؛ لأنّه منقطعٌ بين العلاء بن الحارث و عائشة ؛ كما بيّنه المنذريّ في " الترغيب " ( 2 /81 ، و 3/284 ) .
(2) إنّ عكرمة - نفسه - لم يستدلّ بها ؛ و إنّما هو غيره .(1/7)
بما جاء في بعض الأحاديث أنّ (( الآجال تُنسخ في شعبان ؛ حتّى أنّ الرّجل يتزوّج وقد رُفع اسمه فيمن يموت ، و أنّ الرّجل يحجّ وقد رُفع اسمه فيمن يموت )) (1) ؛ و الصّحيح الّذي اتّفقت عليه الرّوايات أنّ اللّيلة المباركة هي ليلة القدر ؛ بل جاء ذلك في القرآن - صريحًا - ؛ قال الله - تعالى - : [ إنّا أنزلناه في ليلة القدر ] ، وقال - جلّ شأنه - : [ شهر رمضان الّذي أنزل فيه القرآن ] ؛ فقد أفادت الآيتان أنّ القرآن أُنزل في ليلة القدر من شهر رمضان ؛ و هذا قول الجمهور .
و أمّا الأحاديث الّتي استُدلّ بها لقول عكرمة فهي أحاديث ضعيفةٌ (2) ؛
__________
(1) قلت : قد صرّح بهذا القرطبيّ في " تفسيره " ( 16 / 127 ) ؛ ثمّ نقل عن القاضي ابن العربيّ - و هو غير ابن عربيٍّ ( صاحب الفصوص ) - أنّ قول من قال : أنّها ليلة النّصف من شعبان = = باطلٌ ، و احتجّ بالآيتين المذكورتين في " الرّسالة " ، ثمّ قال : فمن زعم أنّها في غير رمضان فقد أعظم الفرية على الله .
قلت : و قد ورد عن عكرمة ما يوافق القول الصّحيح - في هذه المسألة - ؛ أخرجها السّيوطيّ في " الدّرّ المنثور " ( 6 / 25 ) ؛ فالاعتماد عليها دون ما عارضها .
(2) قلت : لا شكّ في ذلك ؛ و تفصيل الكلام عليها ، و بيان ضعفها لا يتّسع له هذا التّعليق ، و حسبك بيانًا أنّ شيئًا منها لم يرد في كتب السّنّة المعتبرة ؛ كالأمّهات السّتّ ، و المسانيد ، و غيرها ؛ و إنّما رواها أمثال ابن زنجويه ، و الدّيلميّ ، و غيرهما ؛ ممّن عُرفوا بتساهلهم في الرّواية ، و عدم تحرّيهم لما ثبت عنه - صلّى الله عليه و سلّم - . و قد صرّح ابن العربيّ - رحمه الله - بأنّه ليس في هذا الباب حديثٌ يعوّل عليه ؛ كما نقله القرطبيّ ( 16 / 128 ) .(1/8)
لأنّها تعارض النّصوص الصّحيحة (1) ؛ و من ذلك تفسير بعضهم ( المحو و الإثبات ) في قوله - تعالى - : [ يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب ] بمحو الشّقاوة ، و إثباتها سعادة ، و محو التّقتير ، و إثباته سعةً و يسرا ، و محو قصر العمر ، و إثباته طول حياةٍ ، و امتداد أجل ؛ و ذلك في ليلة النّصف من شعبان .
رأي المحقّقين
__________
(1) قلت : هذا التّعليل قد يوهم أنّ الأحاديث المشار إليها أسانيدها قويّةٌ ، و أنّ علّتها المعارضة - فقط - ؛ و ليس كذلك ؛ بل لها علّتان ؛ هذه إحداهما ، و الأخرى : ضعف أسانيدها ؛ كما أشرت إلى ذلك - آنفًا - ؛ و لذلك ذكر الحافظ ابن كثيرٍ في " تفسيره " بعض تلك الأحاديث ؛ و أشار إلى أنّ فيه علّتين ؛ فقال : (( فهو حديثٌ مرسلٌ ، و مثله لا يُعارض به النّصوص )) .(1/9)
و أمّا رأي المحقّقين من العلماء فيما قيل في ليلة النّصف من شعبان ، و في أصل هذا العمل ؛ الّذي عليه النّاس اليوم ؛ فالمعروف أنّه لم يكن في عهد الرّسول - صلوات الله و سلامه عليه - ، و لا في عهد الصّحابة - رضي الله عنهم - مثل هذه الاجتماعات ؛ الّتي تكون في المساجد بين المغرب و العشاء - ليلة النّصف من شعبان - ؛ لتلاوة الدّعاء المشهور باسمها ، و قراءة سورة ( يس ) ، و صلاة ركعتين - بعدها - ؛ بنيّة طول العمر ، و دفع البلاء ، و الاستغناء عن النّاس ؛ إنّما المعروف أنّ بعض التّابعين - من أهل الشّام - ؛ كخالد بن معدان ، و مكحول ، و لقمان بن عامر ، و غيرهم كانوا يجتهدون في العبادة - ليلة النّصف من شعبان - ؛ صلاةً ، و دعاءً ؛ فأخذ النّاس عنهم فضلها ، و تنافسوا في إحيائها ؛ حتّى انتهى الأمر إلى الحضور بالمساجد - بين المغرب و العشاء - ؛ و على النّحو الّذي نراه اليوم ؛ و لأنّه لم يثبت في فضل هذه اللّيلة شيءٌ عن النّبيّ (1)
__________
(1) قد علمت من التّعليق في ( الصّفحة الثّانية ) أنّ هذا الإطلاق غير صحيح ؛ لثبوت بعض الأحاديث في فضلها ؛ و لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رضي الله عنه - في كتابه " اقتضاء الصّراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم " ( ص : 145 ) : (( رُوي في فضلها من = = الأحاديث المرفوعة ، و الآثار ما يقتضي أنّها ليلةٌ مفضّلة )) ؛ ثمّ قال - بعد أن ذكر اختلاف العلماء في ذلك - : (( لكنّ الّذي عليه كثيرٌ من أهل العلم ، أو أكثرهم - من أصحابنا ، و غيرهم - على تفضيلها ، و عليه يدلّ نصّ أحمد ؛ لتعدّد الأحاديث الواردة فيها ، و ما يصدّق ذلك من الآثار السّلفيّة )) .(1/10)
- صلّى الله عليه و سلّم - ، و لا عن أصحابه - رضي الله عنهم - ؛ و قد أنكر أهل الحجاز تخصيصها بتعظيم ؛ منهم : عطاء بن أبي رباح ، و ابن أبي مُليكة ، و عبد الرّحمن بن زيدٍ بن أسلم ، و غيرهم من فقهاء المدينة ؛ و قالوا : (( كلّ ذلك بدعة )) (1) .
صلاة الرّغائب في رجب
و صلاة ليلة النّصف من شعبان ، و صلاة ليلة القدر
و أمّا الصّورة الّتي اعتاد بعض النّاس أن يصلّيها في هذه اللّيلة فقد صرّح المحدّثون أنّ حديثها الّذي ورد في " الإحياء " لأبي حامدٍ الغزاليّ ، و في " قوت القلوب " لأبي طالبٍ المكيّ موضوع ؛ قال الحافظ ابن الجوزيّ : (( و أمّا صلاة الرّغائب - أوّل خمسٍ من رمضان - فلا تصحّ ، و سندها موضوعٌ باطل )) .
و قال الإمام النّوويّ في " المجموع " : (( الصّلاة المعروفة بالرّغائب ؛ و هي اثنتا عشرة ركعة ؛ بين المغرب و العشاء - ليلة أوّل جمعةٍ من رجب - ، و صلاة ليلة النّصف من شعبان مائة ركعة ؛ هاتان الصّلاتان بدعتان منكرتان ؛ فلا تغترّ بذكرهنّ في كتابَي " قوت القلوب " ، و " إحياء علوم الدّين " ، و لا بالحديث المذكور فيهما ؛ فإنّ كلّ ذلك باطل )) .
دعاء نصف شعبان
(فيه ما يخالف ظاهر القرآن )
و أماّ الدّعاء المعروف ؛ و هو ما يدعو الناّس به فلم يثبت عن النّبيّ - عليه السّلام - ، و لا عن أحدٍ من أصحابه أنّه كان يدعو به ؛ و لو ثبت ذلك لنُقل إلينا ؛ و لو من طريقٍ آحادٍ في أيّ كتابٍ من كتب السّنّة الصّحيحة .
__________
(1) حكى هذا عن الأئمّة المذكورين الحافظُ ابن رجبٍ في كتابه " لطائف المعارف " ( ص : 144 ) ، و ذكر فيمن أنكر ذلك أصحاب الإمام مالك .(1/11)
و نسبة هذا الدّعاء إلى بعض الصّحابة قد خالف فيها أبو حيّان ، و غيره من المحقّقين ؛ هذا فضلاً عن أنّ في هذا الدعاء جملاً لا يجوز الدّعاء بها ؛ لأنّ فيها ما يفيد صحّة التّبديل ، و المحو ، و الإثبات في أمّ الكتاب ؛ و لا دليل على ذلك - عند أهل العلم - لأنّ أمّ الكتاب : إمّا علم الله ؛ و هو منزّهٌ عن وقوع التّبديل و التّغيير فيه ، و إمّا اللّوح المحفوظ ؛ و المحقّقون على أنّه ليس محلاًّ للمحو و الإثبات ؛ إنّما محلّ المحو و الإثبات هو الكتاب الّذي تكتبه الملائكة على الخلق .
كما أنّ في هذا الدّعاء ما يخالف ظاهر القرآن ؛ لأنّه يصرّح بأنّ اللّيلة المباركة الّتي يفرق فيها كلّ أمرٍ حكيمٍ هي ليلة النّصف من شعبان ؛ و هو باطلٌ ؛ لما تقدّم من أنّها ليلة القدر ؛ و هي في شهر رمضان ؛ بنصّ القرآن .
و ( المحو و الإثبات ) في قوله - تعالى - : [ يمحو الله ما يشاء و يثبت ] لا يُراد به محو الشّقاء و الحرمان و إقتار الرّزق ، و إثبات ضدّها ؛ كما هو في صريح الدّعاء المشهور ؛ إنّما المراد : المحو و الإثبات في الشّرائع ؛ بالنّسخ و التّبديل (1) ؛ فإنّه الّذي يقتضيه السّياق .
__________
(1) و هذا قول قتادة ، و روايةٌ عن ابن عبّاسٍ ؛ كما في " تفسير ابن كثيرٍ " .(1/12)
قال الله - تعالى - في سورة الرّعد : [ و لقد أرسلنا رسلاً من قبلك و جعلنا لهم أزواجًا و ذرّيةً و ما كان لرسولٍ أن يأتي بآيةٍ إلاّ بإذن الله لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب ] ؛ ذلك أنّ المعاندين لرسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - كانوا ينعون عليه كثرة الأزواج ؛ فردّ الله عليهم ؛ بأنّ الزّواج و الإكثار فيه للأنبياء سنّة من سبقه من إخوانه المرسلين ؛ لربط الأواصر بينهم و بين النّاس ، و تيسير نشر العلم و الدّين بين النّساء ؛ فلست في ذلك - يا محمّد - بدعًا من الرّسل ، و كانوا يسألونه آياتٍ معيّنةً تدليلاً على صدقه ؛ فإذا لم يجبهم ؛ طعنوا فيه ؛ و قالوا : لو كان نبيًّا لأجابنا إلى ما نطلب ؛ فردّ الله - تعالى - عليهم ؛ بقوله : [ و ما كان لرسولٍ أن يأتي بآيةٍ إلاّ بإذن الله ] ؛ أي : أنّ نزول الآيات ليس من اختصاص الرّسول ؛ إنّما ذلك بمشيئة الله و أمره ، و كانوا يعيبون عليه نسخ بعض الأحكام المقرّرة في التّوراة و الإنجيل ، و يقولون : لو كان نبيًّا - حقًّا - لعمل بما في التّوراة و الإنجيل ؛ من غير أن يبدّل شيئًا منهما ؛ فردّ الله عليهم ؛ بقوله : [ لكلّ أجلٍ كتاب يمحو الله ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب ] ؛ أي : لكلّ وقتٍ كتابٌ يُحكم به فيه ؛ لأنّ الكتب تنزل حسب أحوال أهل العصر ؛ فوقت العمل بالتّوراة و الإنجيل قد مضى ، و وقت العمل بالقرآن قد أتى ؛ فلذلك كان النّسخ ، و كان التّبديل ، و يمحو الله من الشّرائع و الأحكام ما يشاء ، و يثبت منها ما يشاء ؛ حسب علمه الواسع ، و عنده أمّ الكتاب : أي : أصله و مصدره الّذي لا تبديل فيه ، و لا تغيير و لا محوٍ و لا إثبات .
( الخلاصة )(1/13)
و يتخلّص من هذا : أنّ ليلة النّصف من شعبان ليست هي اللّيلة المرادة باللّيلة المباركة الواردة في أوّل سورة الدّخان [ إنّا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ ] ؛ و أنّ الصّلاة المخصوصة الّتي يفعلها بعض النّاس قد طعن كثيرٌ من الحفّاظ في صحّة حديثها (1) ، و أدخلوها في البدعة الّتي هي : طريقةٌ في الدّين تُخترع ؛ لتضاهي بها الطّريقة الشّرعيّة ، و أنّ الدّعاء المشهور ليس مُسندًا إلى الرّسول - صلّى الله عليه و سلّم - ، و لا إلى أحدٍ من أصحابه - رضي الله عنهم - .
و إنّما هو كلامٌ لبعض النّاس (2) ؛
__________
(1) في هذه العبارة مسامحةٌ ظاهرة ؛ قد تُوهم خلاف الحقيقة النّيّرة ؛ و هي أنّ حديث صلاة نصف شعبان باطلٌ موضوعٌ - كما تقدّم في " الرّسالة " عن النّوويّ ، و غيره - ؛ و هو أمرٌ متّفقٌ عليه بين الحفّاظ .
فإذا قيل : (( طعنوا في صحّة حديثها )) ؛ لم تُفد هذه العبارة أنّها موضوعة ؛ ذلك أنّ نفي الصّحّة لا يلزم منه إثبات الوضع ؛ لأنّ بين الأمرين درجةً وسطى ؛ هي الضّعف ؛ كما لا يخفى على المشتغلين بعلم السّنّة المطهّرة .
فكان من الواجب دفع هذا الإيهام ؛ بالتّصريح بأنّ الحديث باطلٌ ؛ كما نقله المؤلّف عن بعض المحدّثين .
و من المفيد - هنا - أن أنقل عبارة المحقّق الشّوكانيّ - في ذلك - ؛ لما فيها من زيادةٍ في الإفادة ؛ قال - رحمه الله - في " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " ( ص : 21 ) : (( و قد رُويت صلاة هذه اللّيلة - ليلة النّصف من شعبان - على أنحاءٍ مختلفةٍ ؛ كلّها باطلةٌ موضوعة )) .
(2) قد صرّح الشّيخ الحوت في " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب " ( ص : 27 ) أنّ هذا الدّعاء من ترتيب بعض المشايخ ؛ من عند نفسه ؛ قيل : هو البونيّ .(1/14)
يتعارض و ظاهر القرآن ، و لا يتّفق مع ما لله من جلالٍ و كمالٍ ، و أنّ إحياء هذه اللّيلة - جماعةً - في المساجد فيه خلافٌ [ بين ] العلماء ؛ فمنهم من أنكره ، و منهم من أقرّه ؛ مع اعترافهم بضعف الأحاديث الواردة بفضلها ؛ ذهابًا منهم إلى أنّ الأحاديث الضّعيفة يؤخذ بها في فضائل الأعمال (1) .
__________
(1) قد علمت ممّا نقلته - آنفًا - عن شيخ الإسلام ( ابن تيميّة ) أنّ العلماء اختلفوا في أحاديث فضل ليلة النّصف ، و أنّ الأكثريّة على تفضيلها ؛ و هو الحقّ ؛ لثبوت بعض الأحاديث فيها ؛ فنسبة المؤلّف تضعيف تلك الأحاديث إلى العلماء - إطلاقًا - ليس كما ينبغي ؛ على أنّه لا يلزم من ذلك - أعني : من ثبوت فضلها - أن نخصّصها بصلاةٍ خاصّةٍ لم يخصّها الشّارع الحكيم بها ؛ بل ذلك كلّه بدعةٌ يجب اجتنابها ، و التّمسّك بما كان عليه الصّحابة و السّلف الصّالح - رضي الله عنهم - .
و رحم الله القائل :
و كلّ خيرٍ في اتّباع من سلف
و كلّ شرٍّ في ابتداع من خلف
=
= و لذلك ؛ فقد أحسن المؤلّف حين قال : (( أمّا إحياء الإنسان . . . إلى قوله بدعة )) ؛ ذلك لأنّ إحياءها على هذه الصّورة ليس فيه محظور التّشريع من عند نفسه ؛ لما عُلم من حضّ الشّارع على قيام اللّيالي - مطلقًا - ، و هذه منها ؛ و لذلك فإنّي أقول :
لو كانت تلك الأحاديث كلّها ضعيفةً - كما يذهب إليه صاحب الرّسالة - لما ساغ القول بالعمل بها ؛ و ذلك لسببين :
الأوّل : أنّ النّصوص الّتي أشرنا إليها في الحضّ على قيام اللّيل - مطلقًا - تغنينا عن الأحاديث الضّعيفة الخاصّة ؛ و من هذه النّصوص قوله - صلّى الله عليه و سلّم - : (( أيّها النّاس ؛ أفشوا السّلام ، و أطعموا الطّعام ، و صِلُوا الأرحام ، و صلّوا باللّيل و النّاس نيام ؛ تدخلوا الجنّة بسلام )) ؛ أخرجه : التّرمذيّ ، و صحّحه ، و الدّارميّ ، و ابن ماجه ، و ابن نصر ، و أحمد ، و الحاكم ؛ و قال : (( صحيحٌ على شرط الشّيخين )) ، و وافقه الذّهبيّ ؛ و هو كما قال .
السّبب الثّاني : أنّ للعمل بالحديث الضّعيف - عند من يجيزه - شروطًا ؛ يجب مراعاتها ؛ و قد غَفَل حتّى المشايخ عنها :
1 - ألاّ يكون الحديث موضوعًا .
2 - أن يعتقد العامل به كون ذلك الحديث ضعيفًا .
3 - ألاّ يُشهر ذلك ؛ لئلاّ يعمل المرء بحديثٍ ضعيفٍ فيشرع ما ليس بشرع ، أو يراه بعض الجهّال ؛ فيظنّ أنّه سنّةٌ صحيحة .
ذكر هذه الشّروط الحافظ ابن حجرٍ العسقلانيّ في رسالته " تبيين العجب بما ورد في فضل رجب " ؛ ثمّ قال - عقبها - ( ص : 3 - 4 ) : (( و قد صرّح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمّد ابن عبد الملك ، و غيره ، و ليحذر المرء من دخوله تحت قوله - صلّى الله عليه و سلّم - : (( من حدّث عنّي بحديثٍ يرى أنّه كذب ٌ فهو أحد الكاذبين )) ؛ فكيف بمن عمل به ؟!؛ و لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام ، أو الفضائل ؛ إذ الكلّ شرع )) . =
= و إنّما قلت : (( عند من يُجيزه )) ؛ لأشير إلى أنّ هناك من يقول بعدم جواز العمل بالحديث الضّعيف - مطلقًا - ؛ و منهم : ابن حزمٍ ، و ابن العربيّ ، و غيرهما من العلماء المحقّقين ؛ كما ذكر ذلك الشّيخ جمال الدّين القاسميّ - رحمه الله - في " قواعد التّحديث " ؛ و هو الحقّ الّذي أشار إليه الحافظ ابن حجرٍ - رحمه الله - - آنفًا - ؛ بقوله : (( لا فرق في العمل بالحديث في الأحكام و الفضائل ؛ إذ الكلّ شرع )) .
و إذا كان النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - يحذّر أمّته من رواية الحديث الّذي لا يعلمون صحّته عنه ؛ بقوله : (( اتّقوا الحديث عنّي إلاّ ما علمتم )) ؛ صحّحه المُناويّ في " الفيض " ؛ فبالأحرى أن ينهى - صلّى الله عليه و سلّم - أمّته عن العمل بالحديث الضّعيف الّذي لا يعلمون صحّته ؛ كما هو بيّنٌ لا يخفى .
و تلك فائدةٌ لا يعلمها كثيرٌ من النّاس ؛ أحببت أن لا أختم التّعليق على هذه الرّسالة - إن شاء الله – تعالى - - إلاّ بعد تقديمها لإخواني المسلمين ؛ على هذا الإيجاز ؛ مع العلم أنّ مجال القول فيها واسعٌ ؛ لكن ّ المكان لا يتّسع لأكثر من ذلك .
[ إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السّمع و هو شهيد ] .
و صلّى الله على نبيّنا محمّدٍ ؛ أفضل المرسلين ، و خاتم النّبيّين ، و على آله و صحبه أجمعين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .
دمشق : 29 / 11 / 71
19 / 8 / 52 و كتبه :
ـــــــــ
محمّد ناصر الدّين نوح
الألبانيّ
أبو عبد الرّحمن(1/15)
أمّا إحياء الإنسان لهذه اللّيلة - وحده - بالعبادة - مطلقًا - في جملة ما تيسّر له إحياؤه من ليالٍ ؛ رجاء أن يكون لها في استجابة الدّعاء ، و قَبول العبادة المزيّة الّتي وردت في أحاديث فضلها ؛ فليس فيه بأسٌ ، و هذه الأحاديث تكفي داعيًا للإقبال فيها على العبادة ، و تنفي أن يكون قيام الرّجل فيها بشيءٍ من العبادة المطلقة عن التّقييد بعددٍ معيّنٍ ، أو هيئةٍ مخصوصةٍ بدعة ؛ و إن لم تبلغ هذه الأحاديث درجة الصّحيح .
و على هذا ؛ فليس على المسلم من حرجٍ في إحياء هذه اللّيلة - منفردًا مع ربّه - بمختلف أنواع العبادة ؛ من صلاةٍ ، و ذكرٍ ، و قراءة قرآن، و دعاء الأدعية المأثورة الصّحيحة ؛ فإنّ ذلك أرجى للقَبول .
بعض الأدعية الصّحيحة المأثورة
و من الدّعاء المأثور : ما رُوي عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ؛ أنّ النّبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - كان يقول : (( اللّهمّ إنّي أسألك الهُدى ، و التُّقى ، و العفاف ، و الغنى )) ؛ رواه مسلم .
و ما رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ؛ قال : (( كان رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - يقول : (( اللّهمّ أصلح لي ديني الّذي هو عِصمة أمري ، و أصلح لي دنياي الّتي فيها معاشي ، و أصلح لي آخرتي الّتي هي معادي ، و اجعل الحياة زيادةً لي في كلّ خير ، و اجعل الموت راحةً لي من كلّ شرّ )) ؛ رواه مسلم .
و عن أنسٍ - رضي الله عنه - ؛ قال : كان رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - يقول : (( اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العجز و الكسل ، و الجبن و الهرم ، و البخل ، و أعوذ بك من فتنة المحيا و الممات ) ؛ رواه مسلم .(1/16)
و عن زيدٍ بن أرقم - رضي الله عنه - ؛ قال : (( كان رسول الله - صلّى الله عيه و سلّم - يقول : (( اللّهمّ إنّي أعوذ بك من العجز و الكسل ، و البخل و الهرم ، و عذاب القبر ، اللّهمّ آت نفسي تقواها ، و زكّها ؛ أنت خير من زكّاها ؛ أنت وليّها و مولاها ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع ، و من قلبٍ لا يخشع ، و من نفسٍ لا تشبع ، و من دعوةٍ لا يُستجاب لها )) )) ؛ رواه مسلم .
و عن ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - ؛ أنّ رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - كان يقول : (( اللّهمّ لك أسلمت ، و بك آمنت ، و عليك توكّلت ، و إليك أنبت ، و بك خاصمت ، و إليك حاكمت ؛ فاغفر لي ما قدّمت ، و ما أخّرت ، و ما أسررت ، و ما أعلنت ؛ أنت المقدّم ، و أنت المؤخّر ؛ لا إله إلاّ أنت ، و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله )) ؛ متّفقٌ عليه .
جماعةٌ من علماء الأزهر
( تمّت ).(1/17)