صحيح سنن أبي داود
الإمام الحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني
المتوفي سنة (275 هـ) رحمه الله تعالى
تأليف
الإمام المحدث الشيخ محمد ناصر الدين الألباني
المتوفي سنة (1420هـ) رحمه الله تعالى
وهو الكتاب الأم - كما سماه مؤلفه الشيخ رحمه الله - والذي خرج فيه أحاديثه
مطولا، وتكلم على أسانيده ورجاله مفصلا، تعديلا وتخريجا وتصحيحا وتضعيفا
وعلى النهج الذي انتهجه - رحمه الله - في السلسلتين "الصحيحة " و "الضعيفة"(/)
الجزء الأول
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية
محفوظة دار غراس- الكويت وشريكهما
ويحظّر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد
الكتاب كاملا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة
كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على
اسطوانات ضوئية إلا بموافقة خطيّة من الناشر.
الطبعة الأولى
1423 هـ
2002 م
الناشر
مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الكويت- شارع الصحافة- مقابل مطابع الرأي العام التجارية
هاتف: 4819037- فاكس: 4838495- هاتف وفاكس: 4578868
الجهراء: ص. ب: 2888- الرمز البريدي: 01030
Website: www.Gheras.com
E-mail: Info@gheras.com(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الناشر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم
النبيين، وعلى له وصحبه أجمعين.
أما بعد؛ فنقدم إلى القراء الكرام نتاجاً جديداً مما خطّته يراعة شيخنا
الإمام الحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله؛ ليفيد منه طلبة العلم
بعامة، وطلاب الحديث والتخريج والعلل بخاصة؛ وهو كتاب "صحيح سنن
أبي داود"- الكتاب الأم- الذي كان شيخنا الوالد رحمه الله يعزو إليه في
كتبه المختلفة عند تخريجاته المختصرة.
وخير ما نعرّف به الكتاب أن نورد ما قاله عنه الشيخ نفسه في نهاية
مقدمة الطبعة الجديدة للمجلد الأول لكتابه "مختصر صحيح البخاري "؛
حيث قال:
" ... سيمرُّ بالقارئ الكريم عزوي كثيراً لكتابي "صحيح أبي داود"،
وربما أحياناً لقسيمه " ضعيف أبي داود"- بالأرقام طبعاً- لأحاديثهما؛
فليعلم أنني إنما أعني بكل منهما: (الأم) والأصل الذي أخرّج فيهما
الأحاديث، وأتكلم على الأسانيد ورجالها؛ تعديلاً وتجريحاً، وتصحيحاً
تضعيفا وأتتبع فيهما الطرق في مختلف المصادر، حتى المخطوطات
أحياناً؛ على النحو الذي أنهج عليه في "السلسلتين "، وهما المقصودان
أيضا في كل كتبي حين العزو إليهما؛ فاقتضى التنبيه ".(1/3)
وقال رحمه الله في مقدمة "صحيح سنن أبي داود"- كتابه الأخر
باختصار السند -، طبعة مكتبة المعارف:
" ... وذلك لأن أحاديث "أبي داود " ... ؛ مخرجة تخريجاً علمياً
دقيقاً في مشروعي القديم، الذي كنت بدأت فيه من نحو أربعين سنة،
وهو "صحيح أبي داود" و "ضعيف أبي داود"، ولا أزال أعمل فيهما على
نوبات متفرقة متباطئة، يسر الله لي إتمامها ... ".
وقد بدأ الشيخ مشروعه هذا- كما ذَكَرَ- منذ سنين طويلة، وجعله في
دفاتر متعددة، وقد وجدنا على الوجه الداخلي لغلاف دفتره الأول ما يشير
إلى تاريخ بداية عمله فيه بعبارة مختصرة:
" سنة حجتي الأولى (1368) أواخر صفر (1369 هـ) ". وكان يسجل
تاريخ انتهائه من بعض دفاتره، أو متابعته للعمل في بعضها الآخر، ولم
يكمل تخريج الكتاب كله- " قدر الله وما شاء فعل "-؛ ولذلك لم يكن
رحمه الله يعزم على نشره- على أهميته- إلا بعد الانتهاء منه كاملاً؛ فقد
وصل في هذا "الصحيح " إلى الحديث (2734) من كتاب "الجنائز"، (25-
باب الجلوس عند المصيبة) ، ومن "الضعيف" إلى الحديث (561) من كتاب
"الجنائز" أيضا، (29- باب في النوح) .
وهذا الكتاب مما يشهد لشيخنا رحمه الله شهادة تامة ببصره النافذ- الناقد-
في علم الحديث ورجاله، ونظرته الفاحصة للأسانيد وعللها، وتيحُّره في
معرفة الشواهد- مما لا يستطيعه إلا من كَمَلَت- أو أوشكت- معرفته بعلم
الحديث رواية ودراية، مع تضلّع بفهم كلمات الأئمة الجهابذه النقاد في
الأسانيد والرجال ومرويّاتهم ...(1/4)
فهاكَه- أخي القارئ! - غضاً طرياً؛ تتنعَّم بالنظر فيه، وتتمتمّع باسْتِكْناهِ
ظواهره وخوافيه.
واعلم- أخي القارئ! - أن هذا الكتاب من بواكير أعمال الشيخ
الحديثية بعد أن اشتدّ عوده- ولا يزال منذ بدأ شديداً- ولم يبرح الشيخ
رحمه الله ينقّح فيه ويصحّح، ويزيد وينقص، ويحوّل من "الصحيح " إلى
"الضعيف "- وبالعكس-، كما هي عادته- رحمه الله- فيما يجدّ له من مصادر
ومراجع؛ ليمشي على الخط الذي رسمه لنفسه في الحياة العلمية- وهو مما تلقاه
عن أسلافه الأئمة الفحول-؛ ليقول- لساناً وحالاً-: (العلم لا يقبل الجمود) !
وهذه سكيكة مطروقة، وسبيل معلومة، وجادة مسلوكة؛ تدل على
منهجية شيخنا رحمه الله في البحت العلمي النزيه؛ ليحتل بها المكانة
المرموقة التي عرفه بها للقاصي والداني، ولله الحمد والمنة.
وعليه؛ كان لا بد لنا في أثناء عماضا لإخراج الكتاب من أمور ضرورية
لإتمام العمل في أفضل صورة ممكنة، وهي تنطبق على هذا " الصحيح " وعلى
"الضعيف " أيضا، وتتلخص فيما يلي:
1- كان الشيخ رحمه الله قد نسق كتابه هذا بشكل مختصر؛ يورد فيه
نصّ الحديث في المنن- الأعلى- مختصرا سنده، ثم يضع حكمه
الإجمالي بين هلالين: (قلت:........) ، ثم يورد سنده أسفل- في
الحاشية-، ثمِ يتكلم عليه بما تقتضيه الصناعة الحديثية؛ فكان أن جعلنا المتن
والحاشيه معاَ على نمط "الصحيحة" و "الضعيفة"، وميّزنا- في سبيل تحقيق
هذا- نص الحديث في "السنن "، وأقوال أبي داود بالحرف الأسود؛ لأننا(1/5)
وجدنا هذا النمط بعد التجربة أنفع للقارئ، وأبعد عن تشتيت ذهنه، وأيسر
من النواحي الطباعية الفنية.
2- ضبط عناوين الأبواب الفقهية وترقيمها تسلسلياً لكل كتاب فقهي (1) ؛
اعتماداً منا على نسخة الأستاذ عزت عبيد الدعاس؛ لدفتها- أولاً-، وثانياً؛
فإنه تبين لنا لاحقاً أن شيخنا المصنف رحمه الله كان قد اعتمد على النسخة
(التازية) في قريب من ثلاثة أرباع عمله في الكتاب، ثم عدل إلى طبعة
(الدعاس) ؛ وذلك لأسباب شرحها فيما يأتي، تحت الحديث (2270) .
ثم أدرجنا الأبواب التي كان الشيخ رحمه الله قد حذفها لعدم وجود
حديث تحتها على شرطه في هذا الكتاب، وقد كان هذا هو منهجه قديماً؛ إلا
أنه عدل عنه أخيراً، وفي ذلك فوائد عدة لا تخفى؛ كما فعل في كتابه
"صحيح الترغيب والترهيب " و "ضعيفه "، انظر مثلاً (10- باب الخاتم
يكون فيه ذكر الله..) ، و (19- الاستتار في الخلاء) من "كتاب الطهارة"؛
فهما محذوفان في أصل الشيخ "الصحيح " هذا مع أحاديثهما؛ لأنهما ليسا
على شرطه فيه، بل هما من شرطه في "الضعيف ".
3- اعتمدنا الترقيم الأصلي للشيخ رحمه الله بما فيه من تكرار في
الموضع، أو نقص، وضبطنا العزو من الكتاب- وإليه- نفسه، وكذلك بين
الكتابين " الصحيح " و " الضعيف ".
ومن الضروري هنا أن نشير إلى أن الشيخ نفسه قد عدّل ترقيمه الخاص؛
تبعاً لما حذف أو أضاف من الأحاديث؛ مما أحدث فارقاً بين الترقيم الجديد
__________
(1) بدءاً من (باب 148/كتاب الصلاة/المجلد الرابع) ، ولم يمكن تدارك ما قبله بعد ان تم
إعداد المجلدات الثلاثة السابقة.(1/6)
والقديم يقل أو يزيد، لكنه ظل يعزو غالباً إلى ترقيمه القديم؛ فليكن القارئ
من هذا على ذُكْرِ حين يعزو الشيخ من كتبه الأخرى إلى هنا، وليتبعْ ما يتيسّر
له من الوسائل الأَخرى للوصول إلى بغيته إن لم يهتدِ إليه.
4- يعزو الشيخ أحياناً إلى أحاديث في هذا الكتاب لم يَصِلْ بعدُ إلى
تخريجها وتحقيقها، فيترك مكان أرقامها فارغاً ( ... ) ، لإثباتها حين الوصول
إليها، فهذه تركناها كما هي مع الإشارة أحياناً إلى ما يساعد القارئ للاهتداء
إلى الأحاديث القصودة بين معقوفتين [] ؛ كذكر الباب مثلاً أو ما شابه،
انظر مثلاً (ص 62) .
5- نصوص الأحاديث تركناها كما هي عند الشيخ رحمه الله؛ إلا ما لا
بُدَّ منه- من طبيعة البشر- من سبق قلم أو نحوه.
6- الأحاديث التي أشار الشيخ رحمه الله إلى نقلها من "الصحيح " إلى
"الضعيف " أو العكس، قمنا بنقلها، وأشرنا إلى ذلك في الحاشية، ووضعنا
لها رقماً مكرراً ملحقاً بـ (/م) . مثال الحديث (11/م) .
وأخيراً؛ نرجو الله تبارك وتعالى أن يتقبّل منا عملنا، ويغفر لنا زلاتِنا،
ونسأله- سبحانه- أن يجزي خيراً كل من أسْهَم معنا في إخراج هذا الكتاب
القيم إلى حيّز الوجود؛ بجهد أو فكرة أو دلالة ذيلت باسم (الناشر) ، ويجزي
والدنا الشيخ رحمه الله تعالى عنا وعن المسلمين جميعاً خير الجزاء، ويرحمه
رحمة واسعة، إنه سميع مجيب.
26 شوال 1422 هـ - الموافق 1/10/2002 م
الناشر(1/7)
المقدمة
الحمد لله رب العالين، وصلى الله تعالى على رسولنا ونبينا محمد، وعلى
له وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد اشتهر بين الشتغلين بعلم السئة أنّ الأحاديث الواردة في "سن أبي
داود"، وسكت عنها، ولم يتكلم بشيء من الجرح عليها؛ أنها صالحة
للاحتجاج بها والاعتماد عليها، والسبب في ذلك هو أبو داود نفسه رحمه
الله، حيث وردت عنه جمل وعبارات يستفاد هذا من ظاهرها، بل بعضها
نص في ذلك، وقد اجتمع لدي منها أربع عبارات أنا ذاكرها الآن، ثمّ أتكلم
عليها بما ظهر لي من الحق فيها، وأدعم ذلك ببعض النقول عن بعض الأئمة
الفحول، وعي هذه:
(1) قال أبو داود في رسالته الشهورة (1) إلى أهل مكة:
" وليس في كتاب "السنن " الذي صنفته رجل متروك الحديث، وإذا كان
فيه حديث منكر بينت أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره "، ثمّ قال:
" وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر
فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض ".
(2) وعنه أنه قال:
__________
(1) يوجد منها نسخة خطية في المكتبة الظاهرية تحت رقم (348- حديث) ، وروى قسما
منها الحافط الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة" (ص 53- 55) ، وفي النسخة المشار إليها
جملة فيما نقلناه عنها لم يظهر لي المراد منها، وهي: " فقد بينته؛ ومنه ما لا يصح سنده] ما
لم اذكر فيه ... " إلخ! ولم أجد من ذكرها أيضا فيما نقلوه من الرسالة؛ فتأمل(1/13)
" كتبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسمائة ألف حديث؛ انتخبت منها ما
ضمنته هذا الكتاب- يعني: كتاب "السنن "- جمعت فيه أربعة آلاف
حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه " (1) .
(3) وروي عنه أنه " يذكر في كل باب أصح ما عرفه فيه " (2) .
(4) ويروى عنه أنه قال: " وما سكتَّ عنه؛ فهو حسن " (2) .
فالرواية الأخيرة- إن صحت- صريحة فيما اشتهر من الاحتجاج بما
سكت عنه، أما الروايتان قبلها؛ فلا تتعرضان لهذه المسألة ببيان، غير أن
الثانية قد تشعر بما أفادته هذه الأخيرة؛ لأنّ ما يشبه الصحيح ويقاربه إنما هو
الحسن، وما يتكلم عليه وئعله ليس منه كما لا يخفى.
__________
(1) رواه الخطيب البغدادي في ترجمة أبي داود من "تاريخمه (9/57) قال:
" حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم للقاري الدينوري- بلفظه- قال: سمعت أبا
الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي: سمعت أبا بكر بن داسة يقول: سمعت أبا
داود يقول: ... " فذكره.
وهذا إسناد صحيح: أبو بكر محمد بن علي القاري وأبو الحسين محمد بن عبد الله
الفرضي ثقتان ترجمهما الخطيب في "تاريخه "، فقال في الأول منهما (3/106) :
" كتبت عنه شيئاً يسيرأ، وكان رجلأ صالحاً ورعاً، كتب معنا الحديث، مات سنة (449) ".
وقال في الآخر (5/472) :
" كان ثقة، وانتهى إليه قسمة الفرائض والمواريث، فلم يكن في وقته أعلم بذلك منه،
وصنف فيه كتبا ًاشتهرت ... مات سنة (402) ".
وأما أبو بكر بن دامة؛ فهو أحد رواة "السنن " عن أبي داود رحمه الله
(2) أوردهما ابن كثير في "اختصارعلوم الحديث " (ص 30) هكلذا بصيغة التمريض
" ويروى "، والثالث ذكره ابن الصلاح أيضأ.(1/14)
وأمّا الرواية الأولى فمفهوم قوله: " وهن شديد "؛ أنه لا يبين ما فيه وهن
غير شديد، وحينئذ ينبغي التوفيق بين هذا المفهوم إذا كان مراداً، وبين صريح
قوله: " وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح ":
فإما أن يقال: إنّ هذا المفهوم لا اعتداد به؛ لمخالفته لهذا المنطوق! وهذا
عندنا- هنا- ضعيف مرجوح، وذلك لإمكان التوفيق بينهما، وهو أن يقال:
إن الصالح عند أبي داود يشمل الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه،
وعليه فلا تعارض بين المنطوق والمفهوم، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس،
وينشرح له الصدر بعد طول تفكر وتدبر، وهو الذي جنح إليه الحافظ ابن حجر
العسقلاني رحمه الله حيث قال (1) : " ولفظ (صالح) في كلامه؛ أعم من أن
يكون للاحتجاج أو للاعتبار، فما ارتقى إلى الحسن ثم إلى الصحيح؛ فهو
بالمعنى الأول (الاحتجاج) ، وما عداهما؛ فهو المعنى الثاني (الاعتبار) ، وما
قصر عن ذلك فهو ما فيه وهن شديد".
__________
(1) نقله الشيخ منصور علي ناصف في "التاج الجامع للأصول " (ص 7) ثم أتبعه بقوله:
" وسأتبع ذلك في بيان درجة ما رواه بقولي: بسند صالح ".
قلت: وعلى ذلك جرى في كتابه هذا، فكلما ذكر فيه: " رواه أبو داود "؛ علق عليه في
التعليق بقوله: " بسند صالح "، وقد سبقه بلى هذا بعض المتقدمين كما قال الحافظ العراقي
في "شرح المقدمة" لابن الصلاح ما نصه (ص 39) :
" وهكذا رأيت الحافظ أبا عبد الله بن المَهاق يفعل في كتابه "بغية النقاد"؛ يقول في
الحديث الذي سكت عليه أبو داود: " هذا حديث صالح " ... " ا!
وهذا عمل منهما غير صالح؛ لما ذكرنا في الأصل. وليت صاحب "التاج " اقتصر على
هذا، ولكنه لم يفعل؛ بل هو يسكت عن احاديث يعزوها بلى أبي داود، وقد صرح هو
بتضعيفها في "سننه "! انظر الحديث رقم (،) وله في هذا للكتاب خطيآت كثيرة
اخرى قد بينتها في كتابي " نقد التاج " مفصلاً، وأجملتها في مقدمته؛ وعندي منه نقد الأول
منه فقط، ولما يَتَسَن لي نشره بعد.(1/15)
وهذا تحقيق بدبع من الحافظ رحمه الله؛ والنقد العلمي الحديثي الصحيح
يشهد بوجود هذه الأنواغ الأربعة في "السنن "، ومنها أحاديث واهية السند
ظاهرة الضعف يسكت عليها أبو داود، حتى إن النووي رحمه الله يقول في
بعضها (1) ؟
" وإنما لم يصرح أبو داود بضعفه لأنه ظاهر ".
وقال المنذري في مقدمة كتا به "الترغيب والترهيب " (1/8) :
" وأنبّه على كثير مما حضرني حال الإملاء مما تساهل أبو داود رحمه الله
في السكوت عن تضعيفه "، ثمّ قال:
" وكل حديث عزوته إلى أبي داود وسكتًّ عنه؛ فهو كما ذكر أبو داود، ولا
ينزل عن درجة الحسن، وقد يكون على شرط الشيخين أو أحدهما " (2) .
وعلى هذا؛ فليس يظهر صواباً قول الحافظ ابن الصلاح في "المقدمة"-
بعد أن ذكر الروايات الثلاث الأُوَلَ- ما نصه: " فعلى هذا؛ ما وجدناه في
كتابه مذكوراً مطلقاً وليس في واحد من "الصحيحين " ولا نص على صحته
__________
(1) هو الحديث الأول من أحاديث "أبي داود" الضعيفة، فراجعه في كتابنا.
(2) نقل الشيخ علي القاري في "المرقاة" (1/22) عن المنذري أنه قال:
" ما سكت عليه لا ينزل عن درجة الحسن "، فهذا إن كان من مصدر آخر فلا كلام، وإن
كان اختصر كلامه الذي نقلناه عن "الترغيب "؛ فهو اختصار مخل؛ لأنه أطلق، بينما هو في
الأصل مقيد.
ثم إن في قود المنذري رحمه الله: " عدى كثير " إشارة إلى أنه لم ينبه على كل ما تساهل
فيه أبو داود رحمه الله، وهو كذلك كما بينته في كتابي "التعليق الرغيب على الترغيب
والترهيب ". ومن الأمثلة في ذلك حديث ابن عمر (ص 31 رقم 3) وحديث علي (ص 91
رقم 2) من الطبعة المنيرية.(1/16)
أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن؛ عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود، وقد
يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره؛ ولا مندرج فيما حققنا ضبط
الحسن به على ماسبق " (1) .
وليس لدينا من أقوال أبي داود في هذه المسألة ما يشهد لما ذهب إليه؛ إلا
الرواية الأخيرة عنه على جهلنا بصحتها عنه، حتى إن ابن الصلاح- نفسه-
أعرض عن ذكرها في كتابه، والظاهر أنه اعتمد على منطوق قوله: " فهو
صالح "، ولم يلتفت إلى المفهوم السابق الذكر؛ وهذا منه غير جيد؛ لما
أسلفنا، ولما نقله هو- نفسه- عن الحافظ ابن منده أنه قال:
" كان أبو داود يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه
أقوى عنده من رأي الرجال ".
ولذلك؛ فقد رد على ابن الصلاحِ غير ما واحد من العلماء المحققين، فقال
ابن كثير الدمشقي في "مختصره" ردا عليه:
__________
(1) في هذا الكلام إشارة إلى ما نقله العراقي وغيره عنه- أعني: ابن الصلاح- أنه لا
يجوز للمتأخرين الإقدام على الحكم بصحة حديث لم يصححه أحد من المتقدمين؛ لأن هذا
اجتهاد؛ وهو- بزعمه- قد انقطع منذ قرون، كما زعموا مثل ذلك في الفقه أيضا!
وليت شعري لمَ ألف هو وغيره في أصول الحديث؟! ولم أئفوا في أصول الفقه؟! للتسلية
والفرجة وتضييع الَوقت؟! أم للعمل بمقتضاها وربط الفروع بأصولها؟! وهذا يستلزم الاجتهاد
الذي أنكروه؟! ونحمد الله تعالى أننا لا نُعْدَمُ في كل عصر من علماء يردون أمثال هذه الزلات
من مثل هذا العالم، وقد رد عليه الحافظ ابن حجر، وشيخه العراقي في شرحه عليه وغيرهما،
كالسيوطي في " ألفبته".
فقال بعد أن ذكر رأي ابن الصلاح في أحاديث "المستدرك ":
جرياً على امتناع أن يصححا ... في عصرناكما إليه جنحا
وغيره جوزه وهو الأبر ... فاحكم هنا بماله أذى للنظر(1/17)
" قلت: الروايات عن أبي داود بكتابه "السنن " كثيرة جدّاً، ويوجد في
بعضها من الكلام- بل والأحاديث- ما ليس في الأخرى، ولأبي عبيد
الآجري عنه أسئلة- في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل- كتاب مفيد،
ومن ذلك أحاديث ورجال قد ذكرها في "سننه " فقوله: " وما سكت عليه فهو
حسن "؛ مما ينبغي التنبيه عليه والتيقظ له ".
وقال المناوي في "الفيض "- بعد أن نقل عن أبي داود الرواية الأولى-:
" قال الذهبي: قد وفَّى؛ فإنه بيّن الضعيف الظاهر (1) وسكت عن
المحتمل، فما سكت عنه لا يكون حسناً عنده ولا بد- كما زعمه ابن الصلاح
وغيره-؛ بل قد يكون فيه ضعف. وهذا قد سبقه إليه ابن منده حيث قال ...
(قلت: فذكر ما نقلناه عنه آنفاً ثمّ قال) . قال ابن عبد الهادي: هذا رد على
من يقول: إن ما سكت عليه أبو داود يحتح به ومحكوم عليه بأنه حسن
عنده، والذي يظهر أن ما سكت عنه- وليس في "الصحيحين "- ينقسم إلى
صحيح محتج به، وضعيف غير محتج به بمفرده، ومتوسط بينهما، فما في
"سننه " ستة أقسام أو ثمانية:
صحيح لذاته، صحيح لغيره بلا وهن فيهما، ما به وهن شديد، ما به
وهن غير شديد، وهذان قسمان: ما له جابر، وما لا جابر له، وما قبلهما
قسمان: ما بين وهنه، وما لم يبين وهنه ".
قلت: وهذا تقسيم صحيح أيضا.
__________
(1) كذا! وقد علمت مما سبق أنه سكت عن أشياء ظاهرة الضعف، فلو قال: (الشديد
الضعف) ؛ لكان اقرب.(1/18)
فظهر بهذا البيان أنه ليس كل ما سكت عنه أبو داود حسناً صالحاً
للاحتجاج به عنده.
وأما أن الأمر كذلك عند غيره؛ فمما لا مناقشة فيه؛ حتما عند القائلين
بالقول المرجوح، وفي كلام ابن الصلاح السابق إشارة إلى ذلك، وعلى هذا
جرى عمل المحققين من الأئمة، فضعفوا كثيراً من الأحاديث التي سكت
عليها أبو داود في "سننه "؛ كالحافظ المنذري والنووي والزيلعي والعراقي
والعسقلاني وغيرهم، كما ستقف على كلماتهم في ذلك إن شاء الله تعالى
في الكتاب المستقل بالأحاديث الضعيفة من "السنن " إن شاء الله (*) .
__________
(*) هذا ما كتبه الشيخ رحمه الله في مقدمته لهذا الكتاب، ولو قدر له إتمامها لزاد وأفاد،
قدر الله وما شاء فعل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. (الناشر)(1/19)
1- كتاب الطهارة
1- باب التَّخَلِّي عند قضاء الحاجة
1- عن المغيرة بن شعبة:
أنّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا ذهب المَذْهبَ أبعد.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي
والنووي) .
إسناده: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي: ثنا عبد العزيز- يعني:
ابن محمد- عن محمد- يعني: ابن عمرو- عن أبي سلمة عنه.
وهذا إسناد حسن عندي:
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة عابد؛ احتج به الشيخان.
وعبد العزيز بن محمد: هو الدراوردي؛ ثقة يخطئ واحتج به مسلم، وروى له
البخاري مقروناً.
ومحمد بن عمرو: هو ابن علقمة الليثي؛ وهو صدوق له أوهام، روى له
البخاري مقروناً، ومسلم متابعة.
وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري؛ ثقة حجة عند الشيخين
وغيرهما، ولم يسمع من أبيه.
والحديث أخرجه النسائي أيضا، والترمذي والدارمي وابن ماجه وابن خزيمة
في "صحيحه " (1/10/1) ، والحاكم، وعنه البيهقي في "سننه الكبرى" (1/93)(1/21)
من طرق عن محمد بن عمرو به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "؛ ووافقه الذهبي!
وهو من أوهامهما؛ لا علمت من أن مسلماً إنما أخرج لمحمد بن عمرو متابعة.
لكن الحديث صحيح، فقد ورد من طريق أخرى عند الدارمي، وأحمد (4/244)
عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة ... به نحوه.
وهذا إسناد صحيح:
محمد بن سيرين؛ أشهر من أن يذكر.
وعمرو بن وهب؛ وثقه النسائي وابن حبان والعجلي وابن سعد.
ولهذا قلت فيه: " إسناده حسن صحيح "؛ فهو حسن باعتبار الطريق الأولى،
وصحيح بالنظر بلى الطريق الأخرى.
2- عن جابر بن عبد الله:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد البَرَاز انطلق حتى لا يراه أحد.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: أخرجه من طريق إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عنه.
وهذا إسناد ضعيف:
إسماعيل بن عبد الملك صدوق كثير الوهم، وهو ابن أبي الصفَيْراء- بالقاء-.
وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.(1/22)
ومن هذا الوجه: أخرجه ابن ماجه أيضا، والحاكم والبيهقي، وله عنده تتمة.
لكن الحديث صحيح لشواهده الكثيرة؛ منها الذي قبله.
ومنها: عن عبد الرحمن بن أبي قرَاد: عند النسائي وغيره بسند صحيح.
والحديث قال في "المجموع " (2/77) :
" فيه ضعف يسير، وسكت عليه أبو داود؛ فهو حسن عنده ".
2- باب الرجل يتبوأ لبوله
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "للضعيف ") ]
3- باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء
3- عن أنس بن مالك قال:
كانْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل الخلاء قال:
" اللهم! إني أعوذ بك (وفي رواية: أعوذ بالله) من الخُبُثِ والخبائث ".
قال أبو داود: " وقال وُهَيْب (1) : فليتعوذ بالله ".
__________
(1) هو وهيب بن خالد الباهلي البصري، وروايته هذه لم أقف عليها موصولة، وهو ثقة
حجة؛ لكن قال الأجُري عن المصنف:
" تغير وهيب بن خالد، وكان ثقة ". وقال يحيى بن سعيد:
" إسماعيل أثبت من وهيب ".
وإسماعيل: هو ابن علية، أحديواة الحديث، وهو رواه من فعله عليه الصلاة والسلام،=(1/23)
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجاه دون رواية
وهيب، فهي شاذة كالتي قبلها) .
إسناده: ثنا مسدد بن مسرهد: ثنا حماد بن زيد وعبد الوارث عن عبد العزيز
ابن صهيب عنه.
قال حماد: " اللهم! إني أعوذ بك ".
__________
- وكذلك رواه كل من حدث به عن عبد العزيز، فهي أولى من رواية وهيب هذه.
نعم؛ تابعه عليها عبد العزيز بن الختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر؛ قال:
" إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث ".
قال الحافظ في "الفتح " (1/196) :
" رواه العمري، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه
الرواية "!
قلت: وهي رواية شاذة؛ لخالفتها لجميع روايات الثقات المتقدمة، وعبد العزيز بن المختار
وإن كان ثقة؛ فقد قال ابن حبان:
" إنه كان يخطئ ". حتى بالغ ابن معين فقال:
"ليس بشيء"!
والحق أنه حجة إذا لم يخالف.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بالرواية الأولى، دون سائر الروايات فإنها شاذة. وأما قول
الحافظ عن التسمية: " إنه لم يرها في غير هذه الرواية "! فهو ذهول؛ فقد رواها ابن السني
من طريق قتادة عن أنس؛ لكنها معلولة أيضا كما سيأً تي بيانه إن شاء الله تعالى في الحديث
الآتي.
ورواها أبو معشر نجيح عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعاً به مثل حديث الباب،
وزاد التسمية.
رواه ابن أبي شيبة. ونجيح ضعيف، وفيها حديث آخر، فانظرإ المشكاة" (358) .(1/24)
وقال عبد الوارث: " أعوذ بالله ".
قال أبو داود: " رواه شعبة عن عبد العزيز: " اللهم! إني أعوذ بك ". وقال
مرة: " أعوذ بالله " ".
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجاه في "الصحيحين " من
طرق عن عبد العزيز.
وأخرجه مسلم، وأبو عوا نة في "صحيحه " (1/216) ، والترمذي، والدارمي
من طرق عن حماد بن زيد بلفظه.
وتابعه عليه هشيم عن عبد العزيز: أخرجه مسلم، وأحمد (3/99) ، وابن أبي
شيبة (1/1) .
وسعيد بن زيد: عند البخاري في "الأدب المفرد" (ص 100) ، وإسناده صحيح
على شرط مسلم.
وحماد بن سلمة: عند ابن السني في "اليوم والليلة" (رقم 16) ، وهو صحيح
أيضا.
وشعبة في إحدى الروايتين عنه؛ أخرجه البخاري في "الدعوات "، وأبو عوانة
وابن السني.
وأما رواية عبد الوارث (1) ؛ فتابعه عليها إسماعيل ابن عُلَية: عند مسلم وابن
ماجه، وأحمد (3/101) ، ورواه النسائي لكن بلفظ حماد بن زيد.
وأما رواية شعبة باللفظين؛ فأخرجه الترمذي (1/10) ، وأخرجه أحمد
(3/282) باللفظ الآخر، والبخاري وغيره باللفظ الأول كما سبق.
__________
(1) أخرجه البيهقي (1/95) من طريق مسدد عنه.(1/25)
وهو الصواب إن شاء الله تعالى؛ لاتفاق أكثر الرواة عليها كما رأيت، ولأن
شعبة قد وافقه في إحدى الروايتين عنه، وهي التي اعتمد عليها البخاري؛ فلم يرو
الأخرى؛ فالأخذ بها أولى وأحرى. وأيضا فقد قال الإمام أحمد:
" حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث وابن علية والثقفي وابن عيينة ".
4- عن زيد بن أرقم عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إن هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَة، فإذا أتى أحدُكم الخلاءَ فليقلْ: أعوذ بالله
من الخُبُثِ والخبائث ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وكذلك قال الحاكم ووافقه
الذهبي) .
إسناده: ثنا عمرو بن مرزوق: نا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد
ابن أرقم.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، فقد أخرج لعمرو بن مرزوق في
"صحيحه " وبقية الرجال ثقات مشهورون من رجال الشيخين.
وقد أخرجه الطيالسي في ادمسنده " (رقم 679) : ثنا شعبة عن قتادة سمع
النضر بن أنس به.
وهذا صحيح على شرطهما، وفيه فائدة؛ وهي تصريح قتادة بسماعه من
النضر.
ومن هذا الوجه: رواه ابن ماجه والبيهقي، وأحمد (4/369 و 373) .
ولقتادة فيه شيخ آخر، رواه سعيد بن أبي عروبة عنه عن القاسم بن عوف(1/26)
الشيباني عن زيد بن أرقم به:
أخرجه ابن ماجه والبيهقي، وأحمد (4/373) ، وابن أبي شيبة (1/1) .
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه الحاكم (1/187) من الوجهين، ثمّ قال:
" كلا الإسنادين من شرط "الصحيح " ... " ووافقه الذهبي.
والحديث أشار إليه الترمذي في "سننه " (1/11) وأعله بقوله:
" في إسناده اضطراب: روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم. وقال هشام: عن قتادة
عن زيد بن أرقم. ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس. فقال شعبة:
عن زيد بن أرقم. وقال معمر: عن النضر بن أنس عن أبيه عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قال الترمذي:
" سألت محمداً- يعني: البخاري- عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة
روى عنهما جميعاً ".
قلت: وهذا الذي أجاب به البخاري رحمه الله احتمالاً: هو الذي نجزم به
ونطمئن إليه؛ وذلك أن قتادة ثقة حافظ ثبت، فليس بكثير عليه أن يكون له في
حديث واحد إسنادان فأكثر؛ كما يقع ذلك كثيراً لأمثاله من الحفاظ، كالزهري
وغيره، كما يشهد بذلك من له ممارسة واضطلاع بهذا الشأن.
ولذلك فإننا لا نرى إعلال الترمذي بما ذكر صواباً!
على أننا نقول: إن مجرد الاختلاف في إسناد حديث لا يستلزم إعلاله
أو الحكم عليه بالاضطراب؛ ذلك لأن شرط المضطرب من الحديث أن تستوي(1/27)
الروايات، بحيث لا يمكن ترجيح بعضها على بعض بشيء من وجوه الترجيح؛ كحفظ
راويها أو ضبطه أو كثرة صحبته، أوغير ذلك من الوجوه! فأما إذا ترجح لديتا إحدى
الروايات على غيرها؛ فالحكم حينئذ لها، والحديث صحيح، ولا يطلق عليه وصف
المضطرب، أوعلى الأقل: ليس له حكمه، كما أفاده ابن الصلاح في "المقدمة".
وإذا كان لا بد من الترجيح بين الروايات السابقة؛ فرواية من قال: عن قتادة
عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم؛ هي أرجح لدينا؛ وذلك لأن سعيد بن أبي
عروبة وهشاماًا لدستوائي أثبت الناس في الرواية عن قتادة، كما قال ابن أبي
خيثمة وغيره.
ثمّ إن رواية سعيد مقدمة على رواية هشام؛ لما فيها من الزيادة في الإسناد،
وهي من ثقة، فيجب قبولها. على أن أبا داود الطيالسي قال في سعيد:
" كان أحفظ أصحاب قتادة ".
وقد صرح الإمام البيهقي في رواية معمر- التي ذكرها الترمذي- أنها وهم؛
كما في "سننه ". وقتادة بصري وفيما حدث معمر- وهو ابن راشد- بالبصرة شيء
من الضعف، كما ذكر الحافظ في "التقريب "، فروايته لا تقاوم رواية أوثق الناس
في قتادة عند الاختلاف، فلم يبق ما يقوم للمعارضة إلا رواية شعبه، وهو ثقة
حافظ متقن؛ ولذلك فالرأي عندي ثبوت روايته مع رواية سعيد؛ كما جريت عليه
في صدر الكلام.
لكتي؛ أقول: إن كان لا بد من الترجيح؛ فرواية سعيد مقدمة عليه؛ ومعه
متابع له في الجملة كما سبق بيانه؛ والله تعالى أعلم.
ثمّ إن الحديث رواه بعض الضعفاء عن قتادة على وجه آخر بلفظ:
" هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: بسم الله ".(1/28)
أخرجه ابن السني (رقم 19) من طريق قَطَن بن نُسَيْر: ثنا عدي بن أبي
عمارة الدارع قال: سمعت قتادة عن أنس مرفوعاً به. قال في "الميزان "- في
ترجمة عدي هذا-:
" قال العقيلي: في حديثه اضطراب، وعنه قطن بن نسير ". زاد الحافظ في
"اللسان ":
" وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال: روى عنه القاسم بن عيسى الطائي
والبصريون. قلت: ومن أغلاطه أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول
الخلاء. وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم. وقيل: عن النضر بن
أنس عن أبيه. والأول أصح ".
(تنبيه) : قال الحافظ في "التلخيص " (1/461) - أن الحديث-:
" أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما "! وذكر في مكان آخر منه (530) أنه
في "السنن الأربعة"! وسكت عليه.
وفي هذا الإطلاق تساهل أو ذهول، وذلك أن الحديث ليس عند النسائي في
"سننه الصغرى" المعروف بـ "المجتبى"، وإنما هو في "سننه الكبرى"؛ كما قيّده
صاحب "عون المعبود"، كما أنه ليس عند الترمذي ثاني الأربعة، وإنما أشار إليه
إشارة كما سبق أن ذكرنا. والله تعالى هو الموفق.
4- باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة
5- عن سلمان قال: قيل له:
لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِرَاءَةَ؟ قال:
أجل؛ لقد نهانا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي(1/29)
باليمين، وأن لا يستنجي أحدُنا بأقل من ثلاثة أحجار، أو نستنجي برجيع
أو عظم (*) .
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم، وأبو عوانة
في "صحيحيهما"، وصححه الترمذي والدارقطني) .
إسناده: ثنا مسدد بن مسرهد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن
عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ فقد احتج بمسدد بن مسرهد، وبقية
رواته متفق عليهم.
والحديث أحرجه مسلم والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي، وأحمد
(5/439) كلهم عن أبي معاوية به.
وأخرجه مسلم والنسائي والدارقطني، وكذا أبو عوانة في "صحيحه "، وابن
ماجه، وأحمد (5/437- 438) من طرق أخرى عن الأعمش ومنصور عن
إبراهيم به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والدارقطني:
" إسناد صحيح ".
6- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ؛ فلا
يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه ".
__________
(*) علق في الأصل جانباً بقوله: " تحت (2749) "الصحيحة" ... "؛ أي: أنه مذكور
تحت هذا الرقم من "الصحيحة". (الناشر)(1/30)
وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الرَّوْث والرِّمة.
(قلت: إسناده حسن. وقد أخرجه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في
"صحاحهم ". وروى مسلم بعضه) .
إسناده: ثنا عبد الله بن محمد النُّفَيْليُّ: تنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان
عن القَعْقَاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن، رجاله رجال "الصحيح "؛ غير أن ابن عجلان إنما أخرج له
مسلم متابعة.
والحديث أخرجه أبو عوانة أيضا في "صحيحه " (1/200) ، والنسائي
والدارمي وابن ماجه والبيهقي، وأحمد (2/247- 250) من طرق عن ابن عجلان
ورواه ابن خزيمة وابن حجان (128- 130) في "صحيحيهما" كما في
"التلخيص " (1/456) .
وروى بعضه مسلم (1/155) من طريق سهيل عن القعقاع به بلفظ:
" إذا جلس أحدكم على حاجته؛ فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ".
والحديث صححه النووي (2/95 و 109) .
7- عن أبي أيوب- روايةً-[قلت: يعني: عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] قال:
" إذا أتيتم الغائط؛ فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو
غربوا".(1/31)
فَقَدِمْنا الشام؛ فوجدنا مراحيض قد بنيت قِبَل القبلة؛ فكنا ننحرف
عنها ونستغفر الله.
(قلت: إسناده على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في
"صحاحهم ") .
إسناده: ثنا مسدد بن مسَرْهَد: ثنا سفيان عن الزهْري عن عطاء بن يزيد
الليثي عن أبي أيوب.
وهذا إسناد على شرط البخاري.
وقد أخرجه في "صحيحه " (1/396) : ثنا علي بن عبد الله قال: ثنا سفيان
به
وكذلك أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/199) ، والنسائي
والترمذي والدارمي والبيهقي، وأحمد (5/421) من طرق عن سفيان بن عيينة
به. وقال الترمذي- أنّه-:
" أحسن شيء في هذا الباب ".
ثمّ أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه، وأحمد (5/416 و 417 و 421)
من طرق أخرى عن الزهري به.
وللحديث إسنادان آخران عن أبي أيوب:
أخرج أحدهما مالك (1/199) ، ومن طريقه النسائي، وأحمد عنه (5/414)
عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق- مولى لآل الشفاء-
عنه.(1/32)
وهذا إسناد صحيح.
وقد تابعه همام: أنا إسحاق ابن أخي أنس عن رافع بن إسحاق به:
أخرجه أحمد (5/415) ؛ وهو صحيح أيضا.
والآخر: أخرجه الدارقطني في "سننه " (23) من طريق ورقاء عن سعد بن
سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب مرفوعاً.
وهذا إسناد حسن صحيح
وللنهي عن الاستقبال شاهد من حديث عبد الله بن الحارث:
أخرجه ابن ماجه (317) بسند صحيح، وابن حبان (133) بسند آخر صحيح
أيضا.
8- عن مروان الأصفر قال:
رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثمّ جلس يبول إليها،
فقلت: أبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن هذا؟! قال:
بلى؛ إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء
يسترك؛ فلا بأس.
(قلت: إسناده حسن، ورجاله رجال "الصحيح ". وقد حسنه الحازمي،
والحافظ في "الفتح "، وصححه الد ارقطني والحاكم والذ هبي) .
إسناده: ثنا محمد بن يحيى بن قارس: ثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن
ذَكوان عن مروان الأصفر.(1/33)
وهذا إسناد حسن: محمد بن يحيى بن فارس: هو ابن يحيى بن عبد الله بن
فارس الذهلي، ثقة حافظ، أحد الأعلام، روى له البخاري.
وصفوان بن عيسى ثقة من رجال مسلم.
والحسن بن ذكوان ثقة من رجال البخاري، لكن فيه كلام، ولذلك أورده
الذهبي في "الميزان "؛ وحكى أقوال الأئمة فيه، واعتمد هو على أنه صالح
الحديث. وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق يخطئ ".
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى؛ ما لم يظهر خطأه.
وأما مروان الأصفر؛ فثقة من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه الدارقطتي أيضا (22) ، والحاكم (1/154) ، والبيهقي (1/92)
- من طريقه، ومن طريق أبي داود-؛ كلهم عن صفوان به. وقال الدارقطني:
" هذا صحيح، كلهم ثقات ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرط البخاري؛ فقد احتج بالحسن بن ذكوان "! ووافقه
الذهبي!
وفيه نظر من وجهين، يعرقان مما سبق من الكلام على الحديث.
والحديث سكت عليه المنذري. وقال الحافظ في "الفتح " (1/199) :
" سنده لا بأس به ". ونقل الشوكاني عن "الفتح " أيضا أْنه قال:
" إسناده حسن ". وسكت عليه في "التلخيص ". وأخرجه الحازمي في
" الاعتبار" (ص 26) وقال:(1/34)
" حديث حسن ".
5- باب الرخصة في ذلك
9- عن عبد الله بن عمرقال:
لقد ارتقيت على ظهر البيت، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لَبِنَتَيْنِ
مستقبلَ بيت المقدس لحاجته.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في
"صحاحهم "، وصححه الترمذي) .
إسناده: ثنا عبد الله بن مَسْلَمَة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن
يحيى بن حَبّان عن عمه واسع بن حَبَّان عن عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في "موطأ مالك " (1/200) . وأخرجه البخاري (1/198) ،
والنسائي، والبيهقي عنه.
ورواه مسلم وكذا البخاري وأبو عوانة والدارمي وابن ماجه، وأحمد (2/13،
41) من طرق أخرى عن يحيى بن سعيد به.
وتابعه عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عند الشيخين، وأبي
عوانة والترمذي، وأحمد (2/12) . وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وللحديث إسنادان آخران عن ابن عمر:(1/35)
الأول: من طريق فُلَيْحٍ عن عبد الله بن عكرمة عن أبي الغيرة رافع بن حنين عنه.
أخرجه أحمد (2/96 و 99 و 114) .
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات: رافع بن حنين؛ وثقه ابن حبان. وقال
الدارقطني:
" ولا أعلمه أسند إلا حديثاً واحداً، ولم يروه غير فليح بن سليمان عن عبد الله
ابن عكرمة عنه ".
قلت: وعبد الله بن عكرمة؛ ذكره ابن حبان في "الثقات " أيضا، وروى عنه
- غيرَ فليح- أسامة بن زيد.
وفليح بن سليمان؛ روى له الشيخان، وفيه كلام.
والآخر: من طريق أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عنه.
وهذا كالذي قبله: أيوب بن عتبة ضعيف لسوء حفظه؛ فإذْ قد روى ما وافق
فيه الثقات؛ فقد حفظ.
وبقية رجاله رجال الشيخين.
10- عن جابربن عبد الله قال:
نهى نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلة بول، فرأيته قبل أن يُقبضر بعام
يستقبلها
(قلت: إسناده حسن، وحسنه الترمذي والبزار وكذ االنووي، وصححه
البخاري وابن السكن والحاكم ووافقه الذهبي. درواه ابن خزيمة وابن حبان في
"صحيحيهما")(1/36)
إسناده: ثنا محمد بن يشار: ثنا وَهْبُ بن جرير: ثنا أبي قال: سمعت محمد
ابن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر.
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات، وفي محمد بن إسحاق- صاحب
"المغازي "- كلام لا يضر؛ ولا ينزل حديثه عن درجة الحسن.
والحديث أخرجه الترمذي أيضا، وابن ماجه والحاكم والبيهقي، وأحمد
(1/3/360) من طرق عن محمد بن إسحاق به.
وفي رواية أحمد تصريح ابن إسحاق بالتحديث، وكذا في رواية الحاكم،
وقال:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وهو من تساهلهما كما سبق. وقال الترمذي:
" حديث حسن ". ونقل عنه ابن القيم في "تهذيب السنن " (1/22) أنه
قال:
" سألت محمداً عنه؟ فقال: حديث صحيح ".
وكذا نقله الحافظ في "التلخيص " (1/460) .
قلت: ورواه الدارقطني أيضا (22) من هذا الوجه، وقال:
" رجاله كلهم ثقات ".
ورواه أيضا البزار- وحسنه-، وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان، وصححه
أيضا ابن السكن. قال الحافظ:
" وتوقف فيه النووي؛ لعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في رواية(1/37)
أحمد وغيره. وضعفه ابن عبد البر بأبان بن صالح! ووهم في ذلك؛ فإنه ثقة
باتفاق، وادعى ابن حزم أنه مجهول؛ فغلط ".
(تنبيه) : ذكر ابن القيم- وتبعه الحافظ- أن الحديث لا حجة فيه؛ لأنه حكاية
فعل لا عموم لها، ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذرمن ضيق
مكان ونحوه أو اختياراً؟ فلا يجوز أن يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة في
المنع.
6- باب كيف التكشًّف عند الحاجة؟
11- عن ابن عمر:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد حاجة؛ لا يرفع ثويه حتى يدنو من
الأرض.
(قلت: حديث صحيح؛ رواه البيهقي بإسناد صحيح عنه، وصححه
السيوطي) .
إسناده: ثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر.
قال أبو داود:
" رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس بن مالك؛ وهو ضعيف ".
قلت: وهذا؛ قد وصله الترمذي (1/21) ، والدارمي (1/171) ، وللبيهقي
(1/96) من طرق عن عبد السلام به.
وإنما ضعفه أبو داود من الوجهين؛ لأن في الأول: الرجلَ الذي لم يسم، وفي
الثاني انقطاعاً؛ فقال الترمذي:(1/38)
" وكلا الحديثين مرسل، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من
أصحاب النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي ... فذكر عنه
حكاية في الصلاة ". قال المنذري:
" وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك، وابن أبي أوفى
وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور ".
قلت: لكن الحديث صحيح إن شاء الله تعالى؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق
أحمد بن محمد بن أبي رجاء المِصيصِي- شيخ جليل-: ثنا وكيع: ثنا الأعمش
عن القاسم بن محمد عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ:
كان إذا أراد الحاجة تنحى، ولا يرفع ثيابه ... إلخ.
وهذا إسناد صحيح: القاسم بن محمد: هو ابن أبي بكر الصديق؛ وهو ثقة
حجة لا يسأل عن مثله.
والمصيصي هذا: هو ابن عبيد الله بن أبي رجاء؛ وهو ثقة، كما قال النسائي.
وقال مرة:
" لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وقد أشار السيوطي في "الجامع " لصحته، كما قال المناوي.
(تنبيه) : قال في "عون المعبود": " يوجد في بعض النسخ- بعد قول المؤلف:
" وهو ضعيف "- هذه العبارة: " قال أبو عيسى الرملي: حدثناه أحمد بن الوليد:
ثنا عمرو بن عون: أخبرنا عبد السلام ... به ".
قلت: أبو عيسى: هو إسحاق- وزاق أبي داود-، وهذه إشارة من الرملي إلى(1/39)
أنّ الحديث اتصل إليه من غير طريق شيخه أبي داود، فهذه العبارة من رواية أبي
عيسى الرملي لا من رواية اللؤلؤي عن أبي داود، فلعل بعض النساخ لرواية اللؤلؤي
اطلع على رواية الرملي فأدرجها في نسخة اللؤلؤي، ومراده بذلك أنه لما كانت رواية
عبد السحلام غير موصولة؛ أشار بوصلها برواية أبي عيسى الرملي ".
قلت: وهذه العبارة وردت في النسخة التازية في صلب الكتاب؛ كأنها من
كلام أبي داود!
7- باب كراهية الكلام عند الخلاء
11/م (*) - عن عكرمة بن عمارعن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن
عِيَاض قال: ثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ يقول:
" لا يخرجِ الرجلان يضربان الغائط، كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛
فإن الله عز وجل يَمْقُتُ على ذلك ".
قال أبو "داود: " لم يسنده إلا عكرمة بن عمار ".
(قلت: يشير بذلك إلى ضعف الحديث؛ فقد قال الأجريُ عن أبي داود:
" عكرمة بن عمار ثقة، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب " (1) .
وأعئَه المنذري وابن التركماني بجهالة هلال بن عياض هذا) .
__________
(*) كرّر الرقم هنا عمداً بسبب نقل هذا الحديث من " الضعيف " إلى هنا حسبما أشار
الشيخ رحمه الله في أصله (انظرص 44) .
(1) نقله الحافظ في "التهذيب "، ونقل مثله عن الأئمة المحققين، كأحمد وابن معين
والبخاري وغيرهم. واعتمد عليه في " التقريب "، فقال:
" صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب؛ ولم يكن له كتاب "=(1/40)
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة: حدثنا ابن مهدي: حدثنا
عكرمة بن عمار.
والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا (1/142) ، والحاكم (1/157- 158) ،
والبيهقي (1/99- 100) من طرق عن عكرمة، فقال بعضهم: هلال بن
عياض- كما في رواية أبي داود-، وقال بعضهم: عياض بن هلال- على القلب-،
وبعضهم قال: عياض بن عبد الله.
وهذا اضطراب شديد؛ مما يوهن الحديث؛ دان كان البيهقي روى عن ابن خزيمة
أن الصحيح من ذلك قول من قال: عياض بن هلال. قال ابن خزيمة:
" وأحسب الوهم فيه عن عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض "!
فقد تعقبه ابن التركماني في "الجوهر النقي " بقوله:
__________
= وأجاب المنذري في " مختصره " بما لا طائل تحته، فقال:
" وعكرمة: هو أبو عمار عكرمة بن عمار العجْلي اليمامي، وقد احتج به مسلم فما
"صحيحه "، وضغف بعض الحفاظ حديث عكرمَة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقد أخرج
مسلم حديثه عن يحيى بن أبي كثير، واستشهد البخاري بحديثه عن يحيى بن أبي كثير"!
قلت بأنه لا طائل تحته؛ لأنه إذا ثبت بأنه مضطرب الحديث عن ابن أبي كثير- بشهادة
أولئك الأئمة-؛ فما ينفعه احتجاج مسلم به؛ لأسباب كثيرة، منها: أنه يحتمل أنه لم يثبت
ذلك عند مسلم، فاحتج به. وأما بعد ثبوته فلا يجوز الاحتجاج به، كما لا يخفى!
على أن المنذري رحمه الله قد انشغل ذهنه بالتعقب؛ فذهل بذلك عن علة أخرى في
الحديث، قادحة فما الاحتجاج به، تنبه هو لها في كتاب آخر، ألا وهو "الترغيب "، فقال فيه
- بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة في "صحيحه "-:
" رووه كلهم من رواية هلال بن عياض- أو عياض بن هلال- عن أبي سعيد، وعياض
هذا روى له أصحاب "السنن "؛ ولا أعرفه بجرح ولا بعدالة، وهو في عداد المجهولين ". وكذلك
قال الذهبي في "الميزان ":
" لا يُعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير ". وقال الحافظ فما
" التقريب ":إنه " مجهول ".(1/41)
" قلت: كيف يتعين أن يكون الوهم فيه عن عكرمة؛ وهو مذكور في هذا
السند الذي هو فيه على الصحيح، بل يحتمل أن يكون الوهم من غيره. وقد ذكر
صاحب "الإمام " أن أبان بن يزيد رواه أيضا عن يحيى بن أبي كثير فقال: هلال
ابن عياض؛ فتابع أبان عكرمة على ذلك، وابن القطان أحال الاضطراب في اسمه
على يحيى بن أبي كثير. ثم ذكر البيهقي عن أبي داود أنه قال: لم يسنده إلا
عكرمة. قلت: تقدم قريباً أن أبان تابعه ". قال:
" وبقي فيه علل لم يذكرها؛ منها: أنه سكت عن عكرمة هنا، وتكلم فيه
كثيراً في (باب مس الفرج بظهر الكف) ، وفي (باب الكسر بالماء) . ومنها: أن
راوي الحديث عن الخدري لا يعرف، ولا يحصل من أمره شيء. ومنها:
الاضطراب في مق الحديث، كما هو مبين في كتاب ابن القطان. وأخرجه
النسائي من حديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي
هريرة".
قلت: ومن حديث أبي هريرة: رواه الطبراني في "الأوسط ". وزعم الهيثمي
في "المجمع " (1/207) : أن
" رجاله موثقون "!
وصرح المنذري في "الترغيب " (1/85) : بأن
" إسناده لين ".
فأصاب؛ لأنه- كما ترى- مداره على عكرمة عن ابن أبي كثير؛ وهو ضعيف
عنه، كما سبق.
وقد خالفه الأوزاعما- وهو الثقة الحجة-؛ فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مرسلاً معضلا.(1/42)
أخرجه البيهقي (1/100) (1) .
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف لا يصح؛ لاضطرابه وجهالة راويه موصولاً،
وانقطاعه وتجرده عن شاهد يقويه.
(تنبيه) : قال في "عون المعبود": " وفي بعض النسخ- بعد قوله: " إلا
عكرمة "- هذه العبارة: " ثنا أبان: ثنا يحيى ... بهذا؛ يعني: حديث عكرمة بن
عمار " انتهى. قلت: ليست هذه العبارة للمؤلف أصلاً؛ لأن أبا داود ذكر أنه لم
يسنده إلا عكرمة، فلم يقف عليه أبو داود مسنداً من غير رواية عكرمة، فأراد
ملحق هذه العبارة الاستدراك على أبي داود؛ بأنه قد أسنده عن يحيى بن أبي
كثير: أبان بن يزيد العطار. ولكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من
الأئمة "!
قلت: قد سبق نسبتها إلى صاحب "الإمام "؛ وهو ابن دقيق العيد رحمه الله.
وقد جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة في المطبعة التازية بمصر.
ومما يدل على أنها ليست من أبي داود: أن أبان بن يزيد ليس من شيوخه؛ بل
إنما يروي عنه أبو داود بالواسطة.
(تنبيه ثان) : ينبغي أن لا تغترَّ بتصحيح الحاكم للحديث؛ لما عُرف من
تساهله؛ لا سيما بعد بيان ما فيه من العلل! ولا بموافقة الذهبي له، بعد أن نقلنا
لك عنه أن بعض رواته لا يعرف!
وكثيراً ما ترى الذهبي يوافق الحاكم في تصحيحه؛ خطأ منهما، وفيها كثير مما
يصرح الذهبي نفسه في "الميزان " وغيره بضعفه! ولو أردنا أن نتتبع ذلك عليه؛ لجاء
__________
(1) وقد رجحه أبو حاتم، فقال: " الصحيح حديث الأوزاعي؛ وحديث عكرمة وهم "؛
كما في "العلل " (رقم 88) .(1/43)
في كتاب مستقل، وسيأتيك بعض- أو كثير- من ذلك في هذا الكتاب؛ إن شاء
الله تعالى (*) .
8- باب أيَزدُّ السلامَ وهو يبول؟
12- عن ابن عمر قال:
مر رجل على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يول؛ فسلّم عليه؛ فلم يرد عليه.
(قلت: إسناده حسن. وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما "،
وصححه الترمذي) .
قال أبو داود: " وروي عن ابن عمر وغيره: أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تيمم ثمّ رد على
الرجل السلام ".
(قلت: سيأتي في (باب التيمم في الحضر) (رقم 356 و 357)) .
إسناده: أخرجه من طريقين عن عمر بن سعد عن يسفيان عن الضحاك بن
عثمان عن نافع عن ابن عمر.
وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم؛ لكن في الضحاك بن عثمان كلام
__________
(*) كان هذا الحديث في "الضعيف "، فعلق الشيخ رحمه الله على أوله- في أصله بخطه-
قائلاً:
"بلى (الصحيح) "اولم يبيِّن سبب نقله ههنا!
لكن قد قال في "صحيح الترغيب والترهيب، (1/175- الطبعة الأخيرة) - بعد أن نقل
تجهيل المنذري لراويه-:
" لكن له شاهد من غيرطريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ خرجته- من أجله-
في "الصحبحة" (3120) ، ولذلك أوردنه في هذا "الصحيح " ... "؛ فافتضى البيان. (الناشر) .(1/44)
من قبل حفظه، لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن.
وقد أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والنسائي، والترمذي-
وصححه- وابن ماجه من طرق عن سفيان به.
13- عن المهاجر بن قنْفذ:
أنه أتى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ وهو يبول، فسلّم عليه، فلم يردَّ عليه حتى توضأ،
ثم اعتذر إليه، فقال:
" إني كرهت أن أذكر الله عزّ وجلّ إلا على طُهْرٍ - أو قال: على طهارة- ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (800) ،
والحاكم والذهبي والنووي) .
إسناده: ثنا محمد بن الثنى: ثنا عبد الأعلى: ثنا سعيد عن قتادة عن
الحسن عن حضَين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير الحضين هذا؛ فمن
أفراد مسلم؛ فهو على شرطه.
وقد أخرجه النسائي أيضا، والدارمي (2/278) ، وابن ماجه والحاكم، وعنه
البيهقي، وأحمد (5/80) من طرق عن قتادة به. وليس عند النسائي والدارمي
قوله: 'إني كرهت ... " إلخ. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر من وجهين:
الأول: ما علمت من حال أبي ساسان: أن البخاري لم يخرج له.(1/45)
والأخر: أن الذهبي قال في "الميزان "؟
" كان الحسن البصري كثير التدليس؛ فإذا قال في حديث: عن فلان ضعف
احتجاجه؛ ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعدوا ما
كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع ".
لكن الظاهر من سياق كلامه أنه يريد حديثه عن الصحابة دون غيرهم من
التابعين؛ فقد أكثر الحافظ من النقول عن العلماء في أن الحسن يروي عمن لم يلقه
من الصحابة، فلم يذكر ولا نقلاً واحداً أنه روى عمن لم يلقه من التابعين،
ويشهد لهذا إطباق العلماء تقريباً على الاحتجاج بحديث الحسن عن غيره من
التابعين، بحيث إنني لا أذكر أنه مر علي حديث واحد من هذا القبيل- لم يصرح
فيه الحسن بالسماع- فأعلوه بذلك.
هذا ما ظهر لي في هذا المقام؛ والله سبحانه وتعالى أعلم (1) .
على أن للحديث شاهداً من حديث ابن عمر، رواه المصنف في (التيمم في
الحضر بإسناد حسن؛ لكن فيه جملة مستنكرة؛ أوردناه من أجلها في للكتاب
الأخر رقم (58) .
والحديث صححه النووي (2/88) .
9- باب في الرجل يذكر الله على غيرطُهْرٍ
14- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر الله عز وجل على كل أحيانه.
__________
(1) وقد احتج الشيخان أو أحدهما بأحاديث للحسن عن بعض التابعين رواها بالعنعنة؛
فانظر (رقم 210) .(1/46)
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو، وابن حبان
(798) ، وأبو عوانة في "صحاحهم "؛ وقد حسنه الترمذي) .
إسناده: ثنا محمد بن العلاء: ثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة
- يعني: الفأًفاء- عن البهِي عن عروة عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم.
وقد أخرجه هو وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والترمذي وابن ماجه والبيهقي،
وأحمد (6/70 و 153) من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه ...
به. وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي
زائد، ".
قلت: بلى؛ قد عرفناه من طريق غيره، وهو الوليد بن القاسم بن الوليد
الهَمْداني، وهو ثقة حسن الحديث:
أخرجه الإمام أحمد (6/278) : ثنا الوليد: ثنا زكريا قال: ثنا خالد بن
سلمة ... به. وهذا السند فيه فائدة كبرى، وها تصريح زكريا بسماعه من
خالد؛ فإنه قد قيل في زكريا: إنه يدلس عن الشعبي، وبعضهم- كالمصنف
وغيره- أطلق ولم يقيده بالشعبي، والله أعلم. فبهذا السند زالت شبهة تدليسه.
والله الموفق لا رب سواه.
10- باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ](1/47)
11 - باب الاستبراء من البول
15- عن ابن عباس قال:
مرَّ رسول على قبرين فقال:
" إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستنزه (وفي
رواية: يستتر) من البول. وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ". ثمّ دعا بعَسِيب
رَطْب، فشقه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحداً،
وقال:
"لعله يخفف عنهماما لم ييبسا".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وأبو عوانة في
"صحاحهم "، وصححه الترمذي) .
إسناده: ثنا زهير بن حرب، وهَناد بن السَّري قالا: ثنا وكيع: ثنا الأعمش
قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
ثمّ قال أبو داود: " قال هناد: " يستتر " مكان: " يستنزه ". حدثنا عثمان بن
أبي شيبة: ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه
قال: " ... كان لا يستتر من بوله ". وقال أبو معاوية: " يستنزه " ... ".
والحديث أخرجه النسائي: أخبرنا هنّاد بن السري عن وكيع ... به؛ إلا أنه
قال: " يستنزه " مثل رواية زهير.(1/48)
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة وبقية الأربعة والبيهقي من طرق كثيرة عن
وكيع ... به. بعضهم قال: " يستنزه "، والبعض: " يستتر "، إلا رواية البيهقي
فبلفظ: " يتوقى "؛ وكذلك هي في "المستخرج على الصحيح " لأبي نعيم. قال
الحافظ:
" وهي مفسرة للمراد ".
وتابعه عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ... به باللفط الأول: أخرجه مسلم
والدارمي.
ومحمد بن خازم ... باللفظ الثاني: عند البخاري.
وقد خالف الأعمش: منصور؛ فرواه عن مجاهد عن ابن عباس ... بإسقاط
طاوس من بينهما.
وكذلك رواه البخاري من طريق جرير كما رواه الصنف.
وإيرادهما على الوجهين- دون أي ترجيح- دليل على صحتهما عندهما.
ويؤيد ذلك: أن الطيأً لسي رواه (رقم 2646) عن شعبة عن الأعمش عن
مجاهد عن ابن عباس ... مثل رواية جرير عن منصور.
وشعبة ثقة حجة؛ فروايته تؤيد أن الأعمش رواه على الوجهين معاً؛ كما قال
بعض المحققين المتأخرين.
16- عن عبد الرحمن ابن حسَنَة قال:
انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فخرج ومعه دَرَقَةٌ، ثمّ استتر
بها ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة! فسمع ذلك فقال:(1/49)
" ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل؟! كانوا إذا أصابهم البول؛
قطعوا ما أصابه البول منهم، فنهاهم، فُعُذِّبَ في قبره ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه الحاكم والذهبي
على شرطهما؛ وهو كلما قالا) .
إسناده: ثنا مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا الأعمش عن زيد بن وهب
عن عبد الرحمن ابن حسنة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " (4/158) ، ومن طريقه ابن
ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد من طرق عن الأعمش به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
ورواه ابن حبان ايضاً في "صحيحه " كما في "الترغيب " (1/87- رقم 7) ،
وسكت عليه في "مختصره "، وقال الحافظ في "الفتح " (1/261) :
" وهو حديث صحيح، صححه الدارقطني وغيره ".
17- قال أبو داود: "قال منصور عن أبي وائل عن أبي موسى في هذا
الحديث قال: جلد أحدهم ... ".
قلت: هذا معلق وموقوف، وقد وصله مسلم (1/157) : ثنا يحيى بن يحيى:
أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال:
كان أبو موسى يشدد في البول ويبولى في قارورة ويقول: إن بني إسرائيل كان
إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم(1/50)
لا يشدد هذا التشديد؛ فلقد رأيتني أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتماشى، فأتى سباطة
خلف حائظ، فقام كما يقوم أحدكم فبال، فانتبذتُ منه، فأشار بلي، فجئت
فقمت عند عقبه حتى فرغ.
ورواه البخاري (1/263) من طريق شعبة عن منصور بلفظ: " ثوب أحدهم "؛
وهي مفسرة لرواية مسلم.
ورواه أحمد (5/382 و 402) من الوجهين بلفط: " أصاب أحدهم "؛ وهي
على إطلاقها تشمل اللفظين كما لا يخفى.
قال الحافظ في "الفتح ":
" قوله: " ثوب أحدهم "؛ وقع في رواية مسلم: " جلد أحدهم ". قال
القرطبي: مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، وحمله بعضهم على
ظاهره، وزعم أنه من الإصر الذي حملوه. ويؤيده رواية أبي داود؛ ففيها: " كان إذا
أصاب جسد أحدهم "؛ لكن رواية البخاري صريحة في للثياب؛ فلعل بعضهم
رواه بالعنى ".
قلت: يشير الحافظ برواية أبي داود إلى لفظ آخر في الحديث عن أبي موسى
ذكره بعد هذا، لكني جرّدته من هنا، وأودعته في الكتاب الأخر المختص
بالأحاديث الضعيفة؛ لأنه منها بهذا اللفظ، فانظر رقم (5) .
12- باب البول قائماً
18- عن حذيفة قال:
أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُباطة قوم فبال قائماً، ثم دعا بماء فمسح على خفيه
(زاد في رواية: قال: فذهبت أتباعد، فدعاني حتى كنت عند عقبه) .(1/51)
(قلت: إسناده على شرطهما؛ وقد أخرجاه، والزيادة على شرط البخاري؛
وهي عند مسلم) .
إسناده: حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: ثنا شعبة. (ح) ، وثنا
مسدد: ثنا أبو عوانة- وهذا لفظ حفص- عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة.
قال أبو داود عقبه: " قال مسدد: قال: فذهبت ... " إلخ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأما الرواية الأخرى؛ فهي على
شرط البخاري وحده؛ وإن كان مسلم قد أخرجها دون صاحبه من طريق أخرى عن
سليمان؛ وهو الأعمش.
والحديث أخرجه الشيخان، وبقية الأربعة والدارمي، وأبو عوانة في
"صحيحه "، والبيهقي، وأحمد (5/382 و 402) من طرق عن الأعمش به؛
وليست عند ابن ماجه والدارمي الزياده، وكذا البخاري كما سبق.
وقد تابعه منصور عن أبي وائل بدونها أيضا: أخرجاه في "الصحيحين "؛ وقد
سبق لفظه في التعليق قريباً.
ورواه أبو عوانة أيضا في "صحيحه " (1/197) من طريق الطيالسي؛ وهو في
" مسنده " (رقم 407) .
وللحديث طريق أخرى مختصراً دون قوله: ثمّ دعا ... إلخ.
أخرجه أحمد (5/394) عن نَهِيك بن- وفى الأصل: عن! وهو خطأ- عبد الله
السلولي: ثنا حذيفة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير نهيك هذا، وقد ذكره
ابن حبان في "الثقات "، وقد حكى في "التعجيل " أنه روى عنه يونس بن أبي(1/52)
إسحاق وغيره، ثمّ قال:
" قلت: ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن أبا إسحاق السبيعي روى عنه ".
قلت: هذا الحديث من روايته عنه؛ فكأن الحافظ ذهل عنه فلم يستحضره
عند الكتابة!
13- باب في الرجل يبول بالليل في الاناء ثمّ يضعه عنده
19- عن حكَيمة بنت اميمة بنت زقيقة عن أمها أنها قالت:
كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدح من عَيْدان تحت سريره، يبول فيه بالليل.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: " صحيح الاسناد "، ووافقه
الذهبي، وصححه ابن حبان) .
إسناده: ثنا محمد بن عيسى: ثنا حجاج عن ابن جريج عن حكيمة.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير
حكيمة هذه، وقد ذكرها ابن حبان في "الثقات "، وقد قال الذهبي في (فصل
النسوة المجهولات) من " الميزان ":
" وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ".
وغير محمد بن عيسى- وهو ابن نجيح الطباع أبو جعفر-؛ وهو ثقة فقيه، وقد
توبع كما يأتي الإشارة إلى ذلك.
والحديث أخرجه النسائي أيضا، والحاكم والبيهقي من طرق عن حجاج به؛
وصرح ابن جريج بالتحديث في رواية النسائي. ثمّ قال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!(1/53)
ورواه ابن حبان في "صحيحه " (141) ، وأبو ذر الهروي في "مستدركه " الذي
خرّجه على "إلزامات الدارقطني للشيخين "- كما في "التلخيص " (1/183) -،
وسكت عليه المنذري (رقم 22) .
وللحديث شاهد من حديث عائشة بسند صحيح بنحوه. أخرجه النسائي
وغيره.
14- باب المواضع التي نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البول فبها
20- عن أبي هريرة: انّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" اتقوا اللاعِنَيْن ".
قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال:
" الذي يتخفى في طريق الناس أو في ظلهم ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة
والحاكم في "صحاحهم ") .
إسناده: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن
عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وبه أخرجه في "صحيحه " فقال (1/156) : ثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن
حُجر- جميعاً- عن إسماعيل بن جعفر ... به.
وتابعه سليمان بن بلال قال: ثنا العلاء ... به.(1/54)
وأخرجه الحاكم (1/185- 186) من الوجهين، وقال:
" صحيح على شرط مسلم ".
ورواه ابن الجارود بلفظ: " أو مجالسهم (1) ".
وابن حبان: " وأفنيتهم "؛ كما في "التلخيص ".
21- عن حَيْوَة بن شريح: أن أبا سعيد الحميري حدثه عن معاذ بن
جبل قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل ".
(قلت: إسناده ضعيف (*) للانقطاع بين معاذ بن جبل وبين الحميري، وأعله
المصنف وغيره، ولجهالة الحميري هذا وضعفه المنذري وابن حجر) .
إسناده: أما الانقطاع فنقل المنذري في "الترغيب " (1/83) عن المصنف
رحمه الله أنه قال: " هو مرسل. يعني أن أبا سعيد لم يدرك معاذاً "، ونقله الحافظ
أيضا في "تهذيب التهذيب " عنه ثم قال:
" وقال- يعني المصنف- في كتاب التفرد عقب حديثه- يعني هذا- ليس هذا
بمتصل ".
وأما الجهالة: فقال أبو الحسن القطان:
" أبو سعيد هذا شامي مجهول الحال ". وقال الذهبي:
__________
(1) وهو رواية لأبي عوانة بلفظ: " أو في مجلس قوم ".
والحديث رواه احمد أيضا (2/372) .
(*) انظر نهاية تخريج هذا الحديث (ص 57) . (الناشر) .(1/55)
" لا يدرى من هو ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" مجهولْ، وروايته عن معاذ مرسلة ".
والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا والحاكم وعنه البيهقي من طريق حيوة عن
أبي سعيد به. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي! وكذا صححه ابن السكن. قال الحافظ
في التلخيص (1/461) :
" وفيه نظر لأن أبا سعيد لم يسمع من معاذ، ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا
الإسناد. قاله ابن القطان ". فقول النووي في "المجموع " (2/86) :
" إسناده جيد " غير جيد.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً: بلفظ:
قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال:
" أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء ".
أخرجه الإمام أحمد (1/299) : ثنا عتاب بن زياد ثنا عبد الله قال: أنا ابن
لهيعة قال: ثتي ابن هبيرة قال: أخبرني من سمع ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم.
وقال الحافظ في "بلوغ المرام " (1/102) بعد أن ذكر الحديث من رواية معاذ
وابن عباس:
" وفيهما ضعف "، وبين سبب ذلك في هذا بقوله في "التلخيص":
" وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة. والراوي عن ابن عباس ميهم ".(1/56)
وأشار إلى هذا الهيثمي في "المجمع " (1/204) ، وفيه نظر؛ فإن ابن لهيعة
صحيح الحديث إذا روى عنه عبد الله بن المبارك وغيره من العبادلة؛ كما قال
عبد الغني الأزدي وغيره، والحافظ نفسه يقول في ترجمته من "التقريب ":
" ورواية ابن المبارل وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ".
وهذا الحديث من رواية ابن المبارك عنه فإنه هو عبد الله الذي لم ينسب فيه،
وعليه فعلة الحديث جهالة التابعي، ولولا ذلك لأوردت الحديث بسبب شاهده هذا
في "صحيح المصنف" هـ وقد روى عن أبي هريرة نحوه دون ذكر الموارد، فانظر رقم
(20) من "الصحيح ".
ثم بدا لي نقل الحديث إلى "صحيح السن " [هنا] لشواهد أخرى أوردتها
في "تخريج منار السبيل " (1/100) .
15- باب في البول في المستحمِّ
22- عن حُميد الحِمْيَرِيَ- وهو ابن عبد الرحمن- قال:
لقيت رجلاً صحب النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما صحبه أبو هريرة قال:
نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمتشط أحدنا كلَّ يوم، أو يبول في مُغْتسله.
(قلت: إسناده صحيح، وكذ اقال النووي والعسقلاني والعراقي) .
إسناده: ثنا أحمد بن يونسر: ثنا زهير عن داود بن عبد الله عن حميد
الحميري.
وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير داود بن عبد الله
الأودي؛ وهو ثقة باتفاق النقاد.(1/57)
وللحديث تتمة تأتي برقم (74) .
والحديث أخرجه النسائي أيضا (1/47 و 2/276) ، والحاكم (1/ 168) ،
والبيهقي (1/190) من طرق عن داود بن عبد الله الأودي عنه. وقال البيهقي:
" رواته ثقات؛ إلا أن حميداً لم يسم الصحابي الذي حدثه؛ فهو بمعنى
المرسل "!
وتعقبه ابن التركماني فأصاب، حيث قال:
" قد قدمنا أن هذا ليس بمرسل، بل هو متصل؛ لأنّ الصحابة كلهم عدول،
فلا تضرهم الجهالة ".
ولذلك قال النووي في "المجموع " (2/91) ، والعراقي في "التقريب " (2/40) ،
والحافظ في "بلوغ المرام " (1/22 من شرحه) :
" وإسناده صحيح ". وقال في "الفتح " (1/240) :
" رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في
معنى المرسل مردودة؛ لأنّ إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه.
ودعوى ابن حزم أن داود- راويه عن حميد بن عبد الرحمن- هو ابن يزيد الأودي،
وهو ضعيف: مردودة؛ فإنه ابن عبد الله الأودي، وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو
داود وغيره ".
والحديث سكت عليه المنذري (رقم 26) .
وله شاهد بسند حسن عن عبد الله بن يزيد، خرّجته في "الصحيحة"
(2516) في التبوُل.(1/58)
16- باب النهي عن البول في الجُحْر
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
17- باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء
23- عن عائشة رضي الله عنها:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خرج من الغائط قال: " غفْرانَك ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه أبو حاتم وابن خزيمة وابن حبان وابن
الجارود والحاكم والنووي والذهبي) .
إسناده: حدثنا عمرو بن محمد الناقد: ثنا هاشم بن القاسم: ثنا إسرائيل عن
يوسف بن أبي بُردة عن أبيه: حدثتني عائشة.
وهذ إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير يوسف هذا؛ وقد
وثقه ابن حبان والعجلي والحاكم.
والحديث أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (100) ، وعنه الترمذي
والدارمي وابن ماجه، وابن السني (رقم 22) من طريق النسائي، وابن خزيمة
(1/15/1) ، والحاكم (1/158) ، والبيهقي من طرق عن إسرائيل بن يونس به.
وقال الترمذي:
" حديث حسن ". والحاكم:
" حديث صحيح؛ فإن يوسف بن أبي بردة من ثقات آل أبي موسى "؛ ووافقه
الذهبي. وقال الحافظ في "البلوغ ":(1/59)
" وصححه أبو حاتم "!
قلت: ونقل ابنه في "العلل " (1/43/رقم 93) أنه:
" أصح حديث في هذا الباب ".
وهذا لا يفيد صحة الحديث، كما هو مقرر في المصطلح، وإنما يفيد صحة
نسبيَة. وقال المناوي:
" وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والنووي في "مجموعه " ... ".
قلت: وعزاه النووي فيه (2/75) للنسائي في "اليوم والليلة"، وصححه أيضا
في " الأذكار" (ص 35) .
وعزاه المنذري (رقم 28) إلى النسائي أيضا، ولكنه أطلق ولم يقيد! فاعترض
عليه صاحب "العون " بقوله:
" ما أخرجه النسائي في "السنن المجتبى"، بل أخرجه في كتاب "عمل اليوم
والليلة"، فإطلاقه من غير تقييد لا يناسب ".
وقد أصاب.
وعزاه الحافظ في "التلخيص " (1/530) إلى "السنن "، وذكر أنه أشهر ما في الباب.
ورواه أحمد أيضا (6/155) .
18- باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء
24- عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا بال احدُكم فلا يمسَّ ذكرَهُ بيمينه، وإذا أتى الخَلاءَ فلا يَتمسحْ(1/60)
بيمينه، وإذا شَرِبَ فلا يشربْ نَفَساً واحداً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة وابن
خزيمة في "صحاحهم "، وصححه الترمذي) .
إسناده: ثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا أبان: ثنا يحيى
عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه، وأبو
عوانة في "صحيحه "، وابن خزيمة (78 و 79) ، والبيهقي، وأحمد (5/295 و 296
و300 و 309 و 311) من طرق عن يحيى- وهو ابن أبي كثير- ... به، وقد
صرح يحيى بالتحديث عند بعضهم.
وليس عند الدارمي وابن ماجه الجملة الأخيرة، وليس عند الترمذي إلا
الأولى من الثلاث.
وهي عند ابن حبان (136) ، وأبي عوانة (5/358) من حديث جابر.
25- عن حفصة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجعل يمينه لِطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما
سوى ذلك.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: " صحيح الاسناد ") .
إسناده: ثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي: ثنا ابن أبي زائده قال: ثتي
أبو أيوب- يعني: الإفريقي- عن عاصم عن المسيب بن رافع ومعبد عن حارثة بن(1/61)
وهب الخزاعي قال: حدثتتي حفصة.
وهذا إسناد حسن: محمد بن آدم المصيصي؛ وثقه النسافي وغيره.
وعاصم: هو ابن بهدلة، وهو حسن الحديث.
وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي أيوب الإفريقي- واسمه عبد الله
ابن علي-؛ قال أبو زرعة:
" لين، في حديثه إنكار، ليس بالمتين ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال ابن معين:
" ليس به بأس "، ولخص ذلك الحافظ في "التقريب " فقال:
" صدوق يخطئ ".
وأمّا المنذري فقال في "مختصره:
" فيه مقال "! فما صنع شيئا.
والحق أن مثل هذا لا ينزل حديثه عن درجة الحسن إذا لم يخالف.
والحديث أخرجه الحاكم أيضا (4/109) من طريق معلى بن منصور: ثنا أبو
أيوب الإفريقي ... به، لكن ليس في إسناده (معبد) المقرون مع المسيب بن رافع؛
ووقع فيه تحريف في بعض الأسماء. ثمّ قال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
" قلت: في سنده مجهول " إ!
كذا قال! وليس بصواب؛ فإن رواته كلهم معروفون، ولعله أشكل عليه بعض(1/62)
الأسماء المشار إليها، فتكون وقعت في نسخته- أيضا- محرفة؛ والله أعلم.
وأخرجه البيهقي (1/112- 113) من طريق أخرى عن يحيى ... به مثل
رواية الكتاب.
والحديث رواه ابن حبان أيضا؛ كما في "التلخيص " (1/518) (1) .
ثمّ تبين لي أن فيه اختلافاً على عاصم:
فرواه عنه أبو أيوب هكذا.
ورواه أبان بن يزيد العطار فقال: ثنا عاصم عن معبد بن خالد عن سواء
الخزاعي عن حفصة ... فأسقط من الإسناد (المسيب) قرين (معبد) ؛ وجعل
(سواءًا لخزاعي) مكان (حارثة بن وهب الخزاعي) ، وهذا صحابي؛ وذاك تابعي
وثقه ابن حبان، وأخرج له ابن خزيمة في "صحيحه ".
ورواه حماد بن سلمة: ثنا عاصم بن بهدلة عن سواء الخزاعي عن حفصة ...
فأسقط من الإسناد (المسيب) وقرينه؛ وهما الواسطة بين (عاصم) عن (حارثة) أو
(سواء) .
ورواه زائدة عن عاصم عن المسيمب عن حفصة ... فأثبت (المسيب) ، وأسقط
الواسطة بينه وبين حفصة رضي الله عنها.
وهذا اضطراب شديد، والظاهر أنه من عاصم؛ فإنه غير قوي في حفظه، وقد
أخرج هذه الرويات عنه: أحمد في "مسنده" (6/287- 288) .
وعلى كل حال؛ فالحديث صحيح بما بعده.
__________
(1) وهو في الموارد (1337) .(1/63)
26- عن عائشة قالت:
كانت يد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليمنى لطُهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى
لحلائه وما كان من أذى.
(قلت: إسناده صحيح، وكلذ اقال النووي، وهو على شرط مسلم) .
إسناده: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثني عيسى بن يونس عن ابن أبي
عَرُوبة (*) عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي معشر- وهو زياد بن
كليب-؛ وهو من رجال مسلم وحده. لكن قال المنذري رقم (31) :
" إبراهيم لم يسمع من عائشة؛ فهو منقطع "؛ وكذا قال الحافظ في
"التلخيص " (1/518) .
ولذلك فقد ساقه المؤلف موصولأ عقب هذا؛ فقال: ثنا محمد بن حاتم بن
بزبع: ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال العرافي في "طرح التثريب "
(2/71) :
" إسناده صحيح ".
والحديث أخرجه الإمام أحمد (6/265) : ثنا عبد الوهاب ... به.
__________
(*) كتب شيخنا رحمه الله لنفسه هنا: " يراجع ترجمة سعيد بن أبي عروبة؛ فإن ابن
حجر قال فيه: " كئير التدليس واختلط ". فإذا صح هذا؛ فيكون في الحديث علة، وهي
عنعنته؛ لاسيما وقد أدخل بينه وبين أبي معشر رجلاً في رواية لأحمد ".(1/64)
ورواه مغيرة عن إبراهيم عن عائشة: أخرجه أحمد (6/170) .
ورواه محمد بن أبي عدي عن سعيد عن رجل عن أبي معشر عن إبراهيم عن
عائشة: أخرجه أحمد أيضا (6/265) ، والبيهقي (1/113) .
والصواب عندي الرواية الموصولة؛ لأ نها زيادة من ثقة، وهما مقبولة.
والحديث قال النووي في "المجموع " (2/108) :
" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح ".
ورواه مسروق عنها بنحوه؛ وسيأتي إن شاء الله رقم ( ... ) في (اللباس)
[باب في الانتعال] .
19- باب الاستتار في الخلاء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر" الضعيف ") ]
20- ومن " باب ما يُنهى عنه أن يُستنجى به "
27- عن شَيْبان القِتْبانيّ:
أن مَسلمة بن مُخَلَّد استعمل رُوَبفع بن ثابت على أسفل الأرض، قال
شيبان: فَسِرْنا معه من كُومِ شَرِيك إلى عَلْقَمَاء، أو من علقماء إلى كوم
شريك- يريد عَلْقَام-، فقال رُوبفع:
إن كان أحدنا في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/لَيأخذُ نِضْوَ أخيه؛ على أنَّ له
النصف مما يُغنمُ ولنا النصف، وإن كان أحدنا لَيطير له النَّصْلُ والزيش،
ولِلآخرِ القِدْحُ، ثمّ قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(1/65)
" يا رويفع! لعلَّ الحياة ستطول بك بعدي؛ فأخبر الناس أنّه من عَقَدَ
لحيته، أو تَقلَّدَ وَتَراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم؛ فإنّ محمداً منه
بريء".
(قلت: حديث صحيح، وقال النووي: إسناده جيد) .
إسناده: ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهَب الهمداني: ثنا المفَضلُ- يعني:
ابن فَضَالة المصري- عن عياش بن عباس القِتْبَاتي أن شِيَيْم بن بَيْتان أخبره عن
شيبان القتباني.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات؛ غير شيبان القتباتي؛ فهو مجهول، كما في
"التقريب ".
لكن قد سمع الحديث شييم بن بيتان من رويفع بن ثابت مباشرة أيضا، كما
يأتي؛ كما أن له فيه إسناداً آخر.
والحديث أخرجه البيهقي (1/110) من طريق المؤلف بهذا الإسناد، وكذلك
أخرجه أحمد (4/109) قال: ثنا يحيى بن غيلان قال: ثنا المفضل ... به.
وتابعه ابن لهيعة فقال: ثنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان قال: ثنا
رويفع بن ثابت قال:
كان أحدنا عْي زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ ... الحديث.
أخرجه أحمد (4/108) ، وابن لهيعة ثقة يخشى من سوء حفظه.
لكن تابعه على روايته هكذا حيوة بن شريح؛ وهو ثقة حجة من رجال
الشيخين: أخرجه النسائي (2/277) : أخبرنا محمد بن سلمة قال: ثنا ابن وهب
عن حيوة بن شريح- وذكر آخر قبله- عن عياش.(1/66)
فهذا إسناد صحيح متصل بسماع شِييم من رويفع، وليس عند النسائي إلا
المرفوع من قوله عليه الصلاة والسلام:
" يا رويفع! لعل الحياة ... " إلخ.
والحديث سكت عليه الحافظ في "التلخيص " (1/499- 500) . وقال النووي
(2/116) :
" رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد ".
وقد رواه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/74) من طريق أصبغ بن الفرج قال:
ثنا ابن وهب ... به.
وسكت عليه المنذري أيضا (رقم 33) .
28- قال أبو داود: " ثنا يزيد بن خالد: ثنا مُفَضَّلٌ عن عياش أن شِيَيْم
ابن بَيْتَان أخبره ... بهذا الحديث أيضا عن أبي سالم الجيشاتي عن عبد الله
ابن عمرو ... يذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب (أليُونَ) ".
قال أبو داود: " حصن (أليون) على جبل بالفسطاط ".
قال أبو داود: " وهو شيبان بن أمية؛ يكنى أبا حذيفة ".
(قلت: صحيح الإسناد) .
29- عن جابر:
نهانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نَتَمَسَّحَ بعَظْم أو بَعْر.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو، وأبو عوانة في(1/67)
"صحيحيهما") .
إسناده: ثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا روح بن عبادة: ثنا زكريا بن
إسحاق: ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهو في "المسند" (3/343، 384)
بهذا السند، ورواه البيهقي عن المؤلف به.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة من طرق عن روح ... به.
وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير: أخرجه أحمد (3/336) .
30- عن عبد الله بن مسعود قال:
قَدِمَ وفد الجن على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا محمد! انْهَ أمتك أن
يستنجوا بعظم أو روثة أو حمَمَة؛ فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقاً. قال:
فنهى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن التركماني)
إسناده: ثنا حَيْوة بن شُرَيْح الحِمصي: ثنا ابن عياش عن يحيى بن أبي عمرو
السيباتي عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود.
وهذا إسناد صحيِح رجاله كلهم ثقات، وابن عياش: هو إسماعيل الحمصي
وشيخه حمصي أيضآ، وابن عياش- إذا روى عن الشاميين- حجة عند البخاري
وأحمد وابن معين، وإذا روى عن الحجازيين؛ فهو ضعيف، وقد بين السبب في
ذلك محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين؛ قال:
" هو ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز؛ فإن كتابه(1/68)
ضاع، فخلط في حفظه عنهم ".
ومن ذلك تعلم أن قول المنذري (رقم 35) :
" في إسناده إسماعيل بن عياش؛ وفيه مقال "! لا يروى ولا تحقيق فيه.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف، وأخرجه الدارقطتي (21) من
طريق هشام بن عمار: نا إسماعيل بن عياش ... به. وقال الدارقطني- وتبعه
البيهقي-:
" إسناد شامي ليس بثابت "!
وقد رد ذلك عليهما ابن التركماني فقال في " الجوهر النقي ":
" قلت: ينبغي أن يكون هذا الإسناد صحيحاً؛ فإن عبد الله بن فيروز الديلمي
وثقه ابن معين والعجلي، ويحيى بن أبي عمرو وثقه يعقوب بن سفيان، وقال ابن
حنبل: ثقة ثقة. وهو حمصي، ورواية ابن عياش عن الشاميين صحيحة، كذا ذكر
البيهقي في (باب ترك الوضوء من الدم) ، وحيوة الحمصي أخرج عنه البخاري ".
وللحديث طريق أخرى عندهما: عن ابن وهب: ثتي موسى بن علَي عن أبيه
عن ابن مسعود ... به.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأما هما؛ فأً علاّه بأن عُلَيَّ بن رباح لم يثبت سماعه من ابن مسعود! ورده ابن
التركماتي أيضا بأن هذا ليس بشرط عند مسلم والجمهور، بل يكفي إمكان اللقاء
والسماع؛ وعًلَي هذا؛ ولد سنة خمس عشرة، كذا ذكر أبو سعيد بن يونس، فسماعه
من ابن مسعود ممكن بلا شك؛ لأن ابن مسعود توفي سنة (32) ، وقيل: (33) .
قلت: وهو لم يذكر بتدليس؛ فلا تضرّ عنعنته.(1/69)
ومن طريقه: أخرجه الخطابي أيضا في "غريب الحديث " (47/1) .
وله شاهد في "مسند البزار" (ص 31- زوائده) عن عبد الله بن الحارث بن
جَزْء ... مرفوعاً مختصراً.
وطريق آخر عند النسائي (1/35- 36- دار القلم) .
21- باب الاستنجاء بالحجارة
31- عن عائشة: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليذهب معه بثلاثة أحجار-، يستطيب
بهنّ؛ فإنها تجزئ عنه ".
(قلت: حديث حسن، وقال النووي: " صحيح"، وحسن إسناده
الدارقطني) .
إسناده: حدثنا سعيد بن منصور وفتيبهَ بن سعيد فالا: ثنا يعقوب بن
عبد للرحمن عن أبي حازم عن مسلم بن قُرْط عن عروة عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسلم بن قرط؛ قال
الذهبي في "الميزان ":
" لا يعرف، روى عنه أبو حازم الأعرج ". وقال السيوطي في "حاشيته على
النسائي ":
" قال الزركشي في "التخريج ": قرط: بضم القاف وسكون الراء وطاء مهملة؛
لم يرو عنه غير أبي حازم، ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد، ولا ذكر لابن
قرط في غيره، ولم يتعرضوا له بمدح ولا قدح، وقال الشيخ ولي للدين: ذكره ابن(1/70)
حبان في "الثقات "، وقال:
يخطئ. ولا نعرفه بأكثر من أنه روى عن عروة ". وقال الحافظ في "تهذيب
التهذيب "- بعد أن نقل قول ابن حبان فيه: " يخطئ "-:
" هو مقل جدّاً، وإذا كان مع قلة حديثه يخطئ؛ فهو ضعيف ".
قلت: لكن الحديث له شاهد من رواية أبي أيوب الأثصاري رضي الله عنه
بلفظ:
" إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار؛ فإن ذلك كافيه ". قال في
"مجمع الزوائد" (1/211) :
" رواه الطبراني في "الكبيرلما و "الأوسط "؛ ورجاله موثقون، إلا أن أبا شعيب
صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلاً ولا جرحاً ".
فالحديث- بهذا الشاهد- حسن إن شاء الله تعالى، بل هو صحيح؛ فإنه بمعنى
حديث سلمان المتقدم رقم (5) :
" ولا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار ".
والحديث أخرجه الدارمي وأحمد (6/133) قالا: ثنا سعيد بن منصور ...
به
وأخرجه النسائي قال: أخبرنا قتيبة ... به.
وأخرجه الدارقطتي (20) ، وكذا أحمد (6/108) من طريق عبد العزيز بن
أبي حازم: نا أبي ... به. وقال الدارقطني:
" إسناد حسن ". وفي نسخة:(1/71)
"صحيح ".
ونقل الحافظ في ترجمة ابن قرط عنه أنه حسنه. والزيلعي (1/214 و 215)
أنه قال:
" إسناد صحيح ".
وظاهر أن هذا من اختلاف النسخ.
وأها النووي فجمع بين النسختين؛ فقال (2/93 و 96) :
" حديث صحيح، قال الدارقطني: إسناده حسن صحمِح "!
32- عن خزيمة بن ثابت قال:
سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الاستطابة؟ فقال:
" بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ".
(قلت: حديث حسن أو صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة
عن عموو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عمرو بن خزيمة؛ قال في
" الميزان ":
" لم يرو عنه سوى هشام بن عروة، لكنه قد وثق ".
قلت: وثقه ابن حبان على قاعدته! وفي "التقريب " أنه مقبول، يعني: إذا
توبع؛ وإلا فضعيف.(1/72)
قلت: لكن الحديث له شواهد يرقى بها إلى درجة الحسن أو الصحيح، فانظر
رقم (5 و 27 و 29 و 35) .
والحديث سكت عليه المنذري (رقم 37) .
وقد أخرجه ابن ماجه (1/132) ، وأحمد (5/213- 215) ، والطبراني
(4/ 100/ 3725) من طرق عن هشام ... به. وأخرجه البيهقي من طريق
المصنف. ثم قال- أعني: المصنف-:
" كذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام ". قال البيهقي:
" وكذلك رواه محمد بن بشر العبدى ووكيع وعبدة بن سليمان عن هشام.
ورواه ابن عيينة عن هشام عن أبي وجزة عن عمارة. وكان على بن المديني يقول:
الصواب روايهَ الجماعة عن هشام عن عمرو بن خزيمة ".
22- باب في الاستبراء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
23- باب في الاستنجاء بالماء
33- عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل حائطاً ومعه غلام معه مِيضَآةٌ - وهو أصغرنا-،
فوضعها عند السدرة، فقضى حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء.
(قلت: إسناده صحمِح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري وأبو
عوانة في "صحاحهم ") .(1/73)
إسناده: حدثنا وهب بن بقية عن خالد- يعني: الواسطي- عن خالد-
يعني: الحذأء- عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
وقد أخرجه في "صحيحه " كما سيأتي.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/195) عن المصنف، فقال: ثنا أبو داود
السِّجْزِيُّ قال: ثنا وهب بن بقية ... به.
و (السِّجْزِيُ) : نسبة إلى سجستان؛ قال المنذري (1/12) :
" وهو من عجيب التغيير في النسب، وقد نسب أبو داود وغيره كذلك ".
والحديث أخرجه مسلم: ثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا خالد بن عبد الله ...
به
ثمّ أخرجه هو والبخاري والنسائي وللدارمي وأبو عوانة أيضا، والطيالسي (رقم
2134) ، وعنه للبيهقي، وأحمد (3/171) من حديث شعبة عن عطاء ... به.
والشيخان، وأحمد (3/112) ، ومن طريقه أبو عوانة عن روح بن القاسم عنه ... به.
34- عن أبي هريرة عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" نزلت هذه الأية في أهل فباء: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} ؛
قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الاية".
(قلت: حديث صحيح، وصححه النووي والحافظ ابن حجر) .
إسناده: ثنا محمد بن العلاء: اْخبرنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث
عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة.(1/74)
وهذا إسناد ضعيف: يونس بن الحارث ضعيف.
وشيخه إبراهيم بن أبي ميمونة مجهول؛ قال الذهبي: " ما روى عنه سوى
يونس بن الحارث ".
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن المصنف ... بهذا
الإسناد. وقال الترمذي:
" حديث غريب من هذا الوجه ". وقال الحافظ فما "التلخيص " (1/525)
- وسبقه النووي في "المجموع " (2/99) -:
" إسناده ضعيف ".
قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الصحيح:
فمنها: ما عند أحمد (3/422) من طريق أبي أويس: ثنا شُرَحْبِيلُ عن عُويمِ
ابن ساعدة الأنصاري أنه حدثه:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاهم في مسجد قباء، فقال:
" إنّ الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم،
فما هذا الطُهور الذي تطهرون به؟ ".
قالوا: والله يا رسول الله! ما نعلم شيئاً؛ إلا أنه كان لنا جيران من اليهود،
فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط؛ فغسلنا كما غسلوا.
وهذا إسناد حسن.
رواه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/14/2) .
ثم رأيته في "المستدرك " (1/155) ؛ وصححه، ووافقه الذهبي.(1/75)
ومنها: ما أخرجه الحاكم (1/187) ، وعنه البيهقي من طريق محمد بن
إسحاق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس:
{فيه رجال يحيون أن يتطهروا} ؛ قال: لما نزلت هذه الأية؛ بعث رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عُويمِ بن ساعدة فقال:
" ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟ ". قالوا: يا نبي الله! ما خرج منا
رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبهره- أو قال: مقعدته-، فقال النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ففي هذا ". وقال الحاكم:
" هذا حديث صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن مسلماً إنما روى لابن إسحاق مقروناً بغيره.
وثانياً: هو مدلس؛ وقد عنعنه.
وله شاهد ثالث من حديث جابر وأبي أيوب وأنس جميعاً:
رواه ابن ماجه وغيره، وقد صححه النووي (2/99) ، وسوف نخرجه ونتكلم
على إسناده في "صحيح ابن ماجه "- إن شاء الله تعالى- رقم ( ... ) .
(تنبيه أول) : قد تبين لك أنه ليس في شيء من هذه الأحاديث ذكر الحجارة
مع الماء، وقد اشتهر على الألسنة أنهم كانوا يجمعون بينهما؛ بل جاء الحديث في
"المهذب " بلفظ:
" قالوا: نتبع الحجارة الماء "! فقال النووي:
" كذا يقوله أصحابنا وغيرهم في كتب الفقه والتفسير، وليس له أصل في(1/76)
كتب الحديث ".
ولعله أراد ليس له أصل صحيح؛ وإلا فقد رواه البزار بلفظ "المهذب" لكن
إسناده ضعيف، كما قال الحافظ في "البلوغ "، و "التلخيص ".
وأقول: إنه منكر؛ لخالفته لجميع من روى هذا الحديث من الثقات.
(تنبيه ثان) : وهم في حديث أبي هريرة- هذا- عالمان فحلان:
أحدهما: ابن العربي؛ حيث قال في "تفسيره " (1/415) :
" وهذا حديث لم يصح " ا
وهذا فيه إسراف ظاهر، فالحديث صحيح لا شك فيه؛ لما سبق من الشواهد
وغيرها، ولو قال: (إسناده لم يصح) ؛ لصدق.
والآخر: الحافظ ابن حجر؛ حيث قال في "الفتح " (7/195) : إن
" إسناده صحيح "!
وهو غير صحيح إ! بل ضعيف يشهادة الحافظ نفسه؛ كما نقلناه عنه.
24- باب الرجل يَدْلُكُ يده بالأرض إذا استنجى
35- عن أبي هريرة قال:
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أتى الخلاء؛ أتيته بماء في تَور أو رَكوة، فاستنجى
ثمّ مسح يدَه على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ ".
(قلت: حديث حسن، وصححه ابن حبان) .
إسناده: أخرجه من طريقين عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن(1/77)
أبي زرعهَ عن أبي هريرة. هكذا وقع في أكثر النسخ: (عن المغيرة) ! ولم ترد في
بعض النسخ الخطية المصححة، وهذا هو الصواب؛ لوجوه أربعة ذكرها صاحب
" العون "، يطول الكلام بإيرادها.
وأزيد عليها وجهاً خامساً: أن البيهقي أخرج الحديث في "سننه " (1/106
و157) عن المصنف من الوجهين ... هكذا على الصواب دون ذكر: (عن المغيرة) ؛
وكذلك هو عند كل من أخرج الحديث كما يأتي.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن شريكاً- وهو ابن عبد الله القاضى-
سيئ الحفظ، قال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً
فاضلأ عابداً شديداً على أهل البدع ".
وقد توبع عليه؛ كما يأتي، فالحديث حسن؛ إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه، وأحمد (2/311 و 454) ، وابن حبان
في "صحيحه " (138 و 1402) من طرق عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي
زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة.
وتابعه اْبان بن عبد الله بن أبي حازم؛ إلا أنه خالفه في إسناده فقال: حدثنا
إبراهيم بن جرير بن عبد الله عن أبيه ... مثله.
اْخرجه النسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي. وقال النسائي:
" هذا أشبه بالصواب من حديث شريك "! وتعقبه ابن التركماتي بقوله:
" قلت: أبان هذا؛ قال ابن حبان: كان ممن فحش خطأه وانفرد بالمناكير.
وشريك القاضي ممن استشهد به مسلم. وحديثه هذا؛ أخرجه ابن حبان في(1/78)
"صحيحه "، فلا نسلّم أن حديث أبان أشبه بالصواب منه، ولا يمتنع أن يكون لإبراهيم
فيه إسنادان؛ أحدهما: عن أبي زرعة، والآخر: عن أبيه؛ كما مر نطير ذلك ".
قلت: ويؤيد أنه ليس أشبه بالصواب: أن أبان قد اضطرب فيه: فمرة رواه هكذا
عن إبراهيم عن أبيه. ومرة أخرى قال: ثتي مولى لأبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة.
أخرجه الدارمي والبيهقي، وأحمد (2/358) .
وهذا مما يدل على سوء حفظه الذي وصفه به ابن حبان، وكذلك قال الحافط
في "التقريب ":
إنه " صدوق في حفظه لين ".
والحديث قال النووي (2/102) :
" إسناده صحيح؛ إلا أن فيه شريكاً، وقد اختلفوا في الاحتجاج به ".
قلت: وللحديث شاهد من حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما في
حديث غسل الجنابة:
أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد غسله فرجه؛ ضرب بيده الأرض فغسلها.
وسيأتيان في الكتاب برقم (243 و 244) .
25- باب السواك
36- عن أبي هريرة- يرفعه- قال:
" لولا أن أشق على المؤمنين؛ لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند
كل صلاة ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه "(1/79)
بتمامه. وأخرجاه في "الصحيحين " دون الأ مر بتأخير العشاء. وقال النووي:
" إسناده صحيح ") .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجا بعضه كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه "، (1/191) ، والبيهقي (1/37) من
طرق عن سفيان بن عيينة ... به.
ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم، والدارمي دون الأمر بتأخير العشاء.
وكذلك أخرجه مالك، وعنه البخاري وكذا النسائي عن أبي الزناد ... به.
وهذا القدر له طرق أخرى: عند البخاري ومالك والترمذي- وصححه-، وابن
ماجه وأبي عوانة أيضا، والطيالسي (رقم 2328) ، وأحمد (2/287 و 399 و 400
و429 و 460 و 517) .
كما أن له- بتمامه- طرقاً أخرى. فقال أحمد (2/250 و 433) : ثنا يحيى:
أنا عبيد الله: حدثني ابن أبي سعيد عن أبي هريرة بلفظ:
" بالسواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل- أو شطر الليل- ".
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة (1) .
__________
(1) وقد تابعه عبد الرحمن السراج عن سعيد بن أبي سعيد ... به: أخرجه الحاكم
(1/146) ، وقال:
" صحيح على شرطهما "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر، وإنما هو على شرط مسلم وحده؛ كما بينته في "التعليق الرغيب ".
ورواه الطحاوي (1/26- 27) من طريق عبيد الله(1/80)
ورواه محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن عطاء مولى أم صفية عن
أبي هريرة بلفظ: " كل صلاة "!
فزاد في الإسناد (عطاءً) هذا؛ ولا يعرف كما قال الذهبي.
طريق ثالث: أخرجه أحمد أيضا (2/258- 259) : ثنا أبو عبيدة الحداد
- كوفي ثقة- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء سواك ".
وهذا إسناد حسن؛ كما قال المنذري في "الترغيب " (1/99/رقم 3) .
ثم إن الحديث؛ قال النووي في "المجموع " (3/56) :
" رواه أبو داود بإسناد صحيح " ثمّ قال:
" وأما الحديث المذكور في "النهاية " و "الوسيط ": " لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل ": فهو- بهذا
اللفظ- حديث منكر لا يعرف، وقول إمام الحرمين: إنه حديث صحيح؛ ليس
بمقبول، فلا يغتر به " إ!
قلت: إن كان يعني بقوله: إنه منكر؛ لأنّ فيه: " إلى نصف الليل "- وهو
ليس في حديث الباب-؛ فقوله هو المنكر؛ لأنّ هذه الزيادة صحيحة ثابتة؛ فهي
عند أحمد على الشك بلفظ:
" إلى ثلث الليل- أو شطر الليل- "، كما سبق.
وهي عند الحاكم في روايته المذكورة آنفاً من طريق عبد الرحمن الأعرج عن
سعيد بن أبي سعيد بلفظ: " إلى نصف الليل " بدون شك.(1/81)
ولها شاهد من حديث أبي سعيد الخدري بلفط:
" لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم؛ لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ".
وإسناده صحيح، كما سيأتي في الكتاب (رقم 449) .
37- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجُهَنِيّ قال:
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لولا أن أشق على أمني؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ".
قال أبو سلمة: فرأيت زيداً يجلس في المسجد؛ وإن السواك من أذنه
مَوْضِعَ القلم من أذن الكاتب؛ فكلما قام إلى الصلاة استاك.
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال الترمذي) .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن يونس: ثنا محمد بن
إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه؛ إلا أنه قد توبع
كما يأتي؛ فالحديث صحيح.
وقد أخرجه الترمذي أيضا، والبيهقي من طريق المصنف، وأحمد (4/114
و116 و 5/193) من طرق عن محمد بن إسحاق ... به، وزادا:
" ولأخرت صلاة العشاء بلى ثلث للليل ". وقال للترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ثم إن له طريقاً أخرى عن أبي سلمة؛ فقال أحمد (4/116) : ثنا عبد الصمد(1/82)
قال: ثنا حرب- يعني: ابن شداد- عن يحيى: ثنا أبو سلمة ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث علقه البخاري في (الصيام) ، ووصله الطحاوي (1/26) من الوجه
الأول.
38- عن محمد بن يحيى بن حَبان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر
قال:
قلت: أرأيت تَوَضُؤَ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر؛ عَمّ ذاك؟
فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب: أن عبد الله بن حنظلة بن أبي
عامر حدئها:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمر بالوُضوء لكل صلاة طاهراً وغيرَ طاهر، فلما شَق
ذلك عليه؛ أُمر بالسواك لكل صلاة.
فكان ابن عمريرى أن به قوةً؛ فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي،
وحسنه الحازمي، وصححه ابن خزيمة وابن حَبان) .
إسناده: ثنا محمد بن عوف الطائي: ثنا أحمد بن خالد: ثنا محمد بن
إسحاق عن محمد بن يحيى بن حَبان.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن فيه عنعنة ابن إسحاق؛ بيد أنه قد
صرح بالتحديث في غير هذه الرواية، فصح بذلك الحديث.
وقد أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.(1/83)
ثمّ أخرجه هو والحاكم (1/155- 156) من طرق أخرى عن ابن إسحاق ...
به؛ وفي رواية الحاكم تصريح ابن إسحاق بالتحديث. ثمّ قال:
" حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي!
وفيه ما سبق التنبيه عليه قريباً.
وأخرجه الطحاوي أيضا (1/26) ، وابن خزيمة وابن حبان في
"صحيحيهما "- كما في " التلخيص " (1/378) -، والدارمي (1/ 168) ،
والحازمي في " الاعتبار" (ص 36- 37) ، وقال:
"حديث حسن ".
وهو في "المسند" (5/225) بتصريح ابن إسحاق بالتحديث.
26- باب كيف يستاك؟
39- عن أبي ئردة عن أبيه [يعني: أبا موسى] قال:
أتينا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسْتَحْمِفة؛ فرأيته يستاك على لسانه.
وفي رواية: قال:
دخلت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يستاك، وقد وضع السواك على طَرَفِ
لسانه وهو يقول: إه إه؛ يعني: يَتَهَوع
(قلت: إسناد الرواية الأولى صحيح على شرط البخاري، والأخرى على
__________
(1) ولفظة البخاري: "أع أع"، والنسائي: " عأ عأ عأ ". قال الحافظ:
" والروا ية الأولى- يعني: البخاري- أشهر ".(1/84)
شرطهما. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في "صحاحهم ")
إسناده: حدثنا مسدَّد وسليمان بن داود العَتَكِيُ قالا: حدثنا حماد بن زيد
عن غَيلان بن جرير عن أبي ئردة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثمّ قال أبو داود عقب الحديث:
" قال مسدد: فكان حديثاً طويلاًا ختصره ". كذا في بعض النسخ! وفي
عامة النسخ:
"اختصرته ".
وهو الصحيح، كما في "عون العبود"، وسيأتي بعض الحديث في "النذور"
رقم ( ... ) .
والحديث أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/192) ، والنسائي،
وأحمد (4/417) من طرق عن حماد بن زيد ... به. وكذلك أخرجه البيهقي.
وليس عند مسلم وأحمد قوله:
وهو يقول ... إلخ.
وزاد أحمد: يسن إلى فوق؛ فوصف حماد كأنه يرفع سواكه، قال حماد:
ووصفه لنا غيلان قال: كان يسق طولاً.
وإسناده صحيح على شرطهما.
وتابعه حميد بن هلال عن أبي بردة بلفظ:
رأيت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك، فكأنما أنظر إلى السواك قد قلص وهو يستاك.
أخرجه أبو عوانة والنساثي، وهو عنده أنم، ويأتي في أول "الحدود".(1/85)
27- باب الرجل يستاك بسواك غيره
40- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إٍ يَسْتَنُّ وعنده رجلان أحدُهُما اكبرُ من الأخر،
فأوحي إليه في فضل السواك أنْ كبِّر: أعْطِ السواك أكبرهما.
(قلت: إسناده صحيح، وحسنه الحافظ) .
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة.
وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن عيسى- وهو
ابن نَجِيح الطباع-، وشيخه عنبسة بن عبد الواحد، وهما ثقتان اتفاقاً.
وقد تساهل الحافظ ابن حجر في "الفتح " (1/284) ، وفي "التلخيص "
(1/381) ؛ فقال:
" إسناده حسن "!
وللحديث شاهد من حديث ابن عمر قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يسق، فأعطاه أكبر القوم، ثمّ قال:
" إن جبريل أمرني أن أكبِّر ".
أخرجه أحمد (2/138) ، والبيهقي (1/40) من طريق أسامة بن زيد:
أخبرني نافع عنه.
وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم. وقد علقه البحاري (1/284) .(1/86)
وأخرجه مسلم (7/57 و 8/229) من طريق صخر بن جويرية عن نافع ... به
بلفظ: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبتي رجلان أحدهما أكبر من الآخر،
فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر ".
وعلقه البخاري أيضا، ووصله البيهقي.
(فائدة) : قال الحافظ:
" قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب
والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس؛ فإذا ترتبوا؛
فالسنّة حينئذ تقديم الأيمن، وهو صحيح؛ وسيأتي الحديث فعه في الأشربة ".
قلت: وهو الحديث رقم ( ... ) [كتاب الأشربة/ باب في السافي متى يشرب] .
41- وعن شُرَيْح قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان يبدأ رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة وابن
حبان في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا أبو داود: ثنا إبراهيم بن موسى الرازي: أخبرنا عيسى بن
يونس عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه كما يأتي.
(تنبيه) : أبو داود: هو المصنف رحمه الله، والقائل: ثنا أبو داود؛ هو أبو علي
محمد بن عمرو لللؤلؤي، أحد رواة "السنن " عن المصنف.(1/87)
ثم إن هذا الحديث لم يرد في النسخة التي شرح عليها صاحب "العون "، ولا
في "مختصر المنذري "، وقد عزاه إلى المصنف النابلسيُ في "الذخائر" (4/195/
رقم 10789) .
والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه "، وأبو عوانة والنسائي والبيهقي كلهم
عن مسعر ... به.
وقد تابعه سفيان عن القدام: أخرجه مسلم وأبو عوانة، وأحمد (6/188-
192) بلفظ:
" كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك ".
وبهذا اللفظ: أورده الحافظ في "التلخيص " (1/381) ؛ وقال:
" رواه ابن حبان في "صحيحه "، وأصله في "مسلم " ... "!
فذهل عن كونه عنده بهذا اللفط، وفد عزاه إليه النووي في "المجموع "
(1/273) .
هذا؛ وتابعه شريك بن عبد الله أيضا: عند ابن ماجه، وأحمد (6/182) .
28- باب غَسْلِ السواك
42- عن عائشة أنها قالت:
كان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك، فيعطي السواك لأغسله؛ فأبدأ به
فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه.
(قلت: إسناده حسن، وحسنه النووي) .(1/88)
إسناده: ثنا محمد بن بشار: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري: ثنا عنبسة بن
سعيد الكوفي الحاسب: حدثني كثير عن عائشة.
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير كثير- وهو ابن عُبَيْد.
رضيع عائشة-، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع كثير من الثقات.
والحديث قال النووي في "المجموع " (1/283) أنه:
" حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد ".
وسكت عليه الحافظ في "التلخيص " (1/381) ، واحتج به في "الفتح "
(1/284) على استحباب غسل سواك الغير؛ إذا أراد أن يستعمله.
والحديث رواه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرج البخاري، والحاكم (1/145) ، وأحمد (6/200) من طريقين عن
هشام بن عروة: أخبرتي أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن! فأعظانيه. فقضمته ثمّ
مَضَعتهُ، فأعطيته رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاسق به وهو مستند إلى صدري.
أخرجه البخاري من طريق إسماعيل قال: ثتي سليمان بن بلال قال: قال
هشام.
فقال الحافظ: " (فائدة) : رجال الإسناد مدنيون، وإسماعيل شيغ البخاري:
هو ابن أبي أويس، ولم أره في شيء من الروايات من غير طريق البخاري عنه "
قلت: فقد خفيت علمِه رواية الحاكم هذه؛ وهو أخرجها من طريقين آخرين
عن إسماعيل بن أبي أويس: ثنا سليمان بن بلال: ثنا هشام ... به.(1/89)
وأما أحمد؛ فرواه من طريق معمر عن هشام ... به.
وأخرجه البيهقي (1/39) من طريقين آخرين عن إسماعيل ... به.
29- باب السواك من الفطرة
43- عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" عَشْرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك،
والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل الْبَرَاجم، ونتف الابْط، وحلق
العانة، وانتقاص الماء "؛ يعني: الاستنجاء بالماء.
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة؛ إلا أن تكون المضمضة.
(قلت: حديث حسن، وكذ اقال الترمذي. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما"، وصححه الحافظ) .
إسناده: حدثنا يحيى بن معين: ثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب
ابن شيبة عن طَلْق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة
وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكن مصعب بن شيبة
هذا؛ تكلموا في حفظه، كما قال ابن عدي. وقال أحمد:
" روى أحاديث مناكير ". وقال أبو حاتم:
" لا يحمدونه؛ وليس بقوي ". وقال ابن سعد:
" كان قليل الحديث ". وقال النسائي:
" منكر الحديث ". وقال الدارقطني:(1/90)
" ليس بالقوي ولا بالحافظ ". وقال ابن معين والعجلي:
" ثقة ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" لين الحديث ".
لكن الحديث حسن إن شاء الله تعالى بشواهده التي منها حديث عمار الذي
أورده المصنف عقب هذا، وغيره مما سنذكره إن شاء الله تعالى تقوية له.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/191) ، والبيهقي (1/52) من
طريق المؤلف.
وأخرجه مسلم، والنسائي (2/274) ، والترمذي (2/126- طبع بولاق) ،
وابن ماجه والدارقطني، وابن خزيمة (1/14/2) ، والطحاوي في "المشكل "
(1/297) ، والعقيلي في "الضعفاء " (417) من طرق عن وكيع ... به. وقال
الترمذي:
" حديث حسن ".
وهو في "مسند أحمد" (6/137) : ثنا وكيع ... به.
وقد تابعه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه ... به: أخرجه مسلم.
ثمّ رواه النسائي من طريق المعتمر عن أبيه، ومن طريق أبي بشر كلاهما عن
طلق بن حبيب قال: عشرة من الفطرة ... إلخ. وقال: إنه
" أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة ". قال الحافظ في "الفتح "
(10/ 277) :
" ورجح النسائي الرواية المقطوعة على الموصولة المرفوعة. والذي يظهر لي أنها(1/91)
ليست بعلة قادحة؛ فإن راويها مصعب بن شيبة وثقه ابن معين والعجلي
وغيرهما، ولينه أحمد وأبو حاتم وغيرهما، فحديثه حسن. وله شواهد في حديث
أبي هريرة وغيره؛ فالحكم بصحته من هذه الحيثية سائغ. وقول سليمان التيمي:
(سمعت طلق بن حبيب يذكر عشراً من الفطرة) يحتمل أن يريد أنه سمعه يذكرها
من قِبل نفسه على ظاهر ما فهمه النسائي. ويحتمل أن يريد أنه سمعه يذكرها
وسندها، فحذف سليمان السند ".
وقال المناوي- بعد أن حكى أقوال بعض الأئمة الذين سبق ذكرهم في
مصعب هذا-:
" لكن له شاهد صحيح مرفوع "!!
ولم أجد هذا الشاهد الصحيح المرفوع؛ وإنما وجدت له شاهدأ صحيحاً، ولكنه
موقوف على ابن عباس كما يأتي في الذي بعده، وشاهداً مرفوعاً، ولكنه ضعيف
وهو الآتي.
نعم؛ لبعضه شاهد بل شاهدان صحيحان من حديث ابن عمر: أخرجه
النسائي (1/7) بسند صحيح، وابن حبان (1482) نحو، وكذا البخاري
(10/ 295) ، وابن سعد (1/443) .
وأبي هريرة، وسيأتي هذا في "الترجل " (رقم ... ) [باب في أخذ الشارب]
(تنبيه) : في كل طرق أبي هريرة جاء فيها بلفظ:
" قص الشارب "؛ إلا في طريق للنسائي- ذكره الحافظ وغيره، ولم أرها في
"الصغرى" له (1/7 و 2/275) ، فالظاهر أنها في "الكبرى" له-؛ فإنها بلفظ:
" حلق الشارب " إ! وقد ذكرها السيوطي أيضا في للالزيادة على الجامع
الصغير"!(1/92)
وهي في نقدي شاذة، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في "الفتح " (10/293) ،
ولعلي أتمكن من بسط القول في ذلك فيما يأتي.
44- عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إن من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق ... "، فذكر نحوه، ولم
يذكر: " إعفاء اللحية ". وزاد: " والختان ". قال: " والانتضاح "؛ ولم
يذكر: " انتقاص الماء "؛ يعني: الاستنجاء.
(قلت: حديث حسن) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: ثنا حماد عن علي
ابن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر- قال موسى: عن أبيه. وقال داود-
عن عمار بن ياسر.
وهذا إسناد ضعيف من الوجهين، وذلك لأمرين:
الأول: ضعف علي بن زيد بن جُدْعان.
والثاني: جهالة شيخه سلمة بن محمد بن عمار؛ فإنه مجهول كما في
"التقريب ". وأما الذهبي فقال في "الميزان ":
" صدوق في نفسه. روايته عن جده مرسلة. روى عنه علي بن جدعان
وحده. قال ابن حبان:
"لا يحتج به "!! ".
قلت: فلا أدري من أين جاء يشهادة الصدق له؛ مع أنه يعترف أنه لم يرو عنه
غير ابن جدعان؟!(1/93)
ثمّ الحديث- على رواية موسى- مرسل؛ لأن محمد بن عمار ليست له صحبة
كما قال المنذري (رقم 49) .
وعلى رواية داود: منقطع؛ لأن سلمة لم يسمع من جده؛ كما أفاده ابن معين
وغيره.
والحديث أخرجه ابن ماجه والبيهقي، والطيالسي (رقم 641) ، وأحمد
(4/264) من طرق عن حماد بن سلمة ... به مثل رواية داود المنقطعة.
ولفظ الحديث بتمامه:
" من الفطرة: المضمضة-،، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم
الأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والا نتضاح، والاختتان ".
وهو حديث حسن بما قبله وبما بعده، كما أشار إلى ذلك النووي (1/283) .
45- قال أبو داود: " وروي نحوه عن ابن عباس؛ وقال: خمس كلها
في الرأس ... وذكر فيها: الفرق، ولم يذكر إعفاء اللحية ".
(قلت: هو موقوف صحيح على شرط الشيخين، وكذا صححه الحاكم
والذهبي، وصححه الحافظ) .
وصله عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس:
{وإذ ابتلى إبراهيمَ رثه بكلمات} ؛ قال:
ابتلاه بالطهارة: خمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس: قص
الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم
الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء.(1/94)
وذكره ابن كثير؛ وكذلك عزاه الحافظ (10/277) لعبد الرزاق في "تفسيره "، قال:
" والطبري من طريقه بسند صحيح ".
قلت: وهو على شرط الشيخين؛ وكذلك صححه الحاكم (2/266) ، ووافقه
الذهبي.
46- قال أبو داود: " وروي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب،
ومجاهد، وعن بكر المزني ... قولَهم، ولم يذكروا إعفاء اللحية ".
(قلت: موقوفات كلها، وهو عن طلق صحيح الاسناد) .
قلت: أما الرواية عن طلق بن حبيب؛ فقد وصلها النسائي كما سبقت
الإشارة إلى ذلك، قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر عن أبيه
قال: سمعت طلقاً يذكر:
عشرة من الفطرة: السواك، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، وغسل البراجم،
وحلق العانة، والاستنشاق، وأنا شككت في المضمضة.
وهذا إسناد موقوف صحيح على شرط مسلم؛ لكنها سبعةٌ بالمضمضة فينقصها
ثلاثة تمام العشرة.
وقد رواها النسائي من طريق أخرى فقال: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة
عن أبي بشرعن طلق بن حبيب قال:
عشرة من السنة ... فذكر هذه السبعة وفيها المضمضة إلا أنه قال: الدبر
بدل: البراجم، وزا د: وتوفير اللحية، ونتف الإبط، والختان.
وإسناده صحيح أيضا على شرط الشيخين.(1/95)
فقد صح عن طلق: إعفاء اللحية ... ؛ خلافاً لما ذكره المؤلف! فلعل ذلك بناء
على رواية وقعت له.
وأما الرواية عن مجاهد وبكر المزني؛ فلم أقف عليها! لكن قال الحافظ ابن
كثير- بعد أن ساق حديث ابن عباس الذي نقلناه عنه سابقاً-:
" قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي
وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك ".
47- وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن
أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه: "وإعفاء اللحية".
(قلت: صحيح، ولم أقف عليه بهذه الرواية) .
قلت: حديث أبي هريرة سيأتي في "الترجل " [باب في أخذ الشارب]
(رقم ... ) من رواية سعيد بن المسيب عنه؛ وليس فيه ما ذكر، ولم أقف على هذه
الرواية الآن، ولم يوصلها المزي في "التحفة "!
نعم؛ رواه محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن
المسيب معاً.
أخرجه أبو الشيخ؛ كما في "الفتح " (10/276) ، ولم يذكر أن فيه هذه الجملة.
وابن أبي مريم هذا ثقة من رجال أحمد.
48- وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر، إعفاء اللحية والختان.
(قلت: موقوف صحيح) .
انظر كلام ابن أبي حاتم المذكور آنفاً.(1/96)
30- باب السواك لمن قام من الليل
49- عن حذيفة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قام من الليل؛ يَشُوصُ فاه بالسواك.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في
"صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل
عن حذيفة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه البخاري في "صحيحه " (2/300) ... بهذا الإسناد.
وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد
(5/332 و 390 و 397 و 402 و 407) من طرق عنهما؛ إلا النسائي: فعن
منصور وحده، والدارمي: عن حصين وحده.
وقد تابعهما الأعمش: عند مسلم وابن ماجه وأحمد.
50- عن عائشة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يوضع له وَضُوؤُهُ وسِواكُه، فإذا قام من الليل؛
تخلَّى ثمّ استاك.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد: أخبرنا ابهز بن حكيم عن زُرَارَةَ(1/97)
ابن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير بهز بن حكيم؛ وهو
ثقة، والحديث مختصر الحديث الآتي رقم (1216) .
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة وغيرهم من طريق قتادة عن زرارة ... به نحوه.
وأصله عند المصنف كما سيأتي هناك (رقم 1213) .
وله شاهد من حديث أنس بسند حسن: رواه ابن نصر (ص 44) .
51- عن عائشة:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يرقد من ليل ولا نهار في تية ظ؛ إلا تسوك فبل
أن يتوضأ.
(قلت، حديث حسن؛ دون قوله: " ولا نهار لما؛ فإنه ضعيف) .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا همام عن علي بن زيد عن أم محمد عن
عائشة
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن زيد- وهو ابن جدعان-.
وأم محمد: هما زوجة أبيه، وليست بأمه، واسمها أمية بنت عبد الله؛ وكأنها
مجهولة؛ فلم يذكر توثيقها أحد.
لكن الحديث حسن بما قبله، وله شواهد سنذكر بعضها.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (6/121 و 160) من طرق عن همام ... به.(1/98)
ومن شواهده: ما في "المسند" (2/117) : ثنا سليمان بن داود: ثنا محمد بن
مسلم بن مهران- مولى لقريش-: سمعت جدي يحدث عن ابن عمر:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا ينام إلا والسواك عنده؛ فإذا استيقظ بدأ بالسواك.
وهذا إسناد حسن.
ورواه الطبراني في "الكبير" (3/207/2) من طرق أخرى عن ابن عمر.
وقد أخرج المصنف حديثاً بهذا الإكمناد، سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى
(رقم 1154) .
52- عن عبد الله بن عباس قال: بمت ليلة عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما
استيقظ من منامه؛ أتى طَهوره، فأخذ سواكه فاستاك، ثم تلا هذه
الآيات: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات
لأولي الألباب) ؛ حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها، ثم توضأ، فأتى
مُصلاّه فصلى ركعتين، ثمّ رجع إلى فراشه، فنام ما شاء الله، ثمّ استيقظ،
ففعل مثل ذلك، ثمّ رجع إلى فراشه فنام، ثمّ استيقظ ففعل مثل ذلك، ثم
رجع إلى فراشه فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك؛ كلَّ ذلك يستاك ويصلّي
ركعتين، ثمّ أوتر. (وفي رواية: قال: فتسوك وتوضأ؛ وهو يقول: {إن في
خلق السماوات والأرض} حتى ختم السورة) .
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا هشيم (*) : أخبرنا حُصَيْن عن حبيب
ابن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله
__________
(*) في أصل شيخنا رحمه الله وبخط يده: " هشام "! وهو سبق قلم منه يرحمه الله؛
والتصويب من " تهذيب الكمال" (30/272) ، وكذا هي في "سنن أبي داود".(1/99)
ابن عباس.
قال أبو داود: " رواه ابن فُضَيْل عن حصين قالى: فتسوك.. " إلخ الرواية الأخرى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عيسى
- وهو ابن الطباع-، وهو ثقة كما مرَّ.
غير أن حبيباً هذا قد رمي بشيء من التدلس، وهو من ثقات التابعين،
ولحديثه هذا طرق أخرى، سيأتي بعضها في الكتاب (رقم ... ) .
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانه (2/320- 321) ، وابن نصر في "قيام
الليل " (49) ، وأحمد (1/373) من طرق عن حصين ... به.
ورواه النسائي أيضا (1/249) من هذا الوجه لكن باختصار.
وكذلك أخرجه من طرق أخرى عن حبيب.
وأخرجه ابن ماجه (1/124) من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت
عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس مختصراً بلفظ:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلّي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
وإسناده هكذا: حدثنا سفيان بن وكيع: ثنا عَثَّام بن علي عن الأعمش ...
وزعم العراقي في "التقريب " (2/66- 67) أن إسناده صحيح، وتبعه الحافظ
في "الفتح "! مع أنه قال في ترجمة سفيان بن وكيع من "التقريب ":
" كان صدوقاً؛ إلا أنه ابتلي بوزاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح
فلم يقبل، فسقط حديثه ".
والرواية الأخرى ستأتي موصولة (رقم 1334) .(1/100)
31- باب فرض الوضوء
53- عن أبي المَلِيح عن أبيه [أسامة الهذلي] عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا يقبل الله عر وجل صدقة من كُلول، ولا صلاة بغيرطهور".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه ") .
إسناده: حدثتا مسلم بن إبراهيم: ثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي المليح- وهو
ابن أسامة بن عمير-؛ وهو ثقة.
والحديث رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده " (رقم 1319) : ثنا شعية ...
به، وصرح قتادة بسماعه من أبي المليح عنده.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/235) ، والنسائى وابن ماجه والبيهقى،
وأحمد (5/74 و 75) من طرق عن شعبة ... به.
وتابعه خالد الحذاء عن أبي المليح، لكن الراوي عنه ضعيف: أخرجه الطبراني
في "معجمه الصغير" (19) .
وله شاهد من حديث ابن عمر: عند مسلم، وأبي عوانة وغيرهما.
ومن حديث أنس: عند أبي عوانة وابن ماجه.
54- عن أبي هريره قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين) .(1/101)
وقد أخرجاه، وأبو عوانة في "صحاحهم "، وصححه الترمذي)
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن
همام بن منبِّه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو فما "المسند" (2/308- 318)
بهذا اِلإسناد.
والحديث أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في" صحاحهم "، والترمذي- وصححه-
من طرق عن عبد الرزاق ... به.
وله عند أبي عوانة أربعة طرق عن أبي هريرة ... بمثل حديث أسامة قبله.
وروى له شاهدين من حديث أبي بكر وأبي سعيد؛ وهما ضعيفان.
55- عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مِفتاحُ الصلاة الطُّهورُ، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ".
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم وابن السكن وكذا الحافظ،
وحسّنه النووي، وأورده المقد سي في "الأ حاديث المختارة ") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع عن سفيان عن ابن عَقيل عن
محمد ابن الحنفية عن علي.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن عقيل- وهو
عبد الله بن محمد بن عقيل-؛ وقد تكلم فيه من قِبل حفظه، وهو صدوق. وقد
قال الذهبي:
" حديثه في مرتبة الحسن، كان أحمد وإسحاق يحتجان به ". وقال الحافظ(1/102)
في " التقريب ":
" صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة ".
والحديث أعاده المصنف رحمه الله في "باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه
من الصلاة "، وسوف لا نعيده في "مختصرنا" هذا؛ لأنه بهذا السند.
والحديث أخرجه الترمذي أيضا؛ والدارمي وابن ماجه والطحاوي والدارقطني،
والبيهقي (2/173 و 379) ، وأحمد (2/رقم 1006- 1072) ، والخطيب في
"تاريخه " (10/197) من طرق عن سفيان ... به.
ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في "مسانيدهم "- كما في
"نصب الراية" (1/307) -. ثمّ قال الترمذي:
" هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن
عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبل حفظه، وسمعت محمد
ابن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون
بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد: وهو مقارب الحديث ". وقال
النووي في "المجموع " (3/289) :
" رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح؛ إلا أن فيه عبد الله بن محمد
ابن عقيل، قال الترمذي ... " 0
قلت: فذكر ما نقلناه عنه آنفاً. ونقل الزيلعي عنه أنه قال في "الخلاصة":
" هو حديث حسن ". وقال الحافظ:
" وصححه الحاكم وابن السكن ". وقال في "الفتح " (2/257) :
" أخرجه أصحاب "السنن " بسند صحيح "!(1/103)
كذا قال! ولكن الحديث له شواهد يرقى بها إلى درجة الصحيح، وقد أوردتها
في كتابنا الكبير في "صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التكبير إلى التسليم "؛ ويراجع له
" نصب الراية " وغيرها.
وأما تصحيح الحاكم له؛ فلم أقف عليه! وهو إنما أورد الحديث في "المستدرك "
(1/132) تعليقاً بدون تصحيح؛ فلعله صححه في بعض كتبه الأخرى.
وأخرجه الضياء في "المختارة" (1/243) .
32- باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
33- باب ما ينجس الماء
56- عن عبد الله بن عبد الله بن عمرعن أبيه قال:
سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال
" إذا كان الماء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الخَبَثَ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال الحاكم، ووافقه
الذهبي. وقال ابن منده: إنه على شرط مسلم، وصححه أيضا" الطحاوي وابن
خزيمة وابن حبان والنووي والحافظ) .،
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي
وغيرهم قالوا: ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن. الزبير عن(1/104)
عبد الله بن عبد الله بن عمر. قال أبو داود: وهذا لفظ ابن العلاء. وقال عثمان
والحسن بن علي: عن محمد بن عباد بن جعفر. قال أبو داود: وهو الصواب!
كذا قال المصنف رحمه الله! وخالفه غيره فقال: الصواب: عن محمد بن
جعفر بن الزبير.
وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك، وأن الراجح لدينا صواب الروايتين.
وعلى كل حال؛ فالإسناد صحيح، رجاله- على الوجهين- ثقات رجال
الشيخين.
والحديث أخرجه النسائي والدارمي والطحاوي والدارقطني والحاكم، والبيهقي
(2/260) من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة ... به مثل رواية ابن العلاء.
ثمّ أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من طرق أخرى كثيرة عن أبي
أسامة ... به؛ إلا أنهم قالوا: عن محمد بن عباد بن جعفر.
وصوّب هذه الرواية المؤلف كما سلف.
وخالفه أبو حاتم الرازي فرجح الأولى، فقال ابنه عبد الرحمن في "العلل "
(1/44/رقم 96) - بعد أن ساق الحديث على الوجه الثاني-:
" فقال أبي: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة،
والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه ". وقال ابن منده- كما فى "نصب الراية"
(1/106) -:
" إن هذا هو الصواب؛ لأنّ عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير عن
محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ".
وصحح الروايتين: الدارقطني والحاكم والبيهقي؛ بدليل ما أخرجوه من طريق(1/105)
شعيب بن أيوب: ثنا أبو أسامة: ثنا الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير
ومحمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ... قال الحاكم
- ووافقه الآخران على معناه-:
" قد ظهر بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن
الوليد بن كثير عنهما جميعاً؛ فإن شعيب بن أيوب الصرِيفيني ثقة مأمون،
وكذلك الطريق له ".
وبذلك يزول الاضطراب الذي به أعل بعضهم الحديث فلا تلتفت إليه.
والحديث صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي. وقال ابن منده: إنه
" صحيح على شرط مسلم ".
وصححه أيضا ًالطحاوي- كما قال ابن القيم في "تهذيب السنن " (1/56) -،
وابن خزيمة وابن حبان- كما في "البلوغ "-، وصححه النووي في "المجموع "
(1/113) ، والحافظ في "الفتح " (1/277) .
ولأبي أسامة- هذا- حديث آخر يعارض عمومه مفهم هذا الحديث؛ فانظر
(رقم 59) .
والحديث أخرجه الدارقطني (8) من طريق محمد بن وهب السلمي: نا ابن
عياش عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنه سُئل عن القَلِيبِ يلقى فيه الجيف، ويشرب منه للكلاب والدواب؟
فقال:
" ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك؛ لم ينجسه شيء ". وقال:(1/106)
" كذا رواه محمد بن وهب عن إسماعيل بن عياش بهذا الإسناد. والمحفوظ:
عن ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله
ابن عبد الله بن عمر عن أبيه ".
قلت: وابن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها، وقد زاد في
متن الحديث ما ليس فيه:
" فما فوق ذلك ".
57- عن محمد بن جعفربن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر
عن أبيه:
أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن الماء يكون في الفلاه ... فذكر معناه.
(قلت: إسناده حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسمماعيل: ثنا حماد. (ح) وثنا أبو كامل: ثنا
يزيد بن زُربع عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر- قال أبو كامل:- ابن
الزبير.
وهذا إسناد حسن صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون، وعبيد الله بن
عبد الله: هو أخو عبد الله بن عبد الله المذكور في السند السابق، وكلاهما ثقة.
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه والدارمي والطحاوي والدارقطني والحاكم
والبيهقي، وأحمد (2/12 و 26- 27، 38) من طرق عن ابن إسحاق ... به؛
وصرح ابن إسحاق بسماعه من محمد بن جعفر في رواية للدارقطني.
وقد تابعه عاصم بن المنذر عن عبيد الله؛ وهو:(1/107)
58- عن عاصم بن المنذرعن عبيد الله بن عبد الله بن عمرقال:
حدثني أبي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس ".
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال البيهقي، وقال ابن معين إنه: " جيد
الإسناد "، وصححه النووي) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا عاصم بن المنذر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عاصم بن المنذر؛
وهو ثقة بلا خلاف.
والحديث أخرجه ابن ماجه والظحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي،
والطيالسي (رقم 1954) ، وأحمد (2/23 و 107) من طرق عن حماد ... به.
وقال الدارقطني:
" في هذه الرواية قوة لرواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر ". وكذا
قال البيهقي.
ونقل النووي (1/112) عنه وعن غيره أن إسنادها صحيح، وصححها هو أيضا
(1/115) .
وزاد بعض الرواة عن حماد- بعد قوله: " قلتين "-:
" أو ثلاثاً "! قال الحاكم:
" وقد رواه عفان بن مسلم وغيره من الحفاظ عن حماد بن سلمة؛ ولم يذكروا
فيه: " أو ثلاثاً " ... ".(1/108)
قلت: وهو الصواب؛ لعدم ورودها في شيء من الروايات المتقدمة؛ فهي- على
ما فيها من الاختلاف- شاذة؛ فلا يجوز أن يُعل الحديث بها، ويزعم أنه مضطرب
من أجلها، كما لا يخفى!
نعم؛ أعل الحديثَ المصنفُ بقوله عقبه:
" قال أبو داود: حماد بن زيد وقفه عن عاصم "! قال الدارقطني:
" وكذلك رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن
عمر موقوفاً ... "! ثمّ ساق إسناده بذلك. فال الحافظ في "التلخيص " (1/115) :
" وسئل ابن معين عن هذه الطريق؟ فقال: إسنادها جيد. قيل له: فإن ابن
علية لم يرفعه فقال: وإن لم يحفظ ابن علية؛ فالحديث جيد الإسناد ".
قلت: وذلك لأنّ الرفع زيادة، وهي من ثقة، فيجب قبولها، لا سيما وأنه قد
جاء مرفوعاً من وجه آخر، كما في الإسناد قبله.
ومما ينبغي التنبه له: أن الحديث يرويه عن ابن عمر ولداه عبد الله وعبيد الله.
ورواه عنهما محمد بن جعفر بن الزبير.
وتابعه عن الأول منهما: محمد بن محمد بن عباد بن جعفر.
وتابعه عن الآخر: عاصم بن المنذر. وهذا خلاصة ما تقدّم في التخاريج
السابقة.
(فائدة) : مفهوم الحديث على أن الماء ينجس إذا كان أقل من القلتين، وهو
معارض لعموم الحديث الآتي في الباب الذي بعد هذا؛ فلذلك- ولأمور أخرى
ذكرها ابن القيم رحمه الله في "التهذيب "-: الأرجح عندنا العمل بهذا العموم
وترك هذا المفهوم. والله أعلم.(1/109)
34- باب ما جاء في بئر بُضَاعة
59- عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خَديج عن أبي سعيد
الخدري:
أنه قيل لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنتوضأ من بئر بُضاعة؟ وهي بثر يُطرح فيها
الحِيَض ولحم الكلاب والنتْن؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الماءطَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ ".
قال ابو داود: " وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع ".
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: " حسن "،
وصححه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين) .
إسناده: أخرجه من طرق ثلاث عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد
ابن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال للشيخين؛ غير عبيد الله بن عبد الله هذا،
وقد قيل في اسمه خمسة أقوال؛ هذا أحدها، وبقيتها تراجع في "نصب الراية"
(1/113) ؛ وهو كما قال ابن القطان:
" لا يعرف له حال ولا عين ". وقال الحافط في "التقريب ": إنه
"مستور".
لكن الحديث صحيح ثابت؛ بما له من الطرق والشواهد كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي أيضا، والترمذي والدارقطني والبيهقي، وأحمد(1/110)
(3/31) من طرق عن أبي أسامة ... به. وقال أحمد:
" وقال أبو أسامة مرة: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ".
قلت: وهي رواية النسائي. وقال الترمذي:
" هذا حديث حسن. وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث؛ فلم يرو أحد حديث
أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة. وقد روي هذا الحديث من غير
وجه عن أبي سعيد ".
وكأنه من أجل هذه الطرق التي أشار إليها الترمذي حسّنه هو، وصححه أحمد
ابن حنبل ويحيى بن معين؛ كما في "التلخيص " (1/90) ، واحتج به ابن حزم
(1/155) . وقال النووي في "المجموع " (1/82 و 113) : إنه
" حديث صحيح ".
ومن طرق الحديث: ما أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي، وأحمد
(3/15) ، وأبو يعلى في "مسنده " (ق 83/1) عن عبد العزيز بن مسلم عن مُطَرف
ابن طَرِيف عن خالد بن أبي نوف عن سَلِيط- وليس عند الطحاوي وأحمد: عن
سَلِيط- عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال:
مررت بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتوضأ من بئر بضاعة. فقلت: أتتوضأ ... الحديث.
وخالد بن أبي نوف؛ قيل: إنه ابن كثير الهَمْدَاني؛ فإن كان كذلك فهو لا
بأس به؛ وإلا فهو مقبول.
وشيخه سَلِيط- بفتح أوله- مقبول أيضا.
وقد رواه عنه ابن إسحاق أيضا، لكن خالف في الإسناد، كما ستراه في
الكتاب بعد هذا.(1/111)
ومنها: ما عند الطحاوي والبيهقي، والطيالسي (رقم 2155) عن طَرِيف بن
سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال:
كا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتينا على غدير فيه جيفة، فتوضأ بعض القوم،
وأمسك بعض القوم، حتى يجيء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ، فجاء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أخريات
الناس؛ فقال:
" توضَّأوا واشربوا؛ فإن الماء لا ينجسه شيء ". قال البيهقي:
" طريف: هو أبو سفيان، وليس بالقوي؛ إلا أني أخرجته شاهداً لما تقدّم ".
قلت: وهو عند الطحاوي من طريق شريك عنه ... به عن جابر أو أبي
سعيد ... على الشك.
وهو عند ابن ماجه (1/186- 187) عن جابر ... بدون شك.
ولأبي سعيد عنده حديث آخر في الباب: رواه البيهقي وضعفه.
ومن شواهده: ما أخرجه الطحاوي، والبيهقي من طريق حاتم بن إسماعيل:
ثنا محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت:
دخلت على سهل بن سعد الساعدي في نسوة فقال: لو أني أسقيكم من
بضاعة لكرهتم ذلك، وقد- والله- سقيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيدي منها. وقال البيهقي:
" وهذا إسناد حسن موصول "! وتعقبه ابن التركماتي بقوله:
" أم محمد بن أبي يحيى لم نعرف حالها ولا اسمها بعد الكشف
التام ".
قلت: وقد أوردها الذهبي في (فصل النسوة المجهولات) ؛ فيمن لم تسم، وذكر
أن لها رواية عن أم بلال. وقد سبق أن نقلنا عنه قوله:(1/112)
" وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ".
ورواه الدارقطني (12) من هذا الوجه مختصراً:
شرب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بئر بضاعة.
وله طريق أحسن من هذه، فقال ابن حؤم (1/155) : حدثنا حُمَامٌ قال: ثنا
عباس بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن: ثنا محمد بن وضاح: ثنا أبو
علي عبد الصمد بن أبي سكينة- وهو ثقة-: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم أبو تمام
عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال:
قالوا: يا رسول الله! إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس
والمحايضُ والجِيَفُ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الماء لا ينجسه شيء".
احتج به ابن حزم. وأورده الحافظ في "التلخيص " (1/90) فقال عقب الطريق
الأولى:
" قال ابن القطان: وله طريق أحسن من هذه؛ قال قاسم بن أصبغ في
"مصنفه ": ثنا محمد بن وضاح ... به. وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن في
"مستخرجه على سن أبي داود": حدثنا محمد بن وضاح ... به. قال ابن
وضاح: لقيت ابن أبي سكينة بحلب ... فذكره. وقال قاسم بن أصبغ: هذا من
أحسن شيء في بئر بضاعة. وقال ابن حزم: عبد الصمد ثقة مشهور. قال
القاسم: ويروى عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها. قلت: ابن
أبي سكينة الذي زعم ابن حؤم أنه مشهور؛ قال ابن عبد البر وغير واحد: إنه
مجهول، ولم تجد له راوياً إلا محمد بن وضاح "!
وتعقبه بعض الأفاضل من المعاصرين بأنه قد عرفه قاسم بن أصبغ وابن حزم،(1/113)
ومن عرف حجة على من لم يعرف، وبأن الدارقطني أخرجه في "سننه " (11) من
طريق أخرى عن فضيل بن سليمان النميري عن أبي حازم ... به مختصراً بلفظ:
"الماءلاينجسه شيء". قال:
" فدلت هذه الأسانيد على أن للحديث عن سهل أصلاً صحيحاً ".
قلت: وحديث سهل هذا؛ عزاه الحافط (1/100) للدارقطني أيضا، وسكت
عليه، مع أن الراوي عن الفضيل: هو علي بن أحمد الجرجاني؛ تركه الحاكم، كما
قال الذهبي، وأقره الحافط.
ثمّ ذكر له شاهدأ آخر من حديث عائشة بلفظ:
"إن االماء لا ينجسه شيء ".
رواه الطبراني في "الأوسط "، وأبو يعلى والبزار، وأبو علي بن السكن في
"صحيحه " من حديث شريك. وقال الهيثمي (1/214) :
" ورجاله ثقات "!
قلت: وقد صح عن عائشة موقوفاً، كما سنذكره في الباب الأتي.
(تنبيه) : جاء في بعض طرق الحديث زيادة في آخره:
" إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه "!
وهي زيادة ضعيفة لا تصح باتفاق المحدثين، كما قال النووي؛ وإن كان
الإجماع على العمل بها.
ووهم ابن الرقِّجْة حيث عزا هذا الاستثناء إلى المصنف؛ فقال:
" ورواية أبي داود: " خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء؛ إلا ما غير طعمه(1/114)
أوريحه " ... "! قال الحافظ (1/104) :
" ووهم في ذلك؛ فليس هذا في "سنن أبي داود" أصلأ! ".
60- عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثمّ العدوي عن
أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقال له:
إنه يُستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئريلقى فيها لحوم الكلاب
والمحايض وعَذِر الناس؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ:
"إن الماء طهور لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ ".
(قلت: حديث صحيح) .
قال أبو داود: " سمعت قتيبة بن سعيد قال: سالت قَيمَ بئر بُضاعة عن
عمقها؟ قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال:
دون العورة ".
قال أبو داود: " وقدّرت أنا بئر بُضَاعة بردائي؛ مددته عليها ثم ذرعته؛
فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه:
هل غُيّر بناؤها عمّا كانت عليه؟ قال: لا. ورأيت فيها ماة متغير اللون " (1) .
إسناده: أخرجه من طريقين عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن
سَلِيط بن أيوب عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري.
__________
(1) قلت: ولما هن الله تعالى علي في العام الماضي (1368) بالحج إلى المسجد الحرام، ثم
بزيارة مسجد نبيه عليه الصلاة والسلام؛ ذهبت يوم الأربعاء 25 محرم 1369 إلى بئر بضاعة
للاطلاع، فوجدته لا يزال في البستان شمال المسجد النبوي؛ وقد وضع عليه مضخة. آلية لغزارة =(1/115)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلى سليط، وأما هذا؛ فلم يوثقه إلا ابن حبان؛
ولم يرو عنه غير اين إسحاق؛ إلا خالد بن أبي نوف وقد اختلفا عليه في هذا
الحديث:
فابن إسحاق قال: عنه عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن أبي سعيد.
وخالد قال: عنه عن ابن أبي سعيد عن أبي سعيد.
وقد سبقت هذه الرواية في الذي قبله مع بيان حال عبيد الله هذا، مع الإشارة
إلى الاختلاف في اسمه.
وفي هاتين الروايتين عند المصنف نوعان من ذلك:
ففي الأولى: أنه عبيد الله بن عبد الله بن رافع.
وفي هذه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وإليها أشار المؤلف بقوله عقب
الرواية السابقة: " قال أبو داود: وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع "؛ يعني:
في اسم أبي عبيد الله ... ثم ساق هذه الرواية بياناً لذلك.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي والدارقطني، وأحمد (3/86) من طرق عن ابن
إسحاق ... به، وصرح ابن إسحاق بسماعه من سليط: عند الدارقطني.
ودلسه مرة؛ فرواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الرحمن
..... به
__________
= الماء فيه؛ فإن ارتفاعه من القعر بلى سطح الماء يبلغ نحو (13) ذراعاً، ومن سطحه إلى فوهته
نحو (17) ذراعاً، وقد تمكنا من معرفة ذلك بواسطة حبل جاء به إلينا القيم على البستان،
فربطنا بطرفه حجراً ثم أدليناه حتى القعر؛ فكانت النتيجة ما ذكر. وأما قطر فُهته فستة أذرع؛
كما ذكر المؤلف رحمه الله. فالظاهر أن الماء زاد كثيراً على ما كان عليه في عهده. والله أعلم.(1/116)
أخرجه الطحاوي، والطيالسي (رقم 2199) .
ومرة أخرى قال: حدثني عبد الله بن أبي سلمة أن عبيد الله بن عبد الله بن
رافع حدثه ... به.
أخرجه الدارقطني (12) ، وعلقه البيهقي.
وقد تابعه على ذلك الوليد بن كثير؛ إلا أنه خالفه في اسم تابعيه فقال: ثني
عبد الله بن أبي سلمة أن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع حدثه ... به.
أخرجه أحمد (3/86) .
وعبد الله بن أبي سلمة هذا: هو الماجشون؛ وهو ثقة.
ولكن مدار الحديث على عبيد الله هذا؛ وهو مجهول، كما سبق؛ وهذا
الاختلاف في اسمه يشعر بذلك.
لكن الحديث صحيح لطرقه وشواهده، وقد ذكرنا شيئاً منها فيما سلف؛
فراجعها إن شئت.
(تنبيه) : الوليد بن كثير هذا؛ له شيخ آخر في هذا الحديث، قال في الاسم المختلف
فيه: عبيد الله بن عبد الله بن رافع، راجع إسناد الحديث السابق؛ فقد اتفقت
رواية شيخيه على أنه عبيد الله، واختلفا في اسم أبيه كما ترى، والله تعالى أعلم.
35- باب الماء لا يُجْنِبُ
61- عن ابن عباس قال:
اغتسل بعضُ أزواج النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جَفْنَةِ، فجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيتوضأ منها
أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله اإني كنتَ جنباً؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَُ:(1/117)
"إن الماء لا يُجْنِبُ ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن
الجارود والحاكم ووافقه الذهبي والنووي وابن حجر) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا سِمَاك عن عكرمة عن ابن
عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ وأبو الأحوص: هو سلام بن
سُليم الحنفي الكوفي.
إلا أن سماكاً- وهو ابن حرب- وإن كان من رجال مسلم؛ فقد تُكُلِّم فيه من
قبل حفظه؛ لا سيما في روايته عن عكرمة: فقالوا: إنه يضطرب فيها.
والذي يتلخص عندي فيه من مجموع كلامهم: أنه حسن الحديث في غير
هذا الإسناد، صحيح الحديث برواية سفيان وشعبة عنه مطلقاً. وقد أطال في
ترجمته في "الميزان " وقال هو: إنه
" صدوق صالح من أوعية العلم ". ثئم نقل عن العجلي أنه قال فيه:
" جائز الحديث؛ كان الثوري يضعفه قليلاً ". وقال ابن المديني:
" روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وأبو
الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس ". وفي "التهذيب ":
" قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح
وليس من المتثبتين. ومن سمع منه قديماً مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح
مستقيم ".
قلت: فإذا اتفق أبو الأحوص وسفيان في إسناد الحديث عنه عن عكرمة عن(1/118)
ابن عباس؛ كان دليلاً على صحته، وهذا الحديث من هذا القبيل؛ فإنه رواه
سفيان أيضا كما يأتي، وتابعه شعبة أيضا.
والحديث أخرجه البيهقي (2/189) من طريق المؤلف.
ثمّ أخرجه (2/267) ، والترمذي- وقال: "حسن صحيح "-، وابن ماجه من
طرق عن أبي الأحوص ... به.
ثم أخرجه أيضا (2/188 و 267) ، وكذا النسائي (1/62) ، وابن الجارود في
" المنتقى " (27/48) ، والحاكم (1/159) ، وأحمد (1/235 و 284 و 308) من
طريق سفيان عن سماك ... به؛ إلا أنه قال:
"لا ينجس ".
وكذلك رواه ابن حبان في "صحيحه "- كما في "نصب الراية" (1/95) -.
وتابعه شعبة أيضا عن سماك: عند الحاكم، والبزار (1/132/290) .
وشريك: عند الدارقطني (19) ، وأحمد (6/300) ، ووهم فيه شريك فقال:
عن ابن عباس عن ميمونة زوج النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: أجنبت ... الحديث؛ فجعله
من مسندها! وإنما هو من مسند ابن عباس، كما رواه الجماعة. ثمّ قال الحاكم:
" قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأحاديث سماك بن
حرب، وهذا حديث صحيح في الطهارة، ولا يحفظ له علة "! ووافقه الذهبي!
وقال الحافط في "الفتح " (1/240) :
" وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة؛ لأنه كان يقبل التلقين،
لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم ". ولذلك
قال الحافط في مكان آخر (1/273) :(1/119)
" وهو حديث صحيح؛ رواه الأربعة وابن خزيمة وغيرهم ".
قلت: ومنهم الطحاوي في "شرح المعاني " (1/15) - عن سفيان-، والدارمي
(1/187) - عنه وعن يزيد بن عطاء-.
وله شاهد موقوف: أخرجه أحمد (6/172) ، والبيهقي (2/187) عن شعبة
عن يزيد الرٌ شك عن معاذة قالت:
سألت عائشة عن الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن الماء لا ينجسه شىء، قد
كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد، يبدأ فيغسل يديه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
والحديث صححه النووي أيضا (2/190) .
ورواه الطبراني في "الأوسط" (2093) من طريق آخر عن عائشة ... مرفوعاً،
وفيه شريك؛ وهو القاضي.
36- باب البول في الماء الراكد
62- عن محمد [هو ابن سيرين] عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا يبولَنّ أحذكم في الماءِ الدائم، ثمّ يغتسل منه ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم " من طرق كثيرة عنه. وصححه الترمذي، وابن حبان (1251)) .
إسناده: حدئنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة في حديث هشام عن محمد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه كما يأتي.(1/120)
والحديث أخرجه الدارمي (1/187) : أخبرنا أحمد بن عبد الله: ثنا زائدة عن
هشام ... به.
وأخرجه مسلم والطحاوي، وأحمد (2/362) من طرق عن هشام ... به.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/276) ، والنسائي (1/20) ، وأحمد
أيضا (2/265 و 492 و 529) من طرق أخرى عن محمد بن سيرين ... به.
وله طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة:
فأخرجه البخاري، والطحاوي- عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج- ومسلم
وأبو عوانة والترمذي- وصححه- وأحمد (2/316) - عن همام بن منبه-، ومسلم
أيضا وأبو عوانة، وابن ماجه (605) ، والطحاوي- عن أبي السائب مولى هشام بن
زهرة-، والنسائي (1/46) ، والطحاوي، وأحمد (2/394 و 464) - عن موسى بن
أبي عثمان عن أبيه- كلهم عن أبي هريرة ... به.
وله عند الطحاوي، وأحمد (2/259- 288- 346- 532) طرق أخرى غير
هذه عن أبي هريرة. ولفط همام عند الترمذي:
" ثمّ يتوضأ منه " مكان: " ثمّ يغتسل منه ".
وهو لفظ حديث ابن سيرين: عند أبي عوانة، وكذا النسائي وأحمد في
رواية.
63- عن محمد بن عَجْلان قال: سمعت أبي يحدّث عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا يولَنّ أحدُكم في الماء الدائمِ، ولا يغتسل فيه من الجنابة ".(1/121)
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن حبان (1254)) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبي
يحدث.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ إلا اْن مسلماً روى
لابن عجلان متابعة.
والحديث أخرجه أحمد (2/433) : ثنا يحيى ... به.
وقد تابعه أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان ... به دون الجملة الأخرى:
أخرجه ابن ماجه (1/143) .
وخالفهما حيوة بن شُرثح فقال: سمعت ابن عجلان يحدث عن أبي الزناد
عن الأعرج عن أبي هريرة: أخًرجه الطحاوي من طريق أبي زرعة وهب الله بن
راشد عنه.
وأبو زرعة هذا؛ فيه ضعف، فلا يحتج به.
لكن رواه البيهقي (1/238) من طريق أخرى عن ابن عجلان ... به.
فالظاهر أن لابن عجلان فيه شيخين.
وللحديث عن أبي هريرة طرق كثيرة بالشطر الأول فقط؛ وقد سبق ذكر
أكثرها.
أما الشظر الآخر؛ فقد رواه أبو السائب- مولى هشام بن زهرة- عن أبي هريرة
مرفوعاً بلفظ:
" لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب "؛ فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟!(1/122)
قال: يتناوله تناولاً:
أخرجه مسلم وغيره ممن قرن فيه فيما سبق.
وأخرجه ابن ماجه (1/215) ، والدارقطني أيضا (19) ، وقال:
" إسناد صحيح ".
فهذا شاهد قوي لحديث ابن عجلان.
أبي
وقد رواه بنحوه إدريس بن يحيى قال: ثنا عبد الله بن عياش عن الأعرج عن
هريرة مرفوعاً: أخرجه الطحاوي.
وإدريس هذا: هو الخولا ني؛ قال أبو زرعة:
" صالح، من أفاضل المسلمين؛ صدوق ".
رواه عنه إبراهيم بن منقذ العُصْفُري؛ قال ابن يونس:
" ثقة "؛ كما في "كشف الأستار" للسِّندهي.
فالإسناد صحيح.
37- باب الوضوء بسؤر الكلب
64- في حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب: أن يُغسل سبع مرات، أولاهن
بتراب ".
قال أبو داود: " وكذلك لمحال أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد ".(1/123)
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة في حديث هشام.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/207) من طريق معاوية بن
عمرو قال: ثنا زائدة عن هشام بن حسان ... به.
ثمّ أخرجه هو ومسلم، وأحمد (2/265 و 427 و 508) من طرق عن
هشام ... به، وليس عند أحمد- في رواية- قوله: " أولاهنّ بالتراب ".
والرواية الأخرى له؛ أخرجها البيهقي عنه (1/241) .
وأما رواية أيوب التي أشار إليها المؤلف؛ فأخرجها أبو عوانة والطحاوي والبيهقي
وأحمد (2/289) من طرق عنه ... به.
وتابعه الأوزاعي: عند البيهقي والدارقطني؛ وقال:
" الأوزاعي دخل على ابن سيرين في مرضه، ولم يسمع منه ".
وأما رواية ابن الشهيد؛ فلم أقف عليها الآن.
65- عن المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد جميعا عن أيوب عن/
محمد عن أبي هريرة ... بمعناه، لم يرفعاه، زاد: وإذا ولغّ الهر غسل مرة.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما؛ وهو موقوف. وقد وردد مرفوعاً بإسناد
على شرطهما أيضا. وصححه الترمذي والدارقطني والحاكم والذهبي وكذا
الطحاوي) .(1/124)
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا المعتمر- يعني: ابن سليمان-. (ح) وحدثنا
محمد بن عبيد: ثنا حماد بن زيد جميعاً.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وهو موقوف؛ لكن صح رفعه عن
أيوب من طرق، كما ذكرنا آنفاً؛ فهو أولى.
بل صح رفعه عن المعتمر بن سليمان نفسه؛ فقال الترمذي (1/151) :
حدثنا سَوَّار بن عبد الله العنبري: حدثنا المعتمر بن سليمان ... به مرفوعاً؛
وفيه الزيادة، وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وسوار هذا ثقة، غلظ من تكلم فيه، كما في "التقريب ".
وقد تابعه المُقَدَّمي- وهو محمد بن أبي بكر الثقفي البصري-: أخرجه
الطحاوي.
وقد تابعه على هذه الزيادة مرفوعاً: قرة بن خالد قال: ثنا محمد بن
سيرين ... به؛ إلا أنه قال:
" والهرة مرة أو مرتيهما ". أخرجه الحاكم (1/160- 161) - وقال: " صحيح
على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي-، والدارقطني (24) ، وقال:
" قرة يشك. هذا صحيح ".
واحتج به ابن حزم في "المحلَى" (1/117) ؛ فهو منه تصحيح له-
وأخرجه الطحاوي (1/11) ، وقال: إنه(1/125)
" متصل الإسناد "، ثمّ صححه (1) .
وأعل هذه الزيادة: المنذري في "مختصره " (رقم 65) بقوله:
" وقال البيهقي: أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووهموا فيه،
والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي ولوغ الهرة موقوف "! وفي "نصب
الراية " (1/136) :
" قال في "التنقيح ": وعلة الحديث: أن مسدداً رواه عن معتمر ... فوقفه: رواه
عنه أبو داود. قال في "الإمام ": والذي تلخص أنه مختلف في رفعه. واعتمد الترمذي
في تصحيحه على عدالة الرجال عنده، ولم يلتفت لوقف من وقفه. والله أعلم ". قال
العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على "الترمذي "- بعد أن نقل هذا الكلام-:
" وهذا الذي قال العلامة ابن دقيق العيد في "الإمام " صحيح جيد، وأزيد
عليه: أن مسدداً روى الحديث كله موقوفاً في ولوغ الكلب وفي ولوغ الهر. فلو كان هذا
علة؛ لكان علة في الحديث كله، ولكنه ليس علة ولا شبيهاً بها؛ بل الرفع من باب
زيادة الثقة، وهي مقبولة. فما صنعه الترمذي من تصحيح الحديث: هو الصواب ".
66- عن قتادة أن محمد بن سيرين حدثه عن أبي هريرة: أن نبي الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا ولغ الكلب في الاناء؛ فاغسلوه سبع مرات، السابعة بالتراب ".
__________
(1) تنبيه: هكذا رواه جمع من الثقات عن أبي عاصم عن قرة ... به. واختلف فيه على
أبي بكرة بكار بن قتية:
فرواه مرة هكذا: عند الطحاوي.
ومرة قال: " والهرّة مثل ذلك "؛ بدل: " مرّة أو مرتين ": أخرجه الحاكم- وصححه-!
وهو شاذ مخالف لرواية الجماعة.(1/126)
قال أبو داود: " وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابت الأحنف
وهما بن منبه وأبو السُّديِّ عبدُ الرحمن؛ رووه عن أبي هريرة ... فلم
يذكروا: (التراب) " (1) .
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما، وصححه الدارقطني، لكن قوله:
" السابعة بالتراب " شاذ، والأ رجح- كما قال الحافظ- الرواية الأولى: " أولاهن
بالتراب ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا أبان: ثنا قتادة.
وهذا سند صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من حديث قتادة؛ وإنما أخرجه
مسلم من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ:
" أولاهن بالتراب "؛ وقتادة يقول عنه- كما ترى-:
" السابعة بالتراب "!
فقد اختلفا عليه؛ والأصح الرواية الأولى؛ لمتابعة أيوب والأوزاعي لهشام عليها
__________
(1) فيه نظر! فإن في حديث عبد الرحمن والد السدي ذكر التراب: فيما رواه البزار
عنه- كما فما "الفتح " (1/221) -؛ فلعل ما ذكره المولف رواية عنه.
ثمّ إن حديث أبي صالح وأبي رزين: عند مسلم وأبي عوانة، وأحمد (2/253 و 480)
عنهما معاً.
وعند ابن ماجه، وكذا أحمد (2/424) عن أبي رزين وحده.
وحديث الأعرج: في "الصحيحين ".
وثابت الأحنف: فِي "المسند" (2/271) ، وهو على شرطهما.
وهمام: عند مسلم وأبي عوانة، وأحمد (2/314) .
وله عنده طريقان آخران (2/360 و 398 و 482) .(1/127)
كما سبق (رقم 64) . ولأمرين آخرين:
الأول: أن قتادة نفسه قد اختلف عليه فيها؛ فقد قيل عنه: " الأولى
بالتراب ".
والآخر: أن قتادة روى ذلك بإسناد آخر عن أبي هريرة، ويأتي ذلك كله.
وهذا يقتضي ترجيح رواية: " أولاهن "؛ لموافقته للجماعة؛ كما قال العراقي
في "التثريب " (2/130) . وقال الحافظ في "الفتح " (1/221) :
" ورواية: " أولاهن " أرجح؛ من حيث الأكثرية والأحفظية، ومن حيث
المعنى أيضا؛ لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج بلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد
نص الشافعي في (حرملة) على أنّ الأُولى آوْلى. والله أعلم ".
والحديث أخرجه الدارقطني (24) بهذا الإسناد، ثمّ قال:
"وهذا صحيح ".
ثمّ أخرجه من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة ... بإسناده مثله.
ثمّ أخرجه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة ... بإسناده نحوه؛ إلا أنه قال:
" الأولى بالتراب ". ثمّ قال الدارقطني:
"هذا صحيح ".
وأخرجه الطحاوي (1/12) من طريق عبد الوهاب بن عطاء قال:
سئل سعيد عن الكلب يلغ في الاناء فأحبونا عن قتادة عن ابن سيربن ...
به مثله؛ غير أنه قال ص 9 أولاها- أو السابعة- بالتراب "، شك سعيد.
قلت: وسعيد هذا؛ ليس هو ابن بشير؛ بل هو ابن أبي عروبة؛ فقد عرف(1/128)
عبد الوهاب هذا بصحبته له وملازمته إياه.
وقد أخرجه النسائي (1/63) من طريق عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة
عن قتادة ... به وقال:
" أولاهنّ بالتراب " بدون شك.
فظهر من هذه الرواية أن قتادة كان. يضطرب في هذه اللفظة على ثلاثة وجوه
عنه: إحداها على الجادة الوافقة لرواية الجماعة؛ فالزمها.
ولقتادة فيه إسنادان آخران عن أبي هريرة ... به على الصواب:
الأولى: أخرجه النسائي والدارقطني: عنه عن خِلآس عن أبي رافع ... به.
والأخر: أخرجه الدارقطني: عنه عن الحسن ... به.
كلاهما عن أبي هريرة مرفوعاً.
وإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين.
67- عن [عبد الله] ابن مُغَفَّل:
أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتل الكلاب، ثمّ قال:
" ما لهم ولها؟! "؛ فرخّص في كلب الصيد وفي كلب الغنم، وقال:
" إذا ولغ الكلب في الاناء؛ فاغسلوه سبع مِرَارٍ، والثامنة عفِّروه
بالتراب ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما" وقال ابن منده: إنه مجمع على صحته) .(1/129)
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة:
ثنا أبو التياح عن مُطَرف عن ابن مُغفل.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
وأخرجه أبو عوانة من طريق المؤلف.
وهو في "المسند" (4/86) بهذا السند.
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي وابن ماجه والطحاوي
والدارقطني والبيهقي، وأحمد أيضا (5/56) من طرق عن شعبة ... به. قال ابن
التركماني:
" وأخرجه ابن منده من طريق شعبة وقال: إسناد مجمع على صحته ".
(تنبيه) : في هذا الحديث زيادة غسلة على حديث أبي هريرة الذي قبله؛
فينبغي الأخذ بالزائد من الحديث- كما هي القاعدة-. وقد ثبت القول بذلك عن
الحسن البصري، وبه قال أحمد.
وحاول بعضهم الجمع بين الحديثين بما فيه تكلف طاهر! ولذلك رده بعض
المحققين؛ وتجد شرح ذلك في "الفتح " (1/222- 223) .
38- باب سؤر الهرة
68- عن كَبْشةَ بنت كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة-:
أنّ أبا قتادة دخل، فسكبت له وَضُوءاً، فجاءتْ هِرّةٌ فشرِبتْ منه،
فأصغى لها الاناء حتى شربت. قالت كبشة: فراني أنظر إِليه. فقال:
أتعجبين يا ابنة أخي؟! فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(1/130)
" إنها ليست بنَجَسٍ؛ إنها من الطوَافين عليكم والطّوافات ".
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الترمذي والبخاري والدارقطني
والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي والنووي) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله
ابن أبي طلحة عن حُميدة بنت عبيد بن رقاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخبن؛ غير حميدة هذه، وقد
ذكرها ابن حبان في "الثقات "، وقد أشار إلى توثيقها من صحح حديثها هذا، كما
يأتي ذكرهم، وهما زوجة إسحاق بن عبد الله هذا؛ وقد روى عنها ابنها يحيى
أيضا.
والحديث في "موطأ مالك " (1/45- 46) .
وأخرجه بقية أصحاب "السنن الأربعة "، وكذا الدارمي والطحاوي والدارقطني
والحاكم والبيهقي، وأحمد (5/303 و 309) كلهم عن مالك ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". قال:
" وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم
يأت به أحد أنم من مالك ". وقال الحاكم:
" حديث صحيح، وهو مما صححه مالك، واحتج به في "الموطأً" ... "،
ووافقه الذهبي.
وصححه أيضا النووي في "المجموع " (1/171) ، ثمّ نقل عن البيهقي أنه قال:
" إسناده صحيح "!
ولم أجد هذا صريحاً في "سننه الكبرى".(1/131)
ونقل الحافظ في "التلخيص " تصحيحه عن البخاري والدارقطني والعقيلي.
وفي " نصب الراية " (1/137) :
" قال الشيخ تقى الدين في "الإمام ": ورواه ابن خزيمة وابن منده في
"صحيحيهما"؛ لكن ابن منده قال: وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية
إلا في هذا الحديث، ومحلهما محل الجهالة، ولايثبت هذا الخبر من وجه من
الوجوه. قال الشيخ: وإذا لم يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث؛ فلعل طريق من
صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتها؛ مع شهرته بالتثبت ".
قلت: وأيضا؛ فإن حميدة قد وثقها ابن حبان كما سبق؛ وهو وإن كان معروفاً
بالتساهل في التوثيق؛ غير أنه قد أيده في ذلك تصحيح من صحح الحديث من
الأئمة الفحول، كالبخاري وغيره ممن سبق ذكرهم.
وأما كبشة فقد قال ابن حبان:
" لها صحبة "؛ وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى؛ كما في "قهذيب التهذيب ".
ثمّ إن للحديث طرقاً وشاهداً من طرق، لا يبقى معها مجال للشك في صحة
الحديث.
فمن طرقه: ما قاله الشافعي في "المسند" (ص 3) - بعدما ساق الحديث من
طريق مالك-: أنبأنا الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن
أبيه عن النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مثله أو مثل معناه.
والثقة هذا الذي لم يسم: هو همام بن يحيى أبو بكر البصري؛ وهو ثقة، كما
قال الشافعي؛ احتج به الشيخان: أخرجه البيهقي (1/246) من طريق عفان عن
همام: ثنا يحيى بن أبي كثير. .. به.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ إذا كان يحيى سمعه من عبد الله بن أبي قتادة.(1/132)
وتابعه الحجاج عن قتادة عن عبد الله بن أبي قتادة بلفظ:
" السنَّوْرُ من أهل البيت، وإنه من الطّوّافين أو الطّوّافات عليكم ".
أخرجه أحمد (5/309) .
قلت: ورجاله ثقات؛ إلا أن الحجاج- وهو أبن أرطاة- مدلس.
ومنها: ما عند الطحاوي من طريق قيس بن الربيع عن كعب بن عبد الرحمن
عن جده أبي قتادة قال:
رأيته يتوضأ، فجاء الهر فأصغى له حتى شرب من الإناء، فقلت: يا أبتاه! لم
تفعل هذا؟! فقال: كان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله أو قال: " هي من الطّوّافين عليكم ".
ورجاله موثقون؛ غير كعب هذا فلم أجد من ذكره (1) .
وله عند البيهقي طريقان آخران أحدهما موقوف، ثمّ قال:
" وكل ذلك شاهد لصحة رواية مالك ".
وأما الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه؛ فهو:
69- عن داود بن صالح بن دينار التَّمَّار عن أمه:
أنّ مولاتها أرسلتْها بهرِيسةٍ إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، فوجدتْها
تصلّي، فأشارت إليَّ: أن ضعيها، فجاءت هرة فأكلتْ منها، فلما
انصرفت؛ أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
__________
(1) ثم وجدتَه في "كشف الأستار" للسندهي فقال: " ذكره ابن حبان في "الثقات ... ".
فالأسناد حسن؛ إن شاء الله تعالى.(1/133)
" إنها ليست بنجَس؛ إنما هي من الطّوّافين عليكم "؛ وقد رأيت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفَضْلها.
(قلت: حديث صحيح، وقد صحح بعضه ابن خزيمة والحاكم ووافقه
الذهبي والحافظ) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا عبد العزيز عن داود بن صالح بن
دينار التمار.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أم داود بن صالح؛ أوردها الذهبي في
" فصل من لم تسم من فصل النسوة المجهولات ".
وقد أغفلها الحافظ في "تهذيب التهذيب "، وفي "التقريب "، والخزرجي في
"الخلاصة "، فلم يوردوها في (الكنى) ، ولا أعلم اسمها!
لكن الحديث صحيح يشاهده الذي قبله، وبطرقه الأتية.
والحديث أحرجه الدارقطني، والبيهقي من طريقين آخرين عن عبد العزيز بن
محمد الدراوردي ... به، وقال الدارقطني:
" رفعه الدراوردي عن داود بن صالح. ورواه عنه هشام بن عروة موقوفاً على
عائشة".
قلت: لكن قد جاء عنها مرفوعاً من طرق أخرى؛ مما يدل على أن الحديث
مرفوع في الأصل، قصر به بعض الرواة فوقفه:
فمن طرقه: ما أخرجه ابن ماجه والدارقطني والطحاوي عن حارثة بن أبي
الرِّجال عن عمرة عن عائشة قالت:(1/134)
كنت أتوضأ أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد، قد أصابت منه الهرة قبل
ذلك.
وحارثة هذا ضعيف.
ومنها: ما عند ابن خزيمة (103) ، والدارقطني والبيهقي وكذا الحاكم من
طريق سليمان بن مسافع بن شيبة الحَجَبِيِّ قال: سمعت منصور ابن صفية بنت
شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الهرة:
" إنها ليست بنجَس؛ هي كبعض أهل البيت ". وقال الحاكم: إنه
" شاهد بإسناد صحيح لحديث أبي قتادة السابق "!
ووافقه الذهبي؛ مع أنه قال في ترجمة مسافع هذا في "الميزان ":
" لا يعرف؛ وأتى بخبر منكر "!
ورد عليه الحافظ في "اللسان "؛ فقال بعد أن ساق الحديث:
" وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه "؛ وليس فيه نكارة، كما زعم المصنف ".
ومنها: ما عند الطحاوي من طريق خالد بن عمرو الخُرَاساني قال: ثنا صالح
ابن حيان قال: ثنا عروة بن الزبير عن عائشة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصْغِي الإناء للهر، ويتوضأ بفضله.
وله طريق أخرى عن عروة: عند الدارقطني؛ وكلاهما ضعيف.
وهذه الطرق وإن كان لا يخلو كل منها على انفرادها من مقال؛ فمجموعها مما
يقوي الحديث، ولا سيما أن شاهده قوي؛ كما سبق بيانه. والله أعلم.(1/135)
39- باب الوضوء بفضل وضوء المرأة
70- عن عائشة قالت:
كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد، ونحن جنبان.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة
في "صحاحهم "، وله عندهم طرق كثيرة عنها) .
إسناده: ثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني منصور عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ ولم يخرجه بهذا الإسناد.
والحديث أخرجه أحمد (6/191) أيضا قال: ثنا يحيى ... به.
ثمّ أخرجه هو (6/189- 210) ، والطحاوي (1/15) من طرق عن سفيان ... به.
وهو عند النسائي (1/47) من طريق يحيى عن سفيان.
وتابعه عنده عَبِيدة بن حُمَيد عن منصور ... نحوه.
وأخرجه الشيخان، وأبو عوانة في "صحيحه "، وبقية أصحاب "السنن الأربعة"
والدارمي والدارقطني والطحاوي أيضا، والبيهقي، وأحمد (6/30 و 37 و 43 و 64 و 91
و103 و 118 و 123 و 127 و 129 و 153 و 157 و 161 و 168 و 170 و 171
و172 و 173 و 192 و 193 و 199 و 230 و 231 و 235 و 255 و 265 و 281) ،
وكذا الطيالسي (رقم 1416 و 1421 و 1438 و 1573) من طرق كثيرة عن عائشهَ
رضي الله عنها ... به.
(فائدة) : في سبب رواية عائشة رضي الله عنها للحديث؛ قال الحافظ في(1/136)
"الفتح " (1/290) :
" واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده
ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى: أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج
امرأته؟ فقال: ساكلت عطاءً؟ فقال: سألت عائشة؟ ... فذكرت هذا الحديث
بمعناه. وهو نص في المسألة ".
قلت: ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
" احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ... " الحديث.
وإسناده ثابت، كما سيأتي في الكتاب (رقم ... ) [كتاب الحمام/ما جاء في
التعري] .
ثمّ إن النظر يشهد لذلك عند من تأمل، ولا يتسع المقام لتوضيحه وبيانه.
وأما ما أخرجه الخطيب في "تاريخه " (1/225) ، وكذا الطبراتا فما "معجمه
الصغير" (ص 27) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (8/247) عن عائشة أيضا قالت:
مارأيت عورة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قط.
فقالى الطبراني: " تفرد به بركة بن محمد ".
وهو لا بركة فيه؛ فإنه وضاع كذاب، وهذا الحديث من أباطيله؛ كما قال
الحافط في "اللسان ".
71- عن أم صُبَيَّةَ الجُهَنِيَّة فالت:
اختلفتْ يدي ويدُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوضوء من إناء واحد.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وحسنه الحافظ العراقي) .(1/137)
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النُفَيْليّ: ثنا وكيع عن أسامة بن زيد عن
ابن خَرَّبوذ عن أم صبية.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وفي أسامة بن زيد- وهو الليثي- كلام
لا يضر ولا ينزل حديثه من رتبة الحسن؛ على أنه لم يتفرد به، كما يأتي،
فالحديث صحيح.
وابن خرّبوذ- بفتح الخاء المعجمة، وشدة الراء المهملة مفتوحة، وضم الموحدة،
وسكون الواو، ثمّ الذال المعجمة-؛ اسمه: سالم بن سَرْج أبو النعمان، وبعض
الرواة يقول فيه: سالم بن النعمان؛ وقد وثقه ابن معين وغيره.
والحديث أخرجه ابن ماجه والطحاوي والبيهقي من طرق أخرى عن أسامة
ابن زيد ... به.
وكذلك أخرجه أحمد (6/367) .
ثمّ أخرجه هو، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص 153) - من طريق خارجة
ابن الحارث بن رافع بن مَكِيث الجهَني-، والدارقطني (ص 20) - عن خارجة بن
عبد الله؛ قال الأول: عن سالم بن سرج، وقال الأخر: نا سالم أبو النعمان- ...
به
وخارجة بن الحارث هذا ثقة اتفافاً.
وأما خارجة بن عبد الله- وهو ابن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري-؛
فمختلف فيه.
قال ابن ماجه: سمعت محمداً يقول: أم صُبية: هي خولة بنت قيس.
فذكرت لأبما زرعة؟ فقال: صدق.(1/138)
قلت: وقد جاء مصرحاً باسمها في رواية الدارقطني، وكذا البخاري.
والحديث حسنه العراقي في "التثريب " (2/39) .
72- عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال:
كان الرجال والنساء يتوضمَّأُون في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (زاد في رواية
عن نافع: من الاناء الواحد) جميعاً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه بدون الزيادة؛
وهي على شرط البخاري) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا حماد عن أيوب عن نافع. (ح) ، وثنا عبد الله بن
مسلمة عن مالك.
قال مسدد: من الإناء الواحد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ إلا الزيادة- زيادة مسدد-؛ فعلى
شرط البخاري؛ وقد أخرجه بدونها كما يأتي
والحديث في "الموطأ" (1/46- 47) بهذا السند.
والحديث أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه وكذا الإمام محمد في
"موطئه " (ص 60) ، والبيهقي، وأحمد (2/113) كلهم عن مالك ... به، وزاد
فيه ابن ماجه الزيادة التي عند مسدد عن حماد عن أيوب.
وقد أخرجها أحمد أيضا (2/4) من طريق إسماعيل: أنا أيوب ... به.
وهي عند عبيد الله عن نافع، كما في الرواية الآتية:(1/139)
73- عن عبيد الله: حدثني نافع عن عبد الله بن عمر قال:
كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد؛
نُدْلي فيه أيدينا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري) .
إسناده: حدثشا مسدد: ثشا يحيى عن عبيد الله.
وهذا سند صحيح على شرط البخاري؛ ولم يخرجه من هذا الوجه بهذا اللفط.
والحديث أخرجه أحمد (2/103 و 143) من طريق محمد بن عبيد وابن نمير
كلاهما عن عبيد الله ... به دون قوله:
ندلي فيه أيدينا، لكن معناه عند ابن نمير بلفظ:
ويشرعون فيه جميعاً.
وهو على شرط الشيخين.
ثم رأيته في "المستدرك " (1/162) من طريق أبي خالد عن عبيد الله ... به
نحوه؛ دون الزيا دة.
وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.
40- باب النهي عن ذلك
74- عن حُميد الحِمْيَرِيِّ قال:
لقيت رجلاً صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع سنين - كما صحبه أبوهريرة- قال:
نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل(1/140)
بفضل المرأة (زاد في رواية: ولْيغترفا جميعاً) .
(قلت: إسناده صحيح، كما قال الحافظ، وهو تمام الحديث (رقم 22) ،
وذكرنا هناك من صححه) .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير عن داود بن عبد الله. (ح) وحدثنا
مسدد: ثنا أبو عَوانة عن داود بن عبد الله عن حُميد الحِمْيري- زاد مسدد:
" وليغترفا جميعاً "-.
وهذا سند صحيح، كما قال الحافظ في "بلوغ المرام "، وهو تمام الحديث المتقدم
(برقم 22) ، وقد خرجناه هناك، فراجعه.
وهذا القدر؛ أخرجه الطحاوي أيضا (1/14) عن مسدد.
وتابعه قتيبة- عند النسائي-، وسُرَيْج- عند أحمد (5/369) - بالزيادة؛ فلم
يتفرد بها؛ فلو قال المؤلف:
(زاد أبو عوانة) ؛ لكان أقرب إلى الصواب!
75- عن الحكم بن عمرو- وهو الأقرع-:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان، وحسنه الترمذي) .
إسناده. حدثنا ابن بشار: ثنا أبو داود- يعني: الطيالسي-: ثنا شعبة عن
عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أبي حاجب- واسمه(1/141)
سَوَادة بن عاصم العَنَزِي-، وهو ثقة بلا خلاف.
والحديث رواه البيهقي (1/191) من طريق المؤلف.
وهو في "مسند الطيالسي "- رواية يونس بن حبيب عنه- برقم (1252) ، لكن
ليس في روايته تسمية الحكم بن عمرو؛ بل فيه: سمعت أبا حاجب يحدث عن
رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ثمّ قال يونس: هكذا حدثنا أبو داود! قال
عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن
عمرو.
قلت: ورواه البيهقي عن يونس ... به كما في "المسند".
وخالفه جمع من الثقات؛ فرووه كما رواه. المصنف عن ابن يشار.
وكذلك رواه الترمذي، وابن ماجه عن محمد بن يشار، وكذا البيهقي.
ثمّ أخرجه النسائي (1/64) ، والترمذي أيضا، وأحمد (5/66) من طرق عن
أبي داود ... به.
فلعل أبا داود الطيالسي كان أحياناً يصرح باسم الصحابي، وأحياناً ييهمه.
ثمّ أخرجه أحمد (4/213) ، والطحاوي (14) ، والبيهقي من طرق أخرى عن
شعبة ... به مصرحاً باسم الصحابي.
وتابعه - عن عاصم-: قيس بن الربيع: عند الطحاوي.
وتابع عاصماً- عن أبي حاجب-: سليمان التيمي؛ إلا أنه لم يُسَم
الصحابي؛ بل قال: عن رجل من أصحاب النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بني غفار:
أخرجه البيهقي، والترمذي، وقال:(1/142)
" حديث حسن ".
وأما البيهقي؛ فيظهر أنه حاول إعلاله بما رواه عن البخاري أنه قال:
" سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي؛ يعد في البصريين؛ ويقال: الغفاري،
ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو ".
وصرح الترمذي في "العلل " عن البخاري أنه قال عن هذا الحديث:
"ليس بصحيح "!
قلت: وهذا من الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، ولعل سوادة لم تثبت عنده
عدالته، أو لقاؤه للحكم؛ فقد ثبت ذلك عند غيره كما سبق؛ وإنما يشترط التصريح
باللقاء عند الجمهور من المدلس فقط؛ خلافاً البخاري، كما مضى.
ثم روى البيهقي الحديث من طرق أخرى عن سوادة العنزي عن الحكم ...
موقوفاً عليه.
وهذا ليس بعلة؛ فقد رفعه عنه ثقتان، وهي زيادة يجب قبولها ولا يجوز
هدرها.
ولذلك لم يلتفت الحافظ إلى تضعيف الحديث، بل رد على من فعل ذلك،
فقال في "الفتح " (1/240) :
" أما حديث الحكم بن عمرو؛ فأخرجه أصحاب "السنن "، وحسنه الترمذي،
وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه ".
(فائدة) : قد روى عاصم هذا الحديث عن عبد الله بن سَرْجِس أيضا: أخرجه
ابن ماجه والطحاوي، والدارقطني (ص 43) ، والبيهقي من طريق عبد العزيز بن
المختار عن عاصم الأحول ... به بزيادة؛ ولفظه:(1/143)
نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل؛
ولكن يشرعان جميعاً.
وإسناده صحيح على شرطهما؛ وليس عند البيهقي الشطر الثاني منه.
وكذلك رواه ابن حزم (1/212) ، وجعل ذلك حجة في النهي عن استعمال
الرجل فضل المرأة لا العكس!
وهذه الروايات ترد عليه؛ لكن عذره أنه لم يقف عليها.
وقد أعِل حديث عاصم هذا بما أعِل به سابقه؛ وهو أن شعبة رواه عن
عاصم ... موقوفاً. وقال الدارقطني- وتبعه البيهقي-: إنه
" أولى بالصواب "!
والجواب ما سبق.
41- باب الوضوء بماء البحر
76- عن مالك عن صفوان بن سُلَيْمٍ عن سعيد بن سَلَمة- من آل ابن
الأزرق- أن المغيرة بن أبي بُرْدة- وهو من بني عبد الدار- أخبره: أنه سمع
أبا هريرة يقول:
سأل رجل النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل
معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا؛ أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هو الطَّهورُ ماؤه، الحِلّ مَيْتته ".(1/144)
(قلت: إسناده صحيح، وصححه البخاري والترمذي والحاكم وابن خزيمة
وابن حبان وابن المنذر والطحاوي والبغوي والخطابي وابن منده والبيهقي
وعبد الحق والنووي والذهبي وآخرون) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير سعيد بن سلمة
وشيخه المغيرة بن أبي بردة؛ وهما ثقتان؛ وثقهما النسائي وابن حبان. وقال
الآجري عن المؤلف:
" المغيرة بن أبي بردة معروف ".
والحديث في "موطأ مالك " (1/44- 45) بإسناده هذا.
وعنه: أخرجه محمد في "موطئه " (ص 67) ، وبقية أصحاب "السنن الأربعة "،
والدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي، وأحمد (2/237 و 393) . وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وصححه الحاكم، وروى له متابعات لالك عن صفوان.
وتابعه- عن المغيرة بن أبي بردة-: الجلاح أبو كثير: أخرجه أحمد (2/378) ،
والحاكم، وزاد هو والبيهقي في أوله:
" فاغتسلوا ". وقال:
" وقد احتج مسلم بالجلاح أبي كثير ". وفي "التلخيص " (1/84) :
" وصححه البخاري فيما حكاه الترمذي، وتعقبه ابن عبد البر بأنه لو كان
صحيحاً عنده؛ لأخرجه في "صحيحه "! وهذا مردود؛ لأنه لم يلتزم الاستيعاب.(1/145)
ثم حكم ابن عبد البر- مع ذلك بصحته- لتلقي العلماء له بالقبول ... ورجح ابن
منده صحته، وصححه أيضا ابن المنذر، وأبو محمد البغوي ". وقال في
" التهذيب " (10/257) :
" وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والخظابي والطحاوي وابن منده
والحاكم وابن حزم والبيهقي وعبد الحق وآخرون ".
قلت: ابن حزم قد صرح بضعفه في "المحلّى" فقال (1/221) :
" الخبر: " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته " لا يصح؛ ولذلك لم نحتج به "!
فلعله صح عنده بعد ذلك؛ فأورده في بعض كتبه الأخرى؛ وإلا فهو من أوهام
الحافظ رحمه الله تعالى!
وقال النووي في "المجموع " (1/82) :
" هو حديث صحيح ".
وله طرق وشواهد كثيرة، يطول الكلام بإيرادها والتكلم على أسانيدها،
فراجعها في "التلخيص "، و "نصب الراية".
ومنها: حديث جابر: عند أحمد (3/373) ، وعنه ابن ماجه (388) ، وابن
حبان (120) .
وسنده جيد.
42- ومن " باب الوضوء بالنبيذ "
77- عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود:
من كان منكم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن؟ فقال:(1/146)
ما كان منا معه أحد.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه ".
وصححه الترمذي والدارقطني والطحادي) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا وُهَيْب عن داود عن عامر عن
علقمة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه الطيالسي في "مسنده " (رقم 281) قال: حدثنا وهيب بن
خالد ويزيد بن زرَبع عن داود بن أبي هند ... به أتم منه، ولفظه: قال:
قلت لابن مسعود: إن الناس يتحدثون أنك كنت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة
الجن؟ فقال: ما صحيه منا أحد، ولكنا فقدناه بمكة فطلبناه في الشعاب وفي
الأودية؛ فقلنا: اغتيل، استطير إ! فبتنا بشر ليلة بات فيها قوم! فلما أصبحنا رأيناه
مقبلاً فقلنا: يا رسول الله بتنا الليلة بشر ليلة بات فيها قوم، فقدناك؟! فقال:
" إنه أتاني داعي الجن، فانطلقت أقْرِئهم القرآن ". فانطلق بنا؛ فأرانا بيوتهم
ونيرا نهم، وسألوه الزاد فقال:
" كل عظم لم (1) يذكر عليه اسم الله؛ يقع في أيديكم أوفر ما كان لحماً، وكل
بعرة علف لدوابكم ". فنهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يستنجى بهما وقال:
" هما زاد إخوانكم من الجن ".
وأخرجه مسلم (2/36) ، والترمذي (2/219 طبع بولاق) - وقال: " حديث
حسن صحيح "- والطحاوي (1/57) - وصححه- والدارقطني (28) والبيهقي
__________
(1) بدون " لم ": عند مسلم!(1/147)
وأحمد (1/436) من طرق عن داود بن أبي هند ... به نحوه.
وتابعه أبو معشر- وهو زياد بن كلَيْبِ- عن إبراهيم عن علقمة ... به مختصراً
بلفط:
لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووددت أني كنت معه.
أخرجه مسلم والطحاوي والبيهقي. ثمّ قال الدارقطني:
" هذا الصحيح عن ابن مسعود ".
(تنبيه) : قد يقول قائل: ما وجه المناسبة بين الباب والحديث؛ وليس فيه ما
ترجم له المصنف؟!
والجواب: أنه إنما أورده هنا؛ ليشير به إلى ضعف حديث أخر لابن مسعود
ساقه قبيل حديثه هذا؛ ولفظه:
أنّ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له ليلة الجن:
" ما في إداوتك؟. قال: نبيذ. قال:
" تمرة طيبة وماء طهور "؛ زاد غير المصنف:
فتوضأ به.
فببن المصنف أن هذا الحديث لا يصح؛ من أجل أن ابن مسعهد لم يكن ليلة
الجن مع النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كما شهد نفسه بذلك في هذا الحديث للصحيح؛ وقد أشار
إلى ذلك أيضا الدارقطني بكلامه الذي ذكرناه آنفاً.
ثمّ إن الحديث المشار إليه ضعيف من قبل إسناده أيضا؛ ولذلك أوردناه في
كتابنا الآخر، وذكرنا هناك اتفاق العلماء على تضعيفه، فراجعه (رقم 11) .(1/148)
هذا؛ ومما سبق نعلم مناسبة إيراد المصنف الأثرين عن عطاء وأبي العالية؛ كما
يأتي.
78- عن ابن جريح عن عطاء:
أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ؛ وقال: إن التيمم أعجب إليَّ منه.
(قلت: إسناده ثقات؛ فهو أثر ثابت إذا كان ابن جريح سمعه منه) .
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا عبد الرحمن: ثنا بشر بن منصور عن ابن
جريج.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ فهو صحيح؛ إذا كان ابن جريج
سمعه من عطاء ولم يدلسه عنه.
وعبد الرحمن هذ - وفي الإسناد الذي بعده-: هو ابن مهدي.
وهذا الأثر؛ أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وتابعه عبد الرزاق (1/179) عن ابن جريج ... به دون قوله: والنبيذ ...
وعلق عليه المتعصب الأعظمي بقوله:
" روى ابن أبي شيبة عن علي وعكرمة جواز الوضوء بالنبيذ " إ!
فأقول: لقد جمع الشيخ- هداه الله- في هذا التخريج: بين تحريف النص،
وكتمان العلم!
أما الأول: فإن عكرمة لم يطلق ذلك؛ بل قيده بمن لا يجد الماء؛ فإنه قال:
الوضوء بنبيذ لمن لم يجد الماء!(1/149)
وأما الأخر: فإنه لا يصح إسناده عن علي؛ لأنه من رواية حجاج عن أبي
إسحاق عن الحارث عن علي.
وهذا إسناد واهً بمرة:
الحارث: هو الأعور، ضعيف اتهمه بعضهم.
والحجاج- وهو ابن أرطاة-، وأبو إسحاق- وهو السبيعي- مدلسان، مع
اختلاط السبيعي.
79- عن أبي خَلْدة قال:
سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة، وليس عنده ماءٌ، وعنده
نبيذ؛ أيغتسلُ به؟ قال: لا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري) .
إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا عبد الرحمن: ثنا أبو خلدة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وأبو خلدة: اسمه خالد بن دينار.
وهذا الأثر؛ أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ورواه ابن أبي شيبة (1/26) ، والدارقطني (29) من طريق مروان بن معاوية:
نا أبو خلدة ... به، وزاد الدارقطني في آخره:
فذكرت له ليلة الجن؟ فقال: آنْبِذَتُكًمْ هذه الخبيثةُ؟! إنما كان ذلك زبيب وماء.
قلت: يعني: أنه لم يكن خرج بذلك عن كونه ماءً مطلقاً. وقد قال
الطحاوي:(1/150)
" وقد أجمع العلماء أن نبيذ التمر إذا كان موجوداً في حال وجود االماء: أنه لا
يتوضأ به؛ لأنه ليس ماءً، فلما كان خارجاً من حكم الياه في حال وجود الماء؛ كان
كذلك هو في حال عدم الماء ".
وهو بذلك يرد على أبي حنيفة إمامه الذي قال بجواز الوضوء بالنبيذ إن لم
يجد غيره! وتمام كلامه يراجع في "شرح المعاني " له.
43- ومن " باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟ "
80- عن زهير: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم:
انه خرج حاجّاً أو معتمراً، ومعَه الناس وهو يؤمّهم، فلما كان ذات
يوم؛ أقام الصلاة- صلاة الصبح- ثمّ قال: لِيتقدّم أحدكم- وذهب الخلاءَ-؛
فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة؛ فليبدا بالخلاء ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك قال الحاكم، ووافقه
الذهبي، وصححه الترمذي أيضأ، وكذا ابن خزيمة (932) ، وابن حبان
(2068)) .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى ابن الأرقم.
وزهير هذا: هو ابن محمد التميمي.
والحديث أخرجه الحاكم (1/168) عن زهير ... به.(1/151)
وأخرجه الترمذي، والطحاوي في "مشكل الأثار" (2/403- 404) - عن أبي
معاوية الضرير-، والدارمي- عن محمد بن كُنَاسة-، وأحمد (3/483) - عن
يحيى بن سعيد-، و (4/35) - عن عبد الله بن سعيد-، والطحاوي أيضا- عن
عيسى بن يونس وعبد الله بن نمير الهمداتي-، وابن حزم (4/47) - عن معمر
وحماد بن سلمة-؛ كلهم عن هشام بن عروة ... به.
وكذلك رواه مالك (1/174) ، ومن طريقه النسائي (1/137) ، وابن خزيمة في
"صحيحه "- عن حماد بن زيد (1/1/174) -؛ كلهم عن هشام ... به.
وفي رواية معمر ما يشعر أنه سمع الحديث من عبد الله بن الأرقم؛ فإن لفظه:
كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة ... إلخ.
ومثلها رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام بن
عروة ... به؛ بلفظ:
خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري، فأقام الصلاة ...
الحديث. قال ابن عبد البر- فيما نقله في "التعليق على الترمذي "-:
" فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه؛ متصلة؛ لتصريحه بأن عروة
سمعه من عبد الله بن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان ".
وخالف هؤلاء بعضهم؛ فقال المصنف عقب الحديث:
" روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث: عن
هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم. والأكثر الذين رووه
عن هشام قالوا كما قال زهير ".
ورواية وهيب هذه؛ وصلها الطحاوي؛ وبها أعل الحديث، فقال عقيها:(1/152)
" وفيه ما قد دل على فساد إسناد هذا الحديث من أصله؛ لأنه أدخل بين
عروة وعبد الله بن الأرقم رجلاً مجهولاً "! وقال الترمذي في "العلل الكبير" عن
البخاري:! ن
" هذا أشبه عندي "؛ نقله في "التهذيب" (5/146) !
ونحن نرى أن هذه الروايه لا تعل الأولى؛ بل كل منهما صحيح، والظاهر أن
عروة رواه أولاً عن رجل عن ابن أرقم، ثم رواه عنه مباشرة بدون واسطة. ولهذا
أمثلة كثيرة في الأسانيد؛ كما لا يخفى على المشتغل بهذا العلم الشريف. ولذلك
نرى الترمذي الذي نقل إعلال البخاري له لم يأخذ هو به، بل صحح الحديث
بقوله:
" حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم.
" صحيح على شرط الشيخين "؛ ووافقه الذهبي.
81- عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر- أخي القاسم بن محمد-
قال:
كنا عند عائشة، فجيء بطعامها، ققام القاسم يصلّي فقالت: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لا يُصلّى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه " من طريق المؤلف. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه
مسلم في "صحيحه "، وكذا ابن حبان (2070 و 2071)) .(1/153)
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ومحمد بن عيسى ومسدد- المعنى-
قالوا: ثنا يحيى بن سعيد عن أبي حَزْرَةَ: ثنا عبد الله بن محمد- قال ابن عيسى
في حديثه- ابن أبي بكر- ثمّ اتفقوا- أخو القاسم بن محمد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أبو عوانة (1/268) عن المصنف.
وهو في "المسند" (6/43- 54) بهذا المسند.
وأخرجه الحاكم (1/168) من طريقه ومن طريق مسدد أيضا شاهدالحديث
عبد الله بن الأرقم الذي قبله، وصححه هو، والذهبي.
وأخرجه مسلم (1/78- 79) ، وأبو عوانة أيضا، وأحمد (6/73) عن
إسماعيل ابن جعفر قال: أخبرتي أبو حزرة القاص عن عبد الله بن أبي عتيق عن
عائشة ... المرفوع منه فقط.
وعبد الله بن أبي عتيق هذا: هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق، يعرف بابن أبي عتيق، وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن
ابن أبي بكر الصديق وهو ابن عم القاسم بن محمد وأخيه عبد الله هذا.
فقد اختلف على أبي حزرة في اسم شيخه.
فيحيى- وهو ابن سعيد- يقول: عنه عن عبد الله بن محمد.
وإسماعيل يقول: عنه عن عبد الله بن أبي عتيق. قال الحافظ في
" التهذيب ":
" وهو المحفوظ "! كذا قال!(1/154)
ونحن نرى أن كليهما محفوظ، وأن لأبي حزرة فيه شيخين؛ بل ثلاثة.
والثالث: هو القاسم أخو عبد الله:
أخرجه الطحاوي في "المشكل " (2/404) من طريق يحيى بن أيوب عن
يعقوب بن مجاهد أن القاسم بن محمد وعبد الله بن محمد نبآه عن عائشة ...
به
وتابعه عنده: حسين بن علي الجعفي عن أبي حزرة عن القاسم وحده.
44- باب ما يجزئ من الماء في الوضوء
82- عن عائشة:
أن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمُد.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما) .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن
عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد قال المصنف عقبه:
" رواه أبان عن قتادة فال: سمعت صفية ".
فهو متصل.
والحديث أخرجه ابن ماجه، وأحمد (6/121 و 234 و 238- 239) من طرق
عن همام ... به.
وأخرجه النسائي (1/64) ، والدارقطني (35) ، وأحمد (6/234) من طريقين(1/155)
آخرين عن قتادة ... به.
ورواية أبان؛ وصلها أحمد (6/121 و 249) ، والبيهقي (1/195) من طريق
عفان: ثنا أبان: ثنا قتادة قال: حدثني صفية.
ولقتادة فيه إسناد آخر: أخرجه النسائي، وأحمد (6/280) من طريق شيبان
عنه عن الحسن عن أمه عن عائشة ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأم الحسن- وهو البصري-؛ اسمها خيرة.
وللحديث إسناد ثالث: أخرجه أحمد (6/133) من طريق ابن أبي ليلى عن
عطاء قال: قالت عائشة ... فذكره.
وهذا إسناد صحيح بما قبله: عطاء: هو ابن أبي رباح.
وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد للرحمن، وهو ثقة، لكنه سيئ الحفظ مع
فقهه وجلالته.
83- عن جابر قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد.
(قلت: حديث صحيح، وصحح إسناده الحافظ، وصححه ابن القطان
أيضا) .
إسناده: حلتنا أحمد بن محمد بن حنيل: ثنا هشيم: أخبرنا يزيد بن أبي
زياد عن سالم بن أبي الجعد عن جابر.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير يزيد بن أبي زياد- وهو الهاشمي(1/156)
مولاهم الكوفي-؛ قال في "التقريب ":
" ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن ". وقال المنذري في "مختصره ":
" يعد في الكوفيين، ولا يحتج به ".
ومنه تعلم أن قول الحافظ في "الفتح " (1/244) : إن
" إسناده صحيح "! غير صحيح.
نعم؛ الحديث صحيح باعتبار طرقه وشواهده؛ التي منها حديث عائشة قبله،
ومنها عن سفينة مثله: عند مسلم وغيره.
وإنما الكلام على خصوص هذا الإسناد، وقد خولف في لفظه يزيد بن أبي زياد
كما يأتي.
والحديث في "مسند أحمد" (3/303) بهذا السند.
وأخرجه الطيالسي في "مسنده " (رقم 1732) : حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن
أبي زياد ... به.
فقد اتفق أبو عوانة وهُشيم على روايته عن يزيد هكذا، وهما ثقتان.
وخالفهما- في اللفظ والمعنى- علي بن عاصم عنه؛ فرواه بلفظ: عن النّبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال:
" يجْزىُ من الوضوء المد من الماء، ومن الجنابة الصاع ". فقال رجل: ما
يكفيني! فقال جابر: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعراً: رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أحرجه أحمد (3/370) .
فجمع عاصم عنه بين قوله عليه الصلاة السلام وفعله، وهو وإن كان سيئ(1/157)
الحفظ؛ فالظاهر أن يزيد بن أبي زياد هو الذي كان يضطرب في رواية الحديث.
والصواب من ذلك رواية علي بن عاصم؛ فقد رواه هكذا محمد بن فضيل عن
حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يجزى من الوضوء المد، ومن الجنابة الصاع ".
فقال له رجل ... الحديث مثل رواية علي بن عاصم.
أخرجه الحاكم (1/161) ، والبيهقي (1/195) ، وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وفي "البخاري " و"النسائي " و"البيهقي " أيضا بإسناد أخر؛ فيه اغتسال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصاع.
وبالجملة؛ قالحديث صحيحِ مرفوعاً إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قوله ومن فعله؛ فكان
يزيد بن أبي زياد يروي أحيانآ كله وأحياناً بعضه. فمتابعة حصين- وهو ابن
عبد الرحمن- له في الكل دليل على أنه قد حفظ (1) .
وللحديث عن جابر من فعله عليه السلام طريق آخر: عند ابن ماجه، فيه
الربيع بن بدر؛ وهو متروك.
84- عن أم عمارة:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ؛ فأُتي بإناء فيه ماء قَدْر َثلثي المُدِّ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه أبو زرعة، وحسنه النووي والعراقي) .
__________
(1) ثمّ رأيت الحافظ في "التلخيص " (1/199) يعزوه لأبي داود وابن ماجه وابن خزيمة. وقال:
" وصححه ابن القطان ".(1/158)
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن حبيب
الأنصاري قال: سمعت عَبَّاد بن تميم عن جدته- وهي أم عمارة-.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حبيب الأنصاري
- وهو ابن زيد-؛ وهو ثقة اتفاقاً.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف؛ ثمّ قال:
" هكذا رواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة. وخالفه غيره في إسناده ".
قلت: حديث محمد هذا؛ وصله النسائي (1/58- دار القلم) .
ثمّ أخرج البيهقي من طريق الحاكم، وهذا في "المستدرك " (1/661) من طريق
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: ثنا شعبة. عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن
عبد الله بن زيد:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتي بثلثي مد من ماء فتوضأ؛ فجعل يدلك ذراعيه.
ثم أخرج من طريق أبي خالد الأحمر: ثنا شعبة عن حبيب بن زيد الأنصاري
عن عباد بن تميم عن ابن زيد الأنصاري:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأً بنحو من ثلثي المد.
وكذلك رواه معاذ عن شعبة. قال أبو زرعة الرازي:
" الصحيح عندي حديث غندر ".
وقول أبي زرعة هذا؛ رواه ابن أبي حاتم في "العلل " (1/25/رقم 39) عنه.
ثمّ إن رواية أبي خالد الأحمر: هي عند البيهقي من طريق عبد الملك بن
محمد: ثنا سليمان بن داود: ثنا أبو خالد الأحمر.(1/159)
وسليمان بن داود هذا: هو أبو داود الطيالسي صاحب "المسند" الذي يرويه
عنه يونس بن حبيب، وقد روى هذا الحديث عنه برقم (1099) فقال: ثنا أبو داود
قال: ثنا شعبة ... به.
وأبو داود هذا معروف بكثرة روايته عن شعبة، فالظاهر أنه رواه عن شعبة
بالواسطة أيضا.
ثمّ إننا لا نرى مانعاً من صحة الحديث عن أم عمارة وابن زيد معاً؛ فإن الراوي
عنهما ثقة حجة، وكذا من رواه عنه، فلا وجه لترجيح إحدى الروايتين على
الأخرى.
وقد صحح كلاً منهما بعض الأئمة؛ ففي " التلخيص " (2/192) : أن
الحديث:
" أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد الله بن زيد، ورواه أبو داود
والنسائي من حديث أم عمارة الأنصارية ".
وكذلك عزاه للنسائي: النووي (2/190) ، والعراقي في " التثريب " (2/90) ،
وحسناه!
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي!
فوهما؛ فإن حبيباًا لأنصاري لم يخرج له مسلم شيئاً.
85- عن أنس قال:
كان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بإناء يسع رطلين (وفي رواية: يتوضأ بمَكُّوك؛ ولم
يذكر رطلين) ، ويغتسل بالصاع.
(قلت: الرواية الثانية إسنادها صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاها(1/160)
في "الصحيحين "، وكذا أبو عوانة في "صحيحه ")
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح البزاز: ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى
عن عبد الله بن جبرعن أنس.
وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أنّ شريكاً- وهو ابن عبد الله
القاضي- سيئ الحفظ، وقد أخطأ في قوله: رطلين! والصواب: مكوك؛ كما في
الرواية الثانية ويأتي تخريجها.
وعبد الله بن عيسى: هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛
وهو ثفة من رجال الشيخين.
وعبد الله بن جبر: هو عبد الله بن عبد الله بن جبر، كما يأتي، نسبه شريك
لجده.
والحديث أحرجه الترمذي (2/507) ، وأحمد (3/506) من طريقين آخرين
عن شريك ... به. وقال الترمذي:
" حديث غريب ".
قلت: ولفظه عنده:
" يجزى في الوضوء رطلان من ماء "؛ وهو رواية لأحمد.
فقد اضطرب فيه شريك: فمرة يجعله من فعله عليه الصلاة والسلام، وتارة
من قوله.
لكنه قد توبع عليه باللفظين؛ كما سترى.
ثمّ قال المؤلف عقب الحديث: " رواه يحيى بن آدم عن شريك قال: عن ابن(1/161)
جبر بن عَتِيك ".
قلت: وكذلك قال أحمد عن وكيع عن شريك. ثمّ قال:
" ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى: حدثني جبر بن عبد الله ".
قلت: يعني: على القلب. وقال الحافظ في "التهذيب ":
" هذا من مقلوب الأسماء ".
قلت: ولعل هذا رواية عن سفيان؛ وإلا فقد أخرجه أبو عوانة (1/233) من
طريق معاوية بن هشام قال: ثنا سفيان [عن عبد الله بن عيسى] عن عبد الله بن
جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول سمعت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل الصاع ".
وما بين القوسين زيادة من عندنا، سقطت من الأصل المطبوع، وهي ضرورية؛
فإن الحديث من رواية سفيان عن عبد الله، لا من رواية سفيان عن ابن جبر.
ثمّ قال المصنف في بعض الروايات عنه:
" ورواه شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر: سمعت أنساً؛ إلا
أنه قال: يتوضأ بمكوك، ولم يذكر: رطلين ".
وقد وصل هذه الرواية: مسلم؛ وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والنسائي
والدارمي والبيهقي، والطيالسي (رقم 2102) ، وأحمد (3/112 و 116 و 259
و282 و 290) من طرق عن شعبة ... به بلفط:
كان يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكوك.
ورواه مسعر قال: حدثني ابن جبر قال: سمعت أنساً يقول:(1/162)
كان النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، ويتوضأ بالمد.
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم ".
(تنبيه) : رواية شعبة إنما هي في النسخة المطبوعة في مصر من رواية لللؤلؤي
"للسنن "، وهي أيضا في "مختصر المنذري " (رقم 86) ؛ وليست في نسخة "السنن "
التي شرح عليها صاحب "العون "؛ بل فيها زيادة أخرى وهي:
قال أبو داود: " سمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع خمسة أرطال ". قال
أبو داود: " وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وسيأتي نحوه في "باب في مقدار الماء الذي يجزيه في الغسل " من النسختين
(رقم 239) .
45- باب الإسراف في الماء
86- عن أبي نَعامة: أن عبد الله بن مغفَّل سمع ابنه يقول:
اللهم! إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها! فقال:
أي بُنَيَّ! سلِ الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني. سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُّهور والدعاء ".
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي، وصححه ابن حبان (6745) ،
والحاكم والحافظ، وقال ابن كثير: " إسناده حسن لا بأس به ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: ثنا سعيد الجريري عن أبي
نعامة.(1/163)
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي نعامة- واسمه
قيس بن عبَاية الحنفي الرماني-، وهو ثقة اتفاقاً.
وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخوجه الحاكم والبيهقي- من طريق موسى بن إسماعيل-، وأخرجه
ابن ماجه (2/439- 449) ، وابن حبان (171) ، وأحمد (4/87 و 5/55) - من
طرق- عن حماد بن سلمة ... به. وقال الحاكم:
"صحيح ".
وتعقبه الذهبي بقوله:
" فيه إرسال "!!
ولم يظهر لي وجهه؛ فإن أبا نعامة هذا لم يرم بتدليس؛ ولقاؤه لابن مغفل
ممكن؛ فإن هذا مات نحو المستين من الهجرة، وذاك فيما بعد سنة عشر ومالْة،
فبين وفاتيهما نحو خمسين سنة، وليس لدينا دليل ينفي أن يكون أبو نعامة عاش
أكثر من هذه المدة حتى لا يمكن له السماع من ابن مغفل! ولذلك صحح الحديث
النووي في " المجموع "؛ (2/190) ، فقال:
" رواه أبو داود بإساد صحيح ". وقال الحافظ في "التلخيص " (2/191) :
" وهو صحيح؛ رواه أحمد، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم وغيرهم ".
قلت: وليس عند ابن ماجه فيه الاعتداء في الطهور.
وكذلك روي من طريق أخرى عن أبي نعامة، كما سيأًتي في آخر الصلاة
(1330)(1/164)
46- باب في إسباغ الوضوء
87- عن عبد الله بن عمرو:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى قوماً وأعقابُهم تلوح؛ فقال:
" وبل للأعقاب من النار! أسبغوا الوضوء ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وأخرجه البخاري في "صحيحه "؛ دون قوله: " أسبغوا
الوضوء ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني منصور عن هلال بن
يِسَاف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ غير مسدد؛ فإنه من رجال البخاري
وحده.
وأبو يحيى: اسمه مِصْدع الأعرج.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه والبيهقي، وأحمد (2/193) من طرق
عن سفيان ... به.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" والدارمي والطحاوي، والطيالسي
(رقم 2290) ، وأحمد (2/201) من طرق أُخر عن منصور ... به.
وله عنه طريق آخر: أخرجاه في "الصحيحين "، وكذا أبو عوانة والطحاوي،
وأحمد (2/205 و 211 و 226) من طريق أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن
عبد الله بن عمرو ... به نحوه؛ دون قوله: " أسبغوا الوضوء ".(1/165)
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة في "الصحيحين " وغيرهما.
47- باب الوضوء في أنية الصفْرِ
88- عن عائشة قالت:
كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تَوْرٍ من شَبَه.
(قلت: حديث صحيح ".
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرني صاحب لي عن
هشام بن عروة أن عائشة قالت.
وهذا سند ضعيف؛ لجهالة صاحب حماد، وللانقطاع بين هشام بن عروة
وعائشة؛ فإنه لم يدركها.
لكن وصله المصنف بعدُ من طريق إسحاق بن منصور عن حماد بن سلمة عن
رجل عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه.
وفيه الرجل الذي لم يسم.
أخرجه عن شيخه محمد بن العلاء- وهو أبو كريب- عنه.
وقصر به الحسين بن محمد بن زياد؛ فرواه عن أبي كريب ... به؛ إلا أنه
أسقط الرجل بين حماد وهثام؛ فصار ظاهر إسناده الصحة:
أخرجه الحاكم (1/169) شاهداً للحديث الأتي بعده، ولم يصححه هو ولا
الذهبي ولعله؛ للجهالة التي بيَّنتها الطرق الأخرى! لكن جوده حَوْثَرَةُ بن آشْرَسَ
فقال: ثنا حماد بن سلمة عن شعبة عن هشام ... به.(1/166)
أخرجه البيهقي (1/31) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن حوثرة.
وأخرجه الطبراني في "الصغير" (ص 123) : ثنا عبد الله بن أحمد بن
حنبل.0. به.
وحوثرة ثقة؛ فصح بذلك الإسناد.
89- عن عبد الله بن زيد قال:
جاءنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخرجنا له ماءً في تورمن صُفر فتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك صححه الحاكم،
ووافقه الذهبي. وأخرجه البخاري في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا أبو الوليد وسهل بن حماد قالا: ثنا
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه الحاكم (1/168) من طريق أبي عَتَّاب سهل بن حماد: ثنا
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ... به. وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
وفيه: أن سهل بن حماد لم يخرج له البخاري؛ فهو على شرط مسلم وحده
بهذا السند، وإنما صححناه على شرطهما؛ لأن المصنف قرن به أبا الوليد- وهو
الطيالسي-، وهو من رجالهما.
وقد أخرجه البخاري (1/241- 242) ، وكذا ابن ماجه (1/174) ، والبيهقي
(1/30) من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ثنا عبد العزيز بن أبي(1/167)
وله عند البخاري والبيهقي تتمة بلفظ:
فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه؛ فأقبل به وأدبر،
وغسل رجليه.
وهذه الزيادة عند المصنف من طريق أخرى عن عمرو بن يحيى، تأتي في
"باب صفة وضوء النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (رقم 109) .
(فائدة) : وأما حديث معاوية قال: أمرتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا آتي أهلي في
غرة الهلال، وأن لا أتوضأ من النحاس، وأن أسق كلما قمت من سِنَتِي!
فضعيف جدّاً؛ بل/موضوع: رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه عبيدة بن
حسان؛ وهو منكر الحديث، كما قال الهيثمي في "المجمع " (1/215) .
والحديث قال النذري في "مختصره " (رقم 90) :
" وأخرجه ابن ماجه "!
فقصَّر؛ حيث لم يعزه البخاري.
48- باب التسمية على الوضوء
90- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ".
(قلت: حديث صحيح، وقواه المنذ ري، والحافظ العسقلاني، وحسنه ابن
الصلاح، وقال الحافظ ابن كثير: إنه حديث حسن أو صحيح، وقال ابن أبي(1/168)
شيبة: إنه ثبت)
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة
عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد ضعيف؛ يعقوب بن سلمة: هو الليثي مولاهم؛ قال الذهبي في
" الميزان ":
" شيخ ليس بعمدة، ووالده سلمة الليثي لا يعرف، ولا روى عنه سوى ولده
هذا ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" يعقوب مجهول الحال، ووالده سلمة لين الحديث ". وقال في "التهذيب ":
" لا يعرف إلا في هذا الحديث ".
والحديث أخرجه الحاكم و (1/146) ، والبيهقي (1/ 43) ، وأحمد (2/418)
عن قتيبة ... به.
وأخرجه ابن ماجه، والدارقطني (29) ، والحاكم أيضا من طريق محمد بن
إسماعيل بن أبي فديك عن محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة الليثي ...
به
ووهم الحاكم في إسناده؛ فقال من الوجهين: " يعقوب بن أبي سلمة"! وبنى
على ذلك فقال:
" هذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة
الماجشون، واسم أبي سلمة دينار "!
وفد اتفقوا على تخطئته في ذلك؛ فقال الذهبي في "تلخيصه ":(1/169)
" قلت: صوابه: يعقوب بن سلمة الليثي عن أبيه عن أبي هريرة؛ وهو في
(هنا بياض) ؛ وإسناده فيه لين ". وقال الحافظ في "التلخيص " (1/386) :
" والصواب أنه الليثي، قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه
من أبي هريرة، وأبوه ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال: ربما أخطأ، وهذه عبارة عن
ضعفه؛ فإنه قليل الحديث جدّاً، ولم يرو عنه سوى ولده، فاذا كان يخطئ مع قلة
ما روى؛ فكيف يوصف بكونه ثقة؟! قال ابن الصلاح: انقلب إسناده على الحاكم
فلا يحتج لثبوته بتخريجه له. وتبعه النووي. وقال ابن دقيق العيد: لو سُلِّمَ
للحاكم أنه يعقوب بن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة دينار؛ فيحتاج إلى
معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكر في شيء من كتب للرجال؛ فلا يكون أيضا
صحيحاً".
وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة:
أحدهما: عن عبد الرحمن بن حرملة أنه سمع أبا ثِفَالِ المُري يقول: سمعت
رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب يقول: حدثتني جدتي أنها
سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ... فذكره.
أخرجه الطحاوي (1/15) ؛ ورجاله موثقون؛ لكن اختلف فيه على أبي ثفال؛
كما سوف نبينه إن شاء الله تعالى في "صحيح الترمذي ".
وللطريق الأخر: عن أيوب بن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
" ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلى من لم يتوضأ ".
أخرجه الدارقطني (26) ، ومن طريقه البيهقي، ثم قال:
" لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه،(1/170)
وكان أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثاً واحداً وهو
حديث: " التقى آدم وموسى "، ذكره يحيى بن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم،
فكان حديثه هذا منقطعاً. والله أعلم ".
وللحديث شواهد كثيرة: من حديث أبي سعيد الخدري، وسعيد بن زيد،
وسهل بن سعد وعائشة وأبي سبرة وأم سبرة وعلي وأنس، ويطول الكلام جدّاً لو
أردنا تخريجها، فنكتفي بالإحالة على "التلخيص "؛ فإنه قد استوفى الكلام
عليها؛ ولا سيما أن أحاديث الثلاثة الأولين في "سنن الترمذي "، و"ابن ماجه "؛
وسوف نتكلم عليها في أماكنها من "صحاحهم " إن شاء الله تعالى.
وبالجملة؛ فالحديث- بطرقه وشواهده المشار إليها- تطمئن النفس إلى ثبوته
وصحته؛ وقد جنح إلى ذلك الحافظ في خاتمة التخريج المشار إليه، فقال:
" والظاهر أن مجموع الأحاديث يَحْدُثُ منها قوة، تدل على أن له أصلاً.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله ". وقال المنذري في
"الترغيب " (1/100) :
" ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها- وإن كان لا يسلم شيء منها عن
مقال-؛ فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة ". وفي "العون ":
" قال ابن كثير: وقد روي من طرق أخر يشد بعضها بعضاً؛ فهو حديث حسن
أو صحيح. وقال ابن الصلاح: يثبت لمجموعها ما يثبت بالحديث الحسن ".
91- عن الدراوردي قال: وذكر ربيعة أن تفسير حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ":
أنه الذي يتوضأ ويغتسل؛ ولا ينوي وُضوءاً للصلاة ولا غسلأ للجنابة.(1/171)
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْحِ: ثنا ابن وهب عن الدراوردي.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
49- باب في الرجل يُدْخِلُ يده في الاناء قبل أن يغسلها
92- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا قام أحدكم من الليل؛ فلا يغمس يده في الاناء؛ حتى يغسلها
ثلاث مرات (وفي رواية: مرتين أو ثلاثاً) ؛ فإنه لا يدري أين باتت يده! ".
(قلت: إسنادهما صحيح على شرط البخاري. والرواية الأولى أخرجها
مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما". والأخرى صححها الترمذي، والأكثرون
من الرواة على الأولى، وهو في "صحيح البخاري " بدون ذكر العدد؛ وهو
ثابت) .
إسناده: حدثنا مسدد: تنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رَزِين وأبي صالح
عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
وكذلك إسناد الرواية الأخرى: وإسنادها هكذا: حدثنا مسدد: ثنا عيسى بن
يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني بهذا
الحديث-:
قال: " مرتين أو ثلاثاً "؛ ولم يذكر أبا رزين.(1/172)
والحديث أخرجه البيهقي (1/45) عن المصنف من الوجهين.
ثمّ أخرجه هو- من طريق أحمد بن عبد الجبار الغطَاردي-، ومسلم- من طريق
أبي كريب-؛ كلاهما قالا: ثنا أبو معاوية ... به.
ورواه أحمد (2/253) عن أبي معاوية ... به؛ لكنه لم يذكر أبا رزين.
وتابعه وكيع عن الأعمش ... به مثل رواية مسدد عن أبي معاوية.
أخرجه أحمد أيضا (2/253 و 471) قال: ثنا وكيع: ثنا الأعمش ... به.
وكذلك أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/264) ، والبيهقي من
طرق عنه.
وتابعه أبو شهاب أيضا عن الأعمش ... به؛ غير أنه قال:
" فليغسل يديه مرتين أو ثلاثاً ".
أخرجه الطحاوي (1/13) ؛ وأبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع: وهو ثقة من
رجال الشيخين.
وبالجملة؛ فذِكْر أبي رزين في الإسناد ثابت برواية هؤلاء الثقات عن الأعمش
عنه، ولا يضر عدم وروده في رواية غيرهم عنه.
وأما رواية عيسى بن يونس؛ فتابعه عليها زائدة بن قدَامة- عند الطحاوي-،
وشعبة- عند الطيالسي (رقم 2418) - بلفظ:
" مرتن أو ثلاثاً ". وقال شعبة: " صَبّاً أو صبتين ".
وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة.
فأخرجه مسلم وأبو عوانة، والنسائي (1/4 و 37 و 75) ، والترمذي والطحاوي(1/173)
وابن ماجه أيضا، وأحمد (2/241 و 259 و 265 و 348 و 382) من حديث أبي
سلمة وسعيد بن المسيب كلاهما عنه.
ورواه الدارمي ووالبيهقي عن أبي سلمة وحده؛ وهو عندهم بالروايتين؛
والأكثرون على الأولى.
ثمّ أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق بشر بن المُفَضلِ عن خالد
الحَذأء عن عبد الله بن شقيق عنه.
وأخرجه الدارقطني (18) - من طريقين- والبيهقي- من طريق ابن خزيمة-؛
ثلاثتهم عن محمد بن الوليد: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن خالد ... بهذا
الإسناد مثله وقال:
" أين باتت يده منه؟ ". قال البيهقي:
" وقوله: " منه " تفرد به محمد بن الوليد البُسْرِي وهو ثقة ". قال الحافظ في
"الفتح " (1/212) :
" إن أراد عن محمد بن جعفر فمسَلم، وإن أراد مطلقاً فلا؛ فقد قال
الدارقطني: تابعه عبد الصمد [ابن عبد الوارث] عن شعبة، وأخرجه ابن منده من
طريقه "!
قلت: وما سلمه الحافظ غير مسلم أيضا؛ فقد أخرجه أحمد (2/455) عن
شيخه محمد بن جعفر هذا ... بإسناده بهذه الزيادة؛ فهي زيادة صحيحة على
شرط مسلم.
ثم أخرجه مسلم وأبو عوانة، والبيهقي (1/47) ، وأحمد (2/403) من
حديث أبي الزبير عن جابر عن أبي هريرة.(1/174)
وصرح أبو الزبير بسماعه: عند أحمد.
وأخرجه أبو عوانة من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء عن أبي هريرة.
وفي حديث هؤلاء جميعاً عنه ذكر الثلاث.
ثمّ أخرجه مسلم، وأحمد (2/271 و 395 و 500 و 507) ، ومالك (1/43-
44) ، ومن طريقه البخاري، وأحمد (2/465) ، ومحمد بن الحسن في "الموطأ"
(ص 48) من طرق أخرى عن أبي هريرة دون ذكر العدد، وهو ثابت في رواية
الأكثرين عنه؛ فلا يضر تركهم له؛ لأنها زيادة من ثقات يجب قبولها.
وقد وجدت للحديث شاهداً من حديث عائشة مرفوعاً بلفظ:
" من استيقظ من منامه؛ فلا يغمس يده في طَهوره حتى يُفْرغَ على يده ثلاث
غَرَفات ". ولم يكن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استيقظ يفعل ذلك حتما يفرغ على يده
ثلاثاً.
أخرجه الطيالسي (رقم 1487) : ثنا ابن أبي ذئب: حدثني من سمع أبا
سلمة يحدث عن عائشة. وهذا سند صحيح؛ لولا الرجل الذي لم يسم.
93- عن أبي مريم قال: س مه، ت ابا هريرة يقول:. سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إذا استيقظ أحدكم من نومه؛ فلا يُدْخِلْ يده في الاناء حتى يغسلها
ثلاث مرات؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟! أو أين كانت تطوف
به؟! ".
(قلت: إسناده صحيح، وحسنه الدارقطني، وصححه ابن حبان (1058)) .(1/175)
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْح ومحمد بن سلمة المرادي قالا: ثنا
ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي مريم.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي مريم- وهو
الأنصاري الشامي-، وهو ثقة كما في "التقريب ".
والحديث سكت عليه المنذري.
وأخرجه الدارقطني (19) من طريق بَحْرِ بن نَصْرِ: نا عبد الله بن وهب ...
به؛ وقال:
" هذا إسناد حسن"
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ثمّ أخرج من طريق الدارقطني، وهو في "سننه " (18) ، وابن ماجه من طريق
ابن وهب أيضا عن ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي عن عقَيْل عن ابن
شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره.
وهذا شاهد لا بأس به. وقال الدارقطني:
" إسناد حسن " قال البيهقي:
" لأن جابر بن إسماعيل مع ابن لهيعة في إسناده ".
قلت: وجابر من رجال مسلمِ، وذكره ابن حبان في "الثقات "، وأخرج ابن
خزيمة حديثه في "صحيحه " مقرونآ بابن لهيعة، وقال:
" ابن لهيعة لا أحتج به، وإنما أخرجت هذا الحديث؛ لأن فيه جابر بن
إسماعيل ".(1/176)
كذا في "التهذيب "؛ ولعل الحديث المشار إليه هو هذا.
وله شاهد آخر عن أبي الزبير عن جابر بزيادة:
" ولا على ما وضعها ". رواه الدارقطني وقال:
" إسناده حسن "؛ كذا قال! وفيه نظر؛ لأنه من رواية زياد البَكّائي عن
عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير ... به.
وهكذا رواه ابن ماجه (395) .
ووجه النظر: أن زياداًا لبَكّائي- وهو ابن عبد الله- فيه لين في روايته عن غير
ابن إسحاق؛ كما في "التقريب ".
وشيخه عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام؛ كما قال الحافظ؛ وقد
وهم هو أو البكائي في سنده ومتنه:
أما السند؛ فهو أنه جعله من (مسند جابر) ! وإنما هو من مسند أبي هريرة:
رواه عنه جابر.
كذلك رواه معقل عن أبي الزبير عن جابر عن أبي هريرة: أخرجه مسلم
(1/161) ، وأبو عوانة (1/263- 264) .
وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: أخبرني جابر ... به: أخرجه أحمد
(2/403) .
وأمّا المتن؛ فهو أنه زاد فيه: " ولا على ما وضَعَها ".
فهي زيادة منكرة؛ لتفرد البَكّائي بها عن عبد الملك، ومخالفة معقل وابن
لهيعة ولكل من روى الحديث عن أبي هريرة من الثقات.(1/177)
وقد ساق أسانيدهم: مسلم وأبو عوانة وغيرهما، وزاد عليهم الإمام أحمد
(2/241 و 253 و 259 و 265 و 271 و 284 و 316 و 382 و 395 و 403 و 455
و465 و 471 و 500) ، وتقدّم بعضها. فكل هؤلاء الثقات لم يذكروا تلك الزيادة؛
فهي منكرة يقيناً.
50- باب صفة وضوء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
94- عن عطاء بن يزيد الليثي عن حُمران بن أبان مولى عثمان بن
عفان قال:
رأيت عثمان بن عفان توضأ؛ فأفرغ على يديه ثلاثاً، فغسلها ثم
مضمض واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى إلى المرفق
ثلاثاً، ثمّ اليسرى مثلَ ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثئم غسل قدمه اليمنى ثلاثاً،
ثم اليسرى مثلَ ذلك، ثمّ قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مثل وضوئي هذا ثمّ قال:
"من توضأ مثل وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يُحَدثُ فيهما
نفسه؛ غفر الله له ما تقدّم من ذنبه ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي الحُلْوَاني: ثنا عبد للرزاق: أخبرنا معمر عن
الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ وأخرجاه.(1/178)
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/239- 240) ، والبيهقي
(1/57- 58) عن عبد الرزاق ... به.
وأخرجه أحمد أيضا (1/59/رقم 421) : حدثنا عبد الرزاق ... به.
وأخرجه البخاري (4/128) ، والبيهقي أيضا (1/56) من طريق عبد الله- وهو
ابن المبارك-: أخبرنا معمر ... به نحوه.
وأخرجه البخاري (1/208 و 210 و 214) ، ومسلم وأبو عوانة والنسائي
والدارمي، والدارقطني (35) ، والبيهقي أيضا (1/48 و 49 و 53 و 86) ، وأحمد
(1/339 رقم 418 و 428) من طرق عن للزهري ... به نحوه.
وله عندهم طرق أخرى أخصر منه عن عثمان.
95\- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: حدثني حًمْران قال:
رأيت عثمان بن عفان توضأ ... فذكر نحوه؛ ولم يذكر المضمضة
والاستتشاق؛ وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثمّ غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ هكذا وقال:
" من توضأ دون هذا كفاه "؛ ولم يذكر أمر الصلاة.
(قلت: إسناده حسن صحيح، ومال ابن الجوزي إلى تصحيحه، وقال ابن
الصلاح: إنه حديث حسن، وقال النووي: إسناده حسن، وربما ارتفع من
الحسن إلى الصحة بشواهده وكثرة طرقه، وصححه ابن خزبمة، وقواه الحافظ) .
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا الضحاك بن مَخْلَد: ثنا عبد الرحمن بن
وَرْدَان: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن.(1/179)
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن بن
وردان؛ قال ابن معين:
" صالح ". وقال أبو حاتم:
" ما بحديثه بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال الدارقطني: " ليس بقوي ".
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ثمّ أخرجه هو والدارقطني (34) من طريقين آخرين عن الضحاك بن مخلد ...
به
ورواه البزار في "مسنده " بإسناد المصنف هذا، وقد ساقه الزيلعي في "نصب
الراية " (1/32) . وقال النووي في "المجموع " (1/434) :
" رواه أبو داود بإسناد حسن، وقد ذكر أيضاا لشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه
الله أنه حديث حسن، وربما ارتفع من الحسن إلى الصحة بشواهده وكثرة طرقه؛ فإن
البيهقي وغيره رووه من طرق كثيرة غير طريق أبي داود ".
وللحديث طريق أخرى عن حمران؛ فقال الحافظ في "التلخيص "- (1/411)
بعد أن ذكره من هذا الوجه-:
" وتابعه هشام بن عروة عن أبيه عن حمران: أخرجه البزار. وأخرجه أيضا من
طريق عبد الكريم عن حمران؛ وإسناده ضعيف. ورواه أيضا من حديث أبي علقمة
مولى ابن عباس عن عثمان؛ وفيه ضعف ".
قلت: وله طريق أخرى عن عثمان؛ ستأتي في الكتاب قريباً رقم (98) ؛ وقد
صححها ابن خزيمة، كما في "الفتح " (1/209) ؛ ونصه:(1/180)
" وقد روى أبو داود من وجهين؛ صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره؛ في حديث
عثمان بتثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة ".
وسيأتي هناك أن ابن خزيمة رواه من ذلك الوجه. ثمّ قال الحافظ في
"التلخيص ":
" ومال ابن الجوزي في "كشف المشكل " إلى تصحيح التكرير ".
96- عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مُليكة عن
الوضوء؟ فقال:
رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء؟ فدعا بماء؛ فأُتى بميضأة
فأصغاها على يده اليمنى، ثمّ أدخلها في الماء؛ فتمضمض ثلاثاً، واستنثر
ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى
ثلاثاً، ثمّ أدخل يده فأخذ ماءً؛ فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما
وظهورهما مرة واحدة، ثمّ غسل رجليه؛ ثمّ قال:
أين السائلون عن الوضوء؟ هكذ ارأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ.
(قلت: إسناده حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا محمد بن داود الإسكندراني: ثنا زياد بن يونس: حدثني
سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مشهورون؛ غير سعيد بن زياد المؤذن؛ فوثقه
ابن حبان وحده، لكن روى عنه جمع من الثقات؛ وقد توبع عليه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/64) من طريق المؤلف.(1/181)
وللحديث طرق أخرى: فرواه ابن ماجه (1/167) مختصراً من طريق حجاج
عن عطاء عن عثمان قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ؛ فمسح رأسه مرة.
وهذا إسناد ضعيف.
وأخرجه أحمد (1/264/رقم 472) ؛ لكن ليس فيه: (مرةً) .
وكذلك رواه ابنه عبد الله في "زوائد" (رقم 527) .
وأخرج الدارقطني (34) من طريق زيد بن الحبَاب: حدثني عمر بن
عبد الرحمن بن سعيد الخزومي: حدثني جدي:
أن عثمان بن عفان خرج في نفر، من أصحابه حتى جلس على المقاعد، فدعا
بوَضوء ... الحديث نحو رواية ابن أبي مليكة؛ وفيه:
ومسح برأسه مرة واحدة، ولم يذكر الأذنين. وقال المعلق عليه الشيخ شمس
الحق:
" هذا إسناد صالح؛ ليس فيه مجروح "!
قلت: لكن فيه مجهول؛ وهو عمر بن عبد الرحمن بن سعيد الخزومي؛ فإني
لم أجد له ذكراً في شيء من الكتب التي عندي، ولم يذكره الحافظ في الرواة عن
أبيه عبد الرحمن بن سعيد، ولا في الرواة عن جده سعيد! وفي هذا إشارة إلى أنه
غير مشهور؛ وإلا لاشتهر بالرواية عن أبويه. والله أعلم.
ثمّ أخرج الدارقطني (31) ، وأحمد (1/372/رقم 489) من طريق محمد بن
إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن معاذ بن عبد الرحمن
التيمي عن حمْران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال:(1/182)
رأيت عثمان بن عفان دعا بوَضوء ... الحديث نحو حديث الزهري المتقدم عن
عطاء بن يزيد الليثي، وفيه:
ثمّ غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه وآمَر بيديه على ظاهر
أدْنيه، ثمّ مر بهما على لحيته ... الحديث.
وهذا إسناد حسن، رجاله رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق؛ وهو حسن
الحديث. وقال الحافظ في "الفتح " (1/234) :
" إسناده حسن ".
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/223) من طريق زيد بن أسلم عن
حمران ... به نحوه بلفظ:
ومسح برأسه وأذنيه.
وإسناده صحيح على شرطهما، وأصله في "مسلم ".
والحديث إنما ساقه المؤلف؛ ليشير به إلى ضعف رواية أبي سلمة السابقة، التي
فيها أنه مسح رأسه ثلاثاً؛ وليدل به على صحة ما عفبه بقوله:
" أحاديث عثمان رضي الله عنه الصحاح؛ كلها تدل على مسح الرأس أنه
مرة؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا فيها: ومسح رأسه، لم يذكروا عدداً كما
ذكروا في غيره "!
وقد أجاب النووي رحمه الله عن قول المصنف هذا من وجهين؛ قال:
" أحدهما: أنه قال: " الأحاديث للصحاح "؛ وهذا حديث حسن- يعني:
الذي قبل هذا- غير داخل في قوله.(1/183)
والثاني: أن عموم إطلاقه مخصوص بما ذكرناه من الأحاديث الحسان وغيرها ".
وقد سبق جواب الحافظ أن زيادة الثلاث زيادة من ثقة؛ يعني: فيجب قبولها.
ويؤيد ذلك: أن حديث عثمان هذا قد جاء من طرق كثيرة؛ وفي بعضها ما
ليس في الأخرى من المعاني.
ألا ترى فيما سبق أن بعضهم روى المسح على الأذنين، وبعضهم روى كيفية
ذلك، فلم يلزم من ترك الآخرين من الرواة وإعراضهم عن ذلك ضعفه؛ ما دام
الرواة ثقات؛ فكذلك الأمر فيما نحن فيه. والله أعلم.
97- عن أبي علقمة:
أن عثمان دعا بماء فتوضأ؛ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى؛ ثمّ
غسلها إلى الكوعين، قال: ثمّ مضمض واستنشق ثلاثاً، وذكر الوضوء
ثلاثاً، قال: ومسح برأسه، ثمّ غسل رجليه، وقال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَاِ إٍ توضأ مثل ما رأيتموني توضأت ... ثمّ ساق نحو
حديث الزهري وأتم.
(قلت: إسناده حسن صحيح وحسنه (*) .
إسناده: حدثثا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى: أخبرنا عبيد الله- يعني:
ابن أبي زياد- عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبيد الله بن أبي
زياد- وهو القَدَاح أبو الحصين المكي-؛ وهو حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد وافق
(*) كذا الأصل، لم يكمل الشيخ رحمه الله العبارة. (الناشر) .(1/184)
في هذا الحديث غيره من الثقات.
وعيسى: هو ابن يونس.
وأبو علقمة هو المصري مولى بني هاشم؛ لا يعرف اسمه.
والحديث؛ أخرجه الدارقطني (31) من طريق محمد بن بكر: نا عبيد الله بن
أبي زياد القداح ... به بتمامه.
98- عن شَقيق بن سلمة قال:
رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً ثمّ قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعل هذا.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وحسنه البخاري، وصححه الترمذي وابن
خزيمة وابن حبان والحاكم، والضياء في "المختاره ") .
إسناده: حدثنا هارون بن عبد الله: ثنا يحيى بن آدم: ثنا إسرائيل عن عامر
ابن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عامر بن شقيق بن
جمرة، وهو مختلف فيه، كما قال الحافظ في "التلخيص " (1/410) . وهذه أقوال
الأئمة ديه: قال ابن معين:
" ضعيف الحديث ". وقال أبو حاتم:
" ليس بقوي وليس من أبي وائل بسبيل ". وقال النسائي:
"ليس به بأس ".(1/185)
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
قلت: ووثقه من صحح حديثه؛ ويأتي ذكرهم؛ فأقل أحوال حديثه أن يكون
حسناً إذا لم يظهر فيه علة قادحة؛ ولم يَرْوِ في هذا الحديث شيئاً مستنكراً؛ فكان
حجة.
والحديث أخرجه الدارقطني (32 و 34) ، والبيهقي (1/63) ، والطحاوي أيضا
(1/19) ، والحاكم (11/49) ، والضياء في "المختارة " (325- 329 بتحقيقي) عن
إسرائيل ... به أتم منه.
والظاهر أن المصنف اختصره؛ فإنه عند الدارقطني في بعض الروايات من
طريق هارون بن عبد الله- شيخ المصنف فيه- بلفظ:
رأيت عثمان بن عفان توضأ؛ فمضمض واستنشق ثلإثاً، وغسل وجهه
ثلاثاً، وخلل لحيته ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً،
وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا. وزاد البيهقي
بلفظ:
ومسح برأسه ثلاثاً، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
وهو رواية الحاكم، ويواية للدارقطني.
وعند الطحاوي هذا القدر منه فقط.
وسيأتي له شاهد برقم (114) .
والحديث رواه ابن خزيمة أيضا؛ كما في "التلخيص " (1/411) .
وروى منه الترمذي (1/46) ، والدارمي (1/178- 179) ، وابن ماجه (11/65) :
تخليل اللحية فقط.(1/186)
وكذلك رواه ابن حبان في "صحيحه " (رقم 154- موارد الظمآن) . ثمّ قال
الترمذي:
" هذا حديث حسن صحيح ". وقال في "العلل الكبير":
" قال محمد- يعني. البخاري-: أصح شيء في التخليل عندي حديث
عثمان. قلت: إنهم يتكلمون في هذا؟ فقال: هو حسن ". نقله الحافظ في
"التهذيب ". ثم قال:
" وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ". ونص الحاكم:
" وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته؛ غير عامر بن شقيق؛ ولا أعلم
فيه طعناً بوجه من الوجوه "! وتعقبه الذهبي بقوله:
" ضعفه ابن معين "!
قلت: لكن وثقه من سبق ذكرهم! ومن ضعفه لم يبين سببه، وكفى
بالبخاري حجة في توثيقه وتحسين حديثه.
وقد جاءت أحاديث كثيرة في تخليل اللحية شاهدة له؛ كما سيأتي (برقم
133) .
كما أن له طريقاً أخرى عن عثمان؛ فيه مسح الرأس ثلاثاً؛ وقد مضى (برقم
95) .
وله طريق ثالثة أخرجها أحمد (رقم 436) : " حدثنا صفوان بن عيسى عن
محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال: دخلت على ابن دارة مولى عثمان، قال:
فسمعني أمَضمض قال: فقال: يا محمد اقال: قلت: لبيك، قال: ألا أخبرك عن
وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: رأيت عثمان وهو بالقاعد دعا بوَضوء فمضمض ...(1/187)
الحديث وفيه:
ومسح برأسه ثلاثاً. ثمّ قال: من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فهذا وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك أخرجه الدارقطني (34) ، والطحاوي (1/21) ، والبيهقي (1/62-
63) .
وهذا إسناد حسن: صفوان بن عيسى ثقة من رجال مسلم.
ومحمد بن عبد الله بن أبي مريم ثقة؛ وقد مضى له في الكتاب حديث معلق
(رقم 47) .
وابن دارة؛ سماه البخاري زيداً، وكذلك وقع عند الطحاوي مسمى، وروى
عنه جمع من الثقات؛ ووثقه ابن حبان، ونقل الحافظ في "التعجيل " (رقم
1450) : أن الدارقطني قال عقب الحديث:
" إسناده صالح ".
وليس هذا في نسختنا من "سننه "، فلعله في بعض النسخ!
99- قال أبو داود: " رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضأ ثلاثاً فقط ".
(قلت: إسناده حسن أيضا، وهو مختصر الذي قبله) .
وصله الإمام أحمد (1/57/برقم 413) قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن
عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ توضأ ثلاثاً تلاثاً.
وهذا إسناد حسن أيضا؛ وقد اختصره وكيع.(1/188)
100- عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال:
أتانا علي رضي الله تعالى عنه وقد صلّى فدعا بطَهور، فقلنا: ما يصنع
بالطَّهوروقد صلّى؟! ما يريد إلا لِيُعَلِّمنا! فأني بإناء فيه ماء، وَطَسْتٍ،
فأفرغ من الاناء على يمينه، فغسل يده ثلاثاً، ثمّ تمضمض واستنثر ثلاثاً،
فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل
يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثمّ جعل يده في الاناء؛
فمسح برأسه مرة واحدة، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ورجله الشمال
ثلاثاً، ثمّ قال:
من سرّه أن يعلم وضوء رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو هذا.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي) .
إسناده: حدثنا مسدد. ثنا أبو عوانة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير خالد بن علقمة وعبد خير؛
وهما ثقتان اتفاقاً. وقال النووي (1/347 و 352) :
" إسناده صحيح ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/50) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه (1/68) من طريق أخرى عن مسدد.
وأخرجه النسائي (1/27) ، وأحمد (1/154/رقم 1324) ، وابنه في "زوائد
المسند" (1/141/رقم 1198) من طرق أخرى عن أبي عوانة ... به.
وله في "ابن ماجه " (404) ، وفي "المسند" طرق أخرى عن خالد بن علقمة،(1/189)
بعضها مختصر، فانظر (رقم 928 و 943 و 945 و 998 و 1025 و 1027
و1197) . وفي بعضها التصريح أيضا بأنه مسح رأسه مرة واحدة.
وخالف أبو حنيفة فقال: عن خالد:
ومسح برأسه ثلاثاً.
أخرجه الدارقطني (33) ، والبيهقي (1/63) ، وضعفاه بسبب مخالفته لرواية
الجماعة عن خالد. قال البيهقي:
" وكذلك رواه الجماعة عن علي؛ إلا ما شذ منها ".
وكأنه يشير إلى ما وقع في بعض الروايات في حديث أبي إسحاق عن أبي
حية؛ كما سيأتي ذكره عند الكلام عليه (رقم 105) ، وانظر (108) .
101- عن زائدة: ثنا خالد بن علقمة الهَمْدَاني عن عبد خير قال:
صلّى علي رضي الله تعالى عنه الغداه، ثمّ دخل الزحْبة. فدعا بماء،
فأتاه الغلام بإناءٍ فيه ماءٌ وطَست، قال: فأخذ الاناء بيده اليمنى، فأفرغ
على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثاً، ثمّ أدخل يده اليمنى في الاناء،
فمصمص ثلاثاً واستنشق ثلاثاً ... ثمّ ساق قريباً من حديث أبي عَوانة،
ثمّ مسح رأسه مُقَدمهُ ومُؤخَّره مرة ... ثمّ ساق الحديث نحوه.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الدارقطني، وابن حبان (1076)) .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي الحلواني: ثنا الحسين بن علي الجعفي عن
زائدة
وهذا سند صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير خالد وعبد خير؛ وهما ثقتان(1/190)
كماسبق.
والحديث أخرجه الدارقطني (33 و 35) ، والبيهقي (1/48) من طريق شعيب
ابن أيوب: ثنا حسين بن علي الجعفي ... به.
وأخرجه النسائي (1/27) مختصرأ: أخبرنا موسى بن عبد الرحمن قال:
حدثنا حسين بن علي ... به.
وأخرجه الدارمي (1/178) ، والطحاوي (1/17 و 21) ، والدارقطني أيضا،
والبيهقي (1/47 و 59) ، وأحمد (1/135/رقم 1133) من طرق أخرى عن
زائدة ... به. وهو عند أحمد أتم وأكمل من جميع الروايات. وقال الدارقطني
إنه:
"صحيح ".
ثمّ أخرجه البيهقي (1/58) من طريق الحسن بن علي بن عفان: ثنا الحسين
الجعفي.
وابن عفان غير الحلواني.
قلت: وقد تابع زائدة: أبو عوانة كما سبق، وقد أحال المصنف عليه في
بعضه.
وتابعه أيضا حسن بن عقبة المرادي- عند الدارمي-؛ ولم أجد له ترجمة.
وتابعه آخرون كما سبقت الإشارة إليه في الذي قبله.
وتابعه شعبة، لكنه أخطأ في اسم خالد بن علقمة؛ فسماه: مالك بن
عرْفطَةَ! وهو:(1/191)
102- عن شعبة قال: سمعت مالك بن عرْفطَةَ [قلت: وهو خالد بن
علقمة؛ أخطأفيه شعبة] : سمعت عبد خيرقال:
رأيت عليّاً رضي الله تعالى عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثمّ أتي بكوزٍ
من ماء، فغسل يديه ثلاثاً، ثمّ تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد ... وذكر
الحديث.
(قلت: إسناده صحيح أيضا) .
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: حدثني محمد بن جعفر: حدثني شعبة.
وهذا إسناد صحيح كسابقه؛ لكن وهم فيه شعبة فقال: مالك بن عرفطة! وإنما
هو خالد بن علقمة، كما في رواية زائدة وأبي عوانة المتقدمتين، وكما في رواية كل
من رواه عنه غيرهما ممن سبقت الإشارة إليه؛ وقد اتفق الحفاط- كأحمد والبخاري
والترمذي وابن حبان وأبي حاتم وغيرهم- على توهيمه في ذلك؛ وحاول بعض
الأفاضل المعاصرين تخطئتهم؛ ولكنه لم يأت بحجة قوية في ذلك فيُعْتَمدَ عليها!
وفي "عون المعبود" ما نصه:
" واعلم أنه ذكر الحافط المزي في "الأطراف " ههنا [أي: في آخر الحديث]
عبارات من قول أبي داود، ليست موجودة في النسخ الحاضرة عندي؛ لكن رأينا
إثباتها لتكميل الفائدة، وهي هذه:
قال أبو داود: " ومالك بكلرفطة؛ إنما هو خالد/بن علقمة/، أخطأ فيه شعبة ".
قال أبو داود: " قالد أبو عوانة يوماً: حدتنا مالك بحرفطة عن عبد خير،
فقال له عمرو الأغضف: رحمك الله اْبا عوانة! هذا خالد بن علقمة؛ ولكن شعبة
مخطئ فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي: خالد بن علقمة؛ ولكن قال شعبة:(1/192)
هو مالك بن عرفطة ".
قال أبو داود: " حدثا عمرو بن عون قال: حدثنا أبو عوانة عن مالك بن
عرفطة".
قال أبو داود: " وسماعه قديم ".
قال أبو داود: " حدثا أبو كامل قال: حدثا أبو عوانة عن خالد بن علقمة؛
وسماعه متأخر، كأنه بعد ذلك رجع إلى الصواب. انتهى ".
قال المزي في آخر الكلام: " من قول أبي داود: (مالك بن عرفطة) إلى قول:
(رجع إلى الصواب) : في رواية أبي الحسن بن العبد، ولم يذكره أبو القاسم.
انتهى".
قلت: ورواية أبي الحسن بن العبد هذه؛ ذكرها الحافظ أيضا في ترجمة خالد
ابن علقمة من "التهذيب ".
والحديث أخرجه النسائي (1/27) ، والطيالسي (رقم 149) ، وعنه البيهقي
(1/50- 51) ، وأحمد (2/رقم989 و 1178) من طرق عن شعبة ... به.
وللحديث طرق أخرى عن عبد خير، انظرها في "المسند" (رقم 737 و 876
و910 و 918 و 1263) ، وفي "زيادات ابنه عبد الله " عليه (رقم 1007 و 1008
و1013 و 1014- 1016 و 1047) ، وسيأً تي بعضها في الكتاب (رقم 153) .
103- عن زز بن حُبَيْشٍ: أنه سمع عليّاً رضي الله تعالى عنه وسئل عن
وضوء رسول اللهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر الحديث، وقال:
ومسح على رأسه؛ حتى لَمَّا يَقْطُرْ، وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ قال:(1/193)
هكذا كان وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: إسناده صحيح، وقواه ابن القيم، ورواه الضياء في "المختارة") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ننا أبو نُعيم: ثنا ربيعة الكِنَاني عن
المنهال بن عمرو عن زِز بن حُبيش.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير ربيعة الكناني
- وهو ابن عتبة؛ ويقال: ابن عبيد-، وهو ثقة اتفاقاً.
والحديث أخرجه البيهقي (1/74) من طريقين آخرين عن أبي نعيم الفضل
ابن دُكَين ... به.
وأحرجه أحمد (2/رقم 873) من طريق غيره فقال: حدثنا مروان بن معاوية
الفَزَارِي: حدثنا ربيعة بن عتبة الكناني ... به مختصراً. وقال ابن القيم فما
" التهذيب ":
" ولا أعلم لهذا الحديث علة ".
104- عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
رأيت عليّاً رضي الله تعالى عنه توضأ؛ فغسل وجهه ثلاثاً، وكسل
ذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه واحدة، ثمّ قال:
هكذا توضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ) .
إسناده: حدثنا زياد بن أيوب الطوسِيُّ: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا فطْر عن
أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.(1/194)
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير أن فطراً- وهو ابن خليفة- هو
عنده مقرون بآخر.
وأبو فروة هذا: هو مسلم بن سالم النهْدِي الكوفي.
والحديث صحح إسناده الحافظ في "التلخيص " (1/452) .
105- عن أبي حَيَة قال:
رأيت عليّاً رضي الله تعالى عنه توضأ ... فذكر وضوءه كله ثلاثاً
ثلاثاً. قال: ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين، ثمّ قال:
إنما أحببت أن أرَيكم طُهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: " حسن صجيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: ثنا أبو الأحوص. (ح) : وثنا عمرو بن
عون: أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي حية هذا- وهو ابن
قيس الوادعي-؛ قال الذهبي:
" لا يعرف، تفرد عنه أبو إسحاق. قال أحمد: شيخ. وقال ابن المديني. وأبو
الوليد الفرضي: مجهول ". وقال ابن القطان: وثقه بعضهم. وصحح حديثه ابن
السكن وغيره. وقال ابن الجارود في "الكنى ": وثقه ابن نمير ". وفي "التقريب ":
أنه
" مقبول "؛ أي: إذا توبع. وقد تابعه جمع من الثقات، كما سبق؛ فحديثه
صحيح(1/195)
وأبو الأحوص: هو سَلام بن سُليم.
وأبو إسحاق: هو السُّبيعي.
والحديث أخرجه النسائي (1/28) ، والترمذي (1/67- 68) ، والببهقي
(1/75) من طرق عن أبي الأحوص ... به.
وكذلك أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (رقم 1046 و 1351) .
ورواه النسائي (1/31 و 33) من طرق أخرى عن أبي إسحاق.
ورواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق ... به مختصراً: أخرجه أحمد (رقم
971 و 1204 و 1272) ، وابنه (رقم 1344) .
ورواه ابن ماجه (1/167) أخصر منه من طريق هَنادِ بن السرِي: ثنا أبو
الأحوص ... به بلفظ: عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مسح رأسه مرة.
وله طريق ثالثة عن أبي إسحاق فيه زيادة منكرة:
أخرجه عبد الله في "زوائده " (رقم 1359) من طريق العلاء بن هلال الرقِّي:
حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق ... به وفيه:
ومسح برأسه ثلاثاً.
وعلته: العلاء بن هلال الرقي؛ وهو ضعيف جدّاً.
واعلم أن المصنف رحمه الله قد جمع أكثر طرق الحديظ عن علي رضي الله
عنه.
وله طرق أخرى عنه؟(1/196)
منها: عن النزَّال بن سَبْرة ... وفيه الشرب بعد الوضوء قائماً: عند البخاري
(10/67) ، والبيهقي (1/75) ، والطيالسي (رقم 148) ، وأحمد (2/رقم 583
و1005 و 1173 و 1222 و 1315 و1366) ، وسيأتي عند الصنف مختصرا في
"الأشربة" (رفم ... ) [باب في الشرب قائماً] .
ومنها: الحسين بن علي رضي الله عنه: عند النسائي (1/27-28) بسند
صحيح.
ومنها عن أبي مطر: عند أحمد (رقم 1355) :
ثلاثتهم عن علي رضي الله عنه، وفي حديث الأخيرين عنه:
ثم مسح برأسه مسحة واحدة.
وحديث الحسن يأتي في الكتاب معلقاً (رقم 107) .
106- عن ابن عباس قال:
دخل عليَّ علي- يعني: ابن أبي طالب- وقد أهراق الماء، فدعا
بوَضوء، فأتيناه بتَور فيه ماء، حتى وضعناه بين يديه، فقال:
يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى.
قال: فأصغى الاناء على يده فغسلها، ثمّ أدخل يده اليمنى فأفرغ بها
على الأخرى، ثمّ غسل كفَّيه، ثمّ تمضمض واستنثر، ثمّ أدخل يديه في
الاناء جميعاً؛ فأخذ بهما حَفْنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثمّ ألقم
ابهاميه ما أقبل من أذنيه، ثمّ الثانية، ثمّ الثالثة مثل ذلك، ثمّ أحذ بكفه
اليمنى قبضة من ماء؛ فصبها على ناصيته، فتركها تُسْتَن على وجهه، ثمّ(1/197)
غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ مسح رأسه وظهور أذنيه، ثمّ
أدخل يديه جميعاً، فأخذ حَفْنَة من ماء، فضرب بها على رجله وفيها
النعل فَفَتَلها بها، ثمّ الأخرى مثلَ ذً لك.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلت: ويْر النعلين؟ قال: وفي النعلين.
(قلت: إسناده حسن. ورواه مختصرا ًابن حبان في "صحيحه " (1075)) .
إسناده: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحَراتي: ثنا محمد- يعني: ابن سلمة-
عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكَانة عن عبيد الله
الخولاني عن ابن عباس.
وهذا إسناد حسن، وابن إسحاق قد سمعه من ابن طلحة، كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/53) عن المؤلف.
ثم أخرجه هو (1/74) ، والطحاوي (19 و 20- 21) ، وأحمد (2/رقم 625)
من طرق عن ابن إسحاق ... به، وصرح ابن إسحاق بسماعه في رواية أحمد،
وابن حبان (1075) . ثمّ قال البيهقي:
" وقال أبو عيسى الترمذي: ساعيت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا
الحديث؟ فقال: لا أدري ما هذا الحديث؟! ". وقال الحافظ في "التلخيص " (1/402) :
" رواه أبو داود مطولاً والبزار وقال: لا نعلم أحداً روى هذا هكذا إلا من حديث
عبيد الله الخولاني، ولا نعلم أن أحداً رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يريد بن(1/198)
ركانة. وقد صرّح ابن إسحاف بالسماع فيه، وأخرجه ابن حبان من طريقه
مختصراً. وضعّفه البخاري فيما حكاه الترمذي ".
قلت: وليس في هذه الحكاية ما يبين أن تضعيف البخاري للحديث إنما هو من
قبل إسناده؛ كيف وابن إسحاف حسن الحديث عنده؟ وابن طلحة ثقة اتفاقاً؟
وعبيد الله الخولاتي من رجال "صحيحه "؟! بل فيها إشارة إلى أن تضعيفه إنما هو
من قبل متنه؛ وهو قوله:
فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل!
فإنه يشعر أنه مسح عليها ولم يغسلها، وليس ذلك بمراد؛ لقوله بعد ذللك:
ففتلها بها؛ يعني: لِيَسيلَ الماء فيعم القدم.
وبالجملة؛ فليس في الحديث- في متنه أو سنده- ما يقتضي تضعيفه، لا
سيما وقد ثبت الرش على الرجل في "صحيح البخاري " من حديث ابن عباس،
وسيأتي في الكتاب بعد باب (رقم 126) . وثبت التوضو في النعلين.
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وسيأتي في الكتاب في "باب وقت
الإحرام " من " الحج " (رقم 1554) .
فمثل ما أولوا وفسروا هذين الحديثين يفسر حديثما ابن عباس عن علي، وبيان
ذلك في المطولات كـ "الفتح " وغيره، كـ "تهذيب السنن " لابن القيم؛ وقد أطال
النَّفَسَ فيه وأجاد بما لا يوجد مجموعاً في كتاب؛ فراجعه.
107- قال أبو داود: " وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث
علي؛ لأنه قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة
واحد، ".(1/199)
(قلت: وصله النسائي بإسناد صحيح) .
وصله النسائي (1/27) قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن المِقْسَمِي قال: أنبأنا
حجاج قال: قال ابن جريج: حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال: أخبرني
أبي علي أن الحسين بن علي قال:
دعاني أبي علي بوَضوء، فقربته، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن
يدخلهما في وَضوئه، ثمّ مضمض ثلاثاً واستنثر ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاث
مرات، فمّ غسل يده اليمنى إلى الرفق ثلاثاً، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ مسح برأسه
مسحة واحدة، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ
قام قائماً فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه، فشرب من فضل
وضوئه قائماً، فعجبت! فلما رآني قال: لا تعجب؛ فإتي رأيت أباك النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يصنع مِثلَما رأيتتي صنعت؛ يقول؛ لوضوئه هذا وشُرْبِ فضلِ وَضوئه قائماً.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وشيبة هذا: هو ابن نَصاح؛ فإن أبا
قره موسى بن طارق روى هذا الحديث عن ابن جريج فقال: حدثني شيبة بن
نصاح- كما في "التهذيب "-؛ وهو ثقة.
108- وقال ابن وهب فيه: عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثاً.
(قلت: وصله البيهقي بإسناد صحيح؛ وذكر أنه شاذ بهذا اللفظ، وأن
الصواب قول حجاح الذي قبله) .
وصله البيهقي (1/63) من طريق إبراهيم بن المنذر: ثنا ابن وهب عن ابن
جريج ... بإسناده السابق بلفظ: ثلاثاً. ثم قال:
" هكذا قال ابن وهب:(1/200)
ومسح برأسه ثلاثاً ". وقال فيه حجاج عن ابن جريج:
ومسح برأسه مرة.
قلت: وقد ذكر البيهقي أنه أحسن ما روي عن علي في المسح على الرأس
ثلاثاً، لكنه شاذ؛ لخالفتها لرواية حجاج عن ابن جريج، ولرواية الجماعة عن
علي؛ وقد سبق ذكرهم، فكلهم لم يذكروا: ثلاثاً، وبعضهم صرح بأنه مسح مرة
واحدة كما سبق.
لكن ثبت المسح عليه ثلاثاً من حديث عثمان رضي الله عنه؛ كما تقدّم برقم
(98) .
109- عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه (1) : أنه قال لعبد الله
ابن زيد بن عاصم- وهو جدّ عمرو بن يحيى المازني-،
هل تستطيع أن تُرَيني كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟
فقال عبد الله بن زيد: نعم؛ فدعا بوَضوء، فأفرغ على يديه فغسل
يديه، ثمّ تمضمض واستنثر ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل يديه
__________
(1) هو يحيى بن عمارة بن أبي حسن- واسمه تميم- ابن عبد بن عمرو. ولجده أبي
حسن صحبة. ثمّ الظاهر أنه هو القائل لعبد الله بن زيد، وأن عبد الله جد يحيي هذا.
وكلاهما غير مراد:
أما الأول؛ فلما في رواية البخاري عنه: أن رجلاً قال لعبد الله بن زيد. وفي رواية أخرى
له من طريق وهيب عن عمرو عن أبيه: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن
وضوء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأما الأخر؛ فلأن عبد الله بن زيد ليس جد يحيى؛ لا حقيقة ولا مجازاً، كما في
"الفتح "، وتمام للبحث يراجع فيه.(1/201)
مرتين مرتين إلى المرفقين، ثمّ مسح رأسه بيديه؛ فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ
بمقدم رأسه ثمّ ذهب بهما إلى قفاه، ثمّ ردهما حتى رجع إلى المكان الذي
بدأ منه، ثمّ غسل رجليه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وأبو عوانة في
"صحاحهم ". وقال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب وأحسن؛ يعني: باب
المسح على الرأس) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وقد أخرجاه.
والحديث في "موطأً مالك " (1/39- 49) ، وعنه أخرجه الشيخان، وأبو عوانة
والنسائي والترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة (157) ، والبيهقي، وأحمد (4/38) ،
ومحمد (47) كلهم عن مالك ... به، وقال الترمذي: إنه
" أصح شيء في الباب وأحسن ".
وله عن عمرو بن يحيى طرق أخرى، سيأتي في الكتاب بعضها.
(تنبيه) : روى سفيان بن عيينة هذا الحديث مختصراً عن عمرو بن يحيى ...
به وقال:
وغسل رجليه مرتين.
أخرجه الترمذي (1/66- تحقيق أحمد شاكر) . وقال المحقق:
" قال الشارح: أخرجه البخاري ومسلم مطولاً "!
فأقول: أولاً: روايتهما كرواية المؤلف؛ ليس فيها: مرتين.(1/202)
ثانياً: هذه الزيادة شاذة؛ لخالفة ابن عيينة لرواية مالك ومن وافقه من
أصحاب عمرو بن يحيى المازني؛ وهم: وهيب بن خالد بن عجلان، وسليمان بن
بلال، وخالد بن عبد الله- عند الشيخين-، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي
سلمة الماجشون- عند أحمد (4/40) -؛ فكلهم لم يذكر في الرِّجلين:
مرتين.
وأيضا؛ فابن عيينة كان يضطرب فيها:
فمرة يذكرها، كما في رواية الترمذي هذه، وعي عند ابن خزيمة أيضا (172) ،
وابن الجارود (70) .
وتارة لا يذكرها، وهي رواية الحميدي في " مسنده " (417) .
وتارة كان يذكرها في المسح فيقول: ومسح برأسه مرتين: رواه أحمد (4/40) ؛
وقال: سمعته من سفيان ثلاث مرات يقول: غسل رجليه مرتين. وقال مرة: مسح
برأسه مرة. وقال مرتين: مسح برأسه مرتين.
وهذا اضطراب شديد من سفيان؛ يدل على أنه لم يحفظ هذا الحرف من
الحديث، ولم يضبطه.
(تنبيه آخر) : زعم الحافظ في "الفتح" (1/291) : أنّ مالكاً خالف الحفاظ في
قوله في اليدين: مرتين؛ وهم وهيب ومن ذكر معه آنفاً فقالوا: ثلاثاً!
وهو وهم منه رحمه الله؛ فإنهم جميعاً قالوا: مرتين؛ كما قال مالك.
نعم؛ رواه مسلم بهذا اللفظ: ثلاثاً؛ من طريق أخرى عن عبد الله بن زيد،
وهي عند أحمد (4/41) .
فلعلها سبب الوهم، وإسناده الأ ول أصح. والله أعلم.(1/203)
110- عن خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن
زيد بن عاصم ... بهذا الحديث قال:
فمضمض واستنشق من كف واحدة؛ يفعل ذلك ثلاثاً ... ثمّ ذكر
نحوه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في "صحيحه "
عن شيخ المؤلف ومسلم وأبو عوانة) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا خالد.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه في "صحيحه " (1/237
- 238) بهذا الإسناد.
وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/242) عن المؤلف.
وأخرجه البيهقي (1/50) من طريق أخرى عن مسدد.
ثم أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة والدارمي (1/177) ، وأحمد (4/39 و 42)
من طرق أخرى عن خالد ... به.
وتابعه وهيب عن عمرو بن يحيى: عند الشيخين وأبي عوانهْ والبيهقي.
وله متابعات أخرى بنحوه عند مسلم والدارمي وأحمد وغيرهم.
وأخرجه الحاكم أيضا (1/182) عن خالد؛ وقال:
" صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي.(1/204)
111- عن حَبَّان بن واسع: أن أباه حدثه: أنه سمع عبد الله بن زيد
ابن عاصم المازني يذكر:
أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر وضوءه؛ وقال:
ومسح رأسه بماءٍ غير فَضْلِ يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه " عن
شيخ المصنف، ورواه أبو عوانة في "صحيحه "، وقال البيهقي: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث
أن حبان بن واسمع حدثه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه " (1/146)
بهذا السند.
وابن السرح: كنيته أبو الطاهر.
وأخرجه البيهقي (1/65) من طريق المؤلف، وقال:
" إسناد صحيح ". وكذا قال النووي (1/414) .
والحديث أخرجه مسلم أيضا، وأبو عوانة (1/249) وأحمد (4/41) من طرق
عن ابن وهب ... به.
وتابعه عن عمرو: حجاج بن إبراهيم الأزرق عند أبي عوانة، وإسناده صحيح،
وتابعه عن حبان بن واسع: ابن لهيعة: عند أحمد (4/39 و 40 و 41 و 42) .
وإسناده صحيح؛ فإن من الرواة عنه عبد الله بن المبارك، وهو صحيح الحديث
عن ابن لهيعة.(1/205)
وخالف الهيثم بن خارجة؛ فرواه عن ابن وهب بلفظ:
فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه: أخرجه البيهقي، وقال:
" إسناده صحيح. وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة
ابن يحيى عن ابن وهب ... "؛ ثمّ ساق لفظ الكتاب من طريق المؤلف، ثمّ قال:
" وهذا أصح ". وقال الحافظ:
" وهو المحفوظ "؛ أي: وخلافه شاذ؛ وهو الصواب.
112- عن المقدام بن مَعْدِيكَرِبَ الكِنْدِي قال:
أُتِيَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوَضوء؛ فتوضأ فغسل كفيه ثلاثاً، ثم تمضمض
واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ثمّ
تمضمض واستتشق ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
(قلت: إسناد صحيح، وقال النووي والعسقلاني: حسن، والشوكاني:
صالح، وأخرجه الضياء في "المختارة".
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا ابو المغيرة قال: ثنا حَرِيز
قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام بن معديكرب
الكندي.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الرحمن بن
ميسرة؛ وهو ثقة. قال المصنف:
" شيوخ حريز كلهم ثقات ". وقال للعجلي:
" شامي تابعي ثقة ".(1/206)
والحديث في "المسند" (4/132) بهذا السند واللفظ؛ وزاد في آخره:
وغسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً.
والحديث قال النووي (1/411) والحافظ (1/427) :
" وإسناده حسن ". وقال الشوكاني (1/125) :
" إسناده صالح، وقد أخرجه الضياء في "المختارة" ... ".
(تنبيه) : يلاحظ أن المضمضة في هذا الحديث وقعت بعد غسل الذراعين.
نعم؛ وقعت في النسخة التازية- المطبوعة في مصر- بعد غسل الكفين؛ كما في
سائر الأحاديث، لكن الصواب في هذا الحديث: الأول؛ لأمرين:
الأول: أنه كذلك وقع في النسخة التي عليها شرح "عون المعبود".
الثاني: أن الحديث في "المسند" كما سبق، وقد جاءت فيه المضمضة بعد
الذراعين؛ وعلى هذا قال السيوطي- كما في "العون "-:
" احتج به من قال: الترتيب في الوضوء غير واجب؛ لأنه أخر المضمضة
والاستنشاق عن غسل الذراعين وعطف عليه ب (ثمّ) . قلت: هذه رواية شاذة، لا
تعارض الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه "!
قلت: إن كان يعني بالرواية المحفوظة من هذا الحديث كما هو الظاهر؛ فإني لم
أقف عليها فيما عندي من كتب السنة؛ غير ما علمت من اختلاف نسخ
، "السنن "؛ فلعل السيوطي وقف على النسختين؛ فرخح النسخة الأولى؛ لموافقتها
لسائر الأحاديث.
وقد رأيت الزيلعي نقل الحديث (1/12) عن المصنف موافقاً لها، فدل ذلك
على أن النسخ مختلفة، لكن الراجح النسخة الأخرى؛ لما ذكرنا من موافقتها(1/207)
ل "المسند". والله أعلم.
113- وفي رواية قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، فلما بلغ مسح رأسه؛ وضع كفيه على
مقدم رأسه؛ فأمَرهما حتى بلغ القفا، ثمّ ردّهما إلى المكان الذي منه
بدأ.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي- لَفْطه- قالا:
ثنا الوليد بن مسلم عن حَرِيز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة ... به. قال
محمود: أخبرني حريز.
وهذا سند صحيح كسابقه؛ قد صرح الوليد بالتحديث في رواية محمود هذه،
وفي رواية غيره كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/59) من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي (1/19) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون
البغدادي قال: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا حريز بن عثمان ... به وزاد في آخره:
ومسح بأذنيه: طاهرهما وباطنهما مرة واحدة.
وهذا إسناد صحيح، ومحمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي: هو أبو بكر
الأسكندراني، له ترجمة في "تاريخ بغداد" (5/426) ، وقال:
" قال ابن أبي حاتم: هو صدوق ثقة ".
وأما اللفظ الأخر وهو:(1/208)
114- وفي لفظ قال:
ومسح بأذنيه: ظاهرهما وباطنهما (زاد في رواية) ، وأدخل أصابعه في
صِمَاخِ أذنيه.
(قلت: إسناده صحيح) .
فإسناده هكذا: حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد- المعنى- قالا: ثنا
الوليد ... بهذا الإسناد قال: زاد هشام:
وأدخل أصابعه ... إلخ.
وهشام ثقة؛ وكذلك محمود.
وتابعهما هشام بن عمار قال: ثنا الوليد: ثنا حريز بن عثمان ... به.
أخرجه ابن ماجه (1/168) .
وأخرجه البيهقي (1/65) من طريق المؤلف.
115- عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة وبزيد بن أبي مالك:
أن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ، فلما بلغ
رأسه؛ غرف غرفة من ماء؛ فتلقاها يشماله حتى وضعها على وسط رأسه؛
حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثمّ مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره
إلى مقدمه.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا مُؤَمَّل بن الفضل الحَرَّاني: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا عبد الله(1/209)
ابن العلاء: ثنا أبو الأزهر الغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك.
وهذا إسناد صحيح: مؤمل بن الفضل؛ قال الأخري عن المصنف:
" أمرتي النفيلي أن أكتب عنه ".
وبقية رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير المغيرة بن فروة؛ وقد وثقه ابن حبان،
وروى عنه جمع من الثقات، وحديثه هنا مقرون بـ (يزيد بن أبي مالك) - نسب
إلى جده؛ واسمه هاني، واسم أبي يزيد عبد الرحمن-، وهو ثقة.
(تنبيه) : أشار الحافظ في ترجمة المغيرة بن فروة أنه من أفراد المصنف، ثمّ
قال:
" له في "السنن " حديثه عن معاوية في الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، ولم يسم ثَم "!
وهذا من أوهامه؛ فإنه مسمى كما ترى.
وكذلك رواه البيهقي (1/59) من طريق المؤلف.
وله حديث آخر في "الصيام "؛ سيأتي إن شاء الله في "باب التقدّم " في
الكتاب الأخر (رقم 397) .
والحديث أخرجه أحمد (4/94) : ثنا علي بن بحر: ثنا الوليد بن مسلم قال:
ثنا عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر وحده ... نحوه.
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/18) .
116- وفي رواية: قال:
فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجليه بغير عدد.
(قلت: إسنادها صحيح) .(1/210)
إسناده: حدثنا محمود بن خالد: ثنا الوليد ... بهذا الإسناد. قال:
" وهذا صحيح أيضا ".
وقد تابعه علي بن بحر عن الوليد: ثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع يزيد- يعني:
ابن أبي مالك- وأبا الأزهر يحدثان عن وضوء معاوية قال: يريهم وضوء رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فتوضأ ... إلخ.
أخرجه أحمد أيضا.
117- عن الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ ابن عفراء قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا، فحدثتنا أنه قال:
" اسكبي لي وَضوءاً "؛ فذكرت وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قالت فيه:
فغسل كفيه ثلاثاً؛ ووضَّأ وجهه ثلاثاً، ومضمض واستنشق مرة، ووضَّأ يديه
ثلاثاً ثلاثاً، ومسمح برأسه مرتيها: يبد أبمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وبأذنيه
كلتيهما: ظهورهما وبطونهما، ووضَّأ رجليه ثلاثاً ثلاثاً.
(قلت: إسناده حسن، وقال الترمذي: حديث حسن، وقواه الحاكم
والذهبي) .
إسناده: حدثنا مُسَدَّد: ثنا بشر بن المُفَضَّل: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل
عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن محمد
ابن عقيل، وقد تُكلم فيه من قِبل حفظه، وهو حسن الحديث كما ذكرنا فيما
سلف (رقم 55) .(1/211)
والحديث روى الحاكم (1/152) منه، والبيهقي (1/64) - عنه-: مسح
الأذنين ظاهرهما وباطنهما ... أخرجاه عن شيخ المصنف.
وأخرجه الترمذي (1/48) من طريق قتيبة بن سعيد: حدثنا بشر بن
المفضل ... به مختصراً بلفظ:
أن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه مرتين ... الحديث إلى قوله: وبطونهما.
وأخرجه البيهقي (1/64) بتمامه من طريق محمد بن يحيى الزماني: ثنا
بشر بن المفضل ... به؛ إلا أنه قال:
يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، كرره مرتين.
فأفسد حديث مسدد ومن تابعه؛ لأن حديثهم يوافق حديث عبد الله بن زيد
المتقدم (برقم 110) في الإقبال والإدبار مرة مرة.
وأما الزماني؛ فجعل كلأ منهما مرتين! ولذلك قال البيهقي عقبه:
" ورواه غيره عن بشر ... لم يذكر قوله: ثم مؤخر رأسه ثم مقدمه ".
قلت: والزماني ثقة، فالزيادة التي تفرد بها شاذة.
ثمّ قال الترمذي:
" حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسناداً ".
وهو كما قال، لكن لا تعارض بينهما؛ لأنهما في حادثتين مختلفتين، فيجوز
البدء بمؤخر الرأس على هذا الحديث، ويجوز البدء بمقدمه على حديث ابن زيد
السابق؛ وكل سنة. وقال الحاكم:
" ابن عقيل مستقيم الحديث مقدم في الشرف "! ووافقه الذهبي!(1/212)
قلت: ولكنه قد جاء بزيادة منكرة في آخر الحديث:
أخرجه ابن ماجه (458) والبيهقي (1/72) من طريقين عنه عن الربيع قالت:
أتاني ابن عباس، فسألني عن هذا الحديث؟ [تعني: حديثها الذي ذكرت أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ وغسل رجليه] فقال ابن عباس: إن الناس أبَوا إلا الغَسْل،
ولا أجد في كتاب الله إلا المسح؟!
وأشار البيهقي إلى عدم صحته بقوله:
"إن صح ".
118- وفي لفظ مغاير لبعض ما سبق: قال فيه:
وتمضمض واستنثر ثلاثاً.
(قلت: إسناده حسن أيضا، لكن قوله في المضمضة، والاستنثار: ثلاثاً؛
شاذ) .
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان عن ابن عقيل ... بهذا
الحديث يغير بعض معاني بشر. قال فيه:
وتمضمض واستنثر ثلاثاً.
وهذا إسناد حسن أيضا؛ وإسحاق بن إسماعيل: هو أبو يعقوب الطالْقَانِي؛
وهو ثقة. وسفيان:
هو ابن عيينة، ثقة حجة من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه أحمد (6/358) : ثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني عبد الله
ابن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال:(1/213)
أرسلني علي بن حسين إلى الربيع بنت معوذ ابن عفراء، فساءلتها عن وضوء
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأخِرجت له- يعني- إناءً يكون مُدا أو نحو مُد وربع- قال
سفيان: كأنه يذهب إلى الهاشمي- قالت:
كنت أخرج له الاء في هذا؛ فيصب على يديه ثلاثاً- وقال مرة: يغسل يديه
قبل أن يدخلهما-، ويغسل وجهه ثلاثاً، ويمضمض ثلاثاً، ويستنشق ثلاثاً،
ويغسل يده اليمنى ثلاثاً، واليسرى ثلاثاً، ويمسح برأسه، وقال: مرة أو مرتين؛
مقبلاً ومدبراً، ثمّ يغسل رجليه ثلاثاً ... الحديث.
وأخرجه البيهقي في (1/72) من طريق العباس بن يزيد: ثنا سفيان بن
عيينة ... به. لكنه لم يسق لفظه.
لكن قوله: وتمضمض واستنثر ثلاثاً؛ قد خالف فيه بشر بن المفضل- كما في
الرواية السابقة-، وسفيان الثوري- كما سنذكره في الرواية الأتية (رقم 121) -.
فهو شاذ؛ والصواب قولهما.
119- وعنها:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ عندها، فمسح الرأس كله: من قرن الشعر،
كل ناحية لمنصب الشَّعر، لا يحرِّك الشعر عن هيئته.
(قلت: إسناده حسن) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهَمْداني قالا: ثنا الليث عن
ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الزَبيع بنت معوذ ابن عفراء.
وهذا إسناد حسن؛ وليث: هو ابن سعد المصري، ثقة حجة.
وابن عجلان: هو محمد؛ وهو حسن الحديث.(1/214)
وابن عقيل كذلك كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (6/359) قال: ثنا يونس قال: ثنا ليث ... به.
وكذلك أخرجه البيهقي (1/60) عن يحيى بن بكير: ثنا الليث ... به.
ولفظهما مثل لفظ الكتاب سواءً؛ غير أنهما قالا: فوق، بدل: قرن. وقد أشار
البيهقي إلى هذه الرواية.
120- وعنها قالت:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؛ قالت: فمسح رأسه؛ ومسح ما أقبل منه
وما أدبر، وصُدْ غَيْهِ وأذنيه مرة واحدة.
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا بكر- يعني: ابن مضر- عن ابن عجلان
عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت معوذ ابن عفراء أخبرته.
وهذا إسناد حسن كسابقه.
والحديث أخرجه أحمد (6/360) والترمذي (1/49) قالا: حدثنا قتيبة بن
سعيد ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه الطحاوي (1/19) من طريق أبي الأسود قال: حدثني بكر بن
مضر ... به، ولم يسق لفظه.
وأبو الأسود: هو المرادي المصري، مشهور بكنيته، واسمه النضر بن عبد الجبار،
وهو ثقة.(1/215)
(تنبيه) : وقع في النسخة التازية: (عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه
أن رُبيع بنت معوذ ... إلخ) !
فأدخل بينها وبين عبد الله: والده! وليست هذه الزيادة في النسخة الصحيحة
من الكتاب، ولا عي مذكورة في شيء من الروايات التي وقفنا عليها.
121- وعنها:
انّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح برأسه من فضل ماء كان في يده.
(قلت: إسناده حسن) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن
عقيل عن الربيع.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم رجال البخاري؛ غير ابن عقيل.
وعبد الله بن داود: هو ابن عامر الهَمْداني.
والحديث رواه البيهقي (1/237) من طريق المؤلف.
ورواه الدارقطني (32) من طريقين آخرين عن عبد الله بن داود.
وتابعه وكيع عن سفيان ... به أنم منه نحو رواية سفيان بن عيينة التي
ذكرناها قريباً رقم (118) ؛ إلا أنه قال:
ومضمض واستنشق مرة مرة، ثمّ قال:
ومسح رأسه بما بقي من وَضوئه في يديه مرتين؛ بدأ بمؤخره ... إلخ.
وروى ابن ماجه (1/167) منه مسح الرأس مرتبن.(1/216)
122- وعنها:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ فأدخل أصبعيه في حُجْرَيْ أذنيه.
(قلت: إسناده حسن) .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا وكيع: ثنا الحسن بن صالح عن عبد الله
ابن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ.
وهذا إسناد حسن أيضا، رجاله- غير ابن عقيل- رجال مسلم.
وابن سعيد: هو الجوهري.
والحديث أخرجه البيهقي (1/65) من طريق المؤلف.
وأخرجه ابن ماجه (1/168) من طريقين آخرين عن وكيع ... به.
123- عن أبي أمامة- وذكر وضوء النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح المَأْقَيْن. قال: وقال:
" الأذنان من الرأس ".
قال سليمان بن حرب (أحد رواته عن حماد) : يقولها أبو أمامة.
وقال حماد: لا أدري هو من قول النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أبي أمامة؟ يعني:
قصة الأذنين.
(قلت: حديث صحيح دون (مسح المأقين) ، وحسنه الترمذي في بعض
نسخ "السنن "، وقواه المنذري وابن دقيق العيد وابن التركماني والزيلعي) .(1/217)
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد. (ح) وثنا مسدد وقتيبة عن
حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة.
قال المصنف عقبه: قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. قال قتيبة: قال
حماد: لا أدري هو من قول النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أبي أمامة؟! يعني: قصة الأذنن. قال
قتيبة: عن سنان أبي ربيعة. قال أبو داود: وهو ابن ربيعة؛ كنيته أبو ربيعة.
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد. سنان بن ربيعة أبو ربيعة وشيخه
شهر بن حوشب مختلف فيهما.
والأول؛ أخرج له البخاري مقروناً. وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق فيه لين ".
وشهر؛ صدوق كثير الإرسال، وروى له مسلم مقروناً أيضا؛ كما في
"الترغيب " (4/284) .
وبقية رجال الإسناد رجال الشيخين، وقد مَروا مِراراً.
والحديث أخرجه البيهقي (1/66) من طريق مسدد وأبي الربيع قالا: حدثنا
حماد ... به بلفظ:
توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه، وقال:
" الأذنان من الرأس "؛ وكان يمسح المأقين.
ثمّ أخرجه من طريق يوسف بن موسى القطان: ثنا سليمان بن حرب ... به
بلفظ:
" أنه وصف وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:(1/218)
كان إذا توضأ مسح مأقيه بالماء.
وقال أبو أمامة: الأذنان من الرأس.
قال سليمان بن حرب: الأذنان من الرأس؛ إنما هو من قول أبي أمامة، فمن
قال غير هذا؛ فقد بدل؛ أو كلمة قالها سليمان؛ أي: أخطأ.
أخرجه من طريق الدارقطني، وهو في "سننه " (38) .
وأخرجه الترمذي (1/53) : حدثنا قتيبة ... به ولفظه:
توضأ النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه، وقال:
" الأذنان من الرأس ".
قال قتيبة: قال حماد: لا أدري ... إلخ. وقال:
" هذا حديث [حسن] ، ليس إسناده بذاك القائم ".
ولفظة: " حسن " ثبتت في بعض النسخ، كما ذكر المحقق أحمد محمد
شاكر.
وقد تابعه على هذا السياق بتمامه: يونس: ثنا حماد- يعني: ابن زيد -..
به. وفي آخره قول حماد: فلا أدري ... إلخ.
ورواه عفان بن حماد عن زيد بلفظ: عن أبي أمامة قال: وصف وضوء رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر ثلاثاً ثلاثاً، ولا أدري كيف ذكر المضمضة والاستنشاق، وقال:
" والأذنان من الرأس ". قال:
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح المأقين، وقال بأصبعيه- وأرانا حماد- ومسح
مأقيه.(1/219)
أخرجه أحمد (5/258) .
ثمّ أخرجه (5/268) من طريق يحيى بن إسحاق: أنا حماد بن زيد بلفظ:
توضأ فمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه، وكان يمسح المأقين من
العين، قال: وكان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح رأسه مرة واحدة، وكان يقول:
" الأذنان من الرأس ".
وأخرجه الطحاوي (1/19) عن يحيى بن حسان عن حماد ... به مختصراً
بلفظ:
توضأً فمسح أذنيه مع الرأس، وقال:
" الأذنان من الرأس ".
وأخرجه ابن ماجه (1/168) ، والدارقطني من طريق محمد بن زياد الزيادي:
أخبرنا حماد بن زيد بلفظ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" الأذنان من الرأس "، وكان يمسح رأسه مرة، وكان يمسح المأقين.
ثمّ أخرجه الدارقطني عن الهيثم بن جميل ومحمد بن أبي بكر وأبي عمر
كلهم عن حماد ... به مرفوعاً مقتصرين على قوله عليه الصلاة والسلام:
" الأذنان من الرأس ". وقال الدارقطني:
" أسنده هؤلاء عن حماد، وخالفهم سليمان بن حمرب؛ وهو ثقة حافظ ".
قلت: هؤلاء الذين رفعوه: أيو الربيع- وهو سليمان بن داود العتَكي-، ويحبي
ابن إسحاق ويحيى بن حسان ومحمد بن زياد والهيثم بن جميل ومحمد بن أبي
بكر وأبو عمر- وهو حفص بن عمر الحوضي- كلهم ثقات محتج بهم في(1/220)
"الصحيح "؛ فتخظئتهم ورد روايتهم- وهم بهذه الكثرة والمنزلة في الثقة والعدالة-
لمجرد جزم سليمان بن حرب بوقفه، أو لتوقف غيره في رفعه؛ مما لا ينشرح له
الصدر، ولا تقبله قواعد هذا الفن الشريف؛ بل الظاهر من مجموع هذه الروايات
عن حماد: أن حمادا نفسه كان تارة يرفع الحديث، وتارة يوقفه، وتارة يتردد في
ذلك، فروى كل عنه ما سمعه منه.
فكل الروايات عنه صحيحة ثابتة، لكن يبقى النظر في أصل الحديث؛ هل هو
مرفوع أم موقوف؟
ويترجح عندنا الأول؛ وذلك لأمور:
الأول: ما قاله ابن التركماني في رده على البيهقي- بعد أن ذكر شيئاً من
الخلاف السابق في رفعه ووقفه- قال:
" وإذا رفع أحد حديثاً ووقفه آخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين؛ يرجح
الرافع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الإنسان حديثاً فيوقفه في وقت، ويرفعه
في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الراقع ".
وذكره الزيلعي (1/19) بتصرف يسير في بعض الألفاظ؛ دون أن ينسبه إلى
ابن التركماني، وقد لاحظت ذلك منه غير مرة، وليس بجيد؛ فإن من أمانة العلم
نسبةَ كل قول إلى قائله!
الأمر الثاني: أن قوله عليه الصلاة السلام: " الأذنان من الرأس "؛ روي عن
أبي أمامة من وجهين آخرين: أخرجهما الدارقطني (38- 39) وضعفهما.
الثالث: أن الحديث ورد مرفوعاً عن جمع كثير من الصحابة؛ وهم:
2- عبد الله بن زيد 3- عبد الله بن عباس 4- أبو هريرة 5- أبو موسى
6- عبد الله بن عمر 7- عائشة 8- أنس.(1/221)
وذكرها الحافظ في "التلخيص " (1/431- 432) ، وخرجها؛ وجُلها عند
الدارقطني؛ وأعلها كلها. لكنه قد نورع في بعضها، كحديث عبد الله بن زيد؛ وهو
عند ابن ماجه، وقد ذكر الحافظ نفسه أنه قواه المنذري، وابن دقيق العيد، وكذلك
قواه ابن التركماتي، والزيلعي؛ بل ذكرا أنه أمثل إسناد في هذا الباب. وسوف
نتكلّم عليه إن شاء الله تعالى في "صحيح ابن ماجه ".
وبالجمله؛ فالحديث عندنا صحيح بهذه الطرق والشواهد للكثيرة؛ التي منها ما
يأتي بعد باب من حديث ابن عباس في مسح الرأس والأذنيهأ بماء واحد، انظر
(رقم 126) ، وأصرح منه ما سأذكره في الحديث (129) .
51- باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً
124- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عبد الله بن عمرو بن
العاص] :
أن رجلاً أتى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! كيف الطُّهور؟
فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً، ثمّ غسل
ذراعيه ثلاثاً، ثمّ مسح برأسه، فأدخل أصبعيه السَّبَّاحتين في أذنيه، ومسح
بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثمّ غسل رجليه ثلاثاً
ثلاثاً، ثم قال:
" هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص؛ فقد أساء وظلم- أو
ظلم وأساء- ".
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه".(1/222)
وصححه النووي. غير أن قوله: " أو نقص " شاذ، بل هو وهم من بعض الرواة،
كما عليه المحققون، ويعارضه ما يأتي في البابين التالين من وضوئه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة
مرة، ومرتين مرتين) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن
شعيب.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عمرو بن شعيب، وأبيه
شعيب- وهو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي-؛ قال الذهبي:
" قلت: شعيب والده لا مغمز فيه، ولكن ما علمت أحداً وثقه، بل ذكره ابن
حبان في "تاريخ الثقات ". وقد روى عن جده عبد الله، وعن معاوية، وعن والده
محمد بن عبد الله إن كان ذلك محفوظاً. وقد ذكر البخاري وأبو داود وغير واحد
أنه سمع من جده، وهذا لا ريب فيه. أمّا رواية شعيب عن أبيه محمد بن عبد الله؛
فما علمتها صحت؛ فإن محمداً قديم الوقاة؛ وكأنه مات شابّاً ".
قلت: ورواية شعيب عن أبيه ستأتي في "البيوع " [باب الرجل يبيع ما ليس عنده] .
وأمّا عمرو بن شعيب؛ فوثقه الجمهور، كما صرح به الحافظ في "تهذيب
التهذيب "، وقال في " التقريب ":إنه:
" صدوق ".
قلت: لكنهم اختلفوا في الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده: فقال ابن
عدي
" عمرو بن شعيب في نفسه ثقة؛ إلا إذا روى عن جده عن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون
مرسلاً؛ لأنّ جده عنده محمد بن عبد الله بن عمرو؛ ولا صحبة له "! قال(1/223)
الذهبي:
" قلت: هذا لا شيء؛ لأنّ شعيبأ جده عبد الله فإذا قال: " عن أبيه " ثمّ
قال: " عن جده "؛ فإنما يريد بالضمير في جده أنه عائد إلى شعيب ".
وذكر ابن حبان في "الضعفاء " نحو ما ذكر ابن عدي؛ وزاد:
" وإن أراد جده عبد الله بن عمرو؛ فيكون الخبر منقطعاً؛ فإن شعيبأ لم يلق
عبد الله "! ورده الذهبي أيضا بقوله:
" قلت: قد مر أنّ محمداً قديم الموت، وصح أيضا أن شعيباً سمع من معاوية،
وقد مات معاوية قبل عبد الله بن عمرو بسنوات، فلا ينكر له السماع من جده؛
سيما وهو الذي رباه وكفله " (1) .
قلت: فثبت بذلك أن شعيباً سمع من جده عبد الله بن عمرو، وأن الإسناد
ليس بمنقطع ولا بمرسل.
بيد أنه قد مرت الإشارة إلى أنّ شديباً قد روى عن أبيه محمد أيضا، فإذا قال
في الإسناد:
عن أبيه عن جده؛ فلقائل أن يقول: يحتمل أن يكون الضمير في (أبيه،
جده) يعود إلى عمرو، وحينثذٍ فجده هو محمد بن عبد الله بن عمرو؛ وعليه يكون
__________
(1) قلت: ويؤيد هذا ما روى المصنف في "باب الملتزم " من طويق المثنى بن الصباح عن
عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله ... الحديث.
وروى الحاكم (2/65) قصة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، فيها التصريح باجتماعه
بابن عمرو. ئم قال الحاكم:
" هذا حديث ثقات رواته حفاظ، وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد
عن جده عبد الله بن عمرو ".(1/224)
الحديث مرسلاً؛ كما قال ابن عدي!
لكنا نقول: إن هذا احتمال بعيد؛ لقلة رواية شعيب عن أبيه محمد، حتى إن
الحافظ ليقول في "التهذيب ":
" ولم يأت التصريح بذكر محمد بن عبد الله بن عمرو في حديثه؛ إلا في
هذين الحديثين ".
يعني بأحدهما: ما سبقت الإشارة إليه أنه يأتي في "البيوع ".
والآخر: عند النسائي في النهي عن الحمر الأهلية.
وأيضا؛ فإني قد تتبعت أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في
"مسند أحمد" وفي هذا الكتاب؛ فوجدتها على أربعة أنواع:
الأول: ما إسناده على نسق إسناد هذا الحديث: عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده؛ مما ليس فيه التصريح بما يلزم منه الوصل؛ وأن جده عبد الله بن عمرو.
وهذا النوع هو الأكثر؛ وسيأتي في الكتاب منه نحو عشرين حديثاً أو أكثر.
الثاني: مثله؛ إلا أن فيه التصريح بمثل قوله: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو
رأيته، ونحو ذلك مما يلزم منه الصحبة والمشاهدة، ويلزم منه دفع الاحتمال السابق.
ومن أمثلته: ما سيأتي في "باب الصلاة في النعل " (رقم 660) ، وانظر
"المسند" (2/181 و 185 و 186 و 203 و 205 و 215 و 216) ، و (رقم 701) من
هذا الكتاب.
الثالث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو؛ وهذا فيه بيان
أن جده هو عبد الله بن عمرو؛ ليس هو ابنه محمد بن عبد الله.(1/225)
ومن أمثلته ما سيأً تي فى "اللقطة " (رقم 1504) ، وفي "الطلاق " (رقم
1968) ، وفي "الفرائض " (رقم 2586) ، وفي "الحدود" (باب ما لا قطع فيه) .
النوع الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.
ومن أمثلته ما يأتي (رقم 375) ، وفي "الجمعة" (رقم 1019) ، وفي
" العيدين " (رقم 1045) ، وفي " البيوع "، (رقم ... و ... ) [في خيار المتبايعين،
والرجوع في الهبة] ، وفي "الحدود" (رقم ... ) ] العفو عن الحدود ما لم تبلغ
السلطان] ، وفي " الديات " (رقم ... ) [ديات الأعضاء] ، وفي " الأدب " (رقم ... ) .
فهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن المراد من الجد المطلق في النوع
الأول: إنما هو عبد الله بن عمرو؛ حملاً للمطلق على المقيد.
ولذلك ساق الإمام أحمد أحاديث هذا النوع في (مسند عبد الله بن عمرو)
إشارةً إلى أنها موصولة. وكذلك فعل يونس بن حبيب في روايته لـ " مسند
الطيالسي " (298- 299) . وبذلك جزم الحافظ فقال:
" وأمّا روايته عن أبيه عن جده؛ فإنما يعني بها الجد الأعلى عبد الله بن عمرو،
لا محمد بن عبد الله، وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله في أماكن، وصح
سماعه منه كما تقلّم، وكما روى حماد بن سلمة عن تابت البناني عن شعيب
قال: سمعت عبد الله بن عمرو ... فذكر حديثاً. أخرجه أبو داود من هذا الوجه ".
قلت: لا يوجد عند المصنف بهذا الإسناد غير حديث واحد؛ سيأتي إن شاء
الله تعالى في "الأطعمة" (رقم ... ) [الأكل متكئاً] ؛ لكن ليس فيه التصريح
بالسماع من عبد الله؛ بل هو معنعن، وكذلك رواه أحمد (2/165 و 166) ، وروى
به حديثاً آخر.
فلعل ما ذكره الحافظ هو رواية عن المصنف، أو هو في بعض النسخ من "السنن ".(1/226)
هذا؛ وقد بقي علينا الجواب عن علة أخرى أعل بها هذا الإسناد مع ثبوت
سماع شعيب من جده عبد الله؛ فقال الترمذي (1/140) - عقب حديث يأتي
(برقم 991) -:
" ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب؛ إنما ضعفه لأنه يحدث عن
صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده "! وقال ابن
معين:
" وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو، فكان يرويها عن جده إرسالاً، وهي
صحاح عن عبد الله بن عمرو، غيرأنه لم يسمعها "! قال الحافظ:
" فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح؛ غير أنه لم! يسمعها وصح
سماعه لبعضها؛ فغاية الباقي أن يكون وجاده صحيحة؛ وهو أحد وجوه
التحمل ".
قلت: وجواب الحافظ هذا؛ خير من جواب الذهبي؛ حيث قال:
" أما كونها وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة؛ فهذا محل نظر، ولسنا
نقول: إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح؛ بل هو من قبيل الحسن "!
فقد تبين بهذا التحرير صلاحية الاحتجاج بالأحاديث المروية بهذا الإسناد.
وأمّا اشتراط بعضهم أن يكون الراوي عن عمرو ثقة؛ فمما لا حاجة إلى
التنبيه عليه؛ لأنه شرط ضروري في جميع الرواة، لا يختص به عمرو؛ كما قال
الحافظ.
من ذلك: قال البخاري في "تاريخه ": " رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن
المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن(1/227)
شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين ". قال البخاري:
" من الناس بعدهم؟ " (1) .
وبالغ بعض المتقدمين فقال: " إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه
عن جده ثقة؛ فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر "!
وقد أحرج له ابن خزيمة في "صحيحه ". والبخاري في "جزء القراءة خلف
الإمام " على سبيل الاحتجاج.
ومن رام زيادة توسع في "هذه الترجمة؛ فليراجع "التهذيب "، و "الميزان "،
وتحقيق أحمد محمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي " (1/140- 144) ؛
وقد أجاد.
ثمّ إن الحديث أخرجه البيهقي (1/79) من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي (1/22) من طريق شيخه أحمد بن داود قال: ثنا
مسدد ... به؛ دون قوله في آخره:
" أو ظلم وأساء ".
وأحمد بن داود: هو ابن موسى السدوسي؛ وثقه ابن يونس؛ فلعل الشك
جاء من المصنف.
وأخرجه أحمد (2/180) : ثنا يعلى [قلت: هو ابن عُبَيْد الطنَافِسيَ] : ثنا
__________
(1) وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين " (1/116) : " وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء
قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج
بليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه؛ كأبي حاتم البستي وابن حزم
وغيرهما "(1/228)
سفيان عن موسى بن أبي عائشة ... به؛ ولفظه:
جاء أعرابي إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثاً ثلاثاً، قال: " هذا
الوضوء؛ فمن زاد على هذا؛ فقد أساء وتعدى وظلم ".
وكذا أخرجه النسائي (1/33) ، وابن ماجه (1/163- 164) من حديث
يعلى ... به، ليس فيه: " أو نقص ".
فقد اختلف فيها سفيان وأبو عوانة- واسمه الوضاح- فأثبتها هذا، ولم يذكرها
سفيان؛ والقول قوله؛ لأمور ثلاثة.
الأول: أنه أحفظ من أبي عوانة، قال الدوري: " رأيت يحيى بن معين لا
يقدم على سفيان في زمانه أحداً في الفقه والحديث والزهد وكل شيء ".
وقال المصنف: " بلغني عن ابن معبن قال: ما خالف أحد سفيان في شيء؛
إلا كان القول قول سفيان ".
وأبو عوانة تكلم في حفظه؛ على ثقته وجلالته، فقال أحمد:
" إذا حدث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم ". وذكر
نحوه أبو حاتم؛ إلا أنه قال:
" وإذا حدث من حفظه غلط كثيراً ".
ثمّ وجدت في "مصنف ابن أبي شيبة" ما يعكر على هذا، فقال (1/8- 9) :
حدثنا أبو أسامة عن سفيان ... بزيادة " أو نقص ".
لكن أبو أسامة- وهو حماد بن أسامة- وإن كان ثقة ثبتاً؛ فقد قال الحافظ:
" ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره ".(1/229)
الأمر الثاني: أنني وجدت للحديث شاهداً من حديث ابن عباس ... مثل
رواية سفيان عن موسى:
أخرجه الطبراني في "الكبير" (11/75/11091) ؛ وفيه سويد بن عبد العزيز؛
قال الهيثمي (1/231) :
" وضعفه أحمد ويحيى وجماعة، ووثقه دحيم ".
الأمر الثالث: إذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الوضوء مرتين مرتين،
والوضوء مرة مرة- كما في البابين التاليين- فكيف يكون ذلك ظلماً وإساءة!
ولذلك قال المحقق السندي في " حاشيته على ابن ماجه ":
" وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث: " أو نقص "، والمحققون على أنه
وهم؛ لجواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين ".
قلت: وأما جواب النووي رحمه الله في "المجموع " (1/440) بقوله:
" إِن ذلك الاقتصار منه عليه الصلاة والسلام كان لبيان الجواز؛ فكان في ذلك
الحال أفضل؛ لأن البيان واجب "!
وهذا عندي لا شيء؛ فإنه إذا كان لبيان الجواز؛ فمن فعل الجائز اتباعاً له
عليه الصلاة واللام كيف يقال فيه: " فقد أساء وظلم "؟!
ثم هل يستوي هذا مع الذي يزيد فوق الثلاث؛ الذي لم يفعله عليه الصلاة
والسلام ألبتة؛ مع أنه قال في كليهما: " فقد أساء وظلم "؟!
اللهم! إنهما لا يستويان؛ فذاك متبع وهذا مبتدع، وهو المراد بهذا الوعيد!
وقوله: " أو نقص "؛ شاذ ووهم من أبي عوانة؛ وسبحان من لا ينسى ولا
يسهو!(1/230)
" قال الشيخ تقي الدين في "الإمام ": وهذا الحديث صحيح عند من يصحح
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لصحة الإسناد إلى عمرو"؛ كذا في
" نصب الراية " (1/29) .
قلت: وممن صححه من المتقدمين: ابن خزيمة؛ حيث أخرجه- أعني: في
"صحيحه "؛ كما في "التلخيص " (1/408) -، ومن التأخرين النووي في
"المجموع " (1/431- 438) ، وهو- كما قال- باعتبار شاهده المذكور آنفاً عن ابن
عباس.
52- باب الوضوء مرتين
125- عن أبي هريرة:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرتين مرتين.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وكذا قال الترمذي، وصححه ابن حبان
والحاكم والذهبي) .
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا زيد بن الحُبَاب: ثنا عبد الرحمن بن
ثوبان: ثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الرحمن بن
ثوبان؛ وهو جده؛ واسم أبيه ثابت؛ وهو حسن الحديث، وقد تكلم فيه من قبل
حفظه، وأعدل الأقوال فيه قول المصنف:
" كان فيه سلامة، وليس به بأس، وكان مجاب الدعوة ".
قلت: وقد صحح له الحافط العراقي حديثاً، سيأتي في الكتاب (رقم ... ) ،(1/231)
وحسنه الحافط وغيره؛ كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه الترمذي (1/62) قال: حدثنا أبو كرَيب [وهو محمد بن
العلاء] ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب.
وأخرجه أحمد (2/288 و 644) : ثنا زيد بن الحباب ... به.
وأخرجه الدارقطني (34) ، والبيهقي (1/39) عن زيد. وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن
الفضل، وهو إسناد حسن صحيح ".
وصححه ابن حبان، كما في "الفتح " (1/208) .
ثم رأيت الحاكم أخرج الحديث في "المستدرك " (1/150) من هذا الوجه،
وقال:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
فوهما.
وله شاهد من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري بهذا اللفظ:
أخرجه البخاري، والدارقطني (35) ، وأحمد (4/41) ، وهو حديث آخر
لعبد الله غير حديثه المتقدّم (رقم 110) ؛ وإسناده غير إسناده.
126- عن عطاء بن يسارقال: قال لنا ابن عباس:
أتحبُون أن أُرَيكم كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟
فدعا بإناء فيه ماء، فاغترف غرفة بيده اليمنى، فتمضمض واستنشق،(1/232)
ثمّ اخذ أخرى، فجمع بها يديه، ثثم غسل وجهه، ثمّ أخذ أخرى، فغسل
بها يده اليمنى، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثمّ قبض قبضة من
الماء، ثمّ نفض يده، ثمّ مسح رأسه وأذنيه، ثمّ قبض قبضة أخرى من الماء،
فرشّ على رجله اليمنى وفبها النعل؛ ثمّ مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد
تحت النعل، ثمّ صنع باليسرى مثل ذلك.
(قلت: إسناده حسن. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، يوافقه
الذهبي. لكن ذكر مسح النعلين من قوقهما ومن تحتهما شاذ في هذه الرواية.
وقد أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بدون المسح على النعلين، وصححه ابن
خزيمة، وابن منده، وري ى الترمذي منه- مسح الرأس والأذنين- وصححه
أيضا، ورواه البخاري في "صحيحه " دون مسح الأذنين) .
إسناده: ثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر: ثنا هشام بن سعد: ثنا
زيد عن عطاء.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير هشام بن سعد؛
فمن رجال مسلم وحده؛ لكن قال الذهبي في "الميزان ":
" قال الحاكم: أخرج له مسلم في الشواهد "!
وهو ثقة؛ لا سيما في روايته عن زيد بن أسلم. فقد قال الآجري عن المؤلف:
" هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم "!
لكن قد تكلموا فيه من قبل حفظه؛ ولذلك فهو حجة إذا لم يخالف، وهو كما
قال العجلي:
" حسن الحديث ". وقال الحافظ في "التقريب ": إنه(1/233)
" صدوق له أوهام ".
والحديث أخرجه الحاكم (1/147) من طريق خلاد بن يحيى السلَمِي: ثنا
هشام بن سعد ... به، لكنه لم يذكر مسح النعل من فوق؛ بل قال:
ومسح أسفل النعلين. وقال:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
كذا! مع أنه نقل عنه كما سلف أن مسلماً إنما أخرج لابن سعد في الشواهد؛
فإذا صح هذا؛ فلا يصح قولهما.
وإن صح هذا؛ فلا يصح ذاك.
ثم إنني أرى أن ذكر المسح على النعلين- من فوقهما ومن تحتهما- لا معنى له
مع رش الرجلين الذي هو كناية عن غسلهما، بل ذلك من أوهام هشام بن سعد؛
فقد تابعه على هذا الحديث جمع من الثقات، فلم يذكر أحد منهم المسح على
النعلين.
لا أقول هذا إنكاراً لثبوت المسح على النعلين؛ كلأ؛ فذلك ثابت عن النّبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن في غير هذا الحديث، كما سيأتي في الكتاب (برقم 147، وغيره) .
وقال الحافظ في "الفتح ":
" وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم: فرش على رجله اليمنى ... إلخ؛ فالمراد
بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يتوضأ في
النعل؛ كما سيأتي من حديث ابن عمر. وأما قوله: تحت النعل؛ فإن لم يحمل
على التجوز عن القدم؛ وإلا فهي رواية شاذة، وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما
تفرد به؛ فكيف إذا خالف "!(1/234)
كذا قال! وفي كلامه في ابن سعد مبالغة لا تخفى! ثم عي لا تتفق مع ما
نقلناه آنفاً عن كتابه "التقريب "؛ فتأًمل!
والوضوء في النعل سبق من حديث ابن عباس عن علي رضي الله عنه في
الكتاب (رقم 107) ؛ وإليك أسماء الذين تابعوا هشاماً؛ دون الزيادة المشار إليها:
فمنهم: سليمان بن بلال؛ بلفظ: عن ابن عباس:
أنه توضأ فغسل وجهه، ثمّ أخذ غرفة من ماء، فمضمض واستنشق، ثمّ أخذ
غرفة من ماء فجعل هكذا؛ أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثمّ أخذ
غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثمّ غرف غرفة من ماء، فغسل بها يده
اليسرى، ثمّ مسح برأسه، ثمّ أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى
غسلها، ثمّ أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله- يعني: اليسرى-، ثمّ قال: هكذا
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ.
أخرجه البخاري (1/194) ، وأحمد (1/268) ، ومن طريقه البيهقي (1/53) .
ومنهم: محمد بن عجلان؛ بلفظ:
توضأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فغرف غرفة، فمضمض واستنشق ... الحديث نحو
رواية هشام؛ إلا أنه قال:
ثمّ مسح برأسه وأذنيه: باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه، ثمّ غرف
غرفة؛ فغسل رجله اليمنى، ثمّ غرف غرفة؛ فغسل رجله اليسرى.
أخرجه النسائي (1/29) ، والبيهقي (1/55 و 67) ، وابن حبان في
"صحيحه ". قال الحافظ في "التلخيص " (1/430) :
" وصححه ابن خزيمة وابن منده ".(1/235)
قلت: وروى منه الترمذي (1/52) - وصححه-، وابن ماجه (1/167) مسح
الرأس والأذنين.
ومنهم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ ولفظه:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ؛ فغسل يديه، ثمّ تمضمض واستنشق من غرفة
واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة مرة، ومسح رأسه وأذنيه مرة- قال
عبد العزيز: وأخبرني من سمع ابن عجلان يقول في ذلك-، وغسل رجليه.
أخرجه النسائي، وإسناده صحيح.
وأخرجه الدارمي (1/177) ، وابن ماجه (403) ، والحاكم (1/150) ،
والبيهقي (1/50) مختصراً دون قوله: وغسل وجهه ... إلخ. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وصححه النووي في "المجموع " (1/ ... ) .
ومنهم: ورقاء- وهو ابن عمر اليَشْكُرِيُّ-؛ بلفظ:
ألا أريكم وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: فغسل يديه مرة مرة، ومضمض مرة،
واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وذراعيه مرة مرة، ومسح رأسه مرة، وغسل
رجليه مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخرجه البيهقي (1/67) ، وقال:
" هذا إسناد صحيح ".
(تنبيه) : ظاهر حديث الباب: أنه عليه الصلاة والسلام مسح أذنيه بماء
الرأس، فهو شاهد قوي لحديث أبي أمامة المتقدّم (رقم 123) :(1/236)
" الأذنان من الرأس ".
ثمّ إنّ الحديث لا مناسبة له بالباب، بل محله في الباب الذي يليه؛ فلو أورده
المصنف فيه؛ لأصاب!
53- باب الوضوء مرة مرة
127- عن ابن عباس قال:
ألا أخبركم بوضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فتوضأ مرة مرة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه، وقال الترمذي:
إنه أحسن شيء في الباب وأصح) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني زيد بن أسلم عن عطاء
ابن يسار عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (1/25) ، والترمذي (1/60) ، وابن ماجه
(1/161) من طرق عن يحيى بن سعيد القطان. .. به.
وأخرجه البخاري (1/207) ، والترمذي أيضا، والدارمي (1/177) ،
والطحاوي (7/11) ، وأحمد (1/233 و 365) عن سفيان ... به.
وتابعه معمر وداود بن قيس: عند البيهقي (1/80) ، وأحمد (1/332
و336) .
وأخرجه الحاكم (1/150- 151) عن داود وقال: إنه(1/237)
" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وله متابعات أخرى عن زيد؛ فانظر الذي قبله. ثمّ قال الترمذي: إنه
" أحسن شيء في هذا الباب وأصح ".
وتابعه عمرو بن دينار عن عطاء ... به: رواه الطبراني (3/120/1) .
ورواه (3/99/2) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن
إسماعيل بن إبراهيم عن يعقوب بن خالد عن ابن عباس عن النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال:
" الوضوء مرة مرة "!
هكذا جعله من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وهو منكر تفرد به ابن لهيعة بهذا السند؛ وهو
ضعيف سيئ الحفط.
ويعقوب بن خالد؛ الظاهر أنه ابن المسيب، لكنهم لم يذكروا له رواية عن
الصحابة، انظر "الجرح والتعديل " (4/2/207) .
54- باب في الفرق بين المضمضة والاستتشاق
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
55- باب في الاستنثار
128- عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا توضأ أحدكم؛ فليجعل في أنفه ماء، ثمّ لْيَنْثُرْ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة(1/238)
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن
أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في "الموطأ" (1/41- 42) بهذا الإسناد. وعنه: أخرجه البخاري
وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والنسائي والبيهقي وأحمد (2/278) ، ومحمد في
"موطئه " (43) كلهم عن مالك ... به وزادوا:
" من استجمر فليوتر ".
وتابعه سفيان الثوري عن أبي الزناد.
أخرجه مسلم وأحمد (2/242) .
وتابعه ابن شهاب: أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد
الخدري يقولان: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره بالزيادة.
أخرجه ابن حبان (2/ 352/ 1435) .
وله في "المسند" (2/277 و 308 و 316 و 352) وكذا في "مسلم " طرق
أخرى.
وله عند أحمد (2/289) طريق أحرى من فعله عليه الصلاة والسلام؛ قال:
ثنا عتاب بن زياد: ثنا عبد الله بن مبارك: أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي
هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أنه كان إذا استنشق؛ أدخل الماء منخريه.(1/239)
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير عَتاب بن زياد، وهو ثقة.
129- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" استتثروا مرتين بالغتين أو ثلاثاً ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام "
(2/156/1) ، وقال الحافظ: " إسناده حسن ") .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى: ثنا وكيع: ثنا ابن أبي ذئب عن قارظ عن
أبي غطفان عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال مسلم؛ غير قارظ- وهو ابن شيبة-؛
قال النسائي:
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
والحديث أخرجه ابن ماجه عن وكيع ... به.
ثمّ أخرجه هو والبخاري في "التاريخ " (4/1/201) ، والحاكم (1/148) ،
وأحمد (1/315) من طريق أخرى عن ابن أبي ذئب ... به.
ورواه عنه الطيالسي قال (رقم 2724) : ثنا ابن أبي ذئب ... به؛ ولفظه: عن
أبي غظفان قال:
رأيت ابن عباس توضأ، فمضمض واستنشق مرتين مرتين، وقال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا مضمض أحدكم واستنثر؛ فليفعل ذلك مرتبن بالغتين أو ثلاثاً ".(1/240)
وعنه أخرجه البيهقي (1/49) .
وأورده الحاكم شاهدالحديث (لَقِيط) الذي بعده؛ وسكت عليه، وصححه ابن
القطان، كما في "التلخيص " (1/405) . وقال في "الفتح " (1/210) :
" وإسناده حسن ". وقال في "التهذيب " في ترجمة (قارظ) :
" له عندهما حديث ابن عباس في الطهارة. قلت: أخرجه النسائي أيضا، ولم
يذكر ذلك المزي "!
قلت: ولم أره في "سننه الصغرى"! وهو نفسه لم يعزه في "التلخيص "
للنسائي؛ بل جعل مكانه: ابن الجارود، فالظاهر أنه يعني "السنن الكبرى" له!
ورواه الطبراني في " الكبير" (3/98/1) ، وزاد:
" والأذنان من الرأس ".
وسنده صحيح؛ وهو من شواهد حديث أبي أمامة المتقدم برقم (123) .
130- عن لَقِيطِ بن صَبِرَةَ قال:
كنت وافد بني المُنْتَفِق- أو في وفد بني المنتفق- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: فلما قدمنا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم نصادفه في منزله، وصادفنا
عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخَزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع
- والقناع: الطبق- فيه تمر، ثمّ جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
" هل أصبتم شيئاً أوأُمِرَ لكم بشيء؟ ".
قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/241)
جلوس؛ إذ دفع الراعي غنمه إلى المُراح؛ ومعه سخلة تَيْعِر. فقال: " ما
وَلّدْتَ يا فلان؟ ا ". قال: بَهمة. قال: " فاذبح لنا مكانها شاة ". ثمّ قال:
" لا تحْسِبَن- ولم يقل: لا تحسَبَن- أنَّا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة
لا نريد أن تريد، فإذا وَلَّد الراعي بَهمة ذبحنا مكانها شاة ".
قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة، وإن في لسانها شيئاً- يعني:
البَذاء؟ - قال: " فطلقْها إذاً ". قال: قلت: يا رسول الله! إنّ لها صحبة
ولي منها ولد؟! قال:
" فمرها- يقول: عِظها-؛ فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب
-ظعينتك كضربك أًمَيتَكَ ".
فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال:
" أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق؛ إلا أن
تكون صائماً ".
(قلت: إسناده صحيح. وروى بعضه الترمذي، والحاكم، وصححاه، وكذا
صححه ابن خزبمة وابن الجارود وابن حبان والبغوي وابن القطان والنووي
والذهبي) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: ثنا يحيى بن سُلَيْم عن
إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة عن أبيه لَقِيط بن صَبِرة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير إسماعيل بن كثير،
وعاصم بن لقيط، وهما ثقتان بلا خلاف.(1/242)
والحديث أخرجه النسائي (1/26) بهذا الإسناد مختصراً مقتصرا على قوله
في آخره: أخبرني عن الوضوء ... إلخ.
وأخرجه الترمذي (1/150- طبع بولاق) ، وابن ماجه (1/160) ، والحاكم
(1/148) ، وعنه البيهقي (1/76) من طرق أخرى عن يحيى بن سليم ... به
مختصراً. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وتابعه على هذا القدر: الحسن بن علي أبو جعفر: عند الطيالسي (رقم
1341) وزاد في آخره:
" ولا تضرب طَعِينتَك كما تضرب أمتك ".
وداود بن عبد الرحمن العطار: عند الحاكم (1/148) ... مثله، كلاهما عن
إسماعيل بن كثير.
وتابعهم سفيان الثوري ... قال:
أتيت النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذبح لنا شاة وقال: " لا تحسبن ... " الحديث. إلى قوله:
" فإذا بلغت مائة ذبحنا شاة ": أخرجه أحمد (4/33) .
ثم روى من طريقه بإسناده قوله عليه الصلاة والسلام:
" إذا توضأًت فأبلغ الاستنشاق؛ ما لم تكن صائماً ".
وروى منه الترمذي (1/56/رقم 38) :
" إذا توضأًت فخلل الأصابع ". وقال:
" حديث حسن صحيح ".(1/243)
وصححه ابن خزيمه وابن الجارود وابن حبان- كما في "التهذيب "-، والبغوي
وابن القطان، والنووي في "المجموع ".
والأمر بإسباغ الوضوء؛ ورد من حديث ابن عمرو عند مسلم والنسائي
وأحمد.
ومن حديث ابن عباس عند الدارمي (1/178) بسند صحيح.
131- وفي رواية: ذكر معناه ... قال:
فلم ينْشَبْ آنْ جاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتقلَّعُ يتكفَّأ ... وقال: عَصيدة،
مكانَ: خَزِيره.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا عقبة بن مُكرَم: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا ابن جريج: حدثني
إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه وافد بن المنتفق: أنه أتى
عائشة ... فذكر معناه، قال: فلم ننشب ... إلخ.
وهذا إسناد صحيح أيضا.
والحديث أخرجه أحمد (4/211) : ثنا يحيى بن سعيد ... به؛ وقال:
على يده شملة.
وأخرجه الحاكم (1/148) ، وعنه البيهقي من طريق مسدد عن يحيى، ومن
طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج ... به ببعضه اختصاراً.
وأحمد أيضا (4/33) .(1/244)
132- وفي أخرى ... بهذا الحديث قال فيه:
" إذا توضأت فمضمض".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الحافظ) .
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا أبو عاصم: ثنا ابن جريج ...
بهذا الحديث.
وهذا إسناد صحيح أيضا، وكذلك قال الحافظ في "فتح الباري "
(1/211) .
والحديث أخرجه الدارمي (1/179) مختصراً: أخبرنا أبو عاصم ... به
بلفظ:
" إذا توضأت؛ فأسبغ وضوءك، وخلِّل بين أصابعك ".
56- باب تخليل اللِّحية
133- عن أنس [يعني: ابن مالك] :
أنّ رسول الله َصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ؛ أخذ كفّاً من ماء؛ فأدخله تحت
حَنَكه، فخلَّل به لحيته، وقال:
" هكذا أمرني ربي عزّ وجلّ ".
(قلت: حديث صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن
القطان أيضا) .(1/245)
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا أبو المَلِيح عن الوليد بن زوران عن
أنس- يعني: ابن مالك-.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير الوليد بن زَوْرَان؛ قال
المصنف عقب الحديث:
" ابن زوران روى عنه حجاج بن حجاج، وأبو المليح الرقي ".
قلت: وروى عنه جعفر بن برقان أيضا، وعبد الله بن مُعَية الجَزَرِي، وذكره ابن
حبان في "الثقات ". وقال الآجُرِّي عن المصنف:
" لا ندري سمع من أنس أولا؟ ". وقال الذهبي في "الميزان ":
" ليس بحجة؛ مع أن ابن حبان وثقه ". وقال الحافط في "التقريب ": إنه
" لين الحديث ". وأما في "التلخيص " (1/415) فقال:
" مجهول الحال ".
وتبع في ذلك ابن القطان؛ فقد قال ابن القيم في "التهذيب " (1/107) :
" قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن
زوران، وهو مجهول. وكذا أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال. وفي هذا
التعليل نظر؛ فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح
الحسن بن عمرو الرقي وغيرهم؛ ولم يعلم فيه جرح ".
فكأنه مال إلى تقوية هذا الإسناد! وهو محتمل.
والحديث صحيح على كل حال؛ لطرقه وشواهده كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/54) من طريق المؤلف.(1/246)
وله طرق أخرى عن أنس؛ فقال ابن القيم:
" وقد روى هذا الحديث: محمد بن يحيى الذهلي في كتاب "علل حديث
الزهري " فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار- من أصله، وكان
صدوقاً-: حدثنا محمد بن حرب: حدثنا الزبَيْدِي عن الزهري عن أنس بن
مالك: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم
قال: " هكذا أمرنى ربي عزّ وجلّ ". وهذا إسناد صحيح "!
هكذا ذكره ابن القيم- بعد كلامه السابق في رده على ابن القطان-، فأوهمني
أن هذا كلام ابن القيم نفسه، وأن التصحيح منه! ثمّ تبين لي أنه ليس كذلك؛
فقد قال بعد صفحة (109) :
" قلت: وتصحيح ابن القظان لحديث أنس من طريق الذهلي؛ فيه نظر! فإن
الذهلي أعله فقال في "الزهريات ": وحدثا يزيد بن عبد ربه: حدثنا محمد بن
حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك ... فذكره. قال الذهليٍ: هذا هو
المحفوظ. قال ابن القطان: وهذا لا يضره؛ فإنه ليس من لم يحفظ حجة على من
حفظ، والصفار قد عين شيخ الزبيدي فيه، وبين أنه الزهري، حتى لو قلنا: إن
محمد بن حرب حدث به تارة فقال فيه: عن الزبيدي: بلغني عن أنس ... لم
يضره ذلك، فقد يراجع كتابه؛ فيعرف منه أن الذي حدث به الزهري فيحدث به
عنه، فأخذه عنه الصفار هكذا ". قال ابن القيم:
" وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن
الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات
والاحتمالات "!
ونحن نرى أن الحق مع ابن القطان؛ لأن الاحتمال الذي أبداه؛ إنما هو في
سبيل الجمع بين روايات الثقات؛ وإلا لزم توهيم الثقة بدون دليل؛ بل بمجرد(1/247)
الذوق! وهذا ليس من العلم في شيء! ويدلك على ما ذهبنا إليه أمران:
الأول: أن محمد بن عبد الله الصفار إنما روى الحديث من أصل كتابه، وهذا
مما يبعد الظن بخطئه.
الثاني: أنه قد تابعه على وصله: محمد بن وهب بن أبي كريمة- وهو ثقة بلا
خلاف-: أخرجه الحاكم (1/149) ، وقال: إنه
" صحيح ". ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في " التلخيص " (1/416) - بعد أن
ساقه-:
" رجاله ثقات؛ إلا أنه معلول ... "؛ ثمّ ساقه عن الذهلي من الوجه المنقطع،
ثم قال:
" وصححه الحاكم قبل ابن القطان؛ ولم تقدح هذه العلة عندهما فيه ".
وللحديث طرق أخرى: عند ابن ماجه والحاكم والبيهقي عن أنس.
وله شواهد منها:
عن عثمان رضي الله عنه:
أن النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخلل لحيته.
أخرجه الترمذي، وصححه؛ وهو عند البخاري أصح شيء في الباب، وقد
تقدّم تخريجه والكلام على إسناده في الحديث (رقم 98) .
ومنها: عن عائشة رضي الله عنها:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ خلل لحيته بالماء.
أخرجه الحاكم (1/150) ، وأحمد (6/234) ، وأبو عبيد في كتاب "الطهور"(1/248)
من طرق أربعة عن عمر بن أبي وهب الخزَاعي: حدثني موسى بن ثروان عن طلحة
ابن عبيد الله بن كَرِيزٍ الخزَاعي عنها.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمر بن أبي وهب الخزاعي؛
ولم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال (1) ! والظاهر أنه في "ثقات ابن
حبان "؛ فقد قال الهيثمي في "المجمع " (1/235) :
" رواه أحمد، ورجاله موثقون ".
فقد لاحظنا أن الهيثمي كثيراً ما يقول هذه العبارة: " ورجاله موثقون " في
إسناد فيه بعض من تفرد ابن حبان بتوثيقه. والله أعلم. وقال الحافظ في
"التلخيص " (1/416) :
" رواه أحمد؛ وإسناده حسن "!
وسكت عليه ابن القيم في "التهذيب " (1/108 و 112) .
ومنها: عن ابن عمر ... نحوه.
رواه ابن ماجه (432) بسند فيه ضعف؛ وصحح بعضهم وقفه. وأعله ابن أبي
حاتم (1/31) بالإرسال.
وللحديث شواهد أخرى كثيرة؛ وفيما ذكرنا كفاية، فمن أراد الزيادة؛ فليرجع
إلى المصدرين الآخرين لابن القيم والحافظ.
__________
(1) ولم يورده الحافظ في "التعجيل " مع أنه من شرطه!
ثم رأيت ابن أبي حاتم قد نقل (3/ 1/140) توثيقه عن ابن معين وغيره.
فالحديث صحيح.(1/249)
57- ومن "باب المسح على العِمَامة"
134- عن ثوبان قال:
بعث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً؛ فأصابهم البَرْدُ، فلما قدموا على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.
(قلت: إسناده صحيح، وكذ اقال النووي، وصححه الحاكم والذهبي
والزيلعي) .
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن
راشد بن سعد عن ثوبان.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير راشد بن سعد؛ وهو ثقة.
وكذلك قال النووي (1/408) :
" إسناده صحيح ". وأعله الحافظ في "التلخيص " (1/426) بقوله:
" وهو منقطع "!
وكأن مستنده في ذلك ما ذكره في ترجمة راشد هذا من "التهذيب "؛ فقال:
" وقال أبو حاتم والحربي: لم يسمع من ثوبان. وقال الخلال عن أحمد: لا
ينبغي أن يكون سمع منه ".
ونقل الزيلعي (1/165) قول أحمد هذا، وزاد في آخره:
" لأنه مات قديماً ". ثمّ تعقبه بقوله:
" وفي هذا القول نظر؛ فإنهم قالوا: إن راشداً شهد مع معاوية صفين؛ وثوبان(1/250)
مات سنة أربع وخمسين، ومات راشد سنة ثمان ومائة. ووثقه ابن معين وأبو حاتم
والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي. وخالفهم ابن حزم فضعفه. والحق معهم ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/60) - من طريق المؤلف-، والحاكم (1/169)
من طريق- أحمد بن حنبل، وهو في "المسند" (5/277) بهذا السند-. ثمّ قال
الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وقد وهما. قال الزيلعي؛ متعقبا ًالحاكم:
" وفيه نظر؛ فإن ثوراً لم يرو له مسلم، بل انفرد به البخاري، وراشد بن سعد
لم يحتج به الشيخان ".
وللحديث عند أحمد (5/281) طريق آخر عن ثوبان؛ فيه عتبة أبو أمية
الدمشقي؛ قال الحسيني:
" مجهول؛ كما في (الكنى) من "التعجيل " ".
58- باب غسل الرِّجْلَيْنِ
135- عن المُسْتَوْرِدِ بن شَدَّاد قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ يَدْ لُكُ أصابع رجليه بخِنصره.
(قلت: حديث صحيح، وقال مالك: " حديث حسن "، وصححه ابن
القطان) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي
عبد الرحمن الحُبُلِي عن المستورد بن شداد.(1/251)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أن ابن لهيعة سيئ الحفظ؛ لكنه قد توبع
عليه؛ فهو بذلك حديث صحيح.
ثمّ استدركت فقلت: حديث قتيبة عنه صحيح أيضا؛ كما أفاده الذهبي
والحديث أخرجه الترمذي (1/57) بهذا السند.
وأخرجه ابن ماجه، والطحاوي (1/21) ، والبيهقي (1/76) ، وأحمد
(4/229) من طريق أخرى عن ابن لهيعة ... به. ثمّ قال الترمذي:
" هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة "!
كذا قال! وهو ما وصل إليه علمه، وبناءً على ذلك قال النووي في "المجموع "
(1/424) :
" وهو حديث ضعيف؛ فإن ابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث "!
وذكر نحوه المنذري في "مختصره " (رقم 135) ! قال الحافط (1/436) :
" لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث: أخرجه البيهقي وأبو بشر
الدوْلابي والدارقطني في "غرائب مالك " من طريق ابن وهب عن الثلاثة.
وصححه ابن القطان ".
قلت: وهو عند البيهقي من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال:
سمعت عمي يقول: سمعت مالكاً ئسْأل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟
فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس. فقلت له: يا أبا
عبد الله! سمعتك تفتي في مسألة تخليل أصابع الرجلين: زعمت أن ليس ذلك
على الناس، وعندنا في ذلك سنة! فقال: وما هي؟ فقلت:
ثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المَعَافري(1/252)
عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه.
فقال: إن هذا حديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة! ثمّ سمعته يُسْأل
بعد ذلك؟ فأمر بتخليل الأصابع.
قال عمي: ما أقل من يتوضأ إلا ويحيطه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل؛
فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء؛ فمن تفقد ذلك سَلِمَ.
قال ابن التركماني:
" أحمد ابن أخي ابن وهب وإن أخرج عنه مسلم؛ فقد قال أبو زرعة: أدركناه
ولم نكتب عنه. وقال ابن عدي: رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين
على ضعفه "!
قلت: وتمام كلام ابن عدي- كما في "التهذيب " وغيره-:
" ومن ضعفه أنكر عليه أحاديث، وكثرة روايته عن عمه، وكل ما أنكروه عليه
محتمل- وإن لم يروه غيره عن عمه، ولعله خصه به ... "، ثمّ ذكر الحافظ
أحاديث مما أنكرت عليه ورجع عنها؛ وليس هذا منها. والله أعلم.
59- باب المسح على الخفين
136- عن عَبَّاد بن زياد: أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره: أنه سمع
أباه المغيرة يقول:
عَدَل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا معه في غزوة توك قبل الفجر، فعدَلت معه،
فأناخ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتبرَّز، ثمّ جاء، فسكبت على يده من الاداوة؛ فغسل(1/253)
كفيه، ثمّ غسل وجهه، ثمّ حسر عن ذراعيه؛ فضاق كُما جُبته، فأدخل
يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلها إلى المرفق، ومسح برأسه، ثمّ
توضأ على خفيه؛ ثمّ ركب، فأقبلنا نَسِيرُ حتى نَجِد الناس في الصلاة قد
قدّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلّى بهم حين كان وقت الصلاة؛ ووجدنا
عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فصفّ مع المسلمين فصلّى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثمّ
سلّم عبد الرحمن، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته، ففزِع المسلمون؛
فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سَبقوا النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، فلما سلّم رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لهم:
" قد أصبتم- أوقد أحسنتم- ".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما".
وقال أبو حاتم: إنه أصح حديث في الباب) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن
يزيد عن ابن شهاب: حدثني عباد بن زياد.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ غير أحمد بن صالح؛ فهو على شرط
البخاري وحده؛ وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل " (1/33/رقم 65) أنه أصح
حديث في الباب.
والحديث أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (3/320/2221- الإحسان) من
طريق حرملة بن يحيى قال: ثنا ابن وهب ... به.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وكذا ابن خزيمة (3/9/1515) ،(1/254)
والبيهقي (1/274 و 295- 296) ، وأحمد (4/251) ، والطبراني في " المعجم
الكبير" (20/ 376/ 880) من طريق ابن جريج: حدثني ابن شهاب ... به؛ وزاد
في آخره:
يغبطهم؛ أن صلوا الصلاة لوقتها.
وكذلك رواه صالح عن ابن شهاب؛ أخرجه أبو عوانة، وأحمد (4/249) ،
وزادوا أيضا في رواية لهم:
قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"دعه ".
ورواه مالك (1/57- 58) عن ابن شهاب؛ لكنه أخطأ في إسناده كما بينه
الحافظ وغيره.
وكذلك أخطأ فيه جعفر بن برقان، فقال: عن الزهري عن حمزة وعروة ابني
المغيرة بن شعبة عن أبيهما المغيرة ... فذكره نحوه؛ وزاد في آخره:
" قد أصبتم وأحسنتم! إذا احتبس إمامكم وحضرت الصلاة؛ فقدموا رجلاً
يؤمكم ".
أخرجه ابن حبان (3/321/2222) .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكنه معلول! وقد كشف عن علته: ابن
حبان بنفسه، فقال عقبه:
" قصر جعفر بن برقان في سند هذا الخبر؛ فلم يذكر (عباد بن زياد) فيه؛ لأن
الزهري سمع هذا الخبر من عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة بن شعبة، وسمعه عن
حمزة بن المغيرة عن أبيه ".(1/255)
قلت: أما رواية الزهري عن عباد؛ فقد رواها عنه يونس بن يزيد وابن جريج،
كما تقدم.
وأما روايته عن حمزة بن المغيرة؛ فلم أرها إلا مختصرة جدّاً: عند الطبراني في
"المعجم الكبير" (20/377/881) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث:
حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن حمزة بن المغيرة عن
أبيه قال:
رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومعح على خفيه.
وأخرجه أحمد (4/251) من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف " (1/191-
192) من طريق ابن جريج المتقدمة: حدثني ابن شهاب عن عباد بن زياد ...
بإسناده فساقه بطوله.
قال ابن شهاب: فحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن
المغيرة ... مثل حديث عباد بن زياد.
ومن هذا الوجه: هو عند مسلم (2/26- 27) وغيره.
والمقصود: أن (ابن برقان) خالف الثقات في إسقاطه (عباداً) من الإسناد؛ فلا
غرابة- إذن- في تضعيف أحمد وابن معين وغيرهما روايته عن الزهري خاصة.
ومن هنا: نستطيع أن نحكم على زيادته في آخر الحديث بالشذوذ والنكارة؛
لخالفته الثقات!
137- عن يحيى بن سعيد عن التيمي: ثنا بكر عن الحسن عن ابن
المغيرة بن شعبة: عن المغيره بن شعبة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح ناصيته، وذكر فوق العمامة.(1/256)
(إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وصححه الترمذي) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى بن سعيد. (ح) وثنا مسدد: ثنا العتمر عن
التيمي: ثنا بكر عن الحسن ... به. قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن
بكر بن عبد الله عن الحسن ... باللفظ الذي بعده. قال بكر: وقد سمعته من ابن
المغيرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقول بكر هذا؛ هو في الروايتين- رواية
يحيى بن سعيد، ورواية المعتمر- كلاهما عن التيمي.
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحهيما"، والنسائي (1/29-
30) ، والترمذي (1/170) ، وأحمد (4/255) عن يحيى بن سعيد القطان ...
به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
138- (وفي رواية) : عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن
عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة:
أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته على
عمامته.
قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة.
(إسناده صحيح على شرط البخاري أيضا. وأخرجه مسلم) .
إسناده: سبق في الذي قبله.(1/257)
والحديث أخرجه مسلم أيضا عن المعتمر ... به.
وقد تابعه عن أبيه: يحيى بن سعيد القطان؛ كما في الرواية الأولى.
وتابعه أيضا يزيد بن هارون: عند أبي عوانة والبيهقي؛ ولم يقع عندهم جميعاً
تسمية ابن المغيرة.
وقد سماه غير التيمي- وهو حميد الطويل- قال: ثنا بكر بن عبد الله المزني
عن حمزة بن المغيرة بن شعبة ... به أنم منه، وفيه قصة صلاة النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤتماً
وراء عبد الرحمن بن عوف.
أخرجه أبو عوانة والنسائي، والبيهقي (1/58- 60) ، وأحمد (4/248) من
طرق عن حميد.
وهو عند مسلم من هذا الوجه؛ لكن قال: عروة بن المغيرة!
وهي وهم من مسلم أو شيخه محمد بن عبد الله بن بزبع؛ كما بينه النووي.
نعم روى الحديث عن المغيرة ابنه عروة أيضا؛ وهو:
139- عن الشئعْبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن
أبيه قال:
كلنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في رَكْبِهِ؛ ومعي إداوة، فخرج لحاجته ثمّ أقبل،
فتلقيته بالإداوة؛ فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثمّ أراد أن يُخرج
ذراعيه- وعليه جُبّة من صوف من جِبَابِ الروم ضيقةُ الكمين- فضاقت؛
فادرعهما ادِّراعاً، ثمّ أهويت إلى الخفين لأنزعهما، فقال لي:
" دع الخفين؛ فإني ادخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان ". فمسح(1/258)
عليهما.
قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدئنا مسدد: ثنا عيسى بن يونس: ثني أبي عن الشعبي.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (4/255) قال: ثنا وكيع: ئنا يونس بن أبي إسحاق:
سمعته من الشعبي ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/256) من طريقين آخرين عن يونس ...
به
ثمّ رواه من طريق ابن عيينة عن حصين وزكريا ويونس عن الشعبي ... به
مختصراً.
وحديث زكريا- وهو ابن أبي زائدة-: عند البخاري (10/220) ، ومسلم
(1/158) ، وأبي عوانة أيضا (1/255) ، والدارمي (1/181) ، والبيهقي
(1/281) ، وأحمد أيضا (4/255) من طرق عنه ... به تامآ غير مختصر، لكن
البخاري اختصره في "الطهارة" (1/247) .
وصرح زكريا بالتحديث في رواية أبي عوانة؛ ولم يقف عليها- أو لم(1/259)
يستحضرها- الحافظ حين الكلام على الحديث فقال:
" وزكريا مدلس، ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة. لكن أخرجه أحمد عن
يحيى القطان عن زكريا، والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان
مسموعاً لهم؛ صرح بذلك الإسماعيلي "!
وتابعه عمر بن أبي زائدة عن الشعبي؛ وهو اْخو زكريا: أخرجه مسلم وأبو
عوانة.
وإسماعيل بن أبي خالد: عند البيهقي، وزاد- بعد قوله: " إني قد أدخلتهما
طاهرتين "-:
" لم اْجنب بعد ".
ورجاله رجال الشيخين؛ غير أن الراوي عن يحيى بن صالح- وهو عيسى بن
غيلان-؛ لم أجد له ترجمة.
وتابعه مجالد عن الشعبي؛ وزاد- مكان: " لم أجنب بعد "-:
" ثم لم أمش حافياً ".
وهذه زياده منكرة؛ لتفرد مجالد- وهو ابن سعيد- بها دون جميع من رواه عن
للشعبي، ودون من رواه غيره عن عروة وغيره؛ إلا ما سيأتي التنبيه عليه في الباب
الذي يليه (رقم 145) .
140- عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة قال:
تخلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر هذه القصة، قال:
فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصلّي بهم الصبح، فلما رأى(1/260)
النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد أن يتأخر؛ فأومأ إليه أن يَمضي، قال:،فصليت أنا والنبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلفه ركعة، فلما سلّم؛ قام النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلّى الركعة التي سُبِقَ بها،
ولم يزد عليها شيئاً.
(إسناده صحيح، وكذا قال الشوكاني) .
إسناده: حدثنا هُدْبة بن خالد: ثنا همَّام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن
أوفى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وهذا من طريق زرارة.
وأما من طريق الحسن عنه؛ فإنه منقطع؛ كما في "التلخيص " (2/294) .
وصحح إسناده الشوكاني أيضا، ولكنه جعله لحديث للمصنف آخر، إسناده
ضعيف كما بينت ذلك في الكتاب الأخر (رقم 21) .
والحديث أخرجه البيهقي (2/352) من طريق المؤلف.
141- قال أبو داود: " أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر
يقولون:
من أدرك الفرد من الصلاة؛ عليه سجدتا السهو ".
(قلت: لم أقف على أسانيدها) .
قال في "عون المعبود": " وهذه الآثار قد تتبعت في تخريجها؛ لكن لم أقف
[على] من أخرجها موصولأ ".
قلت: قال البيهقي عقيها:(1/261)
" وحديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولى أن يتبع ".
وذلك لتصريحه أنه لم يزد على الركعة شيئاً. قال ابن رسلان:
" وبه قال أكثر أهل العلم. ويؤيد ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما فاتكم فأتموا ". وفي
رواية: " فاقضوا ". ولم يأمر بالسهو ".
142- عن أبي عبد الرحمن:
أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالا عن وضوء رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال:
كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء، فيتوضأ ويمسح على عمامته
ومُوقيه.
(قلت: حديث صحيح. أخرج منه أحمد، والضياء المقدسي في
"الأحاديث المختارة": المسح على الموقين والخمار. وأخرجه ابن خزبمة أيضا في
"صححه ") .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: ثنا أبي: ثنا شعبة عن أبي بكر- يعني:
ابن حفص بن عمر بن سعد- سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن.
قال أبو داود: " هو أبو عبد الله مولى بتي تيم بن مرة ".
قلت: وهو كشيخه أبي عبد الرحمن؛ كلاهما مجهول لا يعرف؛ كما قال ابن
عبد البر.
وتبعه الذهبي في "الميزان ". والحافظ في "التقريب".
والحديث أخرجه الحاكم (1/170) من طريق يحيى بن محمد: ثنا عبيد الله(1/262)
ابن معاذ العنبري ... به.
ثم أخرجه من طريق آدم بن أبي إياس: ثنا شعبة ... به.
وأخرجه البيهقي (1/288) من طريقه، ثمّ قال الحاكم:
" حديث صحيح؛ فإن أبا عبد الله مودى بتي تيم معروف بالصحة والقبول "!
ووافقه الذهبي!
فذهل عما ذكره في "الميزان " من الجهالة في بعض رجال إسناده، كما أشرنا
إليه آنفاً.
والحديث رواه ابن جريج أيضا عن أبي بكر، لكن قلب إسناده فقال: أخبرني
أبو بكر بن حفص بن عمر: أخبرني أبو عبد الرحمن عن أبي عبد الله أنه سمع
عبد الرحمن بن عوف ... به. وقال: خفية بدل: موقيه!
أخرجه أحمد (6/12) .
وأبو بكر بن حفص: اسمه عبد الله؛ قال الحافظ في "التهذيب ":
" وأخرج النسائي أيضا حديثه في الطهارة، ولم يرقم له المزي؛ وهو ثابت في
رواية ابن الأحمر وابن حيوة ".
قلت: وليس هو في النسخة المطبوعة في مصر. ولذلك لم يعزه النابلسي
(1/116) في الذخائر إلا للمصنف وحده.
والحديث بهذا الإسناد ضعيف.
لكتي وجدت له طريقاً أخرى قوية؛ وهي ما أخرجه أحمد (6/15) قال: ثنا
عفان: ثنا حماد- يعني: ابن سلمة-: ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي إدريس عن(1/263)
بلال قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الموقين والخمار.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأبو إدريس: هو عائذ الله بن عبد الله.
وأبو قلابة: اسمه عبد الله بن زيد؛ وهما ثقتان من رجال الشيخين.
وأخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"- كما في "النَيل " (1/158) -، وابن
خزيمة في "صحيحه "- كما في "نصب للراية" (1/183) -.
وهو في "صحيح مسلم "، و"أبي عوانة" وغيرهما من طريق أخرى عن بلال
بلفظ:
مسح على الخفين والخمار.
وهو كذلك في "المسند"، و "الطبراني الكبير".
وأما تقديم الماء إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهو شيء معهود في السنة؛ فانظر ما سبق (رقم 33
و35) .
ولذلك؛ فالحديث صحيح ثابت.
ثم وجدت لحديث أبما إدريس عن بلال شاهداً من حديث أنس بن مالك:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الموقين والخمار.
أخرجه البيهقي قال: وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق: ثنا أبو جعفر محمد
ابن محمد بن نصير الصوفي: ثنا علي بن عبد العزيز: نا الحسن بن الربيع: ثنا أبو
شهاب الحناط عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك.(1/264)
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معرفون؛ غير الصوفي والراوي عنه؛
فإني لم أجد لهما الآن ترجمة فيما عندي من كتب الرجال!
143- عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير:
أن جريراً بال ثمّ توضأ؛ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح
وقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح؟! قالوا:
إنما كان ذلك قبل نزول المائدة! قال:
ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة.
(قلت: حديث حسن، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا علي بن الحسين الدِّرْهَمِيُ: ثنا ابن داود عن بُكَيْرِ بن عامر عن
أبي زرعة بن عمرو بن جرير.
وهذا إسناد حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ غير بكير بن عامر؛ وهو
مختلف فيه. وقد قال الآجري عن المؤلف:
" ليس بالمتروك ". وقال ابن عدي:
" ليس كثير الرواية، ورواياته قليلة، ولم أجد له متناً منكراً، وهو ممن يكتب
حديثه ".
والحديث أخرجه الحاكم (1/169) من طريق جعفر بن أحمد بن نصر: ثنا
علي بن الحسين الدرهمي: ثنا عبد الله بن داود ... به.
ثمّ أخرجه، ومن طريقه البيهقي (1/270) من طريق أبي الحسن محمد بن
غسان القزاز: ثنا عبد الله بن داود ... به. وقال الحاكم:(1/265)
" حديث صحيح؛ وبكير بن عامر العجلي كوفي ثقة عزيز الحديث، يجمع
حديثه في ثقات الكوفيين "! ووافقه الذهبي. قال الزيلعي (1/162) :
" بهذا السند والمتن؛ رواه ابن خزيمة في "صحيحه " ... ".
وللحديث طريق أخرى: عند الدارقطني (71) ، والبيهقي (1/273 و 274)
عن شهر بن حوشب عن جرير بن عبد الله ... به.
فهذا مما يقوّي الطريق الأولى؛ فيكون الحديث حسناً. وهو في "الصحيحبن "
وغيرهما بنحوه؛ دون قوله: قالوا ... إلخ.
144- عن ابن بريدة عن أبيه:
أن النجاشي أهدى إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفين أسودين ساذجين،
فلبسهما، ثم توضأ ومسح عليهما.
(قلت: حديث حسن، وكذا قال الترمذي) .
إسناده: حدثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحَراني قالا: ثنا وكيع: ثنا
دلْهَم بن صالح عن حُجَيْر بن عبد الله عن ابن بريدة.
وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير دلهم بن
صالح؛ فضعفوه؛ غير المصنف فقال:
" ليس به بأس ". وقال أبو حاتم:
" هو أحب إلي من بكير بن عامر وعيسى بن المسيب ".
وشيخه حجير بن عبد الله؛ قال ابن عدي:
"لا يعرف ".(1/266)
وذكره ابن حبان في "الثقات "، وحسن له الترمذيُ هذا الحديث كما يأتي.
ثم قال المصنف عقبه:
" قال مسدد: عن دلهم بن صالح. قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة "!
قلت: وقد تعقب السيوطي المصنف في قوله: " هذا مما تفرد به أهل البصرة "؛
بما حاصله- كما في "عون المعبود "-: أنه ليس في رواة هذا الحديث بصري؛ سوى
مسدد، ولم يتفرد به، فنسبة التفرد إلى أهل البصرة وَهَمٌ من المؤلف الإمام رضي
الله عنه! والله أعلم.
والحديث أخرجه أحمد (5/352) : ثنا وكيع: ثنا دلهم بن صالح ... به.
وكذلك أخرجه الترمذي في "سننه " (2/134- طبع بولاق) ، وفي "الشمائل "
أيضا (1/156) ، وابن ماجه (1/95) عن وكيع.
وأخرجه البيهقي (1/282- 283) من طريقين آخرين عن دلهم ... به. وقال
الترمذي:
" هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث دلهم ".
وقد ساق له البيهقي شاهداً من طريق الشعبي عن المغيرة بن شعبة:
أنَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على خفعه. قال: فقال رجل عند المغيرة بن
شعبة: يا مغيرة! ومن أين كان للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفان؟ قال: فقال المغيرة: أهداهما إليه
النجاشي.
قال البيهقي:
" والشعبي إنما روى حديث المسح عن عروة عن المغيرة عن أبيه. وهذا شاهد
لحديث دلهم بن صالح ".(1/267)
وحديث الشعبي عن عروة مضى (برقم 139) ؛ ليس فيه: يامغيرة ... بلخ.
لكن إسناد هذه الزيادة صحيح؛ فهو شاهد قوي لهذا الحديث. والله أعلم.
60- باب التوقيت في المسح
145- عن خزيمة بن ثابت عن النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة ".
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: " حديث
حسن، وذكر عن يحيى بن معين أنه صححه ". ورواه أبو عوانة وابن حبان في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: ثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن
أبي عبد الله الجَدلمِي عن خزيمة بن ثابت.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير أبا عبد الله الجدلي؛
وهو ثقة؛ غير أن فيه انقطاعاً، قال المصنف:
" إبراهيم- وهو النخعي- لم يسمع من أبي عبد الله الجدلي "! وحفص: هو
ابن عمر بن الحارث الحوضي البصري.
وحماد: هو ابن أبا سليمان الكوفي؛ وفيه كلام من قبل حفظه؛ لكن حديثه
هذا مقرون.
وقد جاء الحديث موصولأ، كما سنبينه؛ فهو حديث صحيح.
والحديث في "مسند الطيالسي " (رقم 1219) : ثنا شعبة ... به.(1/268)
وأخرجه الطحاوي (1/49) ، وأحمد (5/214) ، والطبراني في "معجمه
الكبير"، وفي "الصغير" (ص 238) من طرق عن شعبة ... به؛ وقرن في
"الصغير"- مع الحكم وحماد-: مغيرة ومنصوراً.
وقد تابعه سفيان- وهو الثوري- عن حماد ومنصور عن إبراهيم ... به.
أخرجه أحمد.
وهشام الدستُوائي عن حماد وحده: أخرجه أحمد والطحاوي.
وأخرج البيهقي (1/277) من طريق زائدة بن قدامة قال: سمعت منصوراً
يقول: كنا في حجرة إبراهيم النَّخَعِي، ومعنا إبراهيم التيمي، فذكرنا المسح على
الخفين، فقال إبراهيم التيمي: تنا عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن
خزيمة بن ثابت قال:
جعل لنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً؛ ولو استزدته لزادنا- يعني: المسح على الخفين
للمسافر-.
قلت: وإسناد هذه الرواية صحيح؛ وهي تشير إلى ما سبق عن المؤلف أن
النخعي لم يسمعه من أبي عبد الله الجدلي.
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم
1218) وأحمد من طرق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله
الجدلي ... به.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/262) .
وقال الترمذي:
" وذكِر عن يحيي بن معين أنه صحح حديث خزيمة في المسح ".(1/269)
ثم قال:
" هذا حديث حسن صحيح ".
ورواه ابن حبان أيضا- كما في "التلخيص " (2/396) -. وقال النووي: إنه
" حديث صحيح ".
قلت: وقد أُعل هذا الحديث بما لا يقدح؛ ولو أردنا بسط للكلام في ذلك
لطال؛ فليراجع لذلك "نصب الراية " (1/175- 177) .
وللحديث شواهد كثيرة: من حديث علي بن أبي طالب- في "صحيح
مسلم "، و"أبي عوانة"-، وصفوان بن عَسال وأبي بكرة والمغيرة بن شعبة- وهي
عند الطحاوي والبيهقي وبعض أصحاب "السنن "-.
وفيها- ما عدا الأول- من الزيادات ما ليس في حديث الباب؛ فأرى من
الفائدة ذكرها؛ مع التنبيه على ما لا يصح منها.
ففي حديث صفوان: " إلا من جنابة؛ ولكن من غائط وبول ونوم ".
وفي حديث أبي بكرة: " إذا تطهر ولبس خفيه ".
وفي حديث المغيرة: " ما لم يخلع ". قال البيهقي:
" تفرد به عمرو بن رديح؛ وليس بالقوي ".
قلت: وفي معناها ما في بعض طرقه بغير هذا اللفظ عند أحمد بلفظ:
" ثمّ لم أمش حافياً "؛ وهي ضعيفة أيضا؛ لما سبق بيانه عند الحديث (رقم
139) .
وقد صح عن علي رضي الله عنه:(1/270)
أنه مسح على نعليه، ثمّ خلعهما، ثم صلّى.
كما سيأتي في الكلام على الحديث (رقم 156) .
وهذا يؤيد قول من قال: إنْ نَرع الخفين بعد المسح عليهما لا يضره، ولا يلزمه
إعادة وضوء، ولا غسل رجليه، بل هو طاهر كما كان، ويصلي كذلك.
وبه قال الحسن وابن أبي ليلى وجماعة؛ كما في "الفتح " (1/248) . وإليه
ذهب ابن حزم (2/105) . وقال:
" وهذه قول طائفة من السلف ... "؛ ثمّ روى ذلك عن هشام بن حسان،
وعن إبراهيم النخعي.
وهذه فائدة تعرضنا لذكرها بالمناسبة، ولقِلَّة ما تراها في كتاب من كتب الفقه
المشهورة.
(فائدة أخرى) : ظاهر حديث الباب- ومثله الأ حاديث الأخرى-: أن مدة
المسح تبتدىء من حين يمسح بعد الحدث. وبه قال الأوزاعي وأبو ثور. قال النووي
في "المجموع " (1/487) :
" وهو رواية عن أحمد وداود وهو المختار الراجح دليلاً. واختاره ابن المنذر؛
وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ".
146- وفي رواية: ولو استزدناه لزادنا.
(قلت: إسناد صحيح، وصححه ابن حبان وأبو عوانة) .
إسناده: علقه المصنف فقال: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي ...
بإسناده: ولو استزدناه لزادنا.(1/271)
وقد وصله الإمام أحمد (5/213) : ثنا أبو عبد الصمد العَمِّي: ثنا منصور: ثنا
إبراهيم بن يزيد التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن
ثابت الأنصاري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" امسحوا على الخفاف ثلاثة أيام ". ولو استزدنا لزادنا.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الجدلي؛ وهو
ثقة كما سبق في الرواية الأولى.
ثم قال أحمد: ثنا سفيان عن منصور ... به بلفط:
سألنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المسح على الخفين؟ فرخص للمسافر ثلاثة أيام
ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة.
قال أحمد: سمعته من سفيان مرتين يذكر:
للمقيم، ولو أطنب السائل في مسألته لزادهم.
وكذلك رواه الطحاوي، وأبو عوانة عن سفيان ... به؛ لكن أبا عوانة لم يسق
لفظه بتمامه.
وقد تابعه سعيد بن مسروق- والد سفيان- الثوري عن إبراهيم التيمي.
أخرجه ابن ماجه (1/196) ، وأحمد (5/214 و 215) عن سفيان عن أبيه
عن إبراهيم التيمي ... به. ولفظه:
ولو مضى السائل على مسألته؛ لجعلها خمساً.
فقد اتفق على هذه الزيادة- عن التيمي- ثقتان: منصور وسعيد بن مسروق؛
فهي زيادة صحيحه ثابتة؛ وإن كان لا يؤخذ منها حكم زائد على أصل الحديث.(1/272)
وقد سبق أن نقلنا عن النووي أنه صحح الحديث.
وأما بهذه الزيادة؛ فزعم (1/485) أنه ضعيف بالاتفاق! وضعفه من وجهين:
أحدهما: أنه مضطرب.
والثاني: أنه منقطع؛ قال شعبة:
" لم يسمع إبراهيم من أبي عبد الله الجدلي ". وقال البخاري:
" ولا يعرف للجدلي سماع من خزيمة "!
قلت: أما الاضطراب؛ فهو من النوع الذي لا يقدح، كما تجد تفصيله في
"نصب الراية"؛ وليس هو في هذه الزيادة فقط؛ بل هو واقع في أصل الحديث
أيضا. ولو كان قادحاً؛ لا صححه من سبق ذكرهم، وفيهم النووي!
وأما الانقطاع؛ فإنما هو بالنسبة بلى سند المصنف في الرواية الأولى؛ لأنها من
طريق إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي.
وأما الزيادة؛ فإنها من طريق إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي؛
وقد صرح التيمي بسماعه عن عمرو، كما سبق في الكلام على الرواية الأولى.
وأما قول البخاري المذكور؛ فإنما هو على قول من يشتر' في الاتصال اللقاء
والسماع؛ ولو مرة! والجمهور على خلافه؛ وهو أنه يكفي إمكان اللقاء، وهو ثابت
هنا، فلا انقظاع.
ولو صح لما جاز للنووي أن يصحح أصل الحديث؛ لأنه من هذا الطريق أيضا.
وبالجملة؛ فالنووي قد تناقض في هذا الحديث تناقضاً ظاهراً، وأوقع غيره في
الغلظ عليه؛ فقد قال الحافظ في "التلخيص " (2/396) - بعد أن ذكر أنّ هذه(1/273)
الزيادة رواها كأصلها ابن حبان-، قال:
" وادّعى النووي في "شرح المهذب" الاتفاق على ضعف هذا الحديث،
وتصحيح ابن حبان له يَرُد عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضا؛
كما تقدّم "!
قلت: الترمذي إنما ذكر ذلك بعد أن ساق الحديث بدون الزيادة؛ فهو غير وارد
على النووي؛ لأنه صرح بصحة الحديث بدون الزيادة كما سبق؛ بل إنه نقل قول
الترمذي فيه:
" حديث حسن صحيح ".
والحق والعدل: أن من صحح أصل الحديث يلزمه أن يصحح هذه الزيادة؛ لأنه
من طريقه؛ وهو الذي نراه وتجزم به.
ومن ضعف الزيادة يلزمه أن يضعف الحديث من أصله، لا كما فعل النووي
رحمه الله. والله تعالى هو الموفق.
61- باب المسح على الجوربين
147- عن هًزيلِ بن شُرَحْبيل عن المغيرة بن شعبة:
أنّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه ابن حبان، وقال
الترمذي: إنه " حديث حسن صحيح "، واحتج به ابن حزم) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي
قيس الآوْدِي عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة.(1/274)
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (4/252) : ثنا وكيع ... به.
وكذلك أخرجه الترمذي. وابن ماجه عن وكيع.
وأخرجه الطحاوي (1/58) ، والبيهقي (1/283) من طريق أبي عاصم عن
سفيان الثوري. ثم قال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
واعلم أن هذا الحديث مما اختلفت فيه آراء علماء الحديث تصحيحاً وتضعيفاً:
فصححه الترمذي وغيره كما يأتي، وضعفه البيهقي وغيره كالمصنف؛ حيث قال
عقبه:
" كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن
المغيرة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين "! وذكر البيهقي عن مسلم وغيره
تضعيفه؛ بسبب ما أشار إليه المصنف عن ابن مهدي من المخالفة! وتعقبه ابن
التركماني بقوله:
" قلت: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه؛ وصححه ابن حبان، وقال
الترمذي: حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان؛ وثقه ابن معين. وقال
العجلي: ثقة ثبت. وهزيل؛ وثقه العجلي، وأخرج لهما معاً البخاري في
"صحيحه ". ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفهَ معارضة؛ بل رويا أمراً زائداً على ما
رووه بطريق مستقل غير معارض؛ فيحمل على أنهما حديثان. ولهذا صحح
الحديث كما مر ".
وذكر بعضَ هذا: ابنُ دقيق العيد رحمه الله؛ ففي "نصب الراية" (1/185) :(1/275)
" قال الشيخ تقي الدين في "الإمام ": ومن يصححه يعتمد- بعد تعديل أبي
قيس- على كونه ليس مخالفاً لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على
ما رووه، ولا يعارضه؛ ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة؛ لم
يشارك المشهورات في سندها "
وهذا هو التحقيق في هذا الحديث. وأوضح ذلك الأستاذ الفاضل الشيخ
أحمد محمد شاكر في تعليقه على "الترمذي "؛ فقال (1/168) - بعد أن ذكر
بعض كلمات المضعفين-:
" وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة؛ والصواب صنيع الترمذي في تصحيح
هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن
المغيرة أحاديث المسح في الوضوء؛ فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من
روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها
بمخالف للآخر؛ إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، والمغيرة
صحب النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو خمس سنين؛ فمن العقول أن يشهد مع النّبيّ وقائع
متعددة في وضوئه ويحكيها؛ فيسمع بعض الرواة منه شيئاً، ويسمع غيره شيئاً
آخر؛ وهذا واضح بديهي ".
وللحديث شاهد وهو:
148- قال أبو داود: " وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن
النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه مسح على الجوربين. وليس بالمتصل ولا بالقوي ".
(قلت: انقطاعه غير مسفم، ثمّ هو قوي بما قبله) .
إسناده: هو كما ترى معلق، وقد وصله ابن ماجه والطحاوي والبيهقي من
طريق عيسى بن يونس عن أبي سنان عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن(1/276)
عن أبي موسى قال:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الجوربين والنعلين.
وأعله المصنف بما تراه في الأعلى؛ وأوضح ذلك البيهقي فقال:
" الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى. وعيسى بن
سنان ضعيف لا يحتج به "! قال ابن التركماني:
" قلت: هذا أيضا كما تقدّم: أنه على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت
السماع، ثمّ هو معارض بما ذكره عبد الغني؛ فإنه قال في "الكمال ": سمع
الضحاك من أبي موسى. وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره، وقد أخرج
الترمذي في (الجنائز) حديثاً في سنده عيسى بن سنان هذا؛ وحسنه ".
قلت: الحق: أن عيسى بن سنان ضعيف عند جمهور المحدثين من قبل
حفظه؛ دون أن يتهم؛ فمثله قد يكون حسن الحديث إذا توبع أو كان له شاهد.
وأما سماع الضحاك من أبي موسما؛ فهو الظاهر؛ لأن المثبت مقدّم على
النافي. وكأنه لذلك ذكر له الزي في "التهذيب " رواية عن أبي موسما، وتبعه
الحافظ في "تهذيبه ". ولو كانا يريان عدم سماعه منه؛ لقالا بعد أن ذكرا روايته
عنه:
" ولم يسمع منه "! كما هي عادتهما في مثل ذلك. والله أعلم.
وبالجملة؛ فالحديث قوي يشاهده الذي قبله.
149- قال أبو داود: " ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب وأبو
مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو
ابن حُريث. وروي ذلك عن عمر برق الخطاب، وابن عباس ".(1/277)
(قلت: قد وقفنا على أثر علي بن أبي طالب؛ وفي سنده من لم نجد له
ترجمة وعلى أثر أبي مسعود؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى أثر
البراء بن عازب؛ وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأنس بن مالك؛ وإسناده
صحيح على شرط الشيخين. وأبي أمامة؛ وإسناده حسن. وعمر بن الخطاب؛
وإسناده ضعيف) .
قلت: أما أثر علي؛ فوصله عبد للرزاق في "مصنفه "- كما في "نصب الراية"
(1/186) - فقال: أخبرنا للثوري عن الزبرِقَانِ عن كعب بن عبد الله قال:
رأيت عليّاً بال؛ فمسح على جوربيه ونعليه، ثمّ قام يصلّي.
وكذا أخرجه البيهقي (1/258) من طريق إسرائيل عن الزبرقان.
وخالفهما شعبة فقال: عن أبي الورقاء سمع رجلاً من قومه- يقال له:
عبد الله بن كعب- يقول ... فذكره: أخرجه البيهقي.
فقلب اسم كعب بن عبد الله؛ فقال: عبد الله بن كعب. والصواب الأول،
وقد بحثت عن ترجمته كثيراً؛ فلم أجد من ذكره!
وأما أبو الورقاء؛ فإن كان هو فائد بن عبد الرحمن الكوفي العطار؛ فهو متروك.
وإن كان غيره؛ فلم أعرفه!
وأما أثر أبي مسعود؛ فوصله عبد للرزاق أيضا قال: أخبرنا الثوري عن منصور
عن خالد بن سعد قال:
كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له- من شعر- ونعليه.
أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن أبي
مسعود ... نحوه.(1/278)
وهذا إسناد صحيح. والذي قبله صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البيهقي عن شعبة عن منصور.
(تنبيه) : كذا في نسخة: " أبو مسعود ".
وفي نسخة "عون المعبود": " ابن مسعود "؛ وقد وصله عنه عبد الرزاق أيضا:
أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم:
أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه، ويمسح على جوربيه.
ورجاله ثقات رجال الستة؛ لكنه منقطع؛ فإن إبراهيم- وهو ابن يزيد النخعي-
لم يلق ابن مسعود.
بيد أنه رواه الطبراني في "الكبير"؛ قال في "المجمع " (1/258) :
" ورجاله موثقون ".
وأها أثر البراء؛ فقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل
ابن رجاء عن أبيه قال:
رأيت البراء يمسح على جوربيه ونعليه.
وأخرجه البيهقي من طريق ابن نميرعن الأعمش.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأما أثر أنس؛ فله عنه طرق:
(1) قال عبد للرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك:
أنه كان يمسح على الجوربين.(1/279)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(2) أخرجه البيهقي من طريق الأعمش- أظنه- عن سعيد بن عبد الله قال:
رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء، فتوضأ ومسح على قلنسوه بيضاء مزرورة،
وءلى جوربين أسودين مِرعَزييْنِ.
وسعيد بن عبد الله؛ الظاهر أنه ابن عبد الله بن ضرار؛ قال أبو حاتم:
" ليس بقوي "؛ كما في "الميزان ".
(3) ذكر ابن حزم (2/85) من طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري:
حدثني عاصم الأحول قال:
رأيت أنس بن مالك مسح على جوربيه.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
(4) ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعبيد الله بن أبي بكر بن
أنس بن مالك قالا جميعاً:
كان أنس بن مالك يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد أو إسنادان صحيحان على شرط مسلم.
وأما أثر أبي أمامة؛ فذكره ابن حزم عن حماد بن سلمة عن أبي غالب عن
أبي أمامة الباهلي:
أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد حسن.(1/280)
وأما أثر عمر؛ فذكره ابن حزم من طريق وكيع عن أبي جَنَاب عن أبيه عن
خِلاس بن عمرو عن ابن عمر قال:
بال عمر بن الخطاب يوم الجمعة، ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين،
وصلّى بالناس الجمعة.
وهذا إسناد ضعيف؛ أبو جناب: هو يحيى بن أبي حية، كان يحيى بن سعيد
يتكلم فيه وفي أبيه.
وأما بقية الأثار- وهما عن سهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وابن عباس-؛
فلم أقف عليها!
نعم؛ ذكر المعلق على "نصب الراية" أن أثر سهل: عند ابن أبي شيبة
(ص 116) ، لكن هذا الكتاب لم يصل إلينا بعد، وإنما وقفنا على الجزء الرابع
منه.
وروى الطبراني في "الكبير" عن عمرو بن حريث:
أنه مسح على نعليه ثمّ قام فصلّى. قال في "المجمع " (1/258) :
" ورجاله ثقات ".
(فائدة) : لم يرد شيء يدل على اعتبار اشتراط الثخانة في الجوربين لجواز
المسح عليهما، بل قال النووي في "المجموع " (1/500) :
" وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب
وإن كان رقيقاً، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود ".
قلت: وهو مذهب ابن حزم.(1/281)
62- باب
150- عن يعلى بن عطاء عن أبيه: أخبرني أوس بن أبي أوس
الثقفي:
أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كِظَامة قوم- وفي لفظ: رأيت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كظامة- يعني: الِميضأة-؛ فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه". وصححه ابن
القطان من حديث ابن عمر) .
إسناده: حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: ثنا هشيم عن يعلى بن عطاء.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير عطاء والد يحيى؛ قال
الحافظ في "التهذيب ":
" قال أبو الحسن بن القطان: مجهول الحال، ما روى عنه غير ابنه يعلى.
وتبعه الذهبي في "الميزان ". وأما ابن حبان فذكره في "الثقات "، وروى له هذا
الحديث ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/286) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (4/8) : ثنا هشيم ... به مختصراً؛ بلفظ:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كظامة قوم فتوضأ.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (1) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي:
نا عثمان بن أبي شيبة: نا هشيم ... به؛ بلفظ:
__________
(1) الجزء الأول، وهو في المكتبة الظاهرية تحت رقم (282- حديث) .(1/282)
أتى كظامة- يعني: مطهرة-؛ فتوضأ ومسح على قدميه.
وهكذا أخرجه الحازمي في "الاعتبار" (ص 42) من طريق سعيد بن منصور:
أنا هشيم ... به، وزاد:
بالطائف.
قال هشيم: كان هذا في أول الإسلام.
وقد تابعه شعبة عن يعلى: أخرجه الطبراني قال: حدثنا معاذ بن المثنى: نا
مسدد: نا يحيى بن سعيد عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي
أوس قال:
رأيت النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، ومسح على نعليه، وقام إلى الصلاة.
وأخرجه أحمد أيضا قال: ثنا يحيى ... به؛ لكن وقع في سنده تحريف
مطبعي.
ثم قال الطبراني: حدثا عبدان بن أحمد: نا زيد بن الحُريش: حدثني يحيى
ابن سعيد ... به.
وأخرجه الحازمي؛ لكن وقع في نسختنا: " يحيى بن سعيد عن يعلى بن
عطاء "! فكأنه سقط منها شعبة من بينهما. ثمّ قال الحازمي:
" لا يعرف هذا الحديث مُجَوَداً متصلاً إلا من حديث يعلى بن عطاء، وفيه
اختلاف أيضا "!
والاختلاف الذي يشير إليه: هو أن حماد بن سلمة رواه عن يعلى بن عطاء
عن أوس الثقفي:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضاً ومسح على نعليه.(1/283)
أخرجه الطيالسي (رقم 1113) : ثنا حماد بن سلمة ... به.
وأخرجه الطحاوي (1/58) ، وأحمد (4/9) ، والطبراني من طرق عن
حماد ... به، لكنهم خالفوه فجعلوه من (مسند أبي أوس) لا من (مسند ابنه)
فقالوا: عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يوماً توضأ فمسح على النعلين.
فقلت له: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
وكذلك رواه شريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال: كنت مع
أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ ومسح على نعليه، فقيل له؟ فقال: ما أزيدك
على ما رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع.
أخرجه الطحاوي وأحمد والطبراني من طرق عنه.
فقد اتفق حماد- في رواية الأكثرين- وشريك على إسقاط عطاء من الإسناد،
وعلى أن الحديث من (مسند أبي أوس) ليس من (مسند ابنه أوس) ؛ خلافاً لرواية
هشيم وشعبة، وهي عندي أصح وأولى؛ لأنهما أوثق وأحفظ من حماد وشريك.
وقد أخرجه البيهقي من طريق الطيالسي، ثم قال:
" وهذا الإسناد غير قوي "! فتعقبه ابن التركماتي بقوله:
" الوجه الأول أحرجه الحازمي في "الناسخ والمنسوخ " وقال: لا يعرف مجوداً
متصلاً إلا من حديث يعلى بن عطاء، وأخرجه أيضا ابن حبان في "صحيحه "؛
قالاحتجاج به كافً "!
أقول: الإنصاف أن تقول: إن الاحتجاج به وحده لا يكفي؛ لأنه- وإن سلم
من الاضطراب المخل-؛ فإنه من رواية عطاء أبي يعلى، وقد عرفت أنه مجهول
الحال، وقد اشتهر ابن حبان بتوثيق أمثاله من المجهولين.(1/284)
لكن الحديث صحيح بما له من الشواهد التي منها: ما أخرجه أبو بكر البزار في
"مسنده ": ثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع:
أن ابن عمر كان يتوضأ ونعلاه في رجليه، ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعل.
وقد قال ابن القطان: إنه حديث صحيح. كما في "شرح علوم الحديث " (ص
12) للحافظ العراقي.
قلت: وهو صحيح على شرط مسلم.
وابن سعيد هذا: هو الجوهري البغدادي، من شيوخ المصنف الذين تقدموا في
الكتاب.
وبقية شواهده تراجع في "الجوهر النقي "؛ ويأتي بعضها في الباب الذي يلي.
63- ومن "باب كيف المسح؟ "
151- عن المغيرة بن شعبة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسح على الخفين.
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح البزاز: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال:
ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الرحمن بن
أبي الزناد، وهو مختلف فيه، ويظهر لنا من النظر في كلمات من تكلم فيه: أن
ذلك من أجل حفظه، فهو من الذين يكتب حديثهم ويحتج به؛ ما لم يخالف أو
يشذ؛ فهو حسن الحديث. وقد ترجمه الذهبي في "الميزان " ترجمة واسعة، ثمّ قال(1/285)
في آخرها:
" قلت: قد مشاه جماعة وعدلوه، وكان من الحفاظ المكثرين؛ ولا سيما عن
أبيه وهشام بن عروة، حتى قال يحيي بن معين: هو أثبت الناس في هشام، وذكر
محمد بن سعد أنه كان مفتياً، وقد روى أرباب "السنن الأربعة". له، وهو إن شاء
الله تعالى حسن الحال، وقد صحح له الترمذي ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً ".
والحديث أخرجه البخاري في "التاريخ الأوسط " بهذا الإسناد عن هذا الشيخ-
كما في "التلخيص " (2/391) -، ولفظه:
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على خفيه ظاهرهما. قال:
" وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة ".
قلت: يشير إلى حديث آخر للمغيرة، رواه المصنف أيضا بلفط:
فمسح أعلى الخفين وأسفله!
وهو معلول، ولذلك أودعناه في الكتاب الآخر (رقم 23) .
وأخرجه الترمذي- عن علي بن حجْرٍ -، والدارقطني (71) - عن سليمان بن
داود الهاشمي-، وأحمد (4/254) - عن إبراهيم بن أبي العباس-؛ ثلاثتهم عن
ابن أبي الزناد ... به، وكلهم قالوا:
على ظهر الخفين؛ إلا علي بن حجر فقال:
على ظاهرهما. وقال الترمذي:
" حديث حسن، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة(1/286)
عن المغيرة، ولا نعلم أحداً يذكر عن عروة عن المغيرة: على ظاهرهما ... غيره "!
قلت: لكن الأحاديث الأخرى التي وردت في مسح الخفين؛ كلها أو جُلّها
تقول:
مسح على الخفين، وهي نصوص ظاهرة في معنى اللفظ الذي رواه ابن أبي
الزناد، بل هو نص في ذلك؛ لأنه لا يحتمل- ولو احتمالاً بعيداً- المسح أسفله،
فهي شواهد صحيحه لهذا الحديث؛ فهو على هذا صحيح. فتأمل!
ثم الحديث؛ أخرجه الطيالسي (رقم 192) : ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن
عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على طاهرخفيه.
فخالف الجماعة؛ حيث قال: عروة بن المغيرة. قال البيهقي (1/291) - بعد
أن رواه من طريق الطيالسي-:
" كذا رواه أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد. وكذلك رواه
إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد. ورواه سليمان بن داود الهاشمي ومحمد
ابن الصباح وعلي بن حجر عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن
المغيرة ". قال الشيخ أحمد محمد شاكر:
" فإن كانت الروايتان محفوظتين؛ وإلا كانت إحداهما وهماً والأخرى صواباً،
ولا ضرر في ذلك؛ لأنه تردد بين راويين ثقتين: عروة بن الزبير، وعروة بن
المغيرة ".
قلت: والرواية الأولى أرجح؛ لاتفاق الأكثر عليها. والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى: عند البيهقي عن الحسن عن المغيرة.(1/287)
وهو منقطع، كما قال الحافظ (2/394) .
152- وفي رواية: على ظهر الخُفين (1) .
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: " حديث حسن ") .
153- عن علي رضي الله عنه قال:
لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من اعلاه، وقد
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظاهر خفيه.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ) .
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا حفص بن غِيَاث عن الأعمش عن أبي
إسحاق عن عبد خير عن علي.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد خير؛ وهو ثقة،
وقد مر.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف.
وكذلك رواه ابن حزم (2/111) .
ثمّ أخرجه البيهقي، والدارقطني (73) من طرق أخرى عن حفص ... به.
وقال الحافظ في "التلخيص " (2/392) - بعد أن عزاه للمصنف-:
" وإسناده صحيح ". وقال في "البلوغ ":
" إسناده حسن "!
__________
(1) هي رواية [كذا أصل الشيخ لم يكمل العبارة. (الناشر) ] .(1/288)
والصواب الأ ول.
154- وفي رواية: قال:
ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحقَّ بالغَسْل؛ حتى رأيت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظهرخفيه.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا محمد بن رافع: ثنا يحيى بن آدم قال: ثنا يزيد بن عبد العزيز
عن الأعمش ... بإسناده قال.
وهذا إسناد صحيح كالسابق.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق الصنف ... بهذا السند والمتن.
155- وفي لفظ: قال:
لو كان الدين بالرأي؛ لكان باطن القدمين أحق بالمسج من ظاهرهما،
وقد مسح النّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ظهر خفيه.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: هو إسناد الرواية الأولى (رقم 153) ؛ وهو ثابت في "مختصر المنذري "
(رقم 154) ، وليس هو في نسخة "عون المعبود".
156- وفي رواية: قال:
كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَُ يمسح ظاهرهما.(1/289)
قال وكيع: يعني: الخفين.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: علقه المصنف بقوله: " ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده ".
وهو في " السند" (1/95/رقم 737) موصولاً: ثنا وكيع ... به.
ووصله ابنه عبد الله فقال (رقم 1013) : ثنا إسحاق بن إسماعيل وأبو خيثمة
قالا: حدثنا وكيع ... به؛ وليس عندهما قول وكيع في آخره: يعني: الخفين.
وقد تابعه إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق ... به؛ ولفظه:
حتى رأيت رسول الله َصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح على ظهر قدميه على خفْيه ...
والباقي مثله سواءً.
أخرجه البيهقي.
وتابعه يونس؛ ولفظه:
رأيت عليّاً توضأ ومسح على النعلين، ثمّ قال: لولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فعل كما رأيتموني فعلت؛ لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما.
أخرجه أحمد (رقم 1263!، والدارمي (1/181) : حدثنا- وقال الدارمي:
أخبرنا- أبو نعيم: حدثنا يونس عن أبي إسحاق ... به.
وهذا إسناد صحيح.
ولم ينفرد أبو إسحاق بذكر المسح على النعلين: عن علي مرفوعاً، بل تابعه
السدِّيُّ:(1/290)
أخرجه أحمد (رقم 943 و 970) : حدثنا ابن الأشجعي: حدثنا أبي عن
سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي:
أنه دعا بكوز من ماء، ثمّ قال: أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب
قائماً؟ قال: فأخذه فشرب وهو قائم، ثم توضأ وضوءا خفيفاً، ومسح على نعليه،
ثمّ قال: هكذا وصْوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للطاهر؛ ما لم يُحْدِثْ.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات.
وابن الأشجعي يعرف بكنيته: أبو عبيدة بن عبيد الله بن عبيد الرحمن.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " عن سفيان- كما في "نصب الراية" (1/189) -.
ورواه شريك عن السدي ... نحوه؛ وفيه: ثمّ قال:
لولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على ظهر قدميه؛ رأيت أن بطونهما
أحق ... الحديث: أخرجه أحمد أيضا (رقم 943) .
(قائدة) : واعلم أن بعض العلماء فهموا من قوله في هذه الرواية: للطاهر ما لم
يحدث؛ أي: حدثاً أصغر، وبناءً على ذلك قالوا: (إنما يجوز المسح على النعلين لمن
كان على وضوء، ثم أراد تجديده) إ!
وليس يظهر لنا هذا المعنى؛ بل المراد ما لم يحدث حدثاً أكبر؛ أي: ما لم
يُجْنِب؛ فهو بمعنى حديث صفوآن بن عسال بلفظ:
" إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو نوم ".
وقد سبق ذكره عند الحديث (رقم 145) . والدليل على ما ذهبنا إليه أمور:
الأول: أن راوي الحديث نفسه- أعتي: عليّاً رضما الله عنه- قد مسح على(1/291)
نعليه بعد أن بال؛ ثمّ صلّى إماماً، وهو أدرى بمعنى كلامه، وأعلم بحديثه عليه
السلام.
فروى الطحاوي (1/58) من طريقين عن شعبة عن سلمة بن كُهَيْل عن أبي
ظَبْيَانَ:
أنه رأى عليّاً بال قائماً، ثمّ دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل
المسجد، فخلع نعليه ثمّ صلّى.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأبو ظبيان هذا: هو حصين بن جندب.
وأخرجه البيهقي (1/287) من طريق سفيان عن سلمة بن كهيل ... به
نحوه؛ وفيه: أنه صلّى الظهر.
ثمّ أخرجه البيهقي من طريق الأعمش عن أبي ظبيان قال:
رأيت علي بن أبي طالب بالرَّحْبَة بال قائماً، حتى أرغى، فأتي بكوز من ماء،
فغسل يديه، واستنشق وتمضمض، وغسل وجهه، وذراعيه، ومسح برأسه، ثمّ
أخذ كفاً من ماء فوضعه على رأسه، حتى رأيت الماء ينحدرعلى لحيته، ثمّ مسح
على نعليه، ثمّ أقيمت الصلاة، فخلع نعليه؛ ثمّ تقدّم فأم الناس.
قال ابن نمير: قال الأعمش: فحدثت إبراهيم، قال: إذا رأيت أبا ظبيان
فأخبرني، فرأيت أبا ظبيان قائماً في الكناسه، فقلت: هذا أبو طبيان، فأتاه فسأله
عن الحديث.
وإسناده صحيح أيضا.
وقال عبد الحق الإشبيلي في "الأحكام الكبرى" (ق 18/1) :(1/292)
" وقال عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا معمر عن يزيد بن أيي زياد عن أبي
زياد عن أبي طبيان الحنَيْتِيِّ قال: رأيت علياً بال قائماً حتى أرغى، ثمّ توضأ ومسح
على نعليه، ثمّ دخل المسجد، فخلع نعليه، ثمّ جعلهما في كمه ثم صلّى. وقال
معمر: وأخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس عن النبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمثل صنيع علي هذا ".
قلت: وسكت عبد الحق عليه؛ مشيراً لصحة الإسناد، كما نص عليه في
مقدمة الكتاب.
الثاني: أنه ثبت السح على النعلين مرفوعاً في غيرعا حديث؛ كما صح
المسح على الخفين، فهما في الحكم سواءٌ؛ والتفريق بينهما بدون دليل لا يجوز.
الثالث: أننا لا نعلم وضوءاً تصح به النافلة دون الفريضة؛ فتأمل!
157- ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع.
(قلت: لم أقف عليه موصولاً) .
إسناده: لم أقف عليه موصولاً.
158- ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال:
رأيت عليّاً توضأ؛ فغسل ظاهر قدميه، وقال:
لولا أني رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله ... وساق الحديث.
(قلت: وبقية الحديث: لظننت أن بطونهما أحق بالغسل. وسنده
صحيح) .
إسناده: ذكره كما ترى معلقاً، وهو في بعض روايات الكتاب موصول، ففي(1/293)
"العون":
" واعلم أن هذا الحديث هكذا معلقاً في رواية اللؤلؤي. وأما في رواية أبي بكر
ابن داسة؛ فموصول. وهذه عبارته: حدثنا حامد بن يحيى: نا سفيان عن أبي
السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: رأيت عليّا توضأ ... الحديث ".
قلت: ووصله عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (رقم 918 و 1014) قال:
ثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان ... به؛ وتتمة الحديث منه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وأبو السوداء: اسمه عمرو بن عمران
النهدي الكوفي.
وابن عبد خير: اسمه المسيب.
64- باب الانتضاح
159- عن سفيان- هو الثوري- عن منصورعن مجاهد عن سفيان بن
الحكم الثقفي- أو الحكم بن سفيان- قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا بال؛ يتوضأ ينتضح.
قال أبو داود: " وافق سفيانَ جماعةٌ على هذا الإسناد. وقال بعضهم:
الحكم- أو ابن الحكم- ".
(قلت: إسناده ضعيف؛ لاضطرابه الشديد؛ وقد ذكر المصنف رحمه الله
شيئاً منه. لكن الحديث صحيح لشواهده) .
إسناده: ثنا محمد بن كثير: ثنا سفيان- هو الثوري-.(1/294)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكن له علتان تمنعان من
الحكم عليه بالصحة: الاضطراب، والاختلاف في صحبة سفيان بن الحكم- أو
الحكم بن سفيان- كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/161) من طريق أحمد بن سيار: ثنا محمد بن
كثير ... به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم أيضا (1/171) ، وقال:
" صحيح على شرطهما؛ وإنما تركاه للشك فيه؛ وليس ذلك مما يوهنه؛ وقد
رواه جماعة عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان ".
وأخرجه النسائي (1/33) ، وأحمد (3/410 و 4/212 و 5/408 و 409) من
طرق أخرى عن سفيان ... به. قال البيهقي:
" وكذا رواه معمر وزائدة عن منصور ".
قلت: ومن طريق زائدة: أخرجه أحمد أيضا؛ وهو في الكتاب (رقم 161) ؛
لكن زاد فيه: عن أبيه.
ثمّ روى بإسناده الصحيح عن شريك قال: ساكلت أهل الحكم بن سفيان؟
فذكروا أنه لم يدرك النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: فعلى هذا؛ فهو مرسل.
وصحح إبراهيم الحربي وأبو زرعة وغيرهما: أن للحكم بن سفيان صحبة! فالله
أعلم.
وقد اضطربوا في هذا الحديث اضطراباً كثيراً على نحو عشرة وجوه؛ لخصها
الحافظ في "تهذيب التهذيب "، وذكر المصنف بعضها كما يأتي، ويتبين من ذلك(1/295)
أن اضطرابه شديد محير، لا يمكن ترجيح وجه منها على آخر، حتى إن ابن أبي
حاتم نقل في "العلل " (1/46) ، تصحيحين متناقضين في ذلك! فال:
(فقال أبو زرعة: الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان؛ وله صحبة. وسمعت
أبي يقول: الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه؛ ولأبيه صحبة"!
وكذا قال الترمذي في "العلل " عن البخاري، والذهلي عن ابن المديني: مثل
قول أبي حاتم.
وبالجملة: فهذا الاضطراب يستلزم ضعف الإسناد.
لكن الحديث صحيح باعتبار ما له من الشواهد:
فمنها: عن ابن عباس:
أنّ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مرة مرة، ونضح فرجه.
أخرجه الدارمي (1/180) : أخبرنا قبيصة: آبَنا سفيان عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسارعنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البيهقي (1/162) من طريق العباس الدوري: ثنا قبيصة ... به. وقال:
" قوله: ونضح ... تفرد به قبيصة عن سفيان. رواه جماعة عن سفيان دون
هذه الزيادة ".
قلت: كذلك رواه البخاري وغيره بدون الزيادة، وقد مضى في الكتاب (رقم
127) ، ولكنها زيادة من ثقة غير منافية لرواية الجماعة؛ فيجب قبولها.
ومنها عن زيد بن حارثة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(1/296)
" علمني جبريل الوضوء، وأمرني أن أنضح تحت ثوبي؛ لما يخرج من البول بعد
الوضوء".
أخرجه ابن ماجه والدارقطني (41) ، والبيهقي، وأحمد (4/161) .
وهو حديث حسن؛ فقد تابع ابنَ لهيعة على متنه: رشدين بن سعد؛ دون
الأمر: عند الدارقطني، كما سنبينه في "صحيح ابن ماجه " إن شاء الله، وانظر
"الضعيفة" (1312) .
160- عن سفيان عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد عن رجل من ثَقيف
عن أبيه قال: ً
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال، ثمّ نضح فرجه.
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان.
وهذا وجه آخر من الاضظراب، وهو مثل الآتي بعده؛ إلا أن فيه التصريح
باسم شيخ مجاهد فيه على الشك.
وأخرجه أحمد (4/69) ، والحاكم، والبيهقي عن سفيان ... هكذا.
161- عن زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم- أو ابن الحكم-
عن أبيه:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال، ثمّ توضأ ونضح فرجه.
إسناده: حدثنا نصر بن المهاجر: ثنا معاوية بن عمرو: ثنا زائدة.
ونصر بن المهاجر ثقة حافظ.(1/297)
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.
ولم أجد رواية زائدة على هذا الوجه عند غير المصنف؛ وهي في المسند
أحمد" (5/408) مقرونة مع رواية سفيان الثوري المذكورة في أول الباب (رقم
159) ؛ وليس فيها: عن أبيه.
وكذلك علقها البيهقي، كما سبق ذكره هناك؛ فلعل منصوراً رواه مرة هكذا
ومرة هكذا!
ورواه شعبة عن منصور فقال: عن مجاهد عن الحكم- أو أبي الحكم- رجل
من ثقيف- عن أبيه:
أخرجه الطيالسي (رقم 1268) وعنه البيهقي.
وأخرجه النسائي عن خالد بن الحارث عن شعبة ... به؛ لكنه لم يقل: أو
أبي الحكم.
ثم رواه البيهقي عن حفص بن عمر: ثنا شعبة ... به مثل رواية الطيالسي؛
ثم قال:
" وكذلك رواه وهيب عن منصور ".
قلت: وكذلك رواه جرير عن منصور: أخرجه أحمد (3/410، 4/412) .
65- باب ما يقول الرجل إذا توضأ
162- عن عقبة بن عامر قال:
كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خُدامَ انفسنا؛ نتناوب الرعاية- رعاية إبلنا-؛
فكانت علي رعاية الابل، فروَحتها بالعَشِيِّ، فأدركت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/298)
يخطب الناس، فسمعته يمَول:
" ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين،
يقبل عليهما بقلبه ووجهه؛ إلا قد أوجب ".
فقلت: بَخ بَخ! ما أجود هذه! فقال رجل بين يدي: التي قبلها يا عقبة!
أجود منها. فنظًرت فإذا هو عمر بن الخطاب. قلت: ما هي يا أبا حفص؟!
قال: إنه قال آنفاً قبل أن تجيء:
" ما منكم من أحد يمَوضأ فيحسن الوضوء، ثمّ يقول حين يَفْرُع من
وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و [أشهد] (1) ان
محمداً عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها
شاء".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وابن حبان وأبو عوانة في
"صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا أحمد بن سعيد الهَمْداني: ثنا ابن وهب: سمعت معاوية
- يعني: ابن صالح- يحدث عن أبي عثمان عن جبيرِ بن نُفَيْرٍ عن عقبة بن عامر.
ثم قال المصنف عقب الحديث: قال معاوية: وحدثني ربيعةُ بن يزيد عن أبي
إدريس عن عقبة بن عامر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أحمد بن سعيد
الهمداني- وهو ابن بر أبو جعفر المصري-؛ وهو ثقة.
__________
(1) زيادة في بعض النسخ؛ كنسخة "عون المعبود"، وليست هي في "مختصر المنذري ".(1/299)
وأما أبو عثمان؛ فاختلف في من هو؟!
قال أبو بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ الخولاتي المصري.
وقال ابن حبان: يشبه أن يكون حريز بن عثمان الرحَبِيّ.
قلت: وكلاهما ثقة؛ فالتردد بينهما لا يضر.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/225) : حدثنا بحر بن نصر
قال: ثنا ابن وهب ... به؛ وزاد في آخره:
قال معاوية- وهو ابن صالح-: وحدثني عبد الوهاب بن بُخْت عن ليث بن
سليم [وفي الأصل: ابن أبي سليم] ! والظاهر أنه خطأ مطبعي- عن عقبة بن عامر.
فللحديث عن عقبه ثلاثة أسانيد؛ يرويها جميعاً معاوية بن صالح برواية ابن
وهب عنه.
وقد تابعه عن معاوية: ليث- وهو ابن سعد-:
أخرجه أحمد (4/145- 146) : ثنا أبو العلاء الحسن بن سَوار قال: ثنا ليث
عن معاوية.. به.
وتابعه أيضا عبد الله بن صالح الجهني قال: حدثني معاوية بن صالح
الحمصي ... به:
أخرجه البيهقي (1/78) ؛ ووقع ليث بن سليم منسوباً عندهما فقالا:
(الجهني) .
وليث بن سليم الجهني مجهول؛ كما في "التعجيل ".
وتابعهم عن معاوية- بإسناديه المذكورين عند المصنف-: عبد الرحمن بن(1/300)
مهدي: عند مسلم (11/44) ، وأحمد (4/153) ، وعنه البيهقي (1/78
و2/280) ؛ لكن وقع عنده ذكر الإسناد الثالث أيضا؛ وليس هو في "المسند".
وتابعه زيد بن الحباب أيضا: عند مسلم، وأبي عوانة (1/224- 225) ،
والبيهقي؛ واقتصرا على القول بعد الوضوء.
وروى منه النسائي (1/36) صلاة الركعتين بعده.
وقد كان زيد بن الحباب يضطرب في إسناده أحياناً؛ فقد روى منه القول بعد
الوضوء: النسائي (1/25) - من طريق محمد بن علي بن حرب المروزي-،
والبيهقي (1/78) - من طريق العباس بن محمد الدوري- قالا: ثنا زيد بن الحباب
قال: ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة- وقال الدوري: حدثني ربيعة- بن يزيد عن
أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبه بن عامر ... وليس عند الدوري: عن
أبي إدريس الخولاني؛ إنما عنده عن أبي عثمان وحده.
فهذا منقطع؛ أخطأ فيه زيد؛ حيث جعله من رواية أبي عثمان عن عقبة!
والصواب أن بينهما جبير بن نفير؛ كما في روايته الأخرى الموافقة لرواية الجماعة.
فهذا وجه من الاضطراب عنه.
ووجه ثان معاكس لهذا؛ فقد أخرج المصنف فيما يأتي (رقم 841) قطعة منه
من طريق عثمان بن أبي شيبة: ثنا زيد بن الحباب: ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة
ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر
الجهني.
وهذا خلاف الذي قبله؛ فقد أدخل بين أبي إدريس وعقبة: جبير بن نفير!
والصواب حذفه؛ فإنما رواه أبو إدريس عن عقبة بدون واسطة؛ كما في رواية
الجماعة والرواية الصحيحة عن زيد.(1/301)
ووجه ثالث؛ وهو ما أخرجه الترمذي (1/37) : حدثنا جعفر بن محمد بن
عمران الثعلبي الكوفي: حدثنا زيد بن حباب عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن
يزيد الدمشقي عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عمر بن الخطاب
مرفوعاً:
" من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ... " الحديث، وزاد في آخره:
" اللهم! اجعلني من التوابين، واجعلتي من المتطهرين ".
فهذا مثل رواية النسائي المضطربة؛ لكنه أشد اضطراباً منها؛ حيث جعل عمر
ابن الخطاب مكان عقبة بن عامر.
فالصواب أنه من رواية ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس، ومن رواية أبي عثمان
عن جبير؛ كلاهما عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب؛ كما في رواية
الجماعة.
ثم قال الترمذي:
" وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا للباب
كبير شيء"!
كذا قال وهو بعيد عن الصواب؛ فقد تبين لك مما حررنا أنفاً أن الاضطراب إنما
هو في رواية زيد بن الحباب وحده، وأن رواية الجماعة- عند مسلم وأبي عوانة
والمصنف وغيرهم- سالة منه؛ فلا يجوز تضعيف الحديث لمجرد اضطراب راوٍ واحد
فيه، قد وافق الجماعة المتابعين له على الصواب. ولذلك قال الحافظ في
"التلخيص " (1/454) - متعقباً كلام الترمذي المذكور-:
" لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض؛ والزيادة التي عنده؛ رواها البزار،
والطبراني في "الأوسط " من طريق ثوبان ولفظه: " من دعا بوَضوء فتوضأ، فساعة(1/302)
فرغ من وضوئه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم!
اجعلني من التوابين واجعلتي من المتطهرين ... " الحديث ".
قلت: حديث ثوبان هذا؛ سكت عليه الحافظ! وقد أورده الهيثمي في
"المجمع " (1/239) بهذا اللفط؛ ثمّ قال:
" رواه الطبراني في "الأوسط "، و "للكبير" باختصار، وقال في "الأوسط ":
" تفرد به مِسْوَرُ بن مُوَرع "؛ ولم أجد من ترجمه. وفيه أحمد بن سهيل الوراق؛
ذكره ابن حبان في "الثقات ". وفي إسناد " الكبير" أبو سعيد (1) البقال؛ والأكثر
على تضعيفه، ووثقه بعضهم "!
قلت: ورواه ابن السني أيضا (رقم 30) من طريق أبي سعد الأعور عن أبي
سلمة عن ثوبان مرفوعاً.
والأعور: هو البقال؛ وهو ضعيف مدلس، كما في "التقريب ".
ثم ذكر الحافظ أن لفظ رواية البزار عن ثوبان:
" من توضأ فأحسن الوضوء، تمّ رفع طرفه إلى السماء ... " الحديث.
قلت: وهذه الزيادة- أعني: رفع الطرف إلى السماء- رويت من طريق أخرى
عن عقبة بن عامر أيضا.
لكن الراوي لها عنه مجهول؛ من أجل ذلك أوردناها في الكتاب الأخر (رقم
24) .
والشاهد المذكور لا يقويه؛ لما بينا هناك فليراجعه من شاء.
__________
(1) كذا في "المجمع "! وكذلك وقع في ابن السني؛ وهو خطأً! والصواب: أبو سعد.(1/303)
66- باب الرجل يصلّي الصلوات بوضوء واحد
163- عن عمرو بن عامر البَجَلِي- هو أبو أسد بن عمرو- قال:
سألت أنس بن مالك عن الوضوء؟ فقال:
كان النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلّي الصلوات بوضوء
واحد.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه". وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا شَرِيكٌ عن عمرو بن عامر البجلي- قال
محمد: هو أبو أسد بن عمرو-.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات: غير أن شريكاً- وهو ابن عبد الله القاضي-
كان سيئ الحفظ؛ لكنه لم يتفرد به كما يأتي فدل ذلك على أنه فد حفظ؛
فالحديث صحيح.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/183) ، وأحمد (3/154) عن شريك ... به.
وتابعه سفيان الثوري: عند البخاري (1/252) ، والترمذي (1/88) - وقال:
" حديث حسن صحيح "-، والدارمي (1/183) ، وأحمد أيضا (3/122
و123) ؛ وزاد في آخره:
ما لم نحدث.
وشعبة: عند النسائي (1/32) ، والطحاوي (1/26) ، وأحمد (3/190
و260) ؛ وفيه الزيادة.(1/304)
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وهو عند الطيالسي (رقم 2117) ؛ دون قوله: وكنا نصلّي ... إلخ.
وللحديث طريق أخرى عند الترمذي (1/86) . من طريق محمد بن إسحاق
عن حميد عن أنس.
قلت: وسنده ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق، ولأن شيخ الترمذي فيه- محمد
ابن خميد الرازي- ضعيف.
فالاعتماد على الطريق الأولى.
(تنبيه) : عمرو بن عامر البجلي أبو أسد بن عمرو؛ أورده المِزي في "التهذيب "
تمييزاً بعد ترجمة عمرو بن عامر الأنصاري الذي أشار إلى أنه من رجال الستة!
وتبعه على ذلك الحافظ في "التهذيب "، و"التقريب "!
وقد وهما؛ فإنه من رجال الصنف كما ترى، وأشارا بذلك إلى أن البجلي غير
الأنصاري، وذكرا في ترجمة هذا الأنصاري أنه روى عن أنس، وعنه جماعة فيهم
شريك، ثمّ لم يذكرا في ترجمة البجلي ذلك! بل قال المزي فيها
" وذكر الآجري عن أبي داود: " الذي يروي عن أنس: هو والد أسد بن
عمرو "؛ وكذا قال ابن عساكر في "الأطراف " في الرواة عن اْنس: " عمرو بن عامر
الأنصاري والد أسد بن عمرو "؛ فكأًنه تبع في ذلك أبا داود، وذلك وهم؛ فإن
والد أسد بجلي؛ وهو متأخر عن طبقة الأنصاري. والله أعلم "!
لكن الحافظ تعقبه في "تهذيب التهذيب " بقوله:
" قلت: مثل أبي داود لا يرد قوله بلا دليل ".
قلت: ويؤيد ما ذهب إليه المصنف رحمه الله: أن شريكاً- في رواية أحمد عنه-(1/305)
قال: عمرو بن عامر الأنصاري.
وفي رواية المصنف: عمرو بن عامر البجلي.
فدل على أنهما واحد، ويبعد جدّاً أن يكونا اثنين، يروي شريك عن كل
منهما هذا الحديث الواحد! والله أعلم.
164- عن سليمان بن بُريدة عن أبيه قال:
صلّى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح
على خفيه. فقال له عمر: إني رأيتك صنعت شيئاً لم تكن تصنعه؟ قال:
"عمداً صنعته ".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وابن حبان وأبو عوانة في
" صحاحهم "، والترمذي، وقال: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد: أخبرنا يحيى عن سفيان: حدثني علقمة بن مَرْثَد عن
سليمان بن بريدة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فمن
رجال البخاري وحده.
وسليمان بن بريدة؛ فمن رجال مسلم فقط، وقد أخرج حديثه هذا في
"صحيحه "، كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (1/160) ، والنسائي عن يحيى بن سعيد ... به.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/237) ، والترمذي (1/89) -
وقاد: " حديث حسن صحيح "-، والطحاوي (1/25) ، وابن حبان (1703(1/306)
و 1754) ، والبيهقي، وأحمد (5/350 و 358) من طرق أخرى عن سفيان ...
به
وقد تابعه قيس- وهو ابن الربيع- عن علقمة بن مرثد ... به مختصرأ؛ بلفظ:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلّى الصلوات بوضوء واحد.
أخرجه الطيالسي (رقم 805) .
وقيس بن الربيع ثقة؛ لكنه سيئ الحفظ، وقد اختصر الحديث اختصاراً
مخلاً، كما ترى.
ولسفيان فيه إسناد آخر: أخرجه ابن ماجه (1/184) عنه عن محارب بن دئار
عن سليمان بن بريدة ... به.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وأعله الترمذي بالإرسال!
وليس كذلك عندنا؛ كما سنبينه في "صحيح ابن ماجه " إن شاء الله تعالى.
وفي الباب: عن عبد الله بن حنطلة بن أبي عامر، وقد مضى في الكتاب
(رقم 38) ؛ فراجعه.
67- باب تفريق الوضوء
165- عن أنس بن مالك:
أن رجلاً جاء إلى النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع
الظُّفْرِ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(1/307)
" ارجع؛ فآحسن وُضوءك ".
(قلت: إسناده صحيح. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه". وسكت عليه
الحافظ) .
إسناده: حدثنا هارون بن معروف: ثنا اين وهب عن جرير بن حازم أنه سمع
قتادة بن دِعَامة قال: ثنا أنس بن مالك.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
ولكن المصنف أشار إلى إعلاله بقوله عقبه:
" وهذا الحديث ليس بمعروف عن جرير، ولم يروه إلا ابن وهب "!
قلت: ابن وهب- وهو عبد الله- ثقة حافظ؛ فلا يضر تفرده به. وكذلك جرير
ابن حازم؛ حتى قال الذهبي في ترجمته من "الميزان ":
" هو أحد الأئمة الكبار، ولولا ذكر ابن عدي له لما أوردته ".
ثمّ ذكر بعض أقوال الأئمة فيه، وفي بعضها التكلم في روايته عن قتادة
خاصة، كقول عبد الله بن أحمد:
"سألت يحيى عن جرير بن حازم؟ فقال: ليس به بأس. فقلت: إنه
يحدث عن قتادة عن أنس بمناكير؟ فقال: هو عن قتادة ضعيف ". ولذلك قال
الذهبي:
" وفي الجملة؛ لجرير عن قتادة أحاديث منكرة ". وقال الحافظ:
" هو ثقة؛ لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من
حفظه ".(1/308)
قلت: ونحن نرى أن الحديث صحيح؛ فإن جريراً ثقة حجة بالاتفاق؛ إلا في
روايته عن قتادة؛ وليس عندنا ما يدل على أنه وهم في روايته هذه عنه؛ بل
الأحاديث في الباب تشهد له.
وكذلك صحح الحديث من يأتي ذكره.
والحديث أخرجه أحمد (3/146) وابنه عبد الله بهذا السند.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/253) ، والبيهقي (1/83) عن
المؤلف.
ثمّ أخرجه أبو عوانة وابن ماجه، والدارقطني (40) من طرق عن ابن وهب.
وقال الدارقطني:
" تفرد به جرير بن حازم عن قتادة، وهو ثقة ".
ورواه ابن خزيمة أيضا؛ كما في "التلخيص " (1/441) (*)
166- قال أبو داود: " وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن
أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه، قال: ارجع
فأحسن وضوءك ".
(قلت: وصله مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما") .
إسناده: أورده هكذا معلقاً، وقد وصله مسلم في "صحيحه " (1/148) ، وأبو
عوانة (1/252) من طريق الحسن بن محمد بن أعْيَن قال: ثنا معقل بن
عبيد الله ... به.
__________
(*) سجل الشيخ رحمه الله هنا تاريخ انتهاء عمله في الدفتر الأول من هذا "الصحيح "،
وهو 5/2/1369 هـ.(1/309)
قلت: وفي آخره زيادة: فرجع ثم صلى.
وقد تابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر ... به.
أخرجه أبو عوانة، وابن ماجه (1/227) ، وأحمد (1/رقم 134 و 153) .
وهذا إسناد صحيح؛ لولا ما يخشى من تدليس أبي الزبير؛ فقد عنعنه في
الروايتين عنه.
167- عن الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعنى قتادة.
(قلت: هو مرسل، وإسناده صحيح بما قبله) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا يونس وحميد عن
الحسن عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم، لكنه مرسل.
لكنه شاهد قوي للموصولين قبله.
والحسن: هو البصري.
168- عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لُمْعَة قَدْرَ الدرهم لم
يصبها الماء، فأمره النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعيد الوضوء والصلاة.
(قلت: حديث صحيح. وقال الامام أحمد: " هذا إسناد جيد "، وقوّاه
ابن التركماني وابن القيم وابن حجر".
إسناده: حدثنا حيوة بن شريح: ثنا بقية عن بَحِيرٍ - هو ابن سعد- عن خالد(1/310)
عن بعض أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا إسناد رجاله ئقات؛ غير أن بقية مدلس وقد عنعنه، لكن قد ورد عنه
مصرحاً بالتحديث كما يأتي؛ فالحديث صحيح.
وخالد: هو ابن معدان.
والحديث أخرجه البيهقي (1/83) من طريق المؤلف وقال:
" وهو مرسل "! وقال الذهبي في "مختصره ":
" ما أراه إلا متصلا ".
قلت: وهذا هو الحق؛ وقد بينه ابن التركماني بقوله:
" قلت: تسميته هذا مرسلاً ليس بجيد؛ لأن خالداً هذا أدرك جماعة من
الصحابة، وهم عدول؛ فلا يضرهم الجهالة. قال الأثرم: قلت- يعني: لابن حنبل-:
إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يسمه؛
فالحديث صحيح؟ قال: نعم.. ثم إن في سند الحديث بقية، وهو مدلس، وقد
عنعن، والحاكم أورد هذا الحديث في "المستدرك " من طريقه؛ ولفظه: قال:
حدثني بحير ... فكان الوجه أن يخرجه البيهقي من طريق الحاكم؛ ليسلم
الحديث من تهمة بقية.
وأعله المنذري في "مختصره " بأن:
" في إسناده بقية؛ وفيه مقال "! قال ابن القيم رحمه الله في "تهذيبه ":
" هكذا علل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقية له؛ وزاد
ابن حزم تعليلا آخر؛ وهو أن راوبه مجهول لا يدرى من هو؟! والجواب على هاتين
العلتين:(1/311)
أما الأولى؛ فإن بقية ثقة في نفسه صدوق حافظ، وإنما نقم عليه التدليس مع
كثرة روايته عن الضعفاء والمجهويئ، وأما إذا صرح بالسماع فهو حجة، وقد صرح
في هذا الحديث بسماعه له. قال أحمد في "مسنده ": حدثنا إبراهيم بن أبي
العباس: ثنا بقية: ثنا بحير [وفي الأصل: يحيى وهو خطأ واضح] بن سَعْد عن
خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر الحديث، وقال: فأمره أن
يعيد الوضوء.
قال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: هذا إسناد جيد؟ قال: جيد.
وأما العلة الثانية؛ فباطلة أيضا على أصل ابن حزم وأصل سائر أهل الحديث؛
فإن عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في الحديث؛ لثبوت عدالة جميعهم، وأما
أصل ابن حزم؛ فإنه قال في كتابه في أثناء مسالمة: كل نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثقات
فواضل عند الله عز وجل مقدسات بيقين.
قلت: والعلة الثانية إنما هي باطلة على أصل ابن حزم بالنسبة إلى الرواية التي
نقلها ابن للقيم عن "المسند". وأما بالنسبة للرواية التي أوردها ابن حزم في "المحلى"
(2/70- 71) ثم أعلها بما سبق؛ فليست بواردة إلا على أصل سائر الحدثين؛ لأنها
كراوية المصنف: عن بعض أصحاب رسولى الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الحافظ في "التلخيص " (1/442) :
" وأعله المنذري بأن فيه بقية، وقال: عن بحير؛ وهو مدلس. لكن في
"المسند"، و"المستدرك " تصريح بقية بالتحديث؛ وفيه: (عن بعض أزواج النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :
وأجمل النووي القول في هذا فقال في "شرح المهذب" [1/455] :
" هو حديث ضعيف الإسناد ". وفي هذا الإطلاق نظر؛ لهذه الطرق ".(1/312)
قلت: ولم أجد الحديث في "المسند "؛ ولا في "المستدرك " بعد أن راجعته
في مظانه (*) ، وقد مررت على (كتاب الطهارة) و (كتاب الصلاة) من "المستدرك "؛
فلم أعثر عليه! والله أعلم.
68- باب إذا شك في الحدث
169- عن سعيد بن المسيب وعَبَّاد بن تميم عن عمه:
شُكِيَ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يُخَيَّلُ
إليه؟ فقال:
" لا ينفتلُ حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم. وقد أخرجاه
وكذا أبو عوانة في " صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: ثنا
سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف من
رجال مسلم وحده؛ لكنه مقرون مع قتيبة، وهو من رجالهما.
والحديث أخرجه النسائي (1/37) : أخبرنا قتيبة عن سفيان ... به.
ثم أخرجه هو والشيخان في "صحيحيهما"، وابن ماجه والبيهقي من طرق
عن سفيان بن عيينة ... به.
__________
(*) هو في "المسند" (3/424) وفيه تصريح بقية بالتحديث كما قال الحافظ ابن حجر!
(الناشر) .(1/313)
وهو في "مسند الشافعي " (ص 3- 4) ، وأحمد (4/40) قالا: حدثنا
سفيان ... به؛ لكنهما لم يذكرا سعيد بن المسيب في السند.
وكذلك أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/238) من طريق الشافعي ومن
طريق يونس بن عبد الأعلى: ثنا سفيان ... به.
وتابعه محمد بن أبي حفصة قال: ثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعباد
ابن تميم ... به مختصراً بلفط: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا وضوء إلا فيما وجدت الريح أو سمعت الصوت ".
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم؛ لكن رواية سفيان أصح؛ لأن ابن
أبي حفصة- وإن كان ثقة من رجالهما- فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه،
وهذا المتن الذي رواه إنما هو من حديث أبي هريرة الآتي في بعض الروايات عنه؛
فلعله اشتبه عليه به، أو رواه بالمعنى! والله أعلم.
170- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد حركة في دبُرِه- أحدث أو لم
يحدث - فأشكل عليه؛ فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في " صحيحه ".
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه أبو عوانة أيضا في
"صحيحه ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا سهيل بن أبي صالح
عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه " كما يأتي.(1/314)
وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه الدارمي (1/183) ، وأحمد (2/414) من طريقين آخرين
عن حماد ... به.
وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1/267) ، وكذا مسلم والترمذي والبيهقي
من طرق أخرى عن سهيل ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ورواه الطيالسي (رقم 2422) : ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح ... به
مختصراً بلفظ:
" لا وضوء إلا من صوت أو ريح ".
وكذلك رواه الترمذي أيضا وابن ماجه وأحمد (2/410 و 435) من طرق عن
شعبة ... به.
وله شاهد من حديث السائب بن خَبَاب: في "المسند" (3/426) ، وابن
ماجه، وسوف نتكلم عليه في "صحيحه " إن شاء الله. ثم قال الترمذي أيضا:
" هذا حديث حسن صحيح ".
وآخر من حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد (3/96) ، وأبو يعلى
(1249) ، وابن عدي (5/199) من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه.
وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان- حسن الحديث في الشواهد.
ورواه ابن ماجه (514) من وجه آخر عن سعيد ... به مختصرا؛ ولكنه
معلول.(1/315)
69- باب الوضوء من القُبلة
171- عن إبراهيم التيمي عن عائشة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبَّلها ولم يتوضأ.
قال أبو داود: " وهو مرسل: إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ".
(قلت: وهو كما قال، لكن الحديث صحيح؛ لأنه جاء موصولاً عنها وهو
[التالي] ) .
إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن
أبي رَوْق عن إبراهيم التيمي.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي روق هذا
- واسمه عطية بن الحارث-، وهو صالح كما قال ابن معين. وقال غيره:
" ليس به بأس ".
فالإسناد صحيح لولا ما فيه من الانقظاع الذي صرح به المؤلف في الكتاب.
لكن يقويه أنه جاء موصولاً من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها؛ وهو
المذكور بعده، ولذلك صححه السيوطي في آخر "الجامع الكبير".
والحديث رواه النسائي (1/39) ، والدارقطني (51) ، والبيهقي (1/126-
127) ، وعبد الرزاق (1/135/511) ، وأحمد (6/210) من طرق أخرى عن
سفيان ... به. وفي لفظ للدارقطني:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ، ثم يقبل بعدما يتوضأ، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وأعله هو والبيهقي بما سبق ذكره من الانقطاع؛ وزاد البيهقي:(1/316)
" وأبو روق ليس بقوي، ضعفه يحيى بن معين وغيره "!
قلت: كذا نقل البيهقي عن يحيى! وقد نقلنا عنه آنفاً أنه قال فيه:
" صالح "؛ وهو الذي ذكره في "التهذيب "، ولم يَحْكِ عن ابن معين غيره؛
كما أنه لم يذكر عن أحد من الأئمة تضعيفه؛ فلا أدري أفات هذا الذي ذكره
البيهقي على الزي ثم الحافظ؟! أم أنهما تركاه عمداً؟! أم أن البيهقي وهم في نقله
عن يحيى وغيره؟! والله أعلم.
والحديث قال المصنف عقبه: "كذا رواه الفريابي وغيره، وهو مرسل ... " إلخ.
قلت: والفريابي: هو محمد بن يوسف الضَبِّي، وهو ثقة من رجال الشيخين،
روى عن الثوري ولازمه، ويعني المصنف أنه رواه كغيره عن سفيان منقطعاً.
وقد روي موصولأ، فقد قال الدارقطني:
" وقد روى هذا الحديث: معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن
إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة؛ فوصل إسناده ". قال ابن التركماني
(1/125) :
" ومعاوية هذا؛ أخرج له مسلم في "صحيحه "، فزال بذاك انقطاعه ".
172- عن عروة عن عائشة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟! فضحكت.
(قلت: حديث صحيح، وعروة: هو ابن الزبير، وقد صححه ابن
التركماني والزيلعي وقال: " وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث،(1/317)
فقال: صححه الكوفيون وثبتوه لرواية الثقات من أئمة الحديث له ")
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن
عروة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وعروة: هو ابن الزبير، كما
جاء منسوباً في بعض الروايات الصحيحة في هذا الإسناد وغيره، كما يأتي بيانه.
ومع ذلك؛ فإن لهذا الإسناد علةً تمنع من الحكم عليه بالصحة؛ إذا ما تجردنا
عن العصبية المذهبية، وحكمنا فيه القواعد الحديثية المحكمة.
وهذه العلة: هي عنعنة حبيب بن أبي ثابت؛ فإنه موصوف بالتدليس، وصفه
بذلك ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولذلك قال الحافظ في "التقريب":
" ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس ".
وعلى ذلك أورده في كتابه "طبقات المدلسين " في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة
مَن أكثر من التدليس فلم يَحْتَجَّ الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع،
ومنهم من رد حديثهم مظلقاً، ومنهم من قبلهم؛ كأبي الزبير المكي. كذا ذكر في
المقدمة، ثم قال (ص 12) :
" حبيب بن أبي ثابت الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن
خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان
يقول: لو أن رجلاً حدثني عنك ما باليت إن رويته عنك؛ يعني: وأسقطه من
الوسط ".
وقد ذهل عن هذا كله بعض المحققين من المعاصرين؛ فقال: إنه
" لم يعرف بالتدليس "!(1/318)
هذا هو علة هذا الإسناد، ومرجع ذلك أنه منقطع، وقد أعله بذلك البخاري
وغيره كما يأتي. وقد أُعل بعلل أخرى جرى حولها جدل طويل بين المتقدمين
والمتأخرين، كان للعصبية المذهبية حظ وافر في ترجيح الصحة والضعف، وشرح
ذلك مما يطول به الكلام جدّاً، فمن شاء الوقوف على ذلك؛ فليراجع "الجوهر النقي
في الرد على البيهقي " (1/123- 127) ، و "نصب الراية" (1/71- 75) ، وتعليق
المحقق أحمد محمد شاكر على "سنن الترمذي " (1/133- 139) ، وعلى "المحلى"
(1/245- 246) . وقد جنح هؤلاء كلهم إلى تصحيح الحديث؛ وهو الحق كما
سيأتي بيانه، مع ذكر بعض العلل المشار إليها.
ثم قال المصنف عقب الحديث:
" هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحِماني عن سليمان الأعمش ".
قلت: حديث زائدة لم أقف عليه!
وأما عبد الحميد الحِمَّاتي- وهو ابن عبد الرحمن أبو يحيى-؛ فأخرج حديثه
الدارقطني (ص 50) من طرق شتى عنه قال: نا الأعمش ... به ولفظه:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصبح صائماً، ثم يتوضأ للصلاة، فَتَلْقَاهُ المرأة من نسائه،
فيقبِّلها ثم يصلي. قال عروة: من ترينها غيرك؟ فضحكت.
ورواه من طريق علي بن هاشم وأبي بكر بن عياش عن الأعمش ... به دون
ذكر الصوم.
ثم أخرجه هو، والترمذي (1/133) ، وابن ماجه (1/181) ، وأحمد
(6/210) من طرق عن وكيع ... به؛ إلا أن أحمد وابن ماجه قالا: عروة بن
الزبير ... فعيًنا وبيَّنا ما أُبهم في رواية الآخرين؛ وقد ذكرنا آنفاً ما يؤيد- من
المعنى- أنه عروة بن الزبير. ولذلك قال الزيلعي (1/72) :(1/319)
" أخرجه ابن ماجه بسند صحيح "!
كذا قال! وفيه ما علمت من التدليس. ثم قال:
" وقد مال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث؛ فقال: صححه
الكوفيون وثبتوه؛ لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة؛
لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتاً. وقال في موضع آخر: لا شك أنه أدرك
عروة. انتهى "!
قلت: وهذا كلام صحيح قويم؛ لولا أن حبيباً عرف بالتدليس كما سبق؛ فلا
بد من الوقوف على تصريح بالسماع في هذا الحديث لتزول شبهة التدليس؛
لاسيما وأن الترمذي قال عقب الحديث:
" وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي
ثابت لم يسمع من عروة ". وقال ابن أبي حاتم في كتاب "المراسيل " عن أبيه:
" أهل الحديث اتفقوا على ذلك [يعني: على عدم سماعه منه، قال] واتفاقهم
على شيء يكون حجة ". كذا في "تهذيب التهذيب ".
فتصحيح هذا الإسناد لذاته- كما فعل ابن التركماني والزيلعي وغيرهم- ليس
بصحيح! ومن العحيب أن هؤلاء ومخالفيهم لم يتعرضوا لهذه العلة- علة التدليس
- لا طعناً ولا دفعاً؛ بل سودوا صحائف كثيرة في إيراد علل أو دفعها؛ الحديث في
منجىً منها، وذهلوا جميعاً عن العلة الحقيقية فيه، والمعصوم من عصمه الله!
لكن هذه العلة لا تقلأخ في صحة الحديث؛ لأن حبيباً لم يتفرد به، فقد تابعه
هشام بن عروه عن أبيه عروة بن الزبيو؛ فقال الدارقطني (50) : حدثنا أبو بكر
النيسابوري: تا حاجب بن سلمِمان: نا وكيع عن هشام بن عروهَ عن أبيه عن
عائشة قالت:(1/320)
قئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ؛ ثم ضحكت.
وهذا إسناد صحيح: أبو بكر النيسابوري ثقة إمام مشهور.
وحاجب بن سليمان ثقة عند النسائي وابن حبان وغيرهما، ولم يتكلم فيه
أحد إلا الدارقطني من أجل هذا الحديث.
وبقية رجاله ثقات مشهورون رجال الستة. قال الدارقطني عقبه: " تفرد به
حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كان يقبّل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه "!
ورد عليه الزيلعي- تبعاً لابن التركماتي- بما خلاصته: أن حاجباً ثقة،
وتوهيمه بمجرد مخالفته للأكثرين لا يجوز؛ لأنه جاء بزيادة غير منافية لروايتهم.
قلت: ويؤيد ذلك: أن الحماني روى الحديث عن الأعمش، وجمع فيه بين
التقبيل وهو صائم، وبين الصلاة بعد ذلك كما سبق. فالظاهر أن هذا هو أصل
الحديث، فروى بعضهم منه التقبيل وهو صائم، وبعضهم ترك الوضوء من التقبيل؛
وكل ثقة، فما رواه هذا لا يعارض رواية ذاك وبالعكس.
ومما يدفع دعوى الدارقطني هذه: أن حاجباً لم يتفرد به؛ بل تابعه أبو أويس:
حدثني هشام بن عروة ... به.
أخرجه الدارقطني أيضا: حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا علي بن عبد العزيز
الوَراق: نا عاصم بن علي: نا أبو أويس ... به، ولفظه:
أنها بلغها قول ابن عمر: (في القبلة الوضوء) . فقالت:
كانْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّل وهو صائم ثم لا يتوضأ.
وهذا يؤيد ما ذكرت آنفاً أن أصل الحديث: الجمع بين القضيتين.(1/321)
وهذا إسناد حسن صحيح؛ وأبو أويس: اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس
الأصبحي؛ وهو ثقة تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأنه يخالف في بعض
حديثه، وهو هنا لم يخالف أحداً؛ بل وافق وكيعاً في رواية هذا الحديث عن هشام
ابن عروة.
وبقية رجاله ثقات؛ ولم يستطع الدارقطني أن يتكلم عليه بشيء غير قوله:
" ولا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي بن عبد العزيز "!
قلت: وهذا لا شيء؛ فإن علي بن عبد العزيز: هو البغوي، وهو إمام مشهور،
والدارقطني نفسه يروي عنه كثيراً، وقد قال فيه:
" ثقة مأمون ".
فمثله لا يتوقف في قبول ما تفرد به؛ بل ينظر فيما يخالفه فيه غيره من
الثقات، فلعله يكون أحفط منهم وأرجح رواية، كما قال بعض المحققين.
وأما عاصم بن علي؛ فيكفي فيه أنه من شيوخ البخاري في "صحيحه ".
وقد تابعه آخرون عن هشام بن عروة عن أبيه: عند الدارقطني وغيره؛ وفيما
ذكرنا كفاية لمن أنصف.
وقد جاء الحديث عن عائشة بإسناد آخر صحيح؛ فقال ابن التركماني- وتبعه
الزيلعي-:
" قال أبو بكر البزار في "مسنده ": حدثما إسماعيل بن يعقوب بن صَبِيح:
حدثنا محمد بن موسى بن آعْيَنَ: حدثنا أبي عن عبد الكريم الجَزرِيِّ [عن عطاء]
عن عائشة:
أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ.(1/322)
وعبد الكريم روى عنه مالك في "الموطأً"، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه
ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم. وموسى بن أعين مشهور، وثقه أبو زرعة وأبو
حاتم، وأخرج له مسلم. وابنه مشهور، روى له البخاري. وإسماعيل روى عنه
النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفراييني، وأخرج له ابن خزيمة في "صحيحه "،
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الكريم. وقال عبد الحق
بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه
مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديءٌ؛
لأنه غير محفوظ. وانفراد الثقة بالحديث لا يضره ".
وقال الحافظ ابن حجر في "الدراية" (ص 20) :
" رجاله ثقات ".
وإسناده عند الدارقطني (50) هكذا: حدثنا عثمان بن أحمد الدُّفاق: نا
محمد بن غالب: نا الوليد بن صالح: نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم
الجزري ... به.
وهذا إسناد صحيح.
وأما الدارقطني؛ فقد أعله- على طريقته في إعلال كل إسناد لهذا الحديث،
ولو بدون حجة ناهضة- فقد قال:
" يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ وإنما هو حديث
غالب "!
يريد ما ساقه قبل هذا بإسناده إلى جَنْدَل بن وَالِق: نا عبيد الله بن عمرو عن
غالب عن عطاء عن عائشة ... به. قال:(1/323)
" غالب: هو ابن عبيد الله؛ متروك " إ!
أقول: إن عجبي من الدارقطني لا يكاد ينتهي؛ فكيف يجرز رد رواية الثقة أو
تخطئته بمجرد قوله: "يقال: إن الوليد بن صالح وهم "؟! ليس هذا من الممكن أن
يقال في كل حديث مهما كان شأن رجاله في الثقة والعدالة؟!
فإن الوليد هذا متفق على توثيقه، واحتج به الشيخان، ولم يتكلم فيه أحد
بضعف في روايته.
ثم إن الأغرب من ذلك: أنه يخطئه بمخالفة من هو دونه في الثقة والحفظ
بدرجات؛ وأعني به، جندل بن والق، الذي جعل (غالب بن عبيد الله المتروك)
مكان (عبد الكريم الجزري) ! وإليك ترجمته من "تهذيب التهذيب ":
" ذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال مسلم: متروك. وقال البزار: ليس
بالقوي ".
فكيف يجوز ترجيح رواية من هذا شأنه على رواية الثقة اتفاقاً؟! يضاف إلى
ذلك أنه لم ينفرد بهذا الإسناد؛ بل تابعه محمد بن موسى بن أعين عن أبيه عن
عبد الكريم؛ كما سبق في رواية البزار.
وبالجملة؛ فهذا الحديث صحيح لا شك فيه؛ ولو لم يكن له من الأسانيد إلا
هذا لكفى حجة؛ فكيف وله طرق أخرى كما سبق؟! وله طرق أخرى وشواهد؛
فراجعها في "نصب الراية".
173- عن عبد الرحمن بن مَغْراء: ثنا الأعمش: إخبرنا إصحاب لنا
عن عروة المزني عن عائشة ... بهذا الحديث.
(قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أصحاب الأعمش مجهولون، والراوي عنه ابن(1/324)
مغراء ضعيف في روايته عن الأعمش خاصة، وقد تفرد عنه بقوله: عروة
المزني؛ وإنما هو عروة بن الزبير، كما قال وكيع عن الأعمش وعن هشام بن
عروة) .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن مَخْلَد الطَالْقَاني: ثنا عبد الرحمن " يعني: ابن
مغراء-.
وهذا إسناد ضعيف؛ لأمرين:
الأول: جهالة أصحاب الأعمش.
والآخر: أن ابن مغراء- بفتح الميم وإسكان المعجمة- ضعيف في روايته عن
الأعمش خاصة، وهو في غيره صدوق. قال ابن المديني:
" ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث، تركناه، لم يكن
بذاك ". قال ابن عدي:
" وهو كما قال علي؛ إنما أنكرت على أبي زهير هذا أحاديث يرويها عن
الأعمش، لا يتابعه عليها الثقات، وله عن غير الأعمش، وهو من جمنة الضعفاء
الذين يكتب حديثهم ". وقال الحافظ:
" صدوق ئكُلمَ في حديثه عن الأعمش ".
قلت: وقد خالفه كل الثقات الذين رووا هذا الحديث عن الأعمش؛ فلم يقل
أحد منهم في عروة: إنه " المزني " بل بعضهم أطلق فقال: "عروة"، وبعضهم نسبه
فقال: "عروة بن الزبير"؛ كما في رواية أحمد وابن ماجه؛ وهو الصحيح كما سبق
بيانه.
فالتمسك بهعذه الرواية الضعيفة في تأييد أن راوي الحديث عن عائشة هو عروة(1/325)
المزني- وهو مجهول-، وإعلال الحديث بذلك- كما فعل البيهقي- لا يجوز عند
المنصفين!
وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أن هذه الرواية مرجوحة، حيث قال عقيها:
" قال: يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين- يعني: حديث
الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل
صلاة- قال يحيى: احك عني أنهما شبه لا شيء " إ!
قلت: وهذا من هذا الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، والظاهر أنه لم يقف على
الأسانيد الأخرى للحديث! ثم قال المصنف:
" وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني؛ يعني: لم
يحدثهم عن عروة بن الزبير يشيء "!
قلت: وهذا لا حجة فيه؛ لأن المصنف لم يسنده؛ بل أشار إلى أنه لم يرضه،
حيث قال عقيبه:
" وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً
صحيحاً".
فهذا يدل على أن عروة في هذا الإسناد: هو عروة بن الزبير، كما سبق في
رواية أحمد. وتصحيح المؤلف لهذا الحديث يدل على أنه يرى صحة رواية حبيب
عن عروة! وفيه ما سبق من التدليس. وهو- على كل حال- يدل على أن الحديث
لابن الزبير.
ويؤيد ذلك قوله:(1/326)
174- قال أبو داود: " وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن
الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً ".
(قلت: يشير إلى ما أخرجه الترمذي في "الدعوات " من هذا الوجه
عنها) .
قال العلماء: يشير إلى حديث أخرجه الترمذي في "الدعوات " (2/261-
طبع بولاق) قال: حدثنا أبو كرَيْب: حدثنا معاوية بن هشام عن حمزة الزيات ...
به قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" اللهم عافتي في جسدي، وعافتي في بصري، واجعله الوارث متي، لا إله
إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين ".
وقال الترمذي:
" هذا حديث غريب- وفي بعض النسخ: حسن غريب- " قال:
" سمعت محمداً يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير
شيئاً"!
70- باب الوضوء من مَمسِّ الذَّكرِ
175- عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول:
دخلت على مروان بن الحكم، فذكرنا ما يكون منه الوضوء. فقال
مروان: ومِنْ مَس الذكر. فقال عروة: ما علمت ذلك! فقال مروان:
أخبرتني بسْرَةُ بنت صفوان أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من مَس ذكره فليتوضأ ".(1/327)
(قلت ت إسناده صحيح على شرط البخاري، وكذلك صححه الحاكم
والبيهقي، وصححه أيضا الترمذي، ونقل عن البخاري أنه أصح شيء في
الباب. وصححه أحمد أيضا وابن معين وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني ثم
النووي) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مَسْلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر.
وهنا إسناد صحيح على شرط البخاري، فقد أخرج في "صحيحه " لمروان بن
الحكم، وانتقد ذلك عليه، فأورده الذهبي في "الميزان " فقال:
" وله أعمال موبقة، نسأل الله السلامة، ورمى طلحة بسهم، وفعل وفعل ".
وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب ":
" وعاب الإسماعيلي على البخاري تخريج حديثه، وعد من موبقاته: أنه رمى
طلحة أحد العشرة يوم الجمل، وهما جميعاً مع عائشة، فقتله، ثم وثب على
الخلافة بالسيف، واعتذرت عنه في مقدمة "شرح البخاري ". وقول عروة بن
الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث؛ هو في رواية ذكرها البخاري في قصة نقلها
عن مروان عن عثمان في فضل الزبير ".
قلت: ولم يوثقه الحافظ في "التقريب " ولا جرحه؛ بل قال:
" لا تثبت له صحبة ".
وكيفما كان حال مروان في الرواية؛ فإن حديثه هذا صحيح؛ لأن عروة قد
سمعه بعد ذلك من بُسْرة مشافهة كما يأًتي؛ فالحديث- من طريقه صحيح لا
شك فيه.
وياُتي قريباً كلام ابن حزم في مروان.(1/328)
والحديث في "الموطأ" (1/64) ، ورواه الشافعي في "مسنده " (ص 4) ، ومن
طريقه الحازمي (ص 28) ، والنسائي (1/37) ، والبيهقي، 11/28) كلهم عن
مالك ... به.
وقد تابعه الزهري قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ...
به؛ وزاد في آخره:
قال عروة: فلم أزل أماري مروان، حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى
بسرة، فساعيها عمّا حدثت مروان؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها
مروان.
أخرجه النسائي، وأحمد (6/407) .
ثم أخرجه من طريق سفيان- وهو ابن عيينة- عن عبد الله بن أبي بكر ...
نحوه.
ومن طريق إسماعيل بن علي قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم ... به
نحو رواية مالك؛ دون الزيادة.
وفي هذه الزيادة ما يفيد أن عروة لم يَكْتَفِ برواية مروان للحديث، حتى دفعه
إلى أن يرسل رسولاً، فجاء عن بسرة موافقاً لما حدثه مروان عنها، وكأن ذلك لم
يقنعه أيضا تمامَ الإقناع؛ حيث ذهب بنفسه إلى بسرة، فحدثته بذلك.
روى هذا ابنه هشام؛ فقال أحمد (6/407) : ثنا يحيى بن سعيد عن هشام
قال: ثنا أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" من مس ذكره؛ فلا يصَل حتى يتوضأً ".
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ متصل بسماع هشام من أبيه، وسماع أبيه(1/329)
عروة من بسرة.
وفيه رد على من زعم انقظاعه بين هشام وأبيه من جهة، وبين عروة وبسرة من
جهة أخرى.
وأخرجه الترمذي من طريق يحيي بن سعيد القطان ... به. وقال:
" حديث حسن صحيح ". ثم قال:
" قال محمد: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة ".
وأخرجه الدارقطني (ص 53) ، والحاكم (1/137) ، ومن طريقه البيهقي
(1/129) من طريق شعيب بن إسحاق: حدثني هشام بن عروة ... به؛ وزاد في
آخره:
قال عروة: فسألت بسرة؟ فصدقته بما قال. وقال الدارقطني:
" هذا صحيح، تابعه ربيعة بن عثمان والمنذر بن عبد الله الحِزَامي وعنبسة بن
عبد الواحد وحميد بن الأسود؛ فرووه هكذا عن أبيه عن مروان عن بسرة، قال
عروة: فساعيت بسرة بعد ذلك؟ فصدقته ".
قلت: وقد أخرج هذه المتابعاتِ كلها: الحاكمُ؛ وصححه على شرط الشيخين.
ففي رواية هؤلاء عن هشام التصريح بذهاب عروة بنفسه إلى بسرة، وسؤاله
إياها عن الحديث، وتصديقها لما روى مروان عنها، فبرئت عهدته منه. ولذلك قال
ابن حبان في "صحيحه " (2/220- الإحسان) :
" ومعاذ الله أن نحتج بمروان بن الحكم في شيء من كتبنا، ولكن عروة لم يقنع
بسماعه من مروان حتى بعث مروان شرطياً له إلى بسرة فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم
بما قالت بسرة، ثم لم يقنعه ذلك، حتى ذهب عروة إلى بسرة فسمع منها؛ فالخبر(1/330)
عن عروة عن بسرة متصل ليس بمنقطع؛ وصار مروان والشرطي كأنهما زائدان في
الإسناد "؛ ثم أخرجه بهذه الزيادة الأخيرة.
والحديث أخرجه الترمذي أيضا، وابن ماجه، والطحاوي (1/43- 44) ، وكذا
الدارمي، والطيالسي (رقمِ 1657) ، والظبرا ني في " الصغير" (ص 230) ، وابن
حزم (1/235) - محتجّا به - كلهم عن عروة ... به؛ بعضهم يذكر مروان بينه
وبين بسرة، وبعضهم لا يذكر.
والكل صحيح لما سبق، فمن أعل الحديث بالانقطاع لم يصب، وكذلك من
أعله بمروان؛ فقد قال ابن حزم:
" مروان ما نعلم له شيئاً يجرح به قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن
الزبير رضي الله عنه؛ ولم يلقه عروة قط، لا قبل خروجه على أخيه ولا بعد
خروجه؛ هذا مما لا شك فيه "! وأقره الحافظ في "التلخيص " (2/39) ؛ ولذلك
صحح الحديث من سبق ذكرهم. قال الحافظ:
" وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر، وأبو حامد بن
الشرقي والبيهقي والحازمي، وقال البيهقي: هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان
- لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان- فقد احتجا بجميع رواته؛
واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث؛ فهو على شرط البخاري بكل
حال ".
وروى المصنف في كتابه "مسائل الإمام أحمد" (ص 309) أنه سأل أحمد
عن هذا الحديث؟ فقال:
"هو صحيح ".
(تنبيه) : عرفت من التخريج المذكور أنه رواه مالك والزهري عن عبد الله بن(1/331)
أبي بكر عن عروة، كذلك رواه جمع من الثقات عنهما؛ وبلفظ:
" من مس ذكره فليتوضأ ".
وخالفهم عبد الرحمن بن نمر اليِحْصبِيُ فقال: عن الزهري عن عروة ... به،
فأسقط منه عبد الله بن أبي بكر، وزاد فما المق فقال:
" والمرأة مثل ذلك "!
أخرجه ابن حبان (214- موارد) والبيهقي في "السنن " (1/132) من طريق
الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الرحمن ...
ويمكن أن يكون الإسقاط من الوليد؛ لأنه كان يدلس تدليس التسوية، وقد
أثبته في رواية للبيهقي، فالعلة من عبد الرحمن بن نمر هذا؛ فإنه مختلف فيه:
فمن موثق، ومن مضعف.
وقد أنكر عليه هذه الزيادة في المق: ابن معين، وابن عدي في "الكامل "
(4/292- 293) ، واستظهر البيهقي أنها من قول الزهري، أدرجت في الحديث،
وأستدل لذلك برواية أخرى للوليد عن ابن نمر؛ فيها ما استظهره.
71- باب الرخصة في ذلك
176- عن عبد الله بن بدرعن قيس بن طَلْقٍ عن أبيه قال:
قَدِمنا على نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما
ترى في مَسِّ الرجلِ ذَكَرَة بعد ما يتوضأ؟ فقال:
" هل هو إلا مضْغَةٌ منه- أوقال: بَضْعَةٌ منه؟! - ".(1/332)
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، والطحاوي
وقال: " صحيح مستقيم الاسناد "، وصححه أيضا عمرو بن علي الفَلاس
والطبراني وابن حزم، وحسن الترمذي بهذا الاسناد ثلاثة أحاديث أخرى،
وقال في هذا: إنه " أحسن شيء في الباب ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا ملازم بن عمرو الحنفي: ثنا عبد الله بن بدر.
وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد تكلم بعضهم في قيس بن طلق
بغير حجة نعلمها! وقد وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان. وقال الذهبي في
"الميزان "- بعد أن ذكر قول من جرحه-:
" قال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسناً لا صحيحاً " 0
قلت: وعلى ذلك جرى الترمذي، فروى له ثلاثة أحاديث بإسناد واحد من
طريق هَناد: حدثنا ملازم بن عمرو ... به:
الأول في "الوتر"، وسيأتي في الكتاب (رقم 1293) .
والثاني في " الصوم "، وسيأتي (رقم 2033) .
والثالث في "النكاح " (1/217- طبع بولاق) ؛ وحسنها كلها.
وصحح له الحاكم في "المستدرك " (4/146) حديثاً رابعاً في الرقية، ووافقه
الذهبي على تصحيحه.
والحديث أخرجه النسائي (1/38) ، والطحاوي (1/416) ، والدارقطني (ص
54) ، والبيهقي (1/134) ، وابن حبان في "صحيحه " (2/ 423/1116 و 1117)
من طرق عن ملازم بن عمرو ... به.
واْخرجه الترمذي (1/131) : حدثنا هناد: ثنا ملازم بن عمرو ... به(1/333)
مختصراً. وقال:
" وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب ". وقال الطحاوي:
" حديث صحيح مستقيم الإسناد ". قال في "التلخيص " (1/48- 49) :
" وصححه عمرو بن علي الفلاس وقال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة.
وروي عن ابن المديني أنه قال: هو عندنا أحسن من حديث بسرة. وصححه أيضا
ابن حبان والطبراني وابن حزم [1/239] ".
قلت: ولست أشك أن حديث بسرة أصح من هذا؛ لأن إسناده أشهر، ولأن له
شواهد قوية؛ بخلاف هذا، فليس له إلا شواهد ضعيفة الأسانيد، كما يتببن لك
ذلك بمراجعة "نصب الراية " و "التلخيص ".
ولكن الحديث على كل حال صحيح، ولا ضرورة لادعاء للنسخ في أحدهما؛
لأنه يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن كان المس بدون شهوة فهو لا ينقض؛ لأنه
يكون كما لو مسّ بضعة أخرى من بدنه، وإن كان المس بشهوة؛ فالعمل على
حديث بسرة، ولا يخالفه هذا؛ لأنه لا يكون المس حينئذ كما لو مس بضعة
أخرى.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجمع بين الحديثين،
وتبعه بعض المحققين من المتأخرين.
قلت: ومما يؤيد ذلك أن: الحديث صدر جواباً لمن سأله عن الرجل يمس ذكره
وهو في الصلاة؛ كما في روايتين عن قيس بن طلق: لابن حبان. ولا يخفى أن
هذه قرينة قوية جداً للجمع المذكور؛ لأنه لا يتصور وقوع المس بشهوة في الصلاة،
وقد أشار إلى ذلك من قاله من السلف: سواءً مَسسْتهُ أو مَسسْتُ أنفي.
قلت: روايتين.. وأعني بإحداهما: روايته من طريق عبد الله بن بدر،(1/334)
والأخرى: من طريق عكرمة بن عمار عن قيس بن طلق عن أبيه: عند ابن حبان
(1118- الإحسان) .
وقول البيهقي (1/135) أن عكرمة أرسله عن قيس لم يذكر أباه ... لعله في
رواية وقعت له.
والرواية الأولى: عند الدارقطني أيضا بإسناد جيد، رجاله ثقات معروفون؛ غير
الراوي عن ملازم بن عمرو: محمد بن زياد بن فَرْوة البَلَدِي أبي روح، وقد
ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/84) برواية محمد بن طاهر البلدي وأهل الجزيرة
عنه.
قلت: والحافظ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي الراوي لهذا الحديث
عنه؛ فهو صدوق إن شاء الله تعالى.
177- عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق ... بإسناده ومعناه قال:
" في الصلاة ".
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا محمد بن جابر.
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ فإن رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن
جابر- وهو أبو عبد الله اليمامي- وهو صدوق؛ لكنه ضُغفَ من قبل حفظه، وقد
فضله أبو حاتم على ابن لهيعة.
قلت: وقد تابعه عبد الله بن بدر في الإسناد السابق؛ فحديثه هذا صحيح.
وتابعه غيره أيضا كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/177) من طريق وكيع: ثنا محمد بن(1/335)
جابر ... به.
وأخرجه الطحاوي (1/46) عن مسدد ... به.
وقد قال المصنف عقب الحديث السابق: " رواه هشام بن حسان
وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن
طلق ".
قلت: وحديث ابن عيينة: عند الطحاوي والحازمي.
وأخرجه الدارقطني (54) عن إسحاق بن أبي اسرائيل.
وأحمد (4/23) عن موسى بن داود، وقُرَّان بن تَمام ثلاثتهم عن محمد بن
جابر ... به.
وتابعه أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق؛ فقال الإمام محمد في
"موطئه " (ص 50) : أخبرنا أيوب بن عتبة التيمي- قاضي اليمامة- عن قيس بن
طلق.
وكذا أخرجه الطيالسي (رقم 1096) ، وعنه الحازمي عن أيوب ... به.
ورواه الطحاوي من طرق أخرى عن أيوب ... به.
وأيوب حاله كحال قرينه محمد بن جابر؛ بل قال أبو حاتم:
" أيوب أعجب إلي من عبد الله بن بدر ". قال:
" وهو أحب إلي من محمد بن جابر ".
وبالجملة؛ فالحديث صحيح، وقد سبق ذكر من صححه في الكلام على
الأسناد قبله.(1/336)
72- باب في الوضوء من لحوم الأبل
178- عن البراء بن عازب قال:
سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوضوء من لحوم الابل؟ فقال:
" توضأوا منها ".
وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال:
" لا توضأوا منها ".
وسئل عن الصلاه في مبارك الأبل؟ فقال:
" لا تصلوا في مبارك الابل؛ فإنها من الشياطين ".
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال:
" صلوا فيها؛ فإنها بركة ".
(قلت: إسناده صحيج. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما "،
وصححه أحمد وإسحاق بن راهويه. وقال ابن خزيمة: " لم أر خلافاً بين علماء
الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه ") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن
عبد الله بن عبد الله الرّازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن
عبد الله الرازي، وهو ثقة اتفاقاً.(1/337)
والحديث أخِرجه أحمد (4/288) : ثنا أبو معاوية ... به.
وأخرجه الترمذي (1/122- 123) ، وابن ماجه (1/179) مختصراً من طرق
عن أبي معاوية ... به.
وتابعه سفيان- عند أحمد (4/303) -، وشعبة- عند الطيالسي (رقم 734-
735) ، وعنه البيهقي (1/159) - كلاهما عن الأعمش ... به.
وتابعهم أيضا عبد الله بن إدريس: عند الطحاوي (1/224) . ثم قال الترمذي:
" قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حديث
البراء وحديث جابر بن سمرة ".
قلت: وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله الرازي؛ لكنه جعله
من (مسند أسيد بن حضير) ؛ كما أخرجه الطحاوي؛ وهو خطأ، والصواب رواية
الأعمش، كما قال الترمذي.
والحجاج مدلس، وقد عنعنه، ومن طريقه: رواه ابن ماجه مختصراً بلفظ:
" لا توضأوا من ألبان الغنم، وتوضأوا من ألبان الإبل ".
والحديث رواه ابن حبان وابن الجارود أيضا وابن خزيمة في "صحيحه "، وقال:
" لم أر خلافاً بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة للنقل؛ لعدللة
ناقليه ".
ونقل البيهقي تصحيحه عن أحمد وإسحاق.
قلت: وروي من حديث ابن عمر؛ وفيه الأمر بالوضوء من ألبان الأبل.
أخرجه ابن ماجه (497) بسند ضعيف.(1/338)
73- باب في الوضوء من مس اللحم النِّيءِ وغسله
179- عن مروان بن معاوية: أخبرنا هلال بن ميمون الجهَنِي عن عطاء
ابن يزيد الليثي- قال هلال: لا أعلمه إلا- عن أبي سعيد (وفي رواية:
وأراه عن أبي سعيد) :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَنَحَّ حتى أرَيكَ "؛ فأدخل يده بين الجلد واللحم، فَدَحَسَ بها حتى
توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ (زاد في رواية:
يعني: لم يمس ماءً) .
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرقيَ وعمرو بن عثمان
الحمصي- المَعْنَى- قالوا: ثنا مروان بن معاوية.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي هلال بن ميمون الجهتي كلام لا
يضر؛ وفي " التقريب ":
" صدوق ".
والحديث أخرجه ابن ماجه (2/284) : حدثنا أبو كريب: ثنا مروان بن
معاوية ... به؛ وزاد- بعد قوله: إلى الإبط-: وقال:
" يا غلام! هكذا فاسلخ "، ثم مضى وصلى ... إلخ.
وأبو كريب: هو محمد بن العلاء أحد شيوخ المصنف فيه.(1/339)
180- قال أبو داود: " رواه عبد الواحد بن زياد وأبو معاوبة عن هلال
عن عطاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مرسلاً؛ لم يذكر أبا سعيد ".
(قلت: لم أقف عليه، وهو يقوي الذي قبله) .
إسناده: لم أقف عليه مرسلاً، وهو لا يعل الموصول قبله؛ لأن مروان بن
معاوية ثقة حافظ، وقال المصنف عن أحمد:
" ثقة ما كان أحفظه! ".
وهو قد حفظ الحديث على وجهه فوصله؛ وهي زيادة منه يجب قبولها.
ثم إن من رواه مرسلا يقوي الموصول؛ لأن الراوي قد يرسل الحديث أحياناً وقد
يوصله؛ فروى كل ما سمعه منه.
74- باب ترك الوضوء مِنْ مَسِّ الميتة
181- عن جابر:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرّ بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كَنَفَتَيْه
فَمر بِجَدْي آسَكَّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال:
" أئكم يحب أن هذا له ... " وساق الحديث.
(قلت: وتمامه: " بدرهم؟ ". فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟!
قال:
" أتحبون أنه لكم؟ ".
قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً فيه؛ لأنه أسلث، فكيف وهو ميت؟!(1/340)
فقال:
" فو الله؛ للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ".
(قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه "
بتمامه بإسناد المصنف) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا سليمان- يعني: ابن بلال- عن
جعفرعن أبيه عن جابر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وجعفر: هو ابن
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ المعروف ب (جعفر
الصادق) .
والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه " (8/210- 211) ... بهذا الإسناد؛
والتتمة نقلناها منه.
ثم أخرجه هو، والبخاري في "الأدب المفرد" (ص 140- طبع الهند) ، وأحمد
(3/365) من طرق أخرى عًن جعفر ... به؛ وزاد البخاري- بعد قوله: " لأنه
أسك "-:
" والأسك الذي ليس له أذنان ".
(تنبيه) : هنا في النسخة التي شرح عليها صاحب "عون المعبود" ما نصه:
" تم الجزء الأول، وبتلوه الجزء الثاني من تجزئة الخطيب البغدادي؛
وأوله (باب ترك الوضوء مما مست النار) .
فلله الحمد والمنة ".(1/341)
75- باب في ترك الوضوء مما مسّت النار
182- عن ابن عباس:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء
ابن يسار عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في "الموطأ" (1/48) ، وأخرجه الشيخان، وأبو عوانة (1/269) ،
ومحمد في "موطئه " (ص 58) ، والبيهقي، وأحمد (1/226) كلهم عن
مالك ... به.
وقد تابعه هشام- وهو ابن سعد- ومعمر عن زيد بن أسلم: أخرجهما أحمد
(1/356 و 365) .
وتابعه أيضا: خارجة بن مصعب: عند الطيالسي (رقم 2662) .
وتابعه عن عطاء بن يسار: محمد بن يوسف- وهو الأعرج- أخرجه النسائي
(1/40) .
وللحديث في "المسند" طرق أخرى كثيرة عن ابن عباس؛ فانظر (1/226
و227 و 241 و 244 و 253 و 254 و 258 و 264 و 267 و 272 و 281 و 326-
327 و 336 و 351 و 353 و 361 و 363 و 366) ؛ وبعضها عند مسلم وأبي عوانة.(1/342)
183- عن المغيرة بن شعبة قال:
ضِفْتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات ليلة، فأمر بجَنْبِ فَشُوِيَ، وأخذ الشفرة فجعل
يَحز لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلآة، قال: فألقى الشفرة وقال:
" ما له؟ تَرِبَتْ يداه! ". وقام يصلي (زاد الأنباري:) ، وكان شاربي
وَفَى؛ فَقَصه لي على سواك- أو قال:
" أقصَه لك على سواك؟ "-.
(قلت: إسناده صحيح، وهو بدون الريادة على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري- المعنى-
قالا: ثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله
عن المغيرة بن شعبة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ إلا الزيادة؛ فإن محمد بن سليمان ليس
من رجاله؛ ولكنه ثقة، فزيادته صحيحة، وقد توبع عليها كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (4/252 و 255) قال: ثنا وكيع ... به مع الزيادة.
وأخرجه الترمذي في "الشمائل " (1/258) قال: حدثنا محمود بن غيلان:
أنبأنا وكيع ... به.
ورواه الطبراني (20/435) .
وتابعه على الزيادة: سفيان- وهو ابن عيينة- عن مسعر ... به.
أخرجه الطحاوي (2/333) بلفظ:(1/343)
قال: أخذ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شاربي على سواك.
ورواه للطبراني.
وتابعه عليها أبو عون الثقفي محمد بن عبيد الله عن المغيرة بن شعبة
بلفظ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلأ طويل للشارب، فدعا بسواك وشفرة، فوضع السواك
تحت الشارب، فقص عليه.
أخرجه الطيالسي (رقم 698) : حدثنا المسعودي قال: أخبرني أبو عون
الثقفي ... به.
وأخرجه البيهقي (1/150) من طريق الطيالسي، والطحاوي عن عبد الله بن
رجاء قال: ثنا المسعودي ... به.
وهذا إسناد صحيح؛ فإن المسعودي ثقة؛ إنما تكلموا فيه من أجل
حفظه.
وهذه الزيادة أوردها الغزالي في "الإحياء" (1/125) ؛ فقال الحافظ العراقي في
تخريجه:
"رواه أبو داود والنسائي والترمذي في "الشمائل " ... "! وقال المنذري
في "مختصره " (رقم 176) :
" وأخرجه الترمذي وابن ماجه "!
قلت: ولم أجده عندهما ولا عند النسائي! ولم يعزه النابلسي في "الذخائر"
إلا للمصنف؛ فلعله عند النسائي في "الكبرى".(1/344)
184- عن ابن عباس قال:
أكل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفاً، ثم مسح يده بِمِسْح كان تحته، ثم قام
فصلى.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان (1159)) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا سماك عن عكرمة عن ابن
عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ إلا أنهم تكلموا في رواية
سماك عن عكرمة؛ فذكروا أنها مضطربة، لكنهم استثنوا من ذلك رواية سفيان
وشعبة عن سماك عن عكرمة، فصححوها، كما سبق بيانه في الكلام على هذا
الإسناد نفسه لحديث أخر (رقم 61) .
فهذا الحديث من صحيح حديثه؛ لأنه قد رواه سفيان أيضا عنه كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا (1/178) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي
شيبة: ثنا أبو الأحوص ... به.
وأخرجه أحمد (1/326) قال: ثنا عبد الله بن الوليد: ثنا سفيان عن
سماك ... به؛ بلفظ:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ للصلاة؛ فقال له بعض نسائه: اجلس فإن القدر قد
نضجت، فناولته كتفآ، فأكل، ثم مسح يده، فصلى ولم يتوضأ.
وهذا إسناد صحيح، وعبد الله بن الوليد: هو أبو محمد المكه المعروف
بالعدني؛ وهو صدوق ربما أخطأ، كما قال الحافظ في "التقريب ".
وقد تابعه أيوب عن عكرمة ... به مختصراً؛ ولفظه:(1/345)
انتهس عرقاً، ثم صلى ولم يتوضأً.
أخرجه أحمد (1/273) قال: حدثنا حسين: ثنا جرير عن أيوب ... به.
وهذا سند صحيح أيضا، وهو على شرط البخاري، وحسين: هو ابن محمد بن
بَهْرام أبو أحمد المؤذب المروزي.
وجرير: هو ابن حازم.
وكذلك رواه زهير عن سماك بن حرب عن عكرمة ... به مختصراً.
أخرجه أحمد أيضا (1/267) .
185- عن ابن عباس:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَسَ من كتفٍ، ثم صلى ولم يتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري) .
إسناده: حدثنا حفص بن عمر النَّمَرِيُ: ثنا همام عن قتادة عن يحيى بن
يَعْمَر عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (1/361) : ثنا بهز: ثنا همام ... به.
186- عن جابر بن عبد الله قال:
قَرّبتُ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبزاً ولحماً؛ فأكل، ثم دعا بوَضُوء فتوضأ، ثم صلى
الظهر، ثم دعا بفضل طعامه؛ فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ.(1/346)
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان) .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي: ثنا حجاج: قال ابن جويج:
أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير إبراهيم بن الحسن الخثعمي،
وهو ثقة، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (3/322) : ثنا عبد الرزاق: أنا ابن جريج. ومحمد
ابن بكر: أخبرني ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر ... به أتم منه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن حبان (221- موارد) .
وأخرجه الترمذي (1/116- 117) عن سفيان بن عيينة قال: ثنا عبد الله بن
محمد بن عقيل: سمع جابراً. قال سفيان: وحدثا محمد بن المنكدر عن
جابر ... به أتم منه. مع بعض مغايرة في اللفظ والمعنى.
وهو في "المسند" (3/307) عن سفيان ... به نحوه مختصراً.
وكذلك رواه في مكان آخر (3/381) من طريق ابن عقيل، وكذلك أخرجه
ابن ماجه (1/178- 179) من طريق سفيان عن محمد بن المنكدر وعمرو بن
دينار وعبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر ... به.
وتابعه- عن ابن المنكدر-: علي بن زيد: عند أحمد (3/304) .
وقد رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن محمد بن عقيل ... به، وهو أتم
الروايات جميعها وأكملها.(1/347)
أخرجه أحمد (3/374- 375) ؛ وإسناده حسن.
ونحوه رواية زائدة عن ابن عقيل: أخرجه الطيالسي (رقم 1670) .
وأخرجه ابن حبان (220) من طريق معمر عن ابن المنكدر؛ وفيه ذكر أبي بكر
وعمر.
ورواه أبو الزبير عن جابر ... مختصراً: أخرجه الطيالسي (رقم 1758) .
187- عن جابر أيضا قال:
كان آخرَ الأمرين من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تركُ الوضوء مما غيرت النار.
(قلت: إسناده صحيح، وكذ اقال النووي وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان
في "صحيحهما") (1) .
قال أبو داود: " هذا اختصار من الحديث الأول " (2) .
__________
(1) ورواه الحاكم في "علوم الحديث " (ص 85) ؛ واحتج به على نسخ الأحاديث الواردة
في الباب الأتي بعده.
(2) وبنحو هذا أعله أبو حاتم؛ كما ذكره ابنه في "العلل " (رقم 168 و 174) ! ورد ذلك
ابن حزم فقال (1/243) :
" وقد ادعى قهم أن هذا الحديث مختصر من الحديث الذي حدثنا ... "؛ ثم ساق
الحديث الأول، ثم قال:
" القطع بأن ذلك الحديث مختصر من هذا؛ قول بالظن؛ والظن أكذب الحديث، بل هما
حديثان كما وردا ".
وهذا هو للظاهر؛ فإن توهيم الرواه الثقات بدون دليل أو برهان لا يجوز، وقد أيد ما ذهب
إليه ابن حزم: المحقق أحمد محمد شاكر في تعليقه على "الترمذي " (1/121- 122) ، وأيد
ذلك ببعض النقول؛ فراجعه فإنه نفيس.(1/348)
(قلت: كذا قال! ورده ابن حزم؛ وجزم أنه حديث آخر مستقل عن الأول؛
وهو الظاهر) .
إسناده: حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي: ثنا علي بن عياش: ثنا
شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدرعن جابر.
وهذا إسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير موسى بن سهل أبي
عمران الرملي، وهو ثقة، وقد توبع.
والحديث أخرجه النسائي (1/40) ، ومن طريقه ابن حزم (1/243) ، وكذا
الحازمي (ص 32) ، والطحاوي (1/40) ، والطبراني في " الصغير" (ص 140) ،
والبيهقي (1/155) من طرق عن علي بن عياش ... به. وقال الطبراني:
" لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا شعيب ".
قلت: وهو ثقة اتفاقاً. وقال الخليلي:
" كان كاتب الزهري، وهو ثقة متفق عليه، حافظ، أثنى عليه الأئمه ".
ولذلك قال النووي (4/57) :
" حديث صحيح؛ رواه أبو داود والنسائي وغيرهم بأسا نيد صحيحة "!
كذا قال! وليس له- بهذا اللفظ- إلا إسناد واحد؛ فتنبه!
وكثيراً ما يطلق النووي رحمه الله مثل هذه العبارة على حديث وحيد الإسناد؛
فكن من ذلك على ذكْرٍ وبينة! وقال الحافظ في "التلخيص " (2/6) :
" رواه الأربعة وابن خزيمة وابن حبان "!
وقد سها في عزوه إياه للأربعة؛ فليس هو عند الترمذي وابن ماجه؛ وإنما لهما(1/349)
الحديث الذي قبله.
188- عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء قال:
لقد رأيتُني سابعَ سبعة أو سادسَ ستة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار
رجل؛ فمرَّ بلال فنادى بالصلاة، فخرجنا فمررنا برجل وبُرْمَتُهُ على النار؛
فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أطابت بُرْمَتُكَ؟ ".
قال: نعم بأبي أنت وأمي! فتناول منها بَضْعَةً فلم يزل يَعْلُكُها، حتى
أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه.
(قلت: إنما يصح من حديثه بلفظ: قال:
كنا يوماً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصُفَّةِ، فوُضِعَ لنا طعام؛ فأكلنا، فأقيمت
الصلاة، فصلينا ولم نتوضأ. أخرجه أحمد بسند صحيح) .
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْحِ: ثنا عبد الملك بن أبي كريمة- قال
ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين- قال: حدثني عبيد بن ثُمامة
المرادي قال: قدم علينا مصرَ عبد الله بن الحارث بن جَزْء من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فسمعته يحدث في مسجد مصر لمحال.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير عبيد بن ثمامة المرادي- ويقال: عتبة-؛ لم يرو
عنه غير ابن أبي كريمة هذا- كما في "الميزان "-، ولم يوثقه أحد؛ فهو مجهول.
والحديث سكت عليه المنذري في "مختصره " (رقم 181) !
ورواه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (300) بسند المؤلف.(1/350)
وله طريق أخرى باللفط المذكور آنفاً: عند أحمد (4/190) وإسناده هكذا: ثنا
هارون- قال ابنه عبد الله: وسمعته أنا من هارون- قال: ثنا عبد الله بن وهب قال:
أخبرني حيوة بن شريح قال: أخبرني عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن
جزء الزُّبَيْدِيّ.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عقبة بن مسلم، وهو
ثقة اتفاقاً.
وله إسنادان آخران عن عبد الله بن الحارث: رواهما ابن لهيعة عن خالد بن
أبي عمران وسليمان بن زياد الحضرمي عنه بلفظ:
" أكلنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شِواءً في المسجد، ثم أقيمت الصلاة، فضربنا
أيدينا في الحصى، ثم قمنا فصلينا ولم نتوضأ لما.
أخرجه أحمد (4/191) .
وأخرجه الطحاوي (1/40) من هذا الوجه، لكنه لم يذكر خالد بن أبي عمران
في الإسناد، وهو رواية لأحمد (4/190) .
وهذا إسناد صحيح في المتابعات.
ورواه ابن ماجه (2/310) مختصراً.
76- باب التشديد في ذلك
189- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" الوضوء مما أنضجت النار".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في(1/351)
"صحيحيهما")
إسناده: حدثنا مسدد: قال: ثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني أبو بكر بن
حفص عن الأغر عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فهو من رجال
البخاري، فهو على شرطه.
وأبو بكر بن حفص: اسمه عبد الله.
والأغر: اسمه سلمان أبو عبد الله.
والحديث أخرجه أحمد (2/458) : ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة ... به.
وهذا على شرطهما.
وأخرجه مسلم (11/87) ، وأبو عوانة (1/268- 269) ، والطحاوي (1/38) ،
والبيهقي، والحا زمي، والطيالسي (رقم 2376) ، وأحمد أيضا (2/265 و 271
و427 و 470 و 479) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن قارظ:
أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على السجد، فقال: إنما أتوضأ من أثْوارِ آقِط أكلتها؛
لأني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" توضأوا مما مست النار ".
وأخرجه الترمذي (1/114- 115) ، وابن ماجه (1/178) ، والطحاوي،
وأحمد (2/503) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي
هريرة ... به نحوه؛ وزاد الأولان:
قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريره! أنتوضأ من الدهن؟! أنتوضأ من
الحميم؟! قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا سمعت حديثاً عن رسول الله(1/352)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/فلا تضرب له مثلاً.
وهذا إسناد حسن.
وهو عند الطحاوي من طريق الزهري عن أبي سلمة ... به. وإسناده صحيح.
وللحديث شواهد كثيرة جداٌ، استوعب أكثرَها النسائي والطحاوي.
ومنها عن زيد بن ثابت: عند مسلم وأبو عوانة.
190- عن أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة:
أنه دخل على أم حبيبة، فسقته قدحاً من سَوِيق، فدعا بماء
فمضمض، قالت:
يا ابن أُختي! ألا توضأ؟ إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" توضأوا مما غيَّرت النار- أو قال: مما مَسَّتِ النار"
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي
سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي سفيان هذا، فقال الذهبي:
" ما روى عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن ".
قلت: ومع ذلك؛ وثقه ابن حبان على قاعدته! لكن الحديث صحيح بما قبله.
والحديث أخرجه أحمد (6/326) : ثنا يونس: ثنا أبان- يعني: ابن يزيد
العطار- ... به.(1/353)
وأخرجه الطحاوي (1/38) من طريق حرب بن شداد عن يحيي بن أبي كثير
قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ... به.
(تنبيه) : في بعض النسخ عقب الحديث زيادة: " قال أبو داود: في حديث
الزهري: يا ابن أخي! ".
قلت: أخرجه أحمد (6/327- 328) من طريق معمر عن للزهري عن أبي
سلمة ... به.
والطيالسي (رقم 1592) من طريق زمعة عن الزهري.
وخالفهما بكر بن سَوَادة، فرواه عن الزهري بلفظ: يا ابن أخني! أخرجه
النسائي (1/40) ، والطحاوي.
ثم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب ... فذكر مثله
بإسناده.
فقد اختلف على الزهري في هذه اللفظة، وكذلك اختلف فيها على يحيى بن
أبي كثير، ففي رواية المصنف: يا ابن أختي!
وفي رواية أحمد والطحاوي المتقدمة: يا ابن أخي!
وخالف هؤلاء كلهم: ابنُ إسحاق؛ فقال عن الزهري: آيْ بنَي!
77- باب في الوضوء من اللين
191- عن ابن عباس:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً، فدعا بماء فتمضمض ثم قال:(1/354)
" إن له دسماً ".
(قلت: إسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا ابن حبان
(1155) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح "، وقد رووه- إلا أبا عوانة- بإسناد المصنف) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن عُقَيْل عن الزهري عن عبيد الله
ابن عبد الله عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي كلهم عن قتيبة ... به. وقال
الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه الشيخان أيضا وأبو عوانة وابن ماجه والبيهقي من طرق أخرى عن
الزهري ... به نحوه.
78- باب الرخصة في ذلك
192- عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً؛ فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال الحافظ، وقوّاه ابن شاهين) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحُبَاب عن مُطيع بن راشد
عن تَوْبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك. قال زيد: دَئَتي شعبة على هذا الشيخ.(1/355)
قلت: يعني: مطيع بن راشد هذا. وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب ":
" قلت: وقال أبو داود: أثنى عليه شعبة ". قال في "عون المعبود":
" فدلالة شعبة لزيد على مطيع بن راشد لأخذ الحديث منه؛ تدل على أن
شعبة كان حسن الرأي في مطيع بن راشد؛ وإلا لم يدل على من كان مستور الحال
أو ضعيفاً عنده. قال السيوطي: قال الشيخ ولي الدين: ومطيع بصري. قال
الذهبي: إنه لا يعرف. لكن قال زيد بن الحباب: إن شعبة دله عليه؛ وشعبة لا
يروي إلا عن ثقة؛ فلا يدل إلا على ئقة، وهذا هو المقتضي لسكوت أبي داود
عليه.انتهى".
قلت: ويؤيد ذلك ما نقلناه آنفاً عن "التهذيب " من ئناء شعبة عليه. ولذلك
سكت المنذري عليه في "مختصره " (رقم 185) . وقال الحافظ في "الفتح "
(1/250) :
" إسناده حسن ". والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما سائر رواة الإسناد؛ فثقات مشهورون من رجال الشيخين.
وقد قوّاه ابن شاهين؛ حيث قال الحافظ:
" وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخالحديث ابن عباس (يعني:
الذي في الباب قبله) ؛ ولم يذكر من قال فيه بالوجوب؛ حتى يحتاج إلى دعوى
النسخ ".
قلت: ولولا أن ابن شاهين يرى أن الحديث قوي ثابت؛ لما ادعى أنه ناسخ؛
وهذا بَينٌ لا يخفى!(1/356)
79- باب الوضوء من الدم
193- عن جابر قال:
خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ يعني: في غزوة ذات الرقَاع، فأصاب
رجلٌ امرأةَ رَجل هن المشركين؛ فحلف أن: لا أنتهي حتى أهريق دماً في
أصحاب محمد، فخرج يتَّبع أثر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنزل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منزلاً؛
فقال:
" من رجل يكلأُنا؟ "، فانتدب رجل هن المهاجرين ورجل من الأنصار
فقال:
" كونا بِفَمِ الشعبِ ".
قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعْب؛ اضطجع المهاجر فيُ وقام
الأنصاري يصلي، وأتى الرجل؛ فلما رأى شخصه عرف أنه رَليئَةٌ للقوم،
فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه؛ حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد،
ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نَذرُوا به هرب، فلما رأى المهاجريُ ما
بالأنصاري هن الدماء قال: سبحان الله! ألا أنهتني أول ما رمى؟! قال:
كنت في سورة أقرأها؛ قلم أحب أن اقطعها.
(قلت: إسناده حسن، وكذ اقال النويي، وصححه ابن خريمة وابن حبان
(1093) والحاكم، ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع فال: ثنا ابن المبارك عن محمد بن
إسحاق قال: حدثني صدقة بن يسار عن عَقِيل بن جابر عن جابر.(1/357)
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عقيل بن جابر، فقال
الذهبي في " الميزان ":
" فيه جهالة؛ ما روى عنه سوى صدقة بن يسار "!
كذا قال! وقد قال الحافظ في "التهذيب ":
" وقد روى جابر البياضيُّ عن ثلاثة من ولد جابر عن جابر؛ فيحصل لنا راو
آخر- وإن كان ضعيفا عن عقيل مع صدقة؛ لأن جابراً له ثلاثة أولاد رووا
الحديث: هذا وعبد الرحمن ومحمد ".
وعقيل وثقه ابن حبان وغيره ممن صحح حديثه؛ كما يأتي.
والحديث قال النووي في "المجموع " (2/55) :
" رواه أبو داود بإسناد حسن، واحتج به أبو داود ".
قلت: ومن طريقه: أخرجه البيهقي (1/140) .
وأخرجه الإمام أحمد (3/343- 344) قال: ثنا إبراهيم بن إسحاق: ثنا ابن
المبارك ... به أتم منه.
ثم أخرجه أحمد (3/359) : ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن إسحاق:
حدثني صدقة بن يسار ... به.
وأخرجه الدارقطني (ص 82- 83) ، والحاكم (11/56- 157) ، وعنه
البيهقي (9/150) من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق ... به. وقال الحاكم:
" هذا حديث صحيح الإسناد؛ فقد احتج مسلم بأحاديث محمد بن إسحاق.
فأما عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ فإنه أحسن حالأ من أخويه محمد(1/358)
وعبد الرحمن "! ووافقة الذهبي!
لكن ابن إسحاق لم يحتجَّ به مسلم، بل استشهد به في خمسة أحاديث،
كما قال الذهبي نفسه في "الميزان ".
والحديث ذكره البخاري في "صحيحه " تعليقاً (1/225) مختصراً؛ فقال الحافظ:
" وصله ابن إسحاق في "المغازي " قال: حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن
جابر عن أبيه مطولاً. وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن
حبان والحاكم؛ كلهمِ من طريق ابن إسحاق. وشيخه صدقة ثقة. وعقيل- بفتح
العين- لا أعرف راويآ عنه غير صدقة "!
قلت: قد عرف له الحافظ في "التهذيب " راويا ًآخر كما سبق، ثم قال:
" وأخرجه البيهقي في "الدلائل " من وجه آخر؛ وسمى الأنصاري المذكور:
عَباد بن بشر، والمهاجري: عمار بن ياسر، والسورة: الكهف ".
قلت: ولعل هذا الوجه هو من طريق أولاد جابر الثلاثة الذين ذكرهم الحاقظ
في كلامه السابق! وعليه؛ فالحديث يقوى به. والله أعلم.
ثم قلت: فيه عنده (3/378) : الواقدي؛ وهو متروك! فالعمدة على ما تقدم.
والله أعلم.
80 باب الوضوء من النوم
194- عن عبد الله بن عمر:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عنها ليلةً؛ فأخَّرها حتى رقدنا في المسجد،
ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا؛ فقال:(1/359)
" ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم ".
(قلت: اسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا عبد الرزاق: ثنا ابن جريج
قال: أخبرني نافع قال: ثتي عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في "مسند أحمد" (2/88) ... بهذا السند.
وهو في "الصحيحين "، و "أبي عوانة" (1/368) من طرق عن عبد الرزاق ...
وأخرجه أبو عوانة، والنسائي (1/93) من طريق منصور عن الحكم عن
نافع..- به نحوه؛ وكذلك رواه مسلم.
وأخرجه أحمد (2/126) من طريق فليح عن نافع، وزاد: وإنما حَبَسَنا لِوَفْد
جاءه.
وهوعلى شرطهما.
195- عن قتادة عن أنس قال:
كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق
رؤوسهم؛ ثم يصلون ولا يتوضأون.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحبهما". وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح "، والدارقطني ثم النووي: " صحيح ") .(1/360)
إسناده: حدثنا شَاذُ بن فَيَّاض قال: ثنا هشام الدسْتُوائي عن قتادة عن
أنس.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير شاذ بن فياض، وهو ثقة؛
وتكلم فيه بعضهم من قِبَلِ حفظه.
والحديث رواه المصنف أيضا في كتابه " مسائل الإمام أحمد"؛ فقال (ص
317) : حدثنا هلال بن فياض- وهو يعرف يشاذ- قال ... إلخ، وأخرجه البيهقي
(1/119) من طريق المؤلف.
وأخرجه الدارقطني (ص 48) من طريق وكيع: نا هشام الدستوائي ... به-
وقال:
"صحيح ".
ورواه مسلم وأبو عوانة والترمذي- وصححه- من طريق شعبة عن قتادة-..
نحو، ويأتي بعده.
ورواه الشافعي في "مسنده " (ص 3) : أخبرنا الثقة عن حميد عن أنس
بلفظ:
فينامون- أحسبه قال- قعوداً حتى تخفق ... إلخ قال الحاكم:
" أراد بالثقة: ابن عُلَية "؛ كذا في "التلخيص " (2/22) .
قلت: وقد أخرجه المصنف في "المسائل " (ص 318) عن إسماعيل- وهو ابن
علية-؛ إلا أنه لم يَسُق لفظه، ولكنه أحال على الحديث الأني (رقم 197) .
قلت: فهو إسناد آخر صحيح، والأوإل صححه النووي أيضا (2/13) .(1/361)
196- قال أبو داود: " زاد فيه شعبة عن قتادة: فال: كنا نخفق على
عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: وصله المصنف في كتابه "مسائل الامام أحمد" بسند صحيح على
شرط الشيخين) .
إسناده: ذكره معلقاً كما ترى؛ وقد وصله المؤلف في "المسائل " (ص 317)
فقال: حدثنا ابن بشار قال: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة ... به، ولفظه:
كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينامون، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون على عهد
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وبهذا الإسناد: أخرجه الترمذي (1/113) بهذا اللفظ تماماً؛ دون قوله: على
عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وكذلك رواه أحمد (3/277) : ثنا يحيى بن سعيد ... به.
وكذلك أخرجه مسلم (1/196) ، وأبو عوانة (1/266) ، من طريق خالد بن
الحارث وأبي عامر العقدي قالا: ثنا شعبة ... به، دون الزيادة، وزاد خالد في
آخره: قال: قلت: سمعته من أنس؟ قال: إي والله.
لكن أخرجه البيهقي من طريق تمتام: ثنا محمد بن يشار ... به مثل رواية
المصنف في "المسائل ".
وتمتام؛ هذا لقبه، واسمه: محمد بن غالب بن حرب أبو جعفر الضبي، له(1/362)
ترجمة في "تاريخ بغداد" (3/143- 145) ، وفي "اللسان " (5/337- 338) ،
وقال الخطيب:
" وكان كثير الحديث صدوقاً حافظاً ".
فالحديث إذن محفوظ بهذه الزيادة.
وفيه زيادة أخرى، رواها قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد السلام الخُشَنِيَّ:
ثنا محمد بن يشار ... به، ولفظه:
كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينتظرون الصلاة، فيضعون جنوبهم؛ فمنهم من ينام
ثم يقوم بلى الصلاة.
ذكره في "نصب الراية " (1/47) ، وفي " التلخيص ".
وقد رواه ابن حزم (1/224) بإسناده عن قاسم.
وقد تابعه عبد الأعلى عن شعبة ... به: رواه البزار والخلال. وقال ابن
القطان:
" هذا صحيح ". وقال الحافظ في "الفتح " (1/251) :
" إسناده صحيح ".
قلت: وكذلك رواه عبد الأعلى عن ابن أبي عروبة؛ كما يأتي في الذي
بعده، وهو:
197- قال أبو داود: " ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ... بلفظ اخر ".
(قلت: وصله المصنف في "المسائل "، وإسناده صحيح على شرط
الشيخين، ولفظه:(1/363)
كان اصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُو جنوبهم فينامون، فمنهم من يتوضأ،
ومنهم من لا يتوضأ.
ورواه شعبة أيضا عن قتادة بهذا اللفظ، وصححه ابن القطان والحافظ) .
إسناده: هو معلق كما ترى، وقد وصله المؤلف في "المسائل " (ص 318)
فقال: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس قال:
كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضعون جنوبهم فينامون؛ فمنهم من يتوضأ، ومنهم
من لا يتوضأ.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
وقد تابعه شعبة عن قتادة في بعض الروايات عنه كما ذكرنا في الذي قبله.
وابن المثنى: هو محمد.
وقد رواه معمر أيصاً عن قتادة ... به، ولفظه:
لقد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوقَظُون للصلاة، حتى إني لأسمع
لأحدهم غطيطاً، ثم يصلون ولا يتوضأون.
أخرجه الدارقطني (ص 48) ، والبيهقي (1/120) ، من طريق محمد بن
حُمَيد: نا ابن المبارك: أنا معمر.
ورجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن حميد- وهو الرازي- وهو ضعيف؛ لكن
قال أحمد:
" حديثه عن ابن المبارك وجرير صحيح "!
وهذا من حديثه عن ابن المبارك؛ فهو عند أحمد صحيح.. والله أعلم.(1/364)
(تنبيه) : وقع للحافظ ابن حجر وهمان في هذا الحديث؛ فقد عزا في
"التلخيص " (2/22) هذه الرواية- أو هذا اللفظ- للترمذي!
وليس كذلك، فلم يروه غير من ذكرنا.
وذكر أن رواية تمتام عند البيهقي ليس فيها: يضعون جنوبهم!
وهو وهم؛ فإنها ثابتة عنده، كما سبق أن ذكرنا في الرواية الثانية (رقم 196) .
وقلّده على الوهم الأول: الصنعاني (1/81) ، وكذا الشوكاني (1/169) .
وأما الوهم الآخر؛ ففي نقل الشوكاني ما يفيد أن الخظأ مطبعي؛ حيث قال:
" وأخرجه بتلك الزيادة البيهقي والبزار والخلال ".
وهو إنما نقل كلام الحافظ دون أن ينسبه إليه؛ كما هي عادته، فلست أدري
هل هو تصرف منه حين رأى خطأ الحافظ، أم أنه نقل من نسخة صحيحة؟ فمن
كان عنده علم بذلك؛ فليبده ونحن له من الشاكرين.
(فائدة) : قال المصنف في "المسائل " (ص 317) :
" سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اختلف شعبة وسعيد وهشام في
حديث أنس: كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون في
اللفظ-؛ وكلهم ثقات ... د. ثم ساق روايتهم على ما سبق.
وهو يدل على أن أحمد يرى صحتها جميعاً؛ وهو الصواب؛ ويدل مجموعها
على أنهم كانوا ينامون مضطجعين ثم يصلون دون أن يجددوا الوضوء.
وعليه؛ فلا يجوز الاحتجاج بهذا الحديث على أن نوم الجالس لا ينقض كما
هو ظاهر؛ لأنه ورد في (المضطجع) .(1/365)
198- عن ثابت البُناني: أن أنس بن مالك قال:
أقيمت صلاة العشاء، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجةً،
فقام يناجيه حتى نَعَسَ القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم.. ولم يذكر
وُضوءاً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في
"صحيحهما") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: ثنا حماد بن سلمة
عن ثابت البناني.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وداود بن شبيب من رجال البخاري؛
لكنه مقرون مع من هو من رجالهما.
والحديث أخرجه المصنف في "المسائل " (ص 318) ... بهذا الإسناد،
وأخرجه البيهقي (1/120) من طريق المصنف.
وأخرجه مسلم (2/196) ، وأبو عوانة (2/266) ، وأحمد (3/160 و 268)
من طرق أخرى عن حماد ... به، وليس عند مسلم: ولم يذكر وضوءاً.
وتابعه الزهري عن ثابت بلفظ:
كانت الصلاة تقام، فيكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجلُ في حاجة تكون له، فيقوم بينه
وبين القبلة، فما يزال قائماً يكلمه، فربما رأيت بعض القوم لَيَنْعَسُ من طول قيام
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له.
أخرجه أحمد (3/161) : ثنا عبد للرزاق: أنا معمر عن الزهرى.(1/366)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ورواه الترمذي (518) عن عبد الرزاق ... به؛ إلا أنه لم يذكر الزهري؛ وقال:
"حسن صحيح ".
وأخرجه البخاري (2/98) ، ومسلم وأبو عوانة، وأحمد (3/129- 130) من
طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس ... نحوه.
وكذلك أخرجه المصنف في "المسائل " (ص 318) .
ئم أخرجه هو، والبخاري، وأحمد (3/114 و 182 و 199 و 205 و 232) من
حديث حميد عن أنس ... نحوه.
ورواه جرير بن حازم عن ئابت ... به نحوه؛ ولكنه قال:
في صلاة الجمعة!
وهو وهم؛ كما يأتي بيانه في الكتاب الآخر (208) .
199- عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" وِكَاء ًالسهِ العينان؛ فمن نام فليتوضأ ".
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وحسنه المنذري وابن الصلاح) .
إسناده: حدثنا حيوة بن شُرَيح الحمصي- في آخرين- قالوا: ثنا بَقِية عن
الوَضِبنِ بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن
أبي طالب.
وهذا إسناد حسن؛ حيوة وبقية ثقتان تقدما؛ وإنما يخشى من بقية التدليس،(1/367)
وقد صرح بالتحديث في غير هذه الرواية كما يأتي.
والوضين بن عطاء مختلف فيه؛ وقد وثقه أحمد وابن معين ودُحَيم وغيرهم.
وقال الأجري عن المؤلف: إنه
" صالح الحديث ". وضعفه ابن سعد والجوزجاني وغيرهما. وقال ابن عدي:
" ما أرى بأحاديثه بأساً ".
قلت: فهو حسن الحديث على أقل الدرجات إذا لم يظهر خطأُه.
ومحفوظ بن علقمة وشيخه عبد الرحمن بن عائذ؛ وثقهما النسائي وابن
حبان، ووثق الأول ابن معين أيضا ودحيم وغيرهما.
والآخر قيل: إنه صحابي؛ لكن قال الحافظ في "التلخيص " (2/20) :
" وهو تابعي معروف عن علي، لكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. وفي هذا
النفي نظر؛ لأنه يروي عن عمر، كما جزم به البخاري ".
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/176) عن محمد بن المُصَفى الحمصي،
والدارقطني (ص 59) عن سليمان بن عمر الأقطع، والبيهقي (1/118) عن
أبي عتبة- وأسمه أحمد بن الفرج (1) -، وكذا الحاكم في "علوم الحديث " (ص
133) عن إبراهيم بن موسى الفراء، وأحمد (1/111/رقم 887) عن علي بن
بحر، كلهم عن بقية ... به. ثم قال الحاكم:
" هذا حديث مروي من غير وجه؛ لم يَذْكُر فيه: " فمن نام فليتوضأ " غير
إبراهيم بن موسى الرازي؛ وهو ثقة مأمون "!
__________
(1) وقد وهم المزي في "التهذيب " والحافظ في "التقريب "، وتبعهما الخزرجي في "التذهيب "؛
فأوردوه في "الكنى" فيمن تقدم اسمه، ولم يتقدم!! وهو في " تهذيب الحافظ "،و "" " الميزان ".(1/368)
كذا قال! وهذه الزيادة ثابتة من جميع الوجوه التي سقناها إلى بقية، وقد
صرح بالتحديث في رواية علي بن بحر، وهو ثقة اتفاقاً، وجعله بعضهم من أقران
أحمد في الفضل والصلاح؛ فزالت بذالك شيهة تدليسه. ولذلك قال النووي في
"المجموع " (2/13 و 18) :
" إسناده حسن "، وحسنه من قبلُ: المنذريّ وابن الصلاح، كما ذكره
الحافظ.
وأما قول الصنعاني (1/82) فيه:
"حسنه الترمذي "!
فما أراه إلا وهماً؛ لأنه لم يذكر ذلك أحد غيره، كالحافظ والزيلعي وغيرهما،
وليس الحديث في "سنن الترمذي ". والله أعلم.
وللحديث شاهد من حديث معاوية، سوف نتكلم عليه إن شاء الله في
"صحيح الدارمي"، وقد قال أحمد:
" حديث علي أثبت من حديث معاوية في هذا الباب ".
81- باب في الرجل يطأ الأذى
200- عن عبد الله [هو ابن مسعود] قال:
كنا لا نتوضأ من مَوْطِئ؛ ولا نكفُّ شعراً ولا ثوباً.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما، وكذلك صححه الحاكم ووافقه
الذهبي) .
إسناده: حدثنا هَناد بن السَرِي وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية. (ح)(1/369)
وثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثني شريك وجرير وابن إدريس عن الأعمش عن
شقيق قال: قال عبد الله.
قال أبو داود: قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن
مسروق- أو حدثه عنه- قال: قال عبد الله. وقال هناد: عن شقيق- أو حدثه
عنه-[قال: قال عبد الله] .
ومقصود المؤلف من ذلك بيان اختلاف وقع فيه على أبي معاوية:
فابنه إبراهيم يرويه عنه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عبد الله؛
فأدخل بين شقيق وعبد الله: مسروقاً.
وخالفه هناد؛ فأسقطه من بينهما موافقاً في ذلك ابن أبي شيبة.
ثم اتفقا- أعني: إبراهيم وهناداً- في الشك في التحديث بدل العنعنة لكنهما
اختلفا في محله:
فإبراهيم جعله في رواية شقيق عن مسروق؛ أي: هل قال شقيق: حدثني
مسروق، أم قال: عن مسروق؟!
وهناد جعله في رواية الأعمش عن شقيق.
هذا هو الظاهر مما ذكره المصنف رحمه الله؛ وقد فهم صاحب "العون " خلاف ما
بينا من تعيين مكان الشك!
وهو خطأً واضح لاحاجة لبيانه؛ فنكتفي بالإشارة إليه، فمن شاء التحقق؛
فليراجعه بنفسه، ثم ليقابله بما ذكرنا؛ يتبين له صواب ما ذهبنا إليه.
وقد تابع هناداً: محمد بن حماد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق- أو
حدثه عنه-.(1/370)
أخرجه البيهقي (1/139) من طريق الحاكم، وهو في "المستدرك " (1/139)
والصواب رواية ابن أبي شيبة؛ لأنه لا اضطراب فيها، ولأن أبا معاوية قد
وافقه عليها: في رواية أحمد بن مَنِيع وأحمد بن عبد الجبار كلاهما عن أبي
معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله.
أخرجه الحاكم (1/139 و 171) .
وقد تابعه على الصواب: سفيان بن عيينة عن الأعمش ... به.
أخرجه الحاكم، وعنه البيهقي.
فالحديث صحيح على شرط الشيخين؛ وكذلك صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف.
وأخرجه الحاكم من طريق موسى بن إسحاق الأنصاري: ثنا أبو بكر بن أبي
شيبة: ثنا شريك وجرير عن الأعمش ... به.
ثم أخرجه، هو وابن ماجه (1/323) من طريقين آخربن عن عبد الله بن
إدريس ... به؛ ولفظ ابن ماجه: قال: أمرنا أن لا نكف شعراً ولا ثوباً، ولا نتوضأ
من موطئ.
ورواه الترمذي (1/267) تعليقاً؛ بلفظ: قال:
كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نتوضأ من المَوْطَأ.
قلت: وهذا لفظ ابن عيينة عند الحاكم والبيهقي.
(تنبيه) : بعض أسانيد هذا الحديث عند الحاكم: من طريق عبد الله بن أحمد
ابن حنبل، وليس الحديث في "مسند أبيه " ولا في "زوائده " عليه!(1/371)
82- باب من يُحدِثُ في الصلاة
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
83- باب في المذي
201- عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
كنت رجلاً مَذَّاءً؛ فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك
للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو ذُكِرَ له-؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا تفعل؛ إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة،
فإذا فَضَخْت الماء فاغتسل ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه النووي. وأخرجه ابن خزيمة في
"صحيحه "، وهو في "صحيح البخاري " و "مسلم " و "أبي عوانة"؛ دون قوله:
" فاذا فضخت ... " إلخ) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا عَبِيدَةُ بن حمَيْد الحَذأء عن الركَيْنَ بن
الربيع عن حصَيْنِ بن قَبِيصةَ عن علي رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال "الصحيح "؛ غير حصين بن قبيصة؛ وهو
ثقة بلا خلاف.
والحديث أخرجه البيهقي (1/169) من طريق المؤلف.
وأحمد (1/109/رقم 868) : حدثنا عبيدة بن حميد التيمي أبو عبد الرحمن:
حدثني ركين ... به.(1/372)
وأخرجه النسائي (1/41) عن قتيبة وعلي بن حجْرٍ معاً.
وتابعه زائدة عن الركين: أخرجه الطيالسي (رقم 145) : حدثنا زائدة ... به،
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (1/167) .
وأخرجه الطحاوي (1/28) ، وأحمد (رقم 1028 و 1029) من طرق أخرى
عن زائدة.
وكذا أخرجه النسائي.
وتابعه أيضا سفيان وشريك عن ركين: أخرجه أحمد (رقم 1028 و 1238) ؛
ولفظ شريك:
كنت رجلاً مَذاءً؛ فاستحييت أن أسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أجل ابنته،
فأمرت المقداد، فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد المزي؟ فقال:
" ذلك ماء الفحل، ولكل فحل ماء، فليغسل ذكره وأنثييه، وليتوضأ وضوءه
للصلاة".
فزاد فيه: "وأنثييه "! وهو سيئ الحفظ؛ لكنه قد توبع عليه من طريق أخرى
يأتي بعد هذا بحديث.
وله شاهد من حديث عبد الله بن سعد الأنصاري وهو الأتي (رقم 206) .
والحديث أخرجه البخاري (1/185 و 227 و 302) ، ومسلم (1/169-
175) ، وأبو عوانة (1/272- 273) ، والنسائي (1/36- 37 و 75) ، وابن ماجه
(1/182- 183) ، والطحاوي، والبيهقي (115) ، والترمذي أيضا (1/193) ،
والطيالسي (رقم 144) ، وأحمد (رقم 618 و 662 و 847 و 856 و 890 و 977
و1026 و 1071 و 1182) ، وابنه عبد الله في "زوائده " (رقم 606 و 811 و 823(1/373)
و 893) ، وابن حزم في "المحلى" (1/106- 107) من طرق أخرى كثيرة عن
علي ... به دون قوله:
" فإذا فضخت ... إلخ ".
وفي رواية لأحمد: " فقال: "إذا خذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن
خاذفاً فلا تغتسل ".
وسنده حسن أو صحيح.
(فائدة) : في حديث الباب عند أحمد زيادة: في الشتاء- بعد قوله: فجعلت
أغتسل-.
وكذلك رواه ابن خزيمة- كما في "الفتح " (1/302) -، وصححه النووي في
"المجموع " (2/143) .
252- عن المقداد بن الأسود:
أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أمره أن يسأل رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي؛ ماذا عليه؟ فإن عندي
ابنته، وأنا أستَحيْي أن أسأله!
قال المقداد: فسألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟ فقال:
" إذا وجد أحدكم ذلك؛ فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة ".
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه (1098))
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن
يسار عن المقداد بن الأسود.(1/374)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأبو النضر: هو سالم المدني.
وقد اختلف في سماع سليمان بن يسار عن المقداد، كما يأتي.
والحديث في "الموطأ" (1/62- 63) ... بهذا الإسناد.
وعنه: أخرجه محمد في "موطئه " (ص 65) ، وكذا الشافعي في "مسنده "
(ص 4) ، والنسائي (1/37 و 75) ، وابن ماجه (1/182) ، والبيهقي (1/115) ،
وأحمد (6/4- 5) ، وابن حزم (1/106) كلهم عن مالك.... به. قال المنذري
في "مختصره":
" وقال الشافعي: حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل، لا نعلمه سمع
منه شيئاً. قال البيهقي: هو كما قال ". وقال ابن عبد البر:
" هذا إسناد ليس بمتصل؛ لأن سليمان بن يسارلم يسمع من المقداد ولا من
علي، ولم ير واحداً منهما؛ فإنه ولد سنة أربع وثلاثين؛ ولا خلاف أن المقداد توفي
سنة ثلاث وثلاثين ". قال:
" وبين سليمان وعلي في هذا الحديث: ابن عباس؛ أخرجه مسلم والنسائي ".
وخالفهما ابن حبان؛ فإنه قال الحافط في ترجمة سليمان بن يسار من
" التهذيب ":
" قال ابن حبان: وكان مولده سنة (24) . وأخرج في "صحيحه " حديثه عن
المقداد؛ وقال: قد سمع سليمان من المقداد وهو ابن دون عشر سنين. وقال
البيهقي: ولد سليمان سنة (27) أو بعدها؛ فحديثه عن المقداد مرسل. قاله
الشافعي وغيره ".
قلت: فقد اختلفوا في سنة ولادة ابن يسار؛ فإذا صح ماذكره ابن حبان؛(1/375)
فيكون قد أدرك المقداد. ومن الممكن حينئذ أن يكون قد سمع منه! وقد جزم ابن
حبان بسماعه منه! ولا أدري أذلك منه لمجرد المعاصرة؛ أم لشيء زائد على ذلك
وقف هو عليه؟! فالله أعلم.
وعلى كل حال؛ قالحديث صحيح؛ لأنه قد جاء موصولاً- كما سبق عن ابن
عبد البر-: أخرجه مسلم (1/170) ، وأبو عوانة (1/273) ، والنسائي والبيهقي،
وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (رقم 823) من طريق مَخْرمة بن بُكَير عن
أبيه عن سليمان بن يسارعن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب:
أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأله عن المذي ... الحديث
نحوه.
وتابعه الليث بن سعد عن بكير بن الأشح عن سليمان: عند النسائي؛ لكنه
أسقط: (ابن عباس) من الإسناد.
203- عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد ... وذكر نحو
هذا، قال: فسأله المقداد؟ فقال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليغسل ذكره وأُنثييه ".
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ وقد أعل بالأرسال
والانقطاع؛ ففي " التهذيب ":
" قال ابن أبي حاتم عن أبيه: عروة بن الزبير عن علي مرسل ".(1/376)
قال المحقق أحمد محمد شاكر في تعليقه على "المسند" (2/218) :
" وهذا نقل خطأ؛ فليس موجوداً في "المراسيل " لابن أبي حاتم (ص 55) ! ثم
هو في نفسه خطأ؛ لأن عروة ولد في خلافة عمر، وكان يوم الجمل ابن ثلاث
عشرة سنة. وفي "التهذيب " عن مسلم بن الحجاج في كتاب "التمييز": " حج
عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه فمن دونهما من الصحابة ". وهذا الثبت ".
قلت: أما كونه في نفسه خطأً؛ فهو الظاهر. وأما كون النقل خطأً؛ فغير ظاهر؛
لاحتمال وجوده في كتاب آخر لابن أبي حاتم؛ كـ"العلل " أو غيره مما لم يصل
إلينا.
ثم قال المصنف عقب الحديث:
" قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "!
قلت: ولم أجد هذه الرواية موصولةً! وهي عندي شاذة؛ لخالفتها لجميع
الروايات السابقة واللاحقة التي فيها أن المقداد هو الذي أرسله علي رضي الله عنه؛
فسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكيف يروي عن الذي أرسله؟!
ثم إن الحديث أخرجه الإمام أحمد (1035) قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن
هشام: أخبرني أبي:
أن علياً قال للمقداد: سل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يدنو من المرأة فيمذي؛
فإني أستحمِي منه؛ لأن ابنته عندي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يغسل ذكره وأئثييه ويتوضأ ".
ثم أخرجه أحمد (رقم 1009) : حدثنا وكيع: حدثنا هشام بن عروه عن أبيه(1/377)
قال: قال علي ... فذكره.
فقد اتفق زهير ويحيى بن سعيد ووكيع على رواية عن هشام عن أبيه عن
علي: أنه أرسل المقداد. وكذلك رواه غير عروة عن علي: في "الصحيحين "
وغيرهما.
وذلك كله يدل على شذوذ رواية سفيان ومن معه.
على أن سفيان قد رواه أيضا على الصواب، كما سيذكره المؤلف معلقاً.
204- عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حِدثه عن علي بن أبي
طالب قال: قلت للمقداد ... فذكر بمعناه.
(قلت: إسناد صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: ثنا أبي عن هشام بن عروة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مسلمة القعنبي- واسم
أبيه قعنب-؛ قال المصنف في رواية الأجري:
" كان له شأن وقدر ". وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال:
" مستقيم الحديث ".
قلت: وقد تابعه زهير ويحيى بن سعيد ووكيع؛ كما سبق.
ثم قال المصنف عقب الحديث: " قال أبو داود: رواه المُفَضل بن فَضَالة والثوري
وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي ".
قلت: لم أقف على رواية هؤلاء! والظاهر أنها مثل رواية زهير ومن معه ممن
ذكرنا فيما سلف. إلا أن صاحب "عون العبود" فهم منه أن المصنف يعني بذكره(1/378)
لهذه الرواية: أنها تدل على أن السائل هو علي!
قلت: وهذا محتمل، ولكنها لا تنفي ما استظهرناه؛ لأن الروايات السابقة
يصح أن يقال فيها أيضا: إنها عن علي رضي الله عنه؛ ولكنها عنه أنه أرسل
المقداد ... فيحتمل أن تكون هذه مثلها.
ويؤيده قول الصنف عقيها:
" ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... لم يدْكر: " أنثييه ".. "
فإنها لا تنفي أيضا أن يكون علي قد أرسل المقداد؛ بل هذا مما ثبت في هذه
الرواية نفسها؛ فقد وصلها أحمد (4/79 و 6/2) فقال: حدثنا يزيد بن هارون: أنا
محمد بن إسحاق ... به؛ بلفظ: قال:
قال لي علي: سل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يلاعب أهله؛ فيخرج منه المذي
من غير ماء الحياة؛ فلولا أن ابنته تحتي لساكته! فقلت: يا رسول الله! الرجل
يلاعب أهله ... إلخ.
وأما عدم ذكر ابن إسحاق: " أنثييه "؛ فليس ذلك بعلة، بعد أن اتفق جماعة
من الثقات الحفاظ على إثباتها في الحديث عن هشام بن عروة، كما أنها وردت من
الطريق الأولى عن علي (رقم 201) في بعض الروايات كما بينا هناك.
وقد وجدت له طريقين آخرين: أخرج أحدهما: أبو عوانة (1/273) من طريق
عَبِيدة السلماني عن علي بن أبي طالب قال:
كنت رجلاً مَذَّاءً ... الحديث وفيه: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يغسل أنثييه وذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة ".(1/379)
وإسناده صحيح.
وأما الطريق الأخرى؛ فستذكر عند الكلام على الحديث (رقم 206) .
205- عن سهل بن حُنَيْف قال:
كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أُكثر منه الاغتسال، فسألت رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟ فقال:
" إنما يجزئك من ذلك الوضوءُ ".
قلت: يا رسول الله! فكيف بما يُصيب ثوبي منه؟ قال:
" يكفيك بأن تأخذ كفّاً من ماء؛ فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه
أصابه ".
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه
ابن خزيمة وابن حبان (1100) في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل- يعني: ابن إبراهيم- قال: نا
محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عُبَيْدِ بن السباق عن أبيه عن سهل بن
حُنَيْف.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير اين إسحاق، وهو حسن
الحديث؛ وقد صرّح بالتحديث.
والحديث أخرجه أحمد (3/485) : قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ... به.
وأخرجه للبيهقي (2/410) من طريق المؤلف.(1/380)
وأخرجه الترمذي وابن ماجه، والطحاوي (1/28) ، وابن حزم (1/106-
107) من طرق عن ابن إسحاق ... به.
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " 0
ورواه ابن خزيمة يعني في "صحيحه "؛ كما في "الفتح، (1/302) .
206- عن عبد الله بن سعد الأنصاري قال:
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يوجب الغُسْلَ، وعن الماء يكون بعد الماء؟
فقال:
" ذلك المذي؛ وكلُّ فَحْل- يُمْذِي؛ فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك،
وتوضأ وضوءك للصلاة ".
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي.
وقد سقط من بعض الرواة- فيما يظهر- الجواب عما يوجب الغسل، ونصه
- كما في "سنن البيهقي "-:
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن الله لا يستحبي من الحق- وعائشة إلى جنبه-: فأمّا أنا؛ فإذا كان مني
وَطْءٌ جئت فتوضأت ئم اغتسلت ") .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: ثنا
معاوية- يعني: ابن صالح- عن العلاء بن الحارث عن حَرَامِ بن حكيم عن عَمه
عبد الله بن سعد الأنصاري.(1/381)
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير حرام بن حكيم؛
قال دحيم والعجلي:
" ثقة". وكذا قال الحافظ في "التقريب ".
وضعفه ابن حزم؛ فأخطأ! ويأتي كلامه في الذي بعده.
وكأن الحافظ اغتر به، فقال في "التلخيص " (1/117) :
" وفي إسناده ضعف "! وانظر كلامه الآتي في الرد على ابن حزم.
والحديث قال النووي في "المجموع " (2/145) :
" رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح ".
وكأنه سقط من بعض الرواة الجواب عن السؤال الأول؛ وقد أخرجه البيهقي
(2/411) كاملاً وأتم منه من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح: حدثني معاوية
ابن صالح ... به بلفظ:
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، وعن الصلاة
في بيتي، وعن الصلاة في المسجد، وعن مؤاكلة الحائض؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن الله لا يستحيي من الحق- وعائشة إلى جنبه-: فأما أنا؛ فإذا كان مني
وطء جئت فتوضأت ثم اغتسلت. وأما الماء يكون بعد الماء؛ فذلك المذي؛ وكل
فحل يمذي؛ فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة. وأما
الصلاة في المسجد والصلاة في بيتي؛ فقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد؛ فلأن
أصلي في بيتي أحب إلي من أصلي في المسجد؛ إلا أن يكون صلاة مكتوبة. وأما
مؤاكلة الحائض فواكلها ".
وأخرجه الإمام أحمد (4/342) : ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية- يعني(1/382)
ابن صالح- ... به نحوه.
وروى الترمذي (1/240) منه، وكذا ابن ماجه (1/224) مؤاكلة الحائض
فقط؛ وهو رواية لأحمد (4/242 و 5/293) . وقال الترمذي:
" حديث حسن ".
ثم أخرج هو في "الشمائل " (2/114- 115) ، وابن ماجه أيضا (1/416)
قطعة أخرى منه؛ وهي الصلاة في البيت. وقال البوصيري في "الزوائد":
" إسناده صحيح، ورجاله ثقات ".
وللحديث شاهد من حديث علي رضي الله عنه قال:
كنت أجد مذياً، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؛ واستحييت أن
أسأله؛ لأن ابنته عندي، فساكله؟ فقال:
" إن كل فحل يمذي؛ فإذا كان المني ففيه الغسل، وإذا كان المذي ففيه
الوضوء ".
أخرجه الطحاوي (1/28) من طريق محمد ابن الحنفية عنه.
وإسناده صحيح.
ورواه أحمد من طريق أخرى عنه؛ وزاد فيه: " وأنثييه "؛ وقد ذكرناه بتمامه
عند الكلام على حديثه في الكتاب (201) .
207- وفي رواية عنه:
أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما يَحِل لي من امرأني وهي حائض؟ قال:
" لك ما فوق الازار " ... وذكر مؤاكلة الحائض ... وساق الحديث.(1/383)
(قلت: إسناده صحيح. وروى الترمذي منه: سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مؤاكلة
الحائض؟ فقال: " وَاكِلْها لما. وقال: " حديث حسن ") .
إسناده: حدثنا هارون بن محمد بن بَكَّار: قال: ثنا مروان- يعني: ابن محمد-
قال: ثنا الهيثم بن حميد قال: ثنا العلاء بن الحارث عن حَرَام بن حكيم عن
عمه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وفي الهيثم بن حميد كلام لا يضر؛
وفي " التقريب " أنه:
" صدوق ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/312) من طريق المؤلف.
وأخرج الترمذي القَدْرَ المذكور في الأعلى، وكذا أخرجه ابن ماجه وأحمد،
كما سبق في الكلام على الذي قبله.
والحديث ضعفه ابن حزم بغير حجة، فقال (2/180- 181) :
" لا يصح؛ لأن حرام بن حكيم ضعيف، وهو الذي روى غسل الأنثيين من
المذي، وأيضا؛ فإن مروان بن محمد ضعيف "!!
قلت: حرام بن حكيم؛ وثقه دحيم والعجلي كما سبق فيما قبل. وقال
الحافظ في "التهذيب ":
" ونقل بعض الحفاظ عن الدارقطني أنه وثق حرام بن حكيم. وقد ضعفه ابن
حزم في "المحلى" بغير مستند. وقال عبد الحق عقب حديثه: لا يصح هذا. وقال
فما موضع آخر: ضعيف. فكأنه تبع ابن حزم! وأنكر عليه ذلك ابن القطان الفاسي
فقال: بل مجهول الحال. وليس كما قالوا: [بل هو] ثقة؛ كما قال العجلي وغيره ".(1/384)
وأما مروان بن محمد- وهو الطَاطَرِي-؛ فثقة أيضا، وثقه أبو حاتم وابن معين
وغيرهما. وقال الحافظ:
" وضعفه ابن حزم فأخظأ؛ لأنا لا نعلم له سلفاً في تضعيفه؛ إلا ابن قانع،
وقول ابن قانع غير مقنع ".
84- باب في الإكسال
208- عن أبي بن كعب:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة
الثياب، ثم أمر بالغُسْل ونهى عن ذلك.
قال أبو داود: " يعني: الماء من الماء ".
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ". ورواه ابن خزيمة وابن حبان (1170) في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو- يعني:
ابن الحارث- عن ابن شهاب قال: ثني بعض مَنْ أرضى: أن سهل بن سعد
الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير شيخ ابن شهاب الذي
فيه؛ فإنه لم يسمه؛ ولكنه قد رضيه الزهري، وما نظن أنه يرضيه غير ذي ثقة
وحفظ. ومع ذلك؛ فقد ساقه المولف- فيما بعد- من طريق أبي حازم عن سهل بن
سعد. ولذلك قال ابن خزيمة- كما في "التلخيص " (2/122) -:
" هذا الرجل الذي لم يسمّه الزهري: هو أبو حازم- ثم ساقه من طريقه؛ كما(1/385)
يأتي في الكتاب -؛ وقد وقع في رواية لابن خزيمة من طريق معمر عن الزهري:
أخبرني سهل ... فهذا يدفع قول من جزم بأنه لم يسمعه منه؛ لكن قال ابن
خزيمة: أهاب أن تكون هذه اللفظة غلطاً من محمد بن جعفر؛ الراوي له عن معمر.
قلت: أحاديث أهل البصرة عن معمر يقع فيها الوهم، لكن في "كتاب ابن
شاهين " من طريق مُعَلى بن منصور عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري: حدثني
سهل. وكذا أخرجه بقي بن مخلد في "مسنده " عن أبي كريب عن ابن المبارك.
وقال ابن حبان: يحتمل أن يكون الزهري سمعه من رجل عن سهل، ثم لقي
سهلاً فحدثه به، أو سمعه من سهل ثم ثبته فيه أبو حازم ".
والحديث أخرجه الترمذي (1/183- 184) ، والدارمي (1/194) ، وابن
ماجه (1/211- 212) ، والبيهقي (1/165) ، وأحمد (5/115- 116) من طرق
عن الزهري عن سهل بن سعد ... به. وهو- عند الترمذي والبيهقي ورواية
لأحمد- عن ابن المبارك عن يونس عنه. وعند ابن ماجه وأحمد أيضا من طريق
عثمان بن عمر: أنا يونس ... به.
وكذلك رواه ابن جريج وشعيب عن الزهري: قال سهل.
فيظهر أن من قال فيه: ثني سهل؛ فقد شذ. والله أعلم. ثم قال
الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ثم أخرجه أحمد من طريق رِشْدين: حدثني عمرو بن الحارث ... به مثل
رواية الكتاب.
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.(1/386)
209- وفي رواية عنه:
أن الفتيا التي كانوا يفتون: إن الماء من الماء؛ كانت رخصة رخصها
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في- بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعدُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال الاسماعيلي: " صحيح
على شرط البخاري "، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (1176) والبيهقي، وقال
الحافظ: " هو إسناد صالح لأن يحتج به "، وصححه الدارقطني أيضا وأبو حاتم
الرازي؛ حيث جعله ناسخالحديث أبي سعيد الخدري الأتي (رقم 211)) .
إسناده: حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي قال: ثتا مُبشر الحلبي عن
محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ثني أُبي بن كعب.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات أثبات من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه بهذا الإسناد: الدارمي (1/194) ، وابن خزيمة في
"صحيحه "- كما سبق في الذي قبله-، وابن حبان أيضا في "صحيحه "- كما في
" نصب الراية " (1/83) -.
وأخرجه البيهقي (1/166) من طريق المؤلف، ومن طريق موسى بن هارون:
ثنا محمد بن مهران الجمال ... به. وقال:
" إسناد صحيح موصول ". وقال الحافظ في "الفتح " (1/316) :
" صححه ابن خزيمة وابن حبان. وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط
البخاري. كذا قال؛ وكأنه لم يطلع على علته، فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه
من سهل. نعم؛ أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضا من طريق أبي حازم عن سهل،
ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم. وفي الجملة؛ هو إسناد صالح(1/387)
لأن يحتج به ".
قلت: وممن صححه أيضا: الدارقطني، فقال بعد أن أخرجه (ص 46) من
الطريقين عن محمد بن مهران-:
"صحيح ".
والعلة التي أشار إليها الحافظ؛ لعلها قول ابن أبي حاتم في "العلل " (1/41/
رقم 86) :
" سمحت أبي قال: ذكرت لأبي عبد الرحمن الحبلي ابن أخي الإمام- وكان
يفهم الحديث- فقلت له: تعرف هذا الحديث [قلت: فذكره بإسناد المصنف] ؟
فقال لي: قد دخل لصاحبك حديث في حديث؛ ما نعرف لهذا الحديث أصلاً " إ!
وهذا توهيم للثقات بدون حجة؛ فلا يقبل. ولذلك لم يجعلها الحافظ علة
قادحة، فصرح بأن الحديث صالح يحتج به؛ بل أرى أن أبا حاتم نفسه لم يرفع إليها
رأساً، فقد قال ابنه فيما بعد (رقم 114) :
" سمعت أبي وذكر الأحاديث المروية في: " الماء من الماء " فقال: هو منسوخ،
نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي بن كعب ".
فلو لم يكن الحديث عنده صحيحاً؛ لما جعله ناسخاً، وهذا واضح والحمد لله.
210- عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكلذا ابن حبان
(1175) ، وأبو عوانة في "صحاحهم "، وصححه عبد الحق في "الأحكام(1/388)
الكبرى " (رقم 415))
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: ثنا هشام وشعبة عن قتادة
عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث أخرجه البيهقي (1/163) من طريق عثمان بن سعيد: ثنا مسلم
ابن إبراهيم ... به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (رقم 2449) قال: حدثنا شعبة وهشام عن
قتادة ... به بلفظ:
" إذا قعد الرجل بين شعبها الأربع، ثم اجتهد؛ فقد وجب الغسل ". قال:
وزاد حماد بن سلمة في هذا الحديث:
" أنزل أو لم ينزل ".
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " والحازمي في "الاعتبار".
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم " والدارمي وابن ماجه والطحاوي
(1/34) ، والبيهقي من حديث هشام ... به.
وأخرجه مسلم وكذا البخاري تعليقاً والنسائي والطحاوي والبيهقي من حديث
شعبة ... به.
وكذلك أخرجه أبو عوانة، وصرح قتادة بسماعه من الحسن في رواية
النسائي، وكذا في رواية أخرى البخاري عن قتادة تعليقاً.
وأخرجه اًحمد (2/347) : ثنا عفان: ثنا همام وأبان قالا: حدثنا قتادة ...(1/389)
به، وزاد في آخره؟
" أنزل أو لم ينزل ".
وهي صحيحة على شرط الشيخين.
وهكذا أخرجه الطحاوي والبيهقي وابن أبي خيثمة أيضا في "تاديخه "- كما
في "الفتح " (1/314) - عن عفان. ورواه عنه الدارقطني في "سننه " (ص 42) ؛
لكنه لم يذكر أبان في الإسناد مع همام؛ وذكر الحافظ أنه صححه! وليس هذا في
النسخة المطبوعة في الهند من "السنن "!
وتابعه على هذه الزيادة: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة؛ ولفظه:
" إذا التقى الختان الختان؛ وجب الغسل؛ أنزل أو لم ينزل ": أخرجه
البيهقي.
وتابع قتادة عليها: مطرٌ - وهو ابن طَهَمان الورَاق- بلفظ: " وإن لم ينزل ".
أخرجه مسلم وأبو عوانة والدارقطني والبيهقي.
211- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري: ان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" الماء من الماء ". وكان أبو سلمة يفعل ذلك.
(قلت: إسناده صحيح؛ كما قال الحافظ، وهو على شرط البخاري.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان (1165) في "صحاحهم "
لكن قال أبو حاتم الرازي: " هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أُبي
ابن كعب "، وهو (رقم 208)) .(1/390)
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن
ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وهذا إساد صحيح على شرط البخاري؛ وفي أحمد بن صالح- وهو المصري-
كلام لا يضر؛ بل قأل الذهبي فيه:
" هو الحافط الثبت، أحد الأعلام، آذى النسائي نفسه بكلامه فيه ".
والحديث قال الحافط في "الفتح " (1/316) :
" إسناده صحيح ". وقال في "التلخيص " (2/113) :
" رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان ".
قلت: وأخرجه مسلم (1/186) ، والطحاوي (1/33) ، وأحمد (3/29) من
طرق عن عمرو بن الحارث ... به.
وله طريقان آخران:
الأول: أخرجه مسلم، وأبو عوانة (1/285- 286) عن شَريك بن أبي نَمِرٍ
عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال:
خرجت مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين إلى قُباء، حتى إذا كنا في بني سالم؛
وقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على باب عِتْبانَ فصرخ به، فخرج يجر إرْاره، فقال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أعجلنا الرجل! ".
فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يُعْجَلُ عن امرأته ولم يُمْنِ؛ ماذا
عليه؟ قأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(1/391)
" إنما الماء من الماء ".
وروى أحمد (3/36) الجملة الأخيرة منه.
الطريق الثاني؛ قال الطيالسي (رقم 2185) : حدثنا شعبة عن الحكم عن
ذكوان أبي صالح عن أبي سعيد الخدري:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه
يقطر فقال:
" لعلنا أعجلناك؟ ". قال: نعم يا رسول الله! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا أعجلت أو قحطت؛ فلا غُسْلَ عليك، وعليك الوضوء ".
وأخرجه البخاري (1/227) ، ومسلم وأبو عوانة وابن ماجه والطحاوي من
طرق عن شعبة.
ورواه الأعمش عن ذكوان ... به مختصراً، ولفظه:
" إذا عَجِلَ أحدكم أو أقحط؛ فلا يغتسلن ".
أخرجه أحمد (3/94) ؛ وإسناده صحيح على شرطهما.
قال ابن أبي حاتم في "العلل " (1/49/رقم 114) :
" سمعت أبي- وذكر الأحاديث المروية في: " الماء من الماء "؛ حديث هشام
ابن عروة- يعني: عن أبيه. زياد عن أبي أيوب عن أبي بن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وحديث شعبة عن الحكم عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
في: " الماء من الماء "؟ فقال: هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي
ابن كعب "(1/392)
قلت: حديث شعبة عن الحكم؛ ليس فيه قوله: " الماء من الماء "؛ وإنما هو في
الطريق الأولى عن أبي سعيد؛ وإنما في هذه معناه كما رأيت!
وحديث سهل بن سعد عن أُبي بن كعب؛ سبق في أول الباب (رقم 208) .
85- باب في الجنب يعود
212- عن حميد الطويل عن أنس:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه ذات يوم في غُسْل واحد.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه ") .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل قال: ثنا حميد الطويل.
وهذا سند صحيح على شرط البخاري.
لكن ذكر غير واحد من الأئمة أن حميداً كان يدلس عن أنس؛ قالوا: إنما
رواها عن ثابت عن أنس، واختلفوا هل سمع من أنس شيئاً أم لا؟!
والصواب الأول؛ فقد صرح حميد بسماعه من أنس يشيء كثير؛ وفىِ
"صحيح البخاري " من ذلك جملة، كما قال الحافظ في "التهذيب ".
وينتج من ذلك: أنه صحيح الحديث عن أنس على كل حال؛ سواءً صرح
بسماعه أو عنعن.
أما على الأول فواضح؛ لأنه ثقة اتفاقاً.
وأما على الثاني؛ فلأنه إن لم يكن سمعه من أنس؛ فقد سمعه من ثابت(1/393)
عنه، وثابت ثقة أيضا اتفاقاً. ولذلك قال الحافظ أبو سعيد العلائي:
" فعلى تقدير أن تكون أحاديث حميد مدلسة؛ فقد تبين الواسطة فيها؛ وهو
ثقة محتج به ".
وقد صح من حديث ثابت، كما نذكره قريباً.
والحديث أخرجه أحمد (3/189) : ثنا إسماعيل ... به.
وأخرجه للنسائي (1/51- 52) ، والبيهقي (1/204) من طرق أخرى عن
إسماعيل ... به.
وقد تابعه هشيم عن حميد.
اْخرجه أحمد (3/99) ، والطحاوي (1/77) .
وقد رواه ثابت عن أنس.
أخرجه أحمد (3/111) - عن معمر-، وهو (3/135 و 160 و 252) ،
والطحاوي- عن حماد- كلاهما عن ثابت ... به.
(تنبيه) : فوله: (ذات يوم) ليست في بعض النسخ، ولا في " مختصر
المنذري "؛ وهي ثابتة في نسخة "العون ".
213- قال أبو داود: " وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ".
(قلت: وصله مسلم في "صحيحه" بلفظ:
كان يطوف على نسائه بِغُسْل واحد.
ورواه أبو عوانة في "صحيحه " أيضا) .(1/394)
إسناده: هو معلق كما ترى؛ وقد وصله مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"،
والبيهقي، وأحمد (3/225) من طريق شعبة عن هشام بن زيد.
وكذا أخرجه الطحاوي.
214- قال: " ومعمر عن قتادة عن أنس ".
(قلت: وصله أحمد بلفظ:
كان يُطِيفُ على نسائه في غسل واحد.
وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهو في "صحيح البخاري " من طريق
سعيد- وهو ابن أبي عروبة- عن قتادة ... به، ولفظه:
كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. وقال
الترمذي عن طريق معمر: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: هو معلق أيضا؛ وقد وصله الترمذي (1/259) ، وابن ماجه
(1/206) ، وكذا النسائي، وأحمد (3/161، 185) من طرق عن معمر ... به.
وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وقد تابعه سعيد- وهو ابن أبي عروبة- عن قتادة ... به.
أخرجه البخاري (1/311، 9/259) باللفظ المذكور أعلاه.
ورواه أحمد (3/166) ؛ دون قوله: وله يومئذ تع نسوة.
لكنه أخرجه هو (3/291) ، والبخاري (5/301) من طريق معاذ بن هشام(1/395)
قال: حدثني أبي عن قتادة: ثنا أنس بن مالك:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار؛
وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس:، وهل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه
أعطي قوة ثلائين.
ورواية سعيد أرجح؛ لأنه لم يجتمع عنده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الزوجات أكثر من تسع؛
كما بينه الحافظ في "الفتح "؛ فراجعه.
215- قال: " وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري؛ كلهم عن أنس عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(قلت: وصله الطحاوي، وكذا ابن ماجه، ولفظه: قال:
وضعت لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِسْلاً؛ فاغتسل من جميع نسائه في ليلة. وابن
أبي الأخضر سيئ الحفظ) .
إسناده: معلق؛ وقد وصله ابن ماجه والطحاوي ولفظه:
أنْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على نسائه بغسل واحد.
ولفظ ابن ماجه هو المذكور في الأعلى، وذكر فيه أن أنساً وضع له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
غِسلا.
وهو غريب؛ وصالح بن أبي الأخضر ضعيف من قبل حفظه.
وقد تابعه على اللفظ الأول- الموافق لرواية الجماعة عن أنس-: معمر عن
الزهري.
أخرجه الطبراني في "الصغير" (ص 143) .(1/396)
وله في "المسند" (3/239) طريق خامس أو سادس: أخرجه عن مطر الورّاق
عن أنس؛ وهو منقطع.
86- باب الوضوء لمن أراد أن يعود
216- عن أبي رافع:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند
هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال:
" هذا أزكى وأطيب وأطهر ".
قال أبو داود: "حديث أنس أصح من هذا ".
(قلت: وهو كما قال؛ فإن هذا إسناده حسن، ولكن لا تعارض بينهما؛ بل
كان يفعل تارة هذا، وتارة ذلك، كما قال النسائي وغيره. والحديث قواه الحافظ
ابن حجر) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن
أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى؛ سلمى عمة عبد الرحمن بن أبي رافع؛
روى عنها أيضا أيوب بن الحسن بن علي بن أبي رافع وزيد بن أسلم والقعقاع بن
حكيم، وذكرها ابن حبان في "الثقات "؛ فهي حسنة الحديث إن شاء الله.
وكذلك ابن أخيها عبد الرحمن بن أبي رافع؛ قال في "التهذيب ":
" روى عن عبد الله بن جعفر، وعن عمه عن أبي رافع. وعن عمته سلمى عن
أبي رافع. وعنه حماد بن سلمة. قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح. له(1/397)
عند الترمذي في التختم في اليمين، وآخر حديث في دعاء الكرب، وعند الباقين
[يعني: من أصحاب "السنن الأربعة"] حديث في تعدد الغسل للطواف على
النساء".
قلت: حديثه في دعاء الكرب؛ راجعته في (كتاب الدعاء) عند الترمذي؛
فلم أجده!
وأما حديثه في التختم في اليمين؛ فأخرجه في (1/324- طبع بولاق) باب
(ما جاء في لبس الخاتم في اليمين) من (كتاب اللباس) ثم قال عقيبه:
" وقال محمد بن إسماعيل: هذا أصح شيء روي في هذا الباب ".
فقول البخاري هذا- مع العلم أن في الباب أحاديث أخرى صحيحة الأسانيد،
بعضها في "صحيح مسلم "- يفيد أن ابن رافع هذا ثقة عنده.
وقد قوى الحديثَ الحافظُ ابن حجر في "الفتح " (1/299) ؛ حيث استدل به
على استحياب الغسل بعد كل جماع. وقول المصنف:
" حديث أنس أصح منه "! ليس بطعن فيه؛ لأنه لم ينفِ الصحة عنه؛ كما
قال في "عون المعود"؛ خلافاً لما صرح به الحافظ في "التلخيص " (2/159) ! ثم
قال في " العون ":
" قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف؛ بل كان يفعل هذا،
وذلك أخرى. وقال النووي في "شرح مسلم ": هو محمول على أنه فعل الأمرين
في وقتين مختلفين. والذي قالاه حسن جذاً، ولا تعارض بينهما؛ فمرة تركه
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بياناً للجواز وتخفيفاً على الأمة، ومرة فعله؛ لكونه أزكى وأطهر ".
ثم إن الحديث أخرجه ابن ماجه (1/206) ، والطحاوي (1/77) ، والبيهقي
(1/204) ، وأحمد (6/8 و 9- 10) من طرق عن حماد ... به.(1/398)
وعزاه الحافظ للنسائي؛ فالظاهر أنه في "الكبرى" له.
217- عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعاود؛ فليتوضأ بينهما وضوءاً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة
وابن خزيمة وابن حبان (1208) ، والحاكم في "صحاحهم ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرطهما "، وأقره الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ") .
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أخبرنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول
عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم منهما.
وأبو المتوكل: اسمه علي بن داود- ويقال: دواد بضم الدال- الناجي البصري.
والحديث أخرجه مسلم (1/171) ، والترمذي (1/261) ، والبيهقي
(1/203) ، وابن أبي شيبة (1/51/2) ، وأبو نعيم في "الطب " (2/12/1) من
حديث حفص بن غياث ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (1/51) ، وابن ماجه (1/205) ، والطحاوي
(1/77) ، وابن حبان، والحاكم (1/152) ، والبيهقي أيضا، والطيالسي (رقم
2215) ، وأحمد (3/7 و 21) من طرق عن عاصم الأحول ... به نحوه، وزاد
الحاكم والبيهقي في آخره:(1/399)
" فإنه أنشط للعَوْدِ ". وهي عند ابن خزيمة وابن حبان اْيضاً كما في
"التلخيص " (2/158) . وزاد أحمد في رواية أخرى:
" وضوءه للصلاة ". وإسناده هكذا قال (3/28) : ثنا محاضر بن المورع: ثنا
عاصم بن سليمان ... به.
وهذا على شرط مسلم.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/280) .
87- باب الجنب ينام
218- عن عبد الله بن عمر أنه قال:
ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه تصيبه الجنابة من الليل؟
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" توضأ واغسل ذكرك؛ ثُمَّ نَمْ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في
"صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينارعن
عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في "الموطأ" (1/67- 68) ... بهذا الإسناد.
وعنه: أخرجه محمد في "موطئه " (ص 71) ، وكذا الشيخان والنسائي(1/400)
(1/50) ، والطحاوي (1/76) ، والبيهقي (1/199) ، وأحمد (2/64) كلهم عن
مالك ... به.
وأخرجه الدارمي (1/193) ، والطحاوي، وأحمد (2/56) من طريق سفيان
- وهو الثوري- عن عبد الله بن دينار ... به، ولفظه: قال:
سأل عمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال: تصيبتي الجنابة من الليل؟ فأمره أن يغسل
ذكره، ويتوضأ، ثم يرقد.
وتابعه شعبة عن ابن دينار:
أخرجه الطيالسي (رقم 17 و 1878) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/278) .
وأخرجاه في "الصحيحين "، وابن ماجه في "سننه " (1/205) ، وأحمد (2/17
و36 و 102) والطحاوي، والبيهقي من حديث نافع عن ابن عمر ... به نحوه؛
دون قوله: " واغسل ذكرك ".
88- باب الجنب يأكل
219- عن عائشة قالت:
ان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ توضأ وضوءه للصلاة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وابن حبان
(1214) ، وأبو عوانة في "صحيحيهما". وصححه الدارقطني. والبخاري
معناه) .
إسناده: حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا سفيان عن الزهري عن أبي
سلمة عن عائشة.(1/401)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وسفيان: هو ابن عيينة.
والحديث أخرجه أحمد (6/36) قال: ثنا سفيان ... به.
ثم أخرجه هو (6/119 و 200 و 279) ، ومسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"
والنسائي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي وكذا الدارقطني من طرق عن الزهري ...
به. وقال الدارقطني:
" صحيح "؛ وفيه عنده زيادة كما فما الرواية الآتية في الكتاب.
وتابعه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ... به نحوه.
أخرجه البخاري، والطيالسي (رقم 1485) ، والطحاوي، وأحمد (6/121) .
وتابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة، ولفظه، قال:
قلت لعائشة: أي أمه! أكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام وهو جنب؟ قالت: نعم؛ لم
يكن ينام؛ حتى يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه الطحاوي، وأحمد (6/216 و 237) ؛ وإسناده حسن.
وله في "الصحيحين " و "أبي عوانة " والنسائي والدارمي (1/193) ، والطحاوي
والبيهقي وأحمد (6/91 و 120 و 224 و 235 و 260 و 273) طرق كثيرة عن
عائشة.
220- وفي رواية ... بإسناده ومعناه؛ زاد:
وإذا أراد أن يأكل وهو جنب؛ غسل يديه.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقال الدارقطني والبغوي:
"صحيح ") .(1/402)
إسناده: حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: ثنا ابن المبارك عن يونس عن
الزهري ... بإسناده ومعناه؛ قلت: يعني: الذي قبله.
وهذا إسناد صحيح أيضا على شرطهما.
والحديث أخرجه النسائي (1/50) ، والدارقطني (46) ، وأحمد (6/118-
119 و 279) ، والبغوي في "شرح السنة" (2/34) من طرق عن عبد الله بن
المبارك ... به إلا أنه قال:
وإذا أراد أن يأكل ويشرب.
وليس عند الدارقطني: ويشرب؛ بل عنده:
غسل كفيه ومضمض فاه، ثم طَعِمَ. وقال هو والبغوي:
" صحيح ". ثم قال المصنف:
" قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس؛ فجعل قصة الأكل قولَ عائشة
مقصوراً. ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك؛ إلا أنه
قال: عن عروة أو أبي سلمة. ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كما قال ابن المبارك ".
قلت: رواية الأوزاعي هذه، ورواية ابن وهب قبلها؛ لم أقف على من
أخرجهما.
وأما رواية صالح بن أبي الأخضر؛ فأخرجها أحمد (6/192) قال: حدثنا
وكيع قال: ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة وأبي سلمة عن
عائشة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب؛ غسل يديه.(1/403)
قلت: هكذا في "المسند": (عروة وأبي سلمة) بالواو العاطفة لا بالشك!
وأرى أنها رواية صحيحة؛ فقد أخرجه الدارقطني (46) من طريق أبي ضمرة
عن يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي سلمة ... به.
وأبو ضمرة: هو أنس بن عياض، وهو ثقة من رجال "الصحيحين ". وقد قال
الدارقطني عقيبه:
"صحيح ".
نعم؛ حالفه طلحة بن يحيى؛ فرواه عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة أو
عروة ... هكذا على الشك.
لكن طلحة بن يحيى- وهو ابن النعمان الزُّرَقِي الأنصاري- وإن كان من رجال
الشيخبن؛ فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه؛ فرواية أنس بن عياض مقدمة
على روايته.
ومما يقوي ذلك: أن لحديث عروة عن عائشة أصلاً في "صحيح البخاري "
(1/312) وغيره؛ وإن كان ليس فيه الوضوء للأكل؛ فهذا زيادة من ثقة، وهي
مقبولة، كما في الحديث الثاني من الباب.
89- باب من قال: يتوضأ الجنب
221- عن عائشة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام؛ توضأ؛ يعني: وهو جنب.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة
في "صحيحيهما") .(1/404)
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى: ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والأسود: هو ابن يزيد النخعي.
والحديث أخرجه أحمد (6/191) : حدثنا يحيى ... به.
وأخرجه النسائي عن يحيى أيضا.
ثم أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في "صحسحيهما" والطحاوي والبيهقي وأحمد
(6/192) من طرق أخرى عن شعبة ... به. وقال أحمد:
" قال يحيى: ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد أنْ يأكل توضأ ".
قلت: وقول يحيى هذا- وهو القطان-؛ ذكره الحافظ في "التلخيص "
(2/152) برواية ابن أبي خيثمة، ثم عقبها بقوله:
" قلت: قد أخرجه مسلم من طريقه؛ فلعله تركه بعد أن كان يحدث به؛
لتفرده بذكر الأكل، كما حكاه الخلال عن أحمد ".
قلت: والحكم- وهو ابن عُتَجبة- ثقة ثبما؛ فتفرده لا يضر.
وحديثه يفيد استحباب الوضوء من الجنب للأكل، ولا يعارض الحديث
المتقدم في الباب قبله (رقم 220) ؛ فإنه يدل على جواز ترك الوضوء والاكتفاء
بغسل اليدين والفم، كما في رواية صحيحة.
والحديث رواه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عائشة،
زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
ساعيتها: كيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إذا كان هو جنب؛ وأراد أن ينام قبل(1/405)
أن يغتسل؟ قالت: كان يتوضأ وضوءه للصلاة ثم ينام.
أخرجه أحمد (6/273) ، والدارمي (11/93) ، وإسناده حسن. فإنه من
رواية ابن إسحاق عن عبد الرحمن، وقد صرح بالتحديث عند أحمد.
وتابعه حجاج عنه: أخرجه أحمد (6/224 و 235 و 260) نحوه. وفي لفظ
له:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْنِبُ من الليل، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة حتما يصبح
ولا يمس ماءً.
والحجاج هذا؛ الظاهر أنه ابن أرطاة، وهو مدلس، وقد عنعنه.
222- قال أبو داود: " وقال علي بن أبي طالب وابن عمر وعبد الله بن
عمرو: الجنب اذا أراد أن يأكل توضأ ".
هذه آثار معلقة، ولم أقف على من خرجها؛ إلا أثر ابن عمر؛ فقد أخرجه
أحمد (2/36) عقب حديثه المتقدم في الكتاب (رقم 218) ؛ لكن من طريق نافع
قال:
فكان ابن عمر إذا أراد أن يفعل شيئاً من ذلك؛ توضأ وضوءه للصلاة؛ ما خلا
رجليه
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه مالك (1/68) . ومن طريقه البيهقي (1/200) ، عن نافع:
أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يَظْعَمَ وهو جنب؛ غسل وجهه
ويديه إلى المرفقبن، ومسح برأسه، ثم طَعِمَ أو نام.(1/406)
ورواه الطحاوي (1/77) من طريق أيوب عن نافع ... به، لكنه جعله من قول
ابن عمر لا من فعله؛ وقال في آخره:
وغسل فرجه، ولم يغسل قدميه.
وإسناده صحيح.
وقد خالفته عائشة أيضا رضي الله عنها، فقالت: إذا أصاب أحدُكم المرأةَ، ثم
أراد أن ينام قبل أن يغتسل؛ فلا يَنَمْ حتى يتوضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه مالك وعنه الطحاوي (1/75) .
وإسناده صحيح على شرطهما.
90- باب الجنب يؤخر الغسل
223- عن غُضَيْفِ بن الحارث قال:
قلت لعائشة: أرايتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل من الجنابة في أول الليل
أو في آخره؟
قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في اخره.
قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَةً.
قلت: أرأيتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ كان يوتر في أول الليل أم في اخره؟
قالت: ربما أوتر في أول الليل، وربما أوتر في آخره.
قلت: الله اكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سَعَةً.(1/407)
قلت: أرأيتِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجهر بالقرآن أو يخفت به؟
قالت: ربما جهر به، وربما خَفَتَ.
قلت: الله أكبر! الحمد دلّه الذي جعل في الأمر سَعَةً!
(قلت: إسناده صحيح. وروى مسلم وأبو عوانة في "صحيحهما" الفصل
الأول منه) .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا مُعتمر. (ح) وثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا
إسماعيل بن إبراهيم قالا: ثنا برْدُ بن سنان عن عُبَادة بن نُسَي عن غُضَيْفِ بن
الحارث.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث في "مسند أحمد" (6/47) ... بإسناده هذا.
وروى البيهقي (1/199) الفصل الأول منه من طريق المؤلف، وابن ماجه
(1/408) الفصل الأخير الثالث منه من طريق إسماعيل ابن عُلَية- وهو ابن
إبراهيم-.
ورواه أحمد (6/138) من طريق سفيان عن برد ... به دون الفصل الأخير.
وروى منه الحاكم (1/153) الفصل الأول.
ثم رواه هو، والنسائي (1/70) ، وكذا البيهقي من طرق أخرى عن برد.
وله في "المسند" (6/73 و 149) طريق أخرى عن معاوية بن صالح عن عبد الله
ابن أبي قيس عنها ... به بتمامه.
وإسناده صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه في "صحيحه " (1/171) ،(1/408)
لكنه لم يسق من لفظه إلا الفصل الأول منه.
وهذا القدر، أخرجه أبو عوانة أيضا في "صحيحه " (1/278) ، والنسائي
(1/70) ، والحاكم (1/153) .
وأخرجه المصنف فيما يأتي في "الوتر" (1291) بنحو ما هنا.
وله في "المسند" (6/167) طريق ثالث، ورجاله ثقات رجال مسلم، لكن فيه
انقطاع.
224- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام وهو جنب؛ من غير أن يمسَّ ماءً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه أبو العباس بن
شُرَيح والحاكم والبيهقي
إسناده: حدثنا محمد بن كثير قال: أنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود
عن عائشة قالت.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 1397) : حدثنا سفيان ... به.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (1/201) ، وكذلك أخرجه الترمذي (1/202)
وابن ماجه (1/205) ، والطحاوي (1/74) ، وابن حزم (1/87) من طرق عن
سفيان ... به.
ثم أخرجه الترمذي وابن ماجه والطحاوي وأحمد (6/43، 171) من طرق
أخرى عن أبي إسحاق ... به؛ وزادوا- إلا الترمذي-:(1/409)
حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل.
ثم أخرجه أحمد (6/102) من طريق حسن- وهو ابن موسى- ومن طريق
أبي كامل- واسمه فضيل بن حسين-، والبيهقي من طريق يحيى بن يحيى
وأحمد بن يونس وعمرو بن خالد؛ كلهم عن زهير عن أبي إسحاق قال:
سالمت الأسود بن يزيد- وكان لي جارا وصديقاً- عما حدثته عائشة عن صلاة
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: قالت:
كان ينام أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى أهله حاجة قضى
حاجته، ثم نام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب- فلا والله
ما قالت: قام- وأخذ الماء- ولا والله ما قالت: اغتسل، وأنا أعلم ما تريد-، وإن لم
يكن له حاجة؛ توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلى الركعتبن.
وفي رواية أحمد: وإن لم يكن جنباً بدل: وإن لم يكن له حاجة.
وهي أوضح في المعنى.
وقد أخرجه مسلم (2/167) من طريق أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى عن
زهير ... به، دون قوله: قبل أن يمس ماء.
وكذلك رواه الطيالسي (رقم 1386) ، ومن طريقه أبو عوانة في "صحيحه "
(2/308) من طريق شعبة عن أبي إسحاق. ثم قال البيهقي:
" أخرجه مسلم في "الصحيح " دون قوله: قبل أن يمس ماءً وذلك لأن الحفاظ
طعنوا في هذه اللفظة، وتوهموها مأخوذة عن غير الأسو، وأن أبا إسحاق ربما
دلس، فرأوها من تدليساته، واحتجوا على ذلك برواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن
ابن الأسود عن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق "!(1/410)
قلت: وفي حديثيهما:
كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ توضأ وضوءه للصلاة، وقد مضى في الباب
قبله (رقم 219) . ثم قال البيهقي:
" وحديث أبي إسحاق ال هبيعي صحيح من جهة الرواية، وذلك أن أبا
إسحاق ببن سماعه من الأسود في رواية زهير بن معاوية عنه؛ والمدلس إذا بين
سماعه ممن روى عنه، وكان ثقة؛ فلا وجه لرفَه "، ثم ذكر عن الحاكم وأبي العباس
ابن شريح أنهما صححا الحديث.
وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى؛ فإن أبا إسحاق السبيعي- واسمه عمرو بن
عبد الله- ثقة حجة، وقد رماه بعضهم بالتدليس؛ فتصريح زهير بن معاوية بسماعه
من الأسود قد دفع شيهة تدليسه.
وفيه شبهة أخرى؛ وهو أنه كان قد شاخ ونسي؛ ولكنه لم يختلط، كما قال
الذهبي. وأما الحافظ فقال في "التقريب ": إنه
" اختلط بآخره "!
وأئاً ما كان؛ فإن هذا الحديث قد رواه عنه جماعة؛ منهم سفيان الثوري، وهو
أثبت الناس فيه، كما قال الحافط نفسه في "التهذيب ".
فما رواه المصنف عقب الحديث فقال: ثنا الحسن بن علي الواسطي قال:
سمعت يزيد بن هارون يقول:
" هذا الحديث وهم؛ يعني: حديث أبي إسحاق "! وقال الترمذي:
" وقد روى عن أبي إسحاق هذا الحديث: شعبة والثوري وغير واحد، ويرون
أن هذا غلط من أبي إسحاق "!(1/411)
فهذا وغيره من النقول مما لا تطمئن النفس للأخذ بها، والطعن في رواية الثقة
بدون حجة؛ إلا أنه روى ما لم يرو غيره من الثقات! وهذا ليس بعلة؛ فقلما يخلو
ثقة لا يتفرد بما لا لم يروه غيره.
ومن ذلك ما في "سنن ابن ماجه " عقب الحديث:
قال سفيان: فذكرت الحديث يوماً، فقال لي إسماعيل: يا فتى! تمثمد هذا
الحديث يشيء؟!
قلت: وقد وجدنا ما يشهد له؛ فقال الحافظ في "التلخيص " (2/156) :
" ويؤيده ما رواه هشيم عن عبد الملك عن عظاء عن عائشة مثل رواية أبي
إسحاق عن الأسود (1) ، وما رواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" عن ابن
عمر: أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم، ويتوضأ إن شاء "،
وأصله في "الصحيحين " دون قوله: " إن شاء " ... ".
قلت: وكذلك رواه المصنف- كما مضى (رقم 218) - مثل رواية
"الصحيحين "؛ لكن الحديث عندهم من حديث عمر، وهو السائل، لا ابنه
عبد الله. والله أعلم.
وبالجملة؛ فهذه طريق أخرى للحديث، وهو صحيح أيضا على شرط مسلم؛
فهو شاهد قوي لرواية أبي إسحاق، تشهد أنه قد حفط ولم يهم كما زعموا!
(تنبيه) : لا تعارض بين هذا الحديث وبين أحاديث البابين قبله؛ فإن هذا يدل على
__________
(1) قلت: وقد أخرجه أحمد (6/230) : ئنا ابن نمير عن عبد الملك ... به، ولفظه:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصيبه الجنابة هن الليل وهو يريد الصيام، فينام ويستيقظ، ويصبح
جنباً، فيفيض عليه من الماء، ثم يتوضأ.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.(1/412)
أنه عليه الصلاه والسلام كان ينام قبل أن يغتسل؛ بياناً للجواز وترخيصاً للأمة، وتلك
تدل على أن الأفضل الوضوء قبل النوم؛ ولهذا أمثلة كثيرة في الأحاديث النبوية.
(تنبيه ثان) : زعم الطحاوي أن أبا إسحاق غلط في هذا الحديث، فاختصره
من حديث طويل أخطأ في اختصاره إياه؛ وذلث أن فهداً حدثنا قال: ثنا أبو غسان
قال: ثنا زهير ...
قلت: فذكر الحديث مثل رواية البيهقي المتقدمة؛ إلا أنه قال- بعد قوله:
ويحيي آخره-:
ثم إن كانت له حاجة؛ قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماءً ... الحديث.
فقد سقط من روايته قوله: إلى أهله ... فتغير من أجل ذلك المعنى من أصله!
ثم أخذ يؤول الجملة ويفسرها بما يعارض رواية أبي إسحاق المختصرة إ!
وذلك خطأ منه مبني على خطأ روايته الخالفة لرواية الجماعة كما سبق؛ وقد
تبعه على هذا الخطأً جماعة من المتأخرين! والسبب في ذلك: عدم تتبع طرق
الحديث ولفاظه. والله الموفق.
91- باب في الجنب يقرأ القران
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
92- باب في الجنب يصافح
225- عن حذيفة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فأهوى إليه، فقال:
إني جنب! فقال: " إن المسلم لا يَنْجُسُ ".(1/413)
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى عن مِسْعَرٍ عن واصل عن أبي وائل عن
حذيفة
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/275) عن مسدد.
وأخرجه أحمد (5/384) عن يحيى بن سعيد ... به.
وأخرجه أبو عوانة أيضا، والنسائي (1/51) ، وابن ماجه (1/191) من طرق
عن يحيى.
وقد تابعه وكيع عن مسعر بن كِدَام.
أخرجه مسلم (1/194) ، والبيهقي (1/189- 190) .
وله طريق أخرى عند النسائي قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير
عن الشيباني عن أبي بردة عن حذيفة قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لقي الرجل من أصحابه؛ مَاسَحَه ودعا له؛ قال:
فرأيته يوماً بُكرةً؛ فحِدْتُ عنه، ثم أتيته حين ارتفع النهار، فقال:
" إتي رأيتك؛ فحِدْتَ عنِّي؟! ".
فقال: إتي كنت جنباً؛ فخشيت أن تمسَّني! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن المسلم لا ينجس ".(1/414)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وصححه ابن حبان فأخرجه في "صحيحه " (2/276- 277) ، وأقره في
"الفتح " (1/310) .
226- عن أبي هريرة قال:
لقيني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست،
فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال:
" أين كنت يا أبا هريرة؟! لما. قال: قلت: إني كنت جنباً، فكرهت أن
أجالسك على غير طهارة! فقال:
" سبحان الله! إن المسلم لا ينجس ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو
عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى وبشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع
عن أبي هريرة. قال: وفي حديث بشر: قال: ثنا حميد قال: ثتي بكر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانه (1/275) من طريق مسدد قال: ثنا بشر بن
المُفَضَل قال: ثنا حميد الطويل ... به.
وأخرجه أحمد (2/471) ... عن يحيى به؛ وفيه أيضا تصريح حميد
بالتحديث.(1/415)
وكذلك أخرجه الشيخان عن يحيى.
وأخرجه الترمذي (1/207- 208) ، وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه النسائي من طريق بشر بن المفضل.
ثم أخرجه الشيخان أيضا وابن ماجه والطحاوي (1/7) ، وأحمد (2/235
و382) من طرق أخرى عن حميد ... به.
93- باب في الجنب يدخل المسجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
94- باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس
227- عن أبي بكرة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل في صلاة الفجر؛ فأومأ بيده أنْ: مكانَكُمْ، ثم
جاء ورأسه يقطر؛ فصلى بهم.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان والبيهقي. وقال النووي
والعراقي: " إسناده صحيح ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن
عن أبىِ بكرة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح ". ولذلك قال النووي في
"المجموع " (4/261) ، والعراقي في "تخريج الإحياء" (1/157) :(1/416)
" إسناده صحيح ".
لكن أعله ابن التركماني بالانقطاع؛ فقال: (2/397) :
" وفي كتاب "المتصل والمرسل والقطوع " للبرديجي:
الذي صح للحسن سماعاً من الصحابة: أنس، وعبد الله بن مُغَفل،
وعبد الرحمن بن سَفرة، وأحمر بن جَزْءِ. فدل هذا على أن حديث الحسن عن
أبي بكرة مرسل "!
قلت: وهذا خظأ؛ فإن الحسن- وهو البصري- قد سمع من غير هؤلاء
المذكورين، وقد سرد أسماعصم الزيلعيُ في " نصب الراية " (1/90) نقلاً عن البزار
في "مسنده "؛ وفيهم أبو بكرة هذا، وله في "مسند أحمد" أحاديث برواية الحسن
عنه، صرح في بعضهأ بسماعه منه، فانظر (5/37 و 41-42 و 44 و 48- 51) ،
وأحدها في "صحيح البخاري " (2704) ؛ وقال عقيبه:
" قال لي علي بن عبد الله- يعني: ابن المديني-: إنما ثبت لنا سماع الحسن
من أبي بكرة بهذا الحديث ".
قلت: وسيأتي هذا في "السنة" (13- باب ما يدل على ترك الكلام في
الفتنة) ، ويأتي له آخر في "الأدب " (رقم ... ) وا نظر "الصلاة" (رقم 685) .
فقد صح سماع الحسن من أبي بكرة؛ لكن هذا لا ينفي أن يكون روى عنه
بالواسطة أيضا؛ فإن بينهما في بعض الأحاديث: الأحنفَ بن قيس؛ كما في
الحديث الأني في "الفتن " (رقم ... ) [باب في النهي عن القتال في الفتنة] .
وقد سبق أن ذكرنا عند الحديث رقم (13) أن الحسن البصري موصوف
بالتدليس؛ فإذا عنعن في حديث؛ تُوُقفَ عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه
فيه، أو الواسطة الثقة.(1/417)
ولما كان حديثه هنا قد رواه بالعنعنة؛ لم نستطع أن نحكم بصحة إسناده
لذلك؛ وإن كان الحديث في نفسه صحيحاً؛ لطرقه وشواهده التي سنذكر بعضها
إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه البيهقي (2/397) مع الرواية الآتية بعده من طريق المؤلف؛
وحكم عليه بالصحة في كتاب "المعرفة"، كما قال ابن التركماني وغيره، وصححه
ابن حبان (272) بلفظ:
وكبَّر في صلاة الفجر ...
وأخرجه أحمد (5/41 و 45) من طريق أبي كامل وعفان قالا: ثنا حماد- زاد
عفان- بن سلمة ... به. ثم أخرجه عن شيخه يزيد- وهو ابن هارون-: نا حماد
ابن سلمة ... به.
وأخرجه المصنف عنه؛ وهو:
228- وفي رواية عنه ... بإسناده ومعناه؛ وقال في أوله: فكبر ...
وهو رواية ابن حبان بلفظ: كبَّر في صلاة الفجر ... وقال في آخره: فلما
قضى الصلاة قال:
" إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً ".
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا
حماد بن سلمة ... بإسناده ومعناه.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "، كالذي قبله، وقد
سبق فيه الكلام بإيضاح. وقد قال الحافظ في "التلخيص " (2/324) :(1/418)
" وصححه ابن حبان والبيهقي، واختلف في إرساله ووصله "!
قلت: إنما جاء مرسلاً من حلرق أخرى غير هذه الطريق؛ فليس فيه اختلاف؛
بل إن تلك الطرق المرسلة تقويه وتشهد له؛ كما أشار إلى ذلك البيهقي فيما
يأتي.
والحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/171/1) من طريق أخرى عن
يزيد بن هارون ... به.
وقد جاءت له شواهد:
الأول: عن أنس قال:
دخل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاته، فكبَّر وكبَّرنا معه، ثم أشار إلى القوم: كما
أنتم؛ فلم نزل قياماً حتى أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اغتسل ورأسه يقطر.
أخرجه الظبرا تي في " الأ وسظ " (4104- بترقيمي) ، والدارقطني (ص 138) ،
والبيهقي من طريق عبيد الله بن معاذ: ثنا أبي: ثنا سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة
عن أنس.
وهذا إسناد صحبح على شرط الشيخين. ثم قال الدارقطني:
" خالفه عبد الوهاب الخفاف ... "، ثم ساقه من طريقه: ثنا سعيد عن
قتادة عن بكر بن عبد الله المُزَني.
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل في صلاة، فكبَّر وكبَّر من خلفه ... الحديث.
قال عبد الوهاب: وبه نأخذ.
قلت: عبد الوهاب تُكُلِّمَ فيه من قبل حفظه؛ فإن كان حفظ هذا فهو إسناد(1/419)
آخر لقتادة مرسل؛ وإلا فرواية معاذ والد عبيد الله أصح؛ لأنه ثقة حجة اتفاقاً،
حتى قال محمد بن عيسى بن الطباع:
" ما علمت أن أحداً قدم بغداد إلا وقد تُعُفَقَ عليه في شيء من الحديث؛ إلا
معاذاً العنبري؛ فإنه ما قدروا أن يتعلقوا عليه بشيء مع شغله بالقضاء ". وقال
يحيى القطان:
" ما بالبصرة ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ ".
قلت: وفي هذا غاية المدح بالضبط والحفط والإتقان؛ فمثله- إذا خولف- فهو
المقدم، وروايته هي الراجحة بلا شك.
وحديث أنس هذا؛ أورده الهيثمي في "المجمع " (2/69) ، وقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) ".
الشاهد الثاني: عن علي بن أبي طالب قال:
بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصلي؛ إذ انصرف ونحن قيام، ثم أقبل ورأسه
يقطر، فصلى لنا الصلاة ثم قال:
" إني ذكرت أني كنت جنباً- حين قمت إلى الصلاة- لم أغتسل؛ فمن وجد
منكم في بطنه رِزّاً، أو كان على مثل ما كنت عليه؛ فلينصرف حتى يفرغ من
حاجته أو غسله، ثم يعود إلى صلاته ".
أخرجه الإمام أحمد (1/88/رقم 668 و 669) من طريق حسن بن موسى
ويحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة: حدثنا الحارث بن يزيد عن عبد الله بن يزيد
عن عبد الله بن زُريرٍ الغافقي عن علي بن أبي طالب.(1/420)
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، لكن ابن لهيعة سيئ الحفظ؛ إلا أنه صحيح
الحديث فيما وافق فيه غيره (*) ؛ وقد زاد في هذه القصة:
" فمن وجد منكم ... إلخ،! ولم تجدها في شيء من طرق الحديث؛ فهي
ضعيفة. وأما أصل الحديث فصحيح.
الثالث: عن أبي هريرة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج إلى الصلاة، فلما كبّر انصرف وأومأ إليهم؛ أي: كما
أنتم، ثم خرج فاغتسل، ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم، فلما/صلى قال:
" إني كنت جنباً، فنسيت أن أغتسل ".
أخرجه أحمد (2/ 448) ، والدارقطني (138) ، والبيهمَي (2/397- عن
وكيع-، وابن ماجه (1/368) - عن عبد الله بن موسى التيمي- كلاهما عن
أسامة بن زيد عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن محمد بن
عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ فهو على شرطه، وأسامة بن
زيد هذا: هو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، وليس هو العدوي مولاهم المدني! هدا
ضعيف. ولعل صاحب "الزوائد" ظنَّه هو هذا؛ فقال:
" إسناده ضعيف؛ لضعف أسامة بن زيد "! وقال الحافظ في "التلخيص "
(2/324) :
" وفي إسناده نظر "!
__________
(*) هذا رأي شيخنا رحمه الله قديماً في رواية ابن الهيعة، أما أخيراً؛ فإنه كان يممثئي رواية
ابن لهيعة فيما كان من رواية القدماء عنه، ومنهم: يحمس بن إسحاق؛ كما في "الصحيحة"
(1/654 و 6/576) ، وعليه؛ فحديثه هنا ثابت. والله أعلم.(1/421)
قلت: ولعل وجه النظر: أن أسامة بن زيد الليثي- وإن كان ثقة من رجال
مسلم-؛ فإن في حفظه بعض الضعف!
وقد جاء الحديث في "الصحيحين " وغيرهما عن أبي هريرة من طريق أخرى
باللفظ الأتي في الكتاب بعد هذا؛ وفيه أن انصرافه كان قبل الدخول فى الصلاة
بالتكبير؛ فهذا خلاف ما روى أسامة!
قلت: لكن أسامة لم يتفرد بهذا اللفظ عن أبي هريرة؛ بل جاء عنه من طريق
أخرى، كما جاء مرسلاً من وجوه تأتي في الكتاب.
فالظاهر: أن لأبي هريرة في الباب حديثين: أحدهما مثل حديث أبي بكرة.
والأخر حديثه الأتي.
229- قال أبو داود: " رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
فلما قام في مُصَلاه وانتظرنا أن يكبر؛ انصرف ثم قال:
" كما أنتم " ".
(قلت: وصله البخاري في "صحيحمدا، وكذ اأبو عوانة، ووصله المؤلف
بعد أربعة أحاديث، لكن بلفظ آخر) .
إسناده معلق، وقد وصله البخاري (2/96) ، وأبو عوانة (2/29) ، وأحمد
(2/238- 239) من طريق صالح عن ابن شهاب ... به؛ إلا أنهم قالوا:
" مكانكم ". ويأتي بتمامه عند الحديث (رقم 234) .
230- ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
فكبّر ثم أومأ بيده إلى القوم؛ أن: اجلسوا، فذ هب واغتسل.(1/422)
(قلت: محمد: هو ابن سيرين؛ فهو مرسل، كما صرح به المصنف في
بعض نسخ الكتاب، وقد وصله الطبراني في "المعجم الصغير" والبيهقي في
"سننه " من طريق ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة؛ غير أن
البيهقي قال:
" المرسل هو المحفوط، وكل ذلك شاهد لحديث أبي بكرة ".
قلت: لكن رواه أحمد وكيره من طريق أخرى عن أبي هريرة؛ وإسناده
حسن على شرط مسلم) .
إسناده معلق، وكذلك ذكره البيهقي.
وقد أخرجه هو والطبراني في "معجمه الصغير" (ص 166) من طريق أبي
الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي: ثنا الحسن بن عبد الرحمن العريان الحارثي:
ثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبَّر بهم في صلاة الصبح، فأومأ إليهم، ثم انطلق؛ فرجع
ورأسه يقطر فصلى بهم، فقال:
" إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً فنسيت ". ثم قالا:
" تفرد به الحسن بن عبد الرحمن الحارثي ".
قلت: ولم أجد من ترجمه، وكذلك الراوي عنه عبيد الله بن محمد
الحارثي؛ لم أجده. ثم قال البيهقي:
" ورواه إسماعيل ابن علَيَّةَ وغيره عن ابن عون عن محمد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مرسلاً.(1/423)
وكذلك رواه أيوب وهشام عن محمد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرسلاً. وهو المحفوظ؛
وكل ذلك شاهد لحديث أبي بكرة ".
قلت: لكن جاء موصولاً من طريق أخرى عن أبي هريرة بإسناد حسن، وقد
ذكرناه تحت الرواية (رقم 228) ؛ فراجعه.
231- وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن
يسار قال:
إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كبّر في صلاة.
(قلت: هو في "موطأ مالك "، وهو مرسل أيضا صحيح الاسناد، وكذا رواه
المؤلف) .
إسناده: قلت: هو في "الموطأ" (1/69) ، وعنه رواه محمد (ص 120) .
وهو موسل صحيح الإسناد.
232- عن الرليع من محمد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أنه كبَّر.
(قلت: والربيع هذا تابعي مجهول؛ لكن حديثه هذا مقرون) .
إسناده: قال المؤلف عقب الذي سبق:
" وكذلك حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: ثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن
محمد".
وهذا مرسل، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير الربيع هذا؛ فهو تابعي(1/424)
مجهول، كما في " التقريب ".
233- عن أبي هريرة قال:
اقيمت الصلاة وصَفَّ الناس صفوفهم، فخرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى
إذا قام في مقامه؛ ذكر أنه لم يغتسل؛ فقال للناس:
" مكانَكم "، ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينطف رلسه قد اغتسل؛
ونحن صفوف.
234- وفي رواية:
فلم نزل قياماً ننتظره؛ حتى خرج علينا وقد اغتسل.
(قلت: إسنادهما صحيح. وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم "
بنحو الرواية الأولى، وعند مسلم أيضا الرواية الأخرى) .
إسنادهما: حدثنا عمرو بن عثمان قال: ثنا محمد بن حرب قال: ثنا
الربَيْدِيً. (ح) وحدثنا عياش بن الأزرق قال: أخبرنا ابن وهب عن يونس. (ح)
وحدثنا مَخْلَدُ بن خالد قال: ثنا إبراهيم بن خالد- إمام مسجد صنعاء- قال: ثنا
رَبَاح عن معمر. (ح) وثنا فؤَفَل بن الفضل قال: ثنا الوليد عن الأوزاعي؛ كلهم
عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:
أقيمت الصلاة ... إلخ؛ وهذا لفظ ابن حرب.
وقال عياش في حديثه:
فلم نزل قياماً ... إلخ الرواية الثانية.(1/425)
قلت: فهذه أربعة أسانيد للمؤلف رحمه الله إلى الزهري:
الأول: من طريق عمرو بن عثمان عن محمد بن حرب عن الزُبيدي عن الزهري.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير عمرو بن عثمان، وهو
ثقة.
ومحمد بن حرب: هو أبو عبد الله الخولاني؛ وكلاهما حمصي.
وقد أخرجه النسائي (1/128) ... بهذا الإسناد عن هذا الشيخ.
الثاني: من طريق عياش بن الأزرق عن ابن وهب عن يونس عنه.
وهذا إسناد صحيح كالأول.
وأخرجه مسلم (2/101) ، والنسائي (1/130) ، والبيهقي (2/398) ، من
طرق عن ابن وهب ... به.
وأخرجه البخاري (1/305) ، وأبو عوانة (2/29) ، والبيهقي، وأحمد
(2/518) عن عثمان بن عمر عن يونس.
الثالث: عن مَخْلَدِ بن خالد عن إبراهيم بن خالد عن رَبَاح عن معمر عنه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير إبراهيم بن خالد، وهو
ثقة.
وقد أخرجه أحمد (2/283) : ثنا إبراهيم بن خالد ... به؛ ولفظه مثل لفظ
ابن حرب تقريباً.
الرابع: عن مُؤَمل بن الفضل عن الوليد عن الأوزاعي عنه.
وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير مؤمل بن الفضل، وهو ثقة.(1/426)
وسيأتي من طريق غيره عن الوليد مختصراً (رقم 553) .
وأخرجه البخاري (1/305) ، ومسلم، وأبو عوانة من طرق أخرى عن
الوليد ... به.
وله إسناد خامس عن الزهري؛ رواه عنه صالح بن كَيْسان بلفط:
خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلَت الصفوف، حتى إذا قام في مصلاه، انتظرنا
أن يكبر انصرف، قال:
" على مكانكم "؛ فمكثنا على هيئتنا؛ حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماءً، وقد
اغتسل.
رواه البخاري وغيره، وعلقه المصنف فيما سبق (رقم 229) ، وقد خرّجناه
هناك.
وهذه الرواية صريحة في أن الانصراف كان قبل التكبير، وكذلك في رواية ابن
وهب، وهي تخالف روايه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ومحمد بن سيرين
المتقدمتبن عن أبي هريره؛ ففيها أن الانصراف كان بعد التكبير، وكذلك في
حديث أبي بكرة في أول الباب، وحديث أنس وعلي اللذين أوردناهما هناك. وقد
قال البيهقي:
" ورواية أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أصح من رواية ابن ثوبان
عنه؛ إلا أن مع رواية ابن ثوبان عنه: رواية أبي بكرة مسندةً، ورواية عطاء بن يسار
وابن سيرين مرسلةً؛ وروي أيضا عن أنس ... "؛ ثم ساق حديث أنس بإسناده
المتقدم.
ولا تعارض بين هذا الحديث والأحاديث الأخرى في الباب؛ لأنهما واقعتان
مختلفتان، كما جزم به ابن حبان، وتبعه النووي في "المجموع " (4/261) ؛ فقال:(1/427)
" إنهما قضيتان؛ لا نهما حديثان صحيحان، فيجب العمل بهما إذا أمكن،
وقد أمكن بحملهما على قضيتين ".
وأما حمل قوله في حديث أبي بكرة ومن معه: (كبّر) على: (أراد أن يكبر) !
فهو مع أنه حلاف الظاهر؛ فإنه باطل بالنظر إلى مجموع الروايات؛ فقد اتفقت
جميعاً- خلاقالحديث أبي سلمة- على أنه عليه الصلاة والسلام لم يتكلم حين
انصرف من الصلاة، بل إنما أشار إليهم بيده، ولو أنه كان قبل الدخول فيها؛
لكلمهم عليه الصلاة والسلام، كما فعل في القصة الأخرى في رواية أبي سلمة،
ولما أخر قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما أنا بشر، وإني كنت جنباً "؛ لأنه ليس في التأخير
فائدة؛ بل هي في الإصراغ بالبجان؛ ولكن منعه من ذلك أنه في الصلاة، ولذلك
عاد فأتمها دون أن يكلمهم.
وأيضا؛ فإن في حديث أنس: دخل في صلاته، فكئر وكبرنا معه ...
وأصرح منه حديث علي:
بينما نحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصلي؛ إذ انصرف ...
فهذا كله يدفع ذلك التأويل ويبطله.
95- باب في الرجل يجد البِلَةَ في منامه
235- عن عائشة قالت:
سئِلَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل يجد البَلَلَ ولا يذكر احتلاماً؟ قال:
"يغتسل ".
وعن الرجل يرى أنْ قَدِ احتلم ولا يجد البلل؟ قال:(1/428)
"لاغُسْلَ عليه ".
95- الرجل يجد البِلَّة في منامه
فقالت أم سليم: المرأة ترى ذلك؛ أعليها غُسل؟ قال:
" نعم؛ إنما النساء شقائق الرجال ".
(قلت: حديث حسن. وقول أم سليم: المرأة ترى ... إلخ؛ أخرجه أبو
عوانة في "صحيحه " من حديث أنس. وقال ابن القطان: إنه " صحيح ") .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا حماد بن خالد الخَياط قال: ثنا
عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه ضعيف من أجل العمري
هذا- وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب؛ وهوأخو
عبيد الله هذا الذي روى عنه هذا الحديث-؛ وهو وإن كان ثقة في نفسه- ومن
رجال مسلم- فإنَّه ضعيف من قِبَلِ حفظه؛ ولذلك ضعَّفه النسائي وأبو حاتم
ويحيى بن سعيد والبخاري وأحمد- في رواية-، حتى قال ابن حبان:
" كان ممن غلب عليه الصلاح، حتى غفل عن الضبط، فاستحق الترك "!
وأعدل الأقوال فيه- عندي- قول الخليلي:
" ثقة؛ غير أن الحفاظ لم يرضوا حفظه ".
وقال الخطّابي في شرحه لهذا الحديث من "المعالم " (رقم 228) :
" ليس بالقوي عند أهل الحديث ". وقال النووي (2/142) :
" وهو ضعيف عند أهل العلم، لا يحتج بروايته ". وقال الحافظ في
" التقريب ":(1/429)
"ضعيف عابد".
والحديث أخرجه البيهقي (1/168) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (6/256) : ثنا حماد بن خالد ... به.
وأخرجه الترمذي (1/189- 190) ، والبيهقي أيضا (1/167) - مقتصراً على
السؤال عن الرجل- من طرق أخرى عن حماد ... به.
وأخرجه الدارمي (1/195) من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر ... به
مختصراً مثل رواية البيهقي الأخرى.
وكذا أبو يعلى في "مسنده " (3/1153- مصورة المكتب الإسلامي) . وقال
الترمذي:
" وإنما روى هذا الحديثَ: عبدُ الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر ... حديث
عائشة في الرجل يجد البلَل ولا يذكر احتا، ماً. وعبد الله بن عمر؛ ضعَفه يحيى
ابن سعيد من قبل حفظه في الحديث ".
وقال الشوكاني- بعد أن ذكر كثيراً من أقوال الأثمة فيه توثيقاً وتجريحاً-:
" وقد تفرد به المذكور، ولم تجده عند غيره، وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة
من طريقه؛ فالحديث معلول بعلتين: الأولى: العمري المذكور. وللثانية: التفرد
وعدم المتابعات. فقصر عن درجة الحسن والصحة ".
وتعقبه الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على "الترمذي " فقال- بعد أن
نقل كلامه المذكور-:
" ولم يفعل الشوكاني شيئاً فيما قال؛ فإن العمري أقل أحواله أن يكون حديثه
حسناً. وأما زعم التعليل بالتفرد؛ فإنه غير صواب؛ لأن العبرة في ذلك بمخالفة(1/430)
الراوي غيره من الرواة ممًن يكون مثله أو أوثق منه، وهناك ينظر في الجمع أو
الترجيح، وأما الانفراد وحده؛ فليس بعلّة. ومع ذلك؛ فإن العمري لم يتفرد بأصل
القصة؛ وهي معروفة في "الصحيحين " وغيرهما من حديث أم سلمة " إ!
قلت: فذكر حديثها؛ وهو الآتي (رقم 237) ؛ ثم ذكره من حديث أم سليم،
ومن حديث أنس!!
ونحن نرى أن الحق ما ذهب إليه الشوكاني؛ لما عرفت من حال العمري في
سوء الحفظ. والشوكاني رحمه الله لما كان يرى ذلك، ورأى أنه انفرد بالحديث-
يعني: بتمامه- جعل ذلك علة أخرى؛ بمعنى أنه لو توبع فيه- ولو من مثله في
الحفظ- لكان ربما حكم على الحديث بالحسن أو الصحة، فلما تفرد به؛ جعله علّة
أخرى، وهو لا يريد بذلك أن التفرد- مطلقاً- علّة؛ بل أراد ذلك من مثل
(العمري) في ضعفما حفظه. ولذلك فلا يرد عليه كلام الشيخ: " وأما الانفراد
وحده؛ فليس بعلّهَ " إ!
وقوله هذا حق؛ لكن ليس على إطلاقه، كما عرفت!
وأما عطفه على ذلك أن (العمري) لم يتفرد بأصل القصة!! فهو من الحجة
للشوكاني على الشيخ؛ لأن الروايات المذكورة ليس في شيء منها ما في رواية
العمري هذه؛ من السؤال عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً؛ وقد أشار
الترمذي في كلامه السابق إلى أنه تفرد بهذا القدر من الحديث.
فهذا التفرد- مع ثبوت سوء حفظه- ممَّا يزيد وَهَنَ الحديث ويضغفه، كما هو
واضح، والحمد لله!
وأما القدر الآخر من الحديث- والذي فيه: " إنمأ النساء شقائق الرجال "-؛
فهو حديث صحيح، جاء من غير هذه الطريق؛ من حديث أنس وأم سليم(1/431)
ثم رأيت للشطر الأول من الحديث شاهداً من حديث خولة بنت حكيم: عند
ابن ماجه؛ فهو به حسن.
أما حديث أنس؛ فأخرجه الدارمي (1/195) قال: أخبرنا محمد بن كثير عن
الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال:
دخلَتْ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أم سليم وعنده أم سلمة، فقالت: المرأة ترى في
منامها ما يرى الرجل؟ فقالت أم سلمة: تَرِبَتْ يداك يا أم سليم! فضحت النساء!
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منتصراً لأم سليم:
" بل أنت تربت يداك! إن خيركن التي تسأل عما يعنيها، إذا رأت الماء
فلتغتسل ". قالت أم سلمة: وللنساء ماءٌ يا رسول الله؟! قال:
" نعم؛ فأين يشبههن الولد؟ إنما هن شقائق الرجال"
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/290) : حدثنا أبو الأزهر قال: ثنا
محمد بن كثير ... به.
ورواه البزار أيضا؛ كما في " المقاصد الحسنة "؛ وقال:
" قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف، ومن طريق أنس صحيح ".
قلت: ورجال هذه الطريق ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن كثير- وهو أبو
يوسف الصنعاني المِصِّيصِيّ- وهو صدوق كثير الغلط، كما في "التقريب ".
ولعل البزار رواه من غير طريقه حتى جاز لابن القطان أن يصححه (1) ! أو لعله
إنما صححه لأنه قد توبع فيه عن الأوزاعي، مع شيء من المخالفة في إسناده:
__________
(1) ثم رايت الحديث في "زوائد البزار" (ح 38) من طريق أخرى عن أبي سعد عن
أنس ... به؛ دون: " إنما النساء ... ".
وأبو سعد: هو البقال؛ ضعيف مدلس.(1/432)
فقد قال الإمام أحمد (6/377) : ثنا [أبو] المغيرة (ما بين المربعين ساقط من
الطبعة القديمة من "المسند") قال: ثنا الأوزاعي قال: ثني إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة الأنصاري عن جدته أم سليم قالت:
كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكانت تدخل عليها، مدخل النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت أم سليم: يا رسول الله! أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في
المنام؛ أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم! فضحت النساء عند
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فقالت أم سليم: إن الله لا يستحيي من الحق، وإنا أنْ نسأل
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما أشكل علينا خيرٌ من أن نكون منه على عمياء-! فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأم سلمة:
" بل أنت تربت يداك! نعم يا أم سليم اعليها الغسل إذا وجدت الماء ".
فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وهل للمرأة ماء؟! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" فأنّى يشيهها ولدها؟! هن شقائق الرجال،.
ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين كلهم؛ وأبو المغيرة: اسمه عبد القدوس
ابن الحجاج الخولاني.
وسكت عليه الحافظ في "الفتح " (1/309) . وأعله الهيثمي في "مجمع
الزوائد " بالانقطاع؛ فقال (1/268) :
" وإسحاق لم يسمع من أم سليم "!
قلت. لكن دلت الرواية الأولى على أن إسحاق إنما رواه عن أنس، وهو عن أمه
أم سليم، وقد صرح بسماعه من أنس في رواية عكرمة بن عمار عنه بهذا
الحديث؛ دون قوله: " هن شقائق الرجال ".
أخرجه مسلم (1/171- 172) ، وأبو عوانة.(1/433)
وكذلك أخرجه مسلم وابن حبان (1161) من طريق قتادة عنه.
فعاد الحديث- بمجموع هذه الأسانيد- إلى أنه من رواية إسحاق عن أنس؛
فزالت شيهة الانقظاع، وثبت بذلك صحة الحديث.
96- باب المرأة ترى ما يرى الرجل
236- عن ابن شهاب قال: قال عروة: عن عائشة:
أن أم سليم الأنصاربة- وهي أم أنس بن مالك- قالت: يا رسول الله!
إن الله لا يستحبي من الحق؛ أرأيت المرأة إذا رأت في النوم ما يرى الرجل؛
أتغتسل أم لا؟ قالت عائشة: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" نعم؛ فلتغتسل إذا وجدت الماء ".
قالت عائشة: فأقبلتُ عليها فقلت: أُف لك! وهل ترى ذلك المرأة؟!
فأقبل علي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
" تربت يمينك يا عائشة! ومن أين يكون الشَبَهُ؟! ".
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه مسلم، وابن حبان (1163) ، وأبو
عوانة في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة: ثنا يونس عن ابن شهاب
قال: قال عروة: عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ إلا أنه أخرج
لعنبسة- وهو ابن خالد بن يزيد الأموي؛ مولاهم- مقروناً بغيره؛ وذكره ابن حبان(1/434)
في "الثقات "، وأثنى عليه غير واحد، وبالغ المصنف؛ فقال في روايته الأخرى عنه:
" عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد ".
وفي الطرف الآخر؛ قول يحيى بن بكير:
" إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق! كان يجيئني؛ ولم يكن موضعاً
للكتابة أن يكتب عنه " إ!
قلت: ولم نجد ما يسقط الاحتجاج بحديثه، ولولا أن البخاري قرنه بغيره
لصححنا حديثه. وقد قال الحافظ عنه في "التقريب ":
" صدوق ".
على أن حديثه هذا صحيح؛ فقد توبع عليه، ذكره أبو عوانة في "صحيحه "
(1/292) من طريق ابن وهب ثنا يونس ... به.
وتابعه جماعة عن ابن شهاب؛ فقال المصنف عقيبه:
" وكذا روى الزبيدي وعُقَيل ويونس وابن أخي الزهري عن الزهري، وابن أبي
الوزير عن مالك عن الزهريَ، ووافق الزهرفيَ مسافعٌ الحَجَبِيُ قال: عن عروة عن
عائشة. وأما هشام بن عروة ... " إلخ المذكور آنفاً.
قلت: أما رواية الزبيدي؛ فأخرجها أبو عوانة والنسائي (1/41) .
وأما رواية عُقَيل؛ فوصلها مسلم وأبو عوانة والدارمي (1/195) ، والبيهقي
(1/168) .
وأما رواية ابن أخي الزهري وابن أبي الوزير؛ فلم أقف عليهما الأن!
وقد رواه مالك في "الموطأ" (1/70) عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير: أن أم(1/435)
سليم ... وهذا منقطع؛ قال ابن عبد البر:
" وكل من روى هذا الحديث عن مالك؛ لم يذكر فيه عنه عائشة- فيما
علمت- إلا ابن أبي الوزير وعبد الله بن نافع؛ فإنهما روياه عن مالك عن الزهري
عن عروة عن عائشة أن أم سليم ... "، ثم أسنده من طريقهما؛ قال:
" وقال الدارقطني: تابع ابنَ أبي الوزير على إسناد هذا الحديث عن مالك:
حباب بن جَبَلَةَ وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون ومَعْن بن عيسى ". ذكره
السيوطي في "تنوير الحوالك ".
وأما رواية مسَافع الحَجَبِي؛ فوصلها مسلم وأبو عوانة والطحاوي في "مشكل
الآثار" (3/276) ، والبيهقي وأحمد (6/92) .
237- قال أبو داود: " وأما هشام بن عروة فقال: عن عروة عن
زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة: أن أم سليم جاءت إلى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(قلت: وصله الشيخان وابن حبان (1162) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ".
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وفي هذه الرواية أن القائلة: وهل
ترى ذلك المرأة؟ هي أم سلمة. وفي الرواية الأولى: أنها عائشة. وكلاهما
صحيح، كما قال الذّهْلِي، واستحسنه الحافظ) .
وصله الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم "، والترمذي (1/209) ، وابن ماجه
(1/208) ، والطحاوي في " المشكل " (3/276) ، والبيهقي، وأحمد (6/292
و302 و 306) من طرق عن هشام ... به نحو حديث الزهري؛ إلا أن فيه أن
القائلة: وهل ترى ذلك المرأة؟ هي أم سلمة لا عائشة.(1/436)
فهذا اختلاف في المتن.
والمصنف إنما أشار إلى الاختلاف الذي وقع في إسناده؛ ففي هذه الرواية: أن
عروة رواه عن زينب بنت أبي سلمة عن والدتها أم سلمة؛ رواه عنه ابنه هشام.
وفي تلك: رواه عن عائشة؛ رواه عنه الزهري ومسافع الحجبي.
وكأن المصنف رحمه الله أشار إلى ترجيحه هذه الرواية لاتفاق الثقتين عليها.
قال الحافظ:
" فظاهر صنيع البخاري: ترجيح رواية هشام ... لكن نقل ابن عبد البر عن
الذٌهلي أنه صحَّح الروايتين ... وقال النووي في "شرح مسلم ": يحتمل أن تكون
عائشة وأم سلمة جميعاً أنكرتا على أم سليم ". قال الحافظ:
" وهو جمع حسن؛ لأنه لا يمتنع حضورأم سلمة وعائثة عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
مجلس واحد ". قال في "عون المعبود"- تعليقاً على قول الحافظ: " وهو جمع
حسن "-:
" قلت: بل هو متعين؛ لصحة الروايتين في ذلك ".
قلت: وليست رواية هشام عن أبيه وحيدة في المعنى؛ فقد أخرج أحمد
(6/308) ، والطحاوي (3/276) من طريق عبد الله بن رافع مولى أم سلمة ...
عن أم سلمة ... مثل حديث هشام.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وورد مثله من حديث أنس وأم سليم نفسها؛ وقد ذكرناهما عند حديث
عائشة الأول في الباب.
فقد وجد لكل من الروايتين شواهد؛ كا يدل على أن القصتين صحيحتان،(1/437)
كما ذهب إليه الذهلي؛ وهو الحق إن شاء الله تعالى.
97- باب مقدار الماء الذي يُجْزِى به الغُسْل
238- عن عائشة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسل من إناء واحد- هو الفَرَقُ- من الجنابة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن حبان
(198)) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن
عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في "الموطأ" (1/66) ... بهذا السند.
ومن طريقه: أخرجه مسلم (1/175) ، وكذا النسائي (1/47) ، والبيهقي
(1/194) .
ورواه البخاري (1/289) ، والطيالسي (رقم 1438) من طريق ابن أبي ذئب
عن الزهري ... نحوه.
وأخرجه البيهقي (1/193) عن الطيالسي.
239- قال ابو داود: " قال معمر عن الزهري في هذا الحديث: قالت:
كنت أغتسل انا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد فيه قدر الفَرَقِ ".(1/438)
(قلت: وصله أحمد والبيهقي بإسناد صحيح على شرطهما، وأبو عوانة
في "صحيحه ") .
قال أبو داود: " سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفَرَقُ: ستةَ عشرَ رطلاً،
وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث (1) . قال: فمن قال: ثمانية
أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ (2) ".
قال: " وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة
أرطال وثلثاً فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب؟ قال (3) : لا
أدري ".
إسناده معلق كما ترى؛ وقد وصله أحمد (6/199) قال: ثنا عبد الرزاق: ثنا
معمر وابن جريج عن الزهرىِ ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
وأخرجه البيهقي.
ثم أخرجه هو ومسلم من طريق الليث بن سعد عن الزهري ... به نحوه مثل
__________
(1) زاد المصنف في كتابه "مسائل أبي داود" (ص 85) : " يعني: برطل العراق ".
(2) يشير بلى الرد على أبي حنيفة؛ فإنه هو القائل بذلك من بين الأئمة، ووافقه صاحبه
محمد بن الحسن! وخالفهما صاحبهما أبو يوسف، فرجع بلى القول الصحيح؛ فقد روى
الطحاوي في "شرح المعاني " (1/324) بإسناد صحيح عن أبي يوسف قال:
قدمت المدينة، فأخرج إلي من أثق به صاعاً، ففال: هذا صاع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدرته
فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل. قال الطحاوي:
" وسمعت ابن أبي عمران يقول: يقال: [ن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن
أنس ".
(3) قوله: " الصيحاني أطيب؟ قال "؛ لا يوجد في "مسائل المصنف ".(1/439)
حديث ابن عيينة الآتي؛ مع تقديم وتأخير. ثم قال المصنف:
" وروى ابن عيينة نحو حديث مالك ".
قلت: وصله أحمد (6/37) : ثنا سفيان عن الزهري ... به، ولفظه:
كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء واحد؛ وكان يغتسل من القَدَحِ،
وهو الفَرَقُ.
وأخرجه مسلم، وزاد:
قال سفيان: والفَرَق ثلاثة آصُعً.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " أيضا (1/295) من الطرق جميعها؛ إلا
طريق مالك.
98- باب في الغُسْل من الجنابة
240- عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ:
أنهم ذكروا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغُسْل من الجنابة؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أما أنا؛ فأفيض على رأسي ثلاثاً "؛ وأشار بيديه كلتيهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو
عوانة في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفَيْلِيُ قال: ثنا زهير قال: ثنا أبو إسحاق
قال: أخبرني سليمان بن صرَدَ عن جبير بن مطعم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وهو من رواية الصحابي عن مثله.(1/440)
والحديث أخرجه البخاري والبيهقي (1/176) من طرق أخرى عن زهير ...
به؛ وزاد البيهقي:
هكذا وصف زهير؛ قال: فجعل باطن كفيه مما يلي السماء، وظهرهما مما يلي
الأرض.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة (1/297) ، والنسائي (1/49) ، وابن ماجه
(1/203) ، وأحمد (4/81 و 84 و 85) ، والبيهقي أيضا من طرق أخرى عن أبي
إسحاق ... به؛ وزاد أحمد في رواية:
" ثم أفيضه بَعْدُ على سائر جسدي ".
وإسنادها صحيح على شرطهما؛ وصححه النووي (2/181) .
وله شاهد عن جابر: عند الطيالسي (1/60/224- منحة العبود) .
241- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اغتسل؛ دعا بشيء من نحو الحِلابِ؛ فأخذ
بِكَفَّيْهِ، فبدأ بِشِقِّ رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذِ بكَفَّيّهِ؛ فقال بهما على
رأسه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه بسند المؤلف.
ورواه أبو عوانة) .
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى فال: ثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم
عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وحنظلة: هو ابن أبي سفيان(1/441)
الجُمَحِيّ المكي.
والحديث أخرجه البخاري (1/293) ، ومسلم (1/175) ، والنسائي (1/72)
عن شيخ المصنف محمد بن المثنى ... به، وكذلك أخرجه البيهقي (1/184) .
ثم أخرجه هو وأبو عوانة في "صحيحه " (1/296) من طريق أخرى عن أبي
عاصم الضحاك بن مَخْلَدٍ ... به، وزاد البيهقي:
قَدْرَ هذا؛ وأرانا أبو عاصم قَدْرَ الحِلاب بيده؛ فإذا هو كقدر كوز يسع ثمانية
أرطال.
وإسنادها صحيح.
242- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اغتسل من الجنابة؛ يبدأ فيفرغ بيمينه (وفي
رواية: غسل يديه) يصُمبّ الاناء على يده اليمنى، فيغسل فرجه (وفي
الرواية الأخرى: يفرغ على شماله، وربما كَنَت عن الفَرْجِ) ، ثم يتوضأ
وضوءه للصلاة، ثم يُدْخِلُ يده في الإناء فيُخَلِّلُ شعره، حتى إذا رأى أنه
قد أصاب البَشَرَةَ- أو أنقى البشرة- أفرغ على رأسه ثلاثاً؛ فإذا فَضَلَ فَضْلَةٌ
صَبَّهَاعليه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في
"صحاحهم " نحوه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب الواشِحِي. (ح) وثنا مسدد قالا: نا حماد
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.(1/442)
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وحماد: هو ابن زيد.
والحديث أخرجه أحمد (6/101) ، والبيهقي (1/175) من طرق أخرى عن
حماد بن سلمة عن هشام.
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم "، والنسائي (1/48 و 49 و 72) ،
والترمذي (1/174) - وقال: " حديث حسن صحيح "-، ومالك أيضا (1/65-
66) ، والدارقطني (ص 42) ، وأحمد (6/52) من طرق أخرى عن هشام ... به
نحوه.
وقد تابعه قتادة عن عروة بن الزبير ... مختصراً بلفظ:
كان إذا أراد أن يغتسل من جنابة؛ توصأ وضوءه للصلاة ثم صَب على رأسه
ثلاث مرار يخلل بأصابعه أصول الشعر.
أخرجه أحمد (6/252) ؛ وإسناده صحيح على شرطهما.
وله عند مسلم (1/176) ، وأبي عوانة، والنسائي (1/48) ، وأحمد (6/71
و96 و 115 و 143 و 161 و 173) طريق أخرى عن عائشة.
243- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يغتسل من الجنابة؛ بدأ بكَفيْهِ
فغسلها ثم غسل مرافِغَهُ، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما؛ أهوى بهما
إلى حائطٍ، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا عمرو بن علي الباهلي: ثنا محمد بن أبي عدي: ثني سعيد(1/443)
عن أبي معشر عن النَّخَعِيِّ عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو معشر: هو زياد بن كلَيْب.
وسعيد: هو ابن أبي عروبة.
والحديث أخرجه أحمد (6/171) : ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا سعيد.
وعبد الوهاب عن سعيد ... به.
وقد جاء ضرب اليدين على الحائط من حديث ميمونة أيضا في رواية عنها؛
كما سنذكره فيما يليه.
244- عن ميمونة قال:
وضعت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غسْلاً يغتسل به من الجنابة؛ فأكفأ الإناء على يده
اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صَبَّ على فرجه فغسل فرجه بشماله،
ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه
ويديه، ثم صَبَّ على رأسه وجسده، ثم تنحَّى ناحية فغسل رجليه، فناولته
المنديل؛ فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده. فذكرت (1) ذلك
لإبراهيم؟ فقال:
كانوا لا يرون بالمنديل بألمماً؛ ولكن كانوا يكرهون العادة.
(ِقلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو
عوانة في صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
__________
(1) القائل؛ هو الأعمش أحد رواة الحديث. وإبراهيم: هو النخعي.(1/444)
قال أبو داود: " قال مسدد: قلت لعبد الله بن داود: كانوا يكرهونه للعادة؟
فقال: هكذا هو؛ ولكن وجدته في كتابي هكذا ".
إسناده: حدثنا مُسَلَّدُ بن مُسَرْهَدٍ: تنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن
سالم عن كرَيْب قال: نا ابن عباس عن خالته ميمونة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وسالم: هو ابن أبي الجعد.
وعبد الله بن داود: هو ابن عامر الهَمْدَاني؛ المعروفط بالخُريبِي.
والحديث أخرجه البخاري (1/288 و 296 و 298 و 299 و 304 و 305
و308) ، ومسلم (1/174- 175) ، وأبو عوانة (1/299- 350) ، والنسائي
(1/49- 50) ، والترمذي (1/173- 174) - وقا ل: " حسن صحيح "-،
والدارمي (1/191) ، وابن ماجه (1/202) ، والدارقطني (ص 42) ، والبيهقي
(1/174- 177 و 184) ، وأحمد (6/335- 336) من طرق عن الأعمش ...
به، دون قوله: فذكرت ذلك لإبراهيم ... إلخ؛ فليس هو إلا عند البيهقي وأحمد
في رواية. ولفظ أحمد:
قال سليمان: فذكرت ذلك لإبراهيم؟ فقال: هو كذلك ولم ينكره. وقال
إبراهيم: لا بأس بالمندبل؛ إنما هي عادة. ولفظ البيهقي: فقال:
إنما كره ذلك مخافة العادة. وقال الترمذي في روايته:
ثم دلك بيده الحائط أو الأرض.
وهو رواية البخاري وأبي عوانة. وفي رواية لهما:
على الحائط ... بدون شمك.(1/445)
99- باب الوضوء بعد الغسل
245- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة؛ ولا أراه
يُحْدِثُ وُضوءاً بعد الغسل.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
وحسنه المنذري) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النُّفَيْلي: ثنا زهير: ثنا أبو إسحاق عن
الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الحاكم (1/153) ، والبيهقي (1/179) ، وأحمد (6/119
و154) من طرق عن زهير ... به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي (رقم 1390) مختصراً؛ فقال: ثنا شريك وزهير عن أبي
إسحاق ... بلفظ:
كان لا يتوضأ بعد الغسل.
وأخرجه من طريق شريك: النسائي (1/49 و 83) ، والترمذي (1/179) ،
وابن ماجه (1/204) ، وأحمد أيضا (6/68 و 258) . وقال الترمذي:(1/446)
" حديث حسن صحيح ". وزاد ابن ماجه:
من الجنابة.
وحسنه المنذري في "مختصره ".
وتابعهما الحسن بن صالح عن أبي إسحاق: عند النسائي، وأحمد
(6/253) .
***
انتهى بحمد الله وفضله المجلد الأول من
" صحيح سنن أبي داود "،
ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الثاني، وأوله:
100- باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟
و" سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت،
أستغفرك وأتوب إليك ".(1/447)
الجزء الثاني
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية
محفوظة دارغراس- الكويت وشريكهما
ويحظّر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد
الكتاب كاملا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة
كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على
اسطوانات ضوئية الا بموافقة خطيّة من الناشر.
الطبعة الأولى
1423 هـ
2002 م
الناشر
مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الكويت- شارع الصحافة- مقابل مطابع الرأي العام التجارية
هاتف: 4819037- فاكس: 4838495- هاتف وفاكس: 4578868
الجهراء: ص. ب: 2888- الرمز البريدي: 01030
Website: www.Gheras.com
E-mail: Info@gheras.com(2/2)
100- باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟
246- عن أم سلمة قالت:
إن امرأة من المسلمين (وفي رواية: أنها) قالت:
يا رسول الله! إني إمرأة أشدُّ ضَفْرَ رأسي؛ أفأنقضه للجنابة؟ قال:
" إنما يكفيك أن تَحْفِني عليه ثلاثاً (وفي رواية: تحثي عليه ثلاث
حثيات) من ماء، ثم تُفِيضي على جسدك؛ فإذا أنت قد طَهُرْتِ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: نا سفيان بن عيينة عن أيوب
ابن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم
سلمة.
قلت: والرواية الأخرى في الموضعين لزهير.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه مسلم (1/178) ، وأبو عوانة (1/301) ، والنسائي
(1/47) ، والترمذي (1/175) - وقال: " حسن صحيح "-، وابن ماجه
(1/209) ، والدارقطني (42) ، والبيهقي (1/178) ، وأحمد (6/289) من طرق
عن ابن عيينة ... به.
وقد تابعه الثوري عن أيوب بن موسى ... به.(2/3)
أخرجه أحمد (6/314- 315) ، ومسلم- عن يزيد بن هارون-، وهو والبيهقي
(1/181) - من طريق عبد الرزاق- قالا: أخبرنا الثوري ... به. وفي حديث
عبد الرزاق:
أفأنقضه للحيضة والجنابة؟
وأخرجه أبو عوانة من الطريقين عن الثوري؛ ليس فيه: للحيضة.
وتابعه رَوْحُ بن للقاسم قال: ثنا أيوب بن موسى ... به؛ ولم يذكر الحيضة.
فذِكْرُ: الحيضة في الحديث شاذ؛ لأنها لم ترد في رواية ابن عيينة وللثوري
ورَوْح عن أيوب؛ إلا في رواية عن عبد الرزاق عن الثوري. وقال ابن للقيم في
"تهذئب السنن " (1/167- 168) :
" أما حديث أم سلمة؛ فالصحيح فيه: الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض؛
وليست لفظة الحيض بمحفوطة ... "، ثم ساق الروايات المتقدمة؛ ثم قال:
" فقد اتفق ابن عيينة وروح بن القاسم عن أيوب؛ فاقتصرا على الجنابة.
واختُلف فيه عن الثوري؛ فقال يزيد بن هارون عنه كما قال ابن عيينة وروح. وقال
عبد الرزاق عنه: أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ ورواية الجماعة أولى بالصواب؛ فلو أن
الثوري لم يختلف عليه؛ لترخحت رواية ابن عيينة وروح، فكيف وقد روى عنه
يزيد بن هارون مثل رواية الجماعة؟! ومن أعطى النظر حقه؛ علم أن هذه اللفظة
ليست محفوظة في الحديث ".
247- وفي رواية عنها: إن امرأة جاءت إلى أم سلمة ... بهذا
الحديث، قالت. فسألت لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه؛ قال فيه:
" واغْمِزِي قرونَكِ عند كل حَفْنَة ".(2/4)
(قلت: إسناده حسن، وهو على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثتي ابن نافع- يعني: الصائغ-
عن أسامة عن المَقْبُرِي عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم.
لكن قد خالف أسامة في إسناده؛ فأسقط- من بين المقبري وأم سلمة-:
عبد الله بن رافع؛ وقد صزَح في رواية بسماع المقبري من أم سلمة كما يأتي! فإن
كان أسامة قد حفظه: فهو؛ وإلا فالرواية التي قبلها أصح.
والحديث أخرجه الدارمي (1/263) ، والبيهقى (1/181) من طرق أخرى عن
أسامة ... به. وقال البيهقي:
" وقضر بإسناده أسامة بن زيد في رواية ابن وهب عنه أن سعيدا سمعه من أم
سلمة، وذلك فيما أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق ... ".
قلت: فساق إسناده بذلك، ثم قال:
" ورواية أيوب بن موسى أصح من رواية أسامة بن زيد؛ وقد حفظ في إسناده
ما لم يحفظ أسامة بن زيد ".
248- عن عائشة قالت:
كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة؛ أخذت ثلاث حَفَنات هكذا-
تعني: بكفيها جميعاً-؛ فتصبُّ على رأسها، وأخذت بيد واحدة فصبتْها
على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري في(2/5)
"صحيحه " (.
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن أبي بكَيْرٍ: نا إبراهيم بن
نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (1/306) : حدثنا خَلاد بن يحيى قال: ثنا إبراهيم
ابن نافع ... به. وقال:
على شقها الأيمن ... ، على شقها الأيسر.
249- عن عائشة قالت:
كنا نغتسل وعلينا الضِّماد، ونحن مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محِلات
ومُحْرِمات
(قلت: إسناده صحيح. وقال المنذري: "إسناده حسن ") .
إسناده: حدثنا نصر بن علي: نا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن
عائشة بنت طلحة عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عمر بن سويد،
وهو ثقة، كما في "التقريب "، وثقه ابن معين وابن حبان. فقول المنذري:
" إسناده حسن "!
قصور.
والحديث أخرجه البيهقي (1/181- 182) "من طريق نصر بن علي.(2/6)
250- عن شُريحِ بن عُبَيْدٍ قال:
أفتاني جُبَيْرُ بن نُفَيْرٍ عن الغسل من الجنابة: أن ثوبان حدثهم: أنهم
استفتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك؟ فقال:
" أما الرجل؛ فليَنْشُر رأسه، فليغسله حتى يَبْلُغَ أصول الشعر. وأما
المرأة؛ فلا عليها أن لا تنقضه، لِتَغْرِفْ على رأسها ثلاث غَرَفَات بكفَّيها ".
(قلت: إسناده صحيح. وقواه ابن القيم والشوكاني) .
إسناده: حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش.
قال ابن عوف: ونا محمد بن إسماعيل عن أبيه: ثني ضمضم بن زرعة عن شريح
ابن عبيد.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات؛ غير محمد بن إسماعيل؛ فقال المصنف:
" لم يكن بذاك، قد رأيته ودخلت حمص غير مرة وهو حي؛ وسألت عمرو بن
عثمان عنه؟ فذمه ". وقال أبو حاتم:
" لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدِّث فحدث ".
قلت: وإنما اعتمدنا في تصحيحه على قول محمد بن عوف: " قرأت في أصل
إسماعيل بن عياش ". وهذه وجادة صحيحة من ثقة في أصل ثقة؛ وهي حجة
على المعتمد؛ انظر "مقدمة ابن الصلاح " (ص 169) . وأعله المنذري بقوله:
" في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه؛ وفيهما مقال "! ورد عليه
ابن القيم، فقال:
" وهذا إسناد شامي؛ وأكثر أئمة الحديث يقول: حديث إسماعيل بن عياش(2/7)
عن الشاميين صحيح؛ ونص عليه أحمد بن حنبل رضي الله عنه ". وقال
الشوكاني (1/217) :
" وأكثر ما علل به: أن في إسناده إسماعيل بن عياش. والحديث من روايته
عن الشاميين، وهو قوي فيهم، فيُقْبَلُ ".
قلت: وأعله صاحب "العون " بالانقطاع؛ قال:
"لأن ابن عوف ومحمد بن إسماعيل؛ كلاهما لم يسمع من إسماعيل بن
عياش "!
وهذا منه بناءً على القول المرجوح في ترك العمل بالوجادة! وليس عليه
العمل؛ وما علومنا وما روايتنا إلا من طريق الوجادة!
ولذلك لم يعلَّ الحديثَ بها: المنذري وابنُ القيم والشوكاني؛ فتنبه.
101- باب في الجنب يغسل رأسه بخطمي أيجزئه ذلك؟
102- باب فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء
[ليس تحتهما حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
103- باب مواكلة الحائض ومجامعتها
251- عن أنس بن مالك قال:
إن اليهود كانت إذا حاضت منهم المرأة؛ أخرجوها من البيت، ولم
يُواكِلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت. فسُئِلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن
ذلك؟ فأنزل الله تعالى ذِكْرُة: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا(2/8)
النساء في المحيض ... } إلى آخر الآية. فقال رسول الله:
" جامعوهن في البيوت، واصنعوا كلَّ شيء غيرَ النكاح ".
فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئاً من أمرنا إلا خالَفَنَا فيه!
فجاء أُسَيْدُ بن حضَيْرٍ وعَبَّادُ بن بِشْرٍ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقالا: يا رسول الله!
إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نَنْكِحهنَّ في المحيض؟! فتَمعَّرَ وجه رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حتى ظنَنَّا أنْ قَدْ وجد عليهما! فخرجا، فاستقبلتهما هدية من
لَبَنٍ إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبعث في آثارهما، فسقاهما؛ فظننا أنه لم يجد
عليهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وابن حبان
(1359) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسمأعيل: نا حماد: نا ثابت البناني عن أنس بن
مالك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه الطيالسي (2052) قال: حدثنا حماد بن سلمة ... به.
وأخرجه مسلم، وابن حبان (1359) وأبو عوانة في "صحاحهم "، والنسائي
والدارمي والبيهقي، وأحمد (3/246) عن حماد. وكذا الترمذي (2/162- طبع
بولاق) ؛ وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وروى ابن ماجه بعضه.(2/9)
252- عن عائشة قالت:
كنت آتَعَرَّق العظم وأنا حائض؛ فأعطيه النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيضع فَمَة في
الموضع الذي فيه وضعته، وأشرب الشراب؛ فأناوله، فيضع فَمَه في
الموضع الذي كنت أشرب منه.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم، وابن حبان (1357) ، وأبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الله بن داود عن مسعر عن المقدام بن شريح
عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال "الصحيح ".
والحديث أخرجه مسلم، وابن حبان (1357) ، وأبو عوانة، والنسائي (1/54
و67) ، وأحمد (6/62 و 64 و 192 و " 21) من طرق عن مسعر ... به.
وتابعه سفيان الثوري عندهم.
وشعبة: عند ابن ماجه، والطيالسي (رقم 1514) ، وأحمد (6/127 و 214) .
وله عند النسائي وابن ماجه (643) ، والبيهقي (1/312) طرق أخرى عن المقدام.
253- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يضع رأسه في حَجْرِي؛ فيقرأ وأنا حائض.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .(2/10)
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: نا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن عن
صفية عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (13/446) ، وأبو عوانة والنسائي وابن ماجه،
وأحمد (6/148 و 190 و 204) من طرق عن سفيان ... به.
وأخرجه مسلم (1/169) ، وأحمد (6/158 و 258) - من طريق داود بن
عبد الرحمن المكي-، والبخاري (1/319) ، وأحمد أيضا (6/117) - من طريق
زهير- كلاهما عن منصور ... به.
وله في "المسند" متابعة أخرى (6/135) ، وطريق أخرى (6/68- 69) .
104- باب الحائض تُنَاوِلُ من المسجد
254- عن عائشة قالت:
قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ناوليني الحُمْرَةَ "؛ من السجد.
قلت: إني حائض! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن حيضتك ليست في يَدِكِ ".
(قلت: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح ". وقد أخرجه
مسلم، وابن حبان (1353) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ") .(2/11)
إسناده: حدثنا مسدد بن مسرهد: نا أبو معاوية عن الأعمش عن ثابت بن
عبيد عن القاسم عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح ".
والحديث أخرجه أحمد (6/45 و 229) : ثنا أبو معاويهّ ... به.
وأخرجه مسلم والبيهقي من طرق عن أبي معاوية.
ثم أخرجاه وكذا أبو عوانة في "صحيحه "، والنسائي (1/52- 53 و 68) ،
والترمذي، والطيالسي (رقم 1430) ، وأحمد (6/101 و 173) ، من طرق عن
الأعمش ... به.
ثم أخرجه مسلم، وأحمد (6/114) من طرق أخرى عن ثابت بن عبيد. ثم
قال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وله طريق أخرى عن عائشة:
أخرجه ابن ماجه (1/218) ، وابن حبان (1353) ، وأحمد (6/106 و 110
و179 و 245) من وجوه عن عبد الله البَهِي عنها. وانظر "الإرواء " (194) .
وله شاهد من حديث أبي هريرة: في "صحيحي مسلم وأبو عوانة" و "سنن
النسائي " و "أحمد ".
وعن أنس: عند البزار في "مسنده" (1/ 163/323) من طريق شبيب بن بشر
عنه.
وإسناده حسن.(2/12)
105- باب في الحائض لا تقضي الصلاة
255- عن مُعَاذةَ قالت:
إن امرأة سألت عائشة: أتقضي الحائض الصلاة؟ فقالت:
أحَرُورِيَّةٌ أنت؟! لقد كنَّا نحيض عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلا نقضي ولا
نؤمر بالقضاء.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن حبان
(1346) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا وهيب: نا أيوب عن أبي قلابة عن
معاذة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والترمذي- وقال: " حسن
صحيح "- والدارمي والبيهقي، وأحمد (6/32 و 232) من طرق أخرى عن
أيوب ... به.
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة، والنسائي (1/319) ، وابن ماجه والبيهقي،
والطيالسي (رقم 1570) ، وأحمد (6/97 و 120 و 143 و 185) من طرق عن
معاذة. وفي لفظ:
... فأمرهن أن يَجْزِينَ؟!
أخرجه مسلم وأحمد من طريقما يزيد الرشْكِ عن معاذة.(2/13)
وللحديث طريق أخرى عن عائشة بلفظ:
كنا نحيفعند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فما يأمر امرأة منا بِرد الصلاة.
أخرجه الدارمي (1/233) ؛ وسنده لا بأس به في المتابعات والشواهد.
256- وفي رواية عنها عن عائشة ... بهذا الحديث؛ وزاد فيه:
فنُؤْمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
(قلت: إسنادها صحيح. وقد أخرجها مسلم وأبو عوانة في "صحيحبهما") .
إسناده: حدثنا الحسن بن عمرو: أنا سفيان- يعني: ابن عبد الملك- عن ابن
المبارك عن معمر عن أيوب عن معاذة العدوية.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الحسن بن عمرو
- وهو السَّدُوسِيُ البصري-؛ روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في
"الثقات لما. وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق، لم يصب الأزدي في تضعيفه ".
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي وأحمد من طريق عاصم الأحول
عن معاذة قالت:
سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟!
فقالت: أحرورية أنت؟! قلت: لستُ بحروريةٍ؛ ولكتي أسأًل! قالت:
كان يصيبنا ذلك؛ فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
وأخرجه النسائي (1/319) من طريق قتادة عن معاذة ... نحوه.(2/14)
106- باب في إتيان الحائض
257- عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ في الذي يأتي امرأته وهي
حائض، قال:
" يتصدق بدينار أو نصف دينار ".
قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة قال: "دينار أو نصف دينار".
(قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. وصححه أيضا الحاكم،
ووافقه الذهبي وابن القطان وابن دقيق العيد وابن التركماني وابن حجر
العسقلاني. وذكر الحلال عن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد-
يعني: هذ االحديث-. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم؛ إنما هو كفارة. وقوّاه ابن
القيم) .
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن شعبة قال: حدثني الحكم عن
عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مِقْسم عن ابن عباس ... وربما لم يرفعه شعبة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والحكم: هو ابن عتيبة.
والحديث أخرجه أحمد (1/229- 231) : ثنا يحيى عن شعبة. ومحمد بن
جعفر: ثنا شعبة ... به.
ثم أخرجه (1/286) من طريق محمد بن جعفر أيضا.
وأخرجه ابن ماجه (1/220) : حدثنا محمد بن يشار: ثنا يحيى بن سعيد
ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي عن شعبة ... به.
وأخرجه النسائي (1/55 و 66- 67) : أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا(2/15)
يحيى عن شعبة ... به.
وأخرجه الدارمي (1/254) ، والبيهقي (1/314) من طريق أخرى عن
شعبة ... به. وقال الدارمي- في بيان نسب عبد الحميد هذا-:
" عبد الحميد بن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب؛ وكان واليَ عمر
ابن عبد العزيز على الكوفة ".
قلت: كذا في نسختنا: " عبد الحميد بن زيد ... "! وأرى أن (ابن زيد)
زيادة من بعض النساخ أو الطابع افإنه إعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن
الخطاب (، كما في كتب القوم؛ وكنيته أبو عمر المدني.
ثم أخرجه الحاكم (1/171- 172) من طريق مسدد ... به، وقال: " حديث
صحيح؛ فقد احتجا جميعا ًبـ (مقسم بن نجدة) . فأما عبد الحميد بن
عبد الرحمن؛ فإنه أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري، ثقة مأمون "!
وقد أخطأً الحاكم في موضعين:
الأول: قوله: إن مقسم بن تجدة احتج به الشيخان! وليس كذلك فإن مسلماً
لم يروله البتة.
والآخر: فوله أن عبد الحميد بن عبد الرحمن هذا هو أبو الحسن الجزري! بل
هو أبو عمر المدني؛ كما سبق عن الدارمي.
وأما أبو الحسن الجزري؛ فهو شامي مجهول. وقد أشار الحافط في "التهذيب "
إلى خطأًا لحاكم في قوله: إنه عبد الحميد بن عبد الرحمن! وصرح بذلك في
" التقريب ".
والسبب في وقوع الحاكم في هذا الخطأ: أن أبا الحسن الجزري هذا ممن روى(2/16)
هذا الحديث عن مقسم، كما يأتي بعد هذا؛ فظن الحاكم أنه عبد الحميد بن
عبد الرحمن.
ثم إن البيهقي أخرج الحديث من طرق عن شعبة ... به موقوفاً على ابن
عباس؛ وقد أشار إليه المؤلف كما سبق. ولا يخدج هذا في روايته المرفوعة؛ لأن
الرفع زيادة منه قد حفظها.
وأيضا؛ فقد بين السبب في وقفه له، فيما أخرجه الدارمي: أخبرنا سعيد بن
عامر عن شعبة ... بإسناده عن ابن عباس: في الذي يغشى امرأته وهي حائض:
يتصدق بدينار أو نصف دينار.
قال شعبة: أما حفظي فهو مرفوع، وأما فلان وفلان فقالا: غير مرفوع. فقال
بعض القوم: حدِّثنا بحفظك ودَعْ ما قال فلان وفلان! فقال: والله ما أحب أني
غمِّرْت في الدنيا عمرَ نوح؛ د ني حدثمت بهذا أو سكتّ عن هذا.
وسعيد بن عامر: هو الضّبَعِيُّ، وهو ثقة حجة؛ وقد أبان في روايته عن شعبة
سبب إيقافه للحديث أحياناً، وأن ذلك ليس منه مباشرة؛ بل بسبب الذين أوقفوه!
وذلك مما لا يضره إن شاء الله تعالى.
على أن شعبة لم يتفرد برفعه؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق قتادة: حدثني
الحكم بن عُتَيْبَة. .. به ولفظه:
أن رجلاً أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فزعم أنه أتى- يعني- امرأته وهي حائصْ؟ فأمره
نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتصدق بدينار؛ فإن لم يجد فنصف دينار.
وقد رواه قتادة أيضا عن مقسم ... به.
أخرجه أحمد (1/237 و 312) ، والبيهقي، وقال: " لم يسمعه قتادة من(2/17)
مقسم "!
ثم أخرجه البيهقي من طريق مَطَرِ الورَّاق عن الحكم بن عتيبة عن مقسم ...
به. وقال:
" هكذا رواه جماعة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم. وفي رواية شعبة عن
الحكم دلالة على أن الحكم لم يسمعه من مقسم؛ إنما سمعه من عبد الحميد بن
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مقسم "!
قلت: ولا دلالة على ما ذكره البيهقي؛ لأن الحَكَمَ كان معاصراً لمقسم؛ فجائز
أن يكون قد سمعه منه مباشرة. وقد جزم أحمد ويحبي القطان بأنه لم يسمع منه
إلا خمسة أحاديث؛ ذكرها الحافظ في "التهذيب كا، وفيها هذا الحديث في إتيان
الحائض. وهذا أولى بالقبول لأمرين:
الأول: أنه مثبت، والبيهقي نَافٍ؛ والمثبت مقدم على النافي.
والآخر: أنهما أجلُّ من البيهقي وأعلم بالحديث ورجاله.
وقد تابع عبدَ الحميد بن عبد الرحمن على أصل الحديث غيرُ واحد عن
مقسم؛ لكن خالفوه في لفظه؛ وفي حفظهم ضعف، ولذلك أوردنا حديثهم في
الكتاب الآخر (رقم 41) ؛ ولكنها على كل حال تشهد على أن أصل الحديث
مرفوع ليس بموقوف.
ورواه يعقوب بن عطاء عن مقسم ... به مثل رواية عبد الحميد.
أخرجه الدارقطني (ص 410) ، والبيهقي (1/318) من طريق أبي بكر بن
عياش عن يعقوب. وقال البيهقي:
" ويعقوب بن عطاء لا يحتج بحديثه ". وتعقبه ابن التركماني بقوله:(2/18)
" قلت: أخرج له ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "المستدرك "، وذكر
ابن عدي أنه ممن يكتب حديثه؛ فأقل أحواله أن يتابع بروايته ما تقدم ".
وبعد؛ فإن الكلام على طرق هذا الحديث وأسانيده وألفاظه طويل جدّاً، وفي
القدر الذي ذكرنا كفاية في إثبات صحة إسناده.
وأما من حيثُ متنه؛ فالصواب فيه رواية عبد الحميد هذه؛ وهي التي
رجَّحها المصنف على غيرها وصححها كما رأيت، والألفاظ الأخرى المخالفة
لها؛ في أسانيدها مقال؛ فلا تصلح للمعارضة، ولا يجوز التمسك بها في
دعوى الاضطراب في متنه، كما سنبيِّن ذلك إن شاء الله تعالى في الكتاب
الآخر.
وقد قال الحافظ في "التلخيص " (2/426) :
" والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدّاً ". قال:
" وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق
الطعن فيه بما يراجع منه. وأقر ابنُ دقيق العيد تصحيحَ ابن القطان، وقوّاه في
"الإمام "، وهو الصواب؛ فكم من حديث قد احتجوا به؛ فيه من الاختلاف أكثر
مما في هذا، كحديث بئر بضاعة [رقم 59 و 60] ، وحديث القلتين [رقم 56- 58]
ونحوهما. وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في "شرح المهذب " و "التنقيح "
و"الخلاصة": أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه، وأن الحق أنه ضعيف
باتفاقهم. وتبع النوويُ في بعض ذلك ابنَ الصلاح ".
قلت: وقوّاه ابن التركماني؛ ومنه نقلنا ما ذكرنا في الأعلى عن أحمد. وكذا
قوّاه ابن القيم في "التهذيب ".
وتجد تفصيل الكلام على هذا الحديث وطرقه وألفاظه في تعليق الشيخ أحمد(2/19)
محمد شاكر على "الترمذي " (1/246- 254) . وفيه تحقيق دقيق، لا تجده في
كتاب؛ إلا أنه وهم في بعض الشيء، لكنه لا يخدج في تحقيقه لصحة الحديث،
فانظر كلامنا على الحديث الآتي.
258- عن ابن عباس قال:
إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار.
(قلت: هو بهذا التفصيل موقوف صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد السلام بن مُطَهّر: نا جعفر- يعني ابن سليمان- عن علي
ابن الحكم البُنَاتي عن أبي الحسن الجَزَرِيِّ عن مقسم عن ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح "؛ غير أبي الحسن الجزري؛ وهو
مجهول، وزعم الحاكم أنه عبد الحميد بن عبد الرحمن راوي الحديث السابق! وهو
وهم منه، كما سبق بيانه هناك.
لكنه لم يتفرد به كما يأتي؛ فكان الحديث صحيحاً موقوفاً.
والحديث أخرجه البيهقي (1/318) من طريق المؤلف.
وأخرجه الحاكم (1/172) من طريق أخرى عن عبد السلام ... به. وقال:
" قد أُرسل هذا الحديث وأُوقف أيضا. ونحن على أصلنا الذي أصلناه: أن
القول قول الذي يسنده ويصل؛ إذا كان ثقة ".
قلت: وهو كما قال الحاكم رحمه الله. ويشير بذلك بلى حديث عبد الحميد
السابق؛ فإنه أورد عقيبه هذا الحديث الموقوف.
وله طريق أحرى عن مقسم؛ وهو:(2/20)
259- قال أبو داود: " وكذلك قال ابن جريج عن عبد الكريم عن
مقسم ".
(قلت: وصله الدارمي؛ لكنه قال: عن عبد الكريم عن رجل ... لم يسمِّ
مقسماً) .
إسناده: هو معلق كما ترى، ولم أجده موصولاً عن ابن جريج هكذا.
نعم؛ أخرجه الدارمي (1/254) من طريق سفيان عن ابن جريج عن
عبد الكريم عن رجل عن ابن عباس ... به موقوقاً.
فلعل هذا الرجل الذي لم يسَمَّ وقع مسمَّى عند المصنف.
وقد رواه ابن جريج أيضا عن عطاء عن ابن عباس. قال البيهقي:
" وقد قيل: عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس موقوفاً. وإن كان
محفوظاً؛ فهو من قول ابن عباس يصح ... "، ثم ساق إسناده إلى سفيان الثوري
عن ابن جريج ... به. قال:
" والمشهور: عن ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية عن مقسم عن ابن عباس،
كما تقدم ". وتعقبه ابن التركماني في موضعين: الأول؛ قوله: " إن كان محفوظاً "؛
فقال:
" رجال إسناده ثقات؛ فلا وجه لتمريضه بقوله: فإن كان محفوظاً ".
والموضع الآخر؛ قوله: " والمشهور عن أبن جريج ... " إلخ، فقال ابن
التركماني:
" وكأنه يقصد بذلك أيضا الاستضعاف لرواية ابن جريج عن عطاء؛ وليست(2/21)
تلك الرواية معارضة لهذه، فيحمل على أن ابن جريج روى عنهما: أعني
عبد الكريم وعطاء "!
قلت: ولعل وجه تمريض البيهقي لرواية ابن جريج عن عطاء: أن ابن جريج
مدلس وقد عنعنه.
على أن ابن جريج قد رواه عند عبد الكريم مرفوعاً؛ وهما التي أشار إليها
البيهقي بقوله: " كما تقدم ".
وقد أخرجها أحمد (1/367) قال: ثنا عبد الرزاق: أنا ابن جريج قال:
أخبرني عبد الكريم وغيره عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث أن ابن عباس
أخبره:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل في الحائض نِصَابَ دينار، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها
ولم تغتسل؛ فنصف ديار. كل ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والبيهقي أخرجه (1/316) من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي
أمية عبد الكريم البصري ... به نحوه مرفوعاً.
وأخرجه الدارقطني (ص 411) من طريق ابن لهيعة عن عبد الملك بن
عبد العزيز بن جريج عن عبد الكريم البصري أنه أخبره ... به.
وأخرجه البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن عبد الكريم أبي أمية عن
عكرمة عن ابن عباس ... مرفوعاً نحو الرواية الأولى في الباب؛ وزاد:
وفسره مقسم فقال. إذا كان في إقبال الدم فدينار ... الحديث فجعله من
تفسير مقسم.
ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن عبد الكريم عن مقسم ... به مرفوعاً(2/22)
مفسراً.
ثم رواه من طريق هشام الدَّسْتوائي: ثنا عبد الكريم أبو أمية عن مقسم ... به
موقوفا مثل الرواية الأولى. ثم قال البيهقي:
" هذا أشبه بالصواب. وعبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية غير محتج به ".
وقال الحافظ في "التلخيص " (1/424) :
" وهو مجمع على ضعفه ".
واعلم أن في الرواة من طبقة واحدة رجلين؛ اسم كل منهما عبد الكريم:
أحدهما ضعيف؛ وهو عبد الكريم بن أبي الخارق أبو أمية البصري.
والآخر ثقة من رجال الشيخين؛ وهو عبد الكريم بن مالك الجزري أبو سعيد
الحَرَاني.
فاختلفوا في راوي هذا الحديث؛ هل هو الأول أم الآخر؟!
فجزم البيهقي أنه الأول- كما رأيت-، وتبعه الحافظ ابن حجر، وسبقهما
الإمام أحمد فقال في "المسند" (1/237) - عقب رواية قتادة عن مقسم المتقدمة
في الحديث الأول-:
" ورواه عبد الكريم أبو أمية ... مثله بإسناده ".
وخالفهم ابن التركماني- تبعاً للمزي-؛ فذهبا إلى أنه ابن مالك الجزري الثقة!
وتبعهما الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على " الترمذي " (1/247) ؛ وصحح
إسناده من أجل ذلك!
والحق: أنه الأول؛ لأن ابن جريج صرح بأنه أبو أمية البصري في رواية نافع(2/23)
ابن يزيد عنه، ووافقه ابن لهيعة عنه في أنه البصري، وكذلك صرح هشام
الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة بأنه أبو أمية.
فبعد اتفاق هؤلاء الثلاثة على أنه أبو أمية البصري الضعيف؛ لا مجال للقول
بأنه ابن مالك الجزري الثقة؛ لا سيما وأنه لم يأتِ مصرَّحاً بذلك في شيء من
الروايات؛ إلا في رواية عبد الله بن مُحَزر عنه؛ فقال: عبد الكريم بن مالك.
لكن ابن محرر هذا متروك؛ بل كذبه بعضهم.
ومما يدل على أنه عبد الكريم الضعيف: اضطرابه في إسناد هذا الحديث، وفي
متنه:
أما الأول؛ فرواه الجمهور عنه عن مقسم عن ابن عباس، ورواه سعيد- في
رواية- عنه عن عكرمة عن ابن عباس.
وأما اضطرابه في متنه؛ فهو أنه تارة يرويه مرفوعاً، وتارة موقوفاً. ثم إنه تارة
يروي كلا منهما مفسراً، وأخرى غير مفسرٍ، وتارة يجعل التفسير من كلام مقسم!
وتجد هذا كله أو جله فيما سبق من التخريج.
والصواب من ذلك: المرفوع غير مفسر؛ لمتابعة عبد الحميد له.. وأن المفسر من
قول ابن عباس؛ لمتابعة أبي الحسن الجزري وعطاء له؛ كما قد سبق بيانه.
107- باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع
260- عن ميمونة قالت:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض؛ إذا كان عليها
إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين؛ تحتجز به.(2/24)
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال أبو الحسن السِّنْدِي، وصححه ابن
حبان (1362) وقوّاه ابن القيم وحسنه المنذري) .
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن مَوْهَب الرَّمْلي: ثتي الليث بن
سعد عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة عن نُدْبَة مولاة ميمونة عن ميمونة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير ندبة- بضم أولها؛ ويقال: بفتحها،
وسكون الدال بعدها موحدة، ويقال: بموحدة أولها مع التصغير- مقبولة، ويقال: إن
لها صحبة؛ كذا في "التقريب ". وفي "التهذيب ":
" ذكرها ابن حبان في "الثقات "، وذكرها ابن منده وأبو نعيم في
"الصحابة" ... ".
وأما ابن حزم؛ فقال في "المحلى" (2/179) :
" وهي مجهولة لا تعرفط ".
قلت: لكن الحديث له طريق آخر وشواهد؛ فهو بها صحيح بلا شك. ولذلك
قال ابن القيم رحمه الله- راداً على ابن حزم-:
" فأما تعليله حديث ندبة بكونها مجهولة؛ فإنها مدنية روت عن مولاتها
ميمونة، وروى عنها حبيب، ولم يعلم أحد جرحها، والراوي إذا كانت هذه حاله؛
إنما يخشى من تفرده بما لا يتابع عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس، وكانت لروايته
شواهد ومتابعات؛ فإن أئمة الحديث يقبلون حديثاً مثل هذا، ولا يردونه ولا
يعللونه بالجهالة، فإذا صاروا إلى معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر؛ عللوه بمثل
هذه الجهالة وبالتفرد. ومن تأمل كلام الأئمة رأى فيه ذلك، فيظن أن ذلك تناقض
منهم، وهو مَحْضُ العلم والذوق والوزن المستقيم. فيجب التنبه لهذه النكتة؛
فكثيراً ما تمر بك في الأحاديث، ويقع الغلط بسببها ".(2/25)
قلت: وهذه قاعدة مهمة، نبه عليها الحافظ ابن القيم رحمه الله. وعليها جرينا
ونجري في كتابنا وفي الكتب الأخرى إن شاء الله تعالى، وعلى ذلك أئمة الحديث
كما قال ابن القيم؛ ومنهم خاتمة الحفاظ المحققين: الحافظ ابن حجر. وأقرب مثال
منه على ذلك قوله في (ندبة) هذه: إنها "مقبولة"؛ أي: حيث تتابع؛ وإلا فهي
لينة الحديث، كما قد نص عليه في "المقدمة"
والحديث أخرجه النسائي (1/54- 55 و 67) ، والدارمي (1/246) ،
والبيهقي (3/311) ، وأحمد (6/332 و 335- 336) من طرق عن الليث ... به.
وكذا أخرجه الطحاوي (2/21) .
وقد تابعه شعيب بن أبي حمزة- عند البيهقي-، ومحمد بن إسحاق- عند
أحمد- كلاهما عن الزهري ... به نحوه.
وتابعهم يونس: عند الطحاوي.
وأما الطريق الآخر؛ فهو عند مسلم (1/167) ، وأبي عوانة (1/359- 310) ،
والدارمي (1/244) ، وأحمد (6/335) عن عبد الله بن شداد عن ميمونة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّضٌ.
وأخرجه البخاري أيضا (1/321) ، والمصنف نحوه. ويأتي برقم (1883) .
وله عنها طريق ثالث: عند مسلم وأبي عوانة.
ومن شواهده: ما أخرجه ابن ماجه (1/219) من طريق ابن إسحاق عن يزيد
ابن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حُدَيْج عن معاوية بن أبي
سفيان عن أم حبيبة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
سالتها: كيف كنتِ تصنعين مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحيضة؟ قالت: كانت(2/26)
إحدانا في فورها- أولَ ما تحيض- تشد عليها إزاراً إلى أنصاف فخذيها، ثم
تضطجع مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهذا إسناد حسن، لولا عنعنة ابن إسحاق. ولكنه صحيح مَعْنىً؛ بحديث
الباب، كما قال السندي.
ومن شواهده: أحاديث عائشة في الباب.
261- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر إحد انا- إذا كانت حائضاً- أن تَتَّزِرَ، ثم
يضاجعها زوجها (وقال مرة: يباشرها) .
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا ابن حبان
(1361) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود
عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث أخرجه أحمد (6/174) : ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة ...
به
وأخرجه الطيالسي (رقم 1375) .
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة والنسائي والترمذي- وقال: " حديث حسن
صحيح "- والدارمي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي أيضا، وأحمد (6/134(2/27)
و 189 و 209) من طرق عن منصور ... به.
262- حديث
وقد تابعه عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه. ويأتي أخر الباب.
262- عن خِلاس الهَجَرِيَ قال: سمعت عائشة تقول:
كنت أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيت في الشِّعَارِ الواحد؛ وأنا حائض
طامث؛ فإن أصابه منه شيء،؛ غسل مكانه ولم يَعْده، ثم صلى فيه،
وإن أصاب- تعني- ثوبه مني شيء؛ غسل مكانه ولم يَعْدُه، ثم صلى
فيه.؟
(قلت: إسناده صحيح. وقال المنذري: " هو حسن ")
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن جابر بن صُبْح قال: سمعت خلاساً
الهَجَرِي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير جابر بن
صُبح؛ قال ابن معين:
"ثقة".
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال المنذري عقب الحديث:
" وهو حسن ".
والحديث أخرجه النسائي (1/67) : أخبرنا محمد بن المثنى قال: ثنا
يحيي ... به.
ورواه البيهقي عن المؤلف.(2/28)
263- عن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كان إذا أراد من الحائض شيئاً؛ ألقى على فرجها ثوياً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ: " إسناده قوي ".
وقال ابن عبد الهادي: " إسناده صحيح ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن أيوب عن عكرمة عن
بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في "الفتح "
(1/321) :
" إسناده قوي ". وقال ابن عبد الهادي- كما في "فيض القدير"-:
" إسناده صحيح ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/314) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو بكر
ابن إسحاق: ثنا أبو مسلم: ئنا أبو عمر: ثنا حماد ... به؛ وزاد:
ثم صنع ما أراد.
قال أبو بكر: " وكل أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثقات ".
264- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا- في فَوْح حيضتنا- أن نتزر ثم يباشرنا.
وأيكم يملك إرْبه كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يملك إربه؟!
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة(2/29)
في "صحاحهم ". وصححه الحاكم أيضا على شرطهما ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير عن الشيباني عن عبد الرحمن
ابن الأسود عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وكذا قال الحاكم (1/172) - وقد أخرجه عن عثمان-، ووافقه الذهبي.
والحديث أخرجه الشيخان وأبو عوانة وابن ماجه والبيهقي من طريق- علي
ابن مُسْهر-، وأبو عوانة وابن ماجه، وأحمد (6/33) - من طرق أخرى- كلهم عن
أبي إسحاق الشيباني ... به.
وله طريق أخرى عن عائشة: رواه أبو إسحاق- وهو السبِيعي- عن أبي ميسرة
عنها ... به.
أخرجه أحمد (6/113 و 160- 161 و 182 و 204) ، والطحاوي (2/21) ،
والبيهقي (1/314) من طرق عنه.
وهذا إسناد صحيح أيضا على شرطهما.
108- باب في المرأة تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام
التي كانت تحيض
265- عن أم سلمة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
إن امرأة كانت تُهْرَاقُ الدمَاءَ على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فاستفتت لها
أمّ سلمة رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال:(2/30)
" لتنظرْ عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
يصيبها الذي أصابها، ولتتركِ الصلاة قدرَ ذلك من الشهر، فإذا خَلَفَتْ
ذلك؛ فلتغتسل ثم لتستثفرْ بثوب، ثم لتصلِّ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال النووي) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار
عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال النووي في
"المجموع " (2/415) .
وقد أعل بالانقطاع! ويأتي الجواب عنه.
والحديث في " الموطأً" (1/80- 81) . ومن طريقه: رواه محمد في "موطئه "
(ص 79) ، وكذا النسائي (1/65) ، والبيهقي (1/332) ، وأحمد (6/325) كلهم
عن مالك ... به. وكذا رواه عنه في "الحلية" (9/157) .
وقد تابعه عبيد الله بن عمر قال: أخبرني نافع ... به:
أخرجه النسائي وابن ماجه (1/215) ، والدارقطني (ص 80) - عن أبى
أسامة-، وأحمد (6/293) - عن ابن نمير- كلاهما عنه.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيجة عنهما كليهما في "المصنف "؛ كما في "الجوهر
النقي ".
وخالفهما أنس بن عياض عنه؛ فأدخل بين سليمان بن يسار وأم سلمة
رجلاً.(2/31)
أخرجه المصنف بعد الرواية الاتية. قال ابن التركماني:
" وأبو أسامة أجل من أنس بن عياض؛ وقد تابعه عبد الله بن نمير؛ فروايتهما
مرجحة بالحفظ والكثرة ".
وتابعه عن سليمان بن يسار: أيوبُ السَّخْتِياني:
أخرجه الدارقطني (ص 76) ، والبيهقي (334) ، وأحمد (6/322) ؛ ولم
يختلف عليه فيه؛ بخلاف رواية نافع. فقول البيهقي:
" إن سليمان بن يسارلم يسمعه من أم سلمة "!
غير قوي؛ وإن كان احتج على ذلك برواية الليث وغيره عن نافع ... مثل
رواية أنس بن عياض عن عبيد الله.
وقد ذكر المؤلف رواياتهم- فيما بعد- وقد اختلف فيه على الليث أيضا، كما
سنبينه في الرواية الآتية.
فترجيح ما اختُلِفَ فيه على مالم يُخْتَلَفْ فيه؛ مما لايخفى ضعفه؛ لاسيما
وأن سليمان بن يسار ثقة جليل، أحد الفقهاء السبعة، ولم يعرف بتدليس، وقد
أدرك أم سلمة حتماً؛ فحديثه عنها محمول على الاتصال.
فإن كان لا بد من الترجيح؛ فرواية أيوب أصح من رواية نافع؛ وإلا فالروايتان
ثابتتان، ويكون ابن يسار سمعه منها مباشرة (1) ، ومرة بالواسطة. وقد قال ابن
التركماني:
" وذكر صاحب "الكمال " أن سليمان سمع من أم سلمة؛ فيحتمل أنه سمع
هذا الحديث منها، ومن رجل عنها ".
__________
(1) وقد روى له أحمد (6/306) حديثاً آخر، صرح فيه بسماعه منها.(2/32)
قلت: وقد ذكر الحافظ (أم سلمة) في جملة من سمع منهم سليمان بن يسار.
ولذلك صحح النووي إسناد الحديث كما سبق؛ ولم يعرِّج على إعلال البيهقي له
بالانقطاع أو جهالة الواسطة.
ويقؤي الحديث: أن له طريقاً أخرى عن أم سلمة؛ سنورده عند الكلام على
الرواية الأخيرة للحديث (رقم 269) .
266- وفي رواية عنها:
أن امرأة كانت تُهراق الدمَ ... فذكر معناه؛ قال: " فإذا خلفت ذلك
وحضرت الصلاة؛ فلتغتسل.... " بمعناه.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب
قالا: ثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار أن رجلاً أخبره عن أم سلمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لولا الرجل الذي لم يسمَ.
لكن قد رواه سليمان عن أم سلمة؛ دون هذه الواسطة، كما في الرواية
الأولى؛ وقد ذكرنا عندها أنها أرجح من هذه، فراجعها.
والحديث أخرجه الدارمي (1/199) ، والبيهقي (1/333) من طرق عن
الليث ... به.
وقد اختلف فيه على الليث:
فأخرجه المصنف- ومن ذكرنا- هكذا.
ورواه آسِيدٌ عن الليث ... مثل رواية مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن(2/33)
أم سلمة.
ورواه آسِيدٌ أيضا عن أبي خالد الأحمر سليمان بن حيان والحجاج بن
أرطاة كلاهما عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة. كذا في "الجوهر
النقي ".
وقد تابع ليثاً على الوجه الأول: عبيد الله بن عمر، وصخر بن جويرية،
وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، وجويرية بن أسماء عن نافع:
أما حديث عبيد القه فهو:
267- وفي رواية عن سليمان بن يسار عن رجل من الأنصار:
أن امرأة كانت تهْرَاق الد ماءَ ... فذكر معنى حديث الليث؛ قال:
" فإذا خَلَفَتْهنَّ وحضرت الصلاة؛ فلتغتسل ... "، وساق معناه.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا أنس- يعني: ابن عياض- عن
عبيد الله عن نافع عن سليمان بن يسار.
والكلام على هذا الإسناد كالكلام على الذي قبله.
والحديث أخرجه البيهقي (1/333) من طريق المؤلف.
وقد خولف فيه أنس بن عياض؛ فرواه أبو أسامة وابن نمير عن عبيد الله ...
مثل رواية مالك عن نافع؛ وقد سبق تخريجها عند تخريج الرواية الأولى.
وأما حديث صخر بن جويرية؛ فهو:(2/34)
268- وفي رواية عن نافع ... بإسناد الليث ومعناه؛ قال:
" فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة؛ فلتغتسل
وَلْتَسْتَذْفِرْ بثوب، ثم تصلي ".
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا يعقوب بن إبراهيم: نا عبد الرحمن بن مهدي: نا صخر بن
جويرية عن نافع.
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
والدارقطني (ص 80) من طريق أخرى عن ابن مهدي.
وأما حديث إسماعيل بن إبراهيم وجويرية بن أسماء؛ فأخرجهما البيهقي،
وسبق تحقيق الكلام على هذا الحديث.
269- عن وهيب: نا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة ... بهذه
القصة؛ قال فيه:
" تدع الصلاة، وتغتسل فيما سوى ذلك، وتستذفر بثوب وتصلي ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا وهيب ... به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص 76) - عن مُعَلَّى بن أسد-، والبيهقي
(1/334) - عن عفان- كلاهما عن وهيب ... به، وفي روايتهما تسمية المرأة.(2/35)
ولفظه من طريق عفان: عن أم سلمة:
أن فاطمة- وقال معلى- بنت أبي حُبَيْمثيل استحيضت، فكانت تغتسل من
مِرْكَن لها، فتخرج وهي غالبة الصفرة، فاستفتت لها ام سلمة رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فقال:
" لتنظر أيام أقرائها وأيام حيضتها؛ فتدع فيها الصلاة وتغتسل ... " الحديث.
وقد أخرجه أحمد أيضا (6/322- 323) : ثنا عفان ... به.
وقد تابع أيوبَ عن سليمان: نافغ في بعض الروايات عنه؛ وقد سبق بيان
اختلاف الروايات عليه في ذلك.
270- قال أبو داود: " وسمى المرأةَ التي كانت استحيضت حمادُ بن
زيد عن أيوب ... في هذا الحديث؛ قال: فاطمة بنت أبي حُبَيْش ".
(قلت: وصله الدارقطني عنه بإسناد صحيح) .
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارقطني (ص 67) .
وإسناده صحيح.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق إسماعيل عن أيوب ... به؛ وفيه التسمية
أيضا؛ وإسماعيل: هو ابن علية.
وللحديث طريق أخرى: أخرجه أحمد (6/304) : ثنا سريج: ثنا عَبْدُ الله
- يعني: ابن عمر- عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم
سلمة قالت:
جاءت فاطمةُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إني أُسْتَحاضُ ... الحديث نحوه.(2/36)
ورواه البيهقي (1/335) مختصراً،
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ لكن عبد الله بن عمر- وهو العمري-
سيئ الحفظ؛ غير أنه صحيح الحديث في المتابعات.
271- عن عائشة أنها قالت:
إن أم حبيبة سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الدم- فقالت عائشة: فرأيت
مِرْكَنَهَا ملآنَ دماً-؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" امكثي قَدْرَما كانت تحبسك صيئ. خُلث،، ثم اغتسلي ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة
في "صحيحيهما". ولمسلم فيه شيخان؛ أحدهما شيخ المصنف فيه) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن جعفر
عن عِرَاك عن عروة عن عائشة.
قالى أبو داود: " ورواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها.
ورواه ابن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة.
قلت: ومقصود المؤلف من هذا التعليق: أن جعفراًا لذي وقع غير منسوب في
إسناده؛ إنما هو جعفر بن ربيعة؛ لأمرين ذكرهما:
الأول: أن قتيبة روى هذا الحديث في أتناء أحاديث يرويها لجعفر بن ربيعة،
ووقع هذا في آخرها هكذا: (جعفر) غير منسوب، وهو جعفر بن ربيعة، كما جاء
منسوباً في الأحاديث التي قبلها عند قتيبة.
والأمر الأخر: أن ابن عياش ويونس روياه عن الليث فقالا: جعفر بن ربيعة.(2/37)
والحديث أخرجه مسلم (1/181) ، والنسائي (1/65) عن قتيبة ... بهذا
الإسناد.
وأخرجه البيهقي (1/331) من طريق أحمد بن سلمة عنه.
ثم قال النسائي: وأخبرنا به قتيبة مرة أخرى؛ ولم يذكر فيه: جعفر بن ربيعة.
قلت: يعني: أنه أسقطه من الإسناد.
والصواب إثباته؛ فقد تابعه على ذلك محمد بن زمْح: عند مسلم، ويونس بن
محمد وشعيب بن الليث: عند أبي عوانة (1/322) ً، ويحبي بن بكير: عند
البيهقي؛ كلهم قالوا: عن الليث عن يزيد عن جعفر عن عراك ... به.
ورواه بكر بن مضر أيضا عن جعفر بن ربيعة: أخرجه مسلم وأبو عوانة
والبيهقي.
272- عن المنذر بن المغيرة عن عروة بن الزبير: أن فاطمة بنت أبي
حبيش حدثته:
أنها سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فشَكَتْ إليه الدم؟ فقال لها رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنما ذلك عرق؛ فانظري إذا أتى قرْؤك فلا تصلِّي، فإذا مَرّ قُرْؤًكِ
فتطهَّري؛ ثم صلِّي ما بين القرْءِ إلى القرْءِ ".
(قلت: حديث صحيح. وقد صححه عبد الحق "الأحكام الكبرى"
(521) ، وهو بمعنى حديث عروة عن عائشة الاتي في الباب الذي يلي (رقم
281)) .(2/38)
إسناده: حدثنا عيسى بن حماد: أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن ئكَيْرٍ
ابن عبد الله عن المنذر بن المغيرة.
قلت: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير المنذر بن المغيرة؛ قال المنذري في
"مختصره " (رقم 271) :
" سئل عنه أبو حاتم الرازي؟ فقال: هو مجهول ليس بمشهور ". وقال الذهبي
في " الميزان ":
" لا يعرف؛ وبعضهم قوّاه. وقال أبو حاتم: مجهول ".
قلت: وهذا (البعض) الذي أشار إليه الذهبي؛ إنما هو ابن حبان؛ فقد أورده
في "الثقات "- كما في "التهذيب "-. وقال في "التقريب ":
" مقبول "؛ حيث يتابع؛ وإلا فلين الحديث.
والحديث أخرجه النسائي (1/65) : أخبرنا عيسى بن حماد ... به.
وأخرجه البيهقي (1/331) - عن يحيى بن بكير-، وأحمد (6/420 و 463)
- عن يونس بن محمد-؛ وكلاهما عن الليث ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/214) : حدثنا محمد بن رمح: أنا الليث ... به،
كلاهما عن الليث.... به.
وقال النسائي عقيبه:
" وقد روى هذا الحديث: هشام بن عروة عن عروة ... ولم يذكر فيه ما ذكر
المنذر "؛ يعني: من سماع عروة للحديث من فاطمة، وحديث هشام يأتي في
الباب للذي يلي (رقم 281) . وقال البيهقي:(2/39)
" وفي هذا ما دل على أنه لم يحفظه، وهو سماع عروة من فاطمة بنت أبي
حبَيْش؛ فقد بين هشام بن عروة ان أباه إنما سمع قصة فاطمة بنت أبي حُبَيْش من
عائشة. وروايته في الإسناد والمق جميعاً أصح من رواية المنذر بن المغيرة ". وتعقبه
ابن التركماني بقوله:
" رواه هشام عن أبيه عنها، وليس في روايته هذا الحصر الذي ذكره البيهقي؛
وهو أنه بين أن أباه إنما سمع القصة منها. وقد زعم ابن حزم أن عروة أدرك فاطمة،
ولم يَسْتَبْعِد ْأن يسمعه من فاطمة ".
وجزم بسماع عروة من عائشة وفاطمة: ابنُ القيم رحمه الله؛ فقال في
"للتهذيب " (1/82- 183) - رداً على إعلال ابن القطان للحديث؛ بقوله: " المغيرة
مجهول. قاله أبو حاتم الرازي، والحديث عند غير أبي داود معنعن، لم يقل فيه:
إن قاطمة حدثته "-. قال ابن القيم:
[" إن عروة قد أدرك عائشة وفاطمة] كلتيهما، وسمع منهما بلا ريب، ففاطمة
بنت عمه وعائشة خالته؛ فالانقطاع الذي رمى به الحديث مقطوع دابره، وقد صرح
بأن فاطمة حدثته. وقوله: إن المغيرة جهله أبو حاتم؛ لا يضره ذلك؛ فإن أبا حاتم
الرازي يجهل رجالاً وهم ثقات معروفون، وهو متشدد في الرجال، وقد وثق المغيرةَ
جماعة وأثنوا عليه وعرفوه. وقوله: الحديث عند غير أبي داود معنعن؛ فإن ذلك لا
يضره؛ ولا سيما على أصله في زيادة الثقة، فقد صرح سهيل عن الزهري عن عروة
قال: حدثتتي فاطمة. [قلت: يعني: الرواية الآتية (رقم 273) ] . وحَمْلة على
سهيل وأن هذا مما ساء حفظه فيه: دعوى باطلة، وقد صحح مسلم وغيره حديث
سهيل "!
قلت: وفي هذا الرد نظر من وجهين:
الأول: قوله: " وقد وثق المغيرة جماعةٌ "، وهذا وهم تبع فيه ابن القطان؛ وإنما(2/40)
هو (المنذر بن المغيرة) .
وقوله: "وثقه جماعة"! غير صحيح؛ فلم يوثقه غير ابن حبان كما سبق؛ وهو
معروف بتساهله في التوثيق. وقد أشار إلى ذلك الذهبي فيما سبق، وجزم بأنه لا
يعرف.
والوجه الأخر: أن سهيلاً قد تردد في إسناده بين أن يكون سمعه من قاطمة
أو من أسماء- كما يأتي-؛ فلا حجة فيه؛ لاسيما وأنه قد خالفه غيره؛ فجزم أنه
من (مسند أسماء) ؛ كما سيأتي في الكتاب.
والحق: أن علة الحديث جهالة (المنذر) هذا.
ولكن لما كان له طرق أخرى وشواهد يأتي ذكرها في الكتاب؛ حكمنا عليه
بالصحة.
منها: ما عند الحاكم (4/62) من طريق أبي قلابة: ثنا أبو عاصم عن عثمان
ابن الأسود عن ابن أبي مليكة:
أن خالته فاطمة بنت أبي حُبَيْش أتت عائشة فقالت: إتي أخاف أن أكون من
أهل النار! لم أصل منذ نحوٍ مِنْ سَنَتَينِ! فمساكت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال ... فذكره
نحوه.
273- عن الزهري عن عروة بن الزبير قال:
حدثتني فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ: أنها أمرت أسماءَ- أو أسماء
حدثتني-: أنها أمرتها فاطمة بنت أبي حُبَيْش أن تسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال "الصحيح "، والتردد المذكور في(2/41)
إسناده لا يُعِلهُ، على أن الصواب فيه أنه من رواية عروة عن أسماء بنت
عميس. كذلك رواه خالد بن عبد الله عن سهيل عن الزهري. وسيأتي في
الكتاب (رقم 308))
إسناده: حدثنا يوسف بن موسى: نا جرير عن سهيل- يعني: ابن أبي صالح-
عن الزهري.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال "الصحيح ".
274- قال أبو داود: " رواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم
سلمة: أن أم حبيبة بنت جَحْش اسْتًحيِضَتْ، فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تدع
الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي ".
قال أبو داود: " لم يسمع قتادة من عروة شيئاً ".
(قلت: لكنه بمعنى حديث عائشة السابق (رقم 271))
إسناده معلق؛ ولم أقف عليه موصولاً! وقد ذكره البيهقي (1/332) عن
المؤلف هكذا معلقاً؛ ثم قال:
" ورواية عراك بن مالك عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة أصح من هذه
الرواية ".
قلت: حديث عائشة هذا قد سبق في الباب (رقم 271) ؛ وهو مثل هذا في
المعنى؛ فإنه قال لها فيه:
" امكثي قَدْرما كانت تحبسك حيضتك "؛ فهذا مثل قوله هنا:
فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها.(2/42)
275- وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأمرها أن تدع
الصلاة أيام أقرائها.
قال أبو داود: " وهذا وهم من ابن عيينة، ليس هذا في حديث الحفاط عن
الزهري؛ إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح. وقد روى الحميدي هذا الحديث عن
ابن عيينة؛ لم يذكر فيه: تدع الصلاة أيام أقرائها ".
(قلت: وصله مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما". وابن عيينة ثقة حافظ
متقن، وقد تابعه الأوزاعي وغيره من الثقات، فانظر الحديث الأتي (رقم
283) .
وقد خالف الحميديَّ: محمدُ بن المثنى ومحمدُ بن الضباح ومحمدُ بن
إدريس الشافعي الامام وموسى بن عبد الرحمن المسروقي؛ فكلهم رووه عن ابن
عيينة؛ فذكروا فيه هذه الزيادة. ورواية هؤلاء مقدمة على رواية الحميدي) .
إسناده معلق؛ وقد وصله مسلم (1/181) - عن محمد بن المثنى-، وأبو عوانة
(1/322) - عن محمد بن الصباح-، والنسائي (1/45) - عن موسى-،
والطحاوي (1/60) - عن محمد-؛ كلهم عن سفيان بن عيينة عن الزهري ...
به. ولم يَسُقْ مسلم والطحاوي لفظه.
ومحمد عند الطحاوي: هو ابن إدريس الشافعي الإمام.
وأما موسى عند النسائي- وهو شيخه فيه-؛ فلم يتبين لي من هو؟! وفيمن
روى عنهم النسائي في "سننه " كثيرون بهذا الاسم؛ وهم:
1- موسى بن حزام الترمذي أبو عمران الفقيه.(2/43)
2- موسى بن سعيد بن النعمان أبو بكر الطرَسُوسِيُ المعروف بالدندَاني.
3- موسى بن سليمان بن إسماعيل أبوالقاسم المَنْبِجِي.
4- موسى بن عبد الله بن موسى بن موسى الخُزَاعي أبو طلحة البصري.
5- موسى بن عبد الرحمن بن سعيد المسروقي أبو عيسى الكوفي.
6- موسى بن محمد الشامي أبو محمد.
ولم يذكر الحافظ في "التهذيب " فيمن روى عنه هؤلاء: سفيان بن عيينة!
فلذلك لم نستطع تعيين المراد منهم! ويغلب على الظن أنه موسى بن عبد الرحمن
المسروقي؛ فإنه كوفي مثل ابن عيينة؛ ثم تأكد ذلك عندي حين راجعت
الأحاديث المتقدمة على هذا؛ فوجدته قد أخرج له حديثين آخرين (1/27
و36) ، قال في الأول منهما: " أخبرنا موسى بن عبد الرحمن ". وقال في
الأخر: " أخبرنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ". ثم روى له هذا
الحديث فقال: " أخبرنا موسى "؛ فلم ينسبه اعتماداً على ما سبق، كما جرت
عليه عادة المحدثين.
وقد أخرجه (1/44) من طريق محمد بن المثنى أيضا.
ثم إن المصنف قد أعل الحديث بتفرد ابن عيينة به عن الزهري دون سائر
أصحابه، وبأن الحميدي رواه عن ابن عيينة؛ فلم يذكر فيه:
تدع الصلاة أيام أقرائها!!
وهذا ليس بشيء عندي؛ وذلك أن الحميدي قد خالفه الجماعة الذين سبق
ذكرهم؛ فرووه عن ابن عيينة بإثبات هذه الزيادة. والمثبت مقدم على النافي؛ لا
سيما وأنهم جماعة.(2/44)
ومن هذا تعلم أن قول صاحب "عون العبود":
" ولقائل أن يقول: إن الوهم ليس من ابن عيينة؛ بل من راويه أبي موسى
محمد بن المثنى؛ فهو ذكر هذه الجملة في روايته عن ابن عيينة. وأما الحميدي فلم
يذكرها؛ فالقول قول الحميدي "!!
فهذا ليس بشيء أيضا؛ لأنه ظن أنه تفرد به محمد بن المثنى؛ وإنما جاءه ذلك
من عدم تتبع الروايات والمتابعات.
ثم إن ابن عيينة لم يتفرد به؛ بل تابعه الأوزاعي بلفظ:
" إذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة "، وسيأتي في الكتاب (رقم 283) ؛
وادعى المصنف هناك أنه وهم فيه الأوزاعي أيضا!
وليس كذلك؛ فقد تابعه حفص بن غيلان عن الزهري.
وتابع الزهريَّ: أبو بكر بن محمد بن عمرو، بن حزم عن عمرة، كما سنذكره
هناك إن شاء الله تعالى.
276- وروت قَمِيرُ بنت عمرو- زوج مسروق- عن عائشة: المستحاضة
تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل.
(قلت: هو موقوف معلق. وقد وصله الدارمي وغيره بإسناد صحيح، وقد
رواه المصنف وغيره مرفوعاً؛ لكنه خطأ؛ ولذ لك أوردناه في الكتاب الأخر
(رقم 52)) .
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارمي (1/202) : أخبرنا جعفر بن عون: ثنا
إسماعيل عن عامر عن قَمِيرَ ... به موقوفاً بلفظ:(2/45)
تنتظر أيامها التي كانت تترك الصلاة فيها؛ فإذا كان يَوْمُ طُهْرِها الذي كانت
تطهر فيه؛ اغتسلت ثم توضأت عند كل صلاة، وصلت.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير قمير، وهي ثقة.
ثم أخرجه هو (1/203) ، والطحاوي (1/63) ، والبيهقي (1/329 و 335
و345) من طرق أخرى عن عامر- وهو الشعبي- ... به نحوه. وسيأتي في الكتاب
أيضا (رقم 316) .
وقد روي من طريق أخرى عن قمير عن عائشة مرفوعاً.
أخرجه المصنف وغيره عن أيوب أبي العلاء عن عبد الله بن شُبْرُمة عنها.
وأيوب هذا؛ فيه ضعف من قبل حفظه، وقد خالفه جماعة فأوقفوه؛ وهو
الصواب، ولذلك أوردنا حديثه هذا في الكتاب الآخر فانظره (رقم 52) .
277- وفال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها.
(قلت: هو معلق مرسل؛ وقد وصله وأسنده النسائي وغيره عن سفيان
الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جَحْش قالت:
إنها مستحاضة؟ فقال:
" لتجلس أيام أقرائها ثم تغتسل، وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل
وتصلي، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل وتصليها جميعاً، وتغتسل
للفجر".
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أنه منقطع بين القاسم وزينب،(2/46)
وقد صح إسناده موصولاً بذكر عائشة بينهما؛ لكن ليس فيه القدر الذي علقه
المصنف منه، وهو الحديث الأتي (رقم 307))
إسناده معلق؛ وقد وصله الطحاوي (1/60) ، والبيهقي (1/353) من طريق
سفيان- وهو ابن عيينة- عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه:
أن امرأة استحيضت من المسلمين؛ فساعيوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ثم ذكر نحوه
[قلت: يعني: نحو حديث الثوري الذي ذكرنا لفظه آنفاً] ؛ إلا أنه قال:
" تعد أيامها ".
ثم أخرجاه من طريق نُعَيْم بن حَمّاد فال: ثنا ابن المبارك قال: أنا سفيان
الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عن زينب بنت جحش
قالت:
سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها مستحاضة؟ فقال ... الحديث؛ وزاد البيهقي بلفظ:
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحمنة فقلت: إنها مستحاضة ...
ولعلها سقطت من الطابع أو الناسخ للطحاوي؛ فإن سياقه يدل لذلك كما
ترى.
لكن نعيم بن حماد ضعيف.
وأخرجه النسائي (1/65) : أخبرنا سويد بن نصر قال: حدثنا عبد الله عن
سفيان ... به؛ ولفظه قد سقناه في الأعلى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لولا أنه منقطع بين
القاسم بن محمد وزينب؛ غير أنه قد جاء موصولأ بذكر عائشة بينهما.(2/47)
324- وروى أبو بشر جعفر بن أبي وَحْشِيَّةَ عن عكرمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت ... فذكر مثله.
(قلت: قد وصله المصنف بعد سبعة أبواب؛ فانظره بالرقم الموضوع له هنا؛
إشارةً إلى أنه مكرر) .
312- وروى شَرِيك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن
جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي ".
(قلت: يأتي موصولاً بعد أربعة أبواب بهذا الرقم) .
278- وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس:
المستحاضة تجلس أيام أقرائها.
(قلت: وصله الطحاوي من طريق قتادة عن أبي حسان- واسمه مسلم بن
عبد الله- عن سعيد بن جبير:
أن امرأة أتت ابن عباس رضي الله عنه بكتاب بعدما ذهب بصره، فدفعه
إلى ابنه فَتَرْتَرَ فيه، فدفعه إلي فقرأته، فقال لابنه: ألا هَذْرَمْتَهُ كما هَذْرَمَهُ
الغلام المصري؟ افإذا فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم: من امرأة من المسلمين: أنها استحيضت
فاستفتَت عليّا ً؟ فأمرها أن تغتسل وتصلي)(2/48)
فقال: اللهم لا أعلم القول إلا ما قال علي؛ ثلاث مرات.
قال قتادة: وأخبرني عَزْرَةُ عن سعيد أنه قيل له: إن الكوفة أرض باردة،
وإنها يشق عليها الغسل لكل صلاة؟ ققال:
لو شاء الله لابتلاها بما هو أشد منه.
وإسناده صحيح) .
إسناده معلق، وقد وصله الطحاوي (1/60) قال: حدثنا سليمان بن شعيب
قال: ثنا الخَصِيب بن ناصح قال: همام عن قتادة.
وهذا إسناد صحيح.
ثم أخرجه (1/61) من طريق إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير ... به
نحوه.
وإسناده صحيح أيضا.
وذكره ابن حزم (2/213) من طريق عبد الرزاق عن معمرعن أيوب
السختياني عن سعيد بن جبير ... نحوه. وسيأتي لفظ إسماعيل (رقم 305) .
279- وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطَلْقُ بن حبيب عن ابن
عباس.
(قلت: وصله من طريق الأول: الدارمي بلفظ:
المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتستثفر، ثم تصلي. فقال
الرجل: وإن كانت تَسِيلُ؟ فال: وإن كانت تسيل مثل هذا المِثْعَب.(2/49)
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
ووصله البيهقي من طريق طلق بن حبيب قال:
كتبت امرأة إلى ابن عباس في الدم منذ سنتين، فكتبت إليه تعظِّم عليه
إن كان عنده علم؛ إلاّ أنبأها به؟ فقال:
تجلس وقت أقرائها، ثم تغتسل وتصلي. فما أتى عليها شهران حتى
طهرت) .
إسناده معلق؛ وقد وصله الدارمي من طريق عمار؛ فقال (1/201) : أخبرنا
أسود بن عامر: ثنا شعبة عن عمار مولى بني هاشم عن ابن عباس في
المستحاضة ... إلخ.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه البيهقي (1/335) من طريق طلق؛ وإسناده هكذا: أخبرنا علي بن
محمد بن عبد الله بن بشْران العَدْل- ببغداد-: أبنَا إسماعيل بن محمد الصفار:
ثنا محمد بن عبد الملك: ثنا يزيد بن هارون: ثنا سليمان- يعني: التيمي- عن
طلق- يعني: ابن حبيب- قال ... فذكره.
وهذا إسناد صحيح؛ علي بن محمد بن عبد الله بن بشران من شيوخ الخطيب
البغدادي؛ وقد ترجمه في "تاريخه " (12/98- 99) ، وقال:
" وكان ثقة ثبتاً ".
وإسماعيل الصفار؛ قال الدارقطني:
"ثقة".(2/50)
وبقية الرجال ثقات معروفون.
280- وكذلك رواه مَعْقِل الخَثْعَمِيّ عن علي.
(قلت: لم أقف عليه موصولاً! ومعقل الخثعمي مجهول؛ لكنه قد توبع
كما سبق.
ثم رأيت المصنف قد وصله فيما يأتي؛ فانظره (رقم 55) من الكتاب
الآخر) .
276- وكذلك روى الشَّعبي عن قَمِيرَ امرأة مسروق عن عائشة.
(قلت: قد سبق بهذا الرقم) .
قال أبو داود: " وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول
وإبراهيم وسالم والقاسم: أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ".
(قلت: أخرج خلَّ هذه الأثار الدارميّ (1/201 و 202 و 204 و 205)
بأسانيده إليهم) .
281- عن زهير: نا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت:
إن فاطمة بنت أبي حبَيْشٍ جاءت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: إني امرأة
أُستحاض فلا أطهر؛ أفأدع الصلاة؟ قال:
" إنما ذلك عِرْقٌ وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة،
فإذا أدبرت؛ فاغسلي عنك الدم ثم صلَي ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في(2/51)
"صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن محمد النفيلي قالا: ثنا
زهير ... به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (1/340) قال: حدثنا أحمد بن يونس عن
زهير ... به مختصراً. قال الحافظ:
" وقد أخرجه أبو نعيم في "المستخرج " من طريقه تاماً ".
وهكذا بتمامه: أخرجه البخاري أيضا (1/264 و 334 و 338) ، ومسلم
(1/180) ، وأبو عوانة (1/319) ، والنسائي (1/43 و 45 و 65) ، والترمذي
(1/217- 219) ، والدارمي (1/198) ، وابن ماجه (1/214) ، والطحاوي
(1/61- 62) ، والدارقطني (ص 76) ، والبيهقي (1/116 و 323 و 330 و 343) ،
وأحمد (6/194) من طرق كثيرة عن هشام بن عروة ... به.
وزاد البخاري في آخره، وكذا الترمذي والدارقطني: قال هشام: قال أبي:
" ... ثم توضّئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ". وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وعي عندهم من طريق أبي معاوية.
وهي أيضا عند الطحاوي من طريق أبي حنيفة.
وعند ابن حبان في "صحيحه "- كما في "نصب الراية" (1/203) - من طريق
أبي حمزة.(2/52)
وعنده أيضا- كما في المصدر المذكور (1/202) - وعند الطحاوي في "كتاب
الرد على الكرابيسي "- كما في "الجوهر النقي " (1/343- 344) - من طريق أبي
عوانة؛ كلهم عن هشام ... به؛ دون قوله:
" حتى يجيء ذلك الوقت ".
وهي أيضا عند النسائي والبيهقي من حديث حماد بن زيد؛ وهو عند مسلم؛
ولكنه لم يسق لفظه.
وعند الدارمي والطحاوي من حديث حماد بن سلمة؛ كلاهما عن هشام ...
به مختصراً بلفظ:
"وتوضّئي ".
وقد أعل النسائي- ثم البيهقي- هذه الزيادة بتفرد حماد بن زيد بها!
ويرد ذلك ما سبق من المتابعات، فلا نطيل الكلام بالرد عليهما! وقد كفانا
مؤنة ذلك ابن التركماني في "الرد على البيهقي "، ثم الحافظ ابن حجر وغيرهما.
ولهذه الزيادة شواهد؛ فانظر ما سيأتي (رقم 312 و 313) .
282- عن مالك عن هشام ... بإسناد زهير ومعناه؛ قال:
" فإذا أقبلت الحيضة؛ فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها؛ فاغسلي
الدم عنك وصلِّي ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري وأبو عوانة في
" صحيحيهما "، وهو في " الموطأ" (1/79- 80)) .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك.(2/53)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في "الموطأ" (1/79- 80) .
وأخرجه البخاري (1/324) ، وأبو عوانة (1/313) ، والنسائي (1/45 و 66) ،
والطحاوي (1/62) كلهم عن مالك ... به.
وأخرجه هؤلاء وغيرهم من طرق أخرى عن هشام بن عروة، وقد سبق تخريجه
في الذي قبله.
ورواه البيهقي أيضا عن مالك (1/321 و 329) ، وكذا الدارقطني (75) .
109- باب إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة
283- عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزيير وعمرة
عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش- خَتَنَةَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحت عبد الرحمن
ابن عوف- استحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عِرْقٌ؛ فاغتسلي وصلِّي ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه "
بإسناد المؤلف، وأخرجه البخاري أيضا وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وكذا
الحاكم وقال: " صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: أنا ابن وهب
عن عمرو بن الحارث.(2/54)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وابن أبي عقيل؛ لم أعرفه، ولم
يورده الخزرجي في "الخلاصة "، ولا الحافظ في "التهذيب "، وفي "التقريب "؛ لم
يوردوه في باب من نسب إلى أبيه أو جده ... إلخ! ولعله يأتي في حديث آخر في
الكتاب (1) ، وقد أعاد المصنف الحديث بهذا الإسناد (رقم 294) لزيادة فيه.
والحديث أخرجه مسلم (1/181) فقال: حدئنا، والنسائي (1/44) قال:
أخبرنا- ثم اتفقا-: محمد بن سلمة ... به.
وأخرجه أبو عوانة (1/321- 322) ، والبيهقي (1/348) من طرق أخرى عن
عبد الله بن وهب ... به (2) ؛ وكذلك أخرجه الحاكم (1/173) ، وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البخا ري (1/338) ، والطحاوي (1/59) ، والطيالسي (رقم 1439
و1583) ، وأحمد (16/41) من حديث ابن أبي ذئب عن ابن شهاب ... به.
وأخرجه أبو عوانة أيضا (1/321) .
ثم أخرجه هو ومسلم، والطحاوي (1/60) ، والبيهقي وأحمد (6/187) ،
والدارمي أيضا (1/200) - من طريق إبراهيم بن سعد-، والنسائي (1/65) ،
والطحاوي- عن سفيان- كلاهما عن الزهري عن عمرة وحدها.
وأخرجه النسائي، والترمذي (1/229) - من طريق الليث-، والنسائي (1/65)
- من طريق الأوزاعي-، وأحمد (6/237) - عن محمد بن إسحاق-؛ ثلائتهم عن
الزهري عن عروة وحده.
__________
(1) انظر رقم (375) .
(2) وفي اخره عندهم زيادة من قول عائشة؛ سيذكره المصنف مرة أخرى معها رقم
(294) ؛ وهي عند البخاري أيضا.(2/55)
والحديث صحيح عنهما جميعاً، كما قال البيهقي. وقال الترمذي:
" وروى الأوزاعي عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة ".
قلت: هو رواية عن الأوزاعي، وقد علقه المصنف أيضا؛ وهو:
284- قال أبو داود: " زاد الأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن
عروة وعمرة عن عائشة:
استحيضت ام حبيبة بنت جحش- وهي تحت عبد الرحمن بن عوف-
سبع سنين، فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا أقبلت الحيضة؛ فد عي الصلاة، فإذا أدبرت؛ فاكتسلي وصلِّي ".
(قلت: وصله أبو عوانة في "صحيحه " وأحمد في " مسنده" وغيرهما، وهو
صحيح على شرط الشيخين، وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي) .
قال ابو داود: " ولم يذكر هذا الكلامَ أحدٌ من أصحاب الزهري غيرَ
الأوزاعي، ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب
ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة، ولم
يذكروا هذا الكلام ".
(قلت: يعني: قوله: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة "! وليس الأمر
كما قال المصنف رحمه الله؛ فقد تابع الأوزاعيَّ على ذكر هذا الكلام النعمانُ
ابن المنذر وأبو معبد حفص بن غيلان كلاهما عن الزهري: أخرجه من
طريقهما أبو عوانة في "صحيحه " والنسائي وغيرهما. وتابعهم ابن عيينة كما
سبق (رقم 275) ، وسيشير إليه المؤلف قريباً ".(2/56)
قال أبو داود (1) : " وإنما هذا لفط حديث هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة".
(قلت: يعني: في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيْش، وقد مضى الحديث (رقم
281) .
وأقول: إن هذا اللفظ ثابت صحيح في قصة أم حبيبة هذه أيضا؛
بدليل رواية الثقات له عن الزُّهري كما سبق. وتركُ الأخرين له من
أصحاب الزّهري ممن ذكرهم المؤلف لا يُعِلُّهُ؛ لأنهم نفاةٌ وهم مثبتون. وأيضا
فقد رواه أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة مثل
__________
(1) وكذا قال البيهقي، فقد ساق الحديث، ثم قال:
" وقوله: " إذا أقبلت الحيضهَ ... وإذا أدبرت ... " تفرد به الأوزاعي من بين ثقات
أصحاب الزهري. والصحيح أن أم حبيبة كانت معتادة، وأن هذه اللفظة إنما ذكرها هشم بن
عروة عن أبيه عن عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حُبَيْش. وقد رواه بشر بن بكر عن الأوزاعي
كما رواه غيره من الثقات.. طا، ثم ساق إسناده إليه بذلكً! وقد تعقبه ابن التركماني بقوله:
" قلت: ذكر أبو عوانة في "صحيحه " حديث بشر هذا [1/320] على موافقة ما رواه
الأوزاعى أولاً؛ بخلاف ما ذكره البيهقي، فأخرج- أعني: أبا عوانة- من جهة عمرو بن أبي
سلمة ويشر بن بكر عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة؛ وفيه: " إن هذه
ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عرق، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي ثم
صلي ... " الحديث، ثم قال عقبه: ثنا إسحاق الطحان: أنا عبد الله بن يوسف: نا الهيثم بن
حميد: ثنا النعمان بن المنذر والأوزاعي وأبو معبد عن الزهري ... بنحيه. فظهر من هذا أن
النعمان وأبا معبد وافقا الأ وزاعي على روايته في الإقبال والإدبار. وقد وثق أبو زرعة النعمانَ.
وأمّا أبو معبد حفص بن غيلان؛ فقد وثفه ابن معين ودُحَيْم، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا
يحتج به. وقال ابن حبان: من ثقات أهل الشام وفقهائهم. وهذا مخالف لقول البيهقي:
(قوله: " إذا أقبلت الحيضة ... وإذا أدبرت.. " تفرد به الأوزاعى من بين ثقات أصحاب
الزهري ... ) ".(2/57)
رواية الأوزاعي. ومن تابعه عن الزهري عن عمرة وعروة عنها، أخرجه أبو
عوانة في "صحيحه " والنسائي وغيرهما بإسناد صحيح على شرط
الشيخين، ولا علة له؛ وهو يثبت ما نفاه المؤلف)
ثم قال: " قال ابو داود: وزاد ابن عيينة فيه أيضا: أمرها أن تدع
الصلاة أيام أقرائها. وهو وهم من ابن عيينة، وحديث محمد بن عمرو عن
الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه ".
(قلت: قد مضى حديث ابن عيينة (رقم 275) ، وهو حديث صحيح، لم
يهم فيه ابن عيينة؛ لما ذكرناه آنفاً) .
إسناده معلق؛ وقد وصله الإمام أحمد (6/83) قال: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا
الأوزاعي قال: حدثني الزهري ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ووصله أيضا ًالنسائي (1/43) ، والبيهقي (1/327) من طرق أخرى عن
الأوزاعي ... به.
ووصله الدارمي (1/196) ، وابن ماجه (1/215) ، والحاكم (1/173) ،
بإسناد أحمد.
وقد زعم المؤلف رحمه الله أن الأوزاعي تفرد بقوله في هذا الحديث:
" إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة " إ!
وليس كذلك؛ فقد تابعه النعمان بن المنذر وأبو معبد حفص بن غيلان:
أخرج حديثهما: أبو عوانة (1/321) ، والنسائي (1/43) ، والطحاوي(2/58)
(1/59) من طريق الهيثم بن حُمَيْد قال: أخبرني النعمان بن المنذر والأوزاعي وأبو
معبد حفص بن غيلان عن الزهري ... به.
وهذه متابعات قوية: النعمان بن المنذر وحفص بن غيلان ثقتان.
وكذا الراوي عنهما الهيثم بن حميد؛ ولم يتفرد به عن الأوزاعي، كما يأتي
بعد قليل.
وتابعهم ابن عيينة- كما سبق-؛ وسيشير إليه المصنف قريباً.
وقد تابع الزهريَ على هذه الجملة في هذا الحديث: أبو بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم عن عمرة ... به.
أخرجه أبو عوانة (1/323) ، والنسائي (1/44 و 65) ، والطحاوي، وأحمد
(6/128- 129) من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
285- عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبَيْش قالت:
إنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا كان دم الحيض؛ فإنه دَمٌ أسود يعْرِف، فإذا كان ذلك؛ فأمسكي
عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضَّئي وصلِّي؛ فإنما هو عِرْق ".
286- وفي رواية عن عروة عن عائشة قالت:
إن فاطمة كانت تستحاض، فذكر معناه.
(قلت: إسناده حسن، ورواية ابن أبي عدي له على الوجهين لا يُعِله؛ بل(2/59)
هو محمول على ثبوتهما عنده؛ وهو ثقة حجة، ولذلك قال الحاكم: " إسناده
صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وصححه ابن حزم والنوور؛ ومن
قبلهم ابن حبان (1345))
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: نا محمد بن أبي عدي عن محمد- يعني:
ابن عمرو- قال: ثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حُبَيْشٍ.
قال أبو داود:
" قال ابن المثنى: ثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم ثنا به بَعْدُ حفظاً
قال: ثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: إن فاطمة كانت
تستحاض ... فذكر معناه ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن
عمرو، وهو حسن الحديث كما تقدم مرارأ، وأخرج له البخاري مقروناً، ومسلم
متابعة.
ورواية محمد بن أبي عدي له مرة من كتابه عن عروة عن فاطمة، وأخرى من
حفظه عن عروة عن عائشة ... لا يعله؛ لأنه- أعني: ابن أبي عدي هذا- ثقة
جليل، كما قال الذهبي في "الميزان "، وقد احتج به الشيخان.
فروايته على الوجهين محمول على ثبوتهما عنده.
وقد تابعه المنذر بن المغيرة؛ فرواه عن عروة أن فاطمة بنت أبا حُبَيْشٍ
حدثته ... به نحوه. وقد مضى (رقم 272) ، فصرح في روايته بسماع عروة من
فاطمة.
من أجل ذلك؛ صحح الحديث غيرُ ما واحد من العلماء المحققين، كما يأتي
ذكره قريباً إن شاء الله تعالى.(2/60)
وأما المصنف رحمه الله؛ فقد أشار إلى ضعف هذا الحديث، فقال فيما مضى
في الكتاب قريباً:
"فيه شيء"!
وكذلك ضعفه أبو حاتم؛ فقال ابنه في "العلل " (1/49/رقم 117) :
" سألت أبي عن حديث رواه محمد بن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن
ابن شهاب عن الزهري عن عروة عن فاطمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " إذا رأيت
الدم الأسود؛ فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الأحمر فتوضئي "؟ فقال أبي: لم
يتابَعْ محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر "!
قلت: محمد بن عمرو ثقة؛ وفيه ضعف يسير في حفظه؛ وإنما ينظر فيه إذا
خالف؛ وروايته هذه ليست بالخالفة لرواية الأوزاعي ومن معه عن الزهري من حيث
المعنى؛ بل هما موافقة ومبينة لها.
ثم إنه قد عُرِفَ أن الحديث المنكر إنما هو الحديث يتفرد به الراوي الضعيف دون
سائر الثقات؛ وليس محمد بن عمرو ضعيفاً، فلا يكون حديثه منكراً فتأمل!
والحديث أخرجه البيهقي (1/325) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (1/45 و 66) بإسناد المصنف هذا على الوجهين.
وأخرج الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/306) من طريقه الوجه الثاني
منهما.
ومن طريق صالح بن أبان البصري عن محمد بن المثنى؛ الوجه الأول.
وأخرجهما الدارقطني (ص 76) من طرق أخرى عن محمد بن المثنى.(2/61)
وأخرج الحاكم (1/174) - الوجه الثاني فقط- من طريق محمد بن زياد عن
ابن المثنى.
وأخرج الوجه الأولى البيهقي، وابن حزم (2/163- 164) من طريق أحمد بن
حنبل: ثنا محمد بن أبي عدي ... به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم ".
كذا قال! ووافقه الذهبي! وصححه ابن حبان أيضا (1345) ، وابن حزم في
"المحلى" (2/199) ، والنووي في " المجموع " (2/403) .
وأعله الطحاوي وغيره؛ فقالوا: إن ابن أبي عدي اضطرب فيه؛ فرواه مرة عن
عائشة، ومرة عن فاطمة كما سبق! قال ابن حزم (2/168) :
" هذا كله قوة للخبر، وليس هذا اضطراباً؛ لأن عروة رواه عن فاطمة وعائشة
معاً، وأدركهما معاً؛ فعائشة خالته أخت أمه، وفاطمة بنت أبي حُبَيْش بن المطلب
ابن أسد: ابنة عمه، وهو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد. ومحمد بن
أبي عدي الثقة الحافظ المأمون. ولا يعترض بهذا إلا المعتزلة الذين لا يقولون بخبر
الواحد؛ تعللاً على إبطال السنن ".
وقد أجاب بنحو هذا ابن القيم رحمه الله في "التهذيب "؛ ونقلنا كلامه في
ذلك مختصراً عند حديث المنذر بن المغيرة، الذي سبقت الإشارة إليه آنفاً.
وللحديث شاهد: أخرجه الدارقطني (ص 80- 81) ، والبيهقي (1/326) من
طريق عبد الملك: سمعت العلاء قال: سمعت مكحولاً يحدث عن أبي أمامة
مرفوعاً بلفظ:
" ودم الحيض لا يكون إلا دماً أسود عبيطاً، تعلوه حمرة، ودم المستحاضة رقيق
تعلوه صفرة ... " الحديث. وقال الدارقطني:(2/62)
" عبد الملك هذا رجل مجهول. والعلاء: هو ابن كثير، وهو ضعيف الحديث.
ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئاً ".
وله شاهد آخر من حديث ابن عباس: أخرجه الطبراني في "الكبير"؛ وضعفه
الهيثمي في "المجمع " (1/280) .
287- قال أبو داود: " وروى أنس بن سيرين عن ابن عباس: في
المستحاضة قال:
إذا رأت الدم البَحْرَانيَّ؛ فلا تصلِّي، وإذا رأت الطهر- ولو ساعة-؛
فلتغتسل وتصلِّي ".
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن
حزم: " إنه أصح إسناد يكون ") .
وصله الدارمي (1/203) قال: أخبرنا محمد بن عيسى: ثنا ابن عُلَيَة؛ أنا
خالد عن أنس بن سيرين قال:
استحيضت امرأة من آل أنس؛ فأمروتي فسألت ابن عباس؟ فقال: أما ما رأت
الدم البحراني.... إلخ.
وهذا سند صحيح.
وقد ذكره ابن حزم (2/166) من طريق أحمد بن حنبل: ثنا إسماعيل ابن
علية ... به. ثم قال (2/198) :
" إنه أصح إسناد يكون ". وقال البيهقي (1/340) - بعد أن ذكره من طريق
المؤلف معلقاً-:(2/63)
" وقرأته فما "كتاب ابن خزيمة" عن زياد بن أيوب عن إسماعيل ابن علية ... "
بلفظ الدارمي.
ثم أخرجه- أعني- الدارمي من طريق يزيد بن زربع: ثنا خالد ... به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، رجأله كلهم ثقات رجال الشيخين.
288- قال أبو داود: " وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن
القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب: في المستحاضة:
إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت ".
(قلت: وصله الدارمي والبيهقي من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا
يحيى ... به. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد وصله المصنف من
طريق آخر يأتي (رقم 319)) .
وصله الدارمي (1/201) قال: أخبرنا يزيد بن هارون ... به.
ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي (1/230) .
وهو على شرط مسلم.
289- وروى سُمَي وغيره عن سعيد بن المسيب: تجلس أيام أقرائها.
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن سمي قال:
سألت سعيد بن المسيب عن المستحاضة؟ فقال: تجلس أيام أقرائها وتغتسل من
الظهر إلى الظهر، وتستذ فر بثوب، ويأتيها زوجها وتصوم. فقلت: عمن هذا؟
فأخذ الحصا) .(2/64)
وصله الدارمي (1/205) قال: أخبرنا محمد بن يوسف: ثنا سفيان عن
سُمَي.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وانظر رقم (319) .
290- وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب.
(قلت: لم أره موصولاً من هذا الوجه بهذا اللفظ) .
لم أره موصولاً من هذا الوجه بهذا اللفط! وإنما أخرجه الدارمي (1/205)
بلفظ آخر فقال: أخبرنا أبو المغيرة: ثنا الأوزاعي: ثنا يحيى بن سعيد عن سعيد
ابن المسيب قال:
تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غليها الدم استثفرت.
وكان الحسن يقول ذلك.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
291- قال أبو داود: " وروى يونس عن الحسن:
الحائض إذا مَد بها الدم؛ تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين؛ فهي
مستحاضة".
(قلت: وصله الدارمي. وإسناده صحيح على شرط مسلم) .
وصله الدارمي (1/210) قال: أخبرنا حجاج: ثنا حماد عن يونس ... به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.(2/65)
292- وقال التيمي عن قتادة:
إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل.
قال التيمي: فجعلت أنقص حتى بلغت يومين. فقال:
إذا كان يومين فهو من حيضها.
وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك.
(قلت: وصله الدارمي بإسناد صحيح نحوه) .
وصله الدارمي (1/202) قال: أخبرنا محمد بن عيسى: ثنا معتمر عن
أبيه: ... به نحوه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
293- عن حَمْنَةَ بنت جحش قالت:
كنت أُستحاضر حيضةً كثيرةً شديدةً، فأتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أستفتيه
وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله!
إني امرأة أستحاضر حيضة كثيرة شديدة؛ فما ترى فيها؟ قد منعتني
الصلاة والصوم! فقال:
" أنعت لك الكُرْسُفَ؛ فإنه يُذْهِبُ الدَّمَ ".
قالت: هو أكثر من ذلك! قال:
" فاتخذي ثوباً ".(2/66)
فقالت: هو أكثر من ذلك؛ إنما أثج ثخا! قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" سآمرك بأمرين؛ أتهما فعلت أجزأ عنك من الأخر؛ فإن قَوِيتِ عليهما
فأنت أعلم ". فقال لها:
" إنما هذه رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ الشيطان، فتحيَّضي ستة أيام أو سبعة
أيام في علم الله تعالى ذِكْرهُ، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طَهُرْتِ
واستنقأت؛ فصلِّي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامَها،
وصومي؛ فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كلَّ شهر؛ كما يحضن النساء
وكما يطهرن، مِيقاتَ حيضهن وطهرن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر
وتعجلي العصر، ووتغتسلي وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر،
وتؤخِّرين المغرب وتعجِّلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين
فافعلي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك ". قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" وهذا أعجب الأمرين إليَّ ".
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قال:
" وسألت محمدا ً [يعني: البخاري] عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن
صحيح. وهكذ اقال أحمد ". وقال ابن العربي والنووي: " حديث صحيح "،
وقوّاه ابن القيم) .
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وغيره قالا: نا عبد الملك بن عمرو: نا زهير بن
محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه
عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش.(2/67)
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي ابن عقيل كلام من قِبَلِ
حفظه لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، كما سبق بيانه عند الحديث (رقم 55) ؛
وقد صحح حديثه هذا وحسنه جماعة يأتي ذكرهم.
والحديث أخرجه أحمد (6/439) : ثنا عبد اللك بن عمرو ... به.
وأخرجه الترمذي (1/221- 225) ، والطحاوي في "مشكل الأثار"
(3/299) ، والدارقطني (ص 29) ، والحاكم (1/172) ، وعنه البيهقي (1/338)
كلهم من طرق عن عبد اللك بن عمرو أبي عامر العقدي ... به.
وقد تابعه شريك بن عبد الله عن ابن عقيل.
أخرجه أحمد (6/381 و 439- 440) ، وابن ماجه (1/216) ، والطحاوي
(3/300) ، والدارقطني.
وتابعه أيضا عبيد الله بن عمروٍ الرقي: عند الدارقطني والحاكم، وعنه البيهقي
أيضا.
وإبراهيم بن أبي يحيى: عند الدارقطني.
وابن جريح: عند ابن ماجه (1/214- 215) ؛ وكلهم قالوا: عن ابن عقيل
عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمران بن طلحة؛ إلا ابن جريج فإنه قال:
عمر بن طلحة!
وهو وهم منه أو ممن دلَسه؛ فقد رواه عن ابن عقيل بالعنعنة، وقد قيل: إن
بينهما النعمان بن راشد، كما في "المحلى" (2/194) ؛ عن الإمام أحمد، قال:
" والنعمان يعرف فيه الضعف ". ولذلك قال الترمذي:
" والصحيح: عمران بن طلحة ".(2/68)
وقد غفل ابن حزم عن هذه الرواية الصحيحة؛ فأعل الحديث بالرواية
الرجوحة؛ قال:
" فعمر بن طلحة غير مخلوق، لا يعرف لطلحة ابن اسمه عمر "!
وأعله أيضا بأن الذين رووه عن ابن عقيل؛ كلهم ضعيف؛ حاشا عبيد الله بن
عمرو الرقي؛ فإن الذي رواه عنه ضعيف؛ وهو الحارث بن أبي أسامة إ!
وهذا نقد خاطئ؛ فإن هؤلاء الذين رووه عن ابن عقيل؛ أكثرهم ثقات غير
متهمين؛ وإنما ضُعِّفوا من قبل حفظهم، فمثل هولاء إذا اجتمعوا على رواية
حديث؛ دل ذلك على صحته؛ لأنه يبعد جدّاً أن يكون كل منهم أخطأه حفظه
موافقاً زميله في ذلك؛ لا سيما وإن فيهم زهير بن محمد؛ وقد احتج به الشيخان،
وصرح البخاري أنه صحيح الحديث فيما رواه أهل البصرة عنه.
وهذا الحديث من هذا القبيل؛ فإنه من رواية عبد الملك بن عمرو أبي عامر
العقدي، وهو بصري؛ فيكون- على قول البخاري- صحيحاً كما قال ابن القيم في
"التهذيب "، وقد صرح بصحة الحديث في رواية الترمذي عنه كما ذكرت آنفاً
(ص 510) . فتضعيف رواية زهير مطلقاً؛ خطأ واضح لا يجوز أن يُغْتَز به!
وقد أطال ابن القيم رحمه الله في الرد على ابن حزم وغيره ممن ضعفوا
الحديث، وأجاب عن كل ما أعلوه به؛ فراجعه (1/183- 187) .
وممن صحح الحديث من المتأخرين: النووي رحمه الله؛ فقال في "المجموع "
(2/377 و 397) :
" حديث صحيح ".
وكذا قال ابن العربي- كما في "نيل الأوطار" (1/238) -، ثم نقل النووي
كلامَ الترمذي المذكور (ص 510) ، ثم قال:(2/69)
" قال الخطابيُ: وقد ترك بعض العلماء الاحتجاج بهذا الحديث؛ لأن راويه
عبد الله بن محمد بن عقيل ليس بذاك.
قلت: هذا الذي قاله هذا القائل؛ لا يقبل؛ فإن أثمة الحديث صححوه كما
سبق! وهذا الراوي وإن كان مختلفاً في توثيقه وجرحه؛ فقد صحح الحفاظ حديثه
هذا؛ وهم أهل هذا الفن، وقد علم من قاعدتهم في حد الحديث الصحيح
والحسن: أنه إذا كان في الراوي بعض الضعف انجُبر حديثه يشواهد له أو متابعة؛
وهذا من ذلك ".
قلت: كأنه يشير إلى ما سيأتي (رقم 306 و 307 و 308) ؛ فإن فيها الغُسْل
للثلاث صلوات جميعاً.
وقد ذهل عن هذا كفَه النوويّ؛ فأنكر- فيما بعدُ (2/536) - ثبوت شيء من
الأحاديث في الأمر بالغُسْلِ لكل صلاة؛ مع أنه ثابت فيما صححه هو!!
ومما ينبغي التنبيه عليه: أنَّ جميع من روى الحديث عن ابن عقيل؛ رواه
مرفوعاً كله؛ إلا عمرو بن ثابت؛ فإنه أوقف الجملة الأخيرة منه:
" وهذا أعجب الأمرين إلي "! رواه المصنف معلقاً!
ولما كان (عمرو) هذا ضعيفاً؛ فقد أوردنا حديثه في الكتاب الأخر (رقم 49) ،
ولبعضه شاهد من حديث فاطمة بنت أبي حبيش عند أحمد (6/464) ، وفيه
جملة الركضة.
110- من باب ما روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
294- عن عروهْ بن الزبير وعمرهْ بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:(2/70)
إن أم حبيبة بنت جحش- خَتَنَة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتحت عبد الرحمن
ابن عوف- استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك؟
فقال رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن هذه ليست بالحيضة؛ ولكن هذا عِرْن فاغتسلي وصلي ".
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِرْكَن في حجرة أختها زينب بنت
جحش؛ حتى تعلو حمرة الدم الماء ".
(قلت: قد سبق هذا (رقم 283) ؛ دون قوله: قالت عائشة ... إلخ.
والاسناد واحد، وهو صحيح على شرط مسلم!) .
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة الرادي قالا: ثنا ابن وهب
عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن.
قلت: قد مضى هذا الإسناد بهذا الحديث مع الكلام عليه وتخريجه؛ فراجعه
(283) .
295- وفي رواية عن عمرة بنت عبد الرحمن عن أم حبيبة ... بهذا
الحديث؛ قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: الحديث صحيح؛ لكن الصواب فيه أنه من (مسند عائشة) كما في
الرواية التي قبلها وكما يأتي بعدها) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عنبسة: نا يونس عن ابن شهاب قال:
أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن.(2/71)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال البخاري؛ لكن اختلف فيه
على يونس:
فرواه عنه عنبسة- وهو ابن خالد- هكذا؛ جعله من (مسند أم حبيبة) برواية
عمرة عنها، وأسقط من بينهما عائشة.
وقد تابعه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، كما يأتي في الكتاب (رقم
297) .
وخالفه القاسم بن مبرور- كما علقه الصنف بعد هذه الرواية- فقال: عن
يونس عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة ... فأدخل بينهما
عائشة.
وهذا هو الصواب: أنه من رواية عمرة عن عائشة، لكن هو من (مسندها) لا
من (مسند أم حبيبة) ؛ كذلك رواه الثقات الحفاظ من أصحاب الزهري؛ منهم
عمرو بن الحارث وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد وسفيان والأوزاعي؛ كلهم قالوا:
عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن أم حبيبة ... وقد سبق تخريج أحاديثهم عند
الحديث (رقم 283) .
296- قال أبو داود: " قال القاسم بن مبرور عن يونس عن ابن شهاب
عن عمرة عن عائشة عن أم حبيبة بنت جحش ".
(قلت: لم أجد من وصله! والصواب فيه أنه عن عائشة أن أم حبببة ...
كما سبق) .
297- وكذلك رواه معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة. وربما قال
معمر: عن عمرة عن أم حبيبة ... بمعناه.(2/72)
(قلت: هذه الرواية الأخيرة وصلها أحمد (6/434) : ثنا عبد الرزاق: ثنا
معمر عن الزهري عن عمرة عن أم حبيبة ... والصواب رواية معمر الأولى؛
فقد تابعه عليها جماعة؛ وقد أشار إلى ذلك المصنف بقوله:
298- " وكذلك رواه إبراهيم بن سعد وابن عيينة عن الزهري عن
عمرة عن عائشة ... وقال ابن عيينة في حديثه: ولم يقل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أمرها أن تغتسل ".
(قلت: وصله عن إبراهيم بن سعد: مسلم وغيره. وأما رواية ابن عيينة؛
فقد وصلها أبو عوانة وغيره كما ذكرنا عند رواية ابن عيينة؛ وقد علقها المصنف
فيما مضى (رقم 275) ، لكن ليس عندهم هذه الزيادة التي ذكرها المصنف هنا:
" ولم يقل: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها أن تغتسل ". وكأنه: يعني عند كل صلاة؛
وإلا فإن مطلق الغسل قد قاله ابن عيينة عن الزهري؛ لكن قد ثبت أمر
المستحاضة بالغسل عند كل صلاة، فانظر الأحاديث الآتية: (رقم 301-
303) . كما ثبت الغسل لكل صلاتين كما يأتي (رقم 306 و 308)) .
قد سبق أن علق المصنف رواية ابن عيينة (رقم 275) ؛ وقد ذكرنا من وصله
هناك.
وأما رواية ابراهيم بن سعد؛ فقد خرجتها عند الكلام على الحديث المتقدم
(رقم 283) ، لكن ليس عند الذين خرجوه قول ابن عيينة: " ولم يقل ... " إلخ؛
بل عند أبي عوانة ما نصه:
فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، تقول: ثم يأمرها أن
تغتسل لكل صلاة.(2/73)
وهذا طاهره خلاف ما نقل المصنف عن ابن عيينة!
وفي معناه قول الليث بن سعد- عقب روايته للحديث عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن معاً:
قال ابن شهاب: لم يأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تغتسل عند كل صلاة؛ إنما فعلته هي.
أخرجه مسلم والترمذي والطحاوي، وأحمد (6/82) .
وقد أخرج الطحاوي- إثر هذه الرواية- رواية إبراهيم بن سعد سمع ابن شهاب
عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها ... مثله، ولم يذكر قول
الليث.
ثم ساقه من طريق سفيان، فقال فيه: عن عائشة ... مثله.
فهذا يدل على أن حديث سفيان ليس فيه ما ذكره المصنف رحمه الله فلعل؛
ذلك وقع في رواية له إ!
299- عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فأمرها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
تغتسل، فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: إسناده صحيح. وقد أخرجه البخاري في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا محمد بن إسحاق المسَيبِي: ثني أبي عن ابن أبي ذئب عن
ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجالهم كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسحاق
المُسَيِبيَ، وهو ابن محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:(2/74)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجالهم كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسحاق
المُسَيبِي، وهو ابن محمد بن عبد الرحمن؛ قال الذهبي:
" صالح الحديث ". وقال الحافظ:
" صدوق؛ فيه لين ".
قلت: وقد تابعه مَعْنَ عند البخاري. وغيرُه عند غيرِه؛ وقد ذكرنا مَنْ خَرجَهُ
عن ابن أبي ذئب قريباً، وعند الحديث (رقم 283) .
300- وكذلك رواه الأوزاعي أيضا ... قالت عائشة:
فكانت تغتسل لكل صلاة.
(قلت: وصله أبو عوانة وغيره؛ وقد سبق معلقاً أيضا (رقم 284)) .
301- عن عائشة قالت:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأمرها
بالغسْلِ لكل صلاة ... وساق الحديث.
(قلت: وتمامه: فإن كانت لَتَدْخلُ المِرْكنَ مملوءاً ماءً؛ فتغتمس فيه ثم تخرج
منه؛ وإن الدم لَغَالِبُهُ، فتخرج فتصلي. وهو حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِي عن عَبْدة عن ابن إسحاق عن الزهري عن
عروة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه أخرج لابن إسحاق
مقروناً؛ ثم هو مدلس، وقد عنعنه.(2/75)
لكن الحديث صحيح؛ لأن له متابعاً وشواهد يأتي ذكرها.
وعبدة: هو ابن سليمان الكِلآبي أبو محمد الكوفي.
والحديث أخرجه الدارمي (1/259) ، والطحاوي (1/59) ، وأحمد (6/237)
من طرق عن ابن إسحاق ... به.
وأخرجه البيهقي (1/350) من طريق المؤلف، وابن حزم (2/212) من طريقه
أيضا ومن طريق أحمد بسند آخر له عن ابن إسحاق.
وقد تابعه سليمان بن كثير؛ وهو:
302- قال أبو داود: " ورواه أبو الوليد الطيالسي- ولم أسمعه منه-
عن سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:
استحيضت زينب بنت جحش، فقال لها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" اغتسلي لكل صلاة ... " وساق الحديث ".
(قلت: حديث صحيح، لكن قوله: (زينب بنت جحش) وَهَم من سليمان
ابن كثير؛ فإنه ضعيف في روايته عن الزهري خاصة، والصواب: (أم حبيبة
بنت جحش) ، كما في الرواية التي فبل هذه، وفي غيرها مما سبق. وقد قيل:
إن أم حبيبة اسمها (زينب) وقيل: (حبيبة) ، قال الدارقطني: " وهو الصواب ".
والله أعلم) .
علقه الصنف، ولم أجد من وصله! وقد رواه البيهقي (1/350) من طريق المؤلف.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهم تكلموا في
سليمان بن كثير في روايته عن الزهري خاصة، فقال النسائي:(2/76)
" ليس به بأس؛ إلا في الزهري؛ فإنه يخطئ عليه ". وقال العقيلي:
" مضطرب الحديث عن ابن شهاب، وهو في غيره أثبت ".
وقال الذهلي نحو ذلك قبله. وقال ابن حبان:
" كان يخطئ كثيراً، فأما روايته عن الزهري؛ فقد اختلطت عليه صحيفته،
فلا يحتج يشيء ينفرد به عن الثقات ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" لا بأس به في غير الزهري ".
قلت: ومما وهم فيه على الزهري قوله: (زينب بنت جحش) ؛ فإنه لم يتابعه
على قوله هذا أحد من أصحاب الزهري؛ اللهم إلا ابن أبا ذئب في رواية
الطيالسي عنه (رقم 1439 و 1583) .
وخالفه معن- وهو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي مولاهم-، وحسين
المَرْوُرذي؛ وأسد- وهو ابن موسى- ويزيد- وهو ابن هارون- كلهم قالوا عن ابن أبي
ذئب: (أم حبيبة بنت جحش) .
وهذا هو الصواب! وأبو داود الطيالسي- مع جلالة قدره وكثرة حفظه-؛ فقد
نسب إلى الخطأ!
وهكذا على الصواب رواه سائر أصحاب الزهري: عمرو بن الحارث والأوزاعي
وابن عيينة، وقد مضت أحاديثهم في الكتاب (رقم 275 و 283 و 284) ، والليث
ابن سعد: عند أحمد (6/82) ، وإبراهيم بن سعد، وقد علقها المصنف قريباً (رقم
298) .
وقد قال ابن القيم في "التهذيب ":
" وقد رد جماعة من الحفاظ هذا، وقالوا: زينب بنت جحش زوجة النبي(2/77)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تكن مستحاضة، وإنما المعروف أن أختيها أم حبيبة وحمنة هما اللتان
استحيضتا. وقال أبو القاسم السُّهَيْلي: قال شيخنا أبو عبد الله محمد بن نجاح: أم
حبيبة كان اسمها زينب؛ فهما زينبان، غلبت على إحداهما الكنية، وعلى
الأخرى الاسم. ووقع في "الموطأ": أن زينب بنت جحش التي كانت تحت
عبد الرحمن بن عوف، واستشكل ذلك بأنها لم تكن تحت عبد الرحمن، وإنما كانت
عنده أختها أم حبيبة. وعلى ما قال السهيلي عن ابن تجاح؛ يرتفع الإشكال ".
قلت: لكن الروايات عن مالك لم تتفق على هذا؛ ففي بعض الروايات عنه
قال: (ابنة جحش؛ لم يُسَمِّها) ؛ وقال القاضي عياض:
" وهذا هو الصواب " (1) . كما في "تنوير الحوالك "؛ ونقل عن الدارقطنى أن
الصواب في اسمها: (حبيبة) . والله أعلم.
ثم إن الحديث قد أعله البيهقي بالمخالفة، فقال:
" ورواية أبي الوليد أيضا غير محفوظة؛ فقد رواه مسلم بن إبراهيم عن سليمان
ابن كثير، كما رواه سائر الناس عن الزهري ... ".
قلت: ثم ساق إسناده إليه بذلك مثل الرواية الأولى في الباب (رقم 294) ،
ليس فيه الأمر بالغسل لكل صلاة؛ ثم قال:
" وهذا أولى؛ لموافقته سائر الروايات عن الزهري، ورواية محمد بن إسحاق
عن الزهري غلط؛ لخالفتها ساثر الروايات عن الزهري "! وتعقبه ابن التركماني
بقوله:
" قلت: الخالفة على وجهين: مخالفة ترك، ومخالفة تعارض وتناقض. فإن
__________
(1) قلت: وهكذا- على الصواب- أخرجه الدارمي (1/221) من طريق حماد بن سلمة
عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة.(2/78)
أراد مخالفة الترك؛ فلا تناقض في ذلك. وإن أراد مخالفة التعارض؛ فليس
كذلك؛ إذ الأكثر فيه السكوت عن أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بالغسل عند كل صلاة،
وفي بعضها أنها فعلته هي. وقد تابع ابنَ إسحاق: سليمانُ بن كثير، كما ذكره
البيهقي قريباً؛ وخبر ابن الهاد المتقدم شاهد لذلك ".
قلت: وخبر ابن الهاد المشار إليه؛ قد سبق تخريجه عند الكلام على الحديث
(رقم 284) ، وهو يرويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن
عائشة:
أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وأنها
استحيصْت لا تطهر، فذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليست بحيضة؛ لتنظر قدر قرئها التي كانت تَحَيضُ له، فتترك الصلاة، ثم
تنتظر- ما كان- بعد ذلك، وتغتسل لكل صلاة ".
وهذا شاهد قوي لرواية ابن إسحاق وسليمان بن كثير؛ فقد ذكرنا هناك أن
إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما البيهقي؛ فقد أعله بمجرد الدعوى؛
فقال:
" قال أبو بكر- يعني: الفقيه-: قال بعض مشايخنا: خبر ابن الهاد غير
محفوظ "!! وقد رد عليه ابن التركماني، فقال:
" قلت: إن أراد غير محفوظ عنه؛ فليس كذلك؛ فإن البيهقي أخرجه فيما مَر
من طريق ابن أبي حازم عنه. وأخرجه النسائي من طريق بكر بن نصر عنه.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " من طريق عبد العزيز الدراوردي عنه. فهؤلاء
ثلاثة رووه عنه. وإن أراد أنه غير محفوظ منه؛ فليس كذلك أيضا؛ لأن ابن الهاد
من الثقات المحتج بهم في "الصحيح " ... ".(2/79)
قلت: ويشهد لذلك أيضاالحديث الآتي:
303- عن زينب بنت أبي سلمة:
ان امرأة كانت تُهْرَاقُ الدمَ- وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف-: أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امرها أن تغتسل عند كل صلاة وتصلي.
(قلت: حديث صحيح؛ وإسناده مرسل صحيح. وصححه ابن حزم، وقؤاه
ابن القيم والحافظ) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر: نا عبد الوارث
عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة قال: حدثتني زينب بنت أبي
سلمة ... قلت: فذكر الحديث، ثم قال إثره: وأخبرني أن أم بكر أخبرته أن
عائشة قالت ... قلت: فذكر الحديث المذكور بعده (رقم 304) .
وإسناد الأول صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكنه شبه المرسل؛
وبذلك أعله ابن القطان، فقال ابن القيم في "التهذيب ":
" وقد أعل ابن القطان هذا الحديث بأنه مرسل، قأل: لأن زينب ربيبةَ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معدودةٌ في التابعيات، وإن كانت ولدت بأرض الحبشة، فهي تروي عن
عائشة وأمها أم سلمة، وحديث: " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحِد
إلا على زوج "؛ ترويه عن أمها وعن أم حبيبة وعن زينب أزول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكل
ما جاء عنها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لم تذكر بينها وبينه أحداً- لم تذكر سماعاً منه،
مثل حديثها هذا، أو حديثها: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن الدباء والحَنْتَم، وحديثها
في تغيير اسمها ". قال ابن القيم:
" وهذا تعليل فاسد؛ فإنها معروفهَ الرواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعن أمها وأم
حبيبة وزينب، وقد أخرج النسائي وابن ماجه هذا الحديث من روايتها عن أم(2/80)
سلمة، والله أعلم. وقد حفظت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخلت عليه وهو يغتسل،
فنضح في وجهها؛ فلم يزل ماء الشباب في وجهها حتى كَبِرَتْ ".
قلت: والحق أن أحاديث زينب هذه مرسلة كما ذهب إليه ابن القطان؛ فإننا
لم تجد لها رواية فيها التصريح بسماعها منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهي وإن كانت ثبت لها رؤية،
فهي- من هذه الحيثية- صحابية في أصح الأقوال، ولكنها من حيث الرواية
تابعية؛ لأنها لم تكن قد بلغت سن التمييز حين وفاته عليه السلام، فقد كان
عمرها آنئذِ بين السادسة والسابعة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان قد تزوج أمها أم سلمة في
السنه الرابعَة من الهجرة على الصحيح، كما في "التهذيب "، وكانت زينب حينئذ
لا تزال ترضع، كما روى الحاكم (4/16- 17) ، وأحمد (6/295 و 313- 314) ً
من طريق عمر بن أبي سلمة عن أم سلمة في قصة وفاة زوجها أبي سلمة، ثم
تَزَوُجِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها؛ قالت:
فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيها وهي ترضع زينب، فكانت إذا جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أخذتها فوضعتها في حجرها ترضعها ... الحديث. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، والحافظ في " التهذيب ".
وله طريقان آخران عن أم سلمة: أخرجهما أحمد (6/307 و 320 و 321) ،
ولفظه في أحدهما:
قالت: فلما وضعتُ زينبَ؛ جاءتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخطبتي ... (1) الحديث
نحوه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين. فقول ابن القيم:
أنها " قد حفظت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "! مع أنه مما لا دليل عليه؛ لا تساعده هذه
__________
(1) وهذا الحديث يرد قول الواقدي أن زينب بنت أبي سلمة ولدت بأرض الحبشة(2/81)
الرواية الصحيحة؛ ثم هو معارض بقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة":
" وأطن أنها لم تحفظ ".
ولذلك ذكرها العجلي في "ثقات التابعين ". قال الحافظ:
" كأنه كان يشترط للصحبة البلوغ، وأطن أنها لم تحفظ ". قال:
" وذكرها ابن سعد فيمن لم يرو عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيثاً، وروى عن أزواجه ".
وأما دخول زينب على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يغتسل؛ فقد أشار ابن عبد البر في
"الاستيعاب" إلى ضعف الرواية بذلك. وقد ذكره الحافظ من طريق عَطاف بن
خالد عن أمه عن قلنب.
وأم عطاف هذه؛ لم أعرفها، ولم أجد من ذكرها! والله أعلم.
ثم إن قول ابن القيم: إن " النسائي وابن ماجه أخرجا هذا الحديث من رواية
زينب عن أم سلمة "!
فخطأ بيِّن؛ فليس عندهما هذا الحديث البتَّة من رواية زينب عنها؛ بل ولا هو
عند غيرهما من هذا الوجه؛ وإنما لأم سلمة حديث آخر في الاستحاضة، وليس
فيه الغسل لكل صلاة، وهو الذي أخرجه النسائي وابن ماجه؛ وهو من طريق
سليمان بن يسار عنها- وأدخل بعضهم بينهما رجلاً-، وقد مضى في الكتاب
أيضا (رقم 265- 269) .
وأدخل آخر بينهما مرجانة. أخرجه البيهقي (1/350) .
فالظاهر أن هذه الرواية هي منشأ خطأ ابن القيم رحمه الله ظن أنها من رواية
زينب عن أم سلمة، والمعصوم من عصمه الله!(2/82)
وبعد هذا كله؛ فإني أرى جازماً أن الحديث صحيح على كل حال؛ لأنه
مرسل صحيح الإسناد، وقد جاء موصولاً من وجوه أخرى كما سبق.
ثم أرى أن زينب أخذت الحديث من صاحبة القصة أم حبيبة بنت جحش
رضي الله عنها؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن هشام بن عروة روى عن أبيه عنها:
أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف، وكانت
تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
أخرجه مالك (1/81) ، وإسناده صحيح على شرطهما.
وزينب بنت جحش: هي أم حبيبة؛ أخطأ بعض الرواة في تسميتها، كما
سبق بيانه عند الكلام على الحديث السابق، فلا يبعد أن تكون أم حبيبة قد
حدثتها بقصتها، وآمْر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها بالغسل لكل صلاة.
ويؤيد ذلك:
الأمر الآخر: وهو أن أم حبيبة قد حدثت بالحديث، فرواه عنها جماعة؛
منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن، الذي روى هذا عنها بواسطة زينب هذه كما
يأتي.
ثم استدركت فقلت: إن أبا سلمة لم يسمعه منها، كما سنذكره، فالاعتماد
على الوجه الأول فقط.
ولذلك قوَّى الحافظ في "الفتح " (1/339) هذا الحديث، وجعله شاهداً للرواية
التي قبله، واستدرك به على من ضعفها، ثم قال: فيحمل الأمر- يعني: بالغسل
لكل صلاة- على الندب؛ جمعاً بين الروايتين: هذه ورواية عكرمة؛ يعني: الأتية(2/83)
(رقم 324) .
والحديث أخرجه البيهقي (1/351) من طريق المصنف.
ثم أخرجه هو وابن حزم (2/211) من طرق أخرى عن أبي معمر. ثم قال ابن
حزم (2/213) : إنه في غاية الصحة.
ثم أخرجاه من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة
عن أم حبيبة ... به. وأعله البيهقي بالإرسال- يعني: الانقطاع-. وقد قال أبو
حاتم:
" إن أبا سلمة لم يسمع من أم حبيبة ". والله أعلم.
وأخرجه الدارمي أيضا (1/221) .
304- عن عائشة قالت:
إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال- في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر-: " إنما هي
- أو قال: إنما هو- عِرْقٌ - أو قال: عروق- ".
(قلت: حديث صحيح) .
قال أبو داود: " في حديث ابن عقيل الأمراق جميعاً، قال: " إن قويت
فاغتسلي لكل صلاة؛ وإلا فاجمعي "؛ كما قال القاسم في حديثه ".
(قلت: يعني: حديث القاسم بن عبد الرحمن الأتي في الباب الذي
يلي. وحديث ابن عقيل مضى (رقم 293) ؛ لكن ليس فيه الغسل لكل صلاة،
وإنما فيه الجمع) .
إسناده: هو مقرون مع إسناد الحديث السابق؛ وهو من رواية عبد الله بن عمرو(2/84)
ابن أبي الحجاج أبي معمر عن عبد الوارث عن الحسين عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة أن أم بكر أخبرته أن عائشة قالت.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أم بكر؛ قال
الذهبي والعسقلاني:
" لا تعرف ".
قلت: لكن حديثها هذا صحيح؛ فقد تابعها عليه: عروة عن عائشة، وهو
وعمرة عنها أيضا، وقد تقدم في الكتاب حديثهما (رقم 280- 282) بأتم من هذا.
والحديث أخرجه أحمد (6/71) : ثنا عبد الصمد قال: ثتي أبي: ثنا
حسين ... به.
ثم أخرجه هو (6/279) ، وابن ماجه (1/223) ، والبيهقي (1/337) ، من
طرق أخرى عن يحيى بن أبي كثير ... به.
وقال صاحب "الزوائد".
" إسناده صحيح، ورجاله ثقات "!
كذا قال! وقد اغتر بتوثيق ابن حبان لأم بكر هذه، وقد عرفت حالها.
305- وقد روي هذا القول عن سعيد بن جبير عن علي وابن عباس
(قلت: وصله الطحاوي بإسناد صحيح بلفظ: اغتسلي عند كل صلاتين
مرة وصلَي) .
وصله الطحاوي (1/61) : ثنا ابن أبي داود قال: ثنا أبو معمر قال: ثنا
عبد الوارث قال: ثنا محمد بن جَحَادة عن إسماعيل بن رجاء عن سعيد بن جبير(2/85)
عن ابن عباس قال:
جاءته امرأة مستحاضة تسأله؟ فلم يُفْتِها، وقال لها: سَلِي غيري! قال: فأتتِ
ابن عمر فساءلته؟ فقال لها: لا تصلي ما رأيتِ الدم. فرجعت إلى ابن عباس
فأخبرته؟ فقال: رحمه الله! إن كاد ليكفًرك. قال: ثم سألت علي بن أبي طالب؟
فقال: تلك ركزة من الشيطان أو قُرْحة في الرحم! اغتسلي عند كُلِّ صلاتين مرةً
وصلي. قال: فلقيتِ ابن عباس بعدُ فسألتْهُ؟ فقال: ما أجدُ لكِ إلا ما قال علي
رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح؛ رجاله رجال مسلم؛ غير ابن أبي داود- واسمه إبراهيم-،
وهو ثقة حافظ.
111- من باب من قال: تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسْلاً
306- عن عائشة قالت:
استحيضت امرأة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأُمرتْ أن تعجل العصر
وتؤخر الظهر؛ وتغتسل لهما غُسْلاً، وتؤخر المغرب وتُعجِّل العشاء؛
وتغتسل لهما غُسْلاً، وتغتسل لصلاة الصبح غُسْلاً، فقلت لعبد الرحمن:
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال: لا أحدثك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقوّاه ابن التركماني. وقوله:
فأُمرت ... محمول عند المحدِّثين والأصوليين على أن الآمر هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومما
يشهد له ما بعده) .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: ثني أبي: نا شعبة عن عبد الرحمن بن
القاسم عن أبيه عن عائشة.(2/86)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 1419) قال: حدثنا شعبة ... به بلفظ:
فأُمِرت. قلت: من أمرها؟ لنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لست أحدثك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شيئاً. قالت: فأمرت ... الحديث.
وهكذا أخرجه الدارمي (1/198- 199) من طريق هاشم بن القاسم: ثنا
شعبة ... به.
وأخرجه البيهقي (1/352) من طريق الطيالسي.
وأخرجه النسائي (1/65) ، والطحاوي (1/60) ، وأحمد (6/172) ، والبيهقي
أيضا من طرق أخرى عن شعبة ... به، دون قوله: فقلت لعبد الرحمن ... إلخ.
وفي رواية للبيهقي:
فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
فصرح بأن الآمر هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن البيهقي حكم بخطأ هذه الرواية، ثم
قال:
قال أبو بكر بن إسحاق: قال بعض مشايخنا: لم يسند هذا الخبر غير محمد
ابن إسحاق. وشعبة لم يذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنكر أن يكون الخبر مرفوعاً.
قلت: وتعقبه ابن التركماني بقوله:
" قلت: امتنع عبد الرحمن من إسناد الأمر إلى النبي عليه السلام صريحاً.
ولا شك أنه إذا سمع: فأمِرَتْ ... ليس له أن يقول: فأمرها النبي عليه السلام؛
لأن اللفظ الأول مسند إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطريق اجتهادي لا بالصريح؛ فليس له أن
ينقله بلى ما هو صريح، ولا يلزم من امتناعه من صريح بالنسبة إلى النبي عليه(2/87)
السلام أن لا يكون مرفوعاً بلفظ: أُمِرَتْ ... على ما عرف من ترجيح أهل الحديث
والأصول في هذه الصيغة أنها مرفوعة، فتأمله! فقد يتوهم من لا خبرة له من كلام
البيهقي وغيره أنه من الموقوف الذي لا تقوم به الحجة. وبهذا يُعْلَمُ أن ابن إسحاق
لم يخالف شعبة في رفعه، بل رفعه ابن إسحاق صريحاً، ورفعه شعبة دلالة،
ورفعه هو أيضا صريحاً في رواية الحسن بن سهل عن عاصم عنه ".
قلت: ورواية ابن إسحاق؛ قد أخرجها المصنف عقيب هذا الحديث؛ لكن ابن
إسحاق عنعنه؛ وهو مدلس، وقد زاد فيه بعض الأحرف مما لم ترد في هذا
الحديث؟! ولا في حديث ابن عيينة الآتي بعد هذا؛ ومن أجل ذلك أوردناه في
الكتاب الآ خر (رقم 51) .
307- قال أبو داود: " ورواه ابن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه قال: إن امرأة استحيضت، فسألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فأمرها ... بمعناه ".
(قلت: وصله الطحاوي والبيهقي، وهو مرسل صحيح الإسناد شاهد لما
قبله) .
قلت: قد مضى معلقاً أيضا (رقم 277) عن عبد الرحمن، ووصلناه هناك من
طريق الطحاوي والبيهقي، وهو مرسل صحيح الإسناد، وهو يقوي رواية شعبة عن
عبد الرحمن مسنداً، ويؤيد أن الحديث مرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكأنه- للدلالة على ذلك- عقبها المصنف رحمه الله بهذا التعليق.
والحديث أسنده الثوري أيضا؛ لكن خالف شعبة في إسناده فقال: عن
عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن زينب بنت جحش قالت:
سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحمنة، فقلت: إنها مستحاضة ... الحديث نحوه.(2/88)
وقد خرجناه هناك، وبينا أنه منقطع، والعمدة على رواية شعبة؛ فإنه قد
حفظه وأجاده.
308- عن أسماء بنت عُمَيْس قالت:
قلت: يا رسول الله! إن فاطمة بنت أبي حُبَيْش استحيضت منذ كذا
وكذا؛ فلم تُصَل؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" سبحان الله! إن هذا من الشيطان، لتجلسْ في مِرْكَنٍ؛ فإذا رأت
صفرة فوق الماء؛ فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب
والعشاء غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتَوَضأُ فيما بين
ذلك ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وكذلك قال الحاكم، ووافقه
الذهبي، وقال ابن حزم: " إنه في غاية الصحة ". وقال المنذري: " حديث
حسن ") .
إسناده: حدثنا وهب بن بقية: أنا خالد عن سهيل- يعني: ابن أبي صالح-
عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وكذلك قال الحاكم والذهبي كما
يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/353) ، وابن حزم (2/212- 213) من طريق
المؤلف.
وأخرجه الحاكم (1/174) من طريق أخرى عن وهب بن بقية ... به.(2/89)
ثم أخرجه هو، والدارقطني (ص 80) - من طريق علي بن عاصم-،
والطحاوي (1/60- 61) ، والدارقطني (ص 79) ، والبيهقي- من طريق خالد بن
عبد الله- كلاهما عن سهيل بن أبي صالح ... به. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وقال ابن حزم:
" إنه في غاية الصحة ".
ونقل الصنعاني في "سبل السلام " (1/140) ، وصاحب "عون المعبود" عن
المنذري أنه قال:
" حديث حسن ".
قلت: هذا في النسخة المطبوعة في مِصْرَ مِنْ "مختصر السنن " للمنذري.
والحديث رواه جرير أيضا عن سُهَيل؛ لكنه خالفه في المتن وشك في إسناده:
أما المتن؛ فإنه قال: فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، ثم تغتسل.
هذا هو الحديث عنده لا غير؛ فليس عنده ما رواه خالد بن عبد الله وعلي بن
عاصم، كما أنه ليس عندهما ما عنده. فإذا ضمت الروايتان إلى بعضهما تَم
الحديث وكَمَلَ.
وأما الاسناد؛ فإنه قال فيه: عن عروة بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت
أبي حُبَيْش أنها أمرت أسماء- أو أسماء حدثتني أنها أمرتها فاطمة بنت أبي
حُبَيْش-: أن تسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والصواب من ذلك: أسماء حدثتني ... إلخ؛ كما تدل عليه رواية خالد وعلي.
وحديث جرير مضى في الكتاب (رقم 273) .(2/90)
وفيما سبق من الكلام على أسانيد أحاديث الباب وبعض أحاديث الباب
السابق؛ يتبين لك خظأ قول النووي رحمه الله في "المجموع " (2/536) :
ولم يصح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمرها [يعني. الستحاضة] بالغسل إلا مرة واحدة
عند انقطاع الحيض، وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أقبلت الحيضة؛ فدعي الصلاة، وإذا
أدبرت فاغتسلي "؛ وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل. وأما الأحاديث الواردة
في "سنن أبي داود" و"البيهقي " وغيرهما: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرها بالغسل لكل
صلاة؛ فليس فيهاشيءثابت " إ!
ومن الغريب: أنه غفل عن حديث ابن عقيل الذي صححه جماعة- ومنهم
النووي نفسه-؛ وفيه الغسل أكثر من مرة واحدة، وقد سبق أن نيهنا على هذا عند
الحديث المشار إليه فراجعه (رقم 293) .
والأمر في هذا الحديث ليس للوجوب، بل للاستحباب.
309- قال أبو داود: " يرواه مجاهد عن ابن عباس: لما اشتدَّ عليها
الغسل؛ أمرها أن تجمع بين الصلاتين ".
(قلت: وصله الطحاوي من طريق قيس بن سعد عنه قال:
قيل لابن عباس: إن أرضنا أرض باردة،؟ قال:
تؤخر الظهر وتعجل العصر؛ وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتؤخر المغرب
وتعجل العشاء؛ وتغتسل لهما غسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً ".
وإسناده صحيح، وقد وصله الدارمي أيضا، وإسناده على شرط مسلم،
وانظر ما تقدم (رقم 278)) .(2/91)
وصله الطحاوي (1/61) قال: حدثنا ابن خزيمة قال: ثنا حجاج قال: ثنا
حماد عن قيس بن سعد.
وهذا إسناد صحيح.
ثم وجدت الدارمي قد أخرجه فقال (1/221) : أخبرنا حجاج بن منهال ...
به
فهو صحيح على شرط مسلم.
310- قال أبو داود: " ورواه إبراهيم عن ابن عباس ".
(قلت: لم أقف عليه) .
311- وهو قول إبراهيم النَّخَعِي وعبد الله بن شداد.
(قلت: وصله عنهما الدارمي بإسنادين صحيحين. والأول على شرط
الشيخين، والآخر على شرط البخاري) .
وصله عنهما الدارمي، فقال (1/2044) : أخبرنا محمد بن يوسف: ثنا
سفيان عن منصور عن إبراهيم قال:
المستحاضة تجلس أيام أقراثها، ثم تغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً، وتؤخر
المغرب وتعجل العشاء، وللفجر غسلاً واحداً، ولا تصوم، ولا يأتيها زوجها، ولا
تمس المصحف.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ثم قال الدارمي (1/205) : أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس: ثنا أبو زُبَيْد:
ثنا حصين عن عبد الله بن شداد قال:(2/92)
المستحاضة تغتسل، ثم تجمع بين الظهر والعصر، فإن رأت شيئاً؛ اغتسلت
وجمعت بين المغرب والعشاء.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وأبو زُبيد: اسمه عَبْثَرُ بن القاسم.
112- باب من قال: تغتسل من طُهْرٍ إلى طهْرٍ
312- عن عَدِيَ بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
المستحاضة:
" تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلِّي، والوضوء عند كل
صلاة (زاد في رواية: وتصوم وتصلي) ".
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا محمد بن جعفر بن زياد، وأنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا
شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت.
قال أبو داود: " وزاد عثمان: " وتصوم وتصلي " ".
وهذا إسناد ضعيف: شريك سيئ الحفظ. وأبو اليقظان اسمه عثمان بن
عمَيْر، وهو ضعيف.
وثابت- والدعدي- مجهول الحال، كما في "الميزان "، و " التقريب ".
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " على قاعدته.
وأما جد عدي؛ فلم يعرف! وقد ذكر في "التهذيب " خمسة أقوال عن العلماء
في اسمه، ولم يستقر الخلاف على شيء يطمئن القلب إليه؛ فلا نطيل الكلام(2/93)
بذكر أقوالهم! ويأتيك قريباً كلام البخاري وابن معين في ذلك.
والحديث أخرجه الترمذي (1/220) ، والدارمي (1/202) ، وابن ماجه
(1/215) ، والطحاوي (1/61) ، والبيهقي (1/347) من طرق عن شريك ...
به. وقال الترمذي:
" تفرد به شريك عن أبي اليقظان ". قال:
" وسألت محمدأ عن هذا الحديث؛ فقلت: عدي بن ثابت عن أبيه عن
جده. جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمد اسمه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن
معين: إن اسمه دينار؟ فلم يعبأ به ".
وأما نقل مجد الدين ابن تيمية في "المنتقى" (1/239) عن الترمذي أنه قال:
"حسن "!
فخطأ؛ بل كلامه السابق يشير إلى تضعيفه له. وقال ابن سيد الناس في
شرحه:
" وسكت الترمذي عن هذا الحديث، فلم يحكم بشيء، وليس من باب
الصحيح، ولا ينبغي أن يكون من باب الحسن؛ لضعف راويه عن عدي بن ثابت ".
قلت: لكنه من باب الصحيح لغيره؛ لأن له شاهداً من حديث عائشة رضي
الله عنها؛ وهو:
313- عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حُبَيْش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر خبرها [قلت:
انظره (رقم 281) ] ؛ قال:(2/94)
" ثم اغتسلي، ثم توضَّئي لكل صلاة وصلي ".
(قلت: حديث صحيح. وقد أخرجه البخاري وابن حبان في
"صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن
أبي ثابت عن عروة عن عائشة.
قلت: قد سبق هذا الإسناد بحديث آخر (رقم 172) ، وقد تكلمنا عليه هناك
بما فيه كفاية.
وخلاصة ذلك: أن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أن حبيب بن أبي
ثابت مدلس، وقد عنعنه؛ وقد اتفق علماء الحديث على أنه لم يسمع من عروة
- وهو ابن الزبير- شيئاً؛ فعلة الحديث الانقطاع ليس إلا.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/215) ، والطحاوي (1/61) ، والدارقطني
(1/78) ، والبيهقي (1/344) ، وأحمد (6/42 و 204 و 262) من طرق عن
الأعمش ... به، وزا دوا:
" وإن قطر الدم على الحصير".
وقد بين ابن ماجه في روايته- من طريق وكيع- والدارقطني- من طريقه ومن
طريق عبد الله بن داود- جميعاً عن الأعمش أن عروة. هو ابن الزبير.
وتابعهما محمد بن ربيعة عن الأعمش: عند الدارقطني؛ كلهم قالوا: عنه
عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير.
فهذا يدفع (القيل) الذي ذكره المنذري، وهو أن عروة هذا إنما هو المزني؛ وهو
مجهول! وقد قيل هذا في الحديث المشار إليه آنفاً؛ والصواب أنه عروة بن الزبير في(2/95)
هذا الحديث وفي ذلك؛ كما تقدم بيانه هنا وهناك.
ومما يؤيد ذلك في هذا الحديث: ما أخرجه الدارقطني بإسناد صحيح عن
عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال:
جئنا من عند عبد الله بن داود الخرَيْبِى إلى يحيى بن سعيد القطان. فقال:
من أين جئتم؟ قلنا: من عند عبد الله بن داود. فقال: ما حدثكم؟ قلنا: حدثنا
عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة ... الحديث. فقال
يحيي: أما إن سفيان الثوري كان أعلم الناس بهذا: زعم أن حبيب بن أبي ثابت
لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً.
قلت: فهذه الرواية تدل على أن يحيى القطان كان يرى أن عروة في الحديث:
هو ابن الزبير؛ ولكنه أعله بالانقطاع، وكذلك ابن حزم أعله في "المحلى" (1/253)
بالانقطاع.
وهو علة هذا الإسناد، كما ذكرنا فيما سلف.
وأما المصنف رحمه الله؛ فقد أعله بعلة أخرى، وهي الوقف، فقال عقب رواية
عائشة الآتية- وقد ساقها موقوفاً ومرفوعاً، والمرفوع ليس على شرطنا، فأوردناه في
الكتاب الآخر (رقم 52) - قال المصنف:
" قال أبو داود: وحديث عدي بن ثابت، والأعمش عن حبيب، وأيوب أبي
العلاء: كلها ضعيفة لا تصح. ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب؛ هذا
الحديث؛ أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش، وأنكر حفص بن غياث أن يكون
حديث حبيب مرفوعاً، وأوقفه أيضا أسباط عن الأعمش ... موقوف عن عائشة ".
قال أبو داود:
" ورواه ابن داود عن الأعمش ... مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء(2/96)
عند كل صلاة. ودل على ضعف حديث حبيب هذا: أن رواية الزهري عن عروة
عن عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صالأة في حديث المستحاضة. وروى أبو
اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن علي، وعمار مولى بني هاشم عن ابن
عباس. وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي عن
حديث قمير عن عائشة: " توضأ لكل صلاة ". ورواية داود وعاصم عن الشعبي
عن قمير عن عائشة: " تغتسل كل يوم مره ". وروى هشام بن عروة عن أبيه:
المستحاضة تتوضأً لكل صلاة. وهذه الأحاديث كلها ضعيفة؛ إلا حديث قمير،
وحديث عمار مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة عن أبيه. والمعروف عن
ابن عباس الغسل ".
وهو كما قال المصنف رحمه الله؛ لكننا لا نوافقه على ضعف حديث عائشة
المرفوع هذا، ولا على ضعف حديثها الآتي بعده موقوفاً.
أما المرفوع؛ فلأن إعلاله بالوقف غير مسلَّم؛ لأنه قد رواه جماعة من الثقات
مرفوعاً عن الأعمش؛ منهم وكيع: عند المصنف وابن ماجه والدارقطني والبيهقي
وأحمد. وقال البيهقي.
" وهكذا رواه علي بن هاشم وقرة بن عيسى ومحمد بن ربيعة وجماعة عن
الأعمش. واختلف فيه على عبد الله بن داود الخريبي. ورواه حفص بن غياث وأبو
أسامة وأسباط بن محمد عن الأعمش؛ فوقفوه على عائشة واختصروه ".
قلت: ورواية الآ خرين المرفوعة؛ أخرجها كلَّها الدارقطني. ورواية علي بن
هاشم عند أحمد أيضا.
وممَن رفعه أيضا عن الأعمش: يحيى بن عيسى: عند الطحاوي، وسعيد بن
محمد الوراق: عند الدارقطني.
فهؤلاء ستة- أكثرهم أئمة كبار- زادوا عن الأعمش الرفع؛ فوجب على(2/97)
مذاهب الفقهاء وأهل الأصول ترجيح روايتهم، لأنها زيادة ثقة، وكذا على مذاهب
أهل الحديث؛ لأنهم أكثر عدداً، وتحمل رواية من وقفه على عائشة أنها سمعته من
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروته مرة، وأفتت به مرة أخرى، كما قال ابن التركماني.
ثم استدل المصنف على ضعف الحديث بأن في رواية الزهري عن عروة عن
عائشة قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة!
قلت: يعني: الحديث الى، لى م (رقم 295) ! وهذاليس بشيء؛ لأن
المستحاضة المشار إليها هي أم حبيبة، ولا يلزم من عدم ذكر الوضوء في قصتها أن
لا يكون صحيحاً في غيرها، كقصة فاطمة في هذا الحديث؛ فإن ذكر الوضوء فيه
ثابت صحيح لم يتفرد بذكره حبيب عن عروة؛ بل قد تابعه ابنه هشام؛ فرواه عن
أبيه مثل رواية حبيب هذه.
أخرجه البخاري وغيره، وقد ذكرنا لفظه فيما مضى عند الكلام على حديث
هشام هذا؛ المذكور في الكتاب (رقم 281) . وسنذكره بنصه قريباً (رقم 318) .
وفي هذا رد واضح على المؤلف؛ حيث ضعَّف الحديث؛ وقد صححه من ذكرنا
(ص 95) .
وأما قوله: " وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً "!
فقد وصله الدارقطني (ص 78) من طريق أحمد بن أبي خيثمة: نا عمر بن
حفص: ثنا أبي: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة: في المستحاضة
تصلي وإن قطر الدم على حصيرها.
وقال ابن أبي خيثمة: لم يرفعه حفص. وتابعه أبو أسامة.
قلت: فليس فيه إنكار حفص رفع الحديث؛ وغاية ما فيه أنه رواه موقوفاً؛
وتابعه على ذلك أبو أسامة، وقد خالفهم من سمبق ذكرهم؛ فروايتهم هي المقدمة.(2/98)
وأما قوله: " وأنكر ابن داود أن يكون فيه الوضوء لكل صلاة "!
فهو من تساهل المصنف أيضا؛ وسيأتي الجواب عنه عند رواية ابن داود هذه
(رقم 315) .
314- عن عائشة في المستحاضة:
تغتسل مرة واحدة، ثم تَوَضَّأُ إلى أيام أقرائها.
(قلت: حديث صحيح موقوف) .
إسناده: حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي: نا يزيد عن أيوب بن أبي
مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة.
قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أم كلثوم لا يدرى من هي؟
والحجاج: هو ابن أرطاة، وهو ثقة، لكنه مدلس.
وأيوب بن أبي مسكين ثقة؛ لكن في حفظه ضعف. وفي "التقريب " أنه
" صدوق له أوهام ".
قلت: وقد اضطرب في هذا الحديث؛ فمرة أوقفه، ومرة رفعه بإسناد آخر عن
عائشة.
والصواب الموقوف؛ ولذلك أوردنا المرفوع في الكتاب الآخر، كما سبقت
الإشارة إليه.
والمصنف رحمه الله ضعفه مرفوعاً وموقوفاً! ولكن لمّا رأينا الموقوف قد جاء
من وجه آخر صحيح، صححناه كما هو شرطنا في الكتاب، فانظر ما يأتي (رقم(2/99)
316) .
315- قال أبو داود: " ورواه [قلت: يعني: حديث عائشة المرفوع (رقم
313) ] : ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء
عند كل صلاة ".
(قلت: وصله الدارقطني من طريق الفضل بن سهل: ثنا عبد الله بن داود
عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت:
جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: يا رسول الله! إني
امرأة أُستحاض فلا أطهر؛ أفأع الصلاة؟ فقال:
"دعي الصلاة أيام أقرائك، ثم اغتسلي وصلِّي، وإن قطر الدم على
الحصير".
قلت: وليس فيه- كما ترى- إنكار ابن داود كما ذكره المصنف رحمه الله
تعالى! ومجرد السكوت عن هذه الريادة وترك روايتها؛ لا ينبغي أن يستنتج منه
أن التارك لها استنكرها؛ فإنه إنما روى ما ذُكِرَ له، أو ما حفظ! كيف وقد رواه
جماعة من الثقات عن الأعمش؛ فأثبتوها؟! كما في الرواية الأولى! كيف وقد
ثبتت من رواية هشام بن عروة عن أبيه؟ !) .
إسناده: وصله الدارقطني (ص 78) : حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا الفضل
ابن سهل: ثنا عبد الله بن داود ... به.
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى حبيب؛ والحسين هذا: هو أبو عبد الله الضَّبي
المحاملي؛ وهو ثقة فاضل، له ترجمة في "تاريخ بغداد" (8/19- 23) .(2/100)
وبقية الرجال ثقات معروفون.
وليس في سياقه ما يدل على الإنكار الذي ادعاه المصنف رحمه الله؛ كما
بيناه أعلاه.
ويجوز أن يكون الأعمش كان يختصره أحياناً؛ مراعاةً لحال السؤال أو البيان
للمسألة،.
ويؤيد ذلك: أن وكيعاً روى الحديث- كما سبق في الكتاب- دون قوله في
آخره:
" وإن قطر الدم على الحصير "، ورواه غير المصنف عنه بإثبات هذه الزيادة،
كما ذكرنا فيما تقدم.
ثم أخرجه أحمد (6/137) عنه أيضا مختصراً جدّاً؛ بلفظ:
" تصلي المستحاضة، وإن قطر الدم على الحصير ".
فهذا الاختلاف في إتمام الحديث واختصاره؛ ليس له وجه إلا ما ذكرنا من
المراعاة؛ فلا يكون رواية من اختصره حجة على من أتمه؛ لا سيما إذا كانوا
جماعة، كما في هذا الحديث! وهذا بين لايخفى. والحمد لله.
316- وروى عبد الملك بن ميسرة وبيان ومغيرة وفراس ومجالد عن
الشعبي عن حديث قمير عن عائشة:
توضأ لكل صلاة.
(قلت: وصل أحاديثهم- دون حديث مغيرة-: الدارمي والطحاوي
والبيهقي، وهو حديث صحيح موقوفاً، وصححه المؤلف. وقد روي من حديث(2/101)
قمير مرفوعاً، ولكن إسناده ضعيف لا يصح، وقد أوردناه في الكتاب الاخر
(رقم 52) ، إلا أنه صحيح من وجه آخر عن عائشة، كما سبق (رقم 313) ،
ويأتي بعد حديث)
وصل أحاديثهم- إلا حديث المغيرة-: الطحاوي والدارمي والبيهقي:
فأخرجه الطحاوي (1/63) ، والبيهقي (1/335) من طريق شعبة قال: ثنا
عبد الملك بن ميسرة والمجألد بن سعيد وبيان قالوا: سمعنا عامرا ًالشعبي يحدث
عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المستحاضة:
تدع الصلاة أيام حيضها، ثم تغتسل غسلاً واحداً، وتتوضأ عند كل صلاة.
وأخرجه البيهقي (1/329) من طريق أخرى عن شعبة عن عبد الملك وحده.
وأخرجه الدارمي (1/201) - عن مجالد-، و (1/202) - عن إسماعيل؛ وهو
ابن أبي خالد-، وهو (1/203) ، والطحاوي- عن فراس- كلهم عن عامر ... به.
وهذا إسناد صحيح.
وقد رواه المصنف وغيره من طريق أخرى عن قمير ... مرفوعاً.
ولكنه لا يصح، ولذلك أوردناه في الكتاب الآخر؛ واستغنينا عنه بحديث
حبيب السابق، وحديث هشام عن أبيه الآتي.
هذا؛ ولفظ حديث فراس: المستحاضة تجلس أيام أقرائها، ثم تغتسل غسلأ
واحداً، وتتوضأ لكل صلاة.
وروى البيهقي (1/351) من طريق ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن
عائشة:(2/102)
أنها لم تكن ترى على المستحاضة إلا غسلأ واحداً.
وهذا سند صحيح في الشواهد والمتابعات.
317- ورواية داود وعاصم: عن الشعبي عن قمير عن عائشة:
تغتسل كل يوم مرة.
(قلت: وصله الدارمي من طريق داود- وهو ابن أبي هند-. وإسناده
صحيح على شرط مسلم، وقد صححه المؤلف) .
قلت: وصله الدارمي (1/206) من طريق داود؛ فقال: أخبرنا حجاج: ثنا
حماد عن داود عن الشعبي عن قمير امرأة مسروق أن عائشة قالت في المستحاضة:
وتغتسل كل يوم مرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
318- وروى هشام بن عروة عن أبيه:
المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
(قلت: وصله أحمد عقب حديث هشام المتقدم (رقم 281) فقال: قال
يحيى- هو ابن سعيد القطان-: قلت لهشام: أغسل واحد تغتسل، وتوضأ عند
كل صلاة؟ قال: نعم. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه المؤلف.
وقد صح مرفوعاً من طريق أبي معاوية: عند البخاري والترمذي وغيرهما، ومن
طريق أبي حمزة وأبي عوانة: عند ابن حبان في "صحيحه " (1351) ، ومن
طريق حماد بن زيد: عند مسلم والنسائي والبيهقي، ومن طريق حماد بن
سلمة: عند الدارمي والطحاوى، ومن طريق أبي حنيفة: عنده؛ كلهم قالوا:(2/103)
عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ... مرفوعاً به. وقواه الحافظ. وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ")
أخرجه أحمد (6/194) من طريق يحيى ووكيع عن هشام عن أبيه عن
عائشة:
أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... الحديث. وقال
عقيبه: قال يحيى ... إلى آخره.
وأخرجه البخاري والترمذي والدارقطني، والبيهقي (1/344) من طريق أبي
معاوية عن هشام ... به. وقال في آخره: قال: وقال أبي: " ثم توضئي لكل
صلاة؛ حتى يجيء ذلك الوقت ". ثم قال البيهقي:
" وقول عروة فيه صحيح ".
قلت: وهو- أعني: عروة- قد رفع الحديث؛ حيث قال:
" ثم توضئي ". وهذا من فوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتماً؛ لأنه هو الذي كان يخاطب
المستحاضة لا عروة، كما هو واضح بين. وحينئذ فقول البيهقي:
" والصحيح: أن هذه الكلمة من قول عروة بن الزبير "!
ليس بصحيح. وقد رد عليه الحافظ في "الفتح " (1/265) ؛ حيث قال:
" وادعى بعضهم أن قوله: " ثم توضئي " من كلام عروة موقوفاً عليه! وفيه
نظر؛ لأنه لو كان كلامه لقال: ثم تتوضأ، بصيغة الإخبار. فلما أتى به بصيغة
الأمر؛ شاكله الأمر الذي في المرفوع، وهو قوله: " فاغسلي " ... ".
قلت: ويؤيد ذلك: أن هذه الزيادة من تمام الحديث- عند غير أبي معاوية-
وصلوه بالحديث.(2/104)
وكذلك رواه البيهقي من طريق عبد الله بن عثمان: ثنا أبو حمزة قال: سمعت
هشاماً يحدث عن أبيه:
أن فاطمة بنت أبي حبيش قالت: يا رسول الله! إني أستحاض فلا أطهر ...
الحديث، وقال فيه:
" فاغتسلي عند طهرك وتوضَّئي لكل صلاة كا.
قلت: وهذا مرسل لم يذكر فيه عائشة! والصحيح أنه موصول بذكرها فيه؛
فقد أخرجه كذلك ابن حبان (1351) من حديث محمد بن علي بن الحسن بن
شقيق: سمعت أبي يقول: ثنا أبو حمزة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة:
أن فاطمة بنت أبي حبيش ... الحديث.
وهكذا هو موصول عند أبي معاوية ومن تابعه؛ وقد سبق تخريج أحاديثهم عند
حديث هشام المتقدم؛ فلا داعي للإعادة.
113- باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر
319- عن سُمَي مولى أبي بكر:
أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف
تغتسل المستحاضة؟ فقال:
تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتوضأ لكل صلاة؛ فإن غَلَبَها الدم
استثفرت بثوب.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما) .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن سُمَيَ مولى أبي بكر.(2/105)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في "الموطأ" (1/81) ، ومن طريقه رواه محمد في "موطئه " (ص
80) بلفظ: طهر.. بالإهمال، ويأتي قريباً ما نقله المؤلف عن مالك في ذلك.
وأخرجه الدارمي (1/205) قال: أخبرنا يزيد بن هارون: حدثنا يحيى أن
سُمَيّا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبره ... به.
وهذا صحيح أيضا على شرطهما.
ومن طريق يزيد: أخرجه البيهقي (1/330) ؛ لكنه لم يذكر فيه: زيد بن أسلم.
وقد علقه المصنف فيما مضى من طريق حماد بن زيد عن يحيى ... به (رقم
288) .
ورواه سفيان أيضأ عن سمَي، وقد ذكرنا لفظه فيما سبق (رقم 289) .
320- قال أبو داود: " وروى عن ابن عمر وأنس بن مالك:
تغتسل من ظهر إلى ظهر ".
(قلت: وصله عن ابن عمر الدارمي: من طريق نافع عنه؛ وإسناده حسن.
وأما أثر أنس؛ فلم أجده) .
وصله من طريق ابن عمر: الدارمي فقال (1/206) . أخبرنا مروان عن بكير
ابن معروف عن مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر.
قال مروان: وهو قول الأ وزاعي.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير بكير بن(2/106)
معروف؛ فقال الآجري عن المصنف:
" ليس به بأس ".
وكذا قال النسائي، ونحوه أحمد في رواية. وقال في رواية أخرى:
" ذاهب الحديث ". وقال ابن عدي:
" أرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جداً ". وفي "التقريب ":
" صدوق، فيه لين ".
317- وكذلك روى داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته عن قمير
عن عائشة؛ إلا أن داود قال: كل يوم. وفي حديث عاصم: عند الظهر.
(قلت: كذا في هذه الرواية: (عن امرأته) ! وهي- إن ثبتت في جميع نسخ
الكتاب- شاذة، وقد سبق أن ذكره المصنف معلقاً على الصواب: عن الشعبي
عن قمير. ووصلناه هناك بهذا الرقم من طريق داود. وأما طريق عاصم؛ فلم
أقف عليه موصولاً) .
سبق بهذا الرقم، وزيادة امرأة الشعبي في الإسناد شاذ؛ كما ذكرت
أعلاه.
ويؤيد ذلك: أنه قد رواه عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن
الشعبي عن قمير ... وقد مضى (رقم 316) .
321- وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء.
(قلت: وصله الدارمي من طريق الحسن وعطاء. وهو عن الحسن صحيح
على شرط مسلم، وعن عطاء ضعيف.(2/107)
قال أبو داود: " قال مالك (1) : أني لأظن حديث ابن المسيب: " من ظهر
إلى ظهر "، قال فيه: إنما هو: " من طهر إلى طهر "، ولكن الوهم دخل فيه،
فقلبها الناس فقالوا: " من ظهر إلى ظهر ".
ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن ينلوع؛ قال فيه:
" من طهر إلى طهر "، فقلبها الناس: " من ظهر إلى ظهر " (2) ".
(قلت: وظن مالك هذا ليس بصحيح؛ مسور بن عبد الملك ليس بالقوي.
وقد رواه يحيى بن سعيد القطان عن سمي باللفظ الأول: " من ظهر إلى ظهر "
بالاعجام؛ اْخرجه الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه سفيان
عن سمي؛ وقد ذكر لفظه فيما سبق من الكتاب (رقم 289) . وهكذا صححه
__________
(1) قول مالك هذا ليس في "الموطأ"! وهو ظن غير صحيح؛ كما سأذكر تالياً.
والمسور هذا أورده الحافظ في " التهذيب " من أجل هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلا. وقال في " التقريب ":
" مقبول ". وفي " الميزان ":
" مسور بن عبد الملك، حدث عنه معن القزاز؛ ليس بالقوي. قاله الأزدي ".
فالظاهر أنه هذا! ثم تأكد فلك لدي حين رجعت إلى "اللسان "؛ فإذا به يقول:
" وسمى ابن أبي حاتم جده سعيد بن يربوع، وذكر في الرواة عنه أيضا ابن وهب وأشهب
وعبد الله بن الحكم ".
(2) قال أبو الحسنات في "التعليق الممجد على موطأ محمد ":
" قال ابن سيد الناس: اختلف فيه: فمنهم من روإه بالطاء المهملة، ومنهم من رواه بالظاء
المعجمة. وقال ابن العراقي: المروي إنما هو بالإعجام، وأما الإهمال؛ فليس رواية مجزوماً بها.
وقال ابن عبد البر: قال مالك: ما أرى الذي حدثني به: " من ظهر " إلا وقد وهم.
وليس ذلك بوهم؛ لأنه صحيح عن سعيد، معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان
عن سُمَي ... به بالإعجام،.(2/108)
ابن عبد البر وغيره أنه بالاعجام) .
وصله من طريق الحسن- وهو البصري-: الدارمي فقال (1/206) : حدثنا
حجاج بن منهال: ثنا حماد عن حميد عن الحسن قال:
المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها من الشهر، ثم تغتسل من الظهر إلى
الظهر، وتوضأ عند كل صلاة، وتصوم، وتصلي، ويأتيها زوجها.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
ثم قال: حدثنا حجاج بن منهال: ثنا حماد عن عباد بن منصورعن الحسن
وعطاء ... مثل ذلك.
قلت: وعباد بن منصور فيه ضعف، وهو مدلس.
114- باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا.) انظر "الضعيف " (]
115- باب من قال: تغتسل بين الأيام
322- عن محمد بن عثمان:
أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة؟ قال:
تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل في الأيام.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا القعنبي: نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد- عن محمد بن
عثمان.(2/109)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عثمان-
وهو ابن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع الخزومي-، وهو ثقة بلا خلاف.
116- باب من قال: توضأ لكل صلاة
............... (1)
323- قال أبو داود: " وريي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم
عن أبي جعفر- قال العلاء- عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأوقفه شعبة على أبي جعفر-:
" تَوضأ لكل صلاة ".
(قلت: الموقوف إسناده صحيح؛ فقد وصله الدارمي من طريق أخرى عن
أبي جعفر. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأما المرفوع؛ فهو حديث صحيح؛ صح مسنداً من حديث عائشة، وقد
مضى (رقم 318)) .
هو معلق كما ترى؛ وهو من طريق العلاء بن المسيب مرفوع مرسل، ومن
طريق شعبة موقوف.
أما المرسل؛ فقد علقه المصنف أيضا في باب سابق بلفظ آخر، وقد أوردناه في
الكتاب الأخر (رقم 46) ، وذكرنا هناك أن ابن خزيمة وصله مرسلاً أتم من لللفظ
المذكور هناك، كما قال البيهقي، ولم نقف على لفظه؛ فلعل فيه ما ذكره المؤلف هنا!
على أن هذا القدر منه صحيح مرفوعاً؛ لأنه صح إسناده مسنداً من حديث
عائشة، وقد تقدم (رقم 318) .
__________
(1) هنا في بعض النسخ حديث تقدم بإسناده ومتنه برقم (285 و 286) .(2/110)
وأما الموقوف؛ فقد وصله الدارمي من طريق أخرى عن أبي جعفر، فقال
(1/203) : أخبرنا محمد بن يوسف: أنا إسرائيل: ثنا أبو إسحاق عن محمد أبي
جعفر (وفي الأصل: محمد بن أبي جعفر، وهو خطأ مطبعي) : أنه قال في
المستحاضة:
تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتحتشي كُرْسُفاً، وتوضأ لكل صلاة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (1) .
117- باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث
324- عن عكرمة قال:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت، فأمرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنتظر أيام
أقرائها، ثم تغتسل وتصلِّي، فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه عبد الحق في
"أحكامه " (522)) .
إسناده: حدثنا زياد بن أيوب: نا هشيم: نا أبو بشر عن عكرمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أعل بالانقطاع، ويأتي
الجواب عنه.
والحديث أخرجه البيهقي (1/351) من طريق يحيى بن يحيى: أنا
هشيم ... به؛ إلا أنه قال:
__________
(1) تنبيه: أورد المصنف في الباب حديث: " دم الحيض أسود يعرف "؛ وقد اختصرناه؛(2/111)
توضأت واستثفرت واحتشت وصلت ". وأعله بقوله:
" وهذا منقطع "!
وتبعه المنذري والخطابي؛ وزاد:
" وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش "! قال ابن التركماني:
" وفي تسميته هذا منقطعاً نظر".
قلت: ولعل وجهه أن عكرمة- وهو أبو عبد الله المدني البربري؛ مولى ابن
عباس- تابعي مات سنة (107) ؛ وهو غير معروف بالتدليس، فروايته محمولة
على السماع إلا إذا وجد ما يدل على الانقطاع؛ وليس لدينا شيء من ذلك.
وقول الخطابي: " إن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة "!
لا ندري ما مستنده في ذلك؟! ولم يذكره أحد ممن ترجم لأم حبيبة وعكرمة!
نعم؛ هناك مجال للشك في سماع عكرمة منها، كما فعل الحافظ في "الفتح "
(1/340) ، وسيأتي نص كلامه في ذلك (رقم 328) .
فلو كان صحيحاً ما ذكره الخطابي من نفي السماع؛ لجزم الحافظ بذلك ولم يشك!
على أن الشك المذكور خلاف الأصل؛ لما ذكرنا. والله تعالى أعلم.
(فائدة) : هذا الحديث كالمخصص أو المقيد لحديث عائشة المشار إليه في الباب
قبله:
أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
فإنه- بإطلاقه- يدل على أنها تتوضأ لكل صلاة؛ سواءً رأت الدم أو لم تره!
وأما هذا الحديث؛ فإنه يدل على أن فلك إنما يجب إذا رأت الدم.(2/112)
فدل على أن المستحاضة إذا لم تر الدم؛ تصلي بالوضوء الواحد ما شاءت من
الصلوات، حتى ينتقض وضوؤها؛ سواءً بخروج الدم أو غيره من النواقض.
هذا هو المراد من الحديث، ولا يحتمل غيره من المعنى؛ لا سيما على رواية
البيهقي المذكورة عند تخريج الحديث.
وقد ذكر صاحب "العون " وجها ًآخر من المعنى، وهذا- وإن كان قد ذكره
احتمالاً، ورجح المعنى الأول-؛ فإن المعنى المشار إليه باطل إذا ما قوبل برواية
البيهقي، والله أعلم.
325- عن ربيعة:
أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءاً عند كل صلاة؛ إلا أن يصيبها
حدث غير الدم؛ فتوضأ (1) .
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم) .
قال أبو داود: " وهذ اقول مالك- يعني: ابن أنس- " (2) .
__________
(1) قال الخطابي: " وقول ربيعة شاذ، ليس عليه العمل ".
قلت: وهو قول باطل؛ لخالفته لحديث الباب، ولحديث عائشة المشار بليه في الباب قبله.
(2) فال في "عون المعبود":
" هذه العبارة في النسختين، وليست في أكثر النسخ. قال ابن عبد البر: لشى في حديث
مالك في "الموطأً" ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، وذكر في حديث غيره، فلذلك
كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه؛ كما لا يوجبه على صاحب التسلسل. ذكره الزرقاني ".
قلت: لكن الحديث بوجوب الوضوء لكل صلاة؛ قد صح عند البخاري وغيره كما سبق؛
فوجب الأخذ به، ولا عذر بعد ذلك لن يصر على تقليد غير المعصوم إ!(2/113)
(قلت: وهو قول باطل؛ لخالفته لحديث الباب، ولحديث عائشة المشار إليه
في الباب قبله) .
إسناده: حدثنا عبد الملك بن شعيب: ثني عبد الله بن وهب: ثني الليث عن
ربيعة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
118- باب في المرأة ترى الصّفْرة والكُدْرة بعد الطهْر
326- عن أم الهُذَيْلِ عن أم عطية- وكانت بايعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت:
كنا لا نَعُذ الكُدْرة والصفْرة بعد الطُّهْرِ شيئاً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن قتادة عن أم الهذيل.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي (1/337) من طريق المصنف.
وأخرجه الدارمي (1/215) ، والحاكم (1/174) من طريق حجاج بن منهال:
ثنا حماد بن سلمة ... به.
وقد تابعه أبان: عند البيهقي، وأيوب: عند ابن ماجه (1/223) كلاهما عن
حفصة به ... وحفصة: هي بنت سيرين أم الهذيل، كما ذكره المصنف فيما
بعد.
وقد رواه أيوب عن ابن سيرين أيضا، وهو:(2/114)
327- عن محمد بن سيرين عن أم عطية ... بمثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وكذ اقال النووي. وقد أخرجه
في "صحيحه "، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي) .
قال أبو داود: " أم الهُذَيل: هي حفصة بنت سيرين، كان ابنها اسمه
هذيل، واسم زوجها عبد الرحمن ".
إسناده: حدثنا مسدد: نا إسماعيل: نا أيوب عن محمد بن سيرين.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وكذا قال النووي في
" المجموع " (2/388) .
وإسماعيل: هو ابن عُلَيَةَ.
والحديث أخرجه الحاكم (1/174) ، ومن طريقه البيهقي (1/337) من طريق
أخرى عن مسدد.
وأخرجه البخاري (1/338) ، والنسائي (1/66) ، والدارمي (1/214) من
طرق أخرى عن إسماعيل ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/223) من طريق معمر عن أيوب.
والحاكم من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين ... به؛ وقال:
" صحيح على شرط الشيخين "؛ ووافقه الذهبي.
(تنبيه) : ليس في حديث ابن سيرين قوله: بعد الطهر؛ كما في حديث أم
الهذيل؛ فقول المصنف في حديث ابن سيرين:
"بمثله " إفيه مسامحة!(2/115)
119- باب المستحاضة يغشاها زوجها
328- عن عكرمة قال:
كانت أم حبيبة تُسْتَحَاضُ؛ فكان زوجها يغشاها.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال "الصحيح ") .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن خالد: نا معَفَى بن منصور عن علي بن مًسْهِرٍ عن
الشيباني عن عكرمة.
قال أبو داود: " قال يحيى بن معين: فعَلَّى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا
يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي ".
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "، وإبراهيم بن
خالد: هو أبو ثور صاحب الشافعي.
والشيباني: هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان.
وعكرمة: هو أبو عبد الله البربري. وقال الحافظ:
" هو حديث صحيح؛ إن كان عكرمة سمعه منها "!
قلت: ولم تجد ما ينفي سماعه منها! وانظر الحديث التقدم (رقم 324) .
والحديث أخرجه البيهقي (1/329) من طريق المؤلف.
329- عن عكرمة عن حَمْنَةَ بنت جحش:
أنها كانت مستحاضة؛ وكان زوجها يجامعها.
(قلت: إسناده حسن) .(2/116)
إسناده: حدثنا أحمد بن أبي سُريج الرازي: نا عبد الله بن الجَهْمِ: نا عمر بن
أبي قيس عن عاصم عن عكرمة.
قلت: هذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي عمرو بن أبي قيس- وهو الرازي-،
وشيخه عاصم- وهو ابن أبي النَّجود- كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن.
وأحمد بن أبي سريج؛ هو ابن الصَّبَّاح أبو جعفر الرازي المقري، وهو ثقة حافظ
من شيوخ البخاري. وقال النووي في "المجموع " (2/372) :
" رواه أبو داود وغيره بهذا اللفط بإسناد حسن ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/329) من طريق المؤلف.
120- باب ماجاء في وقت النفساء
330- عن مُسَّة عن أم سلمة قالت:
كانت النفَسَاءُ على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْئذ بعد نِفَاسِها أربعين يوماً
أو أربعين ليلة، وكنا نَطَّلِي على وجوهنا الوَرْسَ- تعني: من الكَلَفِ-.
(قلت: إسناده حسن صحيح. وصححه الحاكلم، ووافقه الذهبي، وقوّاه
البيهقي. وقال النووي: " حديث حسن جيد "، وأقره الحافظ) .
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: نا زهير: نا علي بن عبد الأعلى عن أبي
سهل عن مُسَّةَ.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات؛ غير مسَّةَ
- بضم أولها والتشديد-؛ قال ابن القيم في "التهذيب ":
" وقد روى عنها أبو سهل كثير بن زياد والحكم بن عتَيبة ومحمد بن عبيد الله(2/117)
العرزمي وزيد بن علي بن الحسين ".
وهو يشير بذلك إلى ارتفاع جهالة عينها برواية هؤلاء عنها؛ وكأنه يرد بذلك
على ابن القطان؛ حيث قال- كما في "نصب الراية" (1/205) -:
" لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث "! قال في "عون
المعبود ":
" وأجاب عنه في "البدر المنير"، فقالى: ولا نسلِّم جهالة عينها، وجهالة حالها
مرتفعة؛ فإنه روى عنها جماعة: كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن
الحسين. ورواه محمد بن عبيد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضا؛ فهؤلاء رووا
عنها، وقد أثنى على حديثها البخاري، وصحح الحاكم إسناده. فأقل أحواله أن
يكون حسناً. انتهى ".
وقال الخطابي في "المعالم ":
" وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل، وقال: مسة هذه أزدية (*) .
واسم أبي سهل: كثير بن زياد؛ وهو ثقة؛ وعلي بن عبد الأعلى ثقة ".
وقال النووي في "المجموع " (2/525) :
" حديث حسن ". ثم قال:
" وذهب بعض أصحابنا إلى تضعيف الحديث، وهو مردود؛ بل الحديث جيد كما
سبق، وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر به ". وأقره الحافظ في "التلخيص " (2/574) قال:
" وأغرب ابن حبان، فضعفه بكثير بن زياد؛ فلم يصب ".
والحديث أخرجه الحاكم (1/175) من طريق أخرى عن أحمد بن يونس ... به.
__________
(*) سجل الشيخ هنا تاريخ انتهائه من دفتره الثاني:22/6/1369 هـ.(2/118)
وأخرجه الدارمي (1/229) ، وأحمد (6/300 و 304 و 309- 310) من
طرق أخرى عن زهير بن معاوية ... به.
وهكذا أخرجه البيهقي (1/341) .
ثم أخرجه هو، والترمذي (1/256) ، وابن ماجه (1/223) ، والدارقطني (ص
82) ، وأحمد (6/303) من طريق شجاع بن الوليد عن علي بن عبد الأعلى ...
به. وقال الترمذي:
" حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم
سلمة. قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة ".
وقال البيهقي:
" وقد روي فيها أحاديث مرفوعة كلها- سوى ما ذكرناه- ضعيفة ".
قلت: وفي هذا إشارة منه إلى أن حديث الباب عنده قوي ثابت.
والأحاديث المشار إليها: هي من روايهَ أنس وأبي هريرة وأبي الدرداء وعثمان بن
أبي العاص وعائشة؛ وهي وإن كان أفرادها ضعيفة؛ فمجموعها يعطي الحديث قوة.
قلت: وأما قول البوصيري في حديث أنس- عند ابن ماجه (1/224) -:
" هذا إسناد صحيح رجاله ثقات "!
فمن أوهامه؛ لأن الحديث عنده- وكذا عند أبي يعلى (3/952) - من طريق
المحاربي عن سَلأم بن سُلَيْمٍ عن حميد عن أنس.
وذلك أنه توهم أن سلام بن سليم هذا: هو أبو الأحوص! وليس به؛ وإنما هو
سلام الطويل المتهم.
وبه أعله الدارقطني (1/220/66) ، والبيهقي (1/343) .(2/119)
331- وفي رواية عنها قالت:
حججتُ، فدخلتُ على أُمِّ سلمة فقلت: يا أم المؤمنين! إن سَمُرة بْنَ
جُنْدُبٍ يأمر النساءَ يَقْضِينَ صلاةَ المحيض؟ فقالت:
لا يقضين؛ كانت المرأة من نساء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! تقعد في النفَاسِ اربعين
ليلة، لا يأهرها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقضاء صلاة النفاس.
(قلت: إسناده حسن، وقال الحاكم: " صحيح الاسناد "، ووافقه
الذهبي) .
إسناده: حدثنا الحسن بن يحيى: نا محمد بن حاتم- يعني: حِبي-: نا
عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثجر بن زياد قال: حدثتني الأزدية
- يعني: مُسة-.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير مُسةَ، وقد تقدم الكلام
عليها في الرواية الأولى.
والحديث أخرجه الحاكم (1/175) ، ومن طريقه البيهقي (1/341) عن
عَبْدان: ثنا عبد الله بن البارك ... به. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
121- من باب الاغتسال من الحيض
332- عن عائشة قالت:
دَخَلَتْ أسماءُ على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله! كيف
تغتسل إحدانا إذا طَهُرَتْ من المحيض؟ قال:(2/120)
" تأخذ سِدْرَها وماءَها فَتَوَضَأُ، ثم تغسل رأسها وتدلكُهُ، حتى يبلغَ
الماءُ أصولَ شعرها، ثم تُفيضُ على جسدِها، ثم تأخذ فِرْصَتها فتطَّهًرُ بها ".
قالت: يا رسول الله! كيف آتطهَّرُ بها؟
قالت عائشة: فعرفتُ الذي يَكْنِي عنه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت لها:
تَتَبَّعيِنَ آثار الدم.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو
عوانة في "صحيحيهما"، وأخرجه البخاري نحوه) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا سلاّم بن سُلَيْم عن إبراهيم بن مهاجر
عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
الشيخين؛- غير إبراهيم بن مهاجر؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد تُكُلمَ فيه من
قِبَل حفظه، وقال الحافظ:
" صدوق، لَينُ الحفط ".
قلت: ولم يتفرد بالحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (1/180) من طريق أبي الأحوص ... به؛ وأبو
الأحوص كنية سلام بن سليم.
ثم أخرجه، والمصنف فيما بعد، وأبو عوانة (1/316- 318) ، والدارمي
(1/197) ، وابن ماجه (1/221) ، والبيهقي (1/185) ، والطيالسي (رقم
1563) ، وأحمد (16/47 و 188) من طرق أخرى عن إبراهيم ... به.(2/121)
وقد تابعه منصور بن صفية عن أمه:
أخرجه البخاري (1/329 و 331 و 13/281- 282) ، ومسلم أيضا، وأبو
عوانة، والنسائي (1/49 و 72- 73) ، والبيهقي (1/183) ، وأحمد (6/122) من
طرق عنه ... نحوه.
333- وفي رواية عنها:
أنها ذكرت نساء الأنصار، فأثنتْ عليهنَّ، وقالت لهنّ معروفاً. قالت:
دخلت امرأة منهن على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر معناه؛ إلا أنه قال:
" فِرْصة مُمسكَةً ".
(قلت: إسناده حسن. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا مُسَدَد بن مُسَرْهَد: نا أبو عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن
صفية بنت شيبة عن عائشة.
قال مسدد: كان أبو عوانة يقول: "فِرصةً "، وكان أبو الأ حوص يقول: " قَرْصَة ".
قلت: وهذا إسناد حسن كالذي قبله، ورجاله رجال "الصحيح ".
والحديث أخرجه أبو عوانة (1/318) من طريق أبي المثنى قال: ثنا
مسدد ... به؛ دون الثناء عليهن.
ثم أخرجه هو، وأحمد (6/188) من طرق أخرى عن أبي عوانة ... به؛ وفيه
عند أحمد ذكر نزول سورة (النور) ومبادرة نساء الأنصار رضي الله تعالى عنهم
جميعاً إلى اتخاذ الخُمُرِ من حجَزِ مناطقهن، وسيأتي هذا في كتاب "اللباس "
[33- باب] (رقم ... ) .(2/122)
334- وفي رواية أخرى عنها:
أن أسماء سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه؛ قال:
" فِرصة ممسَّكة "، فقالت: كيف أتطهَّر بها؟ قال:
" سبحان الله! تطهَّري بها، واستتري بثوب "، وزاد: وسألته عن
الغسل من الجنابة؟ قال:
" تأخذين ماءك، فَتَطَّهَّرين أحسنَ الطهور وأبلَغَهُ، ثم تصبِّين على
رأسك الماء، ثم تَدْلُكِينَه حتى يبلغ شؤونَ راسك، ثم تُفِيضِين عليك الماء ".
وقالت عائشة: نِعْمَ النساءً نساء الأنصار؛ لم لِكن يمنعهن الحياءُ أن
يسألْنَ عن الدين وأن يتفقهن فيه!
(قلت: إسناده حسن، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه بتمامه؛ هو وأبو
عوانة في "صحيحيهما"، وأخرجه البخاري في "صحيحه دون قول عائشة:
نِعْمَ النساء نساء الأنصار ... إلخ؛ فإن هذا القدر منه أخرجه معلقاً مجزوماً به) .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي. نا شعبة عن إبراهيم- يعني: ابنَ
مهاجر- عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن كسابقه، وهو على شرط مسلم.
والحديث، أخرجه مسلم في "صحيحه " (1/179- 180) ، وأبو عوانة
(1/316- 317) ، وابن ماجه (1/221- 222) ، وأحمد (6/147- 148) من
طرق عن شعبة ... به.
وأخرجه البيهقي (1/180) عن المصنف وغيره عن عبيد الله بن معاذ.(2/123)
122- باب التيمم
335- عن عائشة قالت:
بعثَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إأُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ وأُناساً معه في طَلَبِ قِلادةٍ
أضَفتها عائشةُ، وحضرتِ الصلاةُ، فصلَوْا بغير وضوء، فآتَوُا النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فذكروا ذلك له، فأُنزِلت اية التيمم (زاد في رواية: فقال لها أُسيد:
يرحمُكِ اللهُ! ما نزل بكِ آمْرٌ تكرهينه؛ إلا جعلَهُ الله للمسلمين ولكِ
فَرَجاً) .
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه " من طريق المصنف، وأخرجه البخاري ومسلم وابن حبان (1297)) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا أبو معاوية. (ح) وحدثنا عثمان
ابن أبي شيبة: نا عَبْدَةُ- المعنى واحد- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائْشة.
زاد ابن نفيل: فقال لها أُسَيْد ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وعبدة: هو ابن سليمان
الكِلآبِي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/303) عن المصنف ...
بالإسنادين.
وأخرجه النسائي (1/61) من طريق إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا أبو
معاوية ... به.
والبخاري (8/203 و 10/ 282) من طريقين آخرين عن عبدة ... به.(2/124)
وهو (1/349) ، وأحمد (6/57) - عن عبد الله بن نُمَيْر-، وهو أيضا (7/85
و9/186- 187) ، ومسلم (1/192) ، والدارمي (1/190) ، وابن ماجه (1/" 20) ،
والبيهقي (1/214) - من طرق عن أبي أسامة- كلاهما عن هشام ... به.
وللحديث طريقان آخران:
أخرج الأول منهما مالك: في "موطّئه " (1/74) عن عبد الرحمن بن القاسم
عن أبيه عن عائشة أنها قالت:
خرجنا مع رسول الله َصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره؛ حتى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بذات
الجيش؛ انقطع عِقْد لي، فأقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التماسه وأقام الناس معه ...
الحديث نحوه أتم منه، وفي آخره: قالت:
فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
وهكذا أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في "صحاحهم "، والنسائي (1/59) ،
ومحمد في " موطّئه " (ص 76) ، والبيهقي (1/204 و 223) ، وأحمد (6/179) ؛
كلهم عن مالك ... به.
وأخرجه البخاري (12/146) ، والبيهقي من طريق عمرو بن الحارث أن
عبد الرحمن بن القاسم ... حدثه به مختصرا نحوه.
والطريق الآخر: أخرجه أحمد (6/272) عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن
عَباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت:
أقبلنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره؛ حتى إذا كنا بِتُرْبَانَ- بلد بينه
وبين المدينة بريد وأميال؛ وهو بلد لا ماء به-، وذلك من السحر؛ انسَلتْ قلادة لي
من عنقي، دوقعتْ، فحُبِسَ ردسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لالتماسها حتى طلع الفجر ...
الحديث نحوه.(2/125)
وإسناده حسن.
وقد فات هذا الحافظ؛ فعزاه في "الفتح " (1/345) للطبراني من طريق عَبُّاد
ابن عبد الله بن الزبير عن عائشة ... نحوه! ثم قال:
" وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، وفيه مقال "!
قلت: وليس هو في سند أحمد!
336- عن عمار بن ياسر: أنه كان يحدِّث:
أنهم تمسَّحُوا وهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصعيد لصلاة الفجر، وضربوا
بآكُفِّهِمُ الصعيدَ، ثم مسحوا وجوهَهم مَسْحَة واحدة، ثم عادوا فضرلوا
بأكُفِّهِمُ الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيدِيهم كفَها إلى المناكبِ والأباطِ من
بُطون أيديهم.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب: حدثني يونس عن ابن
شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ لكن قال المنذري:
" وهو منقطع: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر ".
قلت: لكن وصله المصنف وغيره بذكر ابن عباس بينهما، وهو الأتي بعد
الرواية الأخرى، وجاء موصولاً على وجه آخر، سنذكره قريباً إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/201) - عن ابن وهب-، وأحمد (4/321) :
ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا يونس ... به.(2/126)
وأخرجه الطحاوي (1/66) ، والطيالسي (رقم 637) ، وأحمد (4/320) - عن
ابن أبي ذئب-، وابن ماجه (1/199) - عن الليث بن سعد-، وأحمد- عن معمر-
كلهم عن ابن شهاب ... به منقطعاً.
وقد وصله النسائي (1/60) ، والطحاوي، والبيهقي (1/208) - عن مالك-
وابن ماجه (1/200) ، والطحاوي- عن عمرو بن دينار- كلاهما عن ابن شهاب
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه عن عمار بن ياسر ...
مختصراً.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقول البيهقي:
" وأما سفيان بن عيينة؛ فإنه شك في ذكر أبيه في إسناده "!
فلا يضره بعد متابعة مالك له على ذكره.
337- وفي رواية عنه ... نحو هذا الحديث؛ قال:
قام المسلمون فضربوا بأكُفِّهم الترابَ، ولم يقبضوا من التراب شيئاً ...
فذكر نحوه؛ ولم يذ كلر: المناكب والآباط (وفي رواية: إلى ما فوق
المرفقين) .
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا سليمان بن داود المَهْرِيُّ وعبد الملك بن شعيب عن ابن
وهب ... نحو هذا الحديث. قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين.
قلت: يعني: بإسناده السابق.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ لولا ما فيه من الانقطاع الذي(2/127)
ذكرناه فيما قبل؛ إلا أننا قد ذكرنا أيضا أنه صَح موصولاً من وجهين، ذكرنا
أحدهما. وأما الآخر فهو:
338- عن عمار بن ياسر:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرَس بأُولاتِ الجيشِ، ومَعَهُ عائشةُ، فانقطع عِقدٌ
لها من جَزْعِ ظِفَارٍ، فحُبِس الناس ابتغاءَ عِقْدِها ذلك، حتى أضاء الفجر
وليسر مع الناس ماءٌ، فتغَيَّظ عليها أبو بكر؛ وقال: حَبَسْتِ الناس وليس
معهم ماء؟! فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله رُخْصَةَ التطهرِ بالصعيد.
الطيَب، فقام المسلمون مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضربوا بأيديهم إلى الأرض،
ثم رفعوا أيديَهُمْ ولم يقبضوا من التراب شيئاً، فمسحوا بها وجُوهَهُم
وأيديَهُمْ إلى المناكب، ومن بُطُون أيديهم إلى الأباط. (زاد في رواية: قال
ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبرً بهذا الناسُ) .
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين) .
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري- في
آخرين- قالوا: نا يعقوب: نا أبي عن صالح عن ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن
عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر. زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن
شهاب ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فإن رجاله كلهم من رجال
"صحيحيهما"؛ غير محمد بن يحيى النيسابوري؛ فهو من رجال البخاري وحده؛
لكن قرن به محمد بن أبي خلف، وهو من رجال مسلم.
والحديث أخرجه النسائي (1/60) : أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله ... به.(2/128)
وأخرجه أحمد (4/263- 264) : ثنا يعقوب ... به؛ إلا أنه قال- عقب
قوله: إلى الأباط-:
ولا يغتر بهذا الناس، وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة رضي الله تعالى عنهما:
والله؛ ما علمت إئكِ لَمُباركة!
وأخرجه البيهقي (1/208) من طريق أحمد.
339- قال أبو داود: " وكذلك رواه ابن إسحاق قال فيه: عن ابن
عباس ... وذكر ضربتين كما ذكر يونس ".
(قلت: وصله الطحاوي بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق عن الزهري عن
عبيد الله عن عبد الله بن عباس عن عمار؛ لكن ابن إسحاق مدلس) .
قال الطحاوي (1/66) : حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا الوَهْبِيُ قال، ثنا ابن
إسحاق.
وابن إسحاق مدلس.
340- ورواه معمر عن الزهري: ضربتين.
(قلت: وصله أحمد عنه؛ وليس فيه: عن ابن عباس) .
قال أحمد (4/320) : حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر ... به.
341- وقال مالك: " عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن
عمار".
(قلت: وصله النسائي وغيره عن مالك ... به مختصراً؛ بلفظ: تَيممْنا مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتراب، فمسحنا بوجُوهِنا وأيدِينا إلى المناكب. وإسناده(2/129)
صحيح على شرط الشيخين) .
وصله النسائي (1/60) ، والطحاوي (1/66) ، وابن حبان (1307) ،
والبيهقي (1/208) عن مالك ... به.
وقد تابعه عن الزهري: عمرو بن دينار؛ كما مضى، ويأتي.
وتابعه أبو أويس؛ كما علقه المصنف بعد هذا؛ ولكني لم أجده موصولاً!
342- وكذلك قال أبو أويس عن الزهري.
(قلت: لم أجد من وصله) .
343- وشك فيه ابن عيينة، قال مرة: عن عبيد الله عن ابيه، أو عن
عبيد الله عن ابن عباس. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس.
اضطرب ابن عيينة فيه، وفي سماعه عن الزهري.
(قلت: الصحيح من ذلك الروايتان الأخيرتان: عن أبيه. وعن ابن
عباس. وقد وصله ابن ماجه وكيره عن سفيان بن عيينة قال: ثنا عمرو بن دينار
عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبيه. وتابعه على هذه الرواية مالك، كما سبق
(رقم 341) . وأبو أوشر كما في التي بعدها. وأما الرواية الأخرى: عن ابن
عباس؛ فلم اجد من وصلها عن ابن عيينة! لكن تابعه عليها ابن إسحاق كما
مضى (رقم 339) . وصالح بن كيسان- وهي الرواية المتقدمة (رقم 338) -.
فهذا الاضطراب لا يضر في الحديث؛ بل يزيده قوة لموافقة ابن عيينة في
الروايتين الراجحتين رواية من ذكرنا من الثقات، لكن اختلفوا فيه على الزهري
في متن الحديث؛ كما بينه المصنف بقوله:)(2/130)
" ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سَميْتُ "!
(قلت: وهم يونس في الرواية الأولى (رقم 336) والتي بعدها، وابن
إسحاق (رقم 339) ، ومعمر (رقم 340) ؛ والحكم لهؤلاء؛ لأ نهم ثقات حفظوا
في الحديث ما لم يحفظ غيرهم. لكن العمل ليس عليه؛ لأن الصحابة لم
يفعلوا ذلك بتعليم من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإنما العمل على حديثه الآخر الآتي بعده.
قلت: واضطراب ابن عيينة في إسناد هذا الحديث ليس من الاضطراب الذي
يعل الحديث به؛ لأنه رواه على ثلاثة وجوه، وافق- في الوجهين الأخيرين منها-
غيره من الثقات كما بيناه في الأعلى، وهما وجهان صحيحان ثابتان كما سبق
بيانه، فهو صحيح عن عبيد الله عن أبيه وعن ابن عباس؛ كلاهما عن عمار.
ولعل ابن عيينة كان يظن أن الحديث إنما هو من طريق أحدهما؛ مع أنه قد
حدث به عن كليهما؛ فكان يقع في هذا التردد والشك. ولكن متابعة غيره له قد
رفع هذا الشك، ورجح الروايتين الأخيرتين كما ذكرنا. والله أعلم.
344- عن شقيق قال:
كنت جالساً بين عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا
عبد الرحمن! أرأيت لو أن رجلاً آجْنَبَ فلم يجد الماء شهراً؛ أما كان
يتيمم؟ قال: لا، وإن لم يَجِدِ الماء شهراً. فقال أبو موسى: كيف تصنعون
بهذه الآية التي في سورة المائدة: {فلم تجدوا ماءً فتيفَموا صعيداً طيباً} ؟
فقال عبد الله: لو رُخِّصَ لهم في هذا؛ لآوْشَكُوا إذا بَرَدَ عليهم الماءُ أن
يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم.
فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لِعُمَرَ: بعثني رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في(2/131)
حاجة، فآجْنَبْتُ، فلم أجد الماء، فتمَرَّغْتُ في الصعيد كما تَتَمَزع الدابَّةُ،
ثم أتيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرتُ ذلك له؟ فقال:
" إنما كان يكفيكَ آنْ تصنع هكذا "؛ وضرب بيده على الأرض،
فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، ويمينه على شماله على الكفين، ثم
مسح وجهه؟ فقال له عبد الله: أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لم يَقْنَعْ بقولِ عمار؟!
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه البخاري ومسلم، وابن حبان (1301
و1302) ، وأبو عوانة في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري: نا أبو معاوية الضرير عن
الأعمش عن شقيق.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير محمد بن سليمان
الأنباري، وهو ثقة.
والحديث أخرجه أحمد (4/264) : ثنا أبو معاوية ... به.
وأخرجه البخاري (1/362) ، ومسلم (1/192) ، والنسائي (1/61) ،
والدارقطني (ص 66) من طرق أخرى عن أبي معاوية ... به؛ وزاد أحمد:
لم يُجِزِ الأعمش الكفين. وزاد مسلم:
ضربة واحدة.
ثم أخرجه هو، وأحمد (4/265) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/303- 304
و304- 305) ، والبيهقي (1/211- 226) من طرق أخرى عن الأعمش ... به.
وقال البيهقي:(2/132)
" لا يشك حديثي في صحة إسناده ". وزاد أحمد إثر الأية: قال:
فما درى عبد الله ما يقول! وفال: لو رخصنا ... إلخ.
وإسناده صحيح على شرطهما.
345- عن عبد الرحمن بن أبْزَى قال:
كنتُ عند عمر، فجاءه رجل فقال: إئا نكون بالمكان الشهرَ أو
الشهرين؟ فقال عمر: اما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء. قال: فقال
عمار: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنتُ أنا وأنت في الابل، فأصابتنا
جنابة؛ فأما أنا فتمعّكتُ، فأتينا النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكرت ذلك له؟ فقال: " إنما
كان يكفيك أن تقول هكذا "؛ وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما، ثم
مس بهما وجهَهُ ويديه إلى نصف الذراغ؟! فقال عمر: يا عمار! اتقِ الله!
فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت- والله- لم أذكره أبداً، فقال عمر: كلا؛
والله لنوَلِّيَنَّكَ من ذلك ما توئَيْتَ.
(قلت: إسناده صحيح، لكن قوله: إلى نصف الذراغ ... شاذ؛ ولذلك لم
يخرجه الشيخان في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العَبْدِي: نا سفيان عن سَلَمَةَ بن كُهَيْل عن
أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي مالك
- واسمه غزوان الغفاري-، وهو ثقة.
وقد تابعه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، كما يأتي.(2/133)
لكن قوله في الحديث: إلى نصف الذراغ ... شاذ؛ تفرد به سلمة بن
كهيل، وكان يشك في هذه الزيادة، فمرة يثبتها كما في هذه الرواية والرواية
الآتية، ومرة يشك فيها كما في الرواية الآتية (رقم 347) من طريق أخرى،
وبإسناد آخر له عن عبد الرحمن بن أبزى، ومرة ينفيها فلا يذكرها، كما سنذكره
(رقم 348) .
وقد تابعه على ذلك: الحكم بن عتيبة وغيره، كما يأتي، فانظر (رقم
351) .
فهذا هو الصحيح في هذا الحديث: الاقتصار على ذكر الكفين فقط، وهو
الذي ثبت من طريق شقيق المتقدمة (رقم 344) ، وهو الذي رجحه البيهقي؛ فقال
في "عون المعبود":
" قال البيهقي في "المعرفة": واختلفوا فيه على أبي مالك حبيب بن صهبان؛
فقيل: عنه عن عبد الرحمن بن أبزى: إلى نصف الذراغ. وقيل: عنه عن عمار
نفسه: وجهه وكفيه. والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة؛ فهو فقيه حافظ لم
يشك في الحديث. وسياقه أحسن "!
قلت: كذا قال البيهقي: " أبي مالك حبيب بن صهبان "! وهو من طبقة أبي
مالك غزوان الغفاري، كلاهما من التابعين، وهما- وإن كانا اشتركا في الرواية عن
عمار بن ياسر- فإتي أرى أن الراوي لهذا الحديث إنما هو غزوان الغفاري كما ذكرت
آنفاً؛ وذلك لأمور:
أولاً: أنهم ذكروا في ترجمته في الرواة عنه: سلمة بن كهيل وحصين بن
عبد الرحمن، وهما من رواة هذا الحديث عنه؛ بخلاف حبيب بن صهبان؛ فلم
يذكروا ذلك في ترجمته.(2/134)
ثانياً: أنهم ذكروا أنه من رجال "السنن الثلاثة". وأما حبيب؛ فمن رجال
البخاري في "الأدب المفرد" وحده (1) .
ثم إن الحديث أخرجه الطحاوي (1/67) ، والبيهقي (1/210) من طرق
أخرى عن محمد بن كثير ... به.
وأخرجه النسائي (1/60) ، وأحمد (4/319) عن عبد الرحمن بن مهدي:
ثنا سفيان عن سلمة عن أبى مالك وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن
عبد الرحمن بن أبزى ... به. وزادا:
ولا تجد الماء.
وهذه متابعة قوية؛ عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى؛ ذكره ابن حبان في
"الثقات ". وقال أحمد عنه وعن أخيه سعيد- الآتي حديثه (رقم 348) -:
" كلاهما حسن الحديث ".
346- عن ابن أبزى عن عمار بن ياسر ... في هذا الحديث؛ فقال:
" يا عمار! إنما كان يكفيك هكذا "، ثم ضرب بيديه الأرض، ثم
ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف
الساعد- ولم يبلغ المرفقين- ضربةً واحدةً.
(قلت: حديث صحيح دون قوله: والذراعين ... إلى قوله: ولم يبلغ
المرفقَيْنِ؛ فإنه شاذ، والصواب: والكفين، وبه حكم البيهقي، وهو الذي لم يَرْوِ
__________
(1) ثم رأيت ابن أبي حاتم أورد الحديث في "العلل " (1/11) ، ثم قال:
" قلت لأبي زرعة: ما اسم أبي مالك؟ قال: لا يسمى، وهو الغفاري ".
فهذا يؤيد ما ذهبنا إليه؛ فإن حبيب بن صهبان ليس غفاريًا؛ بل هو أسدي كاهلي!(2/135)
صاحبا "الصحيحين " غيره) .
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: نا حفص: نا الأعمش عن سلمة بن كهَيْل
عن ابن أبزى.
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ ولكنه منقطع بين سلمة
وابن أبزى، والصواب أن بينهما سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، كما يأتي بعد
رواية.
347- قال أبو داود: " ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل
عن عبد الرحمن بن أبزى ".
(قلت: هذا منقطع بين سلمة وعبد الرحمن؛ بينهما ابنه سعيذ بن
عبد الرحمن؛ وهو التالي) .
هو معلق كما ترى، ولم أجد من وصله من هذا الوجه! وهو منقطع أيضا
كسابقه؛ والصواب رواية جرير وغيره، وهي:
348- ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن
ابن أبزى- يعني- عن أبيه) .
(قلت: وصله أبو عوانة بإسناد صحيح إلى جرير، وسائر رجاله على شرط
الشيخين، وليس في حديثه: الذراعين) .
هو معلق أيضا؛ وقد وصله أبو عوانة في "صحيحه " قال (1/305) : حدثنا
يزيد بن سنان قال: ثنا الحسن بن عمر بن شقيق قال: ثنا جرير ... به؛ ولفظه:
قال:(2/136)
جاء رجل إلى عمر ... فذكر الحديث:
" إنما كان يكفيك كذا وكذا "؛ ووضع يده بالصعيد، ثم مسح يديه
ووجهه ... وذ كر الحديث.
هكذا ساقه أبو عوانة إثر حديث شقيق المتقدم (رقم 344) ! فالظاهر أنه أحال
عليه بقوله: " فذكر الحديث ".
وعليه؛ فليس في حديث جرير ذكر الذراعين.
وقد تابعه على ذلك عيسى بن يونس: عند الطحاوي (1/67) ؛ ولفظه:
ثم مسح وجهه وكفيه.
وإسناد أبي عوانة صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير يزيد بن سنان
- وهو ابن يزيد بن الذَّيَّال الأموي، مولى عثمان، أبو خالد القزاز البصري-؛ وهو
ثقة بلا خلاف.
349- عن عمار. .. بهذه القصة؛ فقال:
" إنما كان يكفيك "، وضرب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ بيده إلى الأرض، ثم نفخ
فيها، ومسح بها وجهه وكَفَّيْهِ ... شكَّ سلمة، قال: لا أدري؛ فيه إلى
المرفقين- يعني- أو: إلى الكفين؟!.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ والصحيح أنه ليس فيه: إلى
المرفقين.. كما سبق ويأتي) .
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: نا محمد- يعني: ابن جعفر-: نا شعبة عن
سلمة عن ذَرّ عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار.(2/137)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 639) قال: ثنا شعبة ... به؛ إلا أنه قال:
ثم شكَّ سلمة، فلم يدر: إلى الكوعين، أو: إلى المرفقين.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (1/209- 210) ، والطحاوي (1/67) .
وأخرجه أحمد (4/265) : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة ... به مثل رواية
المصنف.
وقد بين السببَ في شك سلمة الروايةُ الآتية:
350- وفي رواية ... بهذ االحديث؛ قال:
ثم نَفَخَ فيها، ومسح بها وجهه وكَفيْهِ إلى المرفقين والذراعين.
قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له
منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين غيرك!
(قلت: إسناده صحيح، ومن أجل قول منصور هذا؛ كان سلمة ربها لا يذكر
فيه: الذراعين؛ كما في رواية عيسى بن يونس: عند الطحاوي، ولعلى بن
عبيد: عند الدارقطني؛ كلاهما عن الأعمش عنه. وهذا هو الصحيح؛ فقد
تابعه على ذلك ذرّ، في حديثه التالي) .
إسناده: حدثنا علي بن سهل الرملي: نا حجاج- يعني: الأعور-: حدثني
شعبة ... بإسناده بهذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير علي بن سهل
الرملي، وهو ثقة.(2/138)
والحديث أخرجه النسائي (1/61) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال:
ثنا حجاج ... به؛ وزاد في آخره:
فشك سلمة فقال: لا أدري؛ ذكر الذراعين أم لا!
قلت: وهذا هو السبب في اضظراب سلمة في هذه الزيادة؛ حيث كان مرة
يثبتها، ومرة ينفيها، كما سبق بيانه (رقم 345) ، وتارة يشك، كما في هذه الرواية
وغيرها.
وقد مضت رواية جرير عن الأعمش بدون ذكر الذراعين (رقم 348) .
وكذلك رواه عيسى بن يونس ويعلى بن عبيد عن الأعمش:
أما الأولى: فأخرجها الطحاوي (1/67) : حدثنا محمد بن الحجاج قال: ثنا
علي بن معبد قال: ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن
سعيد بن عبد الرحمن ... به؛ بلفظ: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له:
" إنما يكفيك أن تقول هكذا "؛ وضرب الأعمش بيديه الأرض، ثم نفخهما
ومسح بهما وجهه وكفيه.
ورجاله ثقات، غير محمد بن الحَجاج؛ فلم أجد من وثقه أو جرحه!
وأما الرواية الأخرى: فأخرجها الدارقطني (ص 67) قال: حدثنا الحسين بن
إسماعيل، نا يوسف بن موسى: نا جرير. (ح) وحدثنا الحسين: نا ابن كرامة: نا
ابن نمير. (ح) وحدثنا الحسين: نا أحمد بن منصور: ثنا يعلى بن عبيد عن
الأعمش ... به.
وهذه أسانيد صحيحة إلى الأعمش؛ غير أتي لم أعرف ابن كَرَامَةَ هذا!
وقد تابعه الحسن بن عفان- وهو الن علي بن عفان-: عند أبي عوانة(2/139)
(1/305) .
كما تابعه الحسن بن عمر بن شقيق عن جرير: عنده.
351- حديث
351- عن عمار ... في هذا الحديث؛ قال: فقال- يعني: النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَُ:
" إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأر ض، وتمسح بهما وجهك
وكفيك ... " وساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن شعبة: حدثني الحكم عن ذر عن ابن
عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 638) : حدثنا شعبة ... به.
وأخرجه مسلم (1/193) : حدثني عبد الله بن هاشم العبدي: حدثنا يحيى
- يعني: ابن سعيد القطان- ... به؛ وزاد في آخره: فال الحكم: وحدثنيه ابن
عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ... مثل حديث ذر، قال: وحدثني سلمة عن ذر.
ثم أخرجه هو، والبخاري (1/351 و 353 و 354) ، وأبو عوانة (1/305-
306) ، والنسائي (1/61) ، وابن ماجه (1/200- 201) ، والطحاوي (1/67) ،
والبيهقي (1/209) ، وأحمد (4/265) من طرق عن شعبة ... به.
وابن عبد الرحمن بن أبزى: هو سعيد؛ كما صرح به في "الصحيحين "(2/140)
وغيرهما. ثم قال البيهقي:
" هذا الاختلاف في متن حديث ابن أبزى عن عمار؛ إنما وقع أكثره من
سلمة بن كهيل؛ لشك وقع له. والحكم بن عتيبة فقيه حافظ، قد رواه عن ذر بن
عبد الله عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن، فساق
الحديث على الإثبات من غير شك فيه، وحديث قتادة عن عَزْرَة يوافقه [يعني:
حديثه الأتي (رقم 354) ] ، وكذلك حديث حصين عن أبي مالك "؛ يعني:
الحديث الآتي:
352- ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال:
سمعت عماراً يخطب ... بمثله؛ إلا أنه قال: لم ينفخ.
(قلت: وصله الدارقطني من طريق شبابة عن شعبة ... به؛ إلا أنه لم
يقل: لم ينفخ، وإسناده صحيح. ثم رواه من طريق زاثدة: نا حصين بن
عبد الرحمن ... به نحوه؛ إلا أنه قال: ثم نفخ فيها. وهو المحفوط) .
قال الدارقطني (ص 67) : حدثنا أبو عمر: نا الحسن بن محمد: ثنا شبابة:
نا شعبة ... به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي عمر- وهو
محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي الأزدي، مولى آل جرير بن حازم- وهو ثقة
فاضل-، كما قال الخطيب، وله في "تاريخه " (3/401- 405) ترجمة حافلة
بالفضائل والكمالات رحمه الله تعالى-
ثم قال الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا جعفر بن محمد: ثنا
معاوية: نا زائدة: نا حصين بن عبد الرحمن ... به؛ بلفظ: عن عمار:(2/141)
أنه غمس باطن كفيه في التراب، ثم نفخ فيها، ثم مسح وجهه ويديه إلى
المفصل، وقال عمار: هكذا التيمم.
وهذا إسناد صحيح أيضا؛ الحسين بن إسماعيل: هو المحاملي.
وجعفر بن محمد: هو ابن شاكر الصاء؛ من شيوخ المصنف، وهما ثقتان.
ومعاوية: هو ابن عمرو الأزدي، وهو ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين.
وأخرجه الطحاوي (1/67) من طريق الطيالسي عن زائدة وشعبة معاً عن
حصين ... به.
وإسناده صحيح أيضا.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق إبراهيم بن طهمان عن حصين ... به مرفوعاً
نحوه، وقال:
" لم يروه عن حصين مرفوعاً غير إبراهيم بن طهمان. ووقفه شعبة وزائدة
وغيرهما. وأبو مالك في سماعه من عمار نظر؛ فإن سلمة بن كهيل قال فيه: عن
أبي مالك عن ابن أبزى عن عمار. قاله الثوري عنه "!
قلت: حديث الثوري مضى في الكتاب (رقم 345) ؛ ولا يلزم منه أن لا يكون
أبو مالك سمعه من عمار؛ لا سيما وقد صرح بسماعه منه في رواية شعبة المتقدمة
(رقم 352) ؛ لاحتمال أن يكون رواه عن عمار على الوجهين: بالواسطة وبدونها.
ومثله حديث الحكم المتقدم (رقم 351) ؛ فإنه رواه عن ذر عن سعيد بن
عبد الرحمن، ثم رواه عن ابن عبد الرحمن مباشرة، فكذلك الشأن هنا.
ثم إن إبراهيم بن طهمان ثقة حجة، وقد زاد الرفع؛ فهو منه مقبول؛ لا سيما
وأصل الحديث مرفوع، كما سبق.(2/142)
353- وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم ... في هذا
الحديث؛ قال: فضرب بكفيه الأرض ونفخ.
(قلت: هو في " الصحيحين " وكيرهما من طرق شتى عن شعبة ... به) .
قلت: لم أجد من وصله من طريق حسين! ولكن هذه الزيادة وردت من طرق
شتى عن شعبة عند جميع الذين أخرجوا الحديث، وقد سبق ذكرهم قريباً (رقم
351) .
354- عن عمار بن ياسر قال:
سألت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التيمم؟ فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال الدارمي: " صح إسناده "،
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، ونقل مثله عن ابن راهويه) .
إسناده: حدثنا محمد بن المنهال: نا يزيد بن زرَبْع عن سعيد عن قتادة عن
عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن إبزى عن أبيه عن عمًار بن ياسر.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الترمذي (1/268) ، والدارقطني (ص 67) من طرق أخرى
عن يزيد بن زربع ... به.
ثم أخرجه الطحاوي (1/67) ، والبيهقي (1/210) من طريق عبد الوهاب بن
عطاء عن سعيد ... به.
وأخرجه أحمد (4/263) : ثنا عفان ويونس قالا: ثنا أبان: ثنا قتادة ... به.
وأخرجه الدارمي (1/190) ، والدارقطني من طريق عفان وحده؛ لكن الدارمي(2/143)
ليس عنده: عن عزرة. ثم قال:
" صح إسناده ". وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ثم نقل (1/270) مثله عن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي- وهو ابن
راهويه-.
123- باب التيمُّمِ في الحضر
355- عن عُمَيْر مولى ابن عباس أنه سمعه يقول:
أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى
دخلنا على أبي الجُهَيْم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاريِّ، فقال أبو الجهيم:
أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نحو بئر جَمَلٍ، فلقيَهُ رجلٌ، فسلم عليه، فلم يَرُد
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه السلام؛ حتى أتى على جدارٍ، فمسح بوجهه ويديه،
ثم ردَ عليه السلامَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد علقه في "صحيحه".
وأخرجه البخاري وأبو عوانة في "صحيحيهما" موصولا) .
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: ثني أبي عن جدي عن جعفر بن
ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد علقه في "صحيحه " (1/194) ، فقال:(2/144)
وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة ... به.
والحديث أخرجه النسائي (1/59) : أخبرنا الربيع بن سليمان قال: ثنا شعيب
ابن الليث ... به.
وبهذا الإسناد: أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/307) ، والطحاوي
(1/51) .
وأخرجه البخاري (1/350) ، والبيهقي (1/205) من طريق يحيى بن بكير
قال: ثنا الليث ... به.
وقد تابعه عن عبد الرحمن بن هرمز: ابن إسحاق: عند الطحاوي (1/52) ،
والدارقطني (ص 64 و 65) ؛ وصرح عنده بسماعه منه.
وابن لهيعة: عند أحمد (4/169) ؛ وكلهم قالوا: ويديه.
وخالف أبو صالح- وهو عبد الله بن صالح-؛ فرواه عن الليث ... به بلفظ:
وذراعيه.
أخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي.
ثم روى من طريق الشافعي: ثنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن
الأعرج عن ابن الصمة قال:
مررت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يبول، فسلَّمْتُ عليه، فلم يَرُد عليّ حتى قام
إلى جدار، فَحَته بعصاً كانت معه، ثم وضع يديه على الجدار؛ فمسح وجهه
وذراعيه؛ ثم رد عليّ. ثم قال البيهقي:
" وهذا شاهد لرواية أبي صالح كاتب الليث؛ إلا أن هذا منقطع: عبد الرحمن
ابن هرمز الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة؛ إنما سمعه من عمير مولى ابن عباس(2/145)
عن ابن الصمة، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وأبو الحويرث
عبد الرحمن بن معاوية قد اختلف الحفاظ في عدالتهما؛ إلا أن لروايتهما بذكر
(الذراعين) فيه شاهداً من حديث ابن عمر "!
قلت: في هذا الكلام كثير من التساهل؛ فإن حديث ابن عمر- وهو المشار
إليه في الكتاب عقيب هذا- حاله كحال حديث أبي صالح هذا؛ فكما تفرد أبو
صالح بذكر الذراعبن في هذا الحديث عن الليث دون سائر الثقات؛ فكذلك تفرد
بذلك محمد بن ثابت عن نافع عن ابن عمر دون سائر الثقات.
وقد رواه مالك عن نافع موقوفاً؛ وهو الصحيح، كما قال الحافظ (1/351) .
وأبو صالح تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه، فحديثه عند المخالفة شاذ اتفاقاً!
فلا أدري كيف استساغ البيهقي تقوية الخطأ بالخطأ؟!
ثم إن ما رواه عن الشافعي لا يصلح شاهداً؛ لما ذكر هو من حال الراويين،
لا سيما وقد خالفا الجماعة: جعفرَ بنَ ربيعة ومحمدَ بنَ إسحاق وابنَ لهيعة سنداً
ومتناً؛ ولذلك قال الحافظ (1/351) :
" والثابت في حديث أبي جهيم أيضا بلفظ: يديه، لا: ذراعيه؛ فإنها رواية
شاذة، مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف ".
356- ساق المصنف هنا هذه القصة من حديث ابن عمر بزيادة:
ثم ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه.
وهي زيادة منكرة، أوردناه من أجلها في الكتاب الآخر (رقم 58) ، ثم
قال المصنف:
" لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي(2/146)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَوْهُ فِعْلَ ابنِ عمر ".
(قلت: رواه كذلك موقوفاً الإمام مالك (1/76) عن نافع: أنه أقبل هو
وعبد الله بن عمر من الجُرُف، حتى إذا كان بالمِرْبَد نزل عبد الله، فتيمم صعيداً
طيباً، فمسمح وجهه وبديه إلى المرفقين، ثم صلى. وهو صحيح على شرطهما.
قال الحافظ: " وهو الصحيح "؛ يعني: موقوفاً) .
357- عن ابن عمر قال:
أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغائط، فلقيَهُ رجلٌ عند بئر جمل، فسلّم
عليه، فلم يَرُدَّ عليه رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده
على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رَدَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرجل
السلامَ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان، وقال المنذري: " حسن ") .
إسناده: حدثنا جعفر بن مسافر: نا عبد الله بن يحيى البُرُلُّسِيَ: أنا حيوة بن
شريح عن ابن الهاد قال: إن نافعاً حدثه عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير جعفر بن
مسافر، وهو ثقة، وقد توبع.
ونقل صاحب "العون " عن المنذري أنه قال:
" حسن ". وفي النسخة المطبوعة حديثاً من "مختصره ":
" مرسل "! وهو خطأ ا
والحديث أخرجه البيهقي (1/206) من طريق المصنف.(2/147)
وأخرجه الدارقطني (ص 65) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عَتاب: نا
الحسن بن عبد العزيز: أخبرنا عبد الله بن يحيى المَعَافِري ... به.
وهذا إسناد صحيح؛ الحسن بن عبد العزيز: هو الجَروِيّ أبو علي المصري؛ ثقة
من شيوخ البخاري.
وعبد الله بن أحمد بن عتاب ثقة أيضا؛ وثقه الخطيب في "تاريخه " (9/382
- 383) ، وذكر وفاته (سنة 318) .
وأخرجه ابن حبان (1313) من طريق أخرى عن المعافري.
والحديث رواه الضحاك بن عثمان عن نافع مختصراً، وقد مضى في الكتاب
مختصراً (رقم 12) .
124- باب الجنب يتيمم
358- عن أبي ذر قال:
اجتمعتْ غُنَيْمَةٌ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
" يا أبا ذر! ابْدُ فيها ". فبدَوْتُ إلى الربَذَة، فكانت تُصِيبني الجنابة،
فأمكث الخمسَ والسِّتَّ، فأتيتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
" أبو ذر؟ ". فسكتّ، فقال:
" ثكلتْكَ امّك أبا ذر! لأُمِّلى الويلُ ". فدعا لي بجارية سوداء،
فجاءت بِعُس فيه ماء، فسَتَرَتْنِي بثوبٍ، واستترت بالراحلة واغتسلت،
فكأني ألقيتُ عَنِّي جَبلاً، فقال:(2/148)
" الصعيدُ الطيبُ وَضُوءُ المسلم ولو إلى عشْرِ سنين، فإذا وجدتَ الماءَ؛
فأمِسه جِلْدَك؛ فإن ذلك خير. (وفي رواية: غُنَيْمَة من الصدقة) ".
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
والحاكم: " حديث صحيح "، ووافقه الذهبي والنووي، وصححه أيضا أبو حاتم
وابن حبان والدارقطني) .
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: نا خالد. (ح) وحدثنا مسدد قال: نا خالد
- يعني: ابن عبد الله الواسطي- عن خالد الحَناء عن أبي قلابة عن عمرو بن
بُجْدَانَ عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
البخاري؛ غير عمرو بن بُجْدان- بضم الموحدة وسكون الجيم-، وقد وثقه ابن
حبان. وقال العجلي:
" بصري تابعي ثقة ".
ووثقه أيضا جماعة ممن صححوا حديثه هذا، ويأتي ذكرهم. ولذلك قال
الحافظ في "التلخيص" (2/339) :
" وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول ".
قلت: يعني: مجهول الحال؛ كما صرح به الزيلعي (1/149) عنه. ثم غفل
الحافظ ابن حجر نفسه؛ فقلّد ابن القطان، فقال في "التقريب ":
" لا يعرف حاله "! ثم رأيت الذهبي قال:
" مجهول الحال "!(2/149)
وذلك لأنه لم يرو عنه غير أبي قلابة.
والحديث أخرجه ابن حبان (106) ، والحاكم (1/176) ، ومن طريقه البيهقي
(1/220) عن أبي المثنى: ثنا مسدد ... به.
وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن مسدد ... به نحوه؛ وقال:
غنم من غنم الصدقة.
وأخرجه الطيالسي (رقم 484) قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد
عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال:
رأيت أبا ذر فرب مسجد فيأء، فصلى وعليه رداء قِطْرِي، فسلّمت عليه، فلم يَرُد
عليّ، فلما قضى صلاته رد علي، قلت: أنت أبو ذر؟ قال: نعم، اجتويتُ المدينة،
فآمَرتي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذوْدٍ، وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها ... الحديث
نحو الرواية الآتية في الكتاب.
وأخرجه الترمذي (1/212) من طريق سفيان عن خالد الحذاء ... به
مختصراً دون القصة.
وكذلك أخرجه النسائي (1/61) من طريق مخلد عن سفيان أيضا عن أيوب
عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان ... به.
وهو صحيح من طريق سفيان عن خالد وأيوب معا.
فقد أخرجه البيهقي (1/212) من طريق مخلد أيضا- وهو ابن يزيد- عن
سفيان عن أيوب السَّخْتِيَانِيِّ وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان ...
به. لكن قال البيهقي:
" تفرد به مخلد هكذا. ويره يرويه عن الثوري عن أيوب السختياني عن أبي(2/150)
قلابة عن رجل عن أبي ذر، وعن خالد عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن
أبي ذر، كما رواه سائر الناس ".
يعني: أن الصواب من رواية أيوب عن أبي قلابة أنه قال: عن رجل؛ لم
يسمه، ومن رواية خالد عنه: عن عمرو بن بجدان؛ سمّاه.
وهكذا أخرجه أحمد (5/155) : ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان عن أيوب
السختياني وخالد الحذاء عن أبي قلابة كلاهما؛ ذكره خالد: عن عمرو بن
بجدان؛ وأيوب: عن رجل عن أبي ذر.
ثم أخرجه أحمد (5/180) من طريق سفيان عن خالد وحده؛ مثل رواية
الترمذي.
وتابعه يزيد بن زربع عن خالد: عند الدارقطني (ص 68) . ثم قال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والحاكم:
" حديث صحيح "، ووافقه الذهبي، وكذا النووي (2/244 و 294) . وقال
الحافظ في "الفتح " (1/354) :
" وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني ". زاد في "التلخيص ":
" وصححه أبو حاتم أيضا ".
359- عن رجل من بني عامر [هو عمرو بن بُجْدان] قال:
دخلتُ في الاسلام، فأهمَّني دينِي، فأتيت أبا ذر، فقال أبو ذر: إني
اجْتَويتُ المدينةَ. فَآمَرَ لي رسول اللهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَوْدٍ وبِغَنَم، فقال لي: " اشرب
من ألبانها "- قال حماد: وأشك في: أبوالها- فقال أبو ذر: فكنتُ آعْزُبُ(2/151)
عن الماء؛ ومعي أهلي، فتُصِيبني الجنابةُ، فأصلّي بغير طُهور، فأتيتُ رسولَ
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنصف النهار وهو في رَهْط من أصحابه، وهو في ظِل المسجد،
فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أبو ذر؟ ". فقلت: نعم؛ هلكتً يا رسول الله! قال:
" وما أهلكك؟! ". قلت: إني كنت أعْزُبُ عن الماء ومعي اهلي،
فتصيبني الجنابةُ، فأصلي بغيرطُهُور! فأمَرَ لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماء،
فجاءت به جاريةٌ سوداءُ- بعُس يتخَضْخَضُ، ما هو بملان؛ فتسترتُ إلى
بعير، فاغتسلتُ، ثم جئت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طَهورٌ؛ وإن لم تجد الماء إلى عشر
سنين؛ فاذا وجدتَ الماء فأمِسَّهُ جِلْدَكَ ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان والدارقطني) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن
رجل من بني عامر.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الرجل من بني عامر- وهو
عمرو بن بجدان-، كما في الحديث قبله؛ سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة،
وسماه سفيان الثوري عن أيوب في رواية مخلد بن يزيد عنه، كما تقدم.
والحديث أخرجه البيهقي (1/217) من طريق المصنف.
وأخرجه الطيالسي (رقم 484) : حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن
أيوب ... به؛ بلفظ:(2/152)
وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها.
ولا أدري إذا كان السياق للحمادين، أو لابن سلمة وحده؟! فإن كان الأول؛
ففيه رَد لا ذكره المؤلف عقيب الحديث. والله أعلم.
وقد تابعهما عن أيوب: إسماعيل- وهو ابن عُلَيَّةَ-؛ وليس في حديثه ذكر
الألبان والأ بوال.
أخرجه أحمد (5/146) .
ثم أخرجه من طريق سعيد- وهو ابن أبي عَرُوبة- عن أيوب ... به؛ إلا أنه
قال: عن رجل من بتي قشير.
وهذا الرجل هو الأول نفسه؛ لأن بتي قشير من بتي عامر؛ كما نقله بعضهم
عن "الاشتقاق " لابن دُرَيْدٍ (ص 181) ؛ وهو عمرو بن بجدان نفسه.
وأخرجه ابن حبان (196- 198) .
ثم إن الحديث قال ابن القيم في "التهذيب ":
" وصححه الدارقطني. وفي "مسند البزار" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصعيد الطيب وَضُوُء المسلم؛ وإن لم يجد الاء عشر سنين، فإذا وجد
الاء، فلْيَتَّقِ اللهَ ولْيُمِسَّه يشْرَتَهُ؛ فإن ذلك خير ". وذكره ابن القطان في (باب
أحاديث، ذكَرَ أن أسانيدها صحاح) ".
قلت: فهذا شاهد قوي لحديث الباب، وقد ذكر إسناده الزيلعي في "نصب
الراية " (1/149) ، فرأيناه إسناداً صحيحاً على شرط البخاري.
ثم ذكر أن الطبراني رواه فما "الأوسط " من هذا الوجه؛ لكن مطولاً، وساق فيه
قصة أبي ذر.(2/153)
ثم أخرجته في "الصحيحة" (3029) .
360- قال أبو داود: " رواه حماد بن زيد عن أيوب ... لم يذكر:
أبوالها، هذا ليس بصحيح، وليس في أبوالها إلا حديث أنس؛ تفرد به
أهل البصرة " ا
(قلت: وصله الطيالسي (رقم 484) قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن
زيد عن أيوب ... فذكر: أبوالها؛ لكن يحتمل أن يكون السياق لحماد بن سلمة
وحده. والله أعلم. وحديث أنس المشار إليه يأتي في "الحدود" (برقم ... )
[باب ما جاء في المحاربة] .
125- باب إذا خاف الجُنُبُ البَرْدَ؛ أيتيمم؟
361- عن عمرو بن العاص قال:
احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السًّلاسل؛ قأشفقتُ أن أغتسل
فأهْلِكَ، فتيممت ثم صليتُ بأصحابي الصبحَ، فذكروا ذلك لرسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال:
" يا عمرو! صَفيْتَ بأصحابكَ وأنت جنبٌ؟! ". فأخبرتُه بالذي منعني
من الاغتسال، وقلتُ: إني سمعتُ الله يقول: {ولا تَقْتُلوا آنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ
كانَ بِكُمْ رحِيْماً} ! فضحك رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يقل شيئاً.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان، وقال الحافظ: " وإسناده
قوي ". وعلقه البخاري)(2/154)
إسناده: حدثنا ابن المثنى: نا وهب بن جرير: نا أبي قال: سمعت يحيى بن
أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير
عن عمرو بن العاص.
قال أبو داود: " عبد الرحمن بن جبير مصري، مولى خارجة بن حذافة،
وليس هو ابن جبير بن نفير ".
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه منقطع؛ فقد ذكر
البيهقي في "الخلافيات " أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع الحديث من عمرو بن
العاص.
قلت: وبينهما أبو قيس مولى عمرو بن العاص؛ كما في الرواية الأتية، ويظهر
لي أنه سقط من رواية يحيى بن أيوب للحديث؛ فإنه وإن كان ثقة من رجال
الشيخين؛ فقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة من قبل حفظه. وقال أحمد: إنه
"سيئ الحفظ ".
وقد خالفه من هو أوثق منه وأحفظ؛ وهو عمرو بن الحارث؛ فوصله بذكر أبي
قيس بينهما.
وتابعه ابن لهيعة كما يأتي، فزالت بذلك علة الحديث، وصار حديثاً
صحيحاً.
والحديث علقه البخاري (1/360) فقال: ويذكر:
أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة،؟ فتيمم، وتلا: (ولا تقتلوا
أنفسَكم ... ) الآية، فذُكر للنبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلم يُعَنِّفْ.
وقد وصله الدارقطني أيضا (ص 65) من طريق أبي موسى- وهو محمد بن(2/155)
المثنى؛ شيخ المصنف فيه-.
ثم أخرجه هو، والحاكم (1/177- 178) ، ومن طريقه البيهقي (1/225)
من طرق أخرى عن وهب بن جرير ... به. وقال الحافظ في "شرح البخاري ":
" وإساده قوي، لكنه علقه بصيغة التمريض؛ لكونه اختصره ".
362- وفي رواية عنه: كان على سَرِّيةٍ ... وذكر الحديث نحوه؛ قال:
فغسل مَغَابِنَهُ، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم ... فذكر نحوه،
ولم يذكر التيمم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: " صحيح على
شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! وقال النووي: إن " الحديث حسن أو
صحيح ") .
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة: نا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن
الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن
جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمرو بن العاص كان ...
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ إلا ابن لهيعة، ولكنه مقرون
بعمروٍ.
والحديث رواه ابن حبان (1312) ، والدارقطني (ص 65) ، والحاكم
(1/177) ، ومن طريقه البيهقي (1/226) من طرق أخر عن ابن وهب ... به.
وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!(2/156)
وقد وهما؛ فإنه على شرط مسلم وحده؛ لأن عمران بن أبي أنس وعبد الرحمن
ابن جبير المصري؛ لم يخرج لهما البخاري في "صحيحه ". وقال النووي في
"الخلاصة"- كما في "نصب الراية" (1/157) -:
" إن الحديث حسن أو صحيح ".
ولا مبزر عندي لهذا التردد؛ فالحديث صحيح لا شك فيه بهذا الإسناد،
والاختلاف الذي وقع فيه من بعض الرواة- ممن هو سيئ الحفظ- لا يُعِله، بعد أن
جوده عمرو بن الحارث، وهو ثقة حجه كما سبق؛ وقد تابعه ابنُ لهيعه كما رأيت.
ولكن قد بدا لي رأي، وهو أنه يجوز أن تكون هذه المتابعة في الجملة لا في
التفضيل: إسناداً ومتناً، وذلك وإن كان خلاف الظاهر؛ فإنه هو الراجح بعد
البحث؛ فقد رأيتُ الإمامَ أحمد قد أخرج حديث ابن لهيعة مستقلاً عن قرينه
عمرو، فساق إسناده ومتنه مخالفاً لعمرو فيهما، وموافقاً لرواية يحيى بن أيوب
المتقدمة؛ فقال أحمد (5/203- 204) : ثنا حسن بن موسى: قال: ثنا ابن
لهيعة قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن
جبير عن عمرو بن العاص أنه قال:
لما بعثه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام ذات السُلاسل قال: احتلمت ... الحديث،
وفيه:
فتيمصت وصليت ... والبافي نحوه.
فقد اتفقت رواية ابن لهيعة مع رواية ابن أيوب في إثبات التيمم؛ ولم يتعرضا
لغسل الغابن والوضوء.
ووافقهما على ذلك رواية الأوزاعي عن حسان بن عطية؛ التي علقها المؤلف،
ولم أجد من وصلها كما يأتي.(2/157)
وهذا بخلاف رواية عمرو هذه؛ فإنه عكَس ذلك! قال الحافظ:
" ورواها عبد الرزاق من وجه اخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم يذكر
التيمم ".
فقد توبع عمرو بن الحارث، ولم ينفرد بذكر التيمم، فيجب ضم ذلك إلى ما
رواه ابن لهيعة ومن معه. وهذا ما جنح إليه البيهقي، فقال:
" يحتمل أن يكون قد فعل ما نقل فىِ الروايتين جميعاً: غَسَلَ ما قدر على
غسله، وتيمم للباقي ". قال النووي (2/283) :
" وهذا الذي قاله البيهقي متعين؛ لأنه إذا أمكن الجمع بين الروايتين تعين ".
وأقرّه الحافظ.
363- قال أبو داود: " وروى هذه القصةَ: الأوزاعي عن حسان بن
عطية ... قال فيه: فتيمم ".
(قلت: لم أجد من وصله) .
126- باب المجروح يتيمم
364- عن جابر قال:
خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشجَّهُ في رأسه، ثم احتلم،
فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك
رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُخبر بذلك، فقال:(2/158)
" قتلوه؛ قاتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاءُ العِيِّ السؤال!
إنما كان يكفيه أن يتيمَّم، وَبعْصِرَ- أو يَعْصِبَ؛ شك موسى- على جُرْحِهِ
خِرْقَةً، ثم يمسحَ عليها، وبغسلَ سائر جسده ".
(قلت: حديث حسن؛ إلا قوله: " إنما كان ... إلخ "؛ فإنه ضعيف؛ لأنه
ليس له شاهد معتبر، وصححه ابن السكن) .
إسناده: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي: ثنا محمد بن سلمة عن
الزبَيْرِ بن خُرَيْق عن عطاء عن جابر.
قلت: هذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير الزبير بن خريق؛ وثقه ابن
حبان. وقال الدارقطني:
" ليس بالقوي ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" لين الحديث ". ولذلك قال في "بلوغ المرام ":
" رواه أبو داود بسند فيه ضعف ". وقال في "التلخيص " (2/288) :
" وصححه ابن السكن ".
وأما قوله في ترجمة الزبير هذا من " التهذيب ":
" روى له أبو داود حديثاً واحداً في التيمم ". ثم قال:
" قال أبو داود عقب حديثه في كتاب "السنن ": ليس بالقوي "!
قلت: وليس هذا في نسخة "عون المعبود"، ولا في النسخة التي صححها
وطبعها حديثاً الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد من "السنن "! فلعل ذلك
في بعض النسخ القديمة من الكتاب!(2/159)
والحديث أخرجه البيهقي (1/227) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه هو (1/228) ، والدارقطني (ص 69) من طريق أبي بكر عبد الله
ابن سليمان بن الأشعث: ثنا موسى بن عبد الرحمن الحلبي ... به. وقال
الدارقطني:
" قال أبو بكر: هذه سنة تفرَّد بها أهل مكة. وحملها أهل الجزيرة؛ لم يروه عن
عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق؛ وليس بالقوي. وخالفه الأوزاعي؛ فرواه عن
عطاء عن ابن عباس. واختلف على الأوزاعي؛ فقيل: عنه عن عطاء، وقيل: عنه
بلغني عن عطاء. وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وهو
الصواب ".
قلت: وقيل أيضا: عنه: ثنا عطاء؛ ويأتي بيان ذلك عند حديث ابن عباس
المشار إليه؛ وهو في الكتاب عقب هذا.
وأبو بكر عبد الله بن سليمان: هو ابن المصنف رحمه الله، وقد شارك أباه في
السماع من كثير من شيوخه، منهم هذا.
وقد ضعف الحديثَ من سبق ذكرهم، وضعفه أيضا البيهقي، فقال
(1/228) :
" ولا يثبتُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الباب شيء، وأصح ما روي فيه حديث
عطاء بن أبي رباح الذي قد تقدم، وليس بالقوي ".
قلت: لكن الزبير بن خريق قد توبع على القسم الأكبر من الحديث كما يأتي،
فهو بذلك يَقْوى ويَرْقَى إلى درجة الحسن على أقل الدرجات.
لكن قوله في آخره: " ويعصر ... " إلخِ. من أفراده؛ كما قال الحافظ في
"التلخيص" (1/292- 295) ؛ فكان ضعيفآ.(2/160)
(تنبيه) : عزا الشوكاني في "النيل " (1/224) حديث جابر هذا إلى ابن ماجه.
وتبعه على ذلك الشيخ أبو الطيب شمس الحة في تعليقه على "الدارقطني "!
وهو وهم منهما؛ فإنه ليس عند ابن ماجه؛ وإنما عنده حديث ابن عباس
الأتي، وهو:
365- عن ععد الله بن عباس قال:
أصاب رجلاً جُرْحٌ في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم احتلم، فأُمِرَ
بالاغتسال، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
" قتلوه؛ قاتلهم الله! ألم يَكُنْ شِفاءُ العِيِّ السؤالَ؟! ".
(قلت: حديث حسن. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحبهما"،
وقال الحاكم: " حديث صحيح "! ووافقه الذهبي!) .
إسناده: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي: ثنا محمد بن شعيب: أخبرني
الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس.
قلت: هذا إسناد صحيح- لولا جهالة الإ اسطة بين الأوزاعي وعطاء-، رجاله
كلهم ثقات إن شاء الله تعالى؛ وقد ذكر العقيلي نحعر بن عاصم في "الضعفاء"،
وأورد له حديثاً، ثم قال:
" لا يتابع على حديثه "! قال الذهبي عقيبه:
" قلت: نصر بن عاصم محدث رَحَّال، ذكره ابن حبان في "الثقات " ... ".
والحديث أخرجه الدارقطني (ص 70) ، والبيهقي (1/227) من طريق العباس
ابن الوليد بن مَزْيَدٍ: ثنا أبي قال: سمعت الأوزاعي يقول: بلغني عن عطاء ...(2/161)
به؛ وزاد: قال عطاء:
فبلغنا أدْ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عن ذلك؟ فقال:
" لو غسل جسده، وترك رأسه حيث أصابه الجرح ".
ثم أخرجه الدارقطني، والدارمي أيضا (1/192) من طريق أبي المغيرة: ثنا
الأوزاعي ... به.
ثم أخرجه أيضا هو، والحاكم (1/178) من طريق هِقْلِ بن زياد عن الأوزاعي
قال: قال عطاء ... به؛ وزاد في آخره:
" أجرأه ".
وأخرجه ابن ماجه (1/252) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (1/88)
- عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين-، والدارقطني- عن أيوب بن سويد-
كلاهما عن الأورْاعي عن عطاء ... به.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن الأوزاعي عن رجل عن عطاء ... به.
وخالف هؤلاء كلَّهم: بشرُ بنُ بكر فقال: ثني الأوزاعي: ثنا عطاء ... به؛
فصرح بسماع الأوزاعي من عطاء! وهو شاذ.
أخرجه الحاكم، ثم قال:
" وقد رواه الهِقْلُ بن زياد، وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي، ولم يذكر سماع
الأوزاعي من عطاء ... "، ثم ساق إسناده بذلك كما ذكرته آنفاً. وقد قال ابن
أبي حاتم في "العلل " (1/37) :
" سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه هِفْل والوليد بن مسلم وغيرهما عن(2/162)
الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس: أن رجلا أصابته جراحة ... وذكرت لهما
الحديث؟ فقالا: روى هذا الحديث: ابنُ أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل
ابن مسلم عن عطاء عن ابن عباس، وأفسد الحديث ".
قلت: حديث ابن أبي العشرين عند ابن ماجه كما سبق، وليس فيه: عن
إسماعيل بن مسلم! فلعله اختلف فيه على ابن أبي العشرين، وهو متكلم فيه من
قبل حفظه، فيبعد أن يحفط ما لم يحفظه الثقات من أصحاب الأوزاعي، ولذلك
قالا: إنه أفسد الحديث.
وبالجملة؛ فالإسناد منقطع؛ ولكن قد جاء موصولاً؛ فقد أخرجه ابن حبان
في "صحيحه "- كما في ادموارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " (1) -، والحاكم
(1/165) من طريق عمر بن حفص بن غياث: حدثني أبي: أخبرني الوليد بن
عبيد الله بن أبي رباح أن عطاء حدثه ... به؛ إلا أنه قال:
" ما لهم قتلوه! قتلهم الله (ثلاثاً) ! قد جعل الله الصعيد- أو التيمم- طهوراً ".
وقال الحاكم:
__________
(1) هو كتاب قيم للحافظ نور الدين الهيثمي مؤلف " مجمع الزوائد"، اختصر به "صحيح
ابن حبان "، وأورد فيه ما فيه من الزوائد على "الصحيحين " دون ان يجردها من اسانيدها،
مرتباً لها على ترتيب كتب الفقه والسنن.
رأيت هذا الكتاب في (المكتبة المحمودية) في المدينة المنورة، حين سافرت إليها من مكة
لزيارة المسجد النبوي، أواخر شهر المحرم من هذه السنة (1369) ، وقد مررت على الكتاب كله،
وكتبت منه بعض المنتخبات من أحاديئه.
ومما يؤصف له: أن هذه المكتبة مغلقة الأبواب، ليس لها راع ولا قيم! ومفتاحها مع رئيس
المحكمة الشرعية هناك: الشيخ ابن مزاحم، وبواسطته- جزاه الله خيراً- تمكنت من مطالعة
فهرسها المملوء بالكتب القيمة، وقد فقد غير قليل من كتيها القيمة!! ولما كنت اطالع فيها كان
يلقى القفل على الباب وأنا في داخلها، من الصلاة إلى الصلاة، حتى يأتي الشيخ يصلي
فيها، فيفتح علي!(2/163)
" صحيح "، ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن خزيمة أيضا- كما في "التلخيص " (2/292) -، والبيهقي
(1/226) من طريق الحاكم، وقال:
" حديث موصول ". ثم قال الحافظ:
" والوليد بن عبيد الله؛ ضعفه الدارقطني، وقؤاه من صحح حديثه هذا ".
ثم رأيت الحديث في "صحيح ابن خزيمة" (273) ، وعنه ابن حبان، وابن
الجارود (126) .
وله شاهد يرويه جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس؛ رفعه: في قوله عز وجل: {وإن كتم مرضى أو على سفر} ؛ قال:
" إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح، أو الجدَرِي، فيجْنِب،
فيخاف- إن اغتسل- أن يموت؛ فَلْيَتَيَممْ ".
أخرجه ابن خزيمة (1/138/272) ، والدارقطني (1/77/9) ، والحاكم
(1/165) ، والبيهقي (1/224) . وقال ابن خزيمة:
"لم يرفعه غيرعطاء بن السائب ".
وذكر البيهقي أنه رواه عنه جمع موقوفاً.
قلت: وقال الدارقطني:
" وهو الصواب ".
ولكنه في حكم المرفوع؛ لأنه في التفسير، ولا سيما أنه من ترجمان القرآن:
ابن عباس رضا الله عنهما.(2/164)
قلت: وهو شاهد لا بأس به لحديث جابر قبله؛ فإن فيه- كما في هذا- ذكر
التيمم.
127- باب المتيمِّمُ يجد الماء بعدما يصلي في الوقت
366- عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج رجلان في سفر، فحضرتِ الصلاة وليس معهما ماء، فتيمَّما
صعيداً طيِّباً، فصلَّيا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة
والوضوء، ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتيا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرا ذلك له؟ فقال
للذي لم يُعِدْ:
" أصبتَ السُنَّة، وآجْزَآتْكَ صلاتُك ". وقال للذي توضأ وأعاد:
" لك الأجر مرتين ".
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "!
ووافقه الذهبي! وقوّاه النووي. وأخرجه ابن السكن في "صحيحه") .
إسناده: حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيَّبي: نا عبد الله بن نافع عن الليث بن
سعد عن بكر بن سَوَادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أن عبد الله بن نافع
- وهو ابن أبي نافع الصاخ- في حفظه ضعف؛ فقال أحمد:
" لم يكن صاحب حديث؛ كان ضعيفاً فيه ". وقال أبو حاتم:
" ليسِ بالحافظ، هو ليّن في حفظه، وكتابه أصح ". وذكره ابن حبان في(2/165)
" الثقات "، وقال:
" كان صحيح الكتاب، وإذا حلث من حفظه ربما أخطأ ". وقال أبو أحمد
الحاكم:
" ليس بالحافط عندهم ". وفال الخليلي:
" لم يرضوا حفظه، وهو ثقة، أثنى عليه الشافعي ". وقال الحافظ:
" ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين ".
قلت: وقد دل على سوء حفظه إسناده لهذا الحديث؛ فقد خالفه من هو
أحفظ منه كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (1/74) ، والدارمي (1/90) ، والدارقطني (69) ،
والحاكم (1/178) ، والبيهقي (1/231) من طرق عن عبد الله بن نافع ... به.
وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخبن "! ووافقه الذهبي! وأعله المصنف، فقال عقب
الحديث:
" وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عَمِيرَةَ بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة
عن عطاء بن يسارعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال:
" وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ؛ هو مرسل ". وقال
الدارقطني:
" تفرد به عبد الله بن نافع عن الليث بهذا الإسناد متصلاً. وخالفه ابن المبارك
وغيره ".،(2/166)
ثم ساقه من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن ليث عن بكر بن
سوادة عن عطاء بن يسار ... مرسلا.
وأخرجه النسائي من طريق سُوَيد بن نصر عن عبد الله ... به؛ إلا أنه قال:
عن ليث بن سعد قال: حدثني عميرة وغيره عن بكر بن سوادة.
وهكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث؛ إلا أنه لم يقل: وغيره.
أخرجه البيهقي. قال ابن القطان- كما في "نصب الراية" (1/160) -:
" فالذي أسنده أسقط من الإسناد رجلاً- وهو عميرة-، فيصير منقطعاً،
والذي يرسله؛ فيه مع الإرسال عميرة، وهو مجهول الحال ". قال:
" لكن رواه- أبو علي بن السكن: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الواسطي: ثنا
عباس بن محمد: تنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا الليث بن سعد عن عمرو بن
الحارث وعميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبي سعيد: أن
رجلين خرجا في سفر ... الحديث. قال:
قوصله ما بين الليث وبكر: بعمروٍ بن الحارث- وهو ثقهْ- وقرنه بعميرة،
وأسنده بذكر أبي سعيد.
قلت: وعميرة ثقة أيضا؛ وليس بمجهول الحال، كما زعم ابن القطان! وقد
أشار الحافظ بالرد عليه كما يأتي في الكلام على الرواية الآتية.
فقد ثبت الحديث مسنداً ومرسلاً. وقد قال النووي في "المجموع " (2/306) :
" ومثل هذا المرسل يحتج به الشافعي وغيره، كما قدَمنا في مقدمة الكتاب:
أن الشافعي يحتج بمرسل كبار التابعين إذا أسند من جهة أخرى، أو يرسل من
جهة أخرى، أو يقول به بعض الصحابة، أو عوام العلماء، وقد وجد في هذا(2/167)
الحديث شيئان من ذلك:
أحدهما: ما قدمناه قريباً عن ابن عمر رضي الله عنه: أنه أقبل من الجُرُفِ،
حتى إذا كان بالمربد؛ تيمم وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم
يُعِدِ الصلاة. وهذا صحيح عن ابن عمر كما سبق.
الثاني: روى البيهقي بإسناده عن أبي الزناد قال: كان مَنْ أدركتُ من فقهائنا
الذين ينتهى إلى قولهم؛ منهم سعيد بن المسيب- وذكر تمام فقهاء المدينة السبعة-
يقولون: من تيمم وصلى، ثم وجد الاء وهو في الوقت أو بعده؛ لا إعادة عليه ".
(تنبيه) : الحديث؛ عزاه الأستاذ الدعَّاس- في تعليقه على الحديث (338) -:
البخاري! وهو من أوهامه.
367- عن عطاء بن يسار:
أن رجُلينِ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا ابن لهيعة عن بَكْرِ بن سَوَادة، عن أبي
عبد الله مولى إسماعيل بن عُبَيْدٍ عن عطاء بن يسار.
قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أبو عبد الله هذا لا يعرف، كما قال الذهبي. وقال
الحافظ:
"مجهول ".
وابن لهيعة سيئ الحفظ، وقد خالفه غيره؛ فلم يُدْخِلْ بين بكر وعطاء أحداً
كما سبق. وقال الحافظ في "التلخيص " (2/353) :(2/168)
" وابن لهيعة ضعيف، فلا يلتفت لزيادته ولا يُعَلُ بها رواية الثقة عمرو بن
الحارث ومعه عميرة بن أبي ناجية، وقد وثقه النسائي ويحبي بن بكير وابن
حبان، وأثنى عليه أحمد بن صالح وابن يونس وأحمد بن سعيد بن أبي مريم ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/231) من طريق المصنف.
128- باب في الغسل للجمعة
368- عن أبي هريرة:
أنَّ عمر بن الخطاب بينا هو يخطب يوم الجمعة؛ إذ دخل رجل، فقال
عمر: آتَحْتَبِسُون عن الصلاة؟! فقال الرجل: ما هو إلا أنْ سمعتُ النداءَ
فتوضأْتُ! قال عمر: والوُضوءَ أيضا؟! أوَلَمْ تسمعوا رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" إذا أتى أحدُكم الجمعةَ فلْيغتسِلْ "؟!
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: نا معاوية عن يحيى: أخبرني أبو
سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ ومعاوية: هو ابن سلاّم- بالتشديد-.
ويحيى: هو ابن أبي كثير-
والحديث أخرجه أحمد (رقم 91 و 319 و 320) من طرق أخرى عن
يحيى ... به.(2/169)
وأخرجه البخاري (2/296) من طريق شيبان عنه، وهو رواية لأحمد.
وأخرجه مسلم (3/3) ، والدارمي (1/361) ، والبيهقي (1/294- 295) من
طريق الأوزاعي قال: حدتني يحيى بن أبي كثير ... به؛ وسمى مسلم والبيهقي
الرجلَ: عثمان بن عفان.
وأخرج الطحاوي (1/69) المرفوع منه.
وللحديث طريق أخرى عن عمر.
أخرجه الشيخان وغيرهما.
369- عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"غُسْل يومِ الجمعة واجبٌ على كل مُحْتَلِمٍ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه في "الصحيحين ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب عن مالك عن صفوان بن سلَيْم
عن عطاء بن يسارعن أبي سعيد الخدري.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في "الموطأ" (1/124) ... بهذا السند.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (2/287) ، ومسلم (3/3) ، والنسائي
(1/204) ، والبيهقي (1/294) ، وأحمد (3/60) ، ومحمد في "موطئه " (72)
كلهم عن مالك ... به.
وقد تابعه ابن عيينة؛ فقال أحمد (3/6) : ثتا سفيان عن صفوان بن
سليم ... به.(2/170)
وأخرجه البخاري (2/275) ، والدارمي (1/361) ، وابن ماجه (1/338) ،
والطحاوي (1/69) كلهم عن سفيان ... به.
وقد أبعد الحافظ النُجْعَة؛ حيث قال- عقب رواية البخاري عن مالك-:
" وقد تابع مالكاً على روايته: الدراوردي عن صفوان: عند ابن حبان "!
وكأنه ذهل عن رواية سفيان هذه!
وفي رواية الدراوردي زيادة شاذة، نيهت عليها في "الضعيفة " (3958) .
ولأبي سعيد حديث آخر أنم من هذا، يأتي قريباً (رقم 372) .
370- عن حفصة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" على كل مُحْتَلِمٍ رَوَاحً الجُمًعَةِ، وعلى كل مَنْ راحَ الجمعةَ الغُسْل ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (1217) ، وقال
المنذري: " حسن "، والمناوي: " صالح ") .
قال أبو داود: " إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر؛ أجزاه من غسل
الجمعة، وإن أجنب ".
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد الرملي: نا المُفَضًلُ بن فَضَالة عن عَياشِ بن
عَبًاس عن بُكَيْرٍ عن نافع عن ابن عمر عن حفصة.
قلت. وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يزيد بن
خالد، وهو ثقة. وقال المناوي في " فيض القدير":
" إسناده صالح "!(2/171)
وكأنه اعتمد على سكوت المصنف عليه. وفي "عون المعبود":
" قال المنذري: حسن، وأخرجه النسائي ".
قلت: وليس في النسخة المطبوعة من "مختصر السنن " قوله: " حسن "!
والحديث أخرجه الطحاوي (1/69) ، وابن خزيمة (1721) من طرق عن
المفضل ... به.
وأخرج النسائي (1/203) الشطر الأول منه.
وإسناده صحيح على شرط مسلم، كما قال النووي في "المجموع " (4/483) .
371- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومَسَّ من طيب- إن
كان عنده-، ثم أتى الجمعة، فلم يَتَخَطَّ أعناقَ الناس، ثم صلَّى ما كَتَبَ
الله له، ثم أنصتَ إذا خرج إمامُه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارةً لما
بينها وبين جُمْعَتِهِ التي قَبْلها " قال: ويقول أبو هريرة-، وزيادةٌ ثلاثةُ أيام
- ويقول-؛ إن الحسنة بعشر أمثالها.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي. وأخرجه ابن حبان في
"صحيحه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وأخرج مسلم بعضه وبأتي (رقم 964)) .
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوْهَب الرملي الهَمْدَاني.
(ح) وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحَراني قالا: نا محمد بن سًلمة. (ح) وحدثنا
موسى بن إسماعيل: نا حماد- وهذا حديث محمد بن سلمة- عن محمد بن(2/172)
إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن- قال يزيد
وعبد العزيز في حديثيهما: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل-
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.
قال أبو داود: " وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كللام أبي هريرة ".
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ واين إسحاق مدلس وقد
عنعنه؛ لكنه قد صرَح بالتحديث في بعض الروايات الصحيحة عنه، كما يأتي،
فزالت شبهة تدليسه. ولذلك قال النووي في "المجموع " (4/537) :
" إسناده حسن ".
والحديث أخرجه أحمد (3/81) : ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن
إسحاق: ثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
ابن عوف وأبي أمامة بن سهل بن خنَيْفٍ ... به.
وأخرجه الحاكم (1/283) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن
إسحاق: ثتي محمد بن إبراهيم ... به.
وأخرجه أيضا من طريق حجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة ... به. وقال:
" حديث صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا، كما نبَّهنا عليه مراراً.
ورواه أيضا ابن حبان، والبيهقي- كما في " التلخيص " (2/619) -، ورواه
الطحاوي (1/216) .
ورواه مسلم (3/8) ، وأحمد (2/424) عن أبي صالح عن أبي هريرة ...
مرفوعاً نحوه ببعضه.(2/173)
وأحمد (3/39) من طريق عطية عن أبي سعيد ... به.
وقد جعل أبو صالح قول أبي هريرة: " وزيادة ثلاثة أيام " من صلب الحديث.
وسيأتي عند المصنف في " الجمعة " (964) من رواية الأعمش عنه.
وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ... مرفوعاً.
أخرجه ابن حبان (566- موارد) ؛ دون ذكر التخطي وما بعده.
372- عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال:
" الغُسْلُ يوم الجمعة على كل محتلم، والسواكُ، وَيمَس مِنَ الطِّيبِ ما
قدّرَ له (زاد في رواية: ولو من طِيب المرأة) ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه".
وأخرجه البخاري بنحوه) .
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن
سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشَج حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن
سلَيْم الزرَقِي عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه؛ إلا أن بكيراً لم
يذكر عبد الرحمن؛ وقال في (الطيب) :
" ولو من طيب المرأة ".
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه النسائي (1/254) بهذا الإسناد قال: أخبرنا محمد بن
سلمة ... به.(2/174)
وأخرجه مسلم (3/3) : حدثنا عمرو بن سَوَاد العامري: حدثنا عبد الله بن
وهب ... به.
قلت: فقد اختلف سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج في إسناده، فالأول
زاد فيه عبد الرحمن بن أبي سعيد، وأسقطه الآخر.
وعندي أن الروايتين صحيحتان؛ لأن كلآ منهما ثقة.
وقد تابع بكير بن الأشج على إسقاطه شعبة: عند البخاري (2/290) .
ومحمد بن المنكدر أخو أبي بكر:
أخرجه ابن خزيمة من طريقه. قال الحافظ (2/292) :
" والذي يظهر: أن عمرو بن سليم سمعه من عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن
أبيه، ثم لقي أبا سعيد فحلَّثه، وسماعه منه ليس بمنكر؛ لأنه قديم وُلِدَ في خلافة
عمر بن الخطاب، ولم يوصف بالتدليس.
قلت: وقد رواه اين لهيعة عن بكير مثل رواية ابن أبي هلال ... بزيادة عبد
الرحمن في الإسناد.
أخرجه أحمد (3/30) .
لكن ابن لهيعة سيئ الحفظ، فلا يحتج به.
ثم أخرجه (3/69) من طريق خالد بن زيد عن سعيد ... به.
وأخرجه (3/65) عن فلَيْحٍ قال: سمعت أبا بكر بن المنكدر عن أبي
سعيد ... به نحوه.
وهذا منقطع وفليح سيئ الحفظ أيضا.(2/175)
373- عن آوْسِ بن آوْسٍ الثَّقَفِي قال: سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من غَسَّلَ يوم الجمعة واغتسل، ثم بَكَّر وابْتَكَرَ، ومشى ولم يركب،
ودنا من الامام، فاستمعَ ولم يَلْغُ؛ كان له بكل خُطْوةٍ عملُ سَنَة أجْرُ
صيامها وقيامها".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (2770) في
"صحيحيهما"، وقال الحاكم: " إسناده صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه
الذهبي! وقال الترمذي: " حديث حسن "، ووافقه النووي) .
إسناده: حدثنا محمد بن حاتم الجَرْجَرَائي- حِبي-: نا ابن المبارك عن
الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية: حدثني أبو الأشعث الصنعاني: حدثني أوس
ابن أوس الثقفي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم؛ غير محمد بن
حاتم الجرجرائي، وهو ثقة.
وأبو الأشعث الصنعاني: اسمه شَرَاحيل بن آدَةَ، وهو ثقة كما في
"التقريب "، وثقه العجلي وابن حبان، واحتج به مسلم، وأخرج له البخاري في
"الأدب المفرد".
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/337- 338) ، والحاكم (1/282) ، وأحمد
(4/9 و 9- 10 و 104) من طرق عن ابن المبارك ... به.
وقد رواه عن أبي الأشعث: يحيى بنُ الحارث الذمَارِيُ وعبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر.
أما حديث يحيى: فأخرجه النسائي (1/205) ، والترمذي (2/367- 368) ،(2/176)
والدارمي (1/362) ، والحاكم (1/281) ، وعنه البيهقي (3/227) ، وأحمد
(4/10) ، والطحاوي أيضا (1/316) من طرق عنه. وقال الترمذي:
" حديث حسن "!
وو] فقه النووي في "المجموع " (4/542) !
وهذا من تساهلهما؛ فإن رجاله كلهم ثقات لا خلاف فيهم. وقد صحح
النووي في "الرياض " (ص 428) حديثاً آخر لأوس هذا من رواية عبد الرحمن
- المذكور- عن أبي الأشعث الصنعاني عنه، وسيأتي في الكتاب في "الجمعة"
(رقم 962) ! وقال الحاكم:
" قد صح هذا الحديث بهذه الأسانيد على شرط الشيخين "!
كذا قال، ووافقه الذهبي!
وفيه ما ذكرنا في ترجمة أبي الأشعث.
وأما حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: فأخرجه النسائي، والحاكم،
وأحمد (4/9 و 104) من طرق عنه.
وهو صحيح أيضا على شرط مسلم.
والحديث رواه ابن خزيمة أيضا، وابن حبان في "صحيحيهما"- كما في
"الترغيب " (1/247) -.
وله طريق أخرى صحيحة عن أوس؛ وهو:
374- عن أوس الثقفي عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" من غَسَلَ رأسَهُ يوم الجمعة واغتَسَلَ ... " وساق نحوه.(2/177)
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي
هلال عن عُبَادة بن نُسَيً عن أوس الثقفي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبادة بن
نُسَي وهو ثقة بلا خلاف.
وللحديث طريق أخرى عن أوس بلفظ آخر، وهو الذي قبله.
375- عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" من اغتسل يوم الجمعة، ومَسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولَبِسَ
من صالح ثيابه، ثم لم يتَخَطَّ رقاب الناس، ولم يَلْغُ عند الموعظةِ؛ كانت
كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس؛ كانت له ظُهْراً ".
(قلت: إسناده حسن، وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1810)) .
إسناده: حدثنا اين أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: نا ابن وهب-
قال ابن أبي عقيل- قال: أخبرني أسامة- يعني: ابن زيد- عن عمرو بن شعيب
عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمرو بن
شعيب وأبيه؛ وهما ثقتان، كما سبق تحقيق ذلك (رقم 124) .
وغير ابن أبي عقيل؛ فإتي لم أعرفه إلى الآن، كما سبق أيضا (رقم 283)
مقروناً مع ابن سلمة، كما هو هنا.
والحديث سكت عليه الحافظ في "التلخيص " (4/623) !(2/178)
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " (1810) .
وأخرجه الطحاوي (1/216) : حدثنا إبراهيم بن مُنْقِذ قال: ثنا ابن وهب ...
به، دون قوله: " ومن لغا ... إلخ ".
وإبراهيم هذا: هو أبو إسحاق العُصْفُرِيُ؛ قال ابن يونس:
"ثقة".
ورواه البيهقي (3/231) من طريق المؤلف.
376- عن علي بن حوشب قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: " غسل
واغتسل "؟ قال: غَسَّلَ رأسَهُ وجَسَدَهُ.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي: نا مروان: نا علي بن حوشب.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات؛ ومروان: هو ابن محمد.
377- عن سعيد بن عبد العزيز في: " غسّل واغتسل "؛ قال: قال
سعيد: غَسَل رأسَه، وغَسَل جَسَده.
(قلت: إسناده صحيح، وهو والذى قبله تفسير لحديث أوس المتقدم (رقم
373)) .
إسناده: حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي: نا أبو مُسْهِرٍ عن سعيد بن
عبد العزيز.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات؛ وأبو مُسْهِر: هو عبد الأعلى بن(2/179)
مُسْهِرٍ الغَسَّاني الدمشقي.
378- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال:
" من اغتسل يوم الجمعة غُسْلَ الجنابةِ، ثم راحَ؛ فكأنما قَربَ بَدَنَةً،
ومَنْ راحَ في الساعةِ الثانية؛ فكأنما قَرَّبَ بقرةً، ومَنْ راحَ في الساعة الثالثة؛
فكأنما قَرَّبَ كبشاً آقْرَنَ، ومن راح في الساعة الرابعة؛ فكأنما قرب دجَاجَةً،
ومن راح في الساعة الخامسة؛ فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الامام حضرتِ
الملائكة يستمعون الذكْرَ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في
"الصحيحين ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَةَ عن مالك عن سُمَي عن أبي صالح
السَّمَّان عن أبي هريرة.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في " الموطأ" (1/121- 122) .
وأخرجه البخاري (2/292- 293) ، ومسلم (3/4) ، والنسائي (1/206) ،
والترمذي (2/372) ، وأحمد (2/460) كلهم عن مالك ... به.
وقد تابعه ابن عجلان عن سُمَيً.
أخرجه النسائي.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة: عند البخاري (2/325) ، ومسلم (3/7- 8(2/180)
و 8) ، والنسائي، والدارمي (1/362 و 363) ، وابن ماجه (1/339) ، وأحمد
(2/280 و 239 و 259 و 282 و 457 و 483 و 491 و 505 و 512) ... بنحوه
مختصراً ومطولاً.
129- باب الرخصة في ترك الغُسْلِ يوم الجمعة
379- عن عائشة قالت:
كان الناسُ مُهَّانَ أنفسِهِم، فيَرُوحُون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم:
لو اغتسلتم!
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم في
"الصحيحين ")
إسناده: حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن
عائشة.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (6/62) عن سفيان- وهو الثوري-، ومحمد في
"الموطأً" (ص 75) ، والبخاري (2/309) - عن عبد الله بن المبارك-، ومسلم (3/3)
- عن الليث- كلهم عن يحيي بن سعيد ... به نحوه.
ثم أخرجه مسلم من طريق أخرى عنها ... أنم منه.
والنسائي (1/204) من طريق ثالث عنها.
والحديث أخرجه الطحاوي (1/70) أيضا من طرق عن يحيى.(2/181)
380- عن عكرمة:
أن أناساً من اهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عباس! أترى الغُسْلَ
يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا؛ ولكنه أطهر وخيرٌ لمن اغتسل، ومَنْ لم يغتسل
فليس عليه بواجب، وسأخبِزكُم كيف بدأ الغُسْل:
كان الناسُ مجهودينَ، يلْبَسُونَ الصُّوفَ، ويعملون على ظهورهم،
وكان مسجدهم ضيِّقاً مقَارِبَ السقْفِ؛ إنما هو عَرِيشٌ، فخرج رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم حار، وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصّوف، حتى ثارَتْ منهم رياحٌ
آذى بذلك بعضئهُم بعضاً، فلما وَجَدَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الريحَ قال:
" ايها الناس! إذا كان هذ االيوئم؛ فاغتسلوا، ولْيَمس أحدُكم أفضلَ ما
يجد مِنْ دهنهِ وطِيبِه ".
قال ابن عباس: ثم جاء الله تعالى بالخير، ولبسوا غَيْرَ الصوف، وكفُوا
العمل، وَوسعَ مسجدهم، وذهب بعضُ الذي كان يُؤْذي بعضُهم بعضاً من
العَرَقِ.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي والعسقلاني، وقال الحاكم:
" حديث صحيح على شرط البخاري "! يوافقه الذهبي ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد- عن
عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح ". وقال الحافظ
في "الفتح " (2/289) :(2/182)
" إسناده حسن " (1)
والحديث أخرجه الطحاوي (1/69- 70) من طريق القَعْنَبِي، ومن طريق ابن
أبي مريم: أنا الدراوردي ... به.
وأخرجه الحاكم (1/280) ، وأحمد (1/268) من طريق سليمان بن بلال عن
عمرو بن أبي عمرو ... به. وقال الحاكم:
" حديث صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا.
ثم استدركت فقلت: إن الحديث إسناده حسن؛ لأن مداره على عمرو بن أبي
عمرو، وهو وإن كان قد خرحَ له في "الصحيحين " محتجّاً به؛ فقد تكلم فيه غير
واحد من قبل حفظه؛ فقال ابن معين:
" في حديثه ضعف؛ ليس بالقوي ". وقال أبو زرعة:
" ثقة ". وقال أبو حاتم:
" لا بأس به ". وقال النسائي:
" ليس بالقوي ". وقال ابن عدي:
" لا بأس به ". وقال ابن حبان في "الثقات ":
" ربما أخطأ ".
فيتلخَّص من أقوالهم هذه أنه في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفاً. ولذلك
قال الحافظ في "التقريب ":
__________
(1) وكذا قال النووي (4/536) .(2/183)
" ثقة، ربما وهم ".
فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يظهر خطؤه، ولذلك حسن
النووي والحافظ حديثه هذا كما سبق. وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان "- بعد
أن ذكر بعض الأقوال المتقدمة فيه-:
" حديثه صالح حسن، فنْحَطٌ عن الدرجة الغليا من الصحيح "! قال الحافظ:
" كذا قال! وحق العبارة: أن يحذف (العُليا) ".
381- عن سَفرَةَ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ توضأ؛ فبها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغتسل؛ فهو أفضل ".
(قلت: حديث حسن، وكذ اقال الترمذي، يوافقه النووي. ورواه ابن
خزيمة في "صحيحه ". وقوّاه البيهقي لكثرة طرقه) .
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكن الحسن- وهو
البصري- مدلس، وقد عنعن.
وأبو الوليد الطيالسي: اسمه هشام بن عبد الملك.
وقد اختلفوا في سماع الحسن من سمرة، ويأتي تحقيق الحق من ذلك إن شاء
الله تعالى.
وهذا الإسناد- وإن كان معلولاً-؛ فالحديث صحيح؛ لأن له شواهد كثيرة،
سنذكرها قريباً إن شاء الله.
والحديث أخرجه الطحاوي (1/71) : حدثنا فهد قال: ثنا أبو الوليد ... به.(2/184)
ثم أخرجه هو، والدارمي (1/362) ، وأحمد (5/8 و 11 و 16 و 22) من طرق
عن همام ... به.
وكذلك أخرجه البيهقي (1/295) .
ثم أخرجه هو، والنسائي (1/204- 205) ، والترمذي (2/369) ، والخطيب
في "تاريخه " (2/352) من حديث شعبة عن قتادة ... به.
وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث؛ بسبب اختلافهم في سماع
الحسن من سمرة بن جندب؛ فقال النسائي عقيب هذا الحديث:
" الحسن عن سمرة؛ كتاب، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة "!
وكذا قال ابن حزم في "المحلى" (2/12) :
" ولا يصح للحسن سماع من سمرة؛ إلا حديث العقيقة وحده ".
وهو قول البزار والدارقطنىِ، كما في "نصب الراية "! وقال الحافظ في
"التلخيص " (4/614) :
" وقال في "الإمام ": من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح
هذا الحديث. قلت: وهو مذهب علي بن المديني؛ كما نقله عنه البخاري
والترمذي والحاكم وغيرهم ". قال الزيلعي:
" والظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول، فإنه صحح في كتابه عدة
أحاديث من رواية الحسن عن سمرة. واختار الحاكم هذا القول، فقال في كتابه
"المستدرك "- بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانت له
سكتتان ... الحديث-: ولا يُتَوَهَّمْ أن الحسن لم يسمع من سمرة؛ فإنه سمع منه.
وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، وقال في بعضها: على
شرط البخاري ".(2/185)
قلت: وهذا الحديث من الأ حاديث التي صححها الترمذي، فقال:
" حديث حسن صحيح "؛ في نقل الريلعي عنه. والذي في نسخة "جامعه "
- التي صححها المحقق أحمد محمد شاكر-:
" حديث حسن "؛ فقط، ليس فيها: " صحيح "؛ ولم يشر المحقق أن هذه
الزيادة وردت في شيء من النسخ التي وقف عليها! والله أعلم.
فهذان قولان متقاربان: أنه سمع منه مطلقاً، وأنَّه لم يسمع منه إلا حديث
العقيقة، وسيأتي- إن شاء الله تعالى- في "الأضاحي " (رقم 2527 و 2528) ،
وسنذكر هناك الحجة في سماعه لهذا الحديث منه.
وثمة قول ثالث مباين لهذين القولين، وهو أنه لم يسمع منه شيئاً! واختاره
ابن حبان في "صحيحه "! وقال في "التنقيح ":
" قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من
سمرة"!
وهذا القول غير صحيح؛ ففي "صحيح البخاري " (9/487) وغيره- كما
سيأتي هناك- تصريح الحسن بسماعه لحديث العقيقة من سمرة.
وأيضا؛ فإن في "مسند أحمد" (5/12) : ثنا هشيم: ثنا حميد عن الحسن
قال
جاءه رجل فقال: إن عبداً له أبق، وإنه نذر- إن قدر عليه- أن يقطع يده؟ فقال
الحسن: ثنا سمرة قال:
قلّما خطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبة؛ إلأ أمر فجها بالصدقة؛ ونهى فيها عن المثْلَةِ.
قال الحافظ:(2/186)
" وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة ".
قلت: لكن رواه قتادة عن الحسن فقال: عن الهَيَاح بن عمران:
أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه: لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني
لأسأل، فأتيت سمرة بن جندب فقال ... فذكر الحديث نحوه.
أخرجه المصنف في "الجهاد"، وسيأتي- إن شاء الله تعالى- (رقم 2393) .
قد أدخل قتادة بين الحسن وسمرة: الهياج بن عمران؛ وهذا يخدج فيما ادّعاه
الحافظ رحمه الله، وسيأتي تحقيق الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى!
فتبين مما تقدم صحة القول الأول، وبطلان القول الأخير، وبقي النظر في القول
الثاني- وهو أنه سمع منه مطلقاً- وهو أيضا غير صحيح عندي؛ وذلك لأمرين:
الأول: أننا لم تجد تصريح الحسن بالسماع من سمرة في غير ما سبق من
الحديث.
ثانياً: أنه قد ثبت أن بينه وبين سمرة- في بعض الأحاديث- واسطة كما
تقدم.
ومن ذلك ما رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 18) من طريق قتادة
أيضا عن الحسن عن سعد بن هشام عن سحرة بن جندب مرفوعاً:
" خير أمتي؛ القرن الذي بعثت فيهم ... " الحديث.
فإذ الأمر كذلك- وكان الحسن معروفاً بالتدليس، كما سبق مراراً-؛ فلا
يكفي في تصحيح مطلق حديثه عن سمرة: أنه سمع منه بعض الأحاديث؛
لاحتمال أن يكون بينهما في الأحاديث الأخرى بعض الرواة ممن دلسهم! ألا ترى
أن الحاكم قد روى (4/367) بهذا الإسناد- الحسن عن سمرة مرفوعاً-:(2/187)
" من قتل عبده قتلناه ... " الحديث، ثم حكم بصحته؛ فقال:
" صحيح على شرط البخاري "! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا؛ فإن الحسن لم يسمع هذا الحديث من سمرة؛ كما صرح
بذلك قتادة أيضا في رواية عنه، كما أخرجه أحمد (5/10) عن شعبة عن قتادة
عن الحسن عن سمرة- ولم يسمعه منه- أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... فذكره.
لذلك؛ كان الصواب من الأقوال الثلاثة القول الأول.
وعليه؛ فكل حديث تفرد بروايته الحسن عن سمرة معنعناً غير مصرح
بالتحديث؛ فهو في حكم الأحاديث الضعيفة، وسيكون من نصيب الكتاب
الآخر؛ ما لم نجد له متابعاً أو شاهداً معتبراً، كهذا الحديث الذي نحن بصدد
الكلام عليه؛ فإن له شواهد تقويه، وكالحديث المشار إليه آنفاً، فسيأتي في
"الدياتِ ".
والحديث قال النووي في "المجموع " (4/533) :
" حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنة "!
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه "؛ كما في "الجامع الصغير".
وأما شواهد الحديث؛ فكثيرة؛ فمنها:
عن أنس.
وله عنه طرق:
1- عن يزيد الرقاشي عنه: أخرجه الطيالسي (رقم 2110) : حدثنا الربيع عن
يزيد ... به.(2/188)
وأخرجه البيهقي (1/296) من طريقه، ومن طريق أخرى عن الربيع ... به.
وبهذا الإسناد: أخرجه الإمام محمد في "الموطأً" (ص 73) وفي "كتاب
الحجج "؛ إلا أنه زاد فقال: عن أنس بن مالك وعن الحسن البصري كلاهما يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/71) من طريق يعقوب الحضرمي قال: ثنا الربيع
ابن صَبِيح عن الحسن وعن يزيد الرقاشي عن أنس.
ثم قال الطحاوي: حدثنا أحمد بن خالد البغدادي قال: ثنا علي بن الجعد
قال: أنا الربيع بن صبيح وسفيان الثوري عن يزيد الرقاشي عن أنس ... به
مرفوعاً.
وهذا إسناد صحيح إلى الرقاشي، رجاله كلهم ثقات معروفون.
والربيع بن صبيح ثقة، ولكنه سيئ الحفظ؛ لكن قد تابعه- كما ترى- سفيان
الثوري.
وتابعه أيضا إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرقاشي.
أخرجه ابن ماجه (1/339) .
وإسماعيل هذا ضعيف؛ فالعمدة على رواية الثوري.
ومدار الحديث على يزيد الرقاشي، وهو ضعيف لسوء حفظه، لا لتهمة في
صدقه، فقد قال الأجُري عن المصنف:
" هو رجل صالح، سمعت يحيى يقول: رجل صدق ". وقال ابن عدي:
" له أحاديث صالحة عن أنس وغيره، وأرجو أنه لا بأس به؛ لرواية الثقات(2/189)
عنه ". وقال أبو حاتم:
" كان واعظاً بكاءً، كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، وفي حديثه ضعف ".
لكنه لم يتفرد به؛ فقد فال الحافظ في "التلخيص " (4/614) :
" ورواه الطبراني من حديثه- يعني: أنساً- في "الأوسط " بإسناد أمثل من
ابن ماجه ".
2- قلت: وإسناده في "الأوسط " هكذا- كما في " نصب الراية" (1/92) -:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن المروزي: ثنا عثمان بن يحيى القرساني (*) : ثنا
مُؤَمل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن عبد الرحمن المروزي
وعثمان بن يحيى القرساني فإني لم أجد من ترجمهما!
وهذا هو الطريق الثاني عن أنس.
3- والطريق الثالث: أخرجه الطحاوي (1/71) ، والبزار في "مسنده " من
طريق الضحاك بن حُمْرَة الأُمْلُوكي عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن المهاجر عن
الحسن بن أبي الحسن عن أنس.
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ فهو إسناد لا بأس به؛ لولا عنعنة الحجاج والحسن
ابن أبي الحسن- وهو البصري-.
والضحاك بن حمرة سيئ الحفظ.
__________
(*) كذا في أصل الشيخ إ! وليس في الرواة من هذه نسبته! وإنما هو (عثمان بن يحيى
القرقساني) ؛ وهو في "ثقات" ابن حبان (8/455) و "أنساب" السمعانىِ. ثم رأيت الشيخ
يوثقه في "الصحيحة" (6/293) . (الناشر) .(2/190)
ومنها: عن جابر:
أخرجه الطحاوي (1/71) من طريق عُبَيْدٍ بن إسحاق العَطار قال: أنا قيس
ابن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ غير عبيد بن إسحاق العظار؛ ضعفه يحيى
والبخاري والدارقطني.
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات "! وقال:
" يُغْرِب". ورضيه أبو حاتم فقال:
" ما رأينا إلا خيراً، وما كان بذاك الثبت، في حديثه بعض الإنكار ". وقال
الهيثمي في "المجمع " (2/175) :
" رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري، وضعفه جماعة "!
قلت: إعلال الحديث بـ (عبيد بن إسحاق) أولى؛ لكنْ لعل البزار رواه من
طريق أخرى عن الربيع، فلذلك لم يعله الهيثمي به! والله أعلم.
وله طريق أخرى؛ فرواه عبد بن حميد في "مسنده ": حدثنا عمر بن سعد عن
النَوري عن أبان عن أبي نضرة عن جابر مرفوعاً.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا الثوري عن رجل عن أبي نضرة ... به.
وأبان: هو ابن أبي عياش، وحاله كحال يزيد بن أبان الرقاشي في الضعف.
وأما قول الزيلعي (1/92) : " والحسن لم يسمع من أنس؛ كما قال البزار "؛ فوهم
منه وذهول؛ فقد نقل هو قبل صفحة (ص 90) كلام البزار في سماع الحسن من
الصحابة، وفيه أن البزار قال:(2/191)
" فأما الذين سمع منهم؛ فهو أنس بن مالك ... " إلخ.
وقد جزم بسماعه منه أحمد وأبو حاتم، ولكن علته أنه معنعن، كما سلف.
وفي الباب: عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري: عند البيهقي.
وهذه الأحاديث وإن كانت أفرادها ضعيفة؛ فمجموعها مما يعطي الحديث قوة،
ويرقيه إلى درجة الحسن على أقل الدرجات. وقد حسنه الترمذي والنووي كما
سبق، وقوّاه البيهقي؛ فقال الزيلعي (1/93) :
" قال البيهقي: والآثار الضعيفة إذا ضمَّ بعضها إلى بعض؛ أحدثت قوة فيما
اجتمعت فيه من الحكم. انتهى ".
لكن الحديث ليس نصّاً فيما بوب له المصنف؛ لأن غاية ما فيه: أن الوضوء
نِعْمَ العملُ، وأن الغسل أفضل، وهذا مما لاشكَّ فيه، وقد قال الله تعالى: (ولو
آمن أهلُ الكتاب لكان خيرا لهم) . قال ابن حزم رحمه الله (2/14) :
" فهل دل هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضاً؟! حاشا لله من هذا! ".
قال:
" ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نصٌّ على أن غسل الجمعة ليس فرضاً؛
لما كان في ذلك حجة؛ لأن ذلك كان يكون موافقاً لما كان الأمر عليه قبل قوله عليه
السلام غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ". و " على كل مسلم ". وهذا
القول منه عليه السلام شرع وارد، وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك
فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ ".
قلت: والحق أن غسل الجمعة واجب؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب قبله
صريحة في ذلك لا تقبل التأويل إلا بتكلف واضح؛ لكنها لا تفيد الشرطية، فمن
اغتسل يوم الجمعة؛ فقد أدى الواجب الذي عليه، ومن تركه فقد أثم؛ لكن صلاة(2/192)
الجمعه صحيحة. والله تعالى أعلم (1) .
130- باب الرجل يُسْلِمُ فيُؤْمَرُ بالغُسْل
382- عن قيس بن عاصم قال:
أتيتُ النبيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أريد الإسلامَ، فآمَرَني أن أغتسل بماءٍ وسِدْرٍ.
(قلت: إسناده صحيح. وقال الترمذي: " حديث حسن "! ووافقه النووي!
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (1237) في "صحيحيهما". وصححه ابن
السكن) .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العبدي: أنا سفيان: نا الأغَرَ عن خليفة بن
حُصَيْن عن جده قيس بن عاصم.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه النسائي (1/45) ، والترمذي (2/502- 503) ، والبيهقي
(1/171) ، وأحمد (5/61) كلهم من طرق عن سفيان ... به.
ورواه ابن خزيمة، وابن حبان (1237) كما في "التلخيص " (4/617) ، قال:
" وصححه ابن السكن، ووقع عنده: عن خليفة بن حصين عن أبيه عن جده
قيس بن عاصم. وعند غيره: عن خليفة عن جده. قال أبو حاتم في " العلل ":
الصواب هذا، ومن قال: عن أبيه عن جده؛ فقد أخطأ ".
__________
(1) كتب الشيخ رحمه الله- ههنا- قوله: " آخر الجزء الثاني، ويتلوه الجزء الثالث من
تجزثة الإمام الخطيب البغدادي ".(2/193)
قلت: رواه ابن أبي حاتم: في "العلل " (1/24) عن أبيه، وقد ذكر الحديث
من طريق قَبِيصة عن سفيان ... بزيادة: عن أبيه، ثم قال:
" أخطأ قبيصة ".
وقد وصله من طريقه: البيهقي.
وتابعه وكيع عند أحمد.
لكن رواه البيهقي من طريقه دون هذه الزيادة: عن أبيه.
فقد اختلف فيه على وكيع، والصواب رواية الجماعة عن سفيان، كما تقدم.
ثم قال الترمذي:
" حديث حسن "! ووافقه النووي في "المجموع " (2/152) !
383- عن عثَيْمِ بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه عن جده:
أنه جاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: قد أسلمت. فقال له النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" آلْقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ "؛ يقول:
"احلق ".
قال: وأخبرني آخرُ: أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لآخرَ معه:
" آلقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ ".
(قلت: حديث حسن، وقوٌ اه شيخ الاسلام ابن تيمية) .
إسناده: حدثنا مخلد بن خالد: نا عبد الرزاق: نا ابن جريج قال: أخبِرْت
عن عُثَيْمِ بن كلَيْبٍ-(2/194)
قلت: وهذا سند ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين ابن جريج وعُثيم، ولجهالة
عثيم وأبيه كليب أيضا.
وقد ادعى الحافظ في "تهذيب التهذيب ": أن كُلَيْباً هذا هو صحابيَ هذا
الحديث، وأنه جد عثيم، لا أبوه؛ فقال:
" ذكر ابن منده وغيره أن اسم والد كُلَيْب: الصلْت، وترجم له في "الصحابة"
بناءً على ظاهر الإسناد! وليس الأمر كذلك؛ بل هو عثيم بن كثير بن كليب،
والصَحبة لكليب، وكأن من حدَّث ابن جريج نسب عثيماً إلى جده، فصار الظاهر
أن الصحابي والد كليب؛ وإنما كليب هو الصحابي، ولا نعرف لأبيه صحية، وقد
روى ابن منده الحديث من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عثيم على الصواب،
وكذا رواه أحمد في "المسند" ... "!
قلت: ولم أجد الحديث في "المسند" هكذا على الصواب؛ وإنما رواه كما رواه
المصنف، ويأتي قريباً، وما أظن إلا أن الحافظ قد وهم في هذا العزو، وكلامه في
"التعجيل " يشير إلى هذا؛ فقد قال في ترجمة كثير بن كليب هذا- عقب قول
الحُسَيني: " روى عن أبيه، وله صحبة، وعنه: ابنُه عُثيم مجهول "-:
" قلت: وقع في حديثه اختلاف؛ فعند أحمد وأبي داود: عن عثيم بن
كليب عن أبيه. ولا ذكر عندهما لكثير في السند ... "، ثم ذكر رواية ابن منده
المتقدمة، ثم قال:
" فقيل إن ابن جريج حَمَلَه عن إبراهيم بن أبي يحيى؛ فأبهمه، ونسب عُثيماً
إلى جده ".
قلت: وعلى ما صوَّبه الحافظ؛ كان عليه أن يُفْرِد لكثير هذا ترجمةً خاصة في
"التهذيب "، وفي "التقريب "، ولم يفعل ذلك، لا هو ولا الخزرجي! وهذا مما
يُسْتَدرك عليهم.(2/195)
والحديث أخرجه البيهقي (1/172) من طريق المؤلف.
وأحْرجه أحمد (3/415) : ثنا عبد الرزاق ... به.
والحديث قال النووي في "المجموع " (2/154) :
" وإسناده ليس بقوي؛ لأن عثيماً وكليباً ليسا بمشهورين ولا وثقا، ولكن أبا
داود رواه ولم يضعفه، فهو عنده حسن "!
قلت: وهو حديث حسن لغيره؛ فقد وجدت له شاهدا من حديث قتادة أبي
هشام قال:
أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي:
" يا قتادة! اغتسل بماءٍ وسِدْرٍ، واحلق عنك شعر الكفر ".
وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر من أسلم أن يختتن وإن كان ابن ثمانين. قال
الهيثمي (1/283) :
" رواه الطبراني [14/19] في " الكبير"، ورجاله ثقات "! كذا قا لى! وأما
الحافظ؛ فقال في "التلخيص " (4/618) :
" وإسناده ضعيف ".
قلت: ولكنه- على كل حال- يعطي الحديث قوة. ولعله من أجل ذلك جزم
بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيح الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في "الفتاوى"
(1/44) ، واحتجَّ به على أنه يجوز للجنب أن يقص شعره وظفره، فقال:
" وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلاً شرعياً؛ بل قد قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذي أسلم: " ألْقِ عنك شعر الكفر واختنن ". فأمر الذي أسلم أن يغتسل،(2/196)
ولم يأمر بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال؛ فإطلاق كلامه يقتضي جواز
الأمرين ".
تْم إن لبعض الحديث شاهدا آخر من حديث واثلة بن الأسقع قال:
لما أسلمت أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي:
" اغتسل بماء وسِدْر، واحْلِقْ عنك شعر الكفر ".
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 183) ، وفي "الكبير" أيضآ،
والحاكم في "المستدرك " (3/570) .
وإسناده ضعيف؛ كما قال الحافظ.
131- باب المرأة تَغْسِلُ ثوبَها الذي تَلْبَسُه في حَيْضِها
384- عن معَاذَةَ قالت:
سألت عائشةَ عن الحائض يُصيب ثوبَها الدمُ؟ قالت:
تَغْسِله، فإن لم يذهب آثَرُهُ؛ فَلْتغَيِّرْهُ بشيء مِنْ صُفْرة. قالت:
ولقد كنتُ أحيضُ عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث حِيَض جميعا لا
أغسل لي ثوباً.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا أحمد بن إبراهيم: نا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثني
أبي: حدثتني أم الحسن- يعني: جدة أبي بكر العدوي- عن معاذة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أم الحسن هذه؛ قال(2/197)
الذهبي والعسقلاني:
"لا تعرف ".
وأحمد بن إبراهيم: هو ابن كثير الدوْرَقِيُ أبو عبد الله البغدادي؛ وله ترجمة
في "التاريخ " (4/6-7) .
والحديث أخرجه البيهقي (2/408) من طريق المصنف.
وقد وجدت للحديث بعض المتابعات والطرق؛ فهو بها صحيح:
فقد أخرج الدارمي (1/238) من طريق ثابت بن يزيد: ثنا عاصم عن معاذة
العدوية عن عائشة قالت:
" إذا غسلتِ المرأةُ الدمَ فلم يذهب؛ فَلْتغَيرْهُ بصُفرة ورس أو زعفران ".
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وثابت هذا: هو الأحول أبو زيد البصري.
ثم أخرجه من طريق يزيد الرشْك قال: سمعت معاذة العدوية عن عائشة:
قالت لها امرأة: الدم يكون في الثوب، فأغسله، فلا يذهب فأقطعه؟ قالت:
الماء طهور.
وإسناده صحيح أيضا على شرطهما.
ثم أخرجه (1/240) من طريق كريمة قالت:
سمعت عائشة؛ وسألتها امرأة تصيب ثوبها من دم حيضها؟ قالت: لتغسِلْهُ
بالماء. قالت: فإنا نغسله فيبقى أثره؟! قالت: إن الماء طهور.
ورجاله رجال الشيخين؛ غير كريمة هذه، وهي بنت همام، وهي مجهولة
الحال.(2/198)
وأما الشطر الثاني من الحديث؛ فهو بمعنى حديثها الآتي:
385- عن مجاهد قال: قالت عائشة:
ما كان لإحدانا إلا ثوبٌ واحدٌ تحيص فيه، فإذا أصابه شيءٌ مِنْ دم؛
بَلَّتْه بريقها، ثم قَصَعَتْة بريقها.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري في
"صحيحه ") .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العبدي: أنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت
الحسن- يعني: ابن مسلم- يذكر عن مجاهد.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ لكن اختلفوا في سماع
مجاهد من عائشة؛ فقال ابن معين وأبو حاتم:
" لم يسمع منها ". وقال علي بن المديني:
" لا أنكر أن يكون مجاهد لقي جماعة من الصحابة، وقد سمع من عائشة ".
قال الحافظ في "الفتح " (1/328) :
" وقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته
على ابن المديني؛ فهو مقدم على مَنْ نفاه ".
والحديث أخرجه البيهقي (2/405) من طريق المؤلف.
ولإبراهيم بن نافع فيه شيخ آخر عن مجاهد:
أخرجه البخاري (1/327) من طريق أبي نعيم قال: حدثنا إبراهيم بن نافع
عن ابن أبي نَجِيحٍ عن مجاهد ... به.(2/199)
ولابن أبي نَجِيح فيه شيخ آخر عن عائشهَ، ويأتي في الكتاب قريباً (رقم 390) .
386- عن أسماءَ بنت أبي بكر قالت.
سمعتُ امرأةً تَسْألُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إحدانا بثويها إذا رأتِ
الطّهْرَ؛ أتُصَلِّي فيه؟ قال:
"تنظرُ، نجإنْ رأتْ فيه دماً؛ فَلْتَقْرُصه بشيء من ماء، ولْتَنْضَحْ ما لم
تَرَ، ولْتصَلِّ فيه ".
(قلت: إسناده حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النقيلي: نا محمد بن سلمة عن محمد
ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر.
قلت: هذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أن ابن إسحاق
قرنه بغيره، وقد صرَّح بسماعه من فاطمة في غير هذه الرواية؛ كما في "الفتح ".
والحديث أخرجه الدارمي (1/239) : أخبرنا محمد بن عبد الله الرقَاشي: ثنا
يزيد- هو ابن زربع-: ثنا محمد- هو ابن إسحاق-: حدثتني فاطمة بنت المنذر.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم رجال مسلم؛ مع القيد السابق.
ثم أخرجه هو (1/197) ، والبيهقي (2/406) من طريق أخرى عن ابن
إسحاق عن فاطمة.
وله شاهد من حديث عائشة قالت:
كانت إحدانا تحيض، ثم تقترص الدم من ثوبها عند طهرها، فتغسله، وتنضح
على سائره، ثم تصلي فيه.(2/200)
أخرجه البخاري (1/326) ، وابن ماجه (1/217) ، والبيهقي (2/406-
407) .
387- وعنها أنها قالت:
سألتِ امرأة رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالتْ: يا رسول الله! أرأيتَ إحد انا إذا
أصابَ ثوبَهَا الدمُ مِنَ الحَيْضَةِ؛ كليف تصنع؟ قال:
" إذا أصابَ إحْدَاكنَ الدم من الحيضِ؛ فلْتَقْزصْهُ، ثم لتنضَحْة بالماء،
ثمَّ لتُصَلِّ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في
"الصحيحين ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وصححه ابن حبان
(1393)) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة
بنت المنذرعن أسماء بنت أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في " موطأً مالك" (1/79) .
وروإه البخاري (1/325) ، ومسلم (1/166) عن مالك، وكذلك رواه البيهقي
(1/13) .
تم أخرجه البخاري (1/264) ، ومسلم أيضا، والنسائي (1/69) ، والترمذي
(1/254- 255) ، والدارمي (1/239) ، وابن ماجه (1/217) ، وأحمد (6/345
و346 و 353) من طرق عن هشام ... به.(2/201)
ويأتي بعض طرقه في الكلام على الرواية الآتية:
388- وفي رواية عنها:
" حُتِّيه، ثم اقْرُصِيه بالماء، ثم انْضَحِيه".
(قلت: إسنادها صحيح على شرطهما. وأخرجاه في "الصحيحين ". وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا حماد. وحدثنا مسدد قال: حدثنا عيسى بن
يونس. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد- يعني: ابن سلمة- عن
هشام ... بهذا المعنى قالا:
"حُتيه ... "إلخ.
قلت: إسناده من طريق عيسى بن يونس صحيح على شرط البخاري، ومن
طريق حماد على شرط مسلم؛ فالحديث على شرطهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 1638) : حدثنا حماد بن سلمة ... به؛ إلا
أنه قال:
" وانضحي ما حوله ".
وأخرجه النسائي (1/69) من طريق حماد.
وأخرجه الشيخان وأحمد- من طريق يحيى بن سعيد-، والترمذي والدارمي
- عن سفيان بن عيينة- عن هشام ... به.
389- عن أم قَيْسٍ بنت مِحْصَن:
سألتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن دم الحيضِ يكون في الثوب؟ قال:(2/202)
" حُكيهِ بِضِلَع، واغْسِليه بماءٍ وسِدْرٍ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن القطان. وأخرجه ابن خزبمة (277) ،
وابن حبان (1392) في "صحيحيهما". وقال الحافظ: " إسناده حسن ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: ثني ثابت
الحداد: ثني عَدِيَ بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول ...
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ثابت الحداد
- وهو ابن هُرْمُزٍ -، أبو المقدام-؛ وعدي بن دينار؛ وهما ثقتان. وأما الحافظ فقال في
"الفتح " (1/266) :
" إسناده حسن ".
والحديث أخرجه أحمد (6/355) : ثنا يحيى بن سعيد ... به.
وأخرجه النسائي (1/69) ، وابن ماجه (1/217) ، وابن حبان (1392) ،
وابن خزيمة (277) من حديث يحيى.
ثم قال الإمام أحمد (6/356) : ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا
سفيان ... به.
ومن طريق عبد الرحمن: أخرجه الدارمي (1/239) ، وابن ماجه أيضا.
وقد تابعه إسرائيل عن ثابت: أخرجه أحمد.
والحديث أخرجه البيهقي (2/407) من طريق المؤلف.
وذكر الحافظ في "التهذيب ": أنه أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في
"صحيحيهما"، وصححه ابن القطان، وقال عقبه:(2/203)
" لا أعلم له علة، وثابت ثقة، ولا أعلم أحداً ضعفه غير الدارقطني ".
390- عن عائشة قالت:
قد كان يكون لإحد انا الدِّرْعُ؛ فيه تحيضُ، وفيه،تصيبها الجنابةُ، ثم
ترى فيه قَطْرَةً من دم؛ فَتَقْصَعُهُ بِريِقها.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا سفيان عن ابن أبي نَجِيج عن عطاء عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الدارمي (1/238) ، وعبد الرزاق في "المصنف "
(1/230/ 1229) عن ابن عيينة ... به.
وتابعه إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح، فقال البيهقي في "السنن "
(2/405) - بعد أن ساق الحديث المتقدم (385) من طريق إبراهيم هذا عن الحسن
ابن مسلم عن مجاهد عن عائشة ... به-؛ قال البيهقي:
" والمشهور: عن إبراهيم عن الحسن بن مسلم بن يَنَّاق عن مجاهد، وعن ابن
أبي نجيح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها ... فهو صحيح من الوجهين
جميعاً".
ثم إن الحديث أخرجه البيهقي (1/14) من طريق المؤلف رحمهما الله.
391- عن أبي هريرة:
أن خَوْلَةَ بنتَ يسارٍ أتت إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: يا رسول الله! إنه
ليس لي إلا ثوبٌ واحدٌ؛ وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال:(2/204)
" إذا طَهُرْتِ فاغسلِيه، ثم صفي فيه!. فقالت: فإنْ لم يخرجِ الدمُ؟
قال:
" يكفيكِ غَسْلُ الدمِ؛ ولا يضُرًكِ آثَرُهُ ".
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن
عيسى بن طلحة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن لهيعة، وهو
ثقة؛ لكنه سيئ الحفظ؛ إلا أنه قد روى عنه هذا الحديث: ابن وهب أيضا كما
يأتي، وهو صحيح الحديث عنه؛ فقد قال عبد الغني بن سعيد الأرْدي:
" إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: ابنُ المبارك وابن وهب والمقري،
وذكر الساجي وغيره مثله ".
فحدينَه هذا صحيح (1) .
والحديث أخرجه أحمد (2/380) : حدثنا قتيبة بن سعيد ... به.
وأخرجه البيهقي (2/408) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح. ثنا أبي:
ثنا ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب ... به.
ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أبي حبيب ... به. وقال:
" تفرد به ابن لهيعة ".
__________
(1) وإسناده هذا- أيضا- صحيح، فرواية قتيبة بن سعيد عنه ملحقة برواية العبادلة عنه؛
كما حققه الشيخ رحمه الله في غير ما موضع من كتبه، فانظر- على سبيل المثال- ما حرره
الشيخ رحمه الله في "الصحيحة" (2/646 و 6/825- 826) . (الناشر) .(2/205)
قلت: وقد رواه عنه موسى بن داود الضبِّيَ، فخالف في إسناده؛ فقال: حدثنا
ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفرعن عيسى بن طلحة ... به.
أخرجه أحمد (2/344) .
فإن كان ابن لهيعة قد حفظه؛ فهو إسناد آخر له صحيح؛ وإلا فهو من سوء
حفظه، والصواب رواية ابن وهب ومن تابعه عنه.
132- باب الصلاة في الثوب الذي يُصيبُ أهلَهُ فيه
392- عن معاوية بن أبي سفيان:
أنه سأل أختَهُ أمَّ حبيبةَ زَوْجَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يُصلِّي في الثوب الذي يجامِعُها فيه؟ فقالت:
نعم؛ إذا لم يَرَ فيه آذىً.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (2325)) .
إسناده: حدثنا عيسى بن حماد المصري: أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب
عن سويدِ بن قيس عن معاوية بن حُدَيْج عن معاوية بن أبي سفيان.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفيه ثلاثة من الصحابة: أم
حبيبة ومعاوية بن أبي سفيان ومعاوية بن حُدَيْج؛ وقد صححه ابن خزيمة، وابن
حبان (2325) ؛ كما في "الفتح " (1/370) .
والحديث أخرجه النسائي (1/56) ، والدارمي (1/319) ، وابن ماجه
(1/192) ، والبيهقي (2/410) من طرق عن الليث ... به؛ وقد قرن البيهقي
- مع الليث- عبدَ الله بنَ لهيعة وعمرو بن الحارث.(2/206)
وتابعهم عبد الحميد بن جعفر: عند الدارمي.
وابن إسحاق: عند أحمد (6/325) .
والحديث أخرجه الطحاوي أيضا (1/30) .
وله في "المسند" (6/325 و 426) طريق أخرى من حديث معاوية بن صالح
قال: ثنا ضَمْرة بن حبيب أن محمد بن أبي سفيان الثقفي حدثه أنه سمع أم
حبيبة تقول:
رأيت النبي عَنه! يصلي وعَلَيَّ وعليه ثوب واحد؛ فيه كان ما كان.
ورجاله ثقات؛ غير محمد بن أبي سفيان؛ قال الحافظ في "التقريب ":
" مقبول، وقيل: الصواب: عنبسة بن أبي سفيان ".
قلت: وجزم بذلك الخزرجي في "الخلاصة ".
فإذا صح هذا فالإسناد صحيح؛ لأن عنبسة ثقة من رجال مسلم.
وللحديث شاهد من رواية عائشة رضي الله تعالى عنها بلفط:
كان يصلًي في الثوب الذي يجامع فيه.
أخرجه أحمد (6/217) ، ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
وآخر من حديث أبي الدرداء: رواه ابن ماجه (541) بسند ضعيف.
وثالث: عنده (542) عن جابر بن سمرة، وسنده صحيح، وصححه ابن
حبان (236) .(2/207)
133- باب الصلاة في شُعُر النساء
393- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلِّي في شئعُرِنا أو ئخفِنَا- شك معاذ؛ يعني:
العنبريَّ-.
(قلت: إسناده صحيح، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح "، وقال
الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!) .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا الأشعث عن محمد بن سيرين
عن عبد الله بن شقيق عن عائشة. قال عبيد الله: شك أبي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير الأشعتَ
- وهو ابن عبد الملك الحًمْرَاني؛ كما في بعض الروايات الآتية-، وهو ثقة، روى له
البخاري تعليقاً، وقد قال ابن معين فيه:
" لم أدرك أحداً من أصحابنا أثبت عندي منه، ولا أدركت أحداً من أصحاب
ابن سيرين بعد ابن عَوْن أثبت منه ".
ومن طريق معاذ- وهو ابن معاذ العنبري-: أخرجه ابن حبان (4/38/2330-
الإحسان) .
والحديث أخرجه النسائي (2/302) ، والترمذي (2/496) ، وابن الجارود
(134) ، والطحاوي (1/30) ، والبيهقي (2/409) ، والبغوي في "شرح السنة "
(2/429) من طرق أخرى عن الأشعث ... به بلفظ:
لحفنا؛ بدون شك. وفي رواية للنسائي:(2/208)
ملاحفنا.
وأخرجه الحاكم (1/252) ، ومن طريقه البيهقي من طريق أخرى عن
عبيد الله بن معاذ. وقال الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح "
ثم إن ابن سيرين نَسِي؛ فروى الحديث مرسلاً- بلفظ آخر- ومنقطعاً.
أما المرسل؛ فأخرجه أحمد (6/129) : ثنا همام قال: ثنا قتادة عن ابن
سيرين:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِه الصلاة في ملاحف النساء.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ ولكنه مرسل؛ وهو بهذا
اللفظ شاذ.
وأما المنقطع؛ فهو:
394- وفي رواية عنها: أنّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا يصلِّي في مَلاحِفِنَا.
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: نا سليمان بن حرب: نا حماد عن هشام عن
ابن سيرين عن عائشة.
قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمداً عنه؟ فلم(2/209)
يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري أسمعته من ثبت أولا، فسلوا عنه!
والحديث أخرجه البيهقي (2/415) من طريق المصنف.
وكذلك رواه سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن عائشة رضي الله عنها
- لم يذكر ابن شقيق- قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يصلي في شُعُرِنا.
أخرجه البيهقي من طريق ؤهَيْب عن سلمة.
وأخرجه أحمد (6/101) : ثنا عفان قال: ثنا بشر- يعني: ابن مُفَضل- قال:
ثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نُبِّئْست أن عائشة ... به. قال
بشر:
هو الثوب الذي يُلْبَسُ تحت الدِّثار.
فهذه الرواية صريحة في أن ابن سيرين لم يسمعه من عائشة. ورواية سعيد
ابن أبي صدقة صريحة بأن ابن سيرين نسي لبعْدِ العَهْد.
وقد حفظ الأشعثُ الحديثَ عنه، فأدخل بينه وبينها عبدَ الله بنَ شقيق، كما
في الرواية الأولى، فاتصل بذلك الإسناد وصح، وقد صححه من سبق ذكرهم
هناك.
(تنبيه) : هكذا وقع الحديث في جميع المصادر المتقدمة بلفظ:
كان لا يصلي ... إلخ؛ إلا في رواية لابن حبان (2324) ؛ فهي بلفظ:
كان يصلي ... !
بحذف (لا) النافية! وهي عنده من طريق أشعث بن سَوَّار عن ابن(2/210)
سيرين ... به.
وأشعث هذا ضعيف، ودونه أحد المجهولين؛ كما بينته في "الصحيحة"
(3321) تحت حديث عائشة الصحيح هذا.
134- بابُ الرُّخْصَةِ في ذلك
395- عن ميمونة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى وعليه مِرْطٌ، وعلى بعض أزواجه منه وهي
حائض، وهو يصلِّي وهو عليه.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه"، وأخرجه
الشيخان وأبو عوانة أيضا بنحوه، وسيأتي (رقم 663)) .
إسناده: حدننا محمد بن الصَّباح بن سفيان: نا سفيان عن أبي إسحاق
الشيباني سمعه من عبد الله بن شَدَاد يحدثه عن ميمونة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن
الصَّبًاح بن سفيان، وهو ثقة.
وأبو إسحاق الشيباني: اسمه سليمان بن أبما سليمان.
والحديث أخرجه البيهقي (2/409) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (6/330) : ثنا سفيان بن عيينة ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/224) ، والبيهقي (2/239) من طرق أخرى عن
سفيان.(2/211)
وكذلك أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/53) .
ثم أخرجه هو، والبخاري (1/341 و 388) ، ومسلم (2/61) ، وأحمد
(6/330 و 331) من طرق أخرى عن الشيباني؛ بلفط: كان يصلي وأنا حذاءَه،
وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد. وسيأتي في الكتاب.
انظر ابن خزيمة (2/104- 106) .
396- عن عائشة قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمٍَ يصلِّي بالليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعلي
مِرْطٌ وعليه بعضُه.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو
عوانة في "صحيحيهما"، وأخرجه الحاكم مختصراً، وقال: " صحيح الإسناد "!
ووافقه الذهبي! وقوّاه البيهقي) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع بن الجراح: نا طلحة بن يحيى
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير طلحة بن
، يحيى- وهو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني-؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد
تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان والبخاري وغيرهما.
ووثقه ابن معين ويعقوب بن شيبة والعجلي وابن حبان، وقال:
" كان يخطئ ". وقال أبو حام:
" صالح الحديث، حسن الحديث، صحيح الحديث ". وقال المصنف:(2/212)
" ليس به بأس ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق يخطئ ".
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى؛ حيث إنه ثقة في نفسه، ولم
يشتد ضَعْف حِفظِه ليسقط الاحتجاج بحديثه. وقد توبع على الحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (6/204) : ثنا وكيع ... به.
وأخرجه مسلم (2/61) ، والنسائي (1/125) ، وابن ماجه (1/224) ،
والبيهقي (2/409) ؛ كلهم عن وكيع. وقال البيهقي (2/239) :
" إنه ثبت عن عائشة ".
وقد تابعه سفيان الثوري عن يحيى ... نحوه؛ بلفظ:
... مرط من هذه المُرَحَلات.
أخرجه أحمد (6/99 و 199) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (2/60) ؛ وزاد
أحمد:
" المرط من أكْسِيَة سُود ". زاد أبو عوانة:
" والمرحَّلات المخطَّطة ".
وتابعه أيضا أبو يحيى الحِمَّاني ... مختصراً: عند أبي عوانة.
وللحديث طريق أخرى: عند أحمد (6/129 و 146) ، والحاكم (4/188)
عن قتادة عن كثير بن أبي كثير عن أبي عِياض عنها ... مختصراً؛ بلفظ:
كان نبي الله يصلي؛ وإن بعض مِرْطي عليه. وقال الحاكم:(2/213)
" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير كثير هذا- وهو
مولى عبد الرحمن بن سَمُرة-؛ وثقه العجلي.
وله طريق ثالث مختصر- نحو رواية الحاكم- عند المصنف (رقم 642) .
135- باب المني يُصيب الثوبَ
397- عن هَمام بن الحارث:
أنه كان عند عائشة، فاحتلم، فأبصَرَتْهُ جارية لعائشة وهو يغسل أثر
الجنابة من ثوبه- أو يغسل ثوبه-، فأخبرتْ عائشة؟ فقالتْ:
لقد رأيتُنِي وأنا آفْرُكُهُ من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
" صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن هَمام بن
الحارث (1) .
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 1401) : حدثنا شعبة ... به.
وأخرجه أحمد (16/25 و 263) ، والطحاوي (1/29) من طرق عن
شعبة ... به؛ وكلهم قالوا:
__________
(1) ورواه الأعمش كما رواه الحكم.(2/214)
لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه ... إلخ.
وهذا القدر منه؛ أخرجه النسائي (1/56) .
وأما رواية الأعمش التي أشار إليها المصنف؛ فوصلها مسلم (1/164- 165) ،
وأبو عوانة (1/205- 206) ، والترمذي (1/198- 199) ، وابن ماجه (1/192) ،
والطحاوي أيضا، وأحمد (6/43) من طرق عنه عن إبراهيم ... به نحوه. وقال
الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه النسائي أيضا مختصراً.
وهو رواية لابن ماجه، وأحمد (6/193) .
ورواه منصور أيضا عن إبراهيم ... به.
أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والطحاوي والبيهقي (2/417) ، وأحمد
(6/135) .
وللحديث طرق أخرى مطولاً ومختصراً: عند مسلم وأبي عوانة والنسائي
والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم1420) ، وأحمد (6/67 و 255 و280) .
وفي رواية لأ بي عوانة والطحاوي وكذا الدارقطني (ص 46) من طريق
الحميدي: ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة
قالت:
كنت أفْرُكُ المتي من ثوب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كان يابساً، وأمسَحُه- أو أغسله؛
شك الحميدي- إذا كان رطباً.(2/215)
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد شك الحميدي في المسح أو الغسل، وكلاهما ثابت:
أما المسح؛ فرواه عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبَيْدِ بن عُمَيْر عن عائشة
قالت:
" كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه،
ويَحُته من ثوبه يابساً، ثم يصلي فيه.
أخرجه أحمد (6/243) ، والبيهقي (2/418) .
وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم.
وأخرجه ابن خزيمة (294) .
وأما الغسل؛ فيأتي بعد هذا بحديث.
398- عن عائشة قالت:
كنتُ آفْرًكً المنيَّ من ثوبِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيصلِّي فيه.
(قلت: إسناده حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن حماد عن إبراهيم عن
الأسود: أن عائشة قالت ...
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أن حماداً
- وهو ابن أبي سليمان الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي الفقيه- قد تكلم فيه
بعضهم من قبل حفظه. وقال الحافظ في "التقريب ":(2/216)
" صدوق له أوهام ".
فهو حسن الحديث على أقل الدرجات. وقد أورده الذهبي في "الميزان "،
وقال:
" تكُلمَ فيه للإرجاء، ولولا ذكر ابن عدي له في "كامله " لما أوردته ".
وهذا إشارة منه إلى توثيقه.
وحماد الآخر- شيخ موسى بن إسماعيل-: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه البيهقي (2/416) من طريق المصنف.
وأخرجه الطحاوي (1/31) ، وأحمد (6/125- 132 و 213) من طرق عن
حماد بن سلمة ... به. وقال المصنف عقب الحديث:
" ووافقه مغيرة وأبو معشر وواصل ".
قلت: يعني: عن إبراهيم.
وقد وصله عنهم: مسلم (1/165) ، والطحاوي (1/30 و 31) ، وأحمد
(6/35 و 97 و 101 و 239) عن الأخيرين.
وأبو عوانة (1/204 و 205) عن واصل ومغيرة.
والنسائي (1/56) ، وابن ماجه (1/192) عن مغيرة.
والبيهقي (2/416) عن واصل.
فهذه طرق مستفيضة، تشهد بصحة الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن
عائشة؛ فليس صواباً قولُ الترمذي- عقب حديث الأعمش عن إبراهيم عن همام
ابن الحارث عنها، وقد تقدم-:(2/217)
" وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. وحديث
الأعمش أصح "!
قلت: وأبو معشر ثقة، وهو زياد بن كُلَيْب التميمي الحنظلي الكوفي. فلو تفرد
بهذا الاسناد لكان حجة؛ فكيف وقد تابعه الثًلاثة الذين سبق ذكرهم؟!
بل تابعه الأعمش نفسه، فرواه حفص عنه عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد
وهمام عن عائشة.
أخرجه مسلم (1/164- 165) ، والطحاوي (1/29) .
فهذا كله يدل على صحة الإسنادين، وأن لإبراهيم فيه شيخبن.
بل له شيخ ثالث؛ فقد رواه خالد- وهو الحَذَّاء- عن أبا معشر عن إبراهيم عن
علقمة والأسود:
أن رجلا نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه ... الحديث نحو حديث الأعمش
السابق.
أخرجه مسلم (1/164) .
399- عن عائشة:
أنها كانت تَغْسِلُ المنيَّ من ثوبِ رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: ثم أراه فيه
بُقْعَةً أو بُقَعاً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير. (ح) وثنا محمد بن(2/218)
عبيد بن حِسَاب البصري: نا سُليم- يعني: ابن أخضر؛ المعنى؛ والأخبار في
حديث سليم- قالا: نا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار
يقول: سمعت عائشة تقول ...
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد صَرحَ سُلَيْمٌ في حديثه
بسماع سليمان بن يسار من عائشة، وهو ثقة من رجال مسلم.
وكذلك الراوي عنه محمد بن عبيد بن حِسَاب البصري.
وزهير: هو ابن معاوية الجُعْفي.
والحديث أخرجه البخاري (1/267) : حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا
زهير ... به.
وأخرجه أحمد (6/142 و 235) : ثنا يزيد قال: أنا عمرو بن ميمون قال: ثنا
سليمان بن يسار قال: أخبرتتي عائشة.
وهذا إسناد صحيح متصل بالسماع على شرط الشيخين.
وقد أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/203) ، والبيهقي (2/418) ، وكذا
الطحاوي (1/30) من طرق عن يزيد بن هارون ... به.
وأخرجه البخاري (1/266) عن قتيبة قال: ثنا يزيد ... به؛ فلم ينسب يزيد
كما فعل أحمد، وهو عنده يزيد بن هارون حتماً.
وأما عند البخاري؛ فقيل: إنه هذا، وقيل: إنه ابن زريع، ورجحه الحافط.
والله أعلم.
ثم أخرجه البخاري، ومسلم (1/165) ، والنسائي (1/56) ، والترمذي
(1/201) ، وابن ماجه (1/191- 192) ، والطحاوي، والبيهقي، وأحمد(2/219)
(6/162) من طرق عن عمرو بن ميمون ... به نحوه، وليس عند الترمذي قولها:
ثم أراه ... إلخ. وقال:
" حديث حسن صحيح ". ولفظ ابن ماجه:
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصيبُ ثوبَهُ، فيغسلُهُ من ثوبه، ثم يخرج في ثوبه إلى
الصلاة؛ وأنا أرى آثَرَ الغسلِ فيه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو رواية لمسلم والبيهقي.
وأخرجه الدارقطني (ص 46) ، وقال:
"صحيح"
136- باب بول الصبيِّ يصيبُ الثوبَ
400- عن أم قيس بنت مِحْصَن:
أنها أتت بابْن لها صغير- لم يأكلِ الطعام- إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فأجْلَسَهُ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حِجْرِه، فبالَ على ثوِبهِ، فدعا بماء، فنضحه
ولم يُغْسِلْهُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/220)
والحديث في "الموطألما (1/83) بإسناده هذا ولفظه.
وأخرجه البخاري (1/260) ، وأبو عوانة (1/252- 3-20) ، والنسائي
(1/56) ، والدارمي (1/189) ، والطحاوي (1/55) ، والبيهقي (2/414) كلهم
عن مالك ... به.
وأخرجه البخاري (10/121) ، ومسلم (1/164) ، وأبو عوانة أيضا، والترمذي
(1/105- 106) . وابن ماجه (1/188) ، والطحاوي، والبيهقي، والطيالسي (رقم
1636) ، وأحمد (6/355 و 356) من طرق أخرى عن ابن شهاب ... به.
401- عن لُبابة بنت الحارث قالت:
كان الحسين رضي الله تعالى عنه في حجْرِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبال
عليه، فقلتُ: الْبَسْ ثوباً وآعْطِني إزارَكَ حتى أغسِلَهُ. قال:
" إنما يُغْسَل مِنْ بَوْل الأُنثى، وُينْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذكَرِ ".
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، ووافقه
الذهبي) .
إسناده: حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع أبو توبة- المعنى- قالا: نا أبو
الأحوص عن سِمَاك عن قابوس عن لبابة بنت الحارث.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير مسدد فمن رجال
البخاري وهو مقرون بأبي توبة، وهو من رجالهما.
لكنّ سماكاً- وهو ابن حرب- فيه كلام من قبل حفظه، وهو حسن الحديث
في غير روايته عن عكرمة، كما سبق بيانه.(2/221)
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/187) ، والطحاوي (1/55) ، والحاكم
(1/166) ، ومن طريقه البيهقي (2/414) من طرق أخرى عن أبي الأحوص ...
به. وقال الحاكم:
" صحيح "، ووافقه الذهبي.
وصححه ابن خزيمة أيضا، كما في "الفتح " (1/260) . وقال البيهقي:
" وكذلك رواه إسرائيل وشريك عن سماك: ولبابة هي أم للفضل ".
قلت: وحديث إسرا ثيل: أخرجه أحمد (6/339) ؛ وفيه:
فضربت بين كتفيه فقالى: " ارفقي بابتي رحمك الله- أو أصلحك الله-!
أوجعت ابني ". قالت: قلت يا رسول الله! اخلع إزارك ... الحديث.
وحديث شريك: أخرجه الطحاوي (1/56) . ثم قالى البيهقي:
وروي عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن قابوس عن أبيه قال:
جاءت أم الفضل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... فذكر قصة، وفيها: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنما
يغْسَلُ ... " الحديث؛ ثم ساق إسناده بذلك بلى علي بن صالح.
أخرجه من طريق حَسَنُونَ البَناء الكوفي: ثنا عثمان بن سعيد المري عنه.
وحَسَنُونَ هذا؛ لم أعرفه الآن.
وعثمان بن سعيد؛ ليس بالمشهور. وقال الحافظ في "التقريب ":
"مقبول ".
وقد رواه ابن ماجه بإسناد أصح منه عن علي؛ فلم يذكر في سنده: عن
أبيه..... فقال (2/456) : ثنا أبو بكر: ثنا معاذ بن هشام: ثنا علي بن صالح عن(2/222)
سماك عن قابوس قال: قالت أم الفضل ...
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى علي بن صالح.
وهو الصحيح عنه، ليس فيه: عن أبيه؛ لتابعة الثقات له كما سبق.
وقابوس قديم الوفاة، فقد ذكره ابن يونس فيمن قَدِمَ مع محمد بن أبي بكر
مصر في خلافة علي، فلا يمتنع إدراكه لأم الفضل؛ كما قال الحافظ في
"التهذيب ".
وقد وجدت للحديث طريقين آخرين صحيحين عن لُبابة:
أحدهما: من طريق حماد بن سلمة قال: أنا عطاء الخراساني عن لبابة أم
الفضل.
أخرجه أحمد (6/339) : ثنا عَفان وبهز قالا: ثنا حماد بن سلمة.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكنه منقطع بين عطاء ولبابة.
لكن قد جاء موصولاً: أخرجه أحمد والبيهقي (2/515) من طريق عفان
قال: ثنا حماد قال حميد: كان عطاء يرويه عن أبي عياض عن لبابة.
وأبو عياض هذا: هو عمرو بن الأسود العَنْسِيُ، وهو ثقة من رجال الشيخين،
فعاد الحديث صحيحاً موصولاً على شرط مسلم.
والطريق الآخر: أخرجه أحمد أيضا (6/339- 340) : ثنا عفان: ثنا
وُهَيْبٌ قال: ثنا أيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم
الفضل.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/223)
402- عن أبي السَّمْحِ قال:
كنتُ أخْدُمُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان إذا أراد أن يغتسل قال:
" ولني قَفَاك ". قال: فأُوَلِّيهِ قفايَ، فأسْتُرُهُ به، فأُتِيَ بِحَسَن أو حسَين
رضي الله تعالى عنهما، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال:
" يُغْسَل من بول الجارية، وُيرَشّ من بول الغلام ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الحاكم، يوافقه الذهبي، وصححه ابن
خزيمة أيضا، وفال البخاري: " حديث حسن ") .
إسناده: حدثنا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري- المعنى-
قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي: حدثني يحيى بن الوليد: حدثني مُحِلَ بن
خليفة: حدثني أبو السمح.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يحيى بن
الوليد، وهو ثقة، وهو أبو الزعْراءِ الكوفيَ؛ قال النسائي:
" ليس به بأس ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/415) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن ماجه (1/188- 189) : حدثنا عمرو بن علي ومجاهد بن
موسى والعباس بن عبد العظيم قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ... به.
وأخرجه النسائي (1/46، 57) - عن مجاهد بن موسى وحده-، والدارقطني
(ص 57) ، وابن حزم (1/100) - عن عمرو بن علي وحده-، وأخرجه الحاكم(2/224)
(1/166) - من طريق أحمد بن حنبل-: ثنا عبد الرحمن بن مهدي به. وقال:
" صحيح "، ووافقه الذهبي. وقال البخاري:
" حديث حسن "؛ كما في "التلخيص " (1/254) وغيره.
وصححه ابن خزيمة أيضا، كما في "الفتح " (1/260) .
403- عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
يُغْسَل بولُ الجارية، وبُنْضَحُ بول الغلام؛ ما لم يَطْعَمْ.
(قلت: إسناده صحيح، وهو موقوف، وقد صح عنه مرفوعاً، وهو التالي) .
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن ابن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أبي حَرْب
ابن أبي الأسود عن أبيه عن علي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فمن
رجال البخاري وحده، وأبي حرب بن الأسود؛ فمن رجال مسلم فقط.
والحديث أخرجه البيهقي (2/415) من طريق المصنف، ثم قال:
" وفيما بلغني عن أبي عيسى [يعني: الترمذي] أنه قال: سألت البخاريَّ عن
هذا الحديث؟ فقال: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه. وهشام الدشْتُوائي يرفعه، وهو
حافظ.
قلت: إلا أن غير معاذ بن هشام رواه عن هشام مرسلاً ".
قلت: ثم ساق إسناده بذلك من طريق مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام عن قتادة
عن ابن أبي الأسود عن أبيه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... فذكره.(2/225)
وهذا لا يضر أيضا؛ فإن معاذ بن هشام تقة، وقد احتج به الشيخان، ولم يتفرد
بوصله ورفعه كما قد يُوهِمُ ذلك كلام البيهقي؛ بل قد توبع عليه؛ كما سنبينه عند
حديثه الآتي، وهو:
404- عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: ان نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال ... فذكر معناه، ولم يذكر: " ما لم يَطْعَمْ "؛ زاد:
قال قتادة: هذا ما لم يَطْعَمَا، فإذا طَعِمَا غُسِلا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: " حديث صحيح
على شرطهما "! يوافقه الذهبي! وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
وقال الحافظ: " إسناده صحيح، وقد رَجَّحَ البخاري صحته، وكذا الدارقطني "،
ورواه ابن حبان في "صحيحه " (1372) ، وكذا ابن خزيمة) .
إسناده: حدثنا ابن الثنى: نا معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة عن أبي
حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (1/97/رقم 757) : ثنا معاذ بن هشامء.. به.
وأخرجه الترمذي (2/509) ، وابن ماجه (1/188) ، والطحاوي (1/55) ،
والدارقطني (47) ، والحاكم (1/165- 166) ، ومن طريقه البيهقي (2/515) ،
وعبد الله بن أحمد في "زوائده " على "المسند" (رقم 1148) من طرق عن معاذ بن
هشام ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والحاكم:
" حديث صحيح على شرطهما "! ووافقه الذهبي!(2/226)
وإنما هو على شرط مسلم وحده كما ذكرنا؛ لأن أبا حرب بن أبي الأسود ليس
من رجال البخاري. وقال الحافظ في "الفتح " (1/260) :
" وإسناده صحيح. ورواه سعيد عن قتادة فوقفه؛ وليس ذلك بعلة قادحة ".
قلت: ورواية سعيد الموقوفة هي الني في الكتاب قبل هذا. وقال في
"التلخيص ":
" إسناده صحيح؛ إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رجح
البخاري صحته، وكذا الدارقطني. وقال البزار: " تفرد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه.
وقد روي هذا الفعل من حديث جماعة من الصحابة، وأحسنها إسناداً حديث علي ".
وقد تبع البزارَ في قوله: " تفرد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه ": البيهقي، وقد
ذكرنا كلامه في ذلك في الحديث السابق!
وليس هذا القول بصحيح؛ فقد قال الدارقطني:
" تابعه عبد الصمد عن هشام ".
قلت: أخرجه من طريقه: أحمد (رقم 563 و 1149) : حدثنا عبد الصمد بن
عبد الوارث: حدثنا هشام ... به.
وأخرجه ابنه عبد الله في "زوائده " مقروناً مع رواية معاذ (رقم 1148) .
وأخرجه الدارقطني أيضا (ص 47) .
405- عن الحسن عن أمه قالت:
إنها آبصَرَتْ أم سَلَمَةَ تَصُبُ الماءَ على بول الغلام ما لم يَطْعَم، فإذا
طَعِمَ غسلته، وكانت تغسل بول الجارية.(2/227)
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو موقوف، وصححه البيهقي
والحافظ ابن حجر) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر: نأ عبد الوارث
عن يونس عن الحسن.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأم الحسن- وهو البصري-:
اسمها خَيْرَة. وقال الحافظ في "التلخيص " (1/255) :
" وسنده صحيح. ورواه البيهقي من وجه آخر عنها موقوفاً أيضا، وصححه ".
قلت: إنما أخرجه البيهقي (2/416) من طريق المصنف بإسناده هذا.
وأما الوجه الأخر عنها؛ فأخرجه (2/415) مرفوعاً من طريق عبد الرحمن بن
عبد العزيز بن صادر: ثنا الفضيل بن سليمان النّمَيْري: ثنا كثير بن قارْوَنْدا: آبَنا
عبد الله بن حزم عن معاذة بنت حُبَيْش عنها. وقال:
" وهذا الحديث صحيح عن أم سلمة من فعلها ... "، ثم ساقه موقوفاً عليها
من طريق المصنف.
وفي إسناد هذا المرفوع جماعة لم أجد لهم ترجمة! وهم: عبد الرحمن بن
عبد العزيز- ويعرف بابن صادر- وعبد الله بن حزم ومعاذة بنت حُبَيْش.
وقد روي مرفوعاً من وجه آخر ضعيف أيضا.
رواه الطبراني في " الأوسط " عنها.
والحديث صحيح مرفوعاً؛ ورد كذلك عن جماعة من الصحابة بأسانيد قوية،
كما سبق.(2/228)
137- باب الأرض يصِيبها البول
406- عن أبي هريرة:
ان أعرابيّاً دخل المسجد ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، فصلى (زاد في
رواية: ركعتين) ، ثم قال: اللهمِ ارْحَمْنِي ومحمد اً، ولا تَرْحَمْ معنا أحد اً!
فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَجَّرْت واسعاً ". ثم لم يَلْبَثْ أن بال في ناحية
المسجد؛ فأسرعَ الناسُ إليه، فنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقال:
" إنما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرينَ! صُبوا عليه سَجْلا من ماء
- أو قال: ذَنوباً من ماء-"
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ". ورواه ابن حبان في "صحيحه " نحوه، والبخاري مفرقاً) .
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرْحِ وابن عَبْدة- في آخرين؛ وهذا لفظ
ابن عبدة-: قال: أنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. قال
ابن عبدة: ... ركعتين.....
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وابن عبدة: هو أحمد أبو
عبد الله الضبِّي.
والحديث أخرجه أحمد (2/239) : ثنا سفيان ... به.
وأخرجه الترمذي (1/275- 276) ، والبيهقي (2/428) من طرق عن
سفيان ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".(2/229)
وللحديث طرق أخرى؛ فقال أحمد (2/503) : ثنا يزيد: أنا محمد عن أبي
سلمة عن أبي هريرة ... نحوه.
وهذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن ماجه (1/189) ، وابن حبان في "صحيحه " (2/ 339/1399)
من طريق محمد - وهو ابن عمرو - ... به.
ورواه البخاري (10/360) من طريق الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن
عبد الرحمن ... به مختصراً، دون قصة البول في المسجد.
لكنه أخرج هذه القصة من طريق الزهري أيضا قال: أخبرني عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال ... فذكره دون قصة الدعاء.
أخرجه في موضعين (1/258 و 10/432) .
وأخرجه النسائي أيضا (1/20 و 63) ، والبيهقي (2/428) ، وأحمد
(2/282) .
وله شاهد في "ابن حبان " (982) من حديث ابن عمر؛ دون قصة البول.
ورجاله ثقات.
407- عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقَرن قال:
صَلى أعرابي مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بهذه القصة؛ قال فيه: وقال- يعني:
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
" خُذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهْرِيقُوا على مكانه ماءً ".
قال أبو داود: " هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".(2/230)
(قلت: وكذا قال الدارقطني. والحديث صحيح، وقوّاه الحافظ) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا جرير- يعني: بن حازم- قال:
سمعت عبد اللك- يعني: ابن عمير- يحدث عن عبد الله بن مَعْقِلِ بن مُقَرن.
قال أبو داود: " هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قلت: وهو مرسل صحيح الإسناد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
وقد جاء مرسلا وموصولا من طرف أخرى، فالحديث بها صحيح كما يأتي.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص 48) ، والبيهقي (2/428) كلاهما عن
المصنف ... به.
ومن شواهده: مرسل آخر؛ فقال الطحاوي (1/8) :
" وروى طاوس: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بمكانه أن يُحْفَرَ. حدثنا بذلك أبو بكرة بَكار
ابن قتيبة البكراوي قال: ثنا إبراهيم بن يشار قال: ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو
ابن دينار عن طاوس ... بذلك ".
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد أيضا.
وكذا رواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة- كما في "التلخيص " (1/250) -،
وعبد الرزاق في للمصنفه "- كما في "نصب الراية" (1/212) -.
وقد روي عنه موصولا من حديث أنس، بإسناد رجاله ثقات، كما قال
الحافظ:
" قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد: ثنا عبد الجبار بن العلاء: ثنا ابن عيينة عن
يحيى بن سعيد عن أنس: أن أعرابياً بال في المسجد، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " احفروا(2/231)
مكانه، ثم صُبّوا عليه ذَنوباً من ماء ". وأعله الدارقطني بأن عبد الجبار تفرد به دون
أصحاب ابن عيينة الحفاظ، وأنه دخل عليه حديث في حديث، وأنه عند ابن
عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلاً، وفيه: " احفروا مكانه "، وعن يحيى
ابن سعيد عن أنس موصولاً، وليست فيه الزيادة "! قال الحافط:
" وهذا تحقيق بالغ؛ إلا أن هذه الطريق المرسلة- مع صحة إسنادها- إذا ضُمت
إلى أحاديث الباب؛ أخذت قوة ".
وأقول: عبد الجبار- مع كونه ثقة من رجال مسلم-؛ فقد تابعه سعيد بن
عبد الرحمن المخزومي: عند الترمذي (148) ، وصححه؛ لكنه لم يَسُقْ لفظه. ثم
قال الحافط: " وله إسنادان موصولان:
أحدهما: عن ابن مسعود: رواه الدارمي والدارقطني ولفظه: فأمر بمكانه
فاحتفر، وصب عليه دَلواً من ماء؛ وفيه سمعان بن مالك؛ وليس بالقوي، قاله أبو
زرعة. وقال ابن أبي حاتم في "العلل " عن أبي زرعة: وهو حديث منكر. وكذا قال
أحمد. وقال أبو حاتم: لا أصل له.
ثانيهما: عن واثلة بن الأسقع: رواه أحمد والطبراني؛ وفيه عبيد الله بن أبي
حميد الهذَلي، وهو منكر الحديث. قاله البخاري وأبو حاتم " إ!
قلت: حديث ابن مسعود؛ أخرجه الدارقطني (ص 48) ، وأخرجه الطحاوي
أيضا (1/8) . ولم أجده في "سنن الدارمي "؛ فليراجع!
ورواه أبو يعلى أيضا- كما في "المجمع " (1/286 و 2/11) -، وقال:
" وروى أبو يعلى عقبه بإسناد رجاله رجال "الصحيح " عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ...
مثله ".
وأما حديث واثلة؛ فلم أجده أيضا في "المسند"! وأحاديثه في موضعين منه(2/232)
(3/490- 491 و 4/106-107) !
وأكاد أجزم أن الحافظ وهم في عزوه لـ "المسند"؛ بل أظن أنه ليس لواثلة
حديث في هذا الباب! وذلك لأمور:
أولاً: أنني لم أجد أحداً من الجامعين- كالحافظ الزيلعي- ذكره في الباب؛
بل الحافظ نفسه لم يذكره في "الفتح "، ونص كلامه فيه ملخصاً، قال (1/259) :
" إن الحديث جاء من ثلاث طرق: أحدها موصول من حديث ابن مسعود.
أخرجه الطحاوي؛ لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره. والآخران:
مرسلان ... ". إلخ كلامه.
ثانياً: أن الحافظ الهيثمي لم يذكره في الموضعين المشار إليهما سابقاً من كتابه
"مجمع الزوائد"، وهو من شرطه.
ثالثاً: أنني لم أجده في أحاديث واثلة من "المسند"، كما سبق! والله أعلم.
138- باب في طهُور الأرضِ إذا يَبِسَتْ
408- عن ابن عمر قال:
كنتً آبِيتُ في المسجد في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكنتُ فتىً شابّاً
عَزَباً، وكانت الكلاب تبول، وتُقْبِلً وتدْ بِرُ في المسجد، فلم يكونوا يَرشُّون
شيئاً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد رواه في "صحيحه "
معلقاً) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن(2/233)
شهاب: ثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن عمر ...
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه البيهقي (2/429) من طريق هارون بن معروف: ثنا ابن
وهب ... به.
ورواه البخاري (1/223) تعليقاً فقال: وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن
يونس ... به.
وقد وصله البيهقي، وأبو نعيم أيضا من طريق أحمد بن شبيب.
139- باب الأذى يصيبُ الذَّيْلَ
409- عن أم وَلَدٍ لابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنها سألت أم
سلمة زوجَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت:
إني امرأة أُطِيل ذَيْلِي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يُطَهرُهُ ما بعدَهُ ".
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن العربي، وقال ابن حجر الهيتمي:
" حديث حسن "، وقال العقيلي: " إسناده صالح جيد ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو
ابن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قلت، وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أم ولد إبراهيم هذه؛ فإنها مجهولة،(2/234)
وقد سماها النسائي في "مسند مالك ": " حميدة " ففي "التهذيب " مانصه:
" كن- حميدة: أنها سألت أم سلمة فقالت: إني امرأة طويلة للذيل. وعنها
محمد بن إبراهيم بن الحارث. وقيل: عنه عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف عن أم سلمة، وهو المشهور ". قال الحافظ:
" يجوز أن يكون اسم أم الولد حميدة؛ فيلتئم القولان ".
قلت: وبذلك جزم الذهبي في "الميزان " فقال:
" حميدة. سألت أم سلمة: هي أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
تفرد عنها محمد بن إبراهيم التيمي ". وقال الشيخ علي القاري في "المرقاة"
(1/356) :
" قال ابن حجر- يعني: الهيتمي-: ومَرَّ أنها مجهولة، ومع ذلك الحديث
حسن. وهو غير صحيح؛ إلا أن يقال: إنه حسن لغيره؛ فيتوقف على إسناد آخر
ليس فيه المجهولة، فيعتضد به؛ وهو غير معلوم؛ فتأمل "!
قلت: قد تأملنا، فوجدنا كلام الهيتمي صحيحاً؛ لأن مراده أنه حسن لغيره،
وقد علمنا له إسناداً آخر، وقد أخرجه المصنف بعد هذا، وهو إسناد صحيح،
فيعتضد به، كما أن له شاهداً آخر من حديث أبي هريرة يأتي ذكره.
والحديث في "الموطأ" (1/47) .
ومن طريقه: أخرجه الإمام محمد (ص 159) ، والترمذي (1/266) ،
والدارمي (1/189) ، وابن ماجه (1/190) ، والبيهقي (2/506) كلهم عن
مالك ... به.
وأخرجه أحمد (6/290، 316) من طرق أخرى عن محمد بن عمارة ... به.(2/235)
والحديث سكت عليه الترمذي!
وضعفه الخطابي والمنذري والنووي، فقال في "المجموع " (2/96) : إنه
" ضعيف؛ لأن أم ولد إبراهيم مجهولة "!
وأما الخطابي؛ فقال- عقب حديثي الباب-:
" وفي إسناد الحديثين مقال؛ لأن الأول عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن،
وهي مجهولة لا يعرف حالها في الثقة والعدالة. والحديث الأخر عن امرأة من بني
عبد الأشهل، والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث "! قال المنذري:
" وما قاله في الحديث الأول ظاهر. وأما ما قاله في الحديث الثاني؛ ففيه
نظر؛ فإن جهالة اسم الصحابي غير مؤثرة في صحة الحديث ".
قلت: وهذا هو الذي تقرر في المصطلح: أن جهالة اسم الصحابي لا تضر؛
وعليه جمهور أهل العلم من المحدثين وغيرهم. وقال أبو بكر بن العربي:
" هذا الحديث مما رواه مالك؛ فصح، وإن كان غيره لم يَرَة صحيحاً "!
وقد اغتر بهذا بعض المعاصرين، وهو صاحب "التاج "، فقال في الحديث:
" رواه أبو داود ومالك والترمذي بسند صالح، وسند مالك صحيح "!
وهذا - مع ما فيه من إيهام أن إستادي المصنف والترمذي غير إسناد مالك،
وليس كذلك؛ لأنهما أخرجاه من طريقه كما سبق-؛ فليس صحيح الإسناد؛
لجهالة أم ولد هذه كما تقدم! على أن العقيلي قال عقبه (2/256) :
" إسناد صالح جيد "!
نعم؛ الحديث صحيح باعتبار أن له شاهدين:(2/236)
أحدهما: عن أبي هريرة قال:
قيل: يا رسول الله! إنا نريد المسجد، فنطأ الطريق النجسة؟ فقال:
" الأرض يظهرُ بعضُها بعضاً ".
أخرجه ابن ماجه والبيهقي من طريق إبراهيم بن إسماعيل اليَشْكُرِيِّ عن ابن
أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين عن أبي سفيان عنه.
وهذا إسناد ليس بالقوي، كما قال البيهقي.
410- عن امرأة من بني عبد الله الأشْهَل قالت:
قلت: يا رسول الله! إن لنا طريقاً إلى المسجد مُنْتِنَة فكيف نفعل إذا
مطِرْنَا؟ قال:
" أليس بعدها طريقٌ هي أطيبُ منها؟ ". قالت: قلت: بلى. قال:
" فهذه بهذه ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه المنذري وعبد الحق الإشبيلي) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا: نا زهير: نا
عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد
الأشهل.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير موسى بن
عبد الله بن يزيد؛ فمن رجال مسلم وحده.
وأعله الخطابي بجهالة المرأة الصحابية! وردَّه المنذري بأن ذلك لا يوثر في صحة(2/237)
الحديث؛ يعني: لأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكرنا نص كلامهما في ذلك في
الحديث قبله.
والحديث أخرجه البيهقي (2/434) من طريق أبي الوليد: ثنا زهير ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/190) من طريق شريك عن عبد الله بن عيسى ... به.
وزهير: هو ابن معاوية.
140- باب الأذى يصيبُ النعْلَ
411- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا وَطِئَ أحدُكُم بِنَعْلِهِ الأذى؛ فإنَّ الترابَ له طَهُورٌ ".
(قلت: حديث صحيح، وقد صححه من سنذكر في الرواية الآتية) :
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: نا أبو المغيرة. (ح) وحدثنا عباس بن الوليد
ابن مَزْيَد: أخبرني أبي. (ح) وحدثنا محمود بن خالد: نا عمر- يعني: ابن عبد
الواحد- عن الأوزاعي- المعنى- قال: أنبئت آنّ سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي
حدث عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لولا جهالة من أنبأ الأوزاعي.
وقد سماه محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي فقال: عن ابن عجلان عن
سعيد بن أبي سعيد ... به نحوه؛ وهو في الكتاب بعد هذا.
لكن محمد بن كثير سيئ الحفظ؛ فلايحتج به؛ لا سيما فيما خالف فيه
الثقات، وسيأتي زيادة بيان لهذا.(2/238)
والحديث أخرجه الحاكم (1/66) ، والبيهقي (2/430) من طريق العباس بن
الوليد بن مَزْيَد ... به.
412- وفي رواية عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه؛ قال:
" إذا وطئ الأذى بخُفَّيْهِ؛ فَطَهُورُهُمَا الترابُ ".
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " (1400
و1401) . وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن تيمية: إنه: " حسن ") .
إسناده: حدثنا أحمد بن إبراهيم: حدثني محمد بن كثير- يعني: الصنعاني-
عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن محمد بن كثير سيئ الحفظ، فلا
يحتج به؛ لا سيما وقد خولف في إسناده:
فرواه جماعة من الثقات عن الأوزاعي فقالوا: عنه قال: أبِئْتُ أن سعيد بن
أبي سعيد ... به.
فرجع الحديث إلى أنه عن مجهول.
هكذا أخرجه المصنف وغيره كما سبق. ولذلك قال النووي في "المجموع "
(1/97) :
" رواه أبو داود من طرق كلها نحعيفة ". وقال الحافظ في "التلخيص "
(4/44) :
" وهو معلول؛ اختلف على الأوزاعي، وسنده ضعيف ".
وأما الزيلعي؛ فنقل في "نصب الراية" (1/207) عن النووي أنه قال في(2/239)
"الخلاصة ":
" رواه أبو داود بإسناد صحيح "!
فإذا صح هذا عن النووي؛ فقد تناقض! ثم قال الزيلعي:
" وقال ابن القطان: هذا حديث رواه أبو داود من طريق لا يظن بها الصحة؛
فإنه رواه من حديث محمد بن كثير عن الأوزاعي ... به؛ إذ محمد بن كثير-
الصنعاني الأصل المصيصي الدار أبو يوسف ضعيف وأضعف ما هو: عن
الأوزاعي؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: هو منكر الحديث؛ يروي
أشياء منكرة. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: هو عندي ليس بثقة ".
قلت: لكن الحديث صحيح؛ لأن له شاهدين يأتي ذكرهما. ولذلك قال ابن
تيمية في "الفتاوى" (2/28) : أنه
"حسن ".
والحديث أخرجه الطحاوي (1/31) ، والحاكم (1/166) ، والبيهقي (2/430)
من طرق أخرى عن محمد بن كثير ... به. وقال الحاكم:
" حديثَ صحيح على شرط مسلم؛ فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا
صدوق، وقد حفط في إسناده ذِكْرَ ابن عجلان "!
قلت: كذا قال! ولم يتعقبه الذهبي يشيء! فكأنه أقره ووافقه! وفي ذلك نظر
من وجهين:
الأول: أن الصنعاني هذا ليس بالحافظ؛ بل هو سيئ الحفظ كما سبق، فلا
تقبل زيادته في الإسناد.
والأخر: أن مسلماً لم يخرج للصنعاني شيئاً، كما أنه إنما أخرج لابن عجلان(2/240)
متابعة.
والحديث رواه أيضا ابن حبان في "صحيحه " (1400 و 1401) ، وابن
السكن؛ كما في "التلخيص "
وله شاهدان يشهدان له بالصحة:
الأول: من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً؛ بلفظ:
" إذا جاء أحدكم إلى المسجد؛ فلينظر، فإن رأى في نَعْلَيْهِ قذرا أو أذىً؛
فَلْيَمْسَحْة، ولْيُصَلِّ فيهما".
أخرجه المصنف وغيره بإسناد صحيح، وسيأتي في (الصلاة في النعل) (رقم
657) .
وأما الشاهد الأخر؛ فهو من حديث عائشة، وهو:
413- عن عائشة عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه.
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: " حديث حسن "، وأقره ابن
تيمية) .
إسناده: حدثنا محمود بن خالد: نا محمد- يعني: ابن عائذ-: حدثني
يحيى بن حمزة عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد: أخبرني أيضا سعيد بن أبي
سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وقد أعله البيهقي بالانقطاع؛ فقال ابن التركماني:
" سكت- يعني: البيهقي- عن هذا الحديث؛ وقال في "الخلافيات ":(2/241)
القعقاع لم يسمع من عائشة ".
قلت: وقد رجعت إلى ترجمة القعقاع من "التهذيب "؛ فإذا به يقول:
" روى عن أبي هريرة- وقيل: لم يلقه-، وجا بر، وعائشة، وابن عمر، وعلي
ابن الحسين ... " إلخ.
فلم ينفِ سماعه منها، والقعقاع لم يعرف بتدليس، فروايته محمولة على
الاتصال.
ولذلك؛ فإنا نرجح صحة هذا الإسناد عن عائشة، وأنه متصل غير منقطع؛
والله تعالى أعلم. ولذلك قال المنذري في "مختصره " (رقم 363) :
" وأما حديث عائشة؛ فحديث حسن ". وأقره ابن تيمية في "الفتاوى"
(2/28) ، فقال:
" وقد قيل: حديث عائشة حديث حسن ".
والحديث أخرجه البيهقي (2/430) من طريق المصنف.
141- باب الاعادة من النجاسة تكون في الثوب
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
142- باب البُزَاق يصيبُ الثوبَ
414- عن أبي نَضْرَةَ قال:
بَزَقَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثوبه، وحَكَّ بعضَه ببعض.(2/242)
(قلت: حديث صحيح، وهو مرسل صحيح الاسناد) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا ثابت البُناني عن أبي
نضرة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه مرسل؛ فإن
أبا نضرة تابعما- واسمه المنذر بن مالك بن قُطَعَةَ؛ بضم القاف وفتح المهملة.
ويشهد له حديث أنس بن مالك، وهو:
414/م- عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في
"صحيحه ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن حميد عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه النسائي (1/58) من طريق إسماعيل عن حميد ... به؛
ولفظه:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ طرف رداءه، فَبَصَقَ فيه، فردَّ بعضه على بعض.
وهذا مختصر؛ فقد أخرجه البخاري (1/403- 404) ، والبيهقي (2/292)
من طريق إسماعيل أيضا- وهو ابن جعفر- ... به؛ بلفظ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى نُخَامة في القبلة، فشقَّ ذلك عليه، حتى رُئيَ في وجهه،
فقام، فحكه بيده، فقال:
" إن أحدكم إذا قام في صلاته؛ فإنه يُنَاجي ربه- أو: إن ربه بينه وبين(2/243)
القبلة-؛ فلا يَبْزُقَن أحدُكُم قِبَل قِبْلَتِهِ، ولكنْ عن يساره أو تحت قدميه "، ثم أخذ
طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض فقال:
" أو يفعل هكذا ".
وأخرجه أحمد (3/199) : ثنا يزيد: ثنا حميد ... به.
وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، سيأتي (رقم 499) .
آخر كتاب الطهارة من "صحيح سنن أبي داود "(2/244)
2- أول كتاب الصلاة
415- عن طلحة بن عبَيْدِ الله:
جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهل نَجْدِ، ثائرَ الرأس، يسْمَع دَوِيّ
صوته، ولا يفْقَه ما يقول؛ َ حتى دنا، فإذا هو يَسأل عن الاسلام؟ فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خَمس صلوات في اليوم والليلة ". قال: هل علي غيرهنَّ؟ قال:
" لا؛ إلا أن تَطَّوَّع ". قال: وذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صيامَ شهر
رمضان. قال: هل عليَّ غيره؟ قال:
" لا؛ إلا أن تَطَّوَّعَ ".
قال: وذكر له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصدقةَ. قال: فهل عليَّ غيرهُا؟ قال:
" لا؛ إلا أن تَطَّوَّعَ ". فأدبر الرجلُ وهو يقول: والله لا أزيد على هذا
ولا أنقص! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أفلحَ إنْ صدق ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عَمِّهِ أبي سهيل بن مالك
عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول ...(2/245)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في "الموطأ" (1/188- 189) .
ومن طريقه: أخرجه البخاري (1/87- 88 و 5/320) ، ومسلم (1/31-
32) ، وأبو عوانة (1/417 و 2/310- 311) ، والنسائي (1/79- 80) ، وابن
الجارود (144) ، والبيهقي (2/466) ، وأحمد (1/162) ، وابن منده في "الايمان "
(ق 2/17) كلهم عن مالك ... به. وقال ابن منده:
"مجمع على صحته ".
(تنبيه) : زاد مسلم- وكذا المؤلف في الرواية الأتية- في رواية:
".. وأبيه "!
وهي شاذة، وبيان ذلك في "الضعيفة" (4992) ، وستأتي هذه الزيادة في
رواية المؤلف في ("الضعيف " في الأيمان والنذور) .
416- وفي رواية؛ قال:
" أفلح- وابيه- إن صدق، دخل الجنة- وأبيه- إن صدق ".
(قلت: إسنادها صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في
"صحيحيهما". وقال الحافظ ابن حجر: " وهو صحيح لا مرية فيه "؛ لكن
قوله: " وأبيه " شاذ) .
إسناده: حدثنا سليمان بن داود: نا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل
نافع بن مالك بن أبي عامر ... بإسناده- يعني: الذي قبله-.(2/246)
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (1) ؛ وسليمان بن داود؛ هو العَتَكِي أبو
الربيع الزهْراني البصري الحافظ.
والحديث أخرجه البخاري (4/82 و 12/ 278) ، ومسلم (1/32) ، والبيهقي
(2/466) من طرق عن إسماعيل بن جعفر ... به. وقال الحافظ في "الفتح "
(1/89) :
" وهو صحيح لا مرية فيه ".
قلت: لكن قوله: " وأبيه " شاذ؛ كما تقدم التنبيه عليه آنفاً.
1- باب في المواقيت
417- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"آمّني جبريل عليه السلام عند البيت مَرَّتين، فصلى بي الظهرَ: حين
زالت الشمسُ وكانت قَدْرَ الشِّرَاك، وصلَّى بي العَصْرَ: حين كان ظِلَّهُ
مثلَهْ، وصلَّى بي- يعني- المغربَ: حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاءَ:
حين غاب الشَّفَقُ، وصلَّى بي الفَجْرَ: حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على
الصائم.
فلما كان الغَدُ؛ صلَّى بي الظهْرَ: حين كان ظِلَهُ مِثْلَهُ، وصلَّى بي
العَصْرَ: حين كان ظِلهُ مِثْلَيْهِ، وصلَّى بي المغربَ: حين أفطر الصائم،
وصلَّى بي العشاءَ: إلى ثلث الليل، وصلَّى بي الفَجْرَ فَأسْفَرَ، ثم التفتَ
إليَّ فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياءِ من قبلك، والوقتُ: ما بين هذين
__________
(1) كتب الشيخ رحمه الله فوق هذه العبارة: " يعاد النظر ".(2/247)
الوقتين ".
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
والحاكم: " صحيح "! وأقرهُ الذهبي! وكذا قال النووي! وأخرجه ابن خزيمة
في "صحيحه "، وصححه أيضا أبو بكر بن العربي، وابن عبد البر) .
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن سفيان: حدثني عبد الرحمن بن فلان
ابن أبي ربيعة- قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة-
عن حَكِيمِ بن حَكِيم عن نافع بن جُبَيْرٍ بن مُطْعِمٍ عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي عبد الرحمن بن الحارث
ضعف يسير من قبل حفظه، لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن؛ وقد وثقه ابن سعد
وابن حبان والعجلي. وقال ابن معين:
" صالح ". وقال أبو حاتم:
" شيخ ". وقال النسائي:
" ليس بالقوي ". وقال أحمد:
"متروك ".
وضعفه ابن المديني. وقال ابن نمير:
" لا أُقْدِمُ على ترك حديثه ". وقال الحافظ في "التقريب ":
" صدوق له أوهام ".
والحديث أخرجه الطحاوي (1/87) ، والدارقطني (ص 96) ، والحاكم
(11/93) ، والبيهقي (1/364) ، وأحمد (1/333 و 354) من طرق أخرى عن(2/248)
سفيان ... به.
وأخرجه الترمذي (1/279- 282) ، والطحاوي أيضا، والدارقطني، والحاكم،
والبيهقي، وعبد الرزاق (2028) من طرق أخرى عن عبد الرحمن بن الحارث ...
به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". والحاكم:
" صحيح "! وأقره الذهبي! وكذا قال النووي في "المجموع " (3/23) !
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" (1) ، كما في "نصب الراية"
(1/221) ، و " التلخيص " (3/5) ، وقال:
" وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة؛ مختلف فيه؛
لكنه توبع: أخرجه عبد الرزاق [رقم 2029] عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير
ابن مطعم عن أبيه عن ابن عباس ... نحوه. قال ابن دقيق العيد: هي متابعة
حسنة. وصححه أبو بكر بن العربي وابن عبد البر ".
قلت: وأخرجه الدارقطني من طريق محمد بن حِمْيَرٍ عن إسماعيل عن
عبد الله بن عمر عن زياد بن أبي زياد عن نافع بن جبير ... به بطوله.
وإسماعيل هذا؛ الظاهر أنه ابن عياش.
وعبد الله بن عمر: هو العمري.
وأما زياد بن أبي زياد؛ فإن كان هو الجَصَّاص؛ فهو ضعيف.
وإن كان الخزومي المدني مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة- وهو الأقرب-؛
فهو ثقة من رجال مسلم.
__________
(1) ليس هو في، صحيح ابن حبانط، وإنما في "صحيح ابن خزيمة" (325) فقط.(2/249)
وقد تابعه عبيد الله بن مقسم عن نافع: أخرجه الدارقطني.
وهذه متابعة قوية؛ لولا أن في طريقها الواقدي؛ وهو متروك!
ثم أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن إسماعيل البخاري: ثنا أيوب بن
سليمان: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن
الحارث ومحمد بن عمرو عن حكيم بن حكيم ... به مختصراً بلفظ:
أن جبريل أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلَّى به الصلوات وقتين؛ إلا المغرب.
وهذه متابعة قوية؛ فإن محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة- ثقة حسن الحديث
أيضا.
ومثلهما حكيم بن حكيم؛ لكنه قد توبع كما سبق، فالحديث صحيح، لا
سيما وأن له شواهد تأتي في الكتاب، ومنها: حديث أبي مسعود، وهو:
418- عن ابن شهاب:
أن عمر بن عبد العزيز كان قاعداً على المنبر، فأخرَ العصر شيئاً، فقال
له عروةُ بنُ الزبير: أما إنّ جبريل عليه السلام قد أخبر محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوقت
الصلاة! فقال له عمر: اعلم ما تقول! فقال عروة: سمعتُ بَشِيرَ بن أبي
مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول:
" نزل جبريل، فأحبرني بوقت الصلاة، فصلَّيت معه، ثم صليت معه،
ثم صليت معه، ثم صلَّيت معه، ثم صليت معه"؛ يحسب بأصابعه
خمس صلوات، فرأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلَّى الظهر حين تزول الشمس،(2/250)
وربما أخرها حين يشتدُ الحرُ، ورأيته يصلِّي العصر والشمس مرتفعةٌ بيضاءُ
قبل أن تَدْخُلَهَا الصُفْرةُ؛ فيَنْصَرِفُ الرَّجَلُ من الصلاة، فيأتي ذا الحُلَيْفَةِ
قبل غروبِ الشمسِ، ويصلي المغرب حين تسقط الشمس، ويصلي العشاء
حين يَسْوَدَ الأفق، وربَّما أخرها حتى يجتمع الناس، وصلى الصبح مَرةً
بِغَلَس، ثم صلى مرة أخرى فأسْفَرَ بها، ثم كانت صلاته بَعْدَ ذلك
التغليسَ حتى مات، ولم يَعُدْ إلى أن يُسْفِرَ.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وهو على شرط مسلم. وأخرجه
ابن حبان في "صحيحه " (1492) . وقال الحاكم: " صحيح "، وأقره الذهبي،
وقال الخطابي: " هو صحيح الإسناد "، وقوَاه المنذري، والعسقلاني، وصححه
ابن خزيمة أيضا) .
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب عن أسامة بن زيد
الليثي أن ابن شهاب أخبره (1) .
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي أسامة بن زيد كلام لا
يضر.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص 93) ، والبيهقي (1/363- 364 و 435)
من طريق الربيع بن سليمان: ثنا عبد الله بن وهب ... به.
وأخرجه الحاكم (1/192) ، ومن طريقه البيهقي (1/455) من طريق يزيد بن
__________
(1) قال أبو داود: " روى هذا الحديث عن الزهري: معمر ومالك وابن عيينة وشعيب بن
أبي حمزة والليث بن سعد وغيرهم ... لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه، ولم يفسروه.
وكذلك أيضا روى هشام بن عروة وحبيب بن أبي مرزوق عن عروة ... نحو رواية معمر
وأصحابه؛ إلا أن حبيباً لم يذكر بشيرأ ".(2/251)
أبي حبيب عن أسامة بن زيد ... به. وقال الحاكم: إنه
" صحيح ". وأقره الذهبي. وقال النووي في "المجموع " (3/52) :
" رواه أبو داود بإسناد حسن، قال الخطابي: هو صحيح الإسناد ". وقوّاه
المنذري، كما يأتي. وقول الخطابي هذا؛ في "المعالم " (1/245) .
وقد أفاد المصنف رحمه الله أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات في هذا
الحديث دون أصحاب الزهري الذين ذكرهم! ونحن نذكر مَنْ خَرجَ أحاديثهم على
الترتيب الذي أوردهم.
الأول: معمر- وهو ابن راشد-: أخرجه أحمد (4/120- 121) : ثنا
عبد الرزاق: ثنا معمر عن الزهري ... به.
وأخرجه أبو عوانة (1/343) من طريق عبد الرزاق.
الثاني: مالك: وقد أخرجه هو نفسه في "موطّئه " (1/13- 19) ، وهو أول
حديث فيه.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (2/2- 5) ، ومسلم (2/103) ، والبيهقي
(1/363) ، وأحمد (5/274) ، وأبو عوانة أيضا (1/340- 341) ، والدارمي
(1/268) .
الثالث: ابن عيينة- وهو سفيان-: أخرجه الشافعي في "مسنده " (ص 9) :
حدثنا سفيان عن الزهري.
ومن طريق الشافعي: أخرجه أبو عوانة (1/341) .
ثم أخرجه هو، والبيهقي (1/363) من طريقين آخرين عن سفيان.(2/252)
الرابع: شعيب بن أبي حمزة: أخرجه البخاري (7/254) ، والبيهقي
(1/441) .
الخامس: الليث بن سعد: أخرجه البخاري (6/238) ، ومسلم أيضا، وأبو
عوانة (1/342) ، والنسائي (1/86) ، وابن ماجه (1/228) .
وأخرجه أبو عوانة من حديث ابن جريج أيضا قال: حدثني ابن شهاب ...
به
وأما رواية هشام؛ فأخرجها سعيد بن منصور.
وأما رواية حبيب؛ فأخرجها الحارث بن أبي أسامة في " مسنده "- كما في
"الفتح " (2/4) -، قال:
" وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة، ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل،
وذلك فيما رواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز"، والبيهقي في "السنن
الكبرى" [1/365] من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه
بلغه عن أبي مسعود ... فذكره منقطعاً. لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي
بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عروة. ووضح أن له أصلاً، وأن في رواية مالك
ومن تابعه اختصاراً. وبذلك جزم ابن عبد البر. وليس في رواية مالك ومن تابعه
ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف- والحالة هذه- بالشذوذ ". وقال المنذري في
"مختصره " (رقم 370) :
" وهذه الزيادة في قصة الإسفار؛ رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة
مقبولة".
والحديث صححه ابن خزيمة أيضا؛ كما في "الفتح " (2/4) .(2/253)
419- قال أبو داود: " وروى وهب بن كَيْسان عن جابر عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وقت المغرب، قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمس؛
يعني: من الغد؛ وقتاً واحداً ".
(قلت: وصله النسائي وغيره والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح "، والحاكم: " حديث صحيح مشهور ". وأخرجه ابن
حبان في "صحيحه" (1470) . وقال البخاري: إنه " أصح شيء في المواقيت "؛
يعني: في إمامة جبريل) .
قلت: وصله النسائي (1/91) ، والترمذي (1/281) ، والدارقطني (ص
95) ، والحاكم (11/95- 196) ، ومن طريقه البيهقي (1/368) ، وأحمد
(3/330- 331) من طرق عن عبد الله بن المبارك عن حسين بن علي بن حسين
قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" آمني جبريل ... " فذكر نحو حديث ابن عباس الذي سبق في الباب.
وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح غريب ". وقال الحاكم:
" حديث صحيح مشهور "، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالوا؛ فإن إسناده صحيح، رجاله-، كلهم ثقات رجال
الشيخين؛ غير حسين بن علي بن حسين- وهو أخو أبي جعفر الباقر-، وهو ثقة؛
وثقه النسائي وابن حبان، وأخرج حديثه هذا في "صحيحه " (1470) . قال
الترمذي:
" قال محمد [يعني: البخاري] : حديث جابر أصح شيء في المواقيت ".(2/254)
يعني: في إمامة جبريل؛ كما قال عبد الحق؛ على ما في "التلخيص "
(3/11) . ثم قال الترمذي في "سننه " (1/283) :
" وحديث جابر في المواقيت؛ قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو
الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحو حديث وهب بن كيسان عن
جابرعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
قلت: فوصف الترمذي فيما سبق للحديث بأنه غريب؛ لا يتمشى مع
المعروف في "المصطلح ": أن الغريب ما تفرَّد به راوٍ واحد! وهذا قد رواه عن جابر
جماعة، ورواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جماعة أيضا؛ فكيف يكون غريباً؟! إلا أن يكون أراد
الغرابة النسبية!
وحديث عطاء بن أبي رباح عنه: أخرجه النسائي (1/88) ، وأحمد (3/351
- 352) ، والطحاوي (1/88) من طريق عبد الله بن الحارث: حدتني ثور بن يزيد
عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال " الصحيح ".
ثم أخرجه النسائي (1/89) ، والدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق بُرْدِ بن
سنان عن عطاء بن أبي رباح ... به.
وهو إسناد صحيح أيضا؛ وقد علقه المصنف من الطريق الأولى، كما يأتي رقم
(428) .
420- قال أبو داود: " وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" ... ثم صلى بي المغرب؛ يعني: من الغد؛ وقتاً واحداً ".
(قلت: وصله النسائي وغيره بإسناد حسن عنه؛ كما قال الحافظ، وصححه(2/255)
ابن حبان (1491) ، والحاكم، ووافقه الذهبي، والحاكم، وصححه ابن السكن
أيضا، وقال الترمذي: " حسن ") .
قلت: وصله النسائي (1/89) ، والطحاوي (1/88) ، والدارقطني (ص 97) ،
والحاكم (194) ، وعنه البيهقي (1/369) من طريق محمد بن عمرو عن أبي
سلمة عن أبي هريرة ... نحو حديث ابن عباس المتقدم.
وهذا إسناد حسن؛ كما قال الحافظ في "التلخيص " (3/10) ؛ قال:
" وصححه ابن السكن، وقال الترمذي في "العلل ": حسن ". وقال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر بيَّناه فيما سبق من الكتاب مراراً.
ثم أخرج له الحاكم طريقاً أخرى من حديث عمر بن عبد الرحمن بن آسِيد
عن محمد بن عَبَّاد بن جعفر المؤذن أنه سمع أبا هريرة ... به مختصراً. وقال:
" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في "التلخيص " (3/10) .
ثم قال الحاكم:
" ولم يخرجاه؛ فإنهما لم يُخَرجا عن محمد بن عباد بن جعفر "!
قلت: محمد بن عباد بن جعفر: هو المخزومي المكي، وقد أخرج له الشيخان!
أما الذي لم يخرجا له؛ فإنما هو للراوي عنه: عمر بن عبد الرحمن بن أسيد،
ولم أجد له ترجمة!
ثم رأيت البيهقي أخرج الحديث (1/369) من طريق الحاكم ... بإسناده.
هذا؛ إلا أنه قال:(2/256)
عمر بن عبد الرحمن بن أسيد عن محمد أنه سمع أبا هريرة. ثم قال البيهقي
عقبة:
" محمد: هو ابن عمار بن سعد المؤذن ".
وهكذا أخرجه الدارقطني (ص 97) عن محمد بن عمّار بن سعد المؤذن ...
مصرِّحاً به في صُلب الإسناد.
قلت: فهذا اختلاف عظيم بين ما في "المستدرك "- ويبعد أن يكون قد خرِّف
من قبل النساخ هذا التحريفَ الفاحشَ! -، وبين ما رواه البيهقي عنه!
ويغلب على الظن أن روايته هي الصواب؛ بدليل قول الحاكم في محمد هذا:
" لم يخرجا له "؛ فقد علمت أن ابن عباد بن جعفر هو من رجالهما.
وأما محمد بن عمار بن سعد المؤذن؛ فهو من رجال الترمذي وحده!
وهذا يؤيد قول من ذهب من العلماء إلى أن الحاكم صنف "المستدرك " في آخر
عمره، وكان إذ ذاك حصل له تَغَيّرٌ وغفلة، كما ذكره الحافظ في "اللسان "، والله
أعلم.
421- وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: من حديث
حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: وصله البيهقي بإسناد حسن) .
إسناده معلق؛ وقد وصله البيهقي (1/369) من طريق عبد الرحمن بن أبي
حاتم: أخبرني محمد بن عقبة بن علقمة- فيما كتب إلي-: ثنا أبي: ثنا
الأوزاعي: ثنا حسان بن عطية: حدثني عمرو بن شعيب ... به.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات معروفون؛ غير محمد بن(2/257)
عقبة بن علقمة- وهو ابن خُدَيْج البيروتي المَعَافري؛ قال ابن حبان في "الثقات "
- في ترجمة عقبة بن علقمة-:
" يعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد عنه؛ لأن محمداً كان يُدْخِلُ عليه
الحديثَ، ويكذب فيه ". وقال أبو محمد بن أبي حاتم:
" كتب إلي ببعض حديثه، وهو صدوق، وسئل أبي عنه؟ فقال: صدوق ".
كذا في "اللسان ".
422- عن أبي موسى:
أنْ سائلاً سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يَرُدَّ عليه شيئاً، حتى أمر بلالاً فأقام
الفجر حين انشق الفَجْرُ؛ فصلَّى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه-
أو أن الرجل لا يعرف مَنْ إلى جنبه-، ثم أمر بلالاً فأقام الظهر حين زالت
الشمس، حتى فال القائل: انتصف النهار؟ وهو أعلم! ثم أمر بلالاً فأقام
العصرَ؛ والشمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ، وأمر بلالاً فأقام المغرب حين غابت
الشمس، وأمر بلالاً فأقام العشاء حين غاب الشفق. فلما كان من الغد؛
صلَّى الفجر وانصرف، فقلنا: طلعت الشمس! فأقام الظهر في وقت
العصر الذي كان قبله، وصلَّى العصر وقد اصفرَّت الشمس- أو وقال:
أمسى-، وصلَّى المغرب قبل أن يغيبَ الشفق، وصلَّى العشاء إلى ثلث
الليل، ثم قال:
" أينَ السائلُ عن وقتِ الصلاة؟ الوقتُ فيما بَيْنَ هَذَيْن ".
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال "الصحيح ". وأخرجه مسلم وأبو
عوانة في "صحيحيهما") .(2/258)
إسناده: حدثنا مسدد: نا عبد الله بن داود: نا بدر بن عثمان: نا أبو بكر بن
أبي موسى عن أبي موسى.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله رجال "الصحيح ".
والحديث أخرجه البيهقي (1/374) من طريق المصنف.
وأخرجه هو (1/366- 367 و 370- 371) ، ومسلم (09/12- 110) ، وأبو
عوانة (1/375) ، والنسائي (1/91) ، والطحاوي (1/88) ، والدارقطني (ص
98) ، وأحمد (4/416) من طرق عن بدر بن عثمان ... به.
423- قال أبو داود: " وروى سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... في المغرب نحو هذا؛ قال: ثم صلى العشاء، قال بعضهم:
إلى ثلث الليل، وقال بعضهم: إلى شطره ".
(قلت: وصله أحمد وغيره بإسناد صحيح عنه) .
وصله الامام أحمد (3/351- 352) : حدثنا عبد الله بن الحارث: حدثني ثور
ابن يزيد عن سليمان بن يسار ... به نحو حديث أبي موسى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح ".
وأخرجه النسائي (1/88) ، والطحاوي (1/88) - عن عبد الله بن الحارث.
والبيهقي (1/372) من طريق أحمد.
ولجابر حديث آخر في إمامة جبريل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه:
أنه صلى به المغرب في اليومين في وقت واحد؛ حين غابت الشمس.
رواه بُرْدُ بن سنان عن عطاء بن أبي رباح عنه.(2/259)
ورواه وهب بن كيسان أيضا عن جابر؛ وقد علقه المصنف فيما تقدم (رقم
419) .
واعلم أنه لا تعارض بين حديثي جابر رضي الله عنه، كما لا تعارض بين
أحاديث الباب؛ فإن في حديثه هذا، وحديث أبي موسى قبله، والأحاديث
الأخرى الآتية حكماً زائداً على الأحاديث المتقدمة في إمامة جبريل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
ففي هذه: أن وقت المغرب يمتذُ إلى أن يغيب الشفق، فوجب الأخذ بها ولا سيما
أنها متأخرة عن تلك؛ لأن سؤال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المواقيت كان في المدينة، في
مسجده عليه السلام، وإمامة جبريل له عليهما السلام كانت بمكة عند البيت؛
كما سبق في حديث ابن عباس.
هذا إذا كان حديث جبريل عليه السلام إنما ورد في بيان وقت الجواز؛ فقد
قيل: إنه إنما أراد بيان وقت الاختيار، لا وقت الجواز. واستحسنه النووي في
"المجموع " (3/131) . والله أعلم.
424- وكذلك روى ابن بُريدَةَ عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: وصله مسلم، وابن حبان (1490) ، وأبو عوانة في "صحاحهم "،
وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وقال البخاري: " حديث حسن ") .
وصله مسلم (2/106) ، وأبو عوانة (1/373- 374) ، والنسائي (1/90) ،
والترمذي (1/286) ، والطحاوي (1/88) ، والدارقطني (ص98) ، والبيهقي
(1/371 و 374) ، وأحمد (5/349) من طرق عن علقمة بن مرثد عن سليمان
ابن بريدة عن أبيه. وقال الترمذي:
" حديث حسن غريب صحيح ". وقال البيهقي:
" وفي "علل الترمذي " عن البخاري أنه قال: حديث أبي موسى حسن ".(2/260)
425- عن عبد الله بن عمروعن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أئه قال:
" وقت الظهر ما لم تَحْضُر العصر، ووقت العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس،
ووقت المغرب ما لم يسقطْ فَوْر الشَّفَقِ، ووقت العشاء إلى نصف الليل،
ووقت صلاة الفجر ما لم تَطْلُعِ الشمسُ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وقال الخطابي: " هو حديث حسن ") .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا شعبة عن قتادة أنه سمع أبا
أيوب عن عبد الله بن عمرو.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو على
شرطهما وأبو أيوب: هو المَرَاغِي الأزدي العَتَكِيُ البصري، اسمه يحيى- ويقال:
حبيب- بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم (2/104) عن هذا الشيخ ... بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (1/367) من طريقين آخرين عن عبيد الله بن معاذ ... به.
وأخرجه الطيالسي رقم (2249) قال: حدثنا شعبة وهمام عن قتادة ... به.
قال أبو داود:
" قال شعبة: أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه ".
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (1/371) ، والنسائي (1/90) ، وابن خزيمة
(354 و 355) ، وابن حبان (1471) ، والطحاوي (1/90) ، والبيهقي أيضا
(1/371) ، وأحمد (2/213) من طرق عن شعبة ... به؛ وزاد مسلم وأحمد
والطحاوي:(2/261)
" قال شعبة: رفعه مرة، ولم يرفعه مرتين ".
ثم أخرجه مسلم وأبو عوانة والطحاوي، والبيهقي (1/365 و 371 و 374
و378) ، وأحمد (2/210 و 223) من طرق أخرى عن قتادة ... به مرفوعاً. وقال
الخطابي في "المعالم " (1/233) :
" وهو حديث حسن ".
2- باب وقت صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف كان يصليها
426- عن محمد بن عمرو- وهو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب-
قال:
سألنا جابراً عن وقت صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال:
كان يصَلي الظهْرَ بالهَاجِرَة، والعصرَ والشمس حَيةٌ، والمغربَ إذا
غربتِ الشمس، والعشاء: إذا كَثرَ الناسُ عَجَّلَ، وإذا قَلوا أخر، والصبحَ
بغَلَسً.
(قلت: اسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في
"صحيحيهما" عن شيخ المصنف بإسناده، وأخرجه أبو عوانة أيضا في
"صحيحه ") .
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد
ابن عمرو- وهو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب-.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (1/449) من طريق المصنف.(2/262)
وأخرجه البخاري (2/37) ، ومسلم (2/104) عن هذا الشيخ ... بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (رقم 1722) : حدثنا شعبة ... به.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/367) ، والطحاوي
(1/104) .
ئم أخرجه البيهقي (1/434) من طريق آخر عن مسلم بن إبراهيم.
ئم أخرجه هو (1/455) ، والبخاري (2/33) ، ومسلم، وأبو عوانة، والنسائي
(1/92) ، وأحمد (3/369) من طرق أخرى عن شعبة.... به.
وللحديث طريق أخرى: أخرجه أحمد (3/302) عن عبد الله بن محمد بن
عقيل عن جابر قال:
الظهر كاسمها، والعصر بيضاء حَيةٌ، والمغرب كاسمها، وكنا نصلي مع رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المغرب، ثم نأتي منازلنا وهي على قدر مِيلٍ، فنرى مواقع النبْلِ، وكان
يعَجِّلُ العشاءَ وئؤَخز، والفجر كاسمها، وكان يغلِّس بها.
وإسناده حسن.
427- عن أبي بَرْزَةَ قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلِّي العصر؛
وإنَّ أحدنا لَيَذْهَب إلى أقصى المدينة وبرجع؛ والشمس حَيّةٌ - ونسيت
المغرب (1) -، وكان لا يبالي تأخير العشاء إلى ثلث الليل، قال: ثم قال:
إلى شطر الليل. قال: وكان يَكْره النومَ قبلها والحديثَ بعدها، وكان يصلي
__________
(1) القائل: " ونسيت المغرب"! هو راوي الحديث عن اْبي برزة، وهو أبو المنهال سَيار بن
سلامة؛ كما بينه أحمد في روايته.(2/263)
الصبح؛ وبعرف أحدنا جليسه الذي كان يعرفه، وكان يقرأ فيها الستين
إلى المئة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في "صحيحه "
عن شيخ المصنف بإسناده، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " من طريق المؤلف،
ورواه مسلم بتمامه، والترمذي بعضه، وقال: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: نا شعبة عن أبي المنهال عن أبي برزة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وحفص بن عمر: هو ابن
الحارث الحَوْضِيُّ.
والحديث أخرجه البيهقي (1/436) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/366) من
طريق المؤلف.
وأخرجه البخاري (2/17) عن هذا الشيخ ... بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (رقم " 92) : حدثنا شعبة ... به.
وأخرجه مسلم (2/121) ، وأبو عوانة أيضا، والنسائي (1/86) من طرق
أخرى عن شعبة ... به.
وأخرجه أحمد (4/425) : ثنا حجاج ثنا شعبة ... به، وفيه:
والمغرب- قال سيار: نسيتها-. وفي آخره:
قال سيار: لا أدري في إحدى الركعتين أو في كلتيهما؟!
وقد تابعه عوف بن أبي جميلة عن أبي المنهال: أخرجه البخاري (2/21) ،
والبيهقي (1/450 و 454) ، وأحمد (4/420، 423) من طرق عنه.(2/264)
وروى منه ابن ماجه (1/231) ، والطحاوي (1/109) - وقت الظهر-،
والترمذي (1/313) قوله:
كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وتابعه حماد بن سلمة عن سَيَّار بن سلامة- وهو أبو المنهال- ... به
مختصراً؛ بلفط:
كان يؤخر العشاء الآخرة إلى ثلث الليل، وكان يكره النوم قبلها والحديث
بعدها، وكان يقرأ في الفجر ما بين المئة إلى الستين، وكان ينصرف- حين ينصرف-
وبعضنا يعرف وجه بعض.
أخرجه أحمد (4/424) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وتابعه على الجملة الأخيرة منه: معتمر قال: أنبأًني أبي عن أبي المنهال ...
به
أخرجه أحمد أيضا (4/123) ، وسنده صحيح على شرطهما.
3- باب وقت صلاة الظهر
428- عن جابر بن عبد الله قال:
كنت أصلِّي الظهر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فآخذ قبضةً من الحصى؛ لِتَبْرُدَ
في كَفِّي، أضعُهَا لِجَبْهَتِي؛ أسجدُ عليها؛ لشدة الحرِّ.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي!) .(2/265)
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: نا عَباد بن عَباد: نا محمد بن
عمرو عن سعيد بن الحارت الأنصاري عن جابر بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد حسن. رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح "؛ غير أن محمد
ابن عمرو- وهو ابن علقمة- أخرج له البخاري مقروناً، ومسلم متابعة، وهو
حسن الحديث، كما تقدم مراراً. وعباد بن عباد: هو ابن حبيب أبو معاوية
البصري.
والحديث أخرجه البيهقي (1/439) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (1/164) : أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عباد ... به؛ وزاد
- بعد قوله: كَفِّي-:
ثم أحوله في كفي الآخر.
وقد أخرجه أحمد في "المسند" (3/327) ... بهذا الإسناد؛ لكن رواه عن
عَباد بالواسطة، فقال: ثنا خلف بن الوليد: ثنا عباد بن عباد ... به. فيظهر أن
أحمد رحمه الله رواه عن عباد بواسطة خلف هذا، ثم رواه عنه مباشرة بلا واسطة؛
فقد أخرجه الحاكم أيضا (1/195) - مثل رواية المصنف- من طريق أبي المثنى: ثنا
مسدد. ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قالا: ثنا عباد بن
عباد ... به.
لكن ليس هو في "المسند" إلا من طريق خلف كما ذكرنا. ثم قال الحاكم:
" صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وفيه نظر.
ثم إن الحديث أخرجه أحمد (3/327) ، والطحاوي (1/109) من طرق أخرى
عن محمد بن عمرو ... به.(2/266)
429- عن عبد الله بن مسعود قال:
كانت قَدْرُ صلاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصيف ثلاثةَ أقْدَام إلى خمسةِ
أقدام، وفي الشتاء خمسةَ أقدام إلى سبعةِ أقدام.
(قلت: إسناد صحيح) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا عَبِيدَةُ بن حُمَيْد عن أبي مالك
الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مُدْرِك عن الأسود أن عبدًا لله بن مسعود
قال ...
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير سعد بن
طارق وكثير بن مدرك؛ فإنهما من رجال مسلم؛ لكن الأول أخرج له البخاري
تعليقاً، والآخر أخرج له مسلم حديثاً واحداً في المتابعات، وهما ثقتان.
والحديث أخرجه البيهقي (1/365) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (1/87- 88) من طريق أخرى عن عَبيدة بن حميد ... به.
430- عن أبي ذَرٍّ:
كنّا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأراد المؤذن ان يؤذِّن الظهْرَ، فقال:
" أبرد ". ثم أراد أن يؤذن، فقال:
" أبرد "؛ مرتين أو ثلاثاً؛ حتى رأينا فَيْءَ التُلُول، ثم قال:
" إن شدة الحَر من فَيْحِ جهنم؛ فإذا اشتد الحَرُ فأبرِدُوا بالصلاة ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في(2/267)
"صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني أبو الحسن- قال أبو
داود: أبو الحسن: هو مهاجر- قال: سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذر
يقول ...
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (1/438) من طريق المؤلف. وأخرجه البخاري
(6/256) عن شيخ المصنف ... بهذا السند.
وأخرجه الطيالسي (رقم 445) : حدثنا شعبة ... به. وقال: ثلاثاً ... بدون
شك.
وأخرجه البخاري أيضا (2/14 و 16 و 88) ، ومسلم (2/108) ، وأبو عوانة
(1/347) ، والطحاوي (1/110) ، والبيهقي أيضا، وأحمد (5/155 و 162
و176) من طرق عن شعبة ... به.
وأخرجه الترمذي (1/297- 298) من طريق الطيالسي، ثم قال:
" هذا حديث حسن صحيح ".
431- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا اشتد الحَر؛ فأبردوا عن الصلاة (وفي رواية: بالصلاة) ؛ فإن شدة
الحَرِّ من فَيْحِ جهنم ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في
"صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .(2/268)
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن مَوْهَبِ الهَمْداني وقتيبة بن سعيد الثقفي أن
الليث حدثهم عن ابن شهاب عن سعيد بنَ المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة.
قال ابن موهب:
" بالصلاة ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (1/437) من طريق المصنف. وأخرجه مسلم
(07/12) ، والنسائي (1/87) ، والترمذي (1/295) عن قتيبة ... به.
ثم أخرجه مسلم، والدارمي (1/274) ، وابن ماجه (1/233) من طرق أخرى
عن الليث ... به.
وقد تابعه عن الزهري: يونس وعمرو: عند مسلم.
ومعمر وابن جريج: عند أحمد (2/266 و 285) .
وأسامة بن زيد الليثي: عند الطحاوي (1/110) .
وزَمْعَةَ: عند الطيالسي (رقم 2302 و 2352) .
وتابعهم. سفيان- وهو ابن عيينة- عن الزهري عن سعيد وحده.
أخرجه أحمد (2/238) ، والبخاري (2/14) ، وأبو عوانة (1/346- 347) .
وله في "المسند" (2/501) ، والطحاوي طرق أخرى عن أبي سلمة.
وفي مسلم وأبي عوانة والطحاوي والبيهقي وأحمد (2/229 و 256 و 318
و348 و 377 و 393 و 394 و 411 و 462 و 507 و 3/53) ومالك (1/38) طرق
أخرى كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه.(2/269)
وله شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، يطول الكلام
بتخريجها وذكر أسانيدها وطرقها؛ فنكتفي بالإشارة إلى مواطنها؛ تسهيلا لمن أراد
مراجعتها، فانظر "الصحيحبن " و "صحيح أبي عوانة" و "سنن النسائي " و "ابن
ماجه " والطحاوي والبيهقي وأحمد (3/9 و 52 و 53 و 59) و (4/250، 262)
و (5/368) .
432- عن جابر بن سَمًرَةَ: أن بلالاً كان يؤذن الظهر؛ إذا دَحَضَتِ
الشمس.
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقد أخرجه مسلم في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن سِمَاك بن حرب عن جابر
ابن سمرة.
قلت: هذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي سِمَاك بن حرب كلامٌ لا
يضر، وهو صحيح الحديث في رواية سفيان وشعبة عنه، وهذا الحديث مما رواه
شعبة عنه كما، سنذكر.
والحديث أخرجه أحمد (5/106) : ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا
حماد ... به.
ولابن مهدي فيه إسناد آخر عن سماك؛ فقال أحمد: ثنا عبد الرحمن بن
مهدي: ثنا شعبة عن سماك ... به.
وأخرجه مسلم (1/109) - عن عبد الرحمن-، وهو، وابن ماجه (1/231) ،
والبيهقي (1/436) - عن يحيى بن سعيد- كلاهما عن شعبة ... به.(2/270)
4- باب وقت العصر
433- عن أنس بن مالك:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي العصرَ؛ والشمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ حَيةٌ،
ويذهبُ الذاهبُ إلى العَوَالي والشمس مرتفعةٌ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في
" صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك
أنه أخبره.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (1/440) من طريق المؤلف.
وأخرجه مسلم (2/109) ، والنسائي (1/88) عن قتيبة ... به.
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (1/352) ، وابن ماجه (1/232) ، والطحاوي
(1/112) ، والبيهقي أيضا، وأحمد (3/223) من طرق أخرى عن الليث ... به.
وقد تابعه مالك عن ابن شهاب:
أخرجه في "موطئِه " (1/26) .
ومن طريقه: أخرجه البخاري (2/23) ، ومسلم أيضا، وأبو عوانة (1/351) ،
والطحاوي.
ثم أخرجه البخاري (2/22- 23) ، ومسلم، وأبو عوانة، والطحاوي،(2/271)
والبيهقي، والدارمي أيضا (1/274) ، والطيالسي (رقم 2093) ، وأحمد (3/161
و" 21 و 217) من طرق أخرى عن الزهري.
وله طرق أخرى عن أنس: في "الصحيحين " و "أبي عوانة " والنسائي
والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم 2132 و 2138) ، وأحمد (3/131 و 169
و184 و 209 و 228 و 232 و 236- 237) .
434- عن الزهري قال: والعوالي على مِيلين أو ثلاثة. قال: وأحسبه
قال: أو أربعة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين) .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق: نا معمر عن الزهري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ والحسن بن علي: هو أبو علي
الخَلآل الحلواني.
وهذا الأثر؛ أخرجه أحمد (3/161) : ثنا عبد الرزاق ... به؛ إلا أنه قال:
وثلاثة. أحسبه قال:- وأربعة بالواو العاطفة-؛ أخرجه عقب حديثه عن أنس
متصلاً به.
وهكذا أخرجه البيهقي (1/440) عن عبد الرزاق.
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/112) من طريق ابن المبارك قال: أنا معمر ...
به
وأخرجه البخاري (2/22- 23) ، والبيهقي (1/" 44) من طريق شعيب عن
الزهري ... به، إلا أنه أدرجه في الحديث، ولم يصرِّح بأنه من قول الزهري،
ولفظه:(2/272)
وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه.
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق يونس عن الزهري. ثم قال البيهقي:
" وهذا من قول الزهري؛ ذكره معمر عنه من قوله ".
وجزم الحافط بأنه مدرج من كلام الزهري، قال:
" ولم يقف الكرماني على هذا، فقال: هو إما كلام البخاري أو أنس أو
الزهري، كما هي عادته "!
435- عن خيثمة قال:
حَيَاتُهَا أن تَجِدَ حَرَّها.
(قلت: إسناده صحيح كما قال الحافظ، وهو على شرط البخاري.
وخيثمة: هو ابن عبد الرحمن) .
إسناده: حدثنا يوسف بن موسى: نا جرير عن منصور عن خيثمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وخيثمة: هو ابن عبد الرحمن
ابن أبي سَبْرة، وهو من التابعين. وقال الحافظ في "الفتح " (2/21) :
" إسناده صحيح ".
436- عن عائشة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلِّي العصرَ والشمسُ في حُجْرَتها قبل أن
تظهر.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري في "صحيحه"(2/273)
بإسناد المصنف، وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما". وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ")
إسناده: حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب: قال
عروة: ولقد حدثتني عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البخاري (2/2- 5) عن عبد الله بن مسلمة- وهو القعنبي-.
وأخرجه عنه البيهقي أيضا (1/441) . وهو في "الموطأ" (1/13- 19) . ومن
طريقه: أخرجه مسلم (2/103) أيضا، وأبو عوانة (1/340- 341) ، والدارمي
(1/268) ، والبيهقي (1/363) أيضا، والطحاوي (1/113) .
ثم أخرجه البخاري (2/20) ، ومسلم (2/194) ، وأبو عوانة (1/350-
351) ، والنسائي (1/88) ، والترمذي (1/298) ، وابن ماجه (1/232) ،
والطحاوي، وأحمد (6/37 و 85 و 199) من طرق أخرى عن ابن شهاب ... به.
وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وقد تابعه هشام بن عروة عن أبيه:
أخرجه الشيخان وأبو عوانة والطحاوي وأحمد (6/204 و 278- 279) من
طرق عنه؛ وزاد أحمد في رواية:
وكان الجدار بَسْطَةً؛ وأشار عامر بيده.
لكنْ عامر هذا- وهو ابن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير- ضعيف لا
يحتج به، وقد تفرد بهذه الزيادة، فهي منكرة.(2/274)
437- عن علي رضي الله تعالى عنه:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوم الخندق:
" حَبَسُونا عن صلاةِ الوسطى: صلاة العصر؛ ملأ اللهُ بيوتَهم وقورَهم
ناراً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكريا بن أبي زاثدة ويزيد
ابن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عَبِيدَةَ عن علي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أحمد (1/144/رقم 1220) : " حدثنا يزيد به ".
وهكذا أخرجه الدارمي (1/280) عن يزيد ... به.
وأخرجه البخاري (6/80 و 7/325 و 8/157 و 11/162) ، ومسلم (2/111) ،
وأحمد (رقم 994) من طرق أخرى عن هشام.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (1/83) ، والترمذي (2/163- طبع بولاق) ، وأبو
عوانة أيضا (1/355) ، وأحمد أيضا (رقم 591 و 1134 و 1150 و 1151 و 1307
و1313 و 1326) من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج عن عبيدة ... به. وقال
الترمذي:
" حديث حسن صحيح. وقد روي من غير وجه عن علي ".
قلت: ومن تلك الوجوه: ما أخرجه ابن ماجه (1/232- 233) ، والطيالسي(2/275)
(رقم 164) ، وأحمد (رقم 1287) من طرف عن عاصم ابن بهدلة عن زر بن
حُبَيْش عن علي.
وأخرجه الطحاوي (1/103) من طريق أخرى عن عاصم ... به.
لكن أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (رقم 990) ، وابن أبي حاتم
وابن جرير- كما في "تفسير ابن كثير" (1/291) - من طريق سفيان عن
عاصم عن زِرَ بْنِ حبَيْش عن عَبِيدَةَ السَّلْمَاني عن علي ... به. ولفظ ابن أبي
حاتم:
عن زر قال:
قلت لعبيدة: سل عليّاً عن الصلاة الوسطى، فسالمه؟ فقال: كنا نراها الفجر أو
الصبح؛ حتى سمعتُ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ... فذكر الحديث.
وأخرجه ابن حزم أيضا (4/252) .
فلعلَّ سؤال عبيدة كان بحضرة زز؛ فسمعه من علي! فعلى ذلك فالروايتان
ثابتتان. والله أعلم.
وللحديث طرق أخرى عن علي رضي الله عنه، تُراجع في "مسلم " و"أبي
عوانة " والطحاوي والبيهقي وأحمد (رقم 617 و 911 و 1036 و 1132 و 1245
و1298 و 1305) .
كما أن للحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة؛ أخرح كثيراً منها
الطحاويُّ، ثم قال:
" فهذه آثار تواترت، وجاءت مجيئاً صحيحاً عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن الصلاة
الوسطى هي العصر ".(2/276)
438- عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال:
أمرتني عائشة أن أكتب لها مُصْحَفاً، وقالت: إذا بَلَغْتَ هذه الآيةَ
فآذِنِّي: (حَافِظوا عَلى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطى) . فلما بلغْتُهَا آذَنْتُهَا،
فأمْلَتْ عليَّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر
وقُوموا لله قانتين) ، ثم قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(قلت: إسناده صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة
في "صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حَكِيمٍ
عن أبي يونس مولى عائشة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم.
والحديث في "الموطأ" (1/157- 158) .
ومن طريقه: أخرجه مسلم (2/112) ، وأبو عوانة (1/353) ، والنسائي
(1/82- 83) ، والترمذي (2/163- طبع بولاق) ، والطحاوي (1/102) ،
والبيهقي (1/462) ، وأحمد (6/178) ، كلهم من طرق عن مالك ... به. وقال
الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وقد تابعه سعيد- وهو ابن أبي هلال- عن زيد بن أسلم؛ إلا أنه قال: عن زيد
ابن أسلم أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة.
أخرجه ابن جرير في "تفسيره " (2/349) .(2/277)
ولزيد فيه إسناد آخر: أخرجه مالك أيضا (1/158) عنه عن عمرو بن رافع أنه
قال:
كنت أكتب مصحفاً لحفصة أم المؤمنين، فقالت: إذا بلغتَ هذه الأية ...
الحديث بلى قوله: (وقوموا لله قانتين) .
وأخرجه الطحاوي (1/102) عن مالك عنه ... بإسناديه.
وأخرجه ابن جرير (2/349) من طريق ابن أبي هلال عن زيد ... به، وزاد
في أخره:
أشهد أني سمعتها من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم أخرجه ابن جرير (2/348 و 349) ، والطحاوي (1/102) ، من طرق
أخرى عن عمرو بن رافع ... به.
وفي رواية لابن جرير (2/344 و 349) من طريق عبيد الله عن نافع:
أن حفصة أمرت مولى لها ... الحديث مثل رواية أسامة؛ وزاد: قال نافع:
فقرأت ذلك المصحف، فوجدت فيه الواو؛ يعني: في قوله: وصلاة العصر.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد وردت هذه القصة عن أم سلمة أيضا من طريق عبد الله بن أبي رافع مولى
أم سلمة قال:
أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت: إذا انتهيت إلى أية الصلاة
فأعلمني. فأعلمتهَا، فآمْلَتْ عليّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى؛ هي
العصر)(2/278)
أخرجه ابن جرير (2/343) : حدثنا أبو كرَيب قال: ثنا وكيع عن داود بن
قيس قال: ثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد ذكره ابن حزم في "المحلى" (4/254) من طريق عبد الرزاق عن داود بن
قيس ... به.
ثم إن للحديث طرقاً أخرى عن عائشة رضي الله عنها:
فأخرج الطحاوي وابن جرير (2/343) من طريق ابن جريج: أخبرني
عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حُمَيْدٍ بنت عبد الرحمن:
سألت عائشة عن قول الله عز وجل: (والصلاة الوسطى) ؟ فقالت: كنا
نقرأها على الحرف الأول على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) . وفي رواية لابن جرير:
صلاة العصر ... بدون الواو.
وعبد الملك هذا؛ قال ابن حبان في "الثقات ":
" عبد الملك بن عبد الرحمن بن خالد بن أسيد القرشي، من أهل مكة.
يروي عن أمه عن عائشة رضي الله عنفا. روى عنه ابن جريج ". كذا في
"اللسان ".
وأما أمه أم حميد بنت عبد الرحمن؛ فقال في "التهذيب ":
" ويقال: أم حميدة بنت عبد الرحمن. عن عائشة. روى ابن جريج عن أبيه
عنها ". وقال في "التقريب ":(2/279)
" لا يعرف حالها ".
قلت: وقد استفدنا من هذه الرواية أنه روى عنها غير والد ابن جريج، وهو
ابنها عبد الملك هذا، وهي فائدة نادرة.
ثم أخرج ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال:
كان في مصحف عائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى؛ وهي
صلاة العصر) .
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وهذه الروايه- ورواية أم سلمة- تبين أن الواو في حديث الباب: (وصلاة
العصر) : أنها للتفسير والبيان، وليست للعطف المفيد للمغايرة.
ثم إن هذه العبارة: (وصلاة العصر) من منسوخ التلاوة؛ فقد روى مسلم
(2/112) وغيره عن البراء بن عازب قال:
نزلت هذه الآية (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) ، فقرأناها ما شاء الله،
ثم نسخها الله، فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) .
439- عن زيد بن ثابت قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاةً
أشدَّ على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منها، فنزلت (حافظوا على الصلوات
والصلاة الوسطى) ، وقال: إن قبلها صلاتين، وبعد ها صلاتين.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال ابن حزم) .
إسناده: حدثنا محمد بن الثنى: حدثني محمد بن جعفر: نا شعبة:(2/280)
حدثني عمرو بن أبي حَكِيم قال: سمعت الزِّبْرِقان يحدث عن عروة بن الزبير عن
زيد بن ثابت.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عمرو بن
أبي حكيم، وشيخه الزبرقان- وهو ابن عمرو بن أمية الضمْرِي-، وهما ثقتان.
والحديث أخرجه أحمد (5/183) : ثنا محمد بن جعفر ... به.
وأخرجه ابن جرير (2/348) : حدثنا محمد بن المثنى: ثنا محمد بن
جعفر ... به.
وأخرجه الطحاوي (1/99) ، والبيهقي (1/458) من طريق عمرو بن مرزوق
قال: ثنا شعبه ... به.
وأخرجه الطحاوي من طريق خالد بن عبد الرحمن قال: ثنا ابن أبي ذئب عن
الزبرقان قال:
إن رهطاً من قريش اجتمعوا، فمرّ بهم زيد بن ثابت، فأرسلوا إليه غلامين لهم
يسألانه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي الظهر ... إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي
الظهر بالهجير، فلا يكون وراعه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وتجارتهم،
فأنزل الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليَنْتَهين رجال؛ أو لأخَرِّقَن بيوتهم ".
وإسناده حسن؛ لكن اختلف فيه على ابن أبي ذئب:
فأخرجه ابن جرير (2/348) من طريق يزيد بن هارون: قال أخبرنا ابن أبي
ذئب ... به؛ إلا أنه جعل المرفوع منه من مسند أسامة بن زيد.
وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب؛ إلا أنه قال: عن الزبرقان(2/281)
عن زَهْرَةَ قال:
كنا جلوساً عند زيد بن ثابت ... الحديث.
فأدخل- بين الزبرقان وزيد-: زهرة هذا، وجعله من مسند أسامة أيضا.
أخرجه البيهقي، ثم قال:
" ورواه غيره عن ابن أبي ذئب عن الزبرقان عن زيد بن ثابت وأسامة نحوه ".
440- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من أدرك من العصر ركعة فبل أن تَغْرُبَ الشمس؛ فقد أدرك، ومن
أدرك من الفجر ركعة قبل أن تَطْلُعَ الشمس؛ فقد أدرك ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم في "صحيحه "
بإسناد المصنف، وأخرجه البخاري وأبو عوانة في "صحيحيهما". وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا الحسن بن الربيع: حدثني ابن المبارك عن معمر عن ابن
طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وابن طاوس:
اسمه عبد الله.
والحسن بن الربيع: هو أبو علي الكوفي البُورَانِيّ.
والحديث أخرجه مسلم (2/103) عن الحسن بن الربيع ... به.
وأخرجه البيهقي (1/368) من طريق محمد بن أحمد بن النضر: ثنا الحسن(2/282)
ابن الربيع ... به.
ثم أخرجه من طريق أخرى عن عبد الله بن مبارك ... به.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (1/90) - من طريق معتمر- وأحمد (2/282) -
من طريق رباح كلاهما عن معمر.
وللحديث طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فقد أخرجه مالك في "الموطأ" (1/22- 23) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن
يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة ... به.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (2/44) ، ومسلم، وأبو عوانة (1/358) ،
والنسائي والترمذي (1/353) ، والدارمي (1/277) ، والطحاوي (1/90) ،
والبيهقي (1/367) ، وأحمد (2/462) كلهم عن مالك ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وقد تابعه عن زيد بن أسلم: عبدُ العزيز بن محمد الدراوردي: عند ابن ماجه
(1/237) .
وحفص بن ميسرة: عند أبي عوانة، وقرن مع زيد: موسى بنَ عقبة، وذكر
مكان عطاء بن يسار: " أبا صالح ".
وكذلك رواه زهير بن محمد عن زيد بن أسلم:
أخرجه الطيالسي.
وقد أخرجه الطحاوي، وأحمد (2/459) ، وكذا الطيالسي (رقم 2431) (1) من
__________
(1) ولفظه: " من صلى من العصر ركعتين ... ،.(2/283)
طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه.
ثم أخرجه أحمد (2/399 و 474) من طريق أخرى عن عبد الرحمن- وهو
الأعرج- عن أبي هريرة.
وأخرجه الدارقطني (ص 196) .
وأخرجه البخاري (2/30 و 45) ، ومسلم والنسائي والدارمي وابن ماجه
والطحاوي، وأحمد (2/254 و 260 و 348) من طرق عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن عن أبي هريرة.
وانظر " الصحيحة " (66) .
441- عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال:
دخلْنا على أنس بن مالك بعد الظّهر، فقام يصلي العصر، فلما، فرغ
من صلاته؛ ذَكَرْنَا تعجيل الصلاة- أو ذَكَرَها-، فقال: سمعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" تلك صلاةُ المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين.
يجلس أحدُهم حتى إذا اصفرّت الشمس، فكانت بين قرني شيطان- أو
على قرني الشيطان-؛ قام فَنَقَرَ أربعاً، لا يذكز اللهَ عز وجل فيها إلا قليلاً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.(2/284)
والحديث في "الموطأ" (1/221) ... بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (1/444) من طريق المؤلف.
وأخرجه أبو عوانة (1/356) ، والطحاوي (11/13) ، وأحمد (3/185) ، من
طرق عن مالك ... به.
وأخرجه مسلم (2/110) ، والنسائي (1/89) ، والترمذي (1/301) ،
والبيهقي أيضا من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن ... به.
وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وانظر " الصحيحة " (1745) .
442- عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا ابن حبان
(1450) ، وأبو عوانة وابن خزيمة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث
حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
قال أبو داود:
" قال عبيد الله بن عمر: " أُتر ". واختلف على أيوب فيه. وقال الزهري عن
سالم عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " وتر " ... ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/285)
والحديث في "الموطأ" (1/29) ... بهذا الإسناد.
ومن طريقه أخرجه البخاري (2/24) ، ومسلم (2/111) ، وأبو عوانة (1/354
- 355) ، والبيهقي (1/445) ، وأحمد (2/64) ، كلهم عن مالك ... به.
وأخرجه الدارمي (1/280) ، وأحمد (2/54 و 102) من طريق عبيد الله بن
عمر عن نافع بلفظ: " وتر ".
وكذلك أخرجه أحمد أيضا (2/48 و 124) - عن أيوب-، و (2/75) - عن
يحيى، وهو ابن أبي كثير- و (12/48) - عن ابن جريج- و (2/13 و 27 و 76)
- عن حجاج وهو ابن أرطاة- كلهم عن نافع ... به.
وأخرجه الترمذي (1/330- 331) عن الليث بن سعد عن نافع ... به وقال:
" حديث حسن صحيح ". وزاد ابن جريج:
قلت لنافع: حتى تغيب الشمس؟ قال: نعم.
وسنده صحيح على شرطهما. وزاد حجاج- بعد قوله: " صلاة العصر "-:
متعمداً حتى تغرب الشمس ". لكن حجاج مدلس، وقد عنعنه.
وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه: فقد وصله مسلم، والنسائي
(1/89) ، والدارمي، وابن ماجه (1/233) ، والبيهقيي (1/444- 445) ،
والطيالسي (رقم 1803 و 1808) ، وأحمد (2/8 و 134 و 145) من طرق عنه.
(تنبيه) : روى المصنف عقب هذا الحديث من طريق الوليد قال: قال أبو عمرو
- يعني: الأوزاعي-:
وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء!(2/286)
قلت: يعني: وقت فوات العصر. وهذا مع عدم ثبوته عن الأوزاعي- لأن
الوليد مدلسى، ولم يصرح بسماعه-؛ فإنه مخالف لما رواه ابن جريج عن نافع، كما
سبق، حيث قال:
حتى تغيب الشمس.
وهذا أولى من تفسير الأوزاعي؛ لأن نافعاً من رواة الحديث عن ابن عمر
وتفسيره أولى؛ لا سيما وقد روي معناه مرفوعاً كما سبق.
5- باب وقتِ المغرب
443- عن أنس بن مالك قال:
كنا نصلِّي المغرب مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم نرمي؛ فيرى أحدُنَا مَوْضعَ نَبْلِهِ.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا داود بن شبيب: ثنا حماد عن ثابت البناني عن أنس.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير حماد بن
سلمة؛ فمن رجال مسلم وحده.
والحديث أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (338) - عن يحيى بن إسحاق-،
وأبو يعلى (3308) عن إبراهيم بن الحجاج-، والبيهقي (1/447) - من طريق
موسى بن إسماعيل-: ثنا حماد ... به. وقال:
" غريب بهذا الإسناد ".
وقد أخرجه أحمد (3/114 و 189 و 199 و 205) من طرق عن حميد عن
أنس ... به نحوه.(2/287)
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وللحديث شواهد في " الصحيحين " وغيرهما (1)
(1513) ، وغيره:
من حديث رافع بن خَدِيج
كجابر: عند ابن حبان (271) ، أخرجه من طريق غسان بن الربيع: حدثنا
حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر ... نحوه.
وغسان هذا؛ ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/2) . لكن قال الذهبي:
" ليس بحجة في الحديث ".
قلت: والظاهر أنه كان سيئ الحفظ؛ فقد خرجت له حديثاً في "الضعيفة"
(6058) ؛ لزيادة زادها فيه على الثقات، فراجع.
وهذا مثال آخر لسوء حفظه؛ فإنه خالف الثقات عن حماد؛ فقال: عن أبي
الزبير عن جابر! وهو عندهم عن حماد عن ثابت عن أنس.
وللحديث أصل عن جابر بإسناد آخر عنه.
أخرجه ابن خزيمة وغيره، فانظر " صحيح ابن خزيمة" (337) ؛ فإنه عنده من
طريق القعقاع بن حكيم عن جابر.
ثم رأيته في "مسند البزار" (190/1/374- كشف) وغيره من طريق عبد الله
ابن محمد بن عَقِيل عن جابر. وقال:
" لا نعلم له عن جابرطريقاً غير هذا "!
كذا قال! وطريق القعقاع يردُّه. وابن عقيل حسن الحديث.
__________
(1) وهو في " صحيح ابن حبان" (1515- إحسان المؤسسة) .(2/288)
444- عن سَلَمَةَ بن الأكوع قال:
كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلِّي المغرب ساعةَ تغربُ الشمس؛ إذا غاب حاجِبُهَا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري وأبو
عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا عمرو بن علي عن صفوان بن عيسى عن يزيد بن أبي عُبَيْد
عن سلمة بن الأكوع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (4/51) : ثنا صفوان ... به. وأخرجه الدارمي
(1/275) ، وأبو عوانة (1/360) من طريق صفوان.
وإسناد أحمد ثلاثي.
وكذلك أخرجه البخاري (2/33- 34) فقال: ثنا المَكيّ بن إبراهيم قال: ثنا
يزيد بن أبي عبيد ... به.
وبهذا الإسناد: أخرجه أحمد أيضا (4/54) .
وأخرجه أبو عوانة، والبيهقي (1/446) من طرق عن المكي.
وأخرجه مسلم (2/115) ، والترمذي (1/304) ، والبيهقي- عن حاتم بن
إسماعيل-، وابن ماجه (1/233) - عن المغيرة بن عبد الرحمن- كلاهما عن يزيد
ابن أبي عبيد ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ورواه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/ 35/6289) من طريق أخرى عن(2/289)
يزيد ... به.
وعبد بن حميد في "مسنده " (ق 58/2) .
445- عن مَرْثَدِ بن عبد الله قال:
قَدِمَ علينا أبو أيوب غازياً؛ وعقبةُ بنُ عامر يومئذ على مصر، فأخرَ
المغرب، فقام إليه أبو أيوب فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة؟! فقال: شُغِلْنَا،
قال: أما سمعتَ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لا تزالُ أمتي بخير- أو قال: على الفطرة- ما لم يؤخِّروا المغرب إلى
أن تَشْتَبِكَ النجُوم "؟!
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم، يوافقه الذهبي، وقال
النووي: " إسناده حسن ") .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر: نا يزيد بن زُرَيْع: نا محمد بن إسحاق:
حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثَدِ بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن
إسحاق، وهو ثقة مدلس، وقد صرَّحَ بالتحديث، فأمنا شيهة تدليسه.
وعبيد الله بن عمر: هو ابن مَيْسَرَةَ القواريري أبو سعيد البصري. وقال النووي
في "المجموع " (3/35) :
" رواه أبو داود بإسناد حسن، وهو حديث حسن ".
والحديث أخرجه الحاكم (1/190) ، ومن طريقه البيهقي (1/370) من طريق
الحارث بن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون ... به.(2/290)
وأخرجه أحمد (5/417) من طريق إسماعيل- وهو ابن عُلَيةَ- ومحمد بن
أبي عدي عن محمد بن إسحاق ... به؛ وصرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية
ابن أبي عدي عنه.
وكذلك في رواية إسماعيل عنه: في رواية الحاكم من طريق أحمد عنه، وفي
رواية البيهقي عن الحاكم، وقال الحاكم:
" حديث صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر، كما نبهنا عليه مراراً.
ثم أخرجه أحمد (4/147) : ثنا يعقوب قال: ثنا أبي عن ابن إسحاق قال:
ثني يزيد بن أبي حبيب المصري ... به نحوه؛ وزاد في آخره: قال:
فقال: بلى. قال: فما حملك على ما صنعت؟! قال: شُغلْتُ! قال: فقال أبو
أيوب: أما- والله- ما بي إلا أن يظن الناس أنك رأيت رسول اللهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع هذا!
وللحديث طريق أخرى: رواه ابن أبي ذئب عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل
عن أبي أيوب مرفوعاً؛ بلفط:
" صَلُوا المغرب لفطر الصائم، وبادِرُوا طلوع النجوم ".
أخرجه أحمد (5/421) : ثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب.
وقد تابعه في إسناده، وخالفه في متنه: أبو داود الطيالسي؛ فقال في
"مسنده " (رقم 600) : ثنا ابن أبي ذئب ... به؛ بلفظ:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلَي المغرب فِطرَ الصائم؛ مبادرةَ طلوعِ النجْمِ.
والصواب اللفظ الأول؛ فقد رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن آسْلَمَ(2/291)
أبي عمران التُجِيبِي عن أبي أيوب ... مرفوعاً به؛ ولفظه:
" بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم ".
أخرجه أحمد (5/415) ، والدارقطني (ص 96) ، والطبراني في "معجمه
الكبير" من طرق عنه.
وهو إسناد حسن في التابعات والشواهد.
وللحديث شواهد: من حديث عباس بن عبد المطلب والسائب بن يزيد، وقد
تكلمت عليها في تعليقي على "المعجم الصغير" للطبراني، عند حديث العباس
هذا رقم (365) ؛ فالحديث- بطرقه وشواهده- صحيح.
6- باب وقت العشاء الآخرة
446- عن النعمان بن بشير قال:
أنا اعْلَمُ الناس بوقت هذه الصلاة- صلاة العشاء الأخرة-:
كانْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. يصلِّيها لِسُقُوط القمر لِثَالِثَة.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم، يوافقه الذهبي، وقال ابن
العربي: " حديث صحيح "، وقال النووي كما قلنا) .
إسناده: حدثنا مسدد: نا أبو عَوانة عن أبي بِشْر عن بشير بن ثابت عن
حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير بشير بن
ثابت، وهو ثقة؛ قال ابن معين:(2/292)
"ثقة".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وأبو بشر: اسمه جعفر بن إياس.
والحديث أخرجه البيهقي (1/448) من طريق أبي المثنى: ثنا مسدد ... به.
وأخرجه النسائي (1/92) ، والترمذي (1/306) ، والدارمي (1/275) ،
والحاكم (11/94) ، وعنه البيهقي (1/373) ، وأحمد (4/274) من طرف عن أبي
عوانة ... به.
وهو عند الدارمي: من طريق يحيى بن حماد: ثنا أبو عوانة؛ وقال في آخره:
قال يحيى: أملاه علينا من كتابه عن بشير بن ثابت.
وقد تابعه شعبة عن أبي بشر:
أخرجه أحمد (4/272) : ثنا يزيد: نا شعبة عن أبي بشر ... به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم أيضا.
وخالفهما هشيم ورَقَبَةُ؛ فروياه عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان
ابن يشير ... به؛ فأسقطا من الإسناد: يشير بن ثابت.
أخرجه عن الأول: الطيالسيُ (رقم 797) ، وأحمد (4/270) قالا: ثنا
هشيم ... به.
وأخرجه عن رقبة- وهو ابن مَصْقَلَة-: النسائيّ فقال: أخبرنا محمد بن قدامة
قال: حدثنا جرير عن رقبة ... به.
ورجح الترمذي الرواية الأولى؛ فقال:(2/293)
" وحديث أبي عوانة أصح عندنا؛ لأن يزيد بن هارون روى عن شعبة عن أبي
بشر نحو رواية أبي عوانة ".
وتبعه على ذلك ابن العربي في "شرحه على الترمذي "، فصرح بأن هشيما
أخطأ في روايته!
ولكن متابعة رقبة بن مصقلة له- وكلاهما ثقة- تبعد احتمال الخطأ! فالأقرب
أن الروايتين صحيحتان، وأن أبا بشر سمعه من حبيب كما سمعه من بشير بن
ثابت عن حبيب؛ فكان يرويه مرة هكذا، ومرة هكذا كما نراه في كثير من
الأسانيد برواية الثقات الأثبات؛ والإسناد صحيح في الحالتين. وفد قال ابن العربي:
" إن الحديث صحيح ".
وقد أعله ابن حزم في "المحلى" (3/181) ! فأخطأ. وقال النووي (3/56) :
" إسناده صحيح ".
447- عن عبد الله بن عمرقال:
مَكَثْنَا ذاتَ ليلة ننتظر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء، فخرج إلينا حين
ذهب ثُلُثُ الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شَغَلَهُ أم غير ذلك؟! فقال حين
خرج:
" أتنتظرون هذه الصلاة؟ لولا أن تَثْقلَ على امتي؛ لصليْتُ بهم هذه
الساعةَ "، ثم أمر المؤذِّن فأقام الصلاة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة
في "صحيحيهما"، وأخرجه البخاري بنحوه) .(2/294)
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير عن منصور عن الحكم عن نافع
عن عبد الله بن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مسلم (2/116) ، والنسائي (1/93) ، والبيهقي (1/450)
من طريق جرير ... به.
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/93) .
وأخرجه أبو عوانة (1/368) من طريق زائدة عن منصور.
وأخرجه البخاري (2/40) ، ومسلم أيضا، وأبو عوانة، وأحمد (2/88) ،
والسراج في "مسنده " (ق 96/2) من طريق ابن جريج: أخبرني نافع به نحوه.
وأخرجه أحمد (2/126) من طريق فليح عنه. وزاد: وإنما حبسنا لوفد جاءه.
وله في "المسند" (2/28) طريق أخرى عن ابن عمر قال: ثنا أسود: أنا أبو
إسرائيل عن فضيل عن مجاهد عن ابن عمر.
وأبو إسرائيل سيئ الحفظ، واسمه إسماعيل بن خليفة العبسي.
448- عن معاذ بن جبل:
أبقَيْنا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صلاة العَتَمَة، فتأخَّر حتى ظَن الظان أنه ليس
بخارج، والقائل منا يقول: صلَّى؛ فإنَّا لَكَذَلِكَ حتى خرج النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقالوا له كما قالوا. فقال:
" آعْتِمُوا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فُضِّلتم بها على سائر الأم، ولم
تُصَلها أُمةُ قبلكم ".(2/295)
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا عمرو بن عثمان الحِمْصي: نا أبي: نا حَويز عن راشد بن
سعد عن عاصم بن حميد السَّكُوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول ...
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وفي هذا الإسناد رد على البزار
حيث قال في ترجمة عاصم بن حميد هذا:
" روى عن معاذ، ولا أعلم سمع منه "!
فقد صرح بسماعه منه في هذا الحديث؛ بل هو من أصحابه، كما قال
الدارقطني، وقد جاء ذلك في بعض طرق الحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (1/451) ، وأحمد (5/237) من طرق أخرى عن
حريز ... بإسناده عن عاصم بن حميد السَّكوني- وكان من أصحاب معاذ-:
سمعت معاذاً ... به.
449- عن أبي سعيد الخدري قال،
صلَّينا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة العَتَمَة، فلم يَخْزج حتى مضى نحوٌ
مِنْ شَطْرِ الليل، فقال:
" خذوا مقاعِدَكم ". فأخذنا مقاعد نا. فقال:
" ان الناسَ قد صَلَوا وأخذوا مضاجعهم؛ وإنكم لم تزالوا في صلاة ما
انتظرتم الصلاة، ولولا ضَعْف الضعيفِ وسَقَم السَقيمِ؛ لأخرْت هذه الصلاةَ
إلى شَطْرِ الليلِ ".
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ، وابن خزيمة) .(2/296)
إسناده: حدثنا مسدد: نا بشر بن المُفَضَّل: نا داود بن أبي هند عن أبي نضرة
عن أبي سعيد الخدري.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "الصحيح "؛ وأبو نضرة: اسمه
المنذر بن مالك بن قُطَعَةَ.
والحديث أخرجه النسائي (1/93) ، وابن ماجه (1/234- 235) ، وابن خزيمة
(345) ، والبيهقي (1/451) ، وأحمد (3/5) من طرق عن داود بن أبي هند ...
به. وقال الحافظ في "التلخيص " (3/29) :
" وإسناده صحيح ".
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً: أخرجه الطبراني (3/149/2) .
ولجملة الانتظار شاهد من حديث أنس.
أخرجه النسائي بسند صحيح على شرط الشيخين. وهو عند البخاري
(572) .
ورواه مسلم (2/116) من طريق أخرى عن أنس.
وكذا أبو عوانة (1/362- 363) ، وأحمد (3/467) .
7- باب وقت الصبح
450- عن عائشة أنها قالت:
إنْ كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فينصرفُ النساءُ متلفعاتٍ
بمزوطهنَّ؛ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَس.(2/297)
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري بإسناد
المصنف، وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما". وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا للقعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت
عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (2/278) : حدثنا عبد الله بن مَسْلمة عن مالك.
وعبد الله هذا: هو القعنبي.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة أيضا، والبيهقي.
ثم أخرجه هو، ومسلم (2/119) ، وأبو عوانة (1/370) ، والنسائي (1/94) ،
والترمذي (1/287) ، والطحاوي (1/104) ، والبيهقي (1/، 45) ، وأحمد
(6/178- 179) كلهم من طرق عن مالك ... به.
وهو في " الموطأ" (1/21- 22) .
وله طريقان آخران عن عائشة:
أحدهما: من طريق الزهري عن عروة عنها.
أخرجه البخارى (2/43- 44) ، ومسلم، وأبو عوانة؟ والنسائي، والدارمي
أيضا (1/277) ، وابن ماجه (1/229) ، والطحاوي، والبيهقي، والطيالسي (رقم
1459) ، وأحمد (6/33 و 37 و248) من طرق عنه.
والطريق الأخر: من رواية فُلَيْحٍ عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن(2/298)
محمدعنها.
أخرجه الطحاوي، والبيهقي، وأحمد (6/258- 259) .
وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد عزاه البيهقي في "سننه " البخاري!
451- عن رافع بن خَديج قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أصْبِحُوا بالصُبْحِ؛ فإنّه أعظم لأجوركم- أو أعظم للأجر- ".
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "،
وقال الحازمي: " حديث حسن "، وقال ابن تيمية: " حديث صحيح ") .
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: نا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم
ابن عمر بن قتادة بن النعمان عن محمود بن لَبِيدٍ عن رافع بن خَدِيج.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي ابن عجلان كلام لا يضر؛
وقد توبع كما يأتي.
وإسحاق بن إسماعيل: هو الطَّالْقَاني: وهو ثقة.
وسفيان: هو ابن عيينة.
ومحمود بن لبيد: صحابي صغير.
والحديث أخرجه أحمد (4/140) : ثنا سفيان.... به.
وأخرجه الدارمي (1/277) ، وابن ماجه (1/230) ، والحازمي في "الاعتبار"
(ص 75) من طرق عن سفيان ... به. وقال الحازمي:(2/299)
" حديث حسن ".
وأخرجه النسائي (1/94) - عن يحيى-، والطحاوي (1/105) - عن سفيان
الثوري-، وأحمد (3/465) - عن محمد بن إسحاق-، و (4/142) - عن أبي
خالد الأحمر - كلهم عن ابن عجلان ... به؛ بلفظ:
" أسفروا ... "؛ إلا ابن إسحاق فرواه؛ بلفظ سفيان.
وقد دلَّسه مَزَةًا بنُ إسحاق؛ فقال الطيالسي (رقم 959) : حدثنا شعبة عن
محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ... به.
وهكذا أخرجه الدارمي عن شعبة.
والترمذي (1/289) ، والطحاوي (06/11) من طرق أخرى عن ابن
إسحاق ... به.
وقد بيَّنَتْ روايةُ أحمد السابقة عنه: أن بينه وبين عاصم بن عمر: محمدَ بنَ
عجلان، وقد صزح فيها بسماعه منه. ثم قال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ". وقال ابن القطان:
" طريقه طريق صحيِح، وعاصم بن عمر؛ وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة
وغيرهم، ولا أعرف أحدا ضعفه، ولا ذكره في جملة الضعفاء " انتهى.
ورواه ابن حبان في "صحيحه"؛ كما في " نصب الراية" (1/235) ،
و"التلخيص " (3/56) .
وقد تابعه زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر:
أخرجه النسائي (1/91) : أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا ابن أبي(2/300)
مريم قال: أخبرنا أبو غسان قال: حدثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر بن قتادة
عن محمود بن لبيد عن رجال من قومه من الأنصارأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" ما أسفرتم بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر ". قال الزيلعي (1/238) : " سنده
صحيح ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير إبراهيم بن يعقوب- وهو
الجُوزَجَاني-، وهو ثقة حافظ.
وأبو غسان: هو محمد بن مُطَرِّف المدتي؛ وقد أقام إسناده عن زيد بن أسلم؛
فقد اضطربوا عليه فيه، كما بينته في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب ":
عند المسألة، الرابعة من أحكام صلاة الفجر.
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، لا تخلو أسانيدها من مقال،
وقد خرَّجها الزيلعي في "نصب الراية"، فراجعها فيه (1/235- 239) . وقد قال
ابن تيمية في "الفتاوى" (1/67) :
" إنه حديث صحيح ".
8- باب المحافظة على الصلوات
452- عن عبد الله بن الصُّنَابِحِي قال:
زَعَمَ أبو محمد أن الوتر واجب! فقال عبادةُ بن الصامت: كَذَبَ أبو
محمد؛ أشهد أني سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" خمسُ صلواتٍ افترضهن الله عز وجل؛ مَنْ أحسن وُضُوءهن،
وصلاهنّ لوقتِهن، وأتجَّ ركوعَهُن وخُشوعهن؛ كان له على الله عهد أن يغفر(2/301)
له، ومَنْ لم يفعل؛ فليس له على الله عهد: إن شاء غَفَرَ له، وإن شاء عذبه ".
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النويي، وصححه ابن عبد البر.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه ") .
إسناده: حدتنا محمد بن حرب الواسطي: نا يزيد- يعني: ابن هارون-: أنا
محمد بن مُطَرِّف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن عبد الله بن الصنابحي (*) .
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن
الصنابحي؛ مختلف في صحيته، ولم يتبين لنا حقيقة أمره! ولكن الحديث
صحيح؛ لأن له طرقاً أخرى عن عبادة، وشواهد.
والحديث أخرجه أحمد (5/317) : ثنا حسين بن محمد: ثنا محمد بن
مطرف ... به.
وللحديث طريق ثان: أخرجه الطيالسي (رقم 573) : حدثنا زَمْعَة عن الزهري
عن أبي إدريس الخولاني قال:
كنت في مجلس من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا
الوتر، فقال بعضهم: واجب. وقال بعضهم: سنة. فقال عبادة بن الصامت:
أمّا أنا؛ فأشهد أني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ... فذكره نحوه.
وزمعة ضعيف من قبل حفظه.
وله طريق ثالث، سيأتي في الكتاب (رقم 1276) .
وبالجملة؛ فالحديث- بهذه الطرق- صحيح، وقد صححه ابن عبد البر في
__________
(*) كذا في أصل الشيخ والنسخ التي بين أيدينا لـ "سنن أبي داود". وفي "التهذيب "
و"تقريب التهذيب ": أبو عبد الله الصنابحي (عبد الرحمن بن عسيلة) . (الناشر) .(2/302)
"التمهيد" (4/239) .
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه "، كما يأتي هناك. وقال النووي في
"المجموع " (4/20) :
" حديث صحيح ".
وانظر "السنة" (967) لابن أبي عاصم.
453- عن أم فَرْوَةَ (زاد في رواية: قد بايعت النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قالت:
سُئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ الأعمال أفضل؟ قال:
" الصلاة في أول وقتها ".
(قلت: حديث صحيح. أخرجه الحاكم وكذا ابن خزيمة في "صحيحهما"
من حديث عبد الله بن مسعود. وقال الحاكم: " وهو صحيح على شرط
الشيخين "، ووافقه الذهبي. وهو في "الصحيحين " بمعناه) .
إسناده: حدثنا محمد بن عبد الله الخُزَاعي وعبد الله بن مَسْلَمَةَ قالا: ثنا
عبد الله بن عمر عن القاسم بن غَنَّام عن بعض أمهاته عن أم فروة. قال الخزاعي
في حديثه: عن عمة له- يقال لها: أم فروة- قد بايَعَتِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن النبيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل ...
قلت: هذا سند ضعيف؛ عبد الله بن عمر: هو العمري المُكبرِ-، وهو سيئ
الحفظ.
وشيخه القاسم بن غنام؛ ليس بالمشهور، روى عنه أيضا عبيد الله بن عمر
- المصغر- والضحاك بن عثمان الحِزَامي؛ ذكره ابن حبان في "الثقات ". وذكره
العقيلي في "الضعفاء "، وقال:(2/303)
" في حديثه اضطراب ". وفي "التقريب ":
" صدوق مضطرب الحديث ".
وبعض أمهاته مجهولة؛ لم تُسَمَ.
والحديث أخرجه أحمد (6/375) : ثنا الخزاعي: أنا عبد الله بن عمر العمري
عن القاسم بن غَنَّام عن جدته الدنْيَا عن أم فروة- وكانت قد بايعت رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وأخرجه الترمذي (1/319) - عن الفضل بن موسى-، والحاكم (1/189) ،
ومن طريقه البيهقي (1/434) - عن منصور بن سلمة الخزاعي-، والدارقطني (ص
92) - عن إسحاق بن سليمان ووكيع والليث بن سعد- كلهم عن عبد الله بن
عمر ... به؛ إلا أن الليث ومنصوراً قالا: عن جدته الدنيا أم أبيه عن جدته أم
فروة.
ولم يقل منصور: أم أبيه.
ولفظ وكيع مثل لفظ عبد الله بن مسلمة عند المصنف: عن بعض أمهاته.
ولفظ الفضل بن موسى: عن القاسم بن غنام عن عَمته أم فروة! فأسقط من
بينهما جدته. وكذلك رواه الوليد بن مسلم ومعتمر بن سليمان: عند الدارقطني.
والليث: عند أحمد؛ إلا أنهم قالوا: عن جدته أم فروة.
وهذا اضطراب شديد؛ مما يزيد في ضعف الإسناد! وقد قال الترمذي:
" لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري؛ وليس هو بالقوي عند
أهل الحديث، واضطربوا عنه في هذا الحديث ".(2/304)
قلت: ولكن هذا الاضطراب ليس من قبل العمري هذا؛ فقد تابعه عليه أخوه
عبيد الله- المصغر- عن القاسم بن غنام عن بعض أهله ... به.
وتابعه الضحاك بن عثمان عن القاسم بن غَنَّام البَيَاضي عن امرأة من
المبايعات.
أخرجهما الدارقطني.
فهذه المتابعات تبين أنَّ الاضطراب إنما هو من قبل القاسم هذا. وفي كلام
العقيلي السابق ما يشير إلى ذلك.
وبالجملة؛ فعلة هذا الإسناد: القاسم بن غَنَّام هذا واضطرابه فيه، وجهالة
الواسطة بينه وبين أم فروة رضي الله عنها.
ولكن الحديث صحيح؛ فإن له شواهد.
منها عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ العمل أفضل؟
قال.:
" الصلاة في أول وقتها ... " الحديث.
أخرجه الطبراني (3/1/50) ، والدارقطني (ص 91) ، والحاكم (1/188-
189) ، وعنه البيهقي (1/434) من طريقين عن أبي عمروٍ الشيباني عنه. وقال
الحاكم:
" صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وأخرجه ابن حبان (280) ، وابن خزيمة أيضا في "صحيحه "، كما في
"الفتح " (2/8) .(2/305)
وهو في "الصحيحين " وغيرهما بلفظ:
" ... على وقتها". والمعنى واحد عندنا. والله أعلم.
454- عن عبد الله بن فَضَالة عن أبيه قال:
علَمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان فيما عَلَّمني:
" وحَافِظْ على الصلواتِ الخَمْسِ ".
قال: قلتُ: إن هذه ساعاتٌ لي فيها أشغال، فمُرْني بأمر جَامع؛ إذا أنا
فعلته أجْزَآ عني؟ فقال:
" حافظ على العَصْرَين ". وما كانت لُغَتَنَا! فقلتُ: وما العصران؟!
فقال:
" صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها ".
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان والسيوطي) .
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أنا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب
ابن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛
غير عبد الله بن فضالة؛ ذكره ابن حبان في "الثقات "، وكان على قضاء البصرة،
وقيل: إن له صحبة. قال ابن عبد البر في "الاستيعاب ":
" واختلف في إتيانه النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، ثم قال:
" ما رواه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو عندهم مرسل؛ على أنه قد أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،(2/306)
وقد رآه ". قال:
" ولا يختلف في صحبة أبيه فضالة ". وقال ابن أبي حاتم:
" إسناده مضطرب، مشايخ مجاهيل "!
وتعقبه الحافظ في "الإصابة"؛ فقال:
" كذا قال! ولعبد الله رواية عن أبيه في "سنن أبي داود"، وصححها ابن
حبان من طريق داود بن أبي هند ... "؛ ويعني هذا الحديث.
والحديث أخرجه البيهقي (1/466) - من طريق يعقوب بن سفيان-، والحاكم
(3/628) - من طريق علي بن عبد العزيز- كلاهما عن عمرو بن عون ... به.
ثم أخرجه البيهقي من طريق علي بن عاصم: آبَنا داود بن أبي هند ... به.
وقد اختلف فيه على ابن أبي هند:
فرواه عنه خالد- وهو ابن عبد الله الطحان- وعلي بن عاصم هكذا.
ورواه هشيم فقال: أخبرنا داود بن أبي هند قال: حدثني أبو حرب بن أبي
الأسود عن فضالة الليثي قال:
أتيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وعلَّمني ... الحديث.
فأسقط من الإسناد: عبد الله بن فضالة، ووافقهما في أن الحديث من مسند
فضالة.
وخالفهم جميعاً: مسلمة بن علقمة فقال: عن داود عن أبي حرب عن
عبد الله بن فضالة:
أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...(2/307)
فجعله من مسند عبد الله، لا من مسند أبيه! قال أبو حاتم- كما في
" الإصابة "-:
" وقول من قال فيه: عن أبيه أصح ". وقال ابن عبد البر:
" وهو أصح إن شاء الله تعالى ".
وهذا هو الحق إن شاء الله؛ لاتفاق ثقتين عليه؛ مع أن مسلمة بن علقمة في
حفظه ضعف؛ لا سيما في روايته عن ابن أبي هند.
والحديث أخرجه ابن نصر في "قيام الليل " (ص 113) من طريق خالد ...
مختصراً.
455- عن أبي بكر بن عُمَارة بن رُؤيبَة عن أبيه قال:
سأله رجلٌ من أهل البصرة، فقال: أخْبِرْني ما سمعتَ من رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لا يَلِجُ النارَ رجلٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ أن تغرب ". قال:
أنت سمعته منه؟ ثلاث مرات! قال: نعم، كلّ ذلك يقول: سمعته
أدنَايَ وَوَعَاة قلبي! فقال الرجل: وأنا سمعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح ". وقد أخرجه
مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد: نا أبو بكر بن
عمارة بن رؤيبة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير أبي بكر(2/308)
ابن عمارة؛ وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات الأثبات، واحضج به
مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وهو من التراجم التي سقطت من كتاب
الحافظ "تهذيب التهذيب "! ثم استدركها في "التقريب"، فقال:
"مقبول "!
كذا قال وهو ثقة؛ لما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (4/261) : ثنا يحيى ... به.
ثم قال: ثنا وكيع: ثنا ابن أبي خالد. قال: وثنا للسعر. قال: وثنا الْبَخْتَرِيّ
ابن المختار عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة ... به.
وهكذا أخرجه مسلم (1/114) ، وأبو عوانة (1/376) ، والنسائي (1/82)
من طريق وكيع ... به.
وأخرجه البيهقي (1/466) من طريق أخرى عن باسماعيل بن أبي خالد ...
به
وهو، ومسلم، وأحمد (4/136) من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن عمارة
ابن رؤيبة ... به.
وله طريق أخرى: أخرجه أبو عوانة (1/376- 377 و 377) من وجهين عن
أبي الأحوص قال: ثنا أبو إسحاق قال: سمعت عمارة بن رؤيبة الثقفي يقول:
سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها؛ لن يَلِجَ النار ".
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.(2/309)
456- عن أبي قتادة بن ربعِي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" قال الله عز وجل: إني فرضت على أُمَّتِكَ خمسَ صلوات، وعهدتُ
عندي عَهْداً: أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن؛ أدخلته الجنة، ومن لم
يحافظ علبهن؛ فلا عهدَ لهُ عندي ".
(قلت: حديث حسن) .
إسناده: قال أبو سعيد بن الأعرابي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن يزيد
الرواس- يكنى: أبا أسامة- قال: أنبأنا أبو داود: نا حَيْوَةُ بن شُريح المصري: نا
بَقِية عن ضبَارة بن عبد الله بن أبي سُلَيْكِ الألهاني قال: أخبرني ابن نافع عن ابن
شهاب الزهري قال: قال سعيد بن المسيبَ أن أبا قتادة بن رِبْعِي أخبره.
قلت: هكذا جاء إسناد هذا الحديث والذي بعده مبتدَأً بأبي سعيد الأعرابي
في نسخة الكتاب التي اعتمدنا عليها! وقد ذكر في الشرح أنها ليست في رواية
أبي القاسم- يعني: ابن عساكر-.
قلت: وهذا الإسناد ضعيف؛ فإن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني؛
ذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال:
" يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه ".
وذكره ابن عدي في "الكامل "، وساق له ستة أحاديث مناكير. ولذلك؛ قال
الذهبي في "الميزان ":
" فيه لين ". وأما الحافظ؛ فذهب إلى أنه:
"مجهول ".(2/310)
وابن نافع: اسمه دُوَيْدُ، وهو ثقة عند الذهلِي والعجلي. وقال أبو حاتم:
" شيخ". وقال ابن حبان:
" مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة ".
وأما أبو سعيد بن الأعرابي؛ فهو الإمام الحافظ أبو سعيد أحمد بن محمد بن
زياد البصري، صاحب "التصانيف "، وكان ثقة ثبتاً، مات سنة أربعين وثلاث
مئة، كما في "تذكرة الحفاظ " (3/66) .
وأما شيخه محمد بن عبد الملك بن يزيد الرَّوَّاس؛ فلم أجد له ترجمة في
شيء من كتب الرجال التي عندي!
وبقية رجال الإسناد ثقات؛ إلا أن بقية مدلس، وقد عنعنه؛ بيد أنه قد صرح
بالتحديث في بعض الروايات عنه، كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن نصر في "قيام الليل " (ص 113) : حدثنا محمد بن
يحيى. ثنا حيوة بن شريح الحضرمي ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/428) : ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن
دينار الحمصي: ثنا بقية بن الوليد ثنا ضباره بن عبد الله بن أبي السليل ... به.
وقد وجدت للحديث شاهداً من رواية كحب بن عُجْرة، وله عنه طريقان:
الأول: أخرجه أحمد (4/244) : ثنا هاشم: ثتا عيسى بن المسيب البَجَلي
عن الشعبي عن كعب بن عجرة قال:
بينما أنا جالس في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدي ظهورِنا إلى قبلة مسجد
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبعةَ رهط: أربعة موالينا وثلاثة من عربا-؛ إذ حْرج إلينا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةَ الظهر، حتى انتهى إلينا، فقال.(2/311)
" ما يجلسكم ههنا؟ ". قلنا: يا رسول الله! ننتظر الصلاة. قال: فأرَم قليلاً،
ثم رفع رأسه، فقال:
" أتدرون ما يقول ربكم عز وجل؟ ". قال: قلنا: الله ورسوله أعلم! قال:
" فإن ربكم عز وجل يقول: من صلى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها، ولم
يضيعها استخفاقاً بحقها؛ فله عليَّ عهد أن أدخله الجنة، ومن لم يصلِّ لوقتها، ولم
يحافظ عليها، وضيَعها استخفافاً بحفها؛ فلا عهد له: إن شئت عَذبته، وإن شئت
غفرت له ".
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عيسى بن المسيب- وهو البجلي
الكوفي-، وهو مختلف فيه؛ قال أبو حاتم وأبو زرعة:
" ليس بالقوي ". وقال المصنف:
" هو قاضي الكوفة، ضعيف ". وقال يحيى بن معين:
" ليس يشيء ". وقال ابن حبان:
" كان يقلب الأخبار، ولا يفهم، ويخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به ".
وقال ابن عدي والدارقطني:
" صالح الحديث ". وقال الحاكم- بعد أن ساق له حديثاً-:
إنه " صحيح، عيسى صدوق لم يجَرَّحْ قط "!
كذا قال!
هذا كله جاء في ترجمته من "الميزان ". ومنها يتبين أنه من الضعفاء الذين لم
يتهموا، وإنما ضغَف من قبل حفظه؛ فهو ممن يكتب حديثهم ويحتجُّ به في(2/312)
المتابعات والشواهد.
الطريق الاخر: أخرجه الدارمي (1/278) : أخبرنا أبو نعيم: ثنا عبد الرحمن
- هو ابن النعمان الأنصاري-: حدثني إسحاق بن سعد بن كعب بن عجْرة
الأنصاري عن أبيه عن كعب ... به.
هكذا هو في نسختنا: إسحاق بن سعد بن كعب!
وهو خطأ، والصواب: سعد بن إسحاق بن كعب. وليس في الرواة: إسحاق
ابن سعد بن كعب، ولا سعد بن كعب! والظاهر أنه انقلب على بعض النساخ.
وأما سعد بن إسحاق؛ فهو ثقة.
وأما إسحاق بن كعب فمجهول الحال.
وبقية رجاله فهو َئقة.
فالحديث- بهذا الشاهد من طريقيه- يأخذ قوة؛ ويرقى إلى درجة الحسن على
أقل الدرجات.
457- عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خمسٌ من جاء بهنَّ- مع إيمان- دخل الجنة: من حافظ على
الصلوات الخمس؛ على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام
رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبةً بها
نفْسُهُ، وأدّى الأمانة ".
قالوا: يا أبا الدرداء! وما أداء الأمانة؟ قال: الغُسْلُ من الجَنَابة.
(قلت: إسناده حسن، وقال المنذري والهيثمي: " إسناده جيد ") .(2/313)
إسناده: قال ابن الأعرابي: حدثنا محمد بن عبد الملك الرؤاس: نا أبو داود:
نا محمد بن عبد الرحمن العنبري: نا أبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد: أنا
عمران القطان: نا قتادة وأبان كلاهما عن خلَيْد العَصَرِي عَنَ أم الدرداء عن أبي
الدرداء.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى؛ محمد بن عبد الرحمن العنبري
- وهو ابن عبد الصمد البصري- ثقة، قال علي بن الجنَيْد:
" كان ثقة ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد وقتادة ثقتان من رجال الشيخين.
وأما أبان بن أبي عياش؛ فهو متروك؛ لكنه مقرون هنا بقتادة، فلا يضر.
وخليد العَصَرِيُ؛ ثقة، روى له مسلم.
وأما عمران القطان؛ فهو ابن داور- بفتح الواو- العَمي أبو العوام البصري، وهو
مختلف فيه؛ ويترجح عندي من النظر في أقوالهم: أنه حسن الحديث إذا لم يظهر
خطؤه. وإليك ملَخّص ما جاء في "التهذيب " عنه: قال أحمد:
" أرجو أن يكون صالح الحديث ". وقال ابن معين:
" ليس بالقوي ". وقال مرة:
"ليس يشىء، لم يرو عنه يحيى بن سعيد ". وقال عمرو بن علي:
" كان يحيى لا يحدث عنه، وقد ذكره يوماً، فأحسن الثناء عليه ". وقال
الأخري عن المصنف:(2/314)
" هو من أصحاب الحسن، وما سمعت إلا خيراً ". وقال مِرة: " ضعيف،
أفتى في أيام إبراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة، فيها سفك الدماء ".
وقال النسائي:
" ضعيف ". وقال ابن عدي:
" هو ممن يكتب حديثه ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال الساجي:
" صدوق، وثقه عفان ". وقال ابن شاهين في "الثقات ":
" كان من أخص الناس بقتادة ". وقال الدارقطني:
" كان كثير المخالفة والوهم ". وقال العجلي:
" بصري ثقة ". وقال الحاكم:
" صدوق ". وكذا قال البخاري، وزاد:
"يهم ".
وقد تبنى هذا القولَ الحافظُ في "التقريب ". وقال المنذري في خاتمة
" الترغيب " (4/289) :
" ومشاه أحمد، واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم ".
ولذلك حسن المنذري- وكذا الهيثمي- حديثه هذا، كما يأتي.
وحسن له الترمذي حديثاً في "الدعاء" (2/242- طبع بولاق) .
والحديث أخرجه ابن الأعرابي في الجزء الأول من "معجمه " أيضا فقال: ثنا(2/315)
محمد بن إسماعيل: نا عبيد الله بن عبد المجيد ... به.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره " (22/39) ، والطبراني في "المعجم الصغير"
(ص 160) ، وابن نصر في " قيام الليل " (ص 113) من طرق أخرى عن
عبيد الله ... به؛ وليس عند الطبراني: قالوا ... إلخ. وهي عند الباقين. وزاد ابن
جرير:
فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره.
وقد أورده الهيثمي في "المجمع " (1/47) ، وسبقه المنذري في "الترغيب "
(1/141) بهذه الزيادة مرفوعةً، بلفظ:
قالوا: يا نبي الله! وما أداء الأمانة ... إلخ. وقالا:
" رواه الطبراني في "الكبير"، وإسناده جيد "!
قلت: لكن رفع هذه الجملة شاذ؛ لاتفاق الجماعة عن عبيد الله على وقفها،
ولم نقف على سند "المعجم الكبير"لننظر في حال من رفعها؛ فلعله مظعون فيه؛
فتكون الزيادة حينئذ منكرة؛ أعتي: رفعها! والله تعالى أعلم.
9- باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت
458- عن أبي ذز قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراة يميتُون الصلاة-، أو قال:
يؤخرون الصلاة؟ - ". قلت: يا رسول الله! فما تأمرني؟ قال:
" صَل الصلاة لوقتها؛ فإن أدركتها معهم؛ فصلهْ؛ فإنها لك نافلةً ".(2/316)
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال "الصحيح ". وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه " من طريق المؤلف، وأخرجه مسلم أيضا. وقال الترمذى: " حديث
حسن ") .
إسناده: حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد عن أبي عمران- يعني: الجَوْنِي- عن
عبد الله بن الصامت عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله
ابن الصامت؛ فهو ثقة من رجال مسلم.
وأبو عمران الجوني: اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/344) من طريق المؤلف، فقال:
حدثنا أبو داود السجْزِيُ قال: ثنا مسدد ... به.
وأخرجه مسلم (2/120) من طرف أخرى عن حماد ... به.
ثم أخرجاه، وكذا الدارمي (1/279) ، والترمذي أيضا (1/332) ، والطحاوي
(1/213) ، والطيالسي (رقم 449) ، ومن طريقه البيهقي (2/301) ، وأحمد
(5/149 و 163 و 169) من طرق أخرى عن أبي عمران الجوني ... به. وقال
الترمذي:
"حديث حسن ".
تم أخرجاه أيضا، والنسائي (1/126 و 138) ، والدارمي، والطحاوي،
والبيهقي (2/300) ، وكذا البخاري في "الأدب المفرد" (ص 138 و 139) ،
والطيالسي (رقم 454) ، وأحمد (5/147 و 160 ولملأ 1) من طرق أخرى عن
عبد الله بن الصامت ... به نحوه.(2/317)
وللحديث شواهد من رواية ابن مسعود وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس
وعامر بن ربيعة؛ وقد خرجتها في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب"،
ويأتي حديث الأوليْنِ منهم في الكتاب عقب هذا.
459- عن عمرو بن ميمون الأوْدِي قال:
قَدِمَ علينا معاذُ بن جبل اليمنَ رسولَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فسمعت
تكبيرَهُ مع الفجر، رجلٌ آجَشّ الصوت، قال: فألقِيَت عليه مَحَبتِي، فما
فارقته حتى دَفَنْته بالشام مَيِّتاً، ثم نظرتُ إلى أفقه الناس بعدُ، فأتيت ابنَ
مسعود، فلَزِمْتُه حتى مات، فقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" كيفَ بكم إذا أتتْ عليكم أمراءُ يصلّون الصلاة لِغَيْر ميقاتها؟ ".
قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك يا رسول الله؟! قال:
" صَلِّ الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سُبْحَةً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (1479) ،
وقال المنذري: " حسن "!) .
إسناده: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دُحَيْمٌ الدمشقي: نا الوليد: نا
الأوزاعي: حدثني حسان- يعني: ابن عطية- عن عبد الرحمن بن سابط عن
عمرو بن ميمون الأودي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وللوليد: هو ابن مسلم، وهو مشهور بأنه كان يدلس عن الأوزاعي تدليس
التسويهْ؛ وصورته: أنه كان إذا سمع حديثاً عن الأوزاعي سمعه هذا من شيخ(2/318)
ضعيف عن شيخ ثقة؛ فيسقظ هذا الشيخ الضعيف من بينهما، ويجعله من رواية
الأوزاعي عن الشيخ الثقة بلفظ محتمل، كالعنعنة ونحوها؛ فيصير الإسناد كله
ثقات، ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه؛ لأنه قد سمعه؛ فلا يظهر حينئذ
في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله؛ إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل! وبما أن الوليد
في هذا الإسناد قد صرح بسماع الأوزاعي من حسان بن عطية؛ فقد أمنا حشية
تدليسه، وحكمنا على إسناد الحديث بالصحة. وأما المنذري فقال في "مختصره "
(رقم 405) :
إنه "حسن "!
وللحديث طرق أخرى، فقال الإمام أحمد (1/379) : ثنا أبو بكر: ثنا عاصم
عن زر عن عبد الله مرفوعاً بلفظ:
" لعلكم ستدركون أقواماً يصلُّون صلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم؛ فصلوا في
بيوتكم في للوقت الذي تعرفون، ثم صلُوا معهم؛ واجعلوها سُبْحَةً ".
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ لكنَّ أبا بكر- وهو ابن عياش-؛ فيه ضعف
من قبل حفظه.
وعاصم مثله، وهو ابن بهدلة.
ورواه النسائي (1/126) ، وابن ماجه (1255) .
طريق أخرى: أخرجه ابن ماجه (2/202) ، وأحمد (1/399- 400) من
طريق عبد الله بن عثمان بن خُثَيْمِ عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود عن أبيه عن جده عبد الله بنَ مسعود مرفوعاً:
" سيلي أموركم بعدي رجال يظْفِئُون السُّنَّة، ويُعَجِّلون بالبدعة، ويؤخرون
الصلاة عن مواقيتها ". فقلت: يا رسول الله! إن أدركتهم؛ كيف أفعل؟ قال:(2/319)
" تسألتي يا ابن أم عَبْد! كيف تفعل؟! لا طاعة لمن عصى الله ".
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "الصحيح ": وقد قيل: إن عبد الرحمن
ابن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه؛ لكن قد ذكر الحافظ في "التهذيب ":
" وروى البخاري في "التاريخ الكبير" وفي "الأوسط" من طريق ابن خثَيم عن
القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: إني مع أبي ... فذكر الحديث في تأخير
الصلاة. وزاد في "الأوسط" شعبة: يقولون لم يسمع من أبيه. وحديث ابن خُثَيم
أولى عندي. وقال ابن المديني: سمع من أبيه حديثين، وحديث تأخير الوليد
للصلاة".
قلت: يعني هذا. وقد روى أحمد (1/450) من طريق عبد الله بن عثمان
أيضا عن القاسم عن أبيه:
أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام عبد الله بن مسعود، فَثَربَ بالصلاة،
فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت؟ أجاءك من أمير
المؤمنين أمر فيما فعلت؛ أم ابتدعت؟ قال: لم يأتني أمر من أمير المؤمنين، ولم
أبتاع؛ ولكن أبى الله عز وجل علينا ورسولُه أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في
حاجتك.
وسنده صحيح أيضا.
460- عن عُبَادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنها ستكون عليكم بعدي أمراءُ، تَشْغَلُهم أشياءُ عن الصلاة لوقتها،
حتى يذهبَ وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها ".
فقال رجل: يا رسول الله! أُصلي معهم؟ قال:(2/320)
" نعم؛ إن شئت ". (وفي رواية: إن أدركتها معهم؛ أصلي معهم؟
قال: " نعم؛ إن شئت ") .
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا محمد بن قُلامة بن آعْيَنَ: نا جرير عن منصور عن هلال بن
يِسَاف عن أبي المثنى عن ابن أخت عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
(ح) وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع عن سفيان- المعنى- عن منصور
عن هلال بن يِساف عن أبي المثنى الحمصي عن أبي أُبي ابن امرأة عبادة بن
الصامت عن عبادة بن الصامت.
قلت: قد ساقه المصنف رحمه الله من وجهين عن منصور؛ ليبين ما فيه من
الاختلاف:
فجرير قال: عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن ابن أخت
عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
وسفيان- وهو الثوري- قال: عن منصور عن هلال عن أبي المثنى عن أبي أبي
ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
قلت: وهذا هو الصحيح: أنه أبو أبيً ابن امرأة عبادة بن الصامت؛ وذلك
لأمرين:
الأول: أن سفيان الثوري أحفظ من جرير- وهو ابن عبد الحميد-.
والأخر: أن الثوري قد تابعه سفيان بن عيينة وشعبة؛ إلا أن شعبة جعله من
مسنده- أعني: أبا أبيّ هذا- لا من مسند عبادة بن الصامت، وهو رواية عن
الثوري كما يأتي.(2/321)
وهو صحابي، كان صلى إلى القبلتين.
وأما الراوي عنه أبو المثنى؛ فاسمه: ضَمْضَم الأمْلوكِي الحمصي، وهو ثقة؛
وثقه العجلي وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم.
وبقية رجال الإسنادين ثقات.
فالحديث صحيح الإسناد.
والحديث أخرجه أحمد (5/315) : ثنا وكيع ... به.
وأخرجه ابن ماجه (1/379) من طريق أبي أحمد: ثنا سفيان بن عيينة عن
منصور ... به مثل رواية الثوري.
ثم أخرجه أحمد من طريق عبد الله- وهو ابن المبارك: أنا سفيان ... به؛ إلا
أنه قال: عن أبي أبيّ ابن امرأة عبادة بن الصامت قال:
كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ... فذكر الحديث، فجعله من مسند
أبي أُبي! وقال أحمد عقبه:
" وهو الصواب ".
قلت: ويؤيده أن شعبة رواه كذلك عن منصور:
أخرجه أحمد (5/314) : ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن منصور ... به.
ثم قال: ثنا حجاج: ثنا شعبة.
ثم جمع الروايتين تحت (حديث ابن ألي بن امرأة عبادة رضي الله عنهما) ؛
فقال (6/7) : ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة ... به.
ومن هذا تعلم أنَ ما وقع في مكان آخر من "المسند"، وهو قوله (5/215)(2/322)
- عقب حديث ابن المبارك عن سفيان المتقدم-: ثنا محمد بن جعفر: ثنا
شعبة ... فذكره، قال: عن ابن امرأة عبادة عن عبادة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مثله!
فزاد هنا: (عن عبادة) ؛ فهى زيادة شاذة عن شعبة، أو أنها خطأً من بعض
النساخ! والله أعلم.
قلت: ورواه أبو عمران الجونى عن عبد الله بن الصامت عن أبى ذر قال: قال
لي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة، فصَل الصلاة لوقتها، فإن
صليت لوقتها؛ كانت لك نافلة؛ وإلا كنتَ قد أحرزْتَ صلاتك ".
أخرجه مسلم (2/120) ، والترمذي (176) ، وأحمد (5/149) .
وله طرق أخرى عن عبد الله بن الصامت، وهي مخرجة في "الإرواء"
(483) ، وبعضها في "صحيح ابن خزيمة" (3/66/1637) .
وله شاهد من حديث ابن عمروٍ، عند الطبراني في "الأوسط " (958) بسند
حسن في الشواهد.
ورواه في "الكبير" أيضا كما في "المجمع " (1/325) .
461- عن قَبِيصَةَ بن وَقّاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تكون عليكم أُمراء من بعدي، يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي
عليهم، فصلُوا معهم ما صَلّوا القِبْلَةَ ".
(قلت: حديث صحيح) .
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا أبو هاشم- يعني: الزعفراني-:(2/323)
حدثني صالح بن عًبَيْد عن قَبِيصة بن وقاص.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير صالح بن عبيد؛ قال ابن
القطان وغيره:
" لا يعرف حاله ".
وقبيصة بن وقاص، صحابي له هذا الحديث.
وأبو هاشم الزعفراني: اسمه عَمار بن عمارة، وهو ثقة.
لكن الحديث تشهد له الأحاديث التي قبله فهو صحيح لغيره.
والحديث أخرجه ابن سعد (7/56) ... بإسناد المصنف.
10- باب من نام عن صلاة أونَسِيَها
462- عن أبي هريرة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قَفَلَ من غزوة خيبر، فسار ليلة، حتى إذا
أدْرَكَنَا الكَرَى عَرَّس، وقال لبلال:
" اكلأْ لنا الليل ". فال: فغلبت بلالاً عيناه وهو مستندَ إلى راحلته،
فلم "يستيقظ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا بلالَ. ولا أحدٌ من أصحابه؛ حتى ضَرَبتهم
الشمس، فكانْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أؤلهم استيقاظاً، فَمزِعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فقال: " يا بلال! ". فقال: أخذ بِنَفْسي الذي أخذ بِنَفْسك يا رسول الله!
بأبي أنت وأمي! فاقتادًوا رواحِلَهم شيئاً، ثم توضأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر بلالاً
فأقام لهم الصلاة، وصلًى لهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال:(2/324)
" مَنْ نسي صلاة، فليصلها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى قال: (آقِمِ
الصلاة للذِّكرى) ". وكان ابنُ شِهَابٍ يقرأُها كذلك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه " من طريق المصنف، ورواه مسلم أيضا) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب
عن ابن المسيب عن أبي هريرة. قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤُها كذلك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/253) من طريق المصنف؛
فقال: حدثنا أبو داود السجْزِيُّ: ثنا أحمد بن صالح ... به.
وأخرجه البيهقي أيضا (2/217) من طريقه.
ئم أخرجه هو، ومسلم (2/138) ، وابن ماجه (1/235) من طريق حرملة بن
يحيى التُجِيبِي عن ابن وهب ... به.
وأخرجه النسائي (1/101) من طريق أخرى عن ابن وهب ... به مختصراً
دون القصة.
ئم أخرجه كذلك مختصراً من طريق عبد الله عن معمر عن للزهري ... به؛
وزا د:
قلت للزهري: هكذا قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم- يعنى: " للذِّكرى؟ -.
وأخرجه الترمذي (2/198- طبع بولاق) من طريق صالح بن أبي الأخضر عن
الزهري ... به نحوه مع القصة، وقال:(2/325)
" هذا حديث غير محفوظ، رواه غير واحد من الحفاظ عن للزهري عن سعيد
ابن المسيب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... - ولم يذكروا فيه: عن أبي هريرة- وصالح بن أبي
الأخضر يضَعَّف في الحديث؛ ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل
حفظه "!
قلت: لكن قد تابعه يونس ومعمر عن ابن شهاب كما سبق؛ فالحديث
محفوظ.
ولا يعله رواية من أرسله ولم يذكر أبا هريرة فيه؛ لأن من وصله ثقة، فيجب
قبولها.
ولعل الترمذي رحمه الله لم يقف على هذه المتابعات؛ وإلا لما ساق الحديث
من طريق ابن أبي الأخضر الضعيف، ولما ترك رواية يونس ومعمر الثقتين!
وللحديث طريق آخر:
أخرجه مسلم، وأبو عوانة (2/251- 252) ، والنسائي (1/102) ، والبيهقي
(2/218) عن يزيد بن كَيْسَان: حدثنا أبو حازم عن أبي هريرة قال:
عَرسْنَا مع نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس ... الحديث
نحوه؛ دون قوله: " من نسي ... " إلخ.
وهكذا أخرجه الطحاوي (1/234) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه
عن أبي هريرة ... به.
463- وفي رواية ... في هذا الحديث: " لذكري ". قال أحمد (هو
ابن صالح شيخ المؤلف فيه) : الكَرَى: النّعَاسُ.
(قلت: إسناده حسن؛ لكن هذا اللفظ منه شاذ! والأصح: " للذِّكرى "،(2/326)
كما في الرواية الأولى) .
إسناده: قال أحمد: قال عنبسة- يعني- عن يونس ... في هذا الحديث.
قلت: ظاهره أنه مُعَلَّق؛ لكن المصنف ذكره هكذا بعد أن ساق الرواية الأولى
من طريق أحمد مصرحاً بسماعه منه كما تقدم، ثم قال: قال أحمد ...
فالظاهر حينئذ أنه موصول! والله أعلم.
ثم إن الإسناد حسن رجاله رجال البخاري؛ غير أنه أخرج لعنبسة- وهو ابن
خالد- مقروناً بغيره، وهو حسن الحديث كما تقدم.
قلت: وهذه الرواية بلفظ: " لذكري " توافق رواية حرملة بن يحيى المتقدمة:
عند مسلم وغيره؛ فإنها بهذا اللفظ.
وكذلك لفظ رواية صالح بن أبي الأخضر: عند الترمذي؛ بخلاف رواية أحمد
ابن صالح عن ابن وهب المتقدمة، ورواية معمر عن الزهري؛ فإنها بلفظ:
" للذكرى ".
وهذا هو الأصح إن شاء الله تعالى، وهو المناسب لسياق الحديث؛ فإن معناها:
للتذكر؛ أي: لوقت الذكر.
وأما الرواية الأخرى: " لذكري "؛ فلا تناسب السياق؛ لأن المعنى إما:
لتذكرني فيها! وإما: لأذكرك عليها!
ولذلك صرح القاضي عياض بأن هذه الرواية تغيير من بعض الرواة، وأن-
الحديث إنما هو: " للذكرى "، وأن استدلاله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما كان بهذه القراءة. انظر
كلامه في ذلك في " تنوير الحوالك " (1/34- 35) .(2/327)
464- وفي أخرى: عن أبي هريرة ... في هذ االحديث؛ قال: فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" تَحَوَّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغَفْلَةُ ". قال: فأمر بلالاً،
فأذَّن وأقام وصلَّى.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في
"صحيحه " من طريق المصنف) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا أبان: نا معمر عن الزهري عن سعيد
ابن المسيب عن أبي هريرة.
قال أبو داود: " رواه مالك وسفيان بن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر
وابن إسحاق، لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم
أحد إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأبان: هو ابن يزيد العطار،
وقد ذكر المصنف رحمه الله أنه تفرد بإسناد الحديث؛ يعني: بذكر أبي هريرة فيه،
وبذكر الأذان فيه، وأنه تابعه على إسناده الأوزاعي!
والجواب: أن أبان ثقة محتج به في "الصحيحين "؛ فزيادته مقبولة؛ سواءً
كانت في المتن أو السند، لا سيما وأن للزيادة في المنن شواهد عن جماعة من
الصحابة، قد ذكرها المصنف في الباب كما يأتي.
وقد تابع معمراً على إسناده: يونس؛ كما في الحديث الذي قبله، وصالح بنُ
أبي الأخضر، كما ذكرته هاك.
ثم إن أبان لم يذكر في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: " من نسي ... "(2/328)
إلخ! وقد رواه عبد الله بن المبارك عن معمر ... به منفردأ عن القصة؛ بلفظ:
" من نسي صلاة؛ فلْيُصَلِّها إذا ذكرها؛ فإن الله تعالى يقول: (أقم الصلاة
للذكرى) ".
قلت للزهري: هكذا قرأها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم.
أخرجه النسائي (1/101- 192) .
وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة، ذكرتهما عند الحديث السابق، وليس
فيهما الأذان؛ لكن يشهد له الحديث الآتي بعد هذا.
وقد أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/253) : حدثتا أبو داود السِّجْزِيُ وأبو
أمية قالا: ثنا أبو سلمة المنقري.. به.
وأبو داود: هو المصنف.
وأبو سلمة: هو موسى بن إسماعيل.
وأخرجه البيهقي أيضا (2/218) من طريق المصنف، ثم قال:
" وهذا الخبر رواه مالك بن أنس وجماعة عن الزهري عن ابن المسيب عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... مرسلاً. ورواه مالك عن زيد بن أسلم عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
منقطعاً، ومن وصله ثقة ".
قلت: وروايتا مالك في "الموطأ" (1/32- 34 و 34- 36) . وفي حديث زيد
ابن أسلم:
وأمر بلالأ أن ينادي بالصلاة أو يقيم.
وممن وصل الحديث عن الزهري: محمدُ بنُ إسحاق، كما سبقت الإشارة إلى(2/329)
ذلك في كلام المصنف.
وقد وصله النسائي (1/101) من طريق ابن إسحاق عن الزهري ... به؛
ولفظه:
" إذا نسيتَ الصلاة؛ فصَلِّ إذا ذكرتَ، فإن الله تعالى يقول: {أقم الصلاة
لذكري) ".
465- عن أبي قتادة:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سَفَرٍ له، فمال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومِلْتُ معه، فقال:
" انظر؛ هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة "؛ حتى صِرْنَا
سَبْعَةً، فقال:
" احفظوا علينا صلاتنا "؛ يعني: صلاةَ الفجر.
فَضرِبَ على اذانهم، فما أيقظهم إلا حَر الشمس، فقاموا، فساروا
هُنَيَّةً، ثم نزلوا فتوضؤوا وأذَّن بلال فصلَّوْا ركعتَي الفَجْرِ، ثم صلوا الفجرَ
ورَكِبُوا، فقال بعضهم لبعضٍ: قد فَرَّطْنَا في صلاتنَا! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إنه لا تفريط في النوم؛ إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدكم عن
صلاة؛ فليصلِّها حين يذكرها، ومن الغَدِ للوقت ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وقال الخطابي: " وإسناده جيد ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن ثابت البنَاني عن عبد الله(2/330)
ابن رَبَاحٍ الأنصاري: أخبرنا أبو قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة، وقد
تابعه حماد بن زيد، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (5/298) : ثنا يزيد بن هارون: أنا حماد بن
سلمة ... به أتم منه؛ وزاد في آخره:
قال عبد الله: فسمعتي عمران بن حصين وأنا أُحَدِّث هذا الحديث في المسجد
الجامع، فقال: من الرجل؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري. قال: القوم أعلم
بحديثهم، انظر كيف تحدث؛ فإني أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت قال:
ما كنتُ أحسب أن أحداً يحفظ هذا الحديث غيري.
قال حماد: وثنا حميد الطوبل عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رباح
عن أبي قتادة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.... بمثله.
قلت: وأخرجه الطحاوي (1/233) ، والدارقطني (ص 148) من طريق يزيد
ابن هارون ... به؛ لكنه عند الدارقطني مختصر جداً، وليس عنده: قال
عبد الله ... إلخ.
ثم أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن الحجاج عن حماد بن سلمة ... به
نحوه.
وبه عن حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله عن عبد الله بن رباح عن أبي
قتادة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه.
وأخرجه مسلم (2/138- 139) ، وأبو عوانة (2/257- 260) ، والدارقطني
(ص 148) ، والبيهقي (2/216) من طريق سليمان بن المغيرة: ثنا ثابت ... به
نحوه؛ وقال؟(2/331)
" إنما التفريط على مَنْ لم يُصَلِّ الصلاةَ حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى،
فمن فعل ذلك؛ فلْيُصَلِّها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد؛ فليصلها عند وقتها ".
وهذا القدر- مع شيء من الاختصار- أخرجه النسائي أيضا (1/101) من هذا
الوجه، وكذلك المصنف كما يأتي (رقم 468) .
ثم أخرجه النسائي (1/100- 101) ، والترمذي (1/335) ، وابن ماجه
(1/236- 237) ، والطحاوي (1/270) عن حماد بن زيد عن ثابت ... بهذا.
وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه أحمد (5/302) من طريق قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي
قتادة ... نحوه مطولا.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وله طريق أخرى عن أبي قتادة، وهو:
466- عن أبي قتادة ... في هذا الخبر؛ قال: فقال:
" إن الله قبض أرواحكم حيث شاء، وردَّها حيث شاء، قُمْ فآذّنْ
بالصلاة "، فقاموا فتَطَهَّروا؛ حتى إذا ارتفعت الشمس؛ قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فصلَى بالناس.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وقد أخرجه الأول
منهما في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أنا خالد عن حُصين عن ابن أبي قتادة عن(2/332)
أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وابن أبي قتادة: اسمه
عبد الله.
وحصين هو ابن عبد الرحمن السّلَمي، وخالد: هو الحذاء.
والحديث أخرجه البخاري (13/384) ، والطحاوي (1/233) ، والبيهقي
(2/216) ، وأحمد (5/307) من طريق هُشيم: أنا حصين ... به نحوه.
ثم أخرجه البخاري (2/53) ، والطحاوي من طريقين آخرين عن حصين ...
به أتم منه.
وله عن حصين طريق خامسة عند المصنف، وهي:
467- وفي رواية عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... بمعناه؛ قال:
فتوضأ حين ارتفعت الشمس، فصلَّى بهم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري نحوه) .
إسناده: حدثنا هناد: نا عَبْثَرٌ عن حُصَيْنِ عن عبد الله بن أبي قتادة عن
أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وبهذا الإسناد: أخرجه النسائي (1/135) .
والحديث أخرجه البخاري وغيره من طرق أخرى عن حصين ... به نحوه؛
وقد سبق ذكرها في الذي قبله.(2/333)
468- وفي أخرى عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليس في النوم تفريط؛ إنما التفريط في اليقظة: ان تؤخر الصلاة
حتى يدخل وقت اخرى ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال النووي والحافظ. وهو
في "صحيح مسلم " وأبي عوانة مطولاً، وقد سبق نحوه (رقم 465)) .
إسناده: حدثنا العباس العنبري: نا سليمان بن داود- وهو الطيالسي-: نا
سليمان- يعني: ابن المغيرة- عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وكذا قال النووي في "المجموع "
(4/25) ، والحافظ في "التلخيص " (4/31) .
والحديث أخرجه أحمد (5/309) : ثنا سليمان بن داود الطيالسى: ثنا شعبة
عن ثابت ... به مختصراً؛ بلفظ:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه لما قاموا إلى الصلاة فصلوا؛ قال لهم رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" صلوها الغدَ لوقتها ".
وهكذا أخرجه النسائي (1/101) عن عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود ...
به
وأبو داود: هو الطيالسي صاحب "المسند"، ولم أر هذا الحديث فيه! ويظهر أن
له شيخين، يرويه كل منهما عن ثابت.
وقد أخرجه النسائي من طريق أخرى عن سليمان بن المغيرة ... به.(2/334)
وأخرجه مسلم أيضا، وأبو عوانة في "صحيحيهما" مطولأ، وقد سبق تخريجه
عند الحديث (رقم 465) .
469- عن أنس بن مالك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" مَنْ نَسِيَ صلاةً؛ فلْيصَلِّها إذا ذكرها؛ لا كفارةَ لها إلا ذلك ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أنا همام عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (2/56- 57) ، ومسلم (2/142) ، والطحاوي
(2/270) ، والبيهقي (2/218) ، وأحمد (3/269) من طرق عن همام ... به:
وصرح قتادة بسماعه من أنس في إحدى روايتي أحمد والبخاري.
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (2/269- 261) ، والنسائي (1/100) ،
والترمذي (1/335) ، والدارمي (1/280) ، وابن ماجه (1/235) ، والطحاوي،
والبيهقي، وأحمد (3/216 و 243 و 267 و 282) من طرق أخرى عن قتادة ...
به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
470- عن عمران بن حصين:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في مَسِيرٍ له، فناموا عن صلاة الفجر،
فاستيقظوا بحَرِّ الشمسِ، فارتفعوا قليلاً حتى اسْتَقَلَّتِ الشمس، ثم آمَرَ(2/335)
مؤذِّناً، فأذّن، فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام، ثم صلى الفجر.
(قلت: حديث صحيح، وكذ اقال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن
حزم أيضا. وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " وابن حبان (2641) ، وهو في
"صحاح البخاري ومسلم وأبي عوانة"، دون ذكر الركعتين) .
إسناده: حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عُبَيْد عن الحسن عن
عمران بن حصين.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ وخالد: هو ابن عبد الله
الطَّحان.
لكن أعله ابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام " (7/108) ، فقال:
" قد تُكلم في سماع الحسن من عمران بن حصين، فقيل: سمع منه، وقيل:
لم يسمع منه ".
قلت: وهذا قول يحيى القطان وأحمد وأبي حاتم؛ قالوا:
" لم يصح أنه سمع منه ". وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي "
(2/216) :
" ذكر البيهقي في باب (من جعل في النذر كفارة يمين) حديثاً من رواية
الحسن عن عمران، ثم قال: منقطع، ولا يصح عن الحسن عن عمران من وجه
صحيح يثبت مثله. وخالفه ابن خزيمة، فأخرج في "صحيحه " حديث الباب من
رواية هشام عن الحسن عن عمران. فدلّ ذلك على صحة سماعه من عمران ".
قلت: وجزم بسماعه منه: الحاكمُ، فقال في "المستدرك" (1/29) - عقب
حديث أخرجه من طريق الحسن عن عمران-:(2/336)
" هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه؛ خشية الإرسال، وقد سمعِ
الحسن من عمران بن حصين "، ووافقه الذهبى. ولذلك صححا هذا الحديث أيضآ
كما يأتي.
وممن جزم بذلك أيضا البزار؛ حيث ذكر عمران بن حصين في الصحابة الذين
سمع منهم الحسن، كما في "نصب الراية"! 1/90) .
وجنح إلى هذا ابن حزم؛ حيث صحح الحديث، كما ستراه قريباً.
وهو الذي نرجِّحه ونميل إليه: أن الحسن سمع من عمران في الجملة؛ ولكننا
لا نرى صحة حديثه عنه إذا لم يصرح بسماعه منه، كما ذكرنا مراراً: أن الحسن
معروف بالتدليس، فلا يحتجُّ به إذا عنعن. وهذا الحديث من الأحاديث التي
وقفنا على تصريحه فيه بالتحديث؛ فكان حديثاً صحيحاً.
وأما الأحاديث الأخرى؛ فهي في "المسند" فأخرج (4/440 و 445) من
طريق البارك عن الحسن: أخبرني عمران بن حصين مرفوعآ حديثين:
أحدهما: في النهي عن المثلة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الجهاد من هذا
الكتاب (رقم 2393) .
والآخر: في النهي عن الحلقة من أجل الواهنة، وهو في الطب من "سنن ابن
ماجه "، و "المستدرك " (4/216) معنعناً، وصححه هو والذهبي!
لكن البارك- وهو ابن فَضَالة- مشهرر بالتدليس، ولم يصرح بسماعه من
الحسن.
ثم أخرج أحمد (4/436) من طريق شريك بن عبد الله عن منصور عن
خيثمة عن الحسن قال:(2/337)
كنت أمشي مع عمران بن حصين، أحدنا آخذ بيد صاحبه، فمررنا بسائل
يقرأ القرآن؛ فاحتبستي عمران وقال: قف نستمع القرآن! فلما فرغ ساممه، فقال
عمران: انطلق بنا! إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" اقرأوا القرآن، وسلوا الله تبارك وتعالى به ... " الحديث.
لكن خيثمة- وهو ابن أبي خيثمة- لين الحديث كما في "التقريب ".
ثم إن فيه شريك بن عبد الله- وهو القاضي-، وهو سيئ الحفظ.
وقد خالفه سفيان الثوري؛ فرواه عن الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن
عمران بن حصين:
أنه مر على قاص قرأ، ثم سأله، فاسترجع وقال ... الحديث.
أخرجه الترمذي (2/151- طبع بولاق) ، وأحمد (4/439) . وقال الترمذي:
" ليس إسناده بذاك "؛ كأنه يعني من أجل خيثمة هذا.
وبالجملة؛ فليس في هذه الأسانيد ما تقوم به الحجة، وكأنه لذلك قال أحمد
وغيره ممن سبق:
" لم يصح أنه سمع الحسن من عمران ".
لكننا نقول: إنه صح ذلك بإسناد آخر؛ فانتظر قليلاً.
والحديث أخرجه ابن حزم (3/24) من طريق المؤلف محتجاً به. ثم صرح
فيما بعد (ص 202) أنه صحيح.
وأخرجه الدارقطني (ص 147) ، والحاكم (1/274) من طريق إسحاق بن
شاهين أبي بشر: نا خالد بن عبد الله ... به. وقال الحاكم:(2/338)
" حديث صحيح على ما قدمنا ذكره من صحة سماع الحسن عن عمران "،
ووافقه الذهبي.
وأخرجه أحمد (4/444) : ثنا عبد الوهاب بن عطاء: أنا يونس ... به.
وأخرجه الطحاوي (1/233) ، والبيهقي (1/404) - من طريق عبد الوهاب-،
وأحمد (4/431) ، والدارقطني- من طريقين آخرين- عن يونس ... به.
وقد تابعه هشامُ بنُ حسان عن الحسن ... به أتم منه؛ وزاد في آخره:
فقالوا: يا رسول الله! ألا نعيدها في وقتها من الغد؟! قال:
" أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم؟! ".
أخرجه أحمد (4/441) ، والطحاوي، وابن حبان (2641) ، والدارقطني،
والبيهقي (2/217) ، وابن حزم في "الإحكام " (7/108) من طرق عنه.
وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " كما سبق.
وأعله ابن حزم بالاختلاف في سماع الحسن من عمران، وذكرنا كلامه في
ذلك آنفاً؛ لكن قد صرح الحسن بسماعه في رواية عن هشام عنه، فقال أحمد
عقيب هذه الرواية: ثنا معاوية: ثنا زائدة عن هشام قال: زعم الحسن أن عمران بن
حصين حدتْه قال: أسرينا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة ... فذكر الحديث.
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق علي بن الحسن بن بيان المُقْرِي: ثنا معاوية
ابن عمرو بن المُهَلَّب: ثنا زائدة بن قدامة ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وقال ابن
التركماني:(2/339)
لا وقال صاحب "] لإمام ": رواه الطبراني عن زائدة عن هشام. ورجال إسناده
ثقات ".
فثبت بذلك أن الحديث موصول، وأنه صحيح، والحمد لله على هدايته
وتوفيقه.
والحديث رواه الطيالسي (رقم 837) مرسلاً؛ فقال: حدثنا أبو حُرة عن
الحسن: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان في سفر ...
وللحديث طريق آخر: أخرجه البخاري (1/354- 360) ، ومسلم (2/140-
142) ، وأبو عوانة (2/254- 257) ، والطحاوي (1/233) ، والبيهقي (1/404) ،
وأحمد (4/434) من طريق أبي رجاء العطَاردي: حدثني عمران بن حصين قال:
كنا في سفر مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ِ ... الحديث نحوه، وليس فيه ذكر الإقامة
وسنة الفجر.
وقد رواه الطيالسي (رقم 857) : حدثنا عقبة بن خالد- أو خالد بن عقبة؛
الشك من أبي داود- قال: ثنا أبو رجاء العطَاردي ... به؛ وزاد فيه ذكر الركعتين.
لكن عقبة هذا- أو خالد- لم أعرفه! والله أعلم.
471- عن عمرو بن امَيَّة الضَّمْري قال:
كنَّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بعض أسفاره، فنام عن الصبْحِ حتى طلعت
الشممس، فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
" تَنَحَّوْا عن هذا المكان ".
قال: ثم آمَرَ بلالاً، فأذَّن، ثم توضمَّؤوا وصلَّوا ركعتي الفجر، ثم آمَرَ(2/340)
بلالاً، فأقام الصلاة، فصلى بهم صلاة الصبح.
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: " حسن "!) .
إسناده: حدثنا عباس العنبري. (ح) وحدثنا أحمد بن صالح- وهذا لفظ
عباس- أن عبد الله بن يزيد حدثهم عن حيوة بن شريح عن عياش بن عباس
- يعني: القتْبَاني- أن كُلَيْب بن صُبْح حدثهم أن الزبرِقان حدثه عن عمِّه عمرو بن
أمية الضمْرِي.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ والزبرقان: هو ابن عبد الله
الضمري، وقيل: إنه الزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري. وقال أحمد بن صالح:
" الصواب فيه: الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية ". وقال غيره:
" هما اثنان ". قال الحافظ في ترجمة الزبرقان بن عمرو:
" قلت: لم يفرق البخاري- فمن بعده- بينهما؛ إلا ابن حبان؛ ذكر هذا في
ترجمة مفردة عن الذي روى عنه كليب بن صبح. وفي كتاب ابن حبان من هذا
الجنس أشياء، يضيق الوقت عن استيعابها؛ من ذكره الشخص في موضعين
وأكثر، فلا حجة في تفرقته؛ إذ لم ينصَّ على أنهما اثنان ".
وذكر أنه ثقة عند يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما.
قلت: وسواءً كان الصواب في نسبه: أنه الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن
أمية، أو الزبرقان بن عمرو بن أمية؛ فإنه لا يتفق مع قوله في هذا الحديث: عن
عمه عمرو بن أمية "؛ فإن عمراً على القولين ليس هو عَمَّ الزبرقان، بل هو إما والده
أو جده! فإذا صح قوله هذا: عن عمه عمرو، ولم يكن وهماً من بعض الرواة؛ فهو
دليل واضح على صواب ما صنع ابن حبان من التفريق. والله أعلم.(2/341)
والحديث قال المنذري في "مختصره " (رقم 417) :
"حسن ".
وقد أخرجه أحمد (4/139) : ثنا أبو عبد الرحمن المقري: ثنا حيوة.. به؛
وأبو عبد الرحمن هذا: هو عبد الله بن يزيد في إسناد المصنف.
ومن طريقه- أعتي: أبا عبد الرحمن-: أخرجه البيهقي أيضا (1/404) .
472- عن ذي مِخْبَرٍ الحَبَشِي- وكان يَخْدُمُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ... في هذا
الخبر؛ قال:
فتوضأ- يعني: النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعوءًا لم يَلُت مَنه الترابُ، ثم أمرَ
بلالاً، فأذَّن، ثم قام النبيُّء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فركع ركعتين غيْرَ عَجِل، ثم قال لبلال:
" أقم الصلاة "، ثم صلى وهو غير عَجِلٍ.
(قلت: إسناده صحيح) .
إسناده: حدثنا إبراهيم بن الحسن: نا حجاج- يعني: ابن محمد-: ثنا
حريز. (ح) وحدثنا عبيد بن أبي الوزير: ثنا مبَشِّر- يعني: الحلبي-: حدثنا حريز-
يعني: ابن عثمان -: حدثني يزيد بن صالح عن ذي مخبر الحبشي.
قال عن حجاج: (عن يزيد بن صليح) : حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة.
وقال عبيد: " يزيد بن صالح ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، ذكره المصنف من طريقين عن حريز بن عثمان
- وهو ثقة من رجال البخاري- عن يزيد بن صالح- أو صليح-؛ وقد ذكره ابن حبان
في "الثقات "، وقال المصنف:(2/342)
" شيوخ حريز كلهم ثقات ".
وقد اختلف على حريز في اسم والد يزيد هذا، فسمّاه عنه عبيد بن أبي
الوزير: (صالحاً) .
وسماه حجاج بن محمد: (صليحاً) ؛ وهو الصواب؛ لأنه قد تابعه على ذلك:
الوليد بن مسلم؛ كما في الرواية الآتية في الكتاب.
وأبو النضر- واسمه هاشم بن القاسم البغدادي-: عند أحمد؛ كما يأتي.
ثم إن مخالفهم عبيد بن أبي الوزير لا يعرف حاله، فكانت روايته مرجوحة.
ولذلك قال الحافظ في "التهذيب ":
" وصحح المزي في "الأطراف " أن اسم أبيه (صليح) . وبه جزم البخاري وابن
أبي خيثمة ويعقوب بن سفيان وغير واحد ".
والحديث أخرجه أحمد (4/90- 91) : ثنا أبو النضر: ثنا حريز عن يزيد بن
صليح ... به بطوله؛ وزاد في آخره:
فقال له قائل: أفَرَطْنا؟ قال:
" لا، قبض الله عز وجل أرواحنا، وقد ردَّها إلينا، وقد صلَّينا ". وقال في
"المجمع " (1/320) :
" رواه أحمد والطبراني في "الأوسط"، ورجال أحمد ثقات ".
وللحديث طريق أخرى؛ لكن فيه زيادة منكرة.
أخرجه الطحاوي (1/269) من طريق مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند
عن العباس بن عبد الرحمن- مولى بني هاشم- عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي(2/343)
قال:
كنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر ... الحديث مختصراً؛ قال:
فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما كان من الغد حين برعْ الشمس؛ أمر بلالاً
فأذن، ثم أمره فأقام، فصلَّى بنا الصلاة، فلما قضى الصلاة قال:
" هذه صلاتنا بالأمس ".
وهذا إسناد ضعيف؛ مسلمة بن علقمة صدوق له أوهام.
والعباس بن عبد الرحمن مستور؛ كما في "التقريب ".
وقد أورده الهيثمي في "المجمع " (1/320) بلفظ: بَرَق الفجر، وزاد في آخره:
ثم ائتنف صلاة يومه ذلك. وقال:
" رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه العباس بن عبد الرحمن، وروى عنه داود
ابن أبي هند، ولم أر له راوياً غيره، وروى هو عن جماعة من الصحابة ".
وفي هذه الرواية أنه عليه السلام صلى الفائتة مرتين: الأولى وقتَ الانتباه،
والأخرى في اليوم الثاني!
وهذا منكر؛ لضعف إسنادها، ولخالفتها لسائر الأحاديث المتقدمة في الباب
وغيرها؛ فإنها لم ترد في شيء منها! اللهم إلا في رواية من حديث أبي قتادة من
قوله عليه السلام بلفظ:
" فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحاً؛ فليقض معها مثلَها "!
وهذا منكر أو شاذ؛ لما ذكرنا، ولإنكاره عليه السلام ذلك على الصحابة حين
قالوا له: ألا نعيدها في وقتها من الغَد؟!:(2/344)
" أينهاكم ربكم عن الربا ويقبله منكم؟! ".
وهو حديثٌ صحيح، كما سبق بيانه (رقم 479) ؛ فراجعه. ولذلك أوردنا
حديث أبي قتادة المشار إليه في الكتاب الآخر (رقم 65) .
473- وفي رواية عن ذي مِخْبَرِ ابن أخي النجاشي ... في هذا الخبر؛
قال: فأذَّن، وهو غير عَجِلٍ.
(قلت: هو بهذا اللفظ شاذ. والصحيح ما في الرواية الأولى: فركع ركعتين
غير عجل) .
إسناده: حدثنا مُؤَمل بن الفضل: ثنا الوليد عن حَرِيزٍ - يعنى: ابن عثمان-
عن يزيد بن صليح عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن الوليد مدلس، وقد عنعن؛ لكنه
قد توبع كما تقدم في الرواية السابقة.
لكن قوله في الحديث: فأذن وهو غير عجل؛ شاذ لخالفتها للرواية التي قبلها،
وقد اتفق عليها حجاج بن محمد وعبيد بن أبي الوزير وهاشم بن القاسم
البغدادي، فروايتهم هي الصحيحة.
474- عن عبد الله بن مسعود قال:
أقبلتُ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِية، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من يكلؤنا؟ ". فقال بلال: أنا. فناموا حتى طلعت الشمس؛
فاستيقظ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
" افعلوا كما كنتم تفعلون ". قال: ففعلنا. قال:(2/345)
" فكذلك فافعلوا؛ لمن نام أو نسي ".
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: " حسن "!) .
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن جامع
ابن شداد: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة: سمعت عبد الله بن مسعود.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
الشيخين؛ غير عبد الرحمن بن أبي علقمة- ويقال: ابن علقمة-؛ قال في
"التقريب ":
" يقال: له صحبة. وذكره ابن صحبان في ثقات التابعين "
قلت: وقد روى عنه عبد الملك بن محمد بن بشر أيضا، وعون بن أبي
جحيفة.
والحديث قال المنذري:
" حسن. وأخرجه النسائي "!
قلت: ولم أجده عند النسائي في "المجتبي "! فلعله في "سننه الكبرى".
نعم؛ هو في "الصغرى" له من طريق أخرى مختصراً، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (1/464) : ثنا محمد بن جعفر ... به؛ وفيه قصة
الناقة، ونزول) {إنا فتحنا ... } .
وقال (1/386) : حدثنا يحيى: ثنا شعبة ... به.
وأخرجه ابن جرير، والطيالسي (1/49- 50) عن شعبة، وقرن به الطيالسي:
المسعودي.(2/346)
وعنه: أخرجه أحمد أيضا، فقال (1/391) : ثنا يزيد: أنبأنا المسعودي ... به
نحوه، وقال الهيثمي:
" رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير". وأبو يعلى باختصار عنهم؛ وفيه
عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وقد اختلظ في آخر عمره ".
ولشعبة فيه إسناد آخر مختصراً: أخرجه النسائي (1/100) عنه عن إبراهيم
ابن محمد بن المنتشر عن أبيه:
أنه كان في مسجد عمرو بن شرَحْبِيل، فأقيمت الصلاة، فجعلوا ينتظرونه،
فقال: إني كنت أوتر. قال: وسئل عبد الله: هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم، وبعد
الإقامة. وحدث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى.
ورجاله ثقات؛ لكتي أخشى أن يكون منقطعاً بين محمد بن المنتشر وابن
مسعود!
11- باب في بناء المساجد
475- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ما أُمِرْتُ بتشْيِيدِ المساجد ".
قال ابنُ عباس: لَتُزَخْرِفُنها كما زَخْرَفَتِ اليهودُ والنصارى!
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان (1613) . وقول ابن عباس؛ عَلقَهُ
البخاريَ في "صحيحه "، وهو موقوف في حكم المرفوع، وقد روي مرفوعاً) .
إسناده: حدثنا محمد بن الصَبَاح بن سفيان: نا سفيان بن عيينة عن سفيان
الثوري عن أبي فَزَارة عن يزيد بن الأصَم عن ابن عباس.(2/347)
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن
الصباح، وهو ثقة.
وأبو فزارة: اسمه راشد بن كَيْسان.
وصححه ابن حبان (1613) .
والحديث أخرجه البيهقي (2/438- 439) ، وابن حزم (4/440) من طريق
المؤلف.
ورواه البيهقي من طريق علي بن قادم: ثنا سفيان الثوري ... به.
وقول ابن عباس منه؛ علقه البخاري في "صحيحه " (1/428) . قال الحافظ:
" وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه؛ للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله
وإرساله ".
قلت: وقد وصله أبو فزارة، وهو ثقة، فيجب قبول زيادته.
وقول ابن عباس هذا؛ قال الشيخ القاري في "المرقاة" (1/459) :
" وهو موقوف؛ لكنه في حكم المرفوع ".
قلت: وقد روي مرفوعاً؛ لكن بسند ضعيف:
أخرجه ابن ماجه من طريق أخرى عن ابن عباس، وقد تكلمنا عليه في
"الثمر المستطاب ".
476- عن أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا تقومُ الساعةُ حتى يتباهى الناس في المساجد ".(2/348)
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (1611) في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا محمد بن عبد الله الخزَاعي: ثنا حماد بن سلمة عن أيوب
عن أبي قلابة عن أنس. وقتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كَلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن
عبد الله الخزاعي، وهو ثقة؛ وثقه ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما.
والحديث أخرجه الطبراني في " معجمه الصغير" (ص 125) : ثنا معاذ بن
المثنى بن معاذ العنبري أبو المثنى: ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي ... به، وقال:
" لم يروه عن قتادة إلا حماد. تفرد به الخزاعي ".
قلت: وأخرجه النسائي (1/112) ، والدارمي (1/327) ، وابن ماجه
(1/250) ، والبيهقي (2/439) ، وأحمد (3/134 و 145 و 152 و 230 و 283) ،
وأبو يعلى (2/2703) ، وعنه ابن حبان (308) من طرق عن حماد بن سلمة عن
أيوب عن أبي قلابة عن أنس ... به.
وقال البخاري في "صحيحه " (1/428) : وقال أنس:
يتباهون بها، ثم لا يَعْمرونَهَا إلا قليلاً. قال الحافظ:
" وهذا التعليق زؤيناه موصولاً في "مسند أبي يعلى " و "صحيح ابن خزيمة"
من طريق أبي قلابة أن أنساً قال: سمعته يقول: " يأتي على أمتي زمان يتباهون
بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلا "، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان
مختصراً من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تقوم
الساعة ... "! إلخ(2/349)
وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/1/142- 2) من طريق أبي عامر الخزاز
قال: قال أبو قلابة الجرمي:
انطلقنا مع أنس يريد الزاوية قال: فمررنا بمسجد، فحضرت صلاة الصبح،
فقال أنس: لو صلينا في هذا المسجد؛ فإن بعض القوم يأتي المسجد الأخر! قالوا:
أي مسجد؟ فذكرنا مسجداً. قال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" يأتي على الناس ... " إلخ. قال ابن خزيمة: الزاوية: قصر من البصرة على
شبه من فرسخين.
وأبو عامر الخزاز: هو صالح بن رستم، صدوق كثير الخطأ.
ومن طريقه: أخرجه أبو يعلى أيضا (2/746) .
والحديث أخرجه ابن حبان أيضا (307) من طريق عفان: حدثنا حماد بن
سلمة ... بلفظ:
نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يتباهى الناس بالمساجد.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
477- عن عبد الله بن عمر:
أن المسجد كان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبنيّا باللَّبِن وعَمَده (وفي
رواية: وعمُده) من خشب النخيل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه
عمر، وبناه على بنائه في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باللَبِن والجريد، وأعاد عَمَدَه
(وفي الرواية الأخرى: عُمُدَه) خشباً، وغيَّرَهُ عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة،
وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عَمَدَة من حجارة منقوشة،
وسَقْفَه بالساج (وفي الرواية الأخرى: وسَقَّفَهُ الساجَ) .(2/350)
قال أبو داود: " القَصَّةُ: الجص (1) ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخارى) .
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ومجاهد بن موسى- وهو أتم- قالا:
ثنا يعقوب بن إبراهيم: ثنا أبي عن صالح قال: نا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره.
والرواية الأخرى لمجاهد.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فإن رجاله كلهم من
رجالهما؛ غير محمد بن يحيى؛ فهو من رجال البخاري وحده.
ومجاهد بن موسى؛ فمن رجال مسلم وحده.
والحديث أخرجه أحمد (2/130) : ثنا يعقوب ... به.
ومن طريق أحمد: أخرجه البيهقي (2/438) .
وأخرجه البخاري (1/428) : حدثنا علي بن عبد الله: ثنا يعقوب بن
إبراهيم ... به.
(تنبيه) : لم يَعْزُ المنذري في "مختصره " الحديث إلى البخاري! فأوهم أنه لم
يخرجه، وذلك أنّ من عادة المنذري عزوه الحديث إلى من أخرجه من أصحاب
الكتب الستة، فإذا لم يفعل؛ فقد أوهم، فلزم التنبيه عليه!
478- عن أنس بن مالك قال:
قَدِمَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فنزل في عُلْوِ المدينةِ في حَي- يقال لهم:
بنو عمرو بن عوف-، فأقام فيهم أربعَ عشْرةَ ليلةً، ثم أرسل إلى بني
__________
(1) كذا قال المصنف! وقال الخطابي في "المعالم ". " والقصة. شيء يثبه الجص، وليس به ".(2/351)
النجار، فجاؤوا متقلدي سمِوفهم. فقال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته؛ وأبو بكر رِدْفَة، ومَلأُ بني النجار حوله؛ حتى ألقى
بفِنَاء أبي أيوب، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي حيث أدركَتْه الصلاةُ،
ويصلِّي في مرابض الغنم، وإنه آمَرَ ببناءِ المسجد، فأرسل إلى بني النجار
قال:
" يا بني النَّجَّار! ثامِنُوني بحائطكم هذا ". فقالوا: والله لا نطلبُ ثَمَنَه
إلا إلى الله.
قال أنس: وكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قور المشركين، وكانت
فيه خِرَبٌ، وكانت فيه نخلٌ، فأمررسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَر بقبور المشركين فَنبِشَتْ،
وبالخرَبِ فسُويَت، وبالنخيل فَقطعَ، فَصُفِّفَ النخلُ قِبْلَةَ المسجدِ، وجعلوا
عَضَادَتَيْه الحجارة، وجعلوا ينْقُلُون الصَخْرَ؛ وهم يَرْتَجِزُونَ والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
معهم يقول:
" اللهمَّ لا خَيْرَ إلا خير الآخِرَة ... فانصُر ِالأنصارَ والمهَاجِرَة".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في "صحيحه "
بسند المؤلف. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وأخرج الترمذي
منه الصلاةَ في المرابض، وقال: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الوارث عن أبي التَّيَّاح عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وأبو التياح: اسمه يزيد بن
حمَيْد الضبَعِيَ.(2/352)
والحديث أخرجه البيهقي (2/438) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري (1/416- 417) ... بإسناده.
وأخرجه الطيالسي (رقم 2085) قال: حدثنا حماد بن سلمة وعبد الوارث
وشعبة؛ أحسيهم كلهم: حدثنا عن أبي التجاح ... به.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/397- 398) .
ثم أخرجه هو، ومسلم (2/65) ، والنسائي (1/114- 115) ، والبيهقي
أيضا، وأحمد (3/211- 212) من طرق أخرى عن عبد الوارث ... به.
وحديث شعبة مختصر: أخرجه مسلم بلفظ:
كان يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد.
وكذا أخرجه الترمذي (2/186) ، دون قوله: قبل أن يبنى المسجد. وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وأما حديث حماد بن سلمة؛ فقد أخرجه المصنف أيضا وغيره، وهو:
479- وفي رواية عنه قال:
كان مَوْضِعُ المسجد حائطاً لبني النجار؛ فيه حَرْثٌ ونخلٌ وقبورُ
المشركين، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ثَامِنُوني به ".
فقالوا: لا نبغي به ثمناً، فقطع النخلُ، وسوي الحَرْثُ، ونُبِشَ قبور
المشركين ... وساق الحديث، وقال: " فاغفر ". مكان: " فانصر ".(2/353)
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة عن أبي التيُّاح عن
أنس بن مالك. قال موسى: حدثنا عبد الوارث ... بنحوه.
وكان عبد الوارث يقول: خرب، وزعم عبد الوارث أنه أفاد حماداً هذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأما رواية عبد الوارث؛ فقد تقدمت قبله.
والحديث أخرجه مسلم أيضا، وابن ماجه (1/251) ، وابن حبان
(9/ 190/ 7215) ، وأحمد (3/118 و 123 و 244) من طرق عن حماد بن
سلمة ... به.
وهو في "الصحيحين " من طريق عبد الوارث، كما سبق.
12- باب اتخاذ المساجد في الدُور
480- عن عائشة قالت:
آمَر َرسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ببناءِ المساجد في الدُّور، وأن تُنَطفَ وتُطَيبَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه ابن خزيمة في
"صحيحه "، وكذا ابن حبان (1632)) .
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.(2/354)
والحديث أخرجه ابن حزم (4/44) من طزيق المؤلف. وأخرجه ابن ماجه
(1/256) من طريق أخرى عن زائدة بن قدامة.
ثم أخرجه من طريقين عن مالك بن سُعَيْر: أنبأنا هشام بن عروة ... به.
وأخرجه أحمد (6/279) : ثنا عامر بن صالح قال: ثني هشام بن عروة ... به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الترمذي (2/490) .
ثم أخرجه من طريق عبدة ووكيع وابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه ...
مرسلاً؛ لم يذكر عائشة. وقال:
" هذا أصح من الحديث الأول ".
قلت: لا شك أن رواية هؤلاء الثلاثة أصح من رواية عامر بن صالح- وهو
الزبيري-؛ فإنه ضعيف.
لكن قد تابعه زائدة بن قدامة، ومالك بن سعير، وهما ثقتان حجتان، فوصلوه
بذكر عائشة فيه، فعاد الحديث صحيحاً موصولاً. ومن رواه مرسلاً لا يعِفه؛ لأن
مَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ، ولأن الراوي قد يرسل الحديث تارة وبوصله
أخرى؛ فروى كل ما سمع، وكل ثقة؛ فوجب الأخذ بالزيادة.
ثم إن الحديث رواه ابن خزيمة في "صحيحه "؛ كما في "الترغيب " (1/120) ،
وابن حبان أيضا في "صحيحه " (1632) .
481- عن سَمرَة: أنه كتب إلى بنيه:
أما بعد؛ فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يأمرنا بالمساجد أن: نصنعها في
دورنا، ونًصْلِحَ صِنْعَتَها، ونطَهرَها.(2/355)
(قلت: حديث صحيح، وصححه الحافط الهيثمي والشوكاني) .
إسناده: حدثنا محمد بن داود بن سفيان: ثنا يحيى- يعني: ابن حسان-:
ثنا سليمان بن موسى: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة: ثني خُبَيْب بن سليمان عن
أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة. قال ...
وهذا إسناد ضعيف؛ محمد بن داود بن سفيان لم يوثقه أحد، ولا ذكروا عنه
راوياً غير المصنف؛ فهو مجهول. وفي " التقريب ": أنه
"مقبول ".
ويحبي بن حسان: هو التنيسي.
وسليمان بن موسى: هو الأموي؛ وهما ثقتان.
ثم استدركت ففلت: وسليمان بن موسى ليس هو الأموي؛ فقد ساق المصنف
بهذا الإسناد حديثا ًآخر جاء فيه:.. ثنا سليمان بن موسى أبو داود ... وسليمان
ابن موسى أبو داود؛ كوفي، والأ موي دمشقي، والكوفي فيه كلام كثير، حتى قال
فيه البخاري:
(منكر الحديث ". وفي " التقريب ":
"لين ".
وأما جعفر بن سعد بن سمرة؛ فليس بالقوي، كما في "التقريب ".
وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"! وقال ابن حزم:
" مجهول ". وقال عبد الحق في "الأحكام ":
" ليس ممن يعتمد عليه ". وقال ابن عبد البر:(2/356)
" ليس بالقوي ". وقال ابن القطان:
" ما من هؤلاء من يُعْرَفُ حاله- يعني: جعفراً وشيخه وشيخ شيخه-، وقد
جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد يروى به جملة أحاديث، قد ذكر البزار
منها نحو المئة ".
وخبيب بن سليمان بن سمرة؛ لا يعرف، كما قال الذهبي. وقال العسقلاني:
"مجهول ".
وكذا قال ابن حزم. وقال عبد الحق:
"ليس بقوي ".
وأما ابن حبان: فذكره على عادته في "الثقات ". وقال ابن القطان- كما
سبق-:
" لا يعرف حاله ".
وكذا قال في أبيه سليمان بن سمرة. وذكره ابن حبان في "الثقات " أيضا.
وقال الحافظ:
" مقبول ". ولما سبق؛ قال الذهبي:
" وبكل حال؛ هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم ".
لكن الحديث له طريق أخرى وشاهد؛ سنذكرهما قريباً.
والحديث أخرجه البيهقي (2/440) من طريق المؤلف.
وللحديث طريق أخرى: فقال أحمد (5/17) نل ثنا سُرثج بن النعمان: ثنا بقية
عن إسحاق بن ثعلبة عن مكحول عن سمرة بن جندب قال:(2/357)
أمرنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتخذ المساجد في ديارنا، وأمرنا أن ننظفها.
وهذا إسناد ضعيف أيضا؛ إسحاق بن ثعلبة مجهول، كما قال أبو حاتم.
وبقية رجاله ثقات؛ لكن بقية مدلس، وقد عنعنه.
ومكحول لم يسمع من سمرة؛ كما قال الحافظ في "التعجيل ".
وقد أورده مجد الدين ابن تيمية في "المنتقى" (2/128- يشرح الشوكاني)
بلفظ أحمد هذا، ثم قال:
" رواه أحمد، والترمذي وصححه "! وعلق عليه الشوكاني بقوله:
" رواه أحمد بإسناد صحيح "!
وهذا غير صحيح كما علمت مما سبق! ويظهر لي أن الشوكاني لم يقف على
إسناد أحمد هذا؛ وإنما وقف على هذه العبارة في "المجمع " للهيثمي؛ قد قالها في
رواية أخرى لأحمد عن غير سمرة- كما يأتي-؛ على أنها غير صحيحة أيضا،
فنقلها الشوكاني، وجعلها تحت حديث سمرة، فأوهم أن إسناده عند أحمد صحيح!
ثم إنني لم أجد الحديث في "سنن الترمذي "؛ ولم يعزه إليه المنذري في
"مختصره "، ولا النابلسي في "الذخائر"!
فهو وهم آخر من ابن تيمية أيضا!
وقد سبقه إلى ذلك المنذري في "الترغيب " (1/120) !
وللحديث شاهد قوي: أخرجه أحمد (5/371) قال: ثنا يعقوب: ثنا أبي عن
أبي إسحاق (كذا! والصواب: ابن إسحاق) : ثني عمرو بن عبد الله بن عروة بن
الزبير (كذا: عمرو! والصواب بدون الواو) عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(2/358)
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا، وأن نصلح صنعتها،
ونطهرها.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق- وقد
روى له مسلم مقروناً، وهو حسن الحديث، كما سبق. وأما قول الهيثمي (2/11) :
" رواه أحمد، وإسناده صحيح "!
ففيه شيء من التساهل. وقد أخطأ الشوكاني فنقل هذا القول إلى "المنتقى"،
وجعله تحت حديث سمرة كما سبق آنفاً؛ وإنما هذا إسناد آخر كما ترى! ثم قال
الشوكاني إثر ذلك:
" وكذا رواه غيره بأسانيد جيدة "!
كذا قال! ولم أجد له أي إسناد جيد فيما بين يدي من كتب السنة غير هذا!
والله أعلم.
13- باب في السّرُج في المساجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
14- من باب في حصى المسجد
482- عن أبي صالح قال: كان يقال: إن الرجل إذا أخْرَج الحصاة من
المسجد يُنَاشِدُه.
(قلت: إسناده صحيح. وقد روي مرفوعاً عن أبي هريرة، وهو في الكتاب
الأخر رقم (70)) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية ووكيع قالا: نا الأعمش(2/359)
عن أبي صالح.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى أبي صالح- وهو ذَكْوان
السمان، وهو من التابعين الثقات المكثرين عن أبي هريرة.
وقد رواه شريك: ثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة. قال أبو بدر
- وهو شجاع بن الوليد الراوي له عن شريك-: أراه قد رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد "
لكن شريك سيئ الحفظ، وقد خالف، ولذلك أوردنا حديثه هذا في الكتاب
الآخر (رقم 70) ، والصواب رواية الأعمش هذه عن أبي صالح: كان يقال ...
إلخ؛ ليس فيه ذكر أبي هريرة، ولا رفعه.
15- باب كنس المسجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر "الضعيف ") ]
16- من باب اعتزال النساء في المسجد عن الرجال
483- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لو تَرَكْنَا هذا الباب للنساء! ".
قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين) .
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر: ثنا عبد الوارث: ثنا أيوب عن
نافع عن ابن عمر. وقال غير عبد الوارث: قال عمر. وهو أصح.(2/360)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأعله المصنف بأن غير عبد
الوارث رواه موقوفاً على عمر.
ثم أخرجه من طريق إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه بمعناه، قال:
" وهو أصح ".
ثم رواه من طريق بكير عن نافع قال:
إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء.
قلت: عبد الوارث- وهو ابن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم- ثقة ثبت، وقد
رواه مرفوعاً عن ابن عمر؛ فهي زيادة منه يجب قبولها، ورواية غيره عن عمر لا
يعله؛ بل لنافع روايتان: الأولى: عن ابن عمر مرفوعاً، وهي هذه. والأخرى: عن
عمر موقوفاً، وهي رواية إسماعيل عن أيوب وبكير عن نافع. ولذلك قال في "عون
المعبود":
" والأشبه أن يكون الحديث مرفوعاً وموقوفاً، وعبد الوارث ثقة تقبل زيادته،
والله أعلم ".
قلت: على أن الرواية عن عمر منقطعة؛ ولذلك أوردناها دي الكتاب الآخر
(رقم 72) .
17- باب ما يقول الرجل عند دخوله المسجد
484- عن أبي حمَيد- أو أبي اسَيد- الأنصارى قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا دخل أحدُكم المسجدَ؛ فَلْيُسَلِّم على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ليقل: اللهم(2/361)
افتح لي أبواب رحْمَتِكَ، وإذا خرج، فليقل: اللهم إني أسألُكَ من فضلك ".
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وزاد
أبو عوانة: التسليم عند الخروج أيضا) .
إسناده: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي: ثنا عبد العزيز- يعني:
الدراوردي- عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سُويد
قال: سمعت أبا حميد- أو أبا أسيد- الأنصاري يقول ...
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن
عثمان الدمشقي- وهو أبو الجمَاهر التَّنُوخي الكَفْرَسوسِيّ-، وهو ثقة اتفاقاً.
والحديث أخرجه البيهقي (2/442) من طريق المصنف، ومن طريق عبَيْد بن
شَرِيك عن أبي الجمَاهر.
وأخرجه الدارمي (1/324) : حدثنا يحيى بن حسان: أنا عبد العزيز بن
محمد ... به.
وقد تابعه سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن:
أخرجه مسلم (2/155) ، والبيهقي (2/441) - عن يحيى بن يحيى-،
والدارمي (2/293) - عن عبد الله بن مسلمة-، وأبو عوانة في "صحيحه "
(1/414) - عن ابن أبي مريم-، والنسائي (1/119) ، وأحمد (3/197 و 5/425)
- عن أبي عامر- كلهم عن سليمان ... به، وكلهم قالوا: عنه عن أبي حميد أو
أبي أسيد؛ على الشك؛ غير أبي عامر فقال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان!
وهي رواية شاذة، والصحيح رواية الجماعة.
وتابعه أيضا عَمارة بن غَزِية: عند مسلم وأبي عوانة والبيهقي من طريق بشر(2/362)
بن مُفَضَّل ويحيى بن عبد الله بن سالم عنه.
وتابعهما عنه إسماعيل بن عياش؛ لكنه قال: عن أبي حميد وحده.
وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها.
هذا؛ وليس في حديث سليمان بن بلال التسليم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ثابت
في سائر الروايات.
وفي حديث عمارة بن غزية- عند أبي عوانة-: التسليم عند الخروج أيضا.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفيه
التسليم في الموضعين، وقد خرجته في " الثمر المستطاب "، وصححه ابن خزيمة
(1/62/1) ، وابن حبان (321) .
ثم إن الحديث رواه بعض الثقات عن عبد العزيز من فعله عليه السلام بلفظ آخر:
أخرجه أبو عوانة قال: حدثني محمد بن النعمان بن يَشِير- ببيت المقدس-
قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويْسي قال: ثنا عبد العزيز عن ربيعة عن عبد
الملك بن سوَيد عن أبي حميد الساعدي:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول إذا دخل المسجد:
" اللهم "! افتح لنا أبواب رحمتك، وسَهِّلْ لنا أبواب رزقك ".
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ لكنه شاذ سنداً ومتناً.
ولعل الوهم فيه من الأويسي؛ فهو وإن كان ثقة؛ فقد روى الأجُري عن
المصنف أنه
" ضعيف ". والله أعلم.(2/363)
485- عن حَيْوة بن شريح قال: لَقِيث عقْبةَ بنَ مسلم، فقلت له:
بلغني أنك حَدّثْتَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أنه كان إذا دخل المسجد قال:
" أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان
الرجيم "؟! قال: آقَطْ؟ قلت: نعم. قال:
" فإذا قال ذلك؛ قال الشيطان: حُفِظ منِّي سائرَ اليوم ".
(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: " حديث حسن، إسناده جيد! ") .
إسناده: حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن
عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وقوّاه النووي كما ذكرنا آنفاً،
وهو في "الأذكار" له.
والحديث من أفراد المؤلف رحمه الله.
ووهم الحافظ ابن كثير رحمه الله؛ حيث عزاه في "تفسيره " (3/293) لى
"صحيح البخاري "!
18- باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد
486- عن أبي قتادة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا جاء أحدُكم المسجدَ؛ فَلْيُصَل سجدتين من قبل أن يجلس ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة(2/364)
في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو
ابن سُلَيْم الزرَقي عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في " الموطأ" (1/176- 177) .
ومن طريقه أيضا: أخرجه محمد في "موطَّئه " (ص 150) ، والبخاري
(1/426) ، ومسلم (2/155) ، وأبو عوانة (1/415) ، والنسائي (1/119) ،
والترمذي (2/129) - وقال: " حديث حسن صحيح "-، والدارمي (1/323) ،
وابن ماجه (1/317) ، والطحاوىِ (1/217) ، وابن حبان (4/90/2488) ،
وأحمد (5/295 و303) ، والخطيب في " تاريخه " (5/236 و 12/318) ؛ كلهم
من طريق مالك ... به.
وقد تابعه عن عامر عبد الله بن سعيد. عند البخاري (3/37) .
وعثمان بن أبي سليمان وابن عجلان معاً: عند أبي عوانة، والطحاوي،
وأحمد (5/296 و 305) .
وفليح بن سليمان: عند الدارمي.
ويحيى بن سعيد الأنصاري: عند ابن حبان (2486) ، والطبراني في
"الصغير" (صفحة 76) .
وسهيل بن أبي صالح: عند الطحاوي، والخطيب (3/47) كلهم عن عامر ...
به؛ إلا سهيل بن أبي صالح فقال: عن جابر بن عبد الله. قال الخطيب:
" وهو وهم؛ خالف سهيلٌ الناسَ في روايته، والصواب: عن أبي قتادة ".(2/365)
وذكر نحوه الترمذي، وحكاه عن ابن المديني.
وتابعهم- عند ابن حبان (2490) -: ابنُ جريج عن عامر ... به؛ وزاد:
" أو يستخبر "!
وهي شاذة؛ تفرد بها ابن جريج؛ مع العنعنة.
وتابع عامراً: محمد بن يحيى بن حَبَّان بلفظ: عن أبي قتادة صاحب رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
دخلت المسجد ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس بين ظهرانَي الناس، قال: فجلست،
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟! ". قال: فقلت: يا رسول الله!
رأيتك جالساً والناس جلوس! قال ... فذكره نحوه.
أخرجه مسلم، وأبو عوانة، واحمد (5/305) .
وفيه فائدة عزيزة؛ وهي سبب ورود الحديث.
وللحديث طريق أخرى؛ فقال الحافظ بعد أن ذكر سبب الورود:
" وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة: " أعْطُوا المساجد حقها ".
قيل له: وما حقها؟ قال: " ركعتين قبل أن تجلس " ... ".
قلت: وقد أخرجه الخطيب (14/440) من طريق عبد الله بن أبي قتادة عن
أبيه مرفوعاً:
" إذا دخلت المسجد؛ فَحَيِّهِ ركعتين قبل الإمام ".
وإسناده ضعيف؛ فيه جماعة لا يعْرَفون.(2/366)
487- وفي رواية عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحوه؛ زاد:
"ثُمَّ لْيَقْعُدْ بَعْدُ إن شاء، أولِيَذْهَبْ لحاجته ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد: أنا أبو عميس عُتْبةُ بن
عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والرجل من بني زريق: هو
عمرو بن سُلَيْم في الرواية الأولى؛ فإنه منهم (1) .
والحديث أخرجه أحمد (5/311) : ثنا وكيع عن أبي العُمَيْس ... به دون الزيادة.
وهذا على شرطهما.
وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن عامر ... به، وقد سبق بيانها عند
الرواية الأولى.
19- باب فضل القعود في المسجد
488- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" الملائكة تُصَلِّي على أحدِكم ما دام في مُصَلاه الذي صلَّى فيه- ما
لم يحدث؛ أو يقومَ-: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".
__________
(1) فقول المنذري في "مختصره ": " رجل من بني زريق مجهول "! ذهول عما ذكرنا!
ويؤيده أن في رواية أحمد الآتية: عن الزرقي ... وقد ساق قبل هذا الحديث حديثاً آخر
بإسناده هذا، وفيه: عن الزرقي يقال له: عمرو بن سليم-.
فثبت بذلك ما ذهبنا إليه، والحمد لله على توفيقه.(2/367)
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في
"صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وإسناده عند البخاري
إسناد المؤلف) .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البيهقي (2/185) من طريق المصنف.
وبإسناده: أخرجه البخاري (2/112) .
وأخرجه أبو عوانة (2/22) من طريق القعنبي.
ثم أخرجه هو، والنسائي (1/120) من طرق أخرى عن مالك ... به.
وهو في " الموطأ" (1/175) .
وله طرق أخرى عن أبي هريرة:
منها: عن أبي صالح عنه: أخرجه الشيخان وغيرهما، وسيأتي في الكتاب
رقم 568) .
ومنها: عن ابن سيرين عنه: رواه مسلم وأبو عوانة.
ومنها: عن همام بن فنَبِّهٍ: عندهما وعند الترمذي (2/151) ؛ وقال:
"حسن صحيح ".
ومنها: عن أبي سلمة: عند الدارمي (1/327) .
ومنها: عن أبي رافع، ويأتي بعد حديث.(2/368)
489- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا يزال أحدُكم في صلاةِ؛ ما كانتِ الصلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُه أن
ينقَلِبَ إلى أهلِهِ إلا الصلاة ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري بإسناد
المصنف، ورواه مسلم أيضا وأبو عوانة في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البخاري (2/112- 113) ... بإسناد المصنف؛ لكنه قرنه
بالحديث الذي قبله، وجعلهما حديثاً واحداً.
وهو في "الموطَّأ" (1/175) مفرقاً. قال الحافظ:
" قوله: " لا يزال أحدكم "؛ هذا القدر أفرده مالك في "الموطأ" عما قبله،
وأكثر الرواة ضموه إلى الأول، فجعلوه حديثاً واحداً، ولا حَجْرَ في ذلك ".
قلت: وكذلك أخرجه أبو عوانة (2/22) من طريق ابن وهب والقعنبي عن
مالك؛ مضموماً إلى الأول.
وأخرجه مسلم (2/129) ؛ هذا القدر وحده.
ومما ذكرنا؛ تعلم أن عزو المنذري الحديث لمسلم وحده! قصور أو دْهول!
490- عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لا يزال العبد في صلاة؛ ما كان في مُصَلآه ينتظز الصلاةَ، تقول
الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؛ حتى ينصرفَ أو يُحْدِثَ ".(2/369)
فقيل: ما يُحْدِثُ؟ قال: يَفْسُو أو يَضْرِطُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن
أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح شرطهما؛ وحماد: هو ابن زيد. وأبو رافع: هو
نُفَيْعٌ الصائغ.
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/23) من طريق المصنف، ومن
طريق أبي الوليد، والحسن بن موسى قالوا: ثنا حماد بن زيد ... به.
وقد تابعه: حماد بن سلمه عن ثابت.
أخرجه مسلم (2/129) .
وله طرق أخرى عن أبي هريرة؛ سبق ذكرها قبله بحديث.
491- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"مَنْ أتى المسجدَ لشيءٍ فهو حَظُّه ".
(قلت: إسناده حسن، ورمز له بذلك السيوطي) .
إسناده: حدثنا هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد: نا عثمان بن أبي
العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العَنْسِي عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال(2/370)
البخاري؛ لكنه إنما أخرج لعثمان بن أبي العاتكة في "الأدب المفرد"، وهو مختلف
فيه؛ قال ابن معين والنسائي:
" ليس بالقوي ". وقال أبو مُسْهِر وإسحاق ويعقوب بن سفيان:
" ضعيف الحديث ". وقال ابن عدي:
" مع ضعفه يكتب حديثه ".
وساق له من طريق هشام عن صدقة عنه عن علي بن يزيد عن القاسم عن
أبي أمامة ثلاثين حديثاً، عامتها ليست مستقيمة.
قلت: علي بن يزيد: هو ابن أبي زياد الألهاني؛ قال الساجي:
" اتفق أهل العلم على ضعفه ".
فالحمل في هذه الأحاديث عليه، فلا يقدح بها على عثمان بن أبي العاتكة.
ولذلك قال أبو حاتم عن دُحَيْمً:
" لا بأس به، كان قاصَّ الجند، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد،
والأمر من علي بن يزيد ". وقال أحمد:
" لا بأس به، بليَّته من علي بن يزيد ". وقال ابن أبي حاتم عن أبيه:
" لا بأس به، بأسه من كثرة روايته عن علي بن يزيد، فأما روايته عن غير
علي؛ فهو مقارب، يكتب حديثه ". وقال المصنف:
" صالح ". وقال خليفة: " ثقة؛ كثير الحديث ". وقال ابن سعد:
" كان ثقة في الحديث ". وقال العجلي:(2/371)
" لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
ويتلخص عندي مما سبق: أن الرجل ثقة في نفسه غير متهم في روايته؛ لكن
في حفظه ضعف يسير إن شاء الله تعالى؛ فهو حسن الحديث حين لا يظهر خطؤه؛
وفي غير روايته عن علي بن يزيد الألهاني.
ولذلك لم يضعفه الحافظ في روايته عن غيره؛ فقال في "التقريب ":
" ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ".
والحديث رمز السيوطي في "الجامع " لحسنه، وعزاه للمصنف وحده. وقال
الشارح المناوي:
" ورواه عنه: ابن ماجه أيضا "!
قلت: وأظن أنه وهم؛ فإني لم أجده عند ابن ماجه! ولم يعزه إليه المنذري في
"مختصره " (رقم 443) ! ولا النابلسي في "ذخائره " (رقم 8547) ! ولا صاحب
" المشكاة" رقم (725) !
ثم إن الحديث يشهد له أحاديث كثيرة في إخلاص النيهَ في العبادة:
منها الحديث المتفق عليه:
" إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ... ". الحديث.
................................. (*)
__________
(*) هنا سجل الشيخ رحمه الله تاريخ انتهائه من دفتره الثالث: " 19/8/1369 هـ ".(2/372)
20- باب في كراهية إنشاد الضالّة في المسجد
492- عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من سمع رجلاً ينشد ضالّة في المسجد؛ فليقل: لا أدّاها الله إليك؛
فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة وابن
حبان في "صحاحهم ") .
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر الجُشَمِيُّ: ثنا عبد الله بن يزيد: ثنا حيوة
- يعني: ابن شريح- قال: سمعت أبا الأسود- يعني: محمد بن عبد الرحمن بن
نوفل- يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول ...
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ وأبو عبد الله
مولى شداد: اسمه سالم بن عبد الله النصْري.
والحديث أخرجه أحمد (2/349) : حدثنا أبو عبد الرحمن القرى ... به.
وأبو عبد الرحمن: هو عبد الله بن يزيد شيخ شيخ المصنف فيه.
ومن طريقه: أخرجه مسلم (2/82) ، وأبو عوانة (1/406) في
" صحيحيهما "، والبيهقي (2/447) .
ثم أخرجوه هم، وابن ماجه (1/258) ، وابن الستي في "عمل اليوم والليلة"
(رقم 148) ، وأحمد (2/420) من طريق ابن وهب عن حيوة ... به.
ورواه أبو عوانة من طريق أبي زرعة المصري قال: ثنا حيوة ... به.
وأبو زرعة هذا: هو وهب الله بن راشد؛ وفيه ضعف.(2/373)
وله شاهد من حديث بريدة: عند مسلم وأبي عوانة وابن حبان وابن ماجه.
21- باب في كراهية البُزاق في المسجد
493- عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" التفْلُ في المسجد خطيئة، وكفّارته أن يوارَيهُ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجا نحوه) .
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام وشعبة وأبان عن قتادة عن أنس.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم 1988) : ثنا شعبة ... به.
وأخرجه البخاري (1/456) ، ومسلم (2/77) ، وأبو عوانة (1/404) ،
والدارمي (1/324) ، والبيهقي (2/291) ، وأحمد (3/277) من طرق عن
شعبة ... به، وصرح بسماع قتادة من أنس.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (11/18) ، والترمذي (2/461- 462) ،
والبيهقي أيضا من طريق أبي عوانة عن قتادة ... به.
وأخرجه المصنف أيضا كما يأتي.
وأما حديث هشام؛ فأخرجه أحمد (3/232 و 277) : ثنا محمد بن يزيد
الواسطي عن هشام الدَّسْتُوائي وشعبة جميعاً عن قتادة ... به.
وأخرجه أبو عوانة، وأحمد أيضا (3/183 و 274) من طرق أخرى عن
هشام ... وحده.(2/374)
وأما حديث أبان؛ فأخرجه أحمد أيضا، فقال (3/289) :
" ثنا بهز: ثنا أبان بن يزيد: ثنا قتادة ... به.
وهذا على شرطهما.
(تنبيه) : الحديث عند جميع من ذكرنا بلفظ:
" دَفْنها "؛ كما في رواية المصنف الأتية؛ بدل قوله: " أن تواريه ".
ويظهر لي أن هذا لفظ رواية هشام الدستوائي؛ فإنه عند أحمد في رواية عنه
بهذا اللفظ. فقول المنذري في "مختصره ":
" رواه مسلم "!
إنْ كان يعني بهذا اللفظ- كما هو الظاهر-؛ فهو وهم. وإن كان يعني بالمعنى؛
فتخصيصه لمسلم دون البخاري وغيره؛ ليس له معنى!
494- وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إن البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دَفْنها ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو
عوانة في "صحاحهم ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ") .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (2/76- 77) ، والنسائي (11/18) ، والترمذي (2/461
- 462) ، والبيهقي (2/291) من طرق عن أبي عوانة ... به. وقال الترمذي:(2/375)
" حديث حسن صحيح ".
وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق شعبة عن قتادة ... بهذا
اللفظ؛ وقد سبق تخريجه في الرواية الأولى. وقول المنذري:
" رواه البخاري والترمذي والنسائي "! قصور؛ فقد رواه مسلم أيضا.
495- وفي أخرى عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الئخَاعةُ في المسجد ... " فذكر مثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم) .
إسناده: حدثنا أبو كامل: ثنا يزيد بن زُريع عن سعيد عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو كامل: هو فُضَيْل بن حسين
الجَحْدَرِيُ.
والحديث أخرجه أحمد (3/109 و209 و 231) من طرق عن سعيد ... به.
496- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" من دخل هذا المسجد، فبزق فيه أوتَنَخَّمَ؛ فليحفِرْ وليدفِنْة، فإن لم
يفعل؛ فليبزُق في ثوبه، ثم ليخرج به ".
(قلت: إسناده حسن صحيح) .
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا أبو مودود عن عبد الرحمن بن أبي حدرد
الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة يقول ...
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الرحمن بن أبي حدرد(2/376)
الأسلمي؛ قال الدارقطني:
" لا بأس به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ".
وأبو مودود: واسمه عبد العزيز بن أبي سليمان الهُذَلي مولاهم؛ وثقه المصنف
وجماعة. فقول الحافظ فيه:
"مقبول "!
غير مقبول!
والحديث أخرجه البيهقي (2/291) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (2/260 و 471- 472) من طريق زيد بن الحُبَاب ووكيع
كلاهما عن أبي مودود ... نحوه.
وأخرجه ابن خزيمة (1310) عن أبي عامر عن أبي مودود.
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعاً بلفظ:
" إذا تنخم أحدكم في المسجد؛ فَلْيُغَيِّبْ نخامته؛ أن تصيب جلد مؤمن أو
ثوبه فيؤذيَة ".
أخرجه أحمد (1/179) بإسناد حسن، كما قال الحافظ في "الفتح " (1/406) -
ورواه أبو يعلى أيضا، كما في "المجمع " (2/18) ، وقال:
" ورجاله موثقون ".
ولبعضه شواهد أخرى تأتي في الباب.(2/377)
497- عن طارق بن عبد الله المُحَاربي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا قام الرجل إلى الصلاة- أو: إذا صلَّى أحدكم-؛ فلا يَبْزُقَن
أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغاً، أو تحت قدمه
اليسرى، ثم ليقُلْ به ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن
صحيح ". وقال الحاكم: لـ " حديث صحيح "، ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا هَئاد بن السَّرِيِّ عن أبي الأحوص عن منصور عن رِبْعِي عن
طارق بن عبد الله المحاربي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو الأحوص: هو سلاّم بن
سلَيم الحنفي.
ومنصور: هو ابن المعتمر.
وَربْعِي: هو ابن حِراش.
والحديث أخرجه النسائي (1/119) ، والترمذي (2/460- 461) ، وابن
ماجه (1/319) ، والحاكم (1/256) ، والبيهقي (2/292) ، وأحمد (6/396) من
طريق سفيان الثوري عن منصور ... به.
وصححه الترمذي والحاكم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي (رقم 1275) : قال: حدثنا شعبة وورقاء وسلام وقيس
كلهم عن منصور ... به.
وأخرجه أحمد من طريق شعبة ومن طريق عَبِيدة بن حُمَيد كلاهما عن منصور.(2/378)
498- عن ابن عمر قال: بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب يوماً؛ إذ رأى
نُخامة فى قبلة المسجد؛ فَتَغَيَّظَ على الناس، ثم حكَّها- قال: وأحسبه قال-؛
فدعا بزعْفران فَلَطَخَة به، وقال:
" إن الله تعالى قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى؛ فلا يَبْزُقْ بين يديه ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
في "صحاحهم "؛ دون ذكر اللطخ بالزعفران؛ وهي زيادة ثابتة، وقد رواها
الاسماعيلي في "مستخرجه على البخاري ") .
إسناده: حدثنا سليمان بن داود: ثنا حماد: ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر.
قال أبو داود،
" ورواه إسماعيل وعبد الوارث عن أيوب عن نافع. ومالك وعبيد الله وموسى
ابن عقبة عن نافع ... نحو حماد؛ إلا أنه لم يذكروا: الزعفران. ورواه معمر عن
أيوب؛ وأثبت: الزعفران فيه. وذكر يحيى بن سُلَيم عن عبيد الله عن نافع:
الخلوق.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وسليمان بن داود: هو أبو الربيع
الزهراني العَتَكي.
وحماد: هو ابن زيد.
والحديث أخرجه البيهقي (2/293) من طريق سليمان بن حرب: ثنا حماد
ابن زيد ... به.
وأخرجه البخاري (3/65) : ثنا سليمان بن حرب ... به؛ لكن ليس فيه:
وأحسبه قال: ... فَلَطَخَه به.(2/379)
وقد رواها الإسماعيلي في "مستخرجه على البخاري " من طريق حماد بن
زيد؛ كما في "الفتح " (1/404) .
وكذلك أخرجه الدارمي (1/324) عن سليمان.
وأما رواية إسماعيل- وهو ابن عُلَيةَ-؛ فأخرجها أحمد (2/6) : ثنا إسماعيل:
أنا أيوب ... به.
وأخرجه مسلم (2/75) .
وأما رواية مالك؛ فهي في "الموطأ" (1/200) .
ومن طريقه: أخرجه البخاري (1/404) ، ومسلم، وأبو عوانة (1/403) ،
والنسائي (1/118) ، وأحمد (2/66) كلهم عن مالك عن نافع.
وأما رواية عبيد الله بن عمر؛ فأخرجها مسلم، وأبو عوانة، وأحمد (2/29
و53) .
وأما رواية موسى بن عقبة؛ فأخرجها مسلم أيضا، وأبو عوانة، وعلقها للبخاري
(2/187) .
وليس في هذه الروايات ذكر: (الزعفران) كما ذكر المصنف.
وكذلك رواه الليث بن سعد عن نافع.
أخرجه البخاري (2/187) ، ومسلم، وابن ماجه (1/257) ، وأحمد
(2/72) .
وجويرية- عند البخاري (10/425) -، وصخر بن جويرية- عند الطيالسي
(رقم 1843) -، ومحمد بن إسحاق- عند أحمد (2/32 و 114) -؛ كلهم عن
نافع.(2/380)
وأما سائر الروايات التي علقها المصنف؛ فلم أقف على من خرجها! نعم ذكر
الحافظ إثر رواية الإسماعيلي المتقدمة:
" زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب: فلذلك صُنع الزعفران في المساجد ".
وأخرج أحمد (2/34) من طريق ابن أبي رَوَّاد عن نافع ... به نحوه؛ وفيه:
ثم دعا بحَلُوق فَخَضَبَهُ.
وعلقه البخاري (2/187) .
وبالجملة؛ فذِكْرُ الزعفران في هذا الحديث محفوظ؛ وله شواهد تأتي في
الباب.
499- عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحب العراجين، ولا يزال في يده منها؛ فدخل
المسجد، فرأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها ثم أقبل على الناس
مُغْضَباً، فقال:
" آيَسُزُ أحدَكم أن يُبصَق في وَجْهِهِ؟! إنّ أحدكم إذا استقبل القبلة؛
فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملَك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ولا في
قبلته، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فإن عَجِلَ به أمر؛ فليقل هكذا "؛
ووصف لنا ابن عجلان ذلك: أن يتفل في ثوبه ثم يردَ بعضه على بعض
(قلت: إسناده حسن صحيح. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه ". وصححه
الحاكم ورافقه الذهبي. وهو في "الصحيحين " مختصر) .
إسناده: حدثنا يحيى بن حبيب بن عَرَبِي: ثنا خالد- يعني: ابن الحارث-(2/381)
عن محمد بن عجلان عن عِيَاضِ بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه إنما أخرج
لابن عجلان متابعة، وهو حسن الحديث كما سبق.
وعياض بن عبد الله: هو القُرَشي العامري المكي.
والحديث أخرجه أحمد (3/24) : حدثنا يحيى عن ابن عجلان ... به.
وأخرجه الحاكم (1/257) من طريق يحيى بن سعيد ... به، وقال:
" حديث صحيح على شرط مسلم "!
كذا قال! ووافقه الذهبي! وفيه ما سبق.
ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " (2/46) .
وله طريق أخرى؛ أخرجها أحمد (3/65) من طريق فُلَيْح عن سعيد بن
الحارث عن أبي سلمة عن أبي سعيد ... به نحوه.
وهو على شرط الشيخين؛ على ضعف في فليح! وقد أخرجاه مختصراً من
طريق أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد معاً.
500- عن عمادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابراً
- يعني: ابن عبد الله- وهو في مسجده، فقال:
أتانا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجدنا هذا وفي يده عُرْجون ابنِ طاب،
فنظر فرأى فا قبلة المسجد نخامة، فأقبل عليها، فحتّها بالعرجون ثم قال:
" أيُّكم يحبُّ أن يُعْرِضَ الله عنه بوجهه؟! "، ثم قال:(2/382)
" إن أحدكم إذا قام يصلي؛ فإن الله قِبل وجهه؛ فلا يَبْصُقَنَّ قِبَلَ
وجهه، ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى، فإن عجلت
به بادرة؛ فليقل بثوبه هكذا "؛: ووضعه على فيه ثم دَلَكَهُ، ثم قال: أروني
عَبيراً "، فقام فتىً من الحي يشتدُّ إلى أهله، فجاء بخَلوق في راحته، فأخذه
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجعله على رأس العرجون، ثم لَطَخَ به على أثر النخامة.
قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال " الصحيح ". وأخرجه مسلم في
"صحيحه "مطولاً) .
إسناده: حدثنا يحيى بن الفضل السِّجِسْتاني وهشام بن عمار وسليمان بن
عبد الرحمن الدمشقيان- بهذا الحديث، وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني-
قالوا: ثنا حاتم بن إسماعيل: ثنا يعقوب بن مجاهد أبو حَزْرَةَ عن عبادة بن الوليد
ابن عبادة بن الصامت.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي حزرة فمن
رجال مسلم؛ وأخرج له البخاري في "الأدب المفرد".
وغير يحيى بن الفضل السجستاني؛ فهو من شيوخ المصنف وحده، وهو
مجهول الحال لم يوثقه أحد، لكن حديثه هذا مقرون مع ثقتين من رجال البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (8/231- 236) : حدثنا هارون بن معروف ومحمد
ابن عَبَّاد- وتقاربا في لفط الحديث؛ والسياق لهارون- قالا: حدثنا حاتم بن
إسماعيل ... به مطولاً.
ورواه البيهقي (2/294) من طريق هارون مختصراً؛ مثل رواية المصنف.(2/383)
501- عن أبي سَهْلَةَ السائب بن خَلأد- من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أن رجلاً أمّ قوماً، فبصق في القبلة ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينظر، فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين فرغ:
" لا يصلِّي لكم! ". فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم؛ فمنعوه وأخبروه
بقول رسول الله َصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقال:
" نعم- وحسبت أنه قال-؛ إئك آذيت الله ورسوله ".
(قلت: حديث حسن. وقال العراقي: " إسناده جيد ". ورواه ابن حبان
في "صحيحه " (1634)) .
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو عن
بكر بن سَوَادة الجُذَافمي عن صالح بن خَيْوانَ عن أبي سهلة السائب بن خلاد.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير صالح بن خيوان
- بالمعجمة؛ ويقال بالمهملة-، ذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال العجلي:
" تابعي ثقة "! وتعقبه الذهبي بقوله:
" قلت: ما روى عنه سوى بكر "! وقال عبد الحق:
"لا يُحْتَجّ به ".
وعاب ذلك عليه ابن القطان، وصحح حديثه، كما في "التهذيب "!
قلت: وما ذهب إليه عبد الحق هو الحق- إن شاء الله تعالى-، وتوثيق العجلي
وابن حبان فيه لين؛ كما قد سبق.(2/384)
لكن الحديث حسن أو صحيح؛ لوجود شاهد له من حديث عبد الله بن
عمر (*) رضي الله عنه؛ أورده المنذري في "الترغيب " (1/122) بمعناه، ثم قال:
" رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد ". وقال الهيثمي في "المجمع "
(2/20) :
" ورجاله ئقات ".
ثم إن الحديث سكت عليه المنذري في "مختصره " (رقم 453) ! وكذا الحافظ
في "الفتح " (1/402) ! وقال شيخه العرافي في "شرح التقريب " (1/380) :
" إسناده جيد ".
وأخرجه الإمام أحمد (4/56) : ثنا مئرَيْجُ بن النعمان قال: ئنا عبد الله بن
وهب ... به.
ورواه ابن حبان في "صحيحه " (1634) .
502- عن مُطَرِّف عن أبيه [هو عبد الله بن الشخِّير] قال:
أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يصلي، فبزق تحت قدمه اليسرى.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه بزيادة وهو التالي) .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ئنا حماد: أنا سعيد الجُرَيري عن أبي
العلاء عن مُطَرِّف.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة.
__________
(*) الصواب: (عبد الله بن عمرو) ، كما نبه عليه الشيخ رحمه الله في حاشية "صحيح
الترغيب والترهيب " (1/236/رقم 289) . (الناشر) .(2/385)
وسعيد: هو ابن إياس.
وأبو العلاء: هو يزيد بن عبد الله بن الشخير.
ومطرف: أخوه.
والحديث أخرجه أحمد (4/25- 26) : ثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة
قال: أنا الجريري ... به نحوه.
وهذا على شرط مسلم أيضا.
وقد رواه غير حماد عن الجريري عن أبي العلاء عن عبد الله بن الشخير
بإسقاط (مطرف) من بينهما؛ وهو صحيح أيضا، وهو:
503- عن أبي العلاء عن أبيه [هو عبد الله بن الشِّخير] ... بمعناه؛
زاد: ثم دلكه بنعله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
"صحيحيهما". وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يزيد بن زرَيع عن سعيد الجريري عن أبي العلاء
عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (2/77) : حدثني يحيى بن يحيى: أخبرنا يزيد بن
زريع ... به، ولفظه:
انه صلى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فتنخع فدلَكه ... الحديث.
وأخرجه البيهقي (2/293) من طريق أخرى عن مسدد.(2/386)
وأخرجه أبو عوانة (1/405) ، والنسائي (1/119) ، وأحمد (4/25) من طرق
أخرى عن الجريري ... به.
وكذلك أخرجه الحاكم (1/256) وقال:
" صحيح على شرطهما لمه. ووافقه الذهبي.
وقد تابعه كَهْمَس عن أبي العلاء ... به.
أخرجه مسلم وأبو عوانة.
22- باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد
504- عن أنس بن مالك قال:
دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عَقَلَهُ، ثم قال: أيّكم
محمدٌ؟ ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متَّكئ بين ظهرانَيْهم، فقلنا له: هذا الأبيض
المتَّكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"قد أجبتك ".
فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك ... وساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في "صحيحه "
بتمامه، وهو:
... فمشدِّد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، فقال:
" سل عمّا بدا لك ".(2/387)
فقال: أسألك بربك ورب من قبلك: الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال:
" اللهم! نعم ". قال: آنْشُدك بالله: آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس
في اليوم والليلة؟ قال:
"اللهم! نعم ".
قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال:
"اللهم! نعم ".
قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها
على فقرائنا؟ فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اللهم! نعم ".
فقال الرجل: امنت بما جئت به، وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي، وأنا
ضِمَامُ بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" بأتم منه، وزادا في آخره: ثم ولى،
قال: والذي بعثك بالحق؛ لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لئن صدق ليدخُلَنَ الجنة ") .
إسناده: حدثنا عيسى بن حماد: أنا الليث عن سعيد المَقْبُرِي عن شَرِيك بن
عبد الله بن أبي نَمِرٍ أنه سمع أنس بن مالك يقول ...
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي (2/444) من طريق المصنف.(2/388)
وبإسناده: أخرجه النسائي (1/297) ، وابن ماجه (1/427- 428) بتمامه.
وأخرجه البخاري (1/122- 124) ، وأحمد (3/168) من طرق أخرى عن
الليث ... به.
وللحديث طريق أخرى بأتم منه: أخرجه مسلم (1/32) ، وأبو عوانة (1/2-
3) ، وأحمد (3/143 و 193) من طرق عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن
أنس.
وعلقه البخاري (1/125) .
505- عن ابن عباس قال:
بَعَثَتْ بنو سعد بن بكر ضِمَامَ بن ثعلبة إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقدِم
عليه، فأناخ بعيره عند باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ... فذكر
نحوه، قال: فقال: أتكم ابنُ عبد المطلب؟ فقال:
" انا ابن عبد المطلب ".
قال: يا ابن عبد المطلب! ... وساق الحديث.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي؛ وتمامه عنده:
إني سائلك ومغلِّط عليك في المسألة، فلا تجدنَّ عليّ في نفسك؛ فإني لا
أجد في نفسي (1) ، قال:
__________
(1) كذا في للالمستدرك "! وفي "المسند": قال: فإني لا أجد في نفسي؛ فَسَلْ ... إلخ؛
ولعله الصواب!(2/389)
" سل عما بدا لك ". قال:
أنشدك اللهَ إلهَك وإلهَ مَنْ قَبْلك وإلهَ من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا
رسولا؟ قال:
" اللهم! نعم ". قال: أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن
بعدك: الله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد
التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اللهم! نعم ".
ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الصلاة والزكاة والصيام
والحج، وفرائض الإسلام كلها؛ ينشده عند كل فريضة كلما أنشده في التي
كان قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده
ورسوله، وساؤدي هذه الفرائض، واجتنب ما نهيتني عنه، لا أزيد ولا
أنقص، ثم انصرف راجعاً إلى بعيره، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين ولّى-:
" إنْ يصدقْ ذو العَقِيصتين يدخلِ الجنة ".
وكان ضمامٌ رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين، ثم أتى بعيره فأطلق عقاله؛
حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أولَ ما تكلم به، وهو يَسب اللات
والعزّى، فقالوا:
__________
(1) وفي "المسند": وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله
والظاهر ان لفظة (سيد) مُقْحمة من بعض النساخ؛ فإنها لم ترد في المكانْ الأخر من
"المسند"؛ مع أن الإسناد واحد!(2/390)
مَهْ يا ضِمَام!! اتق البَرَصَ والجُذ ام والجنون! فقال:
ويلكم! إنهما- والله- لا يضزَان ولا ينفعان. إن الله قد بعث رسولاً، وأنزل
عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً
عبده ورسوله، وإني فد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. فوالله ما
أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجل ولا امرأة إلا مسلماً.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل
من ضِمامِ بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه (.
إسناده: حدثنا محمد بن عمرو: ثنا سَلَمَةُ: حدثني محمد بن إسحاق:
حدثني سَلَمَةُ بن كُهَيْل ومحمد بن الوليد بن نوَيْفع عن كُرَيْبٍ عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن، محمد بن عمرو: هو ابن بكر بن سالم أبو غسان
الرازي الطيالسي المعروف بـ (زنَيْج) ؛ وهو ثقة من رجال مسلم.
وشيخه سلمة: هو ابن الفضل؛ وهو مختلف فيه، ويظهر من مجموع أقوال
الأثمة فيه: أنه في نفسه ثقة، ولكنه سيئ الحفظ؛ فينظر فيما تفرد به.
لكن له اختصاص في الرواية عن ابن إسحاق؛ فقد ذكره الذهبي في
" الميزان ":
" وقال زُنيج: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق
مرتين، وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي ". وقال علي الهِسِنْجَانِي عن ابن
معين: سمعت جريراً يقول:
" ليس من لَدُنْ بغداد إلى خراسان أثبث في ابن إسحاق من سلمة ".
فهو عن ابن إسحاق حسن الحديث إن شَاء الله تعالى.(2/391)
ومحمد بن الوليد بن نويفع؛ ذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال الدارقطني:
" يُعْتَبَرُ به ". وقال الذهبي في "الميزان ":
" ما روى عنه سوى ابن إسحاق ".
قلت: لكن حديثه هذا مقرون مع سلمة بن كُهَيل، وهو ثقة من رجال
الشيخين؛ كشيخهما كريب.
وأما ابن إسحاق؛ فقد صرح بالسماع، وهو حسن الحديث، كما سبق ذكره
مرارا.
والحديث أخرجه الحاكم (3/54- 55) ، وأحمد (1/250 و 264- 265
و265) من طرق أخرى عن ابن إسحاق: ثني محمد بن الوليد بن نويفع عن
كريب ... به؛ ليس فيه: سلمة بن كهيل. وقال الحاكم:
" صحيح "، ووافقه الذهبي.
23- باب في المواضمع التي لا تجوز فيها الصلاة
506- عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" جُعِلَتْ لي الأرض طَهوراً ومسجداً ".
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وهو عندهما وكذا أبي عوانة من
حديث جابر بن عبد الله) .
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن
عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن أبي ذر.(2/392)
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وعبيد بن عمير: هو ابن قتادة
الليثي.
والحديث أخرجه أحمد (5/148) : ثنا عفان: ثنا أبو عوانة عن سليمان
الأعمش ... به مطولاً؛ ولفظه:
" أعطيت خمساً لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي: بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود، وجعِلَت
لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأحِفَتْ لي الغنائم ولم تَحِل لأحد قبلي، ونصِرْت
بالرّعْبِ فَيرْعَب العدو وهو مني مسيرة شهر، وقيل لي: سلْ تعْطَه؛ واختبأت
دعوتي شفاعة لأمتي؛ فهي نائلة منكم- إن شاء الله تعالى- مَنْ لم يشرك بالله
شيئاً".
وهذا على شرطهما أيضا.
ورواه ابن إسحاق: حدثني سليمان الأ عمش ... به؛ وزاد في آخره:
فكان مجاهد يرى أن الأ حمر: الإنس، والأسود: الجن.
رواه أحمد (5/145) ؛ وسنده حسن.
وقد خالفه واصل الأحدب فقال: عن مجاهد عن أبي ذر ... فأسقط من
بينهما: عبيد بن عمير.
أخرجه الطيالسي (رقم 472) : حدثنا شعبة عن واصل ... به.
وهكذا أخرجه أحمد (5/161) من طرق عن شعبة ... به.
قلت: وواصل الأحدب ثقة ثبت، كما في "التقريب "؛ فلعل مجاهداً سمعه
عن عبيد أولاً، ثم سمعه من أبي ذر مباشرة؛ فإنه قد أدركه؛ فإن أبا ذر رضي الله
عنه توفي سنة (32) في خلافة عثمان، وولد مجاهد سنة (18) - على قول يحيى(2/393)
ابن بكير-، وسنة (21) - على قول ابن حبان-؛ فعليه كان عمره (11) سنة على
الأقل حين وفاة أبي ذر؛ فكان له ممكناً لقياه أو السماع منه. والله أعلم.
والحديث له شواهد كثيرة؛ منها: عن جابر بن عبد الله: عند البخاري
(1/346- 348) ، ومسلم (2/62) ، والنسائي (1/74 و 120) ، وأبي عوانة أيضا
في " صحيحه " (1/395- 396) ، والدارمي (1/323) ، والبيهقى (2/433) ،
وأحمد (4/303) ، وصححه ابن حبان (6364) .
507- عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الأرض كلُها مسجدٌ؛ إلا الحمامَ والمقبرةَ ".
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه
الذهبي، وصححه أيضا ابن خزيمة وابن حبان، وقوّاه ابن حزم وابن دقيق العيد
وابن التركماني، وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: " أسانيده جيدة ") .
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد. (ح) وحدثنا مسدد: ثنا عبد
الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ...
قلت: وهذا إسناد صحيح عاس شرط الشيخين؛ وحماد: هو ابن سلمة.
وقد تابعه عبد الواحد- وهو ابن زياد-، وهو من رجالهما.
والحديث أخرجه أحمد (3/83) : ثنا يزيد: أنا سفيان الثوري وحماد بن
سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه- قال حماد في حديثه: عن أبي سعيد
الخدري ... -؛ ولم يجز سفيان أباه.
وهكذا أخرجه ابن ماجه (1/251- 252) ، والبيهقي (2/434- 435) ، عن(2/394)
يزيد. وهو ابن هارون-.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى" (4/27) من طريق حجاج بن منهال: ثنا حماد
ابن سلمة ... به موصولاً.
وأخرجه البيهقي (2/435) من طريق أخرى عن مسدد: ثنا عبد الواحد بن
زياد ... به
ثم أخرجه هو، وابن خزيمة (2/7/391) ، وابن حبان (338 و 339) ، والحاكم
(1/251) ، وابن حزم، وأحمد، (3/96) من طرق أخرى عن عبد الواحد.
وقد تابعهما عبد العزيز بن محمد الدراوردي: ثنا عمرو بن يحيى ... به.
أخرجه الترمذي (1/323) ، وابن خزيمة (792) ، والحاكم أيضا، والبيهقي.
وتابعهم محمد بن إسحاق؛ لكنه شذ في لفظه؛ فقال:
" كل الأرض مسجد وطهور؛ إلا المقبرة والحمام ".
أخرجه أحمد (3/83) . وقال البزار:
" أسنده أيضا عن عمرو بن يحيى: أبو طُوالة عبد الله بن عبد الرحمن
الأنصاري "؛ ذكره ابن حزم. ثم قال الحاكم:
" هذه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم "؛ ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقد أعله برواية الثوري المتقدمة مرسلا! فقال:
" وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أثبت
وأصح ... مرسلاً "!
قلت: وهذا ترجيح عجيب! فكيف تكون رواية سفيان- وهو فرد- أصح من(2/395)
رواية الجماعة وهم ثقات عدول ومعهم زيادة؟! ولو عكس ذلك؛ لكان أقرب بلى
الصواب!
على أننا نقول: لعل عمرو بن يحيى أو والده كان أحياناً يرسله؛ فرواه الثوري
كذلك؛ فذلك لا ينفي صحة الموصول؛ بل كلاهما صحيح ثابت. وقال ابن حزم:
" قال بعضهم: هذا حديث أرسله سفيان الثوري، وشك في إسناده موسى بن
إسماعيل عن حماد بن سلمة. قال علي [يعني: ابن حزم] : فكان ماذا؟! وأي
منفعة لهم في شَك موسى ولم يَشُك حجاج؟! وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه!
أو في إرسال سفيان؛ وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق؛
وكلهم عدل؟! ". وقال صاحب "الإمام ":
" حاصل ما عُللَ به: الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة؛ فهو مقبول. وأفحش
ابن دِحْيَة، فقال في كتاب "التنوير" له: هذا لا يصح من طريق من الطرق. كذا
قال؛ ولم يصب "؛ كذا في "التلخيص " (4/39) .
قلت: على أن للثوري قد اختلف عليه فيه:
فرواه يزيد بن هارون عنه مرسلاً؛ كما تقدم.
ورواه أبو نعيم وقَبِيصة: ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي
سعيد ... به موصولاً.
رواه الدارقطني في "العلل " قال: حدثنا جعفر بن محمد المؤذن- ثقة-: ثنا
السرِيَ بن يحيى: ثنا أبو نعيم وقبيصة ... به، وقال:
" المرسل المحفوظ ".
وقد أشار إلى هذا البيهقي؛ حيث قال عقب رواية يزيد بن هارون:(2/396)
" حديث الثوري مرسل؛ وقد روي موصولاً؛ وليس بشيء. وحديث حماد بن
سلمة موصول؛ وقد تابعه على وصله: عبد الواحد بن زياد والدراوردي ". وتعقبه
ابن التركماني بقوله:
" قلت: إذا وصله ابن سلمة، وتوبع على وصله من هذه الأوجه؛ فهو زيادة
ثقة؛ فلا أدري ما وجه قول البيهقي: ليس يشيء؟! "!
قلت: وهذا التعقُب لا شيء! فإن قول البيهقي هذا إنما أراد به حديث الثوري
خاصة لا أصل الحديث؛ كأنه يقول: وقد روي حديث الثوري موصولاً وليس
يشيء؛ فهو بمعنى قول الدارقطني المتقدم: " المرسل المحفوظ "؛ يعني: المرسل عن
الثوري هو المحفوظ، لا الوصول عنه.
ويدل على ما ذهبنا إليه؛ قول البيهقي عقب ذلك:
" وحديث ابن سلمة موصول ... " إلخ؛ فإنه كالصريح على أنه أراد بذلك
الكلام حديثَ الثوري وحده. ولذلك لا يمكن القول- كما فعل الحافظ في
"التلخيص "-:
" إن البيهقي رجح المرسل أيضا "! والله أعلم.
وثَم وهَم آخر يجب التنبيه عليه أيضا؛ فقد قال الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد
محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (2/133) - إثر قول البيهقي المذكور آنفاً-:
" ولا أدري كيف يزعم الترمذي ثم البيهقي أن الثوري رواه مرسلاً؛ في حين
أن روايته موصولة أيضا؟! ثمِ الذي وصله عن الثوري: هو يزيد بن هارون، وهو حجة
حافظ، وأنا لم أجده مرسلآ من رواية الثوري؛ إنما رأيته كذلك من رواية سفيان بن
عيينة؛ فلعله اشتبه عليهم سفيان بسفيان "إ!
قلت: لو وقف الأستاذ الفاضل على رواية أحمد المتقدمة عن يزيد بن هارون(2/397)
عن الثوري؛ لما قال ما قال، ولما رمى الأئمة بالوهم! ذلك لأنها صريحة في أنها
مرسلة.
ثم إن رواية سفيان التي زعم أنها موصولة؛ إنما عنى بها رواية البيهقي عن
يزيد، فهي ليست صريحة فيما ادعى؛ بل هي تحتمل الوصل والإرسال؛ حيث إن
سياقها هكذا: ... ثنا يزيد بن هارون: آبَنا سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن
أبيه. وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... حديث الثوري مرسل وقد روي موصولاً ... إلخ.
فهذا- كما ترى- محتمل للوجهين الذين ذكرنا؛ لكن قول البيهقي: " حديث
الثوري مرسل " دليل على أنه وقع عنده كذلك؛ وإلا فمن غير المعقول أن تكون
الرواية عنده موصولة، ثم يقول: إنها مرسلة دون أن يبين وجه ذلك!
ويؤيد ذلك تصريح أحمد بأنها مرسلة كما سبق.
ثم إن الفاضل المذكور قد وقع في وهم آخر؛ حيث قال عند تخريج الحديث:
" ورواه أبو داود (ج 1/ص 184) ، والشافعي في "الأم " (ج 1/ص 79) عن
سفيان بن عيينة عن عمرو ... مرسلاً "!
وهذه الرواية ليست عند المصنف رحمه الله! وقد أشار بالجزء والصفحة إلى
موضعها من النسخة التي عليها شرح "عون العبود"، والتي منها ننقل، وعليها
نعتمد في هذا الكتاب، وليس في هذه الصفحة ولا في غيرها منها هذه الرواية؛
فهو وهم واضح! نسأل الله تعالى التوفيق.
ثم إن للحديث طريقاً أخرى هو في منجىِ من ذلك الاختلاف؛ فقد أخرجه
الحاكم، ومن طريقه البيهقي: عن عُمَارة بن غزِية عن يحيى بن عمارة الأنصاري
عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً ... به.(2/398)
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
"اقتضاء الصراط المستقيم " (ص 160) :
" أسانيده جيدة، ومن تكلم فيه؛ فما استوفى طرقه ".
24- باب النهي عن الصلاة في مبارك الابل
[تحت هذا الباب في الكتاب حديث للبراء بن عازب، وقد مضى بنفس الإسناد في
"الطهارة " (رقم 178) بأتم مما هنا؛ ولذلك حذفناه] .
25- باب متى يؤْمَرُ الغلام بالصلاة؟
508- عن عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه عن جده قال: قال
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين؛
فاضربوه عليها".
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "،
ورافقه الذهبي، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وقال النووي:
" حديث صحيح ". ورواه ابن خزيمة؛ يعني: في "صحيحه ") .
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى- يعني: ابن الطباع-: ثنا إبراهيم بن سعد
عن عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه عن جده.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الملك بن الربيع بن
سبرة؛ وقد أخرج له مسلم في "صحيحه " (4/132-133) حديثاً في نسخ متعة
النكاح بهذا السند، لكنه عنده متابعة؛ فإنه أخرجه- بعد أن ساقه- من طريق(2/399)
الليث وعُمَارة بن غَزِيَّة وعبد العزيز بن عمر كلهم عن الربيع بن سبرة ... به؛ وقد
وتقه العجلي، وروى عنه جماعة من الثقات، وقد صحح له من يأتي ذكره؛ فهو
كما قال الذهبي:
" صدوق إن شاء الله. ضعفه يحيى بن معين فقط، فقال ابن أبي خيثمة:
سئل ابن معين عن أحاديثه عن أبيه عن جده؟ فقال: ضعاف ". وقال أبو الحسن
ابن القطان:
" لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له؛ فغير محتج به ". قال الحافظ في
"تهذيب التهذيب ":
" ومسلم إنما أخرج له حديثاً واحداً- في المتعة- متابعة، وقد نبه على ذلك
المؤلف "؛ يعني: المزي.
والحديث أخرجه الترمذي (2/259) ، والدارمي (1/333) ، وابن خزيمة في
" صحيحه " (1002) ، والطحاوي في " المشكل " (3/231) والدارقطني (ص 85) ،
والحاكم (1002) ، والبيهقي (2/14 و 3/83- 84) ، وأحمد (3/404) من طرق
عن عبد الملك ... به.
وقد صححه من ذكرنا آنفاً، وكلام النووي في "المجموع " (3/10) - وتمام كلام
الحاكم-:
" فقد احتج- يعني: مسلماً- بعبد الملك بن الربيع بن سَبْغ عن أبائه "!
كذا قال، وأقره الذهبي! وقد علمت أنه إنما روى له متابعة.
ويقويه ما بعده، وحديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه.
أخرجه البزار (ص 41- زوائده) بسند حسن في الشواهد.(2/400)
509- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لا مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضربوهم عليها وهم
أبناءُ عشر سنين؛ وفرَقوا بينهم في المضاجع ".
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال النووي: " إسناده حسن ") .
إسناده: حدثنا مُؤَمل بن هشام اليَشْكُرِيُ: ثنا إسماعيل عن سَوارٍ أبي حمزة
- قال أبو داود: هو سَوار بن داود أبو حمزة المزَنِيُ الصيْرفِي- عن عمرو بن شعيب.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات- على الخلاف الشهور في عمرو بن
شعيب، وقد سبق تحقيق الحق فيه، وأنه حسن الإسناد-؛ غير سوار بن داود أبي
حمزة المزني الصيرفي، وهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وإليك ترجمته من
"تهذيب التهذيب ":
" قال أبو طالب عن أحمد: شيخ بصري لا بأس به، روى عنه وكيع فقلب
اسمه، وهو شيخ يوثق بالبصرة، لم يرْوَ عنه غير هذا الحديث ".
قلت: يعني هذا: وقال ابن معين:
" ثقة ". وقال الدارقطني:
" لا يتابع على أحاديثه، فيعتبر به ".
وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال:
" يخطئ ". ولخَّص ذلك الحافظ في "التقريب "، فقال:
" صدوق له أوهام ".(2/401)
وهذا معناه أنه حسن الحديث على أقل تقدير؛ إذا لم يظهر وهمه فيه. ولذلك
قال النووي في "المجموع " (3/10) ، وفي "الرياض " (ص 148) :
" رواه أبو داود بإسناد حسن ".
وإسماعيل: هو ابن عُلَيَّةَ.
والحديث أخرجه أحمد (2/187) : ثنا محمد بن عبد الرحمن الطُفَاوي
وعبد الله بن بكر السهْمِيُ- المعنى واحد- قالا: ثنا سوار أبو حمزة ... به؛ وفيه
الزيادة الأتية في الكتاب في الرواية الأخرى؛ بلفظ:
" إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره؛ فلا ينظرن إلى شيء من عورته؛ فإن ما
أسفل من سُرته إلى ركبتيه من عورته ".
وأخرجه من طريق عبد الله بن بكر السَّهْمِي: الدارقطني (ص 85) ، وعنه
البيهقي (2/228- 229) ، والحاكم (11/97) ، والخطيب في "تاريخه "
(2/278) ؛ وليس عند الحاكم الزيادة.
وأخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي (2/229) من طريق النضْرِ بن شُمَيْل: أنا
أبو حمزة الصيرفي- وهو سوار بن داود- ... به، ولفظها عنده:
" وإذا زوج أحدُكم عبدَه آمَتَةُ أو أجيره؛ فلا تنظرِ الأمَةُ بلى شيء من عورته؛
فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة ".
والحديث أخرجه البيهقي (2/226) من طريق المؤلف.
وقد رواه وكيع أيضا عن سَوَّارٍ؛ لكنه قلب اسمه كما سبق؛ وقد أخرجه
المصنف وهو:(2/402)
510- وفي رواية عنه ... بإسناده ومعناه؛ وزاد:
" وإذا زوَّج احدكم خادمه عبده أو أجيره؛ فلا ينظر إلى ما دون السرة
وفوق الركبة ".
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي) .
إسناده: حدثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع: حدثني داود بن سَوارٍ المزني ...
بإسناده ومعناه؛ وزاد: قال أبو داود: وَهِمَ وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود
الطيالسي هذا الحديث؛ فقال: ثنا أبو حمزة سوار الصيرفي.
قلت: وهذا إسناد حسن كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (2/180) : ثنا وكيع ... به دون الزيادة، قال:
وقال الطفاوي محمد بن عبد الرحمن في هذا الحديث: سوار أبو حمزة ...
وأخطأ فيه!
قلت: هكذا في رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه. وخالفه أبو طالب فقال عن
أحمد
" سوار أبو حمزة لا بأس به، روى عنه وكيع فقلب اسمه "؛ كما تقدم ذكره
في الرواية الأولى.
وهذا يوافق كلام المصنف هنا، وهو الصواب؛ لأن الطفاوي قد تابعه عبد الله
ابن بكر السهمي وإسماعيل فقالوا: سوار أبو حمزة.
وكذلك قال الطيالسي عنه، فيما ذكره المصنف، وليست هذه الرواية في
"مسنده".(2/403)
26- باب بَدْءِ الأذان
511- عن أبي عمَيْرِ بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال:
اهتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للصلاة؛ كيف يجمع الناس لها؟! فقيل له: انصبْ
راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يُعْجِبْهُ ذلك.
قال: فذُكر له القُنْعُ؛ يعني: الشبور- وفي رواية: شَبُّور اليهود-، فلم
يعجبه ذلك، وقال:
" هو من أمر اليهود ".
قال: فذكر له الناقوس؟ فقال:
"هو من أمر النصارى ".
فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه - وهو مهتم لِهَم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فأريَ الأذانَ في منامِهِ، قال: فغدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره، فقال: يا
رسول الله! إني لَبَيْنَ نائم ويقظان؛ إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان
عمر بن الخطاب قد رأى قبل ذلك، فكتمه عشًرين يوماً، قال: ثم أخبر
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له:
" ما منعك أن تخبرني؟ ".
فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" يا بلال! قم؛ فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله "(2/404)
قال: فأذن بلال. قال أبو بشر: فأخبرني أبو عُمير: أن الأنصار تزعم أن
عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضاً؛ لجعله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مؤذناً.
(قلت: إسناده صحيح. وقال الحافظ: " سنده صحيح إلى أبي عمير بن
أنس. وقال ابن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة
بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وهي من وجوه حسان، وهذ اأحسنها ") .
إسناده: حدثنا عَبًاد بن موسى الخُتُلي وزياد بن أيوب- وحديث عباد أتم-
قالا: ثنا هُشَيْم عن أبي بشر- قال: قال زياد: أنا أبو بشر- عن أبي عمير بن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير أبي عمير
ابن أنس، وهو ثقة كما في "التقريب "، وصحح حديثه أبو بكر بن المنذر وغير
واحد. وقال ابن سعد:
" كان ثقة قليل الحديث ".
وذكره ابن حبان في "الثقات. وقول ابن عبد البر فيه:
" مجهول لا يحتج به "! مما لا يلتفت إليه ولا يحتج به؛ فقد عرفه من وثقة
ومن صحح حديثه. وقد قال الحافظ في "الفتح " (2/64) :
" أخرجه أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس.. وقال أبو عمر بن
عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ.. " إلخ كلامه
المذكور في أعلاه.
فهذا يفيد أن أبا عُمَيْرٍ حجة عنده؛ فلعله رجع عن قوله السابق! والله أعلم.
والحديث أخرجه البيهقي (1/390) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه (1/399- 400) من طريق آخر عن هشيم.(2/405)
27- باب كيف الأذان؟
512- عن عبد الله بن زيد قال:
لما أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناقوس يعْمَلُ ليُضْرَبَ به الناس لجمع الصلاة؛
طاف بي وانا نائم رَجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله! أتبيع
الناقوس؟ فال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا
أدلك على ما هو خير من ذلك؟! فقلت له: بلى، قال: فقال:
تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً
رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي
على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غيرَ
بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا أقمتَ الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا
إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على
الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله الا
الله. فلما أصبحت؛ أتيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته بما رأيت؛ فقال:
" إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال؛ فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به؛
فإنه أندى صوتاً منك ". فقمت مع بلال، فجعلت أُلقيه عليه ويؤذن به، قال:
فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته؛ فخرج يجرًّ رداءه ويقول: والذي
بعثك بالحق يا رسول الله! لقد رأيت مثل ما أُري! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَِ:
"فلله الحمد ".(2/406)
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال النووي: " إسناده صحيح ". وقال
البخاري وابن خزيمة: " حديث صحيح ". وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
وقال محمد بن يحيى الذهليُ: " ليس في أخبارعبد الله بن زيد في قصة
الأذان أصح من هذا ". ورواه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما") .
إسناده: حدثنا محمد بن منصور الطوسِيُ: ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن
إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التَيْمِي عن محمد بن عبد الله بن
زيد بن عبد ربه: حدثني أبي عبد الله بن زيد.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
والحديث أخرجه أحمد (4/43) : ثنا يعقوب ... به.
ومن طريق أحمد: أخرجه الدارقطني (ص 89) ، والبيهقي (1/391) .
وأخرجه الدارمي (1/269) ، والبيهقي (1/390- 391) من طرق أخرى عن
يعقوب ... به.
وابن ماجه (1/239- 241) - عن محمد بن سلمة الحَراني-، والدارمي- عن
سلمة؛ وهو ابن الفضل الأبرش- كلاهما عن ابن إسحاق ... به نحوه.
وأخرجه الترمذي (1/358- 360) من طريق أخرى عنه ... مختصراً، وقال:
" حديث حسن صحيح ".
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما" من حديث يعقوب بن
إبراهيم ... به.
وكذلك رواه البخاري في "أفعال العباد" (ص 76) .(2/407)
ثم روى البيهقي عن محمد بن يحيى- وهو الذهْلي- أنه قال:
" ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان أصح من هذا. وفي كتاب
"العلل " لأبي عيسى الترمذي قال:
سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؛ يعني: حديث محمد
ابن إبراهيم التيمي؟ فقال: هو عندي حديث صحيح ". وقال ابن خزيمة في
"صحيحه ":
" هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل؛ لأن محمداً سمع من أبيه، وابن
إسحاق سمع من التيمي؛ وليس هذا مما دلسه ". وقال الخَطابي في "المعالم ":
" روي هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها ". وقال
النووي في " المجموع " (3/76) :
" إسناده صحيح ". وقال الحافظ في "الفتح " (2/62) :
" وشاهده: حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن
المسيب ... مرسلاً، ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد، والمرسل
أقوى إسناداً ".
قلت: والموصول هذا؛ قد علقه المصنف؛ وهو:
513- قال أبو داود: " هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن
عبد الله بن زيد؛ وقال فيه ابن إسحاق عن الزهري: الله أكبر الله أكبر، الله
أكبر الله أكبر "
(قلت: وصله أحمد من طريق ابن إسحاق، وهو حديث صحيح) .(2/408)
إسناده: علقه المصنف كما ترى؛ وقد وصله الإمام أحمد (4/42- 43) : ثنا
يعقوب قال: أنا أبي عن ابن إسحاق قال: وذَكَرَ محمد بن مسلم الزهري عن
سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال:
لما أجمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضرب بالناقوس، يجمع للصلاه الناس- وهو له
كاره؛ لموافقته النصارى-؛ طاف بي من الليل طائف ... الحديث نحو الرواية
السابقة؛ وفي آخره زيادة في قول:
" الصلاة خير من النوم " في صلاة الفجر.
ومن طريقه: رواه البيهقي (1/415) . وقال الحاكم في (مناقب عبد الله بن
زيد) من " المستدرك " (3/336) :
" وهو الذي أُري الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول ... وأمثل
الروايات فيه رواية سعيد بن المسيب، وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيداً لم يلحق
عبد الله بن زيد؛ وليس كذلك؛ فإن سعيد بن المسيب كان فيمن يدخل بين علي
وبن عثمان في التوسط، وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان.
وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور؛ رواه يونس بن يزيد ومعمر بن
راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم ". قال الشوكاني
(2/31) :
" ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي
تحتمله عنعنة ابن إسحاق ".
ومما يشد في عضده: روايته الأخرى السابقة؛ وقد صرح فيها بالسماع، وفي
كلتيهما تربيع التكبير؛ خلافاً له!(2/409)
514- وقال معمر ويونس عن الزهري فيه:
" الله أكبر الله أكبر " لم يثنِّيا.
(قلت: وصله عبد الرزاق عن معمر، والبيهقي عن يونس عن الزهري عن
سعيد مرسلاً. ورواه بعضهم عن سعيد موصولاً. قال الحافظ: " والمرسل أقوى
إسناداً "، وقال البيهقي: " وسعيد بن المسيب أصح التابعين إرسالاً ".
والحديث- على كل حال- صحيح، لكن الأصح تربيع التكبير فيه؛ كما في
الروايتين المتقدمتين) .
هو معلق، وقد سبق أن ذكرنا عن الحافظ أن عبد الرزاق رواه عن معمر عن
الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلاً.
ورواه البيهقي (1/414- 415) من طريق عبد الله بن المبارك: أنا يونس عن
الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن النداء:
أن أول من أُمر به في النوم رجل من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج؛ يقال
له: عبد الله بن زيد، قال عبد الله بن زيد: بيْنا أنا نائم ... الحديث بطوله.
وهذا ليس صريحاً في الإرسال؛ لاحتمال أن يكون سعيد بن المسيب قد
سمعه من عبد الله بن زيد، وقد لَحِقَه، كما نقلناه قريباً عن الحاكم.
وأما قوله- أعني: الحاكم؛ فيما نقله ابن التركماني وغيره- أن الصحيح أن
عبد الله بن زيد قتل بأحد، وأن الروايات عنه كلها منقطعة! فهو- بالرغم من
مخالفته لقوله المتقدم -؛ فهو غير صحيح؛ لأمرين:
الأول: أنه مبني على قصة عن ابنة عبد الله بن زيد مع عمر بن عبد العزيز لا
تصح؛ لانقطاعها، كما ذكره ابن التركماني، والحافط في "التلخيص " (3/162) .(2/410)
والآخر: لو صح قول الحاكم؛ للزم أن يكون ابن عبد الله بن زيد صحابيّاً؛
وذلك أنه سبق في الكتاب (رقم 512) من طريق محمد بن عبد الله بن زيد
- هذا-: حدثني أبي ... فصرَح بسماعه من أبيه؛ وهو ليس صحابيَّا، ولم يدرك
الزمن الذي زعم الحاكم أن أباه توفي فيه.
وإذ قد بطل قوله هذا؛ لم يبق صحيحاً إلا قوله السابق؛ وإليه مال ابن دقيق
العيد وابن التركماني والحافط وغيرهم.
وأما البيهقي؛ فجزم بأن الحديث هذا مرسل؛ قال (1/421) :
" وسعيد بن المسيب أصح التابعين إرسالاً ".
قلت: لكن قد ثبت موصولاً من طريق أخرى- كما قد سبق-؛ وفيه تربيع
التكبير؛ فهو أصح من تثنيته؛ لأنه مرسل-
ويؤيد ذلك: أن التربيع جاء من طريق أخرى لهذه القصة بإسناد صحيح؛ كما
يأتي (رقم 523) .
515- عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذدرة عن أبيه عن جده
قال:
قلت: يا رسول الله! عفَفني سنة الأذان، قال: فمسح مقدَّم رأسي؛
قال:
" تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثمِ
تقول: أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدآ
رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع
صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد(2/411)
أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كان صلاة
الصبح قلتَ: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله
أكبر، لا إله إلا الله ".
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " (1680)) .
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي
محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. وقال عبد الحق:
" لا يحتج بهذا الإسناد ". وبينه ابن القطان؛ فقال:
" محمد بن عبد اللك بن أبي محذورة مجهول الحال، لا نعلم روى عنه إلا
الحارث ". وقال الذهبي في "الميزان ":
" ليس بحجة؛ يكتب حديثه اعتباراً، قد روى عنه الثوري وآخر، وذكره ابن
حبان في "ثقاته " ... ".
ووالده عبد اللك بن أبي محذورة ليس بالمشهور أيضا؛ وقد روى عنه جماعة،
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقد قال الحافظ في كل منهما:
" مقبول "؛ يعني: عند المتابعة.
وقد توبعا كما يأتي.
والحارث بن عبيد: هو أبو قدامة الإيادي البصري، وهو ضعيف من قبل
حفظه؛ وقد فزق ابن حبان بين الحارث بن عبيد هذا- الذي روى عن محمد بن
عبد الملك، وعنه مسدد-، وبن الحارث بن عبيد أبي قدامة الإيادي؛ فأورد الأول(2/412)
في "الثقات "، وضعف الآخر! والحق أنهما واحد؛ فقد جاء في بعض روايات هذا
الحديث مكنيّاً بأبما قدامة كما ياتي.
لكن الحديث صحيح؛ لأن له طرقاً كثيرة عن أبي محذورة؛ وقد ساقها
المصنف.
والحديث أخرجه البيهقي (1/394) من طريق المصنف.
ثم أخرجه من طريق أبي الثنى: ثنا مسدد: ثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة ...
به
وأخرجه أحمد (3/408- 409) من طريق أخرى عن الحارث ... به.
ورواه ابن حبان (رقم 288 و 289) .
516- وفي رواية عن أبي محذورة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... نحو هذا الخبر؛
وفيه: " الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح ".
قال أبو داود: " وحديث مسدد أبين [قلت: يعني: الرواية الأولى] ،
قال فيه: وعلمني الإقامة مرتين مرتين:
" الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على
الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله
أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، (زاد في رواية: وإذا أقمت الصلاة فقلها
مرتين: قد قامت الصلاة؛ أسمعت؟) ".
قال: فكان أبو محذورة لا يَجُز ناصيته ولا يفرقها؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/413)
مسح عليها.
(قلت: حديث صحيح، دون قوله: فكان أبو محذورة لا يَجُر ... إلخ؛
فإنه من حصهَ الكتاب الآخر (رقم 79)) .
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا أبو عاصم وعبد الرزاق عن ابن جريج
قال: أخبرني عثمان بن السائب: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن
أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عثمان بن السائب؛ قال ابن القطان:
" غير معروف ".
ووالده السائب؛ قال الذهبي:
" لا يعرف ".
وذكرهما ابن حبان في "الثقات "!
وأم عبد الملك بن أبي محذورة؛ لم أعرفها ولم أعرف اسمها؛ وقد أغفلوها فلم
يوردوها في (فصل الكنى من النساء) .
والحديث أخرجه البيهقي (1/422) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (3/408) : ثنا عبد الرزاق ... به.
وأخرجه البيهقي أيضا (1/393- 394) من طريق أخرى عن عبد الرزاق.
وأخرجه الطحاوي (1/78 و 80) : ثنا أبو بكرة قال: ثنا أبو عاصم ... به.
وأخرجه النسائي (1/104) ، والطحاوي أيضا (78 و 80- 82) ، والدارقطني
(ص 86) ، والبيهقي (1/418) ، وأحمد (3/408) من طرق أخرى عن ابن(2/414)
جريج ... به؛ غير أن الطحاوي وأحمد ذكرا التكبير في أوله مرتين لا أربعاً!
والصحيح في حديث أبي محذورة: التربيع، كما في أكثر للروايات عن ابن
جريج في هذا الحديث، وكما في الحديث السابق، والآتي عن أبي محذورة.
ثم اعلم أن في الرواية السابقة: " فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير
من النوم "؛ فهذا مطلق. وفي هذه الرواية تقييد ذلك بـ: " الأولى من الصبح ".
وهذا هو الصواب: أن السنة جعل هذه الجملة في الأذان الأول للفجر، وعلى
ذلك جاءت الأحاديث من طرق شتى، وقد ذكرتها في "الثمر المستطاب "؛ وليس
في شيء منها أنها في الأذان الثاني للفجر. فما عليه الناس اليوم خلاف السنة،
وتخصيصها الأذان الأول بها دون الثاني معقول جدّاً؛ للتفريق بينهما؛ فإن الأول
لا يحرم طعاماً ولا يُحِلّ الصلاة؛ بخلاف الاخر.
وإنما حكمنا بصحة الحديث مع ضعف إسناده؛ لكترة طرقه عن أبي محذورة
وقد مضى واحد منها، ويأً ني سائرها.
ولما كانت الجملة الأخيره منه لا شاهد لها في جميع الطرق التي وقفت
عليها؛ فقد حكمنا عليها بما يقتضيه إسنادها، فأوردناها في الكتاب الأخر (رقم
79) .
517- وعنه:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه الأذان تسع عشره كلمةً، والاقامة سبع عشرة
كلمةً: الأذان: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا
الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن
محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد(2/415)
أن محمداً رسول الله، أشهد أن محصد رسول الله، حي على الصلاة،
حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله
أكبر، لا إله إلا الله) .
والاقامة: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا
الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن
محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على
الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر
الله أكبر، لا إله إلا الله)
(قلت: إسناده حسن صحح، وهو على شرط مسلم، وصححه ابن دقيق
العيد على شرطه. وقد أخرجه هو وأبو عرانة في "صحيحيهما"- دون ذكر
الاقامة-، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"- مختصراً-، وقال
الترمذي: " حديث حسن صحيح " (.
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عفان وسعيد بن عامر وحجاج- المعنى
واحد- قالوا: ثنا همام: ثنا عامر الأحول: حدتني مكحول أن ابن مُحَيْرِيز حدثه أن
أبا. حذورة خدثه.
قلت: وهذا إسناد حسن وهو على شرط مسلم؛ لكنْ عامر الأحول- وهو ابن
عبد الواحد- فيه كلام من قِبَلِ حفظه؛ قال أحمد:
" ليس بقوي ".
وكذا قال النسائي. وقال ابن معين:
" ليس به بأس ". وقال أبو حاتم:(2/416)
" ثقة لا بأس به ". وقال ابن عدي:
" لا أرى برواياته بأساً ".
وذكره ابن حبان في "الثقات ". وقال الساجي:
" يُحْتمل لصدقه، وهو صدوق ". وقال الحافظ:
" صدوق يخطئ ".
قلت: فهو حسن الحديث- إن شاء الله تعالى- إذا لم يخالف ولم يتبين خطؤه.
والحديث أخرجه أحمد (3/409) : ثنا عفان ... به.
وأخرجه الدارمي (1/271) : أخبرنا سعيد بن عامر ... به. ثم قال: أخبرنا
أبو الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال قالا: ثنا همام ... به مختصراً.
وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/330- 331) من هذه الطرق؛ إلا طريق
الحجاج.
وأحرجه الترمذي (1/367) ، وابن ماجه (1/243- 244) ، والطحاوي
(1/78 و 80- 81) من طريق عفان؛ بعضهم مختصراً.
وأخرجه البيهقي (1/416- 417) - من طريق سعيد بن عامر-، وهو،
والطحاوي، والدارقطني (ص 87- 88) - من طريق أبي الوليد- ... به.
وأخرجه النسائي (1/103) ، والطحاوي أيضا، وأبو عوانة، وابن حزم
(3/150) من طرق أخرى عن همام ... به مطولأ ومختصراً.
وخالفهم في إسناده أبو داود الطيالسي؛ فقال في "مسنده " (رقم 1354) :
ثنا همام عن عامر الأحول عن مكحول عن ابن أبي محذورة عن أبيه ... به(2/417)
مختصراً. قال:
" وذكروا أنه عن مكحول عن أبي [كذا! ولعله: ابن] محيريز عن ابن أبي
محذورة عن أبيه "!
قلت: وهذا من أوهام الطيالسي رحمه الله؛ فليس هو من رواية ابن أبي
محذورة عن أبيه؛ بل هو من رواية ابن محيريز عن أبي محذورة؛ سمعه منه؛ كما
في رواية المصنف وغيره.
نعم؛ قد رواه ابن أبي محذورة عن أبيه- كما تقدم برقم (515) ، ويأتي بعد
هذا بحديث-؛ لكن ليس هو من حديث همام عن مكحول عنه! فلعله اختلظ
عليه أحدهما بالآخر؛ والله أعلم.
وتابعه معاذ بن هشام عن أبيه عن عامر الأحول ... به دون الإقامة.
أخرجه مسلم (2/3) ، وأبو عوانة، والنسائي، والبيهقي من طرق عنه ... به،
لكن مسلماً ذكر التكبير في أوله مرتين فقط! قال الحافظ (3/160) :
" وقال ابن القطان: الصحيح في هذا تربيع التكبير، وبه يصح كون الأذان تسع
عشرة كلمة، وقد قيدَ بذلك في نفس الحديث [يعني: حديث الباب] قال: وقد
وقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير، وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح.
انتهى. وقد رواه أبو نعيم في "المستخرج " والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم
عن معاذ بن هشام بسنده؛ وفيه تربيع التكبير، وقال بعده: أخرجه مسلم عن
إسحاق ".
قلت: وكذلك أخرجه النسائي عن إسحاق؛ فرواية مسلم بالتثنية شاذة. ثم
قال أبو عوانة عقب الحديث:
" هذا لفظ هشام، وزاد همام في حديثه ذِكْرَ الإقامة، فتركته؛ لأن هشاماً(2/418)
أحفظ وأتقن منه، ولأن إجماع أهل الحرمين على خلاف زيادته "!
قلت: وبنحو هذا أعلّه البيهقي (1/417) ! والجواب كن الأول:
أن هذا الاختلاف ليس اختلاف تعارض حتى يصار إلى ترجيح رواية
الأحفظ؛ بل هو من قبيل زيادة الثقة على الثقة، وهي مقبولة.
وأيضا؛ فإن هماماً لم يتفرد بذكر الإقامة فيه؛ بل قد تابعه سعيد بن أبي
عروبة عن عامر ... بسنده؛ ولفظه:
علمني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عثرة.
أخرجه الطبراني؛ كما في " الجوهر النقي " وغيره.
والجواب عن الآخر: أنه لا حجة في إجماع طائفة بعد ثبوت الحديث؛
ولذلك قال الحافظ (3/164) :
" وتكلم البيهقي عليه بأوجه من التضعيف، ردَّها ابن دقيق العيد في
"الإمام "، وصحح الحديث ".
قلت: وتفصيل هذا في "الزيلعي " (1/268) .
518- وفي رواية عنه قال:
ألقى عليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التأذين هو بنفسه، فقال:
" قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً
رسول الله، مرتين مرتين - قال:- ثم ارجع فَمُدَّ مِنْ صوتك: أشهد أن لا إله
إلا الل هـ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن(2/419)
محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على
الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله ".
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". ورواه
ابن خزيمة في "صحيحه ") .
إسناده: حدئنا محمد بن يشار: ئنا أبو عاصم: ثنا ابن جريج: أخبرني ابن
عبد الملك بن أبي محذورة- يعني: عبد العزيز- عن ابن محيريز عن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
الشيخين؛ غير عبد العزيز بن عبد الملك، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى
عنه- غير ابن جريج-: ابنه إبراهيم وأبو سعيد محمد بن سعيد الطائفي، وصحح
له الترمذي وابن خزيمة، كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجه (1/241- 242) : حدثنا محمد بن يشار ومحمد
ابن يحيى قالا: ثنا أبو عاصم ... به أتم منه؛ وزاد في آخره: قال: وأخبرني ذلك
مَن أدرك أبا محذورة على ما أخبرني عبد الاأد بن محيريز.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص 86) ، والبيهقي (1/393) ، وأحمد
(3/409) .
وروراه النسائي (1/103- 104) ، ومن طريقه ابن حزم (3/151) ، والطحاوي
(1/78) دون الزيادة؛ كلهم أخرجوه من طرق عن ابن جريج.
وعنه: أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " كما في "التهذيب " (6/347) .
وأخرجه الترمذي (1/366) من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن
أبي محذورة قال: أخبرني أبي وجدي جميعاً عن أبي محذورة.-. به مختصراً.(2/420)
وكذلك أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الشافعي عن إبراهيم، فقال
الشافعي: وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... معنى ما حكى ابن جريج.
وروى منه البخاري في "أفعال العباد" (ص 76) الترجيع. ثم قال الترمذي:
" حديث صحيح ".
519- وفي رواية أخرى عنه قال:
ألقى عَلي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأذان حرفاً حرفاً:
" الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد
أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول
الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدأ
رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على
الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح ".
قال: وكان يقول في الفجر: " الصلاة خير من النوم ".
(قلت: حديث صحيح، كما قال الترمذي. وأخرجه ابن خزيمة في
"صحيحه ". وصححه عبد الحق الاشبيلي) .
إسناده: حدثنا النفَيْلِى: نا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي
محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبى محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة
يقول ...
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي(2/421)
محذورة مجهول.
وضعفه الأزدي، كما في "التقريب ".
وجده عبد الملك بن أبي محذورة ليس بالمشهور، كما سبق (رقم 515) .
لكن الحديث صحيح؛ بما له من الطرق، وقد سبق أكثرها.
والحديث أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/57/1/1025) من طريق أخرى
عن أبي جعفر النفيلي.
520- وعنه:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّمه الأذان؛ يقول:
" الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا
الله ... "، ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج عن عبد العزيز بن عبد الملك
ومعناه (1) .
__________
(1) قال في "عون المعبود": " أي: في حديث نافع بن عمر تثنية التكبير في أول الأذان؛
بخلاف رواية ابن جريج؛ فإن فيها تربغ التكبير في أول الأذان. وأما باقي الأذان في رواية
نافع بن عمر مثل ألفاط الأذان لرواية ابن جريج التي مضت، ومعنى روايته مع إثبات الترجغ
(وفي حديث مالك بن دينار ... بلخ) يعني: في رواية مالك بن دينار أيضا تثنية التكبير في
أول الأذان، كما في رواية نافع بن عمر الجمحي عن عبد اللك، و (قط) ؛ بمعنى: حسب
(وكذلك) ؛ أي: مثل رواية نافع بن عمر بتثنية التكبير وباقي الألفاظ مثل رواية ابن جريج (إلا
أنه قال) ؛ أي: جعفر بن سليمان في حديثه: (ثم ترجع فترفع صوتك) . وفي حديث ابن
جريج: " ثم ارجع فمد من صوتك ". (الله أكبر الله أكبر) : هذا بيان التشبيه؛ أي: وكذلك
حديث جعفر بتثنية التكبير: الله أكبر الله أكبر ".
قلت: يفهم منه أن في هذه الروايات الثلاث الترجغ، كما في حديث ابن جريج؛ وهذا
حق لا مناقشة فيه.(2/422)
(قلت: يعني: الحديث رقم (518) . والحديث صحيح؛ لكن الأصح تربيع
التكبير في أوله، كما في سائر الروايات المتقد مة) .
إسناده: حدثنا محمد بن داود الإسكندراني: ثنا زياد- يعني: ابن يونس-
عن نافع بن عمر- يعني: الجُمَحِي- عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن
عبد الله بن محيريز الجمحي عن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل عبد الملك هذا، وبقية رجاله ثقات
كلهم.
لكن الحديث صحيح؛ لما سبق بيانه في الرواية السابقة؛ إلا أن الأصح فيه
تربيع التكبير في أوله.
كذلك رواه مكحول عن عبد الله بن محيريز، وقد سبقت روايته (رقم 517) ،
وهو أوثق من روى الحديث عن ابن محيريز، وعليه أكثر الرواة عن أبي محذورة،
كماسلف.
__________
- لكن قوله في السطر الأخير: " هذا بيان التشبيه ... " إلخ! خطأ واضح عندي؛ بل هو
بيان للمخالفة الني وقعت في رواية جعفر هذه، خلافاً للروايات قبلها التي هي- فيما عدا
التكبير- مثل رواية ابن جريج، وقد سبق أن فيها: " ثم ارجع فمُد من صوتك: أشهد ... "
إلخ.
وليست المخالفة هذه هي ما أشار إليه الشارح بقوله: " وفي حديث ابن جريج: " ثم ارجع
فمد من صوتك " ... "؛ فإن هذا اختلاف في اللفظ دون المعنى، وهذا قلما يُعْنَى المصنف
ببيانه، وإنما الخالفة الحقيقية في مبتدأ الترجيع، ففي حديث ابن جريج أنه من الشهادتين،
وفي حديث جعفر أنه من التكبير؛ إذ إن معنى حديثه: " فترفع صوتك قائلأ: الله أكبر الله
أكبر "، فالتكبير إنما هو من صلب الحديث؛ ليس هو بياناً من المصنف كما زعم الشارح!
وقد أشار إلى هذا الحديث وضعفه: البيهقي في "سننه "؛ وقد ذكرنا نص كلامه في
الكتاب الآخر؛ فراجعه.(2/423)
521- قال أبو داود: " وفي حديث مالك بن دينار قال: سألت ابن
أبي محذورة، قلت: حدِّثْني عن اذان أبيك عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فذكر
فقال: الله أكبر الله أكبر ... قط ".
إسناده معلق كما ترى، ولم أجد من وصله؛ لا هذا، ولا الذي بعده (1) .
والحديث صحيح لكن بتربيع التكبير في أوله لما سلف ذكره.
522- وكذلك حديث جعفر بن سليمان عن ابن أبي محذورة عن عمه
عن جده؛ إلاّ أنه قال:
" ثم ترجع فترفع صوتك: الله أكبر، الله أكبر ".
(قلت: لم أجد من وصله! والحديث صحيح؛ لكن بترليع التكبير في أوله
كما تقدم قريباً. وأما الرجوع إلى التكبير بعد الشهادتين- كما في هذه الرواية
الأخيرة-؛ فمنكر. ولذلك أوردناها في الكتاب الأخر (رقم 80)) .
__________
(1) ثم وجدت الحديث قد وصله الدارقطني (ص 90) من طريق داود بن أبي
عبد الرحمن القرشي: ثنا مالك بن دينارقال:
صعدت بلى ابن أبي محذورة فوف المسجد الحرام بعد ما أذن، فقلت له: أخبرني عن أذان
أبيك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال:
كان يبدأ فيكبر، ثم يقول: أشهد أن لا لله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، حي
على الصلاة، حي على الفلاح، مرة، ثم يرجع فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله
إلا الله. أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حتى يأتى على آخر الأذان:
الله أكبر الله أكبر، لا بله إلا الله. وقال:
" تفرد به داود ".
قلت: ولم أجد من ترجمه!(2/424)
523- عن ابن أبي ليلى [هو عبد الرحمن أقال:
أُحِيلَت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال. قال: وحدَّثنا أصحابنا أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين- أو قال: المؤمنين- واحدة،
حتى لقد هممت أن آبُثَّ رجالاً في الدّورينادون الناس بحين الصلاة،
وحتى هممت أن امر رجالاً يقومون على الآطام؛ ينادون المسلمين بحين
الصلاة "، حتى نَقَسوا أو كادوا أن يَنْقُسُوا، قال: فجاء رجل من الأنصار
فقال:
يا رسول الله! إني لما رجعتُ- لِمَا رأيت من اهتمامك- رأيت رجلاً
كأنَّ عليه ثوبين أخضرين، فقام في المسجد فأذَّن، ثم قعد قَعْدَةً، ثم قام
فقال مثلها؛ إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن يقول الناس (وفي
رواية: أن تقولوا) لقلت: إني كنت يقظاناً غير نائم! فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(زاد في الرواية المذكورة: " لقد أراك الله خيراً) ، فمُرْ بلالاً فليؤذن ".
قال: فقال عمر: أما إني قد رأيت مثل الذي رأى، ولكن لمَّا سُبقت
استحييت!
قال: وحدثنا أصحابنا: قال:
كان الرجل إذا جاء يَسأل؟ فيُخبر بما سُبِق من صلاته، وأنهم قاموا مع
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ من بين قائم وراكع وقاعد ومُصَلٍّ مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال
ابن المثنى: قال عمرو: وحدثني بها حُصَيْن عن ابن أبي ليلى-؛ حتى(2/425)
جاء معاذ- قال شعبة: وقد سمعتها من حصين؛ فقال: لا آراه على
حال ... إلى قوله: " كذلك فافعلوا ".
قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث عمرو بن مرزوق. قال: فجاء
معاذ فأشاروا إليه- قال شعبة: وهذه سمعتها من حصين- قال: فقال معاذ:
لا آراه على حال إلا كنتُ عليها؛ قال: فقال: " إن معاذاً قد سَنَّ لكم
سُنَّةً؛ كذلك فافعلوا ".
قال: وحدثنا أصحابنا:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قدم المدينة؛ أمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم أُنزل
رمضان، وكانوا قوماً لم يتعؤدوا الصيام، وكان الصيام عليهم شديداً،
فكان من لم يصم آطعم مسكيناً، فنزلت هذه الأية: {فمن شهد منكم
الشهر فلْيَصًمْهً} ؛ فكانت الرخصة للمريض والمسافر؛ فأمروا بالصيام.
قال: وحدثنا أصحابنا: قال:
وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل؛ لم يأكل حتى يصبح. قال:
فجاء عمر فأراد امرأته؛ فقالت: إني قد نمت فظن انها تَعْتَل؛ فأتاها، فجاء
رجل من الأنصار فأراد الطعام، فقالوا: حتى نُسَخنَ لك شيئاً؛ فنام، فلما
أصبحوا أُنزلت علبهم هذه الآية؛ فيها: {احِلً لكم ليلةَ الصيامِ الرَّفَثً إلى
نسائكم} .
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا
أصحابنا) ؛ يريد به أصحاب النبي عليه السلام. وقد حهءحه ابن حزم وابن(2/426)
دقيق العيد وابن التركماني (.
إسئاده: حدثنا عمرو بن مرزوق: أنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن
أبي ليلى. (ح) وحدثنا ابن المثنى: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن
مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى. والرواية الأخرى لابن المثنى.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا
أصحابنا) إنما أراد به الصحابة رضي الله عنهم، كما صرح به الأعمش عن عمرو
ابن مرة، كما يأتي. وقد تردد في ذلك المنذري، فقال في "مختصره " (رقم 477) :
" وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا أصحابنا) ؛ إن أراد الصحابة؛ فهو قد سمع من
جماعة من الصحابة، فيكون الحديث مسنداً؛ وإلا فهو مرسل "!
والرواية المشار إليها تعين الاحتمال الأول، كما قال الحافظ في "التلخيص "
(3/174) . قال:
"ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد ". وقال الزيلعي في "نصب الراية"
(1/267) :
" أراد به الصحابة؛ صرَّح بذلك ابن أبما شيبة في " مصنفه "، فقال: حدثنا
وكيع: ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا
أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء بلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال:
يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رجلاً قام وعليه بردان أخضران، فقام على
حائط، فأذن مثنما مثنى، وأقام مثنى مثنى. انتهى. وأخرجه للبيهقي في "سننه "
عن وكيع ... به. قال في "الإمام ": وهذا رجال "الصحيح "، وهو متصل على
مذهب الجماعة في عدالة الصحابة، وأن جهالة اسمهم لا تضر ".
قلت: وكذا قال ابن التركماني في "الجوهر النقي " نحو ما قال ابن دقيق العيد(2/427)
في "الأمام " أنه على شرط "الصحيح ". إلخ.
وكذلك أخرجه الطحاوي (1/79 و 80) - عن يحيى بن يحيى النيسابوري-،
والبيهقي (1/420) - عن عبد الله بن هاشم-، وابن حزم في "المحلى" (3/157) -
عن موسى بن معاوية- كلهم عن وكيع ... به. وقال ابن حزم:
" وهذا إسناد في غاية الصحة ".
ثم إن الحديث قد روى قسماً منه: عمرو بن مرة أيضا عن حصين عن ابن أبي
ليلى وتابعه عليه شعبة عن حصين، كما قد ذكر ذلك المصنف في تضاعيف
الحديث.
وقد رواه ابن حزم في " الإحكام" (6/70- 71) من طريق ئنْدَار: ثنا غُنْدَرٌ
- لقب محمد بن جعفر-: ثنا شعبة: ثنا عمرو بن مرة عن حصين ... به من
قوله: قال: وحدثنا أصحابنا إلى قوله: " كذلك فافعلوا ".
والحديث فيه تربيع التكبير في أول الأذان، فهو يؤيد رواية ابن إسحاق المتقدمة
عن عبد الله بن زيد (رقم 512) ؛ ولذلك رجحنا هناك أنه أصح من تثنية التكبير
في هذه القصة.
وأما رواية المسعودي عن عمرو بن مرة بالتثنية- كما في حديث معاذ الأتي-؛
فلا تصلح للمعارضة؛ لأن المسعودي ضعيف، كما يأتي.
524- عن معاذ بن جبل قال:
أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال ... وساق
نص الحديث بطوله، واقتصَّ ابن المثنى منه قصة صلاتهم نحو بيت
المقدس قط، قال:(2/428)
الحال الثالث:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المدينة فصلَّى- يعني: نحو بيت المقدس-
ثلاثة عشر شهراً، فأنزل الله هذه الآية: (قَدْ نَرى تَقَلُبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ
فَلنُولينكَ قِبلة ترضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُما كُنْتُمْ فَوتَوا
وُجُوْهَكُم شَطْرَه) ؛ فوجَّهه الله عز وجل إلى الكعبة ... وتم حديثه. وسمى
نصر صاحب الرؤيا. قال:
فجاء عبد الله بن زيد- رجل من الأنصار- ... وقال فيه: فاستقبل
القبلة. قال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله
إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي
على الصلاة- مرتين-، حي على الفلاح- مرتين-، الله أكبر الله أكبر،
لا إله إلا الله. ثم أمهل هُنَيَّةً، ثم قام فقال مثلها؛ إلا أنه قال: زاد- بعدما
قال: حي على الفلاح-: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. قال: فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لقِّنْها بلالاً "؛، فأذَّن بها بلال.
وقال في الصوم: قال:
فإن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصومِ يوم
عاشوراء، فأنزل الله: {كُتِبَ عَليكُمُ الصِّيامُ كمَا كُتِبَ على الذين مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعفكُم تَتَّقون. آياماً مَعْدوداتٍ، فَمنْ كانَ مِنْكُمْ مَريْضاً أو على سَفَرٍ
فعِدَّة مِنْ أيامٍ أُخَر وعلى الذينَ يُطيقونَهُ فِدْية طَعَامُ مِسْكِين} ؛ فكان من(2/429)
شاء أن يصوم صام، ومن شاء أن يفطر ويطعم كل يوم مسكيناً أجزأه ذلك،
فهذا حَوْلٌ.
فأنزل الله: {شهرُ رمضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرانُ هُدىً للناس وَبينات
مِنَ الهُدى والفُرقان فَمنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَهْرَ فليصمه وَمَنْ كانَ مريضَاً أو
على سَفَر فَعِدة مِنْ أيام أُخَر} ؛ فثبت الصيام على من شهد الشهر، وعلى
المسافر أن يقضي، وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذَيْنِ لا
:يستطيعان الصوم، وجاء صِرْمَةُ وقد عمل يومه ... وساق الحديث.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكلم: " صحيح الاسناد "، ورافقه
الذهبي. وعلق البخاري بعضه في "صحيحه ". وقوّاه الحافظ؛ لكن الأصح
تربيع التكبير في أوله) .
إسناده: حدثنا ابن المثنى عن أبي داود. (ح) وثنا نصر بن المهاجر: ثنا يزيد
ابن هارون عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ لكن المسعودي- واسمه
عبد الرحمن بن عبد الله- كان قد اختلط.
لكن قد تابعه شعبة عن عمرو بن مرة؛ لكن خالفه في إسناده ومتنه.
أما الإسناد؛ فقال المسعودي: عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن
جبل ... فَأُعِل بالانقطاع، قال المنذري في "مختصره ":
" ذكر الترمذي وابن خزيمة أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن
جبل. وما قالاه ظاهر جدّاً؛ فإن ابن أبي ليلى قال: وُلِدْتُ لست بَقِين من خلافة
عمر؛ فيكون مولده سنة سبع عشرة من الهجرة، ومعاذ توفي في سنة سبع عشرة أو(2/430)
ثمان عشرة. وقد قيل: إن مولده لست مضين من خلافة عمر؛ فيكون مولده على
هذا بعد موت معاذ ".
وبذلك أعله الدارقطني أيضا؛ فقال في "السنن " (ص 89) :
" وقال الأعمش والمسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن
جبل ... ولا يثبت، وللصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن
عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلاً "!
كذا قال! وفيه نظر من وجهين:
الأول: دعواه أن الأعمش رواه كرواية المسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي
ليلى عن معاذ!
فلعل ذلك في بعض الروايات عن الأعمش؛ وإلا فقد رواه وكيع عنه عن
عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فهذا متصل صحيح الإسناد، كما سبق ذكره في حديث ابن أبي ليلى (رقم
523) .
والوجه الأخر: زعمه أن رواية شعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن
عن ابن أبي ليلى إنما هي مرسلة وأنها الصواب!
وقد سبقت هذه الرواية؛ وليست هي صريحة في الإرسال؛ بل هي- عند
التحقيق- موصولة؛ فإن فيها أن ابن أبي ليلى قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... الحديث. وقد بينت رواية وكيع عن الأعمش المذكورة آنفاً: أن
الأصحاب فما هذه الرواية إنما هم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فعاد الحديث موصولاً
صحيح الإسناد.(2/431)
ولا يعله أن المسعودي رواه منقطعاً؛ لما سبق من ضعف حفظه، ولأن من وصله
ثقة جاء بزيادة، وهي مقبولة.
ولذلك علق البخاري في "صحيحه " (4/152) قسماً من الحديث من طريق
الأعمش فقال: وقال ابن نمير: حدثنا الأعمش: حدثنا عمرو بن مرة: حدثنا ابن
أبي ليلى:
حدثنا أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
نزل رمضان، فشَقَّ عليهم؛ فكان من أطعم كل يوم مسكيناً؛ ترك الصوم ممن
يطيقه، وزخصَ لهم في ذلك، فنسختها: (وَآن تصوموا خَيْرٌ لَكُم) ؛ فأمِروا
بالصوم. فقال الحافظ:
" قوله: وقال ابن نمير ... إلخ؛ وصله أبو نعيم في "المستخرج " والبيهقي من
طريقه ". قال:
" وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش ...
مطولاً في الأذان والقِبْلَةِ والصيام. واختلف في إسناده اختلافاً كثيراً؛ وطريق ابن
نمير هذه أرجحها ".
وقوله: " عن الأعمش "! وهم منه رحمه الله، أو سبق قلم؛ والصواب: " عن
عمرو بن مرة "، كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (5/246- 247) : ثنا أبو النضْرِ: ثنا المسعودي. ويزيد
ابن هارون: أخبرنا المسعودي- قال أبو النضر في حديثه-: حدثني عمرو بن
مرة ... به بتمامه.
وكذلك أخرجه البيهقي (1/391 و 420- 421) .(2/432)
وأخرج منه الحاكم (2/274) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم أحوال
الصيام فقط؛ وقال:
" حديث صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي!
وليس بجيد؛ لما علمت من حال المسعودي. والصواب أن يقال: حديث
صحيح؛ لمتابعة شعبة له، كما في الرواية التي قبلها.
وقال أحمد (5/232) : ثنا أسود بن عامر: أنبأًنا أبو بكر- يعني: ابن عياش-
عن الأعمش عن عمرو بن مرة ... به مقتصراً على قصة الأذان، وفيه:
فأذن مثنى مثنى، ثم جلس، ثم أقام فقال: مثنى مثنى.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص 89- 90) من طريق الأسود.
فقد تابع الأعمشُ السعوديَّ في روايته عن عمرو عن ابن أبي ليلى عن معاذ،
وقد سبق أن الدارقطني أشار إلى هذه المتابعة.
لكن أبو بكر بن عياش- الراوي عن الأعمش- هو سيئ الحفظ أيضا.
وقد خالفه وكيع؛ فقال: عن الأعمش عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال:
حدثنا أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... كما تقدم.
قالقول في هذه الرواية؛ ما قلنا في رواية المسعودي عن عمرو بن مرة.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح، ورواية من رواه مقطوعاً لا تعل رواية من رواه
موصولاً.
لكن الأصح فيه تربيع التكبير في أوله، كما في رواية الأعمش هذه، وروايته
الأخرى المشار إليها آنفاً، وقد ذكرنا لفظها عند الكلام على الحديث السابق.(2/433)
ثم إن القدر المتعلق بالصوم منه؛ له شواهد كثيرة، ستأني في "الصوم "؛ فانظر
الأرقام الأتية (2003 و 2005 و 2006 وغيرها) .
28- باب في الإقامة
525- عن أنس قال:
أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفَعَ الأذان وُبوتِرَ الإقامة- زاد في رواية- إلا الإقامة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه، وكذا ابن حبان
(1673) ، وأبو عوانة في "صحاحهم " الرواية الأولى. وأخرج الأخرى:
البخاريُ بإسناد المصنف، ومن طريقه أخرجه أبو عوانة) .
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب وعبد الرحمن بن المبارك قالا: ثنا حماد عن
سِمَاكِ بن عطية. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا ؤهَيْبٌ - جميعاً- عن
أيوب عن أبي قلابة عن أنس؛ زاد حماد في حديثه: إلا الاقامة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين من الوجهين؛ وحماد: هو ابن
زيد
والحديث أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (1/327) عن المؤلف.
وكذلك أخرجه بيهقي (1/413) .
وأخرجه البخاري (2/65- 66) ، والدارمي (1/271) قالا: حدثنا سليمان
ابن حرب: ثنا حماد بن زيد ... به.
ثم أخرجه أبو عوانة والبيهقي (1/412) والطحاوي ايضاً من طرق أخرى عن
سليمان بن حرب ... به.(2/434)
ثم أخرجه البيهقي من طريق أخرى عن موسى بن إسماعيل ... به أنم منه؛
ولفظه: قال:
لما كثر الناس ذكروا أن يُعْلِمُوا وقت الصلاة يشيء يعرفونه، فذكروا أن يوقدوا
ناراً، أويضربوا ناقوساً؛ فأمر بلال ... الحديث.
وهكذا على التمام: أخرجه مسلم (2/3) من طريق بَهْزٍ: حدثنا وهيب ...
به
وأخرجه أبو عوانة (1/326- 327) من طريق عفان عنه؛ لكن شيخ وهيب
عندهم جميعاً: هو خالد الحَذاء؛ ليس هو أيوب! فلعله كان له فيه شيخان عن
أبي قلابة.
وقد رواه جماعة عن خالد، كما يأتي.
وقد تابع وهيباً: عبدُ الوهاب الثقفي:
أخرجه أحمد (3/103) : ثنا عبد الوهاب: ثنا أيوب ... به.
ومن طريق عبد الوهاب: أخرجه مسلم، والنسائي (1/103) ، والبيهقي
(1/412 و 413) ؛ لكن النسائي قال:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بلالاً ... فصرح بالآمر.
وهو رواية البيهقي.
وأخرجه الحاكم (1/198) ، وقال:
" لم يخرجاه بهذه السياقة؛ وهو على شرطهما "، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو عوانة أيضا (1/328) .(2/435)
وتابعه شعبة أيضا: عند أبي عوانة.
ولشعبة فيه إسناد آخر، نذكره في للرواية الآتية:
526- وفي رواية عنه مثل حديث وهيب (يعني: الرواية الأولى) . قال
إسماعيل: فحدَّثت به أيوب؛ فقال: إلا الاقامة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو والبخاري في
"صحيحيهما"، وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " عن المؤلف) .
إسناده: حدثنا خمَيْذ بن مَسْعَدَةَ: ثنا إسماعيل عن خالد الحَذُّاء عن أبي
قلابة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وإسماعيل: هو ابن إبراهيم بن
علية.
والحديث أخرجه أحمد (3/189) : ثنا إسماعيل ... به.
وأخرجه البخاري (2/67) ، ومسلم (2/2) ، والطحاوي (1/79) ، والبيهقي
(1/412) من طرق عن إسماعيل ... به.
وأخرجه أبو عوانة (1/328) عن المؤلف.
وقد بين إسماعيل أن زيادة: إلا الإقامة؛ ليست في حديث خالد؛ وإنما هي
في حديث أيوب. فهذا يؤيد رواية حماد بن زيد عن أيوب المتقدمة بهذه الزيادة.
ثم إن حديث خالد؛ أخرجه الطيالسي (رقم 2095) : ثنا شعبة عن خالد
الحذاء ... به.
وأخرجه الدارمي (1/270) ، وأبو عوانة (1/327) من طرق أخرى عن(2/436)
شعبة ... به.
ثم أخرجاه، وكذا الشيخان، والترمذي (1/369- 370) ، وابن ماجه
(1/248) ، والطحاوي (1/79) ، وابن حبان (1674) ، والبيهقي من طرق عن
خالد ... به. وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".
ولشعبة فيه إسناد آخر: أخرجه الطبراني في "الصغير" (ص 222) من طريق
عبد الملك بن إبراهيم الجدي: ثنا شعبة عن قتادة عن أنس ... به. وقال:
" لم يروه عن شعبة إلا عبد الملك الجُدِّيُ ".
قلت: ورواه أبان بن يزيد عن قتادة:
أن أنس بن مالك كان أذانه مثنى مثنى، وإقامته مرة مرة.
أخرجه البيهقي.
ورواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس ... من فعل بلال؛ وسنذكر
لفظه في الكلام على الحديث الآتي:
527- عن ابن عمر قال:
إنما كان الأذان على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين مرتين، والاقامة مرة
مرة؛ غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا
الإقامة؛ توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة.
(قلت: إسناده حسن، وقال الحاكم: " صحيح الاسناد "، ووافقه الذهبي،
وقال النووي: " إسناده صحيح ". وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في(2/437)
"صحيحيهما". وقال المنذري: " حسن ". وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه"؛
دون قوله: غير أنه ... إلخ. وقال ابن الجوزي: " إسناده صحيح ") .
إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة قال: سمعت
أبا جعفر يحدث عن مسلم أبي المثنى عن ابن عمر.
قال شعبة: لم أسمع عن أبي جعفر غير هذا الحديث.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا أبو عامر- يعني: العَقَدِي- عبد الملك
ابن عمرو: ثنا شعبة عن أبي جعفر- مؤذن مسجد العُرْيَانِ- قال: سمعت أبا المثنى
- مؤذن مسجد الأكبر- يقول: سمعت ابن عمر ... وساق الحديث.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير أبي
جعفر- واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى، ويقال في نسبه
غير ذلك؛ وهو كوفي، ويقال: بصري-، وهو حسن الحديث على أقل الدرجات؛
قال ابن معين:
" ليس به بأس ". وقال الدارقطني:
" بصري يحدث عن جده [يعني: مسلماً أبا المثنى] ولا بأس بهما ". وقال
ابن حبان في "الثقات ":
" كان يخطئ ". وقال ابن عدي:
" ليس له من الحديث إلا اليسير؛ ومقدار ما له لا يتبين صدقه من كذبه ".
وقال الحافظ:
" صدوق يخطئ ".
قلت: وحسن له الترمذي حديثاً في (الصلاة قبل العصر) ، سيأتي في(2/438)
الكتاب- إن شاء الله تعالى- (رقم 1154) .
وقد زعم الحاكم- ووافقه الذهبي-: أن أبا جعفر هذا: هو عمير بن يزيد بن
حبيب الخَطْمِي، كما يأتي! وهو وهم منهما؛ لأمور:
أولأ: أن أبا جعفر الخظمي عميراً هذا؛ لم يذكروا في ترجمته أنه كان مؤذناً؛
بخلاف أبي جعفر محمد بن إبراهيم؛ فهو مؤذن مسجد (العريان) ، كما في رواية
المصنف الثانية عن شعبة.
ثانياً: أنهم لم يذكروا له رواية عن مسلم أبي المثنى؛ بل ذكروا ذلك لمحمد بن
إبراهيم.
ثالثاً: أن شعبة يقول: إنه لم يسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث، وهو قد
روى عن أبي جعفر الخطمي غير هذا؛ من ذلك: حديث توسل الأعمى بدعاء
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وهو عند الترمذي (2/277- طبع بولاق) وغيره. فدل على أن أبا
جعفر راوي هذا الحديث: هو غير الخطمي.
وأما مسلم أبو المثنى؛ فهو مسلم بن المثنى- ويقال: ابن مهران بن المثنى-؛
قال أبو زرعة:
"ثقة".
وذكره ابن حبان في " الثقات ". وفي "التقريب " أنه:
" ثقة " وهو جد أبي جعفر الذي روى هذا الحديث عنه، كما تقدم.
والحديث أخرجه أحمد (2/85/رقم 5569) : حدثنا محمد بن جعفر ...
به
ثم قال (رقم 5570) : حدثنا حجاج: حدثنا شعبة: سمعت أبا جعفر- مؤذن(2/439)