تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد
بقلم محمد بن ناصر الدين الألباني
الجمع بين
نسخة المكتب الإسلامي : الطبعة الرابعة
و
نسخة مكتبة المعارف بالرياض: الطبعة الأولى(1/1)
الكتاب مأخوذ من نسخة المكتبة الشاملة [نسخة المكتب الإسلامي : الطبعة الرابعة] ومقارن مع نسخة مكتبة المعارف بالرياض: الطبعة الأولى pdf والفرق بينهم يسير جداً وعند التغاير الأفضلية لنسخة المكتب الإسلامي ما لم يكن تصحيفاً فعندها أثبت ما جاء في نسخة مكتبة المعارف أما الفهارس في آخر الكتاب فمن نسخة مكتبة المعارف .(1/2)
مقدمة الطبعة الثانية :
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ "(1) .
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "(2) .
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ
__________
(1) سورة آل عمران الآية 102
(2) سورة النساء الآية 1(1/3)
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " (1) .
أما بعد : فقد كنت طبعت آخر سنة ( 1377 ) هجرية رسالة بعنوان :
« تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد »
وكانت نسختي الخاصة من هذه الطبعة طيلة هذه المدة في متناول يدي ، كلما عثرت على فائدة زائدة تناسب موضوعها علقتها عليها ، رجاء ضمها إليها عند إعادة طبعها مزيدة ومنقحة ، وبذلك توفر عندي زيادات كثيرة هامة .
ولما طلب مني الأستاذ الأفضل زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي أن أقدمها إليه ليجدد طبعها افتقدتها فلم أجدها ، ولما يئست منها أرسلت إليه نسخة أخرى استعرتها من بعض أصحابي لتطبع كما هي ، على قاعدة : « ما لا يدرك كله لا يترك جله » . وبينما كان
__________
(1) سورة الأحزاب الآية 70 - 71(1/4)
أخي الأستاذ زهير الشاويش يعد العدة لطبعها ، إذ عثرت عليها بفضل الله تعالى وكرمه فبادرت بإرسالها إليه ، بعد تهذيبها وتهيئتها للطبعة الثانية .
ولما كان لتأليف الرسالة المذكورة يومئذ ظروف خاصة وملابسات معينة ، اقتضت الحكمة أن يكون أسلوبها على خلاف الأسلوب العلمي المحض الذي جريت عليه في كل مؤلفاتي ، من البحث الهادئ ، والاستدلال الرصين ، ذلك أنها كانت ردا على أناس لم تعجبهم دعوتنا إلى الكتاب والسنة ، على منهج السلف الصالح ، وخطة الأئمة الأربعة وغيرهم ممن اتبعوهم بإحسان ، فبادؤونا بالتأليف والرد وليته كان ردا علميا هادئا ، إذن لقابلتهم بأحسن منه ، ولكنه لم يكن كذلك - مع الأسف - بل كان مجرداً عن أي بحث علمي ، ممتلئاً بالسباب والشتائم ، وابتكار التهم التي لم تسمع من قبل ، لذلك لم نر يومئذ أن من الحكمة السكوت عنهم ، وتركهم ينشرون رسائلهم بين الناس دون أن يكون لدى(1/5)
هؤلاء مؤلَّف يكشف القناع عما فيها من الجهل والتهم " لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ
حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ "(1) ، لذلك كان لا بد من الرد عليهم بأسمائهم .
وعلى الرغم من أنني لم أقابل اعتداءهم وافتراءهم بالمثل فقد كانت الرسالة على طابعها العلمي رداً مباشراً عليهم ، وقد يكون فيها شيء من القسوة أو الشدة في الأسلوب في رأي بعض الناس الذين يتظاهرون بامتعاظهم من الرد على المخالفين المفترين ، ويودون لو أنهم تركوا دون أن يحاسبوا على جهلهم وتهمتهم للأبرياء ، متوهمين أن السكوت عنهم هو من التسامح الذي قد يدخل في مثل قوله تعالى : " وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا "(2) .
وينسون أو يتناسون أن ذلك مما يعينهم على الاستمرار على ضلالهم وإضلالهم للآخرين ، والله عز وجل يقول :
__________
(1) سورة الأنفال الآية 42
(2) سورة الفرقان الآية 63(1/6)
" وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ "(1) .
وأي أثم وعدوان أشد من اتهام المسلم بما ليس فيه ، بل بخلاف ما هو عليه ! ولو أن بعض هؤلاء المتظاهرين بما ذكرنا أصابه من الاعتداء دون ما أصابنا لسارع إلى الرد ولسان حاله ينشد :
ألا لا يجلهنَّ أحدٌ علينا………………………فنجهلُ فوق جهلِ الجاهلينَ
أقول على الرغم من ذلك : فإنني لأرى أن طبع الرسالة من جديد على وضعها السابق ليس من ورائه فائدة تذكر لذلك ، كان لابد من حذف بعض التعليقات ، وتعديل قليل من العبارات ، مما يهذب من أسلوبها ويتناسب مع طبعتها الجديدة ولا ينقص من قيمتها العلمية ، وبحوثها المهمة . وقد كنت ذكرت في مقدمة الطبعة الأولى أن موضوع الرسالة ينحصر في أمرين هامين جدا :
__________
(1) سورة المائدة الآية 2(1/7)
الأول : حكم بناء المساجد على القبور
الثاني : حكم الصلاة في هذه المساجد
وإني آثرت البحث فيهما ، لأن بعض الناس خاضوا فيهما بغير علم ، وقالوا ما لم يقله قبلهم عالم ، لا سيما وأكثر الناس لا معرفة عندهم فيه مطلقا فهم في غفلة عنه ساهون وللحق جاهلون ، ويدعمهم في ذلك سكوت العلماء عنهم -إلا من شاء الله وقليل ما هم - خوفاً من العامة ، أو مداهنة لهم في سبيل الحفاظ على منزلتهم في صدورهم ، متناسين قول الله تبارك وتعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ "(1) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « من كتم علماً ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار »(2)
__________
(1) سورة البقرة آية 159
(2) حديث حسن أخرجه ابن حبان في صحيحه رقم ( 296 ) =(1/8)
وكان من نتيجة هذا السكوت وذلك الجهل، أن آل الأمر إلى ارتكاب كثير من الناس ما حرم الله تعالى ولعن فاعله ، كما سيأتي بيانه ، وليت الأمر وقف عند هذا الحد ! بل صار بعضهم يتقرب إلى الله تبارك وتعالى بذلك ! فترى كثيراً من محبي الخير وعمارة المساجد منهم ، ينفق أموالاً طائلة ليقيم لله مسجداً ، لكنه يعد فيه قبراً ، يوصي أن يدفن فيه بعد موته !
وآخر مثال أعرفه على ذلك - وعسى أن يكون الأخير إن شاء الله - هذا المسجد الذي هو في رأس شارع بغداد من الجهة الغربية بدمشق وهو المعروف بـ « مسجد بعيرا » وفيه قبره ، وقد بلغنا أن الأوقاف مانعت في دفنه أول الأمر ، ثم لا ندري الأسباب الحقيقية التي حالت بينها وبين ما أرادت ودفن « بعيرا » في مسجده بل في قبلته ! وإنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو المستعان على الخلاص من هذه المنكرات وأمثالها !
__________
= والحاكم ( 1 / 102 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .(1/9)
ومنذ أيام قليلة توفي أحد المفتين من الشافعية ، فأراد ذووه أن يدفنوه في مسجد من المساجد القديمة شرقي دمشق ، فمانعت الأوقاف أيضا في ذلك ، فلم يدفن فيه ونحن نشكر الأوقاف على هذه المواقف الطيبة ، وحرصها على منع الدفن في المساجد ، راجين الله تبارك وتعالى أن يكون الحامل لها على هذا المنع هو رضاء الله عز وجل وإتباع شريعته ، ليس هو اعتبارات أخرى من سياسية أو اجتماعية أو غيرها .
وأن يكون ذلك بداية طيبة منها في سبيل تطهير المساجد من البدع والمنكرات المزدحمة فيها ! لا سيما ووزير الأوقاف فضيلة الشيخ الباقوري له مواقف كريمة في محاربة كثير من هذه المنكرات وخصوصا بناء المساجد على القبور ، وله في هذا الموضوع كلام مفيد سيأتي نقله في المكان المناسب إن شاء الله تعالى .
ومن المؤسف لكل مؤمن حقاً أن كثيراً من المساجد في(1/10)
البلاد السورية وغيرها لا تخلو من وجود قبر أو أكثر فيها ، كأن الله تبارك وتعالى أمر بذلك ولم يلعن فاعله ! فكم تحسن الأوقاف صنعا لو حاولت بحكمتها تطهير هذه المساجد منها .
ولست أشك أن ليس من الحكمة في شيء مفاجأة الرأي العام بذلك ، بل لا بد من إعلامه قبل كل شيء أن القبر والمسجد لا يجتمعان في دين الإسلام ، كما قال بعض العلماء الأعلام ، على ما سيأتي ، وأن اجتماعهما معاً ينافي إخلاص التوحيد والعبادة لله تبارك وتعالى ، هذا الإخلاص الذي من أجل تحقيقه تبنى المساجد ، كما قال تعالى :" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا "(1) .
أعتقد أن بيان ذلك واجب لا مناص منه ، ولعلي أكون قد وفقت للقيام به في هذه الرسالة ، فقد جمعت فيها الأحاديث المتواترة في النهي عن ذلك ، وأتبعتها بذكر مذاهب العلماء وأقوالهم المعتبرة ، التي تدل على ذلك ،
__________
(1) سورة الجن آية 18(1/11)
وتشهد في الوقت نفسه على أن الأئمة رضي الله عنهم كانوا أحرص على إتباع السنة ودعوة الناس إلى إتباعها ، والتحذير من مخالفتها ولكن صدق الله العظيم القائل : " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّ "(1) .
وهذه فصول الرسالة :
الفصل الأول : في أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثاني : في معنى اتخاذ القبور مساجد .
الفصل الثالث : في أن اتخاذ القبور مساجد من الكبائر .
الفصل الرابع : شبهات وجوابها .
الفصل الخامس : في حكمة تحريم بناء المساجد على القبور .
الفصل السادس : في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور .
__________
(1) سورة مريم آية 59(1/12)
الفصل السابع : في أن الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي .
وفي تضاعيف هذه الفصول فصول أخرى فرعية ، تضمنت فوائد هامة نافعة إن شاء الله تعالى .
وقد سميت الرسالة :
( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد )
ذلك ما كنت كتبت في مقدمة الطبعة الأولى .
وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع المسلمين بهذه الطبعة أكثر من سابقتها ، وأن يتقبلها مني وسائر عملي الصالح قبولا حسنا ويجزي القائم على طبعها خيرا .
دمشق في 23جمادى الأولى سنة 1392 هـ
محمد ناصر الدين الألباني(1/13)
الفصل الأول : أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في مرضه الذي لم يقم منه :
« لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » قالت : فلولا ذاك أُبرِزَ(1) قبره ، غير أنه خشي أن يتخذ
__________
(1) أي كشف قبره صلى الله عليه و سلم ولم يتخذ عليه الحائل ، والمراد الدفن خارج بيته ، كذا في « فتح الباري »
فائدة : قول عائشة هذا ، يدلّ دلالة واضحة على السبب الذي من أجله دفنوا النبي صلى الله عليه و سلم في بيته ، ألا وهو سد الطريق على من عسى أن يبني عليه مسجداً ، فلا يجوز والحالة هذه أن يتخذ ذلك حجة في دفن غيره صلى الله عليه و سلم في البيت يؤيد ذلك أنه خلاف الأصل لأن السنة الدفن في المقابر ، ولهذا قال ابن عروة في « الكوكب الدري » ( ق 188 / 1 تفسير 548 ) :
" والدفن في مقابر المسلمين أعجب إلى أبي عبد الله ( يعني : الإمام أحمد ) من الدفن في البيوت ، لأنه أقل ضررا على الأحياء من ورثته ، وأشبه بمساكن الآخرة وأكثر للدعاء له والترحم عليه ولم يزل أصحابه والتابعون ومن بعدهم يقبرون في الصحارى . =(1/14)
مسجداً(1)
ومثل قول عائشة هذا ما روي عن أبيها رضي الله عنهما فأخرج ابن زنجويه عن عمر مولى غفرة قال :
لما أئتمروا في دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال قائل : ندفنه حيث كان يصلي في مقامه ! وقال أبو بكر : معاذ الله أن نجعله وثناً يعبد ، وقال الآخرون : ندفنه في البقيع حيث دفن إخوانه من
__________
فإن قيل : فالنبي صلى الله عليه و سلم قبر في بيته وقبر صاحبه معه ؟ قلنا : قالت عائشة : إنما فعل ذلك لئلا يتخذ قبره مسجداً ، ولأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدفن أصحابه بالبقيع ، وفعله أولى من فعل غيره ، وإنما أصحابه رأوا تخصيصه بذلك ، ولأنه روي :« يدفن الأنبياء حيث يموتون » ، وصيانة لهم عن كثرة الطراق ، وتمييزاً له عن غيره "
(1) رواه البخاري ( 3 / 156 و 198 و 8 / 114 ) ومسلم ( 2 / 76 ) وأبو عوانة ( 1 / 399 ) وأحمد ( 6 / 80 و 121 و 255 ) والسراج في " مسنده " ( 3 / 48 / 2 ) عن عروة عنها .
وأحمد ( 6 / 146 و 252 ) والبغوي في " شرح السنة " ( ج 1 ص 415 ) طبع المكتب الإسلامي عن سعيد بن المسيب عنها . وسنده صحيح على شرط الشيخين .(1/15)
المهاجرين ، قال أبو بكر : إنا نكره أن يخرج قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى البقيع ، فيعوذ به من الناس من لله عليه حق ، وحق الله فوق حق رسوله صلى الله عليه و سلم ، فإن أخرجناه ( الأصل : أخرناه ) ضيعنا حق الله ، وإن أخفرناه (!) أخفرنا قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : فما ترى أنت يا أبا بكر ؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « ما قبض الله نبياً قط إلا دفن حيث قبض روحه » قالوا : فأنت والله رضي مقنع ، ثم خطوا حول الفراش خطاً ، ثم احتمله عليّ والعباس والفضل وأهله ، ووقع القوم في الحفر يحفرون حيث كان الفراش(1) .
2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
« قاتلَ اللهُ اليهودَ ؛ اتخذوا قُبُورَ أنبيائِهِمْ مَسَاجِد »(2) .
__________
(1) قال ابن كثير : وهو منقطع من هذا الوجه ؛ فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك أيام الصديق . كذا في ( الجامع الكبير ) للسيوطي ( 3 / 147 / 1-2 )
(2) رواه البخاري ( 2 / 422 ) ، ومسلم ، وأبو عوانة ، وأبو داود ( 2 / 71 ) وأحمد ( 2 / 284 و 366 و 396 و 453 و 518 ) ، وأبو يعلى في «مسنده» =(1/16)
3- و 4- عن عائشة وابن عباس ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حضرته الوفاة جعل يلقي على وجهه طرف خميصة(1) له فإذا اغتمّ كشفها عن وجهه ، وهو يقول : « لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائِهم مساجِد » . تقول عائشةُ : يحذر مثل الذي صنعوا(2) .
__________
= ( 278 / 1 ) ، والسراج ، والسهمي في « تاريخ جرجان » ( 349 ) ، وابن عساكر ( 14 / 367 / 2 ) عن سعيد بن المسيب عنه .ومسلم أيضا عن يزيد بن الأصم عنه .وأخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " ( 1 / 406 / 1589 ) من الوجه الأول عنه ، ولكنه أوقفه .
(1) ثوب خز أو صوف معلم . كذا في " النهاية "
قلت : والمراد هنا الثاني لأن الخز هو الحرير كما هو المعروف الآن وهو حرام على الرجال كما هو ثابت في السنة خلافاً لمن يستحله ممن لا يقيم للسنة وزنا .
(2) رواه البخاري ( 1 / 422 و 6 / 386 و 8 / 116 ) ومسلم ( 2 / 67 ) وأبو عوانة ( 1 / 399 ) والنسائي ( 1 / 115 ) والدرامي ( 1 / 326 ) وأحمد ( 1 / 218 و 6 / 34 و 229 و 275 ) وابن سعد في «الطبقات» ( 2 / 258 ) . ورواه عبد الرزاق في «المصنف» ( 1 / 406 / 1588 ) عن ابن عباس وحده .(1/17)
قال الحافظ ابن حجر : " وكأنه صلى الله عليه و سلم علم أنه مرتحل من ذلك المرض ، فخاف أن يعظم قبره كما فعل من مضى ، فلعن اليهود والنصارى إشارة إلى ذم من يفعل فعلهم " .
قلت : يعني من هذه الأمة وفي الحديث الآتي (6) التصريح بنهيهم عن ذلك ، فتنبه .
5 - عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان مرض النبي صلى الله عليه و سلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة ، يقال لها : مارية - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها وتصاويرها ، قالت : [ فرفع النبي صلى الله عليه و سلم رأسه ] فقال : « أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ، ثم صوروا تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله [ يوم القيامة ] »(1) .
__________
(1) رواه البخاري ( 1 / 416 و 422 ) ومسلم ( 2 / 66 / ) والنسائي ( 1 / 115 ) وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 140 طبع الهند ) وأحمد ( 6 / 51 طبع المكتب الإسلامي ) وأبو عوانة في " صحيحه " ( 1 / 400-401 ) والسياق له وابن سعد في =(1/18)
قال الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " :
" هذا الحديث يدل على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين ، وتصوير صورهم فيها ، كما يفعله النصارى ، ولا ريب أن كل واحد منهما محرم على انفراده ؛ فتصوير صور الآدميين يحرم ، وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم ، كما دلت عليه نصوص أخر يأتي ذكر بعضها ." قال : "والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأم سلمة كانت على الحيطان ونحوها ولم يكن لها ظل ، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرك بها والاستشفاع بها يحرم في دين الإسلام ، وهو من جنس عبادة الأوثان وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة ، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزه بذلك والتلهي محرم ، وهو من الكبائر ، وفاعله من أشد
__________
= " الطبقات " ( 2 / 240-241 ) والسراج في " مسنده " ( 48 / 2 ) وأبو يعلى في " الطبقات " ( ق . 220 / 2 ) والبيهقي ( 4 / 80 ) والبغوي ( 2 / 415 و 416 )(1/19)
الناس عذاباً يوم القيامة ، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله التي لا يقدر على فعلها غيره ، وأنه تعالى ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله سبحانه وتعالى " .
ذكره في «الكواكب الدراري» ( مجلد 65 / 82 / 2 ) .
قلت : ولا فرق في التحريم بين التصوير اليدوي والتصوير الآلي والفوتوغرافي ، بل التفريق بينهما جمود وظاهرية عصرية كما بينته في كتابي «آداب الزفاف» ( ص 106 - 116 الطبعة الثانية طبع المكتب الإسلامي ) .
6 - عن جندب بن عبد الله البجلي ؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يموت بخمس ، وهو يقول : « قد كان لي فيكم إخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ(1) إلى الله أن
__________
(1) أي امتنع من هذا وأنكره والخليل هو المنقطع إليه قيل : هو مشتق من الخلة ، بفتح الخاء وهي الحاجة ، وقيل : من الخلة بضم الخاء وهي تخلل المودة في القلب ، فنفى صلى الله عليه و سلم أن تكون حاجته وانقطاعه إلى غير الله تعالى . « شرح مسلم » للنووي .(1/20)
يكون لي فيكم خليل ، وإن الله عز و جل قد اتخذني خليلاً كما تخذ إبراهيم خليلاً ، ولو كنت متخذا من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا [وإن] من كان قبلكم [كانوا] يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك »(1) .
7 - عن الحارث النجراني قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني
__________
(1) رواه مسلم ( 2 / 67 68 ) وأبو عوانة ( 1 / 401 ) والسياق له والطبراني في « الكبير » ( 1 / 84 / 2 ) ورواه ابن سعد ( 2 / 240 ) مختصرا دون ذكر الإخوة واتخاذ الخليل . وله عنده (2/241) شاهد من حديث أبي أمامة ، وله شاهد ثان أخرجه الطبراني عن كعب بن مالك بسند لا بأس به كما قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " (1/120) وضعفه الحافظ نور الدين الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9/45) .(1/21)
أنهاكم عن ذلك » (1) .
8 - عن أسامة بن زيد ؛ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه الذي مات فيه : « أدخلوا عليَّ أصحابي » ، فدخلوا عليه وهو متقنع ببردة معافريّ(2) ، [فكشف القناع] فقال : « لعن الله اليهود [ والنصارى ] اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »(3) .
9 - عن أبي عبيدة بن الجراح قال : آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه و سلم : « أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذي اتخذوا ( وفي
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة ( ق 2 / 83 / 2 و ط 2 / 376 ) وإسناده صحيح على شرط مسلم .
(2) برود باليمن منسوبة إلى معافر وهي قبيلة باليمن . «نهاية»
(3) رواه الطيالسي في « مسنده » ( 2 / 113 من ترتيبه ) وأحمد ( 5 / 204 ) والطبراني في « الكبير » ( ج 1 ق 22 / 1 ) وسنده حسن في الشواهد وقال الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 2 / 114 ) « وسنده جيد » . وقال الهيثمي في « مجمع الزوائد » ( 2 / 27 ) " رجاله موثقون " .(1/22)
رواية : يتخذون )(1) قبور أنبيائهم مساجد »(2) .
10 - عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « لعن الله
__________
(1) وبين الروايتين فرق ظاهر فالرواية الأولى تعني ناسا تقدموا وهم اليهود والنصارى كما في الأحاديث المتقدمة ، والرواية الأخرى تعني من يسلك سبيلهم من هذا الأمة ويؤيدها الأحاديث ( 6 ، 7 ، 12 )
(2) رواه احمد ( رقم 1691 ، 1694 ) والطحاوي في « مشكل الآثار » ( 4 / 13 ) وأبو يعلى ( 57 / 1 ) وابن عساكر ( 8 / 367 / 2 ) بسند صحيح وقال الهيثمي في « المجمع » ( 5 / 325 ) :
" رواه أحمد بأسانيد ( الأصل بإسنادين ) ورجال الطريقين منها ثقات متصل إسنادها ورواه أبو يعلى "
قلت : وفي هذا الكلام نظر ظاهر ،لأن مدار الطرق الثلاث التي أشار إليها على إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة ، إلا أن الطريق الثالث أدخل بعض الرواة بينهما إسحاق بن سعد بن سمرة وهو وهم كما بينه الحافظ في « التعجيل » ثم إنه ليس فيه " واعلموا أن شرار الناس . . . " .ثم هذا الحديث ذكره الهيثمي في مكان آخر ( 2 / 82 ) نحوه وقال : « رواه البزار ورجاله ثقات » وله شاهد مرسل عن عمر بن عبد العزيز مرفوعا نحوه . رواه ابن سعد ( 2 / 254 )(1/23)
( وفي رواية : قاتل الله ) اليهود ؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »(1) .
__________
(1) رواه أحمد ( 5 / 184 ، 186 ) ورجاله ثقات غير عقبة بن عبد الرحمن هو ابن أبي معمر وهو مجهول كما في « التقريب » ولا تغتر بقول الهيتمي ( 2 / 27 ) : " رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال موثقون " كما فعل الشوكاني فإنه قال ( 2 / 114 ) " وسنده جيد " وذلك لأن قوله " موثقون " دون قوله " ثقات " فإن قولهم " موثقون " إشارة منهم إلى أن بعض رواته ليس توثيقه قويا فكأن الهيثمي يشير إلى أن عقبة هذا إنما وثقه ابن حبان فقط وأن توثيق ابن حبان غير موثوق به والله أعلم .
وكون توثيق ابن حبان لا يوثق به مما لا يرتاب فيه المتضلعون في هذا العلم الشريف وقد فصلت القول في ذلك في ردي على رسالة « التعقب الحثيث » للشيخ عبد الله الحبشي وقد نشر في التمدن الإسلامي في مقالات متتابعة ، ثم نشر في رسالة مستقلة تحت عنوان « الرد على التعقب الحثيث » فراجع ( ص 18 - 21 ) . على أن قول القائل في حديث ما " رجاله ثقات " أو "رجاله رجال الصحيح". فليس معناه أن إسناده صحيح كما بينته في غير هذا الموضع فانظر مثلا "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ( ج 2 ص 5 طبع المكتب الإسلامي) لكن الحديث صحيح لشواهده المتقدمة .(1/24)
11 - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « اللهم لا تجعل قبري وثناً(1) ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »(2) .
__________
(1) " قال ابن عبد البر : الوثن الصنم ، يقول : لا تجعل قبري صنماً يصلى ويسجد نحوه ويعبد ، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك ، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحذر أصحابه وسائر أمته من سوء صنيع الأمم قبلهم ، الذين صلوا إلى قبور أنبيائهم ، واتخذوها قبلة ومسجداً ، كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها ، وذلك الشرك الأكبر ، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه ، وأنه مما لا يرضاه ، خشية عليهم من امتثال طرقهم ، وكان صلى الله عليه و سلم يحب مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار ، وكان يخاف على أمته إتباعهم ، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه و سلم على جهة التعبير والتوبيخ « لتتبعن سنن الذين كانوا من قبلكم حذوا النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه » " .
كذا في « فتح الباري » لابن رجب ( 65 / 90 / 2 ) من « الكواكب » .
(2) رواه أحمد ( رقم 7352 ) وابن سعد ( 2/241-242 ) والمفضل الجندي في «فضائل المدينة» ( 66/1 ) وأبو يعلى في «مسنده» (312/1) والحميدي (1025) وأبو نعيم في «الحلية» ( 6/ 382و7/317 ) بسند صحيح .
وله شاهد مرسل رواه عبد الرزاق في " المصنف " ( 1/ 406 / 1587 ) وكذا(1/25)
12 - عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :
« إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد »(1) .
__________
= ابن أبي شيبة ( 4 / 141 ) عن زيد بن أسلم . وإسناده قوي .
وأخر أخرجه مالك في « الموطأ » ( 1 / 185 ) وعنه ابن سعد ( 2 / 240-241 ) عن عطاء بن يسار مرفوعا . وسنده صحيح ، وقد وصله البزار عنه عن أبي سعيد الخدري وصححه ابن عبد البر مرسلا وموصولا فقال : " فهذا الحديث عند من قال بمراسيل الثقات وعند من قال بالمسند لإسناد عمر بن محمد له وهو ممن تقبل زيادته " . انظر « تنوير الحوالك » للسيوطي .
وفيما قاله ابن عبد البر في عمر هذا نظر فقد قال الحافظ ابن رجب في « الفتح » : "
خرجه من طريقه البزار وعمر هذا هو ابن صبهان ، جاء منسوباً في بعض نسخ البزار ، وظن ابن عبد البر أنه عمر بن محمد العمري ، والظاهر أنه وهم ، وقد روي نحوه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر " .
(1) رواه ابن خزيمة في « صحيحه » ( 1 / 92 / 2 ) وابن حبان ( 340 و 341 ) وابن أبي شيبة في « المصنف » ( 4 / 140 طبع الهند ) وأحمد ( رقم 3844 =(1/26)
13 - عن علي بن أبي طالب قال : لقيني العباس فقال : يا علي انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإن كان لنا من الأمر شيء ، وإلا أوصى بنا الناس ، فدخلنا عليه وهو مغمى عليه ، فرفع رأسه فقال : « لعن الله اليهود اتخذوا قبور الأنبياء مساجد » . زاد في رواية : « ثم قالها الثالثة » . فلما رأينا ما به خرجنا ولم نسأله عن شيء(1) .
__________
= و 4143 ) والطبراني في « المعجم الكبير » ( 3 / 77 / 1 ) وأبو يعلى في « مسنده » ( 257 / 1 ) وأبو نعيم في « أخبار أصبهان » ( 1 / 142 ) بإسناد حسن وأحمد أيضا ( رقم 4342 ) بسند آخر حسن بما قبله ، والحديث بمحموعهما صحيح .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في « منهاج السنة » ( 1311 ) و « الإقتضاء » ( ص 185 ) : " وإسناده جيد " وقال الهيثمي ( 2 / 27 ) : " رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن " .
وفي اقتصاره في عزوه على الطبراني وحده قصور ظاهر ، مع أنه في المسند في ثلاثة مواضع منه كما أشرنا إليهما آنفا والشطر الأول من الحديث رواه البخاري في صحيحه ( 13 / 15 ) معلقاً .
(1) رواه ابن سعد ( 4 / 28 ) وابن عساكر ( 12 / 172 / 2 ) من طريقين عن(1/27)
14 - عن أمهات المؤمنين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا : كيف نبني قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أنجعله مسجدا ؟ فقال أبو بكر الصديق : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »(1) .
__________
= عثمان ابن اليمان نا أبو بكر ابن أبي عون أنه سمع عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن جده أو قال : عن أبيه أو عن جده قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول .
قلت : هذا إسناد حسن لولا أنني لم أعرف أبا بكر هذا ولم يورده الدولابي وأبو أحمد الحاكم في « الكنى »
(1) رواه ابن زنجويه في " فضائل الصديق " كما في " الجامع الكبير " ( 3 / 147 / 1 )(1/28)
الفصل الثاني : معنى اتخاذ القبور مساجد
لقد تبين من الأحاديث السابقة خطر اتخاذ القبور مساجد ، وما على من فعل ذلك من الوعيد الشديد عند الله عز وجل ، فعلينا أن نفقه معنى الاتخاذ المذكور حتى نحذره ، فأقول :
الذي يمكن أن يفهم من هذا الاتخاذ إنما هو ثلاث معان :
الأول : الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها
الثاني : السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء
الثالث : بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها
أقوال العلماء في معنى الاتخاذ المذكور :
وبكل واحد من هذه المعاني قال طائفة من العلماء ، وجاءت بها نصوص صريحة عن سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم .(1/29)
أما الأول ، فقال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " ( 1 / 121 ) :
« واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه » .
فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين أحدهما الصلاة على القبر
وقال الصنعاني في « سبل السلام » ( 1 / 214 ) : « واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها أو بمعنى الصلاة عليها » .
قلت : يعني أنه يعم المعنيين كليهما ويحتمل انه أراد المعاني الثلاثة ، وهو الذي فهمه الإمام الشافعيُّ رحمه الله ، وسيأتي نص كلامه في ذلك ويشهد للمعنى الأول أحاديث :
الأول : عن أبي سعيد الخدري : « أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها »(1)
__________
(1) رواه أبو يعلى في « مسنده » ( ق 66 / 2 ) وإسناده صحيح وقال الهيثمي =(1/30)
.
الثاني : قوله صلى الله عليه و سلم : « لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر »(1) .
الثالث : عن أنس : أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن الصلاة إلى القبور(2) .
الرابع : عن عمروا بن دينار - وسئل عن الصلاة وسط القبور - قال : ذكر لي أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : « كانت بنو إسرائيل
__________
=( 3 / 61 ) : " ورجاله ثقات "
(1) رواه الطبراني في « المعجم الكبير » ( 3 / 145 / 2 ) وعنه الضياء المقدسي في « المختارة » عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا وقال المقدسي : " وعبد الله بن كيسان قال فيه البخاري : منكر الحديث قال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال النسائي : ليس بالقوي إلا أني لما رأيت ابن خزيمة والبستي أخرجا له أخرجناه "
قلت : لكن الحديث صحيح ، فإن له عند الطبراني ( 3 / 150 / 1 ) طريقا آخر خيراً من هذه عن ابن عباس علقه البخاري في « التاريخ الصغير » ( ص 163 ) ، وشطره الأول له شاهد من حديث أبي مرثد ، يأتي قريبا .
(2) رواه ابن حبان ( 343 ) .(1/31)
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعلنهم الله تعالى »(1) .
وأما المعنى الثاني : فقال المناوي في « فيض القدير » حيث شرح الحديث الثالث المتقدم :
" أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل ، وإن اتخاذها مساجد لازمٌ(2) لاتخاذ المساجد عليها كعكسه ، وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم . قال القاضي ( يعني البيضاوي ) : لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة ، ويتوجهون في الصلاة نحوها ، فاتخذوها أوثاناً لعنهم الله ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه ... " .
__________
(1) رواه عبد الرزاق ( 1591 ) وهو مرسل صحيح الإسناد ، وموضع الشاهد منه أن عمرا استشهد بالحديث على النهي عن الصلاة بين القبور ، فد على أنه يعني المعنى المذكور .
(2) يعني : يلزم من السجود إليها بناء المساجد عليها ، كما يلزم من بناء المساجد عليها السجود إليها وهذا أمر واقع مشاهد .(1/32)
قلت : وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال صلى الله عليه و سلم :
« لا تجلسوا على القبور و لا تصلوا إليها »(1) .
__________
(1) رواه مسلم ( 3 / 62 ) وأبو داود ( 1 / 71 ) والنسائي ( 1 / 124 ) والترمذي ( 2 / 154 ) والطحاوي في « شرح المعاني » ( 1 / 296 ) والبيهقي ( 3 / 435 ) وأحمد ( 4 / 135 ) وابن عساكر ( 2 / 1512 و 152 / 2 ) من حديث أبي مرثد الغنوي وقال احمد : « إسناده جيد » .
وقول الشيخ سليمان حفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( رحمهم الله ) في حاشيته على « المقنع » ( 1/125 ) : " متفق عليه " . وهم منه .
ثم عزاه ( ص 281 ) لمسلم وحده فأصاب : وله [ على علمه وفضله ] من مثل هذا التخريج أوهام كثيرة جداً ، يجعل الاعتماد عليه في التخريج غير موثوق به ، وأنا أضرب على ذلك بعض الأمثلة الأخرى تنبيها لطلاب العلم ونصحاً لهم ، وإنما الدين النصيحة .
1 - قال « ص 20 » : " روى جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : لا تنتفعوا من الميتة بشيء ، رواه الدارقطني بإسناد جيد " .
قلت : وهو حديث ضعيف وفي الصحيح ما يعارضه وعزوه للدراقطني وهم لم أجد من سبقه إليه.
2 - قال « ص 28 » لقوله صلى الله عليه و سلم : « من استنجى من ريح فليس منا » رواه =(1/33)
قال الشيخ علي القاري في « المرقاة » ( 2 / 372 ) معللا النهي : " لما فيه من التعظيم البالغ كأنه من مرتبة المعبود ، ولو كان هذا التعظيمُ حقيقة للقبر أو لصاحبه لكفر المعظم ، فالتشبه به مكروه ، وينبغي أن تكون كراهة تحريم . وفي معناه بل أولى منه الجنازة الموضوعة ( يعني قبلة المصلين ) وهو مما ابتلي به أهل مكة حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها ".
قلت : يعني في صلاة الفريضة وهذا بلاءٌ عامٌ قد تعداه
__________
=الطبراني في « معجمه الصغير » .
قلت : وليس هذا في « المعجم » وأنا أخبر الناس به - والحمد لله - فإني خدمته ، ورتبته على مسانيد الصحابة وخرجت أحاديثه ووضعت فهرساً جامعاً لأحاديثه .
ثم إن الحزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فيه نظر ، لأنه من رواية أبي الزبير عن جابر ، كما أخرجه الجرجاني ( 272 ) وغيره وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه .
3 - قال « ص 29 » : " قال النبي صلى الله عليه و سلم : لخلوف فم الصائم . . . . " رواه الترمذي
قلت : وهو في « صحيح البخاري » و « صحيح مسلم » !!(1/34)
إلى بلاد الشام والأناضول وغيرها ، وقد وقفنا منذ شهر على صورة شمسية قبيحة جداً تمثل صفاً من المصلين ساجدين تجاه نعوش مصفوفة أمامهم فيها جثث جماعة من الأتراك كانوا ماتوا غرقا في باخرة .
وبهذه المناسبة نلفت النظر إلى أن الغالب من هديه صلى الله عليه و سلم هو الصلاة على الجنائز في « المصلى » خارج المسجد ، ولعل من حكمة ذلك إبعادُ المصلين عن الوقوع في مثل هذه المخالفة التي نبه عليها العلامة القاري رحمه الله .
ونحو الحديث السابق ما روى ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه قال :
" كنت أصلي قريباً من قبر ، فرآني عمر بن الخطاب فقال : القبر القبر . فرفعت بصري إلى السماء ، وأنا أحسبه يقول : القمر! "(1) .
__________
(1) رواه أبو الحسن الدينوري في « جزء فيه مجالس من أمالي أبي الحسن القزويني » ( ق 3 / 1 ) بإسناد صحيح ، وعلقه البخاري ( 1 / 437 _ فتح ) ، =(1/35)
وأما المعنى الثالث : فقد قال به الإمام البخاريُّ ، فإنه ترجم للحديث الأول بقوله « باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجدا على القبور » .
فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجداً يلزمُ منه النهي عن بناء المساجد عليه ، وهذا أمر واضح ، وقد صرح به المناوي آنفا وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث : " قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجداً ، ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير ، ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم " .
وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها في آخر الحديث الأول :
" فلولا ذاك أُبرِزَ قبره ، غير انه خُشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجداً " .
__________
ووصله عبد الرزاق أيضا في « مصنفه » ( 1 / 404 / / 1581 ) وزاد : « إنما أقول القبر : لا تصل إليه ».(1/36)
إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها ، لجعل قبره صلى الله عليه و سلم في أرضٍ بارزةٍ مكشوفةٍ ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا ذلك خشية أن بُيْنَى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم ، فتشملهم اللعنة .
ويؤيد هذا ما روى ابن سعد ( 2 / 241 ) بسند صحيح عن الحسن - وهو : البصري - قال : ائتمروا(1) أن يدفنوه صلى الله عليه و سلم في المسجد ، فقالت عائشة : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان واضعاً رأسه في حجري ، إذ قال : « قاتل الله أقواماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » ، واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة .
قلت : هذه الرواية على إرسالها تدل على أمرين اثنين :
أحدهما : أن السيدة عائشة فهمت من الاتخاذ المذكور في
__________
(1) أي تشاوروا(1/37)
الحديث انه يشمل المسجد الذي قد يدخل فيه القبر فبالأحرى أن يشمل المسجد الذي بني على القبر .
الثاني : أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه صلى الله عليه و سلم في بيتها .
فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر ، أو إدخال القبر في المسجد ، فالكل حرام لأن المحذور واحد ولذلك قال الحافظ العراقي :" فلو بنى مسجدا يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة ، بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط أن يدفن فيه لم يصح الشرط ؛ لمخالفة وقفه مسجداً " (1) .
قلت:وفي هذا إشارة إلى أن المسجد والقبر لا يجتمعان في دين الإسلام،كما تقدم ويأتي
ويشهد لهذا المعنى الحديث الخامس المتقدم بلفظ :
« أولئك قوم إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على
__________
(1) نقله المناوي في " فيض القدير " ( 5 / 274 ) وأقره(1/38)
قبره مسجداً ... أولئك شرار الخلق ... » .
فهو نص صريح في تحريم بناء المسجد على قبور الأنبياء والصالحين ؛ لأنه صرح أنه من أسباب كونهم من شرار الخلق عند الله تعالى .
ويؤيده حديث جابر رضي الله عنه قال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبنى عليه »(1) .
__________
(1) رواه مسلم ( 3 / 62 ) والسياق له وابن أبي شيبة ( 4 / 134 ) والترمذي ( 2 / 155 ) وصححه واحمد ( 3 / 339 و 399 ) .
واعلم أن حديث جابر هذا في النهي عن البناء على القبر حديث صحيح لا يرتاب في ذلك ذو علم بطرق التصحيح والتضعيف ، فلا تغتر بإعلال الكوثري له في « مقالاته » ( ص 159 ) بان " فيه عنعنة أبي الزبير " فإن أبا الزبير قد صرح بالتحديث عند مسلم وكذا أحمد وما أعتقد أن هذا يخفى على الكوثري ، ولكن يفعل ذلك عمداً شأن أهل الأهواء قديماً وحديثاً يضعفون الأحاديث الصحيحة إذا كانت عليهم ، ويصححون الأحاديث الضعيفة إذا كانت لهم ! والكوثري هذا مشهور بذلك عند أهل العلم ، وقد بينت شيئاً من هذا في « الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة » ( الأحاديث 23 و 24 و 25 ) فليراجع من شاء التأكد مما نقول ويأتيك مثال =(1/39)
فإنه بعمومه يشمل بناء المسجد على القبر ، كما يشمل بناء القبة عليه ، بل الأول أولى بالنهي كما لا يخفى .
فثبت أن هذا المعنى صحيح أيضا يدل عليه لفظ ( الاتخاذ ) وتؤيده الأدلة الأخرى .
أما شمول الأحاديث للنهي عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فدلالتها على ذلك أوضح وذلك لأن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها ، من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن المقصود بها والتوسل بها إليه ، مثاله إذا نهى الشارع عن بيع الخمر ،
__________
آخر في هذا الكتاب . ويؤيد صحة الحديث أنا أبا الزبير لم يتفرد به ، بل تبعه سليمان بن موسى عند أحمد وغيره ، ولما صححه الترمذي قال : " وقد روي من غير وجه عن جابر " وتابعه أيضا أبو نضرة عند ابن النجار في « ذيل تاريخ بغداد » ( 10 / 201 / 1 )
وله شاهد عن أم سلمة عند أحمد ، وآخر عند أبي سعيد كما في «الكواكب الدراري» (ق 8687 تفسير 548 )(1/40)
فالنهي عن شربه داخل في ذلك كما لا يخفى بل النهي عن من باب أولى .
ومن البين جداً أن النهي عن بناء المساجد على القبور ليس مقصوداً بالذات ، كما أن الأمر ببناء المساجد في الدور والمحلات ليس مقصوداً بالذات ، بل ذلك كله من أجل الصلاة فيها ، سلباً أو إيجاباً ، يوضح ذلك المثال الآتي : لو أن رجلاً بنى مسجداً في مكان قفر غير مأهول ، ولا يأتيه أحدٌ للصلاة فيه ، فليس لهذا الرجل أي أجر في بنائه لهذا المسجد ، بل هو عندي آثم ؛ لإضاعة المال ، ووضعه الشيء في غير محله !
فإذا أمر الشارع ببناء المساجد فهو يأمر ضمناً بالصلاة فيها لأنها هي المقصودة بالبناء ، وكذلك إذا نهى عن بناء المساجد على القبور فهو ينهى ضمناً عن الصلاة فيها ، لأنها هي المقصودة بالبناء أيضاً ، وهذا بين لا يخفى على العاقل إن شاء الله تعالى .(1/41)
ترجيح شمول الحديث للمعاني كلها وقول الشافعي بذلك .
وجملة القول : أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث المتقدمة يشمل كل هذه المعاني الثلاثة ، فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه و سلم ، وقد قال بذلك الإمام الشافعيُّ رحمه الله ، ففي كتابه « الأم » ( 1 / 246 ) ما نصه :
" وأكره أن يبنى على القبر مسجد ، وأن يسوى ، أو يصلى عليه وهو غير مسوى ( يعني أنه ظاهر معروف ) أو يصلى إليه " ، قال : " وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء ، أخبرنا مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : « قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » . " قال : " وأكره هذا للسنة والآثار ، وأنه كره - والله تعالى أعلم - أن يُعظم أحدٌ من المسلمين ، يعني يُتخذ قبره مسجداً ، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على ما يأتي بعده " .
فقد استدل بالحديث على المعاني الثلاثة التي ذكرها في سياق كلامه فهو دليل واضح على أنه يفهم الحديث على(1/42)
عمومه وكذلك صنع المحقق الشيخ على القارئ نقلاً عن بعض أئمة الحنفية فقال في « مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح » ( 1 / 456 ) :
" سبب لعنهم : إما لأنهم كانوا يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لهم ، وذلك هو الشرك الجلي ، وإما لأنهم كانوا يتخذون الصلاة لله تعالى في مدافن الأنبياء ، والسجود على مقابرهم ، والتوجه إلى قبورهم حالة الصلاة نظراً منهم بذلك إلى عبادة الله والمبالغة في تعظيم الأنبياء ، وذلك هو الشرك الخفي ؛ لتضمنه ما يرجع إلى تعظيم مخلوق فيما لم يؤذن له ، فنهى النبي صلى الله عليه و سلم أمته عن ذلك إما لمشابهة ذلك الفعل سنة اليهود ، أو لتضحية الشرك الخفي . كذا قاله بعض الشرَّاح من أئمتنا ، ويؤيده ما جاء في رواية : يحذر ما صنعوا " .
قلت : والسبب الأول الذي ذكره وهو السجود لقبور الأنبياء تعظيماً لهم ، وإن كان غير مستبعد حصوله من اليهود والنصارى ، فإنه غير متبادر من قوله صلى الله عليه و سلم : « اتخذوا قبور(1/43)
أنبيائهم مساجد » ، فإن ظاهره أنهم اتخذوها مساجد لعبادة الله فيها على المعاني السابقة تبركا بمن دفن فيها من الأنبياء ، وإن كان هذا أدى بهم - كما يؤدي بغيرهم - إلى وقوعهم في الشرك الجلي ذكره الشيخ القارئ .(1/44)
الفصل الثالث : اتخاذ المساجد على القبور من الكبائر
بعد أن تبين لنا معنى الاتخاذ الوارد في الأحاديث المتقدمة ، يحسن بنا أن نقف قليلاً عند هذه الأحاديث لنتعرف منها حكم الاتخاذ المذكور ، مسترشدين في ذلك بما ذكره العلماء حوله ، فأقول :
إن كل من يتأمل في تلك الأحاديث الكريمة يظهر له بصورةٍ لا شك فيها أن الاتخاذ المذكور حرام ، بل كبيرة من الكبائر ، لأن اللعن الوارد فيها ،ووصف المخالفين بأنهم من شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى ، لا يمكن أن يكون في حق من يرتكب ما ليس كبيرة كما لا يخفى .
مذاهب العلماء في ذلك
وقد اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم ذلك ، ومنهم من صرح بأنه كبيرة ، وإليك تفاصيل المذاهب في ذلك :(1/45)
1- مذهب الشافعية انه كبيرة
قال الفقيه ابن حجر الهيتمي في « الزواجر عن اقتراف الكبائر » ( 1 / 120 ) : " الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون : اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واتخاذها أوثاناً ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها "
ثم ساق بعض الأحاديث المتقدمة وغيرها ثم قال ( ص 111 ) :
" ( تنبيه ) : عد هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية ، وكأنه
أخذ ذلك مما ذكرته من الأحاديث ، ووجه اتخاذ القبر مسجدا منها واضح ؛ لأنه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه ، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله تعالى يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية : « يحذر ما صنعوا » أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا ، ومن ثم قال أصحابنا : تحرم(1/46)
الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركاً وإعظاماً ، ومثلها الصلاة عليه للتبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة من الأحاديث المذكورة لما علمت ، فقال بعض الحنابلة :
" قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركاً به عين المحادة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وابتداع دين لم يأذن به الله ، للنهي عنها ثم إجماعاً ، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد ، أو بناؤها عليها ، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه و سلم لعن فاعله ، ويجب المبادرة لهدمها ، وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لأنه نهى عن ذلك ، وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ، ولا يصح وقفه ونذره . انتهى " .
هذا كله كلام الفقيه ابن حجر الهيتمي وأقره عليه المحقق الآلوسي في « روح المعاني » ( 5 / 31 ) ، وهو كلام يدل على(1/47)
فهم وفقه في الدين ، وقوله فيما نقله عن بعض الحنابلة :
" والقول بالكراهة محمول على غير ذلك " .
كأنه يشير إلى قول الشافعي " وأكره أن يبنى على القبر مسجد . . " الخ كلامه الذي نقلته بتمامه فيما سبق (ص 42 ) .
وعلى هذا أتباعه من الشافعية كما في « التهذيب » وشرحه « المجموع » ، ومن الغريب أنهم يحتجون على ذلك ببعض الأحاديث المتقدمة ، مع أنها صريحة في تحريم ذلك ، ولعن فاعله ، ولو أن الكراهة كانت عندهم للتحريم لقرب الأمر ، ولكنها لديهم للتنزيه ، فكيف يتفق القول بـ ( الكراهة ) مع تلك الأحاديث التي يستدلون بها عليها ؟!
أقول هذا وإن كنت لا أستبعد حمل الكراهة في عبارة الشافعي المتقدمة خاصة على الكراهة التحريمية ؛ لأنه هو المعنى الشرعي المقصود في الاستعمال القرآني ولا شك أن(1/48)
الشافعي متأثر بأسلوب القرآن غاية التأثر ، فإذا وقفنا في كلامه على لفظ له معنى خاص في القرآن الكريم وجب حمله عليه لا على المعنى المصطلح عليه عند المتأخرين ، فقد قال تعالى " وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ "(1) وهذه كلها محرمات ، فهذا المعنى - والله اعلم - هو الذي أراده الشافعي رحمه الله بقوله المتقدم " وأكره " ، ويؤيده انه قال عقب ذلك : " وإن صلى إليه أجزأه ، وقد أساء " فإن قوله " أساء " معناه ارتكب سيئة أي حراما فإنه هو المراد بالسيئة في أسلوب القرآن أيضا فقد قال تعالى في سورة ( الإسراء ) بعد أن نهى عن قتل الأولاد وقربان الزنا وقتل النفس وغير ذلك : " كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا "(2) أي محرماً .
ويؤكد أن هذا المعنى هو المراد من الكراهة في كلام
__________
(1) سورة الحجرات ، الآية 7 .
(2) سورة الإسراء ، الآية 38 .(1/49)
الشافعي في هذه المسألة أن مذهبه أن الأصل في النهي التحريم إلا ما دل الدليل على أنه لمعنى آخر ، كما صرح بذلك في رسالته « جماع العلم » ( ص 125 ) ونحوه في كتابه « الرسالة » ( ص 343 ) .
ومن المعلوم لدى كل من درس هذه المسألة بأدلتها أنه لا يوجد أي دليل يصرف النهي الوارد في بعض الأحاديث المتقدمة إلى غير التحريم كيف والأحاديث تؤكد أنه للتحريم كما سبق ؟ ولذلك فإني أقطع بأن التحريم هو مذهب الشافعي ، لا سيما وقد صرح بالكراهة بعد أن ذكر حديث « قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » كما تقدم فلا غرابة إذن إذا صرح الحافظ العراقي - وهو شافعي المذهب - بتحريم بناء المسجد على القبر كما تقدم (ص 38 ) والله أعلم .
ولهذا نقول : لقد اخطأ من نسب إلى الإمام الشافعي القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنا بحجة أنه صرح(1/50)
بكراهة ذلك ، والكراهة لا تنافي الجواز إذا كانت للتنزيه ! قال ابن القيم في « إعلام الموقعين » ( 1 / 4748 ) :
" نص الشافعي على كراهة تزوج الرجل بنته من ماء الزنا ولم يقل قط أنه مباح ولا جائز ، والذي يليق بجلالته وإمامته ومنصبه الذي أحله الله به من الدين أن هذه الكراهة منه على وجه التحريم وأطلق لفظ الكراهة لأن الحرام يكرهه الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وقد قال تعالى عقب ذكر ما حرمه من المحرمات من عند قوله " وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ... "(1) إلى قوله : " وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... " (2) إلى قوله " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... "(3) إلى آخر الآيات ثم قال : " كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا "(4) .
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الإنعام الآية 151 [[ والحق أن إبن القيم رحمه الله إنما يقصد الآية 33 من سورة الإسراء كما يدل سياق كلامه وليس الآية 151 من سورة الأنعام .]]
(3) سورة الإسراء الآية 36
(4) سورة الإسراء الآية 38(1/51)
وفي الصحيح « إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال » . فالسلف كانوا يستعملون الكراهة في معناها الذي استعملت فيه في كلام الله ورسوله ، ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص الكراهة بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الاصطلاح الحادث فغلط في ذلك وأقبح غلطاً منه من حمل لفظ الكراهة أو لفظ لا ينبغي في كلام الله ورسوله صلى الله عليه و سلم على المعنى الاصطلاحي الحادث ! " .
وبهذه المناسبة نقول :
إن من الواجب على أهل العلم أن ينتبهوا للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية التي تحمل معاني خاصة معروفة عند العرب هي غير هذه المعاني الحديثة ، لأن القرآن نزل بلغة العرب فيجب أن تفهم مفرداته وجمله في حدود ما كان يفهم العرب الذين أنزل عليهم القرآن ولا يجوز أن تفسر بهذه المعاني الاصطلاحية الطارئة التي اصطلح عليها(1/52)
المتأخرون ، و إلا وقع المفسر بهذه المعاني في الخطأ والتقول على الله ورسوله من حيث يشعر و قد قدمت مثالاً على ذلك لفظ ( الكراهة ) .
وإليك مثالا آخر لفظ ( السنة ) : . فإنه في اللغة الطريقة وهذا يشمل كل ما كان عليه الرسول صلى الله عليه و سلم من الهدى والنور فرضاً كان أو نفلاً وأما اصطلاحا فهو خاص بما ليس فرضاً من هديه صلى الله عليه و سلم فلا يجوز أن يفسر بهذا المعنى الاصطلاحي لفظ ( السنة ) الذي ورد في بعض الأحاديث الكريمة كقوله صلى الله عليه و سلم : « ... وعليكم بسنتي ... » وقوله صلى الله عليه و سلم « ... فمن رغب عن سنتي فليس مني » .
ومثله الحديث الذي يورده بعض المشايخ المتأخرين في الحض على التمسك بالسنة بمعناها الاصطلاحي وهو : " من ترك سنتي لم تنله شفاعتي " فأخطأوا مرتين :
الأولى : نسبتهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لا أصل له فيما نعلم .(1/53)
الثانية : تفسيرهم للسنة بالمعنى الاصطلاحي غفلة منهم عن معناها الشرعي ، وما أكثر ما يخطئ الناس فيما نحن فيه بسبب مثل هذه الغفلة !
ولهذا أكثر ما نبه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله على ذلك ، وأمروا في تفسير الألفاظ الشرعية بالرجوع إلى اللغة لا العرف وهذا في الحقيقة أصل لما يسمونه اليوم ب « الدراسة التاريخية للألفاظ »
ويحسن بنا أن نشير إلى أن من أهم أغراض مجمع اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة في مصر " وضع معجم تاريخي للغة العربية ، ونشر بحوث دقيقة في تاريخ بعض الكلمات وما طرأ على مدلولاتها من تغيير " كما جاء في الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون ذي الرقم ( 434 ) ( 1955 ) الخاص بشأن تنظيم مجمع اللغة العربية ( انظر " مجلة المجتمع " ج8 ص5 ) . فعسى أن يقوم المجمع بهذا العمل العظيم ويعهد به إلى أيد عربية مسلمة فإن أهل مكة(1/54)
أدرى بشعابها وصاحب الدار أدرى بما فيها وبذلك يسلم هذا المشروع من كيد المستشرقين ومكر المستعمرين !
2- مذهب الحنفية الكراهة التحريمية
والكراهة بهذا المعنى الشرعي قد قال به هنا الحنفية فقال الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة في كتابه « الآثار » ( ص 45 ) :
" لا نرى أن يزاد على ما خرج من القبر ، ونكره أن يجصص أو يطين أو يجعل عنده مسجداً " .
والكراهة عن الحنفية إذا أطلقت فهي للتحريم ، كما هو معروف لديهم ، وقد صرح بالتحريم في هذه المسألة ابن الملك منهم كما يأتي ( ص 166 ) .
3- مذهب المالكية التحريم
وقال القرطبي في تفسيره ( 10 / 38 ) بعد أن ذكر الحديث الخامس :
" قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور(1/55)
الأنبياء والعلماء مساجد "
4- مذهب الحنابلة التحريم
ومذهب الحنابلة التحريم أيضا كما في « شرح المنتهى » ( 1 / 353 ) وغيره ، بل نص بعضهم على بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، ووجوب هدهما فقال ابن القيم في « زاد المعاد » ( 3 / 22 ) في صدد بيان ما تضمنته غزوة تبوك من الفقه والفوائد ، وبعد أن ذكر قصة مسجد الضرار الذي نهى الله تبارك وتعالى نبيه أن يصلي فيه وكيف أنه صلى الله عليه و سلم هدمه وحرقه قال :
" ومنها تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله صلى الله عليه و سلم فيها ، وهدمها ، كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار ، وأمر بهدمه وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه لما كان بناؤه ضرراً وتفريقاً بين المؤمنين ، ومأوى للمنافقين ، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام(1) تعطيله إما بهدم أو تحريق ،
__________
(1) قلت : مفهوم هذا أن ذلك لا يجب على غير الإمام ومثله من ينوب عنه =(1/56)
وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له ، وإذا كان هذا شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أندادا من دون الله أحق بذلك ، وأوجب ، وكذلك محال المعاصي والفسوق ، كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات ، وقد حرق عمر بن الخطاب قرية بكاملها يباع فيها الخمر ، وحرق حانوت رويشد الثقفي(1) وسماه فويسقاً ، وحرق قصر(2) سعد لما احتجب
__________
= وهذا هو الذي يقتضيه النظر الصحيح ، لأنه لو قام به غيره لترتب على ذلك مفاسد وفتن بين المسلمين قد تكون أكبر من المصلحة التي يراد جلبها .
(1) روى الدولابي في « الكنى » ( 1 / 189 ) عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : " رأيت عمر أحرق بيت رويشد الثقفي حتى كأنه جمرة أو حممة وكان جارنا يبيع الخمر " . وسنده صحيح . ورواه عبد الرزاق عن صفية بنت أبي عبيد كما في « الجامع الكبيرة » ( 3 / 204 / 1 ) وأبو عبيد في « الأموال » ( ص 103 ) عن ابن عمر وسنده صحيح أيضا .
(2) يعني باب القصر ، والقصة رواها عبد الله بن المبارك في « الزهد » ( 179 / 1 ) من « الكواكب الدراري » تفسير ( 575 ورقم 513 - 528 ط ) وأحمد ( رقم 390 ) بسند رجاله ثقات(1/57)
فيه عن الرعية ، وهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجماعة والجمعة(1) ، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك(2) . ومنها أن الوقف لا يصح على غير برٍّ ، ولا قربة ، كما لم يصح وقف هذا المسجد ، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق فلو وضعا معاً لم يجز ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه و سلم
__________
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو مخرج في « صحيح أبي داود » ( 557 و 558 ) . ( تنبيه ) : إن حديث الجمعة حديث آخر من رواية ابن مسعود مرفوعا أخرجه مسلم دون البخاري .
(2) قلت : هذا وإن كان هو المعقول لكن السند بذلك لم يصح عنه صلى الله عليه و سلم فإن فيه أبا معشر نجيح المدني وهو ضعيف لسوء حفظه بل حديثه هذا منكر كما بينته في " تخريج المشكاة " ( 1073 ) التحقيق الثاني .(1/58)
عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا أو أوقد عليه سراجا(1) فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه ،
__________
(1) يشير إلى حديث ابن عباس « لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج » رواه أبو داود وغيره ولكنه ضعيف السند وإن لهج بذكره كثير من السلفيين فالحق أحق أن يقال وأن يتبع وممن ضعفه من المتقدمين الإمام مسلم فقال في « كتاب التفصيل » :
" هذا الحديث ليس بثابت ، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه ولا يثبت له سماع من ابن عباس "
نفله ابن رجب في " الفتح " كما في " الكواكب " ( 65 / 82 / 1 ) .
وقد بينت ضعف هذا الحديث في « الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة » رقم ( 225 ) وقد ذكرت هناك أن الحديث صحيح لغيره إلا اتخاذ السرج ، فإنه منكر لم يأت إلا من هذا الطريق الضعيف .
وقد وقفت الآن على خطأ فاحش حول هذا الحديث فجاء في كتاب " القول المبين " لأحد أفاضل العلماء المعاصرين السلفيين ما نصه ( ص 79 ) :
" وهذا الحديث وإن كان في إسناده عند أصحاب السنن مقال فإن إسناده عند الحاكم خال من هذا المقال لأن طريق الحاكم غير طريقهم " !
قلت : والحديث مدراه عند الحاكم وغيره على أبي صالح عن ابن عباس وقد قال الحاكم عقبه ( 1 / 374 ) : =(1/59)
وغربته بين الناس كما ترى "
فتبين مما نقلناه عن العلماء أن المذاهب الأربعة متفقة على ما أفادته الأحاديث المتقدمة ، من تحريم بناء المساجد على القبور . وقد نقل اتفاق العلماء على ذلك اعلم الناس بأقوالهم ومواضع اتفاقهم واختلافهم ألا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد سئل رحمه الله بما نصه :
" هل تصح الصلاة على المسجد إذا كان فيه قبر والناس تجتمع فيه لصلاتي الجماعة والجمعة أم لا ؟ وهل يمهد القبر أو يعمل عليه حاجز أو حائط ؟ فأجاب :
" الحمد لله ، اتفق الأئمة أنه لا يُبنى مسجد على قبرٍ ؛ لأن
__________
= " أبو صالح هو باذام ولم يحتجا به " .
قلت : وهو ضعيف عند جمهور الأئمة ، ولم يوثقه إلا العجلي وحده كما قال الحافظ في « التهذيب » والعجلي معروف بتساهله في التوثيق كابن حبان ولم نجد للحديث طريقاً آخر لنشد عضده به بعد مزيد البحث عنه .
ولعل المشار إليه ، عني بكلامه بعض الشواهد التي ذكرتها هناك لكن هذه ليس فيها ذكر السراج أصلاً فهو وهم على وهم .(1/60)
النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، فإني أنهاكم عن ذلك » . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غُيِّر إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديداً وإن كان المسجد بُنيَ بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما تزال صورة القبر فالمسجد الذي على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل ، فإنه منهي عنه " كذا في الفتاوى له ( 1 / 107 و 2 / 192 ) .
وقد تبنت دار الإفتاء في الديار المصرية فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية هذه فنقلتها عنه في فتوى لها أصدرتها تنص على عدم جواز الدفن في المسجد فليراجعها من شاء في " مجلة الأزهر " ( ج 11 ص 501 - 503 )(1) .
وقال ابن تيمية في « الاختيارات العلمية » ( ص 52 ) :
" ويحرم الإسراج على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ،
__________
(1) وفي المجلة نفسها مقال آخر في تحريم البناء على القبور مطلقا فانظر ( مجلد سنة 1930 ص 359 و364 ) .(1/61)
وبينها ، ويتعين إزالتها ، ولا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين " .
ونقله ابن عروة الحنبلي في « الكواكب الدراري » ( 2 / 244 / 1 ) وأقره
وهكذا نرى أن العلماء كلهم اتفقوا على ما دلت عليه الأحاديث من تحريم اتخاذ المساجد على القبور ، فنحذر المؤمنين من مخالفتهم ، والخروج عن طريقتهم ، خشية أن يشملهم وعيد قوله عزّ وجل " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا "(1) .
و " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِي " (2) .
__________
(1) سورة النساء الآية 115 .
(2) سورة ق الآية 37 .(1/62)
الفصل الرابع : شبهات وجوابها
قد يقول قائل : إذا كان من المقرر شرعاً تحريم بناء المساجد على القبور ، فهناك أمور كثيرة تدل على خلاف ذلك وإليك بيانها :
أولا : قوله تعالى في سورة الكهف " قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا "(2) ، ووجه دلالة الآية على ذلك : أن الذين قالوا هذا القول كانوا نصارى على ما هو مذكور في كتب التفسير ، فيكون اتخاذ المسجد على القبر من شريعتهم وشريعة من قبلنا شرعية لنا إذا حكاها الله تعالى ولم يعقبها بما يدل على ردها كما في هذه الآية الكريمة .
ثانيا : كون قبر النبي صلى الله عليه و سلم في مسجده الشريف ولو كان
__________
(1) سورة الكهف الآية 21(1/63)
ذلك لا يجوز لما دفنوه صلى الله عليه و سلم في مسجده !
ثالثا : صلاة النبي صلى الله عليه و سلم في مسجد الخيف مع أن فيه قبر سبعين نبيا كما قال صلى الله عليه و سلم !
رابعا : ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام وغيره في الحجر من المسجد الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى المصلى فيه .
خامسا : بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجدا على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه و سلم كما جاء في « الاستيعاب » لابن عبد البر
سادسا : زعم بعضهم أن المنع من اتخاذ القبور مساجد إنما كان لعلة خشية الافتتان بالمقبور ، ثم زالت برسوخ التوحيد في قلوب المؤمنين ، فزال المنع !
فكيف التوفيق بين هذه الأمور والتحريم المذكور ؟
وجواباً على ذلك أقول وبالله تعالى أستعين :(1/64)
الجواب عن الشبهة الأولى :
أما الشبهة الأولى فالجواب عنها من ثلاثة وجوه :
الأول : أن الصحيح المتقرر في علم الأصول أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لأدلة كثيرة(1) منها قوله صلى الله عليه و سلم : « أعطيت خمسا لم يعطهن أحدا من الأنبياء قبلي ... ( فذكرها ، وآخرها ) وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة »(2) .
فإذا تبين هذا فلسنا ملزمين بالأخذ بما في الآية لو كانت تدل على أن جواز بناء المسجد على القبر كان شريعة لمن قبلنا !
الثاني :هب أن الصواب قول من قال : « شريعة من قبلنا شريعة لنا » فذلك مشروط عندهم بما إذا لم يرد في شرعنا ما
__________
(1) انظر إن شئت المطولات من كتب علم الأصول وخاصة « الإحكام » لابن حزم .
(2) أخرجه البخاري ومسلم وهو مخرج في « إرواء الغليل » ( رقم 285 ) .(1/65)
يخالفه وهذا الشرط معدوم هنا لأن الأحاديث تواترت في النهي عن البناء المذكور كما سبق فذلك دليل على أن ما في الآية ليس شريعة لنا .
الثالث : لا نسلم أن الآية تفيد أن ذلك كان شريعة لمن قبلنا غاية ما فيها أن جماعة من الناس قالوا : " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " فليس فيها التصريح بأنهم كانوا مؤمنين ، وعلى التسليم فليس فيها أنهم كانوا مؤمنين صالحين ، متمسكين بشريعة نبي مرسل ، بل الظاهر خلاف ذلك ، قال الحافظ ابن رجب في « فتح الباري في شرح البخاري » ( 65 / 280 ) من « الكواكب الدراري »(1) في شرح حديث : « لعن الله اليهود
__________
(1) مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق ، وهو كتاب عظيم جداً جمع نفائس نادرة من كتب العلماء المتقدمين ورسائلهم التي لم يطبع أكثرها فيما علمت وأنا الآن في صدد إخراج هذه الكتب والرسائل في فهرس خاص أضعه لمجلدات هذا الكتاب الموجودة في المكتبة وفي غيرها إن وفقت لذلك .
ثم تم الاستخراج المذكور من مجلدات المكتبة فعسى الله أن يوفق للإطلاع على غيرها واستخراج ما فيها من الكنوز.(1/66)
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »
" وقد دل القرآن على مثل ما دل عليه هذا الحديث ، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف : " قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا " فجعل اتخاذ القبور على المساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور ، وذلك يشعر بان مستنده القهر والغلبة وإتباع الهوى وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المنتصر لما أنزل الله على رسله من الهدى "
وقال الشيخ علي بن عروة في « مختصر الكوكب » ( 10 / 207 / 2 ) تبعا للحافظ ابن كثير في « تفسيره » ( 3 / 78 ) :
" حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين(1) :
أحدهما : أنهم المسلمون منهم .
والثاني : أهل الشرك منهم .
__________
(1) قلت : وحكاهما أيضا ابن الجوزي في تفسيره « زاد المسير » ( 5 / 123 طبعة المكتب الإسلامي ) دون أن يرجح أحدهما على عادته .(1/67)
فالله أعلم والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ ، ولكن هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال :« لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما فعلوا ، وقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق أمر أن يخفى عن الناس وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدها عنده فيها شيء من الملاحم وغيرها "
إذا عرفت هذا ، فلا يصح الاحتجاج بالآية على وجه من الوجوه ،وقال العلامة المحقق الآلوسي في « روح المعاني » ( 5 / 31 ) :
" واستدل بالآية على جواز البناء على قبور العلماء واتخاذ مسجد عليها ، وجواز الصلاة في ذلك وممن ذكر ذلك الشهاب الخفاجي في حواشيه على البيضاوي ، وهو قول باطل عاطل ، فاسد كاسد ، فقد روي ... " .
ثم ذكر بعض الأحاديث المتقدمة وأتبعها بكلام الهيتمي(1/68)
في « الزواجر » مقرا له عليه وقد نقلته فيما سبق ( ص 30 ) ثم نقل عنه في كتابه « شرح المنهاج » ما نصه :
" وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من الأبنية حتى قبة الإمام الشافعي عليه الرحمة ، التي بناها بعض الملوك وينبغي لكل أحد هدم ذلك ما لم يخش منه مفسدة ، فيتعين الرفع للإمام آخذاً من كلام ابن الرفعة في الصلح . انتهى "
ثم قال الإمام الآلوسي :
" لا يقال : إن الآية ظاهرة في كون ما ذكر من شرائع من قبلنا وقد استدل بها فقد روي أنه صلى الله عليه و سلم قال :« من نام عن صلاة أو نسيها »(1) الحديث ثم تلا قوله تعالى " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
__________
(1) قلت : هذا الحديث صحيح مخرج على الصحيحين فلا يحن تصديره بقوله " روي " لأنه يدل على الضعف في اصطلاح العلماء كما بينته في « صلاة التراويح » ( ص 63 - 64 ) فتنبه .
ثم إن الحديث مخرج عندي في « صحيح أبي داود » ( 461 ) و « الإرواء » ( 263 ) .(1/69)
لِذِكْرِي "(1) ، وهو مقول لموسى عليه السلام ، وسياقه الاستدلال ، واحتج أبو يوسف على جري القود بين الذكر والأنثى بآية { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } ، والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي(2) بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل إلى غير ذلك لأنا نقول : مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان أنه يلزمنا على أنه شريعتنا لكن لا مطلقا بل إن قص الله تعالى علينا بلا إنكار ، وإنكار رسوله صلى الله عليه و سلم كإنكاره عز و جل(3).
وقد سمعت أنه عليه الصلاة و السلام لعن الذين يتخذون
__________
(1) سورة طه الآية 14
(2) قلت : إجراء القود بين المسلم والذمي بيس جائزاً ، لقوله صلى الله عليه وسلم « لا يُقتل مسلم بكافر » . رواه البخاري وغيره ( انظر الأحاديث الضعيفة 1/671 ) [[ حديث رقم 460 ]]. فالاحتجاج بالآية المشار إليها في المسألة كالاحتجاج بآية الكهف فيما نحن فيه !
(3) لقوله صلى الله عليه و سلم « ... فان ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله » . وهو حديث صحيح ، وإن رغم أنف صاحب « الأضواء » انظر « المشكاة » بتخرجي ( 163 )(1/70)
المساجد على القبور ، على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع ، وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، والآية ليست كالآيات التي ذكرنا آنفا احتجاج الأئمة بها ، وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك ، وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم فمتى لم يثبت أن فيهم معصوما لا يدل على فعلهم عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده .
ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين كما روي عن قتادة .
وعلى هذا لقائل أن يقول : إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور ، فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده وكف التعرض لأصحابه ، فلم يقبل الأمراء منهم ، وغاظهم ذلك حتى(1/71)
أقسموا على اتخاذ المسجد .
وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول : إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طراز اتخاذ المساجد على القبور المنهي عنه ، الملعون فاعله ، وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريبا من كهفهم وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ومثل هذا الاتخاذ ليس محذورا إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي فهم فيه كنسبة النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ويكون قوله " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ " على هذا لمشاكلة قول الطائفة " ابْنُوا عَلَيْهِمْ " .
وإن شئت قلت : إن ذلك الاتخاذ كان على كهف فوق الجبل الذي هو فيه ، وفيه خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى علي كهفهم مسجداً ، وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن(1/72)
أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أولا فلا يحتاج إليه على ما قيل(1) .
وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة ، معولاً على الاستدلال بهذه الآية ، فإن ذلك في الغواية غاية وفي قلة النهى نهاية ولقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من إشرافها ، وبنائها بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها ، والصلاة إليها والطواف بها واستلامها ،
__________
(1) يشير إلى ما ذكره في أول الصفحة الأولى من الصفحتين المشار إليهما وهو قوله :
" وعن الحسن أنه اتخذ ( يعني المسجد ) ليصلى فيه أصحاب الكهف إذا استيقظوا "
قال الآلوسي :
" وهذا مبني على أنهم لم يموتوا بل ناموا كما ناموا أولا وإليه ذهب بعضهم بل قيل : إنهم لا يموتون حتى يظهر المهدي ويكونوا من أنصاره . ولا معول على ذلك وهو عندي أشبه شيء بالخرافات ."(1/73)
والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجاً بهذه الآية الكريمة وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيداً ، وجعله إياهم في توابيت من ساج ، ومقيساً لبعض على بعض وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم ، وابتداع دين لم يأذن به الله عز وجل .
ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسل في قبره عليه الصلاة والسلام وهو أفضل قبر على وجه الأرض والوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه فتتبع ذاك وتأمل ما هنا وما هناك والله سبحانه يتولى هداك "
قلت : وقد استدل بالآية المذكورة على الجواز المزعوم بل على استحباب بناء المساجد على القبور بعض المعاصرين(1) لكن من وجه آخر مبتدع مغاير بعض الشيء
__________
(1) هو الشيخ أبو الفيض أحمد الصديق الغماري في كتابه المسمى « إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور »! وهذا الكتاب =(1/74)
__________
= من أغرب ما ابتلى به المسلمون في هذا العصر ، وأبعد ما يكون عن البحث العلمي النزيه فان المؤلف يدعي ترك التقليد والعمل بالحديث الشريف ! فقد التقيت به منذ بضعة أشهر في المكتبة الظاهرية وظهر لي من الحديث الذي جرى بيني وبينه أنه على معرفة بعلوم الحديث وأنه يدعو للاجتهاد ويحارب التقليد محاربة لا هوادة فيها ، وله ذلك بعض المؤلفات كما قال لي ولكن الجلسة كانت قصيرة لم تمكني من أن أعرف اتجاهه في العقيدة وإن كنت شعرت من بعض فقرات حديثه انه خلفي صوفي ، ثم تأكد من ذلك بعد أن قرأت له هذا الكتاب وغيره حيث تبين لي أن يحارب أهل التوحيد ويخالفهم في عقيدتهم مخالفة شديدة ويقول البدعة الحسنة ، وينتصر للمبتدعة ! ولم يستفد من دعواه الاجتهاد إلا الانتصار للأهواء وأهلها ما يفعل مجتهدوا الشيعة تماما وإن شئت دليلا على ما أقول فحسبك برهانا على ذلك هذا الكتاب " ... المقبور "! فإن قبر كل الأحاديث المتواترة في تحريم البناء المساجد على القبور الذي قال به الأئمة الفحول بلا خلاف يعرف بينهم فهو والحق يقال : جرئ ولكن في محاربة الحق كيف لا وهو يرد كل ما ذكرناه من الأحاديث واتفاق الأئمة دون أي حجة اللهم إلا إتباع المتشابه من النصوص كآية الكهف هذه ، شأنه في ذلك شأن المبتدعة في رد النصوص المحكمات بالمتشابه نعوذ بالله من الخذلان وسيأتيك من كلامه بعض الأمثلة الأخرى على ما ذكرنا ، والله المستعان .(1/75)
لما سبق حكايته ورده فقال ما نصه :
" والدليل من هذه الآية إقرار الله إياهم على ما قالوا وعدم رده عليهم "
قلت : هذا الاستدلال باطل من وجهين :
الأول : أنه لا يصح أن يعتبر عدم الرد عليهم إقرارا لهم ، إلا إذا ثبت أنهم كانوا مسلمين وصالحين متمسكين بشريعة نبيهم ، وليس في الآية ما يشير أدنى إشارة إلى أنهم كانوا كذلك بل يحتمل أنهم لم يكونوا كذلك ، وهذا هو الأقرب أنهم كانوا كفاراً أو فجاراً ، كما سبق من كلام ابن رجب وابن كثير وغيرهما وحينئذ فعدم الرد عليهم لا يعد إقراراً ، بل إنكاراً ، لأن حكاية القول عن الكفار والفجار يكفي في رده عزوه إليهم فلا يعتبر السكوت عليه إقراراً كما لا يخفى ، ويؤيده الوجه الآتي :
الثاني : أن الاستدلال المذكور إنما يستقيم على طريقة أهل الأهواء من الماضين والمعاصرين الذين يكتفون بالقرآن فقط(1/76)
ديناً ، ولا يقيمون للسنة وزناً ، وأما على طريقة أهل السنة والحديث الذين يؤمنون بالوحيين ، مصدقين بقوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح المشهور : « ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه » . وفي رواية : « ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله »(1) .
فهذا الاستدلال عندهم - والمستدل يزعم أنه منهم - باطل ظاهر البطلان ، لأن الرد الذي نفاه قد وقع في السنة المتواترة كما سيق فكيف يقول : إن الله أقرهم ولم يرد عليهم مع أن الله لعنهم على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم فأي رد أوضح وأبين من هذا ؟!
وما مثل من يستدل بهذه الآية على خلاف الأحاديث المتقدمة ؛ إلا كمثل من يستدل على جواز صنع التماثيل والأصنام بقوله تعالى في الجن الذين كانوا مذللين لسليمان عليه السلام : " يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ
__________
(1) حديث صحيح كما تقدم ( ص 70 )(1/77)
وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ "(1) يستدل بها على خلاف الأحاديث الصحيحة التي تحرم التماثيل والتصاوير وما يفعل ذلك مسلم يؤمن بحديثه صلى الله عليه و سلم .
وبهذا ينتهي الكلام عن الشبهة الأولى وهي الاستدلال بآية الكهف(2) والجواب عنها وعن ما تفرع منها .
الجواب عن الشبهة الثانية :
وأما الشبهة الثانية وهي أن قبر النبي صلى الله عليه و سلم في مسجده كما هو مشاهد اليوم ، ولو كان ذلك حراما لم يدفن فيه .
والجواب : أن هذا وإن كان هو المشاهد اليوم ، فإنه لم يكن كذلك في عهد الصحابة رضي الله عنهم ، فإنهم لما مات النبي صلى الله عليه و سلم دفنوه في حجرته في التي كانت بجانب مسجده ، وكان يفصل بينهما جدار فيه باب ، كان النبي صلى الله عليه و سلم يخرج منه إلى المسجد ، وهذا أمر معروف مقطوع به عند العلماء ، ولا
__________
(1) سورة سبأ الآية 13
(2) وانظر ( ص 65 )(1/78)
خلاف في ذلك بينهم ، والصحابة رضي الله عنهم حينما دفنوه صلى الله عليه و سلم في الحجرة ، إنما فعلوا ذلك كي لا يتمكن أحد بعدهم من اتخاذ قبره مسجداً ، كما سبق بيانه في حديث عائشة وغيره ( ص 14 - 15 ).
ولكن وقع بعدهم ما لم يكن في حسبانهم ذلك أن الوليد بن عبد الملك أمر سنة ثمان وثمانين بهدم المسجد النبوي وإضافة حجر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فأدخل فيه الحجرة النبوية حجرة عائشة فصار القبر بذلك في المسجد(1) .
ولم يكن في المدينة أحد من الصحابة حينذاك خلافاً لم توهم بعضهم .
قال العلامة الحافظ محمد ابن عبد الهادي في « الصارم المنكي » ( ص 136 ) :
" وإنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد
__________
(1) تاريخ ابن جرير ( 5 / 222 - 223 ) وتاريخ ابن كثير ( 9 / 74 - 75 )(1/79)
الملك ، بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة ، وكان آخرهم موتا جابر بن عبد الله ، وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين ، والوليد تولى سنة ست وثمانين ، وتوفي سنة ست وتسعين ، فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك(1) .
__________
(1) قلت : وإنما لم يسم الحافظ ابن عبد الهادي السنة التي وقع فيها ذلك لأنها لم ترد في رواية ثابتة على طريقة المحدثين ، وما نقلناه عن ابن جرير هو من رواية الواقدي وهو متهم ، ورواية ابن شبة الآتية في كلام الحافظ ابن عبد الهادي مدارها على مجاهيل ، وهم عن مجهول كما هو ظاهر فلا حجة في شيء من ذلك وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد كان في ولاية الوليد وهذا القدر كاف في إثبات أن ذلك كان بعد موت الصحابة الذين كانوا في المدينة حسبما بينه الحافظ لكن يعكر عليه ما رواه أبو عبد الله الرازي في مشيخته (218/1) عن محمد بن الربيع الجيزي : " توفي سهل بن سعد بالمدينة هو ابن مائة سنة وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ." لكن الجيزري هذا لم اعرفه ثم هو معضل وقد ذكر مثله الحافظ بن حجر في « الإصابة » ( 2 / 87 ) عن الزهري من قوله فهو معضل أيضا أو مرسل ثم عقبه =(1/80)
__________
= بقوله : " وقيل قبل ذلك وزعم ابن أبي داود أنه مات بالإسكندرية " وجزم في « التقريب » أنه مات سنة 88 فالله أعلم .
وخلاصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحدا من الصحابة كان في عهد عملية التغيير هذه ، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل فما جاء في « شرح مسلم » ( 5 / 1314 ) أن ذلك كان في عهد الصحابة لعل مستنده تلك الرواية المعضلة أو المرسلة وبمثلها لا تقوم حجة على أنها أخص من الدعوى فإنها لو صحت إنما تثبت وجود واحد من الصحابة حينذاك لا ( الصحابة ) .
وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم :
" فمسجد النبي صلى الله عليه و سلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه ، فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك "
فمن جهالاتهم التي لا حدود لها ! - ولا أريد أن أقول : إنها من افتراءاتهم - فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه ، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبد الملك كما سبق أي بعد عثمان بنحو نصف قرن ولكنهم يهرفون بما لا يعرفون .
ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات ولم يدخلها فيه وهذا عين ما صنعه =(1/81)
__________
= سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعا بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريبا
وأما قولهم : " ولم ينكر أحد من السلف ذلك "
فنقول : وما أدراكم بذلك ؟! فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم كما هو معروف عند العلماء لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى ، وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها ، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة ولو جدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه ( 75 ج 9 ) بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد :
" ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً "
وأنا لا يهمني كثيرا صحة هذه الرواية أو عدم صحتها لأننا لا نبني عليها حكما شرعيا لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة وخاصة منها رواية عائشة التي تقول : " فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا " فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع - مع =(1/82)
__________
= الأسف الشديد - بإدخال القبر في المسجد إذ لا فارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه و سلم حين مات في المسجد - وحاشاهم عن ذلك - وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه ، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق ، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو أحد رواته أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا " لم ينكر أحد من السلف ذلك " !
والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعنا ظاهراً - لو كانوا يعلمون - في جميع السلف ، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك ، فهم ، أو على الأقل بعضهم يعلم ذلك يقيناً ، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك ، ولو لم نقف فيه على نص لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع ، فكيف يقال : إنهم لم ينكروا ذلك ؟ اللهم غفراً .
ومن جهالتهم قولهم عطفاً على قولهم السابق :
" وكذا مسجد بني أمته دخل المسلمون دمشق من الصحابة وغيرهم والقبر ضمن المسجد لمن ينكر أحد ذلك "
إن منطق هؤلاء عجيب غريب ! إنهم ليتوهمون أن كل ما يشاهدونه الآن =(1/83)
__________
= في مسجد بني أمية كان موجودا في عهد منشئه الأول الوليد بن عبد الملك ، فهل يقول بهذا عاقل ؟ كلا لا يقول ذلك غير هؤلاء ! ونحن نقطع ببطلان قولهم وأن أحدا من الصحابة والتابعين لم ير قبراً ظاهراً في مسجد بني أمية أو غيره ، بل غاية ما جاء فيه بعض الروايات عن زيد بن أرقم بن واقد أنهم في أثناء العمليات وجدوا مغارة فيها صندوق فيه سفط ( وعاء كالقفة ) وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مكتوب عليه : هذا رأي يحيى عليه السلام فأمر به الوليد فرد إلى المكان وقال : اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا من الأعمدة فجعل عليه عمود مسبك بسفط الرأس . رواه أبو الحسن الربعي في « فضائل الشام » ( 33 ) ومن طريقه ابن عساكر في « تاريخه » ( ج 2 ق 9 / 10 ) وإسناده ضعيف جداً ، فيه إبراهيم بن هشام الغساني كذبه أبو حاتم وأبو زرعة وقال الذهبي " متروك " . ومع هذا فإننا نقطع أنه لم يكن في المسجد صورة قبر حتى أواخر القرن الثاني لما أخرجه الربعي وبن عساكر عن الوليد بن مسلم أنه سئل أين بلغك رأس يحيى بن زكريا ؟ قال : بلغني أنه ثم وأشار بيده إلى العمود المسفط الرابع من الركن الشرقي ، فهذا يدل على أنه لم يكن هناك قبر في عهد الوليد بن مسلم وقد توفي سنة أربع وتسعين ومائة .
وأما كون ذلك الرأس هو رأس يحيى عليه السلام فلا يمكن أن إثباته ، ولذلك اختلف المؤرخون اختلافا كثيراً ، وجمهورهم على أن رأس يحيى عليه السلام مدفون في مسجد حلب ليس في مسجد دمشق كما حققه شيخنا =(1/84)
وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في « كتاب أخبار
__________
= في الإجازة العلامة محمد راغب الطباخ في بحث له نشره في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق ( ج 1 ص 41 - 1482 ) تحت عنوان " رأس يحيى ورأس زكريا " فليراجعه من شاء .
ونحن لا يهمنا من الوجهة الشرعية ثبوت هذا أو ذاك ، وسواء عندنا أكان الرأس الكريم في هذا المسجد أو ذاك ، بل لو تقينا عدم وجوده في كل من المسجدين فوجود صورة القبر فيهما كاف في المخالفة ، لأن أحكام الشريعة المطهرة إنما تبنى عل الظاهر لا الباطن كما هو معروف ، وسيأتي ما يشهد لهذا من كلام بعض العلماء ، وأشد ما تكون المخالفة إذا كان القبر في قبلة المسجد ، كما هو الحال في مسجد حلب ولا منكر لذلك من علمائها !
واعلم أنه لا يجدي في رفع المخالفة أن القبر في المسجد ضمن مقصورة كما زعم مؤلفوا الرسالة لأنه على كل حال ظاهر ومقصود من العامة وأشباههم من الخاصة بما لا يقصد به إلا الله تعالى ؛ من التوجه إليه والاستغاثة به من دون الله تبارك وتعالى فظهور القبر هو سبب المحذور كما سيأتي عن النووي رحمه الله .
وخلاصة الكلام أن قول من أشرنا إليهم أن قبر يحيى عليه السلام كان ضمن المسجد الأموي منذ دخل دمشق الصحابة وغيرهم لم ينكر ذلك أحد منهم إن هو إلا محض اختلاق !(1/85)
المدينة » مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم عن أشياخه عمن حدثوا عنه أن عمر بن عبد العزيز لما كان نائباً للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة بالساج وماء الذهب ، وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه و سلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه ».
يتبين لنا مما أوردناه أن القبر الشريف إنما أدخل إلى المسجد النبوي حين لم يكن في المدينة أحد من الصحابة وإن ذلك كان على خلاف غرضهم الذي رموا إليه حين دفنوه في حجرته صلى الله عليه و سلم ، فلا يجوز لمسلم بعد أن عرف هذه الحقيقة أن يحتج بما وقع بعد الصحابة ، لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة وما فهم الصحابة والأئمة منها كما سبق بيانه ، وهو مخالف أيضا لصنيع عمر وعثمان حين وسعا المسجد ، ولم يدخلا القبر فيه .
ولهذا نقطع بخطأ ما فعله الوليد بن عبد الملك عفا الله عنه ، ولئن كان مضطرا إلى توسيع المسجد ، فإنه كان(1/86)
باستطاعته أن يوسعه من الجهات الأخرى دون أن يتعرض للحجرة الشريفة وقد أشار عمر بن الخطاب إلى هذا النوع من الخطأ حين قام هو رضي الله عنه بتوسيع المسجد من الجهات الأخرى ولم يتعرض للحجرة بل قال " إنه لا سبيل إليها "(1) فأشار رضي الله عنه إلى المحذور الذي يترقب من جراء هدمها وضمها إلى المسجد .
ومع هذه المخالفة الصريحة للأحاديث المتقدمة وسنة الخلفاء الراشدين ، فإن المخالفين لما أدخلوا القبر النبوي في
__________
(1) انظر « طبقات ابن سعد » ( 4 / 21 ) و « تاريخ دمشق » لابن عساكر ( 8 / 478 / 2 ) ، وقال السيوطي في « الجامع الكبير » ( 3 / 272 / 2 ) : وسنده صحيح إلا أن سالما أبا النضر لم يدرك عمر و « وفاء الوفاء » للسمهودي ( 1 / 343 ) و « المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية » للعلامة محمد سلطان العصومي رحمه الله تعالى ( ص 43 ) وهو مؤلف رسالة« هداية السلطان إلى بلاد اليابان » التي ادعى أحد الدكاترة أنها ليست له وإنما لبعض إخواننا ! مع أنني تناولتها منه هدية مطبوعة حين زرته في مكة في حجتي الأولى سنة 1368 هـ .(1/87)
المسجد الشريف احتاطوا للأمر شيئاً ما فحاولوا تقليل المخالفة ما أمكنهم قال النووي في « شرح مسلم » ( 5 / 14 ) :
" ولما احتاجت الصحابة(1) والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد(2) .
__________
(1) عزو هذا إلى الصحابة لا يثبت كما تقدم ( ص 79 ) فتنبه .
(2) في هذا دليل واضح على أن ظهور القبر في المسجد ولو من وراء النوافذ والحديد والأبواب لا يزيل المحذور ، كما هو الواقع في قبر يحيى عليه السلام في مسجد بني أمية في دمشق وحلب ، ولهذا نص أحمد على أن الصلاة لا تجوز في المسجد الذي قبلته إلى القبر ، حتى يكون بين حائط المسجد وبين المقبرة حائل آخر كما سيأتي فكيف إذا كان القبر في قبلة المسجد من الداخل ودون جدار حائل ؟ ومن ذلك تعلم أن قول بعضهم :
" إن الصلاة في المسجد الذي به قبر كمسجد النبي صلى الله عليه و سلم ومسجد بني أمية لا =(1/88)
__________
= يقال إنها صلاة في الجبانة فالقبر ضمن مقصورة مستقل بنفسه عن المسجد فما المانع من الصلاة فيه "
فهذا قول لم يصدر عن علم وفقه لأن المانع بالنسبة للمسجد الأموي لا يزال قائما وهو ظهور القبر من وراء المقصورة والدليل على ذلك قصد الناس للقبر والدعاء عنده وبه والاستغاثة به من دون الله ، وغير ذلك مما لا يرضاه الله ، والشارع الحكيم إنما نهى عن بناء المساجد على القبور سداً للذريعة ومنعاً لمثل هذه الأمور التي تقع عند هذا القبر كما سيأتي بيانه ، فما قيمة هذه المقصورة حينئذ مع وقوع هذه المنكرات وغيرها عند القبر ؟!
بل إن إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف ، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً ، مما هو مشاهد معروف ، وسبقت الإشارة إلى بعضه .
ثم ألا يكفي في إثبات المانع أن الناس يستقبلون القبر عند الصلاة قصداً وبدون قصد ، ولعل أولئك المشار إليهم وأمثالهم يقولون : لا مانع أيضا من هذا الاستقبال لوجود فاصل بين المصلين والقبر ألا وهو نوافذ القبر وشبكته النحاسية فنقول لو كان هذا المانع كافيا في المنع لما أحاطوا القبر النبوي الشريف بجدار مرتفع مستدير ولم يكتفوا بذلك ، بل بنو جدارين يمنعون بهما من استقبال القبر . ولو كان وراء الجدار المستدير ! وقد صح عن ابن جريج أنه قال : قلت لعطاء : أتكره أن تصلي في وسط القبور ؟ أو في =(1/89)
فيصلي إليه العوام ، ويؤدي إلى المحذور ، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا ، حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر " .
__________
مسجد إلى قبر ؟ قال : نعم كان ينهى عن ذلك أخرجه عبد الرزاق في « مصنفه » ( 1 / 404 ) . فإذا كان هذا التابعي الجليل ( عطاء بن أبي رباح ) لم يعتبر جدار المسجد فاصلاً بين المصلى وبين القبر وهو خارج المسجد . فهل يعتبر فاصلاً النوافذ والشبكة والقبر في المسجد ؟!
فهل في هذا ما يقنع أولئك الكاتبين بجهلهم وخطئهم ، وهجومهم على القول بما لا علم لهم به ؟ لعل وعسى .
وأما المسجد النبوي الكريم ، فلا كراهة في الصلاة فيه خلافا لما افتروه علينا وسيأتي تفصيل القول فيه في « الفصل السابع » إن شاء الله تعالى .
على أني لا أريد أن يفوتني أن أنبه القراء الكرام على أن أولئك الكاتبين يعترفون بكلمتهم السابقة في أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر غير محاط بمقصورة أنها صلاة مكروهة لانتفاء العلة التي من أجلها نفوا الكراهة عن الصلاة في مسجد بني أمية بزعمهم فهل لهم أن يجهروا للناس باعترافهم هذا ؟ أم هو شيء اضطرهم إلى القول به التهرب من معارضة الأحاديث السابقة علناً وإن كانوا لا يدعون الناس إلى العمل به لغاية لا تخفى على العقلاء ؟!(1/90)
ونقل الحافظ ابن رجب في « الفتح » نحوه عن القرطبي كما في « الكواكب » ( 65 / 91 / 1 ) وذكر ابن تيمية في « الجواب الباهر » ( ق 9 / 2 ) :
" أن الحجرة لما أدخلت إلى المسجد سد بابها ، وبني عليها حائط آخر صيانة له صلى الله عليه و سلم أن يتخذ بيته عيداً وقبره وثناً " .
قلت : ومما يؤسف له أن هذا البناء قد بني عليه منذ قرون - إن لم يكن قد أزيل - تلك القبة الخضراء العالية وأحيط القبر الشريف بالنوافذ النحاسية والزخارف والسجف وغير ذلك مما لا يرضاه صاحب القبر نفسه صلى الله عليه و سلم .
بل قد رأيت حين زرت المسجد النبوي الكريم وتشرفت بالسلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم سنة 1368 هـ رأيت في أسفل حائط القبر الشمالي محراباً صغيراً ووراءه سدة مرتفعة عن أرض المسجد قليلا ، إشارة إلى أن هذا المكان خاص للصلاة وراء القبر فعجبت حينئذ كيف ضلت هذه الظاهرة الوثنية قائمة حتى في عهد دولة التوحيد !(1/91)
أقول هذا مع الاعتراف بأنني لم أر أحداً يأتي ذلك المكان للصلاة فيه ، لشدة المراقبة من قبل الحرس الموكلين على منع الناس من يأتوا بما يخالف الشرع عند القبر الشريف فهذا مما تشكر عليه الدولة السعودية ، ولكن هذا لا يكفي ولا يشفي وقد كنت قلت منذ ثلاث سنوات في كتابي « أحكام الجنائز وبدعها » ( 208 من أصلي ) :
" فالواجب الرجوع بالمسجد النبوي إلى عهده السابق ، وذلك بالفصل بينه وبين القبر النبوي بحائطٍ ، يمتد من الشمال إلى الجنوب بحيث أن الداخل إلى المسجد لا يرى فيه أي محالفة لا ترضى مؤسسه صلى الله عليه و سلم اعتقد أن هذا من الواجب على الدولة السعودية إذا كانت تريد أن تكون حامية التوحيد حقا وقد سمعنا أنها أمرت بتوسيع المسجد مجددا فلعلها تتبنى اقتراحنا هذا وتجعل الزيادة من الجهة الغربية وغيرها وتسد بذلك النقص الذي سيصيبه سعة المسجد إذا نفذ الاقتراح أرجو أن يحقق الله ذلك على يدها ومن أولى بذلك منها ؟ " .
[[ولكن المسجد وسع منذ سنتين تقريبا دون إرجاعه إلى ما كان عليه في عهد الصحابة والله المستعان .]](1)
__________
(1)[[ ليست في نسخة مكتبة المعارف بالرياض ولكن في نسخة المكتبة الإسلامية : الطبعة الرابعة ]](1/92)
الجواب عن الشبهة الثالثة
وأما الشبهة الثالثة وهي أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى في مسجد الخيف وقد ورد في الحديث أن فيه قبر سبعين نبيا !
فالجواب :
إننا لا نشك في صلاته صلى الله عليه و سلم في هذا المسجد ولكننا نقول : إن ما ذكر في الشبهة من أنه دفن فيه سبعون نبيا لا حجة فيه من وجهين :
الأول : أننا لا نسلم صحة الحديث المشار إليه ، لأنه لم يروه أحد ممن عني بتدوين الحديث الصحيح ولا صححه أحد ممن يوثق بتصحيحه من الأئمة المتقدمين ولا النقد الحديثي يساعد على تصحيحه ، فإن في إسناده من يروي الغرائب وذلك مما يجعل القلب لا يطمئن لصحة ما تفرد به .
قال الطبراني في « معجمه الكبير » ( 3 / 204 / 2 ) : " حدثنا عبدان بن أحمد نا عيسى بن شاذان نا أبو همام الدلال ،(1/93)
نا إبراهيم بن طمهان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر مرفوعا بلفظ : « في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً »
وأورده الهيثمي " المجمع " ( 3 / 298 ) بلفظ :
« ... قبر سبعون نبياً » ، وقال : " رواه البزار ورجاله ثقات " .
وهذا قصور منه في التخريج فقد أخرجه الطبراني أيضا كما رأيت .
قلت : ورجال الطبراني ثقات أيضا غير عبدان بن أحمد وهو الأهوازي كما ذكر الطبراني في « المعجم الصغير » ( ص 136 ) ولم أجد له ترجمة وهو غير عبدان بن محمد المروزي وهو من شيوخ الطبراني أيضا في « الصغير » ( ص 136 ) وغيره وهو ثقة حافظ له ترجمة في« تاريخ بغداد » ( 11 / 135 ) و « تذكرة الحفاظ » ( 2 / 230 ) وغيرها .
لكن في رجال هذا الإسناد من يروي الغرائب مثل عيسى(1/94)
بن شاذان ، قال فيه ابن حبان في « الثقات » : " يغرب " .
وإبراهيم بن طهمان ، قال فيه ابن عمار الموصلي : " ضعيف الحديث مضطرب الحديث " .
وهذا على إطلاقه وإن كان مردوداً على ابن عمار فهو يدل على أن في حديث ابن طهمان شيئاً ، ويؤيده قول ابن حبان في « ثقات أتباع التابعين » ( 2 / 10 ) :
" أمره مشتبه له مدخل في الثقات ، ومدخل في الضعفاء وقد روى أحاديث مستقيمة تشبه أحاديث الأثبات ، وقد تفرد عن الثقات بأشياء معضلان سنذكره إن شاء الله في كتاب الفصل بين النقلة إن قضى الله سبحانه ذلك وكذلك كل شيءٍ توقفنا في أمره ممن له مدخل في الثقات " .
ولذلك قال فيه الحافظ ابن حجر في « التقريب » : " ثقة يغرب " .
وشيخه منصور - وهو ابن المعتمر - ثقة ، وقد روى له ابن(1/95)
طهمان حديثا آخر في مشيخته ( 244 / 2 )(1) .
فالحديث من غرائبه أو من غرائب ابن شاذان(2) .
__________
(1) مخطوط في المكتبة الظاهرية بدمشق
(2) ثم رأيته قد توبع فقد وقفت على إسناد البزار للحديث في « زوائده » ( ص 123 مصورة المكتب الإسلامي ) فإذا هو يقول : حدثنا إبراهيم عن المستمر العروقي ثنا محمد ثنا إبراهيم بن طهمان به
وقال البزار " تفرد به إبراهيم عن منصور ولا نعلمه عن ابن عمر بأحسن من هذا إسنادا " .
وهذه متابعة لا بأس بها العروقي - بالقاف - صدوق يغرب كما في « التقريب » . فالعهدة في الحديث على ابن طهمان ، وجرى الهيثمي على ظاهر إسناده فقال في « زوائد البزار » : " قلت : هو إسناد صحيح " . ولعل قوله السابق " ورجاله ثقات " أدق لما ذكرنا من الغرابة ذلك لأن مثل هذه الكلمة لا تقتضي الصحة كما لا يخفى على من مارس هذه الصناعة ، لأن عدالة الرواة وثقتهم شرط واحد من شروط الصحة الكثيرة ، بل إن العالم لا يلجأ إلى هذه الكلمة معرضاً عن التصريح بالصحة ، إلا لأنه يعلم أن في السند مع ثقة رجاله علة تمنع من القول بصحته ، أو على الأقل لم يعلم تحقق الشروط الأخرى فيه فلذلك لم يصرح بصحته ، وهذه مسألة مهمة طالما غفل عنها المبتدئون في هذا العلم الشريف وغيرهم ولذلك نبهت عليها =(1/96)
وأنا أخشى أن يكون الحديث تحرف على أحدهما فقال : " قُبر " بدل " صلى " ، لأن هذا اللفظ الثاني هو المشهور في الحديث فقد أخرج الطبراني في « الكبير » ( 3 / 1551 ) بإسناد رجاله ثقات عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعا :
« صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا . . . » الحديث .
__________
= في مقدمة كتابي « تمام المنة على فقه السنة للسيد سابق »
هذا ولو كنت محتجاً بما ليس صواباً عندي لاحتججت على تصحيح بعض المعاصرين المقلدين للحديث بأن السيوطي ضعفه بالرمز إليه بالضعف في « الجامع الصغير » وقع ذلك في النسخة المطبوعة بمطبعة بولاق بمصر ، وفي النسخة التي عليها شرح المناوي وفي نسخة خطية في المكتبة الظاهرية ( 2329 عام ) وغيرها ولكن لا أثق برموز ( الجامع الصغير ) لأسباب ذكرتها في المقدمة المذكورة آنفا ثم في مقدمته كتابي " صحيح الجامع الغير وزياداته " و " وضعيف الجامع الصغير وزياداته " ، ولكن على الرغم من ذلك ، فالتضعيف وارد عليهم لأنهم لا تحقيق عندهم بل هم مقلدون في كل شيء باعترافهم فغالب الظن أنهم يعتدون بتلك الرموز وعليه فالتضعيف المذكور حجة عليهم إن أنصفوا .(1/97)
وكذلك رواه الطبراني في « الأوسط » ( 1 / 119 / 2 - زوائده )(1) وعنه المقدسي في « المختارة » ( 249 / 2 ) والمخلص في « الثالث من السادس من المخلصيات » ( 70 / 1 ) وأبو محمد بن شيبان العدل في « الفوائد » ( 2 / 222 / 2 ) وقال المنذري ( 2 / 116 ) :
" رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن "
ولا شك في حسن الحديث عندي ، فقد وجدت له طريقاً أخرى عن ابن عباس
رواه الأزرقي في « أخبار مكة » ( ص 35 ) عنه موقوفا عليه وإسناده يصلح للاستشهاد به ، كما بينته في كتابي الكبير « حجة الوداع » ( ولم ينجز بعد ) .
ثم رواه الأزرقي ( ص 38 ) من طريق محمد بن إسحاق قال : حدثني من لا أتهم عن عبد الله بن عباس به موقوفا . فهذا هو المعروف في هذا الحديث والله أعلم .
__________
(1) مخطوط ناقص الأول والآخر محفوظ في المكتبة الظاهرية ومنه نسخة كاملة في مكتبة الحرم المكي .(1/98)
وجملة القول أن الحديث ضعيف لا يطمئن القلب لصحته فإن صح فالجواب عنه من الوجه الآتي وهو :
الثاني : أن الحديث ليس فيه أن القبور ظاهرة في مسجد الخيف ، وقد عقد الأزرقي في تاريخ مكة ( 406 - 410 ) عدة فصول في وصف مسجد الخيف ، فلم يذكر أن فيه قبوراً بارزة ، ومن المعلوم أن الشريعة إنما تبنى أحكامها على الظاهر ، فإذا ليس في المسجد المذكور قبور ظاهرة ، فلا محظور في الصلاة فيه البتة ، لأن القبور مندرسة ولا يعرفها أحد بل لولا هذا الخبر الذي عرفت ضعفه لم يخطر في بال أحد أن في أرضه سبعين قبراً ! ولذلك لا يقع فيه تلك المفسدة التي تقع عادة في المساجد المبنية على القبور الظاهرة والمشرفة .
الجواب عن الشبهة الرابعة
وأما ما ذكر في بعض الكتب أن قبر إسماعيل عليه السلام(1/99)
وغيره في الحجر من المسجد
الحرام وهو أفضل مسجد يتحرى فيه فالجواب :
لا شك أن المسجد الحرام أفضل المساجد والصلاة فيه بمائة ألف صلاة(1) ، ولكن هذه الفضيلة أصلية فيه منذ رفع قواعده إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام ولم تطرأ هذه الفضيلة عليه بدفن إسماعيل عليه السلام فيه لو صح أنه دفن فيه ، ومن زعم خلاف ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا وجاء بما لم يقله أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم ، ولا جاء به حديث تقوم الحجة به .
فإن قيل : لا شك فيما ذكرت ، ودفن إسماعيل فيه لا يخالف ذلك ، ولكن ألا يدل هذا على الأقل على عدم كراهية الصلاة في المسجد الذي فيه قبر ؟
فالجواب : كلا ثم كلا وهاك البيان من وجوه :
__________
(1) وقد خرجت بعض الأحاديث الواردة في ذلك في " إرواء الغليل " ( 971 و 1129 )(1/100)
الأول : أنه لم يثبت في حديث مرفوع أن إسماعيل عليه السلام أو غيره من الأنبياء الكرام دفنوا في المسجد الحرام ،ولم يرد شيء من ذلك في كتاب من كتب السنة المعتمدة كالكتب السنة ، ومسند أحمد ، ومعاجم الطبراني الثلاثة وغيرها من الدواوين المعروفة ، وذلك من أعظم علامات كون الحديث ضعيفا بل موضوعا عند بعض المحققين(1) .
وغاية ما وري في ذلك من آثار معضلات ، بأسانيد واهيات موقوفات أخرجها الأزرقي في « أخبار مكة » ( ص 39 و 219 و 220 ) فلا يلتفت إليها وإن ساقها بعض المبتدعة مساق المسلمات(2) .
__________
(1) نقل السيوطي في " التدريب " عن ابن الجوزي " قال :
" ما أحسن قول القائل : إذا رأيت الحديث يباين العقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع . قال : ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجا من دواوين الإسلام من المسانيد والكتب المشهورة " .
كذا في « الباعث الحثيث » ( ص 85 من الطبعة الثانية ) .
(2) " انظر إحياء المقبور " ( 47 - 48 ) =(1/101)
__________
= ومن عجائب الجهل بالسنة أن بعض المفسرين المتأخرين احتج بهذه الآثار الواهية على جواز الصلاة في المقبرة بقصد الاستظهار بروح الميت أو وصول أثر ما من أثر عبادته إليه (!) لا للتعظيم له والتوجه نحوه وهذا مع أنه لا دليل فيها على ما زعمه من الجواز ، فهو مخالف لعموم الأدلة الناهية عن الصلاة في المقبرة وما شابهها من المساجد المبنية على القبور ولهذا رد المناوي احتجاج المفسر المشار إليه بقوله :
" لكن خبر الشيخين كراهة (!) بناء المساجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها المقبور لقرينة خبر : اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد "
وقال الصنعاني في « سبل السلام » ( 2 / 214 ) متعقباً عليه أيضاً :
" قوله : ( لا لتعظيم له ) يقال : قصد التبرك به تعظيم له ثم أحاديث النهي مطلقة ، ولا دليل على التعليل بما ذكر والظاهر أن العلة سد للذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان ، الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع ولا تضر ، ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية ، ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر "
قلت : وقوله " الملعون فاعله " يشير إلى حديث ابن عباس الذي بينت ضعفه فيما سبق ( ص 39 ) فتنبه .(1/102)
ونحو ذلك ما أورد السيوطي في " الجامع " من رواية الحاكم في " الكنى " عن عائشة مرفوعا بلفظ :
« إن قبر إسماعيل في الحجر » .
الوجه الثاني : أن القبور المزعوم وجودها في المسجد الحرام غير ظاهرة ولا بارزة ، ولذلك لا تقصد من دون الله تعالى ، فلا ضرر من وجودها في بطن أرض المسجد فلا يصح حينئذ الاستدلال بهذه الآثار على جواز اتخاذ المساجد على قبور مرتفعة على وجه الأرض ، لظهور الفرق بين الصورتين وبهذا أجاب الشيخ على القاري رحمه الله تعالى فقال في « مرقاة المفاتيح » ( 1 / 456 ) بعد أن حكى قول المفسر الذي أشرت إليه في التعليق :
" وذكر غيره أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب ، وأن في الحطيم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا " . قال القاري :(1/103)
" وفيه أن صورة قبر إسماعيل عليه السلام وغيره مندرسة ، فلا يصلح الاستدلال"
وهذا جواب عالم نحرير ، وفقيه خريت ، وفيه الإشارة إلى ما ذكرناه آنفا ، وهو أن العبرة في هذه المسألة بالقبور الظاهرة ، وأن ما في بطن الأرض من القبور فلا يرتبط به حكم شرعي من حيث الظاهر ، بل الشريعة تنزه عن مثل هذا الحكم لأننا نعلم بالضرورة والمشاهدة أن الأرض كلها مقبرة الأحياء كما قال تعالى : " أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا . أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا " . قال الشعبي : « بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم »(1) .
ومنه قول الشاعر :
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب
فأين القبور من عهد عاد ؟
__________
(1) رواه الدولابي ( 1 / 129 ) عنه ورجاله ثقات(1/104)
خفف الوطأ ما أظن أديم
الأرض إلا من هذه الأجساد
سر إن استطعت في الهواء رويدا
لا اختيالاً على رفات العباد
ومن البين الواضح أن القبر إذا لم يكن ظاهراً غير معروفاً مكانه فلا يترتب من وراء ذلك مفسدة كما هو مشاهد حيث ترى الوثنيات والشركيات إنما تقع عند القبور المشرفة ، حتى ولو كانت مزورة ! لا عند القبور المندرسة ، ولو كانت حقيقية ، فالحكمة تقتضي التفريق بين النوعين ، وهذا ما جاءت به الشريعة كما بينا سابقاً ، فلا يجوز التسوية بينهما ، والله المستعان .
الجواب عن الشبهة الخامسة :
أما بناء أبي جندل رضي الله عنه مسجداً على قبر أبي بصير رضي الله عنه في عهد النبي صلى الله عليه و سلم ، فشبهة لا تساوي(1/105)
حكايتها ولولا أن بعض ذوي الأهواء من المعاصرين اتكأ عليها في رد تلك الأحاديث المحكمة لما سمحت لنفسي أن أسود الصفحات في سبيل الجواب عنها وبينا بطلانها والكلام عليها من وجهين :
الأول : رد ثبوت البناء المزعوم من أصله ، لأنه ليس له إسناد تقوم الحجة به ، ولم يروه أصحاب « الصحاح » و « السنن » و « المسانيد » وغيرهم وإنما أورده ابن عبد البر في ترجمة أبي بصير من « الاستيعاب » ( 4 / 21 - 23 ) مرسلا فقال :
" وله قصة في المغازي عجيبة ذكرها ابن إسحاق وغيره وقد رواها معمر عن ابن شهاب . ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن شهاب في قصة القضية عام الحديبية ، قال :
ثم رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم ، فأرسلت قريش في طلبه رجلين ، فقالا لرسول الله صلى الله عليه و سلم :(1/106)
العهد الذي جعلت لنا أن ترد إلينا كل من جاءك مسلماً ، فدفعه النبي صلى الله عليه و سلم إلى الرجلين فخرجا حتى بلغا ذا الحليفة ، فنزلوا يأكلون من تمرٍ لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين : والله إني لأرى سيفك هذا جيداً يا فلان ! فاستله الآخر ، وقال : أجل والله إنه لجيد ، لقد جربت به ثم جربت ، فقال له أبو بصير أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الأخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد بعده فقال له النبي صلى الله عليه و سلم حين رآه : « لقد رأى هذا ذعرا » فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه و سلم قال : قتل والله صاحبي وإني لمقتول . فجاء أبو بصير فقال يا رسول الله قد والله وفى الله ذمتك : قد رددتني إليهم فأنجاني الله منهم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : « ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد » . فلما سمع ذلك علم أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال : وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو فلحق بأبي بصير ... وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر في أبي بصير بأتم ألفاظاً وأكمل سياقه قال : ... وكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى(1/107)
أبي جندل وأبي بصير ليقدما عليه ومن معهما من المسلمين فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي جندل وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده يقرؤه فدفنه أبو جندل مكانه وصلى عليه وبنى على قبر مسجداً "
قلت : فأنت ترى أن هذه القصة مدارها على الزهري فهي مرسلة على اعتبار انه تابعي صغير ، سمع من أنس بن مالك رضي الله عنه وإلا فهي معضلة وكيف ما كان الأمر فلا تقوم بها حجة على أن موضع الشاهد منها وهو قوله : « وبنى على قبره مسجداً » لا يظهر من سياق ابن عبد البر للقصة أنه من مرسل الزهري ولا من رواية عبد الرزاق عن معمر عنه بل هو من رواية موسى بن عقبة كما صرح به ابن عبد البر لم يجاوزه وابن عقبة لم يسمع أحدا من الصحابة فهذه الزيادة أعني قوله « وبنى على قبره مسجدا » معضلة(1) .
__________
(1) ولا تغتر أيها القارئ بما فعله هنا مؤلف " إحياء المقبور " فإنه ساق =(1/108)
بل هي عندي منكرة لأن القصة رواها البخاري في " صحيحة " ( 5 / 351 - 371 ) وأحمد في " مسنده " ( 4 / 328 - 331 ) موصولة من طريق عبد الرزاق عن معمر قال : أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بها دون هذه الزيادة وكذلك أوردها ابن إسحاق في " السيرة " عن الزهري مرسلا كما في " مختصر السيرة " لابن هشام ( 3 / 331 - 339 ) ووصله أحمد ( 4 / 323 - 326 )
__________
( ص 44 ) القصة التي أوردناها في الأعلى من طريق ابن عبد البر غير أن المؤلف حذف من كلامه " وذكر موسى بن عقبة هذا الخبر " ووصل رواية عبد الرزاق عن الزهري برواية موسى بن عقبة حتى صارتا كأنهما رواية واحدة وبدا للناظر في سياقه أن القصة بناء المسجد على القبر هي من رواية عبد الرزاق عن الزهري وإنما هي من رواية موسى بن عقبة بدون إسناد !
ثم وقفت على رواية موسى بن عقبة في « تاريخ ابن عساكر » ( 8 / 334 / 1 ) رواه بإسنادين عن عنه عن ابن شهاب مرسلا ومعضلا بلفظ : « وجعل عند قبره مسجدا » وهذا اللفظ - لو صح - أقل مخالفة لأنه ليس نصاً في أن البناء كان على القبر بل عنده وشتان ما بينهما وليس فيه أيضا أن أبا جندل هو الذي بنى المسجد فتأمل .(1/109)
من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عروة به مثل رواية معمر وأتم وليس فيها هذه الزيادة ، وكذلك رواه ابن جرير في تاريخه ( 3 / 271 - 285 ) من طريق معمر وابن إسحاق وغيرهما عن الزهري به دون هذه الزيادة ، فدل ذلك كله على أنها زيادة منكرة ؛ لإعضالها ، وعدم رواية الثقات لها . والله تعالى هو الموفق .
الوجه الثاني : أن ذلك لو صح لم يجز أن ترد به الأحاديث الصريحة ، في تحريم بناء المساجد على القبور لأمرين :
أولا : أنه ليس في القصة أن النبي صلى الله عليه و سلم اطلع على ذلك وأقره .
ثانيا : أنه لو فرضنا أن النبي صلى الله عليه و سلم علم بذلك وأقره فيجب أن يحمل ذلك على أنه قبل التحريم لأن الأحاديث صريحة في أن النبي صلى الله عليه و سلم حرم ذلك في آخر حياته كما سبق فلا يجوز أن يترك النص المتأخر من أجل النص المتقدم على فرض صحته عند التعارض وهذا بين لا يخفى نسأل الله تعالى أن يحمينا من إتباع الهوى .(1/110)
الجواب عن الشبهة السادسة :
وهي الزعم بأن المنع إنما كان لعلة ، وهي خشية الافتتان بالمقبور ، وقد زالت ، فزال المنع !!
لا أعلم أحدا من العلماء ذهب إلى القول بهذه الشبهة إلا مؤلف « إحياء المقبور » فإنه تمسك بها وجعلها عمدته في رد تلك الأحاديث المتقدمة واتفاق الأمة عليها فقال ما نصه ( ص 18 - 19 ) :
" وأما النهي عن بناء المساجد على القبور فاتفقوا على تعليله بعلتين : إحداهما أن يؤدي إلى تنجيس المسجد(1)وثانيهما وهو قول الأكثرين بل الجميع حتى من نص على العلة السابقة أن ذلك قد يؤدي إلى الضلال والفتنة بالقبر ، لأنه إذا وقع بالمسجد وكان قبر ولي مشهور بالخير والصلاح
__________
(1) قلت : وهذه العلة باطلة من وجوه لا مجال لبيانها الآن ومن أدلة ذلك بخصوص قبور الأنبياء أن أجسادهم لا تبلى كما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف تنجس الأرض بهم ؟!(1/111)
لا يؤمن مع طول المدة أن يزيد اعتقاد الجهلة فيه ويؤدي بهم إلى فرط التعظيم إلى قصد الصلاة إليه ، إذا كان في قبلة المسجد ، فيؤدي بهم ذلك إلى الكفر والإشراك " .
ثم ساق شيئاً من النقول في العلة المذكورة عن بعض العلماء منهم الإمام الشافعي وقد تقدم نصه في ذلك ( ص 42 ) ثم قال المؤلف المشار إليه ( ص 20 - 21 ) :
" فالعلة المذكورة قد انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين ، ونشأهم على التوحيد الخالص ، واعتقاد نفي الشريك مع الله تعالى ، وأنه سبحانه المنفرد بالخلق والإيجاد والتصريف (!) وبانتفاء العلة ينتفي الحكم المترتب عليها ، وهو كراهة اتخاذ المساجد والقباب على قبور الأولياء والصالحين " !
قلت : والجواب : أن يقال : أثبت العرش ثم انقش !
أثبت أولاً أن الخشية المذكورة هي وحدها علة النهي ، ثم أثبت أنها قد انتفت ، ودون ذلك خرط القتاد .(1/112)
أما الأول ، فإن لا دليل مطلقا على أن العلة هي الخشية المذكورة فقط نعم من الممكن أن يقال : انها بعض العلة وأما حصولها بها فباطل ، لأن من الممكن أيضا أن يضاف إليها أمور أخرى معقولة كالتشبه بالنصارى ، كما تقدم في كلام الفقيه الهيتمي ، والمحقق الصنعاني ، وكالإسراف في صرف المال فيما لا فائدة فيه شرعاً ، وغير ذلك مما قد يبدو للباحث الناقد .
وأما زعمه أن العلة انتفت برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين ... إلخ . فهو زعم باطل أيضاً وبيانه من وجوه :
الأول : أن الزعم بني على أصل باطل ، وهو أن الإيمان بأنه الله هو المنفرد بالخلق والإيجاد كاف في تحقيق الإيمان المنجي عند الله تبارك وتعالى ، وليس كذلك فإن هذا التوحيد وهو المعروف عند العلماء بتوحيد الربوبية ، كان يؤمن به المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم كما قال تعالى : " وَلَئِنْ(1/113)
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ "(1) .
ومع ذلك فلم ينفعهم هذا التوحيد شيئاً ، لأنهم كفروا بتوحيد الألوهية والعبادة وأنكروه على النبي صلى الله عليه و سلم أشد الإنكار ، بقولهم فيما حكاه الله عنهم " أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ "(2) .
ومن مقتضيات هذا التوحيد الذي أنكروه ترك الاستغاثة بغير الله ، وترك الدعاء والذبح لغير الله ، وغير ذلك مما هو خاص بالله تعالى من العبادات ، فمن جعل شيئاً من ذلك لغير الله تبارك وتعالى فقد أشرك به ، وجعل له نداً وإن شهد له بتوحيد الربوبية ، فالإيمان المنجي إنما هو الجمع بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ، وإفراد الله بذلك وهذا مفصل في غير هذا الموضوع .
فإذا تبين هذا نعلم أن الإيمان الصحيح غير راسخ في
__________
(1) سورة لقمان الآية 25
(2) سورة ص الآية 5(1/114)
نفوس كثير من المؤمنين بتوحيد الربوبية ، ولا أريد أن أبعد بالقارئ الكريم في ضرب الأمثلة فحسبي هنا أن أنقل ما ذكره المؤلف الذي نحن في صدد الرد عليه فإنه قال بعد أسطر من كلامه السابق ( ص 21 - 22 ) :
" ونراهم ( يعني العامة ) يحلفون بالأولياء ، وينطقون في حقهم بما ظاهره الكفر الصراح بل هو الكفر حقيقة بلا ريب ولا شك ... فكثير من جهلة العوام بالمغرب ينطق بما هو كفر صراح في حق مولانا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه ... فإن عندنا بالمغرب من يقول عن القطب الأكبر مولانا عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه أنه الذي خلق الدين والدنيا! ومنهم من قال والمطر نازل بشدة : يا مولانا عبد السلام ألطف بعبادك! فهذا كفر! ... " .
قلت : فهذا الكفر أشد من كفر المشركين ، لأن هذا فيه التصريح بالشرك في توحيد الربوبية أيضاً ، وهو مما لا نعلم أنه وقع من المشركين أنفسهم ! وأما الشرك في الألوهية فهو(1/115)
أكثر في جهَّال هذه الأمة - ولا أقول عوامهم - فإذا كان هذا حال المسلمين اليوم وقبل اليوم فكيف يقول هذا الرجل :
"وقد انتفت العلة برسوخ الإيمان في نفوس المؤمنين .." ؟!
وإذا كان يريد بـ " المؤمنين " الصحابة رضي الله عنهم ، فلا شك أنهم كانوا مؤمنين حقاً ، عالمين بحقيقة التوحيد الذي جاءهم به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولكن الشريعة الإسلامية شريعة عامة أبدية فلا يلزم من انتفاء العلة - ولو ثبت - بالنسبة إليهم أن ينتفي الحكم بالنسبة لمن بعدهم ، لأن العلة لا تزال قائمة ، والواقع أصدق شاهد على ذلك .
الوجه الثاني : علمت مما سبق من الأحاديث أن النبي صلى الله عليه و سلم حذر من اتخاذ المساجد على القبور في آخر حياته ، بل في مرض موته فمتى زالت العلة التي ذكرها ؟ إن قيل : زالت عقب وفاته صلى الله عليه و سلم فهذا نقض لما عليه جميع المسلمين أن خير الناس قرنه صلى الله عليه و سلم ، لأن القول بذلك يستلزم - بناء على ما سبق من كلامه - أن الإيمان لم يكن قد رسخ بعد في نفوس(1/116)
الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما رسخ بعد وفاته صلى الله عليه و سلم ! ولذلك لم تزل العلة وبقي الحكم ، وهذا مما لا أتصور أحداً يقول به لوضوح بطلانه . وإن قيل : زالت قبل وفاته صلى الله عليه و سلم قلنا : وكيف ذلك وهو صلى الله عليه و سلم إنما نهى عن ذلك في آخر نفس من حياته ؟ ويؤيده :
الوجه الثالث : أن في بعض الأحاديث المتقدمة باستمرار الحكم إلى قيام الساعة كالحديث ( 12 ) .
الوجه الرابع : أن الصحابة رضي الله عنهم إنما دفنوه في حجرته صلى الله عليه وسلم خشية أن يتخذ قبره مسجدا كما تقدم عن عائشة رضي الله عنها في الحديث ( 4 ) [[ وكذا الحديث رقم 1 ]] ، فهذه خشية إما أن يقال : إنها كانت منصبة على الصحابة أنفسهم ، أو على من بعدهم ،
فإن قيل بالأول قلنا فالخشية على من بعدهم أولى
وإن قيل بالثاني ، وهو الصواب عندنا فهو دليل قاطع على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يرون زوال العلة(1/117)
المستلزم زوال الحكم ، لا في عصرهم ، ولا فيما بعدهم ، فالزعم بخلاف رأيهم ضلال بين . ويؤيده :
الوجه الخامس : أن العمل استمر من السلف على هذا الحكم ونحوه مما يستلزم بقاء العلة السابقة وهي خشية الوقوع في الفتنة والضلال فلو أن العلة المشار إليها كانت منتفية لما استمر العمل على معلولها ، وهذا بين لا يخفى والحمد لله وإليك بعض الأمثلة على ما ذكرنا :
1 - عن عبد الله بن شرحبيل بن حسنة قال : رأيت عثمان بن عفان يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان ! فأمر به فسوي(1) .
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة في « المصنف » ( 4 / 138 ) وأبو زرعة في « تاريخه » ( 66 / 121 ، 2 / 2 ) (*) بسند صحيح عن عبد الله هذا وقد أورده ابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » ( 3 / 2 / 8182 ) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
(*) مخطوطان قيمان الأول محفوظ بعض مجلداته في المكتبة الظاهرية ، ويوجد منه نسخة تامة في غيرها . والآخر منه نسخة مصورة في المجمع العلمي العربي بدمشق .(1/118)
2 - عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب :
ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفاً إلا سويته(1)
__________
(1) رواه مسلم ( 3 / 61 ) وأبو داود ( 3 / 70 ) والنسائي ( 1 / 285 ) والترمذي ( 2 / 153 - 154 ) والبيهقي ( 4 / 3 ) والطيالسي ( 1 / 168 ) وأحمد ( رقم 741 ، 1064 )
وله طرق عند الطيالسي وأحمد ( رقم 657 و 658 و 889 و 1175 و 1176 و 1177 و 1238 و 1283 ) وابن أبي شيبة ( 4 / 139 ) والطبراني في « الصغير » ( ص 29 ) :
" ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين ما ثبت في السنة من مشروعية رفع القبر شبراً أو شبرين ، حتى يتميز فيصان عن أن يهان ، لأن المراد به تسوية ما رفع عليه من البناء ، وإن قيل بخلافه قال الشيخ علي القارئ في " المرقاة " ( 2 / 372 ) في شرح الحديث : " ( قبراً مشرفاً ) هو الذي بني عليه حتى ارتفع دون الذي أعلم عليه بالرمل والحصباء أو محسومة (!) بالحجارة ليعرف ولا يوطأ ، ( إلا سويته ) في الأزهار : قال العلماء : يستحب أن يرفع القبر قدر شبر ويكره فوق ذلك ويستحب الهدم وفي قدره خلاف قيل إلى =(1/119)
ولما كان هذا الحديث حجة واضحة على إبطال ما ذهب إليه الشيخ الغماري في كتابه المشار إليه سابقاً حاول التقصي منه من طريقين :
الأول : تأويله ، حتى يتفق مع مذهبه .
والآخر : التشكيك في ثبوته فقال ( ص 57 ) :
" فلا بد من أحد أمرين : إما أن يكون غير ثابت في نفسه ، أو هو محمول على غير ظاهره ولا بد " .
قلت : أما ثبوته فلا شك فيه لأن له طرقا كثيرة بعضها في « الصحيح » كما سبق ولكن أصحاب الأهواء لا يلتزمون القواعد العلمية في التصحيح والتضعيف ، بل ما كان عليهم ضعفوه ولو كان في نفسه صحيحا كهذا الحديث(1) ، وما
__________
= الأرض تغليظا ، وهذا أقرب إلى اللفظ أي لفظ الحديث من التسوية "وكذا في « تحفة الأحوذي » ( 2 / 154 ) نقلا عن « المرقاة » .
(1) وكذلك فعل بعض غلاة الشيعة في كتابه " كشف الارتياب " ( ص 366 فصرح فيه بتضعيف الحديث من طريق مسلم وطعن في رجاله وكلهم =(1/120)
كان لهم صححوه أو مشوه ولو كان في نفسه ضعيفاً ، وسيأتي لذلك بعض الأمثلة الأخرى والله المستعان .
وأما تأويله فقد ذكر له وجوها واهية أقواها قوله :
" إنه خبرٌ متروك الظاهر بالاتفاق لأن الأئمة متفقون على كراهة تسوية القبر وعلى استحباب رفعه قدر شبر " .
قلت : العجب ممن يدعي الاجتهاد ويحرم التقليد كيف يصرف الأحاديث ويتأولها حتى تتفق مع أقوال الأئمة بزعمه ، بينما الاجتهاد الصحيح يقتضي عكس ذلك تماما على أن الحديث لا ينافي الاتفاق المذكور ، لأنه خاص بالقبر المبني عليه فحينئذ يسوى بالأرض كما سبق عن الأزهار واتفاق الأئمة إنما هو في الأصل الذي ينبغي أن يراعى حين دفن الميت فيرفع قليلاً فهذا لا يعنيه الحديث كما أفاده القارئ
__________
= ثقات وكذلك غمز من صحته الكوثري الجهمي في « مقالاته » ( ص 159 ) وهكذا ترى أهل الأهواء على اختلاف مذاهبهم يتتابعون على رد الحديث الصحيح بأوهى الشبه إتباعا لأهوائهم ، ونعوذ بالله تعالى من الخذلان !(1/121)
رحمه فيما تقدم نقله قريباً في الحاشية .( ص 78 )
ثم نقل الغماري في تأويل الحديث عن الشافعية أنهم قالوا : " لم يرد تسويته بالأرض ، وإنما أراد تسطيحه جمعاً بين الأحاديث "
قلت : لو سلم هذا فهو دليل على الغماري لا له لأنه لا يقول بوجوب تسطيحه بل يقول باستحباب رفعه بدون حد ، وباستحباب البناء عليه قبة أو مسجداً !
ثم قال الغماري في الجواب الأخير عن الحديث :
" وهو الصحيح عندنا أنه أراد قبور المشركين التي كانوا يقدسونها في الجاهلية وفي بلاد الكفار التي افتتحها الصحابة رضي الله عنهم بدليل ذكر التماثيل معها " .
قلت : في بعض طرق الحديث عند أحمد أن بعث علي رضي الله عنه إنما كان إلى بعض نواحي المدينة حين كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ، فهذا يبطل ما ادعاه من أن الإرسال كان(1/122)
إلى بلاد الكفار .
ثم إن موضع الشاهد من الحديث إنما هو بعث علي أبا الهياج إلى تسوية القبور ، وكان رئيس الشرطة ففيه دليل واضح على أن علياً وكذا عثمان رضي الله عنهما في الأثر المتقدم كانا يعلمان هذا الحكم بعد وفاته صلى الله عليه و سلم خلافا لما زعمه الغماري .
3 - عن أبي بردة قال : أوصى أبو موسى حين حضره الموت فقال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي ولا يتبعني مجمر ، ولا تجعلوا في لحدي شيئا يحول بيني وبين التراب ولا تجعلوا على قبري بناء وأشهدكم أني بريء من كل حالقة أو سالقة أو خارقة(1) قالوا أو سمعت فيها شيئا ؟ قال : نعم من رسول الله صلى الله عليه و سلم(2) .
__________
(1) الحالقة ) هي التي تحلق شعرها عند المصيبة ، و( السالقة ) : التي ترفع صوتها ، و( الخارقة ) : التي تخرق ثيابها عند المصيبة .
(2) أخرجه أحمد ( 4 / 397 ) وإسناده قوي .(1/123)
4 - عن أنس : كان يكره أن يبنى مسجد بين القبور(1)
5 - عن إبراهيم أنه كان يكره أن يجعل على القبر مسجداً(2) .
وإبراهيم هذا هو ابن يزيد النخعي الثقة الإمام ، وهو تابعي صغير مات سنة (96) ، فقد تلقى هذا الحكم بلا شك من بعض كبار التابعين أو ممن أدركهم من الصحابة ، ففيه دليل قاطع على أنهم كانوا يرن بقاء هذا الحكم واستمراره بعده صلى الله عليه و سلم فمتى نسخ ؟!
6 - عن المعرور بن سويد قال :
« خرجنا مع عمر في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ "(3) و " لِإِيلَافِ
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة ( 2 / 185 ) ورجاله ثقات رجال الشيخين ، ورواه أبو بكر ابن الاثرم كما في « فتح الباري » لابن رجب ( 65 / 81 / 1 من الكواكب )
(2) رواه ابن أبي شيبة ( 4 / 134 ) بسند صحيح عنه .
(3) سورة الفيل الآية 1(1/124)
قُرَيْشٍ "(1) فلما قضى حجه ورجع والناس يتبدرون ، فقال : ما هذا ؟ فقال : مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : هكذا هلك أهل الكتاب اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً ! من عرضت له منكم فيها الصلاة ، فليصل ، ومن لم يعرض له منكم فيه الصلاة فلا يصل »(2) .
7 - عن نافع قال :
« بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت »(3) .
__________
(1) سورة قريش الآية 1
(2) رواه ابن أبي شيبة ( 2 / 84 / 1 ) وسنده صحيح على شرط الشيخين
(3) - قلت : رواه ابن أبي شيبة أيضا ( 2 / 73 / 2 ) ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين نافع وعمر فلعل الواسطة بينهما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
ثم استدركت فقلت : يبعد ذلك كله ما أخرجه البخاري فيه " صحيحه الجهاد " من طريق أخرى عن نافع قال : قال ابن عمر رضي الله عنهما :
« رجعنا من العام المقبل ، فما اجتمع اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها ، =(1/125)
__________
= كانت رحمة من الله »
قلت : يعني خفاءها عليهم . فهو نص على أن الشجرة لم تبق معروفة المكان يمكن قطعها من ، عمر فدل ذلك على ضعف رواية القطع الدال عليه الانقطاع الظاهر فيها نفسها ومما يزيدها ضعفا ما روى البخاري في « المغازي » من « صحيحه » عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال : « لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها » .
ومن طريق طارق بن عبد الرحمن قال :
" انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون ، قلت : ما هذا المسجد قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب ،فضحك فقال : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها . وفي رواية : فعميت علينا فقال سعيد : إن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم !
أقول : ولئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهد فيما نحن فيه من البحث بعد التأكد من ضعفها فقد كسبنا ما هو أقوى منها مما يصلح دليلا لما نحن فيه وهو حديث المسيب هذا وحديث ابن عمر : فقد قال الحافظ في شرحه إياه :
" والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير ، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم الأمر إلى اعتقاد أن =(1/126)
8 - عن قزعة قال سألت ابن عمر : آتي الطور ؟ فقال : دع الطور ولا تأتها ، وقال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد(1) .
9 - عن علي بن حسين :
أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه
__________
= لها قوة نقع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله : « كانت رحمة من الله » أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى ".
قلت : ومن تلك الأشجار التي أشار إليها الحافظ شجرة كنت رأيتها من أكثر من عشر سنين شرقي مقبرة شهداء أحد خارج سورها وعليها خرق كثيرة ، ثم رأيتها في موسم السنة الماضية ( 1371 هـ ) قد استأصلت من أصلها . والحمد لله وحمى المسلمين من شر غيرها من الشجر وغيره من الطواغيت التي تعبد من دون الله تعالى .
(1) رواه ابن أبي شيبة أيضا ( 2 / 83 / 2 ) والأزرقي في « أخبار مكة » ( ص 304 ) وإسناده صحيح وروى أحمد ( 6 / 8 ) وأبو يعلى وابن منده في « التوحيد » ( 26 / 1 ، 2 ) مثله عن أبي بصرة الغفاري وهو صحيح أيضا خرجته في « سلسة الأحاديث الصحيحة » أواخر المائة الثالثة وفي « إرواء الغليل » رقم ( 970 )(1/127)
( كذا الأصل ) فيدخل فيها فيدعو ، فدعاه فقال : ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : « لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم »(2) .
ويقويه ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضا وابن خزيمة في « حديث علي ابن حجر » ( ج 4 / رقم 48 ) وابن عساكر ( 4 / 217 / 1 )(1) من طريقين عن سهيل بن أبي سهيل أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فالتزمه ومسح قال : فحصبني حسن بن حسن
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة أيضا ( 2 / 83 / 2 ) وعنه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 32 / 2 ) وإسماعيل القاضي في كتاب " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم " الحديث 20 من طبع المكتب الإسلامي ورواه الضياء في « المختارة » ( 1 / 154 ) من طريق أبي يعلى والخطي في « الموضح » ( 2 / 30 ) .
وسنده مسلسل بأهل البيت رضي الله عنهم إلا أن أحدهم وهو علي بن عمر مستور كما قال الحافظ في «التقريب»
(2) هذا والمصادر المذكورة قبله كلها مخطوطات وغالبها في المكتبة الظاهرية ، ومكتبة الأوقاف في حلب .(1/128)
بن علي بن أبي طالب فقال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر ، [ وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني ] »(1) .
10 - عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني(2) حيثما كنتم »(3) .
__________
(1) قلت : وأخرجه عبد الرزاق أيضا في « مصنفه » ( 3 / 577 / 6694 ) وسهيل هذا أورده ابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » ( 2 / 1 / 24 ) وذكر له عنه راويين أحدهما محمد بن عجلان وهو الراوي لهذا الحديث عنه عند ابن أبي شيبة ، والآخر سفيان الثوري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وله راو ثالث وهو إسماعيل الراوي لهذا عنه عند ابن خزيمة وهو إسماعيل بن علية وهذه فائدة عزيزة لا تجدها في كتب الرجال فقد روى عنه ثلاثة من الثقات فهو معروف غير مجهول . والله أعلم .
(2) قوله «تبلغني» هذا الحديث وغيره مما تقدم صريح في أنه عليه الصلاة والسلام لا يسمع صلاة المصلين عليه فمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعها فقد كذب عليه فكيف حال من يزعم أنه صلى الله عليه وسلم يسمع غيرها ؟!
(3) رواه أبو داود ( 2042 ) وأحمد ( 2 / 367 ) بسند حسن ورواه أبو =(1/129)
11 - ورأى ابن عمر فسطاطاً(1) على قبر عبد الرحمن فقال : « انزعه يا غلام فإنما يظله عمله »(2) .
12 - عن أبي هريرة أنه أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطا ً(3) .
13 - وروى ابن أبي شيبة وابن عساكر (7/96/2) مثله عن أبي سعيد الخدري(4) .
14 - عن محمد بن كعب قال : هذه الفساطيط التي على
__________
= يعلى في « مسنده » ( 4 / 1597 ) ، مصورة الكتب ( أو النسخة الخطية ؟) من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب بسند فيه نظر .
(1) السفطاط بيت من شعر في « اللسان » وفي « الكواكب الدراري » ( ق 87/1 تفسير 548) : " وكره أحمد أن يضرب على القبر فسطاط" .
(2) رواه البخاري تعليقاً (2/98) .
(3) رواه عبد الرزاق ( 3 / 418 / 6129 ) وابن أبي شيبة 4 / 135 ، والربعي في " وصايا العلماء " ( 141 / 2 ) وابن سعد ( 4 / 338 ) وإسناده صحيح .
(4) وإسناده ضعيف ، لكن له طرق أخرى عند ابن عساكر فهو بها صحيح .(1/130)
القبور محدثة(1) .
15 - سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه الذي مات فيه : إذا ما مت فلا تضربوا على قبري فسطاطا (2)
16 - عن سالم مولى عبد الله بن علي بن حسين قال : أوصى محمد بن علي أبو جعفر قال : لا ترفعوا قبري على الأرض(3) .
17 - عن عمرو بن شرحبيل قال :
« لا ترفعوا جدثي - يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك »(4) .
__________
(1) رواه ابن أبي شيبة أيضاً ورجاله ثقات غير ثعلبة وهو ابن الفرات ، قال أبو حاتم و أبو زرعة :" لا أعرفه " كما في " الجرح والتعديل " ( 1 / 464 ـ 465 ) .
(2) رواه ابن سعد (5/142) .
(3) رواه الدولابي (1/134ـ 135) ورجاله ثقات غير سالم هذا فهو مجهول كما قال الذهبي في " الميزان " والحلي الشيعي في " خلاصة الأقوال " ( ص 108)
(4) رواه ابن سعد (6/108) بسند صحيح .(1/131)
واعلم أن هذه الآثار وإن اختلفت دلالاتها فهي متفقة على النهي في الجملة عن كل ما ينبئ عن تعظيم القبور تعظيما يخشى منه الوقوع في الفتنة والضلال ، مثل بناء المساجد والقباب على القبور وضرب الخيام عليها ورفعها أكثر من الحديث المشروع ، والسفر والاختلاف إليها(1) والتسمح بها ، ومثل التبرك بآثار الأنبياء ونحو ذلك .
فهذه الأمور كلها غير مشروعة عند السلف الذين سميناهم من الصحابة وغيرهم ، وذلك يدل على أنهم كانوا جميعا يرون بقاء علة النهي عن بناء المساجد على القبور وتعظيمها بما لم يشرع ألا وهي خشية الإضلال والافتتان بالموتى ، كما نص عليها الإمام الشافعي رحمه الله فيما سبق بدليل استمرارهم على القول بالحكم المعلول بهذه العلة فإن بقاء أحدهم يستلزم بقاء الآخر كما لا يخفى وهذا
__________
(1) الاختلاف إليها أي : إكثار التردد لزيارتها ، وهذا مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم « اللهم لا تجعل قبري عيداً » .(1/132)
بالنسبة لمن نص منهم على كراهية بناء المساجد على القبور ظاهراً ، أما الذين صرحوا بالنهي عن غير ذلك مثل رفع القبر وضرب الخيمة عليه ونحوه مما أجملنا الكلام عليه آنفا فهم يقولون ببقاء الحكم المذكور من باب أولى وذلك لوجهين :
الأول : أن بناء المساجد على القبور أشد جرماً من رفع القبور وضرب الخيام عليها ، لما ورد من اللعن على البناء ، دون الرفع والضرب المذكور .
الثاني : أن المفروض في أولئك السلف الفهم والعلم ، فإذا ثبت عن أحد منهم النهي عن شيء هو دون ما نهى عنه الشارع ، ولم ينقل هذا النهي عن أحدهم ، فنحن نقطع بأنه ينهى عنه أيضاً ، حتى ولو فرض عدم بلوغ النهي إليه لأن نهيه عما هو دون هذا يستلزم النهي عنه من باب أولى ، كما لا يخفى .(1/133)
فثبت أن القول بانتفاء العلة المذكورة وما بني عليه كله باطل ، لمخالفته نهج السلف الصالح رضي الله عنهم ، مع مصادمته للأحاديث الصحيحة ، والله المستعان .(1/134)
الفصل الخامس : حكمة تحريم بناء المساجد على القبور
من الثابت في الشرع أن الناس منذ أول عهدهم كانوا أمة واحدة على التوحيد الخالص ثم طرأ عليهم الشرك ، والأصل في هذا قول الله تبارك وتعالى : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ "(1) . قال ابن عباس رضي الله عنه :
« كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين »(2) .
__________
(1) سورة البقرة الآية 213
(2) رواه ابن جرير في " تفسيره " ( 4 / 275 بتحقيق أحمد شاكر رحمه الله ) والحاكم ( 2 / 546 ) وقال :
صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي .
قلت : وعزاه ابن عروة الحنبلي لصحيح البخاري وهو وهم .وأما ما رواه العوفي عن ابن عباس : ( كان الناس أمة واحدة ) يقول : كانوا كفارا ( فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ) فلا يصح عن ابن عباس لأن العوفي ضعيف =(1/135)
قال ابن عروة الحنبلي في " الكوكب " ( 6 / 212 / 1 ) :
« وهذا يرد قول من زعم من أهل التاريخ من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار » .
قلت : وفيه رد أيضا على بعض الفلاسفة والملاحدة الذين يزعمون أن الأصل في الإنسان الشرك وأن التوحيد هو الطارئ .
ويبطل هذا ، ويؤيد الآية السابقة حديثان صحيحان :
الأول : قوله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه : « إني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم(1) عن دينهم ،
__________
= لا يحتج به ، ولقد أخطأ الفخر الرازي وغيره من المفسرين في حكايتهم لهذا القول عن ابن عباس ساكتين عنه ، ولهذا قال الحافظ ابن كثير ( 1 / 250 ) :
" والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام ن فبعث الله إليهم نوحا عليه السلام فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض " .
وهذا القول هو الذي صححه ابن القيم في « إغاثة اللهفان » ( 2 / 205 )
(1) أي استخفتهم فجالوا معهم في الضلال يقال : جال واجتال : إذا ذهب =(1/136)
وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم ، وأمرتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً »(1)
الثاني : قوله صلى الله عليه و سلم : « ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟ » قال أبو هريرة : « واقرؤوا إن شئتم " فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ "(2) . الآية »(3) .
إذا تبين هذا فإن من المهم جداً أن يتعلم المسلم كيف طرأ الشرك على المؤمنين بعد أن كانوا موحدين ؟
__________
= وجاء منه الجولان في الحرب . « نهاية » ونحوه في « غريب الحربي » .
(1) رواه مسلم ( 8 / 159 ) ، وأحمد ( 4 / 162 ) ، والحربي في « الغريب » ( 5 / 24 / 2 ) والبغوي في حديث « هدبة بن خالد » ( 1 / 251 / 2 ) وابن عساكر ( 15 / 328 / 1 )
(2) سورة الروم آية 30
(3) رواه البخاري ( 11 / 418 ) ومسلم ( 18 / 52 ) ، والدولابي ( 1 / 98 ) وغيرهم وقد خرجته في ( الإرواء ) رقم 1220(1/137)
لقد ورد عن جماعة من السلف روايات كثيرة في تفسير قول الله سبحانه في قوم نوح : " وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا "(1)أن هؤلاء الخمسة ودًّا ومن ذكر معه كانوا عباداً صالحين ، فلما ماتوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن يعكفوا على قبورهم ، ثم أوحى إلى الذين جاؤوا من بعدهم أن يتخذوا لهم أصناماً ،
وزين لهم ذلك بأنه أدعى لهم على أن يذكروهم فيقتدوا بأعمالهم الصالحة ، ثم أوحى إلى الجيل الثالث أن يعبوهم من دون الله تعالى وأوهمهم أن آباءهم كانوا يفعلون ذلك فأرسل الله لهم نوحاً عليه السلام آمراً لهم أن يعبدوا الله تعالى وحده ، فلم يستجيبوا له إلى قليلاً منهم . وقد حكى الله عز وجل قصته معهم في سورة نوح .
جاء في صحيح البخاري ( 8 / 543 ) عن ابن عباس :
" أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال صالحين من قوم نوح ،
__________
(1) سورة نوح الآية 23(1/138)
فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً ، وسموها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت » .
ونحوه في تفسير ابن جرير وغيره عن غير واحد من السلف رضي الله عنهم .
وفي " الدر المنثور " ( 6 / 269 ) :
" وأخرج عبد بن حميد عن أبي مطهر قال :
ذكروا عند أبي جعفر ( وهو الباقر ) يزيد بن الملهب ، فقال : أما إنه قتل في أول
أرض عبد فيها غير الله ثم ذكر « ودًّا » قال :
« وكان ود رجلاً مسلماً ، وكان محبباً في قومه ، فلما مات عسكروا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ، ثم قال :(1/139)
أرى جزعكم على هذا فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به ؟ قالوا :
نعم فصور لهم مثله فوضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل لكم في منزل كل رجلا منكم تمثالاً مثله فيكون في بيته فتذكرونه ؟ قالوا : نعم ، فصور لكل أهل بيت تمثالاً مثله فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به ، قال : وأدرك أبنائهم ، فجعلوا يرون ما يصنعون به ، وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلهاً من دون الله(1) قال : وكان أول ما عبد غير الله في الأرض « ود » الصنم الذي سموه بود " (2) .
__________
(1) زاد في « الكواكب » من رواية أبن حاتم : « أولاد أولادهم » .
(2) قلت : ورواه ابن أبي حاتم أيضاً " كما في « الكواكب الدري » لابن عروة الحنبلي ( 6 / 112 / 2 ) وساق إسناده ، وهو حسن إلى أبي المطهر هذا ولم أعرفه ولم يورده الدولابي في «الكنى والأسماء » ولا مسلم في ( الكنى ) من « فهرست رجال الشيعة » .(1/140)
فاقتضت حكمة الإله تبارك وتعالى وقد أرسل محمداً صلى الله عليه و سلم خاتم الرسل ، وجعل شريعته خاتمه الشرائع أن ينهي عن كل الوسائل التي يخشى أن تكون ذريعة - ولو بعد حين - لوقوع الناس في الشرك الذي هو أكبرا الكبائر فلذلك نهى عن بناء المساجد على القبور كما نهى عن شد الرحال إليها واتخاذها أعياداً(1) والحلف بأصحابها ، إذ كل ذلك يؤدي إلى الغلو بها وعبادتها من دون الله تعالى لاسيما عند انطفاء العلم وكثره الجهل وقله الناصحين وتعاون شياطين الجن والإنس على إضلال الناس وإخراجهم من عبادة الله
__________
(1) قال : النووي آداب زيارة قبره صلى الله عليه و سلم من كتابه « مناسك الحج » ( 69 / 2 ) وهو مخطوط في ظاهريه دمشق ( عام 3656 ) : " كره مالك رحمه الله لأهل المدينة كلما دخل أحدهم وخرج الوقوف بالقبر قال : و إنما ذلك للغرباء قال : ولا بأس لمن قدم من سفر وخرج إلى سفر أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . قال الباجي : فرَّق مالك بين أهل المدينة والغرباء ، لأن الغرباء قصدوا ذلك ، وأهل المدينة مقيمون بها ، وقد قال صلى الله عليه و سلم : « اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد » .(1/141)
تبارك وتعالى .
ولا يخفى أنه إذا كان من المسلَّم عندنا معشر المسلمين أن من حكمة النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة هو سد الذريعة وعدم التشبه بالمشركين الذين يعبدون الشمس في تلك الأوقات ، فالذريعة في التشبه بهم في بناء المساجد على القبور والصلاة فيها أقوى وأوضح ، ألا ترى أننا حتى اليوم لم نجد أي أثر سيء لصلاة بعض الناس في هذه الأوقات المنهي عنها ، بينما نرى أسوأ الآثار للصلاة في هذه المساجد والمشاهد المبنية على القبور من التمسح بها(1) ، والاستغاثة
__________
(1) قال : النووي في كتابه « مناسك الحج » ( 68 / 2 ) :
" لا يجوز أن يُطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ، ويكره إلصاق البطن والظهر بجدران القبر ، قاله الحليمي وغيره ، ويكره مسحه باليد و تقبيله ، بل الأدب أن يبعد منه ... هذا هو الصواب . وهو الذي قاله العلماء ، وأطبقوا عليه ، وينبغي أن لا يغتر بكثير من العوام في محالفتهم ذلك ، فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء ، ولا يلتفت إلى محدثات العوام وجهالاتهم ، ولقد أحسن السيد الجليل أبو علي الفضيل بن عياض في قوله ما معناه « اتبع طرق الهدى ولا =(1/142)
بأصحابها والنذر لها ، والحلف بل والسجود لها ، وغير ذلك من الضلال مما هو مشاهد معروف فاقتضت حكمة تبارك وتعالى تحريم كل هذه الأمور حتى يعبد الله تبارك وتعالى وحده ولا يشرك به شيء فيتحقق بذلك أمر تعالى بدعائه وحده في قوله " وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا "(1) .
وإن مما يأسف له كل مسلم طاهر القلب أن يجد كثيراً من المسلمين قد وقعوا في مخالفة شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه و سلم التي
__________
= يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين » ومن خطر في باله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة ، فهو من جهله وغفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وأقوال العلماء وكيف يبتغي الفضل في مخالفه الصواب ؟! " .
قلت : رحم الله الإمام النووي فإنه بهذه الكلمة أعطى هؤلاء المشايخ الذين يتمسحون بالقبور فعلاً ، أو يحبذونها قولاً ما يستحقونه من المنزلة ، حيث جعلهم من العوام الذين لا يجوز أن يلتفت إلى جهالاتهم ( فهل من مذكر ) ؟
(1) سورة الجن ، الآية 18 .(1/143)
جاءت بالابتعاد عن كل ما يخدج بالتوحيد ، ثم يزداد أسفاً حين يرى قليلاً أو كثيراً من المشايخ يقرونهم على تلك المخالفة ، بدعوى أن نياتهم طيبه ! ويشهد الله أن كثيراً منهم قد فسدت نياتهم ، وران عليها الشرك بسبب سكوت أمثال هؤلاء المشايخ ، بل تسويغهم كل ما يرونه من مظاهر الشرك بتلك الدعوى الباطلة ؟ (1) .
__________
(1) ولقد جرى نقاش طويل بعد بضع سنين من تأليف بيني وبين أحد الخطباء يوم الجمعة في بيته حول الاستغاثة بغير الله ، فصرح الشيخ بجوازها بحجة أن المستغيث يعلم أن الميت لا يضر ولا ينفع ! فقلت له : لو كان الأمر كذلك فلماذا يناديه ؟ قال : واسطة قلت : الله أكبر : قلتم : كما قال غيركم " مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى " ( سورة الزمر الآية 3 ) ، ثم قلت له : فإذا كنتم تعتقدون حقا أنهم لا يعتقدون فيهم ضراً ولا نفعاً فهل ترى باساً من أن يكشف المستغيث بغير الله عن عقيدته التي تزعمها بقوله « يا باز ؟ يا من لا يضر ولا ينفع » فقال : نعم يجوز قلت : فهذا أكبر دليل على أنك أنت فضلا عن العامة ترى أن في ندائهم نفعا وإلا سويتم بين ندائهم وبين نداء الجمادات والأحجار بل الأصنام وما أظنكم ترون جواز ندائها أيضا بحجة أنها لا =(1/144)
أين النية الطيبة يا قوم من أناس كلما وقعوا في ضيق جاءوا إلى ميت يرونه صالحاً فيدعونه من دون الله ويستغيثون به ، ويطلبون منه العافية والشفاء وغير ذلك مما لا يُطلب إلا من الله وما لا يقدر عليه إلى الله ؟! بل إذا زلت قدم دابتهم نادوا : يا الله يا باز ! بينما هؤلاء المشايخ قد يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع يوما بعض الصحابة يقول له : ما شاء الله وشئت فقال : أجعلتني لله نداً ؟!(1) فإذا كان هذا إنكار رسول الله صلى الله عليه و سلم على من آمن به صلى الله عليه وسلم فراراً من الشرك ، فلماذا لا ينكر هؤلاء المشايخ على الناس قولهم : يا الله يا باز ! مع أنه في الدلالة على الشرك أوضح وأظهر من كلمة ما شاء الله وشئت ؟ ولماذا نرى العامة يقولون دون أي تحرج : « توكلنا على الله وعليك » و « مالنا غير الله وأنت » ؟ ذلك لأن هؤلاء المشايخ إما أنهم مثلهم في
__________
= تضر ولا تنفع فبهت . ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )
(1) حديث صحيح ، تجد تخريجه في « الأحاديث الصحية » (139) .(1/145)
الضلال وفاقد الشيء لا يعطيه وإما أنهم يدارونهم ، بل يداهنوهم كي لا يوصموا ببعض الوصمات التي تقضي على وظائفهم ومعاشاهم غير مبالين بقول الله تعالى " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يعلنهم الله ويعلنهم اللاعنون "(1).
يا حسرة على هؤلاء المسلمين لقد كان المفروض فيهم أن يكونوا دعاة لجميع الناس إلى دين التوحيد ، وسبباً لإنقاذهم من الوثنية وأدرانها ، ولكنهم سبب جهلهم بدينهم وإتباعهم أهواءهم عادوا مضرب مثل للوثنية من قبل المشركين أنفسهم فصاروا يصفونهم بأنهم كاليهود في بنائهم المساجد على القبور فقد جاء في كتاب « دعوة الحق » للأستاذ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله تعالى ( ص 176 - 177 ) :
" وقد سجل على المسلمين هذه الوثنية المستشرق الانكليزي اللئيم « ادوارد لين » في كتابه « المصريون المحدثون »
__________
(1) سورة البقرة الآية 159(1/146)
فقال ( ص 167 - 181 ) :
" ويحمل المسلمون - وبخاصة المصريون - على اختلاف مذاهبهم - ما عدا الوهابيين - للأولياء المتوفين احتراماً وتقديساً لا سند لهما من القرآن أو الأحاديث أكثر مما يحملون للأحياء منهم ، ويشيدون فوق أغلب قبور الأولياء المشهورين مساجد كبيرة وجميلة وينصبون فوق قبور من هم أقل شهرة منهم بناء صغيرا مبيضاً بالكلس ومتوجاً بقبة ، ويقام فوق القبر مباشرةً نصب مستطيل من الحجر أو القرميد يسمى « تركيبة » أو من الخشب ويسمى تابوتاً ، ويغطى النصب عادة بالحرير أو الكتان المطرز بالآيات القرآنية ، ويحيط به قضبان أو ستر من الخشب يسمى مقصورة ، وأكثر أضرحة الأولياء في مصر مدافن إلا أن أكثرها يحتوي على آثار قليلة لهم ، وبعضها ليست إلا قبورا فارغة أقيمت تذكاراً للميت . إلى أن يقول : وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون كما كان يفعل اليهودُ بتجديد بناء قبور أوليائهم ، وتبيضها ، وزخرفتها ،(1/147)
تغطية التركيبة أو التابوت أحيانا بغطاء جديد ، وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياءً(1) كما يفعل اليهود " .
علم الكفار الغربيون هذه الضلالة التي وقع فيها كثير من المسلمين لا سيما الشيعة منهم ، فاستغلوها حتى في سبيل تحقيق مطامعهم الاستعمارية ، فقد قال فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد حسن الباقوري في فتوى له في النهي عن زخرفة القبور وبناء القباب والمساجد عليها :
" وبهذه المناسبة ، أذكر أن أحد كبار الشرقيين حدثني عن بعض أساليب الاستعمار في آسيا أن الضرورة كانت تقضي بتحويل القوافل الآتية من الهند إلى بغداد عبر تلك المنطقة الواسعة إلى اتجاه جديدٍ للمستعمر فيه غاية ، ولم تجد أية وسيلة من وسائل الدعاية في جعل القوافل تختاره .
وأخيراً اهتدوا إلى إقامة عدة أضرحةٍ وقباب على
__________
(1) قلت : هذا من بعضهم وأما الآخرون فيفعلونه تعبدا وتقربا إلى الله بزعمهم(1/148)
مسافات متقاربة في هذا الطريق .
ما هو إلا أن اهتزت الإشاعات بمن فيها من الأولياء وبما شُوهد من كراماتهم ! حتى صارت تلك الطريق مأهولة مقصودة عامرة !
وأحب أن أرسلها كلمة خالصةً لوجه الله إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، أن يقلعوا عن تضخيم المقابر فإنها نُعَرَةٌ للفرد ، ودعوةٌ إلى الأنانية ، وإلى الارستقراطية الممقوتة التي قتلت روح الشرق .
وأن يعودوا إلى رحاب الدين التي تسوي بين الناس جميعاً أحياءً أو أمواتاً .
لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وما قدمت يداه من أعمال خالصة لوجه الله " (1).
وقال الكاتب القدير والمؤرخ الشهير الأستاذ المحقق رفيق
__________
(1) « ليس من الإسلام » ( ص 174 ) للأستاذ محمد الغزالي .(1/149)
بك العظم في خاتمة ترجمة أبي عبيدة رضي الله عنه من كتابه « أشهر مشاهير الإسلام » ( ص 521 - 524 ) تحت عنوان « كلمة في القبور » :
" لا نريد بهذا العنوان البحث عن تاريخ القبور كالنواويس والأهرام وما شاكلها من معالم الوثنية الأولى وإنما نريد الوقوف بفكرة القارئ عند اختلاف المؤرخين في مكان قبر أبي عبيدة كاختلافهم في تعيين كثير من قبور جلة الصحابة الكرام الذين دوخوا هذا الملك العظيم وتحلوا بتلك الشيم الشماء وبلغوا من الفضل والتفضل والتقوى والصلاح غاية لم يبلغها أحد من الأولين والآخرين وقد بسط المؤرخون أخبار أولئك الرجال العظام وعنوا بتدوين آثارهم العظيمة في فتوح الممالك والبلدان حتى لم يتركوا في النفوس حاجة للاستزادة ونعم ما خدموا به الأمة والدين .
إن القارئ إذا وقف بفكره عند هذا الأمر وقفة المتأمل ، لا يلبث أن يأخذه العجب لأول وهلة من ضياع قبور أولئك(1/150)
الرجال العظام واختفاء أمكنتها عن نظر نقلة الأخبار ، ومدوني الآثار على جلالة قدر أصحابها وشهرتهم التي طبقت الآفاق وملأت النفوس إعظاماً لقدرهم وإقراراً بفضيلة سبقهم للإيمان ونشرهم دعوة القرآن .
لا جرم أن القارئ أقل ما تحدثه به النفس عند التأمل في هذا الأمر : أن أولئك الرجال ينبغي أن تُعلم قبورهم بالتعيين ، وتشاد عليها القباب العاليات ذات الأساطين ، إذا لم يكن لشهرتهم بالصلاح والتقوى وصدق الإيمان وصحبتهم للنبي عليه الصلاة والسلام ، فلما أتوه من كبار الأعمال التي تعجز عنها أعاظم الرجال فكيف غابت قبورهم عن نظر المؤرخين ، ودرست أجداثهم التي تضم أكابر الصحابة والتابعين حتى اختلف في تعيين أمكنتها أرباب السير وعفي على أكثرها الأثر إلا ما علموه بعد بالحدس والتخمين ، وأظهروا أثره بالبناء عليه بعد ذلك الحين ، مع أن المشاهد عند المسلمين صرف العناية إلى قبور الأموات بما يبلغ(1/151)
الغاية بالتأنق في رفعها وتشييدها ورفع القباب عليها واتخاذ المساجد عندها لا سيما قبور الأمراء الظالمين الذين لم يظهر لهم أثرٌ يشكر في الإسلام ، والمتمشيخة والدجالين الذين كان أكثرهم يجهل أحكام الإيمان ، ولا نسبة بينهم وبين أولئك الرجال العظام كأبي عبيدة بن الجراح وإخوانه من كبار الصحابة الكرام ، الذين نقلوا الدين غضاً طرياً ، وبلغوا بالتقوى والفضيلة مكاناً قصياً ؟
والجواب عن هذا : أن الصحابة والتابعين لم يكونوا في عصرهم بأقل تقديراً لقدر الرجال ، وتعظيماً لشأن من نبغ فيهم من مشاهير الأبطال وأخيار الأمة ، إلا أنهمن كانوا يأنفون من تشييد قبور الأموات ، وتعظيم الرفات لتحققهم النهي الصريح عن ذلك من صاحب الشريعة الغراء ، الحنيفية السمحة ، التي جاءت لاستئصال شأفة الوثنية ، ومحو آثار التعظيم للرفات ، أو العكوف على قبور الأموات ، ويرون(1/152)
أن خير القبور الدوارس(1) ، وأن أشرف الذكر في أشرف الأعمال ، لهذا اختفت عمن أتى بعد جيلهم ذلك قبور كبار الصحابة وجلة المجاهدين إلا ما ندر .
ثم اختلفت نقلة الأخبار في تعيين أمكنتها باختلاف الرواة وتضارب ظنون الناقلين .
ولو كان في صدر الإسلام أثر لتعظيم القبور والاحتفاظ على أماكن الأموات بتشييد القباب والمساجد عليها ، لما كان شيء من هذا الاختلاف ، ولما غابت عنها إلى الآن قبور أولئك الصحابة الكرام كما لم تغب قبور الدجاجلة والمتمشيخين ، التي ابتدعها بعد العصور الأولى مبتدعة المسلمين ، وخالفوا فعل الصحابة والتابعين ، حتى باتت أكثر هذه القباب تمثل هياكل الأقدمين ، وتعيد سيرة الوثنية بأقبح أنواعها وأبعد منازعها عن الحق وأقربها إلى الشرك ، ولو اعتبر المسلمون
__________
(1) قلت : هذا ليس بحديث والسنة رفع القبر عن الأرض نحو شبر وبيانه في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " ( ص 208 - 209 ) طبع المكتب الإسلامي )(1/153)
بعد باختفاء قبور الصحابة الذين عنهم أخذوا هذا الدين وبهم نصر الله الإسلام ، لما اجترؤوا على إقامة القباب على القبور وتعظيم الأموات تعظيماً يأباه العقل والشرع وخالفوا في هذا كله الصحابة والتابعين الذين أدوا إلينا أمانة نبيهم فأضعناها ، وأسرار الشريعة فعبثنا بها .
وإليك ما رواه في شأن القبور مسلم في « صحيحه » عن أبي الهياج الأسدي قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفا إلا سويته . وفي " صحيحه " أيضاً عن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم بـ « ردوس » فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمر بتسويتها(1) .
__________
(1) الأحاديث الواردة بالنهي عن تشييد القبور وتعظيمها ولعن من يتخذها مساجد ويقصدها بالنذور كثيرة قد استقصى الكلام عليها كثير من الأئمة المصلحين كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأمثالهما فلتراجع في مظانها من كتب القوم كالواسطة وإغاثة اللهفان وغيرهما . =(1/154)
هكذا بلغونا الذين أدوا إلينا أمانة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ثم تأكيداً لعهد الأمانة بدؤوا بكل ما أمرهم به الرسول صلى الله عليه و سلم بأنفسهم لنستن بسنتهم ، ونهتدي بهدي نبيهم ، ولكن قصرت عقولنا عن إدراك معنى تلك الجزئيات ، وانحطت مداركنا عن مقام العلم بحكمة التشريع الإلهي والأمر النبوي القاضي بعدم تشييد القبور ، اتقاء التدرج في مدارج الوثنية فلم نحفل بتلك الحكمة ، وتحكمنا بعقولنا القاصرة بالشرع فحكمنا بجواز تشييد القبور استحباباً لمثل هذه الجزئيات ، حتى أصبحت كليات وخرقاً في الدين ، وإفساداً لعقيدة التوحيد ، إذ ما زلنا نتدرج حتى جعلنا عليها المساجد وقصدنا رفاتها بالنذور والقربات ، ووقعنا من ثم فيها لأجله أمرنا الشارع بطمس القبور(1) ، كل هذا ونحن لا نزال في غفلة عن حكمة الشرع نصادم الحق ويصادمنا ، حتى نهلك مع
__________
= قلت : وراجع لذلك كتابنا « أحكم الجنائز »
(1) أنظر تعليقنا السابق .(1/155)
الهالكين " .
قلت : وقد يظن بعض الناس خاصة من كان منهم ذا ثقافة عصريةٍ أن الشرك قد زال وأنه لا رجعة له بسبب انتشار العلوم واستنارة العقول بها !
وهذا ظن باطل ، فإن الواقع يخالفه ، إذ أن المشاهد أن الشرك على اختلاف أنواعه ومظاهره لا يزال ضارباً أطنابه في أكثر بقاع الأرض ، ولا سيما في بلاد الغرب عقر دار الكفر ، وعبادة الأنبياء والقديسين ، والأصنام والمادة ، وعظماء الرجال والأبطال ، ومن أبرز ما يظهر ذلك للعيان انتشار التماثيل بينهم .
وإن مما يُؤسَفُ له أن هذه الظاهرة قد أخذت تنتشر رويداً في بعض البلاد الإسلامية دون أي نكير من علماء المسلمين !
وما لنا نذهب بالقراء بعيداً ؟ فهذه كثير من بلاد المسلمين وخاصة الشيعة منهم ففيها عديد من مظاهر الشرك والوثنية كالسجود للقبور ، والطواف حولها ، واستقبالها بالصلاة(1/156)
والسجود ، ودعائهم من دون الله تعالى ، وغير ذلك مما سبق ذكره
على أننا لو فرضنا أن الأرض قد طهرت من أدران الشركيات والوثنيات على اختلاف أنواعها ، فلا يجوز لنا أن نبيح اتخاذ الوسائل التي يخشى أن تؤدي إلى الشرك لأننا لا نأمن أن تؤدي هذه الوسائل ببعض المسلمين إلى الشرك بل نحن نقطع بأن الشرك ، سيقع في هذه الأمة في آخر الزمان - إن لم يكن قد وقع حتى الآن ! - وإليك بعض النصوص الواردة في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم حتى تكون على بينة من الأمر :
1 - « لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات النساء دوس حول ذي الخلصة »(1) وكانت صنماً تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة(2) .
__________
(1) رواه البخاري( 13/64) ، ومسلم ( 8/182 ) ، وأحمد ( 2/271 ) .
(2) هي موضع باليمن ، وليست تبالة التي يضرب بها المثل ويقال : « أهون على الحجاج من تبالة » لأن تلك بالطائف . « نووي » .(1/157)
2 - « لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى » فقالت عائشة : يا رسول الله ! إن كنت لأظن حين أنزل الله : " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ "(1) أن ذلك تاماً ، قال : « إنه سيكون من ذلك ما شاء الله(2) ، ثم يبعث الله ريحاً طيبةً ،
__________
(1) سورة الصف الآية 9 . [[ وكذا سورة التوبة الآية 33 ]]
(2) في هذا الحديث بيان أن الظهور المذكور في الآية لم يتحقق بتمامه ، وإنما يتحقق في المستقبل ، ومما لا شك فيه أن دائرة الظهور اتسعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم ، ولا يكون التمام إلا بسيطرة الإسلام على جميع الكرة الأرضية وسيتحقق هذا قطعا لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بغز عزيز أو بذل ذليل عز يعر الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر . رواه أحمد ( 4 / 103 ) وابن بشران في « الأمالي » (60 /1 ) والطبراني في « المعجم الكبير » ( 1/126/1 ) وابن منده في « كتاب الإيمان » ( 102 / 1 ) والحافظ عبد الغني المقدسي في « ذكر الإسلام » ( 166 / 1 ) وقال : " حديث =(1/158)
فتوفى كل من في قلبه مثقال حبةِ خردل إيمان ، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم »(1) .
__________
= حسن صحيح " والحاكم ( 4 / 430 - 431 ) وقال : " صحيح على شرك الشيخين " ووافقه الذهبي وإنما هو على شرك مسلم فقط . وله عنده وعند ابن مندة شاهد من حديث المقداد بن الأسود وهو على شرط مسلم أيضا .
فهذا الحديث مفسر للآية الكريمة ، فعلى ضوئه وبمعناه الواسع الشامل يجب أن تفسر الآية المذكورة . ومن جزئيات الآية والحديث ما صح عنه صلى الله عليه وسلم أن المسلمين سيفتحون مدينة روما عاصمة البابا بعد فتحهم القسطنطينية وقد تحقق الفتح الأول فلا بد أن يتحقق الفتح الثاني ( ولتعلمن نبأه بعد حين ) .
( راجع حديث الفتح وتخريجه في « الأحاديث الصحيحة » رقم 4 ) فعلى المسلمين أن يعدوا أنفسهم لذلك يرجعوهم إلى ربهم ، وتطبيقهم لكتابه وإتباعهم لسنة نبيه واجتنابهم لحرماته واتحادهم على ما يرضيه سبحانه وتعالى وفي الأفق ما قد يبشر بأن المسلمين قد استأنفوا السير نحو ذلك حقق الله تعالى الآمال .
(1) رواه مسلم (8/182) وكذا أحمد كما في «الكواكب» (130/2 - تفسير 555 ) وقال «وسنده صحيح» .
قلت : ورواه أبو يعلى في « مسنده » ( ق 216/2 ) والحاكم ( 4/446-447 =(1/159)
3 - « لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد القبائل من أمتي الأوثان »(1) .
4 - « لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض : الله ، الله ، وفي رواية : لا إله إلا الله »(2) .
__________
= و 549 ) مستدركاً له على مسلم فوهم !
(1) رواه أبو داود ( 2 / 202 ) ، والترمذي ( 3 / 227 ) وصححه ، والحاكم ( 4 / 448 ، 449 ) والطيالسي ( رقم 991 ) وأحمد ( 5 / 284 ) والحربي في " الغريب " ( 5 / 167 / 1 ) من حديث ثوبان مرفوعاً وقال الحاكم : « صحيح على شرط الشيخين » ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم فقط وقد أخرج هذا الحديث في صحيحه ( 8 / 171 ) ، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند الطيالسي ( 2501 ) .
(2) رواه مسلم ( 1 / 91 ) ، والترمذي ( 3 / 224 ) ، وحسنه ، والحاكم ( 4 / 494 ) 495 ) وأحمد ( 3 / 107 و 259 و 268 ) وابن منده في " التوحيد " ( 49 / 1 ) يوسف ابن عمر القواس في « حديثه » ( 68 / 1 ) والرواية الثانية له وهي رواية لأحمد والحاكم وقال : « صحيح على شرط مسلم » وهو كما قال .
وله عنده شاهد من حديث ابن مسعود وصححه على شرط الشيخان ووافقه الذهبي(1/160)
ففي هذه الأحاديث دلالةٌ قاطعة على أن الشرك واقع في هذه الأمة ، فإذا الأمر كذلك فيجب على المسلمين أن يبتعدوا عن كل الوسائل والأسباب التي قد تؤدي بأحدهم إلى الشرك ، مثل ما نحن فيه من بناء المساجد على القبور ونحو ذلك مما سبق بيانه مما حرمه رسول الله صلى الله عليه و سلم وحذر أمته منه .
ولا يغتر أحدٌ بالثقافة العصرية ، فإنها لا تهدي ضالاً ، ولا تزيد المؤمن هدى إلا ما شاء الله ، وإنما الهدى والنور فيما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم وصدق الله العظيم إذ يقول : " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "(1) .
__________
(1) سورة المائدة الآيتان 15 - 16 .(1/161)
الفصل السادس : كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور
بعد أن انتهينا من الإجابة عن الشبهات المتقدمة ، وتبين منها للقارئ الكريم أن تحريم بناء المساجد على القبور حكم ثابت مقرر إلى يوم الدين ، وفرغنا من بيان حكمة التحريم ، يحسن بنا أن ننتقل إلى مسألة أخرى هي من لوازم الحكم المذكور ألا وهي حكم الصلاة في هذه المساجد المبنية على القبور .
ذكرنا فيما سبق ( ص 36 ) أن النهي عن بناء المساجد على القبور يستلزم النهي عن الصلاة فيها من باب أن النهي عن الوسيلة يستلزم النهي عن الغاية بالأولى وبالأحرى ، فينتج من ذلك أن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها ، والنهي في مثل هذا الموضع يقتضي البطلان كما هو معروف عند العلماء(1) وقد قال ببطلان الصلاة فيها الإمام أحمد وغيره
__________
(1) قلت وذلك لأن الصلاة في هذه المساجد منهي عنها بعينها ولهذا فرق العلماء بين أن يكون النهي لمعنى يختص بالعبادة فيبطلها وبين أن لا يكون مختصا بها فلا يبطلها .
انظر توضيح هذه المسألة الهامة وبعض الأمثلة في " جامع العلوم والحكم " للحافظ الفقيه ابن رجب الحنبلي ( ص 43 ) .(1/162)
ولكنا نرى أن المسألة تحتاج إلى تفصيل فأقول :
قصد الصلاة في المساجد المبنية على القبور يبطل الصلاة
الأولى : أن يقصد الصلاة فيها من أجل القبور والتبرك بها كما يفعله كثير من العامة ، وغير قليل من الخاصة !
الثانية : أن يصلي فيها اتفاقا لا قصدا للقبر .
ففي الحالة الأولى لا شك في تحريم الصلاة فيها بل وبطلانها ، لأنه إذا نهى صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور ، ولعن من فعل ذلك ، فالنهي عن قصد الصلاة فيها أولى والنهي هنا يقتضي البطلان كما سبق قريباً .(1/163)
كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر
وأما في الحالة الثانية ، فلا يتبين لي الحكم ببطلان الصلاة فيها ، وإنما الكراهة فقط ، لأن القول بالبطلان في هذه الحالة لا بد له من دليل خاص ، والدليل الذي أثبتنا به البطلان في الحالة السابقة إنما صح بناء على النهي عن بناء المسجد على القبر ، فيصح القول بأن قصد الصلاة في هذا المسجد يبطلها ، وأما القول ببطلان الصلاة فيه دون قصد ، فليس عليه نهي خاص يكمن الاعتماد عليه فيه ولا يمكن أن يقاس عليه قياسا صحيحا بله أولوياً .
ولعل هذا هو السبب في ذهاب الجمهور إلى الكراهة دون البطلان ، أقول هذا معترفا بأن الموضوع يحتاج إلى مزيد من التحقيق ، وأن القول بالبطلان محتملٌ فمن كان عنده(1/164)
علم في شيءٍ من ذلك فليتفضل ببيانه مع الدليل مشكوراً مأجوراً .
وأما القول بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور ، فهذا أقل ما يمكن أن يقوله الباحث وذلك لأمرين :
الأول : أن في الصلاة فيها تشبهاً باليهود والنصارى الذين كانوا ولا يزالون يقصدون التعبد في تلك المساجد المبنية على القبور !(1) .
الثاني : أن الصلاة فيها ذريعة لتعظيم المقبور فيها تعظيماً
__________
(1) قرأت مقالا في مجلة " المختار " عدد مايو 1958 م تحت عنوان " الفاتيكان المدينة القديمة المقدسة " يصف فيه كاتبه " رونالد كارلوس بيتي " كنيسة بطرس في هذه المدينة فيقول ( ص 40 ) :
" إن كنيسة بطرس هي أكبر كنيسة من نوعها في العالم المسيحي ، تقوم على ساحة مكرسة للعبادة المسيحية منذ أكثر من سبعة عشر قرناً ، إنها قائمة على قبر القديس نفسه : صياد السمك ، حواري المسيح ، وتحت أرضيها يقع تيه من المقابر الأثرية والخرائب الرومانية القديمة " .
ثم ذكر أ نه يقصدها نحو مائة ألف في أيام الأعياد الكبيرة للعبادة .(1/165)
خارجاً عن حد الشرع ، فينهى عنها احتياطاً وسداً للذريعة ، لا سيما ومفاسد المساجد المبنية على القبور ماثلة للعيان كما سبق مراراً ، وقد نص العلماء على كل من العلتين ، فقال العلامة ابن الملك من علماء الحنفية :
" إنما حرم اتخاذ المساجد عليها ، لأن الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود " .
نقله الشيخ القاري في « المرقاة » ( 1 / 470 ) وأقره ، وكذلك قال بعض العلماء المتأخرين من الحنفية وغيرهم كما سيأتي .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في « القاعدة الجليلة » ( ص 22 ) :
" واتخاذ المكان مسجداً هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها ، كما تبنى المساجد لذلك ، والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين ، فحرم صلى الله عليه و سلم أن تتخذ قبورهم مساجد تقصد للصلوات فيها كما تقصد(1/166)
المساجد ، وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصدوا المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء عنده ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذريعة إلى الشرك بالله .
والفعل إذا كان يفضي إلى مفسدة وليس فيه مصلحة راجحة ، ينهى عنه كما ينهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة ، لما في ذلك من المفسدة الراجحة ، وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك ، وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات مصلحة راجحة لإمكان التطوع في غير ذلك من الأوقات .
ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب(1) فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات ، وهو أظهر قولي العلماء لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة ، وفعل ذوات
__________
(1) قلت : يعني الصلوات ذوات الأسباب كركعتي تحية المسجد وسنة الوضوء ونحوها .(1/167)
الأسباب يحتاج إليه فيه هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها مصلحتها فأبيحت لما فيها من المصلحة ، بخلاف ما سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذا الوقت فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة وفيه مفسدة توجب النهي عنه .
فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك ، لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذين يدعونها ويسألونها ، كان معلوماً أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم لنفسه ، وأعظم تحريماً من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي إلى دعاء الكواكب ، كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد ، فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم كان دعاؤهم والسجود أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد " .
واعلم أن كراهة الصلاة في هذه المساجد هو أمر متفق(1/168)
عليه من العلماء كما سبق بيانه ( ص 60 ) ويأتي ، وإنما اختلفوا في بطلانها وظاهر مذهب الحنابلة أنها لا تصح ، وبه جزم المحقق ابن القيم كما تقدم ( ص 56- 60 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في « اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم » ( ص 159 ) :
" فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره ، هذا مما لا اعلم فيه خلافاً بين العلماء المعروفين ، وتُكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ، ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ، ولأجل أحاديث أخر وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحداً ، وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد ، هل حدها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عند القبر الفذ ، وإن لم يكن عنده قبر آخر ؟ على وجهين " .(1/169)
قلت : والوجه الثاني هو الذي رجحه في « الاختيارات العلمية » فقال ( ص 25 ) :
" وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور ، وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر ، وقال أصحابنا : وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه ، وذكر الآمدي وغيره ، أنه لا تجوز الصلاة فيه ( أي المسجد الذي قبلته إلى القبر ) حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة
حائل آخر ، وذكر بعضهم أنه منصوص أحمد " .
قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله يعني أحمد يسأل عن الصلاة في المقبرة ؟ فكره الصلاة في المقبرة قيل له : المسجد يكون بين القبور أيصلى فيه ؟ فكره أن يصلى فيه الفرض ،(1/170)
ورخص أن يصلى فيه على الجنائز .
وقال الإمام أحمد أيضا ً: " لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز ، لأن الجنائز هذه سنتها " .
قال الحافظ ابن رجب في « الفتح » :
" يشير إلى فعل الصحابة ، قال ابن المنذر : قال نافع مولى ابن عمر : صلينا على عائشة وأم سلمة والإمام يومئذ أبو هريرة وحضر ذلك ابن عمر »(1) .
انظر " الكواكب الدراري " ( 65 / 81 / 1 و 2 ) .
ولعل اقتصار الإمام أحمد في الرواية الأولى على ذكر الفرض فقط لا يدل على أن غيره من السنن جائز ، فإن من المعلوم أن النوافل صلاتها في البيوت هو الأفضل ، ولذلك لم يذكرها مع الفرض ، ويؤيده عموم قوله في الرواية الثانية
__________
(1) قلت : الأثر أخرجه عبد الرزاق في « المصنف » ( 1 / 407 / 1594 ) سند صحيح عن نافع به .(1/171)
« لا يصلى في مسجد بين المقابر إلا الجنائز » . فهذا جائز نص فيما قلناه .
ويؤيده المنصوص عن أحمد ما تقدم عن أنس :
« كان يكره أن يبنى مسجد على القبور » .
فإنه صريح على أن جدار المسجد لا يكفي حائلاً بينه وبين القبر ، بل لعل هذا القول ينفي جواز بناء المسجد بين القبور مطلقاً وهذا هو الأقرب لأنه حسم لمادة الشرك .
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « الاقتضاء » :
" وقد كانت البُنْيَة التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يُدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة فقيل إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناماً فنقبت لذلك ! وقيل : إن النصارى لما استولوا على هذه النواحي نقبوا ذلك ، ثم ترك ذلك مسجداً بعد الفتوح المتأخرة ، وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية ،(1/172)
وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها إتباعا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم واتقاء لمعصيته كما تقدم " .
هكذا كان شيوخهم فيما مضى ، وأما شيوخنا اليوم فهم في غفلة من هذا الحكم الشرعي ، فكثير منهم يقصدون الصلاة في مثل هذه المساجد ، ولقد كنت أذهب مع بعضهم ، - وأنا صغير لم أتفقه بالسنة بعد - إلى قبر الشيخ ابن عربي لأصلي معه عنده ! فلما أن علمت حرمة ذلك باحثت الشيخ المشار إليه كثيراً في ذلك حتى هداه الله تعالى وامتنع من الصلاة هناك ، وكان يعترف بذلك لي ، ويشكرني على أن كنت سببا لهدايته رحمه الله تعالى وغفر له .
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .(1/173)
كراهة الصلاة في المسجد المبني على القبر ولو دون استقباله
واعلم أن كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مضطردة في كل حال ، سواء كان القبر أمامه أو خلفه يمينه أو يساره ، فالصلاة فيها مكروهة على كل حال ولكن الكراهة تشتد إذا كانت الصلاة إلى القبر ، لأنه في هذه الحالة ارتكب المصلي مخالفتين الأولى في الصلاة في هذه المساجد ، والأخرى الصلاة إلى القبر وهي منهي عنها مطلقاً سواء كان المسجد أو غير المسجد بالنص الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم ( ص 30 ) .
أقوال العلماء في ذلك
وقد أشار إلى هذا المعنى البخاري بقوله في « الصحيح » : « باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور ، ولما مات الحسن بن الحسين بن علي رضي الله عنه ضربت امرأته القبة على قبره سنة ثم رفعت ، فسمعوا صائحاً يقول : " ألا هل وجدوا ما فقدوا ؟ فأجابه الآخر : بل يئسوا فانقلبوا " » ، ثم ساق(1/174)
بعض الأحاديث المتقدمة ، فقال الحافظ ابن حجر الشافعي في شرحه :
" ومناسبة هذا الأثر للباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو من الصلاة هناك ، فليزم اتخاذ المسجد عند القبر ، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة " (1)
وذكر نحوه العيني الحنفي في « عمدة القارئ » ( 4 / 149 ) وفي « الكوكب الدري على جامع الترمذي » لشيخ المحقق محمد يحيى الكاندهلوي الحنفي ما نصه ( ص 153 ) :
" وأما اتخاذ المساجد عليها ، فلما فيه من التشبيه باليهود
__________
(1) ونقل الشيخ محمد بن مخيمر من علماء الأزهر في « القول المبين » ( ص 81 ) عن الحافظ ابن حجر أنه قال في « شرح الفتح » لحديث ذي الخلصة من « صحيح البخاري » في الكلام على الغزوات ما نصه :
" وفي الحديث النهي عن الصلاة في المساجد التي فيها قبور يفتتن الناس بها وأنه يجب إزالتها "
قلت : ولم أره في المكان المذكور من « الفتح » فيحتمل أن يكون في موضع آخر منه . والله أعلم .(1/175)
واتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم ، ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعيدة بعبدة الأصنام ، لو كان القبر في جانب القبلة وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يميناً أو يساراً وإن كان خلف المصلي فهو أخف من كل ذلك لكن لا يخلو عن كراهة " .
وفي « شرعة الإسلام » من كتب الحنفية ما نصه ( ص 569 ) :
"ويكره أن يبنى على القبر مسجد يصلى فيه " .
فهذا بإطلاقه يؤيد ما ذكرنا من أقوال العلماء وتقدم نحوه عن الإمام محمد رحمه الله تعالى ( ص 55 ) .
ففي هذه النقول ما يؤيد ما ذهبنا إليه في كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور مطلقاً ، سواء صلى إليها أو لا ، فيجب التفريق بين هذه المسألة وبين الصلاة إلى القبر الذي ليس عليه مسجد ، ففي هذه الصورة إنما تحقق الكراهة عند استقبال القبر على أن بعض العلماء لم يشترطوا أيضا الاستقبال في هذه الصورة فقال بالمنع من الصلاة حول القبر(1/176)
مطلقاً ، كما تقدم قريباً عن الحنابلة ، ونحوه في « حاشية الطحاوي » على « مراقي الفلاح » من كتب الحنفية ( ص 208 ) ، وهذا هو اللائق باب سد الذرائع لقوله صلى الله عليه و سلم :
" ... فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ... ) الحديث(1) .
__________
(1) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وهو مخرج في « تخريج الحلال » ( 20 )(1/177)
الفصل السابع : الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي
ثم اعلم أن الحكم السابق يشمل كل المساجد كبيرها وصغيرها قديمها وحديثها لعموم الأدلة (1) ، فلا يستثنى
__________
(1) قال الشوكاني في « شرح الصدور في تحريم رفع القبور » بعد أن ذكر حديث جابر المتقدم بلفظ : " نهى رسولُ الله صلى الله عليه و سلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه " ( ص 70 ) من " المجموعة المنيرية " :
" وفي هذا التصريح بالنهي عن البناء على القبور ، وهو يصدق على من بنى على جوانب حفرة القبر كما يفعله كثير من الناس من رفع قبور الموتى ذراعاً فما فوقه ، لأنه لا يمكن أن يجعل نفس القبر مسجداً ، فذلك مما دل على أن المراد بعض ما يقربه مما يتصل به . ويصدق على من بنى قريباً من جوانب القبر كذلك ، كما في القباب والمساجد والمشاهد الكبيرة على وجه يكون القبر في وسطها أو في جانب منها ، فإن هذا بناء على القبر كما لا يخفى ذلك على من له أدنى فهم كما يقال : بنى السلطان على مدينة كذا أو قرية كذا سوراً ، وكما يُقال بنى فلان في المكان الفلاني مسجداً ، مع أن سمك البناء لم يباشر إلا جوانب المدنية أو القرية أو المكان ولا فرق بين أن تكون تلك الجوانب التي وقع وضع البناء عليها قريبة من الوسط كما في المدينة(1/178)
من ذلك مسجد فيه قبر إلا المسجد النبوي الشريف لأن له فضيلة خاصة لا توجد في شيءٍ من المساجد على القبور (1) ، وذلك لقوله صلى الله عليه و سلم : « صلاة في مسجدي هذا خير من
__________
= الصغيرة والقرية الصغيرة والمكان الضيق ، أو بعيدة من الوسط كما في المدينة والقرية الكبيرة والمكان الواسع ، ومن زعم أن في لغة العرب ما يمنع من هذا الإطلاق فهو لا يعرف لغة العرب ، ولا يفهم لسانها ، ولا يدري بما استعمل في كلامها " .
(1) وبهذه المناسبة أقول : إن من أعجب ما رأينا من الأخبار الواهية ، والأوهام المضلة ، ما نقله العلامة ابن عابدين في الحاشية ( 1 / 41 ) عن كتاب " أخبار الدول " بالسند إلى سفيان الثوري " أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة "
قلت : هو باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بل ولا عن سفيان الثوري ، فقد أخرجه أبو الحسن الربعي في « فضائل الشام ودمشق » ( ص 35-37 ) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » ( 2 / 12 ) عن أحمد بن أنس بن مالك أنبأ حبيب المؤذن أنبأ أبو زياد الشعباني وأبو أمية الشعباني قالا :
" كنا بمكة فإذا رجل في ظل الكعبة ، وإذا هو سفيان الثوري فقال رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في الصلاة في هذا البلد ؟ قال : بمائة ألف صلاة قال : ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال : بخمسين ألف صلاة قال ففي بيت المقدس ؟ قال =(1/179)
ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام [ فإنه أفضل ] »(1)
__________
= بأربعين ألف صلاة قال ففي مسجد دمشق ؟ قال : بثلاثين ألف ."
قلت : وهذا إسناد ضعيف مجهول أبو زياد الشبعاني الظاهر أنه خيار بن سلمة أبو زياد الشامي وقرينه أبو أمية الشعباني فهو يحمد بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم وهما مقبولان كما في " التقريب " لكن الراوي عنهما حبيب المؤذن مجهول أورده ابن عساكر في « تاريخه » ولم يزد في ترجمته على قوله فيه « كان يؤذن في مسجد سوق الأحد » والراوي عنه أحمد بن أنس لم أجد له ترجمة .
ومما يبطل هذا الأثر عن سفيان أنه أحد رواة حديث أبي هريرة الآتي أن الصلاة في مسجده صلى الله عليه و سلم بألف صلاة ، فيبعد أن يقول بخلاف ما صح عنده عنه صلى الله عليه و سلم ومما يبطله أيضاً أن أكثر ما صح عنه صلى الله عليه و سلم في فضل الصلاة في بيت المقدس أنها بألف صلاة رواه ابن ماجة ( 1 / 429 430 ) وأحمد ( 6 / 463 ) بسند جيد وهذا الأثر يقول : أنها بأربعين ألف صلاة !
ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في صحته وإن كان لي سلف في تصحيحه وقد بينتها في « ضعيف أبي داود » ( باب السرج في المساجد ) .
نعم قد صح أن الصلاة في بيت المقدس على الربع من الصلاة في المسجد النبوي رواه البيهقي فيه يبطل أثر الثوري من باب أولى كما لا يخفى .
(1) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة ومسلم =(1/180)
ولقوله صلى الله عليه و سلم أيضا : « ما بين بيتي(1) ومنبري روضة من رياض الجنة »(2) .
__________
= وأحمد والزيادة له من حديث ابن عمر وله عنده طرق كثيرة وشواهد متعددة عن جماعة من الصحابة وقد ذكرت طرقه في «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب»
(1) هذا هو اللفظ الصحيح " بيتي " وأما اللفظ المشهور على الألسنة " قبري " فهو خطأ من بعض الرواة كما جزم به القرطبي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم ولذلك لم يخرج في شيءٍ من الصحاح ، ووروده في بعض الروايات لا يصيره صحيحاً لأنه رواية بالمعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « القاعدة الجليلة » ( ص 74 ) بعد أن ذكر الحديث : " هذا هو الثابت الصحيح ، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال « قبري » وهو صلى الله عليه و سلم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر صلى الله عليه و سلم ، ولهذا لم يحتج بهذا أحد من الصحابة ، حينما تنازعوا في موضع دفنه ولو كان هذا عندهم لكان نصا في محل النزاع ولكن دفن في حجرة عائشة في الموضع الذي مات فيه . بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه " .
( تنبيه ) : ومن أوهام العلماء أن النووي في « المجموع » عزا الحديث للشيخين بلفظ " قبري " ولا أصل له عندهما فاقتضى التنبيه .
(2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن زيد المازني =(1/181)
ولغير ذلك من الفضائل ، فلو قيل بكراهة الصلاة فيه كان معنى ذلك تسويته مع غيره من المساجد ، ورفع هذه الفضائل عنه ، وهذا لا يجوز كما هو ظاهر وهذا المعنى استفدناه من كلام ابن تيمية السابق (ص 90) في بيان سبب إباحة صلاة ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها ، فكما أن الصلاة أبيحت في هذه الأوقات لأن في المنع منها تضييعاً لها بحيث لا يمكن استدراك فضلها لفوات وقتها ، فكذلك يقال في الصلاة في مسجده صلى الله عليه و سلم . ثم وجدت ابن تيمية صرح بهذا فقال في كتابه « الجواب الباهر في زوار المقابر »(1) ( ص 22 / 1 - 2 ) :
__________
= وهو حديث متواتر كما قال السيوطي ، وقد ذكرت له في المصدر السابق سبعة طرق عنه صلى الله عليه و سلم
(1) مخطوط المكتبة الظاهرية ، وهو كتاب نفيس جامع في بابه وفق الله له من يطبعه ، ثم حقق الله الأمنية فطبع عن النسخة الظاهرية في المطبعة السلفية في القاهرة ، عني بنشره العالمان الجليلان : الشيخ عبد الملك بن إبراهيم رئيس =(1/182)
" والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقاً بخلاف مسجده صلى الله عليه و سلم فإن الصلاة فيه بألف صلاة ، فإنه أسس على التقوى وكانت حرمته في حياته صلى الله عليه و سلم ، وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه ، وإنما أدخلت بعد انقراض عصر الصحابة " . ثم قال ( 67 / 169 / 2 ) :
" وكان المسجد قبل دخول الحجرة فيه فاضلا وكان فضيلة المسجد بأن النبي صلى الله عليه و سلم بناه لنفسه ، وللمؤمنين يصلي لله هو والمؤمنون إلى يوم القيامة ، ففضل بنيانه له ، فكيف وقد قال : « صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام »(1) . وقال : « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا »(2)
__________
= هيئة الأمر بالمعروف بالحجاز بارك الله في عمره والشيخ محمد نصيف رحمه الله وجزاه عن السنة خيراً .
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة خرجته في « الإرواء » ( 971 ) .
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة أيضا وهو مخرج في كتابي « أحكم =(1/183)
وهذه الفضيلة ثابتة له قبل أن يدخل فيه الحجرة ، فلا يجوز أن يظن أنه صار بدخول الحجرة فيه أفضل مما كان ، وهم لم يقصدوا دخول الحجرة فيه ، وإنما قصدوا توسيعه بإدخال حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت الحجرة فيه ضرورة مع كراهة من كره ذلك من السلف "(1) .
ثم قال ( 55/1-2 ) :
" ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن له فضيلة إذ كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فيه والمهاجرون والأنصار ، وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد بن عبد الملك لما أدخل الحجرة في مسجده فهذا لا يقوله إلا جاهل مفرط في الجهل ، أو كافر ، فهو مكذب لما جاء عنه مستحق للقتل ، وكان الصحابة يدعون في مسجده كما كانوا يدعون في حياته ، لم تحدث لهم شريعة غير الشريعة التي علمهم إياها في
__________
= الجنائز وبدعها » ( ص 224 - 225 )
(1) انظر ما تقدم ( في بداية الكتاب من الأمثلة على كراهة السلف لذلك )(1/184)
حياته .. بل نهاهم أن يتخذوا قبره عيداً ، أو قبر غيره مسجداً يصلون فيه لله عز وجل ليسد ذريعة الشرك ، فصلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً ، وجزاه أفضل ما جزى نبيا عن أمته ، فقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه " .
وهذا آخر ما وفق الله تبارك وتعالى في جمع هذه الرسالة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وتدوم الطيبات .
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(1/185)
(1/186)
أ - مصادر الكتاب
أ - القرآن الكريم
ب - التفسير
2 - محمد بن جرير الطبري ( 224 - 310 ) : « جامع البيان في تفسير القرآن » مطبعة دار المعارف .
3 - ابن الجوزي ( 510 - 597 ) : « زاد الميسر » .
4 - الفخر الرازي محمد بن عمر ( 544 - 606 ) : « مفاتح الغيب » طبع المكتبة الخيرية سنة 1308 .
5 - القرطبي محمد بن أحمد الأنصاري ( 000 - 671 ) : « الجامع لأحكام القرآن » مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1369 .
6 - ابن كثير إسماعيل بن كثير ( 701 - 774 ) : « تفسير القرآن العظيم » طبع مصطفى محمد سنة 1356 .
7 - السيوطي عبد الرحمن بن كمال الدين ( 849 - 911 ) : « الدرر المنثور » المطبعة الميمنية 1314 .
8 - الآلوسي محمود بن شهاب الدين ( 1218 - 1280 ) : « روح المعاني » .(1/187)
ج - الحديث
9- إبراهيم بن طهمان ( ... - 168 ) : « مشيخته » مخطوط .
10 - مالك بن أنس ( 93 - 179 ) : « الموطأ » دار إحياء الكتب العربية سنة 1343 .
11 - عبد الله بن المبارك ( 118 - 181 ) : « الزهد » مخطوط ثم طُبع .
12 - الطيالسي سليمان بن داود ( 124 - 204 ) : « المسند بترتيب الشيخ أحمد البنا » الطبعة المنيرية 1372 .
13 - محمد بن السحن الشيباني ( 131 - 189 ) : « الآثار » طبع الهند .
14 - عبد الرزاق بن همام (126 - 219 ) : « المصنف » .
15 - الحميدي عبد الله بن الزبير ( . . . - 219 ) « المسند » طبع الهند .
16 - ابن أبي شيبة عبد الله بن محمد (. . . - 235 ) مخطوط إلا الجزء الرابع فهو مطبوع في الهند .
17 - القاسم بن سلام ( 150 - 224 ) : « الأموال » طبع مصر .(1/188)
18 - أحمد بن حنبل ( 164 - 241 ) : « المسند » المطبعة اليمنية سنة 1313 وتصوير بيروت ، ومطبعة المعارف سنة 1365 .
19 - إسماعيل بن إسحاق القاضي ( 179 - 282 ) : « فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم » مخطوط ثم طُبع بتحقيق وتخريج المؤلف .
20 - الدرامي عبد الله بن عبد الرحمن ( 181 - 255 ) : « السنن » مطبعة الاعتدال سنة 1349.
21 - البخاري محمد بن إسماعيل ( 194 - 256 ) : « الجامع الصحيح » مع شرحه « فتح الباري » الطبعة البهية بمصر سنة 1348 .
22 - البخاري محمد بن إسماعيل « التاريخ الصغير » ط هند .
23 - أبو داود سليمان بن الأشعث ( 202 - 275 ) : « السنن » طبع المطبعة التازية سنة 1348 .
24 - مسلم بن الحجاج ( 204 - 261 ) : « الصحيح »طبع محمد على صبيح .
25 - ابن ماجة محمد بن يزيد ( 209 - 273 ) : « السنن » المطبعة التازية سنة 1349 .(1/189)
26 - الترمذي محمد بن عيسى ( 209 - 279 ) : « السنن » مع شرحه « تحفة الأحوذي » طبع الهند سنة 1352 .
27 - السراج محمد بن إسحاق ( 216 - 313 ) : « المسند » مخطوط .
28 - ابن خزيمة محمد بن إسحاق ( 223 - 311 ) : « حديث علي بن حجر » مخطوط .
29 - النسائي أحمد بن شعيب ( 225 - 303 ) : « السنن الصُغرى » المطبعة الميمنية بمصر 1312 .
30 - المفضل بن محمد الجندي (. . . - 308 ) : « فضائل المدينة » مخطوط .
31 - أبو يعلى الموصلي ( . . . - 307 ) : « المسند » مخطوط .
32 - أبو عوانة يعقوب بن إسحاق ( . . . - 316 ) : « الصحيح » طبع بدار المعارف بحيدر آباد الدكن سنة 1362 .
33 - البغوي أبو القاسم ( 214 - 317 ) : « من حديث هدية بن خالد » مخطوط .
34 - الطحاوي أحمد بن محمد ( 239 - 321 ) : « شرح معاني(1/190)
الآثار » مطبعة المصطفاني في الهند سنة 1300 .
25 - الطحاوي أحمد بن محمد ( 239 - 321 ) : « مُشكل الآثار » طبع دائرة المعارف في الهند سنة 1333 .
36 - الطبراني سليمان بن أحمد ( 260 - 360 ) : « المعجم الكبير » مخطوط .
37 - الطبراني سليمان بن أحمد « المعجم الأوسط » مضموناً إلى « المعجم الصغير » برتيب الهيثمي مخطوط .
38 - الطبراني سليمان بن أحمد « المعجم الصغير » مطبعة الأنصاري .
39 - ابن حبان ( . . . - 354 ) : « الصحيح - موارد الظمآن » طبع مصر.
40 - الربعي محمد بن عبد الله ( . . . - 379 ) : « وصايا العلماء عند حضور الموت » مخطوط .
41 - يوسف بن عمر القواس ( 300 - 386 ) : « حديثه » مخطوط .
42 - المخلص محمد بن عبد الرحمن أبو طاهر ( 305 - 393 ) : « المخلصيات » مخطوط .(1/191)
43 - ابن مندة محمد بن إسحاق ( 316 - 395 ) : « كتاب الإيمان » مخطوط .
44 - ابن مندة محمد بن إسحاق ( 316 - 395 ) : « التوحيد ومعرفة صفات الله تعالى » مخطوط .
45 - أبو محمد بن شيبان العدل ( ؟ - ؟ ) : « الفوائد » مخطوط .
46 - الحاكم محمد بن عبد الله ( 321 - 405 ) : « المستدرك » طبع دائرة المعارف في الهند سنة 1340 .
47 - أبو الحسن القزويني : على بن عمر ( 360 - 442 ) : « الأمالي » مخطوط .
48 - أبو الحسن الربعي على بن محمد ( . . . - 444 ) : « فضائل الشام ودمشق » مطبعة الترقي 1950 ، وفي آخره ملاحق أحدها تخريج أحاديثه بقلمي طُبع مفرداً .
49 - البيهقي أحمد بن الحسين ( 384 - 458 ) : « السنن الكبرى » طبع دائرة المعارف في الهند سنة 1352 .
50 - محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو عبد الله الرازي ( كان في(1/192)
أواسط القرن الخامس )(1)
51 - البغوي الحسين بن مسعود ( . . . 516 ) : « شرح السنة »
52 - عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي ( 541 - 600 ) : « ذكر الإسلام » مخطوط .
53 - الضياء المقدسي محمد بن عبد الواحد ( 569 - 643 ) : « الأحاديث المُختارة » مخطوط .
54 - المنذري عبد العظيم بن عبد القوي ( 581 - 656 ) : « الترغيب والترهب » المطبعة المنيرية بمصر .
55 - النووي يحيى بن شرف ( 631 - 676 ) : « شرح صحيح مسلم » نُشر بمصر .
56 - ابن رجب الحنبلي عبد الرحمن بن أحمد ( 706 - 795 ) : « فتح الباري في شرح البخاري » مخطوط .
57 - على بن حسين بن عروة الحنبلي ( 758 - 837 ) : « الكوكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب
__________
(1) يستفاد ذلك منن كتابه المذكور « المشيخة » ، وله ترجمة مختصرة في « تاريخ بغداد » 1 / 269 ولم يذكر سنة وفاته ، ولعله عاش بعده .« مشيخته » . مخطوط .(1/193)
البخاري » مخطوط .
58 - ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( 773 - 852 ) : « فتح الباري في شرح البخاري » المطبعة البهية .
59 -السيوطي عبد الرحمن بن كمال الدين ( 849 - 911 ) : « الجامع الصغير » وعليه شرح المناوي ، طبع مصطفى محمد سنة 1356 . « الجامع الصغير » مخطوط .
60 - السيوطي عبد الرحمن بن كمال الدين ( 849 - 911 ) : « تنوير الحوالك شرح موطأ مالك » طبع الحلبي 1343 .
61 - على القارئ بن سلطان ( . . . - 1014 ) : « مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح » المطبعة الميمنية سنة 1309 .
62 - المناوي عبد الرءوف بن تاج العارفين ( 952 - 1031 ) : « فيض القدير شرح الجامع الصغير » طبع مصطفى محمد .
63 - الصنعاني محمد بن إسماعيل الأمير ( 1059 - 1182 ) : « سبل السلام شرح بلوغ المرام » طبع صبيح .
64 - الشوكاني محمد بن على ( 1172 - 1250 ) : « نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار » طبع مصطفى البابي الحلبي سنة(1/194)
1347 .
65 - محمد يحيى الكاندهلوي ( معاصر ) : « الكوكب الدري على جامع الترمذي » طبع الهند .
66 - المؤلف « الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة » المجلد الأول . و « الأحاديث الصحيحة المجلد الأول والثاني » .
67 - « الروض النصير في ترتيب معجم الطبراني الصغير » لم يُطبع .
68 - « حجة الوداع » لم يُنجز .
69 - « صحيح الجامع الصغير وزيادته » المجلد الأول والثاني .
70 - « ضعيف الجامع الصغير وزيادته » المجلد الأول والثاني .
71 - « ضعيف سنن أبي داود » يسر الله إتمامه .
72 - « صحيح سنن أبي داود » يسر الله إتمامه .
73 - « إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل » .
74 - صلاة التراويح . طبع الترقي بدمشق .
75 - « تخريج المشكاة » .(1/195)
د - أصول الفقه والحديث
76 - الشافعي محمد بن إدريس ( 150 - 204 ) . « الرسالة » بتحقيق أحمد محمد شاكر .
77 - الشافعي محمد بن إدريس ( 150 - 204 ) . « جماع العلم » بتحقيق أحمد محمد شاكر .
78 - ابن حزم على بن أحمد ( 384 - 456 ) : « الإحكام في أصول الأحكام » مطبعة السعادة سنة 1345 .
79 - أحمد محمد شاكر ( ... - 1377 ) : « الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث » الطبعة الثانية .
هـ - الفقه
80 - الشافعي محمد بن إدريس ( 150 - 204 ) . « الأم » المطبعة الأميرية ببولاق . ( مجتهد ) .
81 - الشيرازي إبراهيم بن علي بن إسحاق ( 293 - 476 ) : « المهذب » بشرحه المجموع ويأتي . ( شافعي ) .
82 - محمد بن أي بكر : إمام زاده ( . . . - 573 ) : « شرعة الإسلام » مع شرحه طبع استانبول سنة 1326 . ( حنفي )(1/196)
83 - النووي يحيى بن شرف ( 631 - 676 ) : « المجموع شرح المهذب » طبع منير آغا الدمشقي ( شافعي ) .
84 - النووي يحيى بن شرف ( 631 - 676 ) : « مناسك الحج » مخطوط . ( شافعي ) .
85 - ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم ( 661 - 728 ) : « الفتاوى » مطبعة الكردي (مستقل ) .
86 - ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم ( 661 - 728 ) : « الإختيارات العلمية » مطبوع مع « الفتاوى » له . (مستقل ) .
87 - ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم ( 661 - 728 ) : « القواعد الجلية في التوسل والوسيلة » .
88 - ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم ( 661 - 728 ) : « الجواب الباهر في زور المقابر » . مخطوط ومطبوع .
89 - ابن القيم محمد بن أبي بكر ( 691 - 751 ) « إلام الموقعين عن رب العالمين » مطبعة الكردي ( مستقل ) .
90 - منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ( 1000 - 1051 ) : « شرح منتهى الإرادات » مطبعة أنصار السنة . ( حنبلي ) .(1/197)
91 - ابن عابدين محمد أمين ( 1151 - 1203 ) : « الحاشية على الدر المختار » طبع استانبول ( حنفي ) .
92 - أحمد الطحاوي ( . . . - 1231 ) : « الحاشية على مراقي الفلاح » مطبوع . ( حنفي ) .
93 - الشوكاني محمد بن علي ( 1172 - 1250 ) : « شرح الصدور في تحريم رفع القبور » من « المجموعة المنيرة » طبع منير الدمشقي . ( مستقل ) .
94 - سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ( ؟ - ؟ ) : « حاشية على المقنع » المطبعة السلفية بالقاهرة .
95 - المؤلف « الثمر الطيب في فقه السنة والكتاب » ( لم يتم )
96 - « تمام المنة في التعليق على فقه السنة للسيد سابق » .
97 - « أحكام الجنائز وبدعها » .
و - اللغة
98 - الحربي إبراهيم بن إسحاق ( 198 - 285 ) : « غريب الحديث » مخطوط .
99 - ابن الأثير المبارك بن محمد ( 544 - 606 ) : « النهاية في(1/198)
غريب الحديث والأثر » المطبعة العثمانية 1311 بمصر .
100 - ابن منظور محمد بن مكرم ( 630 - 711 ) : « لسان العرب » طبع دار صادر بيروت سنة 1955 .
ز - السير والتراجم والتاريخ
101 - ابن هشام عبد الملك ( . . . - 213 ) : « مختصر السيرة » مطبوع .
102 - الأزرقي محمد بن عبد الله ( . . . - 223 ) : « أخبار مكة » طبع أوربا .
103 - ابن سعد محمد ( 168 - 230 ) « الطبقات الكبرى » طبع بيروت .
104 - مسلم بن الحجاج ( 204 0 261 ) : « الكنى » مخطوط .
105 - أبو زرعة عبد الرحمن بن عمروا ( . . . - 281 ) : « التاريخ » مصور .
106 - ابن جرير محمد الطبري ( 223 - 310 ) : « التاريخ » مطبعة الاستقامة سنة 1257 .
107 - الدولابي محمد بن أحمد ( 224 - 310 ) : « الكنى(1/199)
والأسماء » طبع الهند .
108 - ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ( 240 - 327 ) : « الجرح والتعديل » طبع دائرة المعارف في الهند .
109 - ابن حبان محمد ( . . . - 354 ) : « كتاب الثقات » مخطوط .
110 - السهمي حمزة بن يوسف ( . . . - 327 ) : « تاريخ جرجان » الهند .
111 - أبو نعيم أحمد بن عبد الله ( 336 - 430 ) : « أخبار أصبهان » طبع أوروبا .
112 - أبو نعيم أحمد بن عبد الله ( 336 - 430 ) : « حليه الأولياء وطبقات الأصفياء » مطبعة السعادة بصر 1349 .
113 - ابن عبد البر يوسف بن عبد الله ( 368-463 ) : « الاستيعاب » مطبوع
114 - الطوسي محمد بن الحسن بن علي ( 385 - 460 ) : « الفهرست في رجال الشيعة » طبع النجف سنة 1356 .
115 - الخطيب البغدادي أحمد بن علي ( 292 - 463 ) : « تاريخ بغداد » مطبعة السعادة سنة 1349 .(1/200)
116 - ابن عساكر على بن الحسن ( 499 - 571 ) : « تاريخ دمشق » مخطوط وطُبع منه جزآن بدمشق .
117 - الذهبي محمد بن أحمد ( 673 - 748 ) : « تذكرة الحفاظ » طبع دائرة المعارف في الهند .
118 - ابن كثير إسماعيل بن أبي بكر ( 701 - 774 ) : « البداية والنهاية » .
119 - ابن القيم محمد بن أبي بكر ( 691 - 751 ) : « زاد المعاد في هدي خير العباد » طبع محمد على صبيح سنة 1353 .
120 - ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( 773 - 852 ) : « الإصابة في تمييز أسماء الصحابة » طبع مصطفى محمد سنة 1358
121 - ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( 773 - 852 ) : « تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأربعة » طبع دائرة المعارف في الهند سنة 1314 .
122 - ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( 773 - 852 ) : « تقريب التهذيب » طبع دهلي سنة 1320(1/201)
123 ابن حجر أحمد بن علي العسقلاني ( 773 - 852 ) : « تهذيب التهذيب » طبع دائرة المعارف في الهند .
124 - السمهودي على بن عبد الله الحسني ( . . . - 991 ) : وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى » مطبوع .
125 - رفيق بك عظيم ( 1272 - 1343 ) : « أشهر مشاهير عظماء الإسلام » مطبوع .
ح - المواعظ والآداب
126 - ابن القيم محمد بن أبي بكر ( 691 - 751 ) : « إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان » طبع أنصار السنة بمصر .
127 - الهيتمي أحمد بن حجر ( 909 - 974 ) : « الزواجر في النهي عن اقتراف الكبائر» طبع المطبعة الأزهرية 1235 .
128 - المؤلف « آداب الزفاف في السنة المطهرة » الطبعة الثانية 1376 .
ط - الردود
129 - ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم ( 661 - 728 ) : « منهاج السنة » طبع بولاق بمصر .(1/202)
130- محمد بن عبد الهادي ( 704 - 744 ) : « الصارم المنكي في الرد على السبكي » مطبوع .
131 - عبد الله بن الحبشي ( معاصر ) : « التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث » طبع الترقي سنة 1375 .
132 - المؤلف : « الرد على التعقب الحثيث » طبع الترقي سنة 1377 .
ي - دراسات إسلامية حديثة
133 - محمد زاهد الكوثري ( . . . - 1371 ) : « مقالاته » مطبوع .
134 - محمد سلطان المعصومي ( معاصر ) : « المشاهدات المعصومية عند قبر خير البرية » مطبوع .
135 - محمد بن محمد مخيمر (معاصر) : « القول المبين » مطبوع .
136 - محمد بن عبد العظيم الزرقاوي ( معاصر ) : « أبحاث في تاريخ الملل والنحل » مطبوع .
137 - محمد الغزالي ( معاصر ) : « ليس من الإسلام نشرته دار الكتاب العربي .(1/203)
138 - عبد الرحمن الوكيل ( معاصر ) : « دعوة الحق » طبع أنصار السنة بمصر .
ك - الأدب والمجلات
139 - أحمد الاسكندراني ومصطفى عناني ( معاصر) : « الوسيط في الأدب العربي » مطبوع .
140 - مجلة الأزهر .
141 - مجلة مجمع العلمي العربي بدمشق
142 - مجلة مجمع العلمي العربي بمصر .
143 - مجلة المختار .
ل - مضللة !
144 - محسن الأمين العاملي الشيعي ( 1282 - 1372 ) : « كشف الارتياب عن أتباع ابن عبد الوهاب » مطبوع .
145 - أحمد الصديق الغماري ( معاصر) : « إحياء المقبور من أدلة بناء المساجد والقباب على القبور »! مطبوع .
146 - محمود أبو رية : «أضواء على السنة المحمدية »! مطبوع .(1/204)
ب - الأحاديث المرفوعة
أجعلتني لله نداً….......................................145
أخرجوا يهود أهل الحجاز…............................22
أدخلوا عليَّ أصحابي….................................22
أعطيت خمسا لم يعطهن…...............................65
ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله….............70 ، 77
ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه…......................154
ألا وإن من كان قبلكم…..............................21
اللهم لا تجعل قبري وثناً….............................25
إن الله عز وجل كره لكم قيل وقال…..................52
إن قبر إسماعيل في الحجر….............................101
إن من شرار الناس من…...............................26
إن من كان قبلكم كانوا….............................61
إنه سيكون من ذلك ما شاء الله…......................158(1/205)
أني بريء من كل حالقة….............................123
إني خلقت عبادي حنفاء….............................6و13
أولئك إذا كان فيهم الرجل…..........................18و38
خير القبور الدوارس….................................153
صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة…............179و183
صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا…....................97
عليكم بسنتي….........................................53
فمن اتقى الشبهات فقد…...............................177
فمن رغب عن سنتي فليس مني…........................53
في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً….......................94
قاتل الله أقواماً اتخذوا….................................37
قاتلَ اللهُ اليهودَ….......................................16و42
قد كان لى فيكم أخوة ...................................20
كانت بنو إسرائيل اتخذوا….............................31
لا تتخذوا بيتي عيداً…..................................129(1/206)
لا تتخذوا قبري عيدا….................................128
لا تجعلوا بيوتكم قبوراً…................................129
لا تجلسوا على القبور….................................33
لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد…....................183
لا تصلوا إلى قبر….......................................31
لا تقوم الساعة حتى تضطرب…..........................157
لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل…........................160
لا تقوم الساعة حتى لا يقال…............................160
لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات….................158
لعن الله اليهود….........................................14و22و23و27و29و68
لعن الله زائرات القبور….................................59
لعنة الله على اليهود والنصارى….........................17
ما بين بيتي ومنبري روضة…..............................181
ما قبض الله نبياً قط إلا دفن…............................16
ما من مولود إلا يولد على الفطرة…......................137(1/207)
من ترك سنتي…..........................................53
من كتم علماً ألجمه الله….................................8
من نام عن صلاة أو نسيها…..............................69
نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبنى على القبور….30
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر….....39و178
ويل أمه مسعر حرب…...................................107
يأمر بتسويتها…...........................................154(1/208)
ج - الآثار المرفوعة
إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا….............................123
إذا ما مت فلا تضربوا على قبري فسطاطا…...............131
ألا أبعثك على ما….......................................154
ألا هل وجدوا ما فقدوا ؟…...............................174
القبر القبر…...............................................35
أن هؤلاء الخمسة أسماء رجال…............................138
انزعه يا غلام…............................................130
أوصى أن لا يضربوا على قبره فسطاطا…....................130
بطنها لأمواتكم وظهرها لأحيائكم….........................104
بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة…................125
حرق حانوت رويشد الثقفي…..............................57
حرق عمر بن الخطاب قرية…...............................57
حرق قصر سعد…..........................................57
دع الطور ولا تأتها….......................................127(1/209)
رأى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فالتزمه…................128
رأيت عثمان يأمر بتسوية القبور…...........................118
صلينا على عائشة وأم سلمة…...............................171
فلولا ذاك أُبرِزَ قبره….......................................36
كان بين نوح وآدم عشرة قرون…...........................135
كان يكره أن يبنى مسجد على القبور…......................124
لا تدع تمثالاً إلا طمسته…...................................119
لا ترفعوا جدثي - يعني القبر -…............................13
لا ترفعوا قبري…............................................131
لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق…........................45
هذه الفساطيط التي على القبور محدثة…......................130
هكذا هلك أهل الكتاب…..................................125
همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت…..........58
وكان ود رجلاً مسلماً…....................................139(1/210)
د - فهرس الموضوعات
مقدمة الطبعة الثانية…............................................3
الفصل الأول : أحاديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد ( وهي
14 حديثاً )…...................................................14
دفنه صلى الله عليه وسلم في بيته خاص به والسنة الدفن في المقابر…15
تشاور الصحابة في الموضع الذي ينبغي دفن النبي صلى الله عليه
وسلم فيه….....................................................15
الحرير حرام ٌ على الرجال…......................................17
تصوير الصور حرام ، وأنه لا فرق في ذلك بين التصوير اليدوي
والتصوير الفوتوغرافي…..........................................20
الفرق بين قولهم [رجاله موثقون] وقولهم [رجاله ثقات] ، وأن
كل ذلك لا يستلزم أنه صحيح….................................24
شرح قوله صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثناً….........25
ذكر طرقه وشواهده…............................................26
الفصل الثاني : معنى اتخاذ القبور مساجد….........................29
أقوال العلماء في معنى الاتخاذ المذكور…............................29(1/211)
أحاديث في النهي عن الصلاة إلى القبر وعليه….....................30
أخطاء حديثية في حاشية الشيخ سليمان علي [المقنع]…............32
تحريم استقبال القبلة في الصلاة المكتوبة والحكمة في الصلاة عليها
في المصلى…......................................................33
معنى قول عائشة [فلولا ذاك أُبرِزَ قبره]….........................36
لا فرق بين بناء المسجد على القبر ، أو إدخال القبر في المسجد…...38
تحقيق صحة حديث جابر في النهي عن البناء على القبر والرد على
الكوثري في إعلاله له…...........................................39
بيان دلالة الأحاديث على النهي عن الصلاة في المساجد المبنية على
القبور….........................................................40
ترجيح شمول الحديث للمعاني كلها وقول الشافعي بذلك….........42
الفصل الثالث : اتخاذ المساجد على القبور من الكبائر…............45
مذاهب العلماء في ذلك….........................................45(1/212)
1 - مذهب الشافعية انه كبيرة….................................46
نص الشافعي على الكراهة وأنها عنده للتحريم هنا والدليل على ذلك.48
تبرئة الإمام الشافعي من القول بإباحة تزوج الرجل بنته من الزنا…..50
وجوب التنبه للمعاني الحديثة التي طرأت على الألفاظ العربية ،
والأمثلة على ذلك….............................................52
حديث [ من ترك سنتى لم تنله شفاعتي ] لا أصل له….............53
2 - مذهب الحنفية الكراهة التحريمية…..........................55
نص الإمام محمد على كراهة جعل مسجد عند القبر….............55
3 - مذهب المالكية التحريم…...................................55
4 - مذهب الحنابلة التحريم…...................................56
يجب على الحاكم أن يغير أماكن المعصية ولو بالتحريق…...........56
قصة حرق عمر حانوت خمّار…...................................57(1/213)
حديث همَّه صلى الله عليه وسلم بحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة
صحيح وحديث تركه ذلك من أجل النساء والصبيان لا يصح
إسناده...........................................................58
حديث لعن المتخذين على القبور السرج لا يصح سنده والتنبيه على
خطأ وقع لبعض المعاصرين في ذلك….............................59
الاتفاق على تحريم بناء المسجد على القبر وكراهة الصلاة فيه وتبني
دار الإفتاء المصرية ذلك…........................................60-61
الفصل الرابع : شبهات وجوابها…................................63
الجواب عن الشبهة الأولى آية (الكهف) من ثلاثة وجوه….........65
قول الحافظ ابن رجب في تفسير الآية وأنها توافق الأحاديث المتقدمة.66
رد الآلوسي مطولاً على من استدل بالآية على خلاف الأحاديث
المتقدمة…......................................................68
لا قود بين مسلم وكافر….......................................70
القول بأن أهل الكهف لا يموتون حتى يظهر المهدي خرافة…......73(1/214)
التعريف برسالة [ إحياء المقبور ] وبمؤلفها….....................74
ردنا على من استدل بالآية السابقة من المعاصرين…...............76
الجواب عن الشبهة الثانية : كون القبر النبوي في المسجد الشريف..78
تاريخ إدخال القبر في المسجد…..................................79
من جهالات بعض الكتاب.........................................81
تحقيق أنه لم يكن في مسجد بني أمية قبر حتى القرن الثاني….........83
ما فعله السلف في القبر النبوي وما فعله الخلف….................86
تحقيق أن إحاطة القبر في المسجد الأموي بمقصورة لا يزيل المحذور...89
وجوب الفصل بين القبر النبوي والمسجد الشريف وإعادته كما
كان في عهد الصحابة…..........................................92
الجواب عن الشبهة الثالثة : صلاته صلى الله عليه و سلم في مسجد
الخيف الذي فيه قبر سبعين نبيا !…................................93(1/215)
تحقق ضعف حديث : [ في مسجد الحيف قبر سبعين نبياً ]….......93
الرد على من صحح الحديث المذكور ، وتحقيق أن قول المحدثين
[ ورجاله ثقات ] لا يقتضي الصحة…............................96
رموز الجامع الصغير لا يوثق بها….................................97
ترجيح أن اللفظ الثابت في الحديث هو [ صلى في مسجد الحيف ]..97
الجواب عن الشبهة الرابعة : كون قبر إسماعيل وغيره في المسجد
الحرام…..........................................................99
بيان أن ذلك لم يثبت في حديث مرفوع وإنما هي آثار واهية…......101
من علامات الحديث الضعيف والموضوع أن يكون خارجاً عن كتب
الحديث المعروفة…................................................101
الرد على من احتج بالآثار الواهية على جواز الصلاة في المقبرة…....102(1/216)
كون القبر في بطن أرض المسجد لا يضر ، وكلام العلامة القارئ
في ذلك…........................................................102
الجواب عن الشبهة الخامسة : بناء أبي جندل مسجداً على قبر
أبي بصير…........................................................105
بيان ضعف سند البناء المذكور ، وأنه منكر….......................106
التحذير مما وقع في سياق الغماري للقصة والجواب عنه لو صح…....108-109
الجواب عن الشبهة السادسة : المنع إنما كان لعلة وقد زالت فزال المنع.111
تعليل النهي عن المساجد بعلة تنجيس المسجد تعليل باطل…..........111
رد إدعاء أن العلة هي خشية الافتتان فقط ، وتحقيق بطلان القول بأن
العلة المذكورة زالت وبيان الفرق بين توحيد الربوبية و توحيد
الألوهية….........................................................112
مثال من شرك بعض العوام….......................................115(1/217)
تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ودفن أصحابه إياه
في بيته دليل على بقاء العلة ومعلولها….............................116
استمرار عمل السلف على معلول العلة السابقة وأحكامها وذكر
اثني عشر مثالاً على ذلك….........................................118
أمر عثمان بتسوية القبر…...........................................118
التوفيق بين حديث علي في تسوية القبر وبين مشروعية ورفعه شبراً
والرد على الكوثري وغيره في تضعيفهم الحديث الصحيح !…........119
نهي أبي موسى وغيره عن البناء على القبور….........................123
كراهة أنس وغيره أن يبنى مسجد بين القبور….......................124
نهي عمر عن التبرك بآثار الأنبياء…...................................124
تحقيق ضعف قطع عمر للشجرة…...................................125
نهي ابن عمر وأبي بصرة عن شد الرحال إلى الطور….................127
نهي أهل البيت عن كثرة التردد إلى القبر النبوي والتمسح به….......127
نهيه صلى الله عليه وسلم عن إتخاذ قبره عيداً…......................128(1/218)
الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم تبلغه صلاة المصلين عليه ،
ولا يسمعها.........................................................129
نهي ابن عمر وغيره من الصحابة عن نصب الخيمة على القبر….......130
بيان دلال الآثار المتقدمة على استمرار بقاء العلة ومعلولها….........132
الفصل الخامس : حكمة تحريم بناء المساجد على القبور…............135
تقرير أن الناس كانوا في أول الأمر على التوحيد ثم أشركوا والرد
على الفلاسفة القائلين بخلاف ذلك…...............................135
حديثان صريحان في ذلك….........................................136
تفسير آية " وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا " الآية وبيان أو وداً
ومن ذُكر معه كانوا عباداً صالحين وأن الشيطان أضل قومهم
بأن جعل لهم أصناماً للتأسي ثم عبدوهم من دون الله…..............138
كراهة مالك والنووي كثرة التردد على القبر النبوي…..............141(1/219)
نص للنووي على عدم جواز الطواف بالقبر النووي وكراهة
مسه وتقبيله وتنديده بالعامة وأشباههم…...........................142
سكوت المشايخ على شركيات العامة وتجويز بعضهم أن ينادي مسغيثاً
ً ( يا باز يا من لا يضر ولا ينفع ) في مناقشة جرت بينه وبين المؤلف...144
تسجيل بعض المستشرقين هذه الوثنية على المسلمين…...............146
استغلال المستعمرين هذه الوثنية لصالحهم….........................148
بحث قيم في حكمة نهي الشارع عن البناء على القبور للمؤرخ
المشهور رفيق العظم بيَّن فيه السر في سبب ضياع قبور كثير من
الصحابة كأبي عبيدة وغيرهم…....................................150
خير القبور الدوارس ليس بحديث….................................153
الرد على من يظن من المثقفين وغيرهم أن الشرك قد زال وأنه
لا رجعة فيه….....................................................156
أحاديث في أن الشرك سيقع - أو واقع - في هذه الأمة…............157
أحاديث في أن الإسلام سيسيطر على جميع الكرة الأرضية
وما يجب على المسلمين لتحقيق هذه السيطرة…......................159(1/220)
الفصل السادس : كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور…......162
قصد الصلاة في المساجد المبنية على القبور يبطل الصلاة…............163
كراهة الصلاة في المساجد المذكورة ولو لم تقصد من أجل القبر….....164
نصوص بعض العلماء في ذلك….....................................166
كنيسة بطرس في روما يقصدها النصارى للعبادة لأن فيها قبر بطرس....165
بيان ابن تيمية لمعنى اتخاذ المكان مسجداً ، وأن تحريم اتخاذ القبر
مسجداً من باب سد الذرائع ، وترجيحه جواز أداء السنن ذوات
الأسباب في وقت الكراهة…........................................166
نصوص أخرى في بطلان الصلاة في المساجد المبنية على القبور عند
الحنابلة ، وتحقيق معنى المقبرة…......................................170
كراهة الإمام أحمد الصلاة في مسجد بين القبور…....................170(1/221)
صلاة أبي هريرة وابن عمر على عائشة وأم سلمة وسط البقيع….......171
امتناع السلف من الصلاة في البنية التي على قبر إبراهيم عليه السلام....172
كراهة الصلاة في المسجد المبني على القبر ولو دون استقباله….........174
أقوال العلماء في ذلك…..............................................174
وجوب التفريق بين كون القبر في المسجد وكونه خارج المسجد من
حيث كراهة الصلاة ولو بغير استقبال القبلة…........................176
الفصل السابع : الحكم السابق يشمل جميع المساجد إلا المسجد النبوي...178
تفسير الشوكاني للنهي عن البناء على القبور….........................178
بطلان ما ذُكر في الحاشية أن الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة.179
من فضائل المسجد النبوي….......................................... 179(1/222)
حديث أن الصلاة في بيت المقدس بألف صلاة ضعيف وبيان الصحيح فيه.180
حديث ما بين بيتى ومنبي متواتر وخطأ بعض الرواة في روايته بلفظ
[ قبري ] وخطأ من عزاه إلى الشيخين…...............................181
كلام ابن تيمية في سبب استثناء المسجد النبوي من الحكم السابق….....183
حكم من اعتقد أن المسجد النبوي حدثت فضيلته بعد إدخال القبر فيه....184(1/223)