((منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر، وعلي بن يزيد، والقاسم أبو عبد الرحمن؛ لا يكون ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم)) .
وتعقبه الحافظ في ((التهذيب)) بقوله:
((وليس في الثلاثة من اتهم إلا علي بن يزيد، وأما الآخران؛ فهما في الأصل صدوقان، وإن كانا يخطئان)) .
ومحمد بن أيوب، فيهم كثرة؛ فلم أعرفه. وتبادر إلى ذهني احتمال أنه محمد ابن أيوب بن سويد الرملي المتهم: وقد تقدمت له أحاديث (172، 5762 - 5763) ، ولكني لم أجد ما يؤكد ذلك؛ بل وجدت في ترجمة عبيد الله بن زحر أنه روى عنه يحيى بن أيوب المصري، فألقي في نفسي أنه لعله تحرف اسم: (يحيى) على الناسخ إلى: (محمد) ، لتقارب الشبه بينهما، وقد عهدنا مثل هذا التحريف في بعض المخطوطات. والله أعلم بحقيقة الحال.
5782 - (خلق الله آدم من أديم الأرض كلها، فخرجت ذريته على حسب ذلك؛ منهم الأبيض، والأسود، والأسمر، والأحمر، ومنهم بين ذلك، ومنهم السهل، والخبيث، والطيب) .
منكر باختصار (القبضة) . أخرجه الحاكم (2 / 261) ، ومن طريقه البيهقي في ((السنن)) (9 / 3) عن إسحاق بن إبراهيم: أنبأ عبد الرزاق: أنبأ معمر: أخبرنا عوف العبدي عن قسامة بن زهير عن أبي موسى الأشعر رضي الله عنه مرفوعاً. وقال الحاكم:(12/617)
((صحيح الإسناد)) ! ووافقه الذهبي!
وأقول: في تصحيحه من هذا الوجه نظر:
الأول: أن إسحاق بن إبراهيم - وهو الدبري - في سماعه من عبد الرزاق كلام؛ قال الذهبي في ((المغني)) :
((صدوق. قال ابن عدي: ((استصغر في عبد الرزاق)) . قلت: سمع من عبد الرزاق كتبه وهو ابن سبع سنين أو نحوها، وروى عنه أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها هل هي من قبل الدبري وانفرد بها، أو هي محفوظة مما انفرد به عبد الرزاق؟ وقد احتج بالدبري جماعة من الحفاظ؛ كأبي عوانة وغيره)) .
وذكر الحافظ في ((اللسان)) عن ابن الصلاح أنه قال:
((وقد وجدت فيما روى الدبري عن عبد الرزاق أحاديث أستنكرها جداً، فأحلت أمرها على الدبري، لأن سماعه منه متأخر جداً)) (1) .
وعليه؛ فإني أقول:
إن هذا الحديث بالاختصار المشار إليه هو من تلك المنكرات، وذلك؛ لمخالفته لروايات الثقات لهذا الحديث عن عوف العبدي بسنده المذكور مرفوعاً بلفظ:
((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض. . .)) الحديث والباقي مثله. وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1630) ، فأسقط الدبري منه جملة القبضة، فدل ذلك على سوء حفظه وقلة ضبطه، فلا يحتج به عند تبين خطئه ومخالفته.
__________
(1) انظر ((مقدمة ابن الصلاح)) (ص 408) ، وشرح العراقي عليه.(12/618)
وقد استغل هذا السقط ذاك الجاحد لصفات الله، والمستلزم جحده لوجوده سبحانه وتعالى؛ فقد رأيته أخرج هذا الحديث الصحيح الذي فيه (القبضة) في تعليقه على ((دفع الشبه)) (ص 163) ، ومع أنه ذكر تصحيح الترمذي والحاكم والذهبي إياه، فقد ضرب بذلك عرض الحائط، جاحداً تلك الجملة الصحيحة بقوله:
((والظاهر أنها من تصرف الرواة؛ رووه بالمعنى بدليل رواية الحاكم. . .)) .
ثم ساق حديث الترجمة؛ لأنه ليس فيه الجملة!
لقد أكد الجاحد باستدلاله بهذا الحديث المنكر على أنه لا يزال سادراً في جحده وضلاله وغيه، تارة بتأويله لآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وتعطيل معانيها، وتارة بادعاء أن حديث الآحاد لا تثبت به العقيدة، وتارة باختلاق علة للحديث الصحيح لا وجود لها إلا في مخه، وتارة بتقوية الحديث المنكر؛ ليضرب به الحديث الصحيح كما فعل هنا، فإنه لما لم يستطع أن يوجد له علة قادحة يتشبث بها لرده؛ اختلق زعمه بأنه من تصرف الرواة، وكذب والله! ثم استدل على ذلك بالحديث المنكر موهماً القراء صحته! ولو أنه كان صحيح السند لم يجز الاستدلال المذكور لما هو مقرر في علوم الحديث: أن زيادة الثقة مقبولة. ولكن هذا الجاحد لا يقيم لهذا العلم ولا لغيره وزناً إذا تعارض مع جحده وهواه! !
وإن مما يؤكد هذا: أنه قوى إسناد أثر ابن مسعود عند ابن سعد (10 / 26) بلفظ:
((إن الله بعث إبليس، فأخذ من أديم الأرض، فخلق منه آدم)) .
فقال عقبه:(12/619)
((سنده حسن)) !
كذا قال! وفيه شيخ ابن سعد: حسين بن حسن الأشقر؛ قال الذهبي في
((الكاشف)) :
((واهٍ. قال (خ) : فيه نظر)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق يهم)) .
وفوقه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير؛ قال الحافظ أيضاً:
((صدوق يهم)) .
قلت: لكن قال في ((التهذيب)) :
((قال ابن منده: ليس بالقوي في سعيد بن جبير)) .
وهذا - كما ترى - من روايته عن سعيد.
ثم إنه لم يكتف بتقوية هذا الأثر، وإنما فعل ذلك ليضم إلى جنايته السابقة في ضربه الحديث الصحيح بالحديث الضعيف جناية أخرى، وهي ضرب الحديث الصحيح المرفوع بالأثر الحسن عنده! فقال (ص 164) :
((والظاهر أن الضارب هو إبليس الذي بعثه الله فأخذ من أديم الأرض كما مر في الأثر قبل هذا بسند حسن)) !
فتأمل أيها القارئ الكريم! كيف يستظهر ما في الأثر غير المرفوع - على ما فيه من ضعف - ويضرب به الحديث الصحيح! عامله الله بما يستحق.
وانظر بهذه المناسبة أحاديث القبضتين في ((الصحيحة)) (46 - 55) .(12/620)
5783 - (لا تجعلوني كقدح الراكب، يملأ قدحه، فإذا فرغ، وعلق معاليقة، فإن كان له في الشراب حاجة، أو الوضوء، وإلا؛ أهراق القدح. أحسبه قال: فاذكروني في أول الدعاء، وفي وسطه، وفي آخر الدعاء) .
منكر. أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (2 / 215 / 3117) ، وعبد بن حميد في ((المنتخب من المسند)) (3 / 65 / 1130) ، وابن أبي عاصم في ((الصلاة على النبي)) (55 / 71) ، والبزار (4 / 45 / 3156) ، والعقيلي في ((الضعفاء)) (1 / 61 / 57) ، والبيهقي في ((الشعب)) (2 / 216) ، وأبو القاسم الأصبهاني في ((الترغيب)) (2 / 692 / 1668) ، وأبو حفص المؤدب في ((المنتقى من حديث محمد بن إسماعيل الفارسي)) (ق 229 / 2) ، والقضاعي في ((مسند الشهاب)) (2 / 89 / 944) من طرق عن موسى بن عبيدة عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته أحد الرجلين:
1 - إما إبراهيم بن محمد هذا - وهو التيمي -؛ قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 125) عن أبيه:
((منكر الحديث، لم يثبت حديثه)) .
قلت: يعني والله أعلم؛ فقد قال البخاري في ترجمة إبراهيم هذا من ((التاريخ الكبير)) (1 / 1 / 320) و ((الصغير)) (251) :
((لم يثبت حديثه، روى عنه موسى بيت عبيدة؛ ضعف لذلك)) .(12/621)
قلت: وهذا رواه العقيلي عنه، ثم ساق له هذا الحديث.
وظاهر كلام ابن حبان أنه مجهول لا يعرف إلا بهذه الرواية؛ فقال في ((الضعفاء)) (1 / 108) :
((منكر الحديث، ولا أعلم له راوياً إلا موسى بن عبيدة الربذي، وموسى؛ ليس بشيء في الحديث، ولا أدري البلية في أحاديثه والتخليط في روايته منه أو من موسى؟ ومن أيهما كان؛ فهو وما لم يرو سيان)) .
2 - وإما من موسى بن عبيدة؛ كما تقدم آنفاً عن ابن حبان، وهو ضعيف مع صلاحه وعبادته، وبه أعله السخاوي في ((القول البديع)) ؛ فقال (ص 165) :
((وهو ضعيف، والحديث غريب)) . وقال في مكان آخر (ص 79 - 80) في موسى هذا:
((ضعيف جداً)) .
وهو ظاهر كلام ابن حبان المتقدم فيه، وكذا كلام غيره، فراجع ((التهذيب)) .
ثم قال السخاوي:
((وقد رواه سفيان بن عيينة في ((جامعه)) من طريق يعقوب بن زيد بن طلحة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((لا تجعلوني كقدح الراكب، اجعلوني في أول دعائكم، وأوسطه وآخره)) .
وسنده مرسل أو معضل، فإن كان يعقوب أخذه من غير موسى؛ تقوت به
رواية موسى)) !(12/622)
كذا قال! ولا فائدة من هذه التقوية، لأن يعقوب لو فرض أنه أخذه من غير موسى، فسيبقى فوقه إبراهيم بن محمد التيمي، وهو منكر الحديث كما تقدم، فلعله أراد أن يقول: ((غير إبراهيم)) فسبقه القلم فقال: ((غير موسى)) !
على أنه لو سلمنا بأنه أراد هذا؛ فلا يتقوى الحديث بذلك، لأن يعقوب تابعي صغير، عامة رواياته عن التابعين، ليس له رواية عن الصحابة، وإنما روى عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولد قبل وفاته - صلى الله عليه وسلم - بعامين، ولذلك؛ قال المزي:
((روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً)) .
فأقول: فأحسن أحوال رواية يعقوب هذه الإرسال، فلا يتقوى بها حديث إبراهيم؛ لاحتمال أن يعود إلى الرواية عنه للسبب المذكور في بيان سبب عدم صلاحية الاحتجاج بمرسل التابعي في ((المصطلح)) ، على أن الأرجح أن روايته معضلة، فيقوى الاحتمال حينئذ. والله أعلم.
والحديث؛ أورده ابن القيم في ((جلاء الأفهام)) (ص 41 - 42 / دار الكتب العلمية) من رواية ابن أبي عاصم والطبراني فقط، ساقه بإسناديهما اللذين يلتقيان عند موسى بن عبيدة. وسكت عليه، وإسناد الطبراني من طريق عبد الرزاق. وإلى هذا عزاه في مكان آخر (211) ، وسكت عنه أيضاً، ولعل ذلك لشهرة موسى بالضعف. ولعله لهذا السبب أيضاً سكت الحافظ عن الحديث في ((المطالب العالية)) (3 / 222) ! لكن هذا أبعد عن أن يعذر؛ لأنه لم يسق إسناده الذي يمكن الواقف عليه من العلماء من معرفة علته كما لا يخفى. ونقل الشيخ الأعظمي في تعليقه عليه عن البوصيري أنه قال:(12/623)
((ومدار سنده على موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (2 / 75)) .
وفاته العلة الأخرى! وكذلك فاتت الهيثمي في ((المجمع)) (10 / 155) وعزاه للبزار فقط!
ثم رأيت ابن طاهر المقدسي قد أورد الحديث في ((تذكرة الموضوعات)) (ص 105) ، وأعله بموسى هذا؛ قال:
((تكلم فيه أحمد ويحيى)) .
5784 - (الجنة حرام على كل فاحش أن يدخلها) .
ضعيف. أخرجه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (179 / 322) : حدثني عصمة بن الفضل: حدثني يحيى بن يحيى: حدثنا ابن لهيعة عن عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه. وقد خالفه الليث بن سعد فقال: عن عياش بن عباس به موقوفاً على ابن عمرو.
أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (1 / 288) : حدثنا محمد بن معمر: ثنا موسى بن هارون: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث بن سعد به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن معمر - وهو السامي -؛ وهو مجهول الحال؛ كما يأتي في الحديث التالي، وقد أورده الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (3 / 304) برواية محمد بن مخلد عنه، وساق له الحديث المشار إليه(12/624)
واستنكره كما يأتي، وصرح الذهبي بتجهيله كما سترى. والله أعلم.
والحديث؛ عزاه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3 / 121) لابن أبي الدنيا، وأبي نعيم في ((الحلية)) . وسكت عنه؛ لكن نقل المناوي عنه أنه قال:
((سنده لين)) .
واعتمده في ((التيسير)) .
5785 - (من شارك ذميا فتواضع له؛ إذا كان يوم القيامة ضرب فيما بينهما وادٍ من نارٍ، فقيل للمسلم: خض إلى ذلك الجانب حتى تحاسب شريكك) .
باطل. أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (3 / 304) ، وعنه ابن الجوزي في
((الموضوعات)) (2 / 249 - 250) من طريق محمد بن مخلد: حدثنا محمد ابن معمر بن محمد بن عبد الله السامي: حدثنا يحيى بن حفص بن أخي هلال الكوفي: حدثنا يعلى بن عبيد: حدثنا مسعر عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. وقال الخطيب:
((حديث منكر، لم أكتبه إلا بهذا الإسناد)) .
وأقره ابن الجوزي، ثم السيوطي (2 / 153) ، ثم ابن عراق في ((تنزيه الشريعة)) (2 / 188) . وقال الذهبي في ترجمة يحيى بن حفص هذا:
((لا يعرف، روى عن يعلى بن عبيد خبراً باطلاً، وهو (ثم ذكر هذا) . وقال: آفته يحيى، وإلا؛ فالسامي؛ فإنه مجهول الحال أيضاً)) .(12/625)
وأقره الحافظ في ((اللسان)) .
5786 - (كان الذي أصاب سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة. وكانت أحب نسائه إليه، وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء؛ أعطاهم الخاتم، فجاء أناس من أهل الجرادة يخاصمون قوماً إلى سليمان عليه السلام، فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحداً، فجاء حين أراد الله أن يبتليه فأعطاها الخاتم، ودخل الخلاء، وتمثل الشيطان في صورة سليمان، قال: هاتي خاتمي. فأعطته خاتمه، فلما لبسه؛ دانت له الشياطين والإنس والجن، وكل شيء. . . الحديث بطوله؛ وفيه: أن الشيطان كان يأتي نساء سليمان وهن حيض) .
منكر موقوف. أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6 / 287 / 10993) ، وكذا ابن أبي حاتم في ((التفسير)) ؛ كما في ((ابن كثير)) (4 / 36) ، وابن جرير (1 / 357) من طريق أبي معاوية: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:. . . فذكره موقوفاً عليه.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير المنهال بن عمرو؛ فهو من أفراد البخاري، وفية كلام يسير، وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق ربما وهم)) .
ولذا؛ قال الحافظ ابن كثير:
((إسناده إلى ابن عباس قوي؛ لكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله(12/626)
عنهما - إن صح عنه - من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا؛ كان في هذا السياق منكرات: من أشدها ذكر النساء. . . وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضي الله عنهم: كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب)) .
قلت: ويؤيد ما ذكره من التلقي: ما روى عبد الرزاق وابن المنذر؛ كما في
((الدر)) (5 / 310) عن ابن عباس قال:
أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي؛ حتى سألت عنهن كعب الأحبار. . . وسألته عن قوله تعالى: (وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب) ؛ قال: الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه. . . الحديث مختصراً (1) ؛ ليس فيه ذكر النساء. قال العلامة الآلوسي في ((تفسيره)) (12 / 199) :
((ومعلوم أن كعباً يرويه عن كتب اليهود، وهي لا يوثق بها، على أن إشعار ما يأتي بأن تسخير الشياطين [كان] بعد الفتنة يأبى صحته هذه المقالة كما لا يخفى.
ثم إن أمر خاتم سليمان عليه السلام في غاية الشهرة بين الخواص والعوام، ويستبعد جداً أن يكون الله تعالى قد ربط ما أعطى نبيه من الملك بذلك الخاتم! وعندي أنه لو كان في ذلك الخاتم السر الذي يقولون؛ لذكره الله تعالى في كتابه)) .
قلت: أو نبيه - صلى الله عليه وسلم - في حديثه. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
__________
(1) ثم وقفت على إسناده في ((تفسير عبد الرزاق)) (3 / 165 - 166) قال: أخبرنا إسرائيل عن فرات القزاز عت سعيد بن جبير عن ابن عباس. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.(12/627)
وقال أبو حيان في ((تفسيره)) (7 / 397) :
((نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالاً يجب براءة الأنبياء منها، وهي مما لا يحل نقلها، وهي من أوضاع اليهود والزنادقة)) . قال الآلوسي عقبه:
((وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس، ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي. نسأل الله تعالى سلامة ديننا وعقولنا! ومن أقبح ما فيها: تسلط الشيطان على نساء نبيه حتى وطئهن وهن حيض! الله أكبر! هذا بهتان عظيم، وخطب جسيم. ونسبة الخبر إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تسلم صحتها، وكذا لا تسلم دعوى قوة سنده إليه، وإن قال بها من سمعت)) .
يشير إلى ما كان نقله عن ابن حجر والسيوطي أنهما قالا:
((سنده قوي)) .
والحافظ ذكر هذا في ((تخريج الكشاف)) (4 / 142) . والسيوطي في ((الدر المنثور)) (5 / 310) ، وهما تابعان في ذلك الحافظ ابن كثير كما تقدم. ولا أوافق الآلوسي في عدم تسليمه بقوة السند، لأنه الذي يقتضيه علم الحديث والجرح والتعديل، لا سيما وهو موقوف، وليس كل موقوف هو في حكم المرفوع كما هو معلوم، وبخاصة إذا احتمل أنه من الإسرائيليات كهذا، وهو مما نقطع به؛ لما فيه من المخالفات للشرع كما تقدم، وبخاصة أنه صح سنده عن ابن عباس أنه سأل كعباً كما تقدم.
ولتمام الفائدة أقول:(12/628)
قال أبو حيان في تمام كلامه السابق:
((ولم يبين الله الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان، وأقرب ما قيل فيه: أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: ((لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله. ولم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة وجاءته بشق رجل. . .)) فالمراد بقوله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً} ؛ هو هذا، والجسد الملقى هو المولود: شق رجل)) .
وهو الذي استظهره الآلوسي وغيره؛ كالشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في
((أضواء البيان)) (4 / 77 و 7 / 34 - 35) ، وقال بعد أن أشار إلى القصة:
((لا يخفى أنه باطل لا أصل له. . . يوضح بطلانه قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين} ، واعتراف الشيطان بذلك في قوله: {إلا عبادك منهم المخلصين} )) .
(تنبيه) : لقد ذكر البغوي في ((تفسيره)) (4 / 64) حديث الترجمة بنحوه بقوله:
((وروي عن سعيد بن المسيب قال: احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام. . . (الحديث وفيه:) وذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما روينا)) .
فعلق عليه المعلقان اللذان غررا بطلاب العلم بتسويد اسميهما على هذه الطبعة الجديدة من ((التفسير)) بطبعهما تحت اسم المؤلف ((إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العك. مروان سوار)) ! فقالا:(12/629)
((وهذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 4 / 176 - 177 - وجـ 5 / 68 - 239)) .
وهذا كذب صرف على ((مسند)) الإمام، لا أدري والله هل كان ذلك قصداً منهما تشبعاً بما لم يعطيا، أم هو الغفلة عن التحقيق المدعى والتصحيح؟ ! لقد حاولت أن التمس لهما عذراً، فحاولت أن أجد في صفحة التعليق وفي التي بعدها حديثاً مرفوعاً يمكن ربط التعليق به، والاعتذار عنهما بأنهما أراداه به، ولكنهما لم يتنبها لخطأ الطابع، ولكني لم أجد في الصفحتين ما يمكن ربط التعليق به. والله المستعان.
5787 - (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة؛ كان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد) .
موضوع. أخرجه ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (42 / 120) من طريق علي بن الحسن بن معروف: حدثنا عبد الحميد بن إبراهيم أبو التقى: حدثنا إسماعيل بن عياش عن داود بن إبراهيم الذهلي: أنه أخبره عن أبي أمامة: صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد مظلم مسلسل بالعلل:
الأولى: داود بن إبراهيم الذهلي؛ لم أعرفه، ولا أستبعد أن يكون الذي في
((الميزان)) .
((داود بن إبراهيم عن عبادة بن الصامت. لا يعرف، وقال الأزدي: لا يصح حديثه)) .(12/630)
الثانية: إسماعيل بن عياش؛ ضعيف في غير الشاميين، ولعل روايته هذه عنهم.
الثالثة: أبو التقى هذا؛ قال الحافظ:
((صدوق؛ إلا أنه ذهبت كتبه وساء حفظه)) .
الرابعة: علي بن الحسن بن معروف؛ لم أجد له ترجمة.
ثم إن المحفوظ من طريق أخرى صحيحة عن أبي أمامة إنما هو بلفظ:
((. . . لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت)) .
رواه النسائي وابن السني وغيرهما بسند صحيح، وهو مخرج في ((الصحيحة)) (972) .
(تنبيه) : لقد أطلعني بعض الإخوان على رسالة بعنوان ((آية الكرسي معانيها وفضائلها)) للحافظ السيوطي، تحقيق وتعليق يوسف البدري، مراجعة د. محمد أحمد عاشور. دار الاعتصام. ذكر في المقدمة أنهما نقلاها عن ((الدر المنثور)) للسيوطي، وأنهما لم يتقيدا بترتيبه وتاليفه؛ بل استفادا من باقي التفاسير، كالطبري. . . وغيره، وذ كرا في ((خاتمة)) الكتيب:
((ونلاحظ أننا أمام أحد كبار الحفاظ. . ومع ذلك؛ فقد ورد في كتابه بعض الروايات الضعيفة، فزدنا عليه ما صح (!) وعقبنا أسفل كل صفحة بحال ما أورده من الآثار أو الأخبار (!) . .)) .
وفي هذا الكلام على اختصاره ما يخالف الواقع:(12/631)
أولاً: أنهما لم يبينا حال أكثر الآثار والأخبار المذكورة في ((كتيبهما)) ، ولا هما أهل لذلك؛ لجهلهما بهذا العلم، كما يدل على ذلك بعض تعليقهما، وجل ما فعلا إنما هو التخريج، والقليل الذي بينوا حاله إنما هو النقل عن بعض الحفاظ كابن كثير وغيره. وهناك أكثر من ستين رواية اكتفوا بتخريجها نقلاً عن الغير (!) ولم يبينا حالها من الصحة والضعف، وفيها بعض الموضوعات مثل حديث الحسن بن علي، وحديث أنس، وحديث علي، الواردة فيه على نسق واحد (ص 42) ، ثلاثتها موضوعة، وهي مخرجة عندي في ((الضعيفة)) بالأرقام التالية: (5135، 6174، 6175) !
ثانياً: قولهما: ((فزدنا عليه ما صح)) ؛ كذب صراح مع الأسف! لترويج ((الكتيب)) ، وليوهما القراء أنهما أتيا بشيء جديد فاقوا به الحافظ السيوطي! ففيما زادا ما هو موضوع أيضاً؛ كحديث أبي موسى في فضل آية الكرسي أيضاً (ص 44) ، ونقلا فيها عن الحافظ ابن كثير أنه قال: ((منكر جداً)) ! فأين الصحة المدعاة؟ ! وهو مخرج في ((الضعيفة)) أيضاً (3901) .
وأسوأ من ذلك أنهما قالا في تخريج حديث الترجمة:
((رواه ابن حبان والدارقطني والطبراني، ورواية ابن حبان على شرط الشيخين. . .)) .
وهذا مما يدل على جهلهما البالغ لهذا العلم، حتى في نقل التخريج! فإن المذكورين إنما أخرجوا الحديث مختصراً بالسند الآخر الصحيح كما تقدم ذكره قبيل هذا التنبيه. مع أن قوله في رواية ابن حبان: ((على شرط الشيخين)) خطأ؛ فإنما هو على شرط البخاري فقط، مع العلم بأنه - أعني: ابن حبان - لم يروه في(12/632)
((صحيحه)) ؛ كما كنت نبهت عليه هناك في ((الصحيحة)) (972) . والله المستعان.
والحديث؛ عزاه السيوطي في ((الجامع الكبير)) لابن السني والديلمي عن أبي أمامة، وسكت عنه كعادته، وللحكيم عن زيد المروزي معضلاً!
5788 - (من صلى علي حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً؛ أدركته شفاعتي يوم القيامة) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) من طريق إبراهيم بن محمد ابن زياد الألهاني قال: سمعت خالد بن معدان يحدث عن أبي الدرداء قال:. . . فذكره مرفوعاً؛ كما في ((جلاء الأفهام)) لابن قيم الجوزية (ص 250 - طبع مكتبة أنصار السنة) ، وسكت عنه؛ لأنه ساقه بإسناده لينظر فيه، ففعلت، فتبين أنه ضعيف؛ خلافاً لقول المنذري في ((الترغيب)) (1 / 232) :
((رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما جيد)) !
وتبعه على ذلك الهيثمي في ((المجمع)) (10 / 140) ، وزاد:
((ورجاله وثقوا)) ! وقلدهما المعلقون الثلاثة على ((الترغيب)) (1 / 515) !
قلت: وفيه علتان:
الأ ولى: أشار إليها الهيثمي بقوله المذكور: ((وثقوا)) ! وهي: إبراهيم بن محمد الألهاني؛ فقد أورده البخاري في ((التاريخ)) (1 / 1 / 323) ، وابن أبي حاتم (1 / 1 / 127) برواية اثنين من الثقات، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.(12/633)
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6 / 17) برواية أحدهما. وهناك عنه راو ثالث وهو بقية بن الوليد، روى عنه هذا الحديث مصرحاً بالتحديث، والسند إليه صحيح.
العلة الثانية: الانقطاع بين خالد بن معدان وأبي الدرداء، وبها أعله الحافظ العراقي؛ فقال في ((تخريج الإحياء)) (1 / 334) :
((رواه الطبراني، وفيه انقطاع)) .
وأقره الحافظ الناجي في كتابه ((عجالة الإملاء)) (ص 96 - مخطوط) ، ثم الزبيدي في ((شرح الإحياء)) (5 / 132) ، ومن قبلهما الحافظ السخاوي في ((القول البديع)) ؛ فقال (ص 91) :
((رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما جيد؛ لكن فيه انقطاع؛ لأن خالداً لم يسمع من أبي الدرداء، وأخرجه ابن أبي عاصم أيضاً، وفيه ضعف)) .
وأشار إلى الانقطاع في ترجمة (خالد) من ((التهذيب)) ، والعلائي في ((جامع التحصيل)) (206) . ثم نقل عن الإمام أحمد أنه قال فيه:
((لم يسمع من أبي الدرداء)) .
(تنبيه) : لم يطبع بعد أحاديث أبي الدرداء من ((المعجم الكبير)) للطبراني. فنقلته بإسناده من كتاب ((الجلاء)) ، وذلك من فوائده، وقدر لي أنني نقلته عند تخريجه من طبعة دار الكتب العلمية (ص 234) ، وقد وقع فيها اسم تابعيه (محمد بن معدان) ، فجرى التخريج عليه، ثم لفت نظري أحد الإخوان لي أنه في طبعة أنصار السنة (خالد بن معدان) ، فوجدته مطابقاً لما كنت نقلته في آخر(12/634)
التخريج عن ((القول البديع)) ، فاعتمدته، وعدلت التخريج عليه. والله الهادي.
5789 - (خرج يوم فطرٍ أو أضحى، فخطب قائماً، ثم قعد قعدةً، ثم قام) .
منكر. أخرجه ابن ماجه (1289) من طريق أبي بحر: ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي: ثنا إسماعيل بن مسلم الخولاني: ثنا أبو الزبير عن جابر قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: عنعنة أبي الزبير.
الثانية: ضعف إسماعيل بن مسلم الخولاني، والظاهر أنه المكي أبو إسحاق والبصري، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه، وبه أعله الحافظ في ((التلخيص)) (2 / 86) ، وإن كنت لم أر من ذكر أنه خولاني؛ كالسمعاني في ((الأنساب)) ، وأفاد أنهم قبيلة نزل أكثرهم الشام.
الثالثة: أبو بحر - واسمه عبد الرحمن بن عثمان البكراوي -؛ وهو ضعيف؛ كما في ((التقريب)) .
وبهذه العلة والتي قبلها أعله البوصيري في ((زوائده)) ، فقال:
((فيه إسماعيل بن مسلم، وقد أجمعوا على ضعفه. وأبو بحر؛ ضعيف)) .
والحديث؛ أورده الزيلعي في ((نصب الراية)) (2 / 221) بإسناد ابن ماجه، وعقب عليه بقوله:(12/635)
((قال النووي في ((الخلاصة)) : وروي عن ابن مسعود: أنه قال: ((السنة أن يخطب في العيدين خطبتين؟ فيفصل بينهما بجلوس)) ؛ ضعيف غير متصل، ولم يثبت في تكرير الخطبة شيء، ولكن المعتمد فيه القياس على الجمعة. انتهى كلامه)) .
ومن الغرائب أن الحافظ في ((الدراية)) (1 / 222) تعقبه بحديث جابر هذا، فقال:
((وهذا يرد قول النووي: إنه لم يرد في تكرير الخطبة يوم العيد شيء، وإنما عمل فيه بالقياس على الجمعة)) !
وأقول: لي على ما تقدم ملاحظات:
الأولى: قوله: (ابن مسعود) ؛ أظنه محرفاً من (المسعودي) ؛ فإن الأثر المذكور أخرجه الإمام الشافعي في ((الأم)) (1 / 211) ، ومن طريقه البيهقي في ((السنن)) (3 / 299) : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الرحمن ابن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:. . . فذكره.
قلت: وعبيد الله هذا: هو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، وهو تابعي ثقة، فلعله الذي عناه النووي، بدليل قوله:
((ضعيف غير متصل)) . يعني: أنه مرسل تابعي. والله أعلم.
ثم إن السند إليه واهٍ بمرة؛ فإن اللذين دونه لم أعرفهما.
وإبراهيم بن محمد: هو ابن أبي يحيى الأسلمي؛ متروك، وكذبه بعضهم.(12/636)
الثانية: أنني لاحظت فرقاً بين قول النووي: ((لم يثبت. . .)) الذي نقله الزيلعي عنه، وبين قوله: ((لم يرد. . .)) في نقل الحافظ عنه! فهذا التعبير - إن صح عن النووي - يرد عليه رد الحافظ؛ بخلاف التعبير الأول؛ فإن نفى الثبوت لا يستلزم نفي الورود كما هو ظاهر. فالله أعلم أيهما هو قول النووي.
الثالثة: لم يعجبني سكوت الحافظ عن سند حديث جابر - وهو ضعيف عنده -، وبخاصة أنه كان في صدد رده على النووي؛ فإنه لا يخطر في بال عامة القراء إلا أنه حديث قوي! وإلا؛ لما رد به عليه!
ثم وجدت لابن أبي يحيى هذا أثراً آخر عن ابن عتبة بنفس إسناده المذكور عنه؛ لكنه أسقط إبراهيم بن عبد الله، فقال عبد الرزاق في ((مصنفه)) (3 / 290 - 291) : عن ابن أبي يحيى عن عبد الرحمن بن محمد عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:
((السنة التكبير على المنبر يوم العيد: يبدأ خطبته الأولى بتسع تكبيرات قبل أن يخطب، ويبدأ الآخرة بتسع)) !
وهذا أشد نكارة من رواية الشافعي عنه؛ فإنه زاد عليها التكبير، وعلى المنبر، ولم يثبت ذلك في السنة المحمدية فيما علمت.
وللحديث شاهد من حديث سعد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائماً يفصل بينهما بجلسة.
أخرجه البزار في مسنده المسمى بـ ((البحر الزخار)) (3 / 321 / 1116) : حدثنا عبد الله بن شبيب قال: نا أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثني مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه، وقال:(12/637)
((لا يروى عن سعد إلا من هذا الوجه)) .
قلت: وهو ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: محمد بن عبد العزيز - وهو القاضي المدني -؛ قال البخاري وغيره: ((منكر الحديث)) .
الثانية: ابنه أحمد بن محمد بن عبد العزيز؛ ذكره الخطيب في رواية له عن أبيه في ترجمة هذا (2 / 349) ، وهذه فائدة تضاف إلى ترجمة أبيه في ((اللسان)) ، وإن كنت لم أقف على ترجمته لأحمد هذا، ويبدو أن الهيثمي لم يعرفهما؛ فقال في ((المجمع)) (2 / 203) :
((رواه البزار وجادة، وفي إسناده من لم أعرفه)) .
وفي قوله: ((وجادة)) ؛ تسامح ظاهر، لأنه يوهم أن البزار هو الذي قال:
((وجدت. . .)) ، وإنما هو أحمد بن عبد العزيز.
الثالثة: عبد الله بن شبيب - وهو الربعي الأخباري -؛ قال الذهبي في
((المغني)) :
((واهٍ. قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث)) .
لكن الجملة الأولى من حديثه: ((صلى العيد بغير أذان ولا إقامة)) ؛ قد ثبتت في أحاديث أخرى:
منها: حديث جابر: عند مسلم وغيره، وهو مخرج في ((الإرواء)) (3 / 99 - 100، 119) من طريق أخرى عنه.(12/638)
ومنها: حديث جابر بن سمرة: عند أبي داود وغيره، وهو مخرج في ((صحيح أبي داود)) (1042) .
(تنبيه) : استدل ابن خزيمة في ((صحيحه)) (2 / 349) للخطبتين في العيدين بحديث ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب الخطبتين وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس.
وأقول: وهذا استدلال مستند إلى العقل، ولا عموم له، ولا سيما وقد جاء الحديث في بعض رواياته الصحيحة مقيداً بيوم الجمعة كما في رواية مسلم (3 / 9) ، وأحمد (2 / 35) وغيرهما، وقد أشار إليها البخاري في ((صحيحه)) بالترجمة للحديث بقوله (2 / 406 - فتح) :
((باب: القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة)) .
مع أن الحديث عنده ليس فيه القيد المذكور، وهو مخرج في ((الإرواء)) (3 / 70 - 71) ، وله فيه شاهد من حديث جابر بن سمرة، وفي بعض رواياته الصحيحة عند أحمد وغيره ذكر يوم الجمعة، والمنبر أيضاً، والحديثان مخرجان أيضاً في ((صحيح أبي داود)) (1003 - 1005) ، وقد كنت نبهت في تعليقي على ((صحيح ابن خزيمة)) أنه لا وجه لما ذهب إليه من الاستدلال، فقلت:
((فقوله في الحديث: ((الخطبتين)) ؛ اللام فيه للعهد، وليس للاستغراق. فتنبه)) .
5790 - (نهى عن ثمن الكلب وإن كان ضارياً) .
منكر. أخرجه الطحاوي في ((شرح الآثار)) (2 / 225) من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر: أن صفوان بن سليم أخبره عن نافع عن ابن(12/639)
عمر مرفوعاً.
ومن هذا الوجه أورده ابن أبي حاتم في ((العلل)) (1 / 386) ، وقال:
((قال أبي: هذا حديث منكر)) . وأقره الحافظ في ((الفتح)) (4 / 427) ، وقال: ((وسنده ضعيف)) .
قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن لهيعة، وهو ضعيف من قبل حفظه، فلا يقبل منه إلا ما وافق فيه الثقات، وليس هذا من ذاك؛ فقد وردت أحاديث كثيرة في النهي عن ثمن الكلب، بعضها صحيح - وهي مطلقة -، وبعضها ضعيف - وهي مقيدة بغير كلب الصيد -، فهو مستثنى من النهي. ومن رواة هذا البعض ابن لهيعة نفسه، وقد خرجت هذا والذي قبله، وميزت صحيحه من ضعيفه في ((الصحيحة)) (2971) .
وها نحن الآن نرى ابن لهيعة يخالف تلك الأحاديث كلها: مطلقها، ومقيدها بهذا الاستثناء: ((وإن كان ضارياً)) . وهذا مع ضعفه رواية، فهو ضعيف أيضاً دراية؛ بخلاف الاستثناء الذي قبله؛ فهو ضعيف رواية، صحيح دراية، كما تراه محققاً هناك.
5791 - (إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار. ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرياتهم} ) .
منكر بهذا التمام. أخرجه عبد الله بن أحمد في ((زوائد مسند أبيه)) (1 / 134 - 135) من طريق محمد بن فضل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي(12/640)
رضي الله عنه قال:
سألت خديجة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ولدين ماتا لها في الجاهلية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هما في النار)) . فلما رأى الكراهية في وجهها قال:
((لو رأيت مكانهما، لأبغضتيهما)) . قالت: يا رسول الله! فولدي منك؟ قال:
((في الجنة)) .
قال: ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير محمد بن عثمان هذا؛ فهو مجهول؛ قال الذهبي:
((لا يدرى من هو؟ فتشت عنه في أماكن، وله خبر منكر)) .
ثم ساق له هذا الحديث. وعقب عليه الحافظ بقوله:
((قلت: والذي يظهر لي أنه هو الواسطي المتقدم)) .
قلت: هذا ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7 / 438) ، وذلك مما لا يخرجه من الجهالة، لما عرف من قاعدة ابن حبان في توثيق المجهولين.
والحديث؛ قال الهيثمي في ((المجمع)) (7 / 217) :
((رواه عبد الله بن أحمد، وفيه محمد بن عثمان، ولم أعرفه)) !(12/641)
وعزاه الخطيب التبريزي في ((المشكاة)) (117) لرواية أحمد! وذلك من أخطائه، كما كنت نبهت عليه هناك منذ أكثر من ثلاثين سنة. ومع أن الحافظ ابن كثير عزاه في تفسير سورة (الطور) لعبد الله بن أحمد؛ فقد أغرب مختصره الشيخ نسيب الرفاعي (4 / 249) فعزاه للإمام أحمد! فأخطأ مرتين:
إحداهما: هذه.
والأخرى: إيراده إياه على أنه صحيح؛ كما نص عليه في المقدمة! غفر الله له، فقد لقي وجه ربه.
أما ابن كثير؛ فلا اعتراض عليه، لأنه ساقه بإسناده، وإنما الاعتراض بحق على الحافظ ابن حجر؛ فإنه أورده في، ((الفتح)) (3 / 245) برواية عبد الله دون أن يسوق إسناده؛ بل وموهماً صحته بقوله عقبه:
((وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عباس)) .
وإنما يصح هذا الكلام إذا ما حمل على أولاد المؤمنين؛ فإنه الذي جزم به ابن عباس رضي الله عنه، فيما رواه عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية: {والذين آمنوا أتبعناهم ذرياتهم بإيمان} ، قال:
((إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته وإن كانوا دونه في العمل؛ ليقر الله بهم عينه)) .
أخرجه ابن جرير في ((تفسيره)) (27 / 5 1) ، والحاكم (2 / 468) من طرق عن عمرو به.
وهذا إسناد صحيح موقوف. وقد روي مرفوعاً من طريق قيس بن الربيع عن(12/642)
عمرو بن مرة به مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه البزار (3 / 70 - 71) ، وقال:
((لا نعلم أسنده إلا قيس. وقد رواه الثوري عن عمرو بن مرة موقوفاً)) .
قلت: وقيس بن الربيع سيئ الحفظ، لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف مثل الثوري وغيره! قال الهيثمي (7 / 114) :
((رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري، وفيه ضعيف)) .
ولكنه في حكم المرفوع، ولذلك؛ خرجته في ((الصحيحة)) (2490) .
هذا؛ وإن مما يضعف حديث محمد بن عثمان هذا: أنه خالفه ابن غزوان؛ فقال: عن زاذان عن علي به. لم يزد على قراءة الآية بصيغة الجمع: (ذرياتهم) . وهي قراءة صحيحة؛ كما قرره ابن جرير الطبري.
أخرجه الحاكم (2 / 249) ، وقال:
((صحيح الإسناد)) . ووافقه الذهبي.
ولسؤال خديجة رضي الله تعالى عنها طريق آخر: يرويه سهل بن زياد الحربي: حدثني الأزرق بن قيس عن عبد الله بن نوفل - أو: عن عبد الله بن بريدة، شك سهل - عن خديجة بنت خويلد قالت:
قلت: بأبي! أين أطفالي منك؟ قال:
((في الجنة)) . قالت: وسالته: أين أطفالي من أزواجي المشركين؟ قال: ((في النار)) . قلت: بغير عمل؟ قال:(12/643)
((الله أعلم بما كانوا عاملين)) .
أخرجه أبو يعلى (12 / 504 / 7077) ، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (23 / 6 1 / 27) بنحوه؛ دون قوله: ((أو عن عبد الله بن بريدة)) - لم يشك -. وقال الهيثمي (7 / 217) :
((رواه الطبراني وأبو يعلى، ورجالهما ثقات؛ إلا أن عبد الله بن الحارث بن نوفل وابن بريدة لم يدركا خديجة)) .
قلت: فهو مرسل، وقال الذهبي في ((السير)) (2 / 113) بعد أن عزاه لأبي يعلى:
((فيه انقطاع)) .
قلت: وسهل بن زياد هذا: هو أبو زياد الطحان؛ قال أحمد:
((لا أعلم إلا خيراً)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8 / 291) ، ووثقه إسحاق بن أبي إسرائيل في روايته عنه هذا الحديث عند أبي يعلى. انظر ((تيسير انتفاع الخلان)) .
وروي الحديث عن عائشة رضي الله عنها باختصار شديد، من طريق أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن بهية عن عائشة أنها ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أطفال المشركين، فقال:
((إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار)) .
أخرجه أحمد (6 / 208) .(12/644)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر جداً، وله علتان:
الأولى: بهية هذه؛ مجهولة لا تعرف إلا برواية أبي عقيل هذا؛ كما في
((الميزان)) و ((التقريب)) .
والأخرى: أبو عقيل يحيى بن المتوكل؛ فهو ضعيف، وبه أعله الهيثمي، وقال الحافظ في ((الفتح)) (3 / 246) :
((وهو حديث ضعيف جداً؛ لأن في إسناده أبا عقيل مولى بهية، وهو متروك)) . وقد سبق تخريجه برقم (3898) .
واعلم أن حديث الترجمة قد حسن إسناده بعض الأفاضل من المعاصرين المتساهلين، وأنكر على الذهبي استنكاره إياه، فرددت عليه في ((ظلال الجنة)) (1 / 94 - 95) بما لا حاجة لإعادته هنا، وذكرت هناك أن القول الراجح في أطفال المشركين أنهم في الجنة، فضلاً من الله ورحمة. وقد جاء في بعض الأحاديث:
((أطفال المشركين خدم أهل الجنة)) . وهو صحيح بطرقه؛ رغم أنف من أنكره من المعاصرين الذين لا سابغة لهم في هذا العلم - والله المستعان -، وهو مخرج في المجلد الثالث من ((الصحيحة)) (1468) .
5793 - (يا بني عبد المطلب! إني بعثت إليكم خاصةً، وإلى الناس عامةً، وقد رأيتم من هذه الآية ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟) .
ضعيف. أخرجه أحمد (1 / 159) ، والنسائي في ((الخصائص)) (13)
__________
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
(*) هكذا ورد ترقيم الأحاديث في المطبوع 5791 ثم 5793 مباشرة، دون ذكر الرقم 5792، ولم ينبه عليه الناشر كما هي عادته في الكتاب
أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة(12/645)
- والسياق له -، وابن جرير في ((التاريخ)) (2 / 321) ، وابن عساكر (12 / 67 / ا - 2) ، والضياء المقدسي في ((المختارة)) (1 / 162) عن أبي عوانة عن عثمان ابن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد: أن رجلاً قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! لم ورثت دون أعمامك؟ قال:
جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو قال: دعا رسول الله بني عبد المطلب، فصنع لهم مداً من الطعام، فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأنه لم يمس، ثم دعا بغمرٍ، فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يمس أو لم يشرب، فقال:. . . فذكره.
فلم يقم إليه أحد، فقمت إليه - وكنت أصغر القوم -، فقال:
((اجلس)) . ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول:
((اجلس)) . حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي، ثم قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي.
وليس عند أحمد والضياء ذكر للوراثة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير ربيعة ين ناجد، قال الذهبي في ((الميزان)) :
((لا يكاد يعرف، وعنه أبو صادق بخبر منكر فيه: علي أخي ووارثي))
يشير إلى هذا الحديث. وصرح في ((الكاشف)) بأنه لم يرو عنه غير أبي صادق هذا. وقال في ((الضعفاء والمتروكين)) :
((فيه جهالة)) .(12/646)
وللوراثة شاهد من رواية أبي إسحاق قال: سألت قثم بن العباس: كيف
ورثت علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دونكم؟ قال: لأنه كان أولنا به لحوقاً، وأشدنا به لزوقاً.
أخرجه الحاكم (3 / 125) من طريقين عنه. وقال:
((صحيح الإسناد)) ، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالا، إن كان أبو إسحاق - وهو السبيعي - حدث به قبل اختلاطه، وهو غير ظاهر. والله أعلم.
5794 - (إن قبر إسماعيل في الحجر) .
ضعيف. عزاه في ((الجامع الكبير)) (2313 - 6799) للحاكم في ((الكنى)) والديلمي عن عائشة. وعزاه في ((الصغير)) للحاكم وحده.
وبيض له المناوي في ((الفيض)) ، وجزم في ((التيسير)) بأن إسناده ضعيف، ولم يذكر علته، وكذلك فعل السخاوي في ((المقاصد)) ، وتبعه من بعده؟ كابن الديبع في ((تمييزه)) ، والزرقاني في ((مختصره)) ، والعجلوني في ((كشفه)) ، و ((تذكرة الموضوعات)) للفتني (ص 220) .
وهو في ((الفردوس)) برقم (4646) ، والمجلد الذي فيه حرف القاف من مصورة ((مسند الفردوس)) غير موجود عندي لنبدي رأينا فيه؛ فقد يكون إسناده أسوأ مما ذكروا، وإلى أن نقف عليه فلا بد من التسليم بضعفه. وفوق كل ذي علم عليم.(12/647)
ومن الغرائب: ما رواه صالح بن الإمام أحمد في ((مسائله)) ، (ص 42) قال: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان عن عبد الرحمن ابن سابط عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال:
ما بين المقام إلى الركن إلى زمزم إلى الحجر قبر تسعة وتسعين نبياً جاؤوا حاجين فقبروا هناك. قال صالح:
((قال أبي: لم أسمع من يحيى بن سليم غير هذا الحديث)) .
قلت: وهو موقوف - كما ترى - على السلولي، وهو تابعي وثقه ابن حبان والعجلي وروى عنه جمع، فهو مقطوع؛ لكن يحيى بن سليم صدوق سيئ الحفظ؛ وإن كان من رجال الشيخين؛ كما في ((تقريب الحافظ)) . فهو ضعيف الإسناد مع وقفه.
ثم وقفت على إسناد الحديث في ((الكنى والأسماء)) لأ بي أحمد الحاكم (5 / 2) في ترجمة أبي إسماعيل الكوفي من طريق علي بن الجعد: نا أبو إسماعيل الكوفي عن ابن عطاء عن أبيه عن عائشة مرفوعاً. وقال:
((ابن عطاء؛ أراه يعقوب بن عطاء بن أبي رباح الفهرى)) .
قلت: وهو ضعيف؛ كما في ((التقريب)) وغيره.
وأبو إسماعيل الكوفي؛ أورده الذهبي في ((الميزان)) ، وقال:
((شيخ لعلي بن الجعد، لا يعرف، والخبر غريب)) .
يشير إلى هذا، وأقره الحافظ في ((اللسان)) .(12/648)
5795 - (إن فيهم (يعني: قريشاً) لخصالاً أربعةً: إنهم أصلح الناس عند فتنةٍ، وأسرعهم إفاقةً بعد مصيبةٍ، وأوشكهم كرة بعد فرةٍ، وخيرهم لمسكين ويتيم، وأمنعهم من ظلم الملوك) .
منكر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (رقم 207 - بترقيمي) ، ومن طريقه أبو نعيم في ((الحلية)) (8 / 329) قال: حدثنا أحمد بن رشدين قال: نا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: الليث بن سعد قال: حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال: قال المستورد الفهري: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: - وذكر قريشاً - فقال:. . . فذكره. وقال الطبراني:
((لم يروه عن الليث إلا ابن وهب، تفرد به عبد الملك بن شعيب بن الليث)) .
قلت: هو ثقة من شيوخ مسلم، وكذا من فوقه هم من رجاله، وإنما آفة الحديث شيخ الطبراني أحمد بن رشدين، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :
((قال ابن عدي: كذبوه، وأنكرت عليه أشياء. قلت: فمن أباطيله. . .)) ؛ فذكرله حديثاً في فضل الحسن والحسين.
قلت: لكن فوقه واهٍ؛ كما قال الذهبي نفسه، وآخر ضعيف، فلا يصلح تعصيب الجناية بابن رشدين هذا، بخلاف حديث الترجمة؛ فهو الآفة. ويدلك على ذلك أمور:
أولاً: ما تقدم من تكذيب العلماء له، وقد يكون الكذب منه عن غير قصد.
ثانياً: ذكر في أول الحديث (خصالاً أربعة) ، فلما ساقها جعلها خمسة، فهذا(12/649)
يدل - على أحسن الاحتمالات - أنه يخلط في حفظه، فيمكن أن يكون هو السبب الذي حمل العلماء على تكذيبه، ومن التأويل القبيح قول المعلقين على ((الجامع الكبير)) (6312، 6798) :
((ذكر خمس خصال لا أربع، ولعله أدخل بعضها في بعض)) !
ولو علموا آفة الحديث لما تكلفوا مثل هذا التأويل، ولتذكروا قول بعضهم: (هذا الميت ما يستحق هذا العزاء) !
ونحوه: قول الدكتور المعلق على ((المعجم الأوسط)) (1 / 165) :
((لم يذكر الهيثمي قوله: ((وخيرهم لمسكين ويتيم)) وهو المناسب؛ لأنه بذكرهم (!) تصبح الخصال خمساً لا أربعاً)) !
قلت: هذه الجملة ثابتة في الرواية عند الطبرإني وأبي نعيم وفي ((الجامع الكبير)) كما تقدم، ولو كان الدكتور على علم بهذا الفن الشريف لجعل ما فيه من الاختلاف بين العدد والمعدود دليلاً آخر على ضعف الحديث، غير ضعف راويه ابن رشدين الذي نقله عن الهيثمي (10 / 26) ، ولكن هيهات! ! فإن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك؛ فهو للهيثمي أتبع من ظله! وإن مما يدلك على ذلك: أنه علق على قوله في آخر الحديث: ((ظلم الملوك)) ، فقال:
((في ((مجمع الزوائد)) : ((المملوك)) بدل ((الملوك)) وهو الأوجه)) !
فأقول: كلا؛ بل الصواب ما في ((المجمع)) ؛ فإنه كذلك في المصدرين الآخرين اللذين سبق ذكرهما، ثم هو مطابق لرواية مسلم وغيره الآتية فيما يلي:
ثالثاً: أن ابن رشدين قد خولف في متنه من الإمام مسلم وغيره؛ فأوقفوه على(12/650)
عمرو بن العاص رضي الله عنه:
فقال في ((صحيحه)) (8 / 176) : حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني عبد الله بن وهب: أخبرني الليث بن سعد: حدثني موسى بن علي عن أبيه قال: قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تقوم الساعة والروم أكثر الناس)) .
فقال له عمرو: أبصر ما تقول! قال: أقول ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: لئن قلت ذلك؛ إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك)) .
وأخرجه أحمد (4 / 230) من طريق أخرى عن ليث بن سعد به؛ إلا أنه لم يذكر خصلة الإفاقة، وقال في الخصلة الأخيرة: ((والرابعة حسنة جميلة: وإنهم لأمنع الناس من ظلم الملوك)) .
وأخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (8831) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث به. وقال:
((لا يروى عن المستورد إلا بهذا الإسناد، تفرد به موسى بن علي)) .
كذا قال، ولعله يعني بهذا التمام، وإلا؛ فقد أخرجه هو في ((المعجم الكبير)) (20 / 309 / 736) ، ومسلم أيضاً من طريق عبد الله بن وهب: حدثني أبو شريح: أن عبد الكريم بن الحارث حدثه: أن المستورد القرشي قال؛ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكر المرفوع، وفيه: فقال عمرو:
((لئن قلت ذلك! إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأجبر (وقال الطبراني:(12/651)
وأصبر) الناس عند مصيبة، وخير الناس لمساكينهم ولضعفائهم)) .
والمرفوع له أخرجه الطبراني (737) من الوجه الأول من طريق أخرى عن الليث به.
ومن هذا التخريج يتبين أن ابن رشدين أخطأ في أمور:
الأول: رفع الحديث! وهو موقوف.
الثاني: جعله من رواية المستورد! وهو من قول عمرو.
الثالث: جعله في قريش! وهو رضي الله عنه إنما قاله في الروم!
الرابع: أسقط منه قوله: ((وخامسة حسنة جميلة. . .)) ! فجاء الإشكال الذي حكيناه عن المعلقين على ((الجامع الكبير)) وعلى ((المعجم الأوسط)) ، ولم يحسنوا الإجابة الصحيحة؛ لقلة بضاعتهم في هذا العلم الشريف، فكان ذلك من دواعي هذا التحقيق.
(تنبيه) : قوله: ((إفاقة)) ؛ هكذا الحديث في ((الأوسط)) ، وفي ((مجمع البحرين)) ، و ((مجمع الزوائد)) (10 / 26) ؛ وهو الصواب. ووقع في ((الحلية)) لأبي نعيم: ((إقامة)) ! وهو تحريف، وكذلك وقع في ((الجامع الكبير)) من رواية ((الحلية)) ، فكأنه خطأ وقع فيه من قديم!(12/652)
5796 - (من زوج كريمته من فاسقِ؛ فقد قطع رحمها) (*) .
موضوع. أخرجه ابن عدي (2 / 734) ، وابن حبان في ((الضعفاء)) (1 /
__________
(*) كتب الشيخ ناصر - رحمه الله - بخطه فوق هذا المتن: ((تقدم برقم (2062) ، وفي هذا زيادة)) . (الناشر) .(12/652)
238) ، ومن طريقه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2 / 260) بإسناده عن الحسن بن محمد البلخي: ثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعاً. وقال ابن الجوزي: ((هذا ليس من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) .
وآفته البلخي هذا؛ قال ابن حبان:
((يروي عن حميد وعوف الأعرابي الأشياء الموضوعة، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، وهذا شيخ ليس يعرفه إلا الباحث عن هذا الشأن)) .
ثم ساق له حديثين - هذا أحدهما -، وقال:
((وهذا قول الشعبي، ورفعه باطل)) .
قلت: وأقروه؛ حتى السيوطي في ((اللآلي)) (2 / 163) ، وتبعه ابن عراق (2 / 200) وغيرهما. وقال ابن عدي:
((وهذا الحديث منكر، وإنما يروى هذا عن الشعبي رحمه الله قوله. والحسن ابن محمد؛ ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات)) .
قلت: وقد وقفت عليه إسناد أثر الشعبي في ((مسائل الإمام أحمد)) لابنه صالح؛ قال: حدثني أبي قال: حدثنا علي بن مجاهد الكابلي من أهل الري أبو مجاهد في سنة ثنتين وثمانين ومئة قال: أخبرنا الخليل بن زرارة عن مطرف عن الشعبي قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ الكابلي هذا؛ اتهمه غير واحد بالكذب والوضع، وقال الحافظ في ((التقريب)) :(12/653)
((متروك، وليس في شيوخ أحمد أضعف منه)) .
قلت: لكن قد تابعه يحيى بن ضريس عن الخليل بن زرارة به.
أخرجه ابن حبان في ترجمة الخليل هذا من كتابه ((الثقات)) (8 / 230) ، ولم يذكر فيه البخاري وابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً، وقال ابن معين:
((لا بأس به)) . فيمكن أن يصير هذا الأثر بهذه المتابعة حسناً)) . والله أعلم.
(تنبيه) : لقد تناقض ابن حبان في الحسن بن محمد البلخي هذا؛ فإنه أورده في كتابه ((الثقات)) أيضاً (8 / 168) بزيادة (الليثي) في نسبه، والظاهر أنه هو نفسه لا غيره، ولذلك؛ قال الحافظ في ((اللسان)) :
((وقد غفل ابن حبان فذكره في (الثقات)) ) !
5797 - (يا كعب بن عجرة! الصلاة قربان، والصدقة برهان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا) . ضعيف بهذا اللفظ. أخرجه ابن حبان (5541 - الإحسان) ، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2886 - بترقيمي) ، وكذا في ((الكبير)) (19 / 162 / 361) مختصراً من طريق معتمر بن سليمان قال: سمعت عبد الملك بن أبي جميلة يحدث عن أبي بكر بن بشير عن كعب بن عجرة مرفوعاً به.
وهو الطرف الأخير من حديث له جاء من طرق عن كعب، يزيد بعضهم على بعض، وفي بعضها:
((والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفىء الماء النار)) .(12/654)
وهو المحفوظ عن كعب وعن جابر أيضاً، وهو مخرج في ((الروض النضير)) (845) و ((التعليق الرغيب)) (2 / 22) .
وإنما سقته باللفظ المذكور أعلاه لأبين علته؛ لأن المنذري عزاه في ((الترغيب)) لابن حبان في ((صحيحه)) مصدراً إياه بقوله: ((عن)) . وساكته عليه! ولقول الهيثمي في ((المجمع)) (1 / 230 - 231) :
((رواه الطبراني في ((الأ وسط)) ، ورجاله ثقات)) !
كذا قال! وعبد الملك بن أبي جميلة؛ لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه غير المعتمر بن سليمان، ولذلك؛ قال الذهبي وغير هـ:
((مجهول)) .
ومثله: شيخه أبو بكر بن بشير؛ فإنه لم يرو عنه غير عبد الملك هذا.
ثم إن قوله: ((الصلاة قربان)) ؛ هكذا وقع عند ابن حبان، ووقع في ((المعجمين)) :
((الصلاة برهان، والصوم جنة)) ؛ ليس فيهما: ((والصدقة برهان)) ! وما في ((المعجمين)) خطأ، فإن المحفوظ في ((صحيح مسلم)) وغيره في حديث أبي مالك الأشعري بلفظ:
((. . . والصلاة نور، والصدقة برهان. . .)) . الحديث، وهو مخرج في ((تخريج مشكلة الفقر)) (59) .
وأما جملة: ((الصوم جنة)) ؛ فهي ثابتة في أحاديث كثيرة صحيحة في
((الصحيحين)) وغيرهما، فا نظر ((الترغيب والترهيب)) (2 / 57) .(12/655)
5798 - (لا يؤذن لكم من يدغم الهاء) .
موضوع. أخرجه ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 116) ، وتمام في ((الفوائد)) (ق 158 / 2) ، وأبو أحمد الحاكم في ((الكنى)) (ق 85 / 2) من طريق علي ابن جميل الرقي: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال ابن حبان:
((هذا خبر باطل موضوع لا شك فيه؛ علي بن جميل يضع الحديث وضعاً، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه بحال)) . وقال الحاكم:
((هذا حديث منكر، لا أعرف له أصلاً، فالله يرحم علي بن جميل؛ فلقد أحال على شيخ ثقة جليل بحديث منكر لا يقبله القلب)) .
والحديث؛ أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2 / 87) من طريق الدارقطني: حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث: حدثنا علي بن جميل به. وقال ابن أبي داود: ((هذا حديث منكر)) . وقال ابن الجوزي:
((قلت: والمتهم به علي بن جميل)) .
ثم ذكر مختصر كلام ابن حبان وابن عدي المتقدمين، وأقره السيوطي في ((اللآلي)) ، (2 / 11) ، وتبعه ابن عراق في ((تنزيه الشريعة)) (2 / 77) وغيره.
5798 / م - (علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي، حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة) (*)
موضوع. أخرجه الديلمي في ((مسنده)) (2 / 299 - زهر الفردوس) عن
(*) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن بخطه: ((مضى برقم (4913)) ) . (الناشر) .(12/656)
محمد بن عبد الله: حدثنا أحمد بن عبيد الثقفي: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار: حدثنا موسى بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفربن أبي طالب: حدثنا عبد المهيمن بن العباس عن أبيه عن جده سهل بن سعد عن أبي ذر مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد مظلم، فيه علل:
1 - عبد المهيمن بن العباس؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :
((قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ليس بالقوي)) .
2 - موسى بن جعفر بن إبراهيم الجعفري؛ قال العقيلي في ((الضعفاء)) (4 / 155) :
((في حديثه نظر)) . وقال الحافظ في ((اللسان)) :
((تفرد عن مالك بخبر منكر جداً)) .
3 - محمد بن علي بن خلف؛ قال الخطيب في ((تاريخه)) (3 / 57) :
((سمعت محمد بن منصور يقول: كان ثقة مأموناً حسن العقل)) .
لكن قال ابن عدي في ترجمة حسين الأشقر (2 / 772) - وساق له حديثاً منكراً من رواية محمد العطار هذا عنه بسنده؛ فقال عقبه -:
((ومحمد بن علي عنده من هذا الضرب عجائب، وهو منكر الحديث، والبلاء فيه - عندي - من محمد بن علي بن خلف)) .(12/657)
قلت: والأشقر - وإن كان صدوقاً -؛ فقد كان يغلو في التشيع ويهم في الحديث؛ كما في ((التقريب)) ، فتعصيب الجناية به دون الأشقر غير مسلم. والله أعلم.
4 - ومن دونه؛ لم أعرفهم.
5799 - (قيام الليل فريضة على حامل القرآن وإن ركعتين) .
موضوع. أخرجه أبو أحمد الحاكم في ((الكنى)) (ق 285 / 1) من طريق أبي عبد الله محمد بن الفضل البخاري المذكر: نا حاشد بن عبد الله البخاري: نا أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعاً. وقال:
((هذا حديث منكر، وفي محمد بن الفضل وحاشد نظر، ولا يدرى من هما)) .
قلت: اتهم به الذهبي محمد بن الفضل هذا، فقال:
((روى عن حاشد بن عبد الله بإسناد نظيف مرفوع. . .)) فذكره.
وقال في ترجمة حاشد:
((معدود في طبقة صاحب ((الصحيح)) . قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر)) .
وتعقبه الحافظ في ((اللسان)) بقوله:
((لم أر لحاشد بن عبد الله في ((تاريخ بخارى)) ذكراً، وإنما فيه حاشد بن إسماعيل، وهو من أقران البخاري، واسم جده عيسى.
وأخرج غنجار في ((تاريخ بخارى)) من طريق العباس بن سورة: سمعت أبا جعفر المسندي يقول:(12/658)
((حفاظ بلدنا ثلاثة: محمد بن إسماعيل، وحاشد بن إسماعيل، ويحيى ابن سهل)) .
ومات حاشد في سنة إحدى أو اثنتين ومئتين يرحمه الله تعالى.
قلت: حاشد بن إسماعيل؛ أورده الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) ، ووصفه بأنه:
((محدث الشاش أحد أئمة الأثر، وله رحلة واسعة. . .)) .
ثم ذكر من روى عنه من الحفاظ.
قلت: فمثله لا يخفى على أبي أحمد الحاكم، فالظاهر أنه غير حاشد بن عبد الله الذي في هذا الحديث، أو أن محمد بن الفضل وهم في تسمية أبيه (عبد الله) أو أنه فعل ذلك عمداً تدليساً!
وبالجملة: فالحديث موضوع؛ كما قال الذهبي ووافقه العسقلاني، وقد كنت حكمت بوضعه في ((ضعيف الجامع الصغير وزيادته)) قبل الوقوف على إسناده؛ فإن السيوطي عزاه في ((الزيادة)) للديلمي في ((مسند الفردوس)) ، والمجلد الذي فيه حرف القاف منه ليس عندي، فاكتفيت يومئذ بقولي تحته:
((موضوع متناً)) .
فالحمد لله أن وافق حكم الحافظين الجليلين: الذهبي والعسقلاني رحمهما
الله تعالى.(12/659)
5800 - (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا. فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله! قال: من هناك يطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر) .
منكر بزيادة (الأعشار) . أخرجه الروياني في ((مسنده)) (ق 249 / 1) :
نا أبو إسحاق إبراهيم بن منقذ. حدثني المقرئ أبو عبد الرحمن عن سعيد بن أبي أيوب: حدثني عثمان بن عطاء عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عثمان بن عطاء - وهو ابن أبي مسلم الخراساني -؛ ضعيف، وأظن أنه منقطع بينه وبين نافع؛ فإنهم لم يذكروا له رواية عن نافع، وإنما هي لأبيه عنه، وقد تقدمت له رواية في ((الروياني)) (247 / 2) عن أبيه عن عبد الله بن عمر، وكأنه سقط من بينهما نافع. والله أعلم.
والحديث؛ قد صح دون هذه الزيادة من طريق أخرى عن نافع به.
أخرجه البخاري والطبراني في ((الكبير)) (12 / 384 / 13422) .
وأخرجه أبو نعيم وغيره من طريق أخرى عن ابن عمر، وهو مخرج في
((تخريج فضائل الشام)) (الحديث الثامن) .
ثم تبين لي أن (عثمان) محرف في ((مسند الروياني)) من (عبد الرحمن)
فقد أخرج الحديث الإمام أحمد (2 / 90) ، وعنه ابن عساكر في ((التاريخ)) (1 / 125) عن أبي عبد الرحمن بإسناده، وفيه: (عبد الرحمن بن عطاء) ، وهذا هو الصواب؛ فقد جاء في ترجمته من ((التهذيب)) أنه روى عن نافع وعنه سعيد بن أيوب.(12/660)
ويظهر أن التحريف المشار إليه قديم؛ فإنه كذلك رواه ابن عساكر أيضاً من طريق الروياني، فلعل الخطأ من شيخه أبي إسحاق إبراهيم بن منقذ؛ فإني لم أعرفه.
وعبد الرحمن بن عطاء: هو ابن كعب؛ قال ابن حبان في ((الثقات)) (7 / 71) :
((مصري، أصله من المدينة، يعتبر حديثه إذا روى عن غير عبد الكريم بن أمية)) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه:
((شيخ مديني)) .
ففي كلامهما إشارة قوية إلى أنه يستشهد به، ولا يحتج به، وقد فرقا بين هذا وبين عبد الرحمن القرشي الراوي عن محمد بن جابر بن عبد الله خلافاً للبخاري والنسائي وابن سعد؛ كما في ((التهذيب)) ؛ لكنه قرن معهم ابن حبان! وهذا وهم منه؛ فإنه ذكر الثاني في مكان آخر من ((ثقاته)) (7 / 80) .
ثم إن الحديث الصحيح؛ أخرجه ابن عساكر (1 / 119 - 128) من طرق عن نافع به؛ دون الزيادة، وكذلك غير نافع عن ابن عمر، وغير هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهي زيادة منكرة، بل باطلة.
ومثلها زيادة (مصر) في رواية ابن عساكر (1 / 124) بلفظ:
((فقال رجل: يا رسول الله! العراق ومصر؟ فقال: هناك ينبت قرن الشيطان، وثم الزلازل والفتن)) .
وفي إسناده محمد بن يزيد بن سنان عن يزيد أبيه. وكلاهما ضعيف.(12/661)
5801 - (تحريك الإصبع في الصلاة مذعرة للشيطان) .
ضعيف جداً. أخرجه الروياني في ((مسنده)) (ق 249 / 2) ، والبيهقي
في ((سننه)) (2 / 132) ، والخطيب في ((تلخيص المتشابه)) (281) من طريق محمد بن عمر الواقدي: نا كثير بن زيد عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. وقال البيهقي:
((تفرد به الواقدي، وليس بالقوي)) .
قلت: هو أسوأ مما قال؛ فإنه متروك متهم، وقد خولف في متنه؛ فقال الإمام أحمد (2 / 119) : ثنا محمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري: ثنا كثير بن زيد به. بلفظ:
كان عبد الله بن عمر إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه، وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لهي أشد على الشيطان من الحديد)) . يعني: السبابة.
وأخرجه البزار في ((مسنده)) (1 / 272 / 563 - الكشف) ، وأبو جعفر! البختري في ((الأمالي)) (ق 60 / 1) ، والطبراني في ((الدعاء)) (ص 73 / 1) ، والمقدسي في ((السنن)) (ق 12 / 2) . وقال البزار:
((تفرد به كثيربن زيد)) .
قلت: وهو مختلف فيه، وقال الهيثمي (2 / 140:
((وثقه ابن حبان، وضعفه غيره)) .(12/662)
قلت: واقتصاره على ذكر توثيق ابن حبان قد يشعر أنه لم يوثقه من هو أعلى طبقة وأرضى علماً! وليس كذلك؛ فقد وثقه ابن معين في رواية، وابن عمار الموصلي، وقال أحمد: ما أرى به بأساً. وضعفه آخرون. فهو حسن الحديث اذا لم يخالف.
هذا؛ وقال البيهقي عقب حديث الترجمة.
((وروينا عن مجاهد أنه قال: تحريك الرجل إصبعه في الجلوس في الصلاة مقمعة للشيطان)) .
فلعل هذا أصل الحديث، أخطأ الواقدي فرفعه، إن لم يتعمده. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والتحريك ثابت في حديث وائل بن حجر من فعله - صلى الله عليه وسلم - في ((السنن)) و ((صحيح ابن خزيمة)) و ((ابن حبان)) وغيرهما، وهو مخرج في ((صفة الصلاة)) ؛ وغيره بلفظ:
((فرأيته يحركها يدعو بها)) .
وأما قول البيهقي:
ويحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة فيها، لا تكرير تحريكها، فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير. والله تعالى أعلم)) .
قلت: هذا الاحتمال غير متبادر، وحديث ابن الزبير:
((. . . لا يحركها)) ؛ منكر، أو شاذ - على الأقل -، كما هو مبين في غير موضع.(12/663)
5802 - (يا شيب! امح كل صورةٍ فيها إلا ما تحت يدي، فرفع يده عن عيسى وأمه) .
منكر. أخرجه الروياني في ((مسنده)) (ق 266 / 1) من طريق ابن جريج قال: أخبرني بعض الحجبة عن نافع بن عبد الله عن شيبة بن عثمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكر.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ نافع بن عبد الله؛ أظنه نافع بن هرمز المترجم في ((اللسان)) ترجمة سيئة؛ فقد قال:
((نافع بن عبد الله، أو ابن عبد الواحد؛ هو نافع بن هرمز، يأتي)) .
ثم ترجمه هناك، ومما جاء فيها:
((ضعفه أحمد وجماعة، وكذبه ابن معين مرة، وقال أبو حاتم: متروك ذاهب الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة)) .
ثم ساق له تبعاً لأصله أحاديث مما أنكر عليه، ثم قال:
((وسماه ابن عدي في رواية: نافع بن عبد الله، وقال ابن عدي: الضعف على رواياته بين)) .
وهذه الرواية متنها غير هذا، وهو الآتي بعده.
ثم إن الراوي عنه: الحجبي، لم يسم؛ فهو مجهول.(12/664)
5803 - (لو أذن الله للسماوات والأرض أن يتكلما، لبشرتا صائمي رمضان بالجنة) .
موضوع. ذكره السيوطي في ((الجامع الكبير)) من رواية الخطيب في ((المتفق))(12/664)
عن أبي هدبة عن أنس.
قلت: وسكت عنه! فأساء؛ لأن أبا هدبة مشهور بأنه كذاب وضاع، وبخاصة أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات من ثلاثة طرق - هذه أولها -، وقال:
((هذا حديث لا يصح، والمتهم به إبراهيم بن هدبة، قال ابن عدي: حدث عن أنس بالبواطيل. وقال ابن حبان: دجال من الدجالين، يضع على أنس. . .)) .
وأقره السيوطي في ((اللآلي)) (2 / 103) ، وقال:
((ابن هدبة كذاب)) .
والطريق الثاني: عن عبد السلام بن عبد الله المذحجي: حدثنا أبو عمروعن أنس به.
أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (3 / 68) ، ومن طريقه ابن الجوزي. وقال العقيلي - وأقره ابن الجوزي -:
((إسناد مجهول، [وحديث] غير محفوظ)) . وقال الذهبي في (الميزان)) :
((عبد السلام؛ لا يدرى من هو، ولا شيخه)) .
وسقطت هذه الترجمة من ((اللسان)) ، وليس لها ذكر في ((التهذيب)) .
وأما الطريق الثالث: فهو من رواية نافع بن عبد الله عن أنس به.
أخرجه ابن عدي في ترجمة نافع السلمي أبي هرمز (7 / 2513) بسند صحيح عنه. فهو آفته، وقد عرفت أنه متروك متهم من الحديث الذي قبله، وقال ابن الجوزي - ووافقه السيوطي -:(12/665)
((والظاهر أنه سرقه من إبراهيم)) .
5804 - (يقول الله عز وجل: يا ابن آدم! فرغ من كنزك عندي، ولا حرق ولا غرق ولا سرق، أوفيكه أحوج ما تكون إليه) .
ضعيف. أخرجه البيهقي في ((الشعب)) (22 - باب ق 151 / 2) بالسند الصحيح عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروي ذلك عن ربه عز وجل أنه يقول:. . . فذ كره، وقال:
((هذا مرسل)) .
قلت: والمراسل ضعيف عند المحدثين، وبخاصة مرسل الحسن البصري؛ فقد قال بعض الأئمة:
((مراسيل الحسن البصري كالريح)) .
وهذا الحديث كأنه أصل ما اشتهر عند العامة في سوريا من قولهم:
(المال الحلال لا بانحرق ولا بانسرق!) .
وهو على إطلاقه منكر؛ مخالف لقوله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات. . .} الآية.(12/666)
5805 - (تحل الصدقة من ثلاث: من الإمام الجامع، ومن ذي الرحم لرحمه، ومن التاجر المكنز) .
ضعيف جداً. أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (22 - باب ق 182 / 2) من طريق يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن أبي عثمان عن ثوبان مرفوعاً.(12/666)
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته يزيد بن ربيعة، وهو الرحبي؛ وهو متروك شديد الضعف؛ كما تقدم بيانه تحت أحاديثه المتقدمة برقم (310، 1083، 1187، 1384) .
والحديث؛ مما يبض له السيوطي في ((الجامع الكبير)) (96 - 12424) ! وتبعته اللجنة القائمة على طبعه!
5806 - (تحفظوا من الأرض؛ فإنها أمكم، وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (5 / 61 / 4596) من طريق ابن لهيعة: حدثني الحارث بن يزيد: أنه سمع ربيعة الجرشي يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى: ابن لهيعة؛ لسوء حفظه.
والأخرى: ربيعة الجرشي - وهو ابن عمرو. ويقال: ابن الغاز -؛ مختلف في صحبته، وثقه الدارقطني وغيره.
وهذا؛ والشطر الأول منه منكر عندي، ولعله من حفظ ابن لهيعة؛ فإنه مخالف لحديث سلمان مرفوعاً بلفظ:
((تمسحوا بالأرض؛ فإنها بكم برة)) .
وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1797) .(12/667)
والشطر الثاني منه كأنه مقتبس من قوله تعالى: {إذا زلزلت الأرض زلزالها. وأخرجت الأرض أثقالها. وقال الإنسان ما لها. يومئذ تحدث أخبارها. بأن ربك أوحى لها} وانظر الحديث المتقدم (4834) .
5807 - (من سئل بالله فأعطى؛ كتبت له سبعون حسنة) .
ضعيف. أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (22 - باب / 186 / 2) من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن يعقوب بن عاصم عن عبد الله بن عمرو - قال: ولا أعلم إلا أنه رفعه -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أن الطائفي قال فيه الذهبي في ((الكاشف)) :
((فيه لين، وقد وثق له في (م) حديث واحد)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق، يخطئ من حفظه)) .
وذكر أيضاً أنه من رجال مسلم، فأوهم أنه احتج به! وليس كذلك؛ فقد ذكر في أصله ((تهذيب التهذيب)) أنه ليس له في (م) إلا حديث واحد متابعة. وكذلك ذكر الذهبي في ((الميزان)) ، وهذا مما ينبغي أن يقيد به كلامه المتقدم في ((الكاشف)) !
وأما قول الحافظ في يعقوب بن عاصم هذا - وهو الثقفي -:
((مقبول)) !
فهو مرفوض منه؛ لأنه تقصير في حقه؛ فإنه مع إخراج مسلم له، وتوثيق ابن(12/668)
حبان إياه؛ روى عنه جماعة من الثقات، فمثله لا ينبغي التوقف في توثيقه، ولذا؛ قال الذهبي في ((الكاشف)) فيه:
((ثقة)) .
وهو من الأمثلة الكثيرة التي ذكرت بعضها - في الرد على بعض من ضعف حديث العجن من المعاصرين -: أن من روى عنه جمع من الثقات، فمحله الصدق؛ حتى يتبين أن فيما رواه نكارة، ولو لم يوثقه ابن حبان، ذكرت هناك عشرة أمثلة كشواهد لهذا، فليراجعها من شاء في ((تمام المنة)) ؛ فإنها مسالة هامة قد لا يجدها القراء في مكان آخر.
(تنبيه) : وقع في معن ((الجامع الصغير)) (هب - عن ابن عمر) . وفي شرحه ((فيض القدير)) : (ابن عمرو) ، وكذا في ((الجامع الكبير)) ، وهو الصواب الموافق لما في ((الشعب)) .
ثم إن المناوي أعله في ((فيضه)) بالطائفي، وأما في ((تيسيره)) ؛ فقال:
((. . . بإسناد صحيح)) !
وهذا من أوهامه الكثيرة، وقد سبق التنبيه على جملة كبيرة منها.
5808 - (ما استودع الله عبداً عقلاً؛ إلا استنقذه به يوماً ما) .
ضعيف. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 180) ، والديلمي في
((مسنده)) (3 / 33 / 1) من طريق أبي حذيفة أحمد بن إسماعيل السهمي: ثنا حاتم بن إسماعيل عن سلمة بن وردان عن أنس مرفوعاً. وقال ابن عدي:(12/669)
((لا أعرف يرويه غير أبي حذافة هذا، وحدث عن مالك وغيره بالبواطيل)) .
قلت: له طريق أخرى عند الديلمي بسنده عن إبراهيم بن أحمد المقرئ: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل المدني عن سلمة به؛ إلا أنه قال: ((علماً)) مكان: ((عقلاً)) .
قلت: وإسحاق هذا؛ لم أعرفه، وإبراهيم بن إسماعيل المدني؛ اثنان:
أحدهما: أبو إسماعيل المدني.
والآخر: أبو إسحاق المدني. وكلاهما ضعيف، ولعل الأقرب هذا الآخر؛ لتكنيه باسم إسحاق الراوي عنه، والله أعلم.
ثم إن مدار الطريقين على سلمة بن وردان، وهو ضعيف.
(تنبيه) : وقع الحديث في ((الكامل)) بلفظ:
((ما استودع الله عبدٌ خلقاً. . .)) !
فهذا مثال آخر من تحقيقات اللجنة المختصة! وانظر الحديث الذي قبله.
5809 - (فضل ثيابك على الأديم صدقة) .
منكر. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 179) من طريق أحمد بن محمد بن أيوب: ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال ابن عدي:
((هذا حديث منكر، لا يرويه غير أحمد بن محمد بن أيوب وحدث عن أبي(12/670)
بكر بن عياش بالمناكير ((وهو مع هذا صالح الحديث ليس بمتروك)) . وكذا قال أبو حاتم لما قيل فيه: ثقة هو؛ قال:
((روى عن أبي بكر بن عياش أحاديث منكرة)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق، كانت فيه غفلة، لم يدفع بحجة. قاله أحمد)) .
قلت: فالظاهر أن المناكير التي أشار إليها ابن عدي إنما هي من غفلته، وليست من كذبه، وإن كان بعضهم رماه به. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تنبيه) : وقع الحديث في ((الكامل)) بلفظ (1) :
((فضل بيانك عن الأرحم غنم صدقة)) .
وهذا كما يرى القراء كلام لا يمكن أن يفهم أحد منه شيئاً، ومع ذلك لا يخجل الناشر من أن يغرر القراء ويوهمهم أن لديه لجنة من المحققين وتحت إشرافه! وهذا مثال واحد من مئات الأمثلة تضحك منها الثكلى، فيطبع على الوجه الأول من كل مجلد:
((تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المختصين بإشراف الناشر)) !
ما شاء الله! - وإنا لله وإنا إليه راجعون - على هذه الحالة التي وصل إليها بعض الناشرين من الجشع والطمع على جمع المال من أي سبيل مشروع أو غير مشروع! وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قال:
((يأتي على الناس زمان ما يبالي الرجل من أين أصاب المال؛ من حلال أو حرام)) .
__________
(1) واللفظ المذكور أعلاه نقلته من ((الميزان)) .(12/671)
رواه البخاري وغيره.
5810 - (إن كثرة الأكل شؤم) .
ضعيف جداً. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 243 - 244) في ترجمة إبراهيم بن هراسة أبي إسحاق الشيباني؛ من طريق علي بن الجعد: ثنا أبو إسحاق - أظنه قال: الشيباني - عن يعقوب بن محمد بن طحلاء عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة:
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يشتري غلاماً، فألقى بين يديه تمراً، فأكل الغلام وأكثر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. فأمر برده.
ومن طريق ابن عدي أخرجه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (ق 161 / 1) ، وقال تبعاً لابن عدي:
((وأبو إسحاق الشيباني هذا هو إبراهيم بن هراسة، كناه علي بن الجعد؛ لضعفه، ولئلا يعرف! ولا أعلم يرويه غيره، وقد ضعفه الناس، والضعف على رواياته بيّن)) .
قلت: وهو متروك الحديث؛ كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 143) عن أبيه، وكذبه بعضهم. فقول السيوطي في ((الجامع الكبير)) (2339 - 6825) بعد أن عزاه للبيهقي فقط:
((وضعف)) .
تقصير حكماً وتخريجاً، كما هو ظاهر.(12/672)
5811 - (السجود على سبع: الجبهة والعينين والكفين والركبتين وصدور القدمين، فمن لم يمكن شيئاً منه من الأرض؛ أحرقه الله بالنار) .
موضوع. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 266) من طريق إبراهيم
ابن نافع: ثنا عمر بن موسى بن وجيه عن أيوب بن موسى عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً.
أورده في ترجمة إبراهيم بن نافع أبي إسحاق الجلاب، وقال فيه:
((منكر الحديث عن الثقات وعن الضعفاء)) .
قلت: وشيخه عمر بن موسى؛ هو ممن يضع؛ كما قال ابن عدي وغيره، فهو الآفة.
والحديث؛ عزاه السيوطي في ((الجامع الصغير)) للدارقطني في ((الأفراد)) عن ابن عمر. وبيض له المناوي في ((شرحيه)) ! !(12/673)
5812 - (نهى عن قتل الخفاش والخطاف؛ لأنهما كانا يطفئان النار عن بيت المقدس حين أحرق) .
موضوع. أخرجه ابن عدي (2 / 786) من طريق حمزة عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. وقال:
((حمزة بن أبي حمزة النصيبي؛ يضع الحديث)) .
وذكر نحوه ابن حبان والبيهقي؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث المتقدم برقم (61) .(12/673)
وقد روي مختصراً مرسلاً بلفظ:
((نهى عن قتل الخطاطيف)) .
وهو مخرج في ((إرواء الغليل)) (2491) ؛ دون حديث حمزة هذا، وقد أشار إليه البيهقي؛ كما كنت نقلته عنه هناك، وقال فيه:
((كان يرمى بالوضع)) .
ولم أكن قد وقفت على لفظه وإسناده، فلما وقفت عليه بادرت إلى إخراجه. والله الموفق.
5813 - (إذا صلى أحدكم، فلم يكن بين يديه ما يستره؛ فليخط خطاً، ولا يضره ما مر بين يديه) .
ضعيف (*) . أخرجه أبو داود والطيالسي في ((مسنده)) (2592) : حدثنا همام عن أيوب بن موسى عن ابن عم لهم كان يكثر أن يحدثهم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته ابن العم هذا؛ فإنه لم يسم، فهو مجهول العين.
وأيوب بن موسى؛ إن كان هو الغافقي؛ فإنه من هذه الطبقة، فهو ثقة عند ابن معين وابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، ومع ذلك؛ بيض له الذهبي في ((الكاشف)) ، وقال الحافظ في ((التقريب)) :
__________
(*) وانظر تضعيف الشيخ - رحمه الله - له أيضاً في كتابه: ((تمام المنة)) (ص 300 - 301) .
. (الناشر) .(12/674)
((مستور)) .
وإن كان غيره؛ فلم أعرفه.
وهمام: هو ابن يحيى البصري، وهو ثقة من رجال الشيخين.
والخلاصة: أن علة هذا الإسناد شيخ أيوب الذي لم يسم، وقد سماه إسماعيل بن أمية في روايته عن أبي عمرو بن محمد بن حريث: أنه سمع جده حريثاً يحدث عن أبي هريرة به.
أخرجه أبو داود وغيره. وقد اضطرب الرواة على إسماعيل هذا في إسناده اضطراباً شديداً على وجوه شرحتها في ((ضعيف أبي داود)) (107 - 108) ، ولذلك ((ضعفه جمع من الأئمة وغيرهم؛ بل قال الإمام مالك:
((الخط باطل)) .
فلا نعيد الكلام هنا، والشاهد منه أن حريثاً هذا مجهول، وكذلك حفيده أبو عمرو؛ كما في ((التقريب)) للحافظ، فالعجب منه كيف تغاضى عن هذه العلة الواضحة فحسّن الحديث في ((بلوغ المرام)) قائلاً:
((وصححه ابن حبان، ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن)) !
وأقول: أنى له الحسن وفيه المجهولان باعترافه! هذا لو سلمنا بأنه غير مضطرب، وقد أعله به شيخه الحافظ العراقي، ومن قبله ابن الصلاح وغيرهما؛ كما تراه مبيناً في المصدر المذكور آنفاً. وقد شرح الحافظ وجهة نظره في نفي الاضطراب في كتابه ((النكت على ابن الصلاح)) (2 / 772 - 774) بما لا فائدة كبرى من نقله ومناقشته، لكن المهم منه قوله:(12/675)
(( (تنبيه) : قول ابن عيينة لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوجه)) ؛ فيه نظر؛ فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري، وفي إسناده أبو هارون العبدي، وهو ضعيف)) !
قلت: وهذا منه عجب أيضاً من ناحيتين:
الأولى: أنه ألان القول في العبدي هذا، واسمه عمارة بن جوين -، وهو أسوأ
مما ذكر؛ فقد قال فيه في ((التقريب)) :
((مشهور بكنيته، متروك، ومنهم من كذبه)) .
والأخرى: أنه يعلم أن من شرط الشاهد أن لا يشتد ضعفه، وهذا مفقود هنا
كما ترى.
على أنه قد روى معمر عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال:
((كنا نستتر بالسهم والحجر في الصلاة، أو قال: كان أحدنا يستتر بالسهم والحجر في الصلاة)) .
وروى جعفر بن سليمان عنه قال:
قلت لأبي سعيد الخدري: ما يستر المصلي؛ قال: مثل مؤخرة الرحل، والحجر يجزئ ذلك، والسهم تغرزه بين يديك)) .
أخرجهما عبد الرزاق في ((المصنف)) (2 / 13 - 14) . ثم قال الحافظ:
((ثم وجدت له شاهداً آخر - وإن كان موقوفاً - أخرجه مسدد في ((مسنده الكبير)) قال: ثنا هشيم: ثنا خالد الحذاء عن إياس بن معاوية عن سعيد بن جبير قال:(12/676)
((إذا كان الرجل يصلي في فضاء؛ فليركز بين يديه شيئاً؛ فإن لم يكن معه شيء؛ فليخط خطاً في الأرض)) .
((رجاله ثقات)) .
قلت: فيه أولاً: الصواب بأن يقال فيه: ((مقطوع)) ؛ لأنه موقوف على التابعي؛ كما هو معروف في علم المصطلح.
وثانياً: هو أن يكون علة في الحديث أقرب من أن يكون شاهداً له؛ لأنه لو كان موقوفاً على صحابي الحديث، لكان علة ظاهرة فيه، فكيف به وهو مقطوع؟ ! فتأمل.
على أنه قد روي عن أبي هريرة موقوفاً كوجه من وجوه الاضطراب فيه؛ ولكنه وجه مرجوح، كما بينته هناك.
ثم قال الحافظ:
((ولهذا صحح الحديث ابن حبان والحاكم وغيرهما)) .
قلت: تساهلهما في التصحيح والتوثيق مما لا يخفى على طلاب هذا العلم؛ فضلاً عن الحافظ! هذا إذا لم يكن هناك علة ظاهرة تدفع التصحيح، فكيف بها وهي قائمة باعتراف الحافظ كما سبق؟ ! على أن عزوه للحاكم فيه نظر؛ فإننا لم نره في ((مستدركه)) - وهو المقصود عند إطلاق العزو إليه - بعد مزيد البحث عنه فيه، ولا جاء ذكره في فهرسته الذي وضعه المعاصرون.
ثم قال الحافظ:
((وذلك مقتضٍ لثبوت عدالته عند من صححه، فما يضره مع ذلك أن لا(12/677)
ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته. والله تعالى أعلم)) .
أقول: الشطر الأول من هذا الكلام مسلّم لا غبار عليه، ولكن ذلك مما لا ينفق
في النقاش العلمي القائم علي قواعد علم الحديث؛ لما سبق بيانه آنفاً من تساهل ابن حبان والحاكم.
وأما الشطر الثاني منه؛ فجوابنا عليه:
نعم؛ لا يضر ذلك إذا عرفت ذاته؛ ولكنها فرضية تخالف واقع الراوي؛ بل الراويين؛ فإنهما مجهولان حتى عند الحافظ كما تقدم.
فسامحه الله! لقد كان بحثه حول هذا الحديث على خلاف ما نعهده منه من العلم والتحقيق، حتى لكأنه ابن حجر آخر!
وجاء من بعده الشيخ الغماري: أحمد، فأخرجه في كتابه: ((الهداية في تخريج أحاديث البداية)) (2 / 392 - 393) تخريجاً مختصراً جداً، يحسن كثير من الطلبة خيرا ًمنه، وقال عقبه مغتراً بتحسين الحافظ له:
((وصححه ابن حبان وغيره، وحسنه الحافظ، وضعفه بعض المتقدمين؛ لصورة الاضطراب الواقع في إسناده؛ لكنه عند الطيالسي من وجه آخر.
والحديث صحيح كما قال ابن حبان)) !
كذا قال! وأظن أنه - كغيره - لم يعط لهذا البحث حقه من المراجعة والتحقيق، وإلا؛ لما خفي عليه - على الأقل - الجهالة التي في سند ابن حبان، ومن قرنهم معه، وتشبثه بالوجه الآخر عند الطيالسي لا يفيده شيئاً؛ لجهالة تابعيه، الذي يمكن أن يكون هو عين حريث الذي في طريق الآخرين كما تقدم.(12/678)
وإن فرض أنه غيره؛ فلا يقوي أحدهما الآخر؛ لاحتمال أن تعود روايتهما إلى أحدهما، أعني: أن يكون أحدهما رواه عن الآخر.
فاغتنم هذا التحقيق؛ فإنك قد لا تراه في مكان آخر، والله تعالى هو الموفق.
5814 - (صلى في فضاء ليس بين يديه شيء) .
ضعيف. أخرجه أحمد (1 / 224) ، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (1 / 278) ، وأبو يعلى (2601) ، والبيهقي في ((سننه)) (2 / 273) من طريق أبي معاوية عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة عن يحيى الجزار عن ابن عباس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ قال الهيثمي في ((المجمع)) (4 / 63) :
((رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه الحجاج بن أرطاة، وفيه ضعف)) .
وفاته أنه رواه الطبراني أيضاً، أخرجه في ((الكبير)) (12 / 149 / 12728)
من طريق أبي شهاب عن الحجاج به.
وابن أرطاة؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق كثير الخطأ والتدليس)) .
وقد تابعه شعبة بن الحجاج ((لكنه خالفه في إسناده ومتنه؛ فقال الطيالسي
في ((مسنده)) (2762) : حدثنا شعبة عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن صهيب - قلت: من صهيب؟ قال: رجل من أهل البصرة - عن ابن عباس:
أنه كان على حمار هو وغلام من بني هاشم، فمر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو(12/679)
يصلي، فلم ينصرف لذلك)) .
ومن هذا الوجه أخرجه أحمد والنسائي والطحاوي، وهو مخرج في ((صحيح
أبي داود)) (715) ، وبينت هناك أنه صحيح الإسناد، وأن لشعبة فيه شيخاً آخر يرويه عن عمرو بن مرة عن يحيى الجزار قال: قال ابن عباس. . . فذكره نحوه لم يذكر صهيباً في إسناده، وأزيد هنا فأقول:
وهكذا رواه علي بن الجعد في ((حديثه)) (1 / 288 / 92) ، ومن طريقه أبو يعلى في ((مسنده)) (4 / 311 / 2423) ؛ إلا أنه زاد في آخره:
((قال رجل لشعبة: كان بين يديه عنزة؛ قال: لا)) .
ولم يذكر فيه أبو يعلى: ((لشعبه)) .
قلت: وفي ثبوت هذه الزيادة عن شعبة نظر؛ بل هي شاذة؛ لتفرد ابن الجعد
بها دون الطرق المثار إليها آنفاً عن شعبة.
ومثلها: رواية سليمان بن حرب عن شعبة بإسناده الصحيح المذكور آنفاً؛ بل رواه كذلك علي بن الجعد نفسه في مكان آخر من ((حديثه)) (1 / 314 / 163) : أخبرنا به. موصولاً بذكر صهيب فيه؛ دون الزيادة.
ولعل أصل هذه الزيادة ما رواه منصور بن المعتمر عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء - وهو صهيب المتقدم -. . . فذكر الحديث بلفظ:
((يصلي بالناس في أرض خلاء)) .
أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في ((صحيحيهما)) ، وغيرهما، وهو مخرج في
((صحيح أبي داود)) أيضاً، وليس عنده هذا اللفظ، وليس فيه نفي السترة والعنزة(12/680)
كما هو ظاهر، وإنما فيه نفي البنيان والجدران، فهو مثل رواية البخاري بلفظ:
((يصلي بمنى إلى غير جدار)) .
ويأتي قريباً إن شاء الله بيان ما فيها.
فتوهم بعض الرواة أن ذلك يعني أنه صلى إلى غير سترة، كما هو ظاهر حديث الترجمة، وليس صريحاً، وقد روى مصرحاً به في بعض الطرق، والعجيب حقاً أن البيهقي عقب الحديث حديث الترجمة:
((وله شاهد بإسناد أصح من هذا عن الفضل بن عباس، وسيرد بعد هذا إن شاء الله تعالى)) .
ثم رواه (2 / 278) من طريق أبي داود بسنده عن عباس بن عبيد الله بن عباس عن الفضل نحوه بلفظ:
((فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكليبة تعبثان بين يديه، فما بالى ذلك)) .
ووجه التعجب أن عباساً هذا لم يلق عمه الفضل؛ كما قال ابن حزم في
((المحلى)) (4 / 13) ووافقه الحافظ، ولذلك؛ خرجته في ((ضعيف أبي داود)) (114) .
واقتصر المعلق على ((شرح السنة)) (2 / 461) على إعلاله بجهالة العباس فقط، وهو تقصير ظاهر!
وأعجب من ذلك أن الشيخ أحمد الغماري في ((تخريجه أحاديث بداية المجتهد)) (2 / 393) سكت عنه أولاً، وعزاه لأحمد والنسائي ثانياً، وليس(12/681)
عندهما موضع الشاهد منه وهو الذي أورده ابن رشد بقوله:
((وقد روي أنه صلى لغير سترة)) !
وشايعه على ذلك المحققان اللذان أشرفا على تخريج الكتاب ببيان أماكن الأحاديث في المصادر التي عزاها الغماري إليها!
ولقد كان الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم أقرب إلى الصواب في تخريجه إياه
في كتابه: ((طريق الرشد)) ؛ فإنه عزاه فيه (ص 88) لأبي داود وحده؛ ولكنه أخطأ في قوله:
((وللنسائي نحوه، وكذا عبد الرزاق في ((مصنفه)) ، والطحاوي في ((معاني الآثار)) ، ولا يخلو سنده من مقال)) !
قلت: رواية النسائي إسنادها صحيح من رواية صهيب كما تقدم؛ ولكن ليس فيها موضع الشاهد كما تقدم وكذلك رواية الطحاوي، فقوله: ((نحوه)) ؛ لا يفيده شيئاً لأنه يعني في اصطلاح المحدثين: مثله في المعنى، وليس في اللفظ. وهو ليس مثله في المعنى وأما رواية عبد الرزاق، ففيها موضع الشاهد؛ لكن ليس فيها عباس بن عبيد الله، فزاد انقطاعاً على انقطاع!
ومن أحاديث الباب: ما رواه ابن جريج قال: أخبرني عبد الكريم: أن مجاهداً أخبره عن ابن عباس قال:
((جئت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه)) .
أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (2 / 28 / 2357) ، وابن خزيمة في(12/682)
((صحيحه)) (2 / 25 / 838 - 839) وضعفه بقوله:
((غير جائز أن يحتج بعبد الكريم عن مجاهد على الزهري عن عبيد الله بن عبد الله)) .
يشير إلى أن المحفوظ أن المرور المذكور كان في منى؛ كما في حديث الزهري الآتي إن شاء الله، ثم قال:
((لأن عبد الكريم قد تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخبره)) .
يشير إلى أنه عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية، فإنه هو الذي تكلموا فيه؛ بل أجمعوا على ضعفه، حتى قال النسائي والدارقطني:
((متر وك)) .
وليس هو عبد الكريم بن مالك الجزري؛ فإنه ثقة متقن، كما قال الحافظ في
((التقريب)) ، وكأن الدكتور الأعظمي في تعليقه على ((صحيح ابن خزيمة)) ذهب إلى أنه هو؛ فإنه قال:
((إسناده صحيح. انظر ((مجمع الزوائد)) 2: 63)) .
ويشير بالإحالة إلى ((المجمع)) إلى زيادة أبي يعلى في آخر حديث يحيى الجزار المتقدم:
((فقال رجل: أكان بين يديه عنزة؛ قال: لا)) .
وقد عرفت أنها شاذة لا تصح)) .
والمقصود أن تصحيحه لحديث عبد الكريم هذا من الظاهر أنه يرى أنه الجزري(12/683)
الثقة، ولعله تبع في ذلك الحافظ؛ فإنه ذكره برواية البزار بلفظ:
((والنبي يصلي المكتوبة ليس لشيء يستره)) .
وسكت عنه في موضعين من ((الفتح (( (1 / 171، 571) ، والقاعدة عنده:
أن ما سكت عنه فيه فهو حسن، وهذا محتمل؛ لأن عبد الكريم هذا لم ينسب عند مخرجيه، فيحتمل أنه الجزري، وهو ابن مالك الثقة، ويحتمل أنه ابن أبي المخارق أبو أمية البصري، وهو ضعيف، ومن الاتفاقات الغريبة أن كلاً منهما روى عن مجاهد، وعن كل منهما ابن جريج، وليس من السهل الجزم بأنه أحدهما والحالة هذه، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الذهبي في ((الميزان)) ، وقال الحافظ في ((التقريب)) في أبي أمية:
((ضعيف، وقد شارك الجزري في بعض المشايخ، فربما التبس به على من لا
فهم له)) .
والأرجح عندي أنه هذا الضعيف، وذلك لسببين:
الأول: أنه لو كان الثقة لبادر ابن جريج إلى التصريح بنسبته.
الثاني: أن ابن خزيمة جزم بأنه هو؛ كما تقدم نقله عنه، ثم أكد ذلك بقوله:
((وهذا الفعل الذي ذكره عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قد زجر عن مثل هذا الفعل في خبر سهل بن أبي حثمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((إذا صلى أحدكم، فليصل إلى سترة، وليدن منها؛ لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) . وفي خبرأبي جحيفة:(12/684)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ركز عنزة، فجعل يصلي إليها، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار. وفي خبر أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((إذا صلى أحدكم؛ فليصل إلى سترة، وليدن منها)) . وفي خبر ابن عمر:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((لا تصلوا إلا إلى سترة)) .
وقد زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي المصلي إلا إلى سترة، فكيف يفعل ما زجر عنه؟ !)) .
وهذه الأحاديث كلها صحيحة، وهي مخرجة عنده (798، 800، 803، 810، 820) ، وبعضها في ((الصحيحين)) ، ومخرجة عندي في ((صحيح أبي داود)) (688 - 689، 692، 694) ، فلا يجوز إهدار العمل بها لمثل حديث أبي أمية وغيره مما تقدم.
فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت؛ فما قولكم في حديث عبد الله بن عباس قال:
((أقبلت راكباً على حمارٍ أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحدٌ)) ؟
أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (76، 493، 861) من طرق عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس.
والجواب من وجهين:(12/685)
الأول: أنه ليس صريحاً في نفي السترة مطلقاً؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك
في أول هذا التخريج، وإنما هو ينفي سترة الجدار بخاصة، ولذلك؛ لما روى البيهقي (2 / 273) عن الإمام الشافعي قوله:
((قول ابن عباس: ((إلى غير جدار)) يعني - والله أعلم - إلى غير سترة)) .
فتعقبه ابن التركماني بقوله:
((قلت: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة (1) ، ولا أدري ما وجه الدليل في
رواية مالك على أنه صلى إلى غير سترة)) .
قلت: ويؤيده صنيع البخاري؛ فإنه ترجم للحديث بقوله:
((باب سترة الإمام سترة من خلفه)) .
فهذا يعني أن الإمام البخاري لم يفهم من الحديث نفي السترة، ووجه الحافظ بقوله (1 / 571 - 572) :
وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه. ثم أيّد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة. وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة، وهو قوله بعد ذكر الحربة: ((وكان يفعل ذلك في السفر)) ، وقد تبعه النووي فقال في ((شرح مسلم)) في كلامه على فوائد هذا الحديث: فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه. والله أعلم)) . والوجه الآخر: أن قول ابن عباس في هذا الحديث: ((إلى غير جدار)) ؛ قد اختلف الرواة عن مالك فيه، فمنهم من ذكره عنه، ومنهم من لم يذكره، وها أنا
__________
(1) وكذا قال ابن دقيق العيد في ((شرح عمدة الأحكام)) (2 / 458) .(12/686)
أذكر أسماءهم:
أولاً: الذين ذكروه:
1 - إسماعيل بن أبي أويس. البخاري (76) .
2 - عبد الله بن يوسف. البخاري (493) .
3 - عبد الله بن مسلمة. البخاري (861) ، وبعضهم لم يذكره عنه؛ كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
4 - مطرف بن عبد الله. السراج في ((مسنده)) (3 / 41 / 2) ، وهذا فيما يغلب على الظن؛ فإن النسخة المصورة لم يظهر فيها ما بين عبد الله بن مطرف وعبيد الله بن عبد الله.
5 - ابن بكير.
ثانياً: الذين لم يذكروه:
1 - يحيى بن يحيى. في ((موطأ مالك)) (1 / 171) ، وعنه مسلم (2 / 57) ، والبيهقي (2 / 277) .
2 - ابن القاسم عنه. في ((المدونة)) (1 / 114) ، وكذا النسائي في ((الكبرى)) ؛ كما في ((تحفة الأشراف)) (5 / 59) .
3 - يحيى بن قزعة. البخاري (4412) .
4 - القعنبي: عبد الله بن مسلمة. أبو داود ((صحيح أبي داود)) (رقم 709) ، والبيهقي (2 / 277) .(12/687)
5 - ابن وهب. أبو عوانة في ((صحيحه)) (2 / 60) ، وابن خزيمة في
((صحيحه)) (834) ، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1 / 266) .
6 - عبد الرحمن بن مهدي. ابن خزيمة أيضاً وأحمد (1 / 342) .
7 - أحمد بن أبي بكر. ابن حبان (4 / 55 / 2386 - الإحسان) ، والبغوي
في ((شرح السنة)) (2 / 249) .
قلت: فأنت ترى أن هؤلاء الذين لم يذكروا تلك الزيادة أكثر عدداً وأجل قدراً
من أولئك الذين ذكروها، وبخاصة أن فيهم من هو ألصق بالإمام مالك، وبرواية ((الموطأ)) أشهر؛ مثل يحيى بن يحيى - وهو النيسابوري -، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي على الخلاف عليه فيها كما تقدم.
الأمر الذي يلقي في النفس أن روايتهم أصح، أو - على الأقل - هو مما يبعد القول بجواز أنهم لم يحفظوا تلك الزيادة عن مالك، كما أن اتفاق أولئك الثلاثة على روايتها عنه يبعد القول أيضاً بجواز خطئهم على مالك فيها.
فالأقرب إلى الصواب أن يقال: إن مالكاً رحمه الله هو نفسه كان يذكرها تارة،
ولا يذكرها أحياناً، فحفظ كل من هؤلاء وهؤلاء ما سمعوا منه. وكأن البيهقي أشار إلى هذه الحقيقة عقب رواية ابن بكير التي فيها هذه الزيادة بقوله:
((وهذه اللفظة ذكرها مالك بن أنس رحمه الله في هذا الحديث في (كتاب المناسك) ، ورواه في (كتاب الصلاة) دون هذه اللفظة، ورواه الشافعي رحمه الله عنه في القديم كما رواه في (المناسك) ، وفي الجديد كما رواه في (الصلاة)) .(12/688)
قلت: ولم أر في (مناسك الموطأ) هذا الذي ذكره البيهقي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا ((ولعل في رواية الإمام الشافعي للحديث دون الزيادة في مذهبه الجديد ما يشير إلى أن الإمام مالكاً كان يرويه كذلك في آخر أمره، وسواء ثبت هذا أو لم يثبت، فهو الراجح عندي واللائق بمنزلة الإمام مالك في العلم والحفظ؛ لمتابعة جمع من الثقات والأئمة الحفاظ له على رواية الحديث دون الزيادة، ولا بأس من ذكر أسماء الذين وقفت عليه منهم، مع التخريج:
1 - ابن أخي ابن شهاب (واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم) . البخاري (1857) ، وأحمد (1 / 264) ، والسراج في ((مسنده)) (3 / 241) .
2 - يونس بن يزيد. مسلم (2 / 57) ، وأبو عوانة (2 / 60) ، والبخاري تعليقاً (1853، 4412) .
3 - سفيان بن عيينة. مسلم أيضاً وأبو عوانة وأبو داود (رقم 709 - صحيحه) ، والنسائي (2 / 64) ، والد ارمي (1 / 329) ، وابن ماجه (947) ، وابن خزيمة في ((صحيحه)) (833) ، وابن الجارود في ((المنتقى)) (66 / 168) ، والطحاوي في ((شرح المعا ني)) (1 / 266) ، والبيهقي (2 / 276) ، وأحمد (1 / 219) ، والحميدي (275) ، وابن أبي شيبة (1 / 278، 280) ، وأبو يعلى (4 / 269 / 2382) ، والسراج أيضاً.
4 - معمر بن راشد. عبد الرزاق (2 / 29 / 2359) ، ومن طريقه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة، وأحمد (1 / 365) عنه وعن عبد الأعلى، وصححه الترمذي (رقم 337) .(12/689)
قلت: فاتفاق كل هؤلاء الثقات على عدم ذكر تلك الزيادة مما لا يجعل النفس تطمئن لثبوتها؛ بل إن ذلك لما يرجح بكل تأكيد أنها شاذة غير محفوظة، حتى ولو فرض اتفاق الرواة عن مالك بذكرها، فكيف وقد اختلفوا عليه فيها، فكيف وأكثرهم على عدم ذكرها كما سبق بيانه، والشذوذ يثبت بأقل من هذا؛ كما لا يخفى على العلماء العارفين بهذا الفن الشريف.
ولذلك؛ أعرض عنها جمهور المؤلفين في ((الصحيح)) ؛ كمسلم وأبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم؛ بل إن ابن خزيمة أشار في ((صحيحه)) إلى عدم ثبوتها؛ بجزمه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستتر بالحربة؛ كما تقدم كلامه عند تخريج حديث عبد الكريم، وقال أيضاً بعد أن ساق الحديث دون زيادة، ونفى أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأتان تمر بين يدي الصفوف (2 / 25) :
((فإن كان في الخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه؛ فجائز أن تكون سترة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى، ولو كانت سترته لا تكون سترة لمن خلفه؛ لاحتاج كل مأموم أن يستتر بحربة كاستتار النبي - صلى الله عليه وسلم - بها، فحمل العنزة للنبي - صلى الله عليه وسلم - يستتر بها دون أن يأمر المأمومين بالاستتار خلفه؛ كالدال على أن سترة الإمام تكون سترة لمن خلفه)) .
وختاماً أقول: تبين مما تقدم أنه لا يصح حديث صريح في صلاته - صلى الله عليه وسلم - إلى غير سترة، والزيادة التي عند البخاري ليست صريحة في ذلك، وعلى التنزل فهي شاذة لا تصح، ولذلك؛ أعرض عنها جمهور المؤلفين في ((الصحيح)) ، والله أعلم.
(تنبيه) : لقد عزا كثير من المؤلفين حديث ابن عباس بزيادة البخاري للمتفق(12/690)
عليه؛ كالحافظ عبد الغني المقدسي في ((عمدة الأحكام)) ، ومر عليه شراحه؛ كابن دقيق العيد والصنعاني (2 / 455 - 465) ، والشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسام في ((تيسير العلام)) ، ومحمد فؤاد عبد الباقي في ((اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان)) (1 / 100 / 282) ، وبالغ ابن تيمية (الجد) فقال في ((المنتقى)) :
((رواه الجماعة)) !
ومر عليه الشوكاني أيضاً في ((شرحه)) (3 / 12) !
5815 - (إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أول أهل الجنة دخولاً الجنة أهل المعروف) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8 / 312 / 8015) : حدثنا يحيى بن محمد الحنائي: ثنا شيبان بن فروخ: ثنا عيسى بن شعيب عن حفص بن سليمان عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي أمامة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، وفيه علل:
الأولى: عيسى بن شعيب - وهو أبو الفضل البصري الضرير -؛ قال ابن حبان
في ((الضعفاء)) (2 / 120) :
((كان ممن يخطئ حتى فحش خطؤه، فلما غلبت الأوهام على حديثه استحق الترك)) .(12/691)
ونقله مختصراً الذهبي في ((الضعفاء والمتروكين)) وأقره.
الثانية: حفص بن سليمان؛ أخشى أن يكون أبا عمر القارئ الكوفي وسكن بغداد؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو متروك الحديث، ويحتمل أن يكون حفص بن سليمان المنقري البصري الثقة؛ فإنه قريب من هذه الطبقة. والله أعلم.
الثالثة والرابعة: يزيد بن عبد الرحمن وأبوه؛ فإني لم أعرفهما، وإليهما أشار الهيثمي بقوله في ((المجمع)) (7 / 263) :
((رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه)) .
ومن غرائبه أنه قال في حديث آخر رواه الطبراني قبيل هذا بالسند نفسه، ومع ذلك قال - الهيثمي - (3 / 115) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) ، وإسناده حسن)) !
ولم يتنبه لهذا التناقض والخطأ صاحبنا الشيخ السلفي في تعليقه على الطبراني، وقد نقل عن الهيثمي حكميه المتناقضين على الحديثين وهما بين يديه بإسناد واحد!
ثم رأيت المنذري في ((الترغيب)) (2 / 31) قد حسنه أيضاً، فظننت أنه هو سبب خطأ الهيثمي؛ أي أنه اعتمد عليه في التحسين، ولم يبحث عن رجال إسناده، ولو أنه فعل؛ لم يقل - إن شاء الله - ما قال في الأول. والله أعلم.
لكن الشطر الأول منه صحيح، جاء عن جمع من الصحابة، خرجت أحاديث بعضهم في ((الروض النضير)) (1020، 1082) .(12/692)
5816 - (كان لا يزيد في الركعتين على التشهد) (*) .
منكر. أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (1 / 337) من طريق عبد السلام ابن حرب عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى: الانقطاع بين أبي الجوزاء وعائشة؛ فإنه لا يعرف له سماع منها؛ كما
قال ابن عبد البر وغيره.
والأخرى: تفرد عبد السلام بن حرب بهذا السياق، وهو إن كان ثقة حافظاً
فله مناكير؛ كما في ((التقريب)) .
قلت: وهذا منها في نقدي؛ فإنه قد خولف في متنه؛ فقال الطيالسي في ((مسنده)) (1547) : حدثنا عبد الرحمن بن بديل العقيلي - بصري ثقة صدوق - عن أبيه عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت:
((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير. . .)) الحديث، وفيه:
((وكان يقول في كل ركعتين التحيات. . .)) الحديث.
وقد تابعه حسين المعلم عن بديل به.
أخرجه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة (699) ، وابن حبان (1765 - الإحسان)
في ((صحاحهم)) ، وهو رواية لأ بي يعلى (4667) ، وهو مخرج في ((الإرواء)) (316) ، و ((صحيح أبي داود)) (752) .
__________
(*) كتب الشيخ الألباني - رحمه الله - بخطه فوق هذا المتن: ((تقدم برقم (5623، 5624)) ) . (الناشر) .(12/693)
(تنبيه) : خفيت هاتان العلتان على المعلق على ((مسند أبي يعلى)) ، فقال
في ((الموضعين)) : ((إسناده صحيح)) ! وقلده السقاف فيما أسماه بـ ((صحيح صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (ص 197) ، وكذلك المعلق على ((المقصد العلي)) (1 / 171 / 385) ، وكذلك الحافظ الهيثمي إلا أنه انقلب عليه اسم تابعيه! فقال في ((مجمع الزوائد)) (2 / 142) :
((رواه أبو يعلى من رواية أبي الحويرث عن عائشة، والظاهر أنه خالد بن الحويرث، وهو ثقة، وبقية رجاله رجال (الصحيح)) ) .
قلت: فتحرف عليه أو على كاتب نسخته (أبو الجوزاء) إلى أبي الحويرث! وخالد بن الحويرث؛ لم أر من كناه بأبي الحويرث، ولا في ((كنى الدولابي)) ، ولا أنه روى عن عائشة!
ثم هو لا يعرف؛ كما قال ابن معين، وإن ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (4 / 198) .
ثم إنه قد ثبت زيادة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد، وكذا الدعاء في الجملة، فراجع ((صفة الصلاة)) .
ونحو حديث الترجمة حديث ابن إسحاق قال: حدثني عن تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وسط الصلاة وفي آخرها عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال:
علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها، فكنا نحفظ عن عبد الله حين أخبرنا أن رسول الله علمه إياه، قال: فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على ورد اليسرى:(12/694)
التحيات لله. . . (فذكر التشهد) قال:
ثم إن كان في وسط الصلاة؛ نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها
دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.
أخرجه أحمد (1 / 459) ، وابن خزيمة في ((صحيحه)) (1 / 350 / 708) من طريق يعقوب (وهو ابن إبراهيم بن سعد) قال: حدثني أبي عن ابن إسحاق. .
قلت: وهذا إسناد حسن، صرح به ابن إسحاق بالتحديث، فأمن تدليسه، ولذلك؛ حسنه صاحبنا الدكتور الأعظمي فيما علقه على ((الصحيح)) ، وأما ذاك السقاف فصححه بكل صفاقة (ص 196) ! ولكن في هذا السياق نكارة من وجهين:
الأ ول: قوله: ((في وسط الصلاة وفي آخرها علي وركه اليسرى)) ؛ فإنه مخالف لحديث أبي حميد الساعدي الصريح في الافتراش في وسط الصلاة، والتورك في آخرها. رواه البخا ري (448 - مختصره) .
وليس هذا فقط؛ بل إن ابن إسحاق نفسه قد اضطرب في هذه الجملة؛ فقد
قال ابن خزيمه عقبه:
((قوله: ((. . . وفي آخرها على وركه اليسرى)) ؛ إنما كان يجلسها في آخر صلاته لا في وسطها؛ كما رواه عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق، وإبراهيم بن سعيد الجوهري عن يعقوب بن إبراهيم)) .
قلت: رواية عبد الأعلى تقدمت عنده برقم (702) ، وهي ظاهرة فيما ذكر؛ فإنها بلفظ:(12/695)
((كنا نحفظه عن عبد الله بن مسعود كما نحفظ حروف القرآن: الواو، والألف، فإذا جلس على وركه اليسرى؛ قال:
((التحيات لله. . .)) ، ثم يدعو لنفسه وينصرف)) .
أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (10 / 64 / 9932) .
ورواية الجوهري صريحة في ذلك على اختصارها الشديد؛ فإنها عنده (701) بلفظ:
((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجلس في آخر صلاته على وركه اليسرى)) .
وهذه الرواية الأخيرة إذا حملت محلى رواية البخاري الموضحة أن التورك في التشهد الثاني الأخير؛ استقام معناها، وإلا؛ فهي منكرة بإطلاقها.
والآخر: قوله: ((نهض حين يفرغ من تشهده)) .
فإنه أولاً: مخالف لكل طرق حديث ابن مسعود في تعليمه - صلى الله عليه وسلم - إياه صيغة التشهد، وقد استقصى الحافظ الطبراني طرقه أو أكثر طرقه عنه في ((المعجم الكبير)) ؛ فقد عقد له باباً خاصاً؛ خلافاً لغالب عادته في المجلد العاشر (ص 48 - 70 رقم 9883 - 9942) .
وثانياً: هو مخالف لطريق أبي الأحوص عن ابن مسعود في هذا التعليم بلفظ:
((إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: ((التحيات لله. . . ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فليدع به)) .
ورواه غيره أيضاً بسند صحيح، وقد خرجته في ((الصحيحة)) (878) ، وله(12/696)
شاهد ذكرته في ((صفة الصلاة)) الطبعة الجديدة.
وهذا الحديث من جملة أحاديث كثيرة لابن إسحاق، لا يسع الواقف عليها والباحث فيها إلا أن يشهد للحافظ الذهبي بسعة حفظه، ودقة نقده للرجال؛ فإن المعروف عند المتأخرين أن ابن إسحاق إذا صرح بالتحديث فقد جاوز القنطرة، ونجا حديثه من العلة، وليس ذلك على إطلاقه! فتأمل قول الحافظ الذهبي بعد أن ساق أقوال الموثقين والجارحين لابن إسحاق في ((ميزانه)) :
((فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً، وقد احتج به أئمة، فالله أعلم، وقد استشهد مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق، ذكرها في (صحيحه)) ) .
قلت: فاظفر بهذا التحقيق، وعض عليه بالنواجذ، ولا يغرنك حماسة بعض القاصرين والناشئين الذين يتسرعون إلى إنكار ما لم يحيطوا بعلمه، كالاحتجاج ببعض المبادئ العامة التي جهلوا أنها ليست على إطلاقها وشمولها؛ كهذا الذي شرحناه من حال ابن إسحاق، والله أعلم.
5817 - (يا عائشة! أرخي علي مرطك. قالت: إني خائض. قال: علةً وبخلاً! إن حيضتك ليست في يديك) .
منكر. أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (7 / 458) من طريق حماد عن أبي حمزة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي فوجد القر، فقال:. . . فذكره.
ومن هذه الطريق أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) (4 / 239) وقال مضعفاً:(12/697)
((غريب من حديث إبراهيم، لم يروه عنه إلا أبو حمزة ميمون)) .
قلت: وهو ضعيف اتفاقاً، وإلى ذلك أشار الذهبي بقوله في ((الكاشف)) :
((ضعفوه)) . وقال الحافظ:
((ضعيف)) .
فالعجب من الهيثمي في قوله (2 / 50) :
((رواه أبو يعلى، وإسناده حسن)) !
فلعله توهمه غيره، وإلا؛ فالحديث منكر، لأنه قد جاء من طرق عن عائشة:
أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة:
((ناوليني الخمرة من المسجد)) . قالت: إني حائض. فقال:
((إن حيضتك ليست في يدك)) .
أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في ((الإرواء)) (194) ، وهو رواية لأبي يعلى (4488، 4666) ، وله شاهد من حديث أبي هريرة وميمونة، وهما مخرجان في المصدر المذكور.
فهذا هو المحفوظ، ليس فيه ذكر المرط و ((علة وبخلاً)) .
5818 - (لما أخذ الله ميثاق العباد؛ جعل في الحجر، فمن الوفاء بالبيعة استلام الحجر) .
موضوع. أخرجه الدولابي في ((الذرية الطاهرة)) (ق 27 / 2) من طريق(12/698)
سعيد بن خثيم عن إسماعيل بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها
مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد منكر؛ بل موضوع؛ آفته إسماعيل بن أبي يحيى، وهو الكعبي؛ قال ابن عدي (1 / 331) :
((حدث عن جماعة من الثقات مناكير)) . وقال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 137) :
((روى عنه علي بن معبد، ينفرد عن الثقات بما ليس من حديث الأثبات، ويأتي عن الأئمة المرضيين بما هو من حديث الضعفاء والكذابين، لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار)) .
ثم غفل ابن حبان عن هذا، فذكره في ((الثقات)) أيضاً (8 / 109) ((من رواية علي بن معبد عنه، وانتقده لذلك الحافظ في ((اللسان)) ، وقال الذهبي في ((الميزان)) :
((هالك)) .
5819 - (أنت أعلم. قاله لمن سأله عن أفضل الأعمال، فأجابه بـ ((الجهاد في سبيل الله)) . قال الرجل: فإن لي والدين. قال - صلى الله عليه وسلم -: آمرك بالوالدين خيراً)) . قال: والذي بعثك بالحق نبياً! لأجاهدن، ولأتركنهما. قال:. . . فذ كره) .
منكر. أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (258 - موارد) ، وأحمد (2 / 72) من طريقين عن حيي بن عبد الله: أن أبا عبد الرحمن حدثه: أن عبد الله(12/699)
ابن عمرو قال:
إن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فساله عن أفضل الأعمال؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الصلاة. ثم قال: مه؛ قال:
((الصلاة)) . ثم قال: مه؛ قال:
((الصلاة)) . (ثلاث مرات) . قال: فلما غلب عليه؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((الجهاد في سبيل الله)) . قال الرجل:. . . الحديث.
قال الهيثمي (1 / 301) بعد أن عزاه لأحمد:
((وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وقد حسن له الترمذي، وبقية رجاله رجال (الصحيح)) ) .
قلت: ابن لهيعة لم يتفرد به ((كما تقدمت الإشارة إليه؛ فقد تابعه ابن وهب: عند ابن حبان.
وإنما علة الحديث حيي بن عبد الله، وهو:
أولاً: ليست من رجال ((الصحيح)) .
وثانياً: مختلف فيه، وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق يهم)) .
قلت: فهو وسط، فمثله يحسن حديثه؛ إلا عند المخالفة، وأنا أرى - خلافاً للحافظ - أنه وهم في هذا الحديث مرتين:(12/700)
الأولى: أنه خلط بين حديث من سأل عن العمل، وحديث من استأفي ن النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد معه؛ فالأول من حديث ابن مسعود نحوه؛ دون قوله: (ثلاث مرات) . ورواه الشيخان، وهو مخرج في " الإرواء " (1198) . والأخرى: قد جاء من طرق أربعة أخرى عن ابن عمر مختصرأ بلفظ:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال:
" أحي والداك؛ " قال: نعم. قال:
" ففيهما فجاهد ".
رواه الشيخان أيضا، وهو مخرج في المصدر السابق (1199) مع شواهد له، وكلها لم تذكر: " والذي بعثك بالحق. . . " إلخ، بل في بعضها من حديث أبي سعيد:
" ارجع إليهما؛ فاستأذنهما، فإن أذنا لك؛ فجاهد، وإلا؛ فبرهما ".
من أجل ذلك رأيت أن حديث الترجمة منكر. وأما الحافظ؛ فقد استشهد به؛ فقال في " الفتح " (6 / 140) تحت حديث الشيخين المتقدم، وقد ترجم له البخاري ب (باب الجهاد بإذن الأبوين) ؛ قال الحافظ عقب حديث أبي سعيد:
" قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما؛ بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد؛ فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو. . . (فذكره، وقال:) وهو محمول على جهاد فرض العين؛ توفيقا بين الحديثين ".
قلت: التوفيق فرع التصحيح؛ كما هو معلوم، ولم يتحقق هذا في حديث(12/701)
الترجمة كما تقدم. والله أعلم.
5820 - (من قام [من] الليل، فتوضأ، ومضمض فاه، ثم قال: سبحان الله (مئة مرة) ، والحمد لله (مئة مرة) ، ولا إله إلا الله (مئة مرة) ، والله أكبر (مئة مرة) ؛ غمرت له ذنوبه؛ إلا الدماء والأموال؛ فإنها لا تبطل)
منكر. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 63 / 5484) من طريق محمد بن سعد العوفي: حدثني أبي: ثنا عمي الحسين عن يونس بن نفيع الجدلي عن سعد بن جنادة قال:
شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا، فسمعته وهو يقول:. . . فذكره.
وروى قبله حديثا آخر بهذا الإسناد بلفظ:
كنت في أول من أتى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف، فخرجت من أهلي من السراة غدوة، فأتيت منى عند العصر، فصاعدت في الجبل، ثم هبطت، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وعلمني (قل هو الله أحد) و (إذا زلزلت الأرض
زلزالها) ، وعلمني هؤلاء الكلمات:
" سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". وقال:
" هن الباقيات الصالحات ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالضعفاء من الحسين - وهو ابن الحسن ابن عطية - إلى سعد - وهو ابن محمد بن الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة -؛ فإنهما ضعيفان مترجمان في " اللسان "، ولعلهما من ضعفهما جاءا برجل في(12/702)
الإسناد لا يوجد له ذكر في شيء من كتب الرجال، وهو يونس بن نفيع الجدلي، ولهما ترجمة في " تاريخ بغداد " (8 / 29 - 32 و 9 / 126 - 127) .
وأما العوفي الأدنى: محمد بن سعد العوفي؛ فقال الخطيب (5 / 323) :
" كان لينا في الحديث، وذكر الحاكم أبو عبد الله أنه سمع الدارقطني ذكره فقال: لا بأس به ".
ثم ذكر له الخطيب حديثا وهم في اسمه أحد رواته.
ومما سبق؛ تعلم تقصير الهيثمي في إعلال الحديثين بأحد الضعفاء المتقدمين؛ فقال (2 / 264 و 7 / 166) في كل منهما:
" رواه الطبراني، وفيه الحسين بن الحسن العوفي؛ وهو ضعيف ".
وساقهما ابن كثير في " تفسيره " (3 / 86 - 87) ساكتا عنهما، فاغتر به مختصره الرفاعي؛ فأورده في " كتابه " (3 / 77) موهما القراء صحتهما بما سوده
في مقدمته!
وفي كون " سبحان الله. . . " - إلى آخره - الباقيات الصالحات؛ أحاديث أخرى، بعضها صحيح، خرجت بعضها في " الروض النضير " (1092) ، وانظر " صحيح الجامع " (3209) .
5821 - (إن أبغض عباد الله إلى الله العفريت النفريت، الذي لم يرزأ في مال ولا ولد)
موضوع. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (3 / 2 / 146 / 2) من(12/703)
طريق محمد بن يونس: ثنا سعيد بن عامر: ثنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي عثمان:
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم دحيمان فلان (كذا) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:
" ما رزيت في مال ولا ولد؛ " قال: لا. قال:. . . فذكره.
قلت: هذا مرسل موضوع؛ آفته محمد بن يونس - وهو الكديمي -، وهو وضاع مشهور، وتقدمت له أحاديث عديدة، وهو ممن سود السيوطي بأحاديثه كتابه " الجامع الصغير "، وبعضها مما حكم هو بوضعها في غيره؛ ككتابه " ذيل الأحاديث الموضوعة "؛ فقد أخرج له فيه حديثا تقدم برقم (368) ، ثم قال عقبه:
" الكديمي، متهم ".
والحديث؛ مما أورده السيوطي في " الجامع الصغير " وأعله بالإرسال، ولم يتكلم على إسناده المناوي بشيء، ولذلك؛ كنت أشرت في " ضعيف الجامع " (1358) إلى ضعفه؛ لإرساله، والآن وقد يسر الله الوقوف على سنده وتبين أن فيه ذاك الوضاع الكديمي؛ فقد عدلت عن تضعيفه إلى الحكم عليه بالوضع.
5822 - (الكيس من عمل لما بعد الموت، والعاري العاري من
الدين) .
موضوع. أخرجه البيهقي في " الشعب " (3 / 3 / 70 / 1) من طريق محمد بن يونس: ثنا عون بن عمارة القيسي: ثنا هشام بن حسان عن ثابت عن أنس بن مالك قال:(12/704)
جاءت بي أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! خادمك أنس، فادع له وهو كيس، وهو عار يا رسول الله! فإن رأيت أن تكسوه رازقتين يستتر بهما! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وزاد في آخره:
" اللهم! لا عيش إلا عيش الآخرة، اغفر للأنصار والمهاجرة ". وقال:
" ابن عمارة؛ ضعيف، وله شاهد من حديث شداد بن أوس في بعض ألفاظه ".
قلت: لي على ذلك ملاحظتان:
الأولى: أن قوله: " في بعض ألفاظه "، ليس كما ينبغى، والصواب أن يقال: " وللجملة الأولى منه. . . ".
والأخرى: أن هذا الشاهد في نفسه ضعيف؛ كما هو مبين في " الروض النضير "، فلا ينفع حديث الترجمة ولا يعطيه قوة؛ لأنه أشد ضعفا من هذا، وإعلاله بابن عمارة فقط تقصير ظاهر؛ فإن الراوي عنه محمد بن يونس أسوأ حالا منه؛ لأنه مشهور بالوضع؛ كما تقدم في الذي قبله.
وخفي هذا على المناوي؛ فقلد البيهقي في الاقتصار المذكور، وزاد عطفا على تضعيف البيهقي؛ فقال:
" وممن ضعفه أبو حاتم وغيره ".
وكنت أثبته في ذلك لما خرجت " ضعيف الجامع الصغير "، فاقتصرت فيه على تضعيفه، والآن بدا لي - وقد وقفت على سنده - أن في ذلك تساهلا ظاهرا
لحال الكديمي؛ إلا أن يكون وقف له على متابع، وذلك مما أستبعده، والله أعلم.(12/705)
وأما الزيادة فهي صحيحة؛ لأن لها شواهد منها حديث أنس رضي الله عنه في قصة بناء المسجد النبوي، وفيه:
" وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة " وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (478) .
وفي حديث آخر بلفظ: " إنما العيش عيش الآخرة ".
5823 - (حقيق بالمرء أن يكون له مجالس يخلو فيها، ويذكر ذنوبه؛ فيستغفر الله منها) .
موضوع. أخرجه البيهقي وفي " الشعب " (1 / 1 / 153 / 2) : أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي: أنا أبو منصور الضبعي: ثنا أحمد بن يحيى بن سيرين: ثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة عن الأعمش عن مسروق قال:
كفى بالمرء علما أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلا أن يعجب بنفسه. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد مظلم موضوع؛ آفته أبو عبد الرحمن السلمي؛ فإنه كان يضع للصوفية كما تقدم مرارا، فانظر الأحاديث المتقدمة (784، 823، 915) . ومن بينه وبين أحمد بن يونس؛ لم أعرفهما.(12/706)
ولعل أصل الحديث موقوف على مسروق كما تقدم قبله؛ فقد ساقه البيهقي
من طريق شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال:. . . فذكره كما تقدم؛ إلا أنه قال: " بعمله " مكان: " بنفسه ".
والحديث من الأحاديث التي كنت أوردتها في " ضعيف الجامع الصغير " متمسكا في ذلك بكونه مرسلا، والآن فقد تبين أن فيه ذاك المتهم مع المخالفة في
الرفع، ولم يتكلم عليه المناوي بشيء!
5824 - (سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام مقسط، ورجل لقيته امرأة ذات جمال ومنصب، فعرضت نفسها عليه،
فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل قلبه متعلق بالمساجد، ورجل تعلم القرآن في صغره؛ فهو يتلوه في كبره؛، ورجل تصدق بصدقة بيمينه فأخفاها عن شماله، ورجل ذكر الله في برية ففاضت عيناه، خشية من
الله عز وجل، ورجل لقي رجلا فقال: إني أحبك في الله. فقال له الرجل: وأنا أحبك في الله) .
منكر بهذا السياق. أخرجه البيهقي في " الشعب " (1 / 160 / 1 / 1)
من طريق عبد الله بن عامر الأسلمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به. وقال:
" غريب من هذا الوجه، وهو حديث صحيح من حديث حفص بن عاصم
عن أبي هريرة ".
قلت: حديث ابن عاصم محفوظ في " الصحيحين " وغيرهما، وليس فيه(12/707)
الفقرة الرابعة، ولا السابعة، ولا قوله في السادسة: " في برية "، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (887) ، ولذلك؛ قلت في سياق حديث الترجمة: إنه منكر. وعلته عبد الله بن عامر الأسلمي؛ فإنه مجمع على ضعفه؛ بل أشار البخاري إلى أنه ضعيف جدا بقوله: " ذاهب الحديث ". ولقد عرفه ابن حبان جيدا؛ فقال في " الضعفاء " (2 / 6) :
" كان ممن يقلب الأسانيد والمتون، ويرفع المراسيل والموقوف ".
ومن الواضح أن هذا مما انقلب عليه متنه وإسناده، والله أعلم.
5825 - (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القبامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها) .
ضعيف. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 391 - هندية) : حدثنا مروان بن معاوية عن عمر بن حمزة العمري قال: عبد الرحمن بن سعد - مولى لأبي سفيان - قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه مسلم (4 / 157) ، وأبو نعيم في " الحلية " (10 / 236 - 327) .
وخالفه في اللفظ الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني: ثنا مروان بن معاوية الفزاري به؛ إلا أنه قال:
" إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة رجل يفضي. . . " الحديث.(12/708)
أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 193 - 194) .
وتابع الزعفراني: يحيى بن معين فقال: ثنا مروان بن معاوية به؛ إلا أنه زاد
في أوله (من) ؛ فقالت:
" إن من أعظم. . . " الحديث.
أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (197 / 608) . وقال أحمد (3 / 69) : ثنا إسماعيل بن محمد - يعني: أبا إبراهيم المعقب -: ثنا مروان - يعني: ابن معاوية الفزاري - به.
وأبو إبراهيم هذا؛ وثقه أحمد، وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (6 / 265 - 266) ، و " التعجيل ".
وتابع مروان بن معاوية على هذا اللفظ: أبو أسامة عن عمر بن حمزة به.
أخرجه مسلم وأبو داود (2 / 297 - التازية) ، وأبو نعيم أيضا (10 / 236) .
قلت: يبدو جليا من هذا التخريج أن اللفظ الأخير أرجح مما قبله؛ لمتابعة أبي أسامة لمروان عليه، لكن مدارها كلها على عمر بن حمزة العمري؛ وهو ممن ضعف من رجال مسلم؛ فقال الذهبي في كتابه " الكاشف ":
" ضعفه ابن معين والنسائي. وقال أحمد: أحاديثه مناكير ". وكذا قال في
" الميزان "، وزاد:
" قلت: له عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد مرفوعا: " من شرار الناس منزلة يوم القيامة رجل يفضي إلى المرأة. . . " الحديث. فهذا مما استنكر لعمر ".(12/709)
قلت: ولذلك؛ جزم الحافظ بضعفه في " التقريب "؛ فقال:
" ضعيف ".
وهو بذلك يعطي القارئ خلاصة الأقوال التي قيلت في الرجل من تعديل
وتجريح.
قلت: وروايته لهذا الحديث على اللفظين المتقدمين:
1 - " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة. . . ". 2 - " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة. . . ".
أقول: " فاضطرابه في روايته لهذا الحديث الواحد على هذين اللفظين اوشتان ما بينهما من حيث المبنى والمعنى؛ لدليل واضح على سوء حفظه، وقلة ضبطه، وتقدم له حديث آخر في النهي عن الشرب قائما، زاد فيه:
" فمن نسي؛ فليستقئ " (رقم 927) .
فلا جرم أنه ضعفه من تقدم ذكرهم من الأئمة والحفاظ المتقدمين والمتأخرين، وعليهم كنت اعتمدت في تضعيف الحديث في " آداب الزفاف في السنة المطهرة ".
ثم اقتضى ما أوجب إعادة الكلام عليه بزيادة في التحقيق والتخريج، ذلك أن أحد الإخوان الأفاضل - جزاه الله خيرا - أرسل إلي بالبريد المسجل كتابا، بعنوان: " تنبيه المسلم إلى تعدي الألباني على صحيح مسلم "، تأليف محمود سعيد ممدوح، فعرفت من اسم الكتاب ومؤلفه أنه حاقد حاسد من أولئك المبتدعة الذين(12/710)
يتتبعون العثرات، ويبغونها عوجا، ولما تصفحته رأيت فيه العجب العجاب من التحامل وسوء الظن والتجهيل والتطاول علي، وغير ذلك مما لا يمكن وصفه وحصره في هذه الكلمة العجالة، وأصل ذلك أنه وضع قاعدة من عنده نسبني من أجلها إلى مخالفة الإجماع، وما هو إلا الذي حل في مخه؛ فقال (ص 7) :
" أما مخالفته للإجماع فإن الأمة اتفقت على صحة ما في مسلم من الأحاديث وأنها تفيد العلم النظري، سوى أحرف يسيرة معروفة وهي صحيحة، لكنها لا تفيد العلم "!
كذا قال المسكين من عندياته: " وهي صحيحة "!
وبناء عليه تهجم علي في بعض الأحاديث التي كنت انتقدتها في بعض مؤلفاتي، منها حديث الترجمة؛ فإنه سود أكثر من أربع عشرة صفحة في تقوية عمر بن حمزة هذا، ساردا أقوال من عدله، ونصب نفسه مجتهدا أكبر ليرد على أولئك الحفاظ الذين ضعفوه، ولكن بطرق ملتوية كثيرة، حتى ألقي في نفسي أنه من أولئك المقلدة الذين يتأولون نصوص الكتاب والسنة حتى لا تخالف أهواءهم؛ فقد صنع المذكور مثل صنيعهم؛ فقد نصب نفسه لتوثيق عمر الذي ضعفوه؛ نكاية وتشهيرا بالألباني مهما كانت السبل التي يسلكها في سبيل ذلك، فالغاية عنده
تبرر الوسيلة! والعياذ بالله تعالى.
وشرح هذا الإجمال وبيان ما في كلامه من اللف والدوران والظلم، وتحريف الكلام وإخراجه عن دلالته الظاهرة؛ مما يحتاج إلى فراغ ومراجعة لكتب العلماء في المصطلح وغيره، وهذان لا أجده في غمرة ما أنا فيه من تحقيق لمشروعي العظيم " تقريب السنة بين يدي الأمة "، هذا في نقده في صفحاته السوداء المشار إليها(12/711)
آنفأ، فما بالك لو أردنا أن نرد على كتابه كله. فلعل الله يسخر له من إخواننا من يكشف ما فيه من الجهل والطعن والتحامل والظلم؛ ليرد الحق إلى نصابه.
ولكن لا بد من أن أضرب على ذلك مثلا أو أكثر - إن تيسر - حول هذا الحديث الضعيف.
لقد تقدم نقلي عن الذهبي أنه قال في عمر بن حمزة:
" ضعفه ابن معين والنسائي. وقال أحمد: أحاديثه مناكير ".
فحرف المذكور قول أحمد هذا: " أحاديثه مناكير " بأنه يعني بالنكارة التفرد.
ثم نقل عن الحافظ ابن حجر وكذا ابن رجب ما يؤيد به وجهة نظره بزعمه، وهو - لبالغ جهله بهذا العلم الذي يبدو من كتابه هذا أنه حديث عهد به مع غلبة العجب والغرور عليه - لا يفرق بين من قيل فيه: " يروي مناكير " - وهو ما نقله عن أحمد - وببن من قيل فيه: " منكر الحديث "! فهذا غير ذاك، ومثله - بل أبلغ منه - قول أحمد في عمر: " أحاديثه مناكير "؛ فإنه وصف شامل لجميع أحاديثه، فمثله لا يكون ثقة ألبتة، وهذا مما نبه عليه أبو الحسنات اللكنوي رحمه الله في " الرفع والتكميل "، فقال (ص 94) :
" وقال السخاوي في " فتح المغيث ": قال ابن دقيق العيد في " شرح الإلمام ": قولهم: " روى مناكير "؛ لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه: " منكر الحديث "؛ لأن " منكر الحديث " وصف في الرجل يستحق الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة. كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي أحاديث مناكير، وهو ممن اتفق عليه الشيخان. . . ".(12/712)
فتأمل أيها القاري الكريم كيف فرق الإمام ابن دقيق العيد بين من يقال فيه:
" منكر الحديث " وبين من قال فيه أحمد: " يروي مناكير "، مع كونه ثقة؛ يتبين
لك أن الرجل لا يوثق بنقله؛ لأنه يموه به على الناس ويبعد بهم عن الحقيقة التي كان عليه أن لا يكتمها، وإن مما لا يرتاب فيه ذو فقه في اللغة أن قول أحمد في عمر: " أحاديثه مناكير " مثل قول من قيل فيه: " منكر الحديث "؛ بل لعل الأول أبلغ، فهو يستحق الترك لحديثه؛ فإن هذا ممن قال فيه أحمد: " يروي مناكير ".
ذاك مثال من تلاعب الرجل بأقوال العلماء وتدليسه بها على القراء.
ومثله تحريفه لكلام الذهبي المتقدم في حديث الترجمة:
" فهذا مما استنكر لعمر ".
فإنه تأوله بأنه أراد أنه من مفاريد عمر! بعد أن سود صفحة كاملة في بيان معاني (النكارة) ؛ تمويها وتضليلا، جاهلا أو متجاهلا - وأحلاهما مر - أن الذهبي قال هذه الكلمة بعد أن ضعف عمر كما تقدم، وإنما يمكن أن يؤول ذاك التأويل لو قاله في عمر وهو عنده ثقة، وهيهات!
وإن من عجائب هذا الرجل أنه أيد تحريفه المذكور بقوله (ص 147) :
" ثم ختم الترجمة بقوله: واحتج به مسلم ". وعقب عليه بقوله:
" ومن المعلوم أن مسلما لا يحتج إلا بثقة عنده "!
نقول: نعم؛ وهل البحث في كونه ثقة عند مسلم؟ ! هذا أمر مفروغ منه، وإنما ذلك من الذهبي لمجرد البيان، فأين التأييد المزعوم بعد ذاك التضعيف الصريح في(12/713)
كتابيه: " الكاشف " و " الميزان " مع استنكاره لحديثه؟ !
ومما يؤكد ما سبقت الإشارة إليه من قلبه للحقائق العلمية: أنه رد على قولي
في آخر الحديث في " الآداب ":
" ولم أجد حتى الآن ما أشد به هذا الحديث. والله أعلم ".
فرد بأمرين (ص 154) :
" الأول: أن عمر بن حمزة قد يكون توبع، ولكن الشيخ الألباني لم يقف على المتابعة. . . ".
فأقول: نعم؛ وإلى الآن لم نجد له متابعا، فهل وجدت أنت ذلك مع شدة حرصك على الكشف عن أخطاء الألباني والتشهير به؟ ! لو وجدت؛ لبادرت إلى ذكره، فما فائدة قولك حينئذ: " قد يكون توبع " إلا الشغب! وهل تستطيع أن تحكم على حديث بالضعف إلا وعاد عليك قولك: " قد يكون توبع "! أو تقول: قد يكون له شواهد! كما قلت نحوه هنا، وهو:
" الثاني: أن هناك شواهد كثيرة. ونقول تأدبا مع " صحيح مسلم " يتقوى بحديث مسلم ولا يتقوى بها "!
فأقول: هذا تأدب بارد مع " الصحيح " من حيث أراد تعظيمه؛ لأن قوله: " ولا يتقوى بها " خطأ من ناحيتين:
الأولى: من حيث قصده، والأخرى: من حيث حقيقة الشواهد المزعومة.
أما الأولى: فكل عارف بهذا العلم الشريف لا يخفى عليه أن الحديث ولو(12/714)
كان صحيحا فإنه يتقوى بالشواهد إلى درجة أنه قد يصير بها مشهورا أو متواترا، وهل ألفت المستخرجات على " الصحيحين " إلا تقوية لهما؛ كما هو مفصل في " علم المصطلح "، فكيف يقول هذا المتعالم: إن حديث مسلم لا يتقوى بالشواهد التي أشار إليها لو كانت شواهد حقا؟ !
أما الناحية الأخرى: فقد أجرى الله بحكمته على لسان ذاك المتعالم رغم
أنفه الحق في قوله: " إن تلك الشواهد لا يتقوى بها حديث مسلم "، وذلك؛ لأنها شواهد قاصرة؛ فإن أحدها عن أبي هريرة بلفظ:
" هل منكم الرجل إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه وألقى عليه ستره واستتر بستر الله. . ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا. . الحديث ".
والآخر بلفظ:
" لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؛. .
فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون ". قلت: فهذان حديثان مختلفان سياقا ومتنا كما هو ظاهر، فكيف يصح جعلهما شاهدين للحديث وفيه ذاك الوعيد الشديد: " إن من أشر الناس عند الله منزلة. . . "، وفي اللفظ الآخر: " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة. . . "؟ ! ذلك مما لا يصح مطلقا عند من يفهم ما يخرج من فمه!
نعم؛ هما يلتقيان معه - دون شك - في التحذير عن نشر السر، وفي مثل ذلك يقول الترمذي بعد أن يذكر حديثا في باب من الأبواب: وفي الباب عن فلان وفلان. فإنه لا يريد بذلك تقوية حديث الباب برمته؛ خلافا لما يفهمه بعض الطلبة! وقد بين ذلك الحافظ العراقي في " شرح مقدمة علوم الحديث "؛ فقال(12/715)
(ص 84 - حلب) - بعد أن أشار إلى ما ذكرته عن الترمذي -:
" فإنه لا يريد ذلك الحديث العين، وإنما يريد أحاديث أخر تصح أن تكتب في ذلك الباب، وإن كان حديثا آخر غير الذي يرويه في أول الباب. وهو عمل صحيح؛ إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمي من الصحابة يروون ذلك الحديث الذي رواه أول الباب بعينه! وليسى الأمر على ما فهموه؛ بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب ".
وهذه فائدة جليلة من الحافظ العراقي ما أظن هذا المعتدي علينا على علم بها، وإلا؛ لكان ذلك أكبر منبه له أن لا يخلط ذلك الخلط الفاحش فيجعل شاهدا ما ليس كذلك! وإنما كان ينبغي أن يقال: وفي الباب عن فلان وفلان. ولكنه لو فعل ذلك لم يستفد من ذلك شاهدا، ومن جهة أخرى لقلنا له: قد ذكرنا ذلك في " آداب الزفاف " عقب حديث الترجمة! ولكنه كتم ذلك عن قرائه ليوهمهم أن الألباني لا علم له بها، وله من مثل هذا الكتمان الشيء الكثير! والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم رأيت الحافظ ابن القطان الفاسي في " الوهم والإيهام " (2 / 17 / 1 - 2)
قد أخذ على الحافظ عبد الحق الإشبيلي سكوته على الحديث وقد عزاه إلى مسلم؛ لأن فيه عمر بن حمزة هذا، وذكر خلافا فيه، ثم قال:
" فالحديث حسن "! وهذه عادة له إذا لم يتيسر له ترجيح أحد وجهي الاختلاف، ثم رأيته في مكان آخر منه (209 / 2) قال:
" وهو ضعيف ". فأصاب.(12/716)
5826 - (إذا كان يوم القيامة؛ كنت أؤذ من ينشق الأرض عنه ولا فخر، ويتبعني بلال المؤذن، ويتبعه سائر المؤذنين وهو واضع يده في أذنه
وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أرسله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. وسائر المؤذنين ينادون معه ويتبعونه حتى يأتي أبواب الجنة، فأكون أنا أول ضارب حلقة باب الجنة ولا فخر، وتلقانا الملائكة بخيول ونوق من ألوان الجوهر، صهيلها التسبيح حتى يسلم علينا، ويقال: ادخلوا بسلام
آمنين؛ هذا يومكم الذي كنتم توعدون)
كذب. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 200) من طريق حكامة
بنت عثمان بن دينار أخي مالك بن دينار - البصرة - قالت: حدثني أبي عثمان ابن دينار عن أبيه مالك بن دينار عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال العقيلي في ترجمة عثمان بن دينار:
" تروي عنه حكامة ابنته أحاديث بواطيل ". وقال في آخر الحديث:
" أحاديث حكامة تشبه حديث القصاص، ليس لها أصول ".
وقال الذهبي في ترجمة عثمان:
" والد حكامة لا شيء، والخبر كذب بين ".
وأقره الحافظ ابن حجر في " اللسان "، وصرح بأن الخبر الذي أشار إليه الذهبي هو هذا.
ومن الغرائب: أن ابن حبان أورد عثمان هذا في " الثقات " (7 / 194) ، وقال:(12/717)
" روت عنه ابنته حكامة بنت عثمان، وحكامة لا شيء "!
فهو لا يعرف إلا من طريقها، فكيف ثبتت عدالته عنده فوثقه؟ !
5827 - (عليكم بالأبكار؛ فإنهن أنتق أرحاما، وأعذب أفواها، وأقل خبا، وأرضى باليسير) .
ضعيف جدا بهذا السياق. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 185 / 2 / 7827) : حدثنا محمد بن موسى الإصطخري: ثنا محمد بن سهل بن مخلد الإصطخري: ثنا عصمة بن المتوكل عن بحر السقا عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. وقال:
" لم يروه عن بحر إلا عصمة ".
قلت: وهو ضعيف؛ قال العقيلي:
" قليل الضبط للحديث، يهم وهما، قال أحمد: لا أعرفه ".
قلت: فلعله علة هذا الحديث؛ فإن له أصلا من طرق أخرى، و، ان كانت لا تخلو من ضعف مفرداتها؛ فإن مجموعها يدل على ثبوته، كما كنت بينته في " الصحيحة " (623) " ولكن ليس في شيء منها قوله: " وأقل خبا "؛ فهو منكر، ولذلك؛ خرجته هنا، ولأمر آخر يتعلق بتخريج الحديث الواقع في " مجمع الزوائد " (4 / 259) معزوا للطبراني من طريق أبي بلال الأشعري، وملت هناك إلى أن هذا التخريج خطأ مطبعي لأمرين ذكرتهما ثمة، وهذا سبب ثالث، وهو أنه مخالف لهذا الإسناد الذي نقلته عن " المعجم الأوسط " مباشرة، وليس فيه أبو بلال كما ترى.(12/718)
ثم إن فوق عصمة المذكور: بحر السقا؛ قال النسائي والدارقطني:
" متروك ".
ولذلك، لما أورده الذهبي في " الضعفاء " قال:
" تركوه ".
فتعصيب الجناية به أولى.
ثم إن فوقه عنعنة أبي الزبير، وهو مدلس باعترافه.
ومحمد بن سهل بن مخلد الإصطخري؛ لم أعرفه، ولم يورده السمعاني، ولا شيخ الطبراني في مادة (الإصطخري) . والله أعلم.
(تنبيه) : وقع هذا الحديث معزوا لى " طس، والضياء " عن جابر في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (3756) الذي كنت اعتمدت فيه على " الفتح الكبير " للنبهاني. ثم رأيت الحديث في " الجامع الصغير " الذي عليه شرحا المناوي: " فيض القدير " و " التيسير "، دون ذكر " الضياء ". وكذا في طبعة البابي الحلبي من " الجامع "، فغلب على الظن أن عزوه لـ " الضياء " خطأ من بعض الناسخين، مع استبعادي إخراج الضياء في " الأ حاديث الختارة " للحديث بهذا الإسناد الواهي.
5828 - (إن حقا على المؤمنين أن يتوجع بعضهم لبعض؛ كما يألم الجسد للرأس)
ضعيف. أخرجه أبو الشيخ ابن حيان في " التوبيخ " (86 / 53 - مصر) : حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن: ثنا أحمد بن سعيد: ثنا ابن وهب قال:(12/719)
أخبرني ابن لهيعة عن أبي رافع عن محمد بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله ثلاث علل:
الأولى: الإرسال؛ فإن محمد بن كعب - وهو القرظي - تابعي ثقة.
الثانية: أبو رافع اسمه: إسماعيل بن رافع المدني، ضعيف من قبل حفظه، وقال الذهبي في " الكاشف ":
" ضعيف واه ".
الثالثة: أحمد بن سعيد - وهو ابن بشر الهمداني -؛ مختلف فيه؛ كما ترى أقوال الأئمة فيه في " التهذيب "، وقال الذهبي في " الميزان ":
" لا بأس به، قد تفرد بحديث الغار. وقال النسائي: غير قوي، لو رجع عن حديث الغار لحدثت عنه ".
قلت: فالظاهر أن العلة ممن قبله، ولا يعل بابن لهيعة؛ لأنه صحيح الحديث برواية العبادلة عنه، وهذا من رواية عبد الله بن وهب عنه كما ترى.
وأما أحمد بن محمد بن الحسن؛ فهو المعروف بابن متويه، وهو من الحفاظ المشهورين الذين ترجم لهم الذهبي في " تذكرة الحفاظ "، وترجم له أبو الشيخ نفسه في " طبقات الأصبهانيين " (316 / 427) وقال:
" وكان فاضلا خيرا ".
وكذا في " أخبار أصبهان " لأبي نعيم (1 / 189) .(12/720)
5829 - (دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب. قالوا: وكيف ذلك؛ قال: مر رجلان [مسلمان] [ممن كان قبلكم] على قوم لهم صنم (وفي رواية: يعكفون على صنم لهم) لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا، فقالوا لأحدهما: قرب [شيئا] ، قال: ليس عندي شيء. فقالوا له: قرب ولو ذبابا. فقرب ذبابا. فخلوا سبيله. قال: فدخل النار. وقالوا للآخر: قرب ولو ذبابا. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئا دون الله عز وجل. قال فضربوا عنقه، قال: فدخل الجنة)
موقوف. أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 15 - 16) : حدثنا أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن سلمان قال:. . . فذكره موقوفا عليه. وقال ابنه عبد الله في كتاب " العلل " (1 / 240) لأبيه:
" سمعته يقول في حديث أبي معاوية عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة
عن طارق بن شهاب عن سلمان قال: " دخل رجل الجنة في ذباب. . . "؛ قال الأعمش: " ذباب "؛ يعني: أن سلمان كان في لسانه عجمة ".
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير سليمان بن ميسرة؛ قال ابن معين:
" ثقة ". كما في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 143 - 144) ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 310) وقال:
" يروي عن طارق بن شهاب الأحمسي، وله صحبة، وعنه الأعمش ".
وروى عنه حبيب بن أبي ثابت أيضا، ووثقه آخرون. انظر " التعجيل " (ص 168 / 423) ، فالإسناد صحيح.(12/721)
وقد تابع أبا معاوية: جرير - وهو ابن عبد الحميد الضبي -: عند أبي نعيم في
" الحلية " (1 / 203) ؛ قرنه بأبي معاوية، وقال عقبه:
" رواه شعبة عن قيس بن مسلم عن طارق مثله. ورواه جرير عن منصور عن المنهال بن عمرو عن حبان بن مرثد عن سلمان نحوه ".
والزيادة الثانية لأبي نعيم.
وللأعمش فيه شيخ آخر؛ فقال ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 177 / 1) : نا عباس: نا محاضر بن المورع: نا الأعمش عن الحارث بن شبيل عن طارق بن شهاب قال: قال سلمان:. . . فذكره موقوفا أيضا. وفيه الزيادة الأولى.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عباس - وهو
ابن محمد الدوري -، وهو ثقة حافظ.
وقد توبع هذان الشيخان من قيس بن مسلم؛ كما تقدم عن أبي نعيم معلقا. وتابعهم أيضا مخارق بن خليفة؛ فقال ابن أبي شيبة في " مصنفه " (12 / 358) : حدثنا وكيع قال: ثنا سفيان عن مخارق بن خليفة عن طارق بن شهاب عن سلمان قال:. . . فذكره موقوفا أيضا.
وهذا صحيح أيضا. رجاله رجال الشيخين؛ غير مخارق هذا، وهو ثقة من رجال البخاري. وفيه الزيادة الثالثة، والرواية الثانية. وهذه عند ابن الأعرابي أيضا.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح موقوفا على سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ إلا
أنه يظهر لي أنه من الإسرائيليات التي كان تلقاها عن أسياده حينما كان نصرانيا.(12/722)
ولقد كان الداعي إلى تخريجه هنا وبيان كونه موقوفا: أنه كثر السؤال عنه في كثير من البلاد الإسلامية، وشاع تداوله؛ وذلك لأنه ذكره الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه النافع " التوحيد " مرفوعا معزوا
لأحمد! فقال:
" وعن طارق بن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. . . (فذكره) . رواه أحمد ".
وقال شارحه الشيخ سليمان: حفيد محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تبارك وتعالى في " التيسير " (ص 160) :
" هذا الحديث ذكره المصنف معزوا لأحمد، وأظنه تبع ابن القيم في عزوه لأحمد؛ قال ابن القيم: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية. . . عن طارق بن شهاب يرفعه. . . وقد طالعت " المسند " فما رأيته فيه، فلعل الإمام رواه في " كتاب الزهد " أو غيره ".
قلت: وفي هذا العزو أمور:
أولا: قوله: " يرفعه " خطأ واضح كما يتبين من تخريجنا هذا.
ثانيا: إطلاق العزو لأحمد فيه نظر! لأنه يوهم بإطلاقه أنه في " مسنده "،
وليس فيه كما قال الشيخ سليمان رحمه الله تعالى، ولو كان فيه؛ لأورده الهيثمي
في " مجمع الزوائد "، وليس فيه أيصآ، وإنما هو في " الزهد " له كما تقدم. ثالثا: لم يتعد في إسناده طارق بن شهاب، فأوهم أنه من مسنده! وإنما هو من
روايته عن سلمان موقوفا؛ كما رأيت عند مخرجيه ومن جميع طرقه.
هذا؛ وإني لأستنكر من هذا الحديث: دخول الرجل النار في ذباب؛ لأن ظاهر(12/723)
سياقه أنه إنما فعل ذلك خوفا من القتل الذي وقع لصاحبه، كما أنني استنكرت قول الإمام محمد بن عبد الوهاب في المسألة: " الحادية عشر: أن الذي دخل النار مسلم؛ لأنه لو كان كافرا؛ لم يقل: " دخل النار في ذباب " "!
فأقول: وجه الاستنكار أن هذا الرجل لا يخلو حاله من أمرين:
الأول: أنه لما قدم الذباب للصنم، إنما قدمه عبادة له وتعظيما، فهو في هذه الحالة لا يكون مسلما؛ بل هو مشرك، وهو ظاهر كلام الشارح الشيخ سليمان رحمه الله (ص 161) :
" في هذا بيان عظمة الشرك ولو في شيء قليل وأنه يوجب النار، ألا ترى إلى هذا لما قرب لهذا الصنم أرذل الحيوان وأخسه وهو الذباب كان جزاؤه النار؛ لإشراكه في عبادة الله " إذ الذبح على سبيل القربة والتعظيم عبادة، وهذا مطابق لقوله تعالى: (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) ".
والآخر: أنه فعل ذلك خوفا من القتل كما تقدم مني، وهو في هذه الحالة لا تجب له النار، فالحكم عليه بأنه مسلم دخل النار في ذباب يأباه قوله تعالى: (من كفر بالله بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. . .) الآية، وقد نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر به صلى الله عليه وسلم، فوافقهم على ذلك مكرها، وجاء معتذرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما في " تفسير ابن كثير " وغيره، وأخرجها في " الدر " (4 / 132) من طرق.
فإن قيل: إنما أراد الإمام أنه كان مسلما ثم كفر بتقديمه الذباب كما تقدم في الأمر الأول؛ وحينئذ يرد عليه ما ذكرته في الأمر الآخر، وقصة عمار. ويشبهها ما روى ابن أبي شيبة (12 / 357 - 358) بسند صحيح عن الحسن - وهو البصري -:(12/724)
أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما، فقال لأحدهما: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. قال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: فأهوى إلى أذنيه فقال: إني أصم! قال: ما لك إذا قلت لك: تشهد أني رسول الله قلت: إني أصم؟ ! فأمر به فقتل. وقال للآخر: أتشهد أن محمدا رسول الله؛ قال: نعم. فقال: أتشهد أني رسول الله؛ قال: نعم. فأرسله. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هلكت. قال:
" وما شأنك "؛ فأخبروه بقصته وقصة صاحبه، فقال:
" أما صاحبك؛ فمضى على إيمانه، وأما أنت؛ فأخذت بالرخصة ".
قلت: وهذه قصة جيدة، لولا أنها من مراسيل الحسن البصري؛ لكن الآية السابقة وسبب نزولها يشهدان لصحتها. والله أعلم. وقد روى الشطر الأول منها ابن إسحاق في " السيرة " (2 / 74 - 75) بسند حسن عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة مرسلا أيضا، وسمى صاحبها حبيب بن زيد؛ أي: ابن عاصم الأنصاري المازني شهد العقبة، وقد ذكرها ابن كثير في تفسير الآية، وابن حجر في ترجمة حبيب من " الإصابة " جازمين بها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
5830 - (لا يملين مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف) .
ضعيف. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (2 / 155) في ترجمة محمد بن جعفر بن الحسن بن صالح أبي الفرج، عنه عن أحمد بن محمد بن بشار بن أبي العجوز قال: نبأنا الحسن بن هارون بن عقار قال: نبأنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة مرفوعا. وقال:(12/725)
" وهذا ا " لحديث تفرد برفعه ابن أبي العجوز! وهو محفوظ من قول عمر بن
الخطاب ".
قلت: ابن أبي العجوز؛ ثقة؛ كما قال الدارقطني والخطيب نفسه في ترجمته (4 / 401) ، وبخاصة أنه قد توبع كما يأتي، فلعله أراد الحسن بن هارون فسبقه القلم، ويؤيده أمران:
الأول: أن الحسن هذا لما ترجمه الخطيب (7 / 449) ؛ نم يذكر فيه توثيقا
ولا تجريحا صريحا، وإن كان ابن حبان قد ذكره في " الثقات " (8 / 184) وقال:
" يروي عن أبي خالد الغرائب ".
والآخر: أن الخطيب لما ساق له هذا الحديث من طريق ابن أبي العجوز أيضا
عنه بإسناده المتقدم؛ لم يذكر تفرد ابن أبي العجوز به؛ بل أشار إلى أن العلة والمخالفة من شيخه ابن عقار بقوله:
" ورواه سعيد بن منصور عن جرير عن عبد الملك عن جابر بن سمرة عن عمر
ابن الخطاب قوله ".
ثم ساقه بإسناده عن سعيد به موقوفا. ثم قال:
" وخالفه جرير بن حازم؛ فرواه عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن مغفل (الأصل: معقل) عن عمر بن الخطاب ".
ثم ساقه بإسناده عن وهب بن جرير بن حازم: حدثنا أبي قال: سمعت عبد الملك بين عمير يحدث عن عبد الله بن مغفل (الأصل أيضا: معقل) قال:(12/726)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.
قلت: كذا وقع فيه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عمررضي الله عنه! وهذا يخالف كلامه المتقدم؛ فإن ظاهره أن كلا من جرير بن عبد الحميد، وجرير ابن حازم أوقفاه على عمر، وإنما اختلفا في الراوي له عن عمر، فالأول ذكر أنه جابر بن سمرة، والآخر ذكر أنه عبد الله بن مغفل، فلو أن هذا خالف الأول في وقفه وأنه رفعه لبين ذلك؛ فالظاهر أن رفعه وعدم ذكر عمر فيه خطأ والله أعلم.
5831 - (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن؛ فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله عز وجل، [فقال الله تعالى] : (وذلك ظنكم
الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين)) .
منكر بهذا السياق. أخرجه أحمد (3 / 390 - 391) فقال: ثنا النضر ابن إسماعيل القاص - وهو أبو المغيرة -: ثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: عنعنة أبي الزبير؛ فإنه مدلس، وقد صرح بالتحديث بدون قوله:
" فإن قوما. . . " إلخ كما يأتي، فهو به منكر.
الثانية: ابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى -، وهو ضعيف لسوء حفظه؛ مع جلالة قدره في الفقه.
الثالثة: النضر هذا؛ قال الذهبي في " الكاشف "، والحافظ في " التقريب ":(12/727)
" ليس بالقوي ". وفيه يقول ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 51) :
" كان ممن فحش خطؤه، وكثر وهمه، فاستحق الترك من أجله ".
قلت: فهو أو شيخه آفة هذه الزيادة؛ فقد صح الحديث بدونها من طريقين عن جابر رضي الله عنه؛ أحدهما من رواية أبي الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" لا يموتن أحذكم إلا وهو يحسن الظن بالله ".
أخرجه أحمد (3 / 334! : ثنا روح: ثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير به.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 /
165) من طريق واصل عن أبي الزبير عن جابر به؛ هكذا معنعنا. فتصريحه بالسماع مما احتفظ به " مسند أحمد " رحمه الله.
وقد أخرجاه من طريق أخرى عن جابر به.
وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (2726) .
(تنبيه! : قد ساق الحافظ ابن كثير حديث الترجمة في " تفسيره " (4 /
97) من رواية أحمد بإسناده، ومنه استفدت الزيادة التي بين المعكوفتين، ولم أره في " مجمع الزوائد " وهو من شرطه! وقد سكت ابن كثير عن الحديث؛ لأنه ساق إسناده، فاغتر به الحلبيان اللذان اختصرا " تفسيره "، فأورداه محذوف السند موهمين القراء أنه صحيح بما ذكراه في المقدمة! هداهما الله تعالى.
وأفحش منه: أن السيوطي ساقه في " الدر " (5 / 362) معزوا لأحمد والطبراني وعبد بن حميد ومسلم وأبي داود وابن ماجه وابن حبان وابن مروديه عن(12/728)
جابر به! وقلده في ذلك الشوكاني في " فتح القدير " (4 / 499) ! إلا أنه ذكر أبا داود الطيالسي مكان الطبراني، ولعله أصح، لأني لم أره في " معجم الطبراني
الكبير "، وقد رواه الطيالسي كما رواه مسلم وسائر من ذكرهم السيوطي؛ غير ابن منده؛ فإني لم أقف على إسناده.
ونحو هذه الزيادة في النكارة والبطلان: ما رواه أبو نواس الشاعر المشهور قال: نبأنا حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكر الحديث الصحيح، وزاد:
" فإن حسن الظن بالته تضن الجنة ".
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (1 / 396) من طريق إسماعيل بن علي ابن علي أبي القاسم الخزاعي قال: نبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي - ببغداد ب (باب الشام) - سنة ثلاث وسبعين ومئتين قال: نبأنا أبو نواس الحسن بن هانئ به.
أورده في ترجمة محمد بن إبراهيم هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وإنما
أشار إلى جهالته بقوله عقب الحديث:
" لم يرو عن محمد بن إبراهيم هذا إلا إسماعيل بن علي الخزاعي، وإسماعيل غير ثقة ". وقال الذهبي فيه:
" لا يعرف ". وأقره الحافظ في " اللسان "، وأشار إلى هذا الحديث، وقال:
" قلت: أظن الآفة من شيخه إسماعيل؛ فقد تقدم أنه كان غير موثوق به ".
وقال الذهبي في ترجمة إسماعيل هذا:(12/729)
" قال الخطيب: ليس بثقة. قلت: متهم، يأتي بأوابد ".
قلت: وفوقه أبو نواس؛ قال الذهبي:
" فسقه ظاهر، وتهتكه واضح، فليس بأهل أن يروى عنه ".
وأقره الحافظ في " اللسان "، والسيوطي في " الجامع الكبير "، وعزاه لابن جميع أيضا في " معجمه " وابن عساكر.
5832 - (إذا ولج الرجل في بيته؛ فليقل: اللهم! إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا. ثم ليسلم على أهله) .
ضعيف. أخرجه أبو داود في " سننه " (رقم 5096) عن إسماعيل: حدثني ضمضم عن شريح عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وإسماعيل: هو ابن عياش، وهو صحيح الحديث عن الشاميين، وهذا منها؛ فإن ضمضما - وهو ابن زرعة بن ثوب - شامي حمصي.
وشريح: هو ابن عبيد الحضرمي الحمصي؛ ثقة، فالسند كله شامي حمصي.
(تنبيه) : الحديث كما ترى من أوراد دخول البيت، وبذلك ترجم له أبو داود، فأورده في (باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول) ، وفي مثله أورده النووي وصديق خان وغيرهما، وقد وهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث جعل(12/730)
الحديث من أوراد الدخول إلى المسجد؛ فإنه قال في " الرد على الأخنائي " (ص 95) :
" وعن محمد بن سيرين: كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد: صلى الله وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، باسم الله
دخلنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك ".
قلت: فقال ابن تيمية بعد أن ذكر هذا:
" قلت: هذا فيه حديث مرفوع في " سنن أبي داود " وغيره؛ أنه يقال عند دخول المسجد: اللهم إني أسألك خير المولج. . . ".
وعزاه مخرجه فضيلة الشيخ اليماني ل " سنن أبي داود "! ولم يتنبه لهذا الذي نبهنا عليه.
(تنبيه هام) : كنت أوردت هذا الحديث في " الصحيحة " برقم (225) ، ثم لفت نظري بعض الطلبة - جزاه الله خيرا - إلى أن فيه انقطاعا بين شريح وأبي مالك، وقد تنبهت له في حديث آخر، كنت ذكرته شاهدا للحديث المذكور في " الصحيحة " برقم (1502) ، فسبحان من لا يضل ولا ينسى، أسأل الله تعالى أن لا يؤاخذني في الدنيا والأخرى.
والعمدة في ذلك قول ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص 60 - 61) عن أبيه:
" شريح بن عبيد الحضرمي لم يدرك أبا أمامة ولا الحارث بن الحارث ولا المقدام، وهو عن أبي مالك الأشعري مرسل ".(12/731)
وأقره العلائي في " جامع التحصيل " (237 / 283) .
ونحوه قول محمد بن عوف لمن سأله: هل سمع شريح من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال:
" ما أظن ذلك، وذلك؛ لأنه لا يقول في شيء من ذلك: سمعت. وهو
ثقة ". كما في " التهذيب ".
قلت: والتاريخ يؤيد ذلك؛ فإن أبا مالك الأشعري هذا قديم الوفاة، مات في طاعون عمواس سنة (18) ، وشريح مات بعد المئة، فبين وفاتيهما نحو ثمانين سنة! فيبعد عادة أن يدركه، ولذلك؛ تعجب الحافظ ابن حجر في " تهذيبه " من الحافظ المزي في ذكره أبا مالك هذا في جملة الصحابة الذين روى عنهم شريح بن عبيد، مع تصريحه بأنه لم يدرك سعد بن أبي وقاص وقد تأخرت وفاته إلى سنة (55) ، وأبا ذر وقد مات سنة (36) !
وأما ما ذكره أحد طلبة الجامعة الإسلامية في خطاب أرسله إلي بتاريخ (28 ربيع الآخر سنة 1405) أن ابن عساكر قال:
" والصحيح أن شريحا سمع من الصحابة؛ كما ذكره ابن فنجويه والعسكري والحاكم والدارقطني ".
فإنه إن صح عن ابن عساكر؛ فإنه لا يعني بداهة أنه سمع من جميع الصحابة، فلا يخالف ما تقدم من نفي سماعه من أبي مالك الأشعري. ولم أر هذا النقل عن ابن عساكر في النسخة المصورة من " تاريخ دمشق " لابن عساكر، التي نشرتها مكتبة الدار بالمدينة النبوية. والله أعلم.(12/732)
5833 - (الكنود: الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده) . ضعيف جدا. أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (30 / 180) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 292 / 7958) من طريقين عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذكر عنده (الكنود) فقال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ بل موضوع؛ آفته جعفر هذا؛ متروك؛ بل كذاب، تقدمت له أحاديث موضوعة، فانظر مثلا (345، 607) . وقال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " بعد أن عزاه لابن أبي حاتم وابن جرير من طريق جعفر:
" وهو متروك، فهذا إسناد ضعيف، وقد رواه ابن جرير أيضا من حديث حريز
ابن عثمان عن حمزة بن هانئ عن أبي أمامة موقوفا ".
قلت: وهذا هو الأشبه إن صح عن أبي أمامة، ويأتي بيان ما فيه.
ثم أخرجه الطبراني (8 / 221 / 7778) من طريق محمد بن مسمع الصفار البصري: ثنا الوليد بن مسلم عن أبي عمرو عن القاسم به.
وترجم له الطبراني بقوله:
" عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن القاسم "!
يشير إلى أن (أبا عمرو) الراوي عن القاسم هو الأوزاعي الإمام، وكأن ذلك؛ لأنه يكنى بأبي عمرو، ولأن الوليد بن مسلم مكثر من الرواية عن الأوزاعي، ولم أجد أحدا من أهل العلم صرح بأن الأوزاعي روى عن القاسم، وقد ترجم لهذا ابن عساكر في " تاريخه " ترجمة طويلة (14 / 334 - 338) ، ثم الحافظ المزي في(12/733)
" تهذيبه "، فإذا صح ما ذكره الطبراني، فتكون علة الحديث رواية الوليد عن الأوزاعي عن القاسم معنعنا.
ذلك؛ لأن الوليد بن مسلم - مع كونه ثقة؛ فقد - كان له مذهب عجيب في التدليس عن الأوزاعي، كما تراه مبسوطا في ترجمته، أعني: تدليس التسوية؛ فقد كان يروي عن الأوزاعي ما روى هذا عن بعض الضعفاء عن بعض الثقات، فيسقط الوليد الضعيف الذي بين الأوزاعي والثقة، فيظهر الإسناد سالما من العلة! قال أبو مسهر:
" كان الوليد بن مسلم يحدث حديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها
وله في تبرير ذلك جواب عجيب، فانظره في " التهذيب " إن شئت.
والخلاصة: أن في هذا الإسناد علة قادحة، وهي العنعنة.
وفيه علة أخرى: وهي جهالة محمد بن مسمع الصفار؛ فإني لم أجد له ترجمة، وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بقوله في " المجمع " (7 / 142) :
" رواه الطبراني بإسنادين: في أحدهما جعفر بن الزبير؛ وهو ضعيف، وفي الآخر من لم أعرنه ".
وقد فاتته العلة الأولى في هذا الإسناد الثاني.
وثمة علة ثالثة: وهي الوقف؛ كما تقدم في كلام ابن كثير؛ فقد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (160) ، وابن جرير - أيضا - من طريق حريز بن عثمان قال " ثني حمزة بن هانئ عن أبي أمامة أنه كان يقول:. . . فذكره.(12/734)
والسياق لابن جرير، ولم يسم البخاري حمزة، وإنما قال: " ابن هانئ ". ولذلك؛ أورده في " التهذيب " في (باب من نسب إلى أبيه، أو جده. . .) برواية ابن حريز هذه؛ ولم يزد. وكذلك صنع في " التقريب "، وقال:
" لا يعرف ".
ولم يذكر اسمه! ولذلك؛ أورده مسمى في " اللسان "؛ تبعا لأصله " الميزان "؛ فقال:
" حمزة بن هانئ عن أبي أمامة الباهلي؛ مجهول. انتهى.
وإنما قال فيه أبو حاتم: " لم يرو عنه غير حريز بن عثمان " وفرق بين
الكلامين، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقد قال الآجري عن أبي داود: شيوخ حريز كلهم ثقات ".
قلت: لعل هذا التوثيق المجمل لا يفيد هنا؛ ما دام أنه لم يرو عنه غير حريز، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله:
(شيخ لحريز؛ لا يعرف ".
5834 - (إنما كرهت الصلاة بين الأساطين للواحد والاثنين) .
منكر. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 300 / 9296) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن معدي كرب عن عبد الله قال:. . . فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف مع وقفه على عبد الله - وهو ابن مسعود رضي الله عنه -. وذلك؛ لسوء حفظ شريك - وهو ابن عبد الله القاضي -. فقول الهيثمي في " المجمع " (95 / 2) :(12/735)
" رواه الطبراني في " الكبير "، واسناده حسن "!
فهو مردود؛ لما ذكرت من حال شريك، وأيضا فقد خالفه في متنه جمع من الثقات، فرواه معمر والثوري وابن عيينة وشعبة عن أبي إسحاق به؛ بلفظ:
" لا تصفوا بين السواري "؛ دون قوله: " للواحد والاثنين ".
أخرجه عبد الرزاق (2 / 60 / 2487 - 2488) ، وابن أبي شيبة (2 / 370) ، والطبراني أيضا (9293 - 9295) ، والبيهقي (2 / 279 و 3 / 104) وقال:
" وهذا - والله أعلم - لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف، فإن كان منفردا، أو لم يجاوزوا ما بين الساريتين؛ لم يكره إن شاء الله تعالى؛ لما روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر قال:
سألت بلالا: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في الكعبة -؛ فقال: بين العمودين المقدمين ".
قلت: فالمحفوظ عن أبي إسحاق - وهو السبيعي - إنما هو ما رواه الجماعة عنه، وهذا - يقال - إن سلم من شيخه معدي كرب؛ فإنه في عداد المجهولين وإن ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 458) ؛ فإنه لم يذكر له هو ولا غيره راويا غير أبي إسحاق.
نعم؛ الرواية المحفوظة دون حديث الترجمة لها ما يشهد من الأحاديث المرفوعة، فراجع إن شئت " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " (ص 286 - طبع عمان) .(12/736)
ثم رأيت الأثر في " التاريخ الكبير " للبخاري (4 / 2 / 41) في ترجمة معدي كرب بلفظ:
" لا تصل بين الأساطين، إما أن تقدمها، وإما أن تؤخرها ".
5835 - (لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان؛ فإنها تبير المنافقين) .
منكر. أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين) لم (342 / 463) ، ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 113 - 114) ، وعلقه عليه الديلمي
في " مسند الفردوس " (3 / 154) قال أبو الشيخ: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد قال: حدثنا أبو حفص عمر بن زياد الأزدي الزعفراني - ب (همذان) - قال: حدثنا إبراهيم بن قتيبة قال: حدثنا قيس عن العباس بن ذريح عن شريح
ابن هانئ عن علي مرفوعا.
أورداه في ترجمة عبد الرحمن بن أحمد الزهري أبي صالح الأعرج، وذكرا أنه توفي سنة ثلاث مئة، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.
وأبو حفص عمر بن زياد " وقع في " الأخبار ": (محمد بن زياد) الزعفراني،
ولم أجد له ترجمة.
وإبراهيم بن قتيبة؛ الظاهر أنه الذي في " اللسان ":
" إبراهيم بن قتيبة الأصبهاني؛ ذكره الطوسي في مصنفي الشيعة الإمامية ".
قلت: فهو مجهول أيضا.
وقيس: هو ابن الربيع، ضعيف؛ قال في " التقريب ":(12/737)
" صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه؛ فحدث به ".
قلت: وهذا إسناد مظلم، لا أدري من المتهم به، أهو قيس هذا أم من دونه؛
فإن الفتن قد أمرنا بالاستعاذة منها ما ظهر منها وما بطن في غير ما حديث، ومن أبواب البخاري، في " صحيحه " في " كتاب الفتن " (15 - باب التعوذ من الفتن) . قال ابن بطال عقبه - كما في " فتح الباري " (13 / 44) -:
" في مشروعية ذلك الرد على من قال: اسألوا الله الفتنة؛ فإن فيها حصاد المنافقين، وزعم أنه ورد في حديث، وهو لا يثبت رفعه؛ بل الصحيح خلافه ".
ثم ذكر الحافظ عقبه حديث علي هذا من رواية أبي نعيم فقط، وقال:
" وفي سنده ضعيف ومجهول ".
وكذا قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (464 / 1298) ، ونقل عن شيخه الحافظ في " الفتح " أنه نقل عن ابن وهب: أنه سئل عنه؛ فقال:
، إنه باطل ". وأقره. قال السخاوي:
" وهو كذلك ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " (18 /
126، 381) :
" هذا ليس معروفا عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
ونقل عنه السيوطي في " ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 203) أنه جعله
من الأحاديث الموضوعة، وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 351) . وهو حري بذلك. والله أعلم.(12/738)
5836 - (عليكم بالصوم؛ فإنه محسمة للعرق، مذهبة للأشر) .
ضعيف. أخرجه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (رقم 1112) : أخبرنا محمد بن أبي عدي قال: حدثنا حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن شداد ابن عبد الله:
أن نفرا من أسلم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذنوه في الاختصاء، فقال:. . . فذكره.
وأخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 24 / 2) من طريق روح بن عبادة عن حسين المعلم به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكنه مرسل؛ شداد بن عبد الله - وهو القرشي الدمشقي -؛ صحب أنس بن مالك، وروى عن أبي هريرة وغيره، وله
ترجمة واسعة في " تاريخ ابن عساكر " (8 / 7 - 10) .
وقد وهم السيوطي في " الجامع الصغير "؛ فعزاه لأبي نعيم عن عبد الله بن شداد! هكذا أطلقه ولم يقيده، فأوهم أن عبد الله هذا صحابي وأن الحديث مسند وهو مرسل! كما كنت نبهت عليه في التعليق على " ضعيف الجامع " (4 / 46 /
3773) . وكذلك فعل المناوي في " فيض القدير "، والسيوطي أيضا في " الجامع الكبير " (15576) .
ثم وقفت على خطأ أفحش للمناوي في كتابه الآخر: " التيسير "، فقد وقع فيه: (عبد الله بن أوس) ! وقال: " بفتح وضم "!
وعبد الله بن أوس؛ صحابي شامي أيضا، مترجم أيضا عند ابن عساكر، فصار الحديث بذلك عنده موصولا مسندا!(12/739)
وإن من جهل بعض المعلقين والمخرجين الذين يذكرنا جهلهم بهذا العلم بالمثل المعروف في بعض البلاد العربية: (تزبب قبل أن يتحصرم) ! فقد علقت اللجنة المكلفة بتحقيق " الجامع الكبير " للسيوطي على هذا الحديث بقولها:
" أخرج ابن المبارك في " الزهد " رقم 1112 فقال: أخبركم أبو عمرو بن حيويه قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا الحسن (كذا) قال: أخبرنا محمد بن أبي عدي. . إلخ "!
فلم يعلم هؤلاء المساكين أن ابن المبارك لا علاقة له بهذا الحديث، وأنه من زيادات الحسين (لا الحسن) المروزي عليه، وأن ابن المبارك توفي سنة (181) وابن حيويه مات سنة (382) ! فاعتبروا يا أولي الأبصار!
ويغني عن الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم لمن لم يستطع الزواج من الشباب:
". . . فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1781) .
5837 - (لا يمنعن أحدكم - أو: لا يمتنعن أحدكم - من السائل أن يعطيه، وإن رأى في يده قلبين من ذهب) .
منكر. أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 452 / 952) ، والعقيلي في
" الضعفاء) ؛ (1 / 234) ، وابن عدي في " الكامل " (2 / 321) ، والديلمي في " مسند الفردوس " (3 / 196) من طريق الحسن بن علي الهاشمي عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وقال البزار:(12/740)
" لا نعلمه إلا من هذا الوجه ". وقال العقيلي - وقد ساقه في ترجمة
الهاشمي هذا -:
" لا يحفظ إلا عنه ". وقال ابن عدي:
" وحديثه قليل، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق ". وقال فيه البخاري:
" منكر الحديث ".
وهو متفق على ضعفه؛ بل هو متهم؛ فقال الحاكم وأبو سعيد النقاش:
" يحدث عن أبي الزناد بأحاديث موضوعة ".
ولهذا؛ قال الحافظ عقب الحديث في " مختصر الزوائد " (1 / 385) :
" والحسن؛ ضعيف جدا ".
وأما ما ذكره في " التهذيب " عن ابن حبان أنه قال:
" حديث باطل ".
فأظن أنه وهم عليه؛ فإن ابن حبان لم يخرج هذا الحديث في ترجمة الحسن هذا، وإنما أخرج له حديثين آخرين، قال فيها:
" إنهما حديثان باطلان ".
أقول هذا بيانا للواقع، وإن كنت أرى أن هذا الحديث أحق منهما بالبطلان.(12/741)
5838 - (إن ما تكرهونه في الجماعة خير مما تحبونه في الفرقة) .
لا أعرفه مرفوعا. وإنما رواه الآجري في " الشريعة " (ص 13) من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن ثابت بن قطبة قال: إن عبد الله بن مسعود قال في خطبته:. . . فذكره موقوفا عليه بلفظ:
" يا أيها الناس! عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنها حبل الله عز وجل الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة ".
قلت: هذا مع وقفه فيه مجالد بن سعيد؛ وليس بالقوي، كما في " التقريب ".(12/742)
5839 - (من آتاه الله وجها حسنا، واسما حسنا، وجعله في موضع غير شاين له، فهو في حضرة الله عز وجل)
موضوع. أخرجه ابن عساكر في ترجمة الفضل بن محمد الباهلي الأنطاكي من " تاريخ، دمشق " (14 / 251 - النسخة المصورة، المدينة) بسنده عن خلف بن خالد العبدي: حدثنا سليمان بن مسلم المكي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس مرفوعآ به. وزاد:
ثم أنشأ ابن عباس يقول:
" أنت شرط النبي إذ قال يوما
اطلبوا الخير عند حسان الوجوه ".
وذكر ابن عساكر أن الأنطاكي هذا توفي سنة (307) ، وعن ابن عدي
قال:
" له أحاديث عداد - غير ما ذكرت - لا يتابعه الثقات عليها ".(12/742)
قلت: وابن عدي ذكر هذا في آخر ترجمة الأنطاكي من " كامله " (6 / 2043) ، وقال في أولها:
" حدثنا بأحاديث لم نكتبها عن غيره، ووصل أحاديث، وسرق أحاديث،
وزاد في المتون ".
قلت: وفي مثله يقول الذهبي: " وكل بلاء فيه "!
وذكر الحافظ في " اللسان " عن ابن عدي والدارقطني أنه كذاب.
قلت: وخلف بن خالد العبدي؛ مستور، كما في " التقريب ".
وسليمان بن مسلم - هكذا وقع في النسخة! وهو خطأ نسخي؛ والصواب
(سليم بن مسلم) -؛ له ترجمة سيئة في " الجرح " (2 / 1) ، و " اللسان " (3 / 113) ، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه.
5840 - (ما استخلف عبد في أهله من خليفة أحب إلى الله تعالى
من أربع ركعات يصليهن في بيته إذا شد عليه ثياب سفره؛، يقرأ فيهن ب
(فاتحة الكتاب) ، (قل هو الله أحد) ، ثم يقول:
اللهم! إني أتقرب إليك بهن فاخلفني بهن في أهلي ومالي.
فهن خليفته في أهله، وماله، وداره، ودور حول داره؛ حتى يرجع إلى أهله)
ضعيف جدا، أخرجه الحاكم في " تاريخ نيسابور " في ترجمة (نصر بن باب) بموحدتين بينهما ألف لينة، من طريقه قال: حدثنا سعيد بن مرتاس عن(12/743)
إسماعيل بن محمد عن أنس بن مالك:
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت سفرا، وقد كتبت وصيتي، فإلى من أدفعها؛ إلى أبي، أم إلى أخي، أم إلى ابني؛ فقال صلى الله عليه وسلم! :. . . فذكره.
كذا في " الفتوحات الربانية على الأذكار النووية " لابن علان؛ نقلا عن
" نتائج الأفكار " للحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال:
" قال الحافظ: هذا حديث غريب، وسعيد هذا؛ لم أقف على ترجمته، ولست على يقين من ضبط اسم أبيه.
ونصر بن باب؛ ضعفوه، وقد تابعه المعافى؛ ولا أعرف حاله، وقد ذكر الغزالي هذا الحديث في أدب السفر من (الإحياء) ".
قلت: وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 253) :
" أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق "، وفيه من لا يعرف ". وقال في موضع آخر (1 / 206) :
". . . وهو ضعيف ".
قلت: وليس هو في الجزء المطبوع من " مكارم الأخلاق ". وفي هذا الموضع إنما ذكره العراقي شاهدا لقول الغزالي:
" وركعتان عند ابتداء السفر ". وفي هذا أربع ركعات كما ترى، فكان الأولى
به أن يستشهد بحديث:(12/744)
" ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا "
وهو ضعيف أيضا؛ لإرساله؛ كما تقدم بيانه برقم (372) .
ثم إن نصر بن باب؛ قد كذبه بعضهم؛ فقال البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 156) :
" كان بنيسابور، يرمونه بالكذب ".
فهو ضعيف جدا " كما يشير إلى ذلك البخاري في " التاريخ الصغير " (ص
259) :
" سكتوا عنه ". ومثله قول ابن أبي حاتم (4 / 1 / 469) عن أبيه:
" متروك الحديث ".
وله ترجمة مبسوطة في " تاريخ بغداد "، و " لسان الميزان ".
5841 - (من بلغه عني حديث، فكذب به؛ فقد كذب ثلاثة: الله، ورسوله، والذي حدث به) .
منكر. رواه الطبراني في " الأوسط " (2 / 179 / 2 / 7746) ، وابن عساكر (9 / 72 / 1) عن بقية بن الوليد عن محفوظ بن الميسور عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا.
قلت: وهذا سند ضعيف؛ محفوظ هذا؛ لا يعرف؛ قال الذهبي:
" أتى عن ابن المنكدر بخبر منكر، وعنه بقية بصيغة عن، لا يدرى من ذا ".(12/745)
وكأنه يشير إلى هذا الخبر. وأقره الحافظ في " اللسان ".
وبقية؛ مدلس، وقد عنعنه، وهو يدلس عن مثل المجاشع بن عمرو الكذاب والسري بن عبد الحميد المتروك وغيرهما من الضعفاء كما ذكر ابن حبان. فللحديث علتان: الجهالة، والتدليس؛ بخلاف ما أوهمه كلام الهيثمي في
" مجمع الزوائد " (1 / 149) ؛ فقال:
" رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه محفوظ بن ميسور، ذكره ابن أبي حاتم
ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ".
فلم يتعرض لبيان التدليس! وتبعه الغماري في رسالة " حديث الأعمى "، فنقل (ص 4) هذا الكلام عن الهيثمي دون أن يعزوه إليه! ودون أن يتعقبه بشيء! وهو متعقب في أمرين:.
الأول،: تدليس بقية؛ كما سبق.
والآخر: أن محفوظ بن ميسور لم يرد له ذكر في نسخة " الجرح والتعديل "
المتداولة اليوم، ولا عزاه إليه الحافظان الذهبي والعسقلاني. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
5842 - (يأتي على الناس زمان يخير فيه الرجل بين العجز والفجور، فمن أدرك ذلك الزمان؛ فليختر العجز على الفجور) .
ضعيف. أخرجه الحاكم (4 / 438) ، وأحمد (2 / 278، 447) من طريق سفيان الثوري، وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1516) من طريق عبد الرحيم(12/746)
- وهو ابن سليمان -؛ كلاهما عن داود بن أبي هند قال؛ أخبرني شيخ سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد؛ فإن الشيخ الذي لم يسمه سفيان عن داود بن أبي هند هو سعيد بن أبي خيرة ". الأصل: (جبيرة) .
ثم ساقه من طريق الحسن بن ميمون: ثنا سعيد بن سليمان: أنبأ عباد بن العوام عن داود بن أبي هند عن سعيد بن أبي خيرة (الأصل: جبيرة أيضا) عن أبي هريرة به.
قلت: الحسن بن ميمون هذا؛ لم أجد له ترجمة فيما لدي من المراجع، فإن كان محفوظا عن سعيد بن سليمان - وهو الضبي -؛ فهو شاذ؛ لمخالفة عباد بن العوام للثوري وعبد الرحيم، وكلهم ثقة، فإن وجد لعباد متابع؛ فقد يكون الوهم من داود بن أبي هند؛ فإنه مع كونه ثقة من رجال مسلم؛ فقد تكلم فيه أحمد وابن حبان من قبل حفظه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ":
" ثقة متقن؛ كان يهم بأخرة ".
قلت: فلعل عبادا سمعه منه بآخر حياته.
فإن حفظه بذكر سعيد بن أبي خيرة بينه وبين أبي هريرة؛ فالجواب من
وجهين:
الأول: الانقطاع بينه وبين أبي هريرة؛ فإنهم لم يذكروا له رواية عن غير الحسن البصري، وله في " السنن " حديث آخر من رواية داود عنه عن الحسن عن أبي هريرة، وهو مخرج في " أحاديث البيوع " وغيره، ولذلك؛ أورده ابن حبان في(12/747)
(أتباع التابعين) من كتابه " الثقات " (6 / 360) .
والآخر: أنه لم يذكر له هو والبخاري راويا غير داود هذا، وجزم ابن المديني
بأنه لم يرو عنه غيره؛ لكن تعقبه الحافظ في " التهذيب " بأنه روى عنه أيضا عباد ابن راشد وسعيد بن أبي عروبة.
وأقول: لعل ذكر عباد من الرواة عنه سبق نظر أو قلم؛ فإنك تراه في هذا الإسناد راويا عن داود، وليس عن سعيد بن أبي خيرة. وكأنه لذلك أشار الذهبي إلى تليين توثيق ابن حبان إياه - كما هي عادته - بقوله في " الكاشف ":
" وثق ". والحافظ بقوله في " التقريب ":
" مقبول ". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث.
وجملة القول؛ أن الحديث ضعيف الإسناد؛ لجهالة شيخ داود من الطريق
الأولى، أو الانقطاع وعدم ثبوت عدالة سعيد بن أبي خيرة من الطريق الأخرى إن كانت محفوظة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحديث؛ أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 287) ، وقال:
" رواه أحمد وأبو يعلى عن شيخ عن أبي هريرة، وبقية رجاله ثقات ".
5843 - (إذا توضأت؛ فسال من قرنك إلى قدمك؛ فلا وضوء عليك. يعني: سيلان الناسور) .
منكر. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 109 / 11202) ، والعقيلي في " الضعفاء " (3 / 35) ، وابن عدي في " الكامل " (5 / 1945) ،(12/748)
وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 533 / 1 - 2 مصورة المدينة) من طريق عبد الملك بن مهران عن عمرو بن دينار عن ابن عباس.
أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن بي الناسور، وإني أتوضأ فيسيل مني؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
ساقه العقيلي مع حديثين آخرين لابن مهران هذا، ثم قال:
" كلها ليس لها أصل، ولا يعرف منها شيء من وجه يصح ". وقال أبو حاتم، وابن عدي:
" عبد الملك بن مهران مجهول ". وقال ابن السكن:
" منكر الحديث ". وقال ابن عدي:
" وهذا منكر؛ لا أعلم رواه عن عمرو غير عبد الملك ".
والحديث؛ أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 247) ، وقال:
" رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه عبد الملك بن مهران؛ قال العقيلي: صاحب مناكير ".
وقد مضى له حديث آخر حكم أبو حاتم ببطلانه، فانظره برقم (4560) .
5844 - (كفن صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين) .
منكر. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (3024 - الإحسان) من طريق أبي إسماعيل المؤدب عن يعقوب بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس عن الفضل بن(12/749)
العباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ومتن منكر؛ علته يعقوب هذا - وهو ابن عطاء بن أبي رباح المكي -، وقد اتفقوا على تضعيفه، وإن تنوعت عباراتهم. وشذ ابن حبان فأورده في " ثقا ته " (7 / 639) ، وقال:
" ربما أخطأ ".
قلت: وهذا من أخطائه يقينا؛ لمخالفته لحديث عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا
عمامة.
أخرجه الشيخان وسائر الستة وغيرهم، وكذا ابن حبان (3026) ، وهو مخرج
في " الجنائز " (ص 63) ، و " الإرواء " (722) .
ومثله في النكارة: حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد ابن الحنفية عن علي بن أبي طالب:
أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في سبعة أثواب.
أخرجه أحمد (1 / 94، 102) ، وابن سعد في " الطبقات " (2 / 287) ، والبزار (1 / 401 / 850) وقال:
" لا نعلم أحدا تابع ابن عقيل على روايته هذه ".
قلت: والأصل فيه أنه حسن الحديث إلا إذا خولف كما هنا، وقد أحسن الكلام فيه الحافظ ابن حجر في " التلخيص " (2 / 108) ؛ فقال:(12/750)
" وابن عقيل سيئ الحفظ يصلح حديثه للمتابعات، فأما إذا انفرد فيحسن،
وأما إذا خالف فلا يقبل ".
ولذلك؛ لما أخرج الحديث الحافظ الجورقاني في كتابه " الأباطيل والمناكير "
(2 / 54 - 55) من طريقه قال:
" هذا حديث منكر، تفرد به ابن عقيل. . . ".
قلت: والظاهر أن الهيثمي لم يتنبه لنكارة حديثه هذا، فجرى فيه على الجادة؛ فقال في " مجمع الزوائد " (3 / 23) :
" رواه أحمد، وإسنا ده حسن، والبزار "!
وتفريقه بين رواية أحمد ورواية البزار يشعر بأن في إسناد البزار ما يمنع تحسينه عنده! وهذا خطأ آخر؛ فإن رواية البزار من طريق عفان بن مسلم، وهو أحد شيوخ أحمد في هذا الحديث، والراوي عنه هو العباس بن عبد العظيم، وهو ثقة من شيوخ مسلم. فالتفريق المذكور خطأ لا مسوغ له، فإما أن يحسنه مطلقا، وإما أن يضعفه كما فعلنا، وهو الصواب إن شاء الله تعالى.
ونحوه: ما جاء في " فتح الباري " (3 / 133) تحت شرح حديث أم عطية رضي الله عنها في قصة غسلها لابنة النبي صلى الله عليه وسلم (زينب) وقول النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن ألقى إليها إزاره:
" أشعرنها إياه ". قال الحافظ:
" وروى الجوزقي من طريق إبراهيم بن حبيب بن الشهيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت:(12/751)
" فكفناها في خمسة أثواب، وخمرناها كما يخمر الحي ".
وهذه الزيادة صحيحة الإسناد ".
قلت: لكنها ليست صحيحة المتن، وربما يكون سندها غير صحيح - أيضا - على ما سيأتي بيانه:
أما الأول: فلشذوذها ومخالفتها لرواية الثقات للقصة، وقد كنت خرجتها في
" أحكام الجنائز " (ص 48) من رواية أصحاب الكتب الستة وغيرهم، واستخرجت منها مختلف الزيادات التي وردت في طرقهم، ووضعت كل زيادة في مكانها اللائق من القصة، وليس منها هذه الزيادة، فسألني أحد الطلبة - بارك الله فيه - عنها وعن تصحيح الحافظ لها، فكتبت هذا التحقيق جوابا عنه، وهاك البيان. فاعلم أيها القارئ الكريم أن مدار القصة في الكتب المشار إليها آنفا على محمد وحفصة ابني سيرين عن أم عطية، ولكل واحد منهما طرق عديدة، وكلها ليس فيها تلك الزيادة، ففي هذه الحالة يجب على الباحث أن ينظر في الإسناد الذي تفرد بها، من هو محل شبهة الوهم فيها، فلم نجد إلا رجلين:
أحدهما: هشام - وهو ابن حسان القردوسي -؛ وهو ثقة من رجال الشيخين، على كلام يسير فيه لبعضهم كما يأتي.
والآخر: إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وهو من رجال النسائي فقط؛ ووثقه
هو وغيره، ولم أر أحدأ تكلم فيه.
وإذا كان الأمر كذلك، فيتردد النظر في تعصيب الخطأ في هذه الزيادة بين هذا أو ذاك.(12/752)
أما هشام؛ فقد قال فيه شعبة:
" لم يكن يحفظ ". مع كونه من رجال " الصحيحين " كما تقدم، وقد أخرجا هذه القصة عنه دون الزيادة؛ هما وغيرهما من الأئمة عن جمع من الثقات؛ بعضهم مطولا وبعضهم مختصرا وهم:
1 - يحيى بن سعيد. رواه البخاري (1263) ، والنسائي (1 / 266) ، وأحمد (408 / 6) .
2 - يزيد بن هارون. رواه مسلم (3 / 48) وأحمد أيضا.
3 - عبد الأعلى. أبو داود (2144) .
4 - يعلى. ابن الجارود (520) .
5 - الثوري. مصنف عبد الرزاق (3 / 402) .
6 - محمد بن جعفر. أحمد (5 / 84) .
7 - إسحاق بن يوسف الأزرق. أحمد (6 / 407) .
قلت: فإذا نظرنا إلى اتفاق هؤلاء الثقات السبعة على روايتهم القصة عن هشام دون الزيادة؛ حملنا ذلك على تعصيب الخطأ بإبراهيم بن حبيب الذي تفرد بروايتها عنه دونهم، فتكون الزيادة شاذة؛ لمخالفة الثقة للثقات، ونزداد تأكدا من شذوذها إذا استحضرنا متابعة أيوب السختياني وغيره له في " الصحيحين " وغيرهما، ومتابعة محمد بن سيرين لأخته حفصة على ذلك أيضا عندهما، كل هؤلاء لم يذكروا تلك الزيادة، فهي شاذة يقينا، أخطأ بها إبراهيم بن حبيب على هشام.(12/753)
لكن يمكن أن يقال: ما دام أن إبراهيم لم يتكلم فيه أحد، بخلاف هشام؛ فقد عرفت مما سلف تكلم شعبة في حفظه (1) ، فيمكن أن يكون الوهم منه. أي: أنه على الغالب كان يحدث بالقصة دون الزيادة، فتلقاها عنه كذلك أولئك الثقات السبعة، ومرة أخرى حدث بها مع الزيادة فتلقاها عنه بها إبراهيم بن حبيب. هذا محتمل؛ لكن النفس إلى الاحتمال الأول أميل. والله أعلم.
وثمة احتمال ثالث: وهو أن الخطأ ليس من هشام ولا من إبراهيم؛ وإنما من الوسيط بينهما؛ فإن إبراهيم لم يذكروا له رواية عن هشام، وإنما عن أبيه فقط، وحديثه عنه مخرج في " الصحيحة " (462) ، وحكى الحافظ في " التهذيب " عن الخطيب أنه ذكر روايته عن مالك. فيحتمل أن يكون بين إبراهيم وهشام غير أبيه ومالك ممن لا يعرف، فيكون هو علة هذا الإسناد، فتكون الزيادة منكرة من أجله، ولا علاقة لإبراهيم وهشام بها. وهذا الاحتمال مبني على افتراض أنه لم يسقط من " الفتح " من الناسخ أو الطابع قول إبراهيم: " عن أبيه ". ويبعده أن العيني نقله في " العمدة " (8 / 46) عن " الفتح " تلويحا لا تصريحا - كما هي عادته - كما نقلته أنا. والله أعلم.
وجملة القول؛ أن هذه الزيادة لا تصح؛ لشذوذها أو نكارتها على التفصيل الذي سبق بيانه. والله ولي التوفيق.
والواجب من الناحية الفقهية الوقوف عند حديث عائشة المتقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب. وعدم الزيادة على الثلاثة؛ اتباعا للسنة ومحافظة على المال. وما أحسن ما روى ابن أبي شيبة (3 / 259) بسند صحيح عن راشد بن
(1) ثم رأيت الحافظ أورده في " طبقات المدلسين " الطبقة الثالثة، فهذه علة أخرى؛ فإنه قد عنعن هذه الزيادة.(12/754)
سعد قال: قال عمر:
" يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، لا تعتدوا؛ إن الله لا يحب المعتدين ".
وفي مثلها كفن أبو بكر الصديق رضي الله عنه. ومما لا شك فيه أن النساء في ذلك كالرجال؛ لأنه الأصل؛ كما يشعر بذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
" إنما النساء شقائق الرجال ". وهو حديث صحيح مخرج في " المشكاة " (441) ، و " صحيح أبي داود " (234) وغيرهما.
ونحو قول عمر رضي الله عنه قول صديق حسن خان في " الروضة الندية " (165 / 1) :
" ليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود؛ فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال؛ لأنه لا ينتفع به الميت، ولا يعود نفعه على الحي، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال: " إن الحي أحق بالجديد " لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه: (إن هذا خلق!) ".
وهذا أخرجه البخاري وغيره في قصة وفاة أبي بكر رضي الله عنه، وهو مخرج
في " الإرواء " (721) .
5845 - (يا أنس! إذا صليت؛ فضع بصرك حيث تسجد. قال: قلت: يا رسول الله! هذا شديد، وأخشى أن أنظر كذا وكذا؛ قال: نعم، في المكتوبة إذا يا أنس!) .
ضعيف جدا. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 427) ، والبيهقي في
" السنن " (2 / 284) من طريق الربيع بن بدر عن عنطوانة عن الحسن عن(12/755)
أنس بن مالك مرفوعا. وقال البيهقي:
" رواه جماعة عن الربيع بن بدر عن عنطوانة، والربيع بن بدر؛ ضعيف ".
كذا قال! والربيع متروك؛ كما في " التقريب " وغيره، وأورده العقيلي في ترجمة (عنطوانة) وقال:
" مجهول بالنقل حديثه، غير محفوظ، روى عنه الربيع بن بدر، والربيع متروك، ولا يعرف إلا به ". وقال الذهبي في " الميزان ":
" لا يدرى من هذا؛ تفرد عنه عليلة بن بدر؛ واه ". وأقره الحافظ في " اللسان "، وأفاد أن (عليلة) هو الربيع بن بدر.
وفاتهما أن ابن حبان ذكر (عنطوانة) في " الثقات " (7 / 306) من رواية الربيع بن بدر عنه، وهذا من تساهل ابن حبان المعروف!
كما فاتهما أن ابن أبي حاتم ذكر في " الجرح " لعنطوانة راويأ آخر عنه، وهو عبيد بن عقيل. والله أعلم.
5846 - (يا أنس! . . صل صلاة الضحى؛ فإنها صلاة الأوابين قبلك، وارحم الصغير، ووقر الكبير؛ تكن! من رفقائي يوم القيامة) .
ضعيف جدآ. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (5 / 2019) ، وابن حبان
في " الضعفاء " (2 / 192) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 79 / 1 - 2) من طريق عوبد (ويقال: عويد) ابن أبي عمران الجوني عن أبيه: قال لنا أنس:(12/756)
أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال:. . . فذكره بتمامه. وقد حذفت منه ما قبل المذكور؛ لأني أخشى أن يكون له شواهد.
وهذا إسناد ضعيف جدا؛ آفته (عوبد) هذا، وقد اختلفوا في ضبطه على أقوال مذكورة في " تيسير الانتفاع "، والمهم هنا أنه متفق على ضعفه؛ بل قال البخاري وأبو حاتم:
" منكر الحديث ". وقال النسائي في " الضعفاء " (299 / 441) :
" متروك الحديث ".
وتناقض فيه ابن حبان، فأورده في " الثقات " (8 / 526) ! وأنكره عليه الحافظ في " اللسان "؛ لكن خفي عليه أنه أورده في " الضعفاء " أيضا وساق له هذا الحديث كما ترى، وقال فيه:
" كان ممن ينفرد عن أبيه بما ليس من حديثه؛ توهما، على قلة روايته، فبطل الاحتجاج بخبره "! وقال ابن عدي:
" وعويد بين على حديثه الضعف ".
واعلم أنه لم يوثقه أحد غير ما ذكرته عن ابن حبان، وأما ما جاء في التعليق على " الكامل " من قبل لجنة تحقيقه! من قولهم فيه:
" وقواه الجوزجاني "!
فهو مما يدل على جهلهم بهذا العلم وقلة فهمهم لأقوال أهله؛ فإن الجوزجاني
إنما قال فيه:(12/757)
" آية من الآيات "! ذكره في " الميزان " بعد قوله:
" قال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث ". ثم أتبعه
بقوله:
" وقال النسائي: متروك الحديث ".
فوقوع قوله المذكور بين هذه الأقوال الصريحة في التجريح، كيف يجوز تفسيره
بأنه قواه؟ ! (لو كانوا يعلمون) ! ومراده واضح؛ وهو أنه آية في كثرة الخطأ، أو روايته للمنكرات، وريما يعني أنه آية في الكذب.
ومثل هذا الفهم من اللجنة يدل العاقل على مبلغ صدق ناشر الكتاب في تزيينه واجهة الكتاب بقوله:
" تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المتخصصين بإشراف الناشر "! !
وماذا يستطيع الباحثون أن يشهدوا في هذا الكلام، وهم يرون السطر الذي فوقه قد جاءت نسبة المؤلف فيه (الجرجاني) ! هكذا بفتح الجيم؟ ! والله المستعان على المتاجرين بالعلم في هذا الزمان.
هذا؛ وقد كنت خرجت فقرة صلاة الضحى من الحديث من طرق أخرى عن أنس فيما تقدم برقم (3773) ، وحققت هناك ثبوت وصيته صلى الله عليه وسلم بصلاة الضحى دون الأمر بها، وصحة كونها صلاة الأوابين، فراجعه.
(تنبيه) : عزا الحديث السيوطي في " الجامع الكبير " لابن عدي والبيهقي
في " السنن " برمزه له ب (هق) . وأظنه محرفا عن (هب) ؛ فإني لم أره في " السنن ".(12/758)
ثم رأيت العراقي في تخريج الحديث في " المغني " (2 / 202) يقول:
" أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " + والبيهقي في " الشعب "، وإسناده ضعيف ".
فتحققت من ظني المذكور وأن صواب الرمز (هب) .، والله أعلم.
5847 - (من مات في بيت المقدس؛ فكأنما مات في السماء) .
ضعيف جدا. أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 384 / 810) ، وابن عساكر في " التاريخ " (14 / 8 - المصورة) من طريق يوسف بن عطية الصفار عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي هريرة مرفوعأ. وقال البزار:
" لا نعلمه إلا بهذا الإسناد عن أبي هريرة، ويوسف؛ ليس بالحافظ، وهو قديم، بصري، روى عن الحسن وابن سيرين ".
قلت: وهو متروك عند النسائي وغيره؛ بهما تقدم تحت الحديث (700) ، وكذا قال الحافظ في " التقريب ".
وعيسى بن سنان؛ لين الحديث، وقد وثق.
والحديث؛ عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " للبزار فقط، وسكت عليه كغالب عادته! وعزاه للديلمي عن أبي هريرة أيضا بلفظ:
" من مات ببيت المقدس وما حولها باثني عثر ميلا؛ كان بمنزلة من قبض في السماء ".(12/759)
وسكت عنه أيضا! وهو أنكر من الأول. والله أعلم.
5848 - (إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن، ثم قال
لي: يا محمد! إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا، وما خلف ظهرك مددا. ولا يزال الله يزيد - أو قال: يعز - الإسلام وأهله، وينقص الشرك وأهله، حتى يسير الركب بين كذا - يعني: البحرين - لا يخشى
إلا جورا، وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل) .
ضعيف. رواه الطبراني في " الكبير " (8 / 170 / 7642) و " مسند الشاميين " (ص 168) من طريق عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، وأبو نعيم (6 / 107 - 108) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 377 - 378 ط) من طريق أبي عمير النحاس (وهو عيسى بن محمد بن إسحاق) عن ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعأ. وقال أبو نعيم:
" غريب من حديث السيباني، تفرد به عنه ضمرة بن ربيعة ".
قلت: وهو ثقة، وكذا السيباني - وهو بفتح المهملة -، ووقع في " الحلية "
و" التاريخ " في مواطن عدة: (الشيباني) ؛ بالمعجمة! وهو تصحيف، واسمه يحيى بن أبي عمرو.
وأما الحضرمي هذا؛ فوثقه العجلي وابن حبان؛ لكن قال الذهبي:
" ما علمت روى عنه سوى يحيى ".
وأعله الهيثمي (10 / 60) بابن هانئ؛ وقد تابعه أبو عمير؛ وهو ثقة، فلا(12/760)
ضير، وإنما العلة من الحضرمي؛ فإنه في عداد المجهولين، كما يشير إلى ذلك قول الذهبي المذكور آنفأ، وهو في " الميزان " (3 / 270) ، وأقره الحافظ في " التهذيب "؛ بل قال الذهبي في الصفحة التي تلي الصفحة المشار إليها:
" لا يعرف ". كما أشار إلى تضعيف توثيقه في " الكاشف " بقوله:
" وثق ". ولذلك؛ لم يوثقه الحافظ في " التقريب "؛ بل قال فيه:
" مقبول ".
يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث؛ وقد كنت منذ أكثر من ثلاثين سنة أوردت هذا الحديث في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم (35) ؛ اغترارا بتوثيق ابن حبان والعجلي، ولم أكن يومئذ - كغيري إلا من شاء الله - عرفت تساهل ابن حبان وكذا العجلي في التوثيق، والآن وقد تبين لي تساهلهما في توثيق المجهولين، فقد رجعت عن تصحيح حديثه، وأودعته في هذه " السلسلة الضعيفة ".
وبهذه المناسبة أقول: بعد طبع كتاب " التاريخ " للحافظ يعقوب بن سفيان الفسوي ودراستي إياه تبين لي أنه يكاد أن يكون مثل المذكورين في التساهل؛ فقد مرت بي أمثلة عديدة على ذلك أذكر منها الان ما نحن في صدده؛ فقد ذكر إسنادا له (2 / 437) فقال عن السيباني يحيى بن أبي عمرو:
" شامي ثقة، ويروي يحيى عن عمرو بن عبد الله الحضرمي - شامي ثقة - عن
أبي أمامة، ويروي السيباني عن أبي العجماء قال: قيل. . وأبو العجماء مجهول لا يدرى من هو؛ ".
قلت: فتأمل كيف قال في الحضرمي: " شامي ثقة "! وهذا عين كلام(12/761)
العجلي في " ثقاته " (365 / 1271) ! سوى أنه زاد: ". . . تابعي. . . ".
وبين (أبا العجماء) ؛ فقال بأنه مجهول، وكلاهما روى عنهما السيباني؟ !
ولا يعرفان إلا بهذه الرواية!
(تنبيهات) :
الأول: أن ابن عساكر أخرج الحديث من الطريقين المشار إليهما عن ضمرة، والطريق الأولى عنده من روايته بإسناده عن الطبراني: نا سلامة بن ناهض المقدسي: نا عبد الله بن هانئ عن أبي أمامة. . فسقط من الإسناد ثلاثة على التوالي ضمرة، والسيباني، والحضرمي! !
وهذا من شؤم من يتولى تحقيق كتب الحديث من الأدباء الذين لا معرفة عندهم بهذا العلم الشريف؛ فإنه سقط مجسد مجسم يظهر بأدنى نظر لمن كان عنده علم بطبقات الرواة، فكيف يعقل أن يكون بين الطبراني المتوفى سنة (360) وبين الصحابي واسطتان فقط؟ !
ويظهر أنه سقط قديم؛ فإنه كذلك في النسخة المصورة عن إحدى مخطوطتي الظاهرية (1 / 181) ، فالظاهر أنها كذلك أيضا.
الثاني: علمت - مما سبق - قول الذهبي أنه لم يرو عن الحضرمي غير يحيى، وقد وقع في كتابه " الكاشف " أنه روى معه طائفة! فهذا خطأ من الناسخ أو الطابع، فلا تغتر به.
الثالث: قوله: (أبي العجماء) في " التاريخ " وقع فيه (أبو العجفاء) في الموضعين! وهو خطأ فاحش لعله من الناسخ، وقد خفي ذلك على محققه(12/762)
الفاضل، فعلق عليه قوله: " ترجمته في تهذيب التهذيب " (12 / 165) ، وإذا رجعنا إلى ترجمة أبي العجفاء التي في " التهذيب "؛ وجدناه قد وثقه ابن معين وغيره، وروى عنه جمع من الثقات ليس منهم السيباني الذي روى عن أبي العجماء! ولذلك؛ لم يذكر الحافظ قول الفسوي بجهالة أبي العجماء في ترجمة أبي العجفاء، فدل ذلك على خطأ النسخة وغفلة المعلق عنه، والمعصوم من عصمه الله عز وجل.
الرابع: علق الفاضل المشار إليه على قول الحافظ الفسوي المتقدم: " عن أبي
أمامة "؛ فقال:
" إياس بن ثعلبة البلوي الأنصاري "!
وهذا خطأ أيضا؛ وإنما هو صدي بن عجلان، وهو بهذه الكنية أشهر من البلوي، وفي ترجمته ذكر الحديث عند الطبراني وغيره.
قلت: ولشطره الثاني شواهد تقدم أحدها في " الصحيحة " (رقم 3) .
والحديث؛ عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 141 / 1) للطبراني في
" الكبير " أيضا وابن عساكر.
5849 - (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم
قاهرين، لا يضرهم من خالفهم؛ إلا ما أصابهم من لأواء؛ حتى يأتيهم
أفز الذ وفم كذلك. قالوا: يا رسول الذ! وأين فم؛ قال: ببيت المقدس، وأكتاف بيت المقدس) .
منكر بهذا التمام. أخرجه أحمد (5 / 269) : حدثني مهدي بن جعفر(12/763)
الرملي: ثنا ضمرة عن السيباني - واسمه يحيى بن أبي عمرو - عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الحضرمي؛ كما تقدم بيانه تحت الحديث الذي قبله.
ومهدي بن جعفر الرملي، فيه كلام يسير، أشار إليه الحافظ بقوله في
" التقريب ":
" صدوق له أوهام ".
لكن تابعه أبو عمير عيسى بن محمد بن إسحاق النحاس: ثنا ضمرة به؛ دون قوله: " وأكناف بيت المقدس ".
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 171 / 7643) . وقال الهيثمي بعد أن عزاه لأحمد والطبراني:
" ورجاله ثقات ".
كذا قال! وعمدته توثيق ابن حبان للحضرمي! وقد سبق بيان ما فيه، فلا يشكلن عليك الأمر.
واعلم أنني إنما أخرجت الحديث هنا لجهالة إسناده ونكارة الاستثناء الذي فيه، وإلا؛ فالشطر الأول صحيح بل متواتر، وقد رواه جمع كبير من الصحابة، وخرجت أحاديث بعضهم في " الصحيحة " تحت عنوان: (الطائفة المنصورة) ؛ فانظر الأحاديث (1955 - 1962) .(12/764)
5850 - (من ترك دينا فعلي؛ وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين) .
موضوع بهذ االتمام. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 294 /
6153) من طريق أبي الصباح عبد الغفور بن سعيد الأنصاري عن أبي هاشم الرماني عن زاذان عن سلمان قال:
أمرنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن نفدي سبايا المسلمين، ونعطي سائلهم، ثم قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا متن منكر، وإسناد موضوع؛ آفته أبو الصباح هذا؛ فإنه ممن يضع الحديث، وتقدم له بعض الأحاديث (344، 631) ، وقال الهيثمي في " مجمع الزوا ئد " (5 / 332) :
" رواه الطبراني، وفيه عبد الغفور أبو الصباح؛ وهو متروك ".
وأما نكارة متنه؛ فقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة في " الصحيحين " وغيرهما دون قوله: " وعلى الولاة. . "، وهو مخرج في " الإرواء " (1416، 1433، 1555 / 2) ، و " الجنائز " (ص 86) ، وقد خرج بعضها الشوكاني في " نيل الأوطار " (4 / 21 - الحلبية) ومنها حديث الترجمة، ولكنه سكت عليه ولم يبين درجته! فكان ذلك من دواعي إخراجه وبيان حاله، وكذلك سكت عنه السيوطي في " الجامع الكبير "، وما كان ينبغي لهما! وفي الأحاديث الصحيحة المشار إليها غنية عنه كما بينه الشوكاني نفسه.(12/765)
5851 - (لولا أن جبريل نزل بالحجابة لبني طلحة؛ لجعلتها لك، وإن لك في السقاية أسوة حسنة) .
ضعيف. أخرجه الدارقطني في " العلل " (2 / 150 - 151) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح قال: ثنا يحيى بن جناح: ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد؛ لولا أن يحيى بن جناح - وهو الرعيني - لم نجد له ترجمة فيما عندنا من المصادر، حتى ولا في " ثقات ابن حبان "، وهو مرجع هام لمعرفة كثير من المجهولين وغيرهم ممن لم يرد لهم ذكر في المصادر الأخرى.
وقد خالفه عبيد بن صدقة؛ فقال: عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن زر
عن عمر.
وعبيد هذا؛ حاله كحال مخالفه الرعيني، ولذلك؛ قال الدارقطني بعد أن ذكر المخالفة:
" وكلاهما غير ثابت ".
وقد روي شيء منه من مرسل الحسن البصري في تفسيرقوله تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج. . .) الآية؛ قال:
نزلت في علي وعباس وشيبة، تكلموا في ذلك، فقال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أقيموا على سقايتكم؛ فإن لكم فيها خيرا)) .(12/766)
أخرجه عبد الرزاق في " التفسير " (1 / 100) عن معمر عنه، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 219) لأبي الشيخ عن الحسن.
ولعل أصل هذا الحديث ما رواه البخاري في " صحيحه " (رقم 1635) عن
ابن عباس:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى. فقال العباس: يا فضل! اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها. فقال: " اسقني ". قال: يا رسول الله! إنهم يجعلون أيديهم فيه. قال:
" اسقني ". فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال:
" اعملوا؛ فإنكم على عمل صالح (ثم قال:) لولا أن تغلبوا؛ لنزلت حتى أضع الحبل على هذه " - يعني: عاتقه -، وأشار إلى عاتقه.
واستدركه الحاكم (1 / 475 - 476) فوهم! كما نبه على ذلك الذهبي في
" تلخيصه ". وهو في حديث جابر الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم وغيره، ورسالتي في ذلك معروفة مطبوعة.
5851 / م - (إذا بكى اليتيم؛ وقعت دموعه في كف الرحمن تعالى، فيقول: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والديه تحت الثرى؛ من أسكته؛ فله الجنة) .
كذب. أخرجه الخطيب (13 / 42) من طريق موسى بن عيسى البغدادي: حدثنا يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال:(12/767)
" هذا حديث منكر جدا، لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، ورجاله كلهم ثقات معروفون؛ إلا موسى بن عيسى؛ فإنه مجهول، وحديثه عندنا غير مقبول ".
وفي ترجمته أورد الذهبي هذا الحديث، وقال:
" خبر كذب. قال الخطيب: هو المتهم به ". وأقره الحافظ في " اللسان ".
ومن قبلهما أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2 / 168 - 169) من طريق الخطيب، وأقره.
وأما السيوطي؛ فتعقبه في " اللآلي " (2 / 84) بحديث لابن عمر، لو أنه صح إسناده لكان شاهدا قاصرا، فكيف وهو غير صحيح! ! وهاك البيان:
5852 - (إن اليتيم إذا بكى؛ اهتز عرش الرحمن لبكائه، فيقول الله
عز وجل لملائكته: من أبكى عبدي، وأنا قبضت أباه وواريته في التراب؟ ! فيقولون: ربنا! لا علم لنا. فيقول الرب تعالى: اشهدوا: لمن أرضاه؛ أرضيه يوم القيامة) .
منكر جدا. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 299) : حدثنا أبو
بكر محمد بن أحمد بن جعفر: ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم: ثنا أبو يوسف القلوسي: ثنا عموو بن سفيان القطعي: ثنا الحسن بن أبي جعفر عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
قلت: وهذا متن منكر جدا، يشبه الذي قبله في النكارة مع ضعف إسناده الشديد. وفيه علل:(12/768)
الأولى: ضعف علي بن زيد - وهو ابن جدعان - واختلاطه. ووقع في
" اللآلي " (2 / 84) : " علي بن أبي زيد "! وهو خطأ مطبعي، وما أكثر الأخطاء فيه.
الثانية: الحسن بن أبي جعفر - وهو الجفري -؛ قال البخاري وغيره:
" منكر الحديث ".
وقد ساق له الذهبي أحاديث أنكرت عليه، قال في بعضها:
" إنها من بلاياه "!
الثالثة: عمرو بن سفيان القطعي؛ لم أجده إلا في " ثقات ابن حبان " (8 /
481) :
" يروي عن الحسن بن أبي جعفر، روى عنه عقبة بن مكرم العمي والعراقيون ".
فهو مجهول الحال. والله أعلم.
الرابعة: محمد بن أحمد بن جعفر شيخ أبي نعيم، وفي ترجمته ساق الحديث - ونسبه (الغزال) -؛ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم أره عند غيره؛ فهو مجهول.
وبقية رجاله ثقات معروفون.
أما سعيد بن المسيب؛ فأشهر من نار على علم ثقة وعلما.
وأما أبو يوسف القلوسي؛ فهو يعقوب بن إسحاق البصري؛ قال الخطيب في
" تاريخ بغداد " (14 / 285) :(12/769)
" وكان حافظا ثقة ضابطا. . . ".
ووضع في " اللآلي ": (أبو يوسف الطوسي) !
وأما عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، شيخ شيخ أبي نعيم؛ فقد قال في ترجمته (2 / 76) :
" هو أبو القاسم بن أخي أبي زرعة. . كثير الحديث صاحب أصول؛ ثقة ".
وكذا في " طبقات أبي الشيخ " (437 / 630) ، وكأنه أخذه منه.
قلت: ومن هذا التحقيق؛ يتبين لك أن قول ابن عراق في " تنزيه الشريعة "
(2 / 136) بعد أن عزاه لأبي نعيم تبعا لأصله " اللآلي ":
" قلت: في سنده من لم أقف لهم على ترجمة ".
فيه غفلة ظاهرة عن العلة الأولى والثانية؛ لشهرة ابن جدعان والجفري، وتقصير في البحث عن بقية الرواة غير المشهورين منهم، وقد يسر الله لي الوقوف على ترجمتهم، وبيان أحوالهم، فله الحمد والمنة.
وإذا عرفت ذلك! يظهر لك جليا خطأ السيوطي في استشهاده به للحديث الذي قبله وسكوته عليه، ودفاع ابن عراق عنه ردا على ابن الجوزي وقول الخطيب المتقدم ثمة بقوله:
" تعقب بأن هذا لا يقتضي الحكم على حديثه بالوضع "!
فإننا نقول: نعم؛ ولكن ذلك إذا كان المتن معروفا في الشرع مقبولا، وأما إذا كان منكرا تنفر منه العلماء الذين جرى حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عروقهم مجرى(12/770)
الدم؛ فهم يحكمون على الحديث في هذه الحالة بالوضع بعد أن يثبت لديهم نكارة إسناده أيضا، وعلم الجرح قسم كبير منه قائم على هذه الملاحظة؛ كما يتبين لمن تتبع ألفاظ النقاد للرواة، وبخاصة منهم ابن حبان في " ضعفائه "، ومن تبعهم من المحققين كالذهبي والعسقلاني وغيرهما، وانطلاقا من هذه الملاحظة حكم الخطيب على الحديث بأنه منكر جدا، والذهبي والعسقلاني بأنه كذب. وهذا من دقائق هذا العلم الشريف، فتنبه ولا تكن من الغافلين.
ومن ذلك؛ تعلم أنه لا ينفعه ولا يقويه قول ابن عراق في تمام كلامه المتقدم:
" وله شاهد من حديث [ابن] عمر "!
وذلك لسببين: الأول: أنه منكر مثله.
والآخر: أن شهادته قاصرة؛ لأن فيه: " إذا بكى اليتيم اهتز عرش الرحمن " وفي ذاك: ". . . وقعت دموعه في كف الرحمن "! فهذا يدل على أنه مفتعل، وأن أحد رواته سرقه من الآخر، وغاير في اللفظ؛ تضليلا وسترا لسرقته! !
5853 - (إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه) ".
ضعيف جدآ. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 24 / 3533)
و" الأوسط " (2 / 121 / 6883) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 422) من طرق عن هشام بن عمار: ثنا عمرو بن واقد: حدثني موسى بن يسار(12/771)
عن مكحول عن جنادة بن أبي أمية قال:
نزلنا دابق وعلينا أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ حبيب بن مسلمة أن ابن (الأصل: بنت) صاحب (قبرس) خرج يريد بطريق (أذربيجان) ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وذهب وديباج، فخرج في خيل فقتله، وجاء بما معه، فأراد أبو عبيدة أن يخمسه، فقال حبيب: لا تحرمني رزقا رزقنيه الله؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل السلب للقاتل، فقال معاذ: [مهلا] يا حبيب! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن معاذ وحبيب إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن واقد ".
قلت: وهو ضعيف جدا؛ قال في " مجمع الزوائد " (5 / 331) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك ". وقال البخاري:
" منكر الحديث ".
وكذبه بعضهم. ولذا؛ قال الذهبي في آخر ترجمته من " الميزان ":
" هالك ".
قلت: والمستنكر من الحديث قول معاذ لحبيب: " مهلا. . . " إلخ.
فإن حديث حبيب صحيح؛ له شاهد من حديث عوف بن مالك في مسلم وغيره، وفيه قصة تشبه قصة حبيب مع ابن صاحب قبرس، وهو مخرج في " الإرواء " (1223) .(12/772)
5854 - (كان يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله: في طهوره، وترجله! ، ونعله! ، [وسواكه] )
شاذ بهذه الزيادة. أخرجه أبو داود في " سننه " (4140) : حدثنا حفص
ابن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن الأشعث بن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة قالت:. . . فذكره إلى قوله: " ونعله ". وقال عقبه:
" قال مسلم: وسواكه. ولم يذكر: في شأنه كله ".
قلت: مسلم بن إبراهيم هذا هو الفراهيدي؛ وهو ثقة حافظ من رجال الشيخين، فلو أنه كان المخالف له حفص بن عمر هذا فقط؛ لحكمنا على هذه الزيادة بالصحة؛ لأنها زيادة من ثقة، وهي مقبولة؛ غير أنه قد خالفه جماعة آخرون من الثقات رووه جميعا عن شعبة به؛ كما رواه حفص دون الزيادة:
أخرجه الشيخان وأبو عوانة (1 / 222) ، وابن خزيمة (1 / 91 / 179) في
" صحاحهم "، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 131 / 93) .
قلت: فهي زيادة شاذة لا تصح؛ لمخالفة الثقة من هو أكثر عددا منه، وكلهم ثقات، ولعله لذلك تجنبها أصحاب " الصحاح ".
وإن مما يؤكد شذوذها أن جماعة آخرين من الثقات قد تابعوا شعبة على رواية الحديث دون الزيادة، ولا بأس من ذكر من تيسر لي الوقوف عليه.
1 - أبو الأحوص عن الأشعث به. أخرجه مسلم (1 / 157 - 158) ، والترمذي (رقم 608) ، وابن ماجه (401) وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح ".(12/773)
2 - محمد بن بشر عنه نحوه. أخرجه النسائي (5059) .
3 - إسراثيل عنه به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5432 - الإحسان) .
4 - مليح والد وكيع عنه. أخرجه أحمد (6 / 210) .
قلت: وبهذا التخريج والتحقيق نتأكد من شذوذ هذه الزيادة وضعفها.
ولقد كان من البواعث على تحرير الكلام فيها أنني رأيت الحافظ ابن حجر في
" الفتح " (1 / 269) والعيني في " العمدة " (3 / 31) قد ذكراها في شرح الحديث من رواية أبي داود ساكتين عليها، موهمين بذلك ثبوتها. فاقتضى التحقيق والتنبيه.
5855 - (كان إذا صلى العشاء؛ ركع أربع ركعات، وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلي بعد صلاته بالليل) .
ضعيف. أخرجه أحمد (6 / 4) ، والبزار (1 / 352 / 732) من طريق نافع بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير نافع هذا، وقد ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (5 / 471) ، وقال:
" يروي عن ابن الزبير، وعنه ابن المبارك وابن أبي الموالي ".
وما أرى إلا أنه وهم في قوله: " يروي عن ابن الزبير "؛ لأنه يوهم أنه سمع منه! ولذلك؛ أورده في (التابعين) ، وليس منهم. كيف وقد قال ابن أبي حاتم (1 / 4 / 457) :(12/774)
" مات بالمدينة سنة (155) وهو ابن (73) ".
وهذا معناه أنه ولد سنة (82) أي: بعد وفاة عبد الله بن الزبير بتسع سنين؛ فإنه قتل سنة (73) . ولذلك؛ لم يذكر له ابن أبي حاتم - وكذا البخاري قبله - رواية إلا عن بعض التابعين، منهم أبوه ثابت، فإن كان هو الواسطة بينه وبين جده عبد الله بن الزبير، فهو مجهول لا يعرف؛ كما يؤخذ من تفرد إسحاق بن عبد الله العامري والد عباد يالرواية عنه؛ كما في " التاريخ " وغيره كابن حبان؛ فإنه أورده في " الثقات " (4 / 90) على قاعدته في توثيق المجهولين. وسكت عنه ابن أبي حاتم. وإن لم يكن هو الواسطة بين ابنه نافع وأبيه عبد الله بن الزبير؛ فهو منقطع كما سبق. وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 272) ؛ فقال:
" رواه أحمد والطبراني في " الكبير ". وفيه نافع بن ثابت، وثابت: هو ابن عبد الله بن الزبير؛ ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولم يسمع نافع من جده عبد الله بن الزبير ولم يدركه، وإنما روى عن أبيه ثابت ".
قلت: والحديث عندي منكر " لأن قوله: " حتى يصلي بعد صلاته بالليل "؛ يشعر أنه كان يصلي صلاته المعهودة؛ أي: غير الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر، وهذا غير معروف في الأحاديث الصحيحة. والله أعلم.
5856 - (من قرأ في ليلة: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا؛ كان له نور من (عدن أبين) إلى
مكة حشوة الملائكة) .
منكر. أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 25 / 3108 - الكشف) من طريق النضر بن شميل: ثنا أبو قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب(12/775)
مرفوعا. وقال:
" لا نعلمه مرفوعا إلا عن عمر بهذا الإسناد ".
قلت: وهو منكر ضعيف؛ أبو قرة - وهو الأسدي الصيداوي -؛ قال الذهبي في
" الميزان ":
" مجهول، تفرد عنه النضر بن شميل ". وكذا في " التقريب "، وقال في
" التهذيب ":
" وأخرج ابن خزيمة حديثه في " صحيحه " وقال: لا أعرفه بعدالة ولا وجرح ".
وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (10 / 126) .
5857 - (من صلى علي في يوم جمعة وليلة جمعة مئة من الصلاة، قضى الله له مئة حاجة: سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين
من حوائج الدنيا، ووكل الله عز وجل بذلك ملكا يدخله على قبري كما يدخل عليكم الهدايا؛ إن علمي بعد موتي كعلمي في حياتي) .
موضوع. أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (2 / 684 / 1647) ، والديلمي في " مسند الفردوس " - كما في " الجامع الكبير " - من طريق إبراهيم ابن محمد بن إسحاق البصري قال: حدثتنا حكامة بنت عثمان بن دينار [عن أبيها عثمان بن دينار] عن أخيه مالك بن دينار عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد باطل لا أصل له؛ فقد قال العقيلي في ترجمة عثمان بن(12/776)
دينار هذا من " ضعفائه " (3 / 200) :
" تروي عنه حكامة ابنته أحاديث بواطيل ليس لها أصل ".
ثم ساق له حديثا قال عقبه:
" أحاديث حكامة تشبه حديث القصاص؛ ليس لها أصول ".
وتقدم الحديث المشار إليه برقم (5826) ، وأن الذهبي قال فيه:
" خبر كذب ".
وأقره الحافظ كما تقدم.
وإبراهيم بن محمد بن إسحاق البصري؛ لم أجد له ترجمة. وقد خالفه محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ؛ فقال: حدثتنا حكامة بنت عثمان بن دينار به؛ إلا أنه لم يذكر الجملة الأخيرة منه:
" إن علمي بعد موتي. . . " إلخ، وقال مكانها:
". . . يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء ".
أخرجه البيهقي في رسالته " حياة الأنبياء " (ص 10) .
والصائغ هذا؛ صدوق؛ كما في " التقريب "، فروايته أرجح؛ لكن فوقه ما عرفت من الآفة، فالحديث غير صحيح بروايتيه.
(تنبيه هام) : لقد تكشفت لي وأنا أتابع البحث في هذا الحديث أوهام وقعت(12/777)
لبعض العلماء، فلا بد من ذكرها إتماما للفائدة:
1 - لقد ألان القول في إسناده الحافظ السخاوي في " القول البديع " (ص
118) ؛ فاقتصر على تضعيف إسناده، وهو شر من ذلك كما رأيت، أقول هذا وأنا أعلم أن مطلق التضعيف لا ينافي الضعف الشديد بل الموضوع؛ لأنهما من أقسام الضعيف كما هو معلوم من علم المصطلح، ولكني لا أحب هذا الإطلاق؛ لما فيه من الإيهام بخلاف واقع إسناده عند من لا يعلم، ومن استغلال أهل الأهواء والبدع إياه.
2 - وأسوأ منه ما فعله السيوطي في " مختصر القول البديع " (ص 9) ، فإنه
لم يذكر فيه تضعيف السخاوي لإسناده، فأوهم سلامته منه! وكذلك سكت عنه في رسالته: " إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء " (2 / 328 - الحاوي للفتاوي) !
3 - جزم الشيخ عبد الله الغماري به في بعض رسائله، وإيهامه قراءه صحته
حين استدل به على أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره كحياته في الدنيا قبل وفاته. فقال في " مصباح الزجاجة " (ص 38) :
" الثاني: الأحاديث التي تدل على عرض أعمال أمته عليه، وأن علمه بعد انتقاله كعلمه في الدنيا. وهي مبسوطة في محلها من كتب الحديث والفضائل النبوية. وانظر كتابنا (نهاية الآمال في صحة حديث عرض الأعمال) !
فأقول:
أولا: حديث عرض الأعمال؛ ضعيف لا يصح؛ كما كنت بينت ذلك في المجلد الثاني من هذه " السلسلة " (رقم 975) ، وزدته بيانا في رسالتي التي أوشكت على الانتهاء منها: " غاية الآمال في بيان ضعف حديث عرض(12/778)
الأعمال، والرد على الغماري في تصحيحه إياه بصحيح المقال ".
ثانيا: لم يتعرض لحديث الترجمة بذكر في " نهايته "! فذلك من أوهامه أو تدليسه، وإنما ذكره في كتابه: " الرد المحكم المتين " (ص 246) ساكتا عن بيان حال إسناده؛ تمويها على قرائه، وكتمانا للعلم، واتباعا لهواه! ثالثا وأخيرا: كلامه يوهم أن جملة العلم وردت في أحاديث! وليس كذلك؛
فإنها لم ترد إلا في هذا الحديث الباطل، ولكن أهل الأهواء والبدع يتعلقون ولو بخيوط القمر! والله إلمستعان.
5858 - (كان إذا صلى في الحجر، قام عمر بن الخطاب على رأسه بالسيف حتى يصلي)
ضعيف. أخرجه الدارقطني في " العلل " (2 / 232) من طريق علان بن المغيرة: ثنا نعيم بن حماد: ثنا حرمي بن عمارة عن شعبة عن محمد بن إبراهيم الهاشمي عن إدريس الأودي عن أبيه عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ أبو إدريس الأودي - واسمه يزيد بن عبد الرحمن -، مجهول، يقول الحافظ فيه:
" مقبول ".
ومحمد بن إبراهيم الهاشمي؛ لا يعرف؛ كما قال الذهبي تبعا لأبي حاتم.
ونعيم بن حماد؛ ضعبف مع إمامته في السنة، لكنه قد توبع كما يأتي.
وعلان بن المغيرة؛ لم نجد له ترجمة فيما عندنا من المصادر، وقد خولف؛ فقد(12/779)
أخرجه الدارقطني والخطيب في " موضح الأوهام " (1 / 10 - 11) من طريقين عن نعيم بن حماد به مرسلا؛ لم يذكر عمر بن الخطاب. قال الدارقطني:
" وهو أشبه بالصواب ".
قلت: ويؤيده متابعة أبي زيد عمر بن شبة في " تاريخ المدينة " (1 / 300)
قال: حدثنا حرمي بن عمارة به مرسلا.
فالحديث ضعيف مرسلا وموصولا.
5859 - (لبث عيسى ابن مريم في قومه أربعين سنة) .
ضعيف. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 145) من طريق نوح بن قيس: نا الوليد عن ابن امرأة زيد بن أرقم عن زيد بن أرقم عن النبي
صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة ابن امرأة زيد بن أرقم.
والوليد: هو ابن صالح، وفي ترجمته أورده البخاري، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك ترجمه ابن أبي حاتم، فهو مجهول، وإن وثقه ابن حبان (5 / 491 و 7 / 551) .
وقد وجدت له شاهدا؛ ولكنه مرسل:
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1593) ، ومن طريقه ابن عساكر في
" تاريخ دمشق " (14 / 88) : حدثنا الحسين بن الأسود: نا عمرو بن محمد العنقري: نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: قالت فاطمة(12/780)
بنت النبي صلى الله عليه وسلم: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال الهيثمي (8 / 206) :
" رواه أبو يعلى عن الحسين بن علي بن الأسود؛ ضعفه الأزدي، ووثقه ابن حبان، ويحيى بن جعدة؛ لم يدرك فاطمة ".
قلت: هذه هي العلة: الانقطاع؛ فإن ابن الأسود قد توبع: عند ابن عساكر
من رواية محمد بن عمار المكي: حدثنا سفيان به.
لكن محمد بن عمار المكي إن لم يكن محمد بن عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدني الثقة؛ فلم أعرفه. وقد رواه ابن عساكر من طريق الأعمش عن إبراهيم قال:. . . فذكره موقوفا على إبراهيم - وهو ابن يزيد النخعي -.
ولعله أصح؛ فقد صح أن هذه المدة يمكثها عيسى عليه السلام بعد نزوله إلى الأرض:
فروى الطبراني في " الأوسط " (2 / 34 / 5595 - بترقيمي) ، وابن عساكر (14 / 105) من طريقين عن عقبة بن مكرم: حدثنا يونس بن بكير: حدثنا هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ينزل عيسى ابن مريم، فيمكث في الناس أربعين سنة ".
وهذا إسناد جيد، وله إسناد آخر صحيح في أثناء حديث لأبي هريرة في صفة عيسى عليه السلام ونزوله، وقتله الدجال. رواه أبو داود وغيره، وهو مخرج في " الصحيحة " (2182) .
وله شاهد من حديث عائشة نحوه. أخرجه ابن عساكر (14 / 94 - 95) .(12/781)
5860 - (صدقت؛ فو الله! ما فهمت منها إلا الذي فهمت) .
لا أعرف له أصلا بهذا التمام. وقد أورده هكذا بعض الكاتبين المعاصرين
في رسالة له دون عزو كما هي عادته! وإنما وجدته بلفظ:
" صدقت ". فقط؛ ومع ذلك فإنه لا يصح إسناده؛ لأنه من رواية هارون بن عنترة عن أبيه قال:
لما نزلت: (اليوم أكملت لكم دينكم) ، وذلك يوم الحج الأكبر؛ بكى عمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك؛ قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا، فأما إذ كمل؛ فإنه لم يكمل شيءإلا نقص. فقال:
" صدقت ".
أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (6 / 52) من طريقين عن هارون به.
ورجاله ثقات، غير هارون بن عنترة؛ فوثقه الجمهور، وقال الحافظ:
" لا بأس به ".
وأبوه عنترة، قال الحافظ:
" ثقة من الثانية، وهم من زعما أن له صحبة ".
قلت: فعلة الحديث الإرسال، وفيه نكارة؛ لتفرده بهذا السياق دون سائر الأحاديث الصحيحة، وبعضها في " الصحيحين "، وأنكر ما فيه قوله: " وذلك يوم الحج الأكبر "؛ فإن يوم الحج الأكبر هو يوم النحر؛ كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1700) ، وله شواهد(12/782)
مذكورة هناك. والآية المذكورة إنما نزلت يوم عرفة؛ كما في " الصحيحين " وغيرهما، وكأنه لما تقدم من التحقيق أشار القرطبي في " جامعه " (6 / 61) إلى ضعف الحديث.
ومن ذلك؛ تعلم خطأ الشيخ الصابوني في إيراده لهذا الحديث في " مختصر
ابن كثير " وقد زعم في مقدمته أنه لا يذكر فيه إلا الأحاديث الصحيحة! وأنى له ذلك! فإن فاقد الشيء لا يعطيه! وقد قدمنا له من هذا النوع أمثلة كثيرة، هداه الله، وعرفه بحقيقة ما عنده من العلم!
5861 - (اقرأوا على موتاكم (يس)) .
ضعيف. رواه أبو داود (3121) ، وابن ماجه (1448) ، والحاكم (1 / 565) ، وأحمد (5 / 27) ، وعبد الغني المقدسي في " السنن " (99 / 1 - 2، 105 / 1) عن سليمان التيمي عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه عن معقل بن يسار مرفوعا. وقال المقدسي:
" وهو حديث حسن غريب ".
قلت: كلا؛ فإن أبا عثمان هذا مجهول: كما قال ابن المديني، وكذا أبوه؛ فإنه
لا يعرف. ثم إن في إسناده اضطرابا، كما كنت بينته في " الإرواء " (688) ، فأنى للحديث الحسن؟ !
ورواه أحمد (5 / 26) مطولا من رواية معتمر عن أبيه عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار مرفوعا بلفظ:
" البقرة سنام القرآن وذروته، ونزل مع كل آية منها ثمانون ملكا، واستخرجت(12/783)
(الله لا إله إلا هو الحي القيوم) من تحت العرش، فوصلت بها - أو فوصلت بسورة البقرة -، و (يس) قلب القرآن، لا يقرؤها رجل يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر له، واقرأوها على موتاكم ".
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (1075) مختصرا. (تنبيه) : وأما قول الدكتور فاروق حمادة في تعليقه على " عمل اليوم والليلة ":
" وفي فضل (يس) أحاديث لا تخلو من صحيح) !
فهو مردود عليه، وليس هو من أهل الاستقراء والاستقصاء في هذا العلم، فلا يقبل قوله إلا بالحجة والدليل، ولا سيما وهناك قول الإمام الدارقطني:
" ولا يصح في الباب شيء ".
كما كنت نقلته في المصدر السابق، فاقتضى التنبيه.
5862 - (أقروا الطير على مكناتها) .
ضعيف (*) . أخرجه أحمد (6 / 381) ، والحميدي (347) قالا: ثنا سفيان: ثنا عبيد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت: سمعت أم كرز الكعبية تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره. وأخرجه أبو داود (2835) ، والرامهرمزي (ص 258 - 259) ، وابن حبان
__________
(*) صحح الشيخ الألباني - رحمه الله - هذا الحديث في " صحيح الجامع، (77 11) ، و " صحيح سنن أبي داود "، و " الإرواء " (4 / 391) . والتخريج هنا متأخر عن تخريجه هناك - كما يظهر من خلال خط االشيخ -، أضف إلى هذا: أن كلامه هنا فيه زيادة بيان وتحقيق؛ مما يرجح أن التضعيف هو الصواب. . (الناشر) .(12/784)
في " صحيحه " (6093 - الإحسان) من طرق أخرى، والحاكم (4 / 237) - من طريق الحميدي - عن سفيان به. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد ". وفي " التلخيص ":
(د، س) ! فلم يصنع شيئا! فقد قال في ترجمة سباع بن ثابت هذا:
" لا يكاد يعرف، تفرد به عبيد الله بن أبي يزيد المكي. وله علة؛ فرواه ابن عيينة عن عبيد الله عن أبيه عن سباع عنها، فقيل: وهم ابن عيينة. وقال ابن جريج: عن عبيد الله عن سباع عن محمد بن ثابت عنها في شطر من الحديث في العقيقة، صححه الترمذتي. وقال حماد بن زيد: عن عبيد الله عن سباع عنها. والصحيح عن ابن جريج، بحذف محمد بن ثابت ".
وحديث العقيقة مخرج في " الإرواء " (4 / 391) .
وبالجملة؛ فالحديث فيه علتان. الاضطراب، والجهالة.
أما الاضطراب فكما تقدم عن الذهبي. وخلاصته. أنه من رواية عبيد الله بن أبي يزيد، فمنهم من يرويه عنه عن سباع عن أم كرز، ومنهم من يدخل بين عبيد الله وسباع أبا يزيد والد عبيد - الله، ود: ومنهم من يدخل بين سباع وأم كرز محمد ابن ثابت - وهو ابن سباع -.
فإن كان المحفوظ الأول؛ فالعلة جهالة سباع: وإن كان المحفوظ الثاني؛ كان فيه
علة ثانية، وهي جهالة أبي يزيد، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 657) . وإن كان المحفوظ الوجه الأخير، كان فيه - علة ثالثة، وهي جهالة محمد بن ثابت هذا؛ فإنه لم يرو عنه غير ابنته جبرة وإلا سباع بن ثابت إن كان محفوظا. وبرواية ابنته(12/785)
عنه ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 369) ، وقد أشار الذهبي إلى ضعف توثيقه إياه في " الكاشف "، وأما الحافظ؛ فقال في " التقريب ": " صدوق ". وفيه نظر عندي. والله أعلم.
5863 - (إذا فسدت صلاة الإمام؛ فسدت صلاة من خلفه) .
موضوع. أخرجه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " (27 / 2) من طريق محمد بن خلف بن رجاء قال: نا أبي قال: نا الحسن بن صالح عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح مرفوعآ.
قلت: وهذا إسناد موضوع على الإسناد الصحيح، المتهم به عندي الحسن بن صالح، وهو أبو سعيد العدوي الكذاب، قد يأتي منسوبا هكذا: (ابن صالح) ، وهو الحسن بن علي بن زكريا بن صالح بن عاصم بن زفر؛ نسب لجد أبيه كما يستفاد من " اللسان "، وقد وضع على أبي الربيع الزهراني ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني وغيرهما من الثقات بعض الأحاديث ذكرها ابن حبان في ترجمته من " الضعفاء والمتروكين "، ثم قال في آخرها (1 / 241) :
" حدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات ما يزيد على ألف حديث سوى المقلوبات ".
قلت: ومحمد بن خلف وأبوه؛ لم أجد لهما ترجمة.
والحديث؛ لم يقف على إسناده ابن الجوزي، فقال في " التحقيق " (150 - 151) :
" لايعرف ".(12/786)
وأقول: والسنة الصحيحة تشهد ببطلان هذا الحديث؛ كمثل قوله صلى الله عليه وسلم في
الأئمة:
" يصلون بكم، فإن أصابوا؛ فلكم ولهم، وإن أخطؤوا؛ فلكم وعليهم ".
وقوله:
" الإمام ضامن. . . ". وكذلك قصة عمر رضي الله عنه حين تبين له أنه صلى بالناس صلاة الفجر وهو جنب، أعاد هو صلاته ولم يأمر الناس بالإعادة.
5864 - (إمام القوم وافدهم إلى الله، فقدموا أفضلكم) .
موضوع. أخرجه الحارث في " مسنده " (17 / 1 - 2 - زوائده) : حدثنا داود بن المحبر: ثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن علاق بن أبي مسلم عن أنس بن مالك مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد واه بمرة؛ علاق هذا؛ مجهول.
واللذان دونه؛ متهمان بالكذب.(12/787)
5865 - (إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إلى نبي غير نبيهم، وإلى أمة غير أمتهم. ثم أنزل الله عز وجل: (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم)) .
ضعيف جدا. أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (128 / 1) ، والخطيب
في " الموضح " (2 / 252 - 253) من طريق إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة عن أبي هريرة قال:(12/787)
كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوارة، فذكروا له، فقال:. . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدآ؛ آفته إبراهيم هذا - وهو الخوزي المكي -؛ وهو متروك الحديث.
5866 - (إن الله إذا جعل لقوم عمادا؛ أعانهم بالنصر) .
ضعيف جدا. أخرجه إبن قانع في " المعجم " من طريق سيف بن عمر: نا عمر بن عبد الله عن سعد بن مطير عن أبيه عن صفوان بن صفوان بن أسيد قال:. . . فذكره مرفوعآ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ سيف بن عمر؛ هو التميمي صاحب كتاب
" الردة "، وهو متروك.
ومن بينه وبين صفوان الصحابي؛ لم أعرفهم، والظاهر أن فيه تحريفا:
أولا: عمر بن عبد الله. لعله مقلوب؛ فقد ذكر في " تهذيب التهذيب " (عبد الله بن عمرالعمري) في شيوخ سيف بن عمر. ثانيا وثالثا: (سعد بن مطير عن أبيه) ؛ لم أعرفهما، ووقع في " الإصابة "
- وقد ساق الحديث من رواية ابن قانع -. (شعيب بن مطير) . ولم أجدهما أيضا. لكن في " الجرح والتعديل ": " شعيث بن مطير. روى عن أبيه. روى عنه معدي بن سليمان صاحب الطعام. ساعيت أبي عنه فقال: شعيث ومطير أعرابيان كانا. يكونان في بعض قرى المدينة ".(12/788)
قلت: فالظاهر أنه هذا، وأبوه مطير؛ ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 /
453) .
5867 - (إن الله إذا قضى على عبد قضاء؛ لم يكن لقضائه مرد) .
ضعيف. أخرجه ابن قانع في " معجم الصحابة " من طريق عمار بن هارون بإسناده المتقدم في " الضعيفة " (الحديث 4575) ، مع بيان أنه ضعيف؛ فيه اثنان لا يعرفان.(12/789)
5868 - (أما إن الله ورسوله غنيان عنها (يعني: المشاورة) ؛ ولكن جعلها الله رحمة لأمتي، فمن شاور منهم؛ لم يعدم رشدا، ومن ترك المشورة منهم؛ لم يعدم غيا) .
ضعيف. رواه ابن عدي (238 / 1) عن عباد بن كثير الرملي عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: (وشاورهم في الأ مر. . .) الآية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال:
" حديث غير محفوظ، وعباد هذا؛ خير من عباد البصري ".
قلت: وهو ضعيف؛ كما في " التقريب ". وأورده الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " بقول النسائي:
" ليس بثقة ".
قلت: فتحسين السيوطي لإسناده في " الدر المنثور " (2 / 90) هو من تساهله الذي عرف به.(12/789)
5869 - (أقا لو كنت تصيد بالعقيق؛ لشيعتك (1) إذا ذهبت، وتلقيتك إذا جئت؛ فإني أحب العقيق) .
منكر جدآ. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 6 / 6222) من طريق محمد بن طلحة التيمي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث ابن خالد التيمي عن أبيه (2) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن الأكوع قال:
كنت أرمي الوحش أصيدها، وأهدي لحومها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففقدني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
" سلمة! أين تكون؛ ".
فقلت: نبعد على الصيد يا رسول الله! فإنما نصيد بصدور (3) قناة، من نحو
ييت، فقال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا؛ موسى بن محمد التيمي؛ متفق على تضعيفه؛ بل قال اليخاري:
" منكر الحديث "؛ كما في " العقيلي! " (4 / 169) . وفي رواية ابن عدي
في " الكامل " (7 / 343) عنه:
__________
(1) الأصل: " لسبقتك "، وكذا في " المجمع " (4 / 14) ، والتصحيح من " الترغيب ".
(2) في الأصل زيادة: " عن أبي إبراهيم بن محمد بن الحارث بن خالد التميمي عن أبيه "! وهي خطأ من الناسخ أو الطابع؛ فحذفتها.
(3) في " المجمع ": " بصدر ". والله أعلم.(12/790)
" عنده مناكير ".
وكذا في " تاريخ البخاري الكبير " (4 / 1 / 295) . وقال الدارقطني:
" متروك ".
واعتمده الذهبي في " المغني "؛ فلم يذكر غيره.
وأما الحافظ؛ فاعتمد في " التقريب " قول البخاري في العقيلي، وهو بمعنى
" متروك "؛ أي: شديد الضعف.
إذا عرفت هذا؛ فأستغرب جدا قول الحافظ المنذري في، الترغيب! (2 / 246 - 247) :
" رواه الطبراني في " الكبير " بإسناد حسن ".
وتبعه الهيثمي!
وقلدهما المعلقون الثلاثة على " الترغيب " في طبعتهم الجديدة المنمقة! (2 / 194 / 1819) !
5870 - (إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن (يس) ، ومن قرأ (يس) وهو يريد بها الله عز وجل؛ غفر الله له، وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتي عشرة مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة (يس) ، نزل بكل حرف من سورة (يس) عشرة أملاك يقومون
بين يديه صفوفا ويستغفرون له، ويشهدون غسله، ويشيعون جنازته، ويصلون عليه، ويشهدون دفنه. وأيما مسلم قرأ (يس) وهو في سكرات(12/791)
الموت؛ لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة فيشربها وهو على فراشه، يقبض ملك الموت روحه وهو ريان، ويمكث في قبره؛ وهو ريان، ويبعث يوم القيامة وهو ريان، ويحاسب وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى
يدخل الجنة وهو ريان) .
موضوع. رواه القضاعي (87 / 1 - 2) من طريق زكريا بن يحيى قال: نا شبابة قال: نا مخلد بن عبد الواحد عن علي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد موضوع؛ المتهم به مخلد هذا؛ قال ابن حبان:
" منكر الحديث جدآ)) . ثم ساق له بهذا السند حديثا أشار إليه بقوله:
" بذاك الخبر الطويل الباطل في فضل السور، فما أدري من وضعه إن لم يكن مخلد افتراه؟ ! ".
والحديث؛ جزم بوضعه الشيخ زكريا الأنصاري في تعليقه على البيضاوي (226 / 1) . وقول الخفاجي في حاشيته (7 / 256) :
" رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه، وفيه: " كتبت له قراءة القرآن عشر مرات " ".
يوهم أن الترمذي رواه بتمامه! وليس الأمر كذلك، وإنما رواه مختصرا جدا كما رواه القضاعي في رواية، وقد تقدمت برقم (169) .(12/792)
5871 - (إن خيار أئمة قريش خيار أئمة الناس) .
ضعيف. رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 128 / 7517) ، ومن طريقه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (19 / 2) : ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي: حدثني أبي: ثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن الحارث بن الحارث وكثير ابن مرة وعمرو ابن الأسود عن و (كذا الأصل) أبي أمامة مرفوعا. وقال العرا قي:
" حديث حسن، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيحة عند
الجمهور ".
وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 195) - وقد ذكره عن الحارث بن الحارث، وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود وأبي أمامة -:
" رواه الطبراني وإسناده حسن ".
قلت: كان يكون حسنا لو أن شريح بن عبيد سمع من أبي أمامة. وذلك مما لم يثبت؛ فقد ذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص 60) عن أبيه:
" لم يدرك أبا أمامة ولا المقدام ولا الحارث بن الحارث ".
وكثير بن مرة وعمرو بن الأسود؛ من التابعين، وعلى ذلك؛ فرواية شريح بن عبيد [من طريقهما] مرسلة؛ لأنهما لم يدركا النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته عن الحارث ابن الحارث وأبي أمامة منقطعة؛ لأنه لم يدركهما.(12/793)
5872 - (إن للمنافقين غلاقات يعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم
نهبة، وغنيمتهم كلوذ، ولا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، مستكبرين، لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار) .
ضعيف الإسناد. أخرجه أحمد (2 / 293) ، والبزار (1 / 61 / 85) عن عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن بكر بن أبي الفرات عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعآ.
وهذا سند ضعيف؛ لضعف عبد الملك بن قدامة الجمحي من قبل حفظه.
وشيخه إسحاق بن بكر بن أبي الفرات؛ لم أجد له ترجمة، ولم يورده الحافظ
في " تعجيل المنفعة " مع أنه على شرطه! والظاهر أنه لا يعرف، وقد أشار إلى ذلك البزار بقوله عقب الحديث:
" لا يروى إلا بهذا الإسناد، وإسحاق بن بكر؛ لا نعلم حدث عنه إلا عبد الملك ".
والحديث؛ أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 107) ، وقال:
" رواه أحمد والبزار، وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي؛ وثقه يحيى بن معين وغيره، وضعفه الدارقطني وغيره ".
ومن طريقه أخرجه ابن بشران أيضا في " الأمالي " (ق 6 / 1) .(12/794)
5873 - (إن لهذا القرآن شرة، ثم إن للناس عنه فترة، فمن كانت فترته إلى القصد! ، فنعما هو، ومن كانت فترته إلى الإعراض؛ فأولئكم
بور) .
ضعيف. رواه أبو يعلى في " مسنده " (6557) ، والخطابي في " الغريب " (37 / 2) عن أبي معشر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مرفوعا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو معشر - واسمه نجيح -؛ ضعيف؛ قال الهيثمي
في " مجمع الزوائد " (7 / 168) :
" رواه أبو يعلى، وفيه أبو معشر؛ وهو ضعيف يعتبر حديثه ".
قلت: وروايته لهذا الحديث بهذا اللفظ مما يدل على ضعفه؛ فقد ثبت عن أبي هريرة وغيره بلفظ آخر، وهو مخرج في " الصحيحة " (2850) .(12/795)
5874 - (إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم؛ أوشك أن تضل الهداة) .
ضعيف. رواه أحمد في " المسند " (3 / 157) ، والرامهرمزي في " الأمثال " (69 / 1 - 2) من طريق رشدين بن سعد عن عبد الله بن الوليد عن أبي حفص حدثه: أنه سمع أنس بن مالك فذكره مرفوعآ.
قلت: وهذا سند ضعيف؛ من أجل رشدين بن سعد؛ فإنه أحد الضعفاء؛ كما قال الحافظ.
وعبد الله بن الوليد؛ قال إبراهيم الناجي في " عجالة الإملاء " (6 / 1) :(12/795)
" لا أعرفه ".
وأبو حفص؛ قال المنذري في " الترغيب " (1 / 59) :
" لم أعرفه ". قال الناجي:
" قلت: قد سماه ابن الجوزي عمر بن مهاجر النصري، روى عن أذس: أنه رآه صلى متربعا. روى عنه سفيان الثوري والحسن بن صالح. انتهى ".
قلت: وأبو حفص هذا؛ ذكره ابن أبي حاتم في " الكنى " من " الجرح والتعديل " (4 / 3 / 361) ولم يسمه، ويحتمل أن يكون هو عمر بن عبد الله ابن أبي طلحة؛ كما نبه عليه الحافظ في " التعجيل "، فإن كان هو؛ فهو ثقة، فعلة الحديث ممن دونه.
5875 - (إن من هوان الدنيا على الله أن يحيى بن زكريا قتلته امرأة) .
ضعيف جدا. أخرجه البيهقي في " الشعب " (7 / 327 / 10474) ، وابن عساكر (18 / 51 / 1) عن الحسن بن قتيبة: نا أبو بكر الهذلي عن الحسن عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدآ؛ آفته أبو بكر الهذلي - اختلف في اسمه - أو الحسن بن قتيبة، والأول من رجال ابن ماجه؛ قال الحافظ في " التقريب ":
" أخباري، متروك الحديث ".
والآخر من رجال " الميزان "، وقال:(12/796)
" هو هالك. قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال الأزدي: واهي الحديث. وقال العقيلي: كثير الوهم ".
وأقره الحافظ في " اللسان ".
5876 - (إن من السنة في الصلاة ةضع الأكف على الأكف تحت
السرة) .
ضعيف. رواه الضياء في " المختارة " (1 / 260) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي قال:.،. فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علل:
الأولى: زياد بن زيد السوائي؛ فإنه مجهول.
والثانية: عبد الرحمن بن إسحاق - وهو الواسطي -؛ ضعيف اتفاقا؛ كما قال
النووي.
والثالثة: اضطراب الواسطي في إسناده، وقد بينت ذلك في " ضعيف أبي داود " (129) ، وإنما تكلمت عليه هنا لكيلا يغتر أحد بإخراج الضياء له في " المختارة "؛ فإن ذلك من تساهله الذي تبين لي من طول ممارستي لكتابه، وتخريج أحاديثه، حتى كاد يصير عندي قريبا من الحاكم في التساهل وتصحيح الأحاديث الضعيفة؛ بل هو في ذلك كابن حبان؛ فإنه يغلب عليهما تصحيح أحاديث المجهولين! !(12/797)
5877 - (إن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا
يستطيع) .
ضعيف. رواه الضياء في " المختارة " (1 / 260) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد عن أبي جحيفة عن علي رضي الله عنه قال:. . . فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه ثلاث علل كما تقدم بيانه في الذي قبله، منها ضعف عبد الرحمن بن إسحاق - وهو الواسطي -؛ قال ابن عدي في " الكامل " (4 / 1614) وقد أخرج له أحاديث هذا أحدها: " وله غير ما ذكرت، وبعض ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه، وتكلم السلف
فيه، وفيمن كان خيرا منه ".(12/798)
5878 - (إن هذا لا يصلح. يعني: شرط المرأة لزوجها أن لا تتزوج
بعده) .
ضعيف. رواه الطبراني في " الصغير " (ص 238) و " الكبير " (2 / 29 / 1186 و 25 / 267 / 102) : حدثنا يحيى بن عثمان: ثنا نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر الأنصارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني اشترطت لزوجي أن لا أتزوج بعده؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال:
" لم يروه عن الأعمش إلا عبد الله بن إدريس، تفرد به نعيم ". قلت: وهو ضعيف، لكثرة خطئه، وأما قول الهيثمي (4 / 255) :(12/798)
" رواه الطبراني في " الكبير " و " الصغير "، ورجاله رجال (الصحيح) ".
ففيه تساهل كبير؛ لأن يحيى بن عثمان - وهو السهمي المصري -؛ لم يرو له
في أحد " الصحيحين " مطلقا، ونعيم بن حماد؛ إنما أخرج له البخاري مقرونا؛ كما قال المنذري في " خاتمة الترغيب "، ثم هو ضعيف من قبل حفظه؛ كما يشير إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ":
" صدوق يخطئ كثيرا ".
5879 - (إنه ستفتح مصر بعدي، فانتجعوا خيرها، ولا تتخذوها دارا، فإنه يساق إليها أقل الناس أعمارا) .
ضعيف جدا. رواه ابن منده في " المعرفة " (14 / 2) عن مطهر بن الهيثم الكتاني قال: نا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال:
" حديث غريب، تفرد به مطهر ".
قلت: قال الحافظ في " التقريب ":
" متروك ".(12/799)
5880 - (إني دعوت للعرب فقلت: اللهم! من لقيك معترفا بك؛
فاغفر له أيام حياته، وهي دعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وإن لواء الحمد يوم القيامة بيدي، وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذ العرب) .: منكر بهذا التمام. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "، ومن طريقه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (9 / 2) : ثنا محمد بن(12/799)
الحسن بن البستنبان وعبد الله بن الحسن المصيصي قالا: ثنا الحسن بن بشر: ثنا مروان بن معاوية عن ثابت بن عمارة عن غنيم بن قيس عن أبي موسى مرفوعا. قال العراقي:
" ورويناه في " مسند البزار " قال: أبنا رزق الله بن موسى قال: ثنا الحسن بن
بشر بن سلم؛ فذكره مختصرا بلفظ:
" اللهم! من لقيك منهم مصدقا مؤمنا؛ فاغفر له ". ولم يذكر ما بعده. وقال:
" لا نعلم رواه عن ثابت إلا مروان، ولا عنه إلا الحسن بن بشر ". انتهى.
والحسن بن بشر البجلي؛ روى عنه البخاري في " صحيحه "، قال أبو حاتم الرازي: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". ومروان بن معاوية الفزاري؛ احتج به الشيخان. وثابت بن عمارة الحنفي؛ لا بأس به؛ قاله أحمد والنسائي. وقال ابن معين: " ثقة "،. وغنيم بن قيس؛ احتج به مسلم، ووثقه ابن سعد والنسائي وابن حبان، فالحديث - إذا - إسناده جيد ".
قلت: له علة خفية؛ فإن مروان بن معاوية - وإن احتج به الشيخان؛ فإنه - كان يدلس أسماء الشيوخ؛ كما في " التقريب "، وبيانه في " التهذيب ":
قال الدوري: سألت يحيى بن معين عن حديث مروان بن معاوية عن علي
ابن أبي الوليد؛ قال: هذا علي بن غراب! والله! ما رأيت أحيل للتدليس منه. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كان مروان يغير الأسماء؛ يعمي على الناس، كان يحدثنا عن الحكم بن أبي خالد، وإنما هو حكم بن ظهير!
وقال الآجري عن أبي داود: كان يقلب الأسماء.(12/800)
قلت: فهو علة الحديث.
على أن ثابت بن عمارة - إن سلم من تدليس مروان لاسمه - قال فيه الذهبي
في ((الكاشف)) :
((صدوق)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق فيه لين)) .
وفي متن الحديث عندي نكارة، ورواية البزار (2833 - كشف الأستار) سالمة منها. والله أعلم.
ثم رأيت الحافظ قال في ((مختصر زوائد البزار)) (2 / 384) :
((قلت: هذا إسناد حسن)) .
5881 - (أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت، ثم مدت منها الأرض، وأن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس، ثم مدت منه الجبال) .
ضعيف. رواه الديلمي في ((مسند الفردوس)) (1 / 1 / 11) ، وابن عساكر (10 / 31 / 1) عن سليمان بن عبد الرحمن: نا عبد الرحمن بن علي بن عجلان القرشي - دمشقي ثقة -: نا عبد الملك بن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: عبد الرحمن هذا؛ قد وثق في هذا السند كما ترى، ولم أجده في غيره، وفي ((الميزان)) للذهبي:(12/801)
((فيه جهالة، وحديثه غير محفوظ)) . ثم ساق هذا الحديث. ثم قال:
((وله خبر باطل من ترجمة تاريخ بغداد)) .
قلت: والحديث؛ ساقه العقيلي في ((الضعفاء)) (2 / 341 / 940) من الوجه المذكور. وليس فيه التوثيق المذكور فيه، وقال في راويه عبد الرحمن بن علي ابن عجلان:
((مجهول ينقل الحديث، حديثه غير محفوظ؛ إلا عن عطاء من قوله، وهذا أولى)) .
والخبر الباطل الذي أشار إليه الذهبي لم أقف عليه، ولا دندن حوله الحافظ العسقلاني في ((اللسان)) .
5882 - (ألا أخبركم عن الأجود الأجود؟ الله الأجود الأجود، وأنا أجود ولد آدم، وأجودهم من بعدي رجل علم علماً فنشر علمه، يبعث يوم القيامة أمة وحده، ورجل جاد بنفسه في سبيل الله حتى يقتل) .
موضوع. عزاه السيوطي في ((الجامع)) لأبي يعلى عن أنس، وقال شارحه المناوي:
((قال المنذري: ضعيف. وقال الهيثمي وغيره: فيه سويد بن عبد العزيز؛ وهو متروك الحديث)) .
قلت: تعصيب الجناية بسويد هذا يوهم أنه ليس في الإسناد من يستحق(12/802)
الحمل عليه غيره! وليس كذلك؛ فقد أخرج الحديث الضياء المقدسي في الجزء الثالث من ((الأحاديث والحكايات)) (39 / 2) عن سويد بن عبد العزيز قال: ثنا نوح بن ذكوان عن أخيه أيوب بن ذكوان: ثنا الحسن عن أنس مرفوعاً.
ثم وقفت عليه في ((مسند أبي يعلى)) (5 / 176 / 2790) ، وفي ((الكامل)) لابن عدي (1 / 350) من طريقه: حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي العباداني: حدثنا سويد بن عبد العزيز به.
قلت: وهذا إسناد واهٍ جداً مسلسل بالضعفاء:
1 - أيوب بن ذكوان؛ ضعيف جداً؛ قال البخاري:
((منكر الحديث)) . وكذا في ((الضعفاء)) لابن حبان، قال (1 / 167 - 168) :
((روى عنه أخوه نوح بن ذكوان؛ منكر الحديث، يروي عن الحسن وغيره المناكير، لا أعلم له راوياً غير أخيه، فلا أدري التخليط في حديثه منه أو من أخيه، وهو الذي يروي عن الحسن عن أنس. . .)) .
ثم ساق له حديثين - هذا أحدهما، والآخر يأتي بعده -، وقال:
((وهذان منكران باطلان، لا أصل لهما)) .
2 - نوح بن ذكوان؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :
((ضعيف))
3 - سويد بن عبد العزيز؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :(12/803)
((واهٍ جداً)) .
4 - محمد بن إبراهيم الشامي؛ قال الحافظ:
((منكر الحديث)) .
قلت: لكن قد تابعه محمد بن هاشم البعلبكي: عند ابن حبان؛ فبرئت ذمته، وتعصبت العلة فيمن فوقه.
ومن طريق ابن حبان أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 230) وذكر إبطال ابن حبان إياه المذكور آنفاً، وأقره، وهو حري بذلك. وأما السيوطي فقال عقبه في ((اللآلي)) (1 / 207) :
((أخرجه أبو يعلى)) ! فلم يصنع شيئاً! ثم سود به ((جامعه)) ! !
5883 - (يقول الله تبارك وتعالى: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام، فتشيب لحية عبدي ورأس أمتي في الإسلام، [ثم] أعذبهما في النار بعد ذلك) .
ضعيف جداً. أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (2764) ، وابن حبان في
((الضعفاء)) (1 / 168) ، وابن عدي في ((الكامل)) (1 / 349 - 350) من طريق سويد بن عبد العزيز عن نوح بن ذكوان عن أخيه أيوب بن ذكوان عن الحسن عن أنس مرفوعاً. وقال ابن حبان - كما تقدم في الذي قبله -:
((منكر باطل، لا أصل له)) .
قلت: وهو مسلسل بثلاثة ضعفاء على نسق واحد، آخرهم أشدهم ضعفاً،(12/804)
وهو سويد كما تقدم آنفاً. وقال ابن عدي:
((وأيوب بن ذكوان؛ عامة ما يرويه لا يتابع عليه)) . وقال الهيثمي في ((المجمع)) (5 / 159) :
((رواه أبو يعلى، وفيه نوح بن ذكوان وغيره من الضعفاء)) .
ولم يتفرد به؛ فقد رواه يحيى بن خذام قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن زياد أبو سلمة الأنصاري قال: ثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه.
أخرجه ابن حبان أيضاً (2 / 267) ، وأبو نعيم في ((الحلية)) (2 / 387 -
388) وقال:
((لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري، تفرد به عنه يحيى بن خذام)) .
قلت: يحيى هذا؛ ذكره ابن حبان في الثقات (9 / 266) ؛ لكن وقع فيه (ابن حزام) بالحاء المهملة والزاي! وهو تصحيف؛ كما حققته في ((تيسير الانتفاع)) ، وهو صدوق؛ كما قال الذهبي في ((الميزان)) ، وقول الحافظ:
((مقبول)) ؛ مرفوض غير مقبول؛ فقد روى عنه جماعة من الثقات والحفاظ منهم ابن خزيمة، والعلة من شيخه أبي سلمة، وفي ترجمته ساق الحديث ابن حبان، وقال:
((منكر الحديث جداً، يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم)) .
والحديث؛ أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 177 - 178) من طريق ابن حبان من الوجهين عن أنس. ونقل كلامه المتقدم وأقره.(12/805)
وأما السيوطي في ((اللآلي)) ، فقد قعقع هنا (1 / 133 - 137) بكلام لا طائل تحته، فجمع فيه ما هب ودب من الطرق، حشرها حشراً دون أن يتكلم عليها ببيان حالها! وهي كما قال المعلمي في تعليقه على ((الفوائد المجموعة)) (ص 480) :
((كلها هباء)) . ثم بيَّن - جزاه الله خيراً - عللها واحدة بعد أخرى، ثم قال:
((ويكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: {والله لا يستحي من الحق} )) .
5884 - (إن شهداء البحر أفضل عند الله من شهداء البر) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (6 / 64 / 5486 / 1) من طريق محمد بن سعد: ثنا أبي ثنا عمي الحسين عن يونس بن نفيع عن سعد ابن جنادة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ يونس بن نفيع؛ لا وجود له في شيء من كتب الرجال، ولا نعرف له ذكراً إلا في هذا الإسناد، وهو مسلسل بالضعفاء؛ كما تقدم بيانه في الحديث (5820) ، وقد أخرجه الطبراني أيضاً بهذا الإسناد.
وقد روى بهذا الإسناد أحاديث أخرى منها الحديث التالي:(12/806)
5885 - (إن الله زوجني في الجنة مريم بنت عمران، وامرأة فرعون، وأخت موسى) .
ضعيف. في إسناده مجهول وضعفاء؛ كما تقدم بيانه آنفاً.
وأما الهيثمي؛ فقال في كل من الحديثين (5 / 296 و 9 / 218) :(12/806)
((وفيه من لم أعرفهم)) !
وقد روي الحديث بإسناد آخر عن أبي أمامة مرفوعاً نحوه؛ لكنه أشد ضعفاً
من هذا؛ فيه كذاب، وغيره. وتقدم تخريجه برقم (812) .
ثم روى الطبراني بإسناده المتقدم حديثاً آخر، وهو:
5886 - (من فارق الجماعة؛ فهو في النار على وجهه؛ لأن الله عز وجل يقول: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض} ؛ فالخلافة من الله، فإن كان خيراً؛ فهو يذهب به، وإن كان شراً؛ فهو يؤخذ به، عليك أنت بالطاعة فيما أمرك الله تعالى به) .
منكر. أخرجه الطبراني بإسناده المشار إليه آنفاً، وفيه مجهول لا يعرف وضعفاء كما تقدم، وقصر الهيثمي كما فعل في اللذين قبله؛ فقال فيه (5 / 221) :
((وفيه جماعة لم أعرفهم)) .
وكلهم معروفون؛ ولكن بالضعف؛ إلا تابعي الحديث يونس بن نفيع؛ فهو الذي لا يعرف.(12/807)
5887 - (والذي نفسي بيده! لو أن مولوداً ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله كلها، ويجتنب المعاصي كلها إلى أن يرد إلى أزدل العمر. أو يرد إلى أن لا يعلم بعد علم شيئاً؛ لم يبلغ أحدكم هذه الليلة. قاله يوم بدر)
منكر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (4 / 338 / 4435) في(12/807)
ترجمة جعفر بن مقلاص، من رواية يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبي بكر الديري عن جعفر بن مقلاص عن رافع بن خديج: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوم بدر:. . . فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ جعفر هذا؛ لم أجد له ترجمة فيما عندي من المراجع، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (6 / 106) بعد أن عزاه للطبراني:
((وفيه جعفر بن مقلاص، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)) .
وأقول: أبو بكر الديري؛ لم أعرفه أيضاً، وأخشى أن يكون نسبة (الديري) محرفاً من (الداهري) ، فإن كان كذلك فأبو بكر الداهري - وهو عبد الله بن حكيم - ليس بثقة ولا مأمون، كما في كنى ((الميزان)) و ((اللسان)) .
وعليه؛ يكون الإسناد ضعيفاً جداً.
ثم عطف الطبراني على هذا الحديث الحديث التالي، فقال:
5888 - (إن للملائكة الذين شهدوا بدراً لفضلاً على من تخلف منهم) .
منكر. وإسناده إسناد الذي قبله، وهو ضعيف؛ فيه ذاك المجهول، إن لم يكن
أبو بكر الديري هو أبا بكر الداهري؛ فإنه إن يكن هو يكون الإسناد حينئذ ضعيفاً جداً؛ لما تقدم من سوء حاله.
وقد استنكرت منه قوله: ((من تخلف منهم)) ؛ لأمرين:
الأمر الأول: أنه قد صح الحديث دون هذه اللفظة، من طريق عباية بن رفاعة(12/808)
عن جده رافع ابن خديج قال:
((جاء جبريل أو ملك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما تعدون من شهد بدراً فيكم؟ قالوا: خيارنا. قال: كذلك هم عندنا خيار الملائكة)) .
أخرجه ابن ماجه (160) ، وابن حبان في ((صحيحه)) (7180 - الإحسان) ، وأحمد (3 / 465) من طريق سفيان عن يحيى بن سعيد عن عباية به.
وخالفه جرير، فقال: عن يحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر - قال:. . . فذكره.
أخرجه البخاري (3992) ، والبيهقي في ((الدلائل)) (3 / 151 - 152) ، وعلقه ابن حبان وقال:
((وسفيان أحفظ من جرير بن عبد الحميد وأتقن وأفقه، كان إذا حفظ الشيء
لا يبالي بمن خالفه)) .
قلت: لكن تابع جريراً حماد بن زيد عن يحيى عن معاذ به.
أخرجه البخاري (3993) ، والبيهقي وقال:
((وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد موصولاً)) .
وقد استظهر الحافظ في ((الفتح)) (7 / 312) أن رواية حماد بن زيد موصولة، فراجعه. وحينئذ لا مجال لترجيح رواية سفيان على رواية الثلاثة: جرير وحماد ويحيى بن أيوب، فالجمع أولى، فيقال: يحيى بن سعيد له فيه شيخان: عباية بن رفاعة ومعاذ بن رفاعة. والله أعلم.(12/809)
والأمر الآخر: أن التخلف هو التأخر؛ في اللغة، فأخشى أن يوهم ذلك ما ينافي عصمة الملائكة. والله أعلم.
(تنبيه) : وقع في متن الحديث في ((الجامع الصغير)) و ((الجامع الكبير)) (7038) زيادة: ((في السماء)) بعد لفظ: ((بدراً)) ؛ خلافاً لما في ((المعجم الكبير)) و ((مجمع الزوائد)) ، فاقتضى التنبيه.
5889 - (حب أبي بكر وعمر إيمان، وبغضهما نفاق) .
ضعيف جداً. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (3 / 943) من طريق محمد بن عبد الرحمن الحماني - أخو عبد الحميد - قال: حدثنا أبو إسحاق الحميسي عن مالك بن دينار عن أنس مرفوعاً به.
أورده في ترجمة أبي إسحاق هذا، واسمه خازم - بالخاء المعجمة، ووقع
في ((فيض القدير)) بالمهملة - ابن الحسين، وروى عن ابن معين أنه قال فيه:
((ليس بشيء)) . ثم ساق له أحاديث - هذا أحدها -، ثم قال:
((وله غير ما ذكرت، وعامتها لا يتابعه أحد عليه، وهي شبه الغرائب)) .
وهو مترجم في ((التهذيب)) مضعفاً من جمع من الأئمة، وفاته قول ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 288) :
((منكر الحديث على قلة روايته، كثير الوهم فيما يرويه، لم يكن يعلم الحديث ولا صناعته، وليس ممن يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد بأوابد وطامات)) .(12/810)
قلت: ومحمد بن عبد الرحمن الحماني، لم أجد له ترجمة، وقد ذكره السمعاني في هذه النسبة (الحماني) بروايته هذه عن أبي إسحاق الحميسي، ولم يزد؛ فكأنه مجهول لا يعرف. والله أعلم.
5890 - (الحريص: الذي يطلب المكسبة من غير حلها) .
ضعيف. أخرجه أبو يعلى في ((مسنده)) (4 / 1806) والطبراني في
((معجمه)) (22 / 78 / 193) من طريق أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي: نا عبيد بن القاسم: نا العلاء بن ثعلبة عن أبي المليح الهذلي عن واثلة ابن الأسقع قال:
تراءيت للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمسجد الخيف، فقال لي أصحابه: إليك يا واثلة! - أي:
تنح عن وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((دعوه، فإنما جاء يسأل)) . قال: فدنوت، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لتفتنا عن أمر نأخذه عنك من بعدك. قال:
((لتفتك نفسك)) . قال: قلت: وكيف لي بذلك؟ قال:
((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وإن أفتاك المفتون)) . قلت: وكيف لي بعلم ذلك؟ قال:
((تضع يدك على فؤادك؛ فإن القلب يسكن للحلال، ولا يسكن للحرام، وإن الورع المسلم يدع الصغير مخافة أن يقع في الكبير)) . قلت: بأبي أنت وأمي ما العصبية؟ قال:
((الذي يعين قومه على الظلم)) . قلت: فمن الحريص؟ قال. . . فذكر(12/811)
الحديث. قلت: فمن الورع؟ قال:
((الذي يقف عند الشبهة)) . قلت: فمن المؤمن؟ قال:
((من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم)) . قلت: فمن المسلم؟ قال:
((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) . قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال:
((كلمة حق عند إمام جائر)) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عبيد بن القاسم - وهو الأسدي الكوفي -؛ قال العقيلي (3 / 116) :
((كان كذاباً)) .
وكذا قال ابن معين؛ كما في ((التهذيب)) . وفي ((التقريب)) :
((كذبه ابن معين، واتهمه أبو داود بالوضع)) .
وقد روي الحديث من طريق أخرى بلفظ:
((والحريص على الدنيا: الذي يطلبها من غير حل)) .
أخرجه الطبراني - أيضاً - برقم (197) من طريق بقية بن الوليد: حدثني إسماعيل بن عبد الله الكندي عن طاوس عن واثلة قال:. . . فذكره.
وفيه بعض الفقرات المتقدمة في الطريق الأولى.
وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل هذا؛ لا يعرف إلا برواية بقية عنه، فهو من شيوخ بقية المجهولين. فقول الهيثمي في ((المجمع)) (10 / 294) :(12/812)
((رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن عبد الله الكندي؛ وهو ضعيف)) !
غير دقيق؛ لأن أحدا ًلم يضعفه فيما علمت، وغاية ما قال فيه الذهبي:
((وعنه بقية بخبر عجيب منكر)) .
وهذا ليس نصاً في التضعيف؛ لاحتمال أن تكون العلة من غيره، ويؤيده أن الخبر المشار إليه هو من روايته عن أبان عن أنس، وأبان؛ متروك. فانظر - إن شئت - ترجمة إسماعيل في ((اللسان)) .
وقال الهيثمي في الطريق الأولى:
((رواه أبو يعلى والطبراني، وفيه عبيد بن القاسم، وهو متروك)) .
قلت: وفيه علة أخرى، وهي شيخه العلاء بن ثعلبة؛ فإنه لا يعرف إلا في هذه الرواية، وقد قال فيه ابن أبي حاتم (3 / 353) عن أبيه:
((مجهول)) .
وكذا في ((الميزان)) و ((اللسان)) ، وبه أعله الحافظ ابن حجر؛ لكنه تحرف عليه اسم (عبيد بن القاسم) إلى (عبثر بن القاسم) ، وذلك فيما نقله الأخ الفاضل حمدي السلفي، فقال في تعليقه على الطريق الأولى:
((ورواه أبو يعلى (352 / 1) ، والحافظ في المجلس (31) من ((الأمالي)) وقال:
((حديث حسن غريب، ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء بن ثعلبة فقال أبو حاتم الرازي: إنه مجهول. وإنما حسنته؛ لأن لجميع ما تضمنه المتن شواهد مفرقة)) .(12/813)
قلت: وقد أعله في ((المجمع)) بعبثر بن القاسم وقال: هو متروك، وتحرف عبثر إلى عبيد في ((المجمع)) والأصل أيضاً)) .
وأقول - وبالله التوفيق -: فيه أمور:
أولاً: مدار الحديث في المصدرين السابقين: ((مسند أبي يعلى)) و ((معجم الطبراني)) على أحمد بن المقدام العجلي عن عبيد بن القاسم كما سبق، والتحريف على عكس ما ذكر الأخ السلفي؛ فإن الصواب أنه عبيد بن القاسم؛ كما وقع في الأصل الذي أشار إليه، ويعني به: ((المعجم)) ، وهو الموافق لما في نسختنا من ((مسند أبي يعلى)) ، ويبعد عادة أن يتفق مثل هذا التحريف المزعوم فيهما.
ثانياً: لم يرد في ترجمة (عبثر) أنه روى عن ثعلبة وعنه أحمد بن المقدام؛
وإنما جاء ذلك في ترجمة عبيد بن القاسم؛ كما في ((تهذيب الحافظ)) ! وقد روى له ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 175) حديثين، وابن عدي (5 / 1987 - 1988) آخرين من رواية أحمد بن المقدام عنه.
ثالثاً: قوله: ((وقد أعله في ((المجمع)) بعبثر. . وقال: هو متروك. . .)) ؛ خطأ فاحش، لا يجوز نسبته إلى الهيثمي؛ لأنه - أعني: (عبثر) - ثقة من رجال الشيخين، فكيف يقال: إنه قال فيه: متروك؟ ! فكان على الأخ أن يقول: وقد أعله بعبيد بن القاسم. . دفعاً للإيهام، ثم يذكر أنه تحرف اسمه على ((المجمع)) وأن الصواب فيه (عبثر) ، وقد علمت أن الصواب خلاف ذلك، وأنه لا تحريف في ((المجمع)) ولا في ((المعجم)) ولا في ((المسند)) ، والظاهر أن التحريف وقع أولاً عند الحافظ، ثم تبعه السلفي تعظيماً له، فحمله ذلك على تخطئة الأصل و ((المجمع)) ! ! ولا أدري الذي وقع في نسخته من ((مسند أبي يعلى))(12/814)
رابعاً: تعليل الحافظ تحسينه للحديث مع الاعتراف بضعفه لشواهده؛ فيه نظر عندي بالنسبة لبعض فقراته، وبخاصة حديث الترجمة؛ فإني لا أعرف له شاهداً إلا الطريق الأخرى، ولا يصح تقويتها بالطريق الأولى؛ لشدة ضعفها. والله أعلم.
5891 - (الحسن والحسين شنفا العرش، وليسا بمعلقين) .
موضوع. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (1 / 21 / 1 / 331) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: حدثني حميد بن علي البجلي قال: نا ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعاً به. وقال:
((لم يروه عن ابن لهيعة إلا حميد بن علي)) .
قلت: وكلاهما ضعيف، والأول من رجال ((التهذيب)) ؛ مشهور بضعف حفظه.
وأما حميد بن علي البجلي؛ ففي ((الميزان)) و ((اللسان)) :
((حميد بن علي الكوفي. عن ابن لهيعة. قال ابن معين: ليس حديثه بشيء)) .
قلت: فالظاهر أنه هذا البجلي، وأنه ليس هو حميد الأعرج الكوفي القاص الملائي، وهو حميد بن عطاء. ويقال: ابن علي. ويقال: ابن عبد الله. ويقال: ابن عبيد. فإن هذا أعلى طبقة من الأول، وهو متروك، مترجم في ((التهذيب)) . وأحمد بن رشدين: هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أبو جعفر المصري؛ قال ابن عدي:(12/815)
((كذبوه، وأنكرت عليه أشياء)) .
كذا في ((الميزان)) ، وذكر له من أباطيله الحديث التالي، وذكرهما ابن الجوزي في ((الموضوعات)) كما يأتي:
5892 - (إذا استقر أهل الجنة في الجنة، قالت الجنة: يا ربّ! وعدتني أن تزينني بركنين من أركانك. قال: أولم أزينك بالحسن والحسين؟ ! [فماست الجنة ميساً كما تميس العروس] ) .
موضوع. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) بإسناد الذي قبله، وأخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (2 / 238) ، وعنه ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 405) من طريق الطبراني وغيره، الزيادة له. وقال ابن الجوزي:
((لا يصح من كل الوجوه)) .
وذكره الذهبي من أباطيل ابن رشدين؛ كما تقدم آنفاً، وأقره الحافظ في ((اللسان)) .
وأما الهيثمي؛ فأعله بغيره، فقال (9 / 184) :
((رواه الطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه حميد بن علي، وهو ضعيف)) !(12/816)
5893 - (دعوا الحسناء العاقر، وتزجوا السوداء الولود؛ فإني أكاثر بكم الأمم يوم القيامة، حتى السقط يظل محبنطئاً؛ أي: متغضباً، فيقال له: ادخل الجنة. فيقول: حتى يدخل أبواي. فيقال: ادخل أنت وأبواك) .
ضعيف. أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (6 / 160 / 0343 1) عن(12/816)
هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ ولكنه مرسل، وقد روي موصولاً من حديث
ابن مسعود، وفي إسناده متهم بالوضع، وتقدم تخريجه برقم (1413) ، ومن حديث معاوية بن حيدة بلفظ:
((سوداء ولود خير من حسناء لا تلد؛ إني مكاثر بكم. . .)) الحديث.
وإسناده ضعيف، وتقدم تخريجه برقم (3711) ، ونبهت هناك على أن لحديث (السقط) شاهداً بنحوه، ولذلك؛ ذكرته في كتابي الجديد: ((مختصر صحيح ابن ماجه)) .
وله شاهد آخر من حديث سهل بن حنيف مرفوعاً بلفظ:
((تزوجوا؛ فإني مكاثر بكم الأمم، وإن السقط ليرى محبنطئاً بباب الجنة، فيقال له: ادخل. فيقول: حتى يدخل أبواي)) .
أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2 / 51 / 1 - 2 / 5876) من طريق إسحاق بن إبراهيم العقيلي: نا عبد العظيم بن حبيب قال: نا موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عن سهل بن حنيف. . . وقال - وساق قبله حديثاً آخر يأتي ذكره عقب هذا -:
((لا يروى هذان الحديثان عن سهل إلا بهذا الإسناد، تفرد بهما عبد العظيم
ابن حبيب)) .
قلت: قال الدارقطني:
((ليس بثقة)) ؛ كما في ((الميزان)) للذهبي، وقال:(12/817)
((ومن بلاياه. . .)) ؛ ثم ساق له حديثاً آخر فيه:
((. . . ومن مات يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ شهيد)) !
وموسى بن عبيدة؛ ضعيف؛ كما في ((التقريب)) ، وبه أعله الهيثمي (4 / 253) ، وهو تقصير ظاهر!
وشيء آخر: وهو أنه لم يسقه بتمامه، وإنما الطرف الأول منه الخاص بالتزوج. وكذلك وقع له في ((مجمع البحرين)) ! !
وأما الحديث الذي قبل هذا في ((المعجم)) ؛ فلفظه:
5894 - (من لم يكن له منكم فرط لم يدخل الجنة إلا تصريداً. فقال رجل: يا رسول الله! ما لكلنا فرط؟ قال: أوليس من فرط أحدكم أن يفقد أخاه المسلم؟ !) (*)
إسناده ضعيف جداً كالذي قبله. وقد ذكرت له ثمة علتين، وأن الهيثمي قصر في إعلاله إياه بعلة واحدة، وكذلك صنع في هذا أيضاً، فقال (3 / 12) :
((رواه الطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف)) .
ثم تذكرت أن له علة ثالثة، وهي: جهالة إسحاق بن إبراهيم العقيلي؛ فإني
لم أجد له ذكراً فيما عندي من المراجع.
__________
(*) قدر للشيخ الألباني - رحمه الله - أن خرج هذا الحديث مرة أخرى فيما يأتي برقم (6500) . (الناشر) .(12/818)
5894 / م - (تزوجوا ولا تطلقوا؛ فإن الطلاق يهتز منه العرش) .
موضوع. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (5 / 1764) ، والخطيب في(12/818)
((التاريخ)) (12 / 191) ، والديلمي في ((مسند الفردوس)) (2 / 30 - الغرائب) من طريق عمرو بن جميع عن جويبر عن الضحاك عن النزال عن علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته عمرو بن جميع أو شيخه جويبر؛ فإنهما متروكان، وفي ترجمة الأول أورده ابن عدي، وروى عن ابن معين أنه قال:
((كان كذاباً خبيثاً)) .
وقال في آخر الترجمة:
((وعامة رواياته مناكير، وكان يتهم بوضعها)) . وقال الخطيب:
((كان يروي المناكير عن المشاهير، والموضوعات عن الأثبات)) .
5895 - (رحم الله قيساً، رحم الله قيساً! قيل: يا رسول الله! ترحم على قيس؟ قال: نعم؛ إنه كان على دين أبي إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، يا قيس! حي يمناً، يا يمن! حي قيساً، إن قيساً فرسان الله في الأرض، والذي نفسي بيده! ليأتين على الناس زمان ليست لهذا الدين ناصر غير قيس، إن لله عز وجل فرساناً من أهل السماء مسومين، وفرساناً من أهل الأرض معلمين، ففرسان الله من أهل الأرض قيساً، إنما قيس بيضة تفلقت عنا أهل البيت، إن قيساً ضراء الله في الأرض. يعني: أسد الله) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (18 / 265 / 663) وفي ((المعجم الأوسط)) (2 / 206 / 2 / 8181) من طريق قتيبة بن سعيد: ثنا عبد المؤمن(12/819)
ابن عبد الله أبو الحسن: ثنا عبد الله بن خالد العبسي عن عبد الرحمن بن مقرن المزني عن غالب بن أبجر قال:
ذكرت قيساً عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان:
الأولى: عبد الرحمن بن مقرن المزني؛ لم أجد له ترجمة.
والأخرى: عبد المؤمن بن عبد الله أبو الحسن - وهو الكوفي -؛ قال ابن أبي حاتم: ((وهو ابن عبد الله بن خالد العبسي. . . سألت أبي عنه؟ فقال:
((مجهول)) .
وأما ابن حبان؛ فذكره في ((الثقات)) (8 / 417) .
وأما قول الهيثمي (10 / 49) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) و ((الأوسط)) ، ورجاله ثقات)) !
قلت: فهو من أوهامه! وكنت أود أن أقول: من تساهله، لو أن ذاك الذي لم أجد له ترجمة كان ممن وثقه ابن حبان؛ فإن الهيثمي كثير الاعتماد على توثيقه؛ لكن حتى هو لم يذكره في ((ثقاته)) !
والحديث؛ روى منه البخاري في ((التاريخ)) (4 / 98) من الوجه المذكور الجملة الأخيرة منه:
((إن قيساً ضراء الله. . .)) .(12/820)
وعزاه السيوطي بتمامه في ((الجامع الكبير)) (14350) لابن منده أيضاً وابن عساكر. وذكر منه في ((الجامع الصغير)) - وكذا النبهاني في ((الفتح الكبير)) - الطرف الأول، ووقع فيه: (قساً) مكان: (قيساً) ! وهو تصحيف، وانطلى أمره على المناوي فشرح الحديث على أنه قس بن ساعدة، وساق فيه حديث ابن عباس:
((أيكم يعرف القس بن ساعدة. . .)) ! ولا يصح، ولعله يتيسر لي تخريجه فيما يأتي. (انظر الحديث 5906) .
5896 - (إن داود سأل ربه فقال: يا رب! إنه يقال: رب إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فاجعلني رابعهم حتى يقال: ورب داود. فقال: يا داود! إنك لم تبلغ ذلك؛ إن إبراهيم لم يعدل بي شيئاً قط، ألا ترى إليه إذ يقول: [ {أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} ] . يا داود! وأما إسحاق؛ فإنه جاد بنفسه لي في الذبح. وأما يعقوب؛ فإني ابتليته ثمانين سنة، فلم يسئ بي الظن ساعة قط؛ فلن تبلغ ذلك يا داود) .
منكر. أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (3 / 93 - 94) من طريق عبد المؤمن العبسي عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال:
((حديثه غير محفوظ)) . يعني: هذا. وقال أبو حاتم:
((مجهول)) .
وشذ ابن حبان، فذكره في ((الثقات)) ! كما تقدم في الحديث الذي قبله.(12/821)
ثم وجدت له طريقاً أخرى: عند الدولابي (1 / 190) عن أبي سعيد التميمي - وهو الحسن بن دينار - عن علي بن زيد عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد واهٍ جداً لا يساوي فلساً؛ آفته الحسن بن دينار هذا؛ قال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 230) :
((يحدث بالموضوعات عن الأثبات، ويخالف الثقات في الروايات حتى يسبق
إلى القلب أنه كان المتعمد لها، تركه ابن المبارك ووكيع، وأما أحمد بن حنبل ويحيى بن معين؛ فكانا يكذبانه)) .
قلت: ومن نكارة هذا الحديث: أن فيه أن الذبيح إسحاق! وقد روي في هذا أحاديث أخرى كلها ضعيفة، وبعضها أشد ضعفاً من بعض؛ كما سبق بيانه في:
((الذبيح إسحاق)) رقم (332) .
وذكرت هناك أن الصواب عند المحققين: أن الذبيح إنما هو إسماعيل عليه
السلام. فراجعه.
5897 - (سووا القبور على وجه الأرض إذا دفنتم) .
منكر بهذا التمام. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (18 / 314 / 812) من طريق عبد الحميد بن جعفر: أخبرني أبو إبراهيم السبائي عن أبي علي الهمداني عن فضالة بن عبيد مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير أبي إبراهيم السبائي؛ فذكره(12/822)
البخاري في ((كنى التاريخ)) (4 / 9) وابن أبي حاتم بهذه الرواية، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأبو علي الهمداني؛ اسمه عريب بن حميد.
وقد رواه ابن لهيعة قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب: أن أبا علي الهمداني أخبره: أنه رأى فضالة أمر بقبور المسلمين فسويت بأرض الروم، وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
((سووا قبوركم بالأرض)) .
وابن لهيعة سيئ الحفظ.
ورواه الطبراني (810) من هذا الوجه ولم يقل: ((بالأرض)) ، وهو الأرجح عندي. لموافقته لروايتين أخريين عند الطبراني عن يزيد ابن أبي حبيب عن ثمامة ابن شفي عن فضالة به نحوه.
وكذلك رواه مسلم وغيره عن ثمامة به.
وهو مخرج في ((أحكام الجنائز)) (ص 208) .
5898 - (إنه سيكون رجل من بني أمية بـ (مصر) [أخنس] يلي سلطاناً، ثم يغلب على سلطانه أو ينزع منه، ثم يفر إلى الروم، فيأتي بالروم إلى (وفي رواية: فيأتي بهم الإسكندرية، فيقاتل) أهل الإسلام [بها] ، فتلك أول الملاحم) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (2 / 212 / 2 / 8287) من(12/823)
طريق ابن لهيعة عن كعب بن علقمة قال: سمعت أبا النجم: أنه سمع أبا ذر رضي الله عنه يقول أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذكره. وقال:
((لا يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة)) .
قلت: وهو ضعيف، وأبو النجم؛ لم أعرفه، وكذا قال الهيثمي في ((المجمع)) (7 / 318) . ويبدو أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد؛ كما يشعر به كلام ابن يونس الآتي.
وللحديث علة ثالثة: وهي الاختلاف في إسناده؛ فقد رواه الوليد بن مسلم:
نا ابن لهيعة عن كعب بن علقمة: حدثني حسان بن كريب قال: سمعت أبا ذر به. فأسقط (أبا النجم) وأنزل مكانه (حسان) .
أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4 / 392 - المصورة) من طريق محمد بن هارون الروياني.
ثم أخرجه من طريق أخرى عن الوليد به؛ إلا أنه أدخل (حسان) بين كعب وأبي النجم، ثم قال:
((قال أبو سعيد بن يونس: (أبو النجم) يروي عن أبي ذر الغفاري، والحديث معلول)) . قال المناوي عقبه:
((إلى هنا كلام ابن عساكر، وأقره عليه الذهبي، فرمز المصنف لحسنه مع قطع مخرجه بأنه معلول غير مقبول)) .
وأقول: لعل الرمز المشار إليه لم يصدر من السيوطي؛ فإنه غير موجود في كثير من نسخ ((الجامع الصغير)) ، ومنها النسخة المطبوع عليها شرح المناوي، ويؤيد ذلك(12/824)
أنه - أعني: السيوطي - قد نقل هو نفسه في ((الجامع الكبير)) (14846) إعلال ابن عساكر إياه وأقره.
وراجع مقدمة كتابي ((صحيح الجامع الصغير)) أو ((ضعيفه)) ؛ لتعلم أنه لا قيمة لرموز السيوطي في ((الجامع)) من وجوه، منها: شك المناوي نفسه فيها فالعجب منه كيف يعتمد بعد ذلك على رموزه ثم ينتقد رمزه! !
(تنبيه) : الزيادات والرواية استفدتها من (ابن عساكر) ، وقد عزا الحديث إليه وإلى الروياني فقط في ((الجامعين)) ؛ ففاته ((المعجم الأوسط)) .
5899 - (سيد السلعة أحق أن يستام) .
ضعيف. أخرجه أبو داود في ((المراسيل)) (166) ، ومن طريقه البيهقي (6 / 35 - 36) معلقاً، وابن أبي شيبة في ((المصنف)) (7 / 14) من طريق ابن المبارك عن عبد الله بن عمرو بن علقمة عن ابن أبي حسين قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ لكنه معضل؛ ابن أبي حسين: هو عمر بن سعيد الكوفي المكي؛ وهو ثقة من رجال الشيخين؛ لكنه ليس له رواية عن الصحابة، وإنما عن التابعين، ولذلك؛ أورده ابن حبان فيهم (7 / 166) ؛ فهو معضل كما ذكرنا.
(تنبيه) : وقع في ((الجامع الصغير)) و ((الكبير)) (14793) : (أبي حسين) فسقط من قلم السيوطي لفظ: (ابن) ، ومشى عليه شارحه المناوي، ففسره بقوله: ((العكلي بضم المهملة: زيد بن الحباب (الأصل: الحبابة!) . وفي نسخة:(12/825)
(أبي حصين) - بفتح أوله - ابن أحمد بن عبد الله بن يونس: اسمه عبد الله، يروي عنه أبو داود)) !
وكلاهما خطأ هنا، وبخاصة الثاني منهما.
5900 - (السكينة في أهل الشاء والبقر) .
منكر بذكر (البقر) . أخرجه البزار في ((مسنده)) (2 / 114 / 1331 - كشف الأستار) من طريق أبي عامر: ثنا كثير بن زيد عن الوليد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والسكينة. . .)) .
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات على ضعف في كثير بن زيد، وهو الأسلمي المدني؛ قال الهيثمي في ((المجمع)) (4 / 66) :
((رواه البزار، وفيه كثير بن زيد، وثقه أحمد وجماعة، وفيه ضعفاً. وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق يخطئ)) .
لكن شيخه الوليد إن كان ابن رباح؛ فالإسناد متصل، وان كان ابن كثير؛ فهو منقطع، والله أعلم.
قلت: وأنا أرى أن ذكر البقر في هذا الحديث منكر، تفرد به ابن زيد هذا إسناداً ومتناً، وكأن الهيثمي رحمه الله أشار إلى ذلك في ((الكشف)) بقوله عقب الحديث:
((قلت: أخرجته لذكر (البقر)) ) .(12/826)
وقد ذكره بزيادة الواو في أوله: ((والسكينة. . .)) . كأنه يشير إلى أنه قطعة
من حديث في ((مسند البزار)) ، [و] الحديث ليس على شرطه؛ بخلاف هذه الزيادة: (والبقر) ؛ فإنها لم ترد في ((الصحيحين)) ولا في بقية الستة، حتى ولا في ((مسند أحمد)) وقد استوعب فيه كثيراً من طرقه (2 / 319، 372، 380، 407 - 408، 418، 457، 480، 506) من طرق أخرى عن أبي هريرة دون الزيادة، وأكثرها في ((صحيح البخاري)) (3301، 3499، 4388) ، و ((صحيح مسلم)) (1 / 51 - 53) ، و ((صحيح أبي عوانة)) (1 / 59 - 60) بألفاظ متقاربة.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري.
أخرجه أحمد (3 / 42، 96) من طريق حجاج بن أرطاة عن عطية بن سعد عنه.
ومما سبق تعلم أن رمز السيوطي للحديث بالحسن في بعض نسخ ((الجامع الصغير)) مما لا قيمة له، ولعله تبع فيه ما نقله في ((الجامع الكبير)) (10939) عن الحافظ ابن حجر أنه حسن إسناده، فإذا صح هذا عن الحافظ؛ فيكون ذلك منه وقوفاً عند ظاهر السند، دون التأمل بما وقع فيه من المخالفة، وإلا؛ فما هو الحديث المنكر - أو على الأقل الشاذ - إن لم يكن هذا؟ !
5901 - (شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي. قال أبو الدرداء: وإن زنى وإن سرق؟ فقال: نعم، وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء) .
موضوع بهذا السياق. أخرجه الخطيب في ((التاريخ)) (1 / 416) من(12/827)
طريق إبراهيم بن حبان بن طلحة قال: نبأنا شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن أبي الدرداء مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته إبراهيم هذا، وهو إبراهيم بن البراء بن النضر ابن أنس بن مالك، اختلفوا في نسبه؛ تعمية لحاله؛ كما أوضحه الخطيب في ((موضحه)) ، وقال في خاتمة ترجمته منه (1 / 401) :
((وإنما كثر الاختلاف في نسب هذا الرجل لأجل ضعفه، ووهاء رواياته، وحدث أحاديث منكرة عن مالك وشعبة والحمادين، فغير نسبه من سمع منه؛ تدليساً للرواية عنه)) . وقال العقيلي (1 / 45) :
((يحدث عن الثقات بالأباطيل)) . وقال ابن عدي (1 / 254) :
((أحاديثه كلها مناكير موضوعة، ومن اعتبر حديثه؛ علم أنه ضعيف جداً، وهو متروك الحديث)) . وقال ابن حبان في ((الضعفاء)) (1 / 117) :
((يحدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات)) .
قلت: هذا هو علة الحديث، ولم يتنبه لها المناوي في ((شرح الجامع الصغير)) ؛ فأخذ يضعف الحديث ببعض من دونه! وقلدته في ذلك اللجنة القائمة على تحقيق ((الجامع الكبير)) (14935) ، فنقلت كلامه، وأقرته كما هي عادتها! ! (تنبيه) : الشطر الأول قد صح في عدة روايات بلفظ:
((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) . وهو مخرج في ((ظلال الجنة)) (830 - 832) .
وجملة؛ ((وإن زنى وإن سرق)) ؛ هي من تمام حديث أبي ذر في ((الصحيحين)) ،(12/828)
وفي رواية لابن حبان (أبي الدرداء) ؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
((أتاني جبريل، فبشرني أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً؛ دخل الجنة. فقال: وإن زنى. . .)) الحديث، وهو مخرج في ((الصحيحة)) (826) . قلت: فالظاهر أن إبراهيم هذا لفق من هذين الحديثين الصحيحين حديثه هذا الذي لا أصل له، وافتراه على شعبة بسنده المذكور، وهو لا علم له به!
5902 - (الشهداء عند الله على منابر من ياقوت في ظل عرش الله، يوم لا ظل إلا ظله، على كثيب من مسك، فيقول لهم الرب: ألم أف لكم وأصدقكم؟ فيقولون: بلى وربنا!) .
ضعيف جداً. أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (1 / 102 - 103) : حدثنا المقدام بن داود قال: حدثنا أسد بن موسى قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعاً به.
ذكره في ترجمة إسحاق هذا، وروى عن أحمد أنه قال:
((لا تحل الرواية عنه)) . وفي ((التقريب)) للحافظ:
((متروك)) .
قلت: وإسماعيل بن عياش؛ قال الذهبي.
((منكر الحديث في الحجازيين)) .
قلت: وإسحاق؛ حجازي مد ني.(12/829)
والمقدام بن داود؛ متكلّم فيه.
5903 - (ضعي يدك اليمنى على فؤادك وقولي: باسم الله، اللهم! داوني بدوائك، واشفني بشفائك، وأغنني بفضلك عمن سواك، واحدر عني أذاك) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (25 / 39 / 72) : حدثنا محمد بن حيان المازني: ثنا المنتجع بن مصعب المازني: حدثتني ربيعة بنت يزيد: حدثتني مية عن ميمونة بنت [أبي] عسيب مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أن امرأة من حريش أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بعير، فنادت: يا عائشة! أعينيني بدعوة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسكنيني أو تطمنيني، وأنه قال لها:. . . (فذكره) قالت ربيعة: فدعوت به، فوجدته جيداً. قال المنتجع: وأرى أن ربيعة قالت في هذا الحديث: إن المرأة كانت غيري.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ من دون ميمونة؛ لم أجد لهم ترجمة، وقال الهيثمي في ((المجمع)) (10 / 180) :
((رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم)) .
وعزاه الحافظ في ((الإصابة)) لأبي نعيم، وسكت عنه! وبعض الأسماء فيه يختلف. عما هنا. والله أعلم.
(الحريش) - وكذا في ((الإصابة)) -: وهي قرية من أعمال الموصل. ووقع في ((المجمع)) : (الجرش) . ولعله الصواب: وهي من أرض البلقاء في طريق الذاهب من عمان إلى دمشق.(12/830)
5904 - (اطووا ثيابكم؛ ترجع إليها أرواحها؛ فإن الشيطان إذا وجد الثوب مطوياً؛ لم يلبسه، وإذا وجده منشوراً؛ لبسه) (*) .
موضوع. أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2 / 49 / 1 - 2 / 5887)
من طريق عبد الملك بن الوليد البجلي قال: ثنا يحيى بن كهمس عن عمر بن موسى عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً به. وقال:
((لم يروه عن أبي الزبير إلا عمر بن موسى بن وجيه، ولا يروى إلا بهذا الإسناد)) .
قلت: عمر بن موسى هذا؛ من الوضاعين المعروفين بالوضع، ولذا؛ قال الهيثمي في ((المجمع)) (5 / 135) :
((رواه الطبراني في ((الأوسط)) ، وفيه عمر بن موسى بن وجيه، وهو وضاع)) . والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع الصغير)) من رواية ابن عساكر عن جابر نحوه. وقال في ((الجامع الكبير)) (11039) :
((وفيه ياسين بن معاذ الزيات؛ متروك؛ قال (حب) : يروي الموضوعات)) .
ورواه ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (2 / 196 / 1141) مختصراً جداً بإسناده من طريق أخرى عن عمر بن موسى بلفظ:
((طي الثوب راحته)) .
وكذلك رواه الديلمي في ((مسند الفردوس)) ؛ كما في ((الجامع)) ، وهو في
((الفردوس)) برقم (3957) ، ثم قال ابن الجوزي:
__________
(*) قدر للشيخ الألباني - رحمه الله - تخريج هذا الحديث مرة أخرى فيما سبق برقم (2801) . (الناشر) .(12/831)
((حديث لا يصح؛ عمر بن موسى - هو الوجيهي - قال يحيى: ليس بثقة. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي. هو في عداد من يضع الحديث)) .
قلت: فالعجب من ابن الجوزي إذ لم يورده في ((الموضوعات)) ، وهذا من تناقضه! فتارة يورد الحديث في ((العلل)) ، وحقه أن يورده في ((الموضوعات)) كهذا، وتارة يورد فيها ما حقه أن يورده في ((العلل)) !
وأما السيوطي؛ فقد سود كتابه ((الجامع الصغير)) بالروايتين: المطولة والمختصرة؛ مع علمه أن في الرواية الأولى ذاك الوضاع!
5905 - (الضحك ضحكان: ضحك يحبه الله، وضحك يمقت الله عليه، فأما الضحك الذي يحبه الله؛ فالرجل يكشر في وجه أخيه حداثة عهده به، وشوقاً إلى رؤيته. وأما الضحك الذي يمقت الله به عليه؛ فالرجل يتكلم بكلمة الجفاء، أو الباطل؛ ليضحك أو يضحك، فيهوي بها في جهنم سبعين خريفاً) .
ضعيف جداً. أخرجه هناد في ((الزهد)) (2 / 552 / 1143) : حدثنا المحاربي عن عباد بن كثير عمن حدثه عن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عباد بن كثير هذا - وهو الثقفي البصري -؛ متروك؛ كما في ((التقريب)) .
وشيخه؛ مجهول العين لم يسم.(12/832)
والحسن؛ هو البصري، فالحديث مع ضعف إسناده الشديد مرسل، وبخاصة
أنه من مراسيل الحسن البصري، وهي كالريح؛ كما يقول العلماء.
5906 - (أفيكم أحد يعرف القس بن ساعدة الإيادي؟ قالوا: نعم؛ كلنا نعرفه. قال: ما فعل؟ قالوا: هلك. قال: ما أنساه بسوق عكاظ، في الشهر الحرام، على جمل أحمر، يخطب الناس وهو يقول: أيها الناس! اجتمعوا، واسمعوا، وعوا، كل من عاش مات، وكل من مات فات، وكل ما هو آتٍ آت، إن في السماء لخبراً، وإن في الأرض لعِبراً، مهادٌ موضوعٌ، وسقفٌ مرفوعٌ، ونجومٌ تمورُ، وبحارٌ لا تغورُ، أقسم قُس حقاً! لئن كان في الأرضِ رضاً؛ ليكوننَّ سخطٌ، وإن لله ديناً هو أحب إليه من دينكمُ الذي أنتم عليه، ما لي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا، أم نزلوا فناموا؟ ثم أنشأ يقول:
في الذاهبينَ الأولينَ.... من القرون لَنَا بصائر
لما رأيتُ موارداً للمـ.... ـوت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها.... يسعى الأكابر والأصاغر
لايرجع الماضي إليك.... ولا من الباقين غابر
أيقنتُ أني لا محالةَ.... حيث صارَ القومُ صائِر) .
موضوع. أخرجه البزار (3 / 286 / 2759) ، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (12 / 12561) ، وابن عدي في ((الكامل)) (6 / 2155) ، وعنه البيهقي في ((دلائل النبوة)) (2 / 104) من طريق محمد بن الحجاج اللخمي عن مجالد(12/833)
عن الشعبي عن ابن عباس قال:
قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:. . . فذكره. والسياق للبزار،
وقال:
((لا يروى إلا من هذا الوجه، ومحمد بن الحجاج حدث بأحاديث لم يتابع عليها)) . وكذا قال البيهقي؛ إلا أنه قال في ابن الحجاج:
((متروك)) . وقال الهيثمي في ((المجمع)) (9 / 419) :
((رواه الطبراني والبزار، وفيه محمد بن الحجاج اللخمي، وهو كذاب)) .
ومجالد بن سعيد - وهو الهمداني -؛ ليس بالقوي، وما نسبه الدكتور القلعجي
في تعليقه على ((الدلائل)) للميزان: أنه شيعي كذاب، فهو كذب محض على ((الميزان)) ! ولعله من جهله بهذا العلم، وليس بسوء قصد؛ فإن الذهبي برأه من الكذب حين ساق له حديثاً من رواية عبد الله بن جرير بسنده عنه، فقال الذهبي:
((قلت: هذا كذب صريح، وما كان ينبغي أن يذكر هذا الحديث في ترجمة مجالد، فالآفة من ابن جرير)) .
هذا؛ وللحديث طريق آخر: يرويه القاسم بن عبد الله بن مهدي: حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به نحوه.
أخرجه البيهقي (2 / 102) .(12/834)
قلت: وإسناده واهٍ بمرة؛ آفته القاسم هذا؛ اتهمه الذهبي بحديثين باطلين. وأبو حمزة الثمالي - واسمه ثابت بن أبي صفية -؛ ضعيف رافضي.
وأخرجه البيهقي (2 / 101) من طريق سعيد بن هبيرة قال: حدثنا معتمر
ابن سليمان عن أبيه عن أنس بن مالك به مختصراً نحوه.
وآفة هذا سعيد بن هبيرة؛ قال ابن حبان (2 / 327) :
((يحدث بالموضوعات عن الثقات، كأنه كان يضعها أو توضع له فيجيب
فيها)) .
والحديث؛ أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1 / 113 - 114) من الطريق الأولى، ومن حديث أبي هريرة نحوه. ثم قال:
((وهذا الحديث من جميع جهاته باطل، قال أبو الفتح الأزدي الحافظ: هو حديث موضوع لا أصل له)) .
ثم بين عللها. وقال الحافظ في ترجمة (قس) من ((الإصابة)) :
((وقد أفرد بعض الرواة طرق حديث قس، وفيه شعره وخطبته، وهو في (المطولات) للطبراني وغيرها، وطرقه كلها ضعيفة)) .
قلت: وقد خرجها السيوطي في ((اللآلي)) (1 / 183 - 193) ، وقد بيَّن عللها كلها إلا الأخيرة منها وهي أطولها وفيها زيادات كثيرة؛ فقد سكت عنها، وكأنه لظلمة إسنادها، وجهالة بعض رواتها، ونكارة متنها. ويد الصنع والتكلف ظاهرة عليها. والله أعلم.(12/835)
5907 - (الضرار في الوصية من الكبائر) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبري في ((التفسير)) (8 / 66 / 8788) ، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) ؛ كما في ((ابن كثير)) (1 / 461) ، والعقيلي في ((الضعفاء)) (3 / 189) ، والبيهقي في ((السنن)) (6 / 271) من طريق عمر ابن المغيرة المصيصي عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً. أورده العقيلي في ترجمة عمر هذا، وقال:
((لا يتابع على رفعه، رواه الناس عن داود موقوفاً، لا نعلمه رفعه غير عمر)) .
قلت: قال فيه البخاري:
((منكر الحديث، مجهول)) . وقال الحافظ في ((التهذيب)) (1 / 231) :
((ضعيف جداً، فالحمل فيه عليه، وقد رواه الثوري وغيره عن داود موقوفاً)) .
قلت: وقد اتفقت أقوال الحفاظ على أن الصواب فيه موقوف على ابن عباس.
والموقوف: أخرجه النسائي قي ((الكبرى)) (6 / 320 / 11092) من طريق علي بن مسهر، والبيهقي أيضاً من طريق هشيم؛ كلاهما عن داود بن أبي هند به. وزاد النسائي:
((ثم تلا: (تلك حدود الله فلا تعتدوها. . .! . وقال البيهقي:
((هذا هو الصحيح موقوف)) .
قلت: وتطاول الجهلة الثلاثة المعلقون على طبعتهم المبرقشة لـ ((الترغيب والترهيب)) للمنذري، فضعفوا بجهل بالغ الموقوف أيضاً، تعليقاً على الحديث(12/836)
- وقد وقع في ((الترغيب)) (4 / 166 / 6) مرفوعاً معزواًً للنسائي -! فقال الجهلة في تعليقهم عليه (4 / 224) :
((موقوف ضعيف، رواه النسائي (11092) في ((السنن الكبرى)) موقوفاً، وفي إسناده علي بن مسهر: له غرائب بعدما أضَرَّ، وداود بن أبي هند: كان يهم بأخَرة)) ! !
كذا قالوا - عاملهم الله بما يستحقون على تطفلهم على هذا العلم -! فإنهم قد أضرُّوا كثيراً في تعليقهم على هذا الكتاب بسبب جهلهم وقفوِههم ما لا علم لهم به. وهذا هو الدليل أمامنا - من مئات الأدلة -؛ فإنهم مع مخالفتهم لتصحيح الأئمة لهذا الموقوف تشبثوا بما لا مطعن فيه في جرح المذكورين! فإن كون الراوي له غرائب، أو يهم وبأخرة، فإن ذلك لا يستلزم رد حديثه إذا كان ثقة كما هو الشأن هنا؛ فإن داود من رجال مسلم، وعلي بن مسهر من رجال الشيخين.
ثم إنهم لم يؤدوا الأمانة العلمية؛ فما ذكروه فيهما نقلوه عن الحافظ في ((التقريب)) ، وهو قد وثقهما؛ فقال في الأول: ((ثقة، كان. . .)) ، وفي الآخر: ((ثقة له. . .)) ، فهل كان هذا الكتمان عن قصد، أم عن جهل؟ ! أحلاهما مر.
ثم إن هذا قد تابعه هشيم: عند البيهقي؛ كما تقدم، فهات كتموه أيضاً؟ ذلك
مما لا أظن؛ لأنهم لا يحسنون البحث! !
5908 - (عفوُ الملُوكِ أبقى للمُلكِ) .
ضعيف. أخرجه الرافعي في ((تاريخ قزوين)) (4 / 101) من طريق السيد
أبي علي عبيد الله بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن الحسين بن(12/837)
جعفر بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه بروايته عن آبائه واحداً عن واحد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: من دون جعفر بن عبد الله؛ لم أعرفهم. أورده الرافعي قي ترجمة المظفر بن المطرف بن أحمد الخليلي أبي محمد، وقال فيه:
((كان تفقه في مبدأ أمره، ورقت حاله في شيخوخته علي كثرة العيال، وكف بصره سنين في آخر عمره)) .
5909 - (لما مات النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ [زُرِّرَ عليه قميصُهُ الذي كُفِّن فيهِ] ) .
منكر. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (1 / 192) ، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (4 / 259) من طريق أحمد بن عبيد عن الأصمعي عن ابن عون عن محمد عن أبي هريرة به. قال محمد: فأنا زَرَرتُ على أبي هريرة. قال ابن عون: فأنا زررت على محمد. قال الأصمعي: فذكرت ذلك لحماد بن زيد، فقال: أنا زررت على ابن عون.
قلت: والسياق لابن عدي؛ لكن سقط منه الجملة التي بين المعكوفتين. فاستدركتها من ((التاريخ)) وترجمة الأصمعي من ((الميزان)) .
وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر.
أما الضعف؛ فمن أحمد بن عبيد - وهو ابن ناصح النحوي -؛ قال الذهبي في ((الميزان)) :
((صويلح)) . وقال الحافظ:(12/838)
((ليِّن الحديث)) . وقال الخطيب:
((تفرد برواية هذا الحديث مرفوعاً، ولا يصح. وقال أبو أحمد الحافظ النيسابوري: ((لا يتابع في جل حديثه)) ، ورواه غيره عن الأصمعي به موقوفاً. لم يذكر فيه أبا هريرة ولا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصحيح)) .
وأما النكارة؛ فقال الذهبي في ترجمة الأصمعي:
((وهذا حديث منكر؛ قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ ليس فيها قميص. فأحمد بن عبيد؛ ليس بعمدة)) .
ونقله الحافظ في ((التهذيب)) وأقره.
وتكفينه - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب؛ هو من حديث عائشة في ((الصحيحين)) وغيرهما، وهو مخرج في ((أحكام الجنائز)) (ص 63) . فلم يكن هناك قُمصَانٌ ولا أزرازٌ!
وأما حديث جابر بن سمرة قال:
((كُفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض وإزار ولفافة، وكفن عمر في
ثوبين)) .
فرواه البزار (1 / 384 / 811 - كشف الأستار) من طريق أبي عبد الله عن سماك بن حرب عنه. وقال:
((لا نعلم أحداً رواه هكذا إلا جابر بن سمرة، وناصح؛ ضعيف)) .
قلت؛ وناصح: هو ابن عبد الله أبو عبد الله المُحَلمي؛ قال البخاري:(12/839)
((منكر الحديث)) .
(تنبيه) : كذا وقع الحديث في ((الكشف)) و ((مجمع الزوائد)) (3 / 23) :
((وإزار)) . فإذا صح هذا؛ فلا نكارة في حديثه. والله أعلم.
5910 - (لسفرةٌ في سبيل الله خيرٌ من خمسين حجة) .
ضعيف. أخرجه الرافعي في ((أخبار قزوين)) (4 / 208) في ترجمة يحيى
ابن حامد بن علي بن نصر، قال:
((روى عن أبي خليفة بـ (قزوين) ، حدث عنه أبو الحسن الصيقلي في
((الأربعين)) من جمعه، فقال: ثنا يحيى بن حامد هذا - بـ (قزوين) -: ثنا [أبو] خليفة الفضل بن حباب الجمحي: ثنا طالوت بن عباد: ثنا عباس بن طلحة: ثنا أبو معن صاحب الإسكندرية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف.
أولاً: أبو معن صاحب الإسكندرية؛ اسمه عبد الواحد بن أبي موسى، قال ابن أبي حاتم (3 / 24) :
((سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: ثقة فاضل، روى عنه ابن المبارك)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7 / 124) برواية أسامة بن زيد عنه.
ثانياً: عباس بن طلحة؛ هو القرشي؛ كأنه لا يعرف إلا بهذه الرواية؛ فقد ذكره ابن أبي حاتم (3 / 215) بروايته هذه عن أبي معن، وقال:(12/840)
((روى عنه مسلم بن إبراهيم. قال مسلم: وكان من خيار المسلمين)) .
ثالثاً: طالوت بن عباد؛ هو الصيرفي الضبعي؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 495) :
((سئل أبو زرعة عنه؛ فقال: ((صدوق)) . روى عنه أبي)) .
رابعاً: أبو خليفة: الفضل بن حباب الجمحي؛ حافظ إمام ثقة. ترجمه الذهبي في ((التذكرة)) .
خامسأ: يحيى بن حامد هذا؛ يبدو أنه مجهول؛ فلم أجد له ترجمة، أو ذكراً
في شيء من المصادر التي عندي؛ والقزويني لم يحكِ فيه شيئاً كما ترى. لكنه لم يتفرد بهذا الإسناد:
فقد ذكر الحافظ في ترجمة أبي معن هذا من ((الإصابة)) أنه تابعي أرسل حديثاً، ذكره المستغفري في ((الصحابة)) ، وتبعه أبو موسى؛ من طريق سعيد بن العلاء: حدثني الحسين بن إدريس شيخ طالوت بن عباد: حدثنا العباس بن طلحة القرشي: حدثنا أبو معن صاحب الإسكندرية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكر حديثاً آخر، لفظه:
((أعمالُ البرَّ كلها، مع الجهاد في سبيل الله؛ كَبَصقَةٍ في بحر جرار)) . قال: وبهذا الإسناد:
((كل نعيم مسؤول عنه إلا النعيم في سبيل الله)) . قال المستغفري:
((مع براءتي من عهدة إسناده. . .)) .(12/841)
وهذا الرجل اسمه عبد الواحد بن أبي موسى، ذكره ابن يونس في ((تاريخ مصر)) وقال: إنه أدرك عمر بن عبد العزيز، روى عنه الليث بن سعد وغيره، وذكر أبو أحمد الحاكم في ((الكنى)) أنه روى عن عبد الله بن عمر. انتهى ما في ((الإصابة)) .
(تنبيه) : تحرف (أبو معن) على السيوطي في ((جامعيه)) إلى (أبو مضاء) ! فلم يعرفه المناوي ولا مقلدوه المعلقون على ((الجامع الكبير)) (17079) فقال:
((لم أر في ((الصحابة من يكنى بـ (أبي مضاء) ؛ فليحرر)) .
فأقول: قد عرفت أنه (أبو معن) ، وأنه تابعي، ولذلك؛ أورده الحافظ في (القسم الرابع) من الصحابة.
ثم إنني أظن أن قوله فيه: ((. . (الحسين بن إدريس شيخ طالوت)) ) ؛ فيه شيء من السقط، وأن الحسين هذا مختلف فيه. وسعيد بن العلاء الراوي عنه؛ لم أعرفه. والله أعلم.
والخلاصة: أن علة حديث الترجمة الإرسال أولاً، وجهالة يحيى بن حامد ثانياً. والله سبحانه وتعالى أعلم.
5911 - (في كتاب الله عز وجل ثماني آيات للعين، لا يقرأها عبدٌ في دار فيصيبهم ذلك اليوم عينُ إنسٍ أو جِنّ: فاتحة الكتاب سبع آياتٍ، وآية الكرسي آيةٌ) .
منكر. أخرجه الديلمي في ((مسند الفردوس)) (2 / 83 / 1) من طريق(12/842)
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم المستملي: حدثنا علي بن طاهر: حدثنا أحمد بن محمد بن مخلد: حدثنا أحمد بن محمد الهاشمي عن محمد بن صالح الكبتي (!) عن جعفر بن محمد البصري عن زياد الأعلم عن الحسن عن عمران رفعه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ من دون زياد الأعلم؛ لم أعرفهم، وفي
((تاريخ بغداد)) (5 / 105) :
((أحمد بن محمد بن مخلد التوزي. . روى عنه ابنه عبيد الله، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. فلعله هذا.
والحسن البصري؛ مدلس، وقد عنعنه.
(تنبيه) : لقد أخل السيوطي بإيراده الحديث مختصراً في موضعين من ((الجامع الصغير)) لم يلتزم فيهما لفظه، مع عزوه إياه فيهما للديلمي! وقد أورده في ((الجامع الكبير)) بتمامه (15915) .
5912 - (الفضل في أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك) .
ضعيف. أخرجه وكيع في ((الزهد)) (3 / 718 / 410) ، وعنه هناد في ((زهده)) (2 / 493 / 1015) : حدثنا ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا مرسل ضعيف الإسناد؛ ابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى، وهو ضعيف؛ لسوء حفظه مع جلالته في الفقه.(12/843)
ولم أجد له شاهداً مرفوعاً بلفظ: ((الفضل)) ، وقد ذكر له محقق ((الزهد)) الفاضل ستة شواهد ليس فيها اللفظ المذكور! ويغني عنه حديث عقبة الصحيح:
((. . . صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعفُ عمن ظلمك)) .
وهو مخرج في ((الصحيحة)) برقم (891) . وروي بزيادة في أوله عن عقبة، وعلي وغيرهما، وهو مخرج في المجلد الرابع عشر برقم (6660) .
5913 - (قال يحيى بن زكريا لعيسى ابن مريم: أنت روح الله وكلمته، وأنت خير مني. [فقال عيسى: بل أنت خيرٌ مني] ، سلَّم الله عليك، وسلمت على نفسي) .
ضعيف. أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (18 / 83 - المصورة)
من طريق الحسين بن إدريس: أنا محمد بن عبد الله بن عمار: نا وهب بن جرير: حدثني أبي قال: سمعت الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لأنه من مرسل الحسن - وهو البصري -؛ ومراسيله عند العلماء كالريح؛ كما تقدم مراراً، ورجاله ثقات؛ غير الحسين بن إدريس - وهو الأنصاًري الهروي -، وثقه الدارقطني وغيره، وتكلم فيه ابن أبي حاتم، فانظر ((اللسان)) .
ثم رواه ابن عساكر من طريق عبد الرزاق: أنا معمر عن قتادة عن الحسن: أن يحيى قال:. . . فذكره مقطوعاً موقوفاً على الحسن، وهو الأشبه.(12/844)
5914 - (كل طعام لا يذكر اسم الله عليه فإنما هو داء؛ ولا بركة فيه، وكفارة ذلك: إن كانت المائدة موضوعة أن تُسمي وتعيد يدك، وإن كانت قد رُفعت أن تسمي الله وتلعق أصابعك) .
منكر. أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (17 / 222) من طريق منصور بن عمار: نا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة ابن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ ابن لهيعة ضعيف؛ لسوء حفظه.
ومنصور بن عمار؛ قال ابن عدي (6 / 2389) :
((منكر الحديث)) .
ثم ساق له أحاديث تدل على أنه واهٍ في الحديث؛ كما قال الذهبي في ((الميزان)) .
ومن نكارة هذا الحديث: أنه ذكر الداء فيه والتفصيل الصريح بين ما إذا كانت المائدة مرفوعة، وما إذا كانت موضوعة؛ فقد جاءت أحاديث عدة في الأمر بالتسمية لمن نسيها على الطعام أن يقول:
((بسم الله أوله وآخره)) . وليس فيها التفصيل المذكور.
روى بعضها النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) (281، 282) ، وابن حبان
في ((صحيحه)) وغيرهما، وهي مخرجة في ((الصحيحة)) (198) ، و ((الإرواء)) (1965) .(12/845)
5915 - (كلما طال عمر المسلم كان له خيرٌ) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (18 / 57 / 104) من طريق النهاس بن قََهم عن شداد أبي عمار قال: قال عوف بن مالك: يا طاعون! خذني إليك! فقالوا: أما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذكره؛ قال: بلى. وأخرجه أحمد (6 / 22) من هذا الوجه بلفظ:
((ما عمر المسلم كان خيراً له)) . وزاد بعد قوله: ((بلى)) :
((ولكني أخاف ستاً: إمارة السفهاء، وبيع الحكم، وكثرة الشرط، وقطيعة الرحم، ونشواً ينشأون يتخذون القرآن مزامير، وسفك الدم)) .
وله بعدها من طريق أخرى عن النهاس به بلفظ:
((إن المؤمن لا يزيده طول العمر إلا خيراً. . .)) . الحديث.
قلت: ومداره - كما ترى - على النهاس بن قهم؛ وهو ضعيف اتفاقاً، وقال
الدارقطني:
((مضطرب الحديث، تركه يحيى القطان)) .
قلت: وروايته لهذا الحديث على هذه الألفاظ الثلاثة تدل علي ضعفه واضطرابه في روايته، وكأنه كان يدندن حول:
((خير الناس من طال عمره وحسن عمله)) .
رواه الترمذي وابن حبان وغيرهما من حديث عبد الله بن بُسر. وهو مخرج في ((الصحيحة)) (1836) .(12/846)
ثم إن في الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع بين شداد وعوف؛ فإنه لم يسمع منه؛ كما قال صالح جزرة، على ما في ((جامع التحصيل)) (236 / 279) وغيره. وقوله في الإسناد: ((قال: قال عوف)) مشعر بذلك.
وقوله: ((ولكني أخاف ستاً. . .)) إلخ. قد جاء مرفوعاً من طريق زاذان عن عابس الغفاري. وأحد أسانيده صحيح؛ كما بينته في ((الصحيحة)) (979) .
(تنبيه) : ثم اكتشفت أن الحديث سبق تخريجه برقم (5652) ؛ لكن وقع في كل من الموضعين بعض الفوائد التي لا توجد في الموضع الآخر، فرأيت تركهما على حالهما.
5916 - (كل نفس تحشر على هواها، فمن هوي الكفر؛ فهو مع الكفرة، ولا ينفعه عمله شيئا ً) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (2 / 272 / 2 / 9140) : حدثنا المقدام: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن أبي عياش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال ت. . . فذكره مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ أبو عياش؛ لا يعرف اسمه ولا حاله، ولم يوثقه أحد حتى ولا ابن حبان! وقال الحافظ:
((مقبول)) .
وابن لهيعة، ضعيف؛ لسوء حفظه.
والمقدام - وهو ابن داود الرعيني، أبو عمرو المصري الفقيه -؛ قال النسائي:(12/847)
((ليس بثقة)) . وتكلم فيه غيره.
والحديث؛ أورده الهيثمي في ثلاثة مواطن من رواية ((الأوسط)) :
ففي الموضع الأول (1 / 113) أعله بضعف ابن لهيعة.
وفي الموضع الثاني (10 / 275) قال:
((وفي إسناده ضعفاء؛ وقد وثقوا)) .
وأقره المناوي!
وفي الموضع الثالث (10 / 332) بيَّض له، فلم يتكلم عليه بشيء! وقلده المعلق على ((الجامع الكبير)) (16706) !
5917 - (كم من ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله؛ لأبره، منهم عمار بن ياسر) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (2 / 48 / 1 / 5816) ، وابن عساكر في ((التاريخ)) (12 / 631) من طريق عيسى بن قرطاس قال: حدثني عمرو بن ضليع قال: سمعت عائشة تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذكره. وقال الطبراني:
((لا يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى بن قرطاس)) .
قلت: قال الحافظ في ((التقريب)) :
((متروك، وقد كذبه الساجي)) . وبه أعله الهيثمي فقال (9 / 294) :(12/848)
((متروك)) .
وأما قول المناوي:
((قال الهيثمي: وسنده ضعيف؛ لكنه ينجبر بتعدده؛ فقد رواه الرافعي في ((أماليه)) أيضاً)) !
فأقول: فيه أمور:
أولاً: إن ما عزاه للهيثمي من التضعيف فيه قصور واضح في التعبير! وحقه أن يقول: ضعيف جداً. لأن هذا هو وصف حديث المتروك.
ثانياً: أوهم أن قوله: ((لكنه ينجبر. . .)) إلخ؛ من تمام كلام الهيثمي! وليس كذلك، فكان عليه الفصل والبيان.
ثالثاً: أن كون الرافعي رواه أيضاً لا يعتبر جابراً عند أهل العلم إلا إذا كان بإسناد آخر يصلح للجبر، وهذا ما لم يبينه!
رابعاً وأخيراً: لو كان يصلح جابراً؛ فلا يصلح هنا؛ لشدة ضعف المجبور كما عرفت آنفاً.
وقد نقل المعلق على ((الجامع الكبير)) (1680) كلام المناوي هذا دون عزوه إليه! ثم أقروه!
5918 - (الكمأة من المن، والمن من الجنة، وماؤها شفاء للعين) .
منكر بزيادة (والمن من الجنة) . أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 46 / 1 -(12/849)
2) من طريق عبد الحميد بن الحسن عن أبي بسر عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً.
قلت: أبو بسر هذا؛ لم أعرفه.
وعبد الحميد بن الحسن: هو الهلالي؛ قال ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 142) :
((كان ممن يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد)) .
قلت: فكيف به إذا خالف؟ ! فقد أخرجه ابن ماجه (3453) ، وأحمد (3 / 48) من طريق أسباط بن محمد: ثنا الأعمش عن جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر مرفوعاً به؛ دون زيادة: ((المَن)) .
وتابعه شعبة عن جعفر به.
أخرجه النسائي في ((الكبرى)) (الوليمة) ؛ كما في ((التحفة)) .
ثم أخرجه ابن ماجه من طريق أخرى عن الأعمش عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد وحده به. والأول أصح.
ثم أخرجه الترمذي (2069) وحسنه، وابن ماجه (3455) ، وأحمد (2 /301، 305، 325، 356، 357، 421، 488، 490، 511) من طرق أخرى عن شهر عن أبي هريرة.
ومما يؤكد نكارة هذه الزيادة وصحة رواية شهر - على اضطرابه في إسناده -: أن سعيد بن زيد رضي الله عنه روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دونها.(12/850)
أخرجه البخاري (4478، 4639، 5708) ، ومسلم (6 / 124) ، والترمذي (2068) ، وابن أبي شيبة (8 / 88 / 3745) ، وأحمد (1 / 187، 188) . وقال الترمذي:
((حسن صحيح)) .
ورواه ابن ماجه (3454) - وهو رواية لمسلم - من طريق عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد بلفظ:
((الكمأة من المن الذي أنزل الله تبارك وتعالى على بني إسرائيل، وماؤها شفاء للعين)) .
وخالف عطاء بن السائب في إسناده ومتنه؛ فقال: عن عمرو بن حريث قال: ثني أبي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
((الكمأة من السلوى، وماؤها شفاء للعين)) .
أخرجه أحمد (1 / 187) .
قلت: وهذا من تخاليط ابن السائب؛ فإنه كان أختلط.
(تنبيه) : وقع حديث أبي سعيد وجابر في بعض نسخ ((الجامع الصغير)) حتى التي عليها شرح المناوي، و ((الجامع الكبير)) (11526) ، و ((الفتح الكبير)) - وبالتالي في ((صحيح الجامع)) (4489) - معزواً لـ (ق) ؛ أي: ((الصحيحين)) ! وهو خطأ فاحش، والظاهر أنه مقحم من بعض النساخ الجهلة؛ ففي ((الجامع الكبير)) : ((حم، ق، هـ، ابن منيع، ض عن شهر عن أبي سعيد وجابر)) .
فقوله: ((عن شهر)) من الصواب المشعر بأن عزوه لـ (ق) خطأ عند أهل العلم.(12/851)
وأما في ((شرح المناوي)) نفسه؛ فوقع على الصواب ((حم، ن، هـ)) . ولم يتنبه لذلك المعلقون على ((الجامع الكبير)) ؛ فمشوا الخطأ الذي وقع فيه!
ثم رأيت الحديث في ((مصنف ابن أبي شيبة)) (8 / 88 / 3746) ، وعنه أبو يعلى في ((مسنده)) (2 / 501 / 1348) ، وعنه ابن حبان (340 / 1402 - موارد) : حدثنا عبيد الله بن موسى: حدثنا شيبان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده أكمؤ، فقال:
((هؤلاء من المن، وماؤها شفاء للعين)) .
قلت: وهذا إسناد صحيح.
وهو شاهد آخر على نكارة تلك الزيادة في حديث الترجمة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
5919 - (عليكم بالكمأة الرطبة؛ فإنها من المن، وماؤها شفاء للعين) .
منكر. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 46 / 2) من طريق دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب الخير مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الحميد بن صيفي؛ لين الحديث.
ودفاع بن دغفل؛ ضعيف؛ كما في ((التقريب)) .(12/852)
قلت: وقوله: ((الرطبة)) ؛ منكر؛ لعدم وروده في كل طرق الحديث المذكورة في الذي قبله.
5920 - (كان أحب الشراب إليه اللبن) .
ضعيف جداً. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 127 / 1) من طريق عون بن عمارة: ثنا حفص بن جميع عن ياسين الزيات عن عطاء عن ابن عباس قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته ياسين الزيات؛ قال البخاري:
((منكر الحديث)) . وقال النسائي وابن الجنيد:
((متروك)) . وقال ابن حبان:
((يروي الموضوعات)) .
وحفص بن جميع؛ ضعيف. ومثله: عون بن عمارة.(12/853)
5921 - (الدهن يذهب بالبؤس، والكسوة تظهر الغنى، والإحسان إلى الخادم مما يكبت الله به العدو) .
ضعيف جداً. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 40 / 2) من طريق أبي عبد الرحمن القرشي: ثنا عبد الرحمن بن مسهرة ثنا طلحة بن يحيى بن طلحة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته عبد الرحمن بن مسهر - وهو أخو علي
ابن مسهر -؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 291) :(12/853)
((قال أبن معين: ليس بشيء. قال أبي: متروك الحديث، لا يكتب حديثه. وقال أبو زرعة: يضرب على حديثه)) . وفي ((الميزان)) :
((تركه النسائي. وقال البخاري: فيه نظر)) .
وذكر له قصة تدل على أنه كان خفيف العقل، فراجعه إن شئت.
وأما الراوي عنه أبو عبد الرحمن القرشي؛ فلم أعرفه.
وقد روي من حديث قيس الكندي مرفوعاً به.
أخرجه البزار في ((مسنده)) (2 / 369 / 2965) : حدثنا محمد بن تميم ألمعني: ثنا سليمان بن عبيد الله المعني عن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. وقال:
((لا يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد، ولا روي هذا الصحابي إلا هنا)) . قلت: يشير - والله أعلم - إلى أن جد محمد بن الأشعث - واسمه قيس بن معدي كرب الكندي - لم يذكر أنه صحابي إلا في هذه الرواية، وهي واهية كما يأتي، وكأنه لذلك لم يذكره المؤلفون في الصحابة فيما علمت، وإنما أشار الحافظ إليه في ترجمة محمد بن الأشعث إشارة سريعة إلى أنه غير قيس الكندي والد الأشعث أبي محمد، ولا دليل على ذلك. والله أعلم.
والحديث، قال الهيثمي في ((المجمع)) (5 / 132) :
((رواه البزار، وفيه سليمان بن عبيد الله أبو أيوب الرقي، وهو ضعيف)) .
كذا قال! وأراه من أوهامه؛ فإن الرقي هذا متأخر الطبقة، لا يمكنه أن يدرك(12/854)
محمد بن الأشعث، وهو تابعي كبير أدرك أبا بكر الصديق. وقد أشار الحافظ إلى هذا بقوله في محمد:
((من الثانية)) ، وقوله في الرقي:
((من العاشرة)) ؛ فشتان ما بينهما. ولذلك؛ فإني أرى أن سليمان؛ هذا إنما هو سليمان بن عبيد الله بن أبي سليمان أبو عمر الكندي؛ قال في ((الجرح)) (2 / 1 / 127 / 550) :
((روى عن كميل بن زياد، وعنه مروان بن معاوية)) .
وكذا في ((تاريخ البخاري)) و ((ثقات ابن حبان)) (6 / 390) ذكره في (الطبقة الثالثة) ، وهم الذين رووا عن التابعين، ومما يؤيد ما ذكرت: أن شيخه محمد بن الأشعث كندي أيضاً.
ثم هو مجهول وإن وثقه ابن حبان. فهو علة الحديث إن سلم من الراوي عنه محمد بن تميم المعني؛ فإني أرى أنه الذي ذكره ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 306) :
((محمد بن تميم بن سليمان السعدي الفاريابي: يضع الحديث. . .)) .
وكذا قال غيره، فا نظر ((اللسان)) .
وروي من حديث عائشة أيضاً، ولا يصح؛ لأنه من رواية عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام بن عروة عن أبيه عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((اللباس يظهر الغنى، والدهن. . .)) الحديث. وقال:(12/855)
((لم يروه عن هشام إلا عبد السلام بن عبد القدوس)) .
قلت: وهو ضعيف جداً؛ كما قال الهيثمي.
5922 - (كان إذا رضي شيئاً سكت) .
ضعيف جداً. أخرجه أبو نعيم في ((المعرفة)) (1 / 287 / 1) عن عمر ابن قيس عن سعد بن سعيد - أخي يحيى بن سعيد - عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب. قال: سمعت سهيل بن سعد أخا سهل يقول:
دخلت المسجد والنبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة، فصفيت، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - رآني أركع ركعتين، فقال:
((ما هاتان الركعتان؟)) .
قلت: يا رسول الله! [جئت] وقد أقيمت الصلاة، فأحببت أن أدرك معك الصلاة ثم أصلي، فسكت. وكان. . . الحديث.
وقال:
((هذا وهم، والصحيح: ما رواه سفيان بن عيينة وابن نمير عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن قيس بن عمرو - جد سعد بن سعيد - قال:
أبصرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي ركعتين بعد الصبح. . . فذكره نحوه)) .
قلت: وكذلك رواه غير ابن عيينة وابن نمير، وأعله الترمذي. بالانقطاع بين محمد بن إبراهيم وقيس بن عمرو؛ لكن يتقوى بمجيئه من طرق أخرى كما شرحته في ((صحيح أبي داود)) (1151) ، وهي متفقة على أن صاحب القصة(12/856)
هو قيس بن عمرو رضي الله عنه، وليس سهيل بن سعد كما قال عمر بن قيس، ولذلك؛ حكم أبو نعيم بوهمه، وأما قول الحافظ عقبه في ((الإصابة)) :
((قلت: إن كان حفظه؛ فلا مانع من التعدد)) .
وأقول: مثل هذا يحسن أن يقال فيمن الأصل في حديثه أن يحتج به، وليس الأمر كذلك هنا؛ فإن راويه عمر بن قيس - وهو أبو جعفر المكي المعروف بـ (سندل) - متروك؛ كما قال الحافظ نفسه في ((التقريب)) .
وإذا عرفت ذلك؛ فحديث الترجمة قد تفرد هو به دون سائر الطرق المشار إليها، فهو منكر جداً.
(تنبيه) : وقع في ((أسد الغابة)) و ((الإصابة)) : (عمرو بن قيس) ؛ وهو خطأ مطبعي، صوابه: (عمر بن قيس) كما تقدم.
5923 - (كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها) .
موضوع. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 49 / 1) عن إسحاق بن محمد بن مروان: ثنا أبي: ثنا حصين بن مخارق عن الأعمش عن أبي صالح عن أم سلمة قالت:. . . فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته حصين بن مخارق، كنيته أبو جنادة؛ قال ابن حبان في ((المجروحين)) (3 / 155) :
((روى عن الأعمش ما ليس من حديثه، لا يجوز الرواية عنه)) . وقال
الدارقطني:(12/857)
((يضع الحديث)) .
وإسحاق بن محمد بن مروان، لم أجد له ترجمة.
وأما أبوه محمد بن مروان؛ فأظنه السدي الأصغر، وهو معروف بالوضع، وقد تقدم له أحاديث.
وكنت قديماً حكمت على الحديث بالوضع من حيث معناه، مع تفرد أبي نعيم به. والآن قد وافق ذلك النقد الحديثي العلمي لمبناه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
5924 - (كان إذا ظهر في الصيف استحب أن يظهر ليلة الجمعة وإذا دخل البيت في الشتاء استحب أن يدخل ليلة الجمعة) .
ضعيف. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 28 / 1) من طريق إبراهيم بن المنذر: ثنا مصعب بن عثمان الزهري: ثنا عامر بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عامر بن صالح هذا: هو الزبيري المدني؛ قال في ((التقريب)) :
((متروك الحديث، أفرط فيه ابن معين فكذبه)) .
ومصعب بن عثمان الزهري؛ لم أقف له على ترجمة فيما لدي من المراجع، وقد ذكره المزي في الرواة عن عامر بن صالح من ((تهذيبه)) .
ثم أخرجه أبو نعيم من طريق عثمان بن عبد الرحمن الحراني: ثنا عمر بن(12/858)
موسى عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
((كان يخرج إذا دخل الصيف ليلة الجمعة، وإذا دخل الشتاء دخل ليلة الجمعة))
قلت: وهذا موضوع؛ آفته عمر بن موسى - وهو الوجيهي -؛ كذاب يضع الحديث، كما تقدم مراراً، ومن طريقه أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) ؛ كما في ((المجمع)) (8 / 99) ، وقال فيه:
((وهو وضاع)) .
وقد روي من طريق أخرى عن ابن عباس بزيادة في متنه، وقد سبق تخريجه (2381) .
5925 - (رأيته - صلى الله عليه وسلم - إذا قام اتكأ على إحدى يديه) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (22 / 39 / 95) من طريق أحمد بن يحيى الصوفي: ثنا علي بن قادم: ثنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد غريب، رجاله ثقات؛ غير أحمد بن يحيى الصوفي هذا؛ فلم أجد له ترجمة، وليس هو أحمد بن يحيى المعروف بـ (ابن الجلاء) ، والمترجم في ((تاريخ بغداد)) (5 / 213 - 215) ، و ((تاريخ دمشق)) (2 / 273 - 278) ؛ فإنه أحد مشايخ الصوفية الكبار، وليس يذكر له رواية، مات سنة (306) ؛ فلم يدرك علي بن قادم؛ فإنه توفي سنة (213) أو قبلها.
ومن شطحات هذا الصوفي أنه لما سئل عن الذين يدخلون البادية بلا زاد ولا(12/859)
عدة، ويزعمون أنهم متوكلون، فيموتون؟ قال:
((هذا فعل رجال الحق، فإن ماتوا؛ فالدية على القاتل)) ! !
قلت: والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع الصغير)) من رواية الطبراني بلفظ:
((كان إذا قام. . .)) . وكأنه ذكره بالمعنى؛ فإن لفظه كما أوردته أعلاه، ولم يورده الهيثمي في ((مجمعه)) إطلاقاً، ولذلك؛ بيّض له أخونا حمدي السلفي فلم يعلق عليه بشيء!
ثم إن الطبراني ساقه في جملة أحاديث من رواية عاصم، تتعلق في كيفية الصلاة، فكأنه أشار بذلك إلى أن القيام المذكور إنما هو من صفة الصلاة، فإن كان كذاك؛ فهو مخالف لحديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه عند البخاري وغيره؛ فإن فيه:
أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ينهض معتمداً على يديه. وليس ((إحدى يديه)) .
وكنت - وأنا في المدينة النبوية - أرى أحد المشايخ الأفاضل عندي ينهض في صلاته على إحدى يديه، فأتساءل في نفسي: ترى هل هذا منه على وجه التعبد أم العادة؟ حتى رأيت هذا الحديث، فقلت: لعل هذا هو عمدته في ذلك. والله سبحانه وتعالى أعلم.
5926 - (كان إذا نزل عليه الوحي صُدع؛ فيغلف رأسه بالحناء) .
ضعيف. أخرجه البزار (3 / 391 / 3028) ، والطبراني في ((الأوسط))(12/860)
(2 / 44 / 1 / 5759) ، وأبو نعيم في ((الطب)) (ق 44 / 1 - 2) من طريق الأحوص بن حكيم عن أبي عون عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ الأحوص، وقال الذهبي في ((الكاشف)) :
((ضُعِّف)) .
وأبو عون: هو ابن أبي عبد الله الأنصاري؛ وهو ثقة؛ كما قال الذهبي على ما رجحته في ((تيسير الانتفاع)) ؛ خلافاً للحافظ، ولم يعرفه الهيثمي، كما خفي عليه أنه عند الطبراني؛ فقال في ((المجمع)) (5 / 95) :
((رواه البزار، وفيه الأحوص بن حكيم، وقد وثق، وفيه ضعف كثير، وأبو عون؛ لم أعرفه)) .
5927 - (كان حَسَنَ السَّبَلَةِ. وكانت العرب تسمي اللحية: السَّبَلَةَ) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (18 / 14 / 19) من طريق قيس بن حفص الدارمي: ثنا سليمان بن الحارث: ثنا جهضم بن الضحاك قال:
مررت بـ (الرجيع) ، فرأيت به شيخاً، قالوا: هذا العداء بن خالد بن هوذة، فقال:
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: صفه لي. قال:. . . فذكره.(12/861)
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ ابن الضحاك وابن الحارث؛ لم أجد من ذكرهما، وإليهما أشار الهيثمي بقوله (8 / 281) :
((رواه الطبراني. وفيه من لم أعرفهم)) .
(تنبيه) : وقع في الأصل (بـ النرجيج) . والمثبت من ((المجمع)) ، ولعله الصواب، و (الرجيع) : ماء لهذيل قرب الهدأة بين مكة والطائف، ووادٍ قرب خيبر. كما في ((معجم البلدان)) .
5928 - (كان ربما أخذته الشقيقة، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج) .
منكر. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) معلقاً فقال (ق 44 / 1) : وروى محمد بن عبد الله بن نمير: ثنا يونس بن بكير: ثنا المسيب بن دارم قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته - مع كونه معلقاً - ابن دارم هذا؛ فإنه مجهول الحال؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:
((لا أعلم روى عنه غير أبي خلدة)) .
قلت: وهذه الرواية ترده، فلعلها لم تثبت عنده، وقال الذهبي في ((الميزان)) :
((مجهول)) .
وأما ابن حبان؛ فذكره في ((الثقات)) (5 / 437) على قاعدته في توثيق المجهولين، من رواية أبي خلدة فقط عنه.(12/862)
والحديث؛ من الأحاديث الكثيرة التي في ((زاد المعاد)) التي يكتفي بذكرها دون أن يخرجها ويبين مرتبتها، وتارة يخرجها ويسكت عن مرتبتها، كهذا؛ فإنه عزاه لأبي نعيم، وتابعه على ذلك الشيخان الأرنؤوطيان، فلم يعلقا عليه بشيء كما هو شأنهما في أكثر أحاديث الكتاب.
5929 - (كان يبدأ بالشراب إذا كان صائماً، وكان لا يَعُبُّ، يشربُ مرتينِ أو ثلاثاً) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (23 / 332 / 766، 767) بإسنادين له عن المعلى الأسدي عن معاوية بن قرة عن أم سلمة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ المعلى: هو ابن عُرفان الأسدي؛ قال البخاري:
((منكر الحديث)) . وقال ابن حبان (2 / 16) :
((كان ممن يروي عن عمه أبي وائل ما لم يحدث به عمه، وعن الأثبات)) . يعني: المنكرات.
قلت: وتقدمت روايته عن عمه عن ابن مسعود بلفظ آخر، فانظره برقم (4203) .
وخفيت هذه العلة القادحة على الهيثمي، فأعله في موضعين من كتابه بمن دون المعلى الأسدي -؛ بل ووثقه! فقال (3 / 155) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) ، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني؛ وفيه(12/863)
كلام)) . ثم قال (5 / 80) :
((رواه الطبراني؛ بإسنادين، وشيخه في أحدهما أبو معاوية الضرير؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات)) . وأقره المناوي في ((فيضه)) !
قلت: المعلى؛ لم يوثقه أحد، بل هو ضعيف جداً.
وأبو معاوية الضرير؛ ليس في كل من الإسنادين، وإنما في أحدهما أبو عمر الضرير، واسمه محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، روى له الطبراني في ((المعجم الأوسط)) عشرة أحاديث (2 / 58 / 1 - 99 / 1 / 5983 - 5993) ، ومن الحديث الأخير يمكن تصحيح اسم شيخ أبي عمر هذا في الإسناد الثاني؛ فإنه وقع فيه: (أبو يونس) والصواب: (أحمد بن يونس) .
وأما أبو معاوية الضرير؛ فهو سبق قلم من الهيثمي فيما أظن، واسمه محمد
ابن خازم (بمعجمتين) ، وهو أعلى من هذه الطبقة؛ فإنه من شيوخ الإمام أحمد!
(تنبيه) : وقع في ((تيسير المناوي)) : (( (طب عن أم حكيم) بإسناد ضعيف)) ! وإنما هو: ((عن أم سلمة)) كما رأيت.
5930 - (كان يتيمم بالصعيد، فلم أره يمسح يديه ووجهه إلا مرة واحدة) .
موضوع. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (20 / 68 / 126) من طريق محمد بن سعيد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال:. . . فذكره.(12/864)
قلت: وهذا إسناد موضوع؛ آفته محمد بن سعيد، وهو المصلوب، وهو كذاب يضع الحديث، كما تقدم مراراً.
ويغني عن هذا الحديث من الناحية الفقهية قوله - صلى الله عليه وسلم -:
((التيمم ضربة للوجه والكفين)) .
أخرجه أبو داود وغيره، ومعناه في ((الصحيحين)) وغيرهما، وهو مخرج في ((الإرواء)) (161) .
5931 - (كانت لهُ كل ليلةٍ من سعد بن عُبادة صحفةٌ، فكان يخطِبُ النساءَ ويقولُ: لكِ كذا وكذا؛ وجفنةُ سعدٍ تدور معيَ إليكِ كلما دُرتُ) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (6 / 148 / 5701) من طريق عبد المهيمن بن عباس بن سهل عن أبيه عن جده قال:. . . فذكره مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته عبد المهيمن هذا؛ قال الهيثمي في ((المجمع)) (4 / 282) - وتبعه في ((التقريب)) -:
((ضعيف)) .(12/865)
5932 - (كانَ يُصلِّي على الرجُلِ يراهُ يخدُمُُ أصحابهُ) .
ضعيف. أخرجه وكيع في ((الزهد)) (3 / 801 / 490) ، وعنه هناد في ((زهده)) (2 / 407 / 788) : حدثنا موسى بن عُلي بن رباح اللخمي عن أبيه قال:. . . فذكره مرفوعاً.(12/865)
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن عُلي - بضم أوله - تابعي، فهو مرسل.
5933 - (كان يحبُّ أن ينظُرَ إلى الخُضرةِ، وإلى الماء الجاري) .
ضعيف جداً. أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (2 / 741) ، وأبو نعيم في ((الطب)) (ق 27 / 2) من طريقين عن الحسن بن عمرو - بالبصرة -: ثنا القاسم بن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عن ابن عباس مرفوعاً به. وقال ابن عدي:
((والحسن بن عمرو هذا له غرائب، وأحاديثه حسان، وأرجو أنه لا بأس به، ورضيه ابن معين)) . وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8 / 171) .
قلت: لكن كذبه ابن المديني والبخاري، وقال أبو حاتم وأبو أحمد:
((متروك الحديث)) . ثم قال ابن عدي:
((والقاسم بن مطيب؛ عزيز الحديث)) .
قلت: قال ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 213) :
((يخطئ عمن يروي على قلة روايته، فاستحق الترك لما كثر ذلك عنه)) .
والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع الصغير)) من رواية ابن السني وأبي نعيم عن ابن عباس بلفظ:
((كان يعجبه النظر. . .)) إلخ، فالظاهر أنه لفظ ابن السني، وبهذا اللفظ أورده(12/866)
الغزالي في ((الإحياء)) ، ولما خرجه العراقي (4 / 298) ذكره بلفظ الترجمة، وقال:
((رواه أبو نعيم، وإسناده ضعيف)) !
كذا قال، وأقره المناوي في ((الفيض)) ، وقلَّده في ((التيسير)) ! !
5934 - (كان يُعَبِّرُ على الأسمَاءِ) .
ضعيف. أخرجه البزار في ((مسنده)) (3 / 10 / 2117) من طريق عبد الحميد (الأصل: عبد الرحمن) ابن الربيع: ثنا عبد الله بن يحيى بن زيد عن عكرمة بن عمار عن إسحاق عن أنس مرفوعاً.
قال البزار: ((يعني: الرؤيا)) . وقال:
((لم يروه غير أنس، ولا نعلمه عن إسحاق إلا من هذا الوجه)) .
قلت: وهو ضعيف؛ لجهالة عبد الحميد، وشيخه عبد الله، وقد ذكرهما العقيلي في ((الضعفاء)) وساق لهما حديثاً آخر عن عكرمة بسند آخر له، وقال (3 / 48) :
((مجهولان، والحديث غير محفوظ)) . ولم يعرفهما الهيثمي، فقال في ((المجمع)) (7 / 183) :
((رواه البزار، وفيه من لم أعرفه)) . وأقره المناوي في ((التيسير)) . وقال:
((فقول المؤلف: ((حسن)) ؛ فيه نظر)) .(12/867)
وكذلك أقره الشيخ الأعظمي في تعليقه على ((كشف الأستار)) !
5935 - (كان يكرهُ التثاؤبَ في الصلاةِ) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8 / 155) من طريق حسان بن إبراهيم عن عبد الكريم عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن أبي أمامة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: مكحول - وهو الشامي، وهو ثقة؛ لكن - رمي بالتدليس.
الثانية: العلاء بن الحارث؛ ثقة، وكان اختلط.
الثالثة: عبد الكريم - وهو ابن أبي الخارق؛ كما في ترجمة حسان من ((تهذيب الكمال)) -؛ وهو ضعيف، وبه أعله الهيثمي في ((المجمع)) (2 / 86) ، وكذا شيخه العراقي في ((شرح الترمذي)) كما نقله المناوي، ولذلك؛ قال في ((التيسير)) :
((إسناده ضعيف؛ خلافاً للمؤلف)) .(12/868)
5936 - (لستُ أخافُ على أُمَّتي جُوعاً يقتُلُهُم، ولا عدُواً يَحتََاجُهُم، ولكنِّي أخافُ على أُمتي أئمةً مُضِلِّينَ؛ إن أطاعُوهم؛ فَتَنُوهُم، وإن عَصَوهُم، قَتَلُوهُم) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8 / 176 / 7653) من طريق أبي المغيرة: ثنا عبد الله بن رجاء الشيباني قال: سمعت شيخاً يكنى أبا(12/868)
عبد الله: مريح؛ يحدث: أنه سمع أبا أمامة يحدث: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته الشيباني هذا، لم يرو عنه غير أبي المغيرة هذا وإسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الضعيف، فهو مجهول الحال إن لم يكن مجهول العين، وهو ظاهر ما نقله في ((الميزان)) عن أبي حاتم أنه مجهول. ولم أره في ((الجرح)) .
والحديث؛ أورده السيوطي في ((الجامع الصغير)) دون ((الكبير)) من رواية الطبراني عن أبي أمامة بهذا اللفظ، وأورده الهيثمي (5 / 239) ؛ ولكن وقع في طرفه الأول تحريف كأنه اختلط بحديث آخر، وقال:
((رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه)) .
وكأنه يشير إلى الشيباني.
وأما شيخه أبو عبد الله؛ فهو مريح بن مشرف، روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (5 / 464) .
5937 - (لعلكم ستفتحون بعدي مدائن عظاماً، وتتخذون في أسواقها مجالس، فإذا كان ذلك؛ فردوا السلام، وغضوا أبصاركم، واهدوا الأعمى، وأعينوا المظلوم) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (22 / 138 / 367) من طريقين عن وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده مرفوعاً.(12/869)
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ حرب بن وحشي؛ مجهول؛ ما روى عنه غير ابنه وحشي؛ كما في ((الميزان)) ، وأما الحافظ؛ فقال في ((التقريب)) :
((مقبول)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (4 / 173) ! فتساهل.
وأما ابنه وحشي؛ فقد روى عنه جمع من الثقات، وقال العجلي:
((لا بأس به)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7 / 564) فأصاب. فالعلة من أبيه حرب
ابن وحشي، وقد قال ابن عبد البر عنه في ترجمة أبيه وحشي رضي الله عنه:
((وهو الذي يحدث عنه ولده (حرب) ، وهوا إسناد ضعيف لا يحتج به، وقد جاء بذلك الإسناد أحاديث منكرة، لم ترو بغير ذلك الإسناد)) .
فقول الهيثمي في ((المجمع)) (8 / 62) بعد عزوه للطبراني:
((ورجاله كلهم ثقات، وفي بعضهم ضعف)) !
والضعف الذي يشير إليه إنما هو في حرب بن وحشي؛ فالتعبير لا يخلو من ضعف؛ لأن الرجل مجهول كما تقدم، ولا أعرف له مضعفاً.
5938 - (يا وحشي! اخرج؛ فقاتل؛ في سبيل الله كما قاتلت لتصد عن سبيل الله) .
منكر. أخرجه الطبراني في ((الكبير)) (22 / 139 / 370) من طريق(12/870)
صدقة بن خالد عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده قال:
أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي:
((وحشي؟)) فقلت: نعم. قال:
((أقتلت حمزة؟)) قلت: نعم؛ والحمد لله الذي أكرمه بيدي، ولم يُهِنِّي بيديه. فقالت له قريش: أتحبه وهو قاتل حمزة؟ ! فقلت: يا رسول الله! فاستغفر لي! فتفل في الأرض ثلاثة، ودفع في صدري ثلاثة، وقال:. . . فذكره.
ورواه هو (369) ، وابن عساكر في ((التاريخ)) (17 / 738) من طريق ابن أبي هريرة الحمصي: حدثنا وحشي بن حرب به مختصراً، وفيه التفل في وجهه وقوله: ((لا تريني وجهك)) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة حرب بن وحشي؛ كما تقدم بيانه في الذي قبله، فقول الهيثمي في ((المجمع)) (6 / 121) بعد أن عزاه للطبراني:
((وإسناده حسن)) ؛ غير حسن.
وفي المتن نكارة ظاهرة: وهي التفل في وجه وحشي ثلاثاً، وقد جاءت قصة قتله لحمزة رضي الله عنه من طريق أخرى عنه دون التفل، ودون حديث الترجمة، وبلفظ:
((فهل تستطيع أن تغيِّب وجهك عني)) .
أخرجه البخاري (4072) ، وأحمد (3 / 500) ، والطيالسي أيضاً (1314) ، وابن عساكر في ((التاريخ)) (17 / 737 - 470) ولفظهما:(12/871)
((يا وحشي! غيِّب عني وجهك)) .
5939 - (لكل باب من أبوب البر باب من أبوب الجنة، وإن باب الصوم يدعى الريان) .
منكر بهذا اللفظ. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (6 / 237 / 5970 / 2) من طريق يحيى الحماني: ثنا وكيع عن سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعاً.
قلت؛ وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير يحيى - وهو ابن عبد الحميد الحماني - فمن رجال مسلم؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث؛ كما في ((التقريب)) ، وقال الذهبي في ((الضعفاء)) :
((حافظ، منكر الحديث. وقد وثقه ابن معين وغيره. وقالت أحمد: كان يكذب جهاراً. وقال النسائي: ضعيف)) .
قلت: ومن مناكيره الشطر الأول من هذا الحديث؛ فقد رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (3 / 5) : حدثنا وكيع به؛ دون الشطر الأول.
وكذلك أخرجه هو والبخاري (1896، 3257) ، ومسلم (3 / 158) ، والترمذي (765) ، وابن خزيمة (1902) ، وأحمد (5 / 333) ، والطبراني (5754، 5764، 5795، 5819، 5826) وغيرهم من طرق عن أبي حازم به مختصراً ومطولاً؛ دون الشطر الأول.
لكن قد صح من حديث أبي هريرة أجزاء أو أمثلة من هذه الكلية التي تفرد
بها الحماني، وذلك بلفظ:(12/872)
((فمن كان من أهل الصلاة؛ دعي من باب الصلاة، و. . .)) . ثم ذا مثله في الجهاد، والصدقة، والصيام. وهو مخرج في ((الصحيحة)) (2878) .
5940 - (للحرة يومان، للأمة يومٌ) .
موضوع. ذكره السيوطي في ((الجامع الصغير)) و ((الكبير)) من رواية ابن منده عن الأسود بن عويم الساعدي. وقال في ((الكبير)) :
((وسنده واهٍ)) .
قلت: وعلقه أبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) في ترجمة الأسود، فقال (1 / 68 / 1) :
((روى حديثه علي بن قرين عن حبيب بن عامر بن مسلم السدوسي عن الأسود بن عويم قال:
سالت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجمع بين الحرة والأمة؛ فقال:. . . فذكره.
قال الحافظ في ((الإصابة)) :
((وعلي بن قرين؛ قد كذبه ابن معين)) .
قلت: وكذبه أيضاً موسى بن هارون وغيره. وقال العقيلي وابن قانع:
((كان يضع الحديث)) .
انظر ((اللسان)) و ((ضعفاء العقيلي)) و ((تاريخ الخطيب)) .
ومن عجائب المناوي قوله في ((التيسير)) :(12/873)
((وإسناده ضعيف؛ لكن اعتضد)) !
كذا قال، ولا أعلم له ما يعضده، فإن كان؛ فما هو؟ ثم إنه واهٍ جداً، فلا يؤثر ولا يقويه العاضد! ! وقد كنت اعتمدته في تضعيفه لما وضعت ((ضعيف الجامع الصغير وزيادته)) ، والآن وقد وقفت على إسناده وعلمت آفته؛ فقد رجعت عنه.
ثم إن حبيب بن عامر بن مسلم؛ لم أعرفه، ووقع في ((أسد الغابة)) : (حبيب ابن حبيب بن عامر بن مسلم السدوسي) ، وفي ((الإصابة)) : (حبيب السدوسي) . فالله أعلم.
5941 - (لن يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يشرب الخمر؛ فإذا شربها؛ خرق الله عنه ستره، وكان الشيطان وليه وسمعه وبصره ورجله، يسوقه إلى كل شر، ويصرفه عن كل خير) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (19 / 14 / 21) من طريق قتادة بن الفضل الرهاوي عن أبيه عن عم أبيه هشام بن قتادة عن قتادة بن عائش (!) الجرشي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ هشام بن قتادة؛ لا يعرف إلا برواية الفضل هذا عنه؛ كما يؤخذ من ((التاريخ)) و ((الجرح)) ، ومع ذلك؛ ذكره ابن حبان في ((الثقات)) (5 / 503 و 7 / 569) على قاعدته في توثيق المجهولين!
ومثله: الراوي عنه الفضل: وهو ابن قتادة الرهاوي؛ لا يعرف أيضاً إلا برواية قتادة هذا؛ عنه كما يؤخذ من المصادر الثلاثة التي ذكرت آنفاً، وهو في ((أتباع التابعين)) من ((الثقات)) (7 / 317) .(12/874)
وأما قتادة بن الفضل الرهاوي؛ فهو مترجم في ((التهذيب)) وغيره برواية جمع عنه، وقال في ((التقريب)) :
((مقبول)) .
وأما صحابي الحديث؛ فهو قتادة بن عباس - بموحدة ثم مهملة، أو مثناة تحتية ثم معجمة؛ أي: (عياش) ؛ كما في ((الإصابة)) -. ووقع في ((الطبراني)) : (ابن عائش) ! والظاهر أنه خطأ مطبعي.
ثم إن الظاهر أن صحبته لا تعرف إلا من هذا الحديث، وقد أثبتها له البخاري وأبو حاتم وابن حبان، وشك فيها ابن السكن؛ فقال:
((يقال: له صحبة، مخرج حديثه عن ولده، وليس يروى إلا من هذا الوجه)) .
5942 - (لو طرح فراشٌ من أعلاها؛ لهوى إلى قرارها مئة خريف) . ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8 / 289 / 7946)
من طريق إسماعيل بن عمرو البجلي: ثنا إسرائيل عن جعفر بن الزيير عن القاسم عن أبي أمامة قال:
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الفرش المرفوعة؟ فقال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً أو موضوع؛ آفته جعفر بن الزبير؛ وهو متروك؛ بل كذبه بعضهم. فقول الهيثمي في ((المجمع)) (7 / 120) :
((رواه الطبراني، وفيه جعفر بن الزبير الحنفي، وهو ضعيف)) !(12/875)
تقصير ظاهر! كيف لا وهو نفسه يقول في تخريج غير ما حديث واحد له:
((كذاب)) . كما يتبين للدارس لكتابه، وتجد أمثلة من ذلك فيما علقه الأخ الفاضل حمدي السلفي على أحاديثه على ((المعجم الكبير)) (8 / 287 - 296) ، وقد تقدمت له أحاديث تدل على حاله كالحديث (345) و (607) .
ثم إن إسماعيل بن عمرو البجلي ضعيف، وهو مترجم في ((اللسان)) ، فيمكن أن يكون هو الآفة.
فقد رواه وكيع عن جعفر بن الزبير به؛ إلا أنه أوقفه ولم يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (13 / 140) ، وهناد في ((الزهد)) (1 / 80 / 79) .
وهذا أولى. والله أعلم.
ثم رأيت المنذري قال في ((الترغيب)) (4 / 262) :
((وهو أشبه بالصواب)) .
قلت: وهو ضعيف جداً مرفوعاً وموقوفاً. فتنبه.
5943 - (يا عائشة! لو كان الحياء رجلاً؛ لكان رجلاً صالحاً، ولو كان البذاء رجلاً؛ لكان رجل سوء) .
ضعيف. أخرجه ابن أبي الدنيا في ((مكارم الأخلاق)) (19 / 89) ، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (ص 140 - هندية) و ((الأوسط)) (1 / 290 /(12/876)
1 / 4854) ، والخطيب (2 / 355) بالشطر الأول؛ من طريق يحيى بن بكير: ثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن يحيى ابن النضر عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. وقال الطبراني:
((تفرد به ابن لهيعة)) .
قلت: وهو لين؛ كما قال الهيثمي (8 / 27) ؛ وقد عزاه لـ ((المعجمين)) ؛ ولكن لم يذكر منه الشطر الثاني! ولم يتنبه لذلك المعلق على ((المعجم الصغير)) (2 / 4 / 674) ! وأعجب منه أن السيوطي لم يذكر من الحديث في ((الجامع الصغير)) إلا هذا الشطر، وبلفظ:
((لو كان العُجب. . .)) ؛ مكان: ((البذاء)) !
وعزاه لـ: ((صغير الطبراني)) في نسخة المناوي وغيرها، وضعف إسناده، وفي نسخة ((الفتح الكبير)) للنبهاني عزاه لـ: ((كبير الطبراني)) ! وهو خطأ؛ فإنه لا أصل له في ((المعجم الكبير)) له.
وعزاه السيوطي في ((الجامع الكبير)) لأبي نعيم عن عائشة بلفظ حديث الترجمة.
وإن من أخطاء المناوي الفاحشة: أنه أعل ((الصغير)) بقوله:
((وفيه عبد الرحمن بن معاوية؛ أورده الذهبي في ((الضعفاء)) ، وقال: قال مالك: ليس بثقة. وابن معين وغيره: لا يحتج به)) .
قلت: وهذا المضعف كنيته أبو الحويرث المدني، ولا وجود له في إسناد(12/877)
الحديث، وإنما فيه شيخ الطبراني قال: ((حدثنا عبد الرحمن بن معاوية التيمي المصري: ثنا يحيى بن بكير. . .)) إلخ، وهذا متأخر الطبقة عن أبي الحويرث؛ كما هو ظاهر لكل ناظر، وإنما علة الحديث ابن لهيعة كما تقدم. والله أعلم.
ثم إن هذا الشطر الثاني من الحديث قد أخرجه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (181 / 331) من طريق أخرى عن ابن لهيعة به؛ إلا أنه قال:
((الفحش)) ؛ مكان: ((البذاء)) . وله طريق آخر خرجته في ((الصحيحة))
(537) .
وقد روي عن عائشة بإسناد آخر في أثناء حديث فيه طول، تقدم تخريجه برقم (3889) .
ثم رواه ابن أبي الدنيا (657) بإسناد آخر عنها ولفظ آخر، فقال: حدثنا أبو سعيد المديني: حدثنا العلاء بن [عبد] الجبار: حدثني نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعاً:
((لو كان الفحش خلقاً؛ لكان شر خلق الله)) .
ورجاله ثقات؛ غير أبي سعيد المديني، فلم أعرفه، وأظنه الآفة، كما أظن أن لفظ: (الفحش) تحرف على السيوطي إلى: (العجب) . والله أعلم.
(فائدة) : (البذاء) : فحش الكلام، وقلة الحياء. كما في ((الترغيب)) للأصبهاني (ق 111 / 2) .
ثم وجدت له طريقاً آخر: فقال الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (1 / 222 / 333) قال: حدثنا أحمد بن رشدين قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا(12/878)
عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى عن ابن أبي مليكة عن عائشة به نحوه.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أحمد بن صالح - وهو المصري -؛ فمن شيوخ البخاري، وإلا أحمد بن رشدين؛ فهو ضعيف، اتهمه بعضهم؛ لكن يبدو من تعقيب الطبراني أنه لم يتفرد به؛ فقد قال:
((لم يروه عن أيوب بن موسى إلا عمرو بن الحارث، تفرد به ابن وهب)) .
فإن كان ابن رشدين قد توبع من ثقة؛ فالسند صحيح، وهذا ما أستبعده،
والله أعلم.
لكن جملة الفحش لها طريق آخر عن ابن أبي مليكة بسند حسن؛ كما بينت في ((الصحيحة)) (537) .
5944 - (ليس على المرأة حُرُمٌ إلا في وجهها) .
منكر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (12 / 370 / 13375) و ((المعجم الأوسط)) (2 / 78 / 1 / 6258) : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي: ثنا عبد الله بن رجاء: ثنا أيوب بن محمد أبو الجمل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره. وقال:
((لم يرفع هذا الحديث إلا أيوب أبو الجمل، تفرد به عبد الله بن رجاء)) .
قلت: وهو صدوق يهم قليلاً؛ كما في ((التقريب)) .
لكن الراوي عنه الغلابي متهم بالكذب؛ لكنه قد توبع، فالعلة من أبي الجمل.(12/879)
فقد أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (1 / 116) ، وابن عدي في ((الكامل)) (1 / 349) ، ومن طريقه البيهقي (5 / 47) ، والخطيب في ((التاريخ)) (7 / 9) من طريقين عن عبد الله بن رجاء به. وذكر الخطيب عن الدارقطني أنه قال:
((لم يرفعه غير أبي الجمل وكان ضعيفاً، وغيره يرويه موقوفاً)) . وقال البيهقي:
((وأيوب بن محمد أبو الجمل؛ ضعيف عند أهل العلم بالحديث؛ فقد ضعفه يحيى بن معين وغيره، وقد روي الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعاً، والمحفوظ موقوف)) .
ثم رواه هو من طريق هشام بن حسان عن عبيد الله به موقوفاً على ابن عمر. وقال عقبه:
((هكذا رواه الدراوردي وغيره موقوفاً على ابن عمر)) .
قلت: وهو يلتقي مع ما صح عن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً بلفظ:
((لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) .
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في ((الإرواء)) (1012) .
والحديث، قال الهيثمي في ((المجمع)) (3 / 219) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) و ((الأوسط)) ، وفيه أيوب بن محمد اليمامي، وهو ضعيف)) .
(تنبيه) : قوله: ((حُرُم)) ؛ كذا في كل المصادر المتقدمة، ومنها ((ضعفاء العقيلي)) ؛ لكن المعلق عليه الدكتور القلعجي صححه بزعمه إلى ((إحرام)) !(12/880)
معتمداً في ذلك - كما قال - على ((الميزان)) ! وكذلك وقع في ((الجامعين)) ! والظاهر أنه رواية بالمعنى، أو غفلة عنه؛ ففي ((النهاية)) :
((و (الحُرم) ؛ بضم الحاء وسكون الراء: الإحرام بالحج. وبالكسر: الرجل المحرم. يقال: أنت حل، وأنت حرم. والإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً إذا أهل بالحج أو العمرة وباشر أسبابهما وشروطهما؛ من خلع المخيط واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها؛ كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك)) .
والحديث من طريق هشام بن حسان الموقوف عند البيهقي؛ هو عنده من طريق علي بن عمر الحافظ: ثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا أبو الأشعث: ثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان.
وعلي بن عمر الحافظ؛ هو الإمام الدارقطني، وقد أخرجه في ((سننه)) (260) بهذا الإسناد؛ لكن وقع فيه مرفوعاً هكذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره!
فالظاهر أن رفعه فيه خطأ مطبعي.
والخلاصة: أن الحديث صحيح موقوفاً. وقد قال ابن الهمام في ((فتح القدير))
(2 / 405) :
((ولا شك في ثبوته موقوفاً)) .
قلت: ويشهد له قول عائشة رضي الله عنها:
((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت؛ إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) .
أخرجه البيهقي في ((سننه)) (5 / 47) بسند صحيح عنها.(12/881)
قلت: وهذا القول منها يدل على أمرين اثنين:
الأول: أنه لا يجوز للمحرمة أن تتبرقع وأن تتلثم. وهذا يوافق حديث ابن عمر المار آنفاً:
((لا تنتقب المرأة المحرمة. . .)) .
فما يفعله كثير من المحرمات السعوديات في الحج والعمرة من الانتقاب أو التلثم خلاف الشرع. ولعل ذلك بسبب تشديد علماء تلك البلاد على النساء في إيجابهم عليهن أن يسترن وجوههن، وتحريمهم عليهن أن يراهن الرجال.
والآخر: أنه لا يجب على المحرمة أن تسدل الثوب على وجهها؛ لقولها:
((إن شاءت)) . وهذه فائدة هامة من أم المؤمنين، على أولئك العلماء أن يتمسكوا بها، وأن يبثوها بين طلبة العلم؛ لأن أكثرهم عنها غافلون ولمدلولها مخالفون.
وأيضاً: فهي تدل على أن ما روي عنها أنها كانت تسدل هي ومن كان معها
من المحرمات على وجوههن؛ أن ذلك كان منهن عملاً بالأفضل والأستر والأحشم. وهو الذي كنا ذهبنا إليه في كتاب ((حجاب المرأة المسلمة)) في فصل خاص عقدته فيه، فلم يعجب ذلك كثيراً من العلماء السعوديين وغيرهم، فحملوا علينا حملات شعواء حتى نسبنا بعضهم إلى أنني من الدعاة إلى السفور! ولم يصدهم عن ذلك تلك الشروط القاسية التي وضعتها لحجاب المرأة المسلمة، والتي لا يقوم بها كثير من النساء حتى من زوجات بعض الشيوخ الكبار! هدانا الله وإياهم سواء الصراط.
وأنا الآن في صدد تهيئة رد عليهم، وبيان غلوهم في الدين في هذه المسألة في(12/882)
مقدمة الطبعة الجديدة للكتاب المذكور: ((الحجاب)) . يسرها الله لي، وتقبلها مني، ونفع بها إخواني المسلمين (*) .
5945 - (ليقيم الأعراب خلف المهاجرين والأنصار؛ ليقتدوا بهم في الصلاة) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (7 / 257 / 6887) من طريقين عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لعنعنة الحسن - وهو البصري -، وضعف سعيد بن بشير، وقد رواه مرة بلفظ:
((كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار في الصلاة؛ ليأخذوا عنه)) .
أخرجه الطبراني (6882) . ثم أخرجه هو (7085) ، والبزار (506) من طريق جعفر بن سعد بن سمرة: ثنا خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب به. وقال البزار:
((لا نعلمه مرفوعاً إلا بهذا الإسناد)) .
قلت: وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (2 / 94) ، وفيه جهالة وضعف تقدم بيانه في غير ما حديث.
__________
(*) طبع الكتاب في حياة الشيخ - رحمه الله - بعنوان: ((جلباب المرأة المسلمة. . .)) ، ثم طبع الرد المشار إليه في كتاب خاص بعد وفاته بعنوان: ((الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد. . .)) . (الناشر) .(12/883)
5946 - (ما اختلفت أمةٌ بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (2 / 190 / 2 / 7912) من طريق إسحاق بن الضيف: نا منصور بن أبي زائدة: نا أبو بكر بن عياش عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. وقال:
((تفرد به منصور بن أبي زائدة)) .
قلت: كذا وقع في ((الأصل: ((ابن أبي زائدة)) ! والصواب: ((ابن أبي نويرة)) ؛ كما في ((مجمع البحرين)) (1 / 14 / 1) ، و ((تهذيب الكمال)) (2 / 437) وغيره من كتب الرجال. وقد أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 179) من روايته عن أبي بكر بن عياش، وكذا ابن حبان في ((الثقات)) (9 / 172) وقال:
((مستقيم الحديث)) .
وهل هو منصور بن يعقوب بن أبي نويرة الذي ترجمه ابن عدي (6 / 2388) بروايته عن شريك وأسامة بن زيد بن أسلم وساق له حديثين، وقال:
((وله غير ما ذكرت، ويقع في حديثه أشياء غير محفوظة)) .
ورواهما عنه إبراهيم بن بشير الكسائي.
ولخص كلام ابن عدي الذهبي في ((المغني)) ؛ فقال فيه:
((منكر الحديث)) . والله أعلم.(12/884)
فإن النفس تميل إلى أنه ثقة؛ كما قال ابن حبان؛ لرواية جمع عنه؛ فإن الحديثين اللذين ذكرهما له - إن كان هو ابن أبي نويرة - أحدهما معروف من رواية غيره، وهو: ((ما أسكر كثيره؛ فقليله حرام)) .
وهو مخرج في ((غاية المرام)) (58) و ((الإرواء)) .
والآخر: غير محفوظ حقاً؛ ولكن ذلك مما لا يسقط حديثه؛ لأنه خطأ منه، ومن ذا الذي لا يخطئ؟ !
وعلة الحديث: موسى بن عبيدة، فإنه ضعيف، وبه أعله الهيثمي في ((المجمع)) (157 / 1) .
وإسحاق بن الضيف، صدوق يخطئ.
5947 - (ما أصاب المؤمن مما يكره؛ فهو مصيبةٌ) .
ضعيف جداً. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (8 / 240 / 7824)
من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: انقطع قبال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاسترجع، فقالوا: أمصيبة يا رسول الله؟ قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد - وهو الألهاني -، وعبيد الله ابن زحر؛ بل قال فيه ابن حبان في ((الضعفاء)) (2 / 62) :
((منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات. . .)) .(12/885)
وله طريق أخرى لا يتقوى بها؛ لشدة وهائها، يرويها أبو نعيم النخعي: ثنا العلاء بن كثير عن مكحول عن أبي أمامة قال:
خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانقطع شسع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
((إنا لله وإنا إليه راجعون)) . فقال له رجل: هذا الشسع! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
((إنها مصيبة)) .
أخرجه الطبراني أيضاً (7600) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ العلاء بن كثير؛ قال ابن حجر في ((التقريب)) :
((متروك، رماه ابن حبان بالوضع)) . وبه أعله الهيثمي (2 / 331) .
وأبو نعيم النخعي: هو عبد الرحمن بن هانئ، سبط إبراهيم النخعي؛ قال
الحافظ:
((صدوق له أغلاط. أفرط ابن معين فكذبه. وقال البخاري: هو في الأصل
صدوق)) .
5948 - (ما رفع قوم أكفهم إلى الله تعالى يسألونه شيئاً إلا كان حقاً على الله أن يضع في أيديهم الذي سألوا) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (6 / 312 / 6142) : حدثنا يعقوب بن مجاهد البصري: ثنا المنذر بن الوليد الجارودي: ثنا أبي: ثنا شداد أبو طلحة الراسبي عن الجريري عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه مرفوعاً.(12/886)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال (الصحيح) ؛ كما قال في ((المجمع)) (10 / 169) ، ولم يستثن كما هي عادته في شيوخ الطبراني، وهم دون طبقة شيوخ أصحاب (الصحيح) ؛ كما هو معلوم عند العارفين بهذا العلم.
ويعقوب بن مجاهد هذا، لم أجد له ترجمة فيما وقفت عليه من المصادر، وهو من غير المشهورين من شيوخ الطبراني؛ فإنه لم يرو عنه في ((المعجم الأوسط)) إلا ستة أحاديث (9638 - 9643) ، فيمكن أن تكون علة هذا الحديث منه، ويمكن أن تكون ممن فوقه، والاحتمال يدور بين اثنين:
أحدهما: شداد أبو طلحة - وهو ابن سعيد البصري -؛ فإنه مع كونه من رجال مسلم قال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق يخطئ)) .
والآخر: الحريري - واسمه سعيد بن إياس، وهو من رجال الشيخين -؛ قال الحافظ:
((ثقة، اختلط قبل موته بثلاث سنين)) .
قلت: فلعله حدَّث به في اختلاطه فخالف في لفظ الحديث؛ فقد رواه ثلاثة من الثقات عن أبي عثمان بلفظ:
((إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً)) .
حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وهو مخرج
في ((صحيح أبي داود)) (1337) .(12/887)
5949 - (ما طلب الدواء بشيءٍ أفضل من شربة عسل) .
موضوع. أخرجه أبو نعيم في ((الطب)) (ق 32 / 1) من طريق إبراهيم ابن حكيم: ثنا سعيد بن سلام: ثنا عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته سعيد بن سلام - وهو العطار -؛ قال أحمد:
((كذاب)) . وقال البخاري:
((يذكر بوضع الحديث)) . وروى ابن عدي (3 / 1239) عن محمد بن عبد الله ابن نمير أنه قال فيه:
((كذاب، كذاب)) .
وشيخه عمر بن محمد؛ قريب منه، وهو عمر بن صهبان بن محمد؛ قال البخاري:
((منكر الحديث)) .
وكذا قال أبو حاتم، وقال هو والدارقطني:
((متروك الحديث)) .
والراوي عنه إبراهيم بن حكيم: هو إبراهيم بن فهد بن حكيم؛ قال ابن عدي (1 / 268) :
((سائر أحاديثه مناكير، وهو مظلم الأمر، كان ابن صاعد إذا حدثنا عنه ينسبه إلى جده؛ لضعفه)) . وقال البردعي؛ كما في ((اللسان)) :(12/888)
((ما رأيت أكذب منه)) !
5950 - (ما من امرئ يحيي أرضاً، فيشرب منه كبد حَرّى، أو يصيب منه عافية؛ إلا كتب الله له به أجراً) .
ضعيف. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (23 / 397 / 949) من طريق موسى بن يعقوب: حدثتني عمتي قريبة بنت عبد الله: أن أباها قالت له أم سلمة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لجهالة قريبة بنت عبد الله؛ كما يشير إلى ذلك
قول الذهبي في ((الميزان)) .
((تفرد عنها ابن أخيها موسى بن يعقوب)) .
وموسى هذا: هو الزمعي؛ قال الحافظ في ((التقريب)) :
((صدوق سيئ الحفظ)) .
والحديث؛ قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4 / 157) :
((رواه الطبراني في ((الأوسط)) . وفيه موسى بن يعقوب الزمعي؛ وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه ابن المديني، وتفرد عن قريبة: شيخته)) .
قلت: كذا وقع فيه معزواً لـ ((أوسط الطبراني)) فقط! وقد أورده في ((مجمع البحرين)) (1 / 96 / 2) من طريق شيخ الطبراني عمرو بن أبي الطاهر بن السرح بسند ((الكبير)) نفسه عن موسى بن يعقوب به، وقال:
((تفرد به موسى)) .(12/889)
وقد ساق الطبراني لشيخه هذا في ((الأوسط)) (1 / 303 / 1 - 2) أحاديث أربعة (5035 - 5038) ليس منها هذا الحديث؛ لكن الورقة التي تلي المشار إليها من ((الأوسط)) غير موجودة في نسختي المصورة، فالظاهر أن الحديث فيها، ثم رأيت الهيثمي عزا حديثاً آخر عن هذا الشيخ، ولم أره في المصورة أيضاً، وسيأتي برقم (5985) .
5951 - (ما من امرأةٍ تخرج في شهرة من الطيب، فينظر الرجال إليها؛ إلا لم تزل في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (25 / 38 / 71) من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن ميمونة بنت سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف موسى بن عبيدة، وأيوب بن خالد - وهو المدني -؛ فيه لين؛ كما في ((التقريب)) .(12/890)
5953 - (فُضِّلتُ على الأنبياء بخمس. . . ونصرت بالرعب شهراً أمامي وشهراً خلفي. . .) .
منكر بذكر (الشهرين) . أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (7 / 183 / 6674) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن يزيد بن خصيفة: أنه أخبره عن السائب بن يزيد به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ ابن أبي فروة هذا؛ متروك، وبه أعله الهيثمي في ((المجمع)) (8 / 259) ، وسكت عنه الحافظ في ((الفتح)) (6 / 128) فما
__________
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
(*) هكذا ورد ترقيم الأحاديث في المطبوع 5951 ثم 5753 مباشرة، دون ذكر الرقم 5752، ولم ينبه عليه الناشر كما هي عادته في الكتاب
أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة(12/890)
أحسن! كما سكت عن حديث آخر، فقال:
((ووقع في الطبراني من حديث أبي أمامة: شهراً أو شهرين)) !
قلت: وهذا إنما هو من حديث ابن عباس: عند الطبراني.
ثم هو منكر أيضاً؛ فإنه في ((المعجم الكبير)) (11 / 61 / 11047) من طريق عبد الله بن حماد بن نمير: ثنا حصين بن نمير: ثنا ابن أبي ليلى عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ:
((أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي. . .)) الحديث، وفيه:
((ونصرت بالرعب، حتى إن العدو ليخافني من مسيرة شهر أو شهرين. . .)) . وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن حماد هذا؛ لم أعرفه.
وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد الرحمن؛ وهو سيئ الحفظ. والظاهر أن قوله: ((شهراً أو شهرين)) ؛ هو من سوء حفظه.
وإن مما يؤكد ذلك: أن الإمام أحمد أخرجه (1 / 301) من طريق أخرى عن
ابن عباس بلفظ: ((شهر)) . ولم يشك. وقال الهيثمي (8 / 258) :
((ورجال أحمد رجال (الصحيح) ؛ غير يزيد بن أبي زياد، وهو حسن الحديث)) .
وكذلك أخرجه الطبراني (11085) من طريق أخرى، وإن كان إسناده واهياً.
ومثل ما تقدم في النكارة: حديث يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن(12/891)
عمر بن الخطاب عن خازم بن خزيمة البصري عن مجاهد عن أبي هريرة به مثل حديث الترجمة.
أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (2 / 26 - 27) ، والعسكري في ((تصحيفات المحدثين)) (2 / 547 - 548) ؛ ذكراه في ترجمة خازم هذا. وقال العسكري:
((قليل الحديث)) . وقال العقيلي:
((يخالف في حديثه)) . وأما ابن حبان؛ فذكره في ((الثقات)) (8 / 232) ، وقال:
((روى عنه البخاريون، ربما أخطأ)) .
ولم يسم أحداً روى عنه، وكذا البخاري وابن أبي حاتم، لم يذكرا راوياً عنه مطلقاً، فيستفاد من هذه الرواية أنه روى عنه يحيى بن عبد الله العمري. وهو مدني ثقة.
وتابعه عند العقيلي: عبد الجبار بن عمر الأيلي. وهو ضعيف. وليس بخارياً كما هو ظاهر من نسبته. ولم يذكر في ((الميزان)) غيره راوياً عنه، فهو العلة -: أعني خازماً -؛ فإن الحديث متواتر عن أبي هريرة:
رواه مسلم (2 / 64) وحده من خمسة طرق عنه بلفظ: ((. . . شهر. . .)) .
ثم هو متواتر كذلك عن جمع آخر من الصحابة؛ منهم جابر: عند الشيخين، وأبو ذر وابن عمر: عند أحمد. وأحاديثهم مخرجة في ((الإرواء)) (1 / 315 - 317) .(12/892)
وفي الباب عن جمع آخر، فانظر - إن شئت - ((مجمع الزوائد)) (8 / 258 -
259، 269) .
واعلم أن الدافع على تخريج هذه الزيادة المنكرة - بل الباطلة -: ((. . . أمامي، وشهراً خلفي)) : أن الحديث معروف الصحة غاية بدونها، ولكني لما رأيت بعضهم أوهم صحتها كتبت هذا التحقيق:
أولهم: الحافظ ابن حجر؛ بسكوته عليها كما تقدم.
ثانيهم: المعلق على ((تصحيفات المحدثين)) ؛ فإنه لما خرج حديث الترجمة المنكر؛ ذكر أن أصله في ((الصحيح)) : في البخاري عن جابر، وعن أبي هريرة، قال: ((وفيه: ونصرت بالرعب. . .)) ! فأوهم أنه في ((الصحيح)) بالزيادة المنكرة التي أشار إليها بالنقط ((. . .)) ؛ لأن هذا هو الذي يتبادر لكل قارئ لا يعرف التفصيل المتقدم!
وثالثهم: صاحبنا السلفي؛ فإنه نقل في تخريج حديث ابن أبي ليلى المتقدم وفيه: ((. . . مسيرة شهر أو شهرين. . .)) تخريج الحافظ الهيثمي الذي فيه ميله إلى تحسين حديث يزيد بن أبي زياد، وليس فيه زيادة: ((أو شهرين)) ؛ كما تقدم بيانه، فكان من الواجب أن يبين ذلك؛ حتى لا يُدخل في الحديث الصحيح ما ليس منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن ذاك القبيل: تعقيب أخينا الفاضل حمدي السلفي عقب نقله إعلال الهيثمي للحديث بابن أبي فروة بقوله:
((قلت: وله شواهد)) !(12/893)
وإن مما يؤكد نكارة حديث الترجمة - بل بطلانه -: أنه في رواية للبيهقي وغيره من حديث أبي أمامة المشار إليه آنفاً بلفظ:
((. . . مسيرة شهر يسير بين يدي)) .
وإسناده صحيح. وهو مخرج في ((الإرواء)) (1 / 316) .
5954 - (من حكم بين اثنين تحاكما إليه وارتضيا به، فلم يقل بينهما بالحق؛ فعليه لعنة الله) .
منكر. أخرجه العسكري في ((التصحيفات)) (2 / 673) عن يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ آفته يعلى هذا؛ قال العسكري:
((تكلموا فيه)) .
قلت: اتهمه ابن حبان؛ فقال (3 / 141) :
((يروي عن عبد الله بن جراد، فلما كبِر؛ اجتمع عليه من لا دين له، فدفعوا
إليه شبيهاً بمئتي حديث عن عبد الله بن جراد وأعطوه إياها، فجعل يحدث بها وهو لا يدري)) . وقال ابن عدي (7 / 2742) :
((روى عن عمه عبد الله بن جراد أحاديث كثيرة مناكير، وهو وعمه غير معروفين)) .(12/894)
5955 - (كان موسى عليه السلام يدعو ويؤمن هارون عليه السلام، وما أعطيهما غيري وغيرهما) .
ضعيف. أخرجه العسكري في ((التصحيفات)) (1 / 571) من طريق زربي أبي يحيى قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زربي هذا؛ قال الذهبي في ((الكاشف)) :
((واهٍ)) . وقال الحافظ في ((التقريب)) :
((ضعيف)) .(12/895)
5956 - (من صلَّى في مسجد قباء يوم الاثنين والخميس؛ انقلب بأجر عمرة) .
موضوع بذكر (اليومين) . أخرجه العسكري في ((التصحيفات)) (2 / 723) من طريق الواقدي عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن غنمة الجهني عن ظهير بن رافع قال: حدثني حارثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته الواقدي؛ فإنه كذاب، وروايته لهذا الحديث بزيادة اليومين يؤكد كذبه؛ فإن الحديث صحيح دونها، من حديث أسيد بن ظهير - وحسنه الترمذي -، وسهل بن حنيف - وصححه الحاكم والذهبي -، وابن عمر - وصححه ابن حبان (1018) -، وهي مخرجة في ((الترغيب)) (2 / 138 - 139) .(12/895)
وله عن ابن عمر طريق أخرى ضعيفة: عند العقيلي (1 / 98) ، ضعفه من أجلها الدكتور القلعجي في (فهرس الأحاديث الضعيفة) الذي وضعه في آخر ((ضعفاء العقيلي)) (4 / 557) ، وهو حاطب ليل في هذا العلم! ! فكم من حديث صحيح أورده في هذا الفهرس، وعلى العكس فكم من حديث ضعيف أورده في (فهرس الأحاديث الصحيحة) مما لا يقول به عالم! ! والله المستعان.
والحديث؛ عزاه السيوطي في ((الجامع الكبير)) لابن سعد عن ظهير بن رافع. وغالب الظن أن فيه الواقدي أيضاً، ولم أره في فهرس ((طبقات ابن سعد)) المطبوع منه، ولا في القسم الذي طبع أخيراً كتتمة لبعض المفقود منه، وليس فيه من الحديث المسند إلا النزر القليل جداً، حتى لقد ألقي في النفس: لعله مختصر من الأصل، فليحقق.
5957 - (إذا توفيت المرأة، فأرادوا أن يغسلوها، فليبدأوا ببطنها، فليمسح بطنها مسحاً رقيقاً إن لم تكن حُبلى، فإن كانت حُبلى؛ فلا تحركنها، فإن أردت غسلها فابدئي بسفلتها، فألقي على عورتها ثوباً ستيراً، ثم خذي كرسفاً فاغسليها، فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب، فامسحيها بكرسف ثلاث مرات، فأحسني مسحها قبل أن توضئيها، ثم وضئيها بماء فيه سدر، ولتفرغ الماء امرأة وهي قائمة لا تلي شيئاً غيره حتى تنقي بالسدر وأنت تغسلين، وليل غسلها أولى النساء بها، وإلا؛ فامرأة ورعة، فإن كانت صغيرة أو ضعيفة؛ فلتلها امرأة ورعة مسلمةٌ، فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلاً نقياً بماء وسدر؛ فلتوضئها وضوء الصلاة؛ فهذا بيان وضوئها، ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات(12/896)
بماء وسدر، فابدئي برأسها قبل كل شيءٍ فأنقي غسله من السدر بالماء، ولا تسرحي رأسها بمشط، فإن حدث بها حدث بعد الغسلات الثلاث؛ فاجعليها خمساً، فإن حدث في الخامسة؛ فاجعليها سبعاً، وكل ذلك فليكن وتراً بماء وسدر، فإن كان في الخامسة أو الثالثة؛ فاجعلي فيه شيئاً من كافور وشيئاً من سدر، ثم اجعلي ذلك في جر جديد، ثم أقعديها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها، فإذا فرغت منها؛ فألقي عليها ثوباً نظيفاً، ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها، ثم احشي سفلتها كرسفاً واحشي كرسفها من طيبها، ثم خذي سبيةً طويلةً مغسولةً فاربطيها على عجزها كما تربط على النطاق، ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها، ثم ألقي طرف السبية عن عجزها إلى قريب من ركبتيها، فهذا شأن سفلتها، ثم طيبيها وكفنيها واطوي شعرها ثلاثة أقرن: قصةً وقرنين، ولا تشبهيها بالرجال، وليكن كفنها في خمسة أثواب: أحدها الإزار تلفي به فخذيها، ولا تنقضي من شعرها شيئاً بنورةٍ ولا غيرها، وما يسقط من شعرها؛ فاغسليه، ثم اغرزيه في شعر رأسها، وطيبي شعر رأسها، فأحسني تطييبه ولا تغسليها بماء مسخن واخمريها وما تكفنيها به بسبع نبذات إن شئت، واجعلي كل شيءٍ منها وتراً، وإن بدا لكِ أن تخمديها في نعشها فاجعليه وتراً. هذا شأن كفنها ورأسها، وإن كانت محدورةً أو مخصوفةً أو أشباه ذلك، فخذي خرقةً واحدةً واغمسيها في الماء واجعلي تتبعي كل شيءٍ منها، ولا تحركيها؛ فإني أخشى أن يتنفس منها شيءٌ لا يستطاع ردُهُ) .
منكر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (25 / 124) من طريق جنيد(12/897)
ابن أبي وهرة، وليث؛ كلاهما عن عبد الملك بن أبي بشير عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم أم أنس قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من الطريقين؛ ففي الأولى جنيد - وهو ابن العلاء -؛ مختلف فيه؛ فقال البخاري في ((التاريخ)) (2 / 1 / 236) في ترجمته:
((قال أبو أسامة: كان صاحبي أوثق مني)) . وقال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 528) عن أبيه:
((صالح الحديث)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6 / 150) . ثم أورده في ((الضعفاء)) (1 / 211) ، وقال:
((كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المصلوب، ويروي ما سمع منه عن شيوخه، فاستحق مجانبة حديثه على الأحوال كلها؛ لأن ابن أبي القيس كان يضع الحديث)) . وقال الذهبي في ((الميزان)) :
((له حديث في غسل الميت طويل منكر)) .
قلت: يعني: هذا. وأقره الحافظ في ((اللسان)) ، وقال:
((قال الأزدي: لين الحديث)) .
قلت: وفي الطريق الأخرى ليث - وهو ابن أبي سليم الحمصي -؛ وهو ضعيف مختلط، ولا أستبعد أن يكون جنيد بن العلاء تلقاه عنه ثم دلسه، فيرجع الحديث إلى طريق واحدة.(12/898)
والحديث، قال الهيثمي (3 / 22) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) بإسنادين، في أحدهما ليث بن أبي سليم؛ وهو مدلس، ولكنه ثقة، وفي الآخر جنيد؛ وقد وثق، وفيه بعض كلام)) .
وأقول: لا أعلم أحداً رمى ليثاً بالتدليس، وإنما بالاختلاط. وكذلك لا أعلم من أطلق فيه التوثيق. فراجع أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه في ((التهذيب)) .
5958 - (أفعمياوان أنتما؟ ! ألستما تبصرانه؟ !) .
منكر. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في ((الكبرى)) (2 / 224 - 225 - المصورة) وأحمد وغيرهم؛ كأبي يعلى في ((مسنده)) (6922) ، ومن طريقه ابن حبان (1968) ومن طريق غيره أيضاً (1457) ، والطبراني في ((الكبير)) (23 / 302 / 678 و 400 / 956) ، وابن سعد في ((الطبقات)) (8 / 175 - 176) كلهم من طريق نبهان عن أم سلمة قالت:
كنت: أنا وميمونة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء ابن أم مكتوم يستأذن - وذلك بعد أن ضرب الحجاب - فقال:
((قوما)) . فقلنا: إنه مكفوف لا يبصرنا. فقال:. . . فذكره. وقال النسائي:
((ما نعلم أحداً روى عن نبهان غير الزهري)) . وأقره المزي في ((التهذيب)) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة نبهان هذا، كما كنت بينته في ((الإرواء)) (1769، 1806) بزيادة في تخريج الحديث في الموضع الثاني، وإنما أعدت تخريجه هنا لأمرين.(12/899)
الأول: أن بعض ذوي الأهواء والمتشددين في موضوع وجه المرأة وكفيها، القائلين بأن ذلك منها عورة احتجوا بهذا الحديث؛ مغترين بتصحيح من صححه؛ كالترمذي وغيره من المتقدمين، وكالحافظ العسقلاني من المتأخرين! فأقول:
كانت حجتي - ولا تزال - في تضعيف هذا الحديث جهالة نبهان هذا؛ كما صرح بها ابن حزم، وأقره الذهبي في ((الضعفاء)) .
ثم رأيت فائدة هامة في كتاب ((شرح منتهى الإرادات)) للشيخ منصور بن يونس البهوتى، فأحببت أن أسجلها هنا؛ لعزتها: قال رحمه الله تعالى (3 / 6) بعد أن ذكر الحديث برواية أبي داود:
((وقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث. والآخر:
((إذا كان لإحداكن مكاتب؛ فلتحتجب منه)) . كأنه أشار إلى ضعف حديثه؛ إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول. وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث (1) ، وحديث فاطمة صحيح؛ فالحجة به لازمة. . .)) .
قلت: وهذه الفائدة قد ذكرها الشيخ البهوتي في كتابه الآخر: ((منار السبيل)) (2 / 140) الذي خرجت أحاديثه في كتابي ((إرواء الغليل)) ، وقد فاتني ذكرها في التخريج؛ لأن الذي نسخ الأحاديث منه لم يذكرها مع الحديث. ولكل أجل كتاب.
فإن قيل: كيف قال ابن عبد البر: ((لا يعرف إلا برواية الزهري عنه)) ؛ وقد ذكر الحافظ له راوياً آخر عنه، وهو محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة؟
__________
(1) قلت: قد أشار ابن عبد البر إلى هذا الحديث في كتابه العظيم ((التمهيد)) وقال (16 / 236) :
((لم يروه إلا نبهان مولى أم سلمة، وليس بمعروف بحمل العلم، ولا يعرف إلا بهذا الحديث وحديث آخر)) .(12/900)
قلت: نعم؛ هو تابع في ذلك لابن أبي حاتم؛ خِلَافًا للبخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 135) ؛ فإنه لم يذكر غير الزهري، وتبعه ابن حبان في " ثقاته " (5 / 586) ، وهذا هو الصواب. وذلك؛ لأن حديث المكاتب الذي أشار أحمد إلى إنكاره بتعجبه منه ومن حديث الترجمة على نبهان مولى أم سلمة مدار طريقه
على الزهري عنه.
ومنها: طريق سفيان الثوري عند أبي داود والبيهقي وغيرهما.
لكن خالف قبيصة بن عقبة فقال: عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن عن مكاتب مولى أم سلمة يقال له: نبهان. . . فذكر الحديث.
أخرجه الطبراني (23 / 2 5 3 / 677) . فأسقط الزهري وجعل محله محمداً هذا. قال البيهقي (15 / 327) :
" وذكر محمد. بن يحيى الذهلي أن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة روى عن الزهري قال: كان لأم سلمة مكاتب يقال له: نبهان. ورواه محمد بق يوسف عن سفيان عنه. فعاد الحديث إلى رواية الزهري ".
قلت: ومما لا شك فيه أن ما رواه الجماعة مع محمد بن يوسف هذا - وهو الفريابي - أولى بالقبول من رواية قبيصة، وبخاصة أنه قد تكلم في روايته عن سفيان؛ فقال ابن معين:
" قبيصة؛ ثقة في كل شيء إلا في سفيان؛ فإنه سمع منه وهو صغير ".
وقال أحمد نحوه. انظر " التهذيب ". ولذلك؛ قال البيهقي:
" وحديث نبهان قد ذكر فيه معمر لسماع الزهري من نبهان، إلا أن الشيخين(12/901)
لم يخرجا حديثه في " الصحيح "، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما؛ إذ لم يخرج من حد الجهالة برواية عدل عنه، وقد روى غير الزهري عنه إن كان مَحْفُوظًا. . . ".
ثم ذكر رواية قبيصة، وقد عرفناك شذوذها. وذكر عن الشافعي أنه قال:
" لم أر من ارتضيت من أهل العلم يثبت هذا الحديث ".
إذا عرفت ما تقدم يتبين لك خطأ قول الذهبي في ترجمة نبهان هذا من
" الكاشف ": " ثقة "! ! ولعل الأصل! : " وثق "؛ كما هي عادته فيمن تفرد بتوثيقه ابن حبان، ولم يكن روى عنه جمع من " الثقات "، ثم انحرف ذلك على اَلنَّاسِخ
أو الطابع إلى: " ثقة "؛ لأنه مخالف لإيراده إياه في " الضعفاء " وإقراره لتجهيل! ابن حزم إياه. وقد وافقه على ذلك ابن عبد البر، وَسَبَقَهُمَا البيهقي كما تقدم، وتبعهم الحافظ في " التقريب "؛ فقال فيه:
" مقبول "؛ أي: إذا توبع، وإلا؛ فهو لين الحديث؛ كما نصبى عليه وفي مقدمة
" بالتقريب ". وقال في " التلخيص " (3 / 148) :
" وثق "؛ أي: لا يوثق به.
إذا تبين لك ما ذكرنا من التحقيق؛ فلا يهمنك تصحيح من صحح الحديث؛ فإنه إما لتساهل عرف به كالترمذي وابن حبان، وإما لشبهة تعلق بها؛ كقول الحافظ في " الفتح " (9 / 337) :
" وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعلة قادحة؛ فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد؛ لا ترد روايته "!(12/902)
كذا قال! وليس يخفى على البصير أن وصف الزهري لنبهان بما ذكر ليس له علاقة بالتوثيق بوجه من الوجوه مُطْلَقًا، وهل هو إلا كما لو قال: " عبد فلان، أو " أخو فلان "؛ بل و " ابن فلان " ونحو ذلك من الأوصاف التي لا تسمن ولا تغني من جوع في التعديل والتوثيق! وكل من له معرفة بهذا العلم وتتبع لتراجم الرواة يجد أمثلة كثيرة من هذا النوع؛ مثل أبي الأحوص مولى بني كعب، وأبي عثمان ابن سنة الخزاعي الكعبي؛ فقد روى عنهما الزهري، ومع ذلك لم يوثقهما الحافظ؛ بل قال فيهما كما قال في نبهان:
" مقبول "؛ أي: غير مقبول إلا إذا توبع! هذا هو مراده كما تقدم.
وما أحسن ما قال ابن القطان في أبي الأحوص هذا في " الوهم والإيهام " (2 /
183 / 2) :
" لا يعرف له خال، ولا قضى له بالثقة قول الزهري: سمعت أبا الأحوص يحدث في مجلس سعيد بن المسيب ". وأقره الذهبي في " الميزان ".
قلت: وفي قول ابن القطان رد مباشر على تقوية الحافظ لحديث نبهان بكلامه السابق، وإن كان ابن القطان متقدماً عليه في الزمن، ولكنه حافظ ماهر نقاد، فإذا كان الزهري إذا حَدَّثَ عن أبي الأحوص وقد سمعه يحدث في مجلس ابن المسيب؛ لا يلزم منه أن أبا الأحوص ثقة؛ فمن باب أولى أنه لا يلزم من وصف الزهري لنبهان بأنه مكاتب أم سلمة أنه ثقة، كما هو ظاهر لا يخفى على أهل النهى.
ومما سبق؛ تعلم خطأ تجويد إسناد الحديث من المعلق على " مسند أبي يعلى "،
ثم في تعليقه على " موارد اَلظَّمْآن " (6 / 258 - 261) وكأنه كان مُتَأَثِّرًا بتقوية(12/903)
الحافظ لإسناده غير مفكر فيما تقتضيه الصناعة الحديثية، وكذلك فعل جمهور ممن ذهب إلى القول بأن وجه المرأة عورة؛ كالشيخ التويجري وغيره من المقلدين حَدِيثًا وَفِقْهًا! ولعلهم ظنوا لما رأوا تصحيح من صححه ممن سبقت الإشارة إليه أنه لا خلاف في ذلك، وذلك لضيق عطنهم، وعدم درايتهم بأقوال المضعفين، وعلى رأسهم الإمام أحمد ثم البيهقي وابن عبد البر! ولعل بعضهم عرف ذلك ثم تجاهله لغاية في نفسه، ومنهم - مع الأسف - الشيخ عبد القادر السندي في " رسالة الحجاب " (ص 49 / الطبعة الخامسة) ؛ فقد صرح بأن إسناده صحيح، ونقل كلام الحافظ في تقوية إسناده، وكلامه في " تهذيب التهذيب "، وكذا كلام المزي في " تهذيبه "، وليس فيها أكثر مما سبق بيانه: أنه روى عن نبهان محمد بن عبد الرحمن أَيْضًا، وأنه وثقه ابن حبان، وعزا إلى المزي - بناء على ذكره هذا الحديث وحديث المكاتب في ترجمة نبهان وتصحيح الترمذي لهما - أنه ثقة يحتج بحديثه! وفيه تحميل لصنيع المزي ما لا يريده؛ فإن كتابه خاص بذكر ما قيل في المترجم من توثيق أو تجريح، وليس أنه يذكر فيه ما يتبناه هو لنفسه، ألا ترى أن الحافظ كما حكى توثيق ابن حبان في " اَلتَّهْذِيب " لم يتبنه في " التقريب " فلم يوثقه فيه؛ بل لينه كما تقدم بيانه، والسبب هو ما ذكرته!
هذا؛ وإنما نسبت المذكور إلى تجاهل علة الحديث لأمرين اثنين ذكرت آنِفًا أحدهما. والآخر: أنه عزا الحديث للبيهقي بالجزء والصفحة (7 / 91 - 92) ، وهناك لا بد أنه رأى تعقب ابن التركماني للبيهقي بقوله:
" قلت: في سنده نبهان، سكت عنه البيهقي هنا، وقال في (أبواب المكاتب) :
" صاحبا (الصحيح) لم يخرجا عنه، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما. . . .) إلى آخر كلامه المتقدم منا، وإذ الأمر كذلك؛ فلا بد أنه رجع إلى الأبواب المشار إليها،(12/904)
ووقف على من ينبهه إن كان غَافِلًا على كون نبهان لم يصح أنه روى عنه غير الزهري، وأنه لذلك مجهول عند البيهقي، فكان عليه أن يبينه ولا يكتمه، وأن يجيب عنه إن كان لديه جواب!
وقد وقفت له على تدليس آخر أرجو أن لا يكون بقصد منه، وهو أنه لما نقل عن المزي الحديثين اللذين أحدهما هذا والآخر حديث المكاتب؛ قال - عن المزي طَبْعًا -:
" وأخرجه النسائي من وجوه أخرى. انتهى كلام الإمام المزي ".
وكل من قرأ هذا التخريج لا يفهم منه إلا أن له طُرُقًا أخرى عن غير نبهان يتقوى بها! والواقع يشهد أنه ليس كذلك، ولا هو قصد النسائي ولا المزي؛ فإن تمام كلام النسائي عنده:
" وأخرجه النسائي من وجوه أخر عن الزهري ".
فإذن؛ هذه الوجوه مدارها على الزهري عن نبهان، فلا تعطي للحديث قوة؛ خِلَافًا لما رمى إليه بحذفه زيادة " عن الزهري "!
وكنت أود أن يكون حذفه إياها إنما وقع منه سَهْوًا، ولكني رَأَيْته قد أعادها مرة أخرى في الصفحة ذاتها! والله المستعان.
ثم إنني لا أستبعد منه - وهذا بعض ما فعل - أو من غيره من المقلدين أن يكونوا قد وقفوا على قول الحافظ في مكان آخر من " الفتح " (1 / 550) عقب الحديث:
" وهو حديث مختلف في صحته ".(12/905)
فإن فيه تَنْبِيهًا وَحَافِزًا على معرفة أسباب الخلاف، ثم اختيار ما هو أقرب إلى الصواب، وهذا ما أنا في صدده بإعانة الله تعالى وتوفيقه.
هذا هو الأمر الأول.
والآخر: أن الحديث مع ضعف إسناده، منكر في متنه؛ لِمُخَالَفَتِهِ حديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس رضي الله عنهما في قصة طلاقها من زوجها، وفيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتقل إلى أم شريك، ثم أرسل إليها: إن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون، فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك، فانطلقت إليه. . . الحديث.
رواه مسلم (4 / 196) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1804) .
فهو مخالف لحديث نبهان من وجهين:
الأول: إذنه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بأن تقضي عدتها عند ابن أم مكتوم. وفي حديث نبهان أنه قال لأم سلمة وميمونة حين دخل ابن أم مكتوم: " قوما "!
والآخر: أن إذنه صلى الله عليه وسلم لها يستلزم جواز نظرها إلى ابن أم مكتوم، وفي حديث نبهان: " ألستما تبصرانه؟ ! ".
ولذلك؛ قال في " شرح منتهى الإرادات " (3 / 6) :
" ويباح لامرأة نظر من رجل إلى غير عورة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس. . . (فذكر الحديث) . وقالت عائشة:(12/906)
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ". متفق عليه.
ولأنهن لو منعن النظر؛ لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء؛ لئلا ينظرن إليهم ".
ثم ذكر حديث نبهان وتضعيف أحمد وابن عبد البر إياه - كما تقدم - ونقله عنه، ثم قال:
" وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة. ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك قال أحمد وأبو داود ".
قلت: وهذا الجمع إنما يصار إليه لو صح الحديث، وإذ لا؛ فلا.
(تنبيه) : لقد أورد الحديث مختصرا " تفسير ابن كثير ": الحلبيان؛ زاعمين
أنه حديث صحيح! وكم لهما من مثل هذا التصحيح الذي لا يشهد له علم الحديث ولا فقهه، وإن كان لهما هنا عذر وإنما هو التقليد، ومعلوم أنه لا يقلد إلا جاهل! ولكن لا يسعه إلا ذلك!
ومثلهما ذاك الحائر المتفقه المسمى محمد أديب كلكل في كتابه: " فقه النظر
في الإسلام "! فقد زاد عليهما أنه قال عقب الحديث (ص 132) :
" وهذه القصة تؤيدها رواية أخرى في " الموطأ " للإمام مالك رضي الله عنه
أن رَجُلًا أعمى دخل على عَائِشَة رضي الله عنها، فاحتجبت منه. فقيل لها: لماذا تحتجبين منه وهو لا ينظر إليك؟ قالت: لكني أنظر إليه "!(12/907)
قلت: وهذا كذب على " موطأ الإمام مالك " رحمه الله؛ فإنه ليس فيه يَقِينًا؛ فقد قلبته - للتأكد - صفحة صفحة، ودققت فيه حَدِيثًا حَدِيثًا وَأَثَرًا أَثَرًا، فلم أجد لَهُ أَثَرًا! بل ولا أظن أن له أَصْلَا في شيء من دواوين السنة التي تروي الأحاديث والآثار بالأسانيد، ويمكن أن يكون المؤلف نقلها من بعض كتب المتأخرين التي تَرْوِي من الروايات ما لا سنام لها ولا خطام! والله المستعان.
ثم رأيت هذا اَلْأَثَر قد ذكره ابن القطان في " النظر في أحكام النظر " (ق 63 / 2) فقال:
" وروي عن مالك: واحتجبت عائشة رضي الله عنها من أعمى. . . " إلخ.
فهذا يعني أنه ليس في " الموطأ " كما هو ظاهره، ونحوه قول الحافظ في
" التلخيص " عقب ما نقلته عنه آنِفًا من التوثيق:
" وعند مالك. . . ". ولعل قوله: " وعند " محرف من: " وعن ". والله أعلم.
5959 - (كُنْت رِدْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَعْرَابِيّ مَعَهُ ابنة له حسناء، فَجَعَلَ يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها. قال (الفضل بن
عباس) : فَجَعَلْت ألتفت إليها، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ برأسي فيلويه) .
منكر بزيادة (العرض) . أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (12 / 97) : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد (وهو ابن أبي شيبة) : حدثنا قبيصة بن عقبة عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل بن عباس قال:. . . فذكره.(12/908)
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ له عدة علل:
الأولى: اختلاط أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي -، وقد وصفه بذلك جمع من الحفاظ؛ منهم ابن الصلاح وابن كثير والعسقلاني في " التقريب " وغيرهم.
الثانية: عنعنة أبي إسحاق؛ فإنه مدلس؛ ذكره الحافظ في الطبقة الثالثة من رسالته في المدلسين؛ أي: فيمن لا يحتج به إلا إذا صرح بالتحديث، وهنا قد عنعن.
الثالثة: ضعف في يونس بن أبي إسحاق؛ فإنه وإن كان من رجال مسلم فقد اختلفوا كما ترى أقوالهم فيه في " التهذيب " و " الميزان " للذهبي، بل وأورده في " الضعفاء " أَيْضًا، وقال اَلْحَافِظ في " التقريب) :
" صدوق يهم قَلِيلًا ".
قلت: فهو وسط يحتج بحديثه إذا لم يخالف، وقد خالف كما سأبينه. ومما قيل فيه:
قال الأثرم: سمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه، وقال:
" حديث إسرائيل أحب إِلَيَّ منه ". وقال أبو طالب عن أحمد:
" في حديثه زيادة على حديث الناس ".
قلت: يقولون: إنه سمع في الكتب؛ فهي أتم (1) . قال:
__________
(1) هذه الجملة غير مفهومة في " تهذيب الحافظ "، فصححتها من " تاريخ الفسوي) (173 / 2) .(12/909)
" إسرائيل قديسمع وكتب، فلم يكن فيه زيادة مثل يونس ". وقال فيه
" كانت فيه غفلة شديدة ".
ووثقه آخرون، والعدل ما تقدم عن الحافظ بالشوط الذي ذكرته، وهو مفقود
هنا كما يأتي.
الرابعة: الخالفة: فقد رواه ابنه إسرائيل عن أبي إسحاق به؛ دون جملة العرض، ولفظه:
" كنت رديف النبي لمجه! ! حين أفاض من المزدلفة، وأعرابي يسايره، وردفه
ابنة له حسناء، قال الفضل: فجعلت أنظر إليها، فتناول رسول الله ثيب! بوجهي يصرفني عنها ".
أخرجه أحمد (1 / 3 1 2) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (8 1 /! 28 / 739) من طرق عن إسرائيل به.
قلت: وهذا أصح من رواية يونس بن أبي إسحاق؛ لما علمت من ترجيح الإمام أحمد لرواية إسرائيل على رواية أبيه يونى، وللغفلة الشديدة التي كانت في الأب، وزيادته في حديثه على حديث الناس، وهذا كله يجعل قوله في الحديث:
" فجعل يعرضها لرسول الله عنه رجاء أن يتزوجها "؛ زيادة شاذة إن لم نقلى: منكرة، ولعله لذلك لما ساق الطبراني حديث يونس هذا عقب حديث إسرائيل (رقم " 74) ساق الطرف االأول منه إلى قواسه: " وأعرابي معه " فقط وقال: " فذكر(12/910)
الحديث ". فأحال بتمامه على رواية إسرائيل التي قبله، إما لأنها لم تقع في روايته هذه الزيادة، فتكون رواية الأب على هذا مطابقة لرواية الابن، أو أنه لم يسق الحديث بتمامه؛ إشارة منه إلى شذوذ الزيادة. يحتمل هذا وهذا، والله أعلم.
ومما يؤيد شذوذها أن هذه القصة جاءت في " الصحيحين " وغيرهما من طريق سليمان بن يسار عن ابن عباس به أتم منه دون الزيادة. وهي مخرجة في " جلباب المرأة المسلمة " (ص 61 - 63) ، وهو حديث الخثعمية.
وتابعه الحكم بن عتيبة عن ابن عباس به نحوه دونها.
أخرجه أحمد (1 / 211) بسند صحيح عنه؛ فإن الحكم من المرتبة الثانية
من المدلسين عند الحافظ.
وتابعه: عطاء بن أبي رباح عنه.
أخرجه أحمد أيضاً (1 / 213) . وإسناده جيد.
وتابعه: مجاهد عن ابن عباس.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 269 / 677) بسند جيد.
قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات على عدم ذكر تلك الزيادة في هذه القصة
- خِلَافًا ليونس بن أبي إسحاق، مع ما فيه من الضعف الذي سبق بيانه، ومخالفة ابنه إياه فيها - مما لا يدع أدنى شك في نكارتها وعدم ثبوتها.
ولذلك؛ فقد وهم الحافظ في قوله في " الفتح " (4 / 68) :
" رواه أبو يعلى بإسناد قوي "!(12/911)
وهذا منه غريب جداً؛ فإنه إن كان جرى على ظاهر الإسناد وتساهل في عدم الاعتداد بما ذكره هو من اختلاط أبي إسحاق وتدليسه، فكيف خفي عليه هذه المخالفة، وهو الحافظ الذي لا يبارى؟ !
واعلم أن لفظة " قوي " في إسناد ما، لا يعني بالضرورة أنه صحيح؛ بل قد يعني هذا، وقد يعني أنه حسن، فهو يساوي قولهم: " يحتج به "؛ الشامل للصحيح والحسن، هذا الذي نفهمه من تصرفات العلماء في كتب التخريج، وقد ذكر ذلك بعض المؤلفين في علم المصطلح.
وإذا عرفت هذا؛ فقد زاد خطأً على الحافظ من صرح بصحة هذا الإسناد من المتأخرين؛ مثل المعلق على " مسند أبي يعلى "، فقال:
" إسناده صحيح "!
ومن الغريب أنه عقب عليه بقوله:
" وأخرجه أحمد (1 / 213) من طريق. . . إسرائيل. . . "! غير متنبه لكون
هذه الطريق من الموانع عن التصحيح المذكور كما سبق بيانه. وأقل ما في هذا التخريج أنه يوهم أن في رواية إسرائيل تلك الزيادة المنكرة!
وإن أعجب من هذا ما صنعه الشيخ عبد القادر السندي مؤلف " رسالة الحجاب "؛ فقد عقد فيها فصلاً في حديث الخثعمية الذي رواه الشيخان كما سبقت الإشارة إليه؛ ليثبت صحة هذه الزيادة في حديث الترجمة في بحث طويل من صفحة (28 - 43) ، وأكثره مما لا فائدة فيه، مع استطرادات كثيرة فيها لكنة أعجمية ظاهرة، لا يكاد القارئ يفهم مراده من عبارته أَحْيَانًا، وفيه كثير من الأخطاء والمغالطات التي لا مجال هنا لبيانها؛ لكن لا بد من التعرض لرد ما أخطأ(12/912)
فيه مما له علاقة بهذا الحديث، ويمكن حصر ذلك في أمور:
أولاً: أوهم أن لتلك الزيادة أسانيد (ص 29) ! والواقع خلافه.
ثَانِيًا: صرح (ص 42) بأن إسناده صحيح على شرط الشيخين! وكان قبل
ذلك قد ذكر (ص 32) أن راويها يونس بن أبي إسحاق لم يرو له البخاري في " صحيحه "، وهذا هو الصواب. ثَالِثًا: قال في يونس هذا (ص 32) :
" وقد قبل الناس انفراده قَدِيماً وَحَدِيثاً. . . "! فتجاهل بهذا تضعيف أحمد ويحيى إياه كما تقدم. أم أن هذين الإمامين ليسوا عنده من " الناس "؟ ! رَابِعًا: قال (ص 33) بعد أن نقل عن الحافظ ابن حجر وصفه لأبي إسحاق
السبيعي بالاختلاط:
" رواية يونس لم تكن في حالة الاختلاط ".
قلت: هذا النفي مما لم يسبق إليه، ولا له دليل عليه، فما كان كذلك ضرب
به عرض الحائط، فمن كان كذلك من الرواة فحكمه عند المحدثين حكم من عرف أنه روى بعد الاختلاط كما بينه ابن اَلصَّلَاح في آخر مقدمته.
خَامِسًا: وأما قوله في تأييد ما نفاه:
" وأكبر دليل على ذلك ما قاله الحافظ. . قال إسرائيل: " كنت أحفظ حديث
أبي إسحاق كما أحفظ السورة من القرآن ". قلت: هذا هو ابن يونس بن أبي إسحاق يحفظ حديث جده، فكيف بأبيه؟ ".(12/913)
قلت: هذا هراء ما بعده هراء! فإن كون الابن حافظاً لا يلزم منه أن يكون أبوه كذلك حافظاً، وهذا أمر بدهي جداً؛ وبخاصة عند من عنده معرفة بتراجم الرواة، فهذا الإمام علي بن المديني مثلاً، من كبار الحفاظ المشهورين، وأما أبوه عبد الله فهو على النقيض من ذلك: ضعيف الحفظ مشهور بذلك. فلا أدري كيف يخفى مثل هذا على الشيخ السندي وهو المدرس في الجامعة الإسلامية؟ !
ثم نقول: هب أن الأب كان يحفظ حديث أبي إسحاق كالابن، وأن الجد أبا إسحاق كان يحفظ أَيْضًا حديثه كما يحفظ السورة من القرآن، فما فائدة ذلك؟ ! وأين الدليل في كل ذلك أن الجد لم يكن قد اختلط؟ !
ويؤكد هذا قول الإمام أحمد في إسرائيل:
" فيه لين، سمع من أبي إسحاق بآخره ". ذكره الحافظ في " التهذيب ".
فثبت أنه لا تلازم بين حفظ الحفيد ونفي اختلاط الجد عند كل من يعقل! سادساً: وأعجب من كل ما سبق: قوله عقب ما ذكرته آنِفًا:
" ولم أقف على اختلاط أبي إسحاق السبيعي مع أنه ذكره ابن الكيال في كتابه " الكواكب النيرات " (ص 34 - 356)) ؛.
قلت: وكذلك ذكره ابن الصلاح والحافظ كما تقدم، وغيرهم كثير.
فكيف يصح هذا النفي مع العزو إلى " الكواكب " وهو فيمن اختلط؟ ! فلعله أُتِيَ من العجمة.
سَابِعًا: سوّد صفحتين من رسالته في بِبَان، خطأ الحافظ ابن حجر في إيراده
لأبي إسحاق السبيعي في المرتبة الثالثة من المدلسين - كما تقدم -! وشبهته في(12/914)
ذلك: أن الحافظ يعقوب الفسوي قال بعد أن ذكره في جملة من المدلسين (2 / 633 - تاريخه) :
" والتدليس من قديم ". فقال السندي:
" ومن هذا نعرف أن تدليس أبي إسحاق لم يكن ضَارًّا "!
قلت: هذا فهمه الذي لا يغبط عليه! ولو سلمنا له به فذلك مما لا يُصَحِّح قوله
فيما بعد:
" وهو لم يكن بحال من الأحوال من الطبقة الثالثة، وإنما في الأولى ".
قلت: وذلك؛ لأن مثل هذه المخالفة من مثل هذا المتأخر زَمَنًا وَعِلْمًا مما لا سبيل إليه إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص الحفاظ؛ الذين بوسعهم الاطلاع على تدليسات الراوي ثم إيداعه في المنزلة التي يستحقها بالنظر إلى تدليسه قلة وكثرة، لذلك؛ أقول للشيخ السندي: (ليس هذا عشك فادرجي) .
نعم؛ للمتمكن في هذا العلم أن يرجح قولاً على قول للمتقدمين، وأما أن يعارضهم برأي من عنده، ليس بالرجوع إلى قواعدهم، فهذا مما لا يجوز أن يقع فيه طالب العلم كما صنع هذا السندي.
وإذا كانت الجرأة اللاأدبية حملته على تخطئة الحافظ ابن حجر بغير حجة، فماذا يقول في الحافظ صلاح الدين العلائي الذي قال في كتابه القيم: " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (ص 300) وقد ذكر أبا إسحاق هذا:
" مكثر من التدليس "!
وقد ذكر هو والحافظ الفسوي من قبل بعض الروايات التي دلس فيها باعترافه!(12/915)
ولذلك؛ جرى الحفاظ أثناء تخريجهم للأحاديث على إعلال بعضها بتدليس أبي إسحاق واختلاطه، فانظر على سبيل المثال إعلال الحافظ البوصيري لحديث ابن ماجه (رقم 1235) . ثَامِنًا وَأَخِيرًا: إن مما يدل على أن هذا الرجل لا معرفة له بهذا العلم. تعليله
لصحة إسناد هذا الحديث وأنه لا علة فيه ولا شذوذ - بزعمه! - فقال (ص 36) :
" قال. . الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 277) : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح "!
قلت: لقد علم كل من له معرفة بهذا العلم الشريف أن مثل هذا القول لا ينفي أي علة في الإسناد كالانقطاع والتدليس ونحوهما؛ فضلاً عن مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه؛ كما نبهت على ذلك مراراً!
ثم رأيت الحديث قد أورده الحافظ في " المطالب العالية لما (2 / 17) معزواً
لأبي بكر بن أبي شيبة. يعني: في " مسنده "، وسكت عنه، ولم يقوه كما فعل في " الفتح " حين عزاه لأبي يعلى، وهو إنما رواه من طريق ابن أبي شيبة كما عرفت، وكأن الشيخ الأعظمي قلده في تعليقه على " المطالب "؛ فقال:
" إسناده لا بأس به، وسكت عليه البوصيري ".
وأقول: ليتك سكت مثله! إذن؛ لسترت هواك أو جهلك بهذا العلم الشريف؛ فإنك لا تحسن إلا التقليد - الذي قد طبعت به - أو التخريج الذي يحسنه المبتدؤون بهذا العلم؛ كما يدل على ذلك تعليقاتك الكثيرة على بعض كتب السنة؛ كهذا الكتاب: " المطالب "، ومثله: " كشف الأستار " و " مصنف عبد الرزاق " و " مسند الحميدي ".(12/916)
وأغرب من كل ما تقدم: سكوت الحافظ ابن القطان عن هذا الحديث في كتابه " النظر " (ق 56 / 1 - 2) ؛ مع أنه معروف بدقة نظره، وبعده عن الهوى والتقليد! فسبحان من لا يسهو ولا ينسى.
5960 - (يا ابن أخي إن هذا يوم من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له) .
ضعيف. أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (4 / 261 / 2832 - 2834)
- وتبرأ من عهدة راويه كما يأتي -، وأحمد (1 / 329، 356) ، وأبو يعلى (4 /
330 / 2441) ، وابن أبي الدنيا في " الصمت " (294 / 664) ، والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 288 / 741) ، والبيهقي في " الشعب " (2 / 1 / 69 / 1) (3 / 461 - 462) ، وأبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (1 / 185 / 376) من طريق سُكين بن عبد العزيز قال: حدثني أبي قال: سمعت ابن عباس قال:
كان فلان (وفي رواية: الفضل بن عباس) رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، قال: فجعل الفتى يلاحظ النساء وينظر إليهن. قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه بيده من خلفه مراراً. قال: وجعل الفتى يلاحظ إليهن. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال ابن خزيمة:
" سكين بن عبد العزيز البصري؛ أنا بريء من عهدته وعهدة أبيه ".
قلت: وأما سكين؛ فقد جاوز القنطرة بتوثيق من وثقه من الأئمة؛ مثل وكيع وابن معين وابن نمير وغيرهم، ولا يضره أنه لم يعرفه ابن خزيمة، وتضعيف من ضعفه وهم قلة. ولذا؛ قال الحافظ في " التقريب ":(12/917)
" صدوق، يروي عن ضعفاء ".
وأما أبوه عبد العزيز بن قيس العبدي؛ فهو مختلف عن ابنه؛ فإنه لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي. وتساهلهما معروف. وقول المعلق على " مسند أبي يعلى ":
، روى عنه جماعة "؛ كان يمكن أن يعطيه قوة لو كانوا من الثقات، وليس فيهم منهم غير ابنه، وآخران أحدهما مجهول، والآخر لا يعرف؛ كما بينته في " تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان "، فالإسناد ضعيف.
وقد ترتب عن وراء ذاك التساهل: أن صحح إسناد الحديث الحافظ المنذري في
" الترغيب " (2 / 129) ، وتبعه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (5 / 17) ، وقلدهما المعلق على " مسند أبي يعلى " إ! والله المستعان، وهو ولي التوفيق.
وأما قول الهيثمي في " المجمع " (3 / 251) بعد ما عزاه لأحمد وأبي يعلى والطبراني:
" ورجال أحمد ثقات ".
فهو مع كونه لا يعني تصحيحه، فإن تخصيصه رجال أحمد بالتوثيق تقصير؛ فإن رجال أبي يعلى كذلك، مع ملاحظة تساهل الهيثمي المعروف في اعتداده بتوثيق ابن حبّان!
وللمنذري خطأ آخر غير تصريحه بصحة إسناده: ألا وهو عزوه إياه لابن خزيمة
في " صحيحه "؛ دون أن يبين تبرأه من راويه؛ كما تقدم مني نقله عنه، فأوهم أن الحديث صحيح عِنْد ابن خزيمة! وليس كذلك، وَكَثِيرًا ما يقع مثل هذا العزو المطلق(12/918)
إلى " صحيح ابن خزيمة " ويكون هو قد تبرأ من عهدته ببيان علته كما فعل في هذا الحديث.
هذا، وفي رواية لأحمد (1 / 356) من الوجه المذكور عن ابن عباس بلفظ:
إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الفضل بن عباس يلاحظ امرأة عشية عرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم هكذا بيده على عين الغلام. قال:. . . فذكره مُخْتَصَرًا بلفظ:
" إن هذا يوم؛ مَنْ حفظ فيه بصره ولسانه؛ غفر له ". ولفظ ابن أبي الدنيا:
". . . من ملك سمعه إلا من حق، وبصره إلا من حق، ولسانه إلا من حق؛ غفر له ". وهو رواية للبيهقي، وعزاه إليه المنذري، وتبعه السيوطي بلفظ:
" مَنْ حفظ لسانه وسمعه وبصره يوم عرفة؛ غفر له من عرفة إلى عرفة ".
ولم أره عنده في الموضع الذي تقدمت الإشارة إليه، فلعله عنده في موضع آخر
من " شعب الإيمان "، والله أعلم.
ثم رأيته فيه (3 / 358 / 3768) من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رجل من عبد قيس عن الفضل بن عباس مَرْفُوعًا.
5961 - (إن الملائكة لتصافح ركاب الحجاج وتعتنق المشاة) . موضوع. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 1 / 74) من طريق أبي الحسن أحمد بن إسحاق السقطي (الأصل: الضبي) وأبي علي حامد بن محمد الرفاء قالا: ثنا محمد بن يونس: أنا موسى بن هارون بن أبي الجراح بن خالد بن بهاء: نا يحيى بن محمد المديني: نا صفوان بن سُليم عن عروة بن(12/919)
الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال:
" وهذا إسناد فيه ضعف "!
كذا قال! وفيه تساهل ظاهر، وكأنه كان لا يرى محمد بن يونس - وهو القرشي الكديمي - أنه متهم بالوضع؛ تبعاً لمن كان حسن الظن به؛ فقد قال الدارقطني:
" كان يتهم بوضع الحديث، ما أحسن القول فيه إلا من لم يخبر حاله ". وقال
ابن حبان:
" كان يضع الحديث، لعله قد وضع على الثقات أكثر من ألف حديث ".
وشيخه موسى بن هارون بن أبي الجراح؛ لم أعرفه.
ويحيى بن محمد المديني؛ إن كان الشجري؛ فضعيف، وإن كان المحاربي؛ فصدوق يخطئ كَثِيرًا، كما في " التقريب ".
والحديث؛ مما سوّد به السيوطي " الجامع الصغير "، وقد تعقبه المناوي في
" فيض القدير " بقوله بعد أن نقل عبارة البيهقي في تضعيف إسناده:
" هذه عبارته، فَحَذْفه لذلك من كلامه من سوء التصرف، وسبب ضعفه أن
فيه محمد بن يونس، فإن كان الجمال؛ فهو يسرق الحديث كما قال ابن عدي، وَإِنْ كان المحاربي؛ فمتروك الحديث كما قال الأزدي، وَإِنْ كان القرشي؛ فوضاع كذاب كما قال ابن حبان ".
وأقول: هو القرشي الكديمي يَقِينًا؛ فإنهم ذكروه في شيوخ اَللَّذَيْنِ رويا هذا الحديث عنه: السقطي بهاء، وهما مترجمان في " تاريخ بغداد ".(12/920)
ولهذا التردد؛ لم يزد في " التيسير " على حكاية تضعيف البيهقي لإسناده! (تنبيه) : هكذا وقع في، الفيض،: (المحاربي) ! وهو خطأ مطبعي صوابه: (الحارثي) ؛ كما في " الميزان " و " اللسان ".
5962 - (إذا خطب اليكم كفؤ فلا تردوه فنعوذ بالله من بوار البنات) .
موضوع. أخرجه المسمى ب (الربيع بن حبيب الأزدي البصري) في الكتاب المنسوب إليه تحت اسم: " الجامع الصحيح " من كتب الإباضية (ص 138 / 513) :
أبو عبيدة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: وهذا مع إرساله لا يصح؛ فيه علتان:
الأولى: أن الربيع هذا نكرة؛ لا يعرف في شيء من كتب تراجم علمائنا، حتى الإباضيون لم يستطيعوا أن يذكروا لنا شَيْئًا من تاريخ حياته؛ سوى أنهم تكلفوا جِدًّا في ذكر شيوخه ومن روى عنه اِعْتِمَادًا منهم على مصادرهم الخاصة بهم والمتأخرة جِدًّا عن عصر الربيع هذا، ولم يعزوا ترجمته إلى كتاب من كتب التراجم والتاريخ المعروفة!
وأما قول الأستاذ عز الدين التنوخي رحمه الله في تقدمته للكتاب (ص د)
أنه من ثقات التابعين؛ فأظن أنه صدر منه مجاملة لشارحه الشيخ عبد الله بن حميد السالمي اَلْعُمَانِيّ الإباضي! وإلا؛ فهذا التوثيق لم ينقله عن أحد من أهل العلم، حتى ولا من أحد من الإباضيين صراحة، وإن كان الشارح المذكور قد قال(12/921)
في مقدمة شرحه ما يتضمن ذَلِكَ، وهو قوله:
" أما بعد، فإن الجامع الصحيح، مسند الإمام الكامل والهمام الفاضل الشهير
بين الأواخر والأوائل (!) الربيع بن حبيب. . . من أصحِّ كتب الحديث سَنَدًا وأعلاها مُسْتَنَداً. . . لشهرة رجاله بالفقه الواسع، والعلم النافع. . . والعدل والأمانة والضبط والصيانة "! !
وقال في التنبيه الأول المطبوع في أول الكتاب: " المسند الصحيح " (!) :
" هذا حكم المتصل من أخباره. وأما المنقطع بإرسال أو بلاغ فإنه في حكم الصحيح لتثبت راويه، ولأنه قد ثبت وصله من طرق أخر (!) لها حكم الصحة. فجميع ما تضمنه الكتاب صحيح بِاتِّفَاق أهل الدعوة (يعني: الإباضية) وهو أصح كتاب من بعد القرآن العزيز، ويليه في الرتبة الصحاح من كتب الحديث "! ! ! كذا قال! وهو يدل على تَعَصُّب بالغ وادعاء باطل، لا يخفى بطلان كلامه في (المنقطع) على أحد عرف شيئاً من علم المصطلح.
وأما قوله: " ولأنه قد ثبت وصله من طرق أخر لها حكم الصحة "؛ فكذب مُزْدَوِج مخالف للواقع، كما سيأتيك من كلام الشارح نفسه ما يدل على ذلك. وإن مما يبطل كلامه: أن أكثر أحاديث الكتاب هي من رواية الربيع عن شيخه
أبي عبيدة - واسمه مسلم بن أبي كريمة التيمي -؛ وهو مجهول لا يعرف عند علمائنا؛ فقد أورده الذهبي في " الميزان " قائلاً:
" مسلم بن أبي كريمة عن علي مجهول ". وأقره الحافظ في " اللسان "، وزاد:
" وذكره ابن حبان في " الثقات " قال: إلا أني لا أعتمد عليه. يعني: لأجل(12/922)
اَلتَّشَيُّع "!
كذا قال! ولعله سبق قلم، فالرجل خارجي إباضي كما ترى، وروايته عن علي في هذا " المسند " (109 / 412) هكذا:
" أبو عبيدة، قالت: سئل علي بن أبي طالب: بأي شيء بعثك رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . ".
هكذا وقع فيه معلقآ: " أبو عبيدة " وهي كنية مسلم بن أبي كريمة، وظاهره الانقطاع، ويؤيده أنه في حديث وآخر (139 / 518) أدخل بينه وبين علي جَابِرًا، وهو ابن زيد أبو الشعثاء الأزدي الثقة.
والخلاصة: أن أبا عبيدة هذا مع كونه لم تثبت تابعيته، فهو مجهول العين كما تقدم عن الذهبي، وسلفه في ذلك أبو حاتم الرازي في " الجرح والتعديل ". وهو العلة الثانية.
ويمكن استخراج علة ثالثة: وهي تفرد " مسند الربيع " هذا بالحديث دون كل كتبنا نحن أهل السنة، حتى المختصة منها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة! مع ما عرفت من جهالة الربيع! وفي اعتقادي أن الإباضية ليس لهم - على الأقل - إسناد معروف يرويه ثقة حافظ في كتاب متداولة عندهم - على الأقل - عن المؤلف، فكيف يعتمد على مثله لو كانت أسانيد المؤلف فيه صحيحة! وهيهات هيهات؛ فأكثرها تدور على هذا المجهول (مسلم بن أبي كريمة) .
وإن مما يحسن ذكره بهذه المناسبة: أن الإباضية كما حاولوا توثيق المؤلف (الربيع
ابن حبيب) بالكلام المزخرف، كذلك حاولوا رفع طبقته والعلو بإسناده، فمرة جعلوه تَابِعِيّاً كما حاول ذلك شارحه السالمي في مقدمته، وصرحوا بذلك حين(12/923)
طبعوا تحت اسمه في " مسنده ":
" أحد أفراد النبغاء من آخر قرن البعثة "! ثم عدلوا ذلك وصححوه فطبعوا تحت اسم من " شرحه ":
" من أئمة المائة الثانية للهجرة "!
ومع الأسف الشديد فقد شايعهم على ذلك الأستاذ عز الدين التنوخي؛ فجعله من ثقات اَلتَّابِعِين كما تقدم!
ولست أدري - والله! - كيف يتجرأ هؤلاء على ما ذكرنا وهم يرون أن الربيع
يروي في " المسند " (ص 216 و 228) عن سفيان بن عيينة وهو قد مات في آخر القرن الثاني سنة (198) ! ويروي (ص 222) عن بشر المريسي المبتدع الضال المشهور بضلاله، وقد مات في آخر الربع الأول من القرن الثالث سنة (218) ! ومثله: روايته (ص 212) : أخبرنا بشر عن إسماعيل ابن علية. . وَإِسْمَاعِيل ابن علية توفي أيضاً في آخر القرن الثاني سنة (183) ! فيكون الراوي عنه من القرن الثالث، سواء كان هو المريسي المذكور آنِفاً أو غيره، وقد وجدت في " الميزان " و " اللسان ":
" بشر بن إسماعيل بن علية. عن أبيه. قال أبو حاتم: مجهول ".
فكيف يعقل أن يروي من كان تَابِعِيّاً - بل وَتَابع تابعي - أن يروي عمن مات
في القرن الثالث " إلا إذا كان طويل العمر على خلاف المعتاد، وهذا ما لم يذكروه ولو تَلْوِيحًا؛ بل إنهم لم يذكروا له تاريخأً لولادته ولا لوفاته! وذلك مما يدل البصير على أن الرجل مغمور لا يعرف، حتى إن العلامة الزركلي - وهو من أعلم من عرفنا في العصر الحاضر بتراجم الأعلام قديماً وَحَدِيثاً - لما ترجم للربيع هذا، لم يذكر فيه(12/924)
سوى كليمات أخذها من شرح السالمي المتقدم ذكره لا غير! ووضع ثلاث نقاط مكان تاريخ ولادته ووفاته (. . . -. . .) ! إشارة منه إلى أنه غير معروف، فكيف مع هذه الجهالة صفة وَعَيْناً يقول السالمي في " مسنده ": " إنه أصح كتاب من بعد القرآن الكريم "! ويجعله أصح من " الصحيحين "؛ خِلَافًا لجماهير المسلمين؛ مضاهاة منه للشيعة الذين يجعلون كتاب كُلَيْنِيهِمْ هو الأصح عندهم؟ ! !
وكيف يصف السالمي مؤلفه الربيع بما تقدم من الأوصاف التي منها: ". . . الشهير بين الأواخر والأوائل "، وهو مغمور ليس مَعْرُوفًا لا عند الأوائل ولا الأواخر؟ ! أليس هذا كَذِباً وزوراً، ومن الكبائر التي يكفر بها المسلم ويخلد في النار مع المشركين عندهم؟ !
وبهذه المناسبة أقول: من غرائب هذا الزمان وعجائبه أن يتجرأ أحد الإباضيين
وهو الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ويؤلف كِتَاباً سماه بغير اسمه: " الحق الدامغ "! انتصر فيه لمذهبه في إنكارهم رؤية المؤمنين لربهم في الجنة، وقولهم بخلق القرآن، وبخلود أهل الكبائر في النار. وقد سلك فيه طريقة أسلافه من المعتزلة وغيرهم من أهل الأهواء في تأويل أدلة أهل السنة، وجعلها ظنية الدلالة أو الثبوت، فيقول مَثَلاً فيما كان من القرآن وأخرجه عن دَلَالَته الظاهرة على الأقل: " والدليل إذا اعتراه الاحتمال سقط به الاستدلال "! (ص 50) وغيرها. وأما ما استدل به هو من الآيات فتأولها؛ لتوافق مذهبه؛ كمثل تأويله لقوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة) ؛ فإنه تأول قوله. (ناظرة) أي: منتظرة! ومع ذلك فهي عندهم قطعية! وفيما كان من السنة والحديث وتبين له أن التأويل غير ناجح فيه استعمل فيها معول الهدم، وهو قوله (ص 62) :
" ومهما يكن فإن هذه الأحاديث آحادية، والآحادي لا تنهض به حجة في(12/925)
الأمور الاعتقادية. . . "!
شنشنة نعرفها من أخزم، يلهج بذلك أهل الأهواء والبدع في كل زمان، وبخاصة زماننا هذا الذي كثرت فيها الفرق والطوائف!
(وكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا) ! وإن عجبي من هؤلاء لا يكاد ينتهي، يردون الاستدلال بالأحاديث الصحيحة بتلك الحجة الواهية، ومن جهة أخرى هم يستدِلّون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، وما لا أصل له في السنة الصحيحة؛ بل وبالآثار الموقوفة الواهية، وكتاب الخليلي المذكور آنِفًا مشحون بما لا يصح من المرفوع والموقوف، ولم لا وهو يستقي من كتاب إمامه " المسند الصحيح ".
ولقد كان اسمه " المسند "، فأضافوا هم من عند أنفسهم: " الصحيح "؛ ليضلوا الناس، وليضاهوا عندهم أهل السنة في كتابهم: " المسند الصحيح " للإمام البخاري! وشتان ما بينهما، ويكفي المنصف أن يعلم أن أكثر أحاديث صحيحهم تدور على مسلم بن أبي كريمة المجهول، والأسانيد الأخرى - مع أن أكثرها مراسيل أو معاضيل؛ ف - فيها كثير ممن عرفوا بالضعف الشديد؛ مِثْل أبان بن أبي عياش (ص 217، 218) ، وزيد بن عوف العامري البصري، ومحمد بن يعلى (ص 215، 220، 242) ، وجويبر (215، 220، 226، 242) ، وإسماعيل بن يحيى (ص 219) ، وعبد الغفار الواسطي (ص 219) أَيْضًا، وأبو بكر الهذلي (ص 220) ، وبشر المريسي كما تقدم، والحسن بن دينار عن خصيب بن جحدر (ص 222) ، والكلبي (ص 223، 236) . وبعضهم من الكذابين المعروفين كهذا الكلبي والثلاثة الذين قبله! هذا " فَضْلًا عما فيه من الضعفاء وَالْمَجَاهِيل مما لا يتّسع(12/926)
المجال لحصرهم، ولا فائدة كبرى من ذكرهم؛ فإن فيما ذكرنا من المتروكين والكذابين كفاية للتعريف بهذا " المسند " الذي كذبوا يَقِينًا في تسميتهم إياه ب " المسند الصحيح "! كما تجرأوا على ادعاء أن ما فيه من المرسل والمنقطع قد ثبت وصله من طرق أخر لها حكم الصحة! لقد كذبوا - والله! - فهذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام حول مصدره، قَدْ قال فيه الشارح السالمي (3 / 10 / 4) : " الحديث مرسل عند المصنف، وهو مما تفرد به فيما يظهر "!
ويأتي قوله في الحديث التالي:
" الحديث أَيْضًا مرسل عند المصنف، ولم أجده عند غيره "!
قلت: فهلا أثبت صدق قولك المتقدم في الوصل، أو على الأقل عدالته بما يتناسب مع واقع تلك المعاضيل والمراسيل؟ !
واعلم أن الشطر الثاني من الحديث قد علقه الخطابي في " غريب الحديث " (200 / 1) في مادة (بور) ؛ فقال:
" ومنه الحديث: نعوذ بالله من بوار الأيم ".
وهذا التعليق يشعر الواقف عليه والعارف بأسلوب الخطابي: أنه يسند الأحاديث التي فيها اللفظ الغريب الذي يريد بيانه وشرحه، فتعليقه إياه دليل على أنه لا إسناد له. فتنبه.
وأما الشطر الأول منه؛ فيغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم:
" إذا خطب إليكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ".(12/927)
أخرجه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وهو حسن لغيره؛ كما بينته في " إرواء الغليل " (6 / 266 / 1868) .
5963 - (الأحْرار من أهل التوحيد! كفهم أكفاء إلا أربعة: المولى، وا لحجّام، والنساج، وا لبقال) .
موضوع. ذكره الربيع في " مسنده " (138 / 513) عقب الحديث السابق دون إسناد، فقال: وقال صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: فهذا معضل، ويحتمل أن يكون مَعْطُوفًا على الإسناد السابق، وقد عرفت أنه لا قيمة له عندنا، وعلى هذا الاحتمال جرى الشارح السالمي؛ فقال كما تقدم:
" الحديث أَيْضًا مرسل عند المصنف، ولم أجده عند غيره ".
قلت: هذا دليل منه على أن قوله في مقدمة شرحه: " إن ما في " المسند " من معضل أو مرسل قد صح وصله "؛ ليس بصحيح على إطلاقه؛ إذ إنه لو كان له أصل مَوْصُولاً؛ لبادر إلى تخريجه؛ دَعْمًا لحديث إمامه أَوَّلًا، وَتَصْدِيقًا لقوله المشار إليه في المقدمة ثَانِيًا. فَهَذَا الحديث كالذي قبله من جهة أنه لا أصل له مَوْصُولاً، وأنه لا يصح متنه؛ لأنه لا إسناد له - حتى عند الإباضي - لننظر فيه، حتى ولو كان له عنده بإسناده؛ فلا قيمة له؛ لأن راويه الربيع الإباضي مجهول كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله.
واعلم أن الأستاذ التنوخي - غفر الله لنا وله - قد علق على قول الشيخ السالمي المتقدم: ". . ولم أجده عند غيره "؛ فقال:(12/928)
" وفي " سنن البيهقي الكبرى " (7 / 135) عن عاثشة قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:
" العرب للعرب أكفاء، والموالي أكفاء للموالي إلا حائك أو حجام ".
قلت: وسكت عنه التنوخي! وهو الذي لا يسعه غيره؛ لأنه لا شأن له بهذا العلم، وإنما هو كاتب أديب لغوي؛ لكنه مع ذلك أساء في سكوته عنه؛ لأن الذي عزاه إليه - وهو البيهقي - لم يسكت عنه؛ بل قال عقبه:
" وهو ضعيف ".
مع أنه قد تساهل في هذا التعبير؛ لأن فيه من قال أحمد فيه: " أحاديثه كلها موضوعة ".
وهو مخرج مع غيره مما في معناه في " إرواء الغليل " (1869) .
والحديث مع وضعه مخالف لحديث الترمذي المتقدم آنِفًا:
" إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. . . " الحديث؛ بل ولظاهر قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) .
وللسنة العملية التي جرى عليها الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم؛ كما في البخاري وغيره:
أن أبا حذيفة أنكح سَالِمًا ابنة أخيه الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من
الأنصار.
وهو مخرج في " الإرواء " (1863) .(12/929)
وصح أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة، فنكحها بأمره.
رواه مسلم، وعزاه في " منار السبيل " للمتفق عليه! وهو وهم كما نبهت عليه
في " الإرواء " (1804، 1864) .
وقد خالف ذلك من اعتبر الكفاءة في النسب، وهم الجمهور؛ كما نقله الشوكاني (6 / 115) وغيره. وقال الشافعي:
" ليس نكاح غير الأكفاء حَرَامًا فأرد به النكاح، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء، فإذا رضوا؛ صحّ، ويكون حَقّاً لهم تركوه، فلو رضوا الا وَاحِدًا؛ فله فسخُه. قال: ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنَّسب حديث ".
قلت: ومع أن قول الشافعي هذا أعدل من مذهب الجمهور؛ فقد تعقبه الشيخ السالمي الإباضي في " شرحه على مسند الربيع " بقوله عقبه (3 / 13) :
" قلت: بل ثبت ذلك عند المصنف، وإن لم يسمعه الشافعي "!
فيقال له: أخطأت من وجهين:
الأول: أن قول الشافعي: " ولم يثبت. . . "؛ لا يعني أنه لم يسمعه، وإنما هو العكس تَمَامًا: سمع به ولم يثبت عنده.
والآخر: كيف ترد تلك الأحاديث الصحيحة المؤيّدة بالآية الكريمة: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ؟ ! وَأَخِيرًا: مَنْ هذا اَلْمُصَنِّف حتى تعارض بحديثه غَيْر اَلْمُسْنَد! عِلْمَ اَلْإِمَام
الشافعي الذي ملأ الآفاق؟ ! حتى ولو أسنده لم تقم به حجة؛ لجهالته، كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله.(12/930)
ثم رأيت الشوكاني قد مال في " السيل الجرار " (2 / 291 - 295) إلى ما أشرنا إليه من الحق في بحث طويل له، ومن قبله الإمام الصنعاني في " سبل السلام "؛ فليراجعها من شاء زيادة في التحقيق.
وأما أثر عمر الذي عزاه السالمي إليه من رواية الدارقطني بلفظ:
" لأمنعن تزوج ذوات الأنساب إلا من اَلْأَكْفَاء) ! ؛ فقال السالمي عنه:
" وهذا يدل على أنه رضي الله عنه كان يعتبر الكفاءة في النسب؛ بخلاف ما تقدم عنه ".
يعني: أنه من الذين يعتبرون الكفاءة في الدين فقط.
فأقول: هذا هو الصواب؛ لما تقدم من الأدلة، وأما هذا الأثر؛ فيقال للسالمي: أثبت العرش ثم انقش! فإن إسناده لا يصح؛ كما حققته في " الإرواء " (1867) . ثم إليك نَمُوذَجًا آخر من أحاديث الإباضيين الباطلة في " مسند ربيعهم " في إنكارهم لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
5964 - (ليست الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي) .
باطل. ذكروه في " مسند الربيع بن حبيب " الذي سموه ب " المسند الصحيح "! ولا صلة له بالصحيح من الحديث إلا ما كان فيه مَسْرُوقًا من كتب أهل السنة؛ فقد جاء فيه (279 / 1004) :
جابر بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره. وزاد:
يحلف جابر عند ذلك: ما لأهل الكبائر شفاعة؛ لأن الله قد أوعد أهل الكبائر(12/931)
النار في كتابه، وإن جاء الحديث عن أنس بن مالك أن الشفاعة لأهل اَلْكَبَائِر؛ فوالله! ما عنى القتل والزنى والسحر وما أوعد عليه النار!
قلت: والكلام عليه من وجوه:
الأول: أن هذا الحديث النافي للشفاعة مفترى على جابر بن زيد رحمه الله تعالى؛ فإنه ثقة إمام، أحد الأعلام، أثنى عليه ابن عباس وغيره من السلف، وله ترجمة عطرة في " تذكرة الحفاظ " وغيره. فلا يعقل أن ينكر الشفاعة وأحاديثها مشهورة متواترة!
والربيع بن حبيب مع أنه غير معروف عندنا أهل السنة؛ فإنه مع ذلك لم يذكر إسناده إليه، فهو منقطع. وبينهما في غالب أحاديثه مسلم بن أبي كريمة؛ وهو مجهول كما تقدم.
الثاني: أنه قد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية جماعة من الصحابة رضي الله عنهم؛ منهم أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأبو الدرداء، وكعب بن عجرة، وله عن أنس وحده طريقان، صحح أحدهما الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبى، والآخر إسناده حسن. وهي مخرجة في " المشكاة " (5598 - 5599) ، و " ظلال الجنة " (830 - 832) ، و " الروض النضير " (45، 65) .
الثالث: لقد اعترف المؤلف بحديث أنس: أن الشفاعة لأهل الكبائر، ولكنه
نفى أن تكون لمن قتل أو زنى أو سحر، أو أتى ما أوعد عليه بالنار. فهذا معناه أن الكبائر نوعان: هذا أحدهما، وَالْآخَر ما ليس كذلك. وهذا التقسيم مما لا تقول به
الإباضية فيما نعلم، وهو الظاهر من كلام الشيخ الخليلي في كتابه الذي أسماه:(12/932)
" الحق الدامغ " (ص 183 - 226) . وكما تناقض هنا إمامه في اَلْكَبَائِر فجعلها قسمين، أحدهما تشمل أهلها الشفاعة؛ تناقض هو على النقيض من ذلك؛ فإنه لما استدل لمذهبه في تكفير جميع مرتكبي الكبائر وأنهم خالدون في النار مع الكفار بقوله تعالى: (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) أورد على نفسه اعتراضين:
أحدهما: أن (السّيّئة) هنا هي الشرك؛ كما روي عن طَائِفَة من المفسرين،
وإذا كان هذا الوعيد لِلْمُشْرِكِينَ فهو لا يعم الموحدين.
فأجاب بقوله ما ملخصه:
" إن لفظ: (سيئة) نكرة مطلقة في سياق الشرط فهي تفيد العموم ".
فأقول: فإذا كانت عامة فهي تشمل الصغائر أَيْضًا التي تكفر بالحسنات كما قال تعالى: (إن الحسنات يُذهبن السيئات) ، وأنتم لا تقولون بذلك! فإذا خصصتموها بالكبائر سقط جوابكم، وسلم اعتراض أهل السنة عليكم. والغريب أنه كرر هذا الجواب الساقط في أكثر من موضع؛ كقوله (ص 220) :
" وهذا الحكم يصدق على من أتى أي سَيِّئَة، فإن السيئات جنس غير محصورة أفراده، وما كان كذلك فحكمه يصدق على كل فرد من أفراده سَلْبًا أو إِيجَابًا ".
يقول هذا ويكرره وهو لا يشعر أنه ضد مذهبه؛ بل ومذاهب المسلمين جَمِيعًا! ! لأنه يستلزم أن الذي ينجو من الخلود إنما هو المعصوم عن كل سيئة صغرت أو كبرت! وما يحمله على اَلْوُقُوع في هذه المزالق أو المضايق إلا شغفه في الانتصار لمذهبه، والرد على أهل السنة. والله المستعان.(12/933)
5965 - (كان إذا سمع النداء كأنة لا يعرف أحداً من الناس) .
منكر. أخرجه أبو زرعة الدمشقي في " تاريخ دمشق " (1 / 659 / 1975) ،
والدولابي في " الكنى " (1 / 63) من طريق عبد الله بن الزبرقان قال: حدثني أسامة بن أبي عطاء:
أنه كان عند النعمان بن بشير إذ أقبل سويد بن غَفَلة بن أمية، فأرسل إليه فدعاه - وَالنُّعْمَان يومئذ أمير -، فقال له: ألم يبلغني أنك صليت مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: أَوَ مرة؟ ! لا؛ بل مراراً، كان. . . الحديث.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن الزبرقان؛ قال الذهبي:
" ضعفه الأزدي، لا يعرف ". وأقره الحافظ في " اللسان "، وقال:
(ولفظ الأزدي: ضعيف مجهول ".
وأسامة بن أبي عطاء؛ كأنه مجهول أيضاً؛ فقد أورده البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 22) من رواية عبيدة عنه عن علي، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً كغالب عادته. وكذلك أورده ابن حبان في (أتباع التابعين) من " الثقات " (6 / 74) ، وذكر رَجُلًا بين عبيدة بن الأسود وعلي. وفرق ابن أبي حاتم بين أسامة الذي روى عن علي وعنه عبيدة بن مُعَتَّب، وبين أسامة بن أبي عطاء؛ فقال:
" هو أنطاكي روى عن. . . روى عنه عطاء بن مسلم وأبو رجاء وأبو الصباح مؤذن مسجد حزم ".
فالله أعلم؛ هل هو واحد أم اثنان؛
ثم وجدت لِلْحَدِيثِ شَاهِداً من حديث عاثشة قالت:(12/934)
" كان إذا كان عند عائشة كان في مهنة أهله، فإذا نودي للصلاة؛ كأنه لم
يعرفهم ".
أخرجه محمد بن المظفر في (غرائب شعبة، (5 / 2) عن يحيى بن حماد:
ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة به.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ لكن قد خالف يحيى بن حماد جماعة من الثقات عن شعبة؛ فقالوا:
". . . فإذا حضرت الصلاة؛ خرج إلى الصلاة) . وفي رواية:
" فإذا سمع الأذان؛ خرج) .
أخرجه البخاري (676، 5363، 6039) - والرواية الأخرى له -، ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (13 / 244 / 3678) ، والترمذي (2491) - وصححاه -، وأحمد (6 / 49، 126، 206) .
قلت: فتكون رواية ابن المظفر شاذة، هذا إن كان إسناده إلى يحيى بن حماد صحيحأ؛ فإنه ليس في مسودتي، وإلا؛ فهو منكر.
5966 - (إِنِّي أُمِرْت ببُدْني التي بَعَثْتُ بها أن تُقَلَّدَ اَلْيَوْم، وتشعر
على [مكان] كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم أكن لأُخْرِجَ قميصي من رأسي) (*)
منكر. أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 370) من طريق حاتم
__________
(*) كتب الشيخ ناصر - رحمه الله - فوق هذا المتن بخطه: (خرج برقم (4844) بأوسع مما هنا ".
. (الناشر) .(12/935)
ابن إسماعيل عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة عن عبد الملك بن جابر، عن جابر بن عبد الله قال:
كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد، فَفَذّ قميصه من جيبه حتى أخرجه
من رجليه، فنظر القوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:. . . فذكره.
وأورده ابن عبد البر في " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد " (17 /
224) من رواية عبد الرزاق: أخبرنا داود بن قيل عن عبد الرحمن بن عطاء: أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما جابر بن عبد الله قال:. . . فذكره مُخْتَصَرًا. قلت: كذا وقع في " التمهيد " هنا: " ابني جابر يحدثان عن أبيهما ". وقد أشار إلى الحديث في مكان آخر منه (17 / 226) ، فوقع فيه: " ابن جابر عن جابر ". وهذا مطابق لرواية الطحاوي، ولم أره في " مصنف عبد الرزاق " المطبوع لنقابله به، وفيه خرم كبير في كتاب " المناسك " منه و " الطهارة " وغيرهما، فإن صح ذلك فيه؛ فلعله من قبل داود بن قيس، وهو الصنعاني، وليس المديني، ولم يوثقه غير ابن حبان (6 / 288) . وقال الحافظ في " التقريب ":
" مقبول ".
يعني: عند المتابعة، ولم يتابع على " ابني جابر " من قبل حاتم بن إسماعيل، وهو صدوق من رجال الشيخين.
وقد أشار الطحاوي إلى تضعيف الحديث، وصرح الحافظ في (الفتح " (3 / 546) بضعف إسناده، وأعله ابن عبد البر بعبد الرحمن بن عطاء هذا، فقال:
" ليس عندهم بذاك، وترك مالك الرواية عنه؛ وهو جاره، وحسبك هذا ".(12/936)
قلت: وهو مختلف فيه؛ كما تراه في " تهذيب التهذيب "، وقال الذهبي في
" الكاشف ":
" وثقه النسائي. وقال البخاري: فيه نظر ". وَلَخَّصَ الحافظ أقوال الأئمة اَلْمُخْتَلِفَة فيه - كما هي عادته في " التقريب " -، فقال:
" صدوق، فيه لين ".
قلت: والحديث منكر؛ لِمُخَالِفَتِهِ حديث عائشة رضي الله عنها:
" كان رسول صلى الله عليه وسلم يُهدي من المدينة، فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شَيْئًا مما يجتنب المحرم ". وفي طريق أخرى عنها:
" ثم أصبح فينا حَلَالًا يأتي ما يأتي الرجل من أهله ".
أخرجه الشيخان وأبو داود وغيرهم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1541 - 1543) .
قال ابن عبد البر:
" لم يلتفت مالك ومن قال بقوله إلى حديث عبد الرحمن بن عطاء هذا، وردوه بحديث عائشة؛ لتواتر طرقه عنها وصحته، وما يصحبه من جهة النظر إلى ثبوته من طريق الأثر ".
ثم ذكر من رواه من التابعين عن عائشة رضي الله عنها، ثم روى بسنده الصحيح عن مسروق قال:
قدت لِعَائِشَة: إن رِجَالًا ههنا يبعثون بالهدي إلى البيت، ويأمرون الذين يبعثونهم أن يُعْرِّفُوهُمْ اليوم الذي يقلدونها، فلا يزالون مُحرِمين حتى يحل الناس!(12/937)
فصفقت بيدها، فسمعت ذلك من وراء الحجاب فقالت: سبحان الله! لقد كنت أفتل. . . الحديث نحو ما تقدم.
وقد أخرجه البخاري (1700) ، ومسلم (4 / 95) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن: أن زياد أبن أبي سفيان أكتب إلى عائشة: أن عبد الله بن عباس
قال: من أهدى هَدَيَا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر الهدي، وقد بعثت بهديي، فاكتبي إِلَيَّ بأمرك. قالت عمرة: قالت عَائِشَة: ليس كما قال ابن عباس؛ أنا فتلت. . . الحديث.
وما أحسن ما روى البيهقي (5 / 234) عن الزهري قال:
أول من كشف العمى عن الناس وبيّن لهم السنة في ذلك عَائِشَة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. . . ثم روى الحديث عن عروة وعمرة عنها، وزاد في آخره:
" فلما بلغ الناس قول عَائِشَة هذا؛ أخذوا بقولها وتركوا فتوى ابن عباس ". قال ابن عبد البر رحمه الله (17 / 221) :
" فيه من الفقه: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يختلفون في مسائل من الفقه؛
فلا يعيب بعضهم بَعْضًا بأكثر من رد قوله ومخالفته إلى ما عنده من السنة في ذلك. وهكذا يجب على كل مسلم ".
5967 - (نعم؛ حجي عن أبيك إن لم تزده خيراً لم تزده شراً) .
منكر. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 245) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا أبي: أنا عبد الرزاق: أنا سفيان الثوري عن(12/938)
الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس:
أن رَجُلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أحج عن أبي؛ فقال:. . .
فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، لكن المتن منكر، أو على الأقل شاذ؛ لِمُخَالِفَتِهِ كل الطرق المروية عن ابن عباس رضي الله عنهما في السؤال المذكور، ومع
أنه وقع الخلاف فيها: أكان السائل رَجُلًا أم امرأة - والثاني هو الراجح الموافق لما في " الصحيحين "، وهو مخرج في " الإرواء " (992) ، و " جلباب المرأة المسلمة "؛ أقول: ومع ذلك - فليس في شيء منها هذه الزيادة: (إن لم تزده خَيْرًا، لم تزده شَرًّا ". فدل ذلك على نكارتها أو شذوذها.
فإن قيل: فممن العلة؛
قلت: قد بينها الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في كتابه القيم " التمهيد "؛ فقال (9 / 129) بعد أن ذكره من طريق عبد الرزاق:
" أما هذا الحديث؛ فقد حملوا فيه على عبد الرزاق؛ لانفراده به عن الثوري
من بين سائر أصحابه، وقالوا: هذا حديث لا يوجد في الدنيا عند أحد بهذا الإسناد؛ إلا في كتاب عبد الرزاق، أو في كتاب من أخرجه من كتاب عبد الرزاق، ولم يروه أحد عن الثوري غيره، وقد خطأوه فيه، وهو عندهم خطأ، فقالوا: هذا لفظ منكر، لا يشبه ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم: أن يأمر بما لا يدرى هل ينفع أم لا
ثم روى بإسناده عن عبيد بن محمد الكشوري أنه قال:(12/939)
" لم يروه أحد غير عبد الرزاق عن الثوري، ولم يروه عن الثوري لا كوفي ولا بصري ولا أحد ".
والحديث؛ لم أره في " مصنف عبد الرزاق " المطبوع، وفيه خرم كبير في بعض كتبه مثل " المناسك " و " الطهارة ". وليس في " مسند أحمد "؛ فالظاهر أنه رواه في بعض كتبه الأخرى، ولا هو في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه! فلعله لم يورده؛ لأن الجملة الأولى منه في " الصحيحين " كما تقدم. والله أعلم. ثم رأيت الحديث قد عزاه الحافظ في " الفتح " (4 / 70) لعبد الرزاق، ثم ضعفه بقوله:
" جزم الحفاظ بأنها رواية شاذة ".
5968 - (لا يجتمع ملأ فيدعو بعضهم، ويؤمن سائرهم، إلا أجابهم الله) .
ضعيف. أخرجه الطبرَاني في " المعجم الكبير " (4 / 26 / 3536) : حدثنا بشر بن موسى: ثَنَا أبو عبد الرحمن المقرئ: ثَنَا ابن لهيعة: حدثني ابن هبيرة عن حبيب بن مسلمة الفهري - وكان مُسْتَجَاباً -: أنه أمِّرَ على جيش، فدرب الدروب، فلما لقي العدو؛ قال للناس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. . . فذكره. ثم إنه حمد الله وأثنى عليه فقال:
" اللهم! احقن دماءنا، واجعل أجورنا أجور الشهداء ". فبينما هم على ذلك
إذ نزل (الهنباط) أَمِير العدو، فدخل على حبيب سرادقه. وقال الطبرَاني:
" (الهنباط) بالرومية: صاحب الجيش ".(12/940)
ومن طريق الطبرَاني رواه ابن عساكر في ترجمة حبيب من " تاريخ دمشق " (4 / 188 - مصورة المدينة) ، والحاكم (3 / 347) ، ومن طريقه البَيهقي في " دلائل النبوة " (7 / 113 - 114) ، ومن طريقهما ابن عساكر أَيْضًا من طريق أخرى عن بشر بن موسى به.
سكت عنه الحاكم والذهبي، وقال اَلْهَيثميّ (15 / 175) بعدما عزاه
للطّبراني:
" ورجاله رجال (الصحيح) ، غير ابن لهيعة، وهو حسن الحديث ".
قلت: بل هو ثقة في رواية العبادلة عنه، ومنهم أبو عبد الرحمن المقرئ، وهو عبد الله بن يزيد المصري، وكذلك سائر رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب "؛ غير بشر بن موسى؛ وهو ثقة، وثقه الدّارقطني والخطيب في " التاريخ " (7 / 86 - 87) ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " (3 1 / 352) .
وابن هبيرة: اسمه عبد الله، أبو هبيرة، وهو وإن كان ثقة فإنه لم يدرك حبيب
ابن مسلمة؛ فإنه ولد سنة (41) سنة الجماعة، وبعدها بسنة مات ابن مسلمة، فالإسناد منقطع، فلعله لذلك سكت عنه الحاكم والذهبي، والله أعلم.
وقد اختلفوا في صحبة حبيب بن مسلمة: فمنهم من أثبتها، ومنهم من نفاها. والأول هو الراجح، وبه قال البخاري؛ فقد صح سماعه منه صلى الله عليه وسلم لحديث:
" كان ينفل الربع بعد الخمس. . . ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2455 - 2456) .(12/941)
5969 - (نهى أن يُحَدَّ الرّجل النظر إلى الغُلام الأمْرد) .
موضوع. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7 / 2557 - 2558) من طريق خطاب بن سيار الحرّاني: ثَنَا بقية عن الوازع عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:. . . فذكره مَرْفُوعًا.
أورده في ترجمة اَلْوَازِع هذا - وهو ابن نافع العقيلي الجزري - في جملة أحاديث ساقها له، وقال:
" عامتها مناكير غير محفوظة ". وروى عن ابن معين أنه قال فيه:
" ليس بثقة ". وعن أحمد:
" ليس حديثه بشيء ". وعن البخاري:
" منكر الحديث ". وعن النسائي:
" متروك الحديث ". وقال الحاكم وغيره:
" روى أحاديث موضوعة ".
قلت: وأرى أن هذا منها.
وبقية: هو ابن الوليد، وهو مدلس؛ ولكن لو أراد أن يدلس لأسقط اَلْوَازِع هذا! ولكن لقائل أن يقول: من المحتمل أنه لا يعرفه، وَحِينَئِذٍ فيمكن أن يكون بينه وبينه راو لا يرضاه فأسقطه. والله أعلم.
وخطاب بن سيار الحرّاني، لم أجد له ترجمة. وفي الرواة خطاب بن القاسم الحرّاني الثقة؛ لكن يبدو أنه ليس به؛ لأنه أعلى طبقة منه، روى عن عبد الكريم(12/942)
الجزري والأعمش وزيد بن أسلم.
5970 - (النظرة الأولى خطأ، والثانية عمد، والثالثة تُدَمّر. نَظَرُ المؤمن إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس! مسموم، من تركها من خشية الله، ورجا ما عنده؛ أثابه اَللَّه بذلك عبادة تبلُغُه لذّتها) . موضوع. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 101) من طريق أبي مهدي
عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو مهدي - واسمه سعيد بن سنان الحمصي -؛ وهو متهم بالوضع، وقد تقدمت له أحاديث (294، 555، 604، 616، 957، 1115) .(12/943)
5971 - (ما من عبد يكف بصرَه عن محاسن امرأة، ولو شاء أن ينظر إليها نظر، إلا أَدْخَلَ اَللَّه تعالى قلبَه عبادة يجد حلاوَتَها) .
موضوع.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 187) من طريق عصمة بن محمد قال: ثَنَا موسى - يعني: ابن عقبة - عن القاسم بن محمد عن عائشة مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته عصمة بن محمد؛ قال يحيى بن معين:
" كذاب يضع الحديث ". وقال العقيلي:
" يحدث بالبَواطيل عن الثقات ". وقال الدّارقطني وغيره:
" متروك ".(12/943)
كذا في " الميزان "، وساق له من أباطيله أحاديث؛ منها:
" اطلبوا الخير عند حِسَان الوجوه "!
5972 - (لمَّا سُحِرَ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ جبريل عليه السَّلام بخاتم، فقال: لا يُصيبك شيء ما دَامَ هذا في يَدِك)
موضوع.
أخرجه بحْشل الوَاسطي في " تاريخ وَاسط " (ص 60) ، وابن عدي في " الكامل " (3 / 881) من طريق بشر بن محمد بن أبان الوَاسطي
قال: ثَنَا خالد بن محدُوج أبو روح الوَاسطي عن أنس بن مالك قال:. . . فذكره. وقال ابن عدي:
" هذا حديث لا أعرفه إلا بهذا الإسناد، ولا أدري البلاء فيه من خالد أو بشر
ابن محمد، ولخالد غير ما ذكرت، وليس بالكثِير، وعامة ما يرويه مناكير ".
قلت: هو ضعيف جداً؛ كما قال أبو حاتم وابن عبد البر، وقال البخاري:
" كان يزيد بن هارون يرميه بالكذب ". وقال النسائي:
" متروك ".
وبشر بن محمد؛ لعله خير منه، فقد قال الذهبي في ترجمته:
" صدوق إن شاء الله تعالى ".
مع أنه قال عنه في ترجمة شيخه خالد:
" أحد الواهِين ".(12/944)
5973 - (خلق اَللَّه الأرض يوم الأحد! والإثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهنّ من منافع، وخلق يوم اَلْأَرْبِعَاء الشّجر وَالْمَدَائِن والعمران والخراب؛ فهذه أربعة، ثم قال: (أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربّ العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً لِلسَّائِلِينَ) لمن سأل، وخلق يوم اَلْخَمِيس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث سَاعَات بقيت منه، فخلق في أوّل ساعة من هذه الثلاثة الآجال حين يَمُوت من مات، وفي الثانية ألقى اَلْآفَة على كل شَيْء مما يَنْتَفِع به اَلنَّاس، وفي الثالثة: آدم، وأسكنه الجنة، وَأَمَرَ إبليس! بالسجود لَهُ، وَأَخْرَجَهُ منها في آخر ساعة. قالت اَلْيَهُود: ثُمَّ ماذا يا محمد؛ قال: ثم (اِسْتَوَى على العرش) . قالوا: قد أصبت لو أتممت؛ قالوا: ثم اِسْتَرَاحَ. فغضب اَلنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً؛ فنزل: (ولقد خلقنا السماوات وَالْأَرْض وما بينهم في ستّة أيام وما مسّنا من لُغوب. فاصبر على ما يَقُولُونَ))
منكر.
أخرجه ابن جرير الطّبري في " تفسيره " (24 / 61) و " تاريخه " (1 / 23) : حدثنا هناد بن السري قال: ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس - قال هناد: قرأت سائر الحديث على أبي بكر -: أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن خلق السماوات والأرض؛ قال:. . . فذكره.
وأخرجه الحاكم (2 / 543) ، وعنه البيهقي في " الأسماء والصفات " (357)(12/945)
من طريق أخرى عن هناد بن السري به. وقال الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
" قلت: أبو سعيد البقال؛ قال ابن معين: لا يكتب حديثه ".
وتابعه: ابن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة به نحوه.
أخرجه الحاكم أَيْضًا (2 / 450) ، وقال:
" هذا حديث قد أرسله عبد الرزاق عن ابن عيينة عن أبي سعيد؛ ولم يذكر
فيه ابن عباس، وكتبناه مُتَّصِلًا من هذه الرواية ".
قلت: فهذه علة أخرى: وهي الإرسال. والموصول عند الحاكم من طريق الحسن بن إسماعيل بن صبيح اليشكري: حدثني أبي: ثَنا ابن عيينة. . . وإسماعيل هذا؛ صدوق؛ كما في " التقريب "، فلعل العلة من ابنه الحسن، وقد ذكره المزي في الرواة عن أبيه، ولم أجد له ترجمة. والله سبحانه وتعالى أعلم. والحديث؛ أورده ابن كثير في " تفسيره " من رواية ابن جرير وحده، وقال:
" هذا الحديث فيه غرابة ".
قلت: ومع ذلك ذكره الشيخ الصابوني في " مختصره " (3 / 258) الذي زعم في مقدمته أنه لا يورد فيه إلا الأحاديث الصحيحة!
ثم إنه سقط منه - تبعاً لأصله! - قوله:
" فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة: الآجال حين يَمُوت من مات ".(12/946)
كما سقط من أصله قوله:
" على أبي بكر ".
وتحرف فيه قوله:
" يا محمد! " إلى: " يا خالد! ".
والحديث، عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (5 / 360) للنحاس أَيْضًا
في " ناسخه " وأبي الشيخ في " العظمة " وابن مردويه.
ثم إن (أبو سعيد البقال) الذي في إسناد هذا الحديث؛ كذا وقع فيه: (أبو سعيد) ، فأشكل ذلك على بعض إخواننا؛ لأن المذكور في كتب التراجم أن كنية البقال: (أبو سعد) ، وليس: (أبو سعيد) . واسمه سعيد بن المرزبان. لكني وجدت في " تهذيب الكمال " (11 / 53، 54) في موضعين منه وقع في أثناء ترجمته: (أبو سعيد) ، وكان يمكن أن يكون ذلك خطأ من الطابع أو الناسخ لولا أنه وقع كذلك في ترجمته من " الجرح والتعديل "، كما نبه عليه معلّقه اليماني رحمه الله (2 / 1 / 62) . فألقي في النفس أنه خلاف قديم، أو أنه يكنى بالكنيتين مَعَاً، فهو (أبو سعد) و (أبو سعيد) . ولعل هذا هو السبب في اختلاف حافظين معروفين قديمين في الراوي لحديث آخر عن عكرمة عن ابن عباس، هل هو أبو سعد أو (أبو سعيد) ، كما كنت بينت ذلك في أثناء تخريج الحديث المشار إليه، وقد تقدم برقم (783) .
وقد ذكرت لأبي سعد البقال هذا أحاديث أخرى سبقت برقم (458، 1344، 434 1، 1881) ، وجاء تحتها بعض ما قيل في تضعيفه، ومختصر ذلك
ما في " التقريب " أنه:(12/947)
" ضعيف مدلس ".
ثم رأيت الحافظ قد أورد الحديث في " الفتح " (8 / 558) من رواية عبد الرزاق من طريق أبي سعيد به. وقال:
" وهو ضعيف؛ لضعف أبي سعيد، وهو البقال ".
ثم رأيت الحديث في " تاريخ الطّبري " (1 / 23) ؛ رواه عن هناد بن السري بإسناده المتقدم؛ لكن وقع فيه: (أبو سعد البقال) على المشهور من كنيته. والله أعلم.
ثم إن الطّبري أشار إلى الحديث (ص 25) وصرح بصحته! ولعل ذلك لأنه
رواه (ص 26) بإسناد آخر، فقال: حدثنا ابن حميد قال: حدثني مهران عن أبي سنان عن أبي بكر قال:
جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! . . . الحديث بتمامه.
وكذلك رواه في " التفسير " (26 / 111) .
فأقول: لكنه إسناد ضعيف مسلسل بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين أبي سنان وأبي بكر رضي الله عنه؛ فإن أبا سنان - وهو الشيباني البرجمي -؛ لم يدرك أبا بكر؛ فهو من أتباع التابعين، يروي عن طاوس وسعيد بن جبير وطبقتهما.
الثانية: أبو سنان هذا؛ مع كونه من رجال مسلم - واسمه سعيد بن سنان -؛
فقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره، وقال الحافظ:(12/948)
" صدوق، له أوهام ".
الثالثة: مهران - وهو ابن أبي عمر العطار الرازي -؛ قال الحافظ:
" له أوهام، سيئ الحفظ ".
الرابعة: ابن حميد - واسمه محمد الرازي -؛ قال الذهبي في " الميزان ":
" من بحور العلم، وهو ضعيف ". وقال الحافظ:
" حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ".
قلت: ولعل أصل الحديث من الإسرائيليات، وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى الطّبري أكثره عن عبد الله بن سلام مَوْقُوفًا عليه. والله أعلم.
5974 - (من استغفز للمؤمنين والمؤمنات كل يوم سَبْعًا وعشرين مرة، أو خمساً وعشرين مرة - أخذ العددين -؛ كان من الذين يُستجاب
لهُم، ويُرزَق بهم أهل الأرض) .
منكر. قال في " مجمع الزوائد " (210 / 10) :
" رواه الطّبراني. وفيه عثمان بن أبي العَاتكة، وقال فيه: " حُدِّثْتُ عن أم الدردَاء " (يعني: عن أبي الدردَاء) ، وعثمان هذا؛ وثقه غير واحد، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله المسمين؛ ثقات ".
قلت: وقال الذهبي في ترجمة عثمان من " الميزان ":
" قال يحيى: ليس بشيء. ونسبه دُحيم إلى الصدق. وقال النسائي:(12/949)
ضُعِّف. وقال أحمد: لا بأس به؛ بليته من علي بن يزيد. قلت: يروي عن علي
ابن يزيد كَثِيرًا ". وقال الحافظ:
" صدوق، ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ".
وأقول: لا أستبعد أن يكون هو شيخه الذي حدثه بهذا الحديث المنكر الذي لم يسمه في الإسناد. والله أعلم.
وبالجملة؛ فعلة الحديث هو هذا الشيخ أَوَّلًا، ثم ابن أبي عَاتِكَة ثَانِيًا. فإعلال الشوكاني في (تحفة الذاكرين) (ص 50) إياه بابن أبي عاتكة تقصير ظاهر؛ موهم أنه ليس فيه علة أخرى هو بها أحرى وأولى! وهو في ذلك تابع للمناوي في " فيض القدير "!
وإنما نبهت على هذا اَلتَّقْصِير خشية أن يظن من لا علم عنده ولا تحقيق لديه
أن العلة فقط من عثمان، ويظن من توثيق من وثقه أنه حسن الحديث، فَيُحَسِّن
حديثه هذا، فيقع في الخطأ.
ومن مناكير عثمان بن أبي العَاتكة هذا: الحديث الآتي:
5975 - (إن اَللَّه عزّ وجلّ يَجْلِسُ يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار. . . وذكر حَدِيثاً طَوِيلًا) .
منكر. أخرجه العقيلي في "؛ الضعفاء " (3 / 221) ، وعنه ابن الجوزي (1 / 137) من طريق هشام بن عمار قال: حدثنا صدقة بن خالد قال: حدثنا عثمان ابن أبي العَاتكة أبو حفص عن سليمان بن حبيب المحاربي (الأصل: المحارمي!) عن أبي أمامة مَرْفُوعًا. أورده في: ترجمة عثمان هذا، وقال:(12/950)
" لا يتابع عليه ".
وأعله ابن الجوزي بقول ابن معين المتقدم في الحديث الذي قبله:
" ليس بشيء ".
وهذا لا يستلزم أن يورده في " الموضوعات "، فالظاهر أنه لاحظ ما في متنه
من النكارة، وهي نسبة الجلوس إلى الله تعالى، وبين الجنة والنار! ! وهو مما لم يرد في شيء من الأحاديث الصحيحة. فمتنه حري بالوضع. وهذا مما لم يلاحظه السيوطي، أو لاحظه ولم يعتد به! وتبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 946) ! فذكر له السيوطي في " اللآلئ " (1 / 33) شَاهَدَا من رواية يزيد بن ربيعة: حدثنا أبو الأشعث الصنعاني: سمعت ثوبان يحدث عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" يُقبِل اَلْجَبَّار عز وجل يوم القيامة، فيثني رجله على الجسر، ويقول: وعزتي وجلالي! لا يجاورني اليوم ظالم. فينصف بعضهم من بعض حتى إنه لينصف الشاة الجلحاء من العضباء بنطحة نطحتها ".
أخرجه الطّبراني في " المعجم الكبير " (2 / 95 / 1421) .
قلت: سكت عنه السيوطي! فما أحسن؛ لأن يزيد بن ربيعة هذا ضعيف جِدًّا، وقد تقدمت له أحاديث برقم (310، 1083، 1087، 1384، 1400،
1401، 1402) ، منها هذا، وهو بالرقم الذي قبل الأخير.
5976 - (من استغفر لِلْمُؤْمِنِينَ؛ ردّ اَللَّه عليه من آدم فما دونه) .
منكر. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 219) ، والعقيلي في(12/951)
" الضعفاء " (2 / 182) من طريق إسحاق بن راهويه: أنا عمر بن عبيد الطنافسي عن شعيب بن كيسان عن أنس بن مالك مَرْفُوعًا. أورداه في ترجمة شعيب هذا وقالا:
" لا يعرف له سماع من أنس، ولا يتابع عليه ".
والحديث؛ أورده العراقي في " المغني " (1 / 321) من رواية أبي الشيخ بن حيان في " الثواب " والمستغفري في " الدعوات " من حديث أنس:
" من استغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ رد الله عليه عن كل مؤمن مضى من أول الدهر، أو هو كائن إلى يوم القيامة ".
قلت: وهذا يبين أن في حديث الترجمة اِخْتِصَارًا مُخِلًّا. ثم قال العراقي:
" وسنده ضعيف ".
والظاهر أنه عندهما من طريق كيسان هذا، وفي ترجمته أورده الذهبي في
" الميزان " بلفظ:
" من استغفر للمؤمنين والمؤمنات؛ رد عليه من آدم فمن دونه من الإنس ".
وقال:
" رواه إسحاق بن راهويه عن عمر، والعجب أن البخاري روى هذا في! الضعفاء!
عن أحمد بن عبد الله بن حكيم عن عمر، وأحمد متهم ".
قلت: وشعيب بن كيسان؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 351) عن أبيه:
" صالح الحديث ".(12/952)
وذكره ابن حبان في " الثقات " في (الطبقة الثانية) ؛ يعني التابعين. لكن ذكر البخاري - كما تقدم، وتبعه أبو حاتم - أن روايته عن أنس مرسلة. فيكون علة الحديث الانقطاع. والله أعلم.
5977 - (إِذَا قال الإمام: سمع الله لمن حمده؛ فليقل من وراءه: سمع اَللَّه لمن حمده، [اَللَّهُمَّ! ربّنا ولك الحمد] ") .
ضعيف. أخرجه الدارقطني في " سننه " (1 / 339 - 340 / 5، 6) : ثَنا
أبو طالب الحافظ أحمد بن نصر: نَا أحمد بن عمير الدمشقي: ثَنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: ثَنا يحيى بن عمرو بن عمارة بن راشد أبو الخطاب قال: سمعت عبد الرحمن بن ثابت بن ثَوْبَانِ يقول: حدثني عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة مَرْفُوعاً به؛ دون الزيادة.
ثم قال: حدثنا أبو طالب الحافظ أَيْضًا: ثَنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد: ثَنا يحيى بن عمرو بن عمارة: سمعت ابن ثابت بن ثوبان. . . فذكره بالزيادة فقط، دون جملة التسميع. وقال الدّارقطني عقبه:
" هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد. والله أعلم ".
قلت: وهذا الاختلاف في لفظ الحديث إنما هو من عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان؛ فإن سائر رجال الإسناد ثقات، أما هو فمختلف فيه، وقد لخص أقوال العلماء فيه الحافظ ابن حجر، فقال في " التقريب ":
" صدوق يخطئ ".
وإنما رجح الدّارقطني روايته الثانية بشيء خارج عن هذا الإسناد - فيما يغلب(12/953)
على ظني -، وهو: أن الحديث قد رواه الشيخان وغيرهما من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مَرْفُوعاً أتم منه بلفظ:
" إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر؛ فكبروا، وإذا ركع؛ فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ فقولوا: ربنا لك الحمد. . . " الحديث. وكذلك رواه ستة آخرون من الثقات عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ كما هو مخرج في " إرواء الغليل " (2 / 118 - 122) ، وكذلك رواه أبو عوانة في " صحيحه " (2 / 120 - 121) عن أبي هريرة.
ومن هذه الطرق المتواترة عنه رضي الله عنه، يتبين أن ابن ثوبان لم يحفظ من الحديث إلا ما في حديث الترجمة فيها مع اضطرابه فيه، فتارة يذكر التسميع، وتارة يذكر التحميد، وهذا الثاني هو الموافق للرواية المتواترة، ولذلك؛ قال الدّارقطني - كما تقدم -:
" هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد ".
يعني: إسناد الأعرج عن أبي هريرة لرواية أبي الزناد عنه. فما بالك وقد تابعه أولئك الثقات المشار إليهم آنِفًا.
ونخرج من هذا التحقيق: أن حديث الترجمة من حيث إفادته أمر المؤتمين بالتسميع وراء الإمام غير معروف، ومن حيث إفادته أمرهم بالتحميد هو المحفوظ. فإن قيل: فهل يشرع للمقتدي أن يجمع بين التسميع والتحميد كما في حديث الترجمة مع ضعفه؛
فأقول: نعم؛ وذلك للأسباب التالية:(12/954)
الأول: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة أَيْضًا أنه:
" كان يقول: (سمع الله لمن حمده) حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: (ربنا ولك الحمد) . . . " الحديث.
رواه الشيخان وأبو عوانة وغيرهم؛ كما تراه مُخَرَّجاً في " الإرواء " (2 / 36) .
ولما كنا مأمورين أن نقتدي به صلى الله عليه وسلم في كل العبادات، ومنها الصلاة كما في الحديث المشهور:
" صلوا كما رأيتموني أصلي ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في
" الإرواء " أَيْضًا (1 / 227 / 213) .
فعموم هذا الحديث يوجب علينا العمل بما في حديث أبي هريرة الذي قبله، كما هو ظاهر. ويؤيده التالي:
الثاني: أنه ثبت العمل به من بعض السلف والأئمة؛ فروى ابن أبي شيبة (1 / 253) ، والدارقطني (1 / 345 / 5) ، ومن طريقه البيهقي (2 / 96) بالسند الصحيح عن محمد بن سيرين قال:. . . فذكر مثل حديث الترجمة بتمامه. وقد علقه الترمذي في " سننه " (2 / 56) عن ابن سيرين وغيره، وقال: " وبه يقول الشافعي وإسحاق ". وروى عبد الرزاق (2 / 167 / 2915) ، ومن طريقه البيهقي بسند رجاله ثقات عن سعيد بن أبي سعيد: أنه سمع أبا هريرة وهو إمام الناس في الصلاة يقول: " سمع الله لمن حمده، اللهم! ربنا لك الحمد ". يرفع بذلك صوته وتابعه مَعًا.(12/955)
ثم روى عبد الرزاق (2919) عن عطاء نحوه.
ثم قال البيهقي:
" وروي عن أبي بردة بن أبي موسى أنه كان يقول خلف الإمام: " سمع الله
لمن حمده ". وقال عطاء: يجمعهما أحب إِلَيَّ، وروي فيه حديثان ضعيفان قد خرجتهما في الخلاف ".
قلت: أظن أنه يعني هذا وحديث بريدة الآتي بعده.
وقد أشار الحافظ إلى ضعفهما في " الفتح " (2 / 284) ؛ فإنه قال بعد أن ذكر عن الشافعي مثل ما تقدم عن الترمذي:
" لكن لم يصح في ذلك شيء. ولم يثبت عن ابن المنذر أنه قال: إن الشافعي
انفرد بذلك؛ لأنه قد نقل في " الإشراف " عن عطاء وابن سيرين وغيرهما القول بالجمع بينهما للمأموم ".
الثالث: أننا إذا نظرنا إلى سنته صلى الله عليه وسلم الفعلية في هذا الركن، وهو الرفع من الركوع، على ضَوْء حديث أبي هريرة المتقدم - وما في معناه -؛ لوجدنا أن محل (التسميع) إنما هو في أثناء الاعتدال من الركوع، وأن محل التحميد إذا استتم قَائِمًا، فإذا قيل: إنه لا يشرع للمؤتم أن يقول (التسميع) ؛ لزم منه مخالفتان
اثنتان لا بد منهما:
الأولى: تعطيل أحد المحلّين من ورده.
والأخرى: إحلال (التحميد) محل (التسميع) ! وهو مما يقع فيه جماهير المصلين، كما هو مُشَاهَد؛ فإنهم يقولون: (ربنا ولك الحمد) في أثناء رفعهم من(12/956)
الركوع، ويبقى قيامهم بعده عَطَّلَا عن ورده! وهذا خلاف نظام الصلاة؛ فإنه ليس فيها مكان شاغر من الذكر، كالجلوس بين السجدتين فَضْلًا عن غيره. فيتأمل هذا؛ فإنه مفيد إن شاء الله تعالى.
5978 - (إذا جامع أحدكم؛ فليستتر، ولا يَتَجَرَّدَا تجرُّد البعيرين) . موضوع. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 194) : أخبرنا محمد
ابن عمر: حدثني الثوري، عن عاصم الأحول عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا مرسل موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ وهو كذاب.
وقد روي بسند أحسن حَالًا من هذا بلفظ:
" إذا أتى أحدكم أهله؛ فليستتر، ولا يتجرد تجرد العيرين ".
أخرجه ابن ماجه.، وقد تكلمت على إسناده في " الإرواء " (2009) ،
و" آداب الزفاف " (ص 109 - طبعة المكتبة الإسلامية / عمان) . وقد سرقها أحدهم وحذف منها ما شاء له هواه! ، وكان من قبل ينكر ذلك على غيره! والله المستعان.
والحديث؛ أورده الغزالي في " الإحياء " (2 / 50) بهذا اللفظ؛ إلا أنه أظهر المفعول به فزاد: " أهله ". فقال العراقي في تخريجه - وأقره الزبيدي في " شرحه " (5 / 372) -:
" أخرجه ابن ماجه من حديث عتبة بن عبد بسند ضعيف ".(12/957)
قلت: عزوه إلى ابن سعد أولى؛ لأن لفظه أقرب إلى لفظ " الإحياء " من لفظ ابن ماجه كما ترى.
ولقد كان الباعث على تخريج هذا الحديث أنني رأيت أحد المتعالمين في هذا العصر قد نقل هذا الحديث من " الإحياء " في كتابه الذي أسماه " فقه النظر في الإسلام " (ص 108) ! ولا علم عنده ولا فقه؛ سوى مجرد النقل، مع كتم العلم الصحيح! يدلّك على هذا جزمه بنسبة هذا الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم دون أي عزو لأحد، أو بيان لحاله، وهو يعلم تضعيف الحافظ العراقي لإسناده كما تقدم! أفلا يصدق عليه قوله صلى الله عليه وسلم:
" من حدّث عَنِّي بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد اَلْكَذَّابِينَ ".
رواه مسلم.
ويأتي له حديث آخر نحوه بعد قليل برقم (6075) .
5978 / م - (يا بريدة! إذا رفعت رأسك من الركوع؛ فقل: سمع اَللَّه
لمن حمده، اَللَّهُمَّ! ربّنا ولك اَلْحَمْد، ملء السماوات وملء اَلْأَرْضِ
وملء ما شئت من شيء بعد) .
موضوع. أخرجه الدّارقطني أَيْضًا (1 / 339 / 4) من طريق سعيد بن عثمان الخزاز: ثَنا عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته عمرو بن شمر هذا؛ فإنه متروك الحديث اِتِّفَاقًا؛ بل قال الحاكم:(12/958)
" كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات الفاحشة عن جابر غيره ".
واتهمه بالوضع أيضاً ابن حبان وأبو نعيم وغيرهما.
وجابر: هو ابن يزيد الجعفي، وهو واه، وكذبه أبو حنيفة وغيره.
وسعيد بن عثمان الخزاز؛ قال الحافظ الذهبي في " الميزان ":
" روى عن عمرو بن شمر في الجهر بالبسملة ". كذا قال؛ ولم يزد! وعقب عليه الحافظ في " اللسان " بقوله:
" قال ابن القطان: لا أعرفه ".
قلت: وحديث البسملة؛ أخرجه الدّارقطني أيضأ عنه (1 / 310) بهذا الإسناد! وكذا الحديث التالي:
5979 - (يا بريدة! إذا جلست في صلاتك؛ فلا تَتْرُكَن التشهد وَالصَّلَاة عليّ؛ فَإِنَّهَا زكاة اَلصَّلَاة، وسلّم على جميع أنبياء الله ورسله! ، وسلّم على عباد الله الصالحين) .
موضوع. أخرجه الدّارقطني (1 / 355 / 3) بإسناد الحديث الذي قبله عن بريدة - وهو ابن الحصيب - مَرْفُوعاً.
وقد بينت آنِفًا أن فيه وَضّاعاً وَوَاهِيًا وَمَجْهُولًا، ظلمات بعضها فوق بعض! ومع ذلك سكت عنه صاحب " التعليق المغني " وعن الذي قبله! ولعل ذلك كان عن سهو منه؛ فإنه قد أعل حديثه في البسملة المشار إليه آنِفًا بعمرو بن شمر(12/959)
وجابر.
(تنبيه أ: ساق السيوطي في " الجامع الكبير " هذا الحديث والذي قبله سِيَاقًا وَاحِدًا: ودون قوله: " فإنها زكاة الصلاة. . . " إلخ. وقال:
" رواه الدّارقطني - وضعفه - عن عبد الله بن بريدة ".
ولم أر هذا التضعيف في المكانين المشار إليهما. والله أعلم.
5980 - (لا تَقُولِي هذا يا عائشة! فإنّها قد أسلمت، وحسن
إسلامها) .
موضوع. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 126) : أخبرنا محمد
ابن عمر: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار قال:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ومعه صفية؛ أنزلها في بيت من بُيُوت حارثة
ابن النعمان، فسمع بها نساء الأنصار وبجمالها، فَجِئْنَ ينظرن إليها، وجاءت عائشة منتقبة حتى دخلت عليها، فعرفها، فلما خرجت؛ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أثرها، فقال:
" كيف رأيتها يا عائشة؛ ".
قالت: رأيت يهودية! قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن عمر - وهو الواقدي -؛ كذاب، كما تقدم
مراراً.
وأسامة بن زيد بن أسلم - وهو العدوي مولاهم المدني -؛ قال الحافظ:(12/960)
" ضعيف من قبل حفظه ".
وعطاء بن يسار؛ تابعي جليل؛ فالحديث مرسل.
وقد روي مَوْصُولًا بإسناد خير من هذا؛ أخصر منه؛ فقال مبارك بن فضالة:
عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة قالت:
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو عروس بصفية بنت حيي؛ جئن نساء الأنصار، فأخبرن عنها. قالت: فَتَنَكَّرْت، وَتَنَقَّبْت؛ فذهبت، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى عيني؛ فعرفني. قالت: فَالْتَفَت؛ فأسرعت اَلْمَشْي؛ فأدركني؛ فاحتضنني، فقال:
" كيف رأيت؟ ".
قالت: قلت: أَرْسِلْ، يهودية وسط يهوديات!
أخرجه ابن ماجه (1980) . وَضِعْفه البوصيري في " الزوائد " (2 / 118) بقوله:
" فيه علي بن زيد بن جدعان؛ وهو ضعيف ".
قلت: وفيه علتان أخريان:
الأولى: أم محمد هذه؛ لم يوثقها أحد؛ حتى ولا ابن حبان! وبيض لها الحافظ في " التقريب "، فلم يقل فيها ولا مقبولة! وذكرها الذهبي في " النسوة المجهولات ".
والأخرى: مبارك بن فضالة؛ قال الحافظ:(12/961)
" صدوق، يدلس ويسوي ".
وهذا الحديث مع حديث عائشة مما حشا به التويجري كتابه الذي سماه ب
ل " الصارم المشهور على أهل التبرج والسفور " (ص 181 - الطبعة الأولى) مع السكوت عنها كما يفعل سائر المؤلفين الذين لا علم عندهم بالحديث الشريف، وكأنهم ينطلقون من القاعدة الغربية الكافرة:
" الغاية تبرر الوسيلة "!
وإلا؛ كيف يستجيزون أن ينسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يعلمون صحته مع علمهم بقوله صلى الله عليه وسلم:
" من حَدَّثَ عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحذ اَلْكَذَّابِينَ ".
رواه مسلم وغيره.
ومن ذلك: ما ذكره عقب الحديث بقوله:
" وأخرج ابن سعد أيضاً من طريق عبد الله بن عمر العمري قال:
" لما اجتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية رأى عائشة رضي الله عنها منتقبة بين النساء، فعرفها فأدركها فأخذ بثوبها فقال: كيف رأيت ".
قلت: وهذا إسناد واه معضل، إن كان عبد الله بن عمر العمري هو الراوي؛ فإنه ضعيف من أتباع التابعين، ولكن الذي في " ابن سعد " (8 / 128) : " عمر ابن عبد الله قال " غير منسوب برواية عبد الرحمن بن أبي الرجال، وهذا لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عمر العمري، وإنما عن عمر بن عبد الله مولى كفرة، وهو تابعي ضعيف، فهو مرسل. فالظاهر أنه انقلب اسمه على بعض الرواة،(12/962)
فظنه من نقله التويجري عنه أنه العمري، ولعله الحافظ في " الإصابة "، فزاد هذه
النسبة من عنده!
5981 - (لا يلجنّ من هذا الباب من الرجال أحد. يعني: باب
النساء في المسجد! اَلنَّبَوِيّ) .
منكر. أخرجه الطيالسي في " مسنده) ! (1829) ، ومن طريقه أبو نعيم في
" حلية الأولياء " (1 / 313) : حدثنا عبد الله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل له باباً للنساء، وقال:. . . فذكره.
قال نافع: فما رأيت ابن عمر دَاخِلًا من ذلك الباب ولا خَارِجًا منه.
قلت: وهذا إسناد واه؛ عبد الله بن نافع: هو العدوي مولاهم المدني، قال الذهبي في " الكاشف " و " الضعفاء ":
" ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ":
قلت: وتركه النسائي والدارقطني. وقال اَلْبُخَارِيّ في " التاريخ " (3 / 1 / 214) وأبو أحمد الحاكم:
" منكر الحديث ".
قلت: وهذا الحديث من مناكيره عندي؛ فقد خالفه أيوب في لفظه فقال: وعن
نافع به بلفظ:
" لو تركنا هذا الباب للنساء ".(12/963)
قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
أخرجه أبو داود (462، 571) . وأعله بالوقف، والراجح عندي الرفع كما بينته في " صحيح أبي داود " (483) .
ولفظ الموقوف عند البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 60) من طريق محمد
ابن عبد الرحمن: أن رَجُلًا حدثه - حسبته محمد بن أبي حكيم - سمع ابن عمر عن عمر قال:
" لا تدخلوا المسجد من باب النساء ".
قلت: وهذا إسناد موقوف ضعيف؛ محمد بن أبي حكيم؛ مجهول لم يرو عنه غَيْر هذا الرجل الذي لم يسم. ومحمد بن عبد الرحمن؛ هو ابن نوفل أبو الأسود الثقة. وابن أبي حكيم هذا؛ ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 366) ؛ لكن سقط منه الرجل الذي بينه وبين ابن نوفل! وعلى كل حال فهو مجهول كما ذكرت، حتى على افتراض أنه سمع منه ابن نوفل.
وأخرجه أبو داود (463، 464) من طريقين عن نافع: أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب إلنساء.
وهذا منقطع. ولذلك؛ أوردته في " ضعيف سن أبي داود " (72 - 73) . والخلاصة: أن النهي الصريح عن الدخول من باب النساء رفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصح. والصحيح حضه على ذلك بقوله: " لو تركناه لِلنِّسَاءِ " كما تقدم. وَاَللَّه أعلم.
والحديث مع الموقوف على عمر مما سود به الشيخ التويجري كتابه أَيْضًا (ص(12/964)
133) دون أن يبين ضعفه!
5982 - (ما من عبد ولا أمة دعا الله تبارك وتعالى ليلة عرفات بهذه الدعوات - وهي عشر كلمات ألف مَرَّة؛ إلا لم يسأل اَللَّه شَيْئًا إلا أَعْطَاهُ إياه؛ إلا قَطِيعة رحم أو إِثْماً:
سبحان الذي في اَلسَّمَاء عرشه، سبحان الذي في اَلْأَرْض موطئه، سبحان الذي في البحر سبيله، سُبْحَان الذي في اَلسَّمَاء سلطانه، سُبْحَان الذي في الجنة رحمته، سبحان الذي في القبور قَضَاؤُهُ، سُبْحَان
الذي في الهواء روحه، سُبْحَان الذي رفع السماء، سُبْحَان الذي وضع الأرض، سُبْحَان الذي لا منجى ولا ملجأ منه إلا إليه) .
منكر. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 65) ، ومن طريقه العقيلي في " الضعفاء " (3 / 412) من طريق عزرة بن قيس اليحمدي - صاحب الطعام - قال: حدثتني أم الفيض مولاة عبد الملك بن مروان قالت: سمعت عبد الله بن مسعود يقول:. . . فذكره مَرْفُوعاً. أورداه في ترجمة عزرة هذا، وقالا:
" لا يتابع عليه ". وروى العقيلي عن يحيى أنه قال:
" عزرة. . أزدي بصري ضعيف ". وقال ابن عدي:
" لا يعرف إلا بهذا الحديث "!
كذا قال! وله حديث آخر يأتي بعده.(12/965)
وأم الفيض مولاة عبد الملك؛ لم أعرفها.
5983 - (إذا بلغ العبد اَلْأَرْبَعِينَ؛ خفف اَللَّه عنه حسابه، فإذا بلغ الستين؛ رِزْقه اَللَّه الإنابة إليه، فإذا بلغ سبعين؛ أحبه أهل السماء، فإذا بلغ ثمانين سنة؛ ثبت اَللَّه حسناته، ومحا عنه سيئاته، فإذا بلغ تسعين سنة، غفر اَللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تَأَخَّرَ، وشفّعَه في أهل بيته، وكتب في أهل اَلسَّمَاء: أسير الله في أرضه) .
منكر. أخرجه أبو يعلى في " مسنده الكبير "؛ كما في " مجمع الزوائد " (10 / 205) ، وابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 180) من طريق البغوي؛ كلاهما عن عزرة بن قيس الأزدي قال: حدثنا أبو الحسن الكوفي عن عمرو بن أوس قال: قال محمد بن عمرو بن عثمان عن عثمان بن عفان عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن الجوزي:
" هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عزرة بن قيس ضعفه يحيى، وأبو اَلْحَسَن الكوفي مجهول ".
ومحمد بن عمرو نسب إلى جده، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان
ابن عفان، وفيه ضعف؛ كما يأتي في اَلْحَدِيث الذي بعده.
وأعله الهيثمي بالأزدي فقط، فقال:
" وهو ضعيف ".
وقد تعقب السيوطي في " اللآلئ " (1 / 139 - 146) ابن الجوزي في حكمه على الحديث بالوضع، واستوعب الكلام على طرقه وشواهده الكثيرة،(12/966)
ونقل عن الحافظ ابن حجر أنه يتعذر الحكم من مجموعها على المتن بأنه موضوع، وتبعه في ذلك الشوكاني في " الفوائد المجموعة " (ص 481 - 483) ! وأبى ذلك محققه العلامة عبد الرحمن اليماني، فقال:
" واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين، وإن كانوا مفرطين أو مسرفين على أنفسهم، فمن ثم أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعتذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إِسْنَادًا جَدِيدًا، أو يلقنه من يقبل التلقين، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، سَاكِتًا عن بيان حاله. . . ".
ثم أطال النفس جِدًّا، في تلخيص الكلام على تلك الطرق، والكشف عن عللها، وضعف رواتها، فراجعه، فإنه نفيس جِدًّا (ص 482 - 486) .
ولذلك؛ وجدت نفسي لا تطمئن لتصحيح هذا الحديث، وَإِنْ كان معناه يوافق هوى النفس؛ فقد بلغت الخامسة والسبعين! أضف إلى ذلك أنه لا يلتقي مع قوله صلى الله عليه وسلم:
" أعذر الله إلى امرئ أُخِّرَ أجله حتى بلغ ستين سنة ".
رواه البخاري وغيره. وهو مخرج مع بعض شواهده في " الصحيحة " برقم (1089) . قال الحافظ في " الفتح " (10 / 240) :
" الإعذار: إزالة العذر. والمعنى: أنه لم يبق له اعتذار، كأن يقول: لو مد لي
في الأجل لفعلت ما أمرت به. يقال: أعذر إليه؛ إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه. وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له؛ فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة، والإقبال على الآخرة بالكلية ".(12/967)
وإليك حَدِيثًا آخر بمعنى الذي تقدم:
5984 - (ما من معمر يعمر في الإسلام أَرْبَعِينَ سنة؛ إلا صرف اَللَّه
عنه ثلاثة أنواع من البلاء: الجنون، وَالْجُذَام، والبرص. فإذا بلغ خمسين سنة؛ لين الله عليه الحساب. فإذا بلغ ستين، رِزْقه اَللَّه الإنابة إليه بما يحب. فإذا بلغ سبعين سنة؛ أحبه الله وأحبه أهل السماء. فإذا بلغ الثمانين، قبل اَللَّه حسناته وتجاوز عن سَيِّئَاته. فإذا بلغ تسعين، غفر الله لَهُ ما تَقَدَّمَ من ذَنْبه وما تَأَخَّرَ، وسمّي أسير الله في أرضه، وشفع
لأهل بيته) .
منكر. أخرجه أحمد (3 / 217 - 218) ، وعنه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 179) ، والبزار في " مسنده " (4 / 225 - كشف الأستار) ، وأبو يعلى (7 / 241 / 4246 / 4247) من طريق يوسف بن أبي ذرة الأنصاري عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أنس بن مالك مَرْفُوعًا.
ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 131 - 132) ، وقال:
" يوسف بن أبي ذرة، منكر الحديث جِدًّا، ممن يروي المناكير التي لا أصول لها
من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به بحال ". وقال ابن معين:
" يوسف؛ ليس بشيء ".
ورواه الفرج - وهو ابن فضالة - واضطرب في إسناده؛ فقال مرة: ثَنا محمد بن عامر عن محمد بن عبيد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس بن مالك قال:(12/968)
" إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة؛ آمنه اَللَّه من أنواع البلايا. . . ". الحديث نحوه مَوْقُوفًا.
وقال مرة: حدثني محمد بن عبد الله العامري عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
أخرجهما أحمد (2 / 89) .
والفرج، ضعيف؛ كما في " التقريب "، مع اضطرابه في إسناده، وفي وقفه
ورفعه.
ومحمد بن عامر أو ابن عبد الله العامري؛ لم أعرفه، ولكنه قد توبع:
فأخرجه البزار وأبو يعلى (4248) من طريق محمد بن موسى عن محمد بن عبد الله بن عمرو عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أنس مَرْفُوعًا به. وقال:
" لا نعلم أسند جعفر عن أنس إلا هذا الحديث ".
قلت: هو ثقة من رجال الشيخين؛ لكن الراوي عنه محمد بن عبد الله بن عمرو
- وهو ابن عثمان بن عفان الملقب ب (الديباج) -؛ ذكره الذهبي في " الميزان "، وقال:
" وثقه النسائي. وقال مرة: ليس بالقوي. وقال البخاري: لا يكاد يتابع في
حديثه ".
قلت: فهو علة هذه الطريق الثانية عن جعفر بن عمرو، وقد أسقطه من الإسناد في روايتين أخريين عند أبي يعلى (4249، 4250) ؛ فقال: عن محمد ابن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن أنس به.(12/969)
فصار الإسناد بذلك مُنْقَطِعًا!
وقد تابعه على ذكره في الإسناد: يوسف بن أبي ذرة؛ كما في الرواية الأولى لأبي يعلى وغيره؛ كالبزار، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 205) :
إ رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات "!
وتعقبه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " كشف الأستار "، فقال:
" قلت: في إسناد أحدهما يونس بن أبي ذرة ولم أعرفه، وانظر هل الصواب يونس بن أبي فروة؛ "!
قلت: ومثل هذا التعقيب يدل على أن المعلق لا تحقيق عنده ألبتة؛ بل هو لا يحسن شَيْئًا حتى النقل، ففي الصفحة نفسها التي نقل منها قول الهيثمي ثم تعقبه ذكر الهيثمي أن في أحد أسانيد أبي يعلى يوسف بن أبي ذرة! فإن كان لم يقع بصره على هذا فأين البحث والتحقيق المدعى؟ !
وللحديث طريق ثان عن أنس: يرويه عباد بن عباد المهلبي عن عبد الواحد ابن راشد عن أنس به مَرْفُوعاً.
أخرجه الخطيب في " التاريخ " (3 / 70 - 71) ، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 179) . وأعله بعباد بن عباد؛ قال ابن حبان:
" غلب عليه التقشف، وكان يحدث بالتوهم. . . ".
لكنهم قد خطأوه؛ لأن هذا الذي ضعفه ابن حبان غير المهلبي الذي روى هذا الحديث؛ فإنه ثقة من رجال مسلم. ووثقه ابن حبان نفسه (7 / 161) ، وقد وقع(12/970)
له مثل هذا الوهم في حديث آخر يأتي برقم (6785) . وإنما العلة من شيخه عبد الواحد بن راشد، قال الذهبي في " الميزان ":
" ليس بعمدة ".
ثم ذكر له هذا الحديث.
وطريق ثالث: عند البزار (3588) . فيه أبو قتادة الحراني (الأصل: العذري!)
- واسمه عبد الله بن واقد -؛ قال في " التقريب ":
" متروك. وكان أحمد يثني عليه، وقال: لعله كبر واختلط، وكان يدلس ".
وشيخ البزار عبد الله بن شبيب؛ واه؛ كما في " الميزان ".
وطريق رابع: عند أبي يعلى (3678) . وفيه خالد الزيات: حدثني داود بن سليمان. قال في " اللآلئ " (1 / 144) :
" وهما مجهولان ".
ولم يحسن الكلام على هذه الطريق المعلق على " مسند أبي يعلى ".
وطريق خامس: يرويه الوليد بن موسى الدمشقي عن الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير عن الحسن عن أنس مَرْفُوعًا بالجملة الأولى منه.
أخرجه ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 82) في ترجمة الوليد، وقال:
" وهذا لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ".(12/971)
5985 - (لو رحم اَللَّه أَحَدًا من قوم نُوح؛ لرحم أم الصبي، كان نُوح مَكَثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عَاماً؛ يدعوهم، حتى كان آخر زمانه! غرس شجرة؛ فعظمت وذهبت كل ذهب، ثم قطعها، ثم جعل يعملها
سفينة، ويمرون فيسألونه؛ فيقول: أعملها سفينة. فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البر؟ ! وكيف تجري؟ ! قال: سوف تعلمون. فلما فرغ منها فار التنور؛ وكثر الماء في السكك، فخشيت أم الصبي
عليه، وكانت تحبه حباً شَدِيداً، فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه
(اَلْأَصْل: ثلمة) ، فلما بلغها الماء؛ خرجت به حتى استوت على الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها؛ رفعته بيدها حتى ذهب بهما الماء، فلو رحم اَللَّه منهم أَحَدًا؛ لرحم أم الصبي) .
منكر. أخرجه الحاكم (2 / 342) ، وكذا الطبرانيّ في " الأوسط "، وابن جرير في " التفسير " (12 / 21) ، وابن أبي حاتم؛ كلهم من طَرِيق موسى بن يعقوب الزمعي: حدثني فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أخبره: أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:. . . فذكره. وقال الطبرانيّ:
" تفرد به موسى بن يعقوب الزمعي ". قال اَلْهَيْثَميّ في " المجمع " (8 / 200) :
" وثقه ابن معين وغيره، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله ثقات ". وقال
الحاكم:
" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله:
لا قلت: إسناده مظلم، وموسى ليس بذاك ". وقال في ترجمته في " الكاشف ":(12/972)
" فيه لين ". وقال الحافظ في " التقريب ":
" صدوق سيئ الحفظ ".
قلت: وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة؛ ثقة، أخرج له البخاري، وذكره ابن حبّان في " الثقات " (6 / 6) ، وقد روى عنه جماعة من الثقات؛ كما في " تهذيب الكمال " (2 / 133) . فالعجب من الحافظ كيف أقر ابن القطان على قوله: " لا يعرف حاله "؛ بل وتبعه عليه حين قال في " تقريبه ": " مقبول "!
وكذلك يتعجب من الذهبي، لأنه بيض له في " الكاشف "!
وأشار الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (2 / 447) إلى تضعيفه للحديث
" وهذا حديث غريب ".
وجهل معنى هذا الاستغراب - أو تجاهله - الشيخ اَلصَّابُونيّ حين أورد منه في
" مختصره " (2 / 221) الطرف الأول منه بزعم أنه صحيح!
وكذا استغربه في " تاريخه " (1 / 114) ، وزاد:
" وقد روي عن كعب الأحبار ومجاهد وغير واحد شبيه لهذه القصة، وأحرى بهذا الحديث أن يكون مَوْقُوفاً متلقى عن مثل كعب الأحبار ".
وأما قول الحافظ ابن كثير في الإسناد الذي ساقه في تفسير سورة نوح عليه السلام من رواية ابن أبي حاتم عن ابن وهب: أخبرني شبيب بن سعيد عن أبي(12/973)
الجوزاء عن ابن عباس مَرْفُوعًا به نحوه مُخْتَصَراً مع اختلاف في بعض الألفاظ، فقال ابن كثير - وقلده اَلصَّابُونيّ -:
" هذا حديث غريب، ورجاله ثقات "!
فأقول: فيه علة خفية، وهي أن شبيباً هذا، وإن كان ثقة من رجال البخاري، فقد تكلم فيه إذا كانت روايته من طريق ابن وهب عنه، كما كنت شرحت ذلك في كتابي " التوسل " (ص 86 - 87) ، واستشهدت على ذلك بكلام ابن عدي عليه في " الكامل "، وبقول الحافظ في " التقريب ":
" لا بأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه، لا من رواية ابن وهب ".
على أن قول الحافظ هذا ليس على إطلاقه؛ بل هو مقيد بأن يكون من روايته
عن يونس بن يزيد، ومن هذا الوجه روى له البخاري كما بينته هناك. والخلاصة: أن كون رجال هذا الإسناد ثقاتاً، لا يعني أن إسناده صحيح؛ لما ذكرته آنِفاً؛ خِلَافاً لظن ذاك الجاهل حيث فهم منه أن ابن كثير صححه، فأورده المشار إليه في " مختصره " الذي اشترط في مقدمته أن لا يذكر فيه إلا ما صح! وأيم الله! إن ذلك فوق طاقته، وإنه لا يستطيع أن ينهض به، كما يشهد بذلك هذا الحديث بروايته عن عَائِشَة وابن عباس، وغيره كثير وكثير. والله المستعان.
5986 - (كان يقول إذا قضتى صلاته:
اَللَّهُمَّ! بحق السائلين عليك؛ فإن لِلسَّائِلِ عليك حقاً، أيما عبدٍ أو أمة
من أهل البر والبحر تقلبت دعوتهم، واستجبت دعاءهم: أن تشركنا في صَالِح ما يدعونك، وأن تشركهم في صَالِح ما نَدْعُوك فيه، وأن تعافينا(12/974)
وإياهم، وأن تقبَل منا ومنهم، وأن تجاوز عنا وعنهم؛ فَإِنَّنَا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول، فاكتبنا مع الشاهدين) .
ضعيف جداً. أخرجه الديلميّ في " مسند الفردوس " (1 / 90 / 1 - 2)
من طريق عمرو بن عطية العوفيّ عن أبيه عن أبي سعيد الخدريّ أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يقول:. . .
قلت: وهذا إسناد ضعيف جِدًّا؛ عمرو بن عطية هذا؛ روى العقيلي في
" الضعفاء " عن البخاري أنه قال:
" في حديثه نظر ".
وهذا كناية عن أنه شديد الضعف عنده. وفي " اللسان " أن هذا من قول العقيلي، والصواب ما ذكرته آنِفاً، وفي " الميزان ":
" ضعّفه الدارقطنيّ وغيره ".
والحديث؛ أورده السيوطي في " مسند أبي سعيد الخدريّ " من " الجامع الكبير "
من رواية الديلميّ، وزاد في آخره:
" وكان يقول:
لا يتكلم بها أحد من خلق الله تعالى؛ إلا أشركه الله تعالى في دعوة أهل بحرهم وأهل برهم، وهو مكانه ". وقال عقبه:
" قال في " المغني ": عمرو بن عطية العوفيّ، ضعفه الدارقطنيّ ".
قلت: وهو من أولاد عطية العوفيّ، وله ولدان آخران:(12/975)
عبد الله بن عطية، والحسن بن عطية؛ وكلهم ضعفاء كما بينه الحافظ ابن رجب في " شرح علل الترمذي " (2 / 791 - 792) .
فكأنهم ورثوا الضعف من أبيهم!
والحديث؛ ذكره السيوطي بالزيادة في " الدر المنثور " من رواية ابن مِرْوَدَيْهِ. وعزاه إليه نَقْلًا عن " الدر " أخونا علي حسن الحلبي في " التعقيب على رسالة اَلْأَنْصَاريّ " حول حديث عطية المعروف: " اللهم! إني أسألك بحق السائلين "
(ص 25) وقال عقبه:
" قلت: ويغلب على الظن أنه من طريق العوفيّ أَيْضًا؛ إذ لم أقف على سنده ".
ولقد أصاب كما ترى، زاده الله تَوْفِيقاً. وحديث أبيه سبق تخريجه في المجلد الأول برقم (24) بلفظ مخالف لهذا من رواية فضيل بن مرزوق، وقد شغب اَلْأَنْصَاريّ حولها وحاول تحسينها، ثم نكص على عقبيه، كما يتبين لمن وقف على
هذا التعقيب، وعلى ردي عليه في مقدمة الطبعة الجديدة للمجلد المذكور.
5987 - (قل: اَللَّهُمَّ! إني أسألك بمحمد نبيك، وإبراهيم خليلك، وموسى نجيك، وعيسى روحك وكلمتك، وبكتاب موسى، وإنجيل
عيسى، وزبور دَاوِد، وفرقان محمد، وبكل وحي أوحيته، أو قَضَاء قضيته، أو سَائِل أعطيته. . . - الحديث؛ وفيه: - أن ترزقني اَلْقُرْآن والعلم. . . .) الحديث.
موضوع. أخرجه الديلميّ (1 / 198) من طريق أبي الشيخ معلقاً عليه بسنده عن عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه:(12/976)
أن أبا بكر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتعلم القرآن فينفلت مني؛ فقال:. . .
فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته عبد الملك هذا؛ قال ابن حبّان (2 / 133) :
" كان ممن يضع الحديث، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار ". وقال
" كذاب ". وقال السعدي:
" دجال كذاب ".
5988 - (يأتي على اَلنَّاس زمان يكون عامتهم يقرأون القرآن، ويجتهدون في اَلْعِبَادَة، ويشتغلون بأهل البدع، يشركون من حيث لا
يعلمون، يأخذون على قراءتهم وعلمهم الرزق (الأصل: وعليهم الوزر) ، يَأْكُلُونَ الدنيا بالدين، هم أَتْبَاع الدجال الأعور. قلتُ: يا رسول الله!
كيف ذاك وعندهم القرآن؛ قال: يحرفون تفسير القرآن على ما يريدون
كما فعلت اَلْيَهُود؛ حرّفوا التوراة، فضرب اَللَّه قلوب بعضهم على بعض ولعنهم على لسان دَاوِد وعيسى ابني مريم؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) .
موضوع. أخرجه الإسماعيلي في " معجم شيوخه " (ق 80 / 2 - 81 / 1) :
قال حدثنا الحسن بن سهل بن سعيد بن مهران الأهوازي ب (عسكر مكرم) أبو علي بخبر منكر: حدثنا أحمد بن منصور. ثَنَا عبد الوهاب بن عطاء؛ حدثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن ابن مسعود قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات مترجمون في " التهذيب "؛ غير(12/977)
الأهوازي هذا؛ فأورده الحافظ في " اللسان " لهذا الحديث، وذكر أنه خبر منكر، وهو قول الإسماعيلي نفسه في الإسناد كما ترى، وهو عندي موضوع؛ لوائح الوضع عليه ظاهرة، وإن كان معناه يصدق على كثير من ذوي الأهواء اليوم - كأسلافهم -، ومنهم بعض المعروفين بأنهم من الدعاة إلى الإسلام!
والحديث؛ عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " للإسماعيلي والديلميّ، وقال: " قال في " اللسان ": هذا خبر منكر ".
وأقره، وقد عرفت أنه قول مخرجه الإسماعيلي نفسه.
5989 - (ما يُتَخَوَّفُ من العمل أشدُّ من العمل؛ إن الرجل من أمتي يعمل في السر، فتكتب الحفظة في السر، فإذا حدث به الناس يُنسَخُ
من السر إلى اَلْعَلَانِيَة، فإذا أُعْجِب به نُسِخَ من العلانية إلى الرياء؛ فيبطل، فاتقوا الله، ولا تبطلوا أعمالكم بالعُجْب) .
موضوع. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (6 / 63 - 64) ، ومن طريقه ابن الجوزيّ في " الموضوعات " (3 / 154) من طريق إسماعيل بن أبي زياد عن أبان
ابن أبي عياش عن أنس بن مالك مَرْفُوعًا. وقال ابن الجوزيّ:
" لا يصح، وإنما يروى نحوه عن الثوري، وأبان؛ فنهاية في الضعف، وإسماعيل؛ قال الدارقطنيّ: كذاب متروك. وقال ابن حبّان: لا يحل ذكر إسماعيل إلا بالقدر ".
قلت: زاد ابن حبّان فيئ " الضعفاء " (1 / 129) :
، شيخ دجال ".(12/978)
وتعقبه السيوطي في " اللآلئ " (2 / 333) - ثم ابن عراق (2 / 308) -
بأن له شَاهِدًا في " شعب البيهقيّ " عن أبي الدرداء نحوه.
قلت: ويأتي الكلام عليه في التالي.
والحديث؛ أورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 215) ببعض اختتصار، فقال العراقي في " تخريجه ":
" أخرجه الخطيب في " التاريخ " من حديث أنس بإسناد ضعيف "!
كذا قال! ولا يخفى على أحد ما فيه من التساهل؛ فإن إسناده أسوأ مما قال كما تبين من هذا التحقيق، فقد اغتر به الشيخ إسماعيل اَلْأَنْصَاريّ فنقل تضعيفه إياه وأقره عليه في تعليقه على " الوابل الصيب " (ص 32) مع أنه ساق إسناد الخطيب به. وهذا إن دل على شيء فهو أن الشيخ لا معرفة عنده بهذا العلم، أو أنه لا يهتم بالتحقيق، وذلك مما ينافي النصح المأمور به في غير حديث، وجعله الدين كله في قوله صلى الله عليه وسلم:
" الدين النصيحة. قالوا: لمن؛ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم ".
أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (26) وغيره.
قال الحافظ ابن رجب في " شرح الأربعين " (ص 57) :
" ومن أنواع النصح لله تعالى وكتابه ورسوله - وهو مما يختص به العلماء - رد الأهواء المضلة بالكتاب أو السنة على موردها، وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء كلها، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان دلالة الكتاب(12/979)
والسنة على ردها، ومن ذلك بيان ما صح من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وما لم يصح، ومنه تبيين حال راويه؛ مَنْ تقبل روايته منهم ومن لا تقبل رواياته منهم، وبيان غلط من غلط من ثقاتهم الذين تقبل رواياتهم ".
5990 - (الإبقاء على العمل أشدُّ من العمل؛ إن الرجل ليعمل
العمل فيكتب عمل صالح معمول به في السر، يضعف أجره سبعين ضعفاً، فلا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس ويعلنه، فتكتب له
علانية، ويمحا تضعيف أجره كلّه، ثم لا يزال به الشيطان حتى يذكره للناس الثانية ويحبّ أن يذكر ويحمد عليه، فيمحا العلانية ويكتب رساءً، فاتقى اَللَّه امرؤ صان دينه، وإن الرياء شرك) .
منكر. أخرجه البيهقيّ في " الشعب " (2 / 316 / 1 - 2 و 324 / 1 - 2)
من طريق بقية عن سلام بن صدقة عن زيد بن أسلم عن الحسن عن أبي الدّرداء مَرْفُوعًا. وقال البيهقيّ:
" هذا من أفراد بقية عن شيوخه المجهولين ".
يشير إلى جهالة سلام بن صدقة، ولم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، فلتستفد من هنا.(12/980)
5991 - (لا تُشركوا بالله شيئاً وإن قطّعتم أو حرّقتم أو قتّلتم. ولا تتركوا الصلاة المكتوبة متعمدين، فمن تركها متعمداً؛ فقد خرج من الملة.(12/980)
ولا تركبوا المعصية؛ فإنها من سخط الله.
ولا تشربوا الحفر؛ فإنها رأس الخطايا كفها.
ولا تفروا من القتل والموت دهان كنتم فيه.
ولا تعصين والديك، وإن أمراك أن تخرج من الدنيا كلها، فاخرج.
ولا تضغ عصاك عن أهلك؛ وأنصفهم من نفسك) .
منكر بهذا السياق. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 75) ، وابن نصر في " الصلاة " (ق 240 / 1) ، وابن عبد الحكم في " فتوح مصر " (271) ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " (ق 122 / 1 - الجامعة) ، والطبراني في " المعجم الكبير " من طريق يزيد بن قوذر عن سلمة بن شريْح عن عبادة بن الصامت قال: أوصانا رسول الله بة بسبع خصال، قال:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، لجهالة سلمة بن شريْح، ويزيد بن قوذر؛ وقد ذكرهما ابن حبّان في " الثقات " (4 / 318 و 7 / 626) .
والأول مجهول العين، وفي ترجمته أخرج البخاري الطرف الأول من الحديث، وقال:
" لا يعرف إسناده ".
ولذا؛ قال الذهبي في " الميزان " - وأقره الحافظ في " اللسان " -:
" لا يعرف ".(12/981)
وأما الآخر؛ - فهو مجهول الحال! فقد قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 284) :
" روى عنه عبد الله بن عياش بن عباس، وسيار بن عبد الرحمن الصدفي ". وقال ابن حبّان:
" روى عنه المصريون ".
والحديث؛ قال اَلْهَيْثَميّ في " مجمع الزوائد " (4 / 216) .
" رواه الطبراني. وفيه سلمة بن شريح؛ قال الذهبي: " لا يعرف "، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!
كذا قال! وهو وهم ظاهر؛ فإن ابن قوذر؛ ليس من رجال (الصحيح) ؛ بل ولا
هو من رجال بقية الستة!
ومما سبق، تعلم خطأ قول المنذري. في " الترغيب " (1 / 194 - 195) :
" رواه الطبرانيّ ومحمد بن نصر في " كتاب الصلاة " بإسنادين لا بأس
وقوله: " بإسنادين " خطأ آخر؛ فإنه لا يعرف إلا من هذا الوجه.
والمستنكر من الحديث جملتان:
إحداهما! : الخصلة الثانية: " ولا تركبوا المعصية. . . ".
والأخرى: قوله في الخصلة الأولى: " فقد خرج من الملة ".
فقد جاء الحديث بطرق مختلفة عن جمع من الصحابة، خرج أحاديثهم(12/982)
العلامة الزبيدي في " شرح الإحياء " (6 / 392 - 393) من رواية أم أيمن، وأبي الدّرداء، وأميمة، ومعاذ، وأبي ريحانة، وكلهم قالوا:
" فقد برئت ذمة الله منه ".
وليس عندهم الخصلة الثانية.
وقد كنت خرجته في " الإرواء " (2126) عن معاذ وأبي الدرداء وأم أيمن، ومكحول أَيْضًا مُرْسَلًا.
واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث هنا بهذا اللفظ المستنكر، بعد أن كنت أخرجته في " الإرواء " باللفظ المحفوظ - إنما هو أن أحد الطلبة السعوديين - جزاه الله خَيْرًا - أرسل إِلَيَّ رسالة مصورة عن رسالة مطبوعة في حكم تارك الصلاة لأحد العلماء الأفاضل في تلك الديار، فرأيته قد استدل به في أحاديث أخرى على أن تارك الصلاة كَسَلًا مع إيمانه بفرضيتها كافر كُفْرًا مُخْرِجًا من الملّة.
فقلت في نفسي: إن صح هذا الحديث فينبغي أن لا يتوقف العالم به عن تكفير تارك الصلاة، ولم يكن في حفظي إلا اللفظ الصحيح منه: " فقد برئت ذمة الله منه ".
فاندفعت أراجع الحديث في مظانه في كتب السنة، فكان من ذلك هذا المقال الذي يتبين منه لكل باحث أن الحديث لا يصح باللفظ المذكور، وأنه لا يصح الاستشهاد به - بله الاستدلال -؛ لنكارته ومخالفته للأحاديث الأخرى، وبالتالي لا يجوز ذكره مع السكوت عن بيان حاله؛ لما في ذلك من التغرير بعامة القراء. ومنه؛ تعلم أيضاً خطأ المعلقين الثلاثة على " الترغيب " الذين يرتجلون(12/983)
التصحيح والتحسين اِرْتِجَالًا، ولا ينظرون إلى أبعد من أرنبة أنفهم! فقالوا في الحديث:
" حسن بشواهده "!
5992 - (فتنة سُلَيْمَان عليه السلام: أنه كان في قومه رجل كعمر
ابن الخطاب في أمتي، فلما أنكر حال الجان الذي كان مكانه؛ أرسل
إلى أفاضل نسائه فقال: هل تنكرن من صاحبكن شيئاً؛ قلن: نعم؛ كان لا يأتينا حيضاً، وهذا يأتينا حيضاً. فاشتمل على سيفه ليقتله، فردّ اَللَّه
على سليمان ملكه، فأقبل، فوجده في مكانه، فأخبره بما يريد) .
باطل. أخرجه عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن رافع رضي الله عنه قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن فتنة سليمان عليه السلام قال: إنه كان
في قومه. . . اَلْحَدِيث. كذا في " الدر المنثور " (5 / 312) .
فأقول: قوله: " رضي الله عنه "؛ يوهم أن عبد الرحمن بن رافع صحابي؛ لأن الترضي في اصطلاح العلماء خاص بالصحابة رضي الله عنهم، وهذا ليس منهم، فلعله من بعض الناسخين ل " الدر ".
ثم إن عبد الرحمن هذا مع كونه ليس صَحَابِيَّا فهو مُتَكَلِّم فيه، وترجمته في
" الميزان " و " التهذيب "، وهو التنوخيّ؛ قال البخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 1 / 280) :
" حديثه مناكير ".(12/984)
قلت: وهذا الحديث مع كونه من بلاغاته لم يسنده إلى أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منكر جِدًّا؛ لما فيه من تمثل الشيطان من الجن في صورة سليمان عليه السلام، وإتيانه لنسائه وهن حيض! !
ومن الغريب أنه رويت في ذلك آثار كثيرة موقوفة في فتنة سليمان عليه وعلى
أبيه السلام فسّروا بها قوله تعالى: (ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيّه جسداً
ثم أناب! ، فقيل: إن الجسد هو هذا الشيطان، جلس على كرسي سليمان يحكم بين الناس أَيَّامًا وهم لا يشعرون أنه شيطان، حتى رابهم منه شيء وكان أخذ خاتم سليمان من إحدى زوجاته، وكان ملكه في خاتمه، فلما وضعه في يده؛ خضع له الإنس والجن، فلما رابهم أمره؛ ساعيوا نساءه عنه؛ فأجبن بما في الحديث أنه يأتيهن في حالة الحيض، فثاروا عليه، فهرب وسقط منه الخاتم في البحر، فالتقمته سمكة، فوقعت في يد سليمان الذي كان خرج إلى ساحل البحر ليعتاش! فلما شق بطنها؛ وجد الخاتم، فوضعه في إصبعه، فعاد إليه ملكه! في قصة طويلة، عزاها السيوطي للنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، وقوى السيوطي إسنادها تَبَعًا
لابن كثير وابن حجر في " تخريج الكشاف " (4 / 142) ! لكن ابن كثير استدرك فقال:
" ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما - إن صح عنه - من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا كان في هذا السياق منكرات، ومن أشدها ذكر النساء. وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف؛ كسعيد بن المسيّب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب ".
وذكر نحوه في تاريخه " البداية " (2 / 26) .(12/985)
فإن قيل: فما معنى الآية المتقدمة؛
والجواب: ما قاله العلامة الآلوسيّ في " تفسيره " (23 / 198) :
" أظهر ما قيل في فتنته عليه السلام أنه قال: " لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله. ولم يقل: إن شاء الله. فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة، وجاءت بشق رجل ". رواه الشيخان عن أبي هريرة مَرْفُوعًا. فالمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولد له، ومعنى إلقائه على كرسيه: وضع
القابلة له عليه؛ لِيَرَاهُ ".
وذكر نحوه ابن حيان الأندلسي في تفسيره " البحر المحيط " (7 / 397) .
ثم قال الآلوسيّ بعد أن ساق القصة من رواية ابن عباس:
" قال أبو حيان وغيره:
إن هذه المقالة من أوضاع اليهود والزنادقة، ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيها، وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس، ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي؟ ! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي، نسأل الله سلامة ديننا وعقولنا، ومن أقبح ما فيها زعم تسلط الشيطان على نساء نبيه حتى وطئهن وهن حيض! الله أكبر، هذا بهتان عظيم، وخطب جسيم ا! وجاء عن ابن عباس برواية عبد الرزاق وابن المنذر ما هو ظاهر في أن ذلك من أخبار كعب، ومعلوم أن كَعْباً يرويه عن كتب اليهود، وهي لا يوثق بها، على أن إشعار ما يأتي بأن تسخير الشياطين بعد الفتنة يأبى صحة هذه المقالة كما لا يخفى.(12/986)
ثم إن أمر خاتم سليمان عليه السلام في غاية الشهرة بين الخواص والعوام، ويستبعد جِدًّا أن يكون الله تعالى قد ربط ما أعطى نبيه عليه السلام من الملك بذلك الخاتم، وعندي أنه لو كان في ذلك الخاتم السر الذي يقولون؛ لذكره الله عز وجل في كتابه. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال ".
قلت: وقد روي في حديث مرفوع ما يوافق تفسير قوله: (جَسَدًا) بأنه ولد سليمان عليه السلام، ولكنه حديث منكر، أو موضوع. اقتصر السيوطي على تضعيف إسناده في " الدر "، ووافق ابن الجوزيّ على وضعه في " اللآلئ "، وهو الأقرب كما ستراه عقب هذا.
5993 - (ولد لسليمان بن دَاوِد ولد، فقال للشياطين: أين نُوَارِيه من الموت؛ فقالوا: نذهب به إلى اَلْمَشْرِق! . فقال: يصل إليه اَلْمَوْت. قالوا: إلى اَلْمَغْرِب. قال: يصل إليه الموت. قالوا: إلى البحار. قال: يصل
إليه. قالوا: نضعه بين السماء وَالْأَرْض؛ [قال: نعم. قال: فصعدوا به] . ونزل عليه ملك الموت فقال: ابن دَاوِد! أُمرتُ بقبض نسمة طلبتها في المشرق فلم أصبها، فطلبتها في المغرب فلم أصبها، وطلبتها في البحار، وطلبتها في تخوم اَلْأَرْضِ فلم أصبها، فبينا أنا أصعد إذ أصبتها فقبضتها. وجاء جَسَده حتى وقع على كرسيه، فهو قول الله عزوجل
(ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب)) .
منكر. أخرجه الطبرانيّ في " المعجم الأوسط " (2 / 65 / 1 / 6098 - بترقيمي) ، والعقيلي في " الضعفاء " (4 / 424) من طريق كثير بن يحيى أبي مالك صاحب البصري قال: ثَنَا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي(12/987)
هريرة مَرْفُوعًا - والسياق للطبراني -. وقال:
" لم يروه عن محمد بن عمرو إلا يحيى بن كثير، تفرد به ابنه ". وقال العقيلي - والزيادة له -:
" لا يتابع عليه يحيى بن كثير أبو النضر، وهو منكر الحديث! . وقال ابن حبّان في " الضعفاء " (3 / 130) :
" يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ".
والحديث؛ أورده ابن الجوزيّ في " الموضوعات " (3 / 218) من طريق
العقيلي، وقال:
" موضوع، ولا يجوز أن ينسب إلى سليمان - وهو نبي كريم - أنه يفر من الموت،
ولا أنه يقر على أن كونه بين السماء والأرض يدفع الموت ".
ثم أعل إسناده بكلام ابن حبّان المتقدم في يحيى بن كثير.
وأقره السيوطي في " اللآلئ " (2 / 414) ، ثم ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (2 / 362) . فلا يلتفت إلى قول السيوطي في " الدر " (5 / 316) بعد أن عزاه للطبراني وابن مِرْوَدَيْهِ:
". . . بسند ضعيف "!
فإنه وقف عند قول الحافظ في يحيى هذا في " التقريب ":
" ضعيف ".
وحاله أسوأ من ذلك لو رجع إلى ترجمته في " التهذيب "، ولذلك؛ لما أورده(12/988)
الذهبي في " الضعفاء " قال:
" قال الدارقطنيّ: متروك ". وقال اَلْهَيْثَميّ في " المجمع " (7 / 99) :
" رواه الطبرانيّ في " الأوسط ". وفيه يحيى بن كثير صاحب البصري، وهو متروك، وابنه كثير ضعيف أيضاً)) .
5994 - (كان لا يرى بَأْساً بِقَضَاء رمضان. في عشر ذي الحجة) . ضعيف. أخرجه الطبرانيّ في " المعجم الأوسط " (2 / 42 / 1 - 2 / 5729) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: نا إبراهيم بن إسحاق الصيني قال: ثَنَا قيس بن الربيع عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر مَرْفُوعًا. وقال الطبرانيّ:
" لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن إسحاق ".
قلت: وهو متروك؛ كما قال الدارقطنيّ.
وشيخه قيس بن الربيع؛ ضعيف من قبل حفظه، فالحمل فيه على الصيني أولى، وفي ترجمته أورده الذهبي في " الميزان "، وقال:
" لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ".
قلت: رواه مرة بلفظ:
" كان إذا فاته شيء من رمضان؛ قضاه في عشر ذي الحجة ".
أخرجه الطبرانيّ في " الصغير ": ثَنَا محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر(12/989)
الترمذي الفقيه: ثَنَا إبراهيم بن إسحاق الصيني به.
وأبو جعفر الترمذي هذا ثقة؛ لكنه كان اختلط في آخر عمره اِخْتِلَاطًا عَظِيمًا، فلا أدري إذا كان حدث بهذا قبل الاختلاط أم بعده؛ فإن كان حَفِظَهُ؛ فهو من الصيني. والله أعلم.
5995 - (كان جَدْيٌ في بني إسرائيل ترضعه أمه فَتَرْوِيه، فانفلت يَوْمًا فَرَضَعَ غنماً كثيرة، فلم يروَ، فَأُوحِيَ إلى رجل منهم: إن مثل هذا الجدي مثل قوم يأتون من بعدكم يعطى الرجل ما يكفي الأمة أو القبيلة
فلا يَشْبَع) .
ضعيف. أخرجه البزّار في " مسنده " (4 / 246 / 3642) ، والطبرانيّ في
" الأوسط " (2 / 43 / 1 / 5740) من طريق إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال: ثَنَا شعيب بن صفوان عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً. وقال الطبرانيّ:
" لم يروه عن عطاء إلا شعيب وأبو عوانة، ولم يروه عن أبي عوانة إلا يحيى
ابن حماد ".
قلت: يحيى هذا؛ ثقة من رجال الشيخين، وشعيب بن صفوان؛ من رجال مسلم؛ لكن فيه ضعف، وقال الحافظ:
" مقبول ".
فيقويه متابعة أبي عوانة إياه - واسمه الوضاح -، وهو ثقة أَيْضًا من رجال الشيخين، فالعلة من عطاء بن السائب، وبه أعله اَلْهَيْثَميّ؛ فقال في " مجمع(12/990)
الزوائد " (10 / 243) بعدما عزاه للمصدرين المتقدمين:
" ورجاله وثقوا؛ إلا أن عطاء بن السائب اختلط قبل موته ".
قلت: وهو ثقة لولا اختلاطه، ومثله من المختلطين له ثلاث حالات:
1 - أن يعرف أنه حدث بالحديث قبل الاختلاط.
2 - أن يعرف أنه حدث به بعد الاختلاط.
3 - أن لا يعرف عنه لا هذا ولا هذا.
ففي الحالة الأولى فقط يحتج به؛ دون الحالتين الأخريين. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ومن المحتمل عندي أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات، اختلط أمره على عطاء بن السائب،، فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان ابن عمرو يحدث كَثِيرًا عن أهل الكتاب.
5996 - (من قُتِلَ يلتمس به وَجْه الله؛ لم يعذّبه اَللَّه) .
ضعيف. أخرجه الطبرانيّ في " المعجم الأوسط " (3 / 43 / 2 / 5351) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرميّ قال: نَاْ عبد الرحمن بن الفضل بن بلال الغنوي قال: نَاْ عبد الله بن بكير الغنوي عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر مَرْفُوعاً. وقال:
" لم يروه عن محمد بن سوقة إلا عبد الله بن بكير ".(12/991)
قلت: وفيه ضعف؛ قال في " الميزان ":
" قال أبو حاتم: كان مِنْ عتق الشيعة. وقال الساجي: من أهل الصدق؛ وليس بقوي. وذكر له ابن عدي مناكير ". وقال في " ضعفائه ":
" حديثه منكر، وَقَبِلَهُ بعضهم ".
وكأنه يشير إلى ابن حبّان؛ فقد ذكره في " الثقات " (8 / 335) . وبه أعله اَلْهَيْثَميّ فقال (5 / 295) :
" رواه الطبرانيّ في " الأوسط ". وفيه عبد الله بن بكير الغنويّ؛ وهو ضعيف ". قلت: وعبد الرحمن بن الفضل بن بلال الغنويّ؛ لم أعرفه. ورأيت في " ثقات ابن حبّان " (8 / 382) :
" عبد الرحمن بن الفضل بن موفق. يروي عن أبي نعيم وأبيه. روى عنه الحضرميّ وأهل العراق ".
فيحتمل اِحْتِمَالًا كَبِيرًا أن يكون هو هذا، ويكون (موفق) هو (بلال) الذي
في الإسناد، تحرف على بعض الناسخين، أو العكس، ويحتمل أن أحدهما الجد الأعلى لعبد الرحمن بن الفضل. والله أعلم.
5997 - (كان إذا دَخَلَ العشر الأواخر من رمضان؛ طوى فراشه، [وشد مِئْزَره] ، واعتزل النساء، وَجَعَلَ عشاءه سحوراً) .
منكر بهذا التمام. أخرجه الطبرانيّ في " المعجم الأوسط " (2 / 4 / 5783) ، وابن عدي في " الكامل " (2 / 800) - والزيادة له - مِنْ طريق حفص(12/992)
ابن واقد البصري عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس مَرْفُوعاً. وقالا:
" لم يروه عن هشام إلا حفص بن واقد ". وقال ابن عدي:
" وبعض متنه قد شورك فيه حفص، وبعض المتن لا يرويه غيره، ولم أر له أنكر من هذا الحديث واللذين قبله، وليس له من الحديث إلا شيء يسير ". وأورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال:
" قال ابن عدي: له أحاديث منكرة ".
وبهذا أعله اَلْهَيْثَميّ في " المجمع " (3 / 174) .
قلت: وأصل الحديث صحيح، وهو الذي أشار إليه ابن عدي، وهو من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل اَلْعَشْر؛ شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله ".
أخرجه الشيخان - واللفظ للبخاري (رقم 991 / مختصره) -.
5998 - (في التماثيل؛ رخَّص فيما كان يوطأ، وكَرِهَ ما كان منصوباً) .
ضعيف جِدًّا. أخرجه الطبرانيّ في " الأوسط " (2 / 49 / 2 / 5833)
عن سليمان بن أرقم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال:
" لم يروه عن محمد بن سيرين إلا سليمان بن أرقم ".(12/993)
قلت: وهو ضعيف جِدًّا؛ قال الذهبي في " المغني ": " واهي الحديث، ضعفه أبو حاتم وغيره. وقال يحيى: لا شيء. وقال البخاري: تركوه ". وقال في " الكاشف ":
" متروك ". وتساهل الحافظ فقال في " التؤيب ":
" ضعيف ".
وهو في ذلك تابع لشيخه الهيثميّ؛ فإنه به أعله في " المجمع " (5 / 174) !
والشطر الثاني من الحديث صحيح، يدل عليه حديث عَائِشَة رضي الله عنها
في هتكه صلى الله عليه وسلم للقرام (الستر الرقيق) وقوله:
" أشد الناس عَذَاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهُون بخلق الله ". متفق عليه، وهو مخرج في " آداب الزفاف ".
وأما الشطر الأول منه؛ فباطل عندي؛ لحديث عَائِشَة الآخر قالت:
وحَشَوْتُ وسادة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها تماثيل كأنها نمرقة، فقام بين البابين، وجعل
يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؛ قال: ما بال هذه الوسادة؛ قالت: قلت: وسادة جعلتها لك؛ لتضطجع عليها. قال: أما عَلِمْتِ أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة. .؟ ! . . الحديث. رواه البخاري وغيره. وهو مخرج في المصدر السابق.
ويؤيده حديث جبريل وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم:
" إن في البيت ستراً في الحائط فيه تماثيل، فاقطعوا رؤوسها، فاجعلوها بسائط
أو وسائد فأوطئوه؛ فإنا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل ".(12/994)
وهو مخرج هناك أَيْضًا بنحوه، وفي " الصحيحة ".
فهذان الحديثان صريحان في الدلالة على أنه لا فرق بين ما يمتهن وما لا يمتهن
من الصور، وأن كل ذلك يحرم صُنْعًا وقنية، وهو ما ذهب إليه ابن العربي رحمه الله؛ فقد ذكر الحافظ عنه في " الفتح " (10 / 388) : أنه صحح أن الصورة التي لا ظل لها، إذا بقيت على هيئتها حرمت، سواء كانت مما يمتهن أم لا، وإن قطع رأسها، أو فرقت هيئتها جاز. قال الحافظ:
" وهذا المذهب منقول عن الزهريّ، وقواه النووي، وقد يشهد له حديث النمرقة (يعني: المتقدم) ، وسيأتي ما فيه ".
ثم تكلم على الحديث هناك (10 / 389 - 390) ، ثم جمع بينه وبين حديث هتك الستر المتقدم، ومال إلى هذا المذهب، وهو الحق الذي لا معارض له. واعلم أخي المؤمن أن من الآثار السيئة لِمُخَالَفَة هذا المذهب الصحيح أمرين ظاهرين:
الأول: انتشار استعمال الثياب المصورة وإلباسها للصغار والكبار، وفي اَلْجَرَائِد
والمجلات، وبعضها دينية، حتى دخلت هذه الصور المساجد بوسائل عديدة كالروزنامات التي تعلَّق على جدار المسجد، وعليها صور الحجاج! ومن أسوأ هذه الصور ما يرى على صدور وظهور قمصان بعض الشباب المصلين في المسجد، وقد تكون الصورة دُبَّاً أو فتاة خليعة! ومن المصائب أن يصلي بعض المصلين وراء مثل هؤلاء الشباب فتكون الصورة قبلتهم! والآخر: أن في استعمالها إعانة على تصويرها، وذلك مما لا يجوز؛ لأنه
مخالف لقوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ، وقد عرفت من(12/995)
حديث عائشة الأول أن أشد الناس عَذَابًا يوم القيامة المصورون، ففيه زجر بالغ عن اتخاذ الصور، قال الحافظ: " لأن الوعيد إذا حصل لصانعها؛ فهو حاصل لمستعملها؛ لأنها لا تصنع إلا لتستعمل، فالصانع متسبب، والمستعمل مباشر، فيكون أولى بالوعيد ". نسأل الله السلامة.
5999 - (في اَلْجَنَّة بَيْت يقالُ له: بيت السَّخاء) .
منكر. أخرجه الطبرانيّ في " المعجم الأوسط " (2 / 51 / 2 / 5872) عن جحدر بن عبد الله الرحبي قال: ثَنَا بقية بن الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة عن عائشة مَرْفُوعًا. وقال: " لم يروه عن الأوزاعي إِلَّا بقية، تفرد به جحدر بن عبد الله الرحبي ".
قلت: ولم نجد له ترجمة، وبه أعله الهيئمي في " المجمع " (3 / 128) . وكأنه ذهل عن عنعنة بقية؛ فإنه كان مُدَلِّسًا!(12/996)
6000 - (من لم يكن له مِنْكُمْ فرط لم يَدْخُل اَلْجَنَّة إا تصريداً. فقال رجل: ما لكلّنا فرط؛ قال: أَوَلَيْسَ من فرط أحدكم أن يفقد أَخَاهُ
المسلم؟ !) (*) .
منكر. أخرجه الطبرانيّ في (الأوسط " (2 / 51 / 2 / 5875) عن اسحاق بن ابراهيم العقيلي قال: ثنا عبد العظيم بن حبيب قال: ثَنَا موسى بن
__________
(*) قدر للشيخ - رحمه الله - أن خرج هذا الحديث - فيما سبق - في هذا المجلد برقم (5894) . . (الناشر) .(12/996)
عبيدة عن محمد بن كعب القرظي عن سهل بن حنيف مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه علل:
الأولى: موسى بن عبيدة، وهو ضعيف؛ كما في " التقريب "، وبه أعله شيخه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 12) .
الثانية: عبد العظيم بن حبيب؛ ذكره الذهبي في " الميزان " بروايته عن الزبيدي، وقال:
" قال الدارقطني: ليس بثقة ".
ثم ساق له الذهبي حَدِيثاً قال: إنه من بلاياه!
وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 424) ، وقال:
" ربما خالف ".
الثالثة: إسحاق بن إبراهيم العقيلي؛ لم أعرفه.
والشطر الثاني من الحديث قد روي ما يخالفه بلفظ؛
" من لم يكن له فرط من أمتي؛ فأنا فرط أمتي؛ لن يصابوا بمثلي ".
وإسناده خير من هذا، وقد حسنه الترمذي، وفيه ضعف، فانظر التعليق
على " المشكاة " (1735) و " الترغيب " (3 / 93) .
__________
انتهى بفضل الله وكرمه المجلد الثاني عشر من "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة "
ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الثالث عشر، وأوله الحديث:
6001 - (من مات له ولد، ذكر أو أنثى. . .) .
و"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أتسغفرك وأتوب إليك ".(12/997)
بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فهذا هو المجلد الثالث عشر من سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيئ في الأمة ". يخرج إلى عالم المطبوعات ليرى النور بعد عشرات السنين. يخرج إلى قرائه ومنتظريه، والراغبين فيه بمئات الأحاديث الضعيفة والموضوعة في مجالات الشريعة المختلفة؛ من العقائد، والآداب والأخلاق، والأحكام، وغير ذلك مما سيراه كل محب للعلم وأهله، يخرج ليلحق بأمثاله من المجلدات السابقة؛ ليكون المسلم على بينة
من أمر دينه، فلا ينسب إلى نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقله، فيقع تحت وعيد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع "، أو تحت وعيد قوله الآخر: " من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "، وحتى لا يقع المسلم في الضلال والبدعة، ويصرفَ
جهده ووقته فيما لم يشرعه الله ورسوله، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً!!
وسيرى القارئ الكريم تحت أحاديث هذا المجلد - كسابقه - الكثير والكثير من الأبحاث والتحقيقات الحديثية، والردود العلمية القوية، والفوائد والتنبيهات الخفية؛ كل في مكانه ومناسبته، وخذ أمثلة على ذلك الأحاديث: (6003، 6005، 6006، 6016، 6027، 6058، 6065، 6090، 6093، 6103، 6106، 6107، 6116، 6121، 6133، 6193، 6145، 6156، 6167، 6187، 6205، 6213، 6215، 6224، 6228، 6231، 6235، 6236، 6239، 6250، 6263، 6270، 6288، 6309، 6318، 6328، 6330، 6334، 6335، 6336، 6345، 6350، 6366، 6371، 6376، 6385، 6390، 6397، 6398، 6399، 6409، 6417، 6429، 6439، 6453، 6465، 6479، 6489، 6495) .
__________
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
ينظر التعليقات الموجودة بداية من المجلد الثامن(13/3)
وبطبيعة الحال؛ فإن هذا المجلد -كسابقه - لم يراجعه الشيخ المراجعة الأخيرة لتهيئته للطباعة، ولو فعل لزاد وأفاد، ولذلك؛ وجدنا بعض الملاحظات على هذا المجلد، منها - بل أهمَها- أننا وجدنا عدداً من الأحاديث لم يُثَبِّتْ عليها الشيخ - رحمه الله - الحكم المختصر قبل التخريج - كعادته -، فوضعنا الحكم المناسب عليها من خلال في دراسة الشيخ لطرقه وتحقيقه، مع الرجوع إلى بعض إخواننا طلاب العلم في ذلك، وإليك أرقام هذه الأحاديث كلها: (6011، 6014، 6029،6038، 6043، 6089، 6131،6156، 6193، 6195،6201، 6242، 6304/ م،6312، 6338، 6407، 6416، 6440، 6482، 6484، 6487، 6498) .
ووجدنا - أيضاً - بعض الأحاديث أخذت الرقم المكرر قبلها، ففصلنا اللاحق عن السابق بوضع [/ م] بعد الرقم المكرر، ولم نعدِّل الأرقام، لأن الشيخ - رحمه الله - كان يُحيل عليها في كتبه الأخرى، فتيسيراً على الباحث تركناها كما هي، وهذه الأحاديث هي: (6163، 6302، 6304) .
وأخير" لا يفوتنا التوجه بالشكر إلى كل من كانت له يد في إنجاز هذا العمل العظيم في جميع مراحله؛ بما فيه عمل الفهارس العلمية المختلفة على نحو ما كانت تصنع في حياة الشيخ - رحمه الله -؛ فجزاهم الله خيراً، وشكر لهم.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
12 من رمضان 1423 هـ
الناشر(13/4)
6001 - (من مات له ولدٌ، ذكرٌ أو أنثى، سلَّم أو لم يسلِّم، رضي
أو لم يرضَ، لم يكن له ثواب إلا الجنة) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/105/10034) و"الأوسط " (2/
52/1 - 2/5883) ، وابن عدي (5/1779) من طريق عمرو بن خالد الأعشى عن
مُحِل بن مُحْرِز الضبيّ عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ... مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع، آفته عمرو بن خالد الأعشى، قال ابن حبان في
"الضعفاء" (2/79) :
"يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار".
وقال ابن عدي - وكنّاه بأبي حفص -:
"رواياته غير محفوظة". وقال أبو نعيم:
"روى عن هشام بن عروة الموضوعات".
قلت: وقد اضطرب في إسناده على وجوه:
الأول: هذا.
الثاني: قال: عن سليمان الأعمش عن إبراهيم ... به. فذكر (الأعمش) ...
مكان (مُحِل) .
أخرجه ابن عدي.
الثالث: قال محمد بن عبيد المحاربي: ثنا أبو حفص الأسدي عن ياسين
الزيات عن إبراهيم ... به.
فذكر ياسين الزيات - وهو متروك - مكان (مُحِل) و (الأعمش) .(13/5)
أخرجه الطبراني (10035) .
قال الحافظ:
"قلت: فرق ابن عدي بين عمرو بن خالد أبي حفص الأعشى هذا، وبين
عمرو بن خالد ابي يوسف الأعشى، فزاد في ترجمة أبي يوسف أنه أسدي،
وساق في ترجمة أبي حفص عدة أحاديث، وفي ترجمة أبي يوسف من طريق
الحسن بن شبل العبدي:ثنا عمرو بن خالد الأسدي الكوفي: ثنا هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في فضل العنب والخبز مرفوعاً، ثم قال هذا
بهذا الإسناد باطل موضوع، والبلاء من أبي يوسف، ولم يحضرني له غير هذا
الحديث.انتهى كلامه ".
قلت: أقر الحافظ ابنَ عدي على التفريق المذكور! وأنا أرى أنهما واحد، بدليل
رواية الطبراني في الوجه الثالث، فقد جمع فيهما بين كنيته (أبي حفص) - وهي
للأول اتفاقاً -، وبين نسبته (الأسدي) - التي هي لأبي يوسف عند ابن عدي -،
فدل على أنهما واحد، ويبقى الفرق بين الكنيتين، فيمكن أن تكون إحداهما
خطأ من بعض الرواة - وهو الظاهر -، لأن الحسن بن شبل العبدي - الذي روى عنه
وكناه بهذه الكنية - متهم، كما يأتي في الحديث التالي.
ثم رأيت الذهبي مال في "المغني" إلى أنهما واحد.
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع" (3/10) بزيادة في متنه بلفظ:
"صبر أو لم يصبر".من رواية الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وقال:
"وفيه عمرو بن خالد الأعشى، وهو ضعيف،وبقية رجاله ثقات".
قلت: وليس لهذه الزيادة أصل في "المعجمين" ولا في غيرهما.(13/6)
6002 - (عليكم بالمُرَازَمةِ. قيل وما المُرَازَمةُ؛ قال: أكلُ الخبزِ مع
العِنَبِ، فإن خيرَ الفاكهةِ العِنَبُ، وخيرَ الطعامِ الخُبزُ) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/1778) - ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات" (2/288) - ومن طريق الحسن بن شبل العبدي البخاري: ثنا
عمرو بن خالد الأسدي الكوفي قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
قالت: ... فذكره مرفوعاً. وقالا:
"هذا الحديث بهذا الإسناد موضوع، والبلاء من عمرو بن خالد هذا ".
قلت وزاد ابن الجوزي:
"وقال ابن حبان:يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الرواية عنه ".
ووافقه السيوطي في "اللآلي" (2/211) ، وابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/235) ، والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (160/479) .
قلت والحسن بن شبل العبدي، قال الذهبي في "الميزان":
شيخ معاصر للبخاري، كذبه ابن شاذويه، وذكره السليماني في جملة من
يضع الحديث ".
قلت:ومما سبق تعلم تساهل الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/370)
[في قوله] :
"رواه ابن عدي، وإسناده ضعيف"!(13/7)
6003 - (قُلِ اللهم! احفظني بالإسلامِ قاعداً، واحفظني بالإسلام
قائماً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تُطع فيّ عَدُوّاً حاسداً، أعوذُ بك
مِنْ شرِّ ما أنت آخذ بناصيته، وأسألك من الخيرِ الذي بيدك كلِّه) .
ضعيف.
أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (2/143/930) ، وكذا البخاري(13/7)
في "التاريخ" (4/2/235/2846) ، والفسوي في "التاريخ" (1/403 - 404) من
طريق مُعَلَّى بن رُؤْيَةَ التميمي - وهو الحمصي - عن هاشم بن عبد الله بن الزبير:
أنَّ عمر بن الخطاب أصابته مصيبة، فأتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فشكا إليه ذلك،
وسأله أن يأمر له بوَسَقٍ من تمر، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إن شئت، أمرن لك بوسق من تمر، وإن شئت، علمتك كلمات هي خير
لك".
ُقال: علِّمنيهنَّ ومُرْ لي بوسق، فإني ذوحاجة إليه. فقال: ... فذكره.
والسياق لابن حبان، وقال:
"توفي عمر بن الخطاب وهاشم بن عبد الله بن الزبير ابن تسع سنين ".
قلت: فهو - إذن - لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل هو تابعي صغير، أورده ابن حبان
قي "الثقات" (5/513) من رواية العلاء (!) بن رؤية التميمي، وقال:
"قديم الموت".
فإذا جمعنا بين قوله هذا، وقوله المتقدم أنه كان ابن تسع سنين يوم توفي
عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نخرج بأنه مات صغيراً.والله أعلم.
ثم هو مجهول فإنه ذكره البخاري وابن أبي حاتم من رواية المعلى هذا فقط،
وكذلك هو في "الثقات"! لكن وقع فيه (العلاء) ! وكذلك في "ترتيب
الثقات" للهيثمي! ويبدو أنه تحرف على المؤلف فيه ... والصواب ما في إسناد
الحديث، لموافقته لما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم في ترجمة هاشم هذا.
وكذا وقع عندهما في ترجمة (المعلى) نفسه، وذكر البخراي (4/1/396) أنه روى
عنه رجاء بن حيوة، وأورده في (الكنى) أيضاً (73/684) ، وقال "(13/8)
"أبو المعلى بن رؤية".
كذا ولم يزد وكذلك أورده ابن أبي حاتم في (الكنى) (4/2/443) دون
(الأسماء) - تبعاً للبخاري -، ولكنه انتقده، فقال:
"فسمعت أبي يقول: إنما هو المعلى بن رؤية، وهو شامي. يروي عن ابنٍ لعبد الله
ابن الزبير. روى عنه الزهري، وأرطأة بن المنذر ".
قلت: ويبدو أن ابن أبي حاتم لم يقف على ذكر البخاري إياه في الأسماء كما
ذكرت آنفاً، وإلا لنبه عليه، ولَذَكره هو أيضاً في (الأسماء) ، ولم يفعل، وأن
البخاري لما أورده بذاك الاختصار الشديد كأنه يشير إلى أنه رواية وقعت له.
وأما ابن حبان، فلم يورده مطلقاً لا في (الكنى) ولا في (الأسماء) ، لا باسم
(المعلى) ولا باسم (العلاء) ، فهو مجهول الحال. والله أعلم.
وبالجملة، فالحديث ضعيف، لجهالة روايه هاشم بن عبد الله، فإذا كان ابن
حبان روى حديثه لأنه عنده ثقة، فما باله أخرجه وهو منقطع عنده، والمنقطع لا
تقوم الحجة به كما هو معلوم في "مصطلح الحديث"، وصرح به ابن حبان نفسه
في مقدمة "الثقات" (1/12) ؟!
وقد روي الحديث من طريق أخرى: يرويه عبد الله بن صالح:حدثني الليث
ابن سعد: حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الصّهْباء عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى: أخبره ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أنه كان يدعو:
"اللهم! احفظني ... " الحديث نحوه في آخره، وخالفه في أوله كما ترى،
جعله من دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وليس من أمره لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.(13/9)
أخرجه الحاكم (1/525) ، وقال:
"صحيح على شرط البخاري"! ولم يتعقبه الذهبي إلا بقوله:
"قلت: أبو الصهباء لم يخرج له البخاري "!
قلت: قال الذهبي في "الكاشف":
"أبو الصهباء الكوفي: عن سعيد بن جبير، وعنه حماد بن زيد وعدة، ثقة".
وقال أيضاً في عبد الله بن صالح - وهو أبو صالح المصري، كاتب الليث -:
"فيه لين". وقال الحافظ:
"صدوق كثير الغلط، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غفلة".
وسعيد بن أبي هلال: كان اختلط.
ثم رأيت الحديث في "كتاب الدعاء" للطبراني (3/1474/1475) ، أخرجه
من الوجه المذكور، ولكن وقع فيه: (ابي المصفى) ... مكان (أبي الصهباء) ، فرأيت
أنه لا بد من التنبيه على أن هذا هو الصواب، وأن ما في المستدرك " [هو] من
(الأوهام الكثيرة) التي وقعت فيه، فإن (أبا المصفى) هوالذي ذكروا في ترجمته
أنه روى عن ( ... ابن أبي ليلى) ، وعنه (سعيد بن أبي هلال) ... دون (أبي
الصهباء) ، وَهُوَ مَجْهُولٌ، كما قال الذهبي والعسقلاني.
وقد أخرج له النَّسائي في " عمل اليوم والليلة" (431/705) حديثاً آخر في
فضل قراءة {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ، من طريق عمرو بن
الحارث عن سعيد بن أبي هلال ... به.
ومن طريق النسائي أخرجه المزي في ترجمة (أبي المصفى) ، ولكم يذكر فيه(13/10)
شيئاً آخر مما يؤكد أنه مجهول.
وإذا عرفت هذا، فقد أخطأ المعلقون على "موارد الظمآن" بتحسين حديث
الترجمة فإنهم تجاهلوا حال (معلى بن رؤية) ، فلم يتعرضوا له بذكر! وزادوا في
الطين بِلَّة أنهم ذكروا حديث ابن مسعود شاهداً له! غافلين أو متجاهلين أنه شاهد
قاصر، لأنه ليس فيه قصة عمر وطلبه الوسق، ولا أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بالدعاء، فضلاً
عن غفلتهم عن التحريف الذي وقع في اسم الراوي (أبي الصهباء) ! وكم لهم من
مثل هذا!!
6004 - (قُلْ: سُبْحَانَ الملكِ القُدُّسِ، ربِّ الملائكةِ والرُّوحِ، جلَّلْتَ
السماواتِ والأرضَ بالعزَّةِ والجَبَروتِ) .
منكر.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/46/476) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (2/24/1171) ، وابن السني في "عمل اليوم واليلة" من طريق محمد
بن أبان: ثنا دَرْمَك بن عمرو عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب:
أن رجلاً اشتكى إلى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوحشة، فقال: ... فذكره.
أورده العقيلي في ترجمة درمك، وقال:
" لا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به. كوفي) . وقال ابن أبي حاتم عن أبيه:
"منكر الحديث، ومع ذا مجهول".
وأبو إسحاق - وهو: السبيعي - كان اختلط، إلى كونه مدلساً.
ومحمد بن أبان: الظاهر أنه: محمد بن أبان بن صالح القرشي الكوفي، قال
الذهبي في "الميزان":(13/11)
"ضعفه أبو داود وابن معين. وقال البخاري: ليس بالقوي ". وبه أعله الهيثمي،
فقال (10/128) :
رواه الطبراني، وفيه محمد بن أبان الجعفي، وهو ضعيف".
قلت: ومن رواية الطبراني أورده ابن القيم في "الوابل الصيب" ساكتاً عنه!
وتبعه المعلق عليه الشيخ إسماعيل الأنصاري، وكل تعليقاته تدل على أن بضاعته
في هذا العلم مُزْجاة!
6005 - (نَهى أن يُمشى في نَعْلٍ واحدٍ، أو خُفٍّ واحدٍ، ويَبِيْتَ
في دارٍ وَحْدَه، أو يَنْتَفِضَ في بَرازٍ من الأرضِ إلا أن يَنْحَنِي (!) ، أو
يَلْقَى عَدُوّاً إلا أن يُنَحِّي عن نَفْسِهِ) .
موضوع بهذا التمام.
أخرجه الطبراني في "الكبير" - والسياق له - (12/23
- 24) ، وابن عدي في "الكامل" (5/1777) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث:
ثنا ابي عن حسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن
سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً. وقال ابن عدي:
" وأن ينام في طريق، وأن ينتفض في براز وحده حتى يتنحنح (!) ، أو يلقى
عدواً وحدَه إلا أن يضطر، فيدفع عن نفسه ".
ورواه أحمد (1/321) من هذا الوجه، لكن سقط من إسناده عمرو بن خالد،
ولم يسُق منه إلا الفقرة الأولى منه، وقد أشار ابنه عبد الله إلى سائر الفقرات
وإلى علة الحديث، فقال عقبه:
"وفي الحديث كلام كثير غير هذا، فلم يحدثنا به، وضرب عليه في كتابه،
فظننت أنه ترك حديثه من أجل أنه روى عن عمرو بن خالد الذي يحدث عن زيد(13/12)
ابن علي، وعمرو بن خالد لا يساوي شيئاً ".
قلت: وفي هذا الكلام اختصار، جعل الشيخَ أحمد شاكر في تعليقه على
"المسند" (4/341) يتساءل فيقول - بعد أن صحح إسناد حديثه -:
"ولسنا ندري لِمَ ضربَ الإمام الإمام أحمد على هذا الحديث، وما نظن ما ظن ابنه
عبد الله، فأن يروي الراوي الثقة عن راوٍ ضعيف لا يكون مطعناً فيه، وكم من ثقات
كبار رَوَوْا عن ضعفاء".
قلت: هذا كلام سليم، لكن الذي ظنه عبدُالله ليس هو الذي دفعه الشيخ
أحمد، وإنما أُتي من جهة أنه وقع في "المسند" قوله: "روى ... " على البناء للمعلوم،
أي: روى الراوي، وهوالحسن بن ذكوان، وهو ثقة.فأرى أنه إذا كان هذا الواقع
محفوظاً، أن يكون المعنى: من أجل أنه روى الحسن عن عمرو بن خالد هذا
الحديث - أي: في بعض الروايات عنه - ولا بد من هذا التقدير، لأسباب:
أولاً: ما تقدم من رواية الطبراني وابن عدي الصريحة بما ذكرتها.
ثانياً: لقد ساق له ابن عدي أحاديثَ أخرى عن الحسن عن حبيب بن أبي
ثابت، فقال ابن عدي:
"هذه الأحاديث التي يرويها الحسن عن حبيب، بينهما عمرو بن خالد،
ويسقطه الحسن بن ذكوان من الإسناد لضعفه".
ثالثاً: قال عبد الله بن أحمد في " العلل" (2/78/469) - ورواه عنه العقيلي
في "الضعفاء" (3/268) ، وقد صححت منه بعض الأخطاء -:
"ذكرت لأبي حديث عبد الصمد عن أبيه عبد الوارث عن الحسن بن ذكوان عن
حبيب بن أبي ثابت - فذكره كما في "المسند" -؛ قال أبي: هذا حديث منكر. قيل(13/13)
له: إن غير عبد الصمد يقول، عن عبد الوارث عن الحسن عن عمرو بن خالد عن
حبيب؛ قال أبي عمرو بن خالد ليس يسوى حديثه شيئاً، ليس بثقة".
قلت:فهذا صريح في المعنى الذي ذكرته، فلا بد من المصير إليه.
ومما تقدم من قول ابن عدي _ أن الحسن بن ذكوان يُسقِطُ عمرو بن خالد من
الإسناد لضعفه - يتبين أنه ينبغي أن يوصف بالتدليس، وما رأيت من وصفه
بذلك (*)
وبالجملة، فالحديث موضوع، لأن مداره على عمرو بن خالد هذا، وقد
قال فيه أحمد وغيره:
"كذاب".
لكن الجملة الأولى منه صحت من حديث جابر وأبي سعيد، ولذلك أوردتها
في "صحيح الجامع" (6722) .
والجملة الثانية جاءت من حديث ابن عمر، وهو مخرج في "الصحيحة"
(رقم 60) ، لكن في حفظي أن أحد المشتغلين بهذا العلم ذهب إلى أنها شاذة، ولم
يتيسر لي بعد أن أدرس ذلك حتى يتبين لي الصواب.
__________
(*) قد نقلَ الشيخُ - رحمه الله - في "السلسلة الضعيفة" (2/340) عن الحافظ ابن
حجر قوله فيه في "التقريب": صدوق يخطئ، كان يدلِّس "، وقال عقب هذا النقل:"وقد
عنعن هنا".
ثم تعقب الشيخُ - رحمه الله - الهيثميّ في توثيق الجسن هذا "وسكوته عما قيل فيه من
التضعيف، والوصف بالتدليس". وهذا نصه بحروفه.
وفي آخر ترجمة الحسن هذا من "تهذيب التهذيب"ما يشير إلى وصفه بالتدليس فانظره
هناك. (الناشر) .(13/14)
وكما فات هذا التحقيق الشيخَ أحمد شاكر، فات أيضاً الحافظَ الهيثمي،
فإنه بعد أن نقل قول عبد الله المتقدم في "المسند" قال:
"ورجال أحمد والطبراني رجال (الصحيح) "!
6006 - (إني لأحسَبُ إحداكنَّ إذا أتاها زوجُها لَيَكْشِفانِ عنهما
اللِّحافَ، ينظرُ أحدُهما إلى عورة صاحِبهِ كأنهما حِماران، فلا تفعَلْنَ،
فإنَّ اللهَ يمقُتُ على ذلك) .
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/248) قال: حدثنا
يحيى بن أيوب / ثنا سعيد بن أبي مريم: أنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر
عن علي بن يزيد (1) عن القاسم عن أبي أمامة قال:
بينما رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالس وعنده إمرأة، إذ قال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"إني لأحسبُكنَّ تخبرنَ بما يفعلُ بكُنَّ أزواجُكنَّ"!
قالت: - إي والله! - بأبي وأمي أنت يا رسول الله! إنا لنفتخر بذلك! فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"فلا تفعلن، فإن الله يمقت من يفعل ذلك".
قلت: وهذا الإسناد ضعيف مظلم، فيه ثلاثة متكلم فيهم، وخيرهم القاسم، وهو
ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمام، وقد قال ابن حبان في عبيد الله
ابن زحر (2/62) :
__________
(1) كتبَ الشيخُ - رحمه الله - في الأصل بخطه فوق عبيد الله بن زحر: "مختلفٌ فيه،
صدوقٌ يخطئ"، وفوق علي بن زيد: "ضعفه جماعةٌ ولم يُترك، ضعيف".(13/15)
"منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن
يزيد، أتى بالطامات، وإذا اجتمع في إسنادِ خبرٍ عبيدُالله بن زحر وعلي بن يزيد
والقاسم أبو عبد الرحمن، لا يكون ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم".
وفي "المجمع" (4/294) :
"رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد، وهوضعيف".
وقلَّده الشيخ عبد الله الدويش رحمه اله فيما سماه:" تنبيه القاري على تقوية
ما ضعفه الألباني" فقد انتقد فيه (رقم الحديث 107) تضعيفي - في "الإرواء"
(1/102/64) - لحديث الترمذي:
"إياكم والتعري، فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي
الرجل إلى أهله، فاستحيوهم وأكرموهم".
فقد ذهب هو إلى أن الأقرب أنه حسن، لما له من الشواهد، ثم ذكر منها هذا،
وهو كما ترى لا يصلح للشهادة، لا سنداً ولا متناً!
أما السند: فقد عرفت وهاءه.
وأما المتن: فلأنه ينهى عن التعري عند الجماع.
وأما المشهود له: فلأنه إنما ينهى عنه في غير حالة الجماع والغائط، فاختلفا.
وهذا من الأدلة الكثيرة على أن هذا المنتقِد لا فقه عنده، ونقد الأحاديث
لا بد فيه من الفقه، والمعرفة بأصول علم الحديث، والمذكور - مع اعترافي بسعة
اطلاعه وحفظه، فهو - لا علم عنده بالحديث الشاذ والمنكر، ولا بما يشترط في
الحديث الذي يصلح للاستشهاد، ولا يعرف أن هناك في (الصحيح) ما
هو منتقد، أو يعرف ذلك ولكنه لا يتبناه - ولا أقول: يجحد -، فهو من هذه(13/16)
الحيثية فقط كذاك المصري الجاهل الجاني، ولكنه أوسع منه اطلاعاً على متون
الأحاديث، مع سلامة لسانه، وحسن قصده في النقد إن شاء الله تعالى، وانظر
الحديث المتقدم (2243) .
ثم إن مَن دون ابن زحر ثقات رجال الشيخين، غير يحيى بن أيوب شيخ
الطبراني وهو العلاف الخولاني -، وهو من شيوخ النسائي، وقال فيه:
"صالح". وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق".
وقد خولف، فقال البزار في "مسنده" (1/169/1448) : حدثنا عمر بن
الخطاب السجستاني: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا يحيى بن أيوب قال: حدثني
ابن (الأصل: أبو) زحر - يعني: عبيد الله بن زَحْر - عن يحيى بن أبي كثير عن
أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"إذا أتى أحدكم أهله، فليستتر، فإنه إذا لم يستتر، استحيت الملائكة فخرجت
وبقي الشيطان، فإن كان بينهما ولد، كان للشيطان فيه نصيب".وقال البزار:
"لا نعلمه مرفوعاً إلا بهذا الإسناد عن أبي هريرة فقط، وإسناده ليس بالقوي".
قلت: وذلك لحال عبيد الله بن زحْر كما سبق، وقد قال ابن عدي في آخر
ترجمته (4/1633) بعد أن ساق له أحاديث:
"وله غير ما ذكرت، ويقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه، وأروى الناس عنه
يحيى بن أيوب من رواية ابن أبي مريم عنه".
قلت: وهذه الرواية تختلف عن الأولى إسناداً ومتناً - كما هو ظاهر -، فلا
أدري إذا كان الاختلاف ممن دون ابن زحر، أو منه نفسه - كما أرجح -، لأن مَن(13/17)
دونه ثقات أيضاً، فإن الخطابيَّ - هذا - حالُه كحال الخولاني، فقد ذكره ابن حبان
في "الثقات"، وقال:
"مستقيم الحديث". وقال الحافظ أيضاً "
"صدوق".
ويؤيد ما رجحت: أن هناك اختلافاً آخر في إسناده، فقال الطبراني في
"الأوسط" (1/12/2/177 - بترقيمي) : حدثنا أحمد بن حماد - زُغْبَة - قال: ثنا
سعيد بن أبي مريم قال:ثنا ابن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن ابي المنيب عن
يحيى بن أبي كثير ... به. وقال:
"لم يروه عن يحيى إلا أبو المنيب الجرشي، ولا عنه إلا عبيد الله بن زحر،
تفرد به يحيى بن أيوب".
وأحمد بن حماد هذا من شيوخ النسائي أيضاً، وقال أيضاً:
"صالح". ووثقه غيره.
قلت: فهذا وجه آخر مما اضطرب في إسناده عبيد الله بن زحر، ذكر فيه بينه
وبين يحيى بن أبي كثير: (أبا المنيب) .
وأبو المنيب هذا مجهول، أورده البخاري في "الكنى" (70/659) ، وابن أبي
حاتم (4/2/440) من رواية ابن زحر عنه، وسكتا عنه! وذكره العراقي في "ذيل
الميزان" (478) وساق هذا الحديث عن يحيى، وقال:
"روى به أبو أحمد الحاكم في "الكنة"، وقال: هذا حديث منكر! عبيد الله بن
زحر منكر الحديث، وأبو المنيب رجل مجهول".
قال الحافظ عقبه في "اللسان":(13/18)
"أقره شيخنا هذا، وما أظنه إلا الجرشي، لأنه شامي".
قلت: ويعني أن ابن زحر الرواي عنه. وما ظنّه غيرُ لازم، والجرشي أعلى
طبقةً منه، روى عن جمع من الصحابة، وهو مترجم له في "التهذيب" و"ثقات ابن
حبان" (5/564) ، و"تاريخ ابن عساكر"، انظر "تيسير الانتفاع".
قلت: ويتلخص مما تقدم أن الحديث اضطرب عبيد الله بن زحر في إسناده،
فتارة جعله من حديث أبي أمامة - بلفظ حديث الترجمة -، وتارة جعله من حديث
أبي هريرة - باللفظ الآخر -.
فهو حديث واحد جعلهما الشيخ عبد الله الدويش حديثين تبعاً لراويه ابن
زحر الواهي! ثم جعلها شاهدين لحديث الترمذي المتقدم - مع بُعْد ما بينه
وبينهما! -، فهو يؤكد ما وصفته به 'تفاً، وأنه حوَّش قماَّش، رحمه الله.
وحديث أبي هريرة: أورده الهيثمي في "المجمع" (4/293) ، وقال:
رواه البزار والطبراني في "الأوسط"، وإسناد البزار ضعفه [هو] ، وفي إسناد
الطبراني أبو المنيب صاحب يحيى بن أبي كثير، ولم أجد من ترجمه، وبقية
رجال الطبراني ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر"!
كذا قال!
6007 - (إنّه مَسَّه شيءٌ من عذابِ القبرِ، فقال لي: يا محمدُ!
فَشَفّعتُ إلى ربِّي أن يُخَفِّف عنه إلى أن تجِفَّ هاتان الجَرِيدتانِ) .
منكر جداً.
أخرجه الحافظ الذهبي في ترجمة (عبد المنعم بن بشير أبي الخير
الأنصاري) بسنده عن يعقوب الحافظ عنه: حدثنا أبو مودود عبد العزيز بن أبي
سليمان عن رافع بن أبي رافع عن أبيه قال:(13/19)
كنا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جنازة، إذ سمع شيئاً في قبر، فقال لبلال:
"ائتني بجريدة خضراء" فكسرها باثنتين، وترك نصفها عند رأسها ونصفها
عند رجليه، فقال له عمر: لم يا رسول الله فعلت هذا به؛ قال: ... فذكره.
وقال الذهبي - وأقره العسقلاني -:
"هذا حديث منكر جداً لا نعلم رواه غير أبي الخير.وشيخه أبو مودود القاصُّ
من المعمَّرين، والنُّساك المذكورين، وثقه أحمد ... [وغيره] ، قال الختلي: سمعت
ابن معين يقول:
"أتيت عبد المنعم فأخرج لي أحاديث أبي مودود نحواً من مائتي حديث
كذب، فقلت: يا شيخ! أنت سمعت هذه من أبي مودود؛ قال نعم. قلت: اتقِ
الله! فإن هذه كذب. وقمت، ولم أكتب عنه شيئاً ". وقال الخليلي في "الإرشاد":
"هو وضاع على الأئمة". واتهمه أحمد بالكذب.
قلت: وعلق له البيهقي حديثاً في "كتاب القراءة خلف الإمام" (114/268
مطبوعة أشرف بريس / لاهور) يرويه عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه
عن جده عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
صلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما صلاة الظهر فقرأ معه رجل من الناس في نفسه،
فلما قضى صلاته، قال:
" هل قرأ معي منكم أحد؛" (قال ذلك ثلاثاً) ، فقال له الرجل: نعم، يا
رسول الله! أنا كنت أقرأ بـ {سبح اسم ربك الأعلى} ،قال:
" ما لي أنازع القرآن؛! أما يكفي أحدكم قراءة إمامه؛ إنما جعل الإمام ليؤتم
به فإذا قرأ فأنصتوا ". وقال البيهقي:(13/20)
"وعبد المنعم ذكره ابن عدي الحافظ في "الضعفاء" وقال: له أحاديث مناكيرُ لا
يتابع عليها.
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، من الضعفاء المشهورين الذين جرحهم مُزَكُّو
الأخبار: مالك بن أنس فمن بعده".
قلت: وقد كنت ذكرته شاهداً في "صفة الصلاة" (94 - الطبعة الخامسة) - وفي
غيرها، نقلاً عن "الجامع الكبير" للسيوطي -، وكذلك فعلت في "الإرواء"، لكني
قلت فيه (2/39) :
"وسكت السيوطي عليه، وما أراه يصح".
ولقد صدق ظني بعد أن وقفت على إسناده، فلينبه على ذلك من كان عنده
"الإرواء" وَليُحذفْ من "صفة الصلاة" كما فعلت في الطبعة الجديدة منه - نشر
مكتبة المعارف في الرياض -.
وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إنما جعل الإمام ليؤتم به ... " إلخ، فله شاهدان - أحدهما في مسلم -
مخرجان في "الإرواء" وإن حكم البيهقي عليها بالشذوذ، فلم ينشرح الصدر
لحكمه، لما له من المتابعات، فراجع فيه الرقم (394) .
ثم إن حديث الترجمة له أصل في "صحيح مسلم" (8/235) من رواية جابر
ابن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعاً بلفظ:
"إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفَّه عنهما ما دام الغصنان
رطبين".(13/21)
6008 - (رَفْعُ الأَيْدِي مِنَ الاِسْتِكَانَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} ) .
موضوع.
أخرجه بن حبان في "الضعفاء" (1/177) ، وابن أبي حاتم - كما
في "تفسير ابن كثير" - وعنه الحاكم (2/537 - 538) ، وعنه البيهقي في "سننه"
(2/71 - 72) من طريق وهب بن إبراهيم القاضي: ثنا اسرائيل بن حاتم
المروزي عن مقاتل بن حيان عن الاصبغ بن نُباتة عن على قال:
لما نزلت هذه السورة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك
وانحر ... } قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجبريل:
"ما هذه النَّحيرة التى أمرني بها ربي عَزَّ وَجَلَّ؛ قال إنها ليست بنَحيرة، ولكنه
يأمرك إذا تحرَّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك
من الركوع! فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع. وإن
لكل شيء زينةً، وزينة الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة". وقال: قال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
أورده ابن حبان في ترجمة إسرائيل بن حاتم المروزي، وقال:
"شيخ يروي عن مقاتل بن حيان الموضوعات، وعن غيره من الثقات الأوابد
والطامات، وعن ما وضعه عليه عمر بن صبح، كأنه كان يسرقها منه ... ".
ثم ساق له هذا الحديث، وقال عقبه:
" وهذا متن باطل، إلا ذكر رفع اليدين فيه. وهذا خبر رواه عمر بن صبح عن
مقاتل بن حيان، وعمر بن صبح يضع الحديث، فظفر عليه إسرائيل بن حاتم،
فحدث به عن مقاتل ".(13/22)
وذكره الذهبي ملخصاً في "الميزان"، وزاد عليه الحافظ في "اللسان"،
فقال:
"وذكره الأزدي فقال: لا يقوم إسناد حديثه. ووهب بن إبراهيم القاضي
ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحاً. ومقاتل هو ابن حيان وأَصْبَغُ بن نُباتة ضعيف ".
وفيما ذكره نظر من وجوه:
الأول: أن الذي في ترجمة وهب هذا من "الجرح والتعديل" (4/2/29) أنه
قال فيه:
" وهو صدوق ثقة". فلعل هذا لم يقع في نسخة الحافظ من "الجرح"!
ثم إن الذي فيه: (الفامي) ... نسبة إلى (فامية) ... مكان: (القاضي) ، وكذا
وقع في "ضعفاء ابن حبان"، فالله أعلم، فإن السمعاني وكذا ياقوت لم يورداه في
(فامية) ، وهي بلدة في واسط.
الثاني: أنه اختلط عليه مقاتل بن حيان بمقاتل بن سليمان! فإن هذا هو
الضعيف، أما الأول، فثقة من رجال مسلم، ومن العجيب أن الحافظ نفسه قد نبه
على مثل هذا، فإنه قال في ترجمة الأول من "التقريب":
"صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذّبه، وإنما كذّب الذي
بعده". يعني ابن سليمان.
الثالث: اقتصاره على قوله: "ضعيف" في أصبغ بن نباتة! فإنه أسوأ من
ذلك، فقد قال في "التقريب":
"متروك، رمي بالرفض".(13/23)
وبالجملة، فهذا الإسناد ظلمات بعضها [فوق بعض] ، والمتن باطل - كما قال
ابن حبان -، وتبعه ابن الجوزي، فأورده في "الموضوعات" (2/98 - 99) ، وحكى
بعض كلامه المتقدم وقال:
"حديث موضوع، وضعه من يريد مقاومة من يكره الرفع، والصحيح يكفى".
يعني: ما ثبت في "الصحيحين" - وغيرهما من سُنّيّةِ رفع اليدين - يغني عن
هذا الحديث الموضوع. وقال قبل ذلك:
"وقد روى حديث في نصرة مذهبنا إلا أنه ليس بصحيح، وفى الصحيح ما
فيه غُنْيَةٌ عن الاستعانة بالباطل، وهو ... ".
ثم ساقه من طريق الدارقطني عن ابن حبان. وأقره السيوطي في اللآلئ"
(2/20) ، ونقل عن البيهقي أنه قال:
"ضعيف".
والذي في الموضع المشار إليه في "سننه" إنما هو الإشارة إلى ضعفه.
ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال في تخريجه:
"إسناده ضعيف جداً".
ولما سكت عليه الحاكم، تعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه، وأصبغ شيعي متروك عند
النسائي".
ثم إن في استثناء ابن حبان رفعَ اليدين من إبطاله لمتن الحديث نظراً عندي،
لأن كونَ الرفع ثابتاً من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستلزم ثبوت ما في الحديث من تفسير(13/24)
الآيتين بالرفع، كما هو واضح إن شاء الله تعالى، فلعله مطلق الرفع الذي لا علاقة
له بالآيتين.
ثم ليُنظر هل الرفع الثابت عنده وعند ابن الجوزي يشمل الرفع مع كل تكبيرة
- كما هو صريح هذا الحديث -، أم القصد الرفع الثابت عند الركوع والرفع منه وعند
القيام إلى الركعة الثالثة؛ فإن كان الأول - وهو الأصح الثابت في أحاديث أخرى -؛
فهوإشارة منهما لترجيح الأول، وإن كان الآخر؛ ففي الاستثناء نظر؛ كما هو
ظاهر. والله أعلم.
والحديث - قال ابن كثير -:
"منكر جدّاً ".
6009 - (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! إِذَا سَمِعْتُنَّ أَذَانَ هَذَا الْحَبَشِيِّ وَإِقَامَتِهِ؛
فَقُلْنَ كَمَا يَقُولُ، فَإِنَّ لَكُنَّ بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفَ أَلْفَ دَرَجَةٍ. فَقَالَ عُمَرُ:
هَذَا لِلنِّسَاءِ؛ فَمَا لِلرِّجَالِ؛ قَالَ: ضِعْفَانِ يَا عُمَرُ!) .
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/16/38) من طريق
بَكْر بن عَبْدِالْوَهَّابِ: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بن جَعْفَرٍ عَنْ عُقْبَةَ بن كَثِيرٍ عَنْ خِرَاشٍ
عَنِ ابْنِ عَبْدِاللَّهِ عَنْ مَيْمُونَةَ:
أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَقَالَ: ... فذكره. وزاد:
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ:
"إِنَّهُ لَيْسَ مِنِ امْرَأَةٍ أَطَاعَتْ وَأَدَتْ حَقَّ زَوْجِهَا، وَتَذْكُرُ حُسْنَهُ، وَلا تَخُونَهُ فِي
نَفْسِهَا وَمَالِهِ؛ إِلا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً وَاحِدَةً فِي الْجَنَّةِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا
مُؤْمِناً حَسَنَ الْخُلُقِ؛ فَهِيَ زَوْجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ، وَإِلا زَوَّجَهَا اللَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ ".(13/25)
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ ما بين ميمونة وبكر بن عبد الوهاب؛ كلهم
لا ذكر لهم في شيء من كتب الرجال.
وله عند الطبراني (24/11/15) طريق أخرى من طريق منصور بن سعد عن
عباد بن كثير عن عبد الله الجزري عن ميمونة مختصراً جدّاً بلفظ:
قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ صَفِّ الرِّجَالِ وَصف النِّسَاءِ، فَقَالَ للنِّسَاءِ:
" إِذَا سَمِعْتُنَّ أَذَانَ هَذَا الْحَبَشِيِّ؛ فَقُلْنَ كَمَا يَقُولُ ".
قلت وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عباد بن كثير - وهو البصرؤي -: قال الحافظ
في "التقريب":
"متروك". وقال الهيثمي في "المجمع" (4/308) - بعد أن ساقه على السياق
الأول -:
"رواه الطبراني بإسنادين: في أحدهما عبد الله الجزري عن ميمونة، وفيه
منصور بن سعد؛ ولم أعرفه، وفيه عباد بن كثير؛ وفيه ضعف كثير، وقد ضعفه
جماعة، وبقية رجاله ثقات. والاسناد الآخر فيه جماعة لم أعرفهم ".
وذكر نحوه في مكان آخر (1/332) ؛ لكنه قال في "الجزري":
"ولم أعرفه، وعباد بن كثير؛ وفيه ضعف"!
وقوله في الجزري مقبول؛ بخلاف قوله المتقدم في منصور بن سعد؛ فإنه
معروف، وهو ثقة من رجال البخاري، بصري. وقوله المتقدم في عباد بن كثير
أقرب إلى الصواب.
والحديث أورده المنذري في "الترغيب" (1/113) برواية الطبراني الأولى، وقال:
"وفيه نكارة".(13/26)
ولقد كان من البواعث على تخريج الحديث هنا وتحرير القول فيه أنني سمعته
في ضحى هذا اليوم (الأربعاء 22 جمادى الأولى سنة 1410) من الإذاعة
السعودية، فتمنيت أن تتميز عن سائر الإذاعات بأن يختار المتكلمون فيها
الأحاديث الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لينشروا على الأمة الثقافة الصحيحة النافعة!
6010 - (قَبَّلَ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ عَلَى خَدِّهِ بَعْدَمَا مَاتَ، وَلا نعْلَمُ
قَبَّلَ أَحَداً غَيْرَهُ) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/343/855) من طريق
عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم بن محمد بن حاطب: حدثني أبي عن أمه
عائشة بنت قدامة بن مظعون: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:
الأولى: عبد الرحمن بن عثمان - هذا الحاطبي، قال الذهبي في "الميزان" -:
"مُقِلّ، ضعفه أبوحاتم الرازي ".
قلت: ونص كلامه في كتاب ابنه (2/2/264) :
"ضعيف الحديث، يَهُولُني كثرةُ ما يُسْنِد! ".
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات" (8/372) !
وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع" (9/302) :
" ... وهو ضعيف".
والأخرى:أبوه - عثمان بن إبراهيم الحاطبي -، قال الذهبي في "الضعفاء":
"لا يحتج به، وله مناكير ". وقال ابن أبي حاتم (3/1/144) :(13/27)
"سألت أبى عنه؛ فقال: روى عنه ابنه عبد الرحمن أحاديث منكرة. قلت:
فما حاله؛ قال: يكتب حديثه ولا يحتج به ".
قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/154، 159) .
وقصة التقبيل: قد رواها سفيان وغيره عن عاصم بن عبيد الله عن القاسم بن
محمد عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
أخرجه ابن أبي شيبة (3/385) ، وابن سعد (3/396) .
وعاصم هذا ضعيف؛ ولذلك كنت ضعفت الحديث في "المشكاة"، ثم في
"الإرواء" وغيرهما، ولكني كنت قويته في "أحكام الجنائز" (ص 21) ، بشاهد
حسن نقلته عن "مجمع الزوائد"،وهو عنده من رواية البزار، فلما طبع "زوائد
البزار" للهيثمي المسمى بـ "كشف الأستار"؛ أمكننا الوقوف على إسناده فيه
(1/383/809) :
حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ثنا يونس بن محمد: ثنا العمري عن
عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال:
«رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل عثمان بن مظعون» . قال الهيثمي (3/20) :
"رواه البزار، وإسناده حسن"!
كذا قال رحمه الله! وما كان يسعني قبل الوقوف على إسناده إلا الاعتماد
عليه وعلى أمثاله؛ على القاعدة التي كنت جريت عليها في بعض كتبي - مثل
"صحيح الجامع"، و"صحيح الترغيب" وغيرها -، والآن وقد اطلعت على إسناده؛
فهو مخطئ في تحسين إسناده:
أولاً: لما عرفت من ضعف عاصم.(13/28)
وثانياً: لمخالفةِ العمريِّ - واسمه: عبد الله بن عمر - سفيانَ الثوريّ في إسناده،
ولا سيما وهو ضعيف أيضاً؛ لسوء حفظه، فلا يصلح الاستشهاد به - كما وهو ظاهر -؛
ولذلك فقد رجعت عن تقويته؛ فينقل من "صحيح ابن ماجه" وغيره.
6011 - (إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ الْمَوْتَ إِنِّي أُرِيتُكِ زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ) .
ضعيف (*) .
أخرجه أبو حنيفة في "مسنده" (137 - الطبعة الأولى) - ومن
طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/39/98) - عن حماد عن إبراهيم عن
الأسود عن عائشة ... مرفوعاً.
وأخرجه أبو يوسف في "الآثار" (210/933) عن أبي حنيفة عن حماد عن
إبراهيم ... مرفوعاً. لم يجاوز إبراهيم؛ فأعضله.
وأبو حنيفة رحمه الله معروف عند أئمة الحديث بالضعف - كما تقدم بيانه
تحت الحديث المتقدم برقم (458) -.
وله طريق أخرى - لكنها أسوأ من الأولى - أخرجها ابن أبي حاتم في "العلل"
(2/375) من طريق الْمُعَلَّى بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِالْحَمِيدِ بن جعفر عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: ... فذكره.
وقال عن أبيه:
" هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَالْمُعَلَّى مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ "
قلت: وكذبه بعضهم، انظر ترجمته تحت الحديث (678 و 1993) .
وله طريق ثالث بلفظ:
__________
(*) مال الشيخ رحمه الله إلى تقويته أخيراً. انظر "الصحيحة" (2867) . (الناشر) .(13/29)
"إِنَّهُ لَيُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنِّي رَأَيْتُ بَيَاضَ كَفِّ عَائِشَةَ فِي الْجَنَّةِ".
أخرجه أحمد (6/138) : ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ إِسْحَاقَ
ابنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مصعب هذا،
لم يرو عنه غير إسماعيل هذا - وهو ابن أبي خالد -؛ فهو في عداد المجهولين؛ فقد
أورده ابن أبي حاتم (4/1/305) ولم يسمِّ جده، وقال:
" ... القرشي روى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مرسل. روى عنه إسماعيل بن أبي
خالد ".
وذكر ابن حبان نحوه، ولكنه اضطرب في طبقته؛ فمرة أورده في "طبقة
التابعين" (5/412) من روايته عن عائشة، ومرة أورده في "أتباع التابعين"،
وقال:
"يروي المراسيل".
وقد صح عنه مرسلاً: فقال ابن سعد في "الطبقات" (8/65) : أخبرنا يزيد
ابن هارون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن مصعب بن إسحاق بن طلحة قال:
أُخْبِرت أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ... فذكره نحوه؛ دون لفظ: "بياض".
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف بهذا اللفظ، وإنما يصح منه أنها زوجته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
الجنة. ثبت ذلك عن جمع من الصحابة، فانظر "صحيح البخاري" رقم (3771، 3772) .
(تنبيه) : هذا الحديث لم أره في "مجمع الزوائد"، وهو من شرطه!(13/30)
6012 - (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ [و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ] دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ
مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلا الْمَوْتُ) .
باطل بذكر {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"
(8/134/7532) ، ومن طريقه الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/152/1) .
قال الطبراني:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْحَسَنِ بن كَيْسَانَ الْمِصِّيصِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بن بِشْرٍ الطَّرَسُوسِيُّ.
وثَنَا عَمْرُو بن إِسْحَاقَ بن الْعَلاءِ بن زِبْرِيقٍ الْحِمْصِيُّ: حَدَّثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بن
إِبْرَاهِيمَ.
وثَنَا مُوسَى بن هَارُونَ [: حَدَّثَنَا هَارُونُ] بن دَاوُدَ النَّجَّارُ الطَّرَسُوسِيُّ، قَالُوا: ثَنَا
مُحَمَّدُ بن حِمْيَرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بن زِيَادٍ الأَلْهَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره وقال:
"زَادَ مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ فِي حَدِيثِهِ: وَ {قُلُ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ".
قلت: ومحمد هذا هو ابن إبراهيم بن العلاء الدمشقي أبو عبد الله الزاهد؛
أورده الذهبي في "الميزان"، وقال:
"قال الدارقطني: كذاب. وقال ابن عدى: عامة أحاديثه غير محفوظة. وقال
ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا عند الاعتبار، كان يضع الحديث ". ثم قال:
" قلت: صدق الدارقطني رحمه الله، وابن ماجة فما عرفه ". يعني: إذ روى
له في "سننه" وهو من شيوخه. وقال الحافظ في "التقريب":
"منكر الحديث ".(13/31)
قلت: فالعجب منه كيف سكت عنه في "النتائج"! بل أوهم أنه حديث
حسن بهذه الزيادة! بل ذلك ما فهمه ابن علان في "شرح الأذكار" للنووي؛ فقال
- عقب حديث آخر في قراءة {قل هو الله أحد} عشر [مرات] دبر كل صلاة
مكتوبة، تقدم الكلام عليه برقم (654) -:
"وجاء حديث قراءتها مع آية الكرسي فِي حَدِيثِ أبي أمامة الباهلي، وهو
حديث حسن أخرجه النسائي في (الكبرى) ... ".
وأقول: الحديث حسن؛ بل صحيح؛ دون ذكر {قل هو الله أحد} ، كما في
رواية الطبراني من الطريق الأولى والثالثة، وبهذا أخرجه أيضاً في "الدعاء"
(2/1104/675) ، لكن وقع فيه: حدثنا موسى بن هارون (: ثنا هارون) بن داود
النجار الطرسوسي ... إلى آخره، ولم يذكر المعلق عليه من أين أخذ هذه الزيادة
التي بين الهلالين، وهي زيادة صحيحة استدركتها من "المعجم الأوسط " للطبراني
(2/209/2/8234 - بترقيمي) .
وكذلك أخرجه الدارقطني في "الأفراد" - كما رواه ابن الجوزي في "الموضوعات"
(1/244) -، ومن طريقه السيوطي في "اللآلي" (1/230) من طريق عبد الله بن
سليمان [بن] (*) الأشعث: قال حدثنا هارون بن زياد (كذا!) النجار، وعلي بن
صدقة الانصاري، قالا: حدثنا محمد بن حمير ... به؛ دون الزيادة.
وكذلك أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (100) ، وابن السني أيضاً من
طرق أخرى عن محمد بن حمير ... به. وتقدم تخريجه في "الصحيحة" (972) .
فاتفاق كل هذه الطرق على رواية الحديث دون الزيادة، وتفرد ذاك الكذاب
بها دونهم لأكبر دليل على نكارتها وبطلانها. يضاف إلى ذلك عدم ورودها في
__________
(*) في أصل الشيخ رحمه الله تعالى دونها؛ والتصحيح من "الموضوعات" و "الآلي".(13/32)
الشواهد التي ذكرها السيوطي في "اللآلي" - وإن كانت لا تخلو من ضعف -.
فالعجب أيضاً من الحافظ الهيثمي؛ فإنه ذكر الحديث في "المجمع" (10/102)
بهذه الزيادة، وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" بأسانيد، وأحدها جيد "!
فلم يفرق بين روايته الصحيحة، والرواية الباطلة! وهو في ذلك تابع للمنذري
في "الترغيب" (2/261) ، وتبعهما في ذلك جمع؛ منهم: الشوكاني في "تحفة
الذاكرين" (ص 117) ، وصاحبنا المعلق على "المعجم الكبير"، والدكتور فاروق في
تعليقه على "عمل النسائي"، وأخونا الشيخ الفاضل مقبل بن هادي الوادعي في
تعليقه على "تفسير ابن كثير" (1/546 - الكويت) ، فضلاً عن ذاك الجاهل في ما
أسماه "صحيح صفة الصلاة ... "! فإنه ذكر فيه (ص 233) أنه يُسنُّ قراءة {قل
هو الله أحد} مع المعوذتين، ثم نقل نحوه عن "مجموع النووي" (3/486) ولم
يذكر الحديث!
وفي الحديث علة أخرى، وهي جهالة عمرو بن إسحاق بن العلاء بن زبريق
الحمصي شيخ الطبراني؛ فإني لم أجد له ترجمة، وهو على شرط ابن عساكر في
"تاريخ دمشق"، فلم يترجمه! والله أعلم.
6013 - (لا يَنْتَطِحُ فيها عَنْزانِ) .
موضوع.
أخرجه القضاعي في"مسند الشهاب" (2/46/856) ، وكذا ابن عدي
(6/2156) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل" (1/175) ، وابن عساكر في "تاريخ
دمشق" (14/768 - المدينة) من طريق محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي:
حدثنا محمد بن الحجاج اللَّخمي أبو إبراهيم الواسطي عن مجالد بن سعيد
عن الشعبي عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال:(13/33)
هجت امرأة من بني خطمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهجاء لها، قال: فبلغ ذلك النبيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتد عليه ذلك، وقال: «من لي بها؛» ، فقال رجل من قومها: أنا يا
رسول الله! وكانت تمّارة؛ تبيع التمر، قال: فأتاها، فقال لها: عندك تمر؛ فقالت:
نعم. فأرته تمراً، فقال أردتُ أجود من هذا. قال: فدخلت لتريه. قال: فدخل
خلفها ونظر يميناً وشمالاً، فلم ير إلا خِواناً، فعلا به رأسها حتى دمغها به، قال:
ثم أتى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله! قد كفيتُكَها. قال: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إنه لا ينتطح فيها عنزان» ، فأرسلها مثلاً.
وقال ابن عدي - وتبعه ابن الجوزي -:
"هذا مما يتهم بوضعه محمد بن الحجاج ".
قلت: وهو كذاب خبيث؛ كما قال ابن معين، وهو واضع حديث الهريسة،
وقد تقدم (690) ، وقبله حديث آخر له موضوع.
والراوي عنه محمد بن إبراهيم الشامي؛ كذاب أيضاً؛ كما تقدم بيانه في
الحديث الذي قبله؛ ولكنه قد توبع: أخرجه الخطيب في "التاريخ" (13/99) من
طريق مسلم بن عيسى - جار أبي مسلم المُسْتَمْلي -: حدثنا محمد بن الحجاج
اللخمي ... به.
ذكره في ترجمة ابن عيسى هذا، ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث،
فهومجهول العين. والله أعلم.
والحديث؛ علقه ابن سعد في "الطبقات" (2/27 - 28) بأتمِّ مما هنا، والظاهر
أنه مما تلقاه عن شيخه الواقدي، وقد وصله القضاعي (2/48/858) من طريقه
بسند آخر نحوه.(13/34)
لكن الواقدي متهم بالكذب؛ فلا يعتدُّ به.
وأورد منه الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء" (2/375/3137) حديث
الترجمة فقط من رواية ابن عدي، وسكت عنه؛ فأساء!
6014 - (يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، يَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ، وَيُسْمِعُهُمُ
الدَّاعِي، ثم ينادي: سيعلم الجمع لِمَنِ العِزُّ والكرمُ! (ثلاث
مرات) ، ثم يقول: أين الذين كانت {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} الآية؟ ثم ينادي: سيعلم أهل الجمع لمن
العز والكرم! ثم يقول: أين الذين كانت {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ} ؟ (ثلاث مرات) ، ثم يقول: أين الحمادون الذين كانوا
يحمدون الله؟) .
ضعيف. أخرجه الحاكم (2/399) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/9) من طريق
أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال:
كنا نتناوب الرَّعْيَةَ، فلما كان نوبتي؛ سرحتُ إبلي، فجثت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وهو يخطب، فسمعته يقول: ... فذكره. وقال الحاكم:
"صحيح، وله طرق عن أبي إسحاق". ووافقه الذهبي!
وأقول: له علل:
الأ ولى: اختلاط أبي إسحاق- وهو: السبيعي-.
الثانية: جهالة عبد الله بن عطاء؛ فقد فرَّق الذهبي في "الكاشف" بينه وبين
عبد الله بن عطاء الطائفي؛ خلافاً للحافظ في "التهذيب" و "التقريب"؛ فجعلهما
واحداً، وقال:(13/35)
"صدوق؛ يخطئ ويدلس ".
والظاهر ما صنعه الذهبي، وسبقه ابن أبي حاتم، ومن قبله البخاريُّ. وخالفهما
ابن حبان؛ فإنه لما أورده في اتباع التابعين من "ثقاته" (7/41) ونسبَه مكياً؛ قال:
"وهو الذي يروي عن عقبة بن عامر؛ ولم يره".
وذكره في التابعين أيضاً (5/33) مؤكذاً أنه لم يَرَ عقبة.
وسواء كان هذا أو ذاك؛ فهو منقطع. وهو:
العلة الثالثة: قال البخاري في ترجمة عبد الله بن عطاء هذا (3/1/165) :
" أحمد بن سليمان: حدثنا أبو داود عن شعبة قال: سألت أبا إسحاق عن
عبد الله بن عطاء؛ الذي روى عن عقبة قال: كنا نتناوب رعية الابل؛ قال: شيخ
من أهل الطائف. قال شعبة: فلقيت عبد الله،فقلت: سمعته من عقبة؛ فقال: لا؛
حدثنيه سعد بن إبراهيم. فلقيت سعداً، فسألته؛ فقال: حدثني زياد بن مخراق.
فلقيت زياد بن مخراق، فسألته؛ فقال: حدثني رجل عن شهر بن حوشب ".
وأبو داود هذا هو الطيالسي - كما في "الميزان" -، وليس هو في "مسنده" المطبوع،
قال الذهبي:
"وقد رواه نصر بن حماد عن شعبة ".
قلت: فقد صح عن عبد الله بن عطاء أن بينه وبين عقبة أربعةَ أشخاص، فهو
معضل، ومنتهاه إلى شهر بن حوشب؛ وهو ضعيف.
وقد رواه عنه بعض الضعفاء عن صحابي آخر: فقال هنّاد في "الزهد"
(1/134/176) : حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن إسحاق عن شهر بن
حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(13/36)
«يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، يُسمعهم الداعي، وينفذهم
البصر، قال: فيقوم منادٍ فينادي: أين الذين كانوا يحمدون الله تبارك وتعالى في
السَّرَّاء والضراء؛ قال: فيقومون وهم قليل، فيدخلون الجنة بغير حساب، ثم يعود
فينادي ... » الحديث نحوه وأتم منه.
وعبد الرحمن بن إسحاق؛ وهو أبو شيبة الواسطي؛ وهو ضعيف باتفاق العلماء.
وهذا الحديث عزاه الحافظ في "المطالب العالية" (4/373) لإسحاق وأبي
يعلى - يعني: في "مسنده الكبير" -، وعزوه لإسحاق - وهو: ابن راهويه - صحيح؛
خلافاً لما قد يوهمه تعليق الشيخ الأعظمي على "المطالب". وتبعه المعلق على
"الزهد"؛ فقد عزاه الحاكم أيضاً لإسحاق، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (5/52)
لمحمد بن نصر أيضاً في "الصلاة"، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في
"شعب الإيمان".
ثم عزا حديث عقبة لابن مردويه أيضاً، والبيهقي في "الشعب"، وكذا في
"شرح الإحياء" (10/472) للزبيدي، لكنه عزا حديث أسماء لابن ماجه أيضاً!
ولعله سبق قلم منه؛ فإنه ليس عنده، ولا عزاه إليه غيره، ولا هو في "تحفة
الأشراف" للمزي.
ثم إن المعلق على "الزهد" أوهم وهماً آخر، فقال:
"أورده الرازي عن حذيفة مرفوعاً، وذكر الشطر الأول، وقال: قال أبي: لا
يرفع هذا الحديث إلا عبد الله المختار، والموقوف أصح. (علل الحديث 2/217) ".
قلت: حديث حذيفة غير هذا الحديث، وهو في الشفاعة، وقوله تعالى:
{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُودً} . أخرجه جمع موقوفاً؛ منهم الحاكم
وصححه، ووافقه الذهبي. وانظر " تفسير ابن كثير" (3/55) .(13/37)
6015 - (كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا سَجَدَ، أَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَطِئَ عَلَى
رَقَبَتِهِ، فَقَالَ الَّذِي تَحْتَهُ: وَاللَّهِ لا يُغْفَرُ لَهُ أَبَداً، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
تَأَلَّى عَلَيَّ عَبْدِي أَنْ لا أَغْفِرَ لِعَبْدِي، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ) .
منكر بذكر (الصلاة والسجود) .
أخرجه الطبراني "في المعجم الكبير" (رقم 10086) من طريق الأزرق بن علي: حَدَّثَنَا حَسَّانُ بن إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين؛ غير الأزرق بن علي، فإنه من
رجال البخاري في "الأدب المفرد"؛ وهو صدوق يغرب؛ كما في "التقريب".
وأبو إسحاق - وهو: عمرو بن عبد الله السَّبيعي، وهو - مدلس مختلط؛ فأخشى
أن يكون هذا من تدليساته أو تخاليطه؛ لما يأتي.
والحديث؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/194) :
"رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال (الصحيح) "!
كذا قال! فإن كان يعني به هذا الإسناد؛ فقد علمت أن الأزرق بن علي إنما
روى له البخاري خارج "الصحيح" - مع اختلاط وتدليس السبيعي _.
وإن كان يعني به الإسنادَ الآخر؛ فإني لم أره. والله أعلم.
والحديث قد صح من طرق أخرى؛ دون الشطر الأول منه.
رواه مسلم وغيره من حديث جندب بن عبد الله. وإسناد غير مسلم أصح من
إسناده؛ كما هو مبين في "الصحيحة" (1685) .(13/38)
6016 - (مَنْ طافَ بهذا البيتِ أُسْبوعاً، وصلَّى حَلْفَ المَقَامِ
ركْعتين، وشَرِبَ من ماءِ زمزم، غُفِرَتْ له ذُنوبُه بالغةً ما بَلَغَتْ) .
ضعيف.
أخرجه الواحدي في "تفسيره"، والجندي في "فضائل مكة" من
حديث أبي معشر المدني عن محمد بن المنكدر عن جابر ... به مرفوعاً.
كذا في "المقاصد الحسنة" للحافظ السخاوي (417/1144) ، وقال عقبه:
"وكذا أخرجه الديلمي في "مسنده" بلفظ:
"من طاف بالبيت أسبوعاً، ثم أتى مقام إبراهيم فركع عنده ركعتين، ثم أتى
زمزم فشرب من مائها؛ أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمه ".وقال:
"ولا يصح باللفظين، وقد ولع به العامة كثيراً، لا سيما بمكة، بحيث كتب
على بعض جدرها الملامس لزمزم، وتعلقوا في ثبوته بِمَنام وشُبهة مما لا نثبت
الأحاديث النبوة بمثله! مع العلم بسعة فضل الله، والترجي لما هو أعلى وأغلى.
وكذا من المشهور بين الطائفتين حديث:
"من طاف أسبوعاً في المطر؛ غفر له ما سلف من ذنوبه ".
ويحرصون لذلك على الطواف في المطر ".
وهكذا ذكرهما الزبيدي في "شرح الإحياء" (4/359) ، وقال:
"حديث غريب".
وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (106/298) بالفظ الأول، وقال:
"ذكره ابن طاهر في (تذكرة الموضوعات) ".(13/39)
ومن الغرائب قول الزرقاني في "مختصر المقاصد" في اللفظ الأخير:
"وارد بمعناه"!
مع أن قول السخاوي المتقدم فيه يشعر بأنه لا أصل له إلا بين الطائفين من
العامة! ويؤيده قول الفتني في "التذكرة" (ص 72) عقبه:
"قال الصغاني: لا أصل له ".
ومن هذا التخريج يتبين لك الفرق بين هذا اللفظ الأخير، وحديث الترجمة،
فالأول لا أصل له، وأما حديث الترجمة؛ فله أصل؛ لكن بسند ضعيف - كما
تقدم -، ومنه تعلم أن قول مؤلف "النخبة البهية في الأحاديث المكذوبة على خير
البرية" (ص121/362 - بتحقيق زهير الشاويش) :
"لا أصل له "!
أقول: فهذا خطأ مخالف لاصطلاح العلماء؛ فإنه يوهم أنه لا إسناد له، وقد
عرفت أن الواقع خلافه. ولم يتنبّه لهذا محققه الشاويش حيث علق عليه بقوله:
"في "مختصر المقاصد" (1047) ، وفي "صحيح الجامع الصغير" بترقيم
الطبعة الأولى (6256) ، وفي الطبعة الجديدة هو برقم (6379 - 6380) ".
قلت: وفي هذا التعليق أخطاء عجيبة بعضها فاحش جداً، وإليك البيان:
الأول: أن صاحب "المختصر" قال في الحديث:
"لا يصح"! خلافاً لقول مؤلف "النخبة":
"لا أصل له "!
الثاني أن قوله: "وفي "صحيح الجامع ... " إلخ؛ صريح بأن هذا الحديث(13/40)
الذي هو في "المختصر" وفي "النخبة" هو أيضاً في "صحيح الجامع "! وهو كذب
يخالف الواقع؛ لأن الحديث فيه بالرقمين المذكورين بلفظ:
" ... ركعتين؛ كان كعتق رقبة". ليس فيه:
"وشرب من ماء زمزم ... " إلخ.
ثم هو من حديث ابن عمر، وإسناده صحيح، فأين هذا من حديث جابر متناً
وإسناداً؟!
فليتأمل القارئ الكريم مبلغ الضرر الذي يلحق الحديث النبوي بسبب مثل
هذا التعليق ممن لا علم عنده!
الثالث: وإن مما يلفت النظر أنه ذكر رقماً واحداً للطبعة الأولى من "الجامع "،
ورقمين للطبعة الأخرى منه، مع أنه لا فرق بينهما في هذا الموضع، فالصواب
هكذا (6255 - 6256) ، وإن مما لا شك فيه أن سبب هذا الخطأ إنما هو العجلة في
النقل المنافي للتحقيق، وليس كذلك الأمر في الخطأين اللذين قبله، فسببه الجهل
بهذا العلم والتعدي عليه! والله المستعان.
وهذا يذكرني بخطأ أفحش لهذا المعلق الفاضل؛ وهو أنه ألحق بالحديث
الصحيح المذكور في "صحيح الجامع " (رقم 1004/ الطبعة الجديدة) جملة:
"وكل نعيم لا محالة زائل ".
وعلق عليها بأنه استدركها من "ديوان لبيد"! فكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم
على كل المؤلفين، ومنهم أنا؛ مؤلف "الصحيح "؛ اعتماداً منه على "الديوان "، وله
من مثل هذه التعليقات والاعتداءات التي جعلتني أقطع العلاقات الأخوية
والعلمية التي كانت بيننا سنين طويلة.(13/41)
6017 - (لا تَطْغَوا على أهل الصُّوفِ والخِرَقِ؛ فإن أخلاقَهم
أخلاقُ الأنبياءِ، ولِباسَهم لباسُ الأنبياءِ) .
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/156) من طريق أبي
عبد الرحمن السلمي بسنده عن أبي بكر الهذلي عن أبي إسحاق عن مكحول
عن أنس ... رفعه.
وهكذا أورده السيوطي في "ذيل الأحاديث الموضوعة" (143/686 - بترقيمي)
وبيَّض له، ولم يتكلم عليه بشيء!
وأبو بكر الهذلي؛ متروك، واتهمه يحيى بالكذب.
وأبو عبد الرحمن السلمي؛ كان يضع الأحاديث للصوفية؛ كما تقدم مراراً.(13/42)
6018 - (أَمَرَ رَجُلاً صَلَّى إِلَى رَجُلٍ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ) .
ضعيف.
أخرجه البزار في "مسنده " (2/253/661) من طريق إسماعيل بن
صَبيح قال: نا إسرائيل عن عبد الأعلى الثعلبي عن محمد بن علي عن علي:
أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي إِلَى رَجُلٍ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلاَةَ، قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي قَدْ [أَتْمَمْتُ الصَّلاَةَ. فَقَالَ: «إِنَّكَ] صَلَّيْتَ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ» (1) .
وقال البزار:
"وهذا الكلام لا نحفظه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد، فكأن معناه أن
الرجل كان مستقبلاً المصليَ بوجهه، فلم يتنحَّ عن حيال وجهه فيصلي ".
__________
(1) الأصل: "إلي". ويظهر أنه خطأ قديم؛ فإنه كذلك وقع في "المجمع"، والتصحيح - مع الزيادة - من "المراسيل".(13/42)
قلت: وهو إسناد ضعيف؛ علته عبد الأعلى هذا - وهو ابن عامر الثعلبي -،
قال الذهبي في "الكاشف ":
"ليِّن، ضعفه أحمد ". زاد في "الميزان ":
"وأبو زرعة، وقال أحمد: روايته عن ابن الحنفية شبه الريح. كأنه لم
يصححها، وضعفها أيضاً سفيان الثوري ".
قلت: ومع ضعفه؛ فقد اضطرب في إسناده، فرواه إسماعيل عن إسرائيل
عنه هكذا مسنداً. وخالفه غيره؛ فقال أبو داود في "المراسيل" (30) : حدثنا
محمد بن كثير؛ أخبرنا إسرائيل ... به؛ إلا أنه لم يقل: "عن علي"؛ فأرسله.
وهكذا رواه الدارقطني في "سننه " (85/2/ 1) من طريق أبي داود.
وقد ذكره في "العلل " (4/123/463) معلقاً من حديث محمد ابن الحنفية
عن علي مرفوعاً؛ بحديث الترجمة، وقال:
"قاله وكيع وإسماعيل بن صبيح عن إسرائيل. وخالفهما عبيد الله بن موسى
وعلي بن الجعد؛ فروياه عن إسرائيل عن عبد الأعلى عن ابن الحنفية مرسلاً.
وعبد الأعلى؛ مضطرب الحديث، والمرسل أشبه بالصواب ".
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (62/2) ؛
"رواه البزار، وفيه عبد الأعلى الثعلبي، وهو ضعيف ".
6019 - (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِنَّكُمْ تُحِبُّونَ الْمَاشِيَةَ، فَأَقِلُّوا مِنْهَا؛
فَإِنَّكُمْ بِأَقَلِّ الأَرْضِ مَطَراً، وَاحْتَرِثُوا؛ فَإِنَّ الْحَرْثَ مُبَارَكٌ، وَأَكْثِرُوا فِيهِ
مِنَ الْجَمَاجِمِ) .
ضعيف.
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (540) ، ومن طريقه البيهقي في(13/43)
"السنن " (6/138) ، وابن جرير أيضاً - كما في "كنز العمال " (4/129) - من
طريق ابْن أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: ... فذكره.
وتابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: أخبرني الهيثم بن محمد بن
حفص عن أبيه عن عمربن علي بن حسين:
أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بتلك الجماجم أن تجعل في الزرع من أجل العين.
أخرجه أبو داود (541) ، وابن جرير أيضاً، والبزار في "مسنده " (2/667 -
بيروت) والبيهقي، وقال:
"هذا منقطع ".
يعني أنه معضل؛ لأن عمر بن علي بن حسين من أتباع التابعين؛ كما في
"ثقات ابن حبان " (7/ 180) وغيره، وقال: " يخطئ ".
قلت: وإسناده عندي مضطرب؛ فإن البزار ليس عنده: "عن أبيه "؛ بل إنه
جعل هذه الزيادة - "عن أبيه " - ... بعد قوله: "عن عمر بن علي "، فصار الحديث
عنده من مرسل علي بن حسين، لكنه قال عقب الحديث:
"لا نحفظه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجه متصل إلا بهذه الرواية عن علي رضي
الله عنه ".
وهذا يعني أن عمر هذا هو ابن علي بن أبي طالب، وأن أباه علي بن أبي
طالب، ولذلك جعله متصلاً ... وهو وهم منه! فإنه عمر بن علي بن حسين؛ كما
وقع في سند الحديث عند جميعهم إلا البزار.(13/44)
ونحو هذا الوهم قول المعلق على الطريق الأولى من "المراسيل ":
"وعلي بن عمر هو علي بن عمر بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ".
فالظاهر أنه سقط من قلمه: (ابن علي) بين: (عمر) و: (ابن الحسين) ، وإلا؛
صار الحديث مسنداً؛ لأن (الحسين بن علي بن أبي طالب) ؛ صحابي كما هو معلوم.
ومن الاضطراب المشار إليه أنه وقع عند أبي داود: "القاسم بن محمد بن
حفص " ... مكان: "الهيثم بن محمد ... "! وليس ذلك خطأ مطبعياً؛ فقد ترجم
في "التهذيب" للقاسم بن محمد هذا وأبيه، وأشار أن لهما هذا الحديث في
"مراسيل أبي داود". وقال في كل منهما في "التقريب ":
" مجهول ".
ومن الغريب قول ابن جرير عقب الطريق الأولى:
"هذا خبر عندنا صحيحٌ سندُه؛ إن كان عمر بن علي هذا هو عمر بن علي بن
أبي طالب، ولم يكن: عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ فإني
أظنه عمر بن علي بن الحسين، وذلك أنه قد روي عنه بعضه مرسلاً ".
قلت: يشير إلى طريق الهيثم هذه.
والهيثم هذا مجهول أيضاً؛ كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه. وقال ابن حبان
في "الضعفاء" (3/92) :
"منكر الحديث على قلته، لا يجوز الاحتجاج به؛ لما فيه من الجهالة، والخروج
عن حد العدالة إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد بأوابد طامات ".
ولهذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/109) :(13/45)
"رواه البزار، وفيه الهيثم بن محمد بن حفص؛ وهو ضعيف، ويعقوب بن
محمد الزهري؛ ضعيف أيضاً ".
قلت: هو متابع عند سائر مخرجيه من غير واحد؛ فالعلة من الهيثم وأبيه.
6020 - (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! اتَّقِيْنَ اللهَ، والتمِسوا مَرْضاةَ أزواجِكُنًّ؛
فإن الْمَرْأَةَ لَوْ تَعْلَمُ ما حَقُّ زوجِها، لم تزلْ قائمةً مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ) .
موضوع.
أخرجه البزار في مسنده المعروف بـ "البحر الزخار" (2/ 290 - 291)
ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/47) من طريق الحكم بن يعلى بن
عطاء المحاربي قال: نا عبد الغفار بن القاسم عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن
سلمة عن علي عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره. وقال البزار:
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو موضوع؛ آفته عبد الغفار هذا، قال علي بن المديني وأبو داود:
"كان يضع الحديث".
والحكم: متروك، وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (4/309) ، ثم الحافظ ابن
حجر في "زوائد مسند البزار" (ص 154) ! فقصَّرا؛ لأن شيخه عبد الغفار شر منه
- كماسبق -.
وللشطر الثاني منه شاهد من حديث معاذ مرفوعاً بلفظ:
"لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ مَا قَعَدَتْ مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ".
أخرجه البزار (2/ 180/ 1471 - كشف الأستار) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/160/333) من طريق فضيل بن سليمان النُّمَيري: ثنا موسى بن(13/46)
عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بن سُلَيْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ ... به. قال الهيثمي:
"رواه البزار والطبراني، وفيه عبيد (الأصل: عبيدة) بن سليمان الأغر؛ ولم
أعرفه، ولا أعرف لأبيه من معاذ سماعاً، وبقية رجاله ثقات ".
وتعقبه الحافظ في "زوائده " بقوله:
"قلت: بل عبيد معروف، والإسناد حسن "!
كذا قال! وفيه عندي نظر من وجهين:
الأول: أن الفضيل بن سليمان النميري - وإن كان من رجال الشيخين؛ فقد -
ضعفه جمهور الأئمة، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/316 -317) ! فشذ؛ ولذلك
أورده الذهبي في "الضعفاء " وقال (515/4958) :
"فيه لين. قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن
معين: ليس بثقة".
وذكر مثله في "الكاشف ". وقال الحافظ نفسه في "التقريب ":
"صدوق، له خطأ كثير".
قلت: فمثله لا يحتج به؛ وإنما يستشهد به، وقد قال الحافظ في "مقدمة فتح
الباري " (ص 435) :
"ليس له في "البخاري" سوى أحاديث؛ توبع عليها".
ثم ذكرها، مع بيان من تابعه عليها.
والوجه الآخر: أن المعروف إنما هو (عبيد بن سلمان الأغر) ؛ كذلك هو في
"التهذيب " وغيره، فإن كان هو هذا؛ فيكون قوله في هذا الإسناد: " ... سليمان ... "؛
من أوهام النميري. والله أعلم.(13/47)
6021 - (يَا عَلِيُّ! أُوصِيكَ بِالْعَرَبِ خَيْراً) .
ضعيف.
أخرجه البزار في "مسنده " (2/315/2832) من طريق حسين بن
الحسن، والطبراني في " المعجم الكبير" (4/8 - 9) ، وابن عدي في "الكامل "
(6/2066) ؛ كلاهما من طريق يَحْيَى الْحِمَّانِيّ قالا: ثَنَا قَيْسُ بن الرَّبِيعِ - زاد
حسين: وعمرو بن أَبِي الْمِقْدَامِ -؛ كلاهما عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ حَبَّةَ - يعني: ابن
جوين - قال: سمعت علياً يقول:
أسندتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى صدري، فقال لي: ... فذكره. وقال البزار:
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، وأبو المقدام هذا اسمه ثابت الحداد".
قلت: قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يهم ". ووثقه الذهبي في "الكاشف " و"الميزان ".
لكن حبة بن جوين ضعفه الجمهور، وأورده الذهبي في "الضعفاء"، وقال:
"قال السعدي: غير ثقة".
قلت: فهو علة الحديث. والله أعلم.(13/48)
6022 - (لاَ يَتَقَدَّمُ الصَّفَّ الأَوَّلَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ أَعْجَمِيٌّ، وَلاَ غُلاَمٌ لَمْ يَحْتَلِمْ) .
منكر.
أخرجه الدارقطني في "سننه " (1/ 281) ، ومن طريقه ابن الجوزي في
"العلل المتناهية" (1/428) عن مُحَمَّد بْن غَالِبٍ: ثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ سُلَيْمٍ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
ابْنُ سَعِيدٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالعلل:(13/48)
الأولى: الليث - وهو ابن أبي سُليم؛ وهو - ضعيف مختلط.
الثانية: عبيد الله بن سعيد. أعله ابن الجوزي به؛ فقال:
"مجهول ".
وأقول: لعله ظنَّ أنه عبيد الله بن سعيد الثقفي؛ الذي روى عن المغيرة بن
شعبة، وعنه ابنه محمد؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:
"مجهول ". وذكره ابن الجوزي لهذا في "الضعفاء" (2/163) .
وفي هذا الظنِّ بعدٌ؛ لأن الثقفيَّ هذا متقدم على طبقة راوي هذا الحديث،
وإن كان يعني بقوله: "مجهول " - أي: عنده؛ لأنه لم يعرفه -؛ فهو محتمل، وقد
توبع على ذلك من ابن القطان - كما يأتي -. لكن الأقرب أنه عبيد الله بن سعيد
أبو مسلم قائد الأعمش؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو ضعيف؛ بل قال البخاري:
"في حديثه نظر". وقال أبو داود:
"عنده أحاديث موضوعة ". ذكره الذهبي في "الميزان "، ثم قال:
"ومن مناكيره: عن ليث ... ". وساق هذا الحديث.
الثالثة: العباس بن سليم؛ فإنه لا يعرف إلا في هذا الإسناد، وقد أفاد ابن
القطان بأنه مجهول، وأخذ على عبد الحق الإشبيلي اقتصاره على ليث بن أبي
سليم في تضعيف الحديث؛ فقال في كتابه "الوهم والإيهام " (1/172/2) :
"وعباس هذا لم أجد له ذكراً، وعبيد الله بن سعيد لم يتعين من جماعة
يَتَسَمَّون هكذا؛ فهو إذن مجهول أيضاً، لذلك فليث بن أبي سليم أيسر ما فيه ".
وأقره الحافظ العراقي في "ذيل ميزان الاعتدال " (ص 298 - 299) ، ثم
العسقلاني في "لسان الميزان ".(13/49)
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" برواية الدارقطني، مصرحاً بضعفه.
6023 - (كُنْت كَنْزاً لَا أُعْرَفَ، فَأَحْبَبْت أَنْ أُعْرَفَ؛ فَخَلَقْت خَلْقاً
فَعَرَّفْتهمْ بِي، فَعَرَفُونِي) .
لا أصل له اتفاقاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"
(18/122، 376) :
"لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَا ضَعِيفٌ ".
قلت: وتبعه على هذا كل من جاء بعده؛ كالزركشي في "التذكرة في
الأ حاديث المشتهرة" (ص 136) ، والسخاوي في "المقاصد الحسنة " (ص 327/838) ؛
فقال عقبه:
"وتبعه الزركشي وشيخنا ". يعني: ابن حجر العسقلاني. وكذا السيوطي في
"الدرر المنتثرة" (ص 163/330) ، وقال في "ذيل الأحاديث الموضوعة " (ص 203) :
"قال ابن تيمية: " موضوع ". وهو كما قال ".
وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة "؛ فأورده في (الفصل الثالث) منه
(1/148/44) ، والفتني في "تذكرة الموضوعات" (ص 11) ، ومُلا علي القاري في
"الموضوعات الكبرى" (273/353) ، والشيخ إسماعيل العجلوني في "كشف
الخفاء" (2/132/2016) وقال:
"وهو واقع كثيراً في كلام الصوفية، واعتمدوه، وبنوا عليه أصولاً لهم".
وقال العلامة الآلوسي في "تفسيره" (27/22) عقب قول ابن تيمية:
"ومن يرويه من الصوفية معترف بعدم ثبوته نقلاً؛ لكن يقول: إنه ثابت(13/50)
كشفاً، وقد نص على ذلك الشيخ الأكبر (يعني: ابن عربي ... النكرة) في الباب
المائة والثمانية والتسعين من "الفتوحات "، والتصحيح الكشفي شنشنة لهم ".
ومن نكد الدنيا أن يؤلف بعضهم رسالة في شرح هذا الحديث الصوفي
الباطل! كما ألف غيره رسالة في شرح حديث:
"من عرف نفسه؛ فقد عرف ربه "!
ولا أصل له أيضاً؛ كما تقدم برقم (67) .
6024 - (لا يأبى الكرامةَ الا حمارٌ) .
منكر.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/186) من طريق أبي بكر
محمد بن معاذ بن فهد الشعراني النهاوندي قال: ذكر محمد بن عبد الله
الأويسي - وسمعته منه مذاكرةً -: حدثنا أبو بكر بن المنادي: حدثنا عبد الله بن
إدريس عن عبيد الله بن عمرعن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... رفعه.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ آفته النهاوندي هذا، قال الذهبي في "الميزان ":
"واهٍ ". وكذا في "سير الأعلام" (15/387/210) ، وزاد:
"وله أوهام".
وذكر له ابن عساكر حديثاً منكراً جدّاً، سأذكره في الآتي بعده.
والحديث؛ ذكره الزركشي في "التذكرة" (116/53) ، والسخاوي في " المقاصد "
(1817/469) من رواية الديلمي هذه، وسكتا عن إسناده! ثم قالا:
"ثم قال (أي: الديلمي) : ويقال: هذا من كلام علي بن أبي طالب رضي الله
عنه ". قال السخاوي عقبه:(13/51)
"قلت: هو كذلك في سنن "سعيد بن منصور" عن سفيان بن عيينة عن
عمرو بن دينار عن محمد بن علي قال:
ألقي لعليٍّ وسادة، فقعد عليها، وقال ذلك".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ فهو صحيح إن كان محمد
ابن علي هذا هو المعروف بابن الحنفية، وأبوه علي بن أبي طالب. وأما إن كان
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ فهومنقطع؛ لأنه لم يسمع من
جد أبيه علي بن أبي طالب. وإنما ترددت بينهما؛ لأن عمرو بن دينار قد ذكروا أنه
روى عن كل منهما. والله أعلم.
وقد أخرجه عن علي موقوفاً البيهقي أيضاً في "الشعب "؛ كما في "الدرر
المنتثرة" للسيوطي (207/ 451) .
6025 - (ملائكةُ السماءِ يستغفرونَ لذَوائِبِ النساءِ ولِحَى الرجالِ؛
يقولونَ: سبحان الذي زَيَّنَ الرجالَ باللِّحَى والنساءَ بالذوائب) .
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس" (3/66) من طريق الحاكم:
أخبرنا ابن عصمة: حدثنا الحسين بن داود بن معاذ: حدثنا النضر بن شميل:
حدثنا عوف عن الحسن عن عائشة مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته الحسين هذا - وهو: البلخي -: قال الخطيب (8/44) :
"لم يكن ثقة؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس؛
أكثرها موضوع ". ثم ساق له الحديث المتقدم برقم (808) ، وقال:
"وهو موضوع؛ ورجاله كلهم ثقات؛ سوى الحسين ".(13/52)
وتقدم له حديث آخر برقم (780) ، وأن ابن الجوزي قال فيه:
"وضاع ".
وله حديث رابع مضى برقم (12) .
وقد روي حديث الترجمة موقوفاً بلفظ:
"إن يمين ملائكة السماء: والذي زيَّن الرجال باللحى، والنساء بالذوائب! ".
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/387 - المدينة) من طريق الخليل
ابن أحمد بن محمد بن الخليل: نا أبو عبد الله محمد بن معاذ بن فهد
النهاوندي - وسمعته يقول: لي مائة وعشرون سنة، وقد كتبت الحديث، ولحقت
أبا الوليد الطيالسي والقعنبي وجماعة من نظرائهم، ثم ذكر أنه تصوَّف ودَفَنَ
الحديثَ الذي كتبه أول مرة، ثم كتب الحديث بعد ذلك، وذكر أنه حفظ من
الحديث الأول حديثاً واحداً، وهو ما حدثنا به -: نا محمد بن المنهال الضرير: نا
يزيد بن زريع: نا روح بن القاسم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة
قال: ... فذكره موقوفاً. وقال ابن عساكر:
"هذا حديث منكر جداً، وإن كان موقوفاً، وليت النهاوندي نسيه فيما نسي؛
فإنه لا أصل له من حديث محمد بن المنهال. والله أعلم ".
قلت: والنهاوندي هذا واهٍ عند الذهبي، كما تقدم في الحديث الذي قبله.
والله أعلم.
(تنبيه) : لقد عزا الشيخُ العجلوني في "كشف الخفاء" الحديثَ للحاكم عن
عائشة! فأوهم أنه في "المستدرك "؛ لأنه المعني عند أهل العلم إذا أطلق العزوُ إليه،
وليس فيه! والظاهر أنه في كتابه الآخر: "تاريخ نيسابور"؛ لأنه ترجم له فيه؛ كما
في "لسان الحافظ ".(13/53)
ثم إن هذا العزو مع السكوت عن بيان حال الحديث مما يدلنا على أن العجلوني
علمه في الحديث؛ إنما هو النقل دون النظر في الأسانيد والمتون والتحقيق فيها.
ونحوه عبد الرؤوف المناوي؛ فقد سبقه إلى عزو الحديث في كتابه "كنوز
الحقائق " (ص 142 ج 1 - هامش "الجامع الصغير") إلى الحاكم مطلقاً لم يقيده،
وساكتاً عليه كما هي عادته!! ولم يذكر إلا الشطر الثاني منه.
وقلده في ذلك آخرون؛ منهم الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في رسالة "وجوب
إعفاء اللحية" (ص 32 - توزيم إدارة البحوث العلمية) ؛ فإنه جزم بنسبته إلى النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وعلقت عليه الإدارة بما تقدم عن المناوي! دون أي تعقيب عليه!
واغتر بعضهم بالمفهوم من إطلاق المناوي عزوه إلى الحاكم، فعزاه إلى الحاكم
في "المستدرك "؛ كما فعل الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي فيما نقله الأخ
محمد إسماعيل الإسكندراني في آخر كتابه "أدلة تحريم حلق اللحية"، وأقره!
فالله المستعان على غرية هذا العلم في هذا الزمان، وتساهل أهله في نسبة ما
لم يصح من الحديث إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6026 - (سَخَافةٌ بالمرءِ أن يَسْتَخْدِمَ ضَيْفَه) .
منكر.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (2/215) من طريق يحيى
بن أكثم:
كنت بائتاً عند المأمون، فعطشت عطشاً شديداً، فقال لي: ما لك لا تنام؟
قلت: أنا - والله! - عطشان. فقال: ارجع إلى موضعك، وقام إلى المزادة، فَسَقاني
كُوزَ ماء، ثم قال: ألا أخبرك؟ ألا أطرفك؟ ألا أحدثك؟
قلت: نعم. فقال: حدثني الرشيد عن أبيه المهدي عن أبيه المنصور عن
أبيه عن جده عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.(13/54)
قلت: وهذا إسناد ضعيف من رواية الخلفاء العباسيين الثلاثة: الرشيد - وهو:
أبو جعفر هارون -؛ عن أبيه المهدي - واسمه: محمد عن أبيه المنصور - وهو: أبو
جعفر عبد الله -؛ وثلاثتهم غير معروفين في الرواية، ولم يُتَرتجَموا في كتب الجرح
والتعديل؛ غير أن الذهبي قال في هارون الرشيد في "السير" (9/287) :
"روى عن أبيه وجده ومبارك بن فضالة. روى عنه ابنه المأمون وغيره ".
ويحيى بن أكثم؛ قد تكلموا فيه كثيراً، وفي "الكاشف ":
"كان من بحور العلم؛ لولا دعابة فيه؛ تكلم فيه ". وفي "التقريب ":
"فقيه، صدوق؛ إلا أنه رمي بسرقة الحديث، ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى
الرواية بالإجازة والوجادة".
وأعله المناوي براوٍ دونهم اسمه (دُبَيْس الملائي) ؛ قال الذهبي:
"قال أبو حاتم: ضعيف ".
قلت: وكذا في "اللسان " وقال:
"وسمى أبو حاتم أباه حميداً".
قلت: وتبعه ابن حبان في "الثقات " (8/238) . وقال المناوي في "التيسير":
"في إسناده لين ".
6027 - (إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ عَلَى الصِّرَاطِ
ظَهْراً لِبَطْنٍ؛ كَالْغُلامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ؛ يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ
يَسْعَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ، وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ. فَيُوحِي اللَّهُ
تَعَالَى إِلَيْهِ: عَبْدِي! إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ؛ أَتَعْتَرِفُ(13/55)
لِي بِذُنُوبِكَ وَخَطَايَاكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ يَا رَبِّ! وَعِزَّتِكَ وَجَلالِكَ!
لَئِنْ تُنْجِينِي مِنَ النَّارِ؛ لأَعْتَرِفَنَّ لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ. فَيَجُوزُ الْجِسْرَ،
وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفَتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ
لَيَرُدَّنِّي إِلَى النَّارِ. فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي! اعْتَرِفْ لِي بِذُنُوبِكَ
وَخَطَايَاكَ أَغْفِرُهَا لَكَ وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا - وَعِزَّتِكَ! - مَا
أَذْنَبْتُ ذَنْباً قَطُّ، وَلا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ! فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي!
إِنَّ لِي عَلَيْكَ بَيِّنَةً، فَيَلْتَفِتُ الْعَبْدُ يَمِيناً وَشِمَالا فَلا يَرَى أَحَداً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ!
أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ، فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ الْعَبْدُ؛
يَقُولُ: يَا رَبِّ! عِنْدِي - وَعِزَّتِكَ! - الْعَظَائِمُ الْمُضْمَرَاتُ. فَيُوحِي اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ إِلَيْهِ: عَبْدِي! أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا أَغْفِرُهَا لَك
وَأُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ؛ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةُ. ثُمَّ ضَحِكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ؛ يَقُولُ:
هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ؟!) (*) .
منكر جدّاً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/185/7669) من
طريق أبي فَرْوَةَ يَزِيد بن مُحَمَّدِ بن يَزِيدَ بن سِنَانَ الرَّهَاوِيّ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
أَبِيهِ: حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلاعِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
ثم أخرجه (7670) من طريق أبي عَقِيلِ عَبْدِاللَّهِ بن عَقِيلِ الثَّقَفِيُّ عَنْ يَزِيدَ
ابن سِنَانَ: أَخْبَرَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلاعِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ
__________
(*) كتب الشيخ - رحمه الله - بخطه فوق متن الحديث: "مر برقم (5383) ".(13/56)
رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"إني لأعلم آخر رجل من أمتي يجوز الصِّراط؛ يتلوى على الصراط كالغلام
حين يضربه أبوه ... فذكر مثله ". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/402) :
"رواه الطبراني. وفيه من لم أعرفهم، وضعفاء؛ فيهم توثيق ليِّن ".
وأقول: الإسناد الثاني ... كأن الهيثمي لم يستحضره، فإنه ليس فيه من
الضعفاء إلا يزيد بن سنان؛ وهو علة الحديث. وشيخه أبو يحيى الكلاعي - اسمه:
سليم بن عامر؛ وهو - ثقة من رجال مسلم، ومن دونهما كلهم ثقات.
وأما الإسناد الأول ... ففيه محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي؛ قال الحافظ:
"ليس بالقوي".
وابنه أبو فروة يزيد بن محمد، قال ابن أبي حاتم:
"كتب إلى أبي وإليَّ ". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما ابن حبان فذكره
في " الثقات " (9/ 276) وقال:
"حدثنا عنه أبو عروبة، مات بـ (الرها) سنة 269".
6028 - (أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ. قاله لعَلِيٍّ
وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ) .
ضعيف.
أخرجه الترمذي (3869) ، وابن ماجه (145) ، وابن حبان (2244) ،
والحاكم (3/149) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (12/97/ 12230) ، والطبراني
في "الكبير" (3/ 30/2619 و5/207/ 5030) و"الصغير" (ص 159 - هندية، رقم
311 - الروض) من طريق أسباط بن نصر الهفداني عن السدي عن صُبيح(13/57)
مولى أم سلمة عن زيد بن أرقم: أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لعلي وفاطمة والحسن
والحسين: ... فذكره. وقال الترمذي:
(حديث غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه، وصبيح مولى أم سلمة ليس
بمعروف ".
قلت: وفي "الكامل" لابن عدي (4/1405) :
"صُبيح ليس يعرف نسبه ". ثم روى عن يحيى وأبي خيثمة قالا:
"كان صبيح ينزل الخلد (!) ، وكان كذاباً؛ يحدث عن عثمان! وعاثشة! ، وكان
كذاباً خبيثاً. قال يحيى: وأعمى أيضاً".
قلت: فأخشى أن يكون هو - هذا؛ فإنه من هذه الطبقة.
وقد روإه سليمان بن قّرْم عن أبي الجحَّاف عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
صُبيح مولى أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عن جده عن زيد بن أرقم ... ، به.
أخرجه الطبراني (3/ 31 و5/207) .
قلت: وهذا إسناد مظلم؛ إبراهيم هذ! ذكره الحافظ في ترجمة جده "صبيح "
من "التهذيب " مقروناً مع السدي، رويا عن "صبيح) ا، ولم أجد له ترجمة.
وسليمان بن قَرْم: قال الحافظ في "التقريب ":
"سيئ الحفظ، يتشيع ".
وقد خولف في إسناده عن إبراهيم: فقال حسين بن الحسن الأشقر عن
عبيد الله بن موسى عن أبي مَضَاء - وكان رجل صدق - عن إبراهيم بن عبد الرحمن
ابن عيسى مولى أم سلمة عن جده صبيح قال:(13/58)
كنت بباب رسول الله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء علي وفاطمة والحسن والحسين، فجلسوا
ناحيتَه، فخرج رسول الله اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلينا، فقال:
"إنكم على خير".
وعليه كساء خيبري، فجَلَّلهم به، وقال: ... فذكر الحديث.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/ 160/ 1 - 2) ، وقال:
"لا يروى عن صبيح مولى أم سلمة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به
حسين الأشقر. وقد رواه السدي عن صبيح عن زيد بن أرقم ".
قلت: وحسين هذا شيعي غالٍ: قال الحافظ فيه:
"صدوق يهم، يغلو في التشيع ". ولم يزد الذهبي على قوله في "الكاشف ":
"قال البخاري: فيه نظر".
قلت: وشيخ شيخه أبو مضاء - أظنه الذي في "اللسان " -:
"رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء الهروي القرشي، محدِّث رحَّال. سمع من
أبي اليمان بحمص ... و ... و ... روى عنه محمد بن عبد الرحيم (صاعقة) ...
وآخرون ". ثم ساق له حديثاً، وقال:
"وهو غريب جدّاً؛ تفرد به. وقال الحاكم: كان كثير المناكير".
قلت: فمثله لا يُستشهد به؛ وهذا إن سلم من شيخه إبراهيم، أو من الذي
دونه: الأشقر!
ومن الغريب أن الحافظ أورد صُبيحاً في "الصحابة" - تبعاً لبعض من سبقه -
لهذا الحديث من رواية الطبراني! ونقل كلامه المتقدم، ثم عقب عليه بقوله:(13/59)
"قلت: صبيح شيخ السدي. وصفوه بأنه مولى زيد بن أرقم، وأنه تابعي، فإن
كانت رواية إبراهيم محفوظة؛ فهما اثنان. وكلام أبي حامد يقتضي أنهما واحد".
قلت: وهذا هو الراجح من هذا التخريج، على أن قوله: "وصفوه بأنه مولى
زيد بن أرقم "؛ ليس مسلّماً على إطلاقه؛ فقد قال ابن أبي حاتم:
"مولى أم سلمة، ويقال: مولى زيد بن أرقم ".
وكذلك قال الحافظ في "التهذيب ".
وبالجملة؛ فهذا الاختلاف في نسبته مما يؤكد جهالته - كما تقدم عن
الترمذي -، وأما ذكر ابن حبان إياه في "الثقات " (4/382) ؛ فممّا لا قيمة له؛
لأنه جارٍ على قاعدته المعروفة في توثيق المجهولين، على أنه حكى القولين في
نسبته!
وهناك مخالف أخر لسليمان بن قَرْم عن أبي الجحَّاف، ذكره المزي في "تحفة
الأشراف " (3/193) عقب الرواية الأولى: عن السدي عن صبيح:
"رواه الحسين بن الحسن العرني عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن
أبي الجحَّاف عن مسلم بن صبيح عن زيد بن أرقم ".
قلت: سكت عنه المزي، ومسلم بن صبيح؛ ثقة من رجال الشيخين، ولكني
أخشى أن يكون وهماً، أو قلباً متعمداً ممن دونه؛ فإنهم كلهم معروفون بالتشيع؛ إلا
الحسين بن الحسن العرني؛ فإني لم أعرفه، وأخشى ما أخشاه أن يكون هو الحسين
ابن الحسن الأشقر المتقدم في رواية "أوسط الطبراني "؛ تحرف (الأشقر) على
بعضهم إلى " العرني "!
وثمة مخالف ثالث: فقال الإمام أحمد (2/442) : ثنا تَليد بن سليمان: ثنا
أبو الجحاف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:(13/60)
نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: ... فذكره.
وكذلك رواه الإمام في "فضائل الصحابة " (2/767/1350) ، ومن طريقه
الحا كم (3/149) ، والدولابي في " الكنى" (2/ 160) ، وابن عدي في " الكامل "
(2/516 - 5175) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (7/137) ، وعنه ابن الجوزي في
"العلل المتناهية" (1/266/431) من طرق أخرى عن تليد ... به. وقال الحاكم:
"هذا حديث حسن من حديث أحمد بن حنبل عن تليد؛ فإني لم أجد له
رواية غيرها "!
كذا قال! وتليد هذا اختلفت الرواية عن أحمد فيه؛ فمرة لم ير به بأساً،
ومرة قال:
"هو عندي كان يكذب ". وهذا أرجح عندي؛ لأمرين:
الأول: أنه جرخ مفسر.
والآخر: أنه موافق لأقوال غيره من الأئمة؛ كابن معين والساجي، وفيهم
بعض المعروفين بتساهلهم في التعديل كابن حبان؛ فإنه أورده في "الضعفاء"،
وقال (1/ 204) :
"كان رافضياً يشتم أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى في فضائل أهل البيت
عجائبَ! وقد حمل عليه ابن معين حملاً شديداً، وأمر بتركه ".
وقال الحاكم وأبو سعيد النقاش - كما في "التهذيب " -:
"رديء المذهب، منكر الحديث، روى عن أبي الجحاف أحاديث موضوعة".
زاد الحاكم:
"كذبه جماعة من العلماء".(13/61)
قلت: وكأنه لم يعرف هذا أو لم يستحضره حين حسَّن حديثه. كما أنه لم
يجد له حديثاً آخر، مع أن ابن عدي ساق له أحاديث أخرى؛ أحدها عند
الترمذي، وقد سبق تخريجه برقم (3056) ، وقال ابن عدي عقبها:
"ولتليد غير ما ذكرت، وبيِّنٌ على روايته الضعف ". وقال ابن الجوزي عقبه:
"لا يصح؛ تليد بن سليمان كان رافضياً يشتم عثمان. قال أحمد ويحيى:
كان كذاباً ".
قلت: ولقد أخطأ خطأ فاحشاً أحد إخواننا اللبنانيين حين استشهد بحديث
تليد هذا في تقوية حديث الترجمة؛ مغتراً بقول الهيثمي في "المجمع " (9/169) :
"وفيه تليد بن سليمان، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "!
ولم يعلم أن هذا الخلاف الذي أشار إليه الهيثمي لا قيمة له - كما سبق بيانه -،
وكيف يصح الاستشهاد به وقد كذبه جمع؟!
وهذا مثال من مئات الأمثلة في تورط كثير من الشباب المتخرجين من
الجامعات وغيرهم في مبادرتهم في الكتابة في هذا العلم، واستسهالهم طريقة نقد
الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، وهم بعدُ في أول الطريق! فقد كتب إليَّ المومأ إليه
رسالة ينتقدني فيها - بأدب واعتراف بالفضل - تضعيفي لبعض أحاديث "سنن
ابن ماجه " في كتابي الذي صدر حديثاً بعنوان: "ضعيف سنن ابن ماجه " طبع
المكتب الإسلامي، ولقد تصرف طابعه فيه بما لا يجوز مما لا مجال لبيانه هنا،
ولعل ذلك يكون في طبعة جديدة منا له إن شاء الله.
وكما أخطأ المومأ إليه في الاستشهاد بتليد هذا؛ كذلك أخطأ باستشهاده
برواية العرني - وقد ترجم لجميع رواته سواه! -، وبرواية صبيح - وزعم أنها مرسلة -!(13/62)
ولقد كان انتقاد هذا الأخ من الدواعي لتخريج الحديث بهذا التوسع هنا.
ومن ذلك: أنه حسَّن الحديث أخونا حمدي السلفي لطرقه، وقد كنت أنا
نفسي قد حسنته في "صحيح الجامع " بناء على تخريجي إياه في "الروض
النضير" قديماً، مغتراً بتخريج ابن حبان إياه من الطريق الأولى! والآن فقد رجعت
عنه وكتبت على نسختي من "الصحيح " بنقله إلى "ضعيف الجامع ". والله هو ولي
التوفيق، وهو المسؤول أن يهديني لأقوم طريق!
6029 - (كَانَ يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَشْرِقِ.قِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ فِتْنَةُ
الْمَغْرِبِ؟ قَالَ: تِلْكَ أَعْظَمُ وَأَعْظَمُ) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/187/ 501) بسندين له
عن عَبْدِالْوَهَّابِ بن نَجْدَةَ الْحَوْطِيّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عَيَّاشٍ عَنْ صَفْوَانَ بن عَمْرٍو
عَنْ أَزْهَرَ بن عَبْدِاللَّهِ الْحَرَازيِّ عَنْ عِصْمَةَ بن قَيْسٍ السُّلَمِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان ...
وبإسناديه المشار إليهما عن عبد الوهاب بن نجدة ... به؛ إلا أنه قال: عن
عصمة بن قيس صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب.
هكذا فيه؛ لم يقل: "عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - كما في الرواية الأولى -؛ فهو موقوف.
وقد تابعه حَريز بن عثمان على الرواية الثانية؛ إلا أنه قال: عن الأزهر أبي
الوليد عن عصمة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان ... إلخ.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/63) من طريق أبي اليمان عنه.
ورواه ابن عبد البر في ترجمة عصمة هذا من "الإستيعاب" من طريق أبي(13/63)
زرعة الدمشقي؛ حدثنا علي بن عياش؛ حدثنا حريز بن عثمان: حدثنا الوليد بن
أزهر الهوزني عن عصمة صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان ... إلخ. وقال ابن عبد البر:
"هكذا قال: (الوليد بن أزهر) ، وروى غيره عن حريز بن عثمان عن أبي
الوليد الأزهر بن راشد عن عصمة ... " فذكر حديثاً آخر.
قلت: وهذا اختلاف شديد على تابعي هذا الحديث في اسمه، ومن الصعب
جدّاً ترجيح وجه من الوجوه الثلاثة؛ لأن رواتها كلهم ثقات، وهذا إن دل على
شيء - كما يقولون اليوم -؛ فهو يدل على أن هذا الراوي غير مشهور عندهم، وإلا؛
لما اختلفوا فيه، وإذا رجعنا إلى ترجمة الأول منهم - أعني: أزهر بن عبد الله
الحرازي - من "التهذيب "؛ وجدنا فيه اختلافاً آخر؛ فقال البخاري:
"أزهر بن عبد الله، وأزهر بن سعيد، وأزهر بن يزيد؛ واحد، نسبوه مرة (مُرادي) ،
ومرة (هوزني) ، ومرة (حَرَازي) ". قال الحافظ عقبه:
"فهذا قول إمام أهل الأثر: أن أزهر بن سعيد هو: أزهر بن عبد الله. ووافقه
جماعة على ذلك ".
وذكر في ترجمة (أزهر بن سعيد الحرازي) أنه قول أكثر العلماء.
وأظن أن (الحرازي) الذي أشار إليه البخاري هو هذا المذكور في الوجه الأول،
و (الهَوزني) هو الأزهر أبو الوليد؛ فإنه ابن راشد الهوزني؛ فإنه مترجم في "التهذيب"
دون أن يشار إلى أنه من وجوه الاختلاف.
ومن ذلك الوليدُ بن أزهرَ المتقدمُ. ولم أرَ من ترجمه.
ومع هذا الاختلاف؛ فليس لهذا الراوي لهذا الحديث موثِّقٌ غيرُ ابنِ حبانَ
(4/38 - 39) ! فهو عندي في عداد المستورين.(13/64)
وكما اختلفوا في اسم هذا الراوي للحديث اختلفوا في متنه رفعاً ووقفاً؛
فرفعه صفوان بن عمرو في روايته الأولى، وأوقفه في الأخرى.
وتابعه على وقفه حريز بن عثمان. فما اتفقا عليه؛ أولى بالاعتماد - كما لا
يخفى على الخبير بهذا العلم -.
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف؛ للاضطراب والجهالة، مع كونه موقوفاً على
الراجح. والله أعلم.
ومما سبق تعلم خطأ الشيخ التويجري حين جزم في أول كتابه "الصارم
المشهور" (ص 4 - الطبعة الأولى) بنسبته إلى عصمة بن قيس، وأنه في حكم
المرفوع! وأظن أن عمدته في ذلك إنما هو قول الهيثمي في "المجمع " (7/ 220) :
"ورجاله ثقات "!
وهذا لا يعني تقوية الحديث بوجه من الوجوه - كما يعلم ذلك البصير بهذا
العلم الشريف -، وقد مضى مني التنبيه على ذلك مراراً.
وأما قوله بأنه في حكم المرفوع؛ فنقول: نعم؛ ولكن أثبت العرش ثم انقُشْ!
ومن غرائبه أنه حمل الحديث على الإفرنج بحكم كونهم في المغرب! وهم
وإن كانوا سبباً لما أصاب المسلمين - من البلاء والانحراف عن الشرع، والعمل
بأحكامه، وإقامة حدوده - بسبب استعمارهم لبلادهم؛ فليس من المتبادر أنهم هم
المقصودون من الحديث - لو صح - لا شرعاً ولا اصطلاحاً.
أما الشرع؛ فواضح.
وأما اصطلاحاً؛ فإن المفهوم إليوم من (المغرب) إنما هي البلاد الواقعة في شمال
إفريقية غرب مصر، وهي: ليبيا وتونس والجزائر ومراكش، وهي بلاد إسلامية.
وانظر "معجم البلدان " لياقوت الحموي.(13/65)
6030 - (سُئِلَ عَمَّنْ اِسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ؟ فَقَالَ: أُولَئِكَ
أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} ) .
منكر.
أخرجه الْحَافِظ ابْن مَرْدَوَيْهِ بسنده عن سُلَيْمَان بْن دَاوُدَ: حَدَّثَنَا
النُّعْمَان بْن عَبْد السَّلَام: حَدَّثَنَا شَيْخ لَنَا يُقَال لَهُ أَبُو عَبَّاد عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد
ابْن عُقَيْل عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ: ... فذكره مرفوعاً.
نقلته من "تفسير ابن كثير" (2/216) ، وقال عقبه:
"حَدِيث غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْه".
قلت: وهو عندي واه جدّاً؛ آفته سليمان بن داود، وهو الشاذكوني؛ كذبه
ابن معين وغيره، ولعل ابن كثير ما عرف أنه هو؛ ولذلك استغربه فقط، وقد
ذكروه في جملة الرواة عن النعمان بن عبد السلام.
وأبو عباد شيخ النعمان والراوي عن ابن عقيل المدني؛ لا أستبعد أن يكون
الذي في " الميزان " و "اللسان ":
"عن نافع أحد السبعة، مجهول، ووثقه ابن حبان ".
قلت: وكناه في "الثقات " (8/ 430) بأبي عباد المزني. كذا فيه، وفي
" التاريخ " و" التهذيب ": " المدني " ... ولعله الصواب.
والحديث؛ ذكوه السيوطي في "الدر المنثور" (3/87) من رواية أبي الشيخ
وابن مردويه وابن عساكر عن جابر مرفوعاً بلفظ:
"يوضع الميزان يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته
على سيئاته مثقال صؤابة (1) ؛ دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال
صؤابة (1) ؛ دخل النار". قيل: يا رسول الله! فمن استوت حسناته وسيئاته؛ قال:
__________
(1) في "القاموس": كغرابة: بيضة القمل والبرغوث.(13/66)
"أولئك أصحاب الأعراف {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} ".
قلت: ولم يتحدث عن إسناده بشيء، فلا أدري إذا كان هو نفس سند ابن
مردويه من طريق الشاذكوني الكذاب أو هو غيره.
ولقد كان من الدواعي على إخراجه وبيان حقيقة إسناده التحذير من صنيع
ذلك الحلبي المتعالم: الشيخ الصابوني؛ حيث ذكر الحديث في "مختصره " (2/22)
مؤكداً وروده وصحته بقوله: "وقد جاء فِي حَدِيثِ مرفوع، رواه الحافظ ابن مردويه عن
جابر ... "؛ فحذف أولاً كلام ابن كثير الدالَّ على ضعفه - كما تقدم نقله عنه -.
وثانياً: لم ينقل ما عقب عليه وعلى أخبار أخرى ساقها بعده، وهو قوله:
"والله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة، وقصاراها أن تكون موقوفة"!
وقد مضى أحد الأحاديث المشار إليها برقم (2791) ، ومنها الحديث التالي
بعده.
وقد استقصى طرقه المرفوعة والموقوفة الشيخ الزبيدي في "شرح الإحياء"
(8/564 - 565) ، وعزا (2/219) حديث جابر باللفظ الثاني لخيثمة في "فوائده "،
وعزاه الحافظ في "الفتح " (11/402) لأبي حاتم والحاكم بلفظ:
"من زادت حسناته على سيئاته؛ فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب،
ومن استوت حسناته وسيئاته؛ فذاك الذي يحاسب حساباً يسيراً، ثم يدخل
الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته؛ فذاك الذي أوبق نفسه، وإنما الشفاعة في
مثله ".
وسكت عنه؛ فهو حسن عنده، والله أعلم. ولم أقف عليه في "مستدرك
الحاكم ".(13/67)
6031 - (سُئِل عْن أَصْحَابِ الْأَعْرَاف؟ فَقَال:
هَمّ رِجَالٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله، وهَمّ عُصَاةٌ لآبائِهم، فَمَنَعَتْهُمُ الشِّهَادَةُ
أَن يَدْخُلُوا النَّارَ، ومَنَعَتْهُمُ الْمَعْصِيَةُ أَن يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، وهم عَلَى سُورٍ
بين الْجَنَّةِ والنَّارِ حَتَّى تَذْبُلَ لحومهَم وشُحومُهم حَتَّى يَفْرُغَ اللهُ مِنْ
حِسَابِ الْخَلَائِقِ، فَإِذَا فَرَغَ اللهُ مِنْ حِسَابِ خَلْقِه، فَلِم يَبْقَ غيرُهم؛
تَغَمَدَهُم منه بِرَحْمَتِه، فأَدْخَلَهُم الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِه) .
ضعيف جدّاً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 139 - هند/
الروض 997) وفي " المعجم الأوسط " (1/ 284/ 2/ 4781 - بترقيمي) من طريق
أبي أسلم محمد بن مخلد الرعيني الحمصي: ثنا عبد الرحمن بن زيد بن
أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال:
"لا يروي عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف جدّاً؛ عبد الرحمن بن زيد هذا ضعيف جدّاً، وهو صاحب
حديث توسل آدم به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد مضى برقم (25) مع شيء من ترجمته.
ومثله الرعيني الراوي عنه، أو هو أسوأ منه؛ فقد قال ابن عدي (6/ 2260) :
"حدث عن مالك وغيره بالبواطيل ". وقال الدارقطني:
"متروك الحديث ". وساق له الذهبي حديثاً، ثم قال فيه:
"وهو كذب ظاهر".
ومن هذا التحقيق تعلم تساهل من قال في هذا الإسناد أو راويه: "ضعيف "!
مثل العراقي في "المغني " (4/ 30) ، والهيثمي في "المجمع " (7/23) ، والسيوطي(13/68)
في "الدر" (3/88) ، وأعله الأول بضعف عبد الرحمن! واتبعه الزبيدي في "شرح
الإحياء " (8/ 564) ، والثا ني بالرعيني!
(تنبيه) : لقد وهم في هذا الحديث حافظان:
أحدهما: ابن كثير؛ حين عزاه في "التفسير" (2/216) لابن ماجه!
والأخر: العراقي؛ فقد عزاه للبزار وحده! ولم أره في "كشف الأستار"، لا
في "التفسير" منه، ولا في "البعث " ومتعلقاته، ولا عزاه إليه تلميذه الهيثمي في
"المجمع "، وإن عزاه إليه الزبيدي تقليداً للعراقي.
وعزاه السيوطي في "الدر" لابن مردويه مع الطبراني.
6032 - (مَنْ شرِبَ الماءَ على الرِّيق؛ انتُقِصَتْ قُوَّتُه) .
ضعيف جدّاً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/285/4783)
بإسناد الحديث الذي قبله عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. وقال:
"لم يروه عن زيد بن أسلم إلا ابنه عبد الرحمن، تفرد به أبو أسلم ".
قلت: وكلاهما ضعيف جدّاً؛ كما تبين من تخريجنا للحديث الذي قبله.
ولذلك؛ لم يحْسن الهيثمي مرة أخرى حين اقتصر في "المجمع " (5/87) على
إعلاله بمحمد بن مخلد الرعيني فقط، وبقوله فيه:
"ضعيف "! وحاله أسوأ من ذلك؛ كما تقدم بيانه في الذي قبله.
ثم أشار إلى أن له شاهداً من حديث أبي هريرة، فأقول:
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/103/ 1/6701) فقال: حدثنا محمد بن
أبي غسان: ثنا أبو نعيم عبد الأول المعلم: ثنا أبو أمية الأيلي عن زُفَر بن واصل
عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:(13/69)
"من كَثُر ضحكه؛ استُخِفَّ بحقه، ومن كثُرت دعابته؛ ذهبت جلالته، ومن
كثُر مزاحه؛ ذهب وقاره، ومن شرب على الرِّيق؛ انتقصت قوته، ومن كثر كلامه؛
كَئُر سقطه، ومن كثر سقطه؛ كثرت خطاياه، ومن كثرت خطاياه؛ كانت النار
أولى به ". وقال:
"لا يروى إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به عبد الأول المعلم ".
قلت: ولم أعرفه، ويحتمل أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (8/425) :
"عبد الأول بن حكيم الحلبي، يروي عن مسرة بن معبد اللخمي ... روى
عنه سعيد بن واقد الحمراني ".
ذكره فيمن روى عن أتباع التابعين. وهذا من هذه الطبقة. والله تعالى أعلم.
وأبو أمية الأيلي وشيخه زُفَر لم أعرفهما أيضاً؛ فهو إسناد مظلم. وقال
الهيثمي (7/87 و 10/302) :
"وفيه جماعة لم أعرفهم ". وعزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لابن عساكر،
وقال:
"وقال: غريب الإسناد والمتن ".
وكذا في "شرح الإحياء" (7/455) ، والظاهر أنه نقله عنه.
وقد روي مختصراً من حديث ابن عمر، وتقدم برقم (4643) .
6033 - (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ، فَلَمَّا ذَاقَ الشَّجَرَةَ؛ سَقَطَ عَنْهُ لِبَاسُهُ،
فَأَوَّلُ مَا بَدَا مِنْهُ عَوْرَتُهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى عَوْرَتِهِ؛ جَعَلَ يَشْتَدُّ فِي الْجَنَّةِ) .
ضعيف.
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير/ الأعراف " من طريق علي بن(13/70)
عَاصِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علي بن عاصم - قال في "التقريب " -:
" صدوق؛ يخطئ ويُصِرّ ".
والحسن - وهو البصري -؛ مدلس.
ونحوه قتادة.
6034 - (مَنْ قال: قبح اللهُ الدُّنيا؛ قالتِ الدنيا: قبحَ اللهُ أعصانا) .
منكر.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (13/257/16276) : [حدثنا]
يحيى بن بكير قال: حدثنا زهير بن محمد عن خالد بن سعيد عن المطلب بن
حنطب: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف؛ المطلب بن حنطب - قال الحافظ في
" التقريب " -:
"صدوق، كثير التدليس والإرسال ".
وخالد بن سعيد - هو: ابن أبي مريم التيمي المدني مولى ابن جدعان - لم
يوثقه غير ابن حبان (6/256) ، وقد روى عنه ثلاثة - كما في "التهذيب " -،
أحدهم ثقة، والثاني: صدوق يهم، والثالث ابنه عبد الله؛ لم أعرفه، ويضم إليهم
زهير بن محمد هذا - وهو الخراساني -؛ وهو ثقة من رجال الشيخين إذا لم يرو عنه
شامي، وهذا من هذا القبيل؛ فإن يحيى بن بكير ثقة مصري.
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" للديلمي فقط!
ئم تنبهت لخطأ وقع في اسم (يحيى بن بكير) عند "المصنف"، ففسَّرته بأنه(13/71)
المصري، وهو يحيى بن عبد الله بن بكير، ثم تبينت أن الصواب: (يحيى بن أبي
بكير) ؛ كذلك وقع في ترجمة (خالد بن سعيد) في "التاريخ الكبير" للبخاري
(2/1/152) فِي حَدِيثِ آخر له، ساقه من طريق إبراهيم بن الحارث قال:
حدثنا يحيى بن أبي بُكَير قال: حدثنا زهير عن خالد بن سعيد عن المطلب بن
حنطب ... به.
ومما يؤيد ذلك: أنهم ذكروه في الرواة عن زهير دون ابن بكير.
ويحيى بن أبي بكير: هو الكرماني ثم البغدادي؛ وهو ثقة من رجال الشيخين
أيضاً.
6035 - (يَا بَشِيرُ! أَلا تَحْمَدُ اللهَ الَّذِي أَخَذَ بناصِيَتِكَ مِنْ بَيْنِ
رَبِيعَةَ؛ قَوْمٌ يَرَوْنَ لَوْلاهُمُ انْكَفَتِ الأَرْضُ بِمَنْ عَلَيْهَا؟!) .
منكر.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/443) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (2/45 - 46/1236) و"الأوسط " (1/160/2/2997 و 2/71/1/6169) ،
وابن عساكر (3/382) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/97/2) من طرق عن الصَّلْت
ابن مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيّ: ثَنَا عُقْبَةُ بن الْمُغِيرَةِ الشَّيْبَانِيُّ: ثَنَا إِسْحَاقُ بن أَبِي إِسْحَاقَ
الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَشِيرِ بن الْخَصَاصِيَةِ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَحِقْتُهُ بِالْبَقِيعِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ:
"السَّلامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ". وَانْقَطَعَ شِسْعِي، فَقَالَ لِي:
" أَنْعِشْ قَدَمَكَ ".
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! طَالَتْ عُزُوبَتِي، ونَأَيْتُ عَنْ دَارِ قَوْمِي! قَالَ: ... فذكر
الحديث. وقال:(13/72)
"لم يرو عن أبي إسحاق إلا ابنه إسحاق، تفرد به عقبة، ولا يُروى عن بشير
إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو إسناد شبيه بالحسن؛ أبو إسحاق الشيباني - واسمه: سليمان بن
أبي سليمان - ثقة اتفاقاً، وأخرج له الشيخان.
وابنه إسحاق ذكره في "التهذيب " في الرواة عن أبيه، وذكر ابن أبي حاتم
(1/1/223) أنه كوفي روى عنه أبو أسامة أيضاً، وذكره ابن حبان في "الثقات "
(6/48) وقال: روى عنه المسعودي أيضاً؛ فهؤلاء ثلاثة روَوْا عنه.
والمسعودي فيه ضعف من قبل حفظه.
وأما عقبة بن المغيرة الراوي الثالث عنه فقال ابن أبي حاتم (3/1/316) :
"سمع إسحاق بن أبي إسحاق، روى عنه محمد بن عبد الله بن نمير وأبو
سعيد الأشج، ومحمد بن عقبة السدوسي ".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وكذلك فعل البخاري. وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 500) برواية
السدوسي عنه.
وهو صدوق يخطئ كثيراً، واللذان قبله ثقتان، ويضم إليهم الراوي عنه هذا
الحديث: الصلت بن مسعود الجحدري، وهو ثقة من رجال مسلم. فعقبة هذا
صدوق إن شاء الله تعالى.
والحديث قال الهيثمي (3/ 60) :
"رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط "؛ ورجاله ثقات، وله طريق عند أحمد
تأتي في "المناقب " إن شاء الله ".(13/73)
قلت: الطريق التي عند أحمد التي أشار إليها، يختلف لفظُه عن هذا تماماً،
وقد رواه جمع آخر من أصحاب "السنن " وغيرهم، وهو مخرج في "أحكام الجنائز"
(ص 136 - 137) ، وقد قواه جمع كما تراه هناك.
وعليه فهو يعلّ حديث الترجمة، وما فيه من ذكر انقطاع الشِّسْع، وقوله:
"أنعش قدمك "؛ وذلك لأنه لا يروى إلا بهذا الإسناد - كما تقدم عن الطبراني -،
ولم تطمئنَّ النفس لتوثيق ابن حبان لإسحاق بن أبي إسحاق، مع مخالفته لطريق
أحمد القوية. والله أعلم.
ثم رأيت للحديث طريقاً أخرى لا تساوي شيئاً؛ لأنه يرويه الهيثم بن عدي:
تنا أبو جناب الكلبي: حدثني إياد بن لقيط الذهلي: حدثتني الجَهْدَمةُ امرأة
بشير ابن الخصاصية قالت: حدثنا بشير قال: ... فذكر الحديث مطولاً، وفيه أنه
قال له:
"أما ترضى أن أخذ الله سمعك وقلبك وبصرك إلى الإسلام من ربيعة الفرس،
الذين يزعمون أن لولاهم لانكفت (الأصل: لانفكت) الأرض بأهلها". الحديث.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/26) ومن طريقه ابن عساكر (3/379) ،
وقال أبو نعيم:
"رواه إسحاق بن أبي إسحاق عن أبيه مختصراً".
قلت: هو حديث الترجمة، وقد عرفت حاله. أما هذا؛ فآفته الهيثم بن
عدي، قال ابن معين والبخاري وغيرهما:
"كذاب ".
ومن كذبه عندي أنه صرح بتحديث أبي جناب الكلبي عن إياد، وقد خالفه
وكيع فقال: عن أبي جناب عن إياد ... به مختصراً.(13/74)
أخرجه ابن عساكر.
قلت: وأبو جناب هذا اسمه يحيى بن أبي حيَّة، قال في "التقريب ":
"ضعفوه لكثرة تدليسه ".
6036 - (ارْجِعُوا بِهِ فَاغسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ وَادْفِنُوهُ،
وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ كَادَتْ الْمَلَائِكَةُ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. يعني:
مولىً للأنصار، كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ!) .
منكر.
علقه ابن قدامة المقدسي في "المغني " (2/ 301) فقال: وَقَالَ الْخَلَّالُ
فِي " جَامِعِهِ ": ثنا يَحْيَى: ثنا عَبْدُالْوَهَّابِ: ثنا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي شُمَيلَةَ:
أَتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قُبَاءَ؛ فَاسْتَقْبَلَهُ رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْمِلُونَ جِنَازَةً عَلَى
بَابٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا هَذَا؟ "، قَالُوا: مَمْلُوكٌ لِآلِ فُلَانٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، قَالَ:
" أَكَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ "، قَالُوا: نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ كَانَ وَكَانَ. فَقَالَ: " أَمَا كَانَ
يُصَلِّي؟ " فَقَالُوا: قَدْ كَانَ يُصَلِّي وَيَدَعُ. فَقَالَ لَهُمْ: ... فذكره.
قلت: وهذا متن منكر جدّاً، عندي شبه موضوع، بإسناد مظلم؛ أبو شُميلة
ذكروه في "الصحابة"، ولكن يبدو لي أنه غير مشهور؛ فإنهم لم يذكروا له من روى
عنه، ولا أنه حضر غزوة أو مشهداً، وإنما ذكروا أنه جاء ذكره فِي حَدِيثِ لابن
عباس أنه كان رجلاً من شنوءة غلب عليه الخمر وأنه جُلد، ومع ذلك ففيه عنعنة
ابن إسحاق؛ فهل تثبت الصحبة بمثل هذا؟!
وعبد الله بن عبد الرحمن لم أعرفه، وليس هو في شيوخ هشام بن حسان
الذين ذكرهم الحافظ المزي في "تهذيب الكمال ".(13/75)
وعبد الوهاب - هو: ابن عطاء الخفَّاف البصري - ثقة من رجال مسلم.
ويحيى الراوي عنه - هو: ابن أبي طالب -، ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(14/220) بروايته عن جمع؛ منهم عبد الوهاب هذا. وروى عن أبي داود أنه خَطَّ
على حديث يحيى. وعن موسى بن هارون قال:
"أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب ". وعن الدارقطني أنه قال:
" لا بأس به عندي، ولم يطعن فيه أحد بحجة".
وقد تأول الذهبي تكذيب موسى إياه بأنه عنى: (في كلامه) ؛ وسواءٌ كان
هذا أو غيرُه فأحلاهما مر، وهو على كل حال جرح مفسر؛ فيقدم على توثيق
الدارقطني، وبخاصة وقد ضرب أبو داود على حديثه! فأظن أنه هو آفة هذا
الحديث.
وقد أورده ابن قدامة في جملة أدلة الجمهور الذين لا يُكَفِّرون تارك الصلاة
كسلاً، وقال:
"وهو الأصوب ".
وتبعه على ذلك جماعة من كبار الحنابلة؛ منهم الشيخ أبو الفرج مؤلف
"الشرح الكبير" وغيره، ولو صح هذا الحديث؛ لكان فصل الخطاب في ذلك ورافعاً
للخلاف.
6037 - (أُجِبْتُ بِالَّذِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أمتي طَلْعَةً تَرَكُوا
الصَّلَاةَ. قَالَ: أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: بَلَى ... ) الحديث.
منكر.
أخرجه أحمد (5/ 170) : ثنا يَحْيَى: ثَنَا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: حَدَّثَتْنِي(13/76)
جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ: أَنَّهَاانْطَلَقَتْ مُعْتَمِرَةً، فَانْتَهَتْ إِلَى الرَّبَذَةِ فَسَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ:
قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيَالِي فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، ثُمَّ تَخَلَّفَ
أَصْحَابٌ لَهُ يُصَلُّونَ، فَلَمَّا رَأَى قِيَامَهُمْ وَتَخَلُّفَهُمْ انْصَرَفَ إِلَى رَحْلِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمَ
قَدْ أَخْلَوْا الْمَكَانَ؛ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ فَصَلَّى، فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَمِينِهِ،
فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَامَ خَلْفِي وَخَلْفَهُ، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِشِمَالِهِ، فَقَامَ
عَنْ شِمَالِهِ فَقُمْنَا ثَلَاثَتُنَا يُصَلِّي كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا بِنَفْسِهِ، وَيَتْلُو مِنْ الْقُرْآنِ مَا شَاءَ اللَّهُ
أَنْ يَتْلُوَ، فَقَامَ بِآيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا حَتَّى صَلَّى الْغَدَاةَ، فَبَعْدَ أَنْ أَصْبَحْنَا أَوْمَأْتُ
إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنْ سَلْهُ: مَا أَرَادَ إِلَى مَا صَنَعَ الْبَارِحَةَ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
بِيَدِهِ: لَا أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ حَتَّى يُحَدِّثَ إِلَيَّ. فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، قُمْتَ بِآيَةٍ
مِنْ الْقُرْآنِ لَوْ فَعَلَ هَذَا بَعْضُنَا لوَجَدْنَا عَلَيْهِ! قَالَ: "دَعَوْتُ لِأُمَّتِي"، قَالَ فَمَاذَا
أُجِبْتَ؟ أَوْ: مَاذَا رُدَّ عَلَيْكَ؟ قَالَ: ... فذكره، وتمامه:
فَانْطَلَقْتُ مُعْنِقاً قَرِيباً مِنْ قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّكَ إِنْ
تَبْعَثْ إِلَى النَّاسِ بِهَذَا؛ نَكَلُوا عَنْ الْعِبَادَةِ. فَنَادَى: أَنْ ارْجَعْ، فَرَجَعَ، وَتِلْكَ الْآيَةُ:
{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .
قلت: وهذا إسناد ليس فيه من يخشى منه شيء من النكارة الظاهرة في
هذا السياق سوى جسرة بنت دجاجة، وليست بالمشهورة؛ فإنه لم يرو عنها من
الثقات غير قدامة بن عبد الله هذا وأفلت بن خليفة، وفي ترجمة هذا الثاني
منهما قال البخاري (1/2/67) :
"وعند جسرة عجائب ". وساق لها عن عائشة حديث:
"لا أُحِلُّ المسجد لحائض، ولا لجنب؛ إلا لمحمد وآل محمد". ثم أشار إلى
نكارته بقوله:(13/77)
"وقال عروة وعباد بن عبد الله عن عائشة مرفوعاً: سُدّوا هذه الأبواب إلا باب
أبي بكر". وقال عقبه:
"وهذا أصح ".
وعلى هذا؛ فذِكر ابن حبان إياها في "الثقات " (4/121) من تساهله المعروف!
وبخاصة أنه قال فيما نقله أبو العباس البناني:
"عندها عجائب ". ذكره في "الميزان "، وقال البيهقي:
"فيها نظر".
فقد وافق ابن حبان البخاري في جرحه إياها، وعليه اعتمد الذهبي في إيراده
لها في "المغني في الضعفاء". وقال الحافظ في "التقريب ":
"مقبولة".
وبالجملة؛ فلم تطمئن النفس لحديثها بعامة بعد جرح البخاري إياها، ولحديثها
هذا بخاصة؛ فإن فيه ما يستنكر:
أولاً: قولها عن أبي ذر: "فقمت عن يمينه ... فقام (ابن مسعود) عن شماله ".
فإن هذا خلاف السنة الثابتة فِي حَدِيثِ جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أن جابراً وجَبَّاراً وقفا؛ أحدهما عن يمينه عن والآخر عن يساره، فأخذ بأيديهما
حتى أقامهما خلفه.
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" برقم (539) .
نعم؛ قد صح عن ابن مسعود أنه صلى بين علقمة والأسود، وقال: هكذا
رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل.(13/78)
أخرجه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" أيضاً (538) .
أقول: فأخشى أن يكون دخل عليها حديث فِي حَدِيثِ.
ثانياً: قوله: "فقمنا ثلاثتنا يصلي كل رجل منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما
شاء الله أن يتلو".
قلت: هذا أمر مستنكر جدّاً، لا نجد في السنة ما يشبهه، فإن الظاهر أن أبا
ذر وابن مسعود كانا مؤتمين به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكيف يصح مع ذلك قوله: "يصلي كل رجل
منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله"؟! وكيف يمكن أن يقرأ كل واحد منهم ما
شاء، وفي ذلك من التشويش الممنوع ما لا يخفى على أحد؟!
ثالثاً: قول عمر: "إنك إن تبعث إلى الناس بهذا ... " إلخ؛ فإن الثابت في
"صحيح مسلم" (1/44) أن قول عمر هذا إنما كان في قصة أخرى وقعت له مع
أبي هريرة، فأخشى أيضاً أن يكون اختلط على جسرة هذا بهذا!
رابعاً وأخيراً: أن جسرة لم تثبت على رواية الحديث بهذا السياق الطويل
الذي فيه ما سبق بيانه من المستنكر؛ بل عدلت عنه إلى روايته مختصراً:
قالت سمعت أبا ذر يقول:
قام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إذا أصبح بآية؛ والآية: {إن تعذبهم فإنهم عبادك ... } .
أخرجه النساثي (1/156 - 157) ، وابن ماجه (1350) ، والحاكم (1/241) ،
وعنه البيهقي (3/14) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/205) ، والخطيب في
"الموضح " (1/456) كلهم من طريق يحيى بن سعيد ... به. وقال الحاكم:
"صحيح "! ووافقه الذهبي!(13/79)
وفيه نظر؛ إلا أن يقصد أنه صحيح لغيره، فهو ممكن؛ لأن له شاهداً مختصراً
من حديث أبي سعيد الخدري:
أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ردد آية حتى أصبح.
أخرجه أحمد (3/62) بسندٍ جيد.
ومن الملاحظ أن يحيى بن سعيد هذا - وهو: القطان الحافظ - هو نفسه راوي
حديثها الطويل، وفيه حديث الترجمة. وقد كِدْتُ أن أنسى أنه أنكر ما في
حديثها، لأ نني أستبعد جدّاً أن يصدر منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاك التصريح: " ... تركوا
الصلاة"، لما فيه من لفت النظر إلى ترك الاهتمام بالصلاة، ومعلوم بداهةً أن ذلك
ليس من مقاصده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما يبشر به أمته كالشفاعة؛ كما يأتي في بعض طرق
هذا الحديث نفسه. فتأمل.
أقول: فكأن يحيى بن سعيد سمعه من قدامة بن عبد الله عن جسرة مطولاً
مرة، ومختصراً مرة أخرى؛ فكان يرويه تارة هكذا، وتارة هكذا.
وقد توبع عليه مختصراً، فقال أحمد (5/156) : ثنا وكيع: ثنا قدامة
العامري ... به.
وقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/497 -498) : حدثنا محمد بن
فضيل عن فليت العامري عن جسرة عن أبي ذر ... به، وزاد:
"بها يركع وبها يسجد. قال: قلت: يا رسول الله! ما زلت تردد هذه الآية
حتى أصبحت؟ قال: إني سألت ربي الشفاعة لأمتي، وهي نائلة لمن لا يشرك
بالله شيئاً".
وبهذا الإسناد عينه أخرجه الإمام أحمد (5/149) ، وعنه الخطيب في(13/80)
"الموضح" (1/454) ، ومنه صححت خطأ وقع في إسناده من المعلق على "المصنف"
حيث جعل مكان (فليت العامري) : ( [قدامة العامري] ) وكتب في التعليق:
"في الأصل بياض ملأناه من (م) ".
قلت: والصواب ما فعلته: (فليت العامري) ؛ لأنه كذلك في "المسند" من
هذه الطريق نفسها. وأما قدامة العامري، فإنما هو في رواية وكيع المذكورة قبل هذه.
أقول هذا بياناً للواقع والراجح في خصوص هذا الطريق، وإلا؛ فإن (فليت
العامري) هو (قدامة العامري) ؛ كما جزم بذلك الدارقطني في "المؤتلف والمختلف "
(1/1857) ، ونقل الخطيب في "الموضح " (1/456) مثلَه عن ابن جرير الطبري،
والحافظ في "التهذيب " عن الثوري.
وإن مما يؤيد التصويب المتقدم أن البيهقي أخرجه (3/13) من طريق ابن أبي
شيبة، لكن وقع فيه "كليب العامري "، وإن مما لا شك فيه أن الصواب: (قليب)
تحرف القاف على الناسخ أو الطابع إلى الكاف؛ فكتب: (كليب) . كما أنه تحرف
عليه اسم (جسرة) فوقع فيه (خرشة بن الحر) ! كما أنه - أعني: (جسرة) - تحرف
إلى (ميسرة) في رواية ابن فضيل عند أحمد.
وقد تنبه لهذا الأخ الفاضل عطاء بن عبد اللطيف بن أحمد في كتابه القيم
الفريد "فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار" (ص 134) ،
ولكنه لم يتنبه لكون (خرشة بن الحر) محرف أيضاً من (جسرة) فجعله متابعاً
لها! ثم ترجم لخرشة بأنه ثقة، وبنى على ذلك أن الحديث حسن أو صحيح! دون
حديث الترجمة: "أجبت بالذي ... "، قال (ص 135) :
" ... فيُعَدُّ زيادةً ضعيفةً من هذا الطريق، إلا أنها يشهد لمعناها حديث كعب
ابن عجرة السابق". وقال في التعليق:(13/81)
" رواه أحمد والطبراني وغيرهما".
قلت: وموضع الشاهد منه - بزعمه - قوله بعد قوله: "فإن ربكم يقول: من
صلى الصلاة لوقتها وحافظ عليها ... " الحديث، وفيه:
إ ومن لم يصل لوقتها، ولم يحافظ عليها، وضيَّعها استخفافاً بحقها؛ فلا
عهد له، إن شئت؛ عذبته، وإن شئت؛ غفرت له ".
رواه أحمد (4/ 244) ، والطبراني (19/ 311 - 314) ، والطحاوي في "مشكل
الآثار" (4/225 - 226) من طرق عن الشعبي وغيره عن كعب، وبعضها صحيح؛
فهو كحديث عبادة بن الصامت الذي فيه نحوه بلفظ:
! ... ومن لم يأت بهن؛ فليس له عند الله عهد، إن شاء؛ عذبه، وإن شاء؛
غفرله ".
رواه مالك وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (452 و 1276) .
ولكن ليس يصح بوجه من الوجوه اعتبار هذه الفقرة من هذا الحديث
الصحيح شاهداً لهذا الحديث المنكر؛ لأنه لا يخفى على الفقيه اللبيب أن الأقل
معنى لا يمكن أن يشهد على الأكثر معنى - وهذا هو الواقع هنا - فإن مجرد
اشتراكهما في الدلالة على أن تارك الصلاة كسلاً ليس كافراً؛ لا يعني اشتراك
الشاهد مع المشهود له في الجانب الآخر الذي تفرد به - وهو قوله: " أجبت بالذي لو
اطلع عليه كثير ... " -؛ فهو شاهد قاصر!
وهذا من دقيق الفقه في الحديث، يرجى التنبه له. فقد رأيت كثيراً من
الكاتبين المعاصرين لا يلحظون هذا. من ذلك أنني رأيت المذكور بعد أن ضعف
حديث: " ... ولا تتركوا الصلاة متعمدين، فمن تركها متعمداً؛ فقد خرج من(13/82)
الملة"، وخرجه وتكلم عليه بكلام جيد، فإنه بعد قليل قال (ص 205) :
" إلا أن الحديث يتقوى بشواهده، ومنها: "من ترك صلاة مكتوبة؛ فقد برئت
منه ذمة الله " ... "!
قلت: فهذا كذاك؛ لأنه لا يشهد للخروج من الملة، أي: أن وعيد الشاهد
دون وعيد المشهود له؛ بدليل أن المومى إليه قد حمل هذا الشاهد (ص 88) على أن
المقصود براءة دون براءة الذمة من الكفار؛ أي: أنه أريد بها براءة دون براءة - كما
قلنا: كفر دون كفر، وشرك دون شرك -، أي: أنها براءة لا تخرج من الملة، وبالتالي
لا توجب الخلود في النار".
هذا كلامه، وهو مقبول منه وجيد في تفسير البراءة، ولكني - والله! - لا
أدري كيف [يكون] هذا الحديث المؤوَّل شاهداً لحديث الخروج من الملة؟! فإنه لا
يستطيع - في ظني - أن يتأوله بأن يقول: خروج دون خروج! بلى، لقد فعل
ذلك، وقال (ص 205) ما نفيته! فسبحان ربي!
هذا وقد بقي لدي شيء أريد أن أذكره زيادة على ما تقدم من الأدلة على
نكارة حديث الترجمة: أن عبد الواحد بن زياد قد قال: ثنا قدامة بن عبد الله: ثنا
جسرة بنت دجاجة قالت:
خرجنا عُمَّاراً فوردنا الرُّبَذة ... الحديث بطوله.
أخرجه ابن نصر في "قيام الليل " (ص 59) .
فقد لاحظت أنه ليس فيه حديث الترجمة ولا قول ابن مسعود: لا أسأله
عن شيء ... بل فيه عكسه تماماً؛ ففيه:
فلما أصبح؛ قلت لعبد الله بن مسعود: إن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل الليلة كذا(13/83)
وكذا، فلو سألته عن ذلك، فقال عبد الله: بأبي وأمي يا رسول الله! قمت الليلة
بآية واحدة، بها تركع وبها تسجد، وبها تدعو، وقد علمك الله القرآن كله؟ قال:
" إني دعوت لأمتي ".
هذا آخر الحديث عنده؛ فليس فيه حديث الترجمة كما سبق. وإن مما لا
يخفى على العارفين بهذا العلم أن تلوّن الراوي في رواية الحديث تطويلاً واختصاراً،
وزيادة ونقصاً، وتناقضاً؛ دليل على أنه لم يتقن حفظه ولم يضبطه، وإذا كان من
دون جسرة من الرواة كلُّهم ثقاتاً؛ فالحمل حينئذٍٍ عليها، وهي علة الحديث. والله
أعلم.
(تنبيه) : ذكر السيوطي في "الدر المنثور" (2/ 350) حديث الترجمة من رواية
ابن مردويه عن أبي ذر مختصراً (قال: قلت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بأبي أنت وأمي يا رسول
الله ... ) إلخ دون قوله: (فانطلقت ... قذفة بحجر) ... ففاته أنه في "المسند"!
6038 - (ما يمنع أحدكم إذا عسر عليه أمر معيشته، أن يقول إذا
خرج من بيته: بسم الله على نفسي ومالي وديني، اللهم! رَضِّني
بقضائِك، وبارك لي فيما قُدِرَ لي، حتى لا أحب تعجيل ما أخَّرْتَ ولا
تأخير ما عجَّلْتَ) .
ضعيف جداً.
أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (324) ، وابن عدي
في "الكامل " (5/1883) عن يحيى بن سعيد عن عيسى بن ميمون عن سالم
عن ابن عمرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره، وقال ابن عدي -
وقد ذكره في ترجمة عيسى بن ميمون -:
"ولعيسى بن ميمون غيرُ ما ذكرت من الحديث، وعامة ما يرويه لا يتابعه
عليه أحد".(13/84)
ذكره في ترجمة عيسى بن ميمون الجرشي المديني أبي يحيى، وهذا من
أوهامه رحمه الله، فإن الجرشي هو المعروف بابن دايَةَ المكي، روى عن عبد الله بن
أبي نجيح وقيس بن سعد ومجاهد، وعنه السفيانان وغيرهما، وهو ثقة. وهو غير
عيسى بن ميمون هذا الراوي عن سالم، وعنه يحيى بن سعيد - وهو العطار
الحمصي -، وهو ممن اتفقوا على تضعيفه، إلا رواية عن ابن معين؛ فإنه قال:
" ليس به بأس ".
وقد فرَّقوا بينهما؛ فقال ابن أبي حاتم عن أبيه في الأول:
" ثقة ". وفي الآخر:
"متروك الحديث ". وقال البخاري:
" منكر الحديث ". وهو مولى القاسم بن محمد. وسكت عن الأول. وقال
الدارقطني في " العلل " (2/238) :
"وهو متروك. حدث عن سالم ونافع ".
وإن مما يؤيد وهم ابن عدي أنه لم يذكر في ترجمة (جَرَشِيِّهِ) (!) أحداً من
شيوخه والرواة عنه ممن ذكرتهم آنفاً، وإنما ذكر فيها شيوخه والرواة عنه ممن ذكروهم
في "تهذيب المزي " وغيره.
ويحيى بن سعيد العطار الحمصي، ضعفه الجمهور، بل قال ابن حبان في
"الضعفاء" (3/123) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات؛ لا يجوز
الاحتجاج به، ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار لأهل الصناعة".
قلت: وكما اختلط عيسى بن ميمون راوي هذا الحديث على ابن عدي(13/85)
بغيره؛ كذلك اختلط على ابن الجوزي وغيره بغيره، وبيان ذلك في الحديث الآتي
بعد هذا.
ثم رأيت ابن حبان قد صرح بالتفريق بينهما في ترجمة ابن داية الجرشي من
" الثقات "؛ فقال (8/ 489) :
" ... مستقيم الحديث، وليس هذا بعيسى بن ميمون صاحب القاسم بن
محمد، ذاك واهٍ؛ أدخلناه في (الضعفاء) ".
6039 - (مَنْ مَرِضَ ليلةً فَقَبِلها بقَبُويها وأدَّى الحقَّ الذي يَلْزَمُه
فيها، كُتِبَتْ له عِبادةُ [أربعينَ] (1) سنةً، وما زادَ فعلى قَدْرِ ذلك) .
موضوع.
أخرجه بَحْشَلُ في "تاريخ واسط " (ص 180) قال: ثنا أحمد بن
علي الباهلي، قال: ثنا أبو سلمة عيسى بن ميمون، قال: ثنا الحكم بن ظهير
عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو سلمة عيسى بن ميمون، وهو الخواص الواسطي؛
كما ذكر بحشل، وفي ترجمته ساق الحديث، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً - كما
هي عادته -! لكن أورده ابن حبان في "الضعفاء" (2/ 120 - 121) وقال:
"يروي عن السدي وغيره العجائب، روى عنه أحمد بن سهل (*) الوراق؛ لا
يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، روى عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة ... ". فذكر
الحديث.
قلت: وهذا غير عيسى بن ميمون الراوي عن سالم الحديث الذي قبله؛ هذا
__________
(1) زيادة من " الموضوعات " و "المجروحين" و "الميزان " وغيرها.
(*) كذا في أصل الشيخ؛ تبعاً لنسخته، وفي أخرى: " سهيل " وهو الصواب. (الناشر) .(13/86)
واسطي، وذاك مدني، والتبس هذا بذاك على ابن الجوزي ومن تبعه؛ فقد أورده
في "الموضوعات " (3/203) من طريق عيسى بن ميمون الخواص وقال:
"حديث لا يصح. قال يحيى: عيسى بن ميمون ليس حديثه بشيء، وقال
النسائي: متروك الحديث ".
وقد تبعه السيوطي في "اللآلي" (2/ 401) ، ثم ابن عراق قي "تنزيه الشريعة"
(2/356) ! وهذا: هو مولى القاسم بن محمد المتقدم، وفيه قال ابن معين قوله
المذكور: "ليس حديثه بشيء". وقال النسائي: "ليس بثقة".
وأما قوله: "متروك الحديث "؛ فإنما هو قول أبي حاتم - كما تقدم في الحديث
الذي قبله -، وأما النسائي فقال فيه: "ليس بثقة" - كما في "الميزان " -، وفرق
أيضاً الذهبي بينه وبين أبي سلمة هذا الخواص - تبعاً لابن حبان -، وهو الصواب.
هذا وقد زعم السيوطي أن الخواص هذا لم يتفرد به؛ بل تابعه الحكم بن
ظهير؛ أخرجه أبو الشيخ في "الثواب " من طريق أحمد بن سهل بن قرة عن الحكم
ابن ظهير عن السدي ... به.
وتعقبه ابن عراق بقوله:
"قلت: الحكم بن ظهير رمي بالكذب والوضع؛ فلا يصلح تابعاً، على أن
الحديث عند ابن النجار في "تاريخه " عن عيسى بن ميمون عن الحكم عن
السدي. والله تعالى أعلم ".
قلت: وكذلك هو في "تاريخ واسط " - كما رأيت، وهو مصدر عزيز -؛ فاتهما
عزو الحديث إليه.
ثم إنني أظن أن ابن النجار رواه من طريق بحشل، فإن السيوطي ساق إسناده(13/87)
من شيخه إلى مسلم بن سهل: حدثنا أحمد بن سهل بن علي الباهلي: حدثنا
أبو سلمة عيسى بن ميمون ... فذكره.
ومسلم بن سهل - هكذا وقع في "اللآلي"؛ (مسلم) ... والصواب: (أسلم) ،
وهو - اسم (بحشل) فهو: (أسلم بن سهل الرزاز) ؛ المعرف بـ (بحشل) ، وهو حافظ
ثقة معروف.
وأما شيخه أحمد بن سهل بن علي الباهلي، فهو من شيوخه الذين أكثر
عنهم في "التاريخ " (ص 42 و46 و64 و68 و70 و91 و93 و156 و172 و180 و187
و217) ، ولكني لم أجد له ترجمة عنده ولا عند غيره! والله أعلم.
6040 - (كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أشرف على أرض يريد دخولها؛
قال: اللهم! إني أسألك من خير هذه الأرض، وخير ما جَمَعْتَ فيها،
وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها، اللهم ارزقنا حياها،
وأعذنا من وباها، وحبِّبْنا إلى أهلها، وحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إلينا) .
موضوع.
رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (168/ 521) عن الحسن
ابن الحكم عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: ...
فذكره.
قلت: وهذا موضوع بهذا التمام؛ آفته عيسى بن ميمون - وهو مولى القاسم
ابن محمد -، وهو واهٍ جدّاً - كما يشهد بذلك ما تقدم نقله عن أئمة هذا الشأن
فيه تحت الحديث (6038) -.
ولبعضه شاهد من حديث ابن عمر قال:
كنا نسافر مع رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا رأى القرية يريد أن يدخلها؛ قال:(13/88)
"اللهم! بارك لنا فيها - (ثلاث مرات) -، اللهم! ارزقنا جناها (1) ، وحببنا إلى
أهلها، وحبب صالحي أهلها بنا".
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1/292/4891) و"الدعاء" (2/1189/836)
من طريق مبارك بن حسان عن نافع عنه. وقال:
"لم يروه عن مبارك بن حسان إلا إسماعيل بن صبيح ".
قلت: هو صدوق، والعلة من شيخه مبارك؛ فإنه لين الحديث - كما قال
الحافظ في "التقريب " -. وأما الهيثمي فقال في "المجمع " (10/134) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وإسناده جيد "!
نعم قد صح الحديث من طرق أخرى عن صهيب وغيره؛ دون قوله: "اللهم!
ارزقنا حياها ... " إلخ، وهو مخرج في "الصحيحة" (2759) .
6041 - (هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام، فمن حج البيت
أو اعتمر فهو ضامن على الله، فإن مات؛ أدخله الجنة، وإن رده إلى
أهله رده بأجر وغنيمة) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/216/1/9190) : حدثنا المقدام:
حدثنا خالد بن نزار: ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير: ثنا أبو الزبير عن
جابر: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن أبي الزبير إلا محمد بن عبد الله بيت عبيد بن عمير".
__________
(1) كذا في المصدرين الآتيين، وفي "مجمع البحرين": "حاها" ... بدون نقط. وفي
"مجمع الزوائد": "حياها" ... بالمثناة التحتية، و"الحيا": الخصب وما يحيا به الناس".
و"الجنا": اسم ما يجتنى من الثمر؛ كما في "النهاية ".(13/89)
قلت: وهو واهٍ جدّاً؛ قال البخاري:
"منكر الحديث ". وقال النساثي:
"متروك ".
وبهذا أعله الهيثمي (3/209) ، وأشار المنذري في "الترغيب " (2/102) إلى
تضعيفه.
والمقدام - هو: ابن داود الرعيني - في " الميزان ":
"قال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن يونس وغيره: تكلموا فيه ".
لكني وجدت للحديث طريقاً أخرى، فقال أبو الوليد الأزرقي قي "أخبار
مكة" (2/3) : حدثني جدي عن الزَّنْجِيِّ عن أبي الزبير المكي ... به.
قلت: والزنجي هذا - هو: مسلم بن خالد -: قال الحافظ:
"فقيه، صدوق كثير الأوهام ".
قلت: وشيخه أبو الزبير المكي مدلس، وقد عنعنه. فإن سلم من سوء حفظ
الزنجي؛ فالعنعنة هي العلة، وأما قول سيد سابق في "فقه السنة" (1/627) :
"وروى ابن جريج - بإسناد حسن - عن جابر ... ! فذكر الحديث؛ فما أظن
أنه من غير طريق أبي الزبير هذه، وهذا إن سلم من عنعنة ابن جريج أيضاً؛ فكثيراً
ما يأتي بعض الأحاديث من طريقه عن أبي الزبير عن جابر معنعناً منهما معاً.
أقول هذا وإن كان لا يحضرني الآن المصدر الذي نقل منه هذا التحسين ولا
ذكر من رواه!
وأبو الوليد مؤلف "الأخبار" لا أعرف حاله في الرواية؛ فإنه غير مترجم في
كتب رجال الحديث. والله أعلم.(13/90)
6042 - (كان يدعو؛ يقولُ: اللهم! قَنِّعْني بما رَزَقْتَني وباركْ
لي فيه، وأَخلِفْ علي كلَّ غائبةٍ لي بخيرٍ) .
ضعيف.
أخرجه الحاكم (1/ 510) : أخبرني أبو عبد الله محمد بن الخليل
الأصبهاني، ثم قال: (2/356) : أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق، قال الأول:
ثنا، وقال الآخر: أنبأ، ثم اتفقا: ثنا محمد بن سعيد بن سابق: ثنا عمرو بن أبي
قيس عن عطاء بن السائب - زاد الأول: [عن يحيى بن عمارة]- عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال: ... فذكره مرفوعاً، وقال في الموضعين:
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
ونقل ابن علان في "شرح الأذكار" (4/383) عن الحافظ ابن حجر أنه قال:
"هذا حديث حسن، وعمرو قديم السماع من عطاء، ويحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا"!
قلت: وفي هذا الكلام نظر من وجوه:
الأول: قوله: "حديث حسن "؛ مفهومه أن إسناده غير حسن ... وهو كذلك
كما سيأتي بيانه؛ فهو يعني - إذن - أنه حسن لغيره، إما لمتابعة أو شاهد، فهل
شيء من ذلك؟ لا؛ كما يأتي.
الاني: أن يحيى بن عمارة هو الكوفي، وليس بالأنصاري المديني - وهذا ثقة
من رجال الشيخين، وأما الكوفي فليس كذلك -؛ فقد ذكره عقب الثقة، وقال:
" وعنه الأعمش، وذكره ابن حبان في (الثقات) ".
قلت: وابن حبان معروف بتساهله بالتوثيق - كما كررنا مراراً تنبيهاً للغافلين؛(13/91)
الذين لا يعلمون أن ابن حبان كثيراً ما يوثق المجهولين أو المستورين -، وقد أشار
الذهبي أن هذا منهم بقوله في "الميزان ":
"تفرد عنه الأعمش ".
ولذلك أشار أيضاً إلى توهين توثيق ابن حبان بقوله في "الكاشف ":
"وعنه الأعمش. وُثِّق ". وكذلك فعل الحافظ حيث قال في "التقريب ":
"مقبول ". أي: عند المتابعة، ولا متابع له مرفوعاً - كما سيأتي -.
الثالث: أن الراوي اضطرب في إسناده: فمرة ذكر يحيى بن عمارة في
إسناده، ومرة لم يذكره - كما رأيت -، ولست أدري ممن هذا؟ وكدت أن أقول: إنه
من ابن سابق - ولكنه ثقة -، مع احتمال أن يكون ذلك من عطاء بن السائب؛
فإنه كان قد اختلط؛ فلعله حدث به في اختلاطه.
لكن الحافظ كأنه أشار إلى أن رواية عمرو بن أبي قيس - وهو الرازي - سمع
منه قبل الاختلاط بقوله:
" ... قديم السماع من عطاء".
لكني في شك كبير - من إفادة قِدَم السماع - أنه لم يسمع منه بعد ذلك، ألا
ترى أن الحافظ نفسه قد ذكر أن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط
وبعده؛ على أنني لم أر أحداً نص على أن سماع عمرو بن أبي قيس من عطاء قبل
الاختلاط. وقد استقصى أسماء الذين رووا عنه قبل الاختلاط الشيخ ابن الكيال
في "الكواكب النيرات " (ص 322 - 332) وليس فيهم عمرو هذا! والله أعلم.
واعلم أته لا يزيل الاضطرابَ المذكور قولُ الحارث بن نبهان: حدثنا عطاء بن
السائب عن سعيد بن جبير ... به، فلم يذكرفيه يحيى بن عمارة.(13/92)
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (ص 91/ 50) بإسناده عنه.
ذلك لأن الحارث هذا متروك - كما في "التقريب " -، لكن في "العلل " لابن
أبي حاتم (2/185) أنه ذكر فيه يحيى بن عمارة، والذي لم يذكره هو: وهيب بن
خالد، فقال:
"سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن أبي قيس والحارث بن نبهان الجرمي
عن عطاء بن السائب عن يحيى بن عمارة عن سعيد بن جبير ... (قلت: فذكره
مختصراً، ثم قال:) ورواه وهيب بن خالد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن
جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ. قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: ما يدرينا؟ مرة قال كذا، ومرة
قال كذا".
قلت: ووهيب سمع من عطاء بعد الاختلاط أيضاً؛ فلا تعطي روايته عنه
ترجيحاً لأحدِ وَجهي الاضطراب من جهة، ولا يعطي للحديث قوةً من جهة
أخرى.
وأما متابعة الحارث بن نبهان فلا يستشهد بها؛ لما عرفت من شدة ضعفه،
سواء كانت متابعته على ما روى السهمي، أو على ما ذكر ابن أبي حاتم عنه.
وكذلك لا يفيد الحديث قوة قول سعيد بن زيد: ثنا عطاء بن السائب: ثنا
سعيد بن جبير قال:
كان ابن عباس يقول: احفظوا هذا الحديث - وكان يرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وكان يدعو به بين الركنين -:
" رب! قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير".
أخرجه الحاكم (1/455) وقال:(13/93)
"صحيح الإسناد، ولم يخرجاه؛ فإنهما لم يحتجا بسعيد بن زيد أخي حماد
ابن زيد"! ووافقه الذهبي على التصحيح!
وفي ذلك نظر من وجهين:
الأول: أن سعيد بن زيد قد تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه، وفي
" التقريب ":
"صدوق له أوهام ".
والآخر: أنه - أعني: سعيداً هذا - مع ضعف حفظه لم يذكر في الرواة الذين
سمعوا من عطاء قبل الاختلاط. فمدار الحديث على عطاء؛ فهو العلة: لاختلاطه،
وعدم ثبوت تحديثه بالحديث قبل اختلاطه.
ثم رأيت ابن علان قد نقل (4/382 - 383) عن الحافظ أنه قال في رواية
الحاكم هذه:
"حديث غريب، أخرجه الحاكم وقال: (فذكر كلامه المتقدم، وبعض ما قيل
في سعيد بن زيد، ثم قال:) وضعفه قوم من جهة ضبطه، وأخرج له مسلم
متابعة، والبخاري تعليقاً، ومقروناً، هو (يعني: عطاء بن السائب) ممن اختلط،
وسماع سعيد منه متأخر، لكنه لم ينفرد به فقد أخرجه سعيد بن منصور عن
خلف بن خليفة، وخالد بن عبد الله كلاهما عن عطاء - أي: وهو شيخ سعيد بن
زيد فيه -، عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... موقوفاً عليه. وهما أحفظ من
سعيد برفعه من هذا الوجه. وقد تابعه على رفعه من هو أوثق منه، لكن زاد في
السند رجلاً، وأطلق في المتن ... ".
قلت: ثم ذكر حديث الترجمة من رواية الحاكم الأولى. وكأنه لم يستحضر.(13/94)
الرواية الأخرى التي ليس في سندها الرجل - وهو: يحيى بن عمارة، وسبق بيان
ذلك، وأنه اضطراب من بعض رواته، مع الرد على الحافظ تحسينه للحديث؛ فتذكر -.
وفد تابع [أسباط] (*) خلفاً وخالداً على وقفه، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف "
(4/109) : نا أسباط بن محمدعن عطاء عن سعيد بن جبير قال:
كان من دعاء ابن عباس الذي لا يدعُ بين الركن والمقام أن يقول: رب!
قنعني ... ، والباقي كحديث الترجمة.
قلت: وأسباط بن محمد ثقة من رجال الشيخين؛ فالوقف هو المحفوظ عن
عطاء بن السائب.
وقد روي كذلك من وجه آخر؛ ولكنه مظلم. فقال الأزرقي في "أخبار مكة"
(1/340 - 341) : حدثنا جدي: أخبرنا سعيد بن سالم عن عثمان بن وساج
قال: وأخبرني ياسين قال: أخبرني أبو بكر بن محمد عن سعيد بن المسيب ...
قال: وأخبرت أن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان يقول بين الركنين: اللهم!
قنعني ... إلخ، وزاد: إنك على كل شيء قدير.
وهذا سند واهٍ؛ مسلسل بالعلل:
1 - سعيد بن سالم: فيه ضعف من قبل حفظه، وهو مترجم في "التهذيب ".
2 - 4 - عثمان بن وساج واللذان فوقه: لم أعرفهم.
5 - ومُخبِر سعيد بن المسيب: لم يسم.
والخلاصة: أن الحديث لا يصح مرفوعاً ولا موقوفاً. ومداره على عطاء بن
السائب، و - هو مع اختلاطه - اختلفوا عليه: فمنهم من رفعه، ومنهم من أوقفه،
__________
(*) سقطت من أصل الشيخ رحمه الله تعالى؛ ويقتضيها السياق.(13/95)
ومنهم من أطلق الدعاء فيه، ومنهم من قيده بما بين الركنين اليمانيين، والظاهر أن
ذلك من آثار اختلاطه.
والطريق الأخير ترجح الوقف؛ لولا ما عرفت ما فيها من انعلل والضعف.
والله أعلم.
(فائدة) : تقدم عن الذهبي أن الأعمش تفرد بالرواية عن يحيى بن عمارة.
وكذلك جاء في "التهذيب " وغيره، لكن أفاد ابن أبي حاتم (4/2/175) أنه روى
عنه أيضاً عطاء بن السائب، وإسناد هذا الحديث يؤيد قوله؛ لولا ما فيه من
الاضطراب - كما سبق -.
(تنبيهات) :
الأول: حديث سعيد بن زيد المتقدم برواية الحاكم عزاه الحافظ في "التلخيص
الحبير" (2/248) لابن ماجه أيضاً! وقلده في ذلك الزَّبيدي في "شرح الإحياء"
(4/ 351) ! وذلك وهم.
الثاني: من التخريج السابق - مع استغراب الحافظ لحديث سعيد بن زيد
المرفوع - تعلم خطأ قول ابن علان - قبيل نقله لكلام الحافظ -:
"ومن المأثور ما في "المستدرك " بسند صحيح عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يقول بين الركنين ... "!
الثالث: ذكر السيوطي الدعاء المذكور في هذا الحديث في أدعية "الجامع
الكبير" (رقم 10030/ طبع مصر) وقال:
" (ك) عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو بهذا الدعاء بين الركعتين:
اللهم! ... وذكره ".(13/96)
كذا! وقع فيه "الركعتين " ... مكان "الركنين "، ولعله خطأ مطبعي. ثم إنني
لم أر الحديث في النسخة المصورة من مخطوطة دار الكتب المصرية. والله أعلم.
الرابع: سبق عن الحاكم أن مسلماً لم يحتج بسعيد بن زيد - وهو الموافق
لعدم ذكر الحافظ القيسراني إياه في كتابه "رجال الصحيحين " -، وهذا خلاف ما
في "التهذيب " وفروعه كـ "التقريب ". وقد أزال الإشكال الحافظ في قوله المتقدم:
"أخرج له مسلم متابعة" فخذها فائدة عزيزة من هذا الحافظ جزاه الله خيراً.
الخامس: تقدم في أول هذا التخريج عن الحافظ أن: "يحيى بن عمارة أخرج
له أحمد والترمذي والنسائي حديثاً غير هذا".
فأقول: هو من رواية الأعمش عن يحيى، لكن إطلاق العزو للنسائي يوهم
أنه عنده في "السن الصغرى"، وليس كذلك؛ وإنما في "الكبرى" له في "التفسير"
- كما في "تحفة المزي " - (4/456) ، وفي "التفسير" أخرجه الترمذي أيضاً من
"سننه " (8/361/3230) ، وهو في " مسند أحمد" (1/227 - 228) ، وأخرجه
الطبري في "التفسير" (23/79) ، والبيهقي في "السنن " (9/188) وفي "الدلائل "
(2/ 345) ، وقال الترمذي:
"حديث حسن ". زاد في بعض النسخ: "صحيح "!
قلت: وهذا التصحيح أبعد ما يكون عن الصواب؛ لما عرفت من حال يحيى
ابن عمارة من الجهالة. على أن تحسينه ليس للإسناد، وإنما للمتن، ولا أعلم له
شاهداً بهذا التمام، والقصة في "صحيح مسلم " (1/ 41) وغيره من حديث أبي
هريرة مختصراً جدّاً؛ فهو شاهد قاصر. والله سبحانه وتعالى أعلم.
السادس: قال السيوطي في "الدر المنثور" (4/ 130) :(13/97)
"وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم - وصححه - والبيهقي
في "الشعب " من طرق عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في قوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} ، قال:
القنوع، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ... " فذكر حديث الترجمة.
قلت: والتنبيه هنا يشمل أمرين:
الأول: قوله "من طرق ... "؛ يوهم خلاف الواقع الذي حررناه فيما سلف؛
فإنه لا طريق له إلا من رواية عطاء بن السائب.
والآخر: أن ابن جرير لم يرو حديث الترجمة؛ عند الآية المذكورة: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً} !
6043 - (إذا تَطَيَّبَت المرأةُ لغيرِ زوجِها فإنما هو نارٌ في شَنَار) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/166/2/7539) : حدثنا
محمد بن أبان: ثنا عبد القدوس بن محمد: حدثتني أمي حبيبة بنت منصور:
حدثتني أم سليمة بنت شعيب بن الحبحاب عن أبيها عن أنس بن مالك: أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره، وقال:
"لا يروى عن شعيب إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف مجهول؛ حبيبة وأم سليمة لم أجد لهما ذكراً في شيء
من كتب الرواة، ولا ذكرهما الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من آخر
"الميزان"، ولذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/157) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه امرأتان لم أعرفهما، وبقية رجاله
ثقات ".
وقد وجدت للحديث شاهداً، ولكنه موقوف، وإسناده واهٍ، يرويه نعيم بن(13/98)
حماد: ثنا بقية بن الوليد عن يزيدَ بنِ عبد الله الجهني عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال:
دخلت على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معها (1) ، فقال الرجل: يا أم
المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة؟ فأعرضت عنه بوجهها. قال أنس: فقلت لها:
حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة؟ فقالت: يا أنس! إن حدثتك عنها عشت حزيناً،
وبعثت وذلك الحزن في قلبك. فقلت: يا أماه! حدثينا؟ فقالت:
إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها، هتكت ما بينها وبين الله عز
وجل من حجاب.
وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها ناراً وشناراً.
فإذا استحلوا الزنا، وشربوا الخمور بعد هذا، وضربوا المعازف؛ غار الله في
سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا؛ هَدَمَها عليهم.
فقال أنس: عقوبة لهم؟ قالت: رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين، ونكالاً
وسخطة وعذاباً للكافرين.
قال أنس: فما سمعت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أنا أشد به فرحاً مني بهذا
الحديث، بل أعيش فرحاً، وأبعث حين أبعث وذلك الفرح في قلبي - أو قال: في
نفسي -. أخرجه الحاكم (4/516) وقال:
"صحيح على شرط مسلم "! وتعقبه الذهبي بقوله:
9 قلت: بل أحسبه موضوعأً على أنس، ونعيم منكر الحديث إلى الغاية، مع
أن البخاري روى عنه ".
__________
(1) كذا، رفي رواية ابن أبي الدنيا الآتية: " معه " ... ولعلها الصواب.(13/99)
قلت: هذا الإطلاق يوهم أن البخاري روى له محتجاً به، وليس كذلك؛ فإنه
إنما روى له مقروناً بغيره؛ كما قال الذهبي في "الميزان "، والحافظ في "التهذيب "،
وغيرهما ممن تقدم أو تأخر، مع قلة ما روى عنه، فقد قال الحافظ في "مقدمة
الفتح " (ص 447) :
"لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في "الصحيح " سوى موضع أو موضعين،
وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً ... ".
ثم حكى اختلاف العلماء فيه: ما بين موثِّق، ومضعِّف، وناسب له إلى
الوضع، وبسط أقوالهم في "التهذيب "، ويتلخص منها ما قاله في "التقريب ":
"صدوق يخطئ كثيراً".
قلت: ولذلك فإن الشيخ التويجري لم يصب في تعقبه - في كتابه "الصارم
المشهور" (ص 33) - الحافط الذهبيَّ - بعد أن نقل عنه ما تقدم -:
"قلت: وهذا تحامل من الذهبي على نعيم بن حماد، ولم يكن بهذه المثابة،
وإنما أنكر عليه بعض أحاديثه لا كلَّها ... ".
قلت: أوَ لا يكفي هذا في تضعيف ما تفرد به من الحديث؟! ثم قال:
"وروى عنه البخاري في "صحيحه " ومسلم في مقدمة (صحيحه) ".
قلت: قد عرفت قلة ما روى عنه البخاري، وأنه لم يحتج به. وكذلك يقال
في رواية مسلم له في "المقدمة"؛ فإنه:
أولاً: لم يرو لى فيها حديثاً مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما في تجريح عمرو بن
عبيد المعتزلي، فقد روى فيها (1/17) من طريقين عنه بسنده عن يونس بن عبيد
قال:(13/100)
"كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث ".
وثانياً: أنه روى له هذا في الشواهد؛ فقد أتبعه بالرواية بسندين آخرين عن
غير يونس تكذيبَ عمرو بن عبيد.
فإذن؛ لا قيمة لرواية الشيخين لنعيم بن حماد، وبخاصة بعد ثبوت جرح
جمع له لسوء حفظه، وكثرة وهمه، وكذلك لا قيمة لتوثيق من وثقه، الذي
جنح إليه التويجري معرضاً عن قاعدة علماء الحديث: "الجرح مقدم على
التعديل "، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه حديث عهد بهذا العلم الشريف؛ كما يدل
عليه كتابُه هذا، وكثرة الأحاديث الضعيفة التي فيه ساكتاً عنها، ومغرراً قرّاء
كتابه بها، ظنّاً منهم أنه لا يسكت عن الضعيف!
وإن مما يؤكد ما ذكرته أمرين اثنين:
الأول: أنه وقف عند جوابه عن إعلال الذهبي الحديث بنعيم بن حماد، فرد
عليه بما عرفت وهاءه، ثم أتبعه بقوله:
"وأيضاً، فلم ينفرد نعيم بهذا الحديث، بل قد تابعه عليه محمد بن ناصح،
رواه عن بقية بن الوليد بنحوه. رواه ابن أبي الدنيا، فبرئ نعيم من عهدته. والله
أعلم ".
وأقول: كلا؛ لأن التبرئة لا تَحَقَّقُ إلا إذا ثبتت عدالة محمد بن ناصح هذا؛
لاحتمال أن يكون مجهولاً، أو يسرق الحديث أو غير ذلك من العلل القادحة، وقد
ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/324) برواية محمد بن الليث (الأصل:
أبي الليث) الجوهري وابن أبي الدنيا، قال: "وغيرهما"، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً.(13/101)
والأمر الآخر: أننا لو سلمنا جدلاً بالتبرئة المذكورة؛ فإنه يرد على الشيخ
مؤاخذتان هامتان:
الأولى: أن في الإسنادين علتين فوق نعيم بن حماد:
1 - بقية بن الوليد: فإنه مدلس وقد عنعنه من طريق نعيم كما رأيت، ومن
طريق محمد بن ناصح كما سترى. ومن المعروف في علم المصطلح أن العنعنة من
المدلس علة تقدح في ثبوت الحديث، وبخاصة إذا كان من مثل بقية الذي قال فيه
أبو مسهر:
(أحاديث بقية ليست نقية؛ فكن منها على تقية ".
2 - يزيد بن عبد الله الجهني: الظاهرأنه من شيوخ بقية المجهولين، فإنه لا
يعرف إلا بروايته عنه، ولم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال القديمة
الأصول؛ مثل: "تاريخ البخاري" و "الجرح والتعديل" وغيرهما، وإنما ذكره الذهبي
في "الميزان "، وساق له برواية بقية عنه عن هاشم الأوقص عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً:
، من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفي ثمنه درهم حرام ... " الحديث، وقد
سبق تخريجه برقم (844) ، وذكرت هناك أن بقية اضطرب في إسناده؛ فراجعه.
والمقصود: أن الذهبي لم يذكر في ترجمة الجهني هذا غير هذا الحديث،
وقال فيه: "لا يصح ". ووافقه العسقلاني.
قلت: فهو مجهول العين؛ فلا أدري أعلم الشيخ التويجري بهاتين العلتين أم
تجاهلهما؟! وسواء كان هذا أو ذاك: أفيجوز لمثله أن يتطاول على الحافظ الذهبي وأن
ينسبه إلى التحامل! وهو من هو في هذا العلم ونقد الرواة والمتون؟!
ومما سبق تعلم أن تصحيح الحاكم لهذا الإسناد على شرط مسلم هو من
أفحش أخطائه الكثيرة في "مستدركه "!(13/102)
والمؤاخذة الأخرى: أنه دلس على القراء: فأوهمهم بالمتابعة التي ادعاها أنها
متابعة تامة مطابقة لسياق نعيم بن حماد إسناداً ومتناً، وليس كذلك، وبيانه من
وجهين:
الأول: أن ابن أبي الدنيا قال: حدثنا محمد بن ناصح: حدثنا بقية بن
الوليد عن يزيد بن عبد الله الجهني: حدثني أبو العلاء عن أنس بن مالك: أنه
دخل على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معه، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين!
حدثينا عن الزلزلة؛ فقالت:
إذا استباحوا الزنا ... إلخ.
هكذا ساقه ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد
الشيطان " (ص 264 - طبعة الحلبي) ، ومنه نقل الشيخ التويجري - فيما أظن -،
ومن عادته أن لا يعزو إلى المصدر الذي نقل عنه، وهذا من سيئات مؤلفاته،
وبخاصة إذا كان المصدر مما لم يطبع بعد؛ ككتاب ابن أبي الدنيا هذا، وأظنه "ذم
الملاهي، له، وقد كنت استنسخته من نسخة مخطوطة الظاهرية، ثم تبين أن فيها
خرماً في منتصفها، فأهملته، ثم لا أدري أين بقيت المنسوخة.
والمقصود أن محمد بن ناصح زاد في الإسناد: (أبو العلاء) بين الجهني
وأنس. فمن أبو العلاء هذا؟ لا أدري، ولا الشيخ نفسه يدري! وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى في سرد الكنى" (1/405 - 409) فيمن يكنى بأبي العلاء - جمعاً
كثيراً من الرواة، ثلاثة منهم رووا عن أنس:
1 - يزيد بن درهم: عن أنس.
2 - صَبيح الهذلي: رأى أنساً، لين.(13/103)
3 - موسى القتبي: سمع أنساً.
1 - أما يزيد بن درهم: فهو مختلف فيه؛ فوثقه الفلاس، وقال ابن معين:
"ليس بشيء ". انظر "الميزان " و"اللسان ".
2 - وأما صَبيح الهذلي: فله ترجمة في "التاريخ الكبير" (2/2/325) - وهو
عمدة الذهبي في قوله: "رأى أنساً "، وتمامه عنده: " ... ينبذ له في جرة" -،
وذكره ابن حبان في "الثقات " (4/385) :
"يروي عن أنس بن مالك، وعنه حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار".
3 - وأما موسى القُتَبي: فذكره البخاري وابن أبي حاتم برواية حماد بن سلمة
عنه، ولا أستبعد أن يكون الذي قبله، ويكون "صبيح " لقباً له. ولعل عدم ذكر
ابن حبالت له بترجمة مفردة يشعر بذلك. والله أعلم.
وجملة القول: أن أبا العلاء في سند ابن أبي الدنيا لا يعرف من هو من بين
هؤلاء الثلاثة. فإن كان أحدهم؛ فليس فيهم من تطمئن النفس للثقة بعدالته
وحفظه.
هذا هو الوجه الأول مما يؤاخذ عليه الشيخ.
والوجه الآخر: - وهو الأهم -: أنه ليس في رواية ابن أبي الدنيا الفقرتان
الأوليان المتعلقتان بالمرأة تخلع ثيابها وتَطَيَّبُ لغير زوجها - وهما موضع الشاهد في
بحث الشيخ -، فلو أن سند الرواية كان صحيحاً؛ لم يجز للشيخ ولا لغيره - هدانا
الله وإياه - أن يوهم القراء ما تقدمت الإشارة إليه، كما هو ظاهر. والله المستعان.
لكن مما يجب التنبيه عليه، أن الشطر الأول من حديث عائشة المتعلق
بالمرأة تخلع ثيابها قد صح من طريق أخرى عنها، ومن حديث أم الدرداء أيضاً،(13/104)
وهما مخرجان في كتابي "آداب الزفاف في السنة المطهرة" (ص 140 - 141/
الطبعة الجديدة - عمان) ، فاقتضى التنبيه، وأن سوق حديث عائشة من رواية نعيم
ابن حماد؛ إنما كان من أجل أن فيه الفقرة الثانية الشاهدة لحديث الترجمة ...
فاستلزم ذلك تحقيق الكلام فيه، وبيان أنه لا يصبح شاهداً؛ لوقفه ووهائه. والله
ولي التوفيق.
ثم إن الذي في نسخة "الأوسط " المصورة: "أم سليمة"، وفي نسخة "مجمع
البحرين في زوائد المعجمين" المصورة من مكتبة الحرم المكي: "أمي سليمة"، ولما
لم نجد لها ترجمة؛ لم نتمكن من معرفة الراجح منهما. والله أعلم.
ومن الغريب أن الشيخ التويجري حين يحاول تقوية حديث عائشة بدفاعه
عن نعيم بن حماد لا يَشْعُرُ أنه يقيم الحجة به على نفسه لقول أنس عنها:
" فأعرضت بوجهها عنه "؛ لأن الإعراض بالوجه في مثل هذه الحالة لا يتبادر
لذهن العربي إلا أن الوجه مكشوف! ولكني لا أستبعد على الشيخ أن يسلط عليه
معول التأويل حتى يخرجه عن دلالته الظاهرة؛ كما فعل في غيره من النصوص
الصريحة الدلالة على خلاف رأيه!
6044 - (كأنِّي بقومٍ يأتون مِنْ بعدي يَرْفعونَ أيْدِيَهم في الصلاة
كأنها أذناب خَيْلٍ شُمْسٍ) .
باطل بهذا اللفظ.
جاء هكذا في "مسند الربيع بن حبيب " الذي سماه
الإباضية بـ "الجامع الصحيح "! وهو مشحون بالأحاديث المنكرة والباطلة، التي تفرد
بها هذا "المسند" دون العشرات، بل المئات، بل الألوف من كتب السنة المطبوعة
منها والمخطوطة، والمشهور مؤلفوها بالعدالة والثقة والحفظ بخلاف الربيع هذا! فإنه
لا يعرف مطلقاً إلا في بعض كتب الإباضية المتأخرة التي بينها وبين الربيع قرون!(13/105)
ومع ذلك فليس فيها ترجمة عنه وافية نقلاً عمن كانوا معاصرين له أو قريباً من
عصره من الحفاظ المشهورين!
فهذا عالم الإباضية في القرن الرابع عشر عبد الله بن حميد السالمي (ت
1332) لما شرح هذا "المسند" وقدم له مقدمة في سبع صفحات؛ ترجم في بعضها
للربيع، وبالغ في الثناء عليه ما شاء له تعصبه لمذهبه؛ دون أن ينقل حرفاً واحداً
في توثيقه والشهادة له بالحفظ؛ ولو عن أحد الإباضيين المتقدمين! لا شيء من
ذلك البتة.
ولذلك لم يرد له ذكر في شيء من كتب الرجال المعروفة لدينا، ولا لكتابه
هذا "المسند" ذكرٌ في شيء من كتب الحديث والتخاريج التي تعزو إلى كتب قديمة
لا يزال الكثير منها في عالم المحطوطات، أو عالَم الغيب! وكذلك لم يذكر هذا
"المسند " في كتب المسانيد التي ذكرها الشيخ الكتاني في "الرسالة المستطرفة" - وهي
أكثر من مئة -.
ثم إننا! وفرضنا أن الربيع هذا ثقة حافظ - كما يريد الإباضيون أن يقولوا! -؛
فلا يصح الاعتماد عليه! إلا بشرطين اثنين:
الأول: أن يكون لكتابه إسناد معروف صحيح إليه، ثم تلقته الأمة بالقبول،
ولا شيء من ذلك عندهم؛ بله عندنا! فإن الشيخ السالمي - في "شرحه " المشار
إليه آنفاً - لم يتعرض لذلك بشيء من الذكر، ولو كان موجوداً لديهم؛ لسارعوا
لإظهاره، والمبالغة في تبجيله؛ توثيقاً لـ "مسند الربيع" الذفي هو عندهم بمنزلة
"البخاري" عندنا!
وشتان ما بينهما، فإن "صحيح البخاري " صحيح النسبة إليه حتى عند
الفرق التي لا تعتمد عليه - كالشيعة وغيرهم -! .(13/106)
ومن الغريب أن الشيخ السالمي ذكر في مقدمة "المسند" (ص 4) أن مرتب
"المسند" يوسف بن إبراهيم الوارجلاني ضم إليه روايات محبوب بن الرحيل عن
الربيع، وروايات الإمام أفلح بن عبد الوهاب الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم
الخراساني، ومراسيل جابر بن زيد، وجعل الجميع في الجزء الرابع من الكتاب.
قلت: ويبدو جليّاً لكل متأمل أن الشيخ نفسه لا يعلم الراوي لـ "المسند" عن
الربيع، وألا؛ لذكره كما ذكر الراوي محبوباً للضَّميمة عنه؛ وهي تشمل الجزء
الثالث والرابع منه. ومحبوب هذا مجهول عندنا، بل وعندهم فيما أظن!
وإذا كان كذلك؛ أفلا يحق لنا أن نتساءل: أفلا يجوز أن يكون الراوي
لـ "المسند" في جزئه الأول والثاني منه. راوياً كمحبوب هذا؛ مجهولاً، أو أسوأ؟!
فكيف يصح الاعتماد عليه بل أن يقال: "هو أصح كتاب من بعد القرآن " - كما
قال الشيخ المذكور في أول صفحة من مقدمته المذكورة -؟! تالله! إن هذا لهو
التعصب الأعمى؛ مهما كان شأن قائله فضلاً وعلماً!
فلا تغترَّ - أيها القارئ الكريم! - بالمقدمة المذكورة؛ فكلها مغالطات ودعاوى
فارغة، لا قيمة لها من الوجهة العلمية، ولا لمقدمة الأستاذ عزالدين التنوخي
رحمه الله وعفا عنه لشرح الشيخ السالمي لـ "المسند"؛ لأنها مستمدة من كلام
الشيخ، فهو إعادة له وصياغة جديدة من عنده؛ يذكرني مع الأسف بالمثل المعروف:
" أسمع جعجعة ولا أرى طحناً "!
بل يجوز عنده أن يكون الراوي لهذا "المسند" أسوأ من راوٍ مجهول؛ فقد
روى عنه رجل كذاب، وهذا مما حفظه لنا الإمام أحمد في كتابه "العلل " فقال
(254/1) :
"سمعت هشيماً يقول: ادعوا الله لأخينا عباد بن العوام؛ سمعته يقول:(13/107)
كان يقدم علينا من البصرة رجل يقال له: الهيثم بن عبد الغفار الطائي:
يحدثنا عن همام عن قتادة وأبيه (الأصل: رأيه) ، وعن رجل يقال له: الربيع بن
حبيب عن ضمام عن جابر بن زيد، وعن رجاء بن أبي سلمة أحاديثَ، وعن
سعيد بن عبد العزيز، وكنا معجبين به، فحدثنا بشيء أنكرته وارتبت به. ثم لقيته
بعدُ، فقال لي: ذاك الحديث اترُكْه أو دَعْهُ. فقدمت على عبد الرحمن بن مهدي،
فعرضت عليه بعض حديثه؛ فقال:
"هذا رجل كذاب، أو قال: غير ثقة". قال أحمد:
ولقيت الأقرع بمكة، فذكرت له بعض هذه الأحاديث، فقال: هذا حديث البري
عن قتادة - يعني: أحاديث همام -؛ قلبها. قال: فخرقت حديثه، وتركناه بعد".
ورواه العقيلي في "الضعفاء" (4/358) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه. وابن
عدي في "الكامل " (7/3563) مختصراً.
وله ترجمة في "لسان الميزان " بفوائد زائدة، من ذلك أن الهيثم هذا كان أعلم
الناس بقول جابر بن زيد.
قلت: وضمام هذا - هو: ابن السائب - له في "مسند الربيع " من روايته عنه
مباشرة ثلاثة أحاديث (رقم 112 و520 و 688) ، قال في الأول منها: بلغني عن
ابن عباس ... فذكر حديثاً منكراً. وقال في الآخرين: عن جابر بن زيد عن ابن
عباس ... فذكر حديثين؛ الآخر منهما منكر. ولعله ييسر لي أن أفردهما بالذكر.
وربيع بن حبيب هذا المذكور في "العلل " هو الإباضي هذا صاحب "المسند"
ويقال فيه: الأزدي الفراهيدي؛ فهو غير الربيع بن حبيب الحنفي أبو سلمة
البصري المترجم في "التهذيب " تمييزاً بينه وبين آخر يكنى بأبي هشام الكوفي
الأحول.(13/108)
والمقصود: أن الهيثم هذا تبين أنه ممن روى عن الربيع بن حبيب؛ فمن
المحتمل أن يكون هو الراوي عنه "مسنده " هذا في جزئيه الأولين، فإن لم يكن هو؛
فيرد الاحتمال الآخر ... وهو: أن يكون مجهولاً كمحبوب الذي روى عنه الجزءين
الآخرين!
والخلاصة: أن الشرط الأول ليصح الاعتماد على "مسند الربيع " لم يتحقق.
وأما الشرط الآخر: فهو أن يكون شيوخ المؤلف ومن فوقه من الرواة معروفين
بالعدالة والرواية والثقة والحفظ، وهذا مفقود في شيوخه وغيرهم، وتفصيل القول
في ذلك لا يتسع المجال له هنا؛ فحسبنا على ذلك بعض الأمثلة:
أولاً: شيخه مسلم بن أبي كريمة التميمي أبو عبيدة: ذكره الذهبي في
" الميزان " وفي " المغني في الضعفاء" وقال:
"مجهول". وسبقه إلى ذلك ابن أبي حاتم، فقال (4/193) :
"سمعت أبي يقول: مجهول ". وذكره ابن حبان في "التابعين " من كتابه
إ الثقات، (5/ 401) في آخرين معه، وقال:
"رووا عن علي بن أبي طالب. إلا أني لست أعتمد عليهم، ولا يعجبني
الاحتجاج بهم لما كانوا فيه من المذهب الرديء".
قلت: وفسر الذهبي ثم العسقلاني دامذهبه الرديء" بالتشيع! ويبدو لي أنه
يعني: الخروج على علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فإنه تميمي - كما رأيت -؛ فهو يلتقي في
هذه النسبة مع عبد الله بن إباض التميمي الإباضي، قال الحافظ في "اللسان ":
"رأس الإباضية من الخوارج، وهم فرقة كبيرة، وكان هو - فيما قيل - رجع عن
بدعته؛ فتبرأ أصحابه منه، واستمرت نسبتهم إليه ".(13/109)
تلك هي حال أبي عبيدة هذا، وقد تجاهلها الإباضيون؛ فلم يعرجوا على ما
نقلناه عن أئمتنا، ولو بجواب هزيل! بل بالغوا في الثناء عليه جزافاً من أنفسهم؛
كما فعل الشيخ السالمي في مقدمة "شرحه "، وقلده - مع الأسف! - الأستاذ
التنوخي في تقدمته للشرح - وغيره -؛ بل تبجح فقال (ص: ر) :
"وقَلَّ من المشتغلين بالحديث في ديارنا الشامية وفي مصر والعراق وغيرها من
له معرفة برجال هذا "المسند"، ولذا يحسن بنا أن نعرفهم ولو بإيجاز ... ".
ثم ذكر سنة ولادته ووفاته (95 - 158) ، وأن من شيوخه جابر بن عبد الله
الأنصاري الصحابي الجليل!
فأقول: وهذا - والله! - منتهى الجهل، والتكلم بغير علم ... فإن جابراً رضي
الله عنه مات قبل الثمانين - باتفاق العلماء -، فكيف يدركه ويسمع منه من ولد
سنة (95) - أي: بعد موته بنحو (15) سنة -؟!
أضف إلى ذلك: أنه لم يعتد بما تقدم عن علمائنا من أهل السنة، وهو - فيما
أعلم - منهم ومن تلامذة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله، فهل انحرف
عنه من بعده وصار إباضياً أكثر من الإباضيين أنفسهم؟! حتى رأيت بعض هؤلاء
يحتج بكلامه على أهل السنة!
فاللهم! غفراً، وأعوذ بالله من فساد هذا الزمان وأهله، لقد بلغت به الجرأة
وعدم المبالاة بما يخرج من فيه إلى الكذب المكشوف؛ كقوله (ص: هـ) :
"ورجال هذه السلسلة الربيعية من أوثق الرجال وأحفظهم وأصدقهم؛ لم يشب
أحاديثها شائبة إنكار، ولا إرسال، ولا انقطاع، ولا إعضال "!
وهذا مخالف لواقع "مسند الربيع " هذا تماماً. وشرح ذلك يحتاج إلى تأليف
كتاب، وحسبنا الآن بعض الأمثلة الدالة على غيره.(13/110)
فهذا هو الشيخ الأول المجهول، فأين الثقة وأين الحفظ؟!
وإنك لتزداد عجباً - أيها القارئ الكريم! - إذا علمت أن الجزء الأول والثاني
من "مسند ربيعهم" كل أحاديثه - وعددها (742) - عن هذا الشيخ المجهول!!
وهو راوي هذا الحديث الباطل؛ كما يأتي قريباً إن شاء الله تعالى.
ثانياً: أبو ربيعة زيد بن عوف العامري البصري: أخبرنا حماد بن سلمة ...
قلت: فذكر له (213/825) حديثاً أصله في "الصحيحين "، لكن زاد
عليهما فيه زيادة منكرة! قال الذهبي في ترجمته من "الميزان ":
" تركوه ".
ثالثاً: قال (222/844) : وأخبرنا بشر المَريسي عن محمد بن يعلى قال:
أخبرنا الحسن بن دينار عن خَصيب بن جحدر ... إلخ. فذكر حديثاً موقوفاً على
أبي هريرة! وهو في "صحيح البخاري" مرفوع، ثم إن في آخر الموقوف أثراً عن ابن
عباس لا نعرف له أصلاً!
وبشر المريسي: هو المبتدع الجهمي الضال، قال الذهبي وغيره:
"لا ينبغي أن يروى عنه، ولا كرامة ".
وهو القائل بخلق القرآن، والإباضية معه في هذه الضلالة!
وإنما سردت إسناده ليتبين القارئ قيمة روايات هذا "المسند"؛ فإن شيخ
المريسي محمد بن يعلى جهمي متروك الحديث. وروى الربيع عنه (215/828)
مباشرة؟!
والحسن بن دينار: كذبه أحمد ويحيى، كما في "اللسان".
وخَصيب بن جَحدر: كذبه شعبة والقطان وإبن معين.(13/111)
وأما سائر رجاله - ممن فوق شيوخه في أحاديث أخرى - ففيهم جمع من
الضعفاء والمتروكين مثل: مجالد بن سيد (216/833) . وأبان بن [أبي] عياش
(217/834) : وهو متروك، ومرة روى عنه مباشرة (218/836) ، وأبو بكر الهذلي
(220/840) : وهو متروك أيضاً، ومثله جويبر عن الضحاك (220/839) ، ومرة
قال (215/829) : وأخبرنا جويبر عن الضحاك ...
والكلبي (223/846) : وهو كذاب.
هذا قُلٌّ من جُلٍّ من حال مؤلف "مسند الربيع " وبعض شيوخه ورواته،
وحينئذٍ يتبين جلياً بطلان تسمية الإباضيين ومن اغتر بهم من المنتسبين إلى السنة
له بـ "المسند الصحيح "! وأبطلُ منه قول الشيخ السالمي الإباضي المتقدم:
"إنه أصح كتاب بعد القرآن "!
أقول: إذا عرفت ما تقدم؛ فإنه ينتج منه حقيقة علمية هامة كتمها أو انطلى
أمرها على الإباضية، وهي تتلخص في أمرين:
أحدهما: أن الربيع بن حبيب هذا الذي نسب إليه هذا "المسند" لا يعرف
من هو؟
والأخر: أنه لو فرض أنه معروف ثقة؛ فإن "مسنده " هذا لا يعرف من رواه
عنه، وهذا في جزئيه الأول والثاني. وأما الجزء الثالث والراج. فراويهما مجهول
- كما تقدم -، وسيأتي ذكر بعض أحاديثه الباطلة برقم (6302) .
وحينئذٍ تسقط الثقة به مطلقاً؛ فلا غرابة أن لا نجد له ذكراً في كتب الحديث
من المسانيد وغيرها، وأن تقع فيه أحاديث كثيرة لا أصل لها!
ثم إن في إسناد هذا الحديث عنده جهالة أخرى: فإنه عنده (58/213)(13/112)
هكذا؛ أبو عبيدة عن جابر بن زيد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وأبو عبيدة هذا اسمه: مسلم بن أبي كريمة التميمي: قال أبو حاتم
والذهبي - كما تقدم -:
"مجهول ".
ثم إن حديثه هذا باطل من وجوه:
الأول: أنه لا أصل له في شيء من كتب السنة؛ لا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ولا عن
غيره من الأصحاب.
الثاني: أنه مخالف في لفظه للحديث الصحيح عن جابر بن سمرة رضي الله
عنه قال: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ،
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"عَلَامَ تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ؟! إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ
يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ".
أخرجه مسلم وأبو عوانة وابن حبان في "صحاحهم "، وهو مخرج في
"صحيح أبي داود" (916 - 918) .
ووجه المخالفة واضح جدّاً: ففيه أن الرفع المستنكر إنما هو رفع الأيدي عند
السلام في آخر التشهد، وأنه وقع في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنكره. وفي حديث الإباضية
أنه سيقع بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وقد حملوه على رفع الأيدي عند الإحرام والركوع المتواتر
فعله عن الصحابة والسلف رضي الله عنهم. فقد ترجم له مرتب "مسند الربيع بن
حبيب " يوسف بن إبراهيم السدراني الوارجلاني (ت 570) فقال:
" ما جاء في منع الاقتداء بمن يرفع يديه في الصلاة"!(13/113)
وعلى هذا مشى شارحه الشيخ عبد الله ابن حميد السالمي؛ فقال في شرحه
لحديثهم (1/317) :
" المشار إليهم في هذا الحديث هم قومنا (يعني: أهل السنة) ؛ فإنهم هم
الذين اختصوا برفع أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس، حتى نقل غير
واحد منهم الإجماع على رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ولم يتركه إلا النادر
منهم (!) فقد نقل عن مالك أنه لا يستحب. وحكاه الباجي عن كثير من
متقدميهم. ونقل عن الزيدية أنه لا يجوز رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام ولا
عند غيرها. وقيل: لم يقل بتركه منهم إلا الهادي يحيى بن الحسين وجده
القاسم بن إبراهيم. والحق: المنع ... لحديث الباب؛ وحديث جابر بن سمرة:
"ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة" رواه
مسلم. وروى الحاكم في "المدخل " من حديث أنس: "من رفع يديه في الصلاة؛
فلا صلاة له ".
وقد روى قومنا أحاديت الرفع عن العدد الكثير من الصحابة، فإن صح ذلك
- ولا أراه يصح (!) -؛ فمنسوخ بما ذكرنا (!) ، ويمكن أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع مرة واحدة؛ كما
قيل: أنه أراد أن يفضح المنافقين الذين علقوا الأصنام تحت آباطهم، فإذا رفعوا؛
أيديهم؛ سقطت وانكشفت، فيفتضحون بذلك فلا يفعلونه مرة أخرى، وإن لم
يرفعوا؛ افتضحوا بالمخالفة (!) ، وعلى الحالين فهو زجر لهم. فرواه قومنا سنة مسلوكة،
رغبوا فيها؛ بل أوجبها بعضهم، وقد كشف لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سيفعلونه بعده؛
فأخبرنا به تحذيراً بقوله: (كأني بقوم يأتون بعدي يرفعون ... ) " إا
هذا كلامه بالحرف الواحد! عامله الله بما يستحق إا
ولقد أكد لي حين وقفت عليه أن ثناء الأستاذ عز الدين التنوخي عليه - في(13/114)
تقديمه لـ "شرح مسند الربيع بن حبيب" (ص: ك) ، وقوله فيه: "أن أبحاثه تدل
على اعتدال في التحقيق، وبُعْد عن التعصب "، أن ذلك - إنما كان منه تزلفاً إليه،
ومداهنة ... ولا أقول مداراة، اللهم! إلا إن كان التنوخي لا علم عنده مطلقاً
بالأحاديث وفقهها؛ فإن شرح الشيخ السالمي لهذا الحديث وتعليقه عليه فقط يؤكد
أنه من كبار أهل الأهواء المتعصبين لمذاهبهم، والمتكلفين لرد أدلة الحق المخالفة
لهم. وإليك البيان:
أولاً: قوله: "لم يتركه إلا النادر منهم " ... هذا من عندياته؛ فإنه لم يذكر
أحداً من أهل العلم ترك الرفع عند تكبيرة الإحرام، بل هو مخالف للإجماع الذي
حكاه هو عن أهل السنة - ومنهم الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/134) -،
ومن الظاهر أنه لا يعتد بإجماعهم، ولا بما كان عليه جماهير الصحابة والسلف في
الرفع كما سيأتي.
ث! انيأ: فقد نقل عن مالك أنه لا يستحب!
فأقول: هذا كالذي قبله، والكلام في الرفع عند تكبيرة الإحرام؛ فإنه خلاف
ما في "المدونة" (1/68) و"الموطأ، (1/97) ، وخلاف ما نقله العلماء عنه كابن
رشد في "البداية": أن مذهبه الرفع عند تكبيرة الإحرام، دون أي خلاف عنه،
بخلاف الرفع عند الركوع، فعنه روايتان، رجح الباجي في "المنتقى" (1/142)
الرفع، وهو الموافق لما في " الموطأ! .
ثالثاً: قوله: "وحكاه الباجي عن كثير من متقدميهم "!
قلت: نص كلام الباجي:
"وروي عن بعض المتقدمين المنع من ذلك ".(13/115)
فأنت ترى أن الشيخ السالمي حرّف لفظة: (بعض) ... إلى: (كثير) ! فهل
كان ذلك عن غير قصد؟ الجواب في المثالين الأولين! ثم إن الباجي أشار إلى
تمريض الرواية بذلك!
رابعاً: قوله: "ونقل عن الزيدية أنه لا يجوز ... ".
قلت: فيه إيهام خبيث: أن الناقل هو الباجي! وليس كذلك؛ فهو من كلام
السالمي نفسه، فكان عليه أن يدفع الإيهام بمثل قوله: "ونقل بعضهم ... ! .
والناقل هو ابن المنذر والعبدري؛ كما في "نيل الأوطار" للشوكاني (2/149) ،
ثم رده بقوله:
"وهو غلط على الزيدية؛ فإن إمامهم زيد بن علي رحمه الله ذكر في كتابه
المشهور بـ "المجموع " حديث الرفع (1) ، وقال باستحبابه أكابر أئمتهم المتقدمين
والمتأخرين ... ".
ولذلك انتقد الشوكاني رحمه الله مؤلف كتاب "حدائق الأزهار" الذي لم
يذكر هذه السنة في (فصل سنن الصلاة) " فقال في "السيل الجرار" (1/226) :
"وكان ينبغي له أن يذكر في هذا الفصل المشتمل على ذكر سنن الصلاة:
السنة العظمى والخصلة الكبرى التي هي أشهر من شمس النهار، وهي العلم الذي
في رأسه نار؛ وذلك: سنة الرفع عند افتتاح الصلاة؛ فإنها قد ثبتت من طريق
خمسين من الصحابة منهم العشرة المبشرة بالجنة.
__________
(1) " مسند الإمام زيد" (ص 90) . واعلم أن هذا "المسند" حاله عندنا كحال "مسند الربيع
ابن حبيب " أو أسوأ؛ فإنه من رواية عمرو بن خالد أبي خالد الواسطي عن الإمام زيد.
والواسطي هذا اتفق أئمتنا على أنه كذاب وضاع؛ فراجع ترجمته في "الميزان" وغيره.(13/116)
ثم سنة الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه، ثم سنة ضَمّ اليد اليمنى على
اليسرى؛ فإن هذه سنن ثابتة بأحاديث متواترة ... ، إلخ.
خامساً: قال: "والحق: المنع ... لحديث الباب ".
قلت: قد عرفت أن الحديث منكر سنداً، باطل متناً، وإن مما يؤكد ذلك أن
ابن عباس الذي نسبوا الحديث إليه قد صح عنه من طرق أنه كان يرفع يديه عند
افتتاح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف " (2/69) ، وابن أبي شيبة أيضاً (1/235)
بسندٍ صحيح عنه.
ثم أخرجه عبد الرزاق بسند آخر صحيح عن طاوس قال:
رأيت عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير يرفعون أيديهم
في الصلاة.
قلت: فلو كان الحديث صحيحاً عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وبالمعنى الذي حملوه عليه؛
لم يخالفه ابن عباس ولا غيره من الأصحاب - كما هو ظاهر -.
سادساً: قال: "وحديث جابر بن سمرة: (ما لي أراكم ... ) " الحديث.
فأقول: هذه رواية مختصرة، قد فسرتها رواية أخري لمسلم وغيره، وبينت أن
الإنكار كان على رفع الأيدي عند السلام - كما تقدم -. وبهذا أجاب الشوكاني،
ولكنه قال عقبه:
"ورُدّ هذا الجواب بأنه قصر للعام على السبب، وهو مذهب مرجوح - كما تقرر
في الأصول -. وهذا الرد متجه؛ لولا أن الرفع قد ثبت من فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثبوتاً متواتراً
- كما تقدم -، وأقل أحوال هذه السنة المتواترة أن تصلح لجعلها قرينة لقصر ذلك(13/117)
العام على السبب، أو لتخصيص ذلك العموم على تسليم عدم القصر. وربما نازع
في هذا بعضهم فقال: قد تقرر عند بعض أهل الأصول: أنه إذا جُهل تاريخ العام
والخاص أُطْرِحَا! وهو لا يدري أن الصحابة قد أجمعت على هذه السنة بعد موته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم لا يجتمعون إلا على أمر فارقوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه. على أنه قد ثبت
من حديث ابن عمر عند البيهقي أنه قال - بعد أن ذكر أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يرفع
يديه عند تكبيرة الإحرام وعند الركوع وعند الاعتدال -:
فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى.
وأيضاً؛ المتقرر في الأصول بأن العام والخاص إذا جُهل تاريخهما؛ وجب
البناء. وقد جعله بعض أئمة الأصول مجمعاً عليه؛ كما في "شرح الغاية"
وغيره ". انتهى كلام الشوكاني رحمه الله.
ولقد كابر الزيلعي في "نصب الراية" (1/393) والمعلق عليه، فأبيا تفسير
الرواية المختصرة بالرواية المفصلة، وتجاهلا ما ذكره الزيلعي عن البخاري في رده على
الحنفية، وهو قوله:
إ ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضاً منهيّاً عنه؛ لأنه
لم يستثن رفعاً دون رفع، بل أطلق ".
ورفع اليدين في تكبيرات العيدين هو قول أبي حنيفة وصاحبيه كما في
"مختصر الطحاوي " (ص 37) ، و"الهداية" (2/43) ، وروي رفعهما في تكبيرات
الجنازة أيضاً عن أبي حنيفة، وتعجب منه ابن حزم في "المحلى" (5/128) ؛ لأنه
- كما قال - لم يأت قط عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومنعه في سائر الصلوات، وقد صح عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!(13/118)
وكابر المعلق أيضاً على "نصب الراية" (2/285) فقال عقبه:
"قلت: هذه النسبة منه أعجب ".
وأقول: لا عجب؛ فإن قول أبي حنيفة هذا منقول في "حاشية ابن عابدين "
وغيره، وعليه عمل أئمة بلْخ الحنفيين؛ خلافاً لحنفية اليوم!
سابعاً: قوله: "وروى الحاكم في "المدخل ": ... من رفع يديه في الصلاة؛
فلا صلاة له ".
قلت: هذا غاية الضلال. أن يحتج بهذا الحديث وهو موضوع باتفاق العلماء!
حتى الحنفية منهم؛ كالزيلعي والقاري، فقال في "موضوعاته":
"هذا الحديث وضعه محمد بن عكاشة الكرماني قبَّحه الله ".
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (2/96 - 98) من حديث أنس وغيره،
وقال:
"وما أبله من وضع هذه الأحاديث الباطلة ليقاوم بها الأحاديث الصحيحة!
ففي "الصحيحين، من حديث ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا افتتح الصلاة؛ رفع
يديه ... " الحديث.
وقول الشيخ الإباضي: "وروى الحاكم ... " يوهم أنه رواه بإسناده إلى محمد
ابن عكاشة! وليس كذلك؛ فإنه إنما ذكره تحت جماعة وضعوا الحديث في الوقت
لحاجتهم إليه، منهم ابن عكاشة هذا! راجع "نصب الراية" (1/404 - 405) ،
وإنما رواه ابن الجوزي بإسناده إليه، وأقره السيوطي على وضعه في "اللآلي" (2/19
و470) وغيره. انظر الكلام عليه فيما تقدم برقم (568) .
وإن احتجاج الإباضي بهذا الحديث الموضوع لهو من أكبر الأدلة على جهله(13/119)
بهذا العلم أو تجاهله، وهو هنا شر من الجهل؛ لدخوله تحت قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من حدث
عني بحديث يرى أنه كذب؛ فهو أحد الكاذبين ". رواه مسلم وابن حبان وغيرهما.
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثامنأ: قال: "وقد روى قومنا أحاديث الرفع عن العدد الكثير من الصحابة،
فإن صح ذلك - ولا أراه يصح -؛ فمنسوخ ".
قلت: هذا إعلان صريح منه أنه لا يقيم وزناً للأحاديث الصحيحة! ولو كانت
متواترة، وعمل بها الصحابة ومن بعدهم ممن سلك سبيلهم! وأن التصحيح
والتضعيف عنده خاضع لهواه! وأن من كان على شاكلته لا يفيد البحث معهم إلا
بعد الاتفاق على الأصول والقواعد. وهيهات هيهات!
وقد وقفت حديثاً على رسالة لأحدهم في الرفع وضم اليدين في الصلاة؛
ذهب فيها إلى تضعيف أحاديث الرفع والضم كلها! وإن مما يُضحك الثكلى أنه
صرح بأن حديث ابن عمر في الرفع المذكور آنفاً موضوع! وأن علته الإمام الزهري!!
وقد رددت عليه ردّاً موجزاً في مقدمة الطبعة الجديدة لكتابي "صفة الصلاة".
وأما ادعاء النسخ فقد سبق الجواب عنه من كلام الشوكاني، وفيه مَقْنَغٌ لكل
منصف. وكيف يستقيم في لُبِّ مسلم غير سكران بالهوى أن يتصور استمرار الصحابة
على الرفع بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو منسوخ؟! وقد صح عن الحسن البصري أنه قال:
كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم إذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسهم من
الركوع ... كأنما أيديهم مراوح.
وعن سعيد بن جبير: أنه سئل عن رفع اليدين في الصلاة؛ فقال: هو شيء
يزين به الرجل صلاته، كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفعون أيديهم في الافتتاح،
وعند الركوع، وإذا رفعوا رؤوسهم.(13/120)
أخرجهما البيهقي (2/ 75) .
وقال محمد بن عمرو بن عطاء: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من
أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - منهم أبو قتادة -، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قالوا: فاعرض. قال:
كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قام إلى الصلاة؛ رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه،
ثم كبر ... الحديث بطوله، وفيه الرفع عند الركوع والرفع منه، وفي آخره:
قالوا: صدقت؛ هكذا كان يصلي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخرجه أبو داود وغيره بإسناد صحيح على شرط مسلم، وصححه الترمذي وابن
الجارود وابن حبان وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (2/13/305) ، و"صحيح
أبي داود" (720) .
وماذا عسى أن يقول القائل في رجل يتجرأ على تضعيف ما تواترت صحته
عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم هو لا يخجل أن يقول؛ "ويمكن أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع لعذر مرة واحدة كما
قيل ... " إلى آخر هراثه وخرافته التي لا تعرف إلا من روايته" {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} .
6045 - (نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَعَمَلُ الْمُنَافِقِ خَيْرٌ مِنْ نِيَّتِهِ،
وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ، فَإِذَا عَمِلَ الْمُؤْمِنُ عَمَلاً؛ نَارَ فِي قَلْبِهِ نُورٌ) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/228/5942) وعنه أبو
نعيم في "الحلية" (3/255) من طريق حَاتِم بن عَبَّادِ بن دِينَارٍ الْحَرَشِيّ: ثَنَا يَحْيَى
بن قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ: ثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال أبو نعيم:(13/121)
" غريب من حديث أبي حازم وسهل، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
قلت: وهو ضعيف؛ من أجل حاتم بن عباد، فإنه لا يعرف إلا في هذا
الحديث، ولم نجد له ذكراً في كتب الرجال، وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "مجمع
الزوائد" (1/ 61) :
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله موثقون، إلا حاتم بن عباد بن دينار
الجرشي؛ لم أر من ذكر له ترجمة".
وذكر نحوه في مكان آخر (1/109) .
ولذلك ضعفه الحافظ العراقي؛ فقال في "تخريج الإحياء" (4/366) :
"أخرجه الطبراني من حديث سهل بن سعد، ومن حديث النواس بن
سمعان، وكلاهما ضعيف".
قلت: وحديث النواس مختصر، وقد مضى تخريجه برقم (2789) .
وقول الهيثمي: " ... ورجاله موثقون ... " فيه إشارة إلى أن توثيق بعضهم
ليِّن، وهو يحيى بن قيس الكندي؛ فإنه لم يوثقه أحد - فيما علمت - إلا ابن
حبان (7/608) ، ولذلك قال الحافظ في "التقريب ":
"مستور".
لكن قد روى عنه أربعة من الثقات؛ فهو صدوق - كما ذكرت في "تيسير
الانتفاع " -. والله أعلم؛ فالعلة من حاتم.
وقد توبع ممن لا تفيد متابعته. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/237) من
طريق سمعان بن مسبّح الكسي: حدثنا الرييع بن حسان الكسي: حدثنا يحيى(13/122)
ابن عبد الغفار: حدثنا محمد بن سعيد: حدثنا سليمان النخعي عن أبي
حازم ... به؛ دون قوله: "فإذا عمل المؤمن ... ".
أورده في ترجمة سمعان هذا، برواية ثلاثة عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا
تعديلاً.
والثلاثة الذين فوقه لم أعرفهم.
وأما سليمان النخعي: فهو ابن عمرو أبو داود النخعي الكذاب، له ترجمة
سيئة جدّاً في "الميزان" و "اللسان ".
وقد سئل ابن تيمية رحمه الله عن الجملة الأولى من الحديث؟
فأجاب: " هذا الكلام قاله غير واحد، وبعضهم يذكره مرفوعاً، وبيانه من
وجوه ... ".
ثم ذكرها، وهي خمس، فراجعها في "مجموع الفتاوى" (22/243 - 245) .
(تنبيه) : بعد كتابة هذا التخريج والتحقيق بزمن بعيد، نزل إلى السوق
"مجمع الزوائد" للهيثمي بتحقيق الأخ حسين سليم الداراني الدمشقي، بجزءين
له الأول والثاني، فرأيته قد قال في تخريجه (1/395) :
"ويشهد له حديث أنس عند القضاعي، وحديث النواس بن سمعان فيه
أيضاً، وإسنادهما ضعيفان ".
قلت: فعجبت منه كيف اقتصر على هذا التضعيف المجمل، وهو يرى في
إسناد حديث النواس من هو متهم - كما نبه عليه أخونا الفاضل حمدي السلفي
في تعليقه على "مسند القضاعي" (1/119) -، وفي إسناد حديث أنس متروك،
وقد بينت حالهما في المكان المشار إليه برقم (2789) . هذا أولاً.(13/123)
وثانياً: حتى لو فرض أنهما صالحان للاستشهاد بهما؛ فذلك في غير هذا
الحديث؛ لأنه أتم منهما لفظاً، وأكمل معنى. فتكون شهادتهما قاصرة. ومثل هذا
الاستشهاد القاصر كثيراً ما يقع في مثله الأخ الداراني وأمثاله من الأحداث في
هذا العلم، وقد نبهت أكثر من مرة على ذلك. والله تعالى ولي التوفيق.
6046 - (نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وإن اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيُعْطي العبدَ
على نيته ما لا يُعْطيه على عمله، وذلك أن النيةَ لا رياءَ فيها، والعملَ
يُخَالِطُه الرِّياءُ) .
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/103 - الغرائب الملتقطة)
من طريق شعيب بن إدريس عن علي بن أحمد عن أحمد بن عبد الله الهروي
عن أبي هريرة منصور بن يعقوب عن سعيد عن قتادة عن أبي بردة عن أبي
موسى ... رفعه.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته أحمد بن عبد الله الهروي، فإني أظنه الجُوَيْبَارِيَّ
الكذاب المشهور؛ فإنه من أهل هراة، ومن هذه الطبقة. قال ابن حبان في
"الضعفاء" (1/142) :
"دجَّال من الدجاجلة، كذاب، يروي عن ابن عُيَينة ووكيع وأبي ضمرة
وغيرهم من ثقات أصحاب الحديث ويضع عليهم ما لم يحدثوا. ولولا أن أحداث
أصحاب الرأي بهذه الناحية خفي عليهم شأنه؛ لم أذكره في هذا الكتاب لشهرته
عند أصحاب الحديث قاطبة بالوضع ".
ومن دونه لم أعرفهما.
ومنصور بن يعقوب: ذكره ابن عدي في "الكامل " (6/2388) ولم يكنه،
وساق له حديثين بإسناد له آخر، ثم قال:(13/124)
"له غير ما ذكرت، ويقع فِي حَدِيثِه أشياء غير محفوظة".
قلت: ومما سبق تعلم تساهل الزَّبيدي في اقتصاره في تخريج الحديث في
"شرح الإحياء" (10/15) على قوله: "سنده ضعيف "، كما تساهل في قوله:
"له طرق بمجموعها يتقوى الحديث ".
وذلك لأن أكثرها شديدة الضعف، أما هذا فقد عرفت أن فيه الهروي
الجُوَيْبَارِيَّ الكذاب.
وحديث النَّوَّاس بن سَمعان المتقدم: فيه متهم بالوضع.
ومثله حديث أنس المتقدم هناك؛ فيه ضعيف جدّاً، وفي "اللآلي المنثورة" (65) :
"أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" من جهة يوسف بن عطية عن ثابت
عن أنس ... به، وقال: هذا إسناد ضعيف. وقال ابن دحية: هذا الحديث لا
يصح؛ يوسف بن عطية: قال النسائي فيه: متروك الحديث ".
قلت: وخير طرقه طريق سهل الذي قبله؛ ففيه حاتم بن عباد الذي لم
يعرف؛ فيبقى على ضعفه لعدم وجود شاهد معتبر له.
وقد ذكر الزبيدي أن ابن الجوزي حكم على الحديث بالوضع، ولم أره في
"موضوعاته " ولا في "اللآلي المصنوعة " للسيوطي. والله أعلم.
(تنبيه) : جاء حديث سهل بن سعد في "الفردوس " بتحقيق السعيد بن
بسيوني زغلول برقم (6842) ، وحديث أبي موسى عقبه برقم (6843) . فقال
المحقق في تعليقه عليه (4/286) :
"ولم أجده من حديث أبي موسى"!
كذا قال! مع أنه قال في تعليقه على حديث سهل (4/285) :(13/125)
"6842 - إسناد هذا الحديث في زهر الفردوس (4/121) قال: أخبرنا ... "؛
فذكر إسناده إلى شعيب بن إدريس بسنده المذكور أعلاه إلى أبي موسى ... رفعه!
فتأمل هذه (اللَّخبطة) ما أعجبها؛ فهو تحت حديث سهل ساق إسناد حديث
أبي موسى، وتحت حديث أبي موسى قال: "لم أجده "!!
ثم هو إلى ذلك لما ساق إسناده؛ لم يتكلم عليه بشيء!
6047 - (إن للمرأةِ في حَمْلها إلى وَضْعِها، إلى فِصالِها من الأجر
كالمُتَشَحِّط في سبيلِ الله، فإنْ هَلَكَتْ فيما بين ذلك؛ فلها أَجْرُ
الشَّهيدِ) .
ضعيف.
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 88/1) : حدثنا
يعمر بن بشر: حدثنا ابن المبارك: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هاشم عن سعيد
ابن جبير عَنْ ابْنِ عُمَرَ - قال: أراه - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علته قيس بن الربيع، وقد تكلموا فيه كثيراً،
وكانت فيه غَفْلة، وقد شك في رفعه بقوله: "أراه "، وقد لخص الحافظ أقوالهم
فيه؛ فقال في "التقريب ":
"صدوق، تغيَّر لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه؛ فحدَّث به ".
وهذا خلاصة ما حققه فيه ابن حبان في (الضعفاء" (2/218 - 219) .
وسائر رجاله ثقات، وأبو هاشم هو الرُّمَّاني الواسطي.
(تنبيه) : يَعْمَر بن بشر هو الخراساني المروزي، وقد أعل الحديث به أيضاً
المعلق على "المنتخب"؛ فقال (2/34/799) :(13/126)
"ترجمته في "تعجيل المنفعة"، لم يوثقه معتبر"!
قلت: يشير إلى تفرد ابن حبان بتوثيقه. وهو في ذلك جارٍ على الجادَّة في
عدم الاعتداد بتوثيقه؛ لما عُرف به من التساهل في ذلك، ولكن هذا ليس على
إطلاقه - كما كنت بينته في بعض تحقيقاتي -، وسلفي في ذلك الحافظ الذهبي
والعسقلاني وغيرهما، وقد ذكر ابن حبان في ترجمته هذا من "ثقاته " (9/ 291) :
"روى عنه عثمان بن أبي شيبة، وأبو كُريب، وعبد الله بن عبد الرحمن،
وأهل العراق".
وهؤلاء كلهم من الحفاظ، وعبد الله بن عبد الرحمن هو الدارمي مؤلف كتاب
"السن، المعروف بـ "المسند"، وروى عنه أحمد بن سنان الواسطي، وحجاج بن
حمزة - كما في "الجرح والتعديل " -، وأحمد بن حنبل - كما في "التعجيل " -،
فاتفاق هؤلاء الحفاظ على الرواية عنه دون تجريح له مما يجعل النفس تطمئن للثقة
به، والاعتداد بروايته؛ فلا يعل الحديث بمثله.
ثم رأيت الحديث في "الحلية" (4/398) من طريق أخرى عن ابن المبارك ...
به. ومن طريق الطبراني بسنده عن إبراهيم بن إسحاق الصِّيني: ثنا قيس بن
الر بيع ... به. وقال:
"غريب تفرد به قيس ".
وأعله الهيثمي (4/305) بالاختلاف في قيس، وقال:
" وإسحاق بن إبراهيم الصِّيني لم أعرفه ".
وأقول: أظنه مما انقلب اسمه على بعض الرواة أو النساخ؛ فهو إبراهيم بن
إسحاق الصيني؛ قال في "الميزان ":(13/127)
" قال الدارقطني: متروك الحديث. قلت تفرد عن قيس بن الربيع ... ".
ثم ذكر حديثه المتقدم برقم (5994) .
والحديث عزاه في "المطالب العالية" (2/84) لعبد بن حميد ساكتاً عنه!
وحسَّن إسناده المعلق عليه؛ فأخطأ! واغتر به من نشر الحديث في مجلة "البنيان
المرصوص" الغراء (العدد 36 - 37 ص 75) !
6048 - (لا يبقى أحدٌ يومَ عَرَفَةَ في قلبهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ من إيمانٍ إلا
غُفِرَ له. فقال رجلٌ: أَلأَهْلِ مُعَرَّفٍ يا رسولَ الله! أم للناسِ عامةً؟ قال:
بل للناسِ عامةً) .
موضوع.
أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (ق 110/2) :
حدثني أبو الوليد القاسم بن الوليد الهَمْداني: ثنا الصَّباح بن موسى عن أبي
داود السَّبيعي عن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع، ورجاله من أبي داود فمن دونه متكلم فيهم، وآفته أبو
داود السبيعي؛ وهو الأعمى القاصُّ، واسمه: نُفَيْعُ بن الحارث، وهو متروك: قال
ابن معين:
"يضع، ليس بشيء". وكذبه السَّاجي، وقال الحاكم:
"روى عن بريدة وأنس أحاديث موضوعة ". وقال ابن حبان في "الضعفاء"
(3/55) :
"كان ممن يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات توهُّماً"، ثم تناقض فأورده في
" الثقات " (5/482) ! قال الحافظ:(13/128)
"وهو وهم منه بلا ريب، وهو هو".
والصباح بن موسى: أورده ابن أبي حاتم فقال (2/1/444) :
"روى عن أبي داود نُفَيْعُ وعمِّه مُطَرِّف بن عبد الله المديني. روى عنه إسحاق
أبن موسى الخطمي الأنصاري ومحمد بن ربيعة". وقال الذهبي في "الميزان ":
"ليس بذاك القوي، مَشَّاه بعضهم "، وقال في "المغني ":
"ليس بالمتين ".
وأما أبو الوليد القاسم بن الوليد الهَمْداني: فهكذا وقع في الأصل المصور عن
مخطوطة، وكذلك في نسخة أخرى، وكذا في المطبوعة (2/48/840) ؛ وهي
مصححة على مصورتين - كما نص على ذلك محققها -، ولا أدري إذا كانتا غير
الأوليين، والمقصود أن أبا الوليد هذا لا يمكن أن يكون من شيوخ عبد بن حميد؛
لأنه مات سنة (141) - كما في ترجمته من "التهذيب " وغيره -، وتوفي عبد بن
حميد سنة (249) ، فبين وفاتيهما أكثر من مائة سنة؛ فهو خطأ يقيناً، ولعله من
بعض النساخ، فأُلقي في النفس أنه - لعل الصواب -: (الوليد بن القاسم بن
الوليد الهمداني) ؛ فقد ذكر في "التهذيب " أنه من شيوخ عبد بن حميد - مات
سنة (183) -. ثم ترجح ذلك عندي حينما رأيت السيوطيَّ قال في تخريج الحديث
في "الجامع الكبير":
"رواه ابن أبي الدنيا في "فضل عشر ذي الحجة"، وابن النجار عَنْ ابْنِ عُمَرَ،
وفيه الوليد بن قاسم بن الوليد، قال ابن حبان: لا يحتج به ".
وليس له في "المنتخب" غير هذا الحديث.
ثم إن ابن حبان تناقض فيه؛ فذكره في "الضعفاء" (3/80 - 81) ، ونصُّ
كلامه فيه:(13/129)
"كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات؛ فخرج عن حد
الاحتجاج به إذا انفرد".
وأورده في " الثقات "، فقال (9/224) :
"كوفي، يروي عن مجالد، روى عنه عبد بن حميد وأهل العراق ".
ووثقه أحمد أيضاً. وقال ابن معين:
"ضعيف الحديث ". ولعل الصواب ما قاله ابن عدي:
"إذا روح عن ثقة، وروى عنه ثقة؛ فلا بأس به ". وفي "التقريب ":
"صدوق يخطئ ".
والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/252) بلفظ:
"إذا كان عَشِيَّةَ عرفة لم يبقَ أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان إلا
غفر له ... " الحديث. وقال:
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو داود الأعمى وهو ضعيف جدّاً".
قلت: وليس هو في المجلد الثاني عشر المطبوع من "المعجم الكبير"، فالظاهر
أنه في المجلد الثالث عشر منه، ولم يطبع بعد. والله أعلم.
وعزاه الحافظ في "المطالب العالية" (1/349/1178) لعبد بن حميد، وسكت
عنه! وكذلك فعل البوصيري - كما ذكر المعلق عليه -!
6049 - (إن الله تبارك وتعالى لعن سبطاً من الجن؛ فمسخهم دوابّ
في الأرض، فهذه الكلاب السود هي من الجن، وهي تتقيه (!) القرى) .
ضعيف جداً.
أخرجه عبد بن حميد (ق 189/ 1) من طريق أبي هارون(13/130)
العَبدي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لولا أن الكلاب أمة من الأمم؛ لأمرت بقتلها، فاقتلوا منها كل أسود بَهيم ".
قال: فقلت لأبي هريرة: ما بال أسودها من أحمرها؟ فقال أبو هريرة: قلت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قلت؛ فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً؛ أبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جُوين،
قال الحافظ:
"متروك، ومنهم - من كذبه ". وقال الذهبي في " الميزان ":
"تابعي لين بمرة، كذبه حماد بن زيد".
ومع ذلك فقد خولف في متنه؛ فقال البزار (2/71/ 228 - كشف الأستار) :
حدثنا سعيد بن بَحر القراطيسيُّ: ثنا إسحاق بن يوسف: ثنا الجريريُّ عن ثُمامة
ابن حزَن عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"اقتلوا الكلاب ".
فقال أهل المدينة: يا رسول الله! إنها تنفعنا؛ إنها تكون في غنمنا وزرعنا.
قال:
"فاقتلوا منها البهيم، والبهيم: الذي يقول الناس: إنه الجن ".
قلت: وهذا إسناد جيد؛ رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير القراطيسي، وقد
وثقه الخطيب في "التاريخ " (9/93) ، ولم يعرفه الهيثمي؛ فقال في "مجمع الزوائد"
(4/43) :
"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح؛ خلا سعيد بن بحر شيخ البزار، ولم
أجد من ترجمه "!(13/131)
قلت: والجَريري هو: سعيد بن إياس وكان تغير، وروى عنه إسحاق بن يوسف
- وهو الأزرق - بعد التغير - كما قال ابن الكَيَّال في "الكواكب " (ص 183 - 184) -،
لكن ذلك لا يضر إن شاء الله؛ لأن تغيره كان قليلاً؛ كما قاد الذهبي في "الميزان "،
وكذلك قال في "الكاشف ":
"وهو حسن الحديث ".
ففيه أن قوله؛ "من الجن " إنما هو من كلام الناس. لكن هذه الجملة: "والبهيم
الذي يقول الناس: إنه من الجن ": كأنه مدرج في الحديث؛ ليس من كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
لكن قد جاء مرفوعاً من حديث ابن عباس بلفظ:
"لولا أن الكلاب أمة [من الأمم] ؛ لأمرت بقتل كل أسود بهيم، فاقتلوا المعينة
من الكلاب؛ فإنها الملعونة من الجن ".
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (4/330/2442) : حدثنا أبو [عبد الرحمن:]
عبد الله بن عبد الرحمن العلاف: حدثنا عبد الملك بن الخطاب بن عبيد الله بن
أبي بكرة عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ.
وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/349/11979) وفي "الأوسط "
(1/159/2875 - بترقيمي) ، قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي: نا عبد الله
ابن الفضل أبو عبد الرحمن العلاف ... به. وقال:
"لم يروه عن عمارة إلا عبد الملك، تفرد به عبد الله بن الفضل ".
قلت: كذا وقع في "الأوسط "، وهو نفسه ابن عبد الرحمن؛ كما في إسناد
أبي يعلى، ووقع في "الكبير": "محمد بن عبد الرحمن العلاف ". ولا أدري إذ
كان محفوظاً؟ فإن الحافظ ذكر الوجهين الأولين في ترجمة عبد الملك، وذكر فيها(13/132)
أنه روى عنه أيضاً محمد بن عبد العزيز الرَّمْلي، وداود بن مصبح العسقلاني،
وهانئ بن المتوكل الإسكندراني، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/386) ، ثم
قال الحافظ:
"قلت: وقال ابن القطان: حاله مجهولة "، وقال في "التقريب ":
" مقبول ". وفي "الميزان ":
"مُقِلٌّ جدّاً، غمزه ابن القطان ".
قلت: والعسقلاني الذي روى عنه ذكره ابن حبان في "الضعفاء"، وأفاد أنه
كثير المناكير.
والرملي صدوق يهم - كما في "التقريب" -.
وداود بن مصبح - كذا في "التهذيب" -، وهو في "الثقات " (8/236) :
"داود بن مضحح: من أهل عسقلان. يروي عن أبي خالد الأحمر. حدثنا
عنه محمد بن الحسن بن قتيبة. مات سنة (232) . مستقيم الحديث ".
كذا وقع فيه: (مضحح) ... بالضاد المعجمة، وفي "ترتيب الثقات ":
(مصحح) ... بالصاد المهملة، ولعله الصواب.
وعبد الله بن عبد الرحمن؛ أبو عبد الرحمن العلاف، ذكره ابن حبان أيضاً في
" الثقات " (8/358) ، وقال:
"حدثنا عنه أحمد بن علي بن المثنى".
أقول: ومن ترجمة هؤلاء الرواة عن عبد الملك بن الخطاب لم تطمئن النفس
لتوثيق ابن حبان إياه! فهو مجهول الحال؛ كما قال ابن القطان - وتبعه الحافظ -،
وعليه فقول الهيثمي:(13/133)
"رواه أبو يعلى والطبراني في " الكبير" و" الأوسط "، وإسناده حسن ".
فما نراه حسناً! والله سبحانه وتعالى أعلم.
(تنبيهان) :
الأول: قوله في آخر حديث الترجمة: "تتقيه القرى" ... هذا ما أمكنني قراءته
في النسخة المصورة، ولم يظهر لي المعنى، وفي المصورة الأخرى: "ـعصه " ...
هكذا بالإهمال، وفي المطبوعة: "شقية القرى"! ومر عليها المعلق الفاضل!
والآخر: أن الشطر الأول من حديث أبي هريرة قد صح من حديث عبد الله
ابن مغفل؛ كما نراه محققاً في "غاية المرام " برقم (148) ، و"صحيح أبي داود"
(2535) ، وفيهما تحقيق سماع الحسن البصري للحديث من عبد الله بن مغفل؛ بما
لا تجده في مكان آخر. والحمد لله.
هذا؛ وقد صح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الكلب الأسود؛ شيطان " فِي حَدِيثِ أبي ذر عند
مسلم وأبي عوانة وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (699) .
6050 - (إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنَ الصُّقُّورِ يومَ القيامةِ صَرْفاً وَلا عَدْلا"،
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ومَا الصُّقُّورُ؟ قَالَ: الَّذِي يُدْخِلُ عَلَى أَهْلِهِ الرَّجُلَ) .
ضعيف.
أخرجه البخاري في " التاريخ " (4/1/304) ، والبزار (2/187/1489) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (19/294/654) ، والبيهقي في "الشعب " (7/412 -
413/ 1081) من طريق مُوسَى بن يَعْقُوبَ الزَّمْعِيّ عَنْ أَبِي رُزينٍ الْبَاهِلِيّ عَنْ
مَالِكِ بن أُخَامَرٍ (وقال الطبراني أُخَيْمَرٍ) أنَّه سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل أبي رُزين هذا، قال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (4/ 327) :(13/134)
"ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".
قلت: أورده البخاري وابن أبي حاتم في (الكنى) برواية الزَّمْعي هذا، ولم يذكرا
فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول. وذكره الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى"
(1/237/2200) بروايته عن أبي هريرة، وعنه مسلم بن أبي مريم ... فأخشى أن
يكون التبس عليه بأبي رزين الأسدي مسعود بن مالك؛ فإنه الذي روى عن أبي
هريرة وغيره من الصحابة. وترجمته في "التهذيب ". والله أعلم.
ثم روى البيهقي (10800) من طريق سعيد بن أبي هلال عن أمية - يعني:
ابن هند - عن عمرو بن جارية (الأصل: حارثة) عن عروة بن محمد بن عمار بن
ياسر عن أبيه عن جده عمار بن ياسر ... مرفوعاً بلفظ:
"ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الدَّيُّوث من الرجال، والرَّجُلة من النساء، ومدمن
الخمر".
فقالوا: يا رسول الله! أما مدمن الخمر فقد عرفناه؛ فما الديوث من الرجال؟ قال:
"الذي لا يبالي من دخل على أهله ". قلنا: فالرجلة من النساء؟ قال:
"التي تَشَبَّه بالرجال ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن أبي هلال ثقة؛ لكن كان اختلط، ومن
فوقه إلى (عمار) مجاهيل، من المقبولين عند الحافظ في "التقريب ". وقد أشار إلى
ذلك الهيثمي بقوله في "المجمع " (4/327) :
"رواه الطبراني. وفيه مساتير، وليس فيهم من قيل: إنه ضعيف ".
قلت: هذا لا ينجيه من الضعف، ولا سيما وفيه نكارة - كما يأتي -. ولذلك
فإني أقول:(13/135)
لم يكن الحافظ المنذري دقيقاً في قوله (3/183/21) :
"رواه الطبراني. ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً، وشواهده كثيرة"!
وذلك لأن الشواهد التي أشار إليها ليس في شيء منها لفظة: (أبداً) ... فهي
منكرة. فتنبه!
6051 - (إن النساءَ سُفَهاءُ؛ إلا التي أطاعتْ زوجَها) .
منكر.
أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" من طريق عثمان بن أبي العاتكة
عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ علي بن يزيد - وهو الألهاني -: قال الذهبي في
" الكاشف ":
"ضعفه جماعة ولم يترك ". وقال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف ". قال ابن كثير في "تفسيره ":
" ورواه ابن مردويه مُطَوَّلاً ".
قلت: وفي " الدر المنثور" آثار موقوفة بمعناه، فلعل أصل الحديث موقوف؛ وهم
بعض رواته الضعفاء فرفعه.
وهذا الحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة التي أوردها الشيخان الحلبيان
في كتابيهما "مختصر تفسير ابن كثير"، وقد زعما في المقدمة أنهما لا يذكران
فيه إلا ما صح عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! كما أورده الشيخ التويجري في "الصارم
المشهور" في عشرات الأحاديث الضعيفة؛ ساكتاً عنها، موهماً القراء الذين لا
علم عندهم أنها صحيحة!(13/136)
6052 - (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي النساءُ والخمر) .
ضعيف.
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (14/79) من طريق محمد بن
إسحاق السَّرَّاج عن موسى بن هلال النخعي: حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة بن
يريم عن علي ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:
الأولى: أبو إسحاق - وهو السبيعي؛ وهو مختلط - مدلس.
والأخرى: موسى بن هلال النخعي؛ روى ابن أبي حاتم (4/1/166) عن
أبي زرعة أنه قال:
"ضعيف الحديث ".
وهذا الحديث مما فات السيوطي في "الجامع الكبير" و"الجامع الصغير" والزيادة
عليه، والمناوي في "الجامع الأزهر"!(13/137)
6053 - (يَا عَكَّافُ! هَلْ لَكَ مِنْ زَوْجَةٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: وَلَا جَارِيَةٍ؟
قَالَ: وَلَا جَارِيَةَ؟ . قَالَ: وَأَنْتَ مُوسِرٌ بِخَيْرٍ؟ قَالَ: وَأَنَا مُوسِرٌ بِخَيْرٍ. قَالَ:
أَنْتَ إِذاً مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَلَوْ كُنْتَ فِي النَّصَارَى؛ كُنْتَ مِنْ
رُهْبَانِهِمْ، إِنَّ سُنَّتَنَا النِّكَاحُ، شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ، وَأَرَاذِلُ مَوْتَاكُمْ عُزَّابُكُمْ،
أَبِالشَّيْطَانِ تَمَرَّسُونَ؟!
مَا لِلشَّيْطَانِ مِنْ سِلَاحٍ أَبْلَغُ فِي الصَّالِحِينَ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا الْمُتَزَوِّجينَ،
أُولَئِكَ الْمُطَهَّرُونَ الْمُبَرَّءُونَ مِنْ الْخَنَا.
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ! إِنَّهُنَّ صَوَاحِبُ أَيُّوبَ وَدَاوُدَ وَيُوسُفَ وَصَوَاحِبُ(13/137)
كُرْسُفَ. فَقَالَ لَهُ بِشْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: وَمَنْ كُرْسُفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! قَالَ:
رَجُلٌ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بِسَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ ثَلَاثَ مِائَةِ عَامٍ،
يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، ثُمَّ إِنَّهُ كَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فِي سَبَبِ امْرَأَةٍ
عَشِقَهَا، وَتَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اسْتَدْرَكَهُ اللَّهُ
بِبَعْضِ مَا كَانَ مِنْهُ؛ فَتَابَ عَلَيْهِ.
وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ! تَزَوَّجْ، وَإِلَّا فَأَنْتَ مِنْ الْمُذَبْذَبِينَ.
قَالَ: زَوِّجْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ قَدْ زَوَّجْتُكَ كَرِيمَةَ بِنْتَ كُلْثُومٍ
الْحِمْيَرِيِّ) .
منكر.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (6/ 171) ، وعنه أحمد في "المسند".
(5/163 - 164) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/118/999) .
قال عبد الرزاق: ثنا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر قال:
دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَكَّافُ بْنُ بِشْرٍ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال ابن الجوزي:
"لا يصح؛ فيه رجل لم يسم، ولا يعرف في الصحابة من اسمه بسر بن
عطية ولا عطية بن بسر".
كذا قال؛ ورجح الحافظ أنه عطية بن بسر، وأنه صحابي، فقيل: المازني،
وقيل: الهلالي، ثم قيل: إنهما واحد، وقيل: إنهما اثنان، والمازني: قال ابن
حبان في الثقات " (3/307) :
"له صحبة".(13/138)
وليس لهذا علاقة بهذا الحديث، وإنما للآخر - كما يأتي في بعض الطرق -،
وقد ذكره في "ثقات التابعين " (5/ 261) ؛ فقال:
"عطية بن بسر، شيخ من أهل الشام، حديثه عند أهلها، روى عنه مكحول
في التزويج ... متن منكر، وإسناد مقلوب ".
وأقره الحافظ في "التعجيل ".
ومن طرق الحديث ما رواه بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان
ابن موسى عن مكحول عن غَضيف بن الحارث عن عطية بن بسر المازني قال:
جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يا عكاف! ... " الحديث بتمامه.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (12/260/6856) . وعنه ابن حبان في
"الضعفاء" (3/3 - 4) في ترجمة معاوية بن يحيى هذا، وهو الصدفي، وقال
فيه:
"منكر الحديث جدّاً". وقال الهيثمي (4/ 251) :
"وهو ضعيف ".
ومن طريقه أخرجه بَحْشَل أيضاً في "تاريخ واسط " (ص 213) ، وعلقه ابن
الجوزي في " العلل " وقال (2/ 120) :
"قال يحيى بن معين: ليس بشيء".
وبقية بن الوليد مدلس؛ وقد عنعنه.
وغضيف بن الحارث مختلف في صحبته، وقد أسقطه الوليد بن مسلم، فقال:(13/139)
عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن عطية بن بسر ... به.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/356) من طريق داود بن رشيد عنه.
والوليد بن مسلم معروف بأنه كان يدلس تدليس التسوية؛ لكن تابعه برد بن
سنان عن مكحول عن عطية بن بسر الهلالي عن عكاف بن وداعة الهلالي: أنه
أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ... الحديث.
أخرجه العقيلي أيضاً - ومن طريقه ابن الجوزي، وقال العقيلي - في ترجمة
عطية ابن بسر:
"لا يتابع عليه، قال البخاري: عطية بن بسر عن عكاف بن وداعة، لم يقم
حديثه ".
وبعد؛ فمن الملاحظ أن هذه الطرق على ما فيها من الاضطراب في أسانيدها
ومتنها، فإن مدارها كلها على مكحول. وهو موصوف بالتدليس، فيمكن أن يكون
إسقاط غضيف منه. وقد ذكر الحافظ في "الإصابة " أكثر هذه الطرق. ثم قال:
"والطرق المذكورة كلها لا تخلو من ضعف واضطراب " (1) .
6054 - (إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا أُنْزِلَ إِلَى الأَرْضِ، قَالَ: يَا رَبِّ! أَنْزَلْتَنِي إِلَى
الأَرْضِ وَجَعَلْتَنِي رَجِيماً - أَوْ كَمَا ذَكَرَ - فَاجْعَلْ لِي بَيْتاً؟ قَالَ: الْحَمَّامُ.
قَالَ: فَاجْعَلْ لِي مَجْلِساً؟ قَالَ: الأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقِ. قَالَ: اجْعَلْ
لِي طَعَاماً؟ قَالَ: مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ. قَالَ: اجْعَلْ لِي شَرَاباً؟ قَالَ:
كُلُّ مُسْكِرٍ. قَالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّناً؟ قَالَ: الْمَزَامِيرُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي قُرْآناً؟
__________
(1) وقد سبق الحديث في "المجلد السادس" رقم (2511) . وهو مطبوع بحمد الله. (الناشر) .(13/140)
قَالَ: الشِّعْرُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي كِتَاباً؟ قَالَ: الْوَشْمُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي
حَدِيثاً؟ قَالَ: الْكَذِبُ. قَالَ: اجْعَلْ لِي مَصَايِدَ؟ قَالَ: النساءُ) .
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/245/7837) عَنْ
عُبَيْدِاللَّهِ بن زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بن يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً؛ آفته علي بن يزيد الألهاني، قال البخاري:
"منكر الحديث ". وكذا قال ابن حبان، وزاد:
"جدّاً". وكذلك قال في عبيد الله بن زَحْر، وزاد:
" يروي الموضوعات عن الأثبات، وإذا روى عن علي بن يزيد؛ أتى بالطامات ".
والحديث رواه ابن جرير أيضاً وابن مردويه - كما في "الجامع الكبير" للسيوطي -.
وقال العراقي في "تخريج الإحياء" (3/34) :
"أخرجه الطبراني في "الكبير". وإسناده ضعيف جدّاً. ورواه بنحوه من
حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضاً".
كذا قال. ولم أعرف حديث ابن عباس الذي أشار إليه. ولعله يعني طرفاً منه
أو نحوه.
ثم عرفته؛ فاقتضى الأمر تخريجه والكشف عن حاله:
6055 - (قَالَ إِبْلِيسُ لِرَبِّهِ: يَا رَبِّ! قَدْ أُهْبِطَ آدَمُ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ
سَيَكُونُ كِتَابٌ وَرُسُلٌ؛ فَمَا كِتَابُهُمْ وَرُسُلُهُمْ؟ قَالَ: قَالَ رُسُلُهُمْ الْمَلائِكَةُ،
وَالنَّبِيُّونَ مِنْهُمْ، وَكُتُبُهُمْ التَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ وَالإِنجيلُ وَالْفُرْقَانُ. قَالَ: فَمَا(13/141)
كِتَابِي؟ قَالَ: كِتَابُكَ الْوَشْمُ، وَقُرآنُكَ الشِّعْرُ، وَرُسُلُكَ الْكَهَنَةُ،
وَطعامُكَ مَا لا يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَشَرابُكَ كُلُّ مُسْكِرٍ، وَحَدِيْثُكَ
(الأصلُ: وَصِدْقُكُ) الْكَذِبُ، وَبيتُكَ الْحَمَّامُ، وَمصائدُكَ النِّسَاءُ،
وَمُؤَذِّنُكَ الْمِزْمارُ، وَمَسْجِدُكَ الأَسْوَاقُ) .
منكر. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/903/11181) ، وعنه أبو
نعيم في "الحلية" (3/278- 279) - ومنه صححت الأصل -: حَدَّثَنَا يَحْيَى بن
عُثْمَانَ بن صَالِحٍ: ثَنَا يَحْيَى بن بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن صَالِحٍ الأَيْلِيُّ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بن أُمَيَّةَ عَنْ عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال أبو نعيم:
"حديث غريب؛ تفرد به يحيى بن صالح الأيلي ".
قلت: وبه أعله الهيثمي فقال (1/114) :
"ضعفه العقيلي ".
قلت: وكذا ابن عدي؛ فإنه ساق له في "الكامل " حديثين آخرين، ثم قال
(7/ 2700) :
"وله غير ما ذكرت، وكلها غير محفوظة". ونص كلام العقيلي (4/409) :
"أحاديثه مناكير، أخشى أن تكون منقلبة، هو بعمر بن قيس أشبه ".
قلت: وهو الملقب بـ "سَنْدَل "، وهو متروك.
6056 - (لأَنْ يَزْحَمَ رَجُلٌ خِنْزِيراً مُتَلَطِّخاً بِطِينٍ أَوْ حَمْأَةٍ؛ خَيْرٌ مِنْ
أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبِهِ مَنْكِبَ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ)
منكر جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/243/7830) من(13/142)
طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"إِيَّاكُمْ وَالْخَلْوَةَ بِالنِّسَاءِ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا خَلا رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلا دَخَلَ
الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا، ولأن يزحم ... " إلخ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً؛ من أجل علي بن يزيد وابن زحر - وقد سبق
الكلام عليهما تحت الحديث الذي قبل هذا بحديث -، وبالأول منهما أعله الهيثمي
في "المجمع، فقال (4/326) :
"وهو ضعيف جدّاً، وفيه توثيق ".
وأشار المنذري في "الترغيب " (3/66) إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله:
"وروي "، وقوله عقبه:
"حديث غريب، رواه الطبراني ".
قلت: ويغني عنه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لأن يُطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير [له] من أن يمس امرأة لا
تحل له ".
وهو مخرج في "الصحيحة" (226) .
وأما الشطر الأول من الحديث: ففي معناه أحاديث كثيرة، خرجت بعضها
في "غاية المرام " (181) ، وراجع لها " الترغيب ".
6057 - (إياكم ومحادَثَةَ النساءِ؛ فإنه لا يخلو رجلٌُ بامرأةٍ ليس
لها مَحْرَمٌ إلا همَّ بها) .
ضعيف.
أخرجه الحكيم الترمذي في "كتاب أسرار الحج " من طريق المقبُري(13/143)
عن ابن أَنْعَمَ عن سعد بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
أورده الحافظ ابن حجر في ترجمة سعد بن مسعود الكندي من "الإصابة"
وقال:
"وابن أنعم ضعيف ".
قلت: واسمه: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي.
وسعد بن مسعود هذا مختلف في صحبته؛ فقال الحافظ:
"قال البغوي: له صحبة. وقال ابن منده: ذكر في الصحابة، ولا يصح له
صحبة. وذكره البخاري في الصحابة، وأما ابن أبي حاتم فذكره في (التابعين) ".
ثم ذكر ما يدل على تأخره؛ وهو ما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه: نا أبو شريك
يحيى بن يزيد المرادي: نا ضِمام بن إسماعيل قال:
كان عمر بن عبد العزيز بعث سعداً يفقِّههم ويعلمهم دينهم.
وهذا إسناد جيد؛ ضمام هذا صدوق، مصري مترجَم في "التهذيب ".
ويحيى بن يزيد: قال أبو حاتم "
"شيخ ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/262) .
ولما ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/64) ؛ لم يذكر ما يدل على
صحبته، بل لم يزد على قوله: "سمع عبد الرحمن بن حيويل ". وكذلك فعل ابن
أبي حاتم.
وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين " (4/297) بروايته عن عبد الله بن عمرو.
وعبد الرحمن بن حيويل ليس صحابياً، بل ولا تابعياً؛ فقد ذكره ابن حبان
في (أتباع التابعين) (7/72) وقال:(13/144)
"روى عنه سعد بن مسعود".
وكذا قال البخاري في ترجمة عبد الرحمن هذا من "التاريخ " (3/1/273) ؛
فأنى لمثله الصحبة؟!
ثم وجدت ما ينفي عنه الصحبة: فقد ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"
(7/196) ، وذكر أنه توفي في خلافة هشام بن عبد الملك.
ومعنى هذا أنه مات بعد سنة خمس ومائة؛ لأن هشام بن عبد الملك توفي
سنة (125) ، وكانت خلافته عشرين سنة - كما في "شذرات الذهب " لابن
العماد -.
والخلاصة أن سعد بن مسعود ليس صحابياً؛ فالحديث مرسل، مع ضعف
السند إليه. والله أعلم.
6058 - (كَانَ فِيمَا أَخَذَ [لمَّا بايع النساءَ] : أَلا تُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ، إِلا
أَنْ تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ لا يَزَالُ يُحَدِّثَ الْمَرْأَةَ حَتَّى يُمْذِيَ
بَيْنَ فَخْذَيْهِ) .
منكر.
أخرجه ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مبارك عن الحسن قال: ...
فذكره.
قلت: والحسن هو البصري؛ فهو مرسل.
ومبارك - هو: ابن فضالة، وهو - صدوق يدلس ويسوي - كما في "التقريب " -؛
فهو مع إرساله ضعيف.
لكن قد تابعه أبو الأشهب مختصراً؛ فقال ابن سعد في "الطبقات " (8/10) :
أخبرنا وكيع بن الجراح عنه، ومبارك عن الحسن:(13/145)
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما بايع النساء؛ أخذ عليهن أن لا يحدثن من الرجال إلا مَحْرماً.
وأبو الأشهب اسمه: جعفر بن حيان البصري، وهو ثقة من رجال الشيخين؛
فالعلة الإرسال من الحسن.
وقد تابعه قتادة مختصراً أيضاً؛ قال:
ذكر لنا أن نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخذ عليهن يومئذٍ النياحة، ولا تحدّثن الرجال؛
إلا رجلاً محرماً منكن.
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (28/51 - 52 و 52) من طريقين عنه؛ فهو
صحيح مرسل. ورواه عبد الرزاق (3/560/6691) من أحدهما.
وقد روي موصولاً من طريق عبد المنعم أبي سعيد الحراني الأسواري عن
الصلت بن دينار عن أبي عثمان النهدي عن امرأة منهم - يقال لها: أم عفيف -
قالت:
بايعنا رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين بايع النساء -؛ فأخذ عليهن أن لا تحدثن الرجل
إلا محرماً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/168/410) ، وقال الهيثمي في
"المجمع " (3/32) :
"وفيه عبد المنعم أبو سعيد؛ وهو ضعيف ".
قلت: بل هو متروك؛ كما في "التقريب "، واقتصاره على إعلاله به فقط يوهم
أنه ليس فوقه من يُعَلُّ به أيضاً! وليس كذلك؛ فإن الصلت بن دينار متروك أيضاً.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 211) - وسكت عنه! - لابن مردويه.(13/146)
ثم عزاه إليه وإلى ابن المنذر من حديث أم عطية، وسكت عنه أيضاً! وفيه
تلك الزيادة المنكرة بلفظ:
"فإن الرجل قد يلاطف المرأة فيُمذي في فخذيه ".
وهذا الحديث عن الحسن مما شان به الشيخ الحلبي الصابوني "مختصر تفسير
ابن كثير"؛ فأورده فيه (3/489) موهماً القرّاء صحته - بما صرح به في مقدمته أنه
لا يورد فيه إلا ما صح من الحديث -، وهيهات هيهات؛ فالرجل ليس من أهل
الحديث، ولا شم رائحته، فكم من أحاديث غير صحيحة قد وقع له فيه، وكساها
ثوب الصحة! وقد سبق التنبيه على الكثير منها.
وكذلك أخطأ الشيخ حمود التويجري بإيراده إياه في كتابه "الصارم المشهور"
(ص 113) ساكتاً عنه. ولعله غره ما عزاه (ص 112) للإمام أحمد في "مسنده "
بإسناد جيد عن أم عطية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت:
كنت فيمن بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فكان فيما أخذ علينا: أن لا ننوح، ولا نحدث
من الرجال إلا محرماً.
فأقول: أخرجه أحمد (5/85) : ثنا غسان بن الربيع: ثنا أبو زيد ثابت بن
يزيد عن هشام عن حفصة عن أم عطية ... به.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير غسان بن الربيع: قال الذهبي
في " الميزان ":
"كان صالحاً ورعاً. ليس بحجة في الحديث، قال الدارقطني: ضعيف. وقال
مرة: صالح ". وأقره الحافظ في "اللسان". إلا أنه زاد عليه فقال:
"وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال: كان نبيلاً فاضلاً ورعاً، وأخرج
حديثه في "صحيحه " عن أبي يعلى عنه ".(13/147)
كذا وقع فيه! وهو في "ثقات ابن حبان " (9/2) ، وليس فيه قوله: "كان
نبيلاً فاضلاً ورعاً" ... وهذه الجملة قالها الخطيب البغدادي في ترجمة غسان هذا
من "تاريخ بغداد"؛ فكأن في "اللسان" سقطاً من الطابع أو الناسخ. والله أعلم.
وأفاد الخطيب أنه توفي سنة (226) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،
وكذلك فعل ابن أبي حاتم (3/2/52) .
وليس يخفى على المتقنين لهذا العلم أن الجرح مقدم على التعديل، وبخاصة
إذا كان المعدِّل معروفاً بالتساهل - كما هنا -، أعني: ابن حبان. ويبدو لي أن
تضعيف الدارقطني ومن تبعه إنما هو لسوء حفظ غسان؛ وهذا الحديث مما يدل على
ذلك لتفرده بقوله في هذا الحديث: "ولا نحدث ... " إلخ، دون كل الثقات الذين
رووه عن هشام وغيره عن حفصة وغيرها، وهاك البيان:
1 - أسباط - وهو: ابن محمد القرشي مولاهم -: عند مسلم (3/46) ، وزائدة:
في "كبير الطبراني " (25/59/134) ، ومحمد بن جعفر ويزيد بن هارون: عند
أحمد (5/84 و 6/408) كلهم عن هشام.
2 - وتابع هشاماً عاصمٌ الأحول: عند مسلم أيضاً وابن أبي شيبة في "المصنف "
(3/ 389) ، وأ حمد (5/ 85 و 6/407 و408) ، والطبراني (25/59/135) .
3 - وتابعه أيضاً أيوب السختياني. رواه البخاري (4892 و7215) ، ومسلم
أيضاً وابن سعد (8/8) ، والطبراني (25/58/133) .
4 - وتابع حفصة أخوها محمد بن سيرين: عند البخاري (1306) ، وأحمد
(6/408) .
قلت: كل هؤلاء الثقات لم يذكروا فِي حَدِيثِ عطية هذا جملة التحديث،
فكانت منكرة لتفرد غسان بها وضعفه. ولولا ذلك لكان الوجه أن يحكم بشذوذها(13/148)
لتفرد ثابت بن يزيد بها؛ لأنه هو المخالف مباشرة لمن تقدم ذكرهم من الثقات الذين
رووه عن هشام؛ ولكن لما كان هو ثقة ثبتاً - كما في "التقريب " -، وكان الراوي عنه
ضعيفاً؛ كان لا بد من تعصيب العلة به.
ومما سبق يتبين خطأ تجويد الشيخ التويجري لإسناده، وإن كان ذلك ليس من
اجتهاده - فيما أعتقد -؛ لأنه ليس من رجال هذا العلم الشريف، ولذلك فكان
عليه أن يعزوه إلى قائله، أداءً للأمانة العلمية أولاً، وللابتعاد عن التشبع بما لم
يعط ثانياً. وهذا مما يقع فيه أكثر المؤلفين في العصر الحاضر، وبخاصة منهم بعض
الشباب المغرم بأن يحشر اسمه في زمرة المؤلفين، وهذا داء عضال من أدواء هذا
الزمان. والله المستعان.
وقد وقفت على حديث آخر لغسان بن الربيع هذا أخطأ في إسناده على
حماد بن سلمة، وخالف فيه الثقات الذين رووه عنه بإسناد آخر؛ وبيان ذلك في
"صحيح أبي داود" تحت الحديث (443) .
6059 - (إيَّاك والقَواريرَ) .
منكر.
أخرجه الحاكم (3/291) : أخبرني أبو معن محمد بن عيسى العطار
- بمرو -: ثنا عبدان بن محمد الحافظ: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن
معن: أنبأ محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أنس قال.: يسمعت أنس بن مالك
يقول:
كان البراء بن مالك رجلاً حسن الصوت، فكان يرجز لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
بعض أسفاره، فبينما هو يرجز إذ قارب النساء، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره. قال: فأمسك. قال محمد: كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته.
وقال الحاكم:(13/149)
"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت: وهذا من تساهلهما؛ فإن ابن إسحاق - مع صدقه - مشهور بالتدليس،
وأنه لا يحتج به إلا بما قال فيه: "حدثنا"، كما قال العلائي في "جامع التحصيل "
(ص 221) ، وقال في مكان آخر (ص 125) :
" أكثر من التدليس، وخصوصاً عن الضعفاء".
يضاف إلى ذلك أن في حفظه بعض الضعف، وقد أطال الذهبي ترجمته في
"الميزان "، وذكر عن الإمام أحمد أنه قال:
"هو كثير التدليس جدّاً. قيل له: فإذا قال: "أخبرني " و"حدثني " فهو ثقة؟
قال: هو يقول: "أخبرني " ويخالف ". وكذلك ختم الذهبي ترجمته بقوله:
" فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث، صالح الحال صدوق، وما
انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئاً". وقال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يدلس ".
وخلاصة ترجمته أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولم يخالف، وكل
من الشرطين هنا غير متوفر.
أما الأول: فلأنه قد عنعن كما ترى، وأما الآخر: فلأنه خالف في سنده
ومتنه.
أما السند: فقوله: "عن عبد الله بن أنس " ... فهذا خطأ من ناحيتين:
الأولى: أنه لا يعرف لأنس ابن اسمه عبد الله يروي عنه، وإنما هو حفيده
عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري.(13/150)
والأخرى: الانقطاع؛ فإن ابن المثنى هذا إنما يروي عن أنس بالواسطة، ويؤيده
أن أبا نعيم أخرج الحديث في "الحلية" (1/ 350) من طريق أخرى عن محمد بن
إسحاق عن عبد الله - يعني: ابن المثنى - عن ثمامة عن أنس ... فذكر الحديث؛
دون قول ابن إسحاق في آخره: كره رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ، وكرر: "إياك والقوارير"
مرتين.
وفيه شيخ أبي نعيم علي بن هارون، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ "
(12/120) بقوله:
"كان أمره في ابتداء ما حدث جميلاً، ثم حدث مثه تخليط ".
ولم يذكر في "الميزان " ولا في "اللسان ".
وأما المتن: فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك:
أن البراء بن مالك كان يحدو بالرجال، وأَنْجَشَةَ يحدو بالنساء، وكان حسن
الصوت، فحدا؛ فأعنقت الإبل؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يا أنجشة! رويداً سوقك بالقوارير".
أخرجه الطيالسي (2048) ، وأحمد (3/254 و 285) ، وإسناده صحيح على
شرط مسلم.
فهذا هو أصل الحديث، والقصة لأنجشة - وهو المذكور بأنه حسن الصوت -،
فانقلب ذلك على ابن إسحاق أو شيخه الذي دلسه ولم يذكره، وجعله للبراء بن
مالك.
وقد تابعه حماد بن زيد عن ثابت؛ إلا أنه لم يذكر فيه طرفه المتعلق بالبراء.
أخرجه البخاري (6209) وفي "الأدب المفرد" (883) ، ومسلم (7/78) ،(13/151)
والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (528) ، وابن حبان (5773) ، والبيهقي
(10/199/ - 200 و227) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/156 - 157) ، وأحمد
(3/172 و 202 و227) .
وتابع ثابتاً أبو قلابة عن أنس "
أخرجه الشيخان والنسائي (525) ، وابن حبان أيضاً وأحمد (3/187 و227) ،
وأبو يعلى (2809 و 2810) ، والرامهرمزي في "الأمثال " (ص 127) .
وتابعه قتادة عنه:
أخرجه البخاري (6211) ، ومسلم أيضاً والنسائي (526) ، وابن حبان (5771) ،
والبيهقي (10/227) ، والبغوي (13/156) ، وأحمد (3/252) ، وأبو يعلى (2868) ،
وعنه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (507) .
وتابعه سليمان التيمي عنه:
أخرجه مسلم والنسائي (529) ، وابن حبان (5770 و 5772) ، وابن سعد
(8/430) ، وأحمد (3/111 و117 و176، و 6/376) ، والحميدي (1209) ،
والرامهرمزي أيضاً وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/143) ، والخطيب في "التاريخ "
(12/208) .
وحميد عنه:
أخرجه أحمد (3/107) .
قلت: وإسناده صحيح ثلاثي؛ إن كان حميد سمعه من أنس.
وزرارة بن أبي الحلال العتكي قال: سمعت أنس بن مالك ...
أخرجه أحمد (3/206) .(13/152)
قلت: وإسناده صحيح ثلاثي أيضاً، وزرارة هذا هو ابن ربيعة، له ترجمة في
"التعجيل "، وذكر أنه وثقه ابن حبان وابن خَلْفون والعجلي. وابن حبان أورده في
"أتباع التابعين " (6/343) ، قال الحافظ:
"وكأنه لم يقف على روايته عن أنس ". يعني: هذه.
وللحديث شاهد من رواية ابن عباس:
أخرجه الدارمي (2/295) ، وفي إسناده من لم أعرفه، وأخشى أن يكون فيه
تحريف أو سقط.
والخلاصة: أن هذه الطرق الصحيحة عن أنس؛ تدل دلالة قاطعة على خطأ
حديث ابن إسحاق هذا عن أنس، وأن القصة لأنجشة ... لا البراء، وأن لفظه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إنما هو:
"رويدك؛ سوقك بالقوارير " ونحوه، وليس بلفظ:
"إياك والقوارير" ... كما رواه ابن إسحاق؛ فهو لفظ منكر، وعليه: فقول ابن
إسحاق في آخر الحديث:
"كره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تسمع النساء صوته "!
مما لاقيمة له، لأنه تفسير لما لم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبذلك تعلم ضعف الاستدلال بهذا الحديث على ترجيح قول من قال في
تفسير قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رويدك؛ سوقك بالقوارير": أنه خشي على النساء الفتنة،
فأَمَرَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالكف عن الحداء؛ كما فعل الشيخ التويجري في "الصارم المشهور"
(ص 115 - 116) ، وقلده أخونا محمد زينو في "كيف نربي أولادنا" (ص 23)
فصححه!(13/153)
بل الصواب القول الآخر؛ وهو ما جاء في "شرح السنة":
" المراد بالقوارير: النساء؛ شبههن بالقوارير لضعف عزائمهن، والقوارير يسرع
إليها الكسر، وكان أَنْجَشَةُ غلاماً أسود، وفي سوقه عنف، فأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرفق بهن
في السوق؛ كما يرفق بالدابة التي عليها قوارير".
قلت: وهذا هو الذي رجحه الشيخ العلامة علي القاري؛ فقال في "المرقاة"
(4/619) :
"وهذا المعنى أظهر - كما لا يخفى -؛ فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة، وذاك
عن سوء ظن لايليق بمنصب النبوة".
فأقول: هذا هو الحق الذي لا يمكن القول بغيره إذا ما جمعت طرق الحديث
وألفاظه، وزياداته، وأمعن النظر في معانيها:
أولاً: قوله: " رويدك " ... معناه: أمْهِل وتَأَنَّ - كما في " النهاية " وغيره -، وقال
الرامهرمزي:
"يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجعل سيرك على مهل؛ فإنك تسير بالقوارير ... فكنى عن ذكر
النساء بالقوارير ... ". وقال عياض: " أي: سُق سوقاً رويداً " (1) .
قلت: والذين ذهبوا إلى القول الأول فسروه بالكف عن الحداء - كما تقدم -،
ومثله في "النهاية" وغيره، وهذا خَلف كما لا يخفى! وهو يلتقي مع حديث
الترجمة الذي جاء في آخره: "فأمسك ". وهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة
في الآثار السيئة للأحاديث الضعيفة كما هو مصرح في عنوان هذه "السلسلة"،
__________
(1) ذكره الحافظ في جملة أقوال أخرى للعلماء، ولا تخرج عن هذا المعنى، فانظر "فتح
الباري، (10/ 544) .(13/154)
ومع ذلك فكثير من أهل العلم في غفلتهم ساهون عن آثارها!
ثانياً: قوله في رواية النسائي وأحمد فِي حَدِيثِ شعبة عن ثابت:
"ارفق بالقوارير". وجمع الأنصاري في "جزئه " بين اللفظين؛ فقال:
"رويدك ارفق " - ذكره في "الفتح " (10/544) -.
فأقول: صريح في أنه ليس المراد بهذا الأمر الإمساك عن الحداء مطلقاً، وإنما
تلطيفه وتخفيفه " لكي لا تسرع الإبل في سيرها، وإلا؛ كانت النساء مُعَرَّضَاتٍ
للتألم، وربما للسقوط من الإبل بسبب كثرة الحركة والاضطراب الناشئ عن
السرعة؛ من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب. ويزيده وضوحاً:
ثالثاً: قوله في رواية حماد بن سلمة:
"فحدا؛ فأعنقت الإبل ... ".
أي: أسرعت؛ وَزْناً ومعنى - كما قال الحافظ في "الفتح " -.
فهذا يوضح ما ذكرته آنفاً أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أراد بذلك الأمر سلامة النساء من الأذى
في أبدانهن، وليس السلامة من الفتنة، وإلا، لم يكن لذكر إسراع الإبل معنى
يذكر.
رابعاً: فِي حَدِيثِ حميد عن أناس:
كان رجل يسوق بأمهات المؤمنين يقال له: (أنجشة) ، فاشتد في السياقة. زاد
شعبة عن ثابت: فكان نساؤه يتقدمن بين يديه.
فهذا يعني: أنه كان من نتيجة السرعة أن تقدمت نساؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يديه،
وذلك مما يؤلمهن ولا تتحمله أجسامهن؛ فأمر (أنجشة) بالرفق بهن، وعدم الإسراع
بإبلهن، وليس خوفاً عليهن من الافتتان بحسن صوته! ويؤكد هذا:(13/155)
خامساً وأخيراً: زيادة شعبة عند أحمد بلفظ:
! ... يحدو بنسائه، فضحك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإذا هو قد تنحى بهن ".
فأقول: فضحكه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إسراع الإبل بالنساء أكبر دليل على إبطال
حَشْر الخوف من الافتتان بحسن صوت أنجشة، وعلى نسائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصة، وأنه كان
لظاهرة إسراع الإبل بالنساء حتى تقدَّمْنَ الرجال. وتصوُّرُ هذا وحده كافٍ لإبطال
القول الأول وتصحيح القول الآخر؛ فكيف إذا انضم إليه ما قبله من الأدلة؟ ورحم
الله الشيخ عليّاً القاري فإنه لخص الموضوع بأوجز عبارة حين علل تأييد هذا القول
الصحيح بقوله - لا فُضَّ فُوهُ -:
"فإنه ناشئ عن الرحمة والشفقة، وذاك عن سوء ظن لا يليق بمقام النبوة".
6060 - (يا أبا ذَرٍّ! إنه لا يضُرُّك من الدنيا ما كان للآخرة، وإنما
يضرك من الدنيا ما كان للدنيا) .
ضعيف.
أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/142/1) في آخر ترجمة
الفضل بن العباس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بسنده عن بقية: حدثني شيخ من كندة عن
الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أنه سمع الفضل بن عباس يقول: سمعت رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي ذر: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ظاهر الضعف؛ لجهالة شيخ بقية الكندي - الذي
لم يسم -.
والضحاك هو: ابن مزاحم الهلالي، لم يسمع من ابن عباس؛ فهو منقطع.
والحديث لم يورده السيوطي في "الجامع الصغير"، ولا في "زيادته "، ولم أره
في "الجامع الكبير"! وقد ذكره مؤلف "كنز العمال " (3/728/8593) برواية أبي(13/156)
نعيم عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... فلعله وقع له في بعض نسخ "الجامع الكبير". والله أعلم.
6061 - (يا جبريلُ! ما منعك أن تأخذَ (1) بيدِي؟ قال: إنك
أخذت بيدِ! يهوديٍّ، فكرهتُ أن تَمَسَّ يدي يداً مسَّتها يدُ كافرٍ) .
موضوع.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/158/1 - 2/ 2991)
حدثنا إبراهيم قال: ثنا سعيد بن أبي الربيع السَّمَّان قال: ثنا عمر بن أبي عمر
العَبْدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده:
استقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل، فناوله يده، وأبى أن يتناولها. فدعا رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بماء فتوضأ، ثم ناوله يده فتناولها؛ فقال: ... فذكره. وقال:
"لم يروه عن هشام إلا عمر، تفرد به سعيد".
ومن طريقه أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/ 160) : حدثنا أحمد بن
محمد بن إبراهيم قال: حدثنا سعيد بن أشعث بن سعيد ... به.
أورده في ترجمة عمر هذا، وروى عن عمرو بن علي - وهو الفلاس -:
"كان دجالاً ". وقال ابن عدي في "الكامل " (5/1708) :
" يروي عن ابن طاوس البواطيل، والضعف على حديثه بيِّن ". وقال ابن
حبان في " الضعفاء" (2/86) :
" كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات؛ لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب ".
__________
(1) قلت: كذا في "مجمع الزوائد"، و"مجمع البحرين "، والعقيلي، وفي "المعجم
الأوسط ": "لا تأخذ "، وهو وجه؛ كقوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} - الأعراف، وفي
{ص} : {ما منعك أن تسجد} على الجادَّة.(13/157)
قلت: وسعيد بن أشعث - أو: ابن أبي الربيع -: قال ابن أبي حاتم:
"روى عنه أبو زرعة. وقال أحمد: ما أراه إلا صدوقاً". وذكره ابن حبان في
" الثقات " (8/268) وقال:
"حدثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى. يعتبر حديثه من غير روايته عن
أبيه ".
قلت: لأن أباه أشعث بن سعيد - وهو: أبو الربيع السَّمَّان -، متروك، ولا
ذكر له في هذا الحديث؛ لكن قد رواه أخوه عنبسة فيما أخرجه ابن عدي
(5/1904) : أخبرنا أبو يعلى قال: ثنا سعيد بن أبي الربيع قال: ثنا عنبسة بن
سعيد قال: ثنا هشام بن عروة ... به.
ذكره في ترجمة عنبسة هذا، وروى عن ابن معين أنه قال:
"ثقة ". وعن الفلاس:
"هو أخو أبي الربيع السمان، سمعت منه، وكان مختلطاً، لا يروى عنه،
متروك الحديث، وكان صدوقاً لا يحفظ ". وقال ابن حبان (2/178) :
"منكر الحديث جدّاً على قلة روايته، لا يجوز الاحتجاج به إذا لم يوافق
الثقات، وكان يزيد بن هارون يسميه: عنبسة المجنون ".
من أجل ذلك أورد ابن الجوزي الحديث من طريق العقيلي وابن عدي في
كتابه " الموضوعات " (2/77 - 78) وقال:
"موضوع محال ". وأقره السيوطي في "اللآلي" (2/4) .
وأما الهيثمي فقال في "المجمع " (1/246) :(13/158)
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه عمر بن رياح، وهو مجمع على ضعفه ".
(تنبيه) : إبراهيم - شيخ الطبراني في إسناد هذا الحديث - هو: ابن هاشم
البغوي؛ وهو ثقة مترجم في "تاريخ بغداد" (6/203 - 204) ، ولما ساق الهيثمي
إسناده في "مجمع البحرين " - كما سقته أعلاه -؛ زاد عقب اسم الشيخ المذكور:
"هو ... "، وترك بياضاً ليلحق فيه فيما بعد اسم أبيه ونسبه - كما هي عادته
أحياناً -، ثم لم يتيسر له ذلك؛ فبقي البياض كما هو. فاقتضى بيان ذلك.
والحديث لم يورده السيوطي في "جوامعه "، وأورده في "الدر المنثور" (3/227)
من رواية ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده ... !
أقول: فأساء في ابتدائه بذكر هشام ... من إسناده، دون الراوي عنه الذي هو
علة الحديث؛ فأوهم أنه سالم منها! وفي اقتصاره في العزو على ابن مردويه موهماً
أنه لم يروه من هو أعلى طبقة منه!! وقد تبعه في ذلك الآلوسي في "تفسيره " ساكتاً
عنه أيضاً - مع حديث آخر لهما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله برقم (6094) -!
6062 - (لا يُقَدِسُ اللهُ أمةً قادتْهُمُ امرأةٌ) .
منكر.
عزاه السيوطي في الجامع الكبير للطبراني في "المعجم الكبير" من
حديث أبي بكرة.
فأقول: أبو بكرة هو نفيع بن الحارث الثقفي، والمجلد الذي فيه أحاديثه من
"المعجم الكبير" لم أقف عليه، ولم يطبع في جملة ما طبع منه بهمة أخينا حمدي
عبد المجيد السلفي بارك الله في جهوده في خدمة السنة، وقد أورده الهيثمي في
"مجمع الزوائد" فقال (5/ 209) :
"وعن عبد الله بن الهجنع قال:(13/159)
لما قدمت عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أتينا أبا بكرة، فقلنا: هذه عائشة، كنت
تقول: عائشة عائشة! هي ذي عائشة؛ قد جاءت؛ فاخرج معنا، فقال: إني
ذكرت حديثاً سمعته من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر بَلْقِيس صاحبة
(سبأ) ، فقال: ... فذكره.
(قلت: لأبي بكرة حديث في "الصحيح " غير هذا) - رواه الطبراني، وفيه
جماعة لم أعرفهم ".
قلت: منهم - فيما يبدو لي - عبد الله بن الهجنع هذا؛ فإني لم أجد له ذكراً
فيما لدى من المراجع، ولعله محرف من "عمر بن الهجنع "؛ فإن له حديثاً آخر
عن أبي بكرة، ذكره العقيلي تحت ترجمته (3/196) وقال:
"لا يتابع عليه ".
وقد سبق تخريجه برقم (531) ؛ فلا داعي لإعادته، ولكني أضيف هنا أنه
أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً في "المصنف " (15/265) : حدثنا الفضيل بن دكين
عن عبد الجبار بن عباس عن عطاء بن السائب عن عمرو (كذا) بن الهجنع ... به.
وقد روح الحديث من طريق أخرى بلفظ آخر تقدم تخريجه برقم (436) .
وذكرت هناك أن الحديث محفوظ عند البخاري وغيره بلفظ:
"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". وهو مخرج في "إرواء الغليل " (8/109/2456) .
وذكرت له هناك طريقاً أخرى عن أبي بكرة. فمن شاء؛ رجع إليه.
وأزيد هنا فأقول:
قد ذكر له الهيثمي شاهداً من حديث جابر بن سمرة، وقال:(13/160)
" رواه الطبراني في "الأوسط " عن شيخه أبي عبيدة عبد الوارث بن إبراهيم،
ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "!
كذا قال! وكأنه تجاوز بصره موضع العلة القوية في إسناده؛ فقد قال الطبراني
في "الأوسط " (1/299/ 4988) : حدثنا عبد الوارث بن إبراهيم أبو عبيدة
قال: نا عبد الرحمن بن عمرو بن جَبَلَةَ قال: نا أبو عوانة قال: نا سِماك بن حرب
عن جابر بن سمرة ... به. وقال:
" لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة".
قلت: وآفة هذا الإسناد ابن جبلة؛ فإنه كذاب - كما قال الذهبي -، وقال
الد ارقطني:
"متروك؛ يضع الحديث ".
وهذا الحديث وحديث الترجمة من الأحاديث الضعيفة والمنكرة التي ملأ
الشيخ التويجري بها كتابه "الصارم المشهور" (ص 257) ، وقد نقلهما عن الهيثمي؛
مقلداً إياه فيما قال فِي حَدِيثِ جابر! وكاتماً ما أعل به الحديث الآخر حديثَ
الترجمة!!
6063 - (لا يجتمعُ الإيمانُ والبخلُ في قلبِ رجلٍ مؤمنٍ أبداً، ومن
أوتيَ السماحةَ مع الإيمانِ؛ فقد أوتيَ أخلاقَ الأنبياء) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/329) من طريق عبد الغفور
ابن عبد العزيز أبي الصباح الواسطي عن عبد العزيز بن سعيد عن أبيه - وقال
في غير هذا الحديث: وكانت له صحبة - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
أورده في ترجمة عبد الغفور هذا، وساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها، وقال
في الثاني منهما:(13/161)
"حديث منكر بهذا الإسناد". وقال في آخر ترجمته:
"الضعف على حديثه ورواياته بيِّن، وهو منكر الحديث ". وروى عن البخاري
أنه قال:
"تركوه؛ منكر الحديث ". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/148) :
"كان ممن يضع الحديث على الثقات؛ على كعب وغيره. لا يحل كتابة
حديثه، ولا الذكر عنه إلا على جهة التعجب".
قلت: وشيخه عبد العزيز بن سعيد في عداد المجهولين عندي؛ فإنه لم يذكره
البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما، ولا رأيته عند غيرهما سوى ابن حبان؛ فإنه
أورده في " الثقات! - على قاعدته! - فقال (5/ 125) :
"عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة - ولأبيه صحبة -، يروي عن أبيه، روى
عنه أبو الصباح، واسمه: عبد الغفور بن عبد العزيز الواسطي، عندنا عنه نسخة بهذا
الإسناد، وفيها ما لا يصح، البَلَيَّةُ فيها من أبي الصباح؛ لأنه كان يخطئ ويتهم ".
وأقول: وفي كون عبد العزيز بن سعيد الذي في إسناد الحديث هو عبد العزيز
ابن سعيد بن سعد بن عبادة نظر كبير عندي؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن الحافظ لما ترجم لسعيد بن ... عبادة هذا؛ لم يذكر في الرواة عنه
عبد العزيز هذا.
والآخر: أن ابن عبادة هذا لما ذكره ابن حبان في (الصحابة) من كتابه "الثقات "
(4/ 277) - ونسبه: الخزرجيّ -؛ قال:
"يروي عن أبيه؛ روى عنه أبو أمامة بن سهل بن حنيف". وزاد الحافظ في
نسَبه: " الأنصاري "، وقال:(13/162)
"وروى عنه أيضاً ابنه شرحبيل بن سعيد".
فهو خزرجي أنصاري، وأما عبد العزيز بن سعيد الذي روى هذا الحديث؛ فهو
شامي - كما جاء مصرحاً به في إسناد الحديث الثاني عند ابن عدي -؛ ولذلك
فرق الحافظ وغيره بين ابنه سعيد هذا، وبين سعيد بن سعد بن عبادة؛ فقالوا فيه
ما سبق، وقال الحافظ فيما بعد:
" سعيد الشامي والد عبد العزيز. جاءت عنه عدة أحاديث من رواية ولده
عنه، تفرد بها عبد الغفور أبو الصباح بن عبد العزيز عن عبد العزيز عن أبيه سعيد
هذا ... ".
ثم ذكر له الأحاديث الثلاثة التي عند ابن عدي وغيرها؛ منها الآتي بعد هذا.
والخلاصة: أن عبد العزيز الذي في هذا الحديث مجهول؛ لأنه لم يرو عنه غير
عبد الغفور هذا، وهو لو كان ثقة لم يخرج شيخه بروايته عنه عن الجهالة، فكيف
به وهو متهم؟!
هذا، وفي "الجرح والتعديل " (2/1/ 77) :
"سعيد الشامي الحمصي. روى عن ثَوْبان، روى عنه مرزوق أبو عبد الله
الشامي ". وكذا في "تاريخ البخاري " (2/1/466/1553) وقال:
"إن لم يكن ابن زرعة؛ فلا أدري ".
وجزم ابن حبان بأنه هو، فانظر تعليقي عليه في "التيسير".
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن عدي دون الشطر
الثاني منه!(13/163)
6064 - (مَنْ لم يَحْمِدِ اللهَ على ما عَمِلَ من عملٍ صالحٍ، وحَمِدَ
نفسَه، قلَّ شكرُه، وحَبِطَ عملُه. ومَنْ زعم أن اللهَ جعل للعباد من الأمر
شيئاً؛ فقد كَفَرَ بما أنزل اللهُ على أنبيائه؛ لقوله: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبَارَكَ اللَّهُ أحسنُ الخالقين} ) .
موضوع.
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (8/147) من طريق بقية
ابن الوليد قال: ثني عبد الغفار بن عبد العزيز الأنصاري عن عبد العزيز الشامي
عن أبيه - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته شيخ بقية عبد الغفار بن عبد العزيز، وهو متهم بالوضع
- كما تقدم بيانه في [الحديث] السابق -. وقوله: "عبد الغفار" ... هكذا وقع في
الأصل، ويظهرأنه كذلك وقع لابن جرير؛ فإنه كذلك نقله عنه ابن كثير في
"تفسيره "، وابن حجر في ترجمة أبي عبد العزيز من "الإصابة " ... والصواب:
"عبد الغفور"؛ كما وقع في أحاديث أخرى عنه، منها الذي قبله؛ وبعضها من طريق بقية عنه.
(تنبيه) ؛ هذا الحديث من الأحاديث الكثيرة التي ساقها الحافظ ابن كثير
ساكتاً عنها؛ لأنه ذكرها بإسناده، فجاء ذاك الجاهل الصابوني فصححها بإيراده
إياها في "مختصره " (2/25) ، فإلى الله المشتكى من المتعالمين في هذا الزمان.
وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية ابن جرير، وسكت عنه - كما
هي عادته الغالبة! -، ووقع فيه قوله: "قل شُكره " بلفظ:
"فقد كفر"!
وكذا وقع في "تفسير ابن كثير"، و "الدر المنثور" (3/ 91) . والله سبحانه
وتعالى أعلم.(13/164)
6065 - (يا عليُّ! لا تكن فَتَّاناً، ولا جابِيَاً، ولا تاجِراً؛ إلا تاجِرَ
خَيْرٍ؛ فإن أولئك المسبوقون في العمل) .
ضعيف.
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/15) ، والطبري في "تهذيب الآثار"
(1/45/2) ، وابن شاذان في "الجزء الثاني من أجزائه " (15/ 1 - 2) ، والمقدسي
في "المختارة" (1/386/380 - بتحقيقي) من طريق عباد بن العوام قال: حدثنا
أبان بن تغلب عن الحكم عن ثعلبة بن يزيد - أو يزيد بن ثعلبة - عن علي قال:
أمرني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا أدع قبراً شاخصاً بالمدينة إلا سويته، ولا تمثالاً إلا
لطخته، ففعلت، ثم أتيته، فقال: " فعلت؟ " قلت: نعم. قال: ... فذكره. وقال
الطبري:
"وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين
سقيماً غير صحيح.
وذلك أنه خبر لا يعرف لبعض ما فيه مخرج عن علي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصح؛
إلا من هذا الوجه.
وأخرى أن في إسناده شكاً فيمن حدث عن علي رحمة الله عليه، أثعلبة بن
يزيد هو؟ أم يزيد بن ثعلبة؟
والثالثة: أن الذي فيه من ذِكْر التاجر، إنما روي عن علي موقوفاً عليه من
كلامه غير مرفوع إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبخلاف اللفظ الذي فيه ".
ثم أفاض الطبري رحمه الله في ذكر الروايات الموقوفة في التاجر، والأ حاديث
المرفوعة في ذم التجار إلا من اتقى وبَرَّ وصدق ونحوه، وقد خرجت بعضها فيما
تقدم من "الصحيحة " (994 و1458) .(13/165)
فأقول: وخلاصة كلامه أن الشطر الثاني من الحديث وهو المذكور في الترجمة
غريب لا شاهد له، بخلاف الشطر الآخر؛ فله طريق آخر في "صحيح مسلم "
وغيره، وهو مخرج عندي في "أحكام الجنائز"، ولكنه مع غرابة إسناده؛ فهو
يصرح بأنه صحيح الإسناد عنده، ولا وجه لذلك عندي؛ وذلك لأن راويه ثعلبة
ابن يزيد - مع شك أحد رواته هل هو: ثعلبة بن يزيد، أو يزيد بن ثعلبة؛ على
القلب؟ - فإنه ليس مشهوراً بالرواية؛ فقد أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل "
(1/1/463) برواية حبيب بن أبي ثابت وسلمة بن كهيل، ولم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً، وذكره البخاري في "التاريخ " (1/2/174) برواية الأول منهما فقط
بحديث: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلي: "إن الأمة ستغدر بك ". وقال:
"لا يتابع عليه ". وقال في ثعلبة:
"فيه نظر".
وفاتهما أنه روى عنه أيضاً الحكم هذا الحديث - وهو: ابن عتيبة -، لكن رواية
حبيب بن أبي ثابت عنه معنعنة، فلا يعتبر عندي راوياً ثالثاً؛ لاحتمال أن يكون رواه
عن أحد المذكورين، ثم أسقطه! وقد حكوا عن النسائي أنه وثقه، وكذلك وثقه ابن
حبان (4/98) ، ولكنه لم يثبت على ذلك؛ فأورده في "الضعفاء" (4/98) وقال:
"كان غالياً في التَّشَيُّع؛ لا يحتج بأخباره التي يتفرد بها عن علي ".
قلت: ولما كان قد تفرد بحديث الترجمة دون الشطر الآخر؛ فإني قد اطمأننت
لذكره في هذه "السلسلة"، مع كونه غير مشهورٍ بالرواية، ونظر البخاري فيه، وقوله
في حديث الغدر: "لا يتابع عليه ".
على أن في قوله هذا الثاني نظراً عندي؛ لأنه قد أورده ابن الجوزي في "العلل
المتناهية" (1/242) من طريق أخرى عن علي وقال:(13/166)
"قال الدارقطني: تفرد به حكيم بن جبير. قال أحمد: ضعيف الحديث.
وقال السعدي: كذاب ".
وله طريق ثالث: أخرجه الحاكم (3/140) من طريق هشيم عن إسماعيل بن
سالم عن أبي إدريس الأودي عن علي قال:
" إن مما عهد إلي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الأمة ستغدر بي بعد". وقال:
" صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!
قلت: وأبو إدريس هذا اسمه: يزيد بن عبد الرحمن، وليس بالمشهور أيضاً،
ووثقه ابن حبان والعجلي، وقال الحافظ:
"مقبول ".
وهشيم - وهو: ابن بشير الواسطي - مدلس - على ثقته - وقد عنعنه؛ فيخشى
أن يكون قد دلسه عن بعض الضعفاء.
فإن قيل: ألا يتقوى الحديث بالطريق الأخرى التي رواها شعبة رحمه الله عن
الحكم عن رجل من أهل البصرة - ويكنونه أهل البصرة: (أبا المورع) ، وأهل الكوفة
يكنونه بـ (أبي محمد) ، وكان من هذيل - عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ... فذكر
الحديث؛ بتمامه، وأتم منه.
أخرجه الطيالسي (رقم 96) ، وأحمد (1/87 و 139) ، وأبو يعلى (1/ 390/506) ؟
وجوابي: لا؛ لأن مدار الطريق هذا والذي قبله على الحكم - وهو: ابن عتيبة
الكوفي -، ففي الطريق الأولى: طريق أبان بن تغلب سمى الواسطة بين الحكم
وعلي: ثعلبة بن يزيد - أو: يزيد بن ثعلبة -، ولم يكنه، وفي هذه الطريق الأخرى
كنى الواسطة بـ: أبي مورع - أو: أبي محمد -، ولم يسمه؛ فالظاهر أن المكنى في(13/167)
هذه هو المسمى في تلك، فإذا ثبت هذا؛ فيكون تقوية أحدهما بالآخر من باب
تقوية الضعيف بنفسه! ولا يخفى فساده.
وأيضاً: فإن الرجل في هذا الطريق مجهول العين لا يعرف - كما هو ظاهر -؛
ولذلك قال الذهبي - وتبعه العسقلاني -:
"لا يعرف ".
وأما قول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (2/657 -
658) - بعد أن نقل قول الذهبي هذا -:
"وأنا أرى أن التابعين على الستر والثقة حتى نجد خلافها". وبناء على هذا قال:
" إسناده حسن "!
قلت: وليس بحسن؛ فإنه لا يكفي عند العارفين بهذا العلم أن يكون الراوي
مستوراً فقط لتطمئن النفس لحديثه، ويكون حسناً؛ بل لا بد أن ينضم إلى ذلك
ما يدل على ضبطه أو حفظه؛ كتوثيق من يوثق به من أئمة الجرح والتعديل، أو
يروي عنه جمع من الثقات، ولم يظهر في روايتهم عنه شيء من النكارة في
حديثه؛ ففي هذه الحالة يمكن تحسين حديثه، والاعتماد عليه، وفي مثله يقول
الذهبي والعسقلاني في كثير من الأحيان: "صدوق "؛ كما شرحت ذلك في
غير ما موضع. والله سبحانه وتعالى أعلم (*) .
6066 - (أوصي بكِ إلى علي. يعني: صَفِيَّةَ) .
منكر.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 1/ 311) ، ومن طريقه ابن عدي
في "الكامل " (6/2377) عن حسين الأشقر الكوفي قال: نا إسرائيل عن أبي
__________
(*) وقد سبق الحديث برقم (5447) . (الناشر) .(13/168)
إسحاق عن مالك بن مالك - ضيفٍ كان لمسروق - عن صفية بنت حيي قالت:
قلت: يا رسول الله! ليس من نسائك أحد إلا ولها عشيرة تلجأ إليها غيري؛
فإن حدث بك حدث فإلى من؟ قال: ... فذكره.
وعزاه الحافظ في "المطالب العالية " (4/56/3945) لأبي بكر بن أبي شيبة،
وقال المعلق عليه:
"قال البوصيري: فيه راو لم يسمّ ".
وأقول: وليس هذا في إسناد البخاري - كما ترى -؛ ولكن فيه ثلاث علل:
الأولى: مالك بن مالك: قال الذهبي:
إ لا يدرى من هو؟ "
قلت: وهذا معنى قول البخاري عقبه:
" ولا يعرف مالك إلا بهذا الحديث الواحد، ولم يتابع عليه ". وقال ابن عدي
عقبه:
" هو كما قال". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/36) :
"شيخ يروي عنه أبو إسحاق السَّبيعي في فضائل علي مراسيل ليست
بمسانيد؛ كلها مناكير لا أصول لها. لا يجوز الاحتجاج به، ولا ذكر ما روى إلا
على جهة التعجب ". ثم تناقض فذكره في "الثقات " (5/388) !
وأما قول الذهبي عقب قول البخاري السابق:
" قلت: وفي السند إليه ضرار بن صُرْد".
فأقول: أخشى أن يكون سبق قلم منه؛ أراد أن يقول: حسين الأشقر ...
فقال ما قال! ويأتي بيان ما فيه.(13/169)
الثانية: أبو إسحاق - نص. السبيعي، وهو - مدلس مختلط.
الثالثة: حسين هذا - وهو: ابن الحسن الأشقر الكوفي -: قال الحافظ في
"التقريب ":
"صدوق يهم، ويغلو في التشيع ".
(تنبيه) : تحرفت جملة "ضيف كان لمسروق" إلى "ضعيف " في "الميزان "
و"اللسان " -، وسقط منهما: "كان لمسروق "!!
6067 - (يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! إِنَّ اللَّهَ بَاعِثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّاراً؛ إِلا
مَنْ صَدَقَ وَوَصَلَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ) .
منكر.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء " (1/224 - 225) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات " (2/237) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (4/48/96) ،
والطبراني في "المعجم الكبير" (12/68/12499) من طريق الحارث بن عبيدة
الحمصي عن عبد الله بن عثمان بن خُثَيْمٍ عن سعيد بن جبير عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى جماعة من التجار، فقال: " يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! "، فَاسْتَجَابُوا
لَهُ وَمَدُّوا إليه أَعْنَاقَهُمْ؛ فقال: "إن الله ... " الحديث. وقال ابن حبان - وأقره ابن
الجوزي والذهبي -:
"وهذا ليس له أصل صحيح يرجع إليه. والحارث يأتي عن الثقات ما ليس
من حديثهم، " لا يعجبني الإحتجاج بحديثه إذا انفرد". وقال الهيثمي في "مجمع
الزوائد " (4/72) :
"رواه الطبراني في؛ "الكبير"، وفيه الحارث بن عبيد، وهو ضعيف ".(13/170)
قلت: أصاب في التضعيف فقط، وسَلَفُه في ذلك ما تفيده عبارة ابن أبي
حاتم عن أبيه:
"هو شيخ ليسى بالقوي ".
وأخطأ الهيثمي في اسم أبي الحارث فقال: "عبيد" ... وإنما هو: "عبيدة"!
ومن العجيب الغريب أن هذ الخطأ قد وقع فيه ابن الجوزي والسيوطي (1)
وغيرهما؛ فإنهما - رغم سوقهما الحديث من رواية [ابن] حبان بإسناده المتقدم على
الصواب؛ - وقع فيه عندهما: "عبيد". وإن مما لا شك فيه أنه عند ابن الجوزى خطأ
من بعض نُسَّاخ كتابه، بدليل إن ما نقلته في ترجمة الحارث هذا عن ابن حبان؛ لا
يتفق مع ترجمته لابن عبيد، وإن كان قد أورده في "الضعفاء" أيضاً فقال (1/224) :
"الحارث بن عُبيد أبو قدامة الإيادي ... كان شيخاً صالحاً ممن كثر وهمه؛
حتى خرج عن جملة من يحتج بهم إذا انفردوا".
وقد غفل عن هذا كله السيوطي: فتعقب ابن حبان وابن الجوزي؛ فقال في
" اللآلئ " (2/ 141) - وقلده الفَتِني الهندى في "تذكرة الموضوعات " (ص 136) -:
"قلت: الحارث روى له مسلم وأبو داود والترمذي، والحديث صحيح روي من
عدة طرق ... ".
تلت: والجواب من وجهين:
الأول: أن مسلماً إنما روى. عن ابن عَبيد الإيادي ... وليس ابن عُبيدة الحمصي
- كما تقدم -، على أن الأول قد ضعفه الجمهور أيضاً؛ فراجع ترجمته في
"التهذيب "، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ":
__________
(1) ثم تبينت أن الخطأ عند ابن الجوزي فقط، ومع ذلك قال السيوطي ما يأتي!(13/171)
"ليس بالقوي، وضعفه ابن معين ".
والآخر: أن الطرق التي أشار إليها وساق ألفاظها ليس فيها ما في هذا من
قوله: " ووصل، وأدى الأمانة " ... وقد خرجتها في "الصحيحة " (994 و 1458) .
وقد تنبه لهذا الخطأ ونبه عليه العلامة المعلمي رحمه الله في تعليقه على
"الفوائد المجموعة" للشوكاني (140/405) ؛ ولكنه لم يوضح الفرق بين متن هذا
الحديث ومتن الطرق التي ساقها السيوطي.
6068 - (لا بُدَّ للناسِ مِنَ العَرِيفِ، والعريفَ في النار؛ يؤتى
بالجِلْوازِ يومَ القيامة، فيقالُ له: ضَعْ سَوْطَكَ وادخُلِ النارَ) .
منكر.
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/148 و 317) من طريق
إسماعيل بن عبد الله: حدثني العلاء بن أبي العلاء: حدثني مِرْداس عن أنس
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مجهول، أورده أبو نعيم في ترجمة العلاء هذا، وفي
ترجمة شيخه مرداس، ولم يذكر فيهما جرحاً ولا تعديلاً. وليس لهما ذكر في
شيء من كتب الرجال؛ فهما مجهولان.
وأما إسماعيل بن عبد الله - فهو: أبو بشر يعرف بـ (سَمويه) -، ترجمه أبو
الشيخ في "طبقات الأصبهانيين " (221/236) ، وأبو نعيم في "الأخبار" (1/210
- 211) وكان حافظاً متقناً، توفي سنة (267) .
وقد توبع؛ فقال أبو الشيخ في ترجمة (مرداس الأصبهاني) (65/27) : حدث
عقيل بن يحيى قال: ثنا العلاء بن أبي العلاء ... به؛ دون الشطر الثاني.
وفي أول الحديث عند أبي نعيم زيادة بلفظ:(13/172)
! ما لكم تدخلون عليَّ قِلْحَاً، لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند
كل صلاة".
وهذه الزيادة بتمامها في "المسند" وغيره من طريق أخرى؛ فيها اضطراب.
والشطرُ الثاني منها متفق عليه من حديث أبي هريرة؛ وهو مخرج في "الإرواء"
(رقم 70) ، والصحيحة (3067) .
والحديث أورده السيوطي بتمامه في "الجامع الكبير" من رواية سَمُّوَيْه وأبي
نعيم عن أنس، وسكت عنه كغالب عادته!
وأخرجه أبو داود في أول (الخراج والإمارة) من طريق رجل عن أبيه عن جده
مرفوعاً بلفظ:
"إن العَرافة حق، ولا بد للناس من العُرَفاء؛ لكن العرفاء في النار". وفيه
قصة.
وهذا إسناد مجهول؛ ولذلك أوردته في "ضعيف أبي داود" (510) .
6069 - (لا يَدَعْ أَحَدُكُمْ طَلَبَ الْوَلَدِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ وَلَيْسَ
لَهُ وَلَدٌ انْقَطَعَ اسْمُهُ) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/210/369) : حدثنا محمد
ابن هارون بن محمد بن بكار: ثنا العباس بن الوليد الخلال: ثنا مروان بن
محمد: ثنا ابن لهيعة عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمرقال:
أخبرتني حفصة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذ! هـ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ ابن لهيعة - وهو: عبد الله -.
وسائر الرواة ثقات غير محمد بن هارون شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة،(13/173)
وهو دمشقي؛ فهو على شرط ابن عساكر في "تاريخ دمشق" فليراجَع؛ فإن النسخة
المصورة التي عندي منه مخرومة، وقد روى عنه الطبراني في "المعجم الأوسط "
(2/124 - 127/6925 - 6965) أربعين حديثاً - بترقيمي -.
ومروان بن محمد هو الطاطري.
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" ساكتاً عنه - كما هي عادته
الغالبة -! وتساهل الهيثمي فقال في "المجمع " (4/258 - 259) :
"رواه الطبراني، وإسناده حسن "!
6070 - (من قال إذا أصبح: اللهم! أصبحتُ منك في نعمةٍ وعافيةٍ
وسترٍ، فأتِمَّ عليَّ نعمتَك وعافيتَك وسِتْرَك في الدنيا والآخرة - ثلاتَ
مراتٍ إذا أصبحَ وإذا أمسى -؛ كان حقّاً على الله عَزَّ وَجَلَّ أن يُتِمَّ عليه
نعمتَه) .
موضوع.
أخرجه ابن السني في "اليوم والليلة" (رقم 53) من طريق عمرو
(الأصل: عمر) بن الحصين: حدثنا إبراهيم بن عبد الملك عن قتادة عن سعيد بن
أبي الحسن عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع عندي؛ آفته عمرو بن الحصين، وقد تقدمت له أحاديث
كثيرة، وبه أعله الحافظ في "تخريج الأذكار" (ق 181/2) فقال:
"وهو متروك باتفاقهم، واتهمه بعضهم ".
وسقط قول الحافظ هذا وغيره من كتاب "الفتوحات الربانية" لابن علان
(3/128) ! وسكت النووي في "الأذكار" عن إسناده! وتبعه على ذلك المعلق
عليه: الأرناؤوط، وسيد سابق في "فقه السنة" (1/597) ، ومن قبلهما السيوطي(13/174)
في "الجامع الكبير"!!! وكان ذلك من الدواعي لتخريجه وتحقيق الكلام عليه.
وبالله التوفيق.
6071 - (لا يَنْظُرُ الله إلى قومٍ! يَجْعلون عمائِمَهُم تحتَ ردائِهم.
يعني: في الصلاة) .
منكر.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/185) معلقاً عن أبي نعيم
عن قيس بن إبراهيم الطواسي: حدثنا داود بن سليمان الخواص: حدثنا خازم
ابن جَبَلَة بن أبي نَضْرة عن ابن أبي رَوَّاد عن الضَّحَّاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رفعه: ...
فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: الانقطاع بين الضحاك - وهو: ابن مزاحم - وابن العباس.
الثانية: خازم بن جبلة: قال في "اللسان ":
"قال محمد بن مخلد الدوري: لا يكتب حديثه ". وهو بالخاء المعجمة - كما
في "الإكمال " لابن ماكولا، و"اللسان " -، ووقع في الأصل بالحاء المهملة!
الثالثة: داود بن سليمان: قال في "الميزان" و "اللسان ":
"قال الأزدي؛ ضعيف جدّاً، خراساني ".
الرابعة: قيس بن إبراهيم الطواسي. كذا الأصل، ولم أجد هذه النسبة، ولا
وجدت له ترجمة.
والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأبي نعيم، ساكتاً عنه!(13/175)
6072 - الا تزالُ أُمتي على الفِطْرَةِ ما لَبِسوا العمائمَ على القَلانِس) .
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسنده " (3/175) من طريق محمد بن(13/175)
يونس الكُدَيمي عن إسماعيل بن عبد الله بن زُرارة عن محمد بن ربيعة عن أبي
جعفر العسقلاني عن طلحة بن يزيد بن رُكانة عن أبيه عن جده رفعه ...
فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته الكديمي هذا، فإنه كذاب، وتقدمت له أحاديث.
وأبو جعفر العسقلاني: أظنه أبا جعفر بن محمد بن ركانة؛ وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما
في "التقريب" -.
وطلحة بن يزيد بن ركانة هو: أخو علي بن يزيد بن ركانة - كما ذكر المزي
في ترجمة جده ركانة من "تهذيب الكمال " (9/224) -، ولم أجد له ترجمة.
ومثله أبوه يزيد بن رُكانة؛ لم أجد له ترجمة.
والمحفوظ عن محمد بن ربيعة ما رواه جمع عنه: حدثنا أبو الحسن العسقلاني
عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة عن أبيه:
أن ركانة صارع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصرعه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال ركانه: وسمعت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"فَرْقُ ما بيننا وبين المشركين: العمائم على القلانس ".
وضعفه الترمذي بقوله:
"حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني،
ولا ابن ركانة".
قلت: وهو مخرج في "الإرواء" (1503) ، وبينت هناك أن قصة المصارعة
صحيحة؛ لورودها من غير هذه الطريق، فليراجعه من شاء.
والحديث أورده السيوطي أيضاً في "الجامع الكبير" ساكتاً عليه!(13/176)
6073 - (لا تكونُ المرأةُ حَكَمَاً تقضي بين الناس) .
منكر.
أخرجه الديلمي (3/174) من طريق علي بن المديني: حدثنا عبد الكريم
البصري عن عمر بن زيد بن مهران عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مظلم؛ عمر بن زيد بن مهران لم أعرفه، ومن المحتمل أن
يكون الذي في "كامل ابن عدي" (5/1687) :
"عمربن يزيد المدائني، منكر الحديث عن عطاء وغيره".
وعبد الكريم البصري: هو من طبقة عبد الكريم بن روح بن عنبسة أبي سعيد
البصري مولى عثمان، وهو ضعيف. فيحتمل أن يكون هو هذا.
والحديث في "الجامع الكبير" أيضاً!(13/177)
6074 - (لو أن الإنسَ والجِنَّ والشياطين [والملائكةَ] منذُ يومِ خُلِقوا
إلى يومِ فنائِهِم [قاموا] صفاً واحداً؛ ما أحاطوا بالله عَزَّ وَجَلَّ أبداً) .
منكر.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء، (1/ 140) - والسياق له -، وابن عدي
في "الكامل " (442 - 443) ، والديلمي (3/173) من طريق بشر بن عمارة عن
أبي رَوْقٍ عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {لا
تدركه الأبصار} ؛ قال: ... فذكره.
والزيادة الأولى لغير العقيلي، والأخرى له فيما عزاه إليه السيوطي في
"الجامع الكبير"، ولفظ الآخرين: "صفوا".
وهذا إسناد ضعيف؛ وفيه علتان:(13/177)
الأولى: عطية - وهو العوفي؛ وهو - ضعيف مدلس، وتقدمت له أحاديث
كثيرة.
والأخرى: بشر بن عمارة: وفي ترجمته أورده العقيلي وابن عدي، ورويا عن
البخاري أنه قال فيه:
"تعرف وتنكر"، وزاد الأول فقال عقبه:
"ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به".
وفي ترجمته ساق الذهبي هذا الحديث مشيراً إلى أنه منكر. ولعله صرح
بذلك في بعض - كتبه؛ فقد قال السيوطي في "الدر المنثور" (3/37) :
"قال الذهبي: هذا حديث منكر".
وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/189) في بشر هذا:
"كان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، ولم يكن يعلم الحديث
ولا - صناعته.".
وجزم الحافظ في "التقريب " بضعفه.
وأبو روق اسمه: عطية بن الحارث صاحب التفسير، وهو صدوق.
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية العقيلي وحده ساكتاً
عنه! وجزم في "الدر" بأن سنده ضعيف، وإلى ذلك أشار الحافظ ابن كثير في
"التفسير" بقوله - بعد أن عزاه لابن أبي حاتم -:
"غريب؛ لا يعرف إلا من هذا الوجه، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب
" الستة ".(13/178)
6075 - الا يَقَعَنَّ أحدُكم على امرأتِه كما تَقَعُ البَهيمةُ؛ وليكنْ
بينهما رسولٌ. قيل: وما الرسولُ؟ قال: القُبْلةُ والكلام) .
منكر.
أورده الغزالي في (الإحياء" (2/ 50) هكذا دون عزوٍ؛ كعادته، فقال
العراقي في "تخريجه":
"رواه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس " من حديث أنس، وهو منكر".
وأقره الزبيدي في "شرحه " (5/372) ، ومن قبله السيوطي في "الجامع الكبير"
وقد ذكره بتمامه كما يأتي.
وأقول: أخرجه الديلمي (3/64) من طريق جعفر بن محمد السَّافادي:
حدثنا علي بن داود القَنطري: حدثنا سندي بن سليم: حدثنا عمرو بن صدقة:
أخبرني عمر بن شاكر عن أنس قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ثلاثة من الجفا: أن يواخي الرجل الرجل؛ فلا يعزف له اسماً ولا كنية. وأن
يهيئ الرجل لأخيه طعاماً؛ فلا يجيبه. وأن يكون بين الرجل وأهله وقاع! ؛ من غير أن
يرسل رسولاً: المزاح والقُبَل؛ لا يقع أحدكم على أهله مثل البهيمة على البهيمة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علل:
الأولى: عمر بن شاكر: قال ابن أبي حاتم (3/115) :
"سألت أبي عنه؟ قال: ضعيف الحديث، يروي عن أنس المناكير".
والراوي عنه عمرو - ووقع في الأصل "عمر "، والتصحيح من "الجرح "، و -:
قال:
"سئل أبي عنه؛ فقال: شيخ صدوق".
الثانية: سدى. كذا الأصل بالإهمال، ولم أعرفه.(13/179)
الثالثة: جعفر بن محمد السافادي، حرف السين المهملة غير واضح في
المصورة من الأصل، ويمكن أن يكون (الهافادي) بالهاء. ولم أجد هاتين النسبتين
في "الأ نساب" و "اللباب "، ولا عرفت الرجل أيضاً.
والحديث من الأحاديث الكثيرة الضعيفة والمنكرة التي سسود بها المسمى بـ
محمد أديب كلكل "فقهه " (ص 108) ، مع علمه بحكم العراقي عليه بالنكارة!
وقد تقدم له حديث آخر بنحوه قريباً رقم (6071) .
6076 - (إذا ركب الناسُ الخَيْلَ، ولبِسوا القُباطيَ، ونزلوا الشامَ،
واكتفى الرجالُ بالرجالِ، والنساءُ بالنساءِ؛ عَمَّهُم الله بعقوبةٍ من عندِه) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/ 1800) ، ومن طريقه ابن عساكر
في "تاريخ دمشق" (1/335 - طبع دمشق) عن عمرو بن زياد بن عبد الرحمن بن
ثويان مولى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثنا حماد بن زيد وعبدإلوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي
قلابة عن أنس: أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ... فذكره. وقال ابن عدي:
"منكر؛ موضوع على حماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي ".
ووافقه الذهبي والعسقلاني - ذكروا ذلك في ترجمة الثوباني هذا -، وقال فيه
ابن عدي:
"منكر الحديث، يسرق الحديث، ويحدث بالبواطيل". وقال ابن أبي حاتم:
"سألت أبي عنه؟ فقال:
قدم الري، فرأيته ووعظته، فجعل يتغافل؛ كأنه لا يسمع! كان يضع
الحديث. قدم قزوين فحدثهم بأحاديث منكرة، أنكر عليه علي الطَّنافسي. وقدم
الأهواز فقال: " أنا يحيى بن معين، هربت من المحنة"؛ فجعل يحدثهم ويأخذ(13/180)
منهم! فأعطوه مالاً. وخرج إلى خراسان وقال: "أنا من ولد عمر"! وخرج إلى
قزوين - وكان على قزوين رجل باهلي -، فقال: "أنا باهلي "! وكان كذاباً أفاكاً،
كتبت عنه ثم رميت به ". قال ابن عساكر:
"فلا يحتج بروايته، وقد تقدم "باب حّثِّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمته على سكنى الشام "،
فكيف يكون نزولهم إياه مذموماً؟! ولعله - إن صح - أراد به قرب الساعة؛ كما في
حديث ابن حوالة: "إذا رأيت الخلافة قد نزلت بالشام ... " الذي تقدم ".
كذا قال! ولم يتقدم عنده، وإنما هو سيأتي عنده فيما بعد (1/375 - 377) ،
وهو مخرج في "المشكاة، (5449) ، و"صحيح أبي داود" (2286) .
ويشير بالباب المذكور إلى حديث ابن حوالة الآخر:
" عليكم بالشام ... ".
وهو مخرج في "فضائل الشام " (رقم 2 و 9) ، و"صحيح أبي داود" (2144) .
6077 - (إذا خشيَ أحدُكم نِسيانَ القرآنِ؛ فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ! ارْحَمْنِي
بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي بِتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي
حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي، وأَلْزِمْ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي،
وَنَوِّرَ بِهِ بَصَرِي، واشْرَحْ بِهِ صَدْرِي، واجعلني أَتْلُوَهُ عَلَى ما يُرْضِيكَ
عَنِّي، وَأَفْرِجْ بِهِ عن قَلْبِي، وَأَطْلِقْ بِهِ لِسَانِي، وَاستَعمِلْ بِهِ بَدَنِي، وَنَوِّرَ
بِهِ قَلْبِي، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ) .
منكر.
أخرجه ابن عساكر في "جزء أخبار لحفظ القرآن " (ق 3/ 1 - 2) ، والضياء
المقدسي في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 58/1) من طريق إبراهيم بن سليمان
الهُجَييمي: ثنا المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث: ثنا الحسن بن أبي الحسن(13/181)
عن عمر بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي الدرداء ... ، مرفوعأًً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم - لم أر من تكلم عليه، وفيه:
أولاً: الحسن بن أبي الحسن: لم أعرفه، وفي "الميزان ":
"الحسن بن أبي الحسن البغدادي المؤذن، عن ابن عيينة، منكر الحديث.
قاله ابن عدي ".
قلت: وهذا أدنى طبقة من المترجم.
ثانياً: المغيرة بن أبي السعدي أبو الحارث؛ لم أعرفه أيضاً.
ثالثاً: إبراهيم بن سليمان الهُجيمي: أظنه الذي في "اللسان ":
"إبراهيم بن سليمان أبو إسحاق، ذكره النسائي في "الكنى" وقال: حديث
منكر. ولم يذكر المتن؛ فيحتمل أن يكون هو الذي قبله. وفي "الضعفاء" للأزدي:
إبراهيم بن سليمان البصري منكر الحديث. فلعله هذا. وقد ذكر في الذي قبله:
أنه كوفي سكن البصرة".
والمشهور في حفظ القرآن حديث ابن عباس عند الترمذي وغيره، ولا يصح
أيضاً، وقد سبق تخريجه والكلام عليه برقم (3374) ، وفيه بعض الجمل التي في
هذا؛ مما يلقي في النفسى أن أحد رواة هذا سرقه من ذاك. والله أعلم.
6078 - (اطَّلَعَ رجلٌ من جُحر بابي، ومعي مِدْرى (1) ؛ فوثبتُ فطعَنْتُ
به في عينهِ) .
منكر.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/2698) من طريق يحيى بن
__________
(1) الأصل: مذرى بالذال المعجمة، وقال المعلق عليه: والمذرى أو المذراة: خشبة ينقى
بها الحب من التبن. "لسان العرب"! وإنما هو بالدال المهملة؛ كما - ترى أعلاه -.(13/182)
محمد بن قيس أبي زكير قال: سمعت أبا حازم يذكر عن سهل بن (1) سعد: أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا منكر بهذا اللفظ؛ آفته أبو زكير، وهو صاحب مناكير؛ منها
حديث: "كلوا البلح بالتمر؛ فإن الشيطان يغضب ... " الحديث، وقد تقدم برقم
(231) ، وساق له ابن عدي أحاديث هذان منها، وقال:
"له أحاديث سوى ما ذكرت، وعامة أحاديثه مستقيمة إلا هذه التي بيّنتها".
والحديث مشهور من حديث الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أخبره:
أن رجلاً اطلع في جُحر في باب رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مدرى
يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال:
"لوأعلم أنك تنظرني؛ لطعنت به في عينك، إنما جعل الإذن من أجل البصر".
أخرجه البخاري (5924 و6901) ، ومسلم (6/ 180 - 181) ، والترمذي
(2710) ، والنسائي (2/253) ، والدارمي (2/198) ، وابن حبان (5779) ، والبيهقي
(8/338) ، وأحمد (5/330 - 331) ، والحميدي (2/412/924) ، وأبو يعلى
(7510) من طرق عن الزهري ... به. وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح ".
قلت: فقد أخطأ أبو زكير في مواضع منه:
الأول: أنه جعل الاطلاع من كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... وهو من كلام سهل رضي الله
عنه.
__________
(1) الأصل: عن سعد!(13/183)
والآخر؛ أنه نسب إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه طعن في عين المُطَّلع ... وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل؛
فدل ذلك على نكارة حديثه.
(فائدة) : المِدرى - بكسر الميم وسكون المهملة -؛ عود أو حديدة - كالخلال -
لها رأس محدد. وقيل غير ذلك. انظر "الفتح " (10/367 و 12/244) .
6079 - (النَّظَرُ في مِرآةِ الحجَّامِ دَناءةٌ) .
منكر.
أخرجه الإسماعيلي في "المعجم " (ق 31/1 - 2) : حدثنا محمد بن
أحمد القَصَبِيُّ: حدثنا إسحاق بن شاهين: حدثنا خالد بن عبد الله عن أبي
طَوالة عن أنس قال: قال رسول الله: ... فذكره.
وأخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/107) من طريق أخرى عن
محمد بن أحمد بن الحسن القصبي ... به.
ذكره الإسماعيلي في ترجمة القصبي هذا، وقال:
"لم يكن بذاك، والحديث منكر". وأقره الحافظ في "اللسان ".
وقد رواه بعض الضعفاء مقطوعأًً على إبراهيم - وهو: النخعي -؛ فقال ابن
عدي (7/2595) : ثنا أحمد بن محمد الضَّبعي: أخبرني إسحاق بن شاهين:
أخبرنا هشيم: أخبرنا بعض أصحابنا عن مغيرة عن إبراهيم ... به.
ثم أخرجه بهذا الإسناد عن إسحاق: ثنا إبراهيم بن عطية عن مغيرة ...
به. وقال:
"وقول هشيم: ثنا بعض أصحابنا عن مغيرة؛ إنما أراد به إبراهيمَ بن عطية
هذا، وقد دلَّسه هشيم ".(13/184)
وإبراهيم هذا شديد الضعف؛ ولذلك كان هشيم يدلسه ولا يسميه، وقال ابن
حبان في "الضعفاء" (1/109) :
"كان هشيم يدلس عنه أخباراً لا أصل لها، كأنه وقف على العلة فيها، وكان
منكر الحديث جداً".
وله ترجمة في "تاريخ بغداد" (6/114 - 115) ، وروى عن ابن معين أنه قال:
"لا يساوي شيئاً". وذكر عنه أنه سمع منه هشيم وأنه كان يدلسه.
(تنبيه) : عزا المعلق على "الفردوس، (4/298) لـ "تاريخ بغداد" بالرقمين
المشار إليهما آنفاً، وأعله بقول ابن معين المذكور في إبراهيم؛ فأوهم أنه في "التاريخ "
مسند عن أنس! فاقتضى التنبيه.
6080 - (اصْرِمِ (1) الأحمقَ) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (2/78/1 - مصورة الجامعة
الإسلامية) ، والبيهقي في "الشعب" (7/ 61) - من طريق الحاكم - كلاهما من طرق
عن محمد بن إسحاق البلخي قال: ثنا عمرو بن قيس بن يسير بن عمرو عن
أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
أورده ابن عدي في ترجمة عمرو بن قيس هذا - وهو: الكندي الكوفي -،
وقال:
"لا أعرف له كثير حديث ". وروى عن ابن معين أنه قال:
__________
(1) فعل أمر من (الصَّرْم) وهو: القطع. وخفي ذلك على محقق "الميزان"؛ فلم يعرف
وجهه، فقال (3/284) : (هكذا في الأصل"! ووقع الحديث في "الكامل" بتحقيق لجنة من
الختصين بإشراف الناشر! بلفظ: (أصرم الدعاء الأحمن) !! فإن كنت ذكياً؛ فافهم!(13/185)
"ليس بثقة". وعن ابن سعيد - وهو: ابن عقدة - أنه قال:
"ثقة كوفي ".، وكذلك قال ابن أبي حاتم (3/1/255) عن أبيه. وذكره ابن
حبان في "الثقات " (7/ 220) .
وأبوه قيس بن يسير - ويقال فيه: (أسير) - قد روى عنه الثوري أيضاً - كما
في "تاريخ البخاري " و "الجرح "؛ فهو مجهول الحال، وذكره ابن حبان في "الثقات "
(7/328) !
وجده يسير بن عمرو: روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في "ثقات
التابعين " (5/557) ؛ فالحديث مرسل؛ كما قال الحافظ في "اللسان "، قال:
"والصواب موقوف ".
وأقول: وعلة هذا المرفوع محمد بن إسحاق البلخي هذا؛ فإنه متهم بالكذب
- مع حفظه، فقال ابن عدي (6/2282) :
"لا يشبه حديثه حديث أهل الصدق ". وقال الذهبي في "الميزان ":
"كان أحد الحفاظ، إلا أن صالح بن محمد جَزَرَةَ قال: كذاب. وقال الخطيب:
لم يكن يوثق به ". وله ترجمة سيئة في "تاريخ بغداد" (1/234 - 235) .
ومع هذا الضعف الشديد فيه؛ فقد خالفه الثقات في رفعه؛ فأخرجه ابن عدي
والبيهقي من طرق عن عمرو بن قيس بن يسير ... به موقوفاً. وقال البيهقي:
"وهذا هو الصحيح؛ موقوف. ويسير بن عمرو كان على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن
إحدى عشرة سنة ".
هذا وقد وقع في إسناد الحاكم المتقدم عدة أخطاء نبه عليها البيهقي ثم
الحافظ في "الإصابة"؛ لا ضرورة لذكرها، فمن شاء الوقوف عليها رجع إليها.(13/186)
(تنبيه) : سبق أن بينت في الحاشية الخطأ الفاحش الذي وقع في متن الحديث
في "كامل ابن عدي"؛ خطأ أضاع على القراء فهم معناه، رغم قيام اللجنة المزعومة
على تصحيح "الكامل"!
وقد وقع فيه خطأ آخر أسوأ منه: وهو أنه سقط من ناسخ الأصل - ولم تتنبه
له اللجنة المصححة! - متن الحديث الموقوف، وإسناد الحديث المرفوع؛ فصار إسناد
الحديث الموقوف إسناد الحديث المرفوع! ولولا أن الله تعالى وفَّّقني فأوقفني على
هذه الحقيقة بالرجوع إلى النسخة المصورة؛ لكان من غير الممكن الوقوف على هذا
الخطأ الفاحش الذي نادراً ما نجد له مثيلاً! والله المستعان.
6081 - (أَصْلِحِي لَنَا الْمَجْلِسَ؛ فَإِنَّهُ يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلَى الْأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ
إِلَيْهَا قَطُّ) .
منكر.
أخرجه أحمد (296/6) من طريق الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ خَتَنُ مَالِكِ ابْنِ
دِينَارٍ - قَالَ حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ الْمَدِينَةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة الشيخ المدني الذي لم يسم.
والمغيرة بن حبيب: ترجمه ابن أبي حاتم (4/1/220) " برواية أربعة من
الثقات، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وترجمه البخاري كذلك في "التاريخ "
(4/325) برواية ثلاثة منهم؛ لكن وقع في نسخة منه - كما أشار إلى ذلك محققه -
زيادة:
"وكان صدوقاً عدلاً ".
فإذا صح هذا؛ فالعلة فقط من شيخه المجهول.(13/187)
وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/466) برواية هشام الدَسْتَوائي وغيره،
وقال:
"يغرب ".
وروى له في "صحيحه " (رقم 53 - الإحسان و35 - الموارد) حديثاً في الخطباء
الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم. وقد خرجته في "الصحيحة" (291) ،
وذكرت فيه قول من قال في المغيرة هذا: منكر الحديث، والرد عليه. فراجعه.
ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (3/240) وتبعه الهيثمي في "مجمع
الزوا ئد " (8/ 174) :
"رواه أحمد، ورواته ثقات؛ إلا أن التابعي لم يسم ".
ومنه تعلم خطأ قول المناوي في "الجامع الأزهر" (1/58/2) :
"رواه أحمد بإسناد حسن "!
6082 - (يا عَلِيُّ! أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الآخِرَةِ، حَبِيْبُكَ
حَبِيْبِي، وَحَبِيْبِي حَبِيْبُ اللهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوِّي عَدُوُّ اللهِ،
فَالوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي) (*) .
موضوع.
أخرجه الحاكم (3/127 - 128) ، وابن عدي في "الكامل " (1/195
و5/1948 - 1949) ، والخطيب في "التاريخ " (4/ 41) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل المتناهية" (1/218) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (1/259 - 265)
من طرق عن أبي الأزهر أحمد بن الأزهر قال: ثنا عبد الرزاق: أنبأ معمر عن
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قال:
نظر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى علي، فقال: ... فذكره. وقال الحاكم:
__________
(*) سبق تخريجه برقم (4894) . (الناشر) .(13/188)
"صحيح على شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا انفرد الثقة
بحديث؛ فهو - على أصلهم - صحيح ".
قلت: ظاهر إسناده الصحة، وأما كونه على شرط الشيخين؛ فليس كذلك،
بل ولا هو على أصل الحاكم؛ لأن أبا الأزهر ليس من شيوخ البخاري، وإن كان
في نفسه صدوقاً دون خلاف معروف.
ومع ذلك فقد رأيت أئمة الحديث متفقين على إنكار هذا الحديث، إلا أنهم
اختلفوا في تحديد العلة الخفية فيه على رأيين:
الأول: أنه من وهم أبي الأزهر هذا: فروى الحاكم عن أحمد بن يحيى
الحُلْواني قال:
"لما ورد أبو الأزهر من صنعاء، وذاكر أهل بغداد بهذا الحديث؛ أنكره يحيى
ابن معين. فلما كان يوم مجلسه؛ قال في أخر المجلس: أين هَذَا الكَذَّابُ النَّيْسَابُوْرِيُّ
الَّذِي يذكر عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ هَذَا الحديث؟! فَقَامَ أَبُو الأَزْهَرِ، فَقَالَ: هُوَ ذَا أَنَا ".فضحك
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ من قوله وقيامه في المجلس وأدناه، ثم قَالَ له:
كيف حدثك عبد الرزاق بهذا ولم يحدث به غيرك؛ فقال: اعلم يا أبا زكريا
أني قدمت صنعاء وعبد الرزاق غائب في قرية له بعيدة، فخرجت إليه وأنا عليل،
فلما وصلت إليه؛ سألني عن أمر خراسان؟ فحدثته بها، وكتبت عنه، وانصرفت
معه إلى صنعاء، فلما ودعته؛ قال لي: قد وجب عليَّ حَقُّك، فأنا أحدثك
بحديث لم يسمعه مني غيرك. فحدثني - والله! - بهذا الحديث لفظاً. فصدقه
يحيى ابن معين، واعتذر إليه ". ورواه ابن عدي أيضاً والخطيب وزاد:
"وتعجب من سلامته وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث ". وأيد الخطيب
هذا بقوله:(13/189)
"قلت: وقد رواه محمد بن حَمْدُون النيسابوري عن محمد بن علي بن سفيان
النجار عن عبد الرزاق. فَبَرِئَ أبو الأزهر من عهدته؛ إذ قد توبع على روايته ".
وأقره المزي في " التهذيب " والذهبي في "الميزان ".
ومال الذهبي في "التلخيص" و "الميزان " إلى تبرئته؛ فقال عقب تصحيح
الحاكم المتقدم:
(هذا - وإن كان! رواته ثقاتاً، فهو - منكر ليس ببعيد من الوضع، وإلا؛ لأي
شيء حدثه به عبد الرزاق سراً، ولم يَجْسُرْ أن يتفوه به لأحمد وابن معين والخلق
الذين رحلوا إليه؟! وأبو الأزهر ثقة ".
"وفيه إشارة إلى أنه يَحُطُّ فيه على عبد الرزاق نفسه، وقد أكّد ذلك في ترجمته
من " الميزان " فقال:
"قلت: أوهى ما أتى به حديث أحمد بن الأزهر - وهو ثقة - أن عبد الرزاق
حدثه خلوة من حفظه: أخبرنا معمر ... " فذكر الحديث، ثم قال:
"قلت: مع كونه ليس بصحيح؛ فمعناه صحيح سوى آخره، ففي النفس منها
شيء، وما اكتفى بها حتى زاد: "وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيضة الله،
والويل لمن أبغضك ".
فالويل لمن أبغضه، هذا لا ريب فيه؛ بل الويل لمن بغَّض منه، أو غض من
رتبته، ولم يحبه كحب نظرائه أهل الشورى رضي الله عنهم أجمعين".
وقال في ترجمة أحمد بن الأزهر بعد أن حكى توثيقه عن غير واحد:
" ولم يتكلموا فيه إلا لروايته عن عبد الرزاق عن معمر حديثاً في فضل علي؛
يشهد القلب أنه باطل ".(13/190)
هذا هو الرأي الأول: أنه من أبي الأزهر؛ ولكنه رُدَّ بالمتابعة التي سبق ذكرها.
والرأي الآخر: أنه من ابن أخٍ رافضيًّ لمعمر؛ فروى الخطيب من طريق ابن
نعيم - يعني: الحاكم صاحب "المستدرك " - قال:
"وَسَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ الحَافِظَ يقول: سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ الشَّرْقِيِّ وَسُئِلَ عَنْ
حَدِيْثِ أَبِي الأَزْهَرِ - يعني: هذا - فَقَالَ أبو حامد؛
هَذَا حديثٌ بَاطِلٌ، وَالسَّبَبُ فِيْهِ أَنَّ مَعْمَراً كَانَ لَهُ ابْنُ أَخٍ رَافِضِيٌّ، وَكَانَ مَعْمَرٌ
يُمَكِّنُهُ مِنْ كُتُبِهِ، فَأَدخَلَ عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيْثَ، وَكَانَ مَعْمَرٌ رجلاً مَهِيْباً، لاَ يَقْدِرُ عليه
أَحَدٌ في السؤال والمراجعة؛ فَسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ ابْنِ أَخِي مَعْمَرٍ ".
قلت: ولم ينشرح القلب لهذا السبب؛ لأنه يستلزم الشك في كتب معمر - كما
هو ظاهر -، ولعله لذلك لم يذكر في ترجمة معمر في "التهذيب" و "الميزان "
وغيرهما، مع أنهم لما نقلوه عن أبي حامد الشرقي؛ أقروه، ومنهم ابن الجوزي،
فقال عقب الحديث:
"لا يصح، ومعناه صحيح؛ فالويل لمن تكلف وضعه، إذ لا فائدة في ذلك ".
ثم روى عن الخطيب كلمة أبي حامد المذكورة. وأقره السيوطي في "ذيل
اللآلي" (ص 61/384) ، وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (398/1) ، وأورده
في " الفصل الثالث" منه.
6083 - (في قوله: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال: صلُّوا
ني نِعالِكم)
منكر.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/142 - 143) ، ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات" (2/95) من طريق عباد بن جويرية عن الأوزاعي عن(13/191)
قتادة عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن كان قاله - ... فذكره. وقال العقيلي:
"عباد بن جويرية، لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به، قال أحمد
والبخاري: كذاب ". وكذا قال ابن الجوزي، وقال:
"لا يصح ".
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/18) - وتبعه ابن عراق (2/101) - بما
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (14/287) من طريق يحيى بن عبد الله أبي
عبد الله الدمشقي عن الأوزاعي ... به.
فقد تابعه يحيى هذا، وسكتا عنه، وحق لهما ذلك؛ فإنه ليس له ذكر في
شيء من كتب الرجال - فيما علمت -. نعم ذكره ابن عساكر في "تاريخ دمشق "
(18/150) ولم يذكر فيه شيئاً سوى أن ساق له هذا الحديث من طريق الخطيب
وغيره؛ فهو مجهول العين.
وروي بلفظ:
"خذوا زينتكم في الصلاة". قالوا: وما زينة الصلاة؟ قال: "البسوا نعالكم
فصلوا فيها".
أخرجه ابن عدي (5/1829) من طريق بقية عن علي القرشي عن محمد
ابن عجلان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة ... مرفوعاً.
ذكره في ترجمة علي بن أبي علي القرشي، وقال:
"مجهول، منكر الحديث ".
وعلقه ابن أبي حاتم في "العلل " (1/155) من طريق بقية، وقال:
"قال أبي: هذا حديث منكر، وعلي القرشي مجهول ".(13/192)
وذكره في مكان آخر (1/149) من طريق محمد بن المصفى عن بقية ... به.
وقال:
"قال أبي: هذا حديث منكر".
قلت: ولم يذكر العلة؛ فالظاهر أنها جهالة علي القرشي - كما في قوله السابق -،
وأن بقية كان يدلسه أحياناً.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة:
أخرجه ابن عدي أيضاً (6/ 2171) ، وعنه السهمي في "تاريخ جرجان " (356
- 357) ، وابن الجوزي من طريق عيسى بن موسى الغُنجار عن محمد بن الفضل
عن كُرز بن وَبْرة عن عطاء عنه.
ثم أخرجه ابن عدي - وعنه السهمي - من طريق أبي عبد الرحمن القبابي
- شيخ بخارى - عن محمد بن الفضل عن كرز عن عطاء عن جابر ... به. وأعله
ابن الجوزي بقوله:
" قال أحمد بن حنبل: محمد بن الفضل: ليس بشيء؛ حديثه حديث أهل
الكذب ".
قلت: وعيسى بن موسى الغنجار: قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق ربما أخطأ، وربما دلس، مكثر من التحديث عن المتروكين ".
وأبو عبد الرحمن القبابي: لم أعرفه.
ثم إن السيوطي ذكر لحديث أبي هريرة طريقاً أخرى من رواية أبي الشيخ في
"التفسير" بسنده عن عبد الواحد بن زياد عن رباح عن عطاء ... به.(13/193)
وسكت عنه السيوطي! ولا أجد في إسناده ما يمكن أن يعل يه سوى رباح
هذا - وهو: ابن أبي معروف المكي -، وهو مختلف فيه. فروى ابن أبي حاتم
(1/2/489) عن عمرو بن علي الفلاس قال:
"كان يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي لا يحدثان عنه بشيء، وكان
عبد الرحمن حدث عنه ثم تركه ". ثم روى عن ابن معين أنه قال:
"ضعيف ". وعن أبيه وأبي زرعة أنهما قالا:
"صالح ". وقال الحافظ:
"صدوق له أوهام ". ورمز له بأنه من رجال مسلم. والله أعلم.
وحديث أنس ذكره الديلمي في "الفردوس " (2/165/2830) بلفظ:
" {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} : النعل والخاتم ".
ولم أره في النسخة المصورة من "الغرائب الملتقطة من مسند الفردوس ". والله
أعلم.
6084 - (من تَمامِ الصلاةِ: الصلاةُ في النَّعلين) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/ 11/1/ 148) : حدثنا
أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي؛ قال: ثنا موسى بن أبي سهل المصري،
قال: ثنا علي بن عاصم عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود
مرفوعاً. وقال:
"لم يروه عن مغيرة إلا علي بن عاصم، تفرد به موسى بن أبي سهل ".
قلت: ولم أعرفه، ووقع في "مجمع البحرين": "ابن سهل ". وأخشى أن
يكون الصواب: "موسى بن سلمة"، وحينئذٍٍ فيحتمل أن يكون "موسى بن سلمة(13/194)
ابن أبي مريم المصري، يروي عن عبد الجليل بن حميد بن يونس الأيلي وسفيان
الثوري وأهل الحجاز، وعنه سعيد بن الحكم "؛ هكذا ترجمه ابن حبان في "ثقاته "
(9/160) .
ويحتمل أن يكون: "موسى بن سهل بن كثير ... الوشاء البغدادي ". وهو
مترجم في "تاريخ بغداد" (3/48) و"الميزان " و"التهذيب "؛ ضعفه الدارقطني وكذا
البرقاني، وزاد: " جداً ".
ولكل من الاحتمالين ما يرجحه، أما الأول؛ ذلكونه مصرياً.
وأما الآخر؛ فلأنهم ذكروا في شيوخه علي بن عاصم. فالله أعلم.
وأعله الهيثمي بهذا الشيخ، فقال في "المجمع " (2/54) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه علي بن عاصم، وتكلم الناس فيه كما
ذكره المزي عن الخطيب ".
قلت: وله ترجمة واسعة في " الميزان " وغيره، وقال الذهبي:
"أنكر عليه كثرة الغلط والخطأ، مع تماديه على ذلك ".
ولذلك قال في "الكاشف ":
"ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ":
"صدوق يخطئ ويصر، ورمي بالتشيع ".
والمغيرة - وهو: ابن مِقسم الكوفي - ثقة متقن؛ إلا أنه كان يدلس، ولا سيما
عن إبراهيم.
قلت: وهو: ابن يزيد النخعي.(13/195)
6085 - (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ ومعه سبعونَ ألفَ حائكٍ) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/298) ، وعنه ابن الجوزي (1/226)
من طريق محمد بن تميم الفريابي: حدثنا عبد الرحيم بن حبيب: ثنا إسماعيل
ابن يحيى بن عبيد الله قال: حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن
عبد الله ... مرفوعاً. وقال ابن عدي:
"حديث باطل بهذا الإسناد؛ وبغير هذا الإسناد".
أورده في ترجمة إسماعيل هذا - وهو: التيمي المدني - وقال فيه:
"يحدث عن الثقات بالبواطيل ".
قلت: وتقدمت له عدة أحاديث موضوعة. وقال ابن الجوزي:
"حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وفيه آفات ... ". ثم ذكر قول ابن
عدي هذا في إسماعيل، ثم قال:
"وعبد الرحيم بن حبيب يضع الحديث على الثقات، ولعله وضع أكثر من
خمسمائة حديث على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ومحمد بن تميم كان يضع الحديث أيضاً".
ووافقه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/255) .
وأما السيوطي في "اللآلي " (1/ 201 - 202) فتعقبه بما أخرجه الديلمي في
"مسند الفردوس " (3/322) من طريق محمد بن غالب: حدثنا محمد بن
الحسن: حدثنا سعيد بن علي: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن
علي بن أبي طالب ... رفعه؛ به، وزاد:
"على مقدمته، أشعر من فيهم يقول: بدر بدر".(13/196)
وسكت عنه السيوطي! وقال ابن عراق:
"قلت: في سنده من لم أعرفهم ".
وأقول: كأنه يشير إلى سعيد بن علي وغيره. لكني أظن ظناً راجحاً أن
محمد بن الحسن هو: ابن زَبَالة أبو الحسن المدني؛ فإنه من هذه الطبقة، وقد
كذبوه - كما في "التقريب " -، ومثل هذا الحديث لا يصدر إلا من مثله، ولعل ابن
عدي قد أشار إلى هذا الإسناد بقوله المتقدم:
" ... وبغير هذا الإسناد". والله أعلم.
(تنبيه) : قوله: "بدر بدر" كذا وقع في الأصل! ولم أفهمه، وكذلك وقع في
" الفردوس " (8927) . ووقع في "الجامع الكبير": "بدو بدو"! وكذا وقع في "كنز
العمال " (38821) ! ولم أعرفه أيضاً. وذكره مؤلف "المسيح الدجال " (ص 254)
بلفظ:
"برو، برو"!
وفسره بقوله: "يعني: اسع اسع ". ولا أدري من أين جاء بهذا التفسير وبهذه
الرواية، وبخاصة أنه عزاها للديلمي في "الكنز" بالرقم الذي ذكرته آنفاً، وعقب
عليه بقوله:
"وفي رواية: بدو بدو".
وليس في "الكنز" غيرها!
6086 - (العَجْوَةُ من فاكِهةِ الجنة) .
ضعيف.
أخرجه أبو نعيم في "الطب " (ق 141/1) ، وابن عدي في "الكامل "(13/197)
(4/1371) عن صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه ... مرفوعاً.
أورده ابن عدي في ترجمة صالح هذا، وروى تضعيفه عن جمع، وعن
البخاري أنه قال:
"فيه نظر". وقال في آخرها:
"وعامة ما يرويه غير محفوظ ".
6087 - (ألا إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلا حَذَّرَ الدَّجَّالَ أُمَّتَهُ ...
يَخْرُجُ مَعَهُ وَادِيَانِ؛ أَحَدُهُمَا: جَنَّةٌ، وَالآخَرُ: نَارٌ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ
نَارٌ، مَعَهُ مَلَكَانِ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُشْبِهَانِ نَبِيَّيْنِ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لو شئت؛
سَمَّيْتُهما بأسمائِهما وأسماءِ آبائِهما، واحدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ
شِمَالِهِ، وَذَلِكَ فِتْنَةٌ؛ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ أَلَسْتُ أُحْيِي
وَأُمِيتُ؟ فَيَقُولُ أَحَدُ الْمَلَكَيْنِ: كَذَبْتَ، فَمَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ إِلا
صَاحَبَهُ فَيَقُولُ لَهُ: صَدَقْتَ، فَيَسْمَعُهُ النَّاسُ، فَيَظنونَ أَنَّما يُصَدِّقُ
الدَّجَّالُ، وَذَلِكَ فِتْنَةُ ... " الحديث.
منكر بذكر الملكين.
أخرجه الطيالسي في "مسنده " (1106) ، وابن أبي
شيبة في "مصنفه " (15/137 - 138) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(7/98/6445) ، من طرق عن حشرج بن نُباتة: ثنا سعيد بن جُمهان عن سفينة
مولى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
خطبنا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد قابل للتحسين؛ فإن سعيداً وحشرجاً فيهما كلام من قبل
حفظهما، قال الحافظ في الأول منهما:(13/198)
"صدوق؛ له أفراد". وقال في الآخر:
" صدوق؛ يهم ".
ولذلك قال الحافظ ابن كثير في "النهاية" (1/124 - الرياض) : بعدما عزاه
لأ حمد وحده:
"وإسناده لا بأس به ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (7/ 340) :
"رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر".
إلا أن الحافظ ابن كثير استدرك على كلامه المتقدم فقال:
"ولكن في متنه غرابة ونكارة. والله أعلم ".
قلت: يشير إلى قصة الملكين وتمثلهما بصورة النبيَّيْن؛ فإنها منكرة جداً في
نقدي سنداً ومتناً.
أما السند؛ فلتفرد مَنْ فيه سوء حفظ دون كل الرواة الثقات الحفاظ الذين
رووا حديث الدجال بالفاظ مختلفة، وسياقات متعددة عن جمع من الصحابة،
ساق ابن كثير أحاديث نحو ثلاثين منهم، وقد بلغوا عدد التواتر عند أهل العلم،
لم يذكر أحد منهم هذه القصة؛ فدل ذلك على نكارتها (*) .
وأما المتن؛ فلأنه لا يظهر معنى الافتتان بالملكين، ما دام أنهما لا يعرفان؛
لأنهما بصورة نبيين، وهذان لا يعرفان أيضاً؛ كما هو ظاهر، فلا امتحان في قول
أحدهما سراً للدجال: "كذبت "، وفي قول الآخر له: "صدقت ". بل الفتنة
__________
(!) انظر "قصة المسيح الدجال ... " للشيخ - رحمه الله -. وقد طبع بعد وفاته. (الناشر) .(13/199)
تتجلى بأنهما فيما لو كانا معروفين من بين الناس أنهم من أهل العلم الذين
يشايعون الحكام وينافقون لهم، فإن الفتنة بهم أكبر؛ كما هو مشاهد في هذا
الزمان، والله المستعان.
(تنبيه) : سقط ذكر الملكين من "مسند الطيالسي "، وكذا من "ترتيبه " (2/217)
للبنا الساعاتي!
6088 - (يتبعُ الدَّجَّالَ من أُمتي سبعونَ ألفاً عليهم السِّيجانُ) .
ضعيف جداً بلفظ: أمتي.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/393/
20825) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (15/62/4265) ، عن معمر عن
أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبو هارون اسمه: عمارة بن جُوَين، قال
الحافظ في "التقريب ":
"متروك، ومنهم من كذبه ".
وإن مما يؤكد ضعفه أن الحديث صح بلفظ: "من يهود أصبهان " ... مكان:
"من أمتي "، انظر الحديث (3080 و 3081) من "الصحيحة".
وقد يقول قائل: يمكن أن يكون المقصود "من أمتي": أمة الدعوة؛ وحينئذٍ فلا
تعارض.
فأقول: نعم؛ هذا ممكن، ولكنه تأويل؛ والتأويل فرع التصحيح، وما دام أنه
لم يصح؛ فلا داعي إليه.
(السِّيْجان) : قال البغوي: جمع (السَّاج) وهو: طَيْلَسَانٌ أخضر. وقال الأزهري:
هو الطيلسان المقور، ينسج كذلك.(13/200)
6089 - (الدَّجَّالُ يخوضُ البحارَ إلى ركبتيه، ويتناول السحاب،
ويسبق الشمس إلى مغربها، وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات، وقد
صور في جسده السلاح كله ... حتى ذكر السيف والرمح والدرق.
قال: قلت: وما الدرق؟ قال: الترس) .
ضعيف.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/152-153) ، وأبو بكر
ابن سلمان الفقيه في "مجلس من الأمالي " (ق 184/1) من طريق علي بن زيد
عن الحسن قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فإنه مع إرساله من الحسن - وهو: البصري -
ومراسيله كالريح -؛ فالراوي عنه - علي بن زيد، وهو: ابن جدعان - ضعيف.
والحديث لم يذكره السيوطي في "جامعيه "! ولا المناوي في "الجامع الأزهر"!
مع أن السيوطي أورده في "الدر المنثور" (5/355) برواية ابن أبي شيبة فقط!
ولعل هذا الحديث أصله من الإسرائيليات، وَهِمَ ابن جدعان فرفعه؛ فقد
ذكر السيوطي (5/353) من رواية ابن المنذر عن ابن جريج رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في
قوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} ؛ قال:
زعموا أن اليهود قالوا: يكون منا ملك في آخر الزمان؛ البحر إلى ركبتيه،
والسحاب دون رأسه، يأخذ الطير بين السماء والأرض ... فنزلت؛ {لخلق
السماوات والأ رض ... } الآية.
وذكر الحافظ في "الفتح " (13/92) من رواية نعيم بن حماد - وهو ضعيف -
في "كتاب الفتن، من طريق كعب الأحبار قال: ... فذكر الحديث مطولاً، وفيه
قضية الخوض باختصار.(13/201)
6090 - (بُعِثْتُ على أَثَرِ ثمانيةِ آلافٍ من الأنبياءِ؛ منهم أربعةُ
آلافِ نبيٍّ من بني إسرائيلَ) .
ضعيف.
أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (1/192) : أخبرنا أحمد بن محمد
ابن الوليد المكي: أخبرنا مسلم بن خالد الزَّنْجي قال: حدثني زياد بن سعد عن
محمد بن المنكدر وعن صفوان بن سُليم عن أنس بن مالك ... مرفوعاً.
وتابعه زكريا بن عدي عن مسلم بن خالد الزنجي ... به؛ إلا أنه قال: "عن
محمد بن المنكدر عن صفوان ... " ... فلم يقل: "وعن صفوان ".
أخرجه محمد بن شاذان الجوهري في الجزء الثاني من "أجزائه " (ق 7/ 1) ، وعنه
أبو نعيم في "الحلية " (3/162) ، والدينوري في "المنتقى من المجالسة " (ق 171/ 1) .
وتابعه أحمد بن طارق: ثنا مسلم بن خالد ... به؛ مثل رواية زكريا.
أخرجه الضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو" (ق 47/1) ، وابن كثير في
" تفسيره " (1/ 586) ، وقال:
"غريب من هذا الوجه، وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم معروفون إلا أحمد
اين طارق هذا؛ فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح. والله أعلم ".
قلت: وفاتته متابعة زكريا بن عدي - وهو ثقة - وغيره - كما تقدم، ويأتي -؛
فقد قال أبو نعيم عقبها:
" غريب من حديث زياد، تفرد به زكريا"! كذا قال! ثم قال:
"ورواه أحمد بن خازم عن صفوان ومحمد عن أنس مقروناً".
قلت: وصله ابن عدي في "الكامل " (1/172 - بيروت) من طريق ابن لهيعة(13/202)
عن أحمد بن خازم عن محمد بن المنكدر ... أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
لكن وقع في متنه سقط وتحريف - تبعاً للمصورة -؛ فليصحح من هنا، والظاهر
أن الساقط مكان النقط هو: (ومحمد بن المنكدر) ، كما يستفاد من قول أبي نعيم
المذكور. وقال ابن عدي عقبه:
"رواه علي بن هارون الزَّينبي عن مسلم بن خالد عن زياد بن سعد عن ابن
المنكدر وصفوان ... نحوه. وقال زكريا بن عدي: عن مسلم عن زياد عن ابن
المنكدر عن صفوان ... نحوه ".
قلت: والزينبي هذا: لم أعرفه.
وجملة القول: أن مدار الحديث على مسلم بن خالد الزنجي، وأن الرواة
اختلفوا عليه في إسناده، والظاهر أن هذا الاضطراب منه؛ لأنه كان كثير الأوهام
- كما في "التقريب " -، ورواية زكريا عنه أقواها؛ فالعلة من مسلم بن خالد.
وقد توبع وخولف: فقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: ثنا إبراهيم ين المهاجر
ابن مِسْمار عن محمد بن المنكدر وصفوان بن سليم عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس
ابن مالك ... به؛ نحوه.
أخرجه الحاكم (2/597) - وسكت عنه! -. والطبراني في "الأوسط" (1/
44/2) ، وقال الذهبي:
" قلت: إبراهيم ويزيد واهيان ".
يعني: إبراهيم بن المهاجر، وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع " (8/ 210) :
"وهو ضعيف، ووثقه ابن معين، ويزيد الرقاشي وُثِّقَ على ضعفه ".(13/203)
قلت: وقد رواه عنه أحد الضعفاء: فقال مكي بن إبراهيم: حدثنا موسى بن
عُبيدة الرَّبَذي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك ... به؛ نحوه.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (7/160/1377) ، وأبو نعيم في "الحلية"
(3/53) .
قلت: والرَّبَذي ضعيف أيضاً.
وقد خولف في متنه: فقال أبو يعلى (7/131/1337) : حدثنا أبو الربيع
الزهراني: حدثنا محمد بن ثابت العبدي: حدثنا مَعْبَدُ بن خالد الأنصاري عن
يزيد الرقاشي ... به؛ مرفوعاً بلفظ:
"كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبي، ثم كان عيسى
ابن مريم، ثم كنت أنا".
قلت: وهذا إسناد واهٍ؛ من فوق الزهراني ثلاثتهم لا يحتج بهم، والأ نصاري
مجهول. واقتصر الهيثمي على إعلاله بضعف العبدي!
والخلاصة: أن الحديث ضعيف مضطرب الإسناد والمتن؛ فلا وجه لقول ابن
كثير: "وإسناده لا بأس به "! والله أعلم.
(تنبيه) : (خازم) - والد أحمد - بالخاء المعجمة؛ كما في "الإكمال " وغيره،
ووقع في "الكامل " وغيره مما تقدم بالحاء المهملة، وهو تصحيف؛ فاقتضى التنبيه!
ثم هو لا يعرف - كما قال الذهبي؛ تبعاً لابن عدي - "
ثم رأيت في "معجم الحديث " - الذي كنت جمعته من مخطوطات الظاهرية
بخطي - أن أبا بكر الشافعي أخرجه في "الفوائد" (ق 79/2) من طريق عبد الله بن
رجاء: نا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام: نا محمد بن المنكدر عن يزيد بن أبان
عن أنس ... به؛ نحو حديث ابن مسمار.(13/204)
ورجاله ثقات رجال "الصحيح "، على ضعف يسير فيمن دون ابن المنكدر؛
فالآفة من يزيد.
وقد روي فِي حَدِيثِ أبي ذر الطويل: أن عدد الأنبياء ماثة ألف وعشرون
ألفاً!
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بطوله (رقم 94) ، وفيه إبراهيم بن هشام
الغَسَّاني وهو متروك؛ متهم بالكذب، وعزاه الحافظ (6/361) لـ "صحيحه "
وسكت!
وروي بإسناد آخر ضعيف من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ:
" وأربعة وعشرون ألفاً، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر؛ جماً غفيراً".
أخرجه أحمد (5/265 - 266) ، والطبراني في "الكبير" (8/258/7871) ،
وفيه علي بن يزيد الألهاني؛ ضعيف.
لكن عدد الرسل صحيح؛ جاء من طريق أخرى عن أبي أمامة بسند صحيح،
وعدد الأنبياء صحيح لغيره، وقد حققت ذلك كله في "الصحيحة" (2668) .
وأما حديث: " إني خاتم ألف نبي أو أكثر"؛ فهو ضعيف أيضاً.
أخرجه الحاكم (2/597) ، وأحمد (3/79) ، والبزار (4/135/3380) من طريق
مُجالد عن أبي الوَدَّاك (وقال البزار: عن الشعبي) عن أبي سعيد ... مرفوعاً.
بيَّض له الحاكم، وقال الذهبي:
"قلت: مجالد ضعيف ". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/347) :
"رواه البزار، وفيه مجالد بن سعيد، وقد ضعفه الجمهور، وفيه توثيق ".
قلت: وقد فاته عزوه لأحمد.(13/205)
6091 - (كان يغزو باليهود فَيُسهِمُ لهم كَسِهامِ المسلمينَ) .
ضعيف.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (5/188/9328 و9329) ، وكذا
ابن أبي شيبة (12/395/15010- 15012) ، وأبو داود في "المراسيل " (224/ 281
و282) ، والترمذي (5/ 281) ، والبيهقي (9/53) من طرق عن الزهري: أن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان ...
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لإرسال الزهري إياه أو إعضاله، فإنه تابعي
صغير، أكثر رواياته عن الصحابة بالواسطة؛ ولهذا قال البيهقي عقبه:
"فهذا منقطع ... قال الشافعي: والحديث المنقطع عندنا لا يكون حجة". وقال
الحافظ في "التلخيص " (2/100) :
"والزهري مراسيله ضعيفة ".
وأشد ضعفاً منه ما أخرجه البيهقي أيضاً من طريق الحسن بن عمارة عن
الحكم عن مِقْسَم عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: أنه قال:
استعان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيهود بني قينقاع فَرَضَخَ لهم، ولم يُسْهِمْ لهم، وقال
البيهقي:
"تفرد بهذا الحسن بن عمارة، وهو متروك، ولم يبلغنا في هذا حديث
صحيح، وقد روينا قبل هذا في كراهية الاستعانة بالمشركين ".
قلت: يشير إلى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنا لا نستعين بمشرك ". رواه مسلم وغيره من
حديث عائشة، وهو مخرج في "الصحيحة" (1101) تحت حديث أبي حميد
بنحوه، وقد عارض البيهقي (9/37) به حديث ابن عمارة هذا؛ فإن فيه أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أبى أن يستعين ببني قينقاع، وقال: "لا نستعين بالمشركين ". وقال البيهقي:(13/206)
"وهذا الإسناد أصح ".
قلت: فإذا عرف ضعف حديث الترجمة؛ فلا يجوز الاستدلال به على جواز
الاستعانة بالكفار في قتال المشركين، ولا سيما وهو مخالف لعموم حديث عائشة
وما في معناه، وقد اختلف العلماء في ذلك كما في "نيل الأوطار" (7/187)
للشوكاني، واختار هو المنع مطلقاً، وأجاب عن أدلة من خالف بأنها لا تصح رواية
كحديث الترجمة، أو دراية كغيره، فليراجعه من شاء، وأيد المنع بقوله تعالى:
(ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ".
ومما يجب التنبيه عليه هنا أمران:
الأول: أن ما حكاه الشوكاني عن أبي حنيفة والشافعي من الجواز ليس على
إطلاقه، أما بالنسبة لأبي حنيفة رحمه الله؛ فقد قال أبو جعفر الطحاوي في
"مختصره " (ص 167) :
"ولا ينبغي للإمام أن يستعين بأهل الذمة في قتال العدو؛ إلا أن يكون
الإسلام هو الغالب".
وأما بالنسبة للشافعي رحمه الله؛ فقال النووي في "شرح مسلم " تحت حديث
عائشة المتقدم:
"فأخذ طاثفة من العلماء به على إطلاقه. وقال الشافعي وآخرون: إن كان
الكافر حسن الرأي في المسلمين، ودعت الحاجة إلى الاستعانة به استعين به؛
وإلا فيكره، وحمل الحديثين على هذين الحالين ".
قلت: يشير بهما إلى حديث عائشة، إلى حديث أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استعان
بصفوان بن أمية قبل إسلامه.(13/207)
فأقول: حديث الاستعانة بصفوان ليس معارضاً لحديث عائشة؛ لأنه استعانة
بسلاحه وليس بشخصه، فهو كاستئجاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك المشرك الدِّيلي عند هجرته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة مع أبي بكر؛ ليدلهما على الطريق - كما جاء في
"صحيح البخاري " في "كتاب الإجارة " -، وحديث صفوان مخرج في "الإرواء "
(1513) ؛ وحينئذٍ فلا حاجة للتوفيق بين الحديثين، فإن صح حديث صريح في
الاستعانة بالمشرك في القتال؛ فالحمل المذكور لا بد منه. ونحوه ما ذكره
الشوكاني فقال:
"وشرط بعض أهل العلم - ومنهم الهادوية - أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار
والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقلُّ بهم في إمضاء الأحكام
الشرعية على الذين استعان بهم؛ ليكونوا مغلوبين لا غالبين؛ كما كان عبد الله بن
أُبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتال وهم كذلك ".
ثم رأيت في "المغني" لابن قدامة (10/457) أن ابن المنذر والّجوزجاني
من العلماء الذين قالوا بأنه لا يستعان بمشرك مطلقاً. وقال ابن المنذر:
"والذي ذُكر أنه استعان بهم غير ثابت ".
وأن مذهب أحمد جواز الاستعانة عند الحاجة - بالشرط الذي ذكره النووي
عن الشافعي -، ولفظ ابن قدامة:
"ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير
مأمون عليهم، لم تجز الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من
المسلمين - مثل المُخْذِلِ والمُرْجِفِ -؛ فالكافر أولى".
وكذا في "الشرح الكبير" للشمس ابن قدامة (10/427) .(13/208)
ويتلخص مما سلف أن الحديث ضعيف، وأنه لا يثبت في الباب شيء، مع
معارضته لحديث عائشة الصحيح، وأن الصواب من تلك الأقوال التي قيلت حوله
قول ابن المنذر ومن وافقه: أنه لا يجوز الاستعانة مطلقاً، وأن الذين قالوا بالجواز
عند الحاجة قيدوه بشرطين:
أحدهما: أن يكون المستعان به من الكفار حسن الرأي في المسلمين.
والآخر: أن يكون المستعين بهم معه جماعة من المسلمين يستقل بهم في
تطبيق الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين.
6092 - (إنَّا جِئْنَاكُمْ لِخَيْرٍ، (يعني: اليهودَ) إنَّا أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنْتُمْ
أَهْلُ الْكِتَابِ، وَإِنَّ لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ النَّصْرَ، وَإِنَّهُ بَلَغَنَا
أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدْ أَقْبَلَ إلَيْنَا بِجَمْعٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِمَّا قَاتَلْتُمْ مَعَنَا، وَإِمَّا
أَعَرْتُمُونَا سِلَاحاً) .
منكر.
أخرجه أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (3/239 - 240) عن
عبد الرحمن بن شريح: أنه سمع الحارث بن يزيد الحضرمي يحدث عن ثابت بن
الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعُ أَبِي سُفْيَانَ لِيَخْرُجَ إلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ؛ فَانْطَلَقَ إلَى الْيَهُودِ
الَّذِينَ كَانُوا بالنَّضِيرِ، فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَفَراً عِنْدَ مَنْزِلِهِمْ فَرَحَّبُوا، فَقَالَ لهم: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير ثابت بن الحارث
الأنصاري؛ فإنه غير معروف بعدالة أو جرح، ولم يورده أحد من أئمة الجرح
والتعديل غير ابن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط عنه، وبيَّض له. وقد
ذكر ابن هشام في "السيرة" (3/8) عن محمد بن إسحاق عن الزهري:(13/209)
أن الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله قيم: يا رسول الله! ألا نستعين بحلفائنا
من يهود؟ فقال:
"لا حاجة لنا فيهم ".
وذكر نحوه ابن كثير في "البداية" (4/14) ، ومن قبله ابن القيم في "زاد
المعاد"، وهو الموافق لحديث عائشة الصحيح: " إنا لا نستعين بمشرك أو بالمشركين ".
وهو مخرج في "الصحيحة " (1101) كما تقدم قريباً. وعليه فإني أقول:
إذا تبين لك ضعف حديث الترجمة، وما فيه من عرضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على اليهود أن
يقاتلوا معه؛ فلا حاجة حينئذٍ إلى التوفيق بينه وبين حديث عائشة الصحيح كما
فعل الطحاوي حين قال:
"لأن اليهود الذين دعاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قتال أبي سفيان معه؛ ليسوا من
المشركين الذين قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآثار الأُوَل: فإنه لا يستعين بهم؛ أولئك
عبدة الأوثان، وهؤلاء أهل الكتاب الذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه مما عبدة
الأوثان عليه في الباب الذي تقدم قبل هذا ... ".
قلت: يشير إلى بعض الأحكام التي خص بها أهل الكتاب دون المشركين
كحل ذبائحهم، ونكاح نسائهم، وغيرها مما بعضه موضع نظر، وبنى على ذلك
قوله (ص 234) :
"فكان كل شرك بالله كفراً، وليس كل كفر بالله شركاً"!
فأقول: لو سلمنا جدلاً بقوله هذا؛ فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين:
الأول: أن التأويل فرع التصحيح كما هو معلوم، وما دام أن الحديث غير
صحيح كما بينا؛ فلا مسوغ لتأويل الحديث الصحيح من أجله كما هو ظاهر لا(13/210)
يخفى على أحد إن شاء الله تعالى.
والآخر: كيف يصح أن يقال في اليهود والنصارى: إنهم ليسوا من المشركين،
والله عَزَّ وَجَلَّ قال في سورة {التوبة} بعد آية: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ... } : {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ
وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى
يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ
أَنَّى يُؤْفَكُونَ} . فمن جعل لله ابناً؛ كيف لا يكون من المشركين؟! هذه زَلَّة عجيبة
من مثل هذا الإمام الطحاوي. ولا ينافي ذلك أن لهم تلك الأحكام التي لا يشاركهم
فيها غير أهل الكتاب من المشركين؛ فإنهم يشتركون جميعاً في أحكام أخرى - كما
لا يخفى على أولي النُّهى -.
وقد لا يعدم الباحث الفقيه - الذي نجَّاه الله من التقليد - في الكتاب والسنة
ما يؤكد ما تقدم، ويبطل قول الطحاوي السابق: " ... وليس كل كفر بالله شركاً"
من ذلك تلك المحاورة بين المؤمن والكافر الذي افتخر بماله وجنَّتيه؛ كما قال عز
وجل في سورة الكهف؛ { ... وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ
هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} ؛
فهذا كفر ولم يشرك في رأي الطحاوي! ولكن السِّياق يردّه؛ فتابع معي قوله
تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ
ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً. لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} ؛ فتأمل كيف وصف
صاحبَه الكافر بالكفر، ثم نره نفسه منه معبِّراً عنه بمرادِفِه وهو الشرك؛ فقال. {وَلَا
أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً} . وهذا الشرك مما وصَف به الكافرُ نفسَه فيما يأتي؛ فتابع قوله
تعالى - بعد أن ذكر ما وعظه به صاحبه المؤمن -: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ(13/211)
عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً} .
قلت: فهذا القول منه - مع سباق القصة - صريح جداً في أن شركه إنما هو
شَكُّه في الآخرة، وهذا كفر وليس بشرك في رأي الطحاوي! فهو باطل ظاهر
البطلان.
وإن مما يؤكد ذلك من السنة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".
رواه الشيخان وغيرهما عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وهو مخرج في "الصحيحة" برقم
(1133) ، فإن المراد بهم اليهود والنصارى؛ كما دلت على ذلك أحاديث أخر،
منها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"ليّن عشت؛ لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك
فيها إلا مسلماً". رواه مسلم وغيره وهو مخرج هناك (1134) .
ولما كان حديث ابن عباس حجة قاطعة في الموضوع؛ غمز من صحته الطحاوي
عصباً لمذهبه - مع الأسف -! وزعم أنه وهم من ابن عيينة قال (4/16) :
"لأنه كان يحدث من حفظه؛ فيحتمل أن يكون جعل مكان (اليهود والنصارى) :
(المشركين) (!) ولم يكن معه من الفقه ما يميزبه بين ذلك "!
كذا قال سامحه الله! فإنه يعلم أن تحديث الحافظ الثقة - كابن عيينة - من
حفظه ليس بعلة؛ بل هو فخر له، وأن تخطئة الثقة بمجرد الاحتمال ليس من شأن
العلماء المنصفين، ولكنها العصبية المذهبية؛ نسأل الله السلامة!
وعلى مذهب الطحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} !!(13/212)
وبهذه الآية احتج ابن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الذي هو مَتبوعُ الطحاويُ
في التفريق المزعوم؛ فقال عقبها (4/244) :
"فلو كان ههنا كفر ليس شركاً؛ لكان مغفوراً لمن شاء الله تعالى بخلاف
الشرك، وهذا لا يقوله مسلم ".
ثم أتبع ذلك بأدلة أخرى قوية جداً، ثم قال:
"فصح أن كل كفر شرك، وكل شرك كفر، وأنهما اسمان شرعيان، أوقعهما
الله تعالى على معنى واحد".
ولولا خشية الإطالة؛ لنقلت كلامه كله لنفاسته وعزته، فليراجعه من شاء
المزيد من العلم والفقه.
والخلاصة أن الحديث ضعيف الإسناد، منكر المتن، وأن الاستعانة بأهل
الكتاب في جهاد الكفار يشملها قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنا لا نستعين بمشرك ".
ولفظ مسلم (5/201) : "فارجع فلن أستعين بمشرك ".
(تنبيه) : كان قد جرى بيني وبين بعض الإخوة كلام حول هذا الحديث،
وأنه ضعيف الإسناد، فسأل عن العلة، فذكرت له الجهالة. وبعد أيام اتصل بي
هاتفياً، وقرأ عليَّ كلام الحافظ في "الإصابة" في ترجمة ثابت بن الحارث
الأنصاري، وأنه صحابي، ورجا النظر فيه، فرأيته قد أورده في القسم الأول منه،
وساق له حديثين رواهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيهما ما يدل على صحبته، وأشار
إلى هذا الحديث أيضاً، وهو كما ترى يرويه عن بعض الصحابة الذين شهدوا وقعة
أحد، ووقعت له على حديث آخر يرويه بواسطة أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فترجح
عندي عدم صحبته، وأنه تابعي مجهول كما ذكرت في مطلع هذا الكلام، ولذلك(13/213)
فإني رأيت أن أسجل تفصيل ما أجملت هنا تحت أحد الحديثين المشار إليهما،
وسيأتيان إن شاء الله تعالى برقمي (6116 و 6117) . والله ولي التوفيق.
6093 - (مَنْ حَبَسَ العِنَبَ زمنَ القَطافِ حتى يَبيعَه من يهوديٍّ أو
نصرانيٍّ [أو مجوسيٍّ] ، أو ممن يعلمُ أنه يتخِذُه خمراً، فقد تَقَحَّم على
النارِ على بصيرةٍ) .
منكر.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/236) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في " العلل " (2/188) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2/27/ 5488) ، والسَّهمي
في "تاريخ جرجان " (ص 241/390) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/17/5618)
من طرق عن عبد الكريم بن عبد الكريم عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ... مرفوعاً. وقال الطبراني:
"لم يرو عن بريدة [إلا بهذا] الإسناد؛ تفرد به أحمد بن منصور المروزي "!
كذا قال! وهذا بالنسبة لما وقع له، وإلا؛ فهو عند الآخرين عن غيره! وقال ابن
حبان:
"وهذا حديث لا أصل له عن حسين بن واقد، وما رواه ثقة، والحسن بن
مسلم هذا راويه يجب أن يعدل به عن سنن العدول إلى المجروحين بروايته هذا
الخبر المنكر". وأقره ابن الجوزي.
وقال ابن أبي حاتم في "العلل " (1/389) ، وقد سأل أباه عن هذا الحديث
فأجابه بقوله:
"هذا حديث كذب باطل ". قال:
"قلت: تعرف عبد الكريم هذا؟ قال: لا. قلت: فتعرف الحسن بن مسلم؟
قال: لا؛ ولكن تدل روايتهم على الكذب ".(13/214)
ومثله في "الجرح والتعديل " مفرقاً في ترجمة المتهمَيْن - الحسن وعبد الكريم -.
وأقره الذهبي عليه فيهما؛ لكنه قال في ترجمة الأول منهما:
"أتى بخبر موضوع في الخمر". ثم ساق هذا من طريق ابن حبان.
(تنبيه) : اختلفت الرواية في اسم والد عبد الكريم: فعند السهمي سمِّي
بـ: (عبد الكريم) - كما تقدم -. ووقع عند الطبراني: (أبي عبد الكريم) - بأداة الكنية -.
وعند " الضعفاء " وابن الجوزي: (عبد الله السكري) ... ولعل الصواب: الأول؛ فإنه
كذلك وقع عند ابن أبي حاتم في (الترجمتين) ، وفي (ترجمة عبد الكريم) عند
الذهبي والعسقلاني. ونسبه هذا فقال: (البجلي) وأظنه خطأ مطبعياً؛ انتقل نظر
الطاج إلى ما ذكره ابن حجر زيادة على الذهبي فقال:
"وفي "ثقات ابن حبان ": "عبد الكريم بن عبد الكريم البجلي، عن عبد الله (1)
ابن عمر، وعنه جُبَارة بن المغلِّس، مستقيم الحديث ". فالظاهر أنه هو، ولعل ما
أنكره أبو حاتم من جهة صاحبه جبارة، ويؤيده أن أبا حاتم قال قبل ذلك: لا أعرفه ".
وقد فاته أن هذا الحديث الذي أنكره أبو حاتم ليس من رواية جبارة عنه،
فتنبه! وقد تعقبه المعلق على "الجرح والتعديل " فيما استظهره أن عبد الكريم هذا هو
البجلي؛ فقال عقبه:
"أقول: بل الأشبه أنهما اثنان؛ أحدهما: عبد الكريم بن عبد الكريم البجلي
الذي ذكره ابن حبان في "الثقات ". والآخر - متأخر عنه، وهو -: عبد الكريم بن
عبد الله السُّكَّري، هو الراوي عن الحسن بن مسلم. والله أعلم ".
__________
(1) كذا، وفي "الثقات " (8/423) : "عبيد الله" بتصغير؛ "عبيد". وكذا هو في
"التهذيب" - كما سيأتي -.(13/215)
قلت: وهذا هو الراجح عندي؛ لأن عبد الكريم البجلي كوفي، وهو من رجال
ابن ماجه، لكن سمى أباه عبد الرحمن البجلي الكوفي الحَرَّاز؛ مترجَم في
"التهذيب " بروايته عن جمع؛ منهم عبيد الله بن عمر المدني وجمع من الكوفيين،
وعنه ابنه إسحاق وإسماعيل بن عمرو بن جَرير وجبارة بن المغلس. وقال:
"ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال: مستقيم الحديث ".
وهذا قاله في "ثقاته " (8/423) في أتباع التابعين، لكن سمى أباه عبد الكريم
- كما تقدم -؛ فهو المترجم في "التهذيب ".
وأما عبد الكريم بن عبد الكريم - أو: ابن عبد الله؛ على الخلاف المتقدم؛ فهو -
مروزفي؛ كما في "الضعفاء" لابن حبان، وترجمه السهمي بقوله:
"عبد الكريم بن عبد الكريم البزاز الجرجاني المعروف بـ (عبدك) هو الذي ينسب
إليه خَانُ عَبْدّك بباب الخَنْدَق. روى عن عمر بن هارون، والحسن بن مسلم
وغيرهما. روى عنه محمد بن بندار السَّبَّاك وعبد الله بن المهدي ".
وبالجملة؛ فعلة الحديث إما عبد الكريم هذا - وهو: غير البجلي -، وإما شيخه
الحسن بن مسلم، وهو الأقرب. والله أعلم.
والحديث عزاه الحافظ في "التلخيص " (3/19) للطبراني في "الأوسط! فقط
ساكتاً عليه، وأعله الهيثمي (3/ 90) بقول أبي حاتم في عبد الكريم: حديثه يدل
على الكذب ".
ولقد وهم الحافظ وهماً فاحشاً في "بلوغ المرام " (2/351 - سبل السلام) فقال:
"رواه الطبراني في "الأوسط " بإسناد حسن "!
كذا قال! وأظن أن سبب الوهم أنه اعتمد على قول ابن حبان في عبد الكريم(13/216)
البجلي: مستقيم الحديث؛ بناءً منه على ما استظهره أنه هو راوي إذ االحديث،
ثم سها عن شيخه الحسن بن مسلم الذي لا يعرف، ولم يوثقه أحد - كما تقدم -.
والله أعلم.
وقد اغتر بقول الحافظ هذا مؤلفُ كتاب "الرضاع وبنوك اللبن " (ص 55) ؛
فنقل كلامه المذكور دون أن يعزوه إليه! كما سكت عنه الصنعاني في "السبل"!
وجزم بنسبته إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد سابق في "فقه السنة" (3/83 - الكتاب
العربي) ! وذلك من شؤم التقليد. والله تعالى هو المستعان، وهو ولي التوفيق.
6094 - (مَنْ صافحَ يهودياً أو نصرانياً؛ فلْيتوضَّأْ أو يَغْسلْ يدَه) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/258 - 259) ومن طريقه ابن
الجوزي في "الموضوعات" (2/78) من طريق بقية عن إبراهيم - هو: ابن هانئ -
عن ابن جريج عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً. ذكره ابن عدي في ترجمة
إبراهيم هذا، وقال:
" ليس بالمعروف، يحدث عنه بقية، ويحدث إبراهيم عن ابن جريج
بالبواطيل ". وأقره ابن الجوزي، ثم السيوطي في "اللآلئ" (2/5) . وقال عقب
الحديث:
"وله أحاديث أخرى لم أخرجها هنا وكلها مناكير، ولا يشبه حديثه حديث
أهل الصدق ".
وأقره الحافظ في "اللسان".
واعلم أن من الدواعي على إخراج هذا الحديث وبيان حاله؛ أن العلامة
الآلوسي ذكره في "تفسيره" (10/76) مع حديث آخر بنحوه؛ سبق الكلام عليه(13/217)
برقم (6061) ، نقلهما من "الدر المنثور" للسيوطي (3/227) ساكتاً عليه! بل إنه
بنى عليه حكماً أو كاد، فإنه عقب عليه بقوله:
"قيل: وعلى ذلك؛ فلا يحل الشرب من أوانيهم، ولا مؤاكلتهم، ولا لبس
ثيابهم، لكن صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلف خلافه، واحتمال كونه قبل نزول
الآية (1) فهو منسوخ بعيد، والاحتياط لا يخفى"!
ولقد كان اللائق بهذا المحقق أن لا يعتمد في هذا الحديث على كتاب "الدر"
للسيوطي؛ لأنه فيه جماع حطاب! كما هو معلوم، وإنما على كتابه الآخر "اللآلي"؛
فإنه يتكلم فيه على الأحاديث ويبين عللها، وإن كان كثير التساهل والمعارضة
لابن الجوزي، وموافقاً له في أكثر الأحيان، كما هو الشأن في هذا الحديث،
والحديث الآخر الذي في معناه، فالاعتماد عليه من العلامة الآلوسي كان به
أولى، وبالتحقيق أولى، ولكن العجلة في التأليف والتقميش هي داء أكثر المؤلفين
حتى من بعض المحققين، غفر الله لنا ولهم.
6095 - (إذا رَقَدَ المرءُ قبل ان يصليَ العَتَمَةَ؛ وقفَ عليه ملكانِ
يوقِظانِه يقولانِ: الصلاةُ ثم يُوَلَّيانِ عنه؛ ويقولان: رَقَدَ الخاسرُ
وأبى) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/2606) ، والخطيب في "التاريخ "
(14/266) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات " (2/100) من طريق يعقوب
ابن الوليد المدني عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان مولى الوضين عن أبي
هريرة مرفوعاً ... به. وقال ابن عدي في ترجمة يعقوب هذا، وقد ساق له أحاديث:
__________
(1) يعني قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} .(13/218)
"وهذه الأحاديث لا يرويها عن ابن أبي ذئب غير يعقوب، وعامة ما يرويه
ليس بمحفوظ، وهو بيِّن الأمر في الضعفاء". وقال ابن الجوزي:
"هذا موضوع؛ والمتهم به يعقوب، قال أحمد: كان من الكذابين الكبار يضع
الحديث. وقال يحيى: كذاب ".
قلت: وأقره السيوطي في " اللآلي " (2/22/1413 - بترقيمي) وغيره.
وتقدم له حديث آخر برقم (5533) .
6096 - (إن هذه القلوبَ تَصْدَأ كما يصدأُ الحديدُ إذا أصابَه الماءُ.
قيل: وما جِلاؤها؟ قال: كثرةَ ذِكرِ الموتِ، وتلاوة القرآنِ) .
منكر.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/258) ومن طريقه ابن الجوزي في
"العلل " (2/347) عن إبراهيم بن عبد السلام: ثنا عبد العزيز بن أبي روّاد عن
نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً، وقالا:
" رواه غير إبراهيم بن عبد السلام هذا عن عبد العزيز، وهو معروف بعبد الرحيم
ابن هارون الغَسَّاني عن عبد العزيز، وهو مشهور به. وإبراهيم مجهول " ولجهله
سرقه منه ". وقال ابن عدي في إبراهيم هذا:
"حدث بالمناكير، وعندي أنه يسرق الحديث، وهو في جملة الضعفاء".
قلت: وحديث عبد الرحيم الغساني وصله أبو نعيم في "الحلية" (8/197) ،
والبيهقي في "شعب الإيمان " (2/352/2014 - لبنان) - واللفظ له -، والخطيب في
"التاريخ، (11/85) ، والشهاب في "مسنده " (2/199/ 1179) ، وقال أبو نعيم:
"غريب من حديث نافع وعبد العزيز، تفرد به عبد الرحيم ".(13/219)
كذا قال، وكأنه لم يعتد برواية إبراهيم بن عبد السلام المتقدمة؛ لأ نها مسروقة.
لكن قد تابعه غيره؛ لكنه متهم - كما يأتي -. وقال الخطيب عقب الحديث:
"أخبرنا البرقاني قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: عبد الرحيم بن
هارون الغساني متروك؛ يكذب ".
وأقره الذهبي في "الميزان "، وساق له هذا الحديث في جملة ما استنكر
عليه، وقال عقبه:
"رواه حفص بن غياث عن عبد العزيز قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره؛
منقطعأ".
قلت: يشير إلى أن هذا هو المحفوظ عن عبد العزيز؛ لأن حفص بن غياث
ثقة، ومن وصله ضعيف أو متهم.
ومنهم عبد الله بن عبد العزيز بن أبر زوّاد عن أبيه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ...
أخرجه البيهقي والشهاب (1178) .
وعبد الله هذا: قال أبو حاتم وغيره:
"أحاديثه منكرة". وقال ابن الجنيد:
" لا يساوي شيئاً، يحدث بأحاديث كذب ". وقال ابن عدي (4/1517) :
"يحدث عن أبيه عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ بأحاديث لا يتابعه أحد عليه ".
وبالجملة؛ فالحديث منكر من جميع طرقه، وقد استنكره من تقدم ذكرهم.
6097 - (يا خَدِيجةُ! هذا صاحبي الذي يأتيني قد جاء) .
صعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/99/1/6581) : حدثنا(13/220)
محمد بن عبد الله بن عرس المصري: ثنا يحيى بن سليمان بن نَضْلةَ المديني: ثنا
الحارث بن محمد الفهري: ثنا إسماعيل بن أبي حكيم: حدثني عمر بن
عبد العزيز: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ حدثتني أم
سلمة عن خديجة قالت:
قلت: يا رسول الله! يا ابن عمي! هل تستطيع إذا جاءك الذي يأتيك أن
تخبرني به؟ فقال لي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نعم يا خديجة". قالت خديجة: فجاء
جبريل ذات يوم وأنا عنده، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. فقلت له: قم
فاجلس على فخذي الأيمن، فقام فجلس على فخذي الأيمن، فقلت له: هل تراه؟
قال: "نعم "، فقلت له: تحول؛ فاجلس على فخذي الأيسر، فجلس، فقلت له:
هل تراه؟ قال: "نعم "، فقلت له: تحول؛ فاجلس في حجري، فجلس، فقلت له:
هل تراه؟ قال: "نعم". قالت خديجة: فتحسرت وطرحت خماري وقلت له: هل
تراه؟ قال: "لا". فقلت له: هذا والله ملك كريم، لا والله ما هذا شيطان.
قالت خديجة: فقلت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى (*) بن قصي:
ذلك مما أخبرني به محمد رسول الله فقال ورقة: حقّاً يا خديجة حديثك.
قلت: قال الهيثمي فى "المجمع، (8/256) :
"رواه الطبراني في "الأوسط"، وإسناده حسن".
وأقول: هو كذلك؛ لولا ما يأتي:
أولاً: يحيى بن سليمان بن نضلة المديني فيه كلام من جهة حفظه، قال ابن
عدي (7/2710) :
__________
(*) في أصل الشيخ رحمه الله: (عبد العزيز) . (الناشر) .(13/221)
"قال ابن خراش: لا يسوى فلساً. (قال ابن عدي) : يروي عن مالك وأهل
المدينة أحاديث [عامتها] مستقيمة".
وقال ابن أبي حاتم (4/2/154) عن أبيه:
"شيخ، حدث أياماً ثم توفي".
ويعني أنه في المرتبة الثالثة عنده؛ أي: يكتب حديثه وينظر فيه؛ أي: أنه
يستشهد به؛ لأنه قبل المرتبة الرابعة وهي من قيل فيه: متروك الحديث، أو
كذاب، ونحو ذلك.
ولما ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/269) قال:
"يخطئ ويهم ".
قلت: فمثله لا يحتج بحديثه؛ إذا لم يتابع كما يفيده قول الطبراني عقبه:
"تفرد به يحيى بن سليمان ".
فكيف به وقد خولف، وهو قولي:
ثانياً: فقال ابن إسحاق في "السيرة" (1/257) ومن طريقه الطبري في
"التاريخ " (1/208) ، وكذا البيهقي في "الدلائل " (2/151 - 152) : وحدثني
إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير: أنه حدثه عن خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ...
الحديث نحوه. قال ابن إسحاق: وقد حدثت عبد الله بن حسن هذا الحديث؛
فقال: قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة،
إلا أني سمعتها تقول:
أدخلتْ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينها وبين درعها؛ فذهب عند ذلك جبريل، فقالت
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن هذا لملك وما هو بشيطان.(13/222)
قلت: وهذا أصح من الأول، رجاله ثقات، ولكنه منقطع من الوجهين؛ فإن
إسماعيل بن أبي حكيم؛ ثقة من السادسة عند الحافظ؛ فهو تابع تابعي، وفاطمة
بنت حسين؛ فهي تابعية لم تدرك خديجة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وقد أشار شيخ الإسلام
ابن تيمية إلى ضعف الحديث في رسالته "لباس المرأة في الصلاة" (ص 32 -
الطبعة الخامسة) و (ص ... الطبعة الجديدة) .
6098 - (جَنَّبوا صُنَّاعَكم عن مساجِدِكُم) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/263 - الطبعة الثالثة)
والديلمي في "مسنده " (2/38/2) من طريق محمد بن مجيب: ثنا جعفر بن
محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال:
صليت العصر مع عثمان بن عفان أمير المؤمنين، فرأى خياطاً في ناحية المسجد؛
فأمر بإخراجه، فقيل له: يا أمير المؤمنين! إنه يكنس المسجد، ويغلق الأبواب،
ويرشه أحياناً، قال عثمان: إني سمعت رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن يقول: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته محمد بن مجيب هذا، وهو ثقفي كوفي، وفي
ترجمته أورده ابن عدي، وروى عن ابن معين أنه قال فيه:
"كذاب ". وقال في موضع آخر:
"كان كذاباً عدوَّ الله ".
وقال ابن عدي عقب الحديث:
"ليس له كثير حديث، ويحدث عن جعفر بن محمد بأشياء غير محفوظة؛
وهذا الحديث منها".(13/223)
قلت: وقد شذ هذا الكذاب عن كل الضعفاء الذين رووا هذا المتن بلفظ:
"صبيانكم "، كما تراه مخرجاً في "المقاصد الحسنة " للحافظ السخاوي، وبعضها
مرسل صحيح كما في "الإرواء" (2327) وغيره، فرواه بلفظ مغاير للفظهم، وقد
أورده القرطبي في "جامعه " (12/ 270) من طريق ابن عدي وكذا المزي في
"تهذيب الكمال "، ومن قبلهما ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/404) من
طريق ابن مجيب معلقاً، وكذا الذهبي في ترجمته من "الميزان" باللفظ الشاذ!
وتحرف هذا على الحافظ ابن حجر في ترجمة المذكور أو على القائمين على طبعه
وتصحيح تجاربه إلى اللفظ المشهور: "صبيانكم". وكذلك وقع في "التلخيص
الحبير" (3/67) ، معزواً لابن عدي في الكتابين! وهذا من غرائب التحريفات!
وأغرب منه أن قول علي: "صليت العصر" تحرف في "العلل " إلى "دخلت
إلى مصر"!! وهما ما دخلا مصر، ولا عرفاها إلا سماعاً!
6099 - (الحلِْمُ زَيْنٌ للعالِمِ، سَتْرٌ للجاهِلِ) .
منكر.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/ 51 - الطبعة الثالثة) من طريق
مهران الرازي عن بحر السقاء قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف ومعضل، أورده ابن عدي في ترجمة السقاء هذا،
وأطال فيها جدّاً، وروى تضعيفه عن جمع من الأئمة، وساق له أحاديث كثيرة
بعضها مناكير، وختم ترجمته بقوله:
"ولبحر السقاء غير ما ذكرت من الحديث، وكل رواياته مضطربة، ويخالف
الناس في أسانيدها ومتونها، والضعف على حديثه بيِّن".
ومهران الرازي - الراوي عنه هو: ابن أبي عمر العطار -: قال الحافظ:(13/224)
"صدوق له أوهام، سيئ الحفظ ".
(تنبيه) : هذا الحديث من رواية بحر السقاء معضلاً كما ترى، وقد جاء في
"معجم الكامل " - الذي وضعه ناشر "الكامل" فهرساً لأحاديث الكتاب، جاء فيه -
(ص 153) معزواً لى (جابر 2/51) ! وهو خطأ محض؛ فليس هو في "الكامل " عن
جابر، وإنما عن بحر - كما سبق -. وهذا الفهرس من أسوأ الفهارس - إن لم أقل هو
أسوؤها إطلاقاً - فيما وقفت عليه من الفهارس التي تطبع الآن للربح المادي، وليس
للفائدة العلمية.
6100 - (احفظوني في أهلِ ذِمَّتي) .
منكر.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (3/226) من طريق يعقوب بن
كاسب: ثنا الزبير بن حبيب: ثنا عاصم بن عبيد الله عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال:
كان من آخر كلام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكره.
أورده في ترجمة الزبير بن حبيب - هكذا بإهمال الحاء وقع في المطبوعتين من
"الكامل" وفي غيره أيضاً ... والصواب: بالخاء المعجمة؛ كما في "إكمال ابن
ماكولا" -، ثم أشار ابن عدي إلى تضعيف الحديث ونكارته بقوله عقبه:
"وهذا وإن كان عاصم بن عبيد الله ضعيفاً؛ فإن الراوي عنه: الزبير بن
حبيب ... ولا أدري من أيهما البلاء فيه ".
ثم ذكر له حديثين آخرين، أحدهما من روايته عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وقال:
"وهذا مشهور عن نافع".
والآخر من روايته عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. وذكر أنه خطأ، وأن
الصواب: عن أبي سعيد. ثم قال:(13/225)
"ولم أجد للزبير غير هذا الذي أخطأ، وحديثِ عاصم بن عبيد الله، ولا أنكر
منهما".
وأقول: الأولى عندي تعصيب البلاء في هذا الحديث بعاصم؛ لأنه قد توفر
لدي أن الزبير هذا روى عنه أربعة من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات"
(6/ 331) ، ومِلْتُ في "التيسير" إلى أنه حسن الحديث إذا لم يخطئ أو يخالف.
والله أعلم.
والحديث مما فات السيوطي إيراده في "جامعه الكبير".
ولعل أصل الحديث موقوف، وَهِمَ عالم فرفعه؛ فإنه محفوظ من وصية عمر
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قتله؛ فقد قالوا له: أوصنا يا أمير المؤمنين!؟ قال:
أوصيكم بذمة الله؛ فإنه ذمة نبيكم، ورزق عيالكم.
أخرجه البخاري (6/267/3162) .
ثم رأيت الحديث في "المعجم الأوسط " للطبراني (4/157/3860) من الوجه
المذكور لكن بلفظ:
" أهل بيتي"! وقال:
"لم يروه عن عاصم بن عبيد الله إلا الزبير بن حبيب، تفرد به يعقوب بن
حميدة.
وبه أورده الهيثمي في "المجمع " وقال (9/163) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف ".
قلت: وأحد اللفظين إما محرف من بعض الرواة أو النساخ، أو هو اضطراب
من عاصم. والمعصوم من عصمه الله تعالى.(13/226)
6101 - (دَعُوها فإنها جَبَّارة. يعني: امرأةً لم تأخُذْ حافةَ الطريقِ) .
ضعيف.
أخرجه أبو يعلى في "مسنده، (6/34/3276) : حدثنا يحيى بن
عبد الحميد الحِمَّاني: حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال:
مَرَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق؛ ومرت امرأة سوداء، فقال لها رجل: الطريق،
فقالت: الطريق ثَمَّ! فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن عدي في "الكامل، (2/148) ، وأخرجه هو
والطبراني في "الأوسط" (2/215/ 8325) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/291) من
طرق أخرى عن الحماني ... به. وقال الطبراني:
"لم يروه عن ثابت إلا جعفر".
قلت: هو ثقة من رجال مسلم، وفي ترجمته أورد الحديث ابن عدي، وساق
له أحاديث كثيرة، الكثير منها صحيح، وبعضها في "صحيح مسلم "، وختم
ترجمته بقوله:
"وله حديث صالح، وروايات كثيرة، وهو حسن الحديث، وهو معروف
بالتشيع ".
قلت: فكان الأولى أن يذكر الحديث في ترجمة الحماني؛ فإنه متكلم فيه،
حتى اتهمه بعضهم بالكذب وسرقة الحديث، وقال الحافظ في "التقريب ":
"حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث".
وقد أحسن الهيثمي حين أعل الحديث به؛ فقال في "المجمع، (1/99) :
"رواه الطبراني في "الأوسط" وأبو يعلى، وفيه يحيى الحماني؛ ضعفه أحمد(13/227)
ورماه بالكذب، ورواه البزار، وضعفه براوٍ آخر".
قلت: ولم أره في "زوائد البزار، للهيثمي، ولا في "زوائد العسقلاني "، وما
طبع من الأصل: "مسند البزار" ثلاث مجلدات ليس فيها "مسند أنس بن مالك "
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. ثم رأيته في "كشف الأستار" (3578) .
وقد ذكره الهيثمي أيضاً من طريق أخرى فقال:
لاوعن أبي موسى أن نبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان آخذاً بيد أبي موسى في بعض سِكَكِ
المدينة، فأتى على سائلةٍ في ظهر الطريق؛ تسفي الرياح في وجهها، فقال لها أبو
موسى: تنحي عن سَنَن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت له: هذا الطريق له معرضاً،
فليأخذ حيث شاء! فشق ذلك على أبي موسى حتى كبا (1) لذلك، وعرف رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك في وجهه؛ فقال:
"يا أبا موسى! اشتد عليك ما قالت هذه السائلة؛ "، قلت: نعم بأبي أنت
وأمي يا رسول الله! لقد شق علي حين استخفت بما قلت لها من أمر رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقال:
"لا تكلمها؛ فإنها جبارة". فقلت: بأبي وأمي ما هذه فتكون جبارة؟ فقال:
"إن لا يكن ذلك في قدرتها؛ فإنه في قلبها".
رواه الطبراني في "الكبير" وفيه بلال بن أبي بردة".
قلت: كذا الأصل؛ لم يتكلم عليه بشيء خلافاً لعادته! فلا أدري أسقط من
قلمه أم ناسِخِه؟ والرجل له ترجمة واسعة في "تهذيب الكمال" للمزي، ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكان قاضياً على البصرة وأميراً، وله حكايات غير مرضية،
__________
(1) أي: ربا وانتفخ من الغيظ. "نهاية". ووقع في ابن عساكر "بكا"، وهو خطأ من الناسخ.(13/228)
وقد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/ 91) ، وقال الحافظ في
"التقريب":
" مُقِلٌّ ".
ثم وقفت على إسناد الطبراني إليه، فبدا لي أن علة الحديث ممن دونه؛ فقد
أخرجه في ترجمته ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/489) من طريق الطبراني
وغيره بسند مظلم عن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس عنه عن أبيه عن جده
أبي موسى.
والفضل هذا ذكره المزي في الرواة عن بلال بن أبي بردة، ولم أجد له ترجمة،
ودونه من لم أعرفه.
(تنبيه) : حديث الترجمة ذكره القرطبي في تفسيره "الجامع " (8/ 170)
ساكتاً عنه كعادته! مستدلاً به على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كره السؤال ونهى عنه، وليس
يظهر أن للحديث صلة بما ذكر؛ بل هو بمعنى الحديث الآخر: "ليس للنساء وسط
الطريق". وهذا مخرج في "الصحيحة " برقم (856) .
6102 - (إن إبليس ييعث جنوده كل صباح ومساء؛ فيقول: من
أضل رجلاً أكرمته، ومن فعل كذا فله كذا، فيأتي أحدهم فيقول:
لم أزل به حتى طلق امرأته، قال: يتزوج أخرى، فيقول: لم أزل به
حتى زنى، فيجيزه ويكرمه، ويقول: لمثل هذا فاعملوا، ويأتي آخر
فيقول: لم أزل بفلان حتى قتل، فيصيح صيحة يجتمع إليه الجن
فيقولون له: ياسيدنا ما الذي فرحك فيقول: أخبرني (1) فلان أنه
__________
(1) الأصل: (أحد بني) ؛ والتصحيح من "الجامع الكبير"، وقد عزاه لـ "الحلية".(13/229)
لم يزل برجل من بني آدم يفتنه ويصده حتى قتل رجلاً فدخل النار؛
فيجيزه ويكرمه كرامة لم يكرم بها أحداً من جنوده ثم يدعو بالتاج؛
فيضعه على رأسه، ويستعمله عليهم) .
منكر جداً بهذا التمام.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/28 - 129) من
طريق أسماعيل بن يريد: ثنا إبراهيم بن الأشعث: ثنا فضيل بن عياض عن
عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ إسماعيل بن يزيد لم أعرفه، ويحتمل أنه الذي
في "الجرح والتعديل" (1/1/ 205) :
" إسماعيل بن يزيد، خال أبي، وعم أبي زرعة، روى عن السندي بن عبدويه،
وإسحاق بن سليمان، وعبد الصمد العطار، وعبد الله بن هاشم. روى عنه أبي.
سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق ".
وإبراهيم بن الأشعث، وهو: البخاري خادم الفضيل بن عياض، وثقه
بعضهم، لكن قال ابن أبي حاتم (1/1/88) :
"سألت أبي عنه، وذكرت له حديثاً رواه عن معن، عن ابن أخي الزهري عن
الزهري؟ فقال: هذا حديث باطل موضوع، كنا نظن بـ (إبراهيم بن الأشعث)
الخير؛ فقد جاء بمثل هذا! ".
وذكره إبن حبان في "الثقات"! مع أنه قال فيه (8/66) :
"يغرب، ويتفرد، ويخطئ ويخالف"!
فهل من كان هذه صفته يكون ثقة؟!(13/230)
وقد يقول في بعض رجاله (6/98) :
"دلس عن أنس، يخطئ كثيراً "؟!
وعطاء بن السائب كان قد اختلط، وفضيل بن عياض لم يذكر فيمن سمع
منه قبل الاختلاط. لكن قد رواه عنه سفيان عن عطاء به مختصراً.
أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (44/63) ، ولذلك أخرجته في "الصحيحة "
(1280) ، وصححه الحاكم (4/ 350) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
ولهذا المختصر شاهد أخصر منه من حديث جابر عند مسلم وغيره من رواية
الأعمش عن أبي سفيان عنه، وكنت خرجته في "الصحيحة" أيضاً برقم (3261) .
ثم بدا لي فيه إشكال سببه - والله أعلم - الاختصار الذي وقع فيه من بعض
الرواة، أو من عنعنة الأعمش، فإن فيه:
"ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فَرَّقت بينه وبين امرأته؛ فيدنيه منه
ويقول: نِعمَ أنت! قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه ".
فظننت أنه سقط منه قول إبليس في الذي فرق: "أوشك أن يتزوج "، كما
سقط منه قصة الذي لم يزل به حتى قتل، وهو الذي قال له إبليس: نعم؛ أنت.
وهذا ثابت فِي حَدِيثِ سفيان الصحيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم رأيت الفضيل بن عياض قد تابعه إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن
السائب بلفظ أَخْصَرَ من لفظه وزاد عليه؛ وهو:
"إن إبليس بعث جنوده إلى المسلمين، فقال: أيكم أَضَلَّ رجلاً، أُلْبِسُهُ التَّاجَ؟
فإذا رجعوا، قال لبعضهم: ما صنعت؟ قال: ألقيت بينه وبين أخيه عداوة! قال:
ما صنعت شيئاً؛ سوف يصالحه. ثم يقول للآخر: فأنت ما صنعت؟ قال: ما زلت(13/231)
به حتى طلق امرأته! قال: ما صنعت شيئاً؛ عسى يتزوج أخرى. فقال للآخر: ما
صنعت؟ قال: لم أزل به حتى شرب الخمر! قال: أنت أنت!
ثم يقول للآخر: فأنت ما صنعت؟ قال: ما زلت به حتى زنى! قال: أنت
أنت!
ثم يقول للآخر: فأنت ما صنعت؟ قال: ما زلت به حتى قتل! فيقول: أنت
أنت! ".
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (رقم 1213 و 1468) .
وإبراهيم بن طهمان ثقة، ولكنه لم يذكر أيضاً في الرواة عن عطاء قبل
اختلاطه؛ فهو العلة، واضطرابه في ضبطه زيادة ونقصاً، واختلافاً في بعض
الجمل من الأدلة على اختلاطه؛ فلا يعتمد منه إلا رواية سفيان عنه كما تقدم.
والله أعلم.
6103 - (نَّ الرَّجُل مِنْ أَهْل الْجَنَّة لَيُزَوَّج خَمْسمِائَةِ حَوْرَاء، وأَرْبَعَة
آلَاف بِكْر، وَثَمَانِيَة آلَاف ثَيِّب، يعُانِقَ كلَّ واحدةٍ مِنْهُنَّ مِقْدارَ عُمُرِهِ
في الدنيا) .
منكر.
أخرجه البيهقي في "البعث " (ق 71/ 1) من طريق عبد الوهاب الخفاف:
ثظ موسى الأسفاري (!) عن رجل متن بَليّ عن عبد الرحمن بن سابط عن عبد الله
ابن أبي أوفى مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة الرجل البلوي، وبه أعله الحافظ في "الفتح "
(6/325) ، ولا أستبعد أنه عبد الله بن الحكم البلوي؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو
مترجم في "اللسان" بما خلاصته أنه لا يعرف، وقال الحافظ الجورقاني في كتابه(13/232)
"الأ باطيل والمناكير" (1/386) :
"وعبد الله بن الحكم لا يعرف بعدالة ولا جرح ".
ووقع في "سنن ابن ماجه " (558) في أثر عمر في مسح المسافر على الخفين:
(الحكم بن عبد الله البلوي) على القلب. وقال الحافظ في "التهذيب " و "التقريب ":
"والصواب عبد الله بن الحكم". زاد في "التقريب ":
"كما سيأتي ".
قلت: نسي؛ فلم يذكره في "تقريبه " ولا في "تهذيبه " وإنما ذكره في "لسانه "
كما تقدم، ومع أنه لم يذكر عنه راوياً غير يزيد بن أبي حبيب، فقد ذكر؛ تبعاً
لابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال: ثقة! وقد أشار الذهبي في "الكاشف " إلى
عدم اطمئنانه لهذا التوثيق بقوله:
" وُثِّق " كما هي عادته فيما تفرد بتوثيقه ابن حبان، وأكد ما ذكرته بقوله فيه
في "المغني ":
"لا يعرف ".
وموسى الأسفاري! كذا وقع في مصورة "البعث" والمطبوعة أيضاً (224/373) ،
وأظنه محرفاً من "الأسواري"؛ فإنه من هذه الطبقة، ذكره ابن عدي في "الكامل "
وقال (6/ 346) :
"شبه مجهول، قال البخاري: فيه نظر".
وقد رواه الوليد بن أبي ثور قال: حدثني سعد الطائي أبو مجاهد عن
عبد الرحمن بن سابط به نحوه، ولفظه:(13/233)
، يزوجُ الرجلُ من أهل الجنة ... الحديث دون قوله: "يعانق ... " إلخ، وزاد:
" فيجتمعن في كل سبعة أيام فيقلن بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها: نحن
الخالدات؛ فلا نييد، ونحن الناعمات؛ فلا نبؤس، ونحن الراضيات؛ فلا نسخط،
ونحن المقيمات؛ فلا" نظعن، طوبى لمن كان لنا وكنا له".
روا"هـ أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين " (419/588) ، و"العظمة"
(3/1108/603) . وعنه أبو نعيم في "صفة الجنة " (3/212/378 و 269/431) .
وهذا إسناد واهٍ؛ الوليد هذا هو: ابن عبد الله بن أبي ثور الهمداني، ضعفه
الجمهور، وقال أبو زرعة:
"منكر الحديث يهم كثيراً". وقال محمد بن عبد الله بن نمير:
"كذاب ".
وعزاه العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 541) لأبي الشيخ في "كتاب
العظمة" و"طبقات المحدثين "، وقال:
"إسناده ضعيف ".
واعلم أن الأحاديث التي وردت في تحديد عدد ما للرجل من النساء في الجنة
مختلفة جدّاً، والثابت منها حديث أبي هريرة في "الصحيحين" بلفظ:
"أول زمرة تدخل الجنة ... " ... وفيه: "لكل واحد منهم زوجتان "، وهو مخرج
في "الصحيحة" (2868) .
وحديث المقدام: "للشهيد عند الله سبع خصال ... " فذكرها، وفيه "ويزوج
اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين"، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 35 -
36) ، وهو كما. ترى خاص بالشهيد، وبقية الأحاديث لا تخلو من ضعف، وبخاصة(13/234)
حديث الترجمة، وقد أفاد الحافظ أن العدد الذي فيه هو أكئر ما وقف عليه.
ومن أوهامه رحمه الله أنه شرح قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لكل وأحد منهم زوجتان " بقوله:
" "أَيْ مِنْ نِسَاء الدُّنْيَا، فَقَدْ رَوَى أَحْمَد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعاً فِي
صِفَة أَدْنَى أَهْل الْجَنَّة مَنْزِلَة: "وَإِنَّ لَهُ مِنْ الْحُور الْعِين لَاثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَة سِوَى
أَزْوَاجه مِنْ الدُّنْيَا "، وَفِي سَنَده شَهْر بْن حَوْشَبٍ، وَفِيهِ مَقَال ".
قلت: هذا الشرح خطأ من وجهين:
الأول: أنه قائم على حديث لا يصح؛ لأنه من رواية شهر، وهو كثير الأوهام
- كما قال الحافظ نفسه في "التقريب " -، ووهمُه في هذا الحديث ظاهر من أكثر
من وجه؛ حسبك الآن ما يأتي.
والآخر: أنه نسي أن في رواية للبخاري (3254) من طريق أخرى عن أبي
هريرة بلفظ: " لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين".
فهذه رواية مفسرة للرواية الأولى "؛ فلا يجوز الإعراض عنها لحديث شهر
الضعيف، وبخاصة أن لرواية البخاري شاهداً من طريق آخر عن أبي هريرة بلفظ:
"وأزواجهم الحور العين ". رواه البخاري (3327) ومسلم (8/146) ، وبياناً
لهذه الحقيقة كنت ضممت هذه الزيادة! : "من الحور العين" إلى روإية الشيخين
الأولى في كتابي الفذ في أسلوبه -؛ "مختصر البخاري "، رقم (1397) فصارت فيه
هكذا: " لكل واحد منهم زوجتان [من الحور العين] "، فالاعتماد على هذه الرواية
الصحيحة في تفسير "الزوجتين" هو الواجب، وقد استفادت هذه الفائدة من كتاب
"حادي الأرواح " لابن القيم رحمه الله تعالى، ويأتي كلامه بإذنه تعالى تحت
الحديث (6105) .(13/235)
6104 - (لا تَزَالُ بِدِمَشْقَ عصابةٌ يُقاتِلون على الحقِّ حتى يأتيَ أمرُ
اللهِ وهم ظاهِرون) .
منكر.
أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/1/35) ، والطبراني في "مسند
الشاميين" (495) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/242 - دمشق) من طريق عمرو
ابن شراحيل العنسي: [سمعت] حيان بن وبرة المُرِّي عن أبي هريرة مرفوعاً ... به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير حيان هذا، وفي ترجمته ذكر
البخاري هذا الحديث معلقاً، لكن وقع عنده "حسان "، وليس خطأ من الناسخ أو
الطابع، فإنه في (باب حسان) ، ولم يذكر فيه جرحاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم.
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (4/172) على قاعدته! وقد وقع الاسم
عندهما على الصواب، ولم يذكرا عنه راوياً غير العنسي، وقد تحرفت هذه النسبة
على محقق "الثقات" إلى "العَيْشي "؛ كما حققته في "التيسير"، يسر الله لي إتمامه
بمنه وكرمه (*) !
ثم إن ابن عساكر أخرج الحديث من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"لا تزال عصابةٌ من أمتي يقاتلون على أبواب دمشقَ وما حولَها، وعلى أبواب
بيت المقدس وما حولها، لا يضرُّهم خذلان مَنْ خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن
تقوم الساعة ".
وفيه من لا يعرف، وهو مخرج في "فضائل الشام " (رقم 27 و 29) ، ثم قال
الحافظ ابن عساكر مشيراً إلى نكارة الحديث:
"وروي عن أبي هريرة من وجوه في أهل الشام على العموم من غير تخصيص
أهل دمشق ".
__________
(*) وقد تم بفضل الله - فيما نعلم - ولم يطبع بعد. (الناشر) .(13/236)
قلت: لا يحضرني الآن شيء مما أشار إليه من العموم من حديث أبي هريرة؛
من وجه يصح، وقد ساق هو تلك الوجوه أو بعضها على الأقل، ولا يخلو وجه
منها من علة، ثم ساق له شواهد من حديث أنس وزيد بن أرقم، وعبد الله بن
عمر، وأبي الدرداء، وعمران بن حصين، ومعاذ بن جبل، بعضها مرفوع، وبعضها
موقوف، يدل مجموعها على أن للحديث بذكر الشام أصلاً أصيلاً، وبخاصة أن
حديث معاذ صحيح وإن كان موقوفاً، فإنه في حكم المرفوع، وبخاصة أنه مما
أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (55 - مختصر البخاري) . ثم وجدت لحديث
أبي هريرة في الشام طريقاً صحيحاً؛ فخرجته في "الصحيحة" (3425) .
وأما الحديث بلفظ مطلق دون ذكر الشام؛ فهو متواتر، تجد كثيراً من طرقها
وألفاظها مخرجة في الكتاب الآخر: "الصحيحة" في مواطن عديدة، فانظر
"صحيح الجامع " (7164 - 7173) .
6105 - (إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً: إِنَّ لَهُ لَسَبْعَ دَرَجَاتٍ، وَهُوَ عَلَى
السَّادِسَةِ - وَفَوْقَهُ السَّابِعَةُ - وَإِنَّ لَهُ لَثَلَاثَ مِائَةِ خَادِمٍ، وَيُغْدَى عَلَيْهِ وَيُرَاحُ
كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثُ مِائَةِ صَحْفَةٍ - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: مِنْ ذَهَبٍ -، فِي كُلِّ
صَحْفَةٍ لَوْنٌ لَيْسَ فِي الْأُخْرَى، وَإِنَّهُ لَيَلَذُّ أَوَّلَهُ كَمَا يَلَذُّ آخِرَهُ، وَإِنَّهُ
لَيَقُولُ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! لَوْ أَذِنْتَ لِي لَأَطْعَمْتُ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَسَقَيْتُهُمْ لَمْ
يَنْقُصْ مِمَّا عِنْدِي شَيْءٌ، وَإِنَّ لَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ لَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً
سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنْ الدُّنْيَا وَإِنَّ الْوَاحِدَةَ مِنْهُنَّ لَيَأْخُذُ مَقْعَدُهَا قَدْرَ مِيلٍ
مِنْ الْأَرْضِ) .
منكر.
أخرجه أحمد في "المسند" (2/537) من طريق سُكَين بن عبد العزيز:
ثنا الأشعث الضرير عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: ... فذكره مرفوعاً.(13/237)
قلت: وهذا اسناد ضعيف؛ علته شهر هذا، وهو مختلف فيه، والراجح
عندي أنه ضعيف لكثرة أوهامه، وبهذا وصفه الحافظ في "التقريب" فقال:
"صدوق، كثير الإرسال والأوهام ". وأجمل القول فيه في "الفتح" فقال:
"فيه مقال ".
كما تقدم قبل حديث. وإلى ذلك أشار المنذري؛ فقال في "الترغيب "
(4/262 - 263) :
"رواه أحمد عن شهر عنه ".
وكذلك فعل الهيثمي فقال في "الجمع " (10/400) :
"رواه أحمد، ورجاله ثقات؛ على ضعف في بعضهم ".
قلت: وكأنه يشير إلى علة أخرى في إسناده، فإن سكين بن عبد العزيز
مختلف فيه أيضاً كما ترى في (التهذيب " و! الميزان "، وقد ترجح عنده (0) أنه
ضعيف؛ فأورده في "المغني في الضعفاء والمتروكين " فقال:
"قال النسائي: ليس بالقوي"، ولم يزد. والله أعلم.
ثم إن في الحديث نكارة ظاهرة في غير ما موضع منه، سبق الكلام في
أحدها، تحت الحديث المشار إليه آنفاً (6103) ، وهو أنه مخالف للحديث
الصحيح: "له زوجتان من الحور العين "، ويخالفه أيضاً في قوله في آخره:
" ... على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء".
وفي حديث آخر لأبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "خلق الله آدم على صورته، وطوله
ستون ذراعاً ... ! الحديث وفي أخره:
__________
(*) يعني: الذ هبي. (الناشر) .(13/238)
"فكل من يدخل الجنة على صورة آدم أوطوله ستون ذراعاً. .) ، وهو مخرج
في "الصحيحة، (449) .
من أجل ذلك قال ابن القيم رحمه الله في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ":
لاوالحديث منكر يخالف الأحاديث الصحيحة، فإن طول ستين ذراعاً لا
يحتمل أن يكون مقعد صاحبه بقدر ميل من الأرض، وفي "الصحيحينأ في أول
زمرة تلج الجنة: "لكل امرئ منهم زوجتان من الحور العين) فكيف يكون لأدناهم
اثنتان وسبعون من الحور العين ". نقلته من "التعليق الرغيب " (63/4!) .
6106 - (مَا وُجِدَ مِنْ نَاقِصِ الدِّينِ وَالْرَأْي أَغْلَبَ لِلرِّجَالِ ذَوِي الأَمْرِ
عَلَى أَمْرِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ، قَالُوا: وَمَا نقْصُ دِينِهِنَّ ورأيِهِنَّ؟ ، قَالَ: أمَّا
نقْصُ رأيِهِنَّ: فَجُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ، وأمَّا نقْصُ دِينِهِنَّ:
فإن إحداهن تَقْعُدُ ما شاء الُله من يومٍ وليلةٍ لا تسجُدُ للهِ سجدةً) .
منكر بهذا اللفظ.
أخرجه الحاكم (2/ 190) فقال: ... وأخبرنا عبد الله بن
محمد بن موسى العدل - واللفظ له -: ثنا محمد بن أيوب: أنبأ يحيى بن
المغيرة السعدي: ثنا جرير عن منصور عن ذر عن وائل بن مُهانة السعدي عن
عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره، وقبله
مقطع أخر بلفظ:
"يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن؛ فإنكن أكثر أهل جهنم ". فقالت
امرأة ليست من عِلْيَة النساء: وبم يا رسول الله! نحن أكثر أهل جهنم؛ قال: "إنكن
تكثرن اللعن وتكفرن العشير". وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي!(13/239)
واغتر بذلك الشيخ التويجري في "صارمه " فَنَبا عن صوابه (ص 75 - 76) ؛
لأن وائل بن مهانة هذا: قال الذهبي نفسه في "الميزان ":
"لا يعرف، له حديث واحد". يعني: هذا. وقال الحافظ:
"مقبول ". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فلين الحديث.
قلت: ولم يتابع - كما يأتي -، ولا ينفع فيه أن ابن حبان ذكره في "ثقاته "
(5/495) ؛ لأن ذلك من تساهله المعروف! وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في
" الكاشف ":
" وُثِّق ".
وفي الإسناد علة أخرى؛ وهي تنحصر في: شيخ الحاكم؛ فإني لم أعرفه،
أو: محمد بن أيوب؛ فلم أعرفه أيضاً. وبهذا الاسم والنسبة جمع فيهم الثقة
والضعيف، ولا أدري إذا كان هذا أحدهم.
ثم إنه قد خولف؛ فقد أخرجه النسائي في (العشرة) من "السنن الكبرى"
(5/398/9257) ، وأحمد (1/423) ومن طريقه الحاكم من حديث سفيان
الثوري عن منصور ... به؛ بالمقطع الأول فقط دون حديث الترجمة. وقول أحمد
بمنصور الأعمش، وأعاده (1/425) برواية أخرى عن الأعمش وحده.
وتابعهما الحكم قال: سمعت ذراً ... به؛ دون حديث الترجمة.
أخرجه النسائي وأحمد (1/433) .
والمقطع الأول صحيح؛ له شاهد من حديث ابن عمر عند مسلم وغيره، وهو
مخرج في "الإرواء" (1/205) تحت الحديث (190) ، وتمامه حديث الترجمة لكن
بلفظ:(13/240)
"وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن ". قالت: يا رسول
الله! وما نقصان العقل والدين ... الحديث نحوه، إلا أنه قال في آخره:
"وتمكث الليالي ما تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان الدين ".
فهذا هو المحفوظ، فقوله فِي حَدِيثِ الترجمة: "لا تسجد لله سجدة" ... منكر
مخالف للحديث الصحيح من جهتين:
الأولى: أنه لم يذكر الصيام.
والأخرى: أنه ذكر السجدة مكان الصلاة؛ فقد يأخذ منه بعض لا علم
عنده بالسنة وفقهها أن المرأة الحائض أو النفساء ليس لها أن تسجد سجدةً ما
- كسجدة الشكر والتلاوة -، وهذا مما لا دليل عليه، وإن كان يمكن تأويل السجدة
بالصلاة - من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل -، لكن التأويل فرع التصحيح، وإذا
لم يصح الحديث بهذا اللفظ؛ فلا مسوغ للتأويل. فتنبه!
ثم رأيت الحديث قد أخرجه ابن حبان (818 و 1294 - موارد) من طريق
الحكم قال: سمعت ذراً ... به، إلا أنه قال:
"لا تصلي فيه صلاة واحدة".
وهذا هو الصحيح الثابت في الأحاديث الصحيحة، ولكنه أوقفه على ابن مسعود
أيضاً!
6107 - (وما يُدريكِ؟! لعله كان يَتَكَلَّمُ فيما لا يَعْنيه، ويَمْنَعُ ما لا
يَضُرُّه) .
ضعيف.
أخرجه أبو يعلى في (مسنده " (7/84/4017) ، وابن أبي الدنيا في(13/241)
"الصمت" (73/109) من طريق يحيى بن يعلى الأسلمي عن الأعمش عن
أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
استشهد غلام منا يوم أحد، فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع،
فمسحت أمه التراب عن وجهه، وقالت: هنيئاً لك يا بني! الجنة. فقال النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ومتن منكر؛ وفيه علتان:
الأولى: الانقطاع بين الأعمش وأنس: فإنه لم يسمع منه، وقد وصله بعضهم
ولا يصح كما يأتي.
والأخرى: يحيى بن يعلى الأسلمي: وهو ضعيف، وبه أعله الهيثمي في
"المجمع" (10/303) . لكنه قد توبع على إسناده من حفص بن غياث عن
الأعمش ... به؛ نحوه دون ذكر الاستشهاد.
أخرجه "الترمذي (7/77/7 231) ، وأبو نعيم في "الحلية" (5/55 - 56)
والبيهقي في "شعب الإيمان " (7/425 - لبنان) ، وقال الترمذي:
"حديث غريب ". وقال البيهقي:
"هذا هو المحفوظ ".
قلت: ثم رواه من طريق أبي حنيفة الواسطي عن الحسن بن جبلة عن
سعيد بن الصلت عن الأعمشى عن أبي سفيان عن أنس ... به؛ مثل حديث
الترجمة، وفيه ذكر الاستشهاد.
وهذا منكر غير محفوظ - كما يشير إلى ذلك قول البيهقي المذكور آنفاً -،
وعلته سعيد بن الصلت هذا؛ فإني لم أعرفه، ويبعد أن يكون سعيد بن الصلت(13/242)
المصري الذي سمع ابن عباس، وترجمه البخاري (2/1/ 483) ، وابن أبي حاتم
(2/1/ 34) ، وذكره ابن حبان في "ثقات التابعين" (4/285) ؛ فهذا متقدم على
الأعمش فضلاً عن الراوي عنه لهذا الحديث، فالظاهر أن الخلط ممن دونه لما يأتي.
والحسن بن جبلة: لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال.
وأبو حنيفة الواسطي هو: محمد بن ماهان فيما ذكر الدولابي! في "الكنى"
(ص 160) ، وساق له حديثين من رواية شيخين، مات أحدهما سنة (266) ،
والآخر سنة (274) ، وسماه الذهبي في "المقتنى" محمد بن حنيفة بن ماهان
الواسطي، ولم أره هكذا في "تاريخ واسط " لبحشل، وإنما فيه محمد بن ماهان،
وروى عنه بالواسطة في غير ما موضع، وذكر (ص 157) عن أحمد بن محمد ين
ماهان قال: توفي أبي سنة أربع ومائتين.
قلت: وهذا مما يبعد جدّاً أن يدركه أحد الشيخين المذكور سنة وفاتهما،
فالأقرب أنه الذي في "تاريخ بغداد " (2/296) ! ؛ فإنه ذكر في شيوخه الحسن بن
جبلة الشيرازي، لكن سماه: "محمد بن حنيفة بن محمد بن ماهان أبو حنيفة
القصبي الواسطي "، ولكنه في أثناء الترجمة وقع في رواية له: وأبو حنيفة محمد
ابن حنيفة بن ماهان " فسقط منه محمد والد حنيفة، فلا أدرفي أهو سقط من الراوي
أو من الطابع، أو أنه زيادة منه في أول الترجمة؛ وأفاد أنه من شيوخ الدارقطني
وأنه قال: "ليس بالقوي "، ثم أفاد أنه كان موجوداً سنة سبع وتسعين ومائتين.
وللحديث طريق أخرى من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يرويه عصام بن
طليق البصري عن شعيب بن العلاء عنه، قال:
قتل رجل على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شهيداً، قال: فبكت عليه باكية، فقالت:
واشهيداه! قال: فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(13/243)
"مَهْ، ما يدريك أنه شهيد، ولعله كان يتكلم بما لا يعنيه، ويبخل بما لا
ينقصه".
أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (11/523/6646) ، وابن عدي في "الكامل "
(5/370 - 371) ، ومن طريقه البيهقي في "الشعب " (2/74/2 - المصورة) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وفيه علتان:
الأولى: شعيب: هذا في عداد المجهولين، لم يذكره أحد من علماء الجرح
والتعديل - فيما علمت - غير ابن حبان، أورده في "ثقات التابعين" (4/357) !
بهذه الرواية!
والأخرى: عصام بن طليق: متفق على تضعيفه؛ بل قال البخاري:
"مجهول، منكر الحديث ". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/174) :
"كان ممن يأتي بالمعضلات عن أقوام ثقات؛ حتى إذا سمعها مَن الحديثُ
صناعته؛ شهد أنها معمولة أو مقلوبة".
قلت: فالعجب من ابن حبان أن يورد في "ثقاته " شعيب بن العلاء شيخ
طليق هذا الواهي، وليس له راوٍ آخر!
والحديث - قال الهيثمي (10/303) -:
" رواه أبو يعلى، وفيه عصام بن طليق؛ وهو ضعيف".
وفاته هو وغيره إعلاله أيضاً بجهالة شيخه!
(تنبيهات) :
الأول: سقط من "المجمع " لفظ: (شهيد) ، ولعله من الناسخ أو الطابع.(13/244)
والثاني: سقط من "التهذيب" عبارة ابن حبان بتمامها إلا قوله: "معمولة أو
مقلوبة" ... ووقعت ملحقة بقول البخاري المتقدم!
والثالث: أن المعلق على. "ثقات ابن حبان " لم يعرف عصام بن طليق هذا؛
كما يشعر به قوله معلقاً عليه:
" وفي "اللسان " (4/167) : عصام بن أبي عصام "!
ففاته أنه غير عصام بن طليق، وأن هذا مترجم في "التهذيب ".
هذا؛ وإنما خرجت الحديث هنا لأنني استنكرت ذكر الاستشهاد في بعض
طرقه مع ضعفها، ولمنافاة ذلك لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين".
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (1196) وغيره، فكيف لا يغفر له ما
ذكر في الحديث مع الكلية المذكورة في الحديث الصحيح، ولم يستثن منها إلا
الدين؟!
وقد تاكدت من نكارة ذلك حين وجدت للحديث شاهداً بإسناد حسن عن
كعب بن عجرة فيه أنه كان مريضاً فقالت أمه: هنيئاً لك الجنة! فذكر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الحديث؛ فصح أنه قاله في المريض وليس في الشهيد. فالحمد لله على توفيقه،
وأسأله المزيد من فضله، وقد كنت أشرت إلى حديث كعب هذا في تعليقي على
"رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص 72) ، ولكن لم أكن وقفت
على إسناده، فلما علمت به؛ بادرت إلى تخريجه في "الصحيحة" (3103) لجودة
سنده، وسلامته من النكارة.
6108 - (اكتَحَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو صائم) .
ضعيف.
أخرجه ابن ماجه (1678) ، والطبراني في "الصغير" (ص 80 -(13/245)
هندية) ، وابن عدي في "الكامل " (3/406) من طريق هشام بن عبد الملك الحمصي:
ثنا بقية: ثنا الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ... فذكره.
والسياق لابن ماجه.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إن كان الزبيدي هذا هو محمد بن الوليد؛ كما
وقع في إسناد الطبراني مصرحاً به، وكنت تبنيت هذا في تعليقي على "الروض
النضير" (759) ، لتصريح رواية الطبراني به، ولأنه هو المراد بهذه النسبة: (الزبيدي)
عند الإطلاق. ثم تبين لي منذ سنين أنني كنت واهماً في ذلك فذكرت في
"الضعيفة" (3/76) عن أنس أنه كان يكتحل وهو صائم. وقلت:
"وفي معناه أحاديث مرفوعة لا يصح منها شيء؛ كما قال الترمذي وغيره ".
فأشكل هذا على بعض الطلبة الجزائريين - وحق له ذلك - حينما وجد هذا
التضعيف العام معارضاً لتصحيحي للحديث في (صحيح ابن ماجه! " (1360)
معزواً لـ"الروض "، فرأيتني مضطراً لإعادة النظر في هذا الحديث على ضوء ما جد
من المعلومات والمطبوعات الحديثية؛ فأقول:
لقد تأكدت من الوهم المذكور من الوجوه التالية:
الأول: أن رواية الطبراني المصرحة بأنه محمد بن الوليد هي من رواية الحسين
ابن تقي بن أبي تقي الحمصي حفيد هشام بن عبد الملك، ولم أجد له ترجمة،
ويظهر لي أنه من شيوخ الطبراني الذين لم يكثر من الرواية عنهم؛ فإنه لم يرو عنه
في "المعجم الأوسط " إلا حديثاً واحداً (3641) غير هذا، فهو - والله أعلم - غير
معروف العدالة؛ فمثله لا تقبل زيادته على الحافظ ابن ماجه، وقد رواه عن هشام
ابن عبد الملك مباشرة، ولا سيما وقد تابعه الحسين بن عبد الله القطان عن هشام،
والقطان ثقة حافظ أيضاً، وعنه رواه ابن عدي.(13/246)
وحينئذٍ لا يكفي للجزم بأنه محمد بن الوليد أنه المتبادَر عند إطلاق: (الزبيدي) ،
بل لا بد مع ذلك من قرينة أخرى تؤيده، وهذا غير متوفر، بل الموجود خلافه
وهو ما يأتي:
الثاني: أنني وقفت فيما بعد على رواية ثقتين عن بقية، صرحا بأنه غير
محمد بن الوليد:
الأولى: قال أبو يعلى في "مسنده " (8/225/4792) ومن طريقه ابن عدي:
حدثنا عبد الجبار بن عاصم: حدثني بقية بن الوليد الحمصي أبو يُحمِد عن سعيد
ابن أبي سعيد الزبيدي ... به.
والأخرى: كثير بن عبيد: ثنا بقية عن سعيد الزبيدي ... به.
أخرجه ابن عدي.
قلت: فبهاتين الروايتين تعين أن الزبيدي في الرواية الأولى هو سعيد بن أبي
سعيد ... وليس: محمد بن الوليد، وفي ترجمة ابن أبي سعيد أورده ابن عدي،
وساق له أحاديث هذا أحدها، وحديثاً آخر من طريق يحيى بن عثمان (وهو
الحمصي، ثقة أيضاً) : ثنا بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ... إلخ. وقال
ابن عدي:
"وعامة أحاديثه ليست بمحفوظة ".
وذكر في أول الترجمة أنه مجهول. وتبعه البيهقي (4/262) . ورده الحافظ
في "التلخيص" فقال (2/ 190) :
"وليس بمجهول؛ بل هو ضعيف، واسم أبيه عبد الجبار على الصحيح، وفرق
ابن عدي بين سعيد بن أبي سعيد الزبيدي - فقال: هو مجهول - وسعيد بن
عبد الجبار - فقال: هو ضعيف -؛ وهما واحدا".(13/247)
قلت: وروى ابن عدي (3/386) عن جرير أنه كان يكذبه. وقال أبو أحمد
الحاكم:
"يرمى بالكذب ".
وشذ ابن التركماني؛ فقال في "الجوهر النقي " (1/253) :
" وقال صاحب "الإمام ": ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب: سعيد بن أبي سعيد
هذا فقال: واسم أبيه عبد الجبار، وكان ثقة ... وذكره ابن حبان في كتاب
"الثقات " وقال: روى عنه أهل بلده؛ وهذا ينفي عنه الجهالة"!
قلت: إن نفى ذلك عنه الجهالة؛ فبه لا تثبت العدالة؛ لما عرف به ابن حبان
من التساهل في التوثيق، وأما ما حكاه عن الخطيب أنه وثقه؛ فهو نقل غريب،
فإن ثبت عن الخطيب؛ فالجرح مقدم على التعديل، والله أعلم.
ثم رأيت الحافظ العراقي في شرحه على الترمذي (ج 2 ق 26/2) بعد أن ذكر
ما تقدم عن صاحب "الإمام ": أنه غلط وقع في النسخة التي نقل منها، إنما نقل
الخطيب في كتاب "المتفق والمفترق " (*) : وكان غير ثقة ... إلخ كلامه.
بقي شيء، وهو أن الحديث مدار طرقه على بقية عن سعيد هذا، ولم يصرح
بالتحديث عنه إلا في رواية ابن ماجه، فإن كان محفوظاً؛ فالعلة من شيخه
سعيد، وإلا؛ فهي علة أخرى؛ لأنه كان مدلساً، ولم يصرح بالتحديث في كل
الروايات الآخرى.
هذا وفي النسخة المطبوعة من "سنن ابن ماجه " "الزبيدي " لم يسمه، كما
سبق، فقول الحافظ في "التهذيب ":
__________
(*) في الأصل: المختلف. (الناشر) .(13/248)
"ووقع في روايته: سعيد بن أبي سعيد" لعله في بعض النسخ من "السنن ".
والله أعلم. ثم رأيت العراقي صرح في "شرحه" المتقدم أن ابن ماجه لم يسمه.
وجملة القول؛ أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وقد ضعفه النووي وتبعه
الحافظ ابن حجر في "التلخيص "؛ ولكنه قال:
"وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في "الطبراني الأوسط ". وعَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ
في "شعب الإيمان" للبيهقي بإسناد جيد".
فأقول: أما حديث بريرة: فقد وقفت على إسناده في "المعجم الأوسط"؛ قال
(2/133/1/7054) : حدثنا محمد بن علي بن حبيب: ثنا أبو يوسف الصيدلاني:
ثنا محمد بن مهران المِصِّيْصِيُّ عن مغيرة بن مغيرة الرملي عن إبراهيم بن أبي
عبلة عن ابن مُحَيْرِزٍ عن بريرة مولاة عائشة قالت:
رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكتحل بالإثمد وهو صائم.
وقال الطبراني:
"لم يروه عن إبراهيم بن أبي عبلة إلا مغيرة بن مغيرة، ولا عن مغيرة إلا
محمد بن مهران، تفرد به أبو يوسف الصيدلاني ".
قلت: وهو ثقة حافظ - كما في "التقريب" -، واسمه: محمد بن أحمد بن
محمد بن الحجاج الرَّقي.
ومحمد بن مهران المصيصي: لم أجد له ترجمة ولا في "تاريخ دمشق " لابن
عساكر، وهو من شرطه.
ومغيرة بن مغيرة الرملي: ترجمه ابن عساكر (17/103) برواية جمع من
الثقات عنه، وكناه بأبي هارون الربعي الرملي، وروى عن ابن أبي حاتم أنه قال:(13/249)
"سألت أبي عنه؛ فقال: لا بأس به ".
وهذا موجود في "الجرح والتعديل "، لكن وقع فيه: (مغيرة بن أبي مغيرة الرملي) ... بزيادة أداة الكنية: (أبي) ؛ فيصحح من "التاريخ".
وهذه الترجمة عزيزة جدّاً؛ حتى فاتت الحافظين الذهبي والعسقلاني، فقال
في " الميزان ":
"لا أعرفه "! وتبعه في "اللسان "!
ولعل الهيثمي أيضاً تابع له حين قال في الحديث (3/167) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه جماعة لم أعرفهم ".
وأما حديث ابن عباس الذي عزاه الحافظ لـ "شعب " البيهقي؛ فلم نجده في
مظانه منه بعد الاستعانة عليه بفهرسه، فإن وجد، وتبين أن إسناده جيد - كما
قال الحافظ -؛ فلينقل إلى "الصحيحة ".
وأما ما ذكره بعض إخواننا: أنه يحتمل أن الحافظ أراد بحديث ابن عباس
حديثه الذي ذكره شيخه العراقي في "شرح الترمذي " - بعد كلامه على حديث
الترجمة وغيره -، فقال:
"وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي في "شعب الإيمان " من رواية الحسين
ابن بشبر عن محمد بن الصَّلْت عن جُويبر عن الضحاك عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً
بلفظ: "من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء؛ لم يرمد أبداً". قال البيهقي إسناده
ضعيف ... ".
فأقول: أستبعد جدّاً أن يكون الحافظ أراد هذا الحديث؛ لأمرين:
الأول: أنه ليس فيه ذكر الاكتحال في رمضان.(13/250)
والآخر: أنه حديث موضوع؛ كما تقدم تحقيقه في الجلد الثاني من هذه
"السلسلة" رقم (624) ، وفي سنده كما ترى جويبر، قال الحافظ فيه:
"ضعيف جدّاً ".
فكيف يعقل مع هذا كله أن يقصد الحافظ حديث جويبر هذا، وهو يقول في
حديث ابن عباس: "بإسناد جيد"؟!
6109 - (مَن فرَّ بدينه من أرضٍ إلى أرضٍ مَخَافةً على نفسه ودينه؛
كُتِب عند الله صِدِّيقاً، فإذا مات؛ قَبَضَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ شهيداً) .
موضوع.
أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " بسنده عن مجاشع بن عمرو
عن خالد بن يزيد القرشي عن مقاتل بن حيان عن شهر بن حوشب عن أبي
الدرداء ... رفعه.
ذكره السيوطي في "ذيل اللابهئ المصنوعة" (127 - هندية) وقال:
"مجاشع يضع الحديث ".
ووافقه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/187) ، واقتصر القرطبي في تفسيره
"الجامع " (5/347 و 13/358) على الإشارة لضعفه بقوله:
"وروي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... " فذكره بلفظ:
"من فر بدينه من أرض إلى أرض - وإن كان شبراً -؛ استوجب الجنة، وكان
رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام ".
وبهذا اللفظ أخرجه الثعلبي في "تفسيره " (ق 62/ 1) عن صالح بن محمد
عن سليمان عن عباد بن منصور الناجي عن الحسن ... مرفوعاً.(13/251)
قلت: وهذا إسناد واهٍ مرسل؛ الحسن هو البصري.
وعباد بن منصور الناجي: قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق، رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بأَخَرَة".
قلت: واللذان دونه لم أعرفهما، ويحتمل أن يكون سليمان هو ابن عمرو أبا
داود النخعي الكذاب.
ولم يتكلم عليه الحافظ في "تخريج الكشاف " فقال في تخريجه (4/48
و128) :
" أخرجه الثعلبي في "تفسير العنكبوت " من رواية عباد بن منصور الناجي
عن الحسن مرسلاً ".
6110 - (مَن نظرَ إلى فرجِ امرأةٍ؛ لم تَحِلَّ له أمُّها ولا ابنتُها) .
منكر.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (4/165) : جرير بن عبد الحميد
عن حجاج عن أبي هانئ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل، أبو هانئ هذا لم أعرفه، وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى" خمسة بهذه الكنية وسماهم، ولم يتبين لي أنه منهم، وكلام
البيهقي الآتي يشعر بأنه مجهول لا يعرف.
والحجاج الظاهر أنه ابن أرطاة، وبه جزم البيهقي، وهو كوفي، وكذا الراوي
عنه جرير بن عبد الحميد، قال البيهقي في (باب الزنا لا يحرم الحلال) من "السنن
الكبرى، (7/ 170) :
"وأما الذي يروى فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا نظر الرجل إلى فرج المرأة؛ حرمت(13/252)
عليه أمها وابنتها"؛ فإنه إنما رواه الحجاج بن أرطاة عن أبي هانئ، أو أم هانئ عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا منقطع، ومجهول، وضعيف، الحجاج بن أرطاة لا يحتج به فيما
يسنده، فكيف بما يرسله عمن لا يعرف؟! ".
وجزم الحافظ في "الفتح " (9/156) بأنه حديث ضعيف، وعزاه لابن أبي
شيبة من حديث أم هانئ؛ كذا وقع فيه: (أم هانئ) ... والصواب: (أبو هانئ) - كما
سبق عن "المصنف " -، وكذلك وقع في "الدر المنثورة (2/136) معزواً لابن أبي
شيبة، ووقع عند البيهقي معلقاً على الشك: (أبي هانئ، أو: أم هانئ) - كما
رأيت -، فإن كان محفوظاً؛ ففيه إشارة إلى أن الراوي لم يحفظه جيداً، ولعل ذلك
من الحجاج أو من شيخه الذي أسقطه من الإسناد؛ فإنه مشهور بالتدليس. والله
أعلم.
6111 - (إذا نكحَ الرجلُ المرأةَ فلا يحلُّ له أن يتزوّج أمَّها دَخَلَ
بالابنةِ أو لم يدخُلْ، وإذا تزوجَ الأمَّ فلم يدخلْ بها ثم طَلَّقها؛ فإن شاءَ
تزوجَ الابنةَ) .
ضعيف.
قال السيوطي في "الدر المنثور" (2/135) :
"أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في
"سننه " من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... " فذ كره.
وأقول: لقد كنت خرجت الحديث في "الإرواء" (6/286/1879) بلفظ:
"أيما رجل نكح امرأة ... " الحديث، وبينت علته، وذكرت من ضعفه من الأئمة بما
يغني عن إعادة ذلك هنا، وإنما أوردته هنا بتخريج السيوطي المذكور لفوائد جديدة
وغيرها من الأمور الآتية:(13/253)
أولاً: اقتصر السيوطي في "الجامع الكبير" في تخريجه على البيهقي فقط!
وفي ذلك دلالة على أنه قد يوجد في الكتاب غير الختص بالحديث من الفواثد ما
لا يوجد في المختص فيه.
ثانياً: أخرجه عبد الرزاق في (المصنف " (6/276/10821 و278/10830)
مفرقاً في موضعين، قال: أخبرني من سمع المثنى بن الصباح عن عمرو بن
شعيب ... به، وقد وصله ابن جرير والبيهقي من طريق ابن المبارك قال: أخبرنا
المثنى ابن الصباح ... به. وقد تابعه ابن لهيعة عن عمرو، كما كنت خرجته
هناك، ومنهم الترمذي وقال:
"لا يصح ... ، والمثنى وابن لهيعة يضعفان في الحديث ".
ثالثاً: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسن؛ كما تقرر عند المحققين
من أهل العلم إذا ثبت السند إليه، فقد يقول قائل: ألا يتقوى حديثه هذا بمتابعة
المثنى لابن لهيعة؟ وما وجه جزم الترمذي مع ذلك بأنه لا يصح؟
قلت: الجواب: قال الحافظ في (تخريج أحاديث الكشاف " (4/ 41) عقب
قول الترمذي المذكور:
"ويشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى؛ لأن أبا حاتم قال: "لم يسمع
ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئاً؛ فلهذا لم يرتق هذا الحديث إلى درجة
الحسن".
رابعاً: وخفي هذا التحقيق من الحافظ والإعلال من ابن أبي حاتم على
الشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ فذهب في تعليقه على "تفسير ابن جرير" (8/146)
إلى تقوية الحديث بمتابعة ابن لهيعة هذه، ولم يتنبّه إلى أن مدارها على ابن المثنى!
ويؤكد ذلك ما في "التهذيب ":(13/254)
"وقال أحمد بن حنبل: كتب (ابن لهيعة) عن المثنى بن الصباح عن عمرو
ابن شعيب، فكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب "!
قلت: والظاهر أن ذلك كان عن نسيان منه؛ كما أشار إلى ذلك ابن عدي في
آخر ترجمته إياه (4/154) ، وذكر فيها هذا الحديث فيما استنكر عليه. وهذا هو
السبب في خلو (مسند ابن عمرو) في "مسند أحمد" من رواية ابن الهيعة عن
عمرو بن شعيب. مع أن فيه من رواية آخرين عنه، منهم المثنى كما تقدم. فخذها
فائدة قد لا تجدها في غير هذا المكان.
خامساً: لم يكتف أحمد شاكر بها سبق ذكره عنه؛ بل قال في المثنى:
"نرى أن حديثه حسن؛ لأنه اختلط أخيراً، كما فصلناه في "المسند" في
الحديث 6893 ".
قلت: وإذا رجع القارئ إلى المكان المشار إليه؛ وجد أنه ذكر تضعيفه عن أبي
حاتم وأبي زرعة وابن سعد والنسائي وغيرهم، وقد اختلط في آخر عمره ... قال
بعد أن نقل عن البخاري اختلاطه:
"ولعل هذا أعدل ما قيل فيه ".
فأقول: لو سلمنا بهذا؛ فمن المعلوم أن حديث المختلط ضعيف عند، المحدثين:
إلا إذا حدث به قبل الاختلاط، وكان هو في نفسه ثقة، وكل من الأمرين هنا غير
متحقق؛ أما الأول: فلأنه لا يدرى هل حدث بهذا الحديث قبل الاختلاط أم
بعده؟
والأخر: فلأنهم قد أجمعوا على تضعيفه إلا رواية عن ابن معين، لكنه في
روايتين أخريين عنه ضعفه، فهذا أولى بالاعتماد؛ لموافقته لأقوال الأئمة الآخرين،(13/255)
فإنها مجمعة على تضعيفه، وإن اختلفت عباراتهم؛ ولذلك قال ابن عدي في آخر
ترجمته (6/425) :
"وقد ضعفه الأئمة المتقدمون، والضعف على حديثه بَيِّن ".
بل قد ضعفه جدّاً بعضهم، فقال النسائي وابن الجنيد:
"متروك الحديث ". وقال الساجي:
"ضعيف الحديث جدّاً، حدث بمناكير يطول ذكرها".
قلت: فكيف يستقيم تحسين حديث من هذا حاله؟!
سادساً: وأنكر مما سبق ما وقع في تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن "
(5/106 -107) :
" أخرجه في الصحيحين "!
وهذا وهم محض، ولعله من بعض النساخ. والله أعلم.
6112 - (لا يفسد حلالٌ بحرامٍ، ومن أتى امرأة فُجوراً فلا عليه
أن يتزوجَ أمَّها أو ابنتَها، فأما نكاحٌ؛ فلا) .
باطل.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/ 160) ، ومن طريقه البيهقي في
"السنن " (7/169) بسنده الصحيح عن محمد بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن
إسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي
الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال البيهقي:
"تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي هذا، وهو ضعيف، قاله يحيى بن
معين وغيره، والصحيح عن ابن شهاب الزهري عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرسلاً
موقوفاً! .(13/256)
قلت: والوقاصي: ألان البيهقي القول فيه، وحاله أسوأ مما قال: فقد كذبه
ابن معين - كما تقدم غير مرة -.
والمغيرة بن إسماعيل: مجهول، كما قال ابن أبي حاتم (4/1/ 219) :
"مجهول ". ووافقه الذهبي والعسقلاني.
وابنه محمد: صدوق يغرب - كما في "التقريب ". .
وقد خالفه في متنه عبد الله بن نافع الخزومي؛ فرواه عن المغيرة بن إسماعيل ...
به نحوه، وقد مضى برقم (388) ، ورواه ابن عدي أيضاً في ترجمة الوقاصي وقال:
"وعامة أحاديثه مناكير إسناداً ومتناً".
6113 - (إِنَّ مُؤْمِنِي الجِنِّ لَهُم ثَوَابٌ، وَعَلَيْهِم عِقَابٌ. فسأَلنَاهُ عَنْ
ثَوَابِهِم وَعَنْ مُؤْمِنيهِم؟ قَالَ: عَلَى الأَعْرَافِ، وَلَيسُوا فِي الجَنَّةِ مع محمد
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَسَألْنَاه:وَمَا الأَعْرَافُ؟ قَالَ: حَائِطُ الجَنَّةِ تَجرِي فِيْهِ الأَنْهَارُ،
وَتَنبُتُ فِيْهِ الأَشجَارُ وَالثِّمَارُ) .
موضوع.
أخرجه البيهقي في "البعث " (107/108) ، وابن عساكر من طريقه
وطريق غيره في "تاريخ دمشق " (17/ 910 - المدينة) ، والذهبي في "سير الأعلام "
(17/7 - 8) من طريق الوليد بن موسى: حدثنا منبه بن عثمان عن عروة بن رويم
عن الحسن عن أنس بن مالك ... مرفوعاً. وقال الذهبي:
"هذا حديث منكر جدّاً".
وأقول: وآفته الوليد بن موسى - وهو: الدمشقي -: قال العقيلي (4/ 321) :
"أحاديثه بواطيل لا أصول لها، ليس ممن يقيم الحديث ".(13/257)
ثم ساق له حديثين - أحدهما الآتي عقب هذا -، وقال:
"لا أصل له " - كما يأتي -. وقال ابن حبان في "الضعفاء" (3/82) - وقد
ساق له حديثاً تقدم (2353) -:
"لا أصل له ". وفي " الميزان ":
"عن سعيد بن بشير، قال الدارقطني: منكر الحديث. وقواه أبو حاتم، وقال
غيره: متروك. وله حديث موضوع ".
قلت: وأظن أنه يعني الحديث الآتي بعد هذا، وتقدم له حديث آخر برقم
(2353) .
وقول الذهبي: "وقواه أبو حاتم " بينه الحافظ في "اللسان " بقوله:
"ولفظ أبي حاتم: صدوق، ليِّن، حديثه صحيح ".
وليس للوليد المذكور ترجمة في "الجرح والتعديل "، وبذلك صرح ابن عساكر
في آخر ترجمة الوليد هذا؛ فلا أدري أين قال هذا القول الغريب: "صدوق، لين،
حديثه صحيح "! ولولا أن الذهبي أشار إلى هذا القول - كما تقدم - " لقلت: إنه
دخل عليه ترجمة في أخرى؛ فقد وجدت في "الجرح " (4/2/19) ما قد يجعل
ذلك محتملاً، فقد ذكر في ترجمة الوليد بن الوليد العَنَسي القلانِسي الدمشقي:
روى عن ابن ثوبان وسعيد بن بشير، ثم قال:
"سألت أبي عنه؛ فقال: هو صدوق، ما بحديثه بأس، حديثه صحيح ".
فقلت في نفسي: لعله الذي أشار إليه الذهبي وأراده الحافظ، مع ملاحظة
الفرق بين هذا وبين ما نقله الحافظ وهو قوله: " ليِّن " ... مكان: "ما بحديثه بأس ".
وهذا التعبير ليس فيه تلك الغرابة التي أشرت إليها آنفاً؛ فإن وسطه منسجم مع
طرفيه - كما هو ظاهر -.(13/258)
ثم وجدت ما يزيل الإشكال: فقد رأيت الذهبي أعاد ترجمة الوليد هذا فقال:
"الوليد بن الوليد الدمشقي، عن سعيد بن بشير، قال الدارقطني وغيره:
منكر الحديث ". فقال الحافظ في "اللسان ":
"قلت: هو ابن موسى الذي تقدم ".
فإذا كان كذلك؛ فما نقله الحافظ في ترجمة الأول عن أبي حاتم قد ذكره
ابن هذا في ترجمة الآخر، وتبين أن الترجمة واحدة؛ فهو الوليد بن موسى،
وهو الوليد بن الوليد نفسه، فلعل أحد أبويه هو جده؛ فبعضهم نسبه إلى أبيه،
وبعضهم إلى جده. والله أعلم.
والغريب أن الحافظ ابن عساكر قد ترجم للوليد ابن الوليد أيضاً (17/913 -
915) ، ولكنه لم يشر إلى أنه الأول، فظاهر صنيعه أنه غيره. فالله أعلم.
وبناء على أنهما واحد قال الحافظ عقب قول أبي حاتم المتقدم:
"وقال الحاكم: "روى عن عبد الرحمن بن ثابت عن ثوبان أحاديث موضوعة "،
وبين الكلامين تباعد عظيم ".
والحديث عزاه ابن كثير في (تفسير الأعراف) للبيهقي وابن عساكر، ساكتاً عليه،
ولكنه أشار إلى علته بسوقه إسناده من الوليد هذا، بخلاف السيوطي الذي
عزاه في "الدر المنثور" و"الجامع الكبير" للبيهقي وحده؛ ساكتاً عنه على غالب عادته!
6114 - (آجالُ البهائمِ كلِّها - من القَمْلِ، والبراغيثِ، والجَرَادِ،
والخيلِ، والبِغالِ، والدوابِّ كلِّها، والبقرِ، وغيرِ ذلك؛ آجالُها في -
التسبيحِ، فإذا انقضى تسبيحُها؛ قبضَ اللهُ أرواحَها، وليس إلى مَلَكِ
الموتِ مِنْ ذلك شيءٌ) .
موضوع.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 321 - 322) ، ومن طريقه ابن(13/259)
الجوزي في "الموضوعات " (3/222) ، وكذا ابن عساكر (17/910-911) من طريق
الوليد بن موسى الدمشقي قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن
يحيى بن أبي كثير عن الحسن عن أنس ... مرفوعاً. وقال العقيلي:
"الوليد هذا أحاديثه عن الأوزاعي بواطيل لا أصول لها، ليس ممن يقيم الحديث ".
ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، وقال عقبه:
"لا أصل له من حديث الأوزاعي ولا غيره". وبهذا أعله ابن الجوزي، وبقول
ابن حبان:
"الوليد يروي عن الأوزاعي ما ليس من حديثه؛ لا يجوز الاحتجاج به ".
وتقدمت ترجمته وما قال فيه أبو حاتم في الحديث الذي قبله، وقول الذهبي
المخالف له:
"له حديث موضوع "، وأنه يعني هذا فيما أظن، ونحوه قول الحافظ في آخر
الترجمة:
"وهذا منكر جدّاً".
6115 - (وَلَدُ الزِّنا ليس عليه من إِثْمِ أبَوَيْه شيءٌ. ثم قَرَأَ: {وَلَا تَزِرُ
وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
منكر.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (1/250/2/4322 - بترقيمي) من
طريق جعفر بن محمد بن جعفر المدائني قال: نا عباد بن العوام عن سفيان عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ... مرفوعاً. وقال:
"لم يرفع هذا الحديث عن سفيان الثوري إلا عباد بن العوام، تفرد به جعفر
ابن محمد المدائني ".
قلت: قال فيه الهيثمي (6/257) بعدما عزاه للطبراني:(13/260)
"ولم أعرفه". وفاته أنه ذكره ابن حبان في "الثقات " فقال (8/162) :
"يروي عن يزيد بن هارون وأبيه، روى عنه أهل واسط ".
وهكذا ذكره الهيثمي نفسه في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان " فكأنه نسي،
أو أنه ألفه بعد يهيفه لـ"مجمع الزوائد"، وهذا ما أستبعده.
لكن قد استدركه الحافظ في "اللسان " (2/126) فذكره بروايته عن يزيد بن
هارون وأبي نعيم وغيرهما، ثم قال:
"قال الجورقاني في كتاب "الأباطيل ": مجروح ".
قلت: ساق له حديثاً بإسنادين له؛ أحدهما إلى علي، والآخر إلى أنس،
وقال (2/239) :
"حديث باطل، وجعفر بن محمد مجروح ".
ومن الغريب أن الحافظ لم يشر - ولو أدنى إشارة - إلى كونه في "ثقات ابن
حبان "! فكأنه أصابه ما أصاب شيخه الهيثمي. ولعل تلميذه الحافظ السخاوي،
وقف على ترجمة جعفر هذا في "الثقات"؛ فقد نقل عنه ابن عراق في "تنزيه
الشريعة " (2/228) أنه قال:
"وسنده جيد ".
فإن هذا التجويد لا وجه له إلا على اعتبار أنه وقف على هذا التوثيق، وإن
كان توثيقاً ليِّناً لتفرد ابن حبان به، ومخالفته لتجريح الجورقاني؛ ولأنه قد خولف
في رفعه، رواه البيهقي (10/58) من طريق أبي نعيم: ثنا سفيان عن هشام عن
أبيه عن عائشة قالت: ... فذكره بتمامه موقوفاً عليها، وقال:
"رفعه بعض الضعفاء، والصحيح موقوف ".(13/261)
فكأنه يشير إلى تضعيف جعفر هذا الذي رفعه، فليضم إذن تضعيفه إلى
تضعيف الجورقاني. والله أعلم.
6116 - (كَانَتْ يَهُودُ تَقُولُ إِذا هَلَكَ لَهُمْ صَبِيٌّ صَغِيرٌ قَالُوا: هُوَ
صِدِّيقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
كَذَبَتْ يَهُودُ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ يَخْلُقُهَا اللَّهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ إِلا أَنَّهُ شَقِيٌّ أو
سَعِيدٌ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ
مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجَنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} الآيَةَ كُلَّهَا) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/75/368) : حدثنا عمرو
ابن أبي الطاهر بن السرح المصري: حدثنا يحيى بن بكير: ثنا ابن لهيعة عن
الحارث بن يزيد عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: ... فذكره.
ومن طريق الطبراني أخرجه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1/111/2) في
ترجمة ثابت بن الحارث هذا، وقال:
"شهد بدراً، عداده في المصريين ".
وتبعه في ذلك ابن الأثير في "أسد الغابة" (1/266) .
وأقول: لم يذكر هو ولا غيره ممن ألف في الصحابة ما تطمئن النفس لصحبته؛
فكيف لبدريته؟! بل أشار الذهبي رحمه الله لعدم ثبوت هذه؛ فقال في "التجريد":
"يعد في المصريين، بدري فيما قيل ".
وأوسع من ترجم له - فيما اطلعت - الحافظ ابن حجر في "الإصابة"، وقد
ساق له ثلاثة أحاديث؛ ليس في واحد منها ما يدل على الصحبة لا تصريحاً ولا(13/262)
تلويحاً، فضلاً عن بدريته، هذا الحديث أحدها، والذي يليه ثانيها، وثالثها فيه أنه
قال: كان رجل منا من الأنصار نافق، فأتى ابن أخيه فقال: يا رسول الله! ...
الحديث. فهذا كما قلنا: لا يقتضي الصحبة، بل هو بالمرسل أشبه. بل هو مثل
حديثه المتقدم برقم (6092) من رواية الحارث بن يزيد أيضاً عنه قال: عن بعض
من كان مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكر حديثاً منكراً؛ كما بينت هناك.
فهذا وما قبله لا يثبت له الصحبة. ونحوه أنني وجدت له حديثاً آخر من
رواية ابن لهيعة أيضاً عن الحارث بن يزيد: أن ثابت بن الحارث أخبره: أنه سمع
أبا هريرة يخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "الإيمان يمان ... " الحديث. أخرجه ابن
عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 280) ، وأحمد (2/ 380) .
فهو إذن: إما أن يروي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة صحابي، أو أن يرسل؛ فلا يذكر
الواسطة، ولا يبين سماعه منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو مشاهدته إياه في شيء من رواياته على
قلتها، فمجرد الرواية عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعني أن الراوي من الصحابة - كما هو ظاهر لا
يخفى على العارفين بهذا العلم الشريف -، وقد ذكر الحافظ رحمه الله في مقدمة
"الإصابة" الطرق التي بها يعرف كون الشخص صحابياً، وليس منها مجرد روايته
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فراجعها إن شئت.
ولعله مما يؤيد أن ثابتاً هذا ليس صحابياً: أن الراوي عنه - الحارث بن يزيد
الحضرمي - لم يذكروا في ترجمته أنه روى عن أحد من الصحابة، وأنه توفي سنة
(130) . والله أعلم.
والخلاصة: أن ثابتاً هذا إذا لم تثبت صحبته؛ فهو تابعي، وحينئذٍ لا بد من
إثبات عدالته بالنقل عن أحد أئمة الجرح والتعديل، وهذا معدوم - كما كنت
ذكرت هناك تحت الحديث (6092) -، وعليه تكون أحاديثه معلولة بالجهالة تارة،
وبها وبالإرسال تارة؛ كما هو الحال فِي حَدِيثِ الترجمة هذا، والذي يليه.(13/263)
هذا؛ والحديث أورده السيوطي في "الدر المنثور، (6/118) وقال:
"أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في "المعرفة " وابن
مردويه والواحدي عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال ... " فذكره.
ولم أره في "مجمع الزوائد" للهيثمي، بعد مراجعته في مظانه، والاستعانة
عليه بالفهرس الذي وضعه أبو هاجر. فالله أعلم.
وهو عند الواحدي في "أسباب النزول " (ص 298) من طريق ابن وهب قال:
أخبرني ابن لهيعة ... به.
قلت: وابن وهب هو من العبادلة الذين يصحح العلماء حديث ابن لهيعة إذا
كان من رواية أحدهم عنه؛ فالسند إلى ثابت بن الحارث صحيح، لكنه مرسل،
مع جهالة ثابت - كما تقدم -. والله أعلم.
وبعد أيام من كتابة هذا البحث واطلاع أحد إخواننا عليه أوقفني على قول
العجلي في "ثقاته " (259/ 190) في ثابت هذا:
"مصري تابعي ثقة "!
فقد شهد أنه تابعي، ولكنه وثَّقَه على تساهله المعروف في توثيق المجهولين؛
كابن حبان رحمهما الله تعالى!
ثم رأيت الحافظ قد بسط الكلام حول ثابت هذا والخلاف في صحبته، ثم
ختم البحث عليه بقوله:
" ولم أجد في طريق من طرق أحاديثه أنه صرح بسماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
والذي يظهر: أنه تابعي؛ كما صرح به العجلي، واقتضاه كلام ابن يونس، وهو
أعلم الناس بالمصريين؛ فلعله أرسل تلك الأحاديث، وقد تبين أن مدار أحاديثه
كلها على ابن لهيعة! .(13/264)
قلت: يشير إلى الحديث الثاني والثالث اللذين أشرت إليهما آنفاً، ولم يذكر
حديث الترجمة، وكان قد ذكره في "الإصابة"، كما أشار هناك إلى حديث رابع،
وهو الذي تقدم تخريجه والكلام عليه مفصلاً برقم (6092) ، وليس هو من رواية ابن
لهيعة؛ فهو يبطل الكلية التي أطلقها، ولعله كان يعني ما ذكر قبلها من الأحاديث.
وجملة القول؛ أن ثابتاً هذا ليس صحابياً على الأرجح؛ لأنه لم يصرح
بسماعه منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أي رواية عنه، ولا له ذكر في المغازي والسير، فما أشبه حاله
بحال يحيى بن أبي كثير - وهو من طبقته - حين روى عن رجل من الأنصار: أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن أكل أذني القلب. فأورده أبو داود في "المراسيل "، وأعله
ابن القطان بالإرسال والجهالة - كما سيأتي بيان ذلك برقم (6220) -، وانظر ابن
القطان (2/ 69/ 1) .
وعليه؛ فإن ثابتاً هذا تابعي؛ لأنه لم يصرح بسماعه من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أي
رواية عنه؛ ولذلك استظهرت تابعيته، وبه يظهر خطأ قول أخينا الفاضل: ربيع بن
هادي في رسالته: "صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة على قتالهم بغير
المسلمين " (ص 40) - بعد أن ذكر الخلاف في صحبته -:
"الذي يظهر لي أن الراجح عند الحافظ [هو ما قرره في (الإصابة) من إثبات
صحبة ثابت بن الحارث، وأنه رأيه الأخيرا] ".
6117 - (قَسَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِسَهْلَةَ بنتِ عَاصِمِ بن عَدِيٍّ، وَلابْنَةٍ
لَهَا وُلِدَتْ) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (2/75/1369) ، وأبو نعيم أيضاً في
"المعرفة" من طريق ابن المبارك عن ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد الحضرمي عن
ثابت بن الحارث الأنصاري قال: ... فذكره.(13/265)
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير ثابت بن الحارث؛ فهو غير معروف كما
سبق بيانه تحت الحديث (6092) ، وقيل بأن له صحبة، ولم يثبت ذلك عندي
كما حققته في الحديث الذي قبله، فقول الهيثمي (6/7) :
"رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة؛ وفيه ضعف، وحديثه حسن ".
فأقول: فيه نظر من وجهين:
الأول: أن كلامه يشعر بتسليمه بصحبة ثابت هذا، وقد عرفت ما فيه.
الثاني: أن قوله في ابن لهيعة: "وحديثه حسن " غير مسلم على إطلاقه؛ بل
الصواب فيه التفصيل، وهو أنه ضعيف الحديث إلا فيما رواه عنه أحد العبادلة (*) ،
وابن المبارك منهم، فحقه حينئذٍ أن يكون حديثه صحيحاً، ولذلك قال الحافظ في
ترجمة ثابت من "الإصابة ":
" إسناده قوي؛ لأنه من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة".
ولكن ذلك مقيد بما إذا سلم من علة من فوقه، وليس الأمر كذلك هنا؛ كما
عرفت. ثم قال الحافظ:
"وخرجه البغوي عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة قال: حدثني الحارث
نحوه، وقال: لا أعلم له غيره ".
ومن طريقه - أعني البغوي - أخرجه أبو نعيم أيضاً، ثم تعقبه بأن لثابت هذا
حديثاً آخر عند الطبراني من هذا الوجه. يعني: الحديث الذي قبله، وعند ابن
منده حديث آخر، ويعني: الحديث الثالث الذي ذكرت طرفه الأول في الحديث
__________
(*) مال الشيخ رحمه الله إلى إلحاق (قتيبة بن سعيد) بهم في تخريجاته الجديدة،
انظر مثلاً الأحاديث (2843 و3130 و 3463) من "الصحيحة". (الناشر) .(13/266)
الذي قبل هذا. وفاته حديث رابع، وهو المشار إليه آنفاً برقم (6092) ، وحديث
خامس يرويه عن أبي هريرة ذكرته قبل أيضاً.
6118 - (مَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إلَّا كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْن
ظَهْرَيْ فَلَاة مِنْ الْأَرْض، والْكُرْسِيُّ مَوْضِع الْقَدَمَيْنِ) .
ضعيف.
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (2/587) : حدثنا إبراهيم بن محمد:
حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي: حدثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرحمن
ابن زيد بن أسلم يقول عن أبيه: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
"ما السماوات السَبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس "، قال
ابن زيد: فقال أبو ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النيي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره " (3/! 7 - 8) (1) من طريق ابن وهب قال: قال
ابن زيد: فحدثني أبي ... فذكر الحديث الأول، ثم قال: وقال أبو ذر فذكر
الحديث الآخر - حديث الترجمة - دون قوله في آخره: "والكرسي ... " إلخ.
وظاهر سياق ابن جرير أن الحديثين من رواية عبد الرحمن عن أبيه زيد بن
أسلم؛ لأنه قال في الأول: فحدثني أبي ... ثم قال في الآخر: قال: وقال أبو
ذر، فالضمير في "قال " راجع إلى أبيه حتماً، بخلاف رواية أبي الشيخ فإنها على
العكس من ذلك؛ فإنه جعل الأول من رواية ابن زيد عن أبيه زيد، فهو على هذا
مرسل؛ لأن زيداً تابعي يروي عن الصحابة، وجعل الحديث الآخر: حديث
الترجمة من رواية ابنه عبد الرحمن عن أبي ذر، ولم يدركه؛ فهو منقطع، والسند
إليه صحيح؛ لأن أصبغ والربيع ثقتان من رجال "التهذيب ".
__________
(1) والبغوي أيضاً (1/313 - دار طيبة) .(13/267)
وأما إبراهيم بن محمد؛ فهو ابن الحسن، ترجمه أبو الشيخ في "طبقات
الأصبهانيين "، وقال فيه (316/427) :
"وكان فاضلاً خيراً يصوم الدهر، وكان إمام مسجد الجامع إلى أن توفي سنة
(302) ". وقال الذهبي في "السير" (14/142) :
"وكان حافظاً حجة من معادن الصدق، نيف على الثمانين رحمه الله ".
قلت: فالسند إلى عبد الرحمن صحيح، وكذلك إسناد ابن جرير إليه،
فالاختلاف المذكور إنما هو منه؛ لأنه كان واهياً، وهو راوي حديث توسل آدم
بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وهو موضوع كما تقدم بيانه في المجلد الأول برقم (25) ، فالحديث
ضعيف جدّاً لو كان مسنداً متصلاً، فكيف وهو إما منقطع أو مرسل؟!
وإن مما يؤكد ضعف الزيادة التي عند أبي الشيخ دون ابن جرير: "والكرسي
موضع القدمين "، أنه قد صح عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً، وهو مخرج في كتابي
"مختصر العلو للذهبي " (ص 102/36) . ورواه أبو الشيخ أيضاً في "العظمة"
(2/627) عن أبي موسى موقوفاً أيضاً. وسنده صحيح.
وقد أخطأ أحد الثقات فرواه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً؛ جزم بخطئه الحفاظ
كالذهبي في ترجمة شجاع بن مخلد من "الميزان "، والعسقلاني فيها في
"التهذيب " و"التقريب "، وابن كثير في تفسيره لآية: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ} ".
هذا؛ وقد كنت ذكرت حديث أبي ذر المتقدم من رواية ابن زيد عنه في
! الصحيحة، (109) مقوِّياً به طريقاً أخرى للحديث عن أبي ذر بنحوه، ظاناً أن ابن
زيد هو غير عبد الرحمن هذا الواهي؛ لأنني لم أكن وقفت على رواية أبي الشيخ(13/268)
هذه المصرحة بأنه عبد الرحمن بن زيد؛ فوجب التنبيه على ذلك قائلاً:
"رب اغفر لي خطئي وعمدي، وهزلي وجدي، وكل ذلك عندي ".
لكن ذلك مما لا يضطرني إلى نقل الحديث المشار إليه إلى هذه "السلسلة"؛
للطرق الأخرى له المذكورة هناك، وقد نجد له ما يزيده قوة. والله الموفق.
6119 - (من قال عند مضجعه بالليل: الحمد لله الذي علا فقهر،
والذي بَطَنَ فَخَبَرَ، والحمد لله الذي ملك فقدر، والحمد لله الذي
يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير؛ مات على غير ذنب) .
موضوع.
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (371) ترجمة (621 - أبو
علي محمد بن الربيع الجرجاني) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق "
(10/226) عن عبد الرحمن بن نجيح أبي محمد المؤذن: حدثني أبو علي
الجرجاني - محمد بن الربيع -: حدثني سفيان الثوري عن سليمان بن مهران
الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن عباس ... مرفوعاً.
أورده ابن عساكر في ترجمة عبد الرحمن بن نجيح هذا وذكر له راويين ثقتين،
وذكره ابن أبي حاتم برواية أحدهما عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكر
ابن عساكر فيها: أنه حدث عن سلم بن ميمون الخواص وأبي علي محمد - ويقال:
محمود - بن الربيع الجرجاني.
قلت: وهذه فائدة فاتت الحافظين الذهبي والعسقلاني؛ فإنهما أورداه فيمن
اسمه: (محمد) وفيمن اسمه: (محمود) ... دون أن ينبها أنه واحد، ونسباه في
الأول فقالا:
لا ... الشّمشاطي، قال ابن منده: حدث عن سفيان الثوري بمناكير". وقالا
في الآخر؛(13/269)
" ... الجرجاني، عن سفيان الثوري بخبر كذب، ولا يدرى من هو؟ ".
ويعني: هذا الخبر.
والحديث أورده السيوطي في "اللآلي" (2/345) من رواية أبي أحمد الحاكم
بإسناده إلى عبد الرحمن بن نجيح الثقفي - وكان إماماً ومؤذناً بالمسجد الجامع -:
حدثنا محمود بن الربيع أبو علي الجرجاني ... إلخ، وقال:
"قال الحاكم: هذا حديث منكر، ورواته مجهولون ".
ويعني: محموداً هذا، والراوي عنه: عبد الرحمن.
وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات " (3/167) من طريق الحاكم أبي عبد الله
بإسناده إلى أبي الدرداء ... مرفوعاً مثله، إلا أنه قال في آخره:
"خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ". وقال ابن الجوزي:
"هذا حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيه مجاهيل، قال الدارقطني:
سهل بن العباس؛ متروك ليس بثقة. وقال يحيى القطان: لا أستحل أن أروي عن
أبي جناب، قال الفلاس: هو متروك الحديث ".
وأقره السيوطي، وتعقبه ابن عراق (2/323) بما لا يجدي!
6120 - (ما مِنْ رجلٍ علَّم ولده القرآن إلا تُوِّجَ أبواه يوم القيامةِ
بتاج الْمُلك، وكسي حُلَّتَيْن لم ير الناس مثلهما) .
ضعيف جداً.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (6/232) من طريق
أبان بن [أبي] عياش السني عن رجاء بن حيوة صاحب عمر بن عبد العزيز قال:
كنا ذات يوم أنا وأبي جميعاً، فقال معاذ بن جبل: من هذا يا حيوة؟ قال:(13/270)
هذا ابني رجاء: قال معاذ: فهل علمته القرآن؟ قال: لا، قال: فعلمه القرآن،
فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ... فذكره، ثم ضرب بيده على كتفي وقال:
يا بني إن استطعت أن تكسي والديك حلتين يوم القيامة؛ فافعل. فما حال عليَّ
السنة حتى تعلمت القرآن.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً منقطع؛ فإن أبان هذا متروك متهم، ورجاء بن
حيوة لم يدرك معاذ بن جبل، وقال ابن عساكر عقبه:
"هذا حديث منكر، ولا يحتمل سن رجاء لقي معاذ بن جبل، وأبان ضعيف ".
فأقول: توفي معاذ بن جبل سنة (18) ، ورجاء بن حيوة سنة (112) ،
فبينهما قرن من الزمان، ولذلك قال العلائي في "أحكام المراسيل " (ص 211) :
"ورجاء بن حيوة، أحد المشهورين، يروي عن معاذ وأبي الدرداء، وهو مرسل ".
وتوفي أبو الدرداء - واسمه عويمر - سنة (35) ؛ فبينه وبين أبي الدرداء (77)
سنة.
6121 - (أَذَّنَ في أُذُنِ الحسنِ بنِ عليّ يومَ وُلِدَ، فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ
الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى) .
موضوع.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/390/8620) من طريق
محمد بن يونس: حدثنا الحسن بن عمرو بن سيف السَّدوسي: حدثنا القاسم
ابن مطيب عن منصور بن صفية عن أبي معبد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذّن ... الحديث. وقال - وقد ذكر قبله حديث أم الصبيان
المتقدم في المجلد الأول برقم (321) من رواية الحسين بن علي -؛
"في هذين الإسنادين ضعف "!(13/271)
قلت: وفي هذا القول تساهل كبير، ما كنت أود له أن يصدر منه؛ لشدة
ضعف الإسنادين، فإن الحديث المشار إليه فيه رجلان يضعان الحديث، وقد اغتر
بمثل هذا التساهل بعض العلماء المتأخرين؛ فقوى به حديث أبي رافع الضعيف
إسناده - كما بينت هناك -، ولو أنه علم شدة ضعفه؛ ما قواه ... لأن الشديد
الضعف لا ينفع في الشواهد باتفاق العلماء.
ومثله حديث الترجمة هذا: فإن الحسن بن عمرو (الأصل: عمر) السدوسي
متروك - كما في "التقريب " -، وكذبه ابن المديني والبخاري.
ومحمد بن يونس - وهو: الكديمي؛ وهو - كذاب وضاع، وتقدمت له أحاديث،
فراجع فهارس الرواة المترجم لهم في المجلدات المطبوعة.
ولقد أصابني مثل أو نحو ما أصاب ذلك البعض من الاغترار بتساهل
البيهقي هذا؛ فإني قويت أو كدت أن أقوِّي حديث أبي رافع المشار إليه بحديث
الترجمة هذا، فإني ذكرته كشاهد له، وقد نقلت عقبه عن ابن القيم قول البيهقي
المذكور في تضعيف الإسنادين، وقلت عقبه ما نصه:
"قلت: فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن بحيث أنه يصلح
شاهداً لحديث أبي رافع. والله أعلم ".
ومع أنني تحفظت في الاستشهاد به، فقد غلب علي الثقة بقول البيهقي
المذكور، فحسنت حديث أبي رافع به في "الإرواء" (4/400/1173) ، والآن
وقد طبع - والحمد لله - كتاب البيهقي: "الشعب "، ووقفت فيه على إسناده،
وتبين لي شدة ضعفه؛ فقد رجعت عن التحسين المذكور، وعاد حديث أبي رافع
إلى الضعف الذي يقتضيه إسناده، وهذا مثال من عشرات الأمثلة التي
تضطرني إلى القول بأن العلم لا يقبل الجمود، وأن أستمر على البحث والتحقيق(13/272)
حتى يأتيني اليقين. والحمد لله رب العالمين.
6122 - (من لم يكن له مال يتصدق به فليستغفر للمؤمنين فإنه
صدقة) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1627/1849) ، وفي "المعجم
الأوسط " (1/151/1/2851 - بترقيمي) قال: حدثنا إبراهيم بن أحمد الوكيعي:
ثنا أبي: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي: ثنا بكر بن خنيس: حدثني محمد
ابن يحيى المديني عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال في "الأوسط ":
"لم يروه عن موسى إلا محمد، تفرد به بكر".
قلت: وهو ضعيف، وقد تقدمت له أحاديث، وقال الذهبي في "الكاشف ":
" واهٍ ": وأما الحافظ؛ فقال:
"صدوق له أغلاط ".
قلت: وهو علة الحديث، والظاهر أن الهيثمي لم يتنبه لها؛ فقال في "المجمع "
(210/10) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه من لم أعرفهم ".
وأقره الدكتور محمد سعيد البخاري في تعليقه عليه، وزاد فقال:
"ومحمد بن يحيى المديني لم أقف على ترجمته ".
قلت: بل هو تقة معروف؛ وهو: محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المازني
أبو عبد الله المدني الفقيه، ذكره المزي في شيوخ بكر بن خنيس، وهو من رجال
الشيخين.(13/273)
ومن دون بكر ثقات أيضاً معروفون، أما المحاربي: فمن رجال الشيخين أيضاً.
وأما إبراهيم بن أحمد الوكيعي: فله ترجمة في "تاريخ بغداد" (6/5 - 6) ،
وسمى جده عمر بن حفص، وكناه بأبي إسحاق، وروى عن عبد الله بن أحمد أنه
أحسن القول فيه. وعن الدارقطني أنه قال: "ثقة".
وأما أبوه أحمد بن عمر: فثقة من شيوخ مسلم.
وإنما لم يعرفهما الهيثمي لأنه وقع في "الأوسط ": حدثنا إبراهيم: حدثنا
أبي ... هكذا غير منسوب، مع أنه من السهل على العارف بطريقة الطبراني في
"الأوسط" أن يعرفه، وذلك بأن يرجع القَهْقَرى حتى يقف على حديث له جاء فيه
منسوباً، فإنه بعد ذلك قلما ينسبه حتى يذكر شيخاً آخر له يُسمَّى إبراهيم؛ فينسبه
تمييزاً له عما قبله. فاعلم هذا واستفده، فإنه من العلم المهجور!
والحديث في " الفردوس " للديلمي (3/627/5961) من حديث أبي هريرة،
والظاهر أن إسناده من هذا الوجه؛ فليراجع "مسنده "، فإن النسخة التي عندي
ناقصة الجزء الذي فيه: "من ... ".
وفيه أيضاً (3/628/5963) من حديث أبي سعيد بلفظ:
"من لم يكن له مال تجب فيه الزكاة؛ فليقل: اللهم! صل على محمد عبدك
ورسولك والمؤمنين والمؤمنات؛ فهي له زكاة".
وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية أبي الشيخ والديلمي. ومن
المحتمل أن يكون عند الديلمي في "مسنده " من طريق أبي الشيخ؛ فليراجع. وهو
بهذا اللفظ منكر عندي. والله أعلم.
ثم صدق ظني - والحمد لله - فِي حَدِيثِ أبي سعيد؛ فقد وقفنا على إسناده(13/274)
في "مسند الفردوس " بواسطة المعلق على "الفردوس " (4/281 - 282/ طبعة دار
الكتاب العربي) ، فإذا الديلمي قد أخرجه من طريق أبي الشيخ وغيره عن دراج
أبي السمح عن أبي سعيد ... به.
فإن دراجاً هذا صاحب مناكير - كما يقول الذهبي رحمه الله -، وتقدمت له
أحاديث كثيرة من هذا النوع؛ يتبين الناظر فيها صواب قول الذهبي فيه، وملحظي
في هذا المتن إنما هو في قوله: " ... تجب فيه الزكاة" ... فقد استنكره قلبي، لأن
مفهومه أن من كان له مال تجب فيه زكاة؛ فلا يؤمر بهذا الدعاء، بخلاف حديث
الترجمة فليس فيه هذه النكارة؛ لأنه قد يجب عليه الزكاة ولا يجد ما يتصدق به.
هذا ما ظهر لي، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت؛ فمن نفسي، وأستغفر
الله من كل ذنب لي. أما الإسناد: فلا تردد في ضعفه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
6123 - (إنَّ اللهَ اختارَ أصحابي عَلى العالَمينَ؛ سِوى النبيينَ
والمرسلينَ، واختارَ لي مِنْ أصحابي أربعةً - يعني -: أبا بكرٍ، وعمرَ،
وعثمانَ، وعلياً، رَحمهُمُ الله؛ فَجعلَهُمْ أصحَابِي. وقالَ في أصحابي:
كُلهُم خيرٌ، واختارَ أمتي عَلى الأممِ، واختارَ [من] أمتي أربَعَ قُرونٍ:
القَرنَ الأولَ، والثاني، والثالثَ، والرابعَ) .
ضعيف.
أخرجه البزار في "مسنده " (3/288/2763) من طريقين عن عبد الله
ابن صالح: ثنا نافع بن يزيد: حدثني أبو عقيل زهرة بن معبد عن سعيد بن المسيب
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره وقال البزار:
"لا نعلمه يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، ولم يشارك عبد الله بن صالح في
روايته هذه عن نافع بن يزيد أحد نعلمه ".(13/275)
كذا قال، وقد شورك - كما يأتي قريباً -. وقال الهيثمي في "المجمع" (10/16) :
"رواه البزار، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ".
فلت: يشير إلى عبد الله بن صالح - وهو: أبو صالح كاتب الليث -، وفيه كلام
كثير، وبخاصة فِي حَدِيثِه هذا؛ فقال الذهبي في ترجمته من "الميزان ":
"وقد قامت القيامة على عبد الله بن صالح بهذا الخبر (ثم ساقه) ، قال سعيد
ابن عمرو: عن أبي زرعة: بُلي أبو صالح بخالد بن نجيح فِي حَدِيثِ زهرة بن
معبد عن سعيد، وليس له أصل. قلت: قد رواه أبو العباس محمد بن أحمد
الأثرم - صدوق -: حدثنا علي بن داود القنطري - ثقة -: حدثنا سعيد بن أبي
مريم وعبد الله بن صالح عن نافع: ... فذكره ". ثم قال الذهبي:
" وقال أحمد بن محمد التستري: سألت أبا زرعة عن حديث زهرة في
الفضائل؛ فقال: باطل؛ وضعه خالد المصري، ودلسه في كتاب أبي صالح.
فقلت: فمن رواه عن سعيد بن أبي مريم؟ فقال: هذا كذاب؛ قد كان محمد بن
الحارث العسكري حدثني به عن أبي صالح وسعيد". فقال الذهبي عقبه:
"قلت: قد رواه ثقة عن الشيخين؛ فلعله مما أدخل على نافع، مع أن نافع بن
يزيد صدوق يقظ. فالله أعلم. قال النسائي: حدث أبو صالح بحديث: "إن الله
اختار أصحابي " وهو موضوع ".
قلت: وأراد الذهبي بقوله: "رواه ثقة ... " علي بن داود القنطري - كما تقدم
تصريحه بذلك -. وقد أورده في "الميزان " وقال:
"صالح الحديث، روى عن سعيد بن أبي مريم، ولكنه روى خبرأ منكراً؛
فتكلم فيه لذلك".(13/276)
وأراد أبو زرعة بقوله: "هذا كذاب " ... شيخه محمد بن الحارث العسكري - كما
هو ظاهر من كلامه -، وعليه فهو من شرط "الميزان" و"لسانه "، ولكنهم لم يذكروه.
وأما الاحتمال الذي ذكره الذهبي أنه مما أدخل على نافع: فهو بعيد عندي؛
لشهرته بالثقة والضبط، حتى قال فيه ابن يونس - وهو أعرف الناس به - لأنه
مصري مثله -:
"كان ثبتاً في الحديث لا يختلف فيه ".
والذهبي نفسه قد أشار إلى ذلك بوصفه إياه بأنه "صدوق يقظ ". فالأَوْلى
الحمل فيه على من دونه؛ إما: (القنطري) ... أو: (الأثرم) الراوي عنه، فإنهما -! وإن
وثِّقا - فليسا مشهوربن بالضبط والحفظ شهرة نافع بن يزيد. والله أعلم.
ومن الغريب أن الأثرم هذا لما ترجمه الذهبي في "السير" (15/303) -،
ووصفه بـ "الإمام المقرئ المحدث" -؛ لم يذكر أحداً وثقه، مع أن الخطيب في
"تاريخه " (1/265) قد روى عن الدارقطني - وهو من تلامذة الأثرم - أنه قال فيه:
"شيخ ثقة فاضل ".
ثم إن الحديث قد أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (2/41) ، والخطيب في
"التاريخ" (3/162) من طرق أخرى عن عبد الله بن صالح ... به، وقال ابن حبان:
"عبد الله بن صالح منكر الحديث جداً، يروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث
الثقات، وعنده المناكير الكثيرة عن أقوام مشاهير أئمة، وكان في نفسه صدوقاً
يكتب لليث بن سعد الحساب، وكان كاتبه على الغلات، وإنما وقع المناكير في
حديثه من قبل جار له سوء؛ سمعت ابن خزيمة يقول:
كان له جار بينه وبينه عداوة؛ فكان يضع الحديث على شيخ عبد الله بن(13/277)
صالح، ويكتب في قرطاس بخط يشبه خط عبد الله بن صالح، ويطرح في داره في
وسط كتبه؛ فيجده عبد الله فيحدث به، ويتوهم أنه خطه وسماعه؛ فمن ناحيته
وقع المناكير في أخباره ".
ثم ساق له جملة أحاديث منها هذا، وقال:
"هذه الأحاديث ينكرها من أمعن في صناعة الحديث، وعلم مسالك الأخبار،
وانتقاد الرجال ".
إذا علمت هذا؛ فمن الخطأ الفاحش قول القرطبي في تفسيره "الجامع "
(13/305) :
"وفي كتاب البزار مرفوعاً صحيحاً عن جابر ... " فذكر الحديث.
ثم اعلم أنه ليس عند ابن حبان والخطيب جملة القرون الأربعة. وذكر القرن
الرابع فيه مما يستنكر؛ لأنه لم يرد في الأحاديث الصحيحة. نعم؛ قد ذكر في
بعض الأحاديث الضعيفة، وقد بسطت القول في ذلك تحت الحديث (3569) .
ثم رأيت الحديث قد أورده عبد الحق الإشبيلي من رواية البزار في كتابه
"الأحكام الصغرى" (2/905) الذي اشترط فيه الصحة!
وقال الحافظ ابن حجر في "مختصر الزوائد" (2/364) :
"قلت: هو أحد ما أنكر على عبد الله بن صالح".
6124 - (اسمُ الله الأكبرُ: ربِّ ربِّ) .
موقوف.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف، (10/273/9414) : حدثنا
أبو عبد الرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني الحسن بن ثوبان عن(13/278)
هشام بن أبي رقية عن أبي الدرداء وابن عباس: أنهما كانا يقولان: ... فذكره
موقوفاً عليهما.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون؛ غير هشام بن أبي رقية: فذكره
البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ لكن روى
عنه جمع من الثقات، ووثقه الفسوي وابن حبان؛ فهو في مرتبة الصدوقين - كما
حققته في "تيسير انتفاع الخلان " -؛ فمثله يحسن حديثه إن شاء الله تعالى.
وإنما ذكرت له هذا الأثر هنا؛ لأن الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكره في "الفتح "
(11/225) دليلاً من حديث أبي الدرداء وابن عباس لقول من قال: إن الاسم
الأعظم: رب رب ... فأوهم أنه مرفوع من قوله له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما موقوف عليهما - كما
ترى -؛ فإن لفظ: (حديث) إذا أطلق؛ فلا يراد منه إلا المرفوع إلا لقرينة، ولا قرينة
في كلامه رحمه الله تعالى. بل الأمر فيه على العكس تماماً؛ فقد ذكر لبعض
الأقوال المخالفة لهذا القول أحاديث هي مرفوعة، ومع ذلك لم يصرح برفعها؛ بل
قال فيه - كما قال في هذا، فقال - (ص 224) :
"الخامس؛ "الحي القيوم"، أخرج ابن ماجه من حديث أبي أمامة؛ "الاسم
الأعظم في ثلاث سور ... " الحديث "، وهو حسن الإسناد، ومخرج في "الصحيحة "
(746) .
ثم إن هذا الأثر الموقوف قد عزاه الحافظ للحاكم فقط، وقد أخرجه في كتاب
(الدعاء) من "المستدرك " (1/505) من طريق يعقوب بن سفيان الفسوي: ثنا
عبد الله بن يزيد المقرئ ... به. وسكت عنه هو والذهبي.
واعلم أن العلماء اختلفوا في تعيين اسم الله الأعظم على أربعة عشر قولأ،
ساقها الحافظ في "الفتح"، وذكر لكل قول دليله، وأكثرها أدلتها من الأحاديث،(13/279)
وبعضها مجرد رأي لا يلتفت إليه، مثل القول الثاني عشر؛ فإن دليله: أن فلاناً
سأل الله أن يعلمه الاسم الأعظم، فرأى في النوم؛ هو الله، الله، الله، الذي لا إله
إلا هو رب العرش العظيم!!
وتلك الأحاديث منها الصحيح "، ولكنه ليس صريح الدلالة، ومنها الموقوف
كهذا، ومنها الصريح الدلالة؛ وهو قسمان: قسم صحيح صريح، وهو حديث
بريدة: "الله لا إله إلا هو، الأحد الصمد الذي لم يلد ... " إلخ، وقال الحافظ:
"وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك ".
وهو كما قال رحمه الله، وأقره الشوكاني في "تحفة الذاكرين " (ص 52) ، وهو
مخرج في "صحيح أبي داود" (1341) .
والقسم الآخر: صريح غير صحيح، بعضه مما صرح الحافظ بضعفه؛ كحديث
القول الثالث عن عائشة في ابن ماجه (3859) ، وهو في "ضعيف ابن ماجه " رقم
(841) ، وبعضه مما سكت عنه؛ فلم يحسن! كحديث القول الثامن من حديث
معاذ ابن جبل في الترمذي، وهو مخرج في "الضعيفة" برقم (4520) . وهناك
أحاديث أخرى صريحة لم يتعرض الحافظ لذكرها ولكنها واهية، وهي مخرجة
هناك برقم (2772 و 2773 و 2775) .
6125 - (إِنْ شِئْتُمْ؛ أَنْبَأْتُكُمْ ما أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ تعالى لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَا يَقُولُونَ له؟ قلنا: نعمْ يا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فإنَّ اللهَ
يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا! فَيَقُولُ: لِمَ؟
فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ. فَيَقُولُ: قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي) .
ضعيف.
أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (93/276) - ومن طريقه أحمد(13/280)
(5/238) ، وكذا الطيالسي (77/564) ، وابن أبي عاصم في "الأوائل " (95/
129) ، وابن أبي الدنيا في "حسن الظن " (23/10) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/125/251) وفي "الأ وائل " أيضاً (95/66) ، وأبو نعيم في " الحلية "
(8/179) ، والبغوي في "شرح السنة" (5/269/1452) ؛ كلهم عن ابن المبارك -
قال: أخبرنا يحيى بن أيوب: أن عبيد الله بن زَحْر حدثه عن خالد بن أبي عمران
عن أبي عياش قال: قال معاذ بن جبل ... مرفوعاً. وقال أبو نعيم:
"تفرد به عبد الله ".
قلت: وهو إمام حافظ ثقة؛ لكن عبيد الله بن زحر. قال الذهبي في "الكاشف ":
"فيه اختلاف، وله مناكير، ضعفه أحمد".
وأما ابن حبان فضعفه جداً؛ فقال في "الضعفاء" (2/62) :
"منكر الحديث جداً، يروي الموضوعات عن الأثبات ".
وأبو عياش هو: المعافري المصري، ليس بالمشهور، لم يذكره البخاري ولا ابن
أبي حاتم ولا ابن حبان ولا ابن عبد الحكم في "الفتوح " ولا الفسوي في "المعرفة"!
نعم ذكره في "التهذيب " برواية ثلاثة عنه، ولم يحك عن أحد توثيقه؛ فهو
مجهول الحال، ولهذا قال في "التقريب ":
"مقبول ". يعني: عند المتابعة، وما علمت له متابعاً.
ومن هنا يتبين جهل أو على الأقل وهم المعلق على "أوائل الطبراني " حيث
قال:
"إسناده حسن، رجاله إما ثقة، وإما صدوق "!
ولا يقويه أن له طريقاً أخرى، يرويه قتادة بن الفضل بن قتادة الرَّهاوي قال:(13/281)
سمعث ثور بن يزيد يحدث عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به ... نحوه.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/94/184) و"مسند الشاميين "
(1/231/409) .
وذلك لأن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ - كما قال أبو حاتم -، وارتضاه
العلائي في "مراسيله " (206/167) ، وعليه فيحتمل أن يكون بينهما أبو عياش
الذي في الطريق الأولى؛ فيرجع الحديث إلى تابعي واحد وطريق واحدة، وهي
مجهولة كما تقدم.
على أن قتادة بن الفضل - ووقع في "التهذيب " و"التقريب ": (الفُضَيل) خطأ -
لم يوثقه غير ابن حبان (9/22) . وقال أبو حاتم:
"شيخ ". وقال الحافظ:
لا مقبول ".
قلت: وقد عرفت اصطلاحه في هذا اللفظ، ولكني أرى أنه ينبغي أن يفسر
هنا في قتادة هذا بمعناه اللغوي؛ أي: مقبول مطلقاً؛ لأنه روى عنه جمع من
الثقات؛ منهم أحمد بن سليمان أبو الحسن الرهاوي الحافظ الثقة؛ فهو مقبول
الحديث إلا إذا ثبت وهمه. والله أعلم.
ومن هذا التحقيق في هذين الإسنادين إلى معاذ يتبين خطأ الهيثمي أيضاً
في قوله (10/358) - وتبعه المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (4/163) -:
"رواه الطبراني بسندين، أحدهما حسن".
فإنه يعني هذا الإسناد الثاني، وكأنه خفي عليه الانقطاع الذي بين خالد بن(13/282)
معدان ومعاذ، ولولا ذلك؛ لكنت معه في تحسينه - لما شرحت من حال قتادة بن
الفضل -.
(تنبيه) على وهمين:
الأول: ذكرت آنفاً الخطأ الذي وقع في "التهذيب " و"التقريب " في اسم (الفضل)
والد قتادة هذا؛ فاغتر بهما المعلق على "أوائل ابن أبي عاصم " ... فخطأ الصواب
الذي في رواية الطبراني، مع أنه موافق لترجمة ابن الفضل في المراجع الأصول
مثل: "تاريخ البخاري " و"الجرح والتعديل " و"ثقات ابن حبان "! وهكذا فليكن
التصويب من هؤلاء المعلقين المتعلقين بهذا العلم في هذا الزمان الكثير فتنه! والله
المستعان.
والآخر: أن المعلق الآخر على "أوائل الطبراني " قال - بعد أن عزا حديث الترجمة
لأحمد فقط -:
"وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري بنحو ذلك "! وعزا ذلك لكتاب
"الفتح الرباني " (24/204) .
وأنت إذا رجعت إلى "الفتح " المذكور؛ وجدته قد عزا حديث أبي سعيد هذا
إلى البخاري ومسلم والترمذي! فعلى ماذا يدل عزو المعلق للحديث لأحمد دون
الشيخين؟!
وأيضاً فحديث أبي سعيد لا يصلح شاهداً لحديث الترجمة؛ لأنه يختلف
عنه كل الاختلاف إلا في الجملة الأخيرة منه - مع المغايرة في اللفظ -، وهاك
لفظه لتكون على بينة من الأمر:
"إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا! وسعديك،(13/283)
فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؛ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من
خلقك. فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا ربنا! فأي شيء أفضل من
ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني؛ فلا أسخط بعده أبداً ".
وأخرجه الترمذي (2558) قائلأ:
"حديث حسن صحيح ".
6126 - (الولد سيد سبع سنين، وخادم سبع سنين، ووزير سبع
سنين، فإن رضيت مكانفته لإحدى وعشرين، وإلا؛ فاضرب على
جنبه، فقد أعذرت إلى الله عَزَّ وَجَلَّ) .
موضوع.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/76/2/ 6240 - بترقيمي) ،
وأبو أحمد الحاكم في "الكنى" (ق 56/ 1) ، ومن طريفه ابن الجوزي في "الموضوعات "
(1/177) عن علي بن حرب الموصلي قال: نا المعافى بن المنهال الأرمني قال: نا
الوليد بن سعيد الربعي عن زيد بن جبيرة بن محمود بن أبي جبيرة الأنصاري
عن أبيه عن جده أبي جبيرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال الطبراني:
"لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به علي بن حرب ".
قلت: هو ثقة، والعلة ممن فوقه؛ المعافى بن المنهال الأرمني والوليد بن سعيد
الربعي لم أجد لهما ترجمة، واليهما أشار ابن الجوزي بقوله عقبه:
"هذا حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي إسناده مجاهيل لا يعرفون ".
وأخشى أن يكون عنى بذلك زيد بن جبيرة أيضاً؛ لأنه لم يقع في روايته عن
الحاكم إلا مكنياً بـ "أبي جبيرة"؛ فلم يعرفه، وهو معروف باسمه زيد بن جبيرة - كما
وقع عند الطبراني -، وبه أعله الهيثمي فقال في "المجمع " (8/159) :(13/284)
"وفيه زيد بن جبيرة بن محمود، وهو متروك". وكذا قال الحافظ في "التقريب ".
ويبدو لي أن السيوطي أيضاً خفي عليه حال زيد هذا؛ فإنه عقب في "اللآلي "
(1/133) على قول ابن الجوزي المذكور فقال:
"قلت: أخرجه الطبراني في "الأوسط " ... ".
هكذا؛ فيه بياض، فعقب عليه الشوكاني في "الفوائد" (480) بقوله: "فكان
ماذا؟! "، وابن عراق في "تنزيه الشريعة " (1/176) بقوله:
" إخراج الطبراني له لا ينفي الحكم عليه بالوضع، وكأن الشيخ بيض له لينظر
في حكمه، فلم يتفق له ... ".
ثم نقل قول الهيثمي المتقدم، ثم قال عقبه:
"وزيد هذا أخرج له الترمذي وابن ماجه، وقد اقتصر العلامة الشمس
السخاوي في "المقاصد الحسنة" على تضعيف الحديث ".
قلت: وهذا أيضاً لا ينفي الحكم عليه بالوضع، كيف وفيه ذاك المتروك؟
وركاكة الحديث تؤكد وضعه. والله أعلم.
6127 - (كَانَ يستحبُّ إذا أفطرَ أنْ يُفْطِرَ عَلَى لبنٍ، فَإِنْ لَمْ يجدْ؛
فَتُمرٍ فَإِنْ لَمْ يجدْ؛ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ) .
منكر بذكر اللبن.
أخرجه ابن عساكر الي "التاريخ " (2/ 760) من طريق
إسحاق بن الضيف: نا عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري عن أنس ... مرفوعاً.
أورده في ترجمة إسحاق هذا، وقال:
"ويقال: إسحاق بن إبراهيم بن الضيف أبو يعقوب الباهلي البصري "، ثم(13/285)
ساق له حديثين هذا أحدهما، ثم روى عن ابن أبي حاتم أنه قال:
"روى عنه أبي، وسثل عنه أبو زرعة؟ فقال: صدوق ".
وكذا نقله عن أبي زرعة الحافظ في "تهذيب التهذيب " تبعاً لأصله "تهذيب
الكمال " (2/438) ، وقال المعلق عليه:
"والعجيب أن عبد الرحمن بن أبي حاتم لم يذكره في (الجرح والتعديل) ".
وأقول: لا عجب؛ فقد ذكره، ولكن منسوباً إلى أبيه إبراهيم بن الضيف - كما
في القول الثاني عند ابن عساكر -، لكن وقع فيه سقط وتحريف؛ فقال (1/1/ 210) :
"روى عنه أبي، سثل أبي (!) عنه؟ فقال: هو صدوق ".
والصواب على ضوء ما تقدم: "سئل أبو [زرعة] ... "؛ فلتصحح نسخة
"الجرح "، ومن تأمل في عبارتها، وعلم أسلوب ابن أبي حاتم في مثلها تيقن أن
فيها ما ذكرته من السقط والتحريف.
وقد ذكر ابن حبان إسحاق بن الضيف هذا في "الثقات " (8/ 120) وقال:
"ربما أخطأ". ولذلك قال الحافظ في "التقريب ":
"صدوق يخطئ ".
قلت: قد عثرت له على خطأين فِي حَدِيثِين:
الأول هذا؛ فإنه قال فيه: " ... لين "، وخالفه الإمام أحمد فقال: ثنا
عبد الرزاق: ثنا جعفر بن سليمان قال: حدثني ثابت البناني عن أنس بن مالك
قال: ... فذكره بلفظ:
"رطبات".(13/286)
ثم إنك لترى أنه خالف الإمام أحمد في إسناده أيضاً، فإنه جعل: (معمراً) ...
مكان: (جعفر) ، و: (الزهري) ... مكان: (ثابت) !!
وكذلك على الصواب رواه جمع من الحفاظ عن الإمام، وغير عبد الرزاق عن
جعفر، وهو مخرج في "الإرواء" (2/45/922) .
والحديث الآخر: رواه عن عمرو بن عاصم الكلابي: ثنا حماد بن سلمة
عن علي بن زيد ... بإسناده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ورواه الثقة عن عمرو ... به؛ إلا
أنه أسقط علي بن زيد من الإسناد، وبذلك زال الضعف منه، وصار صحيحاً!
ولذلك خرجته قديماً في المجلد الثاني من "الصحيحة" رقم (820) .
6128 - (نَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ
عَمَلَهُ، فَإِذَا مَاتَ؛ قَالَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ وُكِّلَا بِهِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ: قَدْ مَاتَ،
فَأْذَنْ لنا أَنْ نَصْعَدَ إلَى السَّمَاءِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ من
مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: أَفَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عز
وجل: أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ؟ فَيَقُولُ:
قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي - أو عند قَبْرِ عَبْدِي -؛ فَسَبِّحَانِي، وَاحْمَدَانِي،
وَكَبِّرَانِي، وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلى يوم القيامة) .
موضوع.
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده "، وأبو الشيخ ابن حيان في
"العظمةأ (3/979/503) ، والبيهقي في "شعب الإيمان ثا (7/183/9931) ، وابن
الجوزي في "الموضوعات " (3/229) عن عثمان بن مطر عن ثابت عن أنس بن
مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره. وقال ابن الجوزي:
" لا يصح، وقد اتفقوا على تضعيف عثمان بن مطر، وقال ابن حبان: يروي(13/287)
الموضوعات عن الآثبات، لا يحل الاحتجاج به ".
وتعقبه السيوطي في "اللآلي، بقوله (2/433) :
"لم يتفرد به عثمان؛ بل تابعه الهيثم بن جماز عن ثابت ... به ... ".
قلت: أخرجه من طريقه ابن عدي في "الكامل " (5/253 و 7/102) ، والبيهقي
أيضاً، والواحدي في "التفسير" (4/85/ 1) من طرق عنه. وقال البيهقي:
"وهو بهذا الإسناد غريب ".
وأورده ابن عدي ثم الذهبي فيما أنكر على الهيثم بن جمّاز، وهو أيضاً متفق
على ضعفه، وقال النسائي والساجي:
"متروك الحديث". وذكره البرقي في الكذابين كما في "اللسان ".
قلت: فمتابعته لا تفيد، بل لا تزيد الحديث إلا وهناً.
ثم ساق له السيوطي طريقاً أخرى من رواية الديلمي في "مسند الفردوس "
(3/129 - 130) من طريق موسى بن محمد بن علي بن عبد الله الكسائي عن
الحارث بن عبد الله عن أبي معشر عن محمد بن كعب عن أنس يرفعه ... فذكره
بنحوه. وسكت عنه السيوطي. وأقول: فيه:
أولاً: أبو معشر، واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، قال الحافظ:
"ضعيف، أسنَّ واختلط ".
ثانياً: الحارث بن عبد الله، وهو الهمْداني، ويقال له: الخازن. قال الذهبي في
" الميزان ":
"صدوق، إلا أن ابن عدي قال في ترجمة شريك، وقد روى له حديثاً: لعل
البلاء من الخازن هذا".(13/288)
قلت: والحديث الذي يشير إليه سأذكره عقب هذا. وقال الحافظ في "اللسان ":
"وقد اعتمد ابن حبان في "صحيحه " على الحارث هذا، وذكره في "الثقات "،
وقال: مستقيم الحديث ... ".
ثم ذكر أنه روى عنه موسى بن هارون الحمال وآخرون، وأن أبا زرعة قال: لم
يبلغني أنه حدث بحديث منكر إلا حديثاً واحداً أخطأ فيه، ويشبه أن يكون دخل
له حديث فِي حَدِيثِ.
قلت: وذكر أن الحديث في النهي عن قتل النملة والنحلة، رواه الحارث عن
إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبيد الله عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، وقال أبو زرعة:
"ليس هذا من حديث إبراهيم بن سعد ... ".
فأقول: وهذا خطأ محتمل؛ لأن الحديث محفوظ عن الزهري من طرق عنه،
وهو مخرج في "الإرواء" (8/142/ 2490) ، وإذا كان كذلك؛ فلا أرى إعلال
الحديث به، وإنما بشيخه - كما تقدم -، وإما بالراوي عنه، وهو قولي:
ثالثاً: موسى بن محمد ... الكسائي: هذا لم أعرفه.
وبالجملة؛ فهذه الطريق هي أخف ضعفاً مما قبلها. ومع ذلك فالحديث؛ يشهد
القلب أن ابن اجوزي لم يبعد عن الصواب حين حكم عليه بالوضع، وأن السيوطي
لم يصنع شيئاً حين قَعْقَعَ عليه بهذه الطريق ومتابعة الهيثم بن جماز، وهو متهم
- كما سبق -، والمتن منكر، وعلامة الوضع والصنع عليه لائحة، والعجب من
الحافظ كيف سكت عليه في "الدراية" (1/ 160) ، وقد عزاه لـ "مسند ابن راهويه "
- تبعاً لأصله "نصب الراية " (1/434) -! لكن هذا ساق إسناده؛ فبرئت عهدته
منه، بخلاف الحافظ؛ فكان عليه أن يبين علته حين حذف إسناده. ومثله إيراد(13/289)
الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي لحديث الترجمة في آخر كتابه "مختصر منهاج
القاصدين " - وهو من زوائده على "إحياء علوم الدين" الذي هو أصل "المنهاج "! -
مصَدّراً إياه بصيغة الجزم "عن"!
وأعجب من ذلك كله أن المعلقَين على "المختصر"، والمخرجَين لكثير من أحاديثه
بيضا لهذا الحديث ومرَّا عليه، ولم يخرجاه، ولا علقا عليه بشيء (ص 388) !!
بخلاف صاحبنا الشيخ علي الحلبي؛ فقد علق عليه في طبعته بقوله (489) :
"رواه ابن عدي في "الكامل " (7/ 2561) ، وفي سنده هيثم بن جماز: منكر
الحديث، وكذبه بعضهم ". جزاه الله خيراً.
والحديث أورده الحافظ في "المطالب العالية " (3/56 - 57) عن أنس من رواية
أحمد بن منيع، وسكت عنه أيضاً كغالب عادته! وتبعه محققه الشيخ حبيب
الرحمن الأعظمي! ولقد كان أحسن صنعاً منهما وممن تقدمت الإشارة إليه الإمامُ
القرطبي في "تفسيره " (17/12) ؛ فإنه أشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله:
"روي ... ".
6129 - (قال عيسى ابنُ مريمَ: اِتَّخِذوا البيوتَ منازلَ، والمساجدَ
سكناً، وكَلوا مِنْ بَقْلِ البَرِّيَّة، [واشربوا من ماء القَرَاحِ، واخرُجوا من
الدنيا بسلامٍ) .
منكر.
أخرجه ابن عدي في (الكامل " (4/18) من طريق الحارث بن عبد الله
الهمداني: ثنا شريك عن عاصم بن أبي النجود والأعمش عن أبي صالح عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره، والزيادة للأعمش، وقال:
"وهذا منكر عن عاصم والأعمش جميعاً، ولا أدري لعل البلاء فيه من الحارث ".(13/290)
قلت: قد عرفت من الحديث الذي قبله أن الحارث مستقيم الحديث - كما
قال ابن حبان -، وساثر الرواة ثقات؛ فالأولى تعصيب الجناية والنكارة فيه بشريك
- وهو: ابن عبد الله القاضي -؛ فإنه معروف بسوء الحفظ، وقد ساق له ابن عدي
أحاديث كثيرة في نحو ست عشرة صفحة، هذا أحدها، وقال:
"وفي بعض ما أمليت من حديثه بعض الإنكار؛ والغالب على حديثه الصحة
والاستواء، والذي يقع فِي حَدِيثِه من النكرة؛ إنما أتي فيه من سوء حفظه ".
ثم وجدت ما يدل على أن شريكاً وهم في رفعه؛ فقد قال ابن المبارك في
"الزهد" (198/563) : أخبرنا شريك به موقوفاً، ولم يذكر الأعمش في إسناده.
فهذا هو أصل الحديث موقوف، اضطرب فيه شريك؛ فتارة رفعه وأخرى أوقفه.
والله أعلم.
6130 - (ليس في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة، أما أنا؛
فعلى دابة الله الُبراق، وأما أخي صالح فعلى ناقة الله التي عُقِرت، وعمِّي
حمزة أسد الله وأسد رسوله، على ناقتي العضباء، وأخي وابنُ عمي
وصهري علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة مدبجة الظهر،
رحلها من زمرد أخضر، مضبب بالذهب الأحمر، رأسها من الكافور
الأبيض وذنبها من العنبر الأشهب، وقوائهما من المسك الأذفر،
وعنقها من لؤلؤ، وعليها قبة من نور الله، باطنها عَفْوُ الله ... إلخ،
فينادي مناد من لدنان العرش، أو قال: من بُطْنانِ العرش: ليس هذا
ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، ولا حامل عرش رب العالمين؛ هذا عليُّ
ابنُ أبي طالب أمير المؤمنين ( ... الحديث) ولو أن عابداً عبد الله بين(13/291)
الرُّكن والمقام ألف عام، وألف عام، حتى يكون كالشَّنِّ البالي لَقِيَ اللهَ
مبغضاً لآل محمدٍ أكبَّهُ الله على مَنْخِره في نار جهنمَ) .
باطل ظاهر البطلان، قاتل الله واضعه، ما أجرأه على الله! أخرجه الخطيب
في "التاريخ " (13/22 - 123) من طريق المفضل بن سلم عن الأعمش عن
عباية الأسدي عن الأصبغ بن نُباتة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً. وقال:
"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، ورجاله فيهم غير واحد مجهول، وآخرون
معروفون بغير الثقة ".
أورده في ترجمة المفضل بن سلم هذا؛ واصفاً إياه بأنه في عداد المجهولين.
وهذا من فوائد هذا "التاريخ " الجليل؛ فإن كتب الرجال المعروفة اليوم لا توجد هذه
الترجمة فيها.
ومن الواضح جداً أن واضع هذا الحديث هو من غلاة الشيعة أو الرافضة، وقد
أشار إلى ذلك الخطيب في آخر كلامه؛ فإن الأصبغ بن نباتة: قال الحافظ:
" متروك؛ رمي بالرفض ".
والراوي عنه عباية الأسدي، أورده العقيلي في "الضعفاء" (3/415) ، ووصفه
بأنه غال ملحد.
فهو - أو: شيخه - المتهم بوضعه.
ويبدو لي أن أحد المتأخرين سرقه وركب عليه إسناداً آخر؛ فذكره الخطيب أيضاً
في "التاريخ " (11/112) من طريق عبد الجبار بن أحمد بن عبيد الله السمسار:
حدثنا علي بن المثنى الطُّهوي: حدثنا زيد بن الحباب حدثنا عبد الله بن لهيعة:
حدثنا جعفر بن ربيعة عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ ... مرفوعاً؛ نحوه بطوله. وقال:(13/292)
"لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وابن لهيعة ذاهب الحديث "!
كذا قال! وتعصيب الجناية بابن لهيعة أبعد ما يكون عن العدل والصواب،
فإنه عالم فاضل، وما رمي به من سوء الحفظ لا يتحمل مثل هذا الزور والكذب،
وإنما الآفة من السمسار هذا، ولا أدري كيف شرد الخطيب عنه، وهو لم يذكر في
ترجمته ما يدل على حاله إلا أن ساق له هذا الحديث، فكان ينبغي أن يقول فيه
ما قاله في المفضل بن سلم:
"في عداد المجهولين ".
بل وأن يعصب الجناية في هذا الحديث به، أو بشيخه الطهوي؛ لأن ابن عدي
قد أشار إلى ضعفه كما في "التهذيب "، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع من
الثقات، فالأول أولى به، وهو ما فعل الذهبي، فإنه قال في ترجمته السمسار! ذا:
"روى عن علي بن المثنى الطهوي، فأتى بخبر موضوع في فضائل علي ".
فأشار إلى هذا الحديث، وأن المتهم به هذا السمسار، وتبعه الحافظ في
لا اللسان! ، فساق طرفاً من الحديث برواية الخطيب، وذكر ما تقدم عنه من إعلاله
بابن لهيعة، ثم رده بقوله:
"قلت: ابن لهيعة مع ضعفه لبريء من عهدة هذا الخبر.، ولو حلفت؛ لحلفت
بين الركن والمقام إنه لم يروه قط ".
ولقد صدق رحمه الله.
ومن الغريب أن ابن الجوزي لما أورد الحديث في "الموضوعات " (1/393 -
395) من طريق الخطيب بإسناديه؛ وافقه على إعلاله الثاني بابن لهيعة! وتعقبه
السيوطي بما تقدم عن الذهبي والعسقلاني؛ فأحسن.(13/293)
6131 - (تَعَلَّموا الشِّعرَ؛ فإنَّ فيه حِكَماً وأمثالاً) .
موضوع.
أخرجه الخليلي في "الإرشاد " (3/985 - 986) ومن طريقه
الذهبي في "سير الآعلام " (14/431 - 432) عن صالح بن عبد الجبار الحضرمي:
حدثنا محمد بن عبد الرحمن البَيلماني عن أبيه عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً. وقال
الذهبي:
"هذا حديث واهي الإسناد" -
قلت: وآفته محمد بن عبد الرحمن هذا؛ فإنه متهم بالوضع، وقد تقدمت له
بعض الأحاديت الموضوعة؛ فانظر الأرقام (54 و 820) .
وصالح بن عبد الجبار غير معروف العدالة عندي، وذكر الذهبي أنه أتى بخبر
منكر جداً، لكن الراوي عنه ضعيف، وفوقه انقطاع، وقد سبق تخريجه برقم
(3659) .(13/294)
6132 - (من رأى معاهداً فقال: الحمد لله الذي فَضَّلني عليك
بالإسلام وبالقرآن وبمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لم يجمع الله بينَه وبينَه في النار) .
موضوع.
أخرجه الخليلي في (الإرشاد" (3/981) من طريق يحيى بن بدر
- وهو سمرقندي -: حدثنا أبو عثمان جابر بن عثمان السمرقندي: حدثنا أبو
مقاتل: حدثنا شعبة عن ثابت عن أنس ... مرفوعاً. ذكره في ترجمة جابر هذا،
وقال:
"يروي عن أبي مقاتل وغيره، صاحب غرائب ".
قلت: وليس له ذكر في "الميزان " و "اللسان " ولا في غيرهما. ثم قال الخليلي:
"هزا حديث لا يعرف بالبصرة من حديث شعبة ولا من حديث ثابت،(13/294)
وليس إلا من حديث سمرقند، والحمل فيه على الرواة الضعفاء منهم، وإنما يعرف
من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن [سالم عن] أبيه: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: "من رأى مبتلى ... ، الحديث ".
قلت: لقد كان الأولى أن يسوقه بتمامه حتى يتبين الفرق بينه وبين حديث
الترجمة، ولكن هكذا عادة الحفاظ إنما يسوقون الطرف الأول منه الدال على سائره
اعتماداً على معرفة القرّاء! وتمامه:
"الحمد الله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً،
إلا عوفي من ذلك البلاء كائناً ما كان ما عاش".
وعمرو بن دينار هذا ضعيف، لكن لحديثه شاهد من حديث أبي هريرة
مرفوعاً، رواه الترمذي أيضاً بلفظ:
"لم يصبه ذلك البلاء" ... ليس فيه: "كائناً ... ".
وهو مخرج مع حديث سالم في "الصحيحة" (602) تخريجاً علمياً دقيقاً؛
فليراجعه من شاء.
ونعود إلى حديث الترجمة لأقول:
إن الحمل فيه على أبي مقاتل شيخ جابر بن عثمان؛ فإنه متهم بالوضع، فقد
كذبه ابن مهدي وغيره، وقال أبو نعيم والحاكم وأبو سعيد النقاش:
"حدث عن مسعر وأيوب وعبيد الله بن عمر بأحاديث موضوعة". وقال
الذهبي في "الكنى/ الميزان ":
"أحد التلفى". وكذ! في "اللسان ". ووقع في "كنى التقريب":
"أبو مقاتل السمرقندي؛ مقبول، من الثامنة. ت "!(13/295)
ولا أدري كيف وقع له هذا؟! فقد ترجمه في "اللسان" - تبعاً لأصله "الميزان " -
ترجمة سيئة جداً، وذكر له بعض الموضوعات التي اتهم بها، وذلك تحت اسمه
"حفص بن سلم "، وتقدم مني أحدها برقم (1245) .
ومن ذلك تعلم أن الحافظ الخليلي لم يعرف حاله في الرواية حين ترجمه
بقوله في "الإرشاد" (3/975) :
"مشهور بالصدق والعلم، غير مخرج في "الصحيح "، سمع هشام بن عروة
و ... ، وكان ممن يفتي في أيامه، وله في العلم والفقه محل، يُعنى بجمع حديثه ".
(تنبيه) لقد اختلط على الدكتور محمد سعيد محقق "الإرشاد" لفظ حديث
عمرو بن دينار ... بلفظ حديث أبي هريرة الذي ذكرته سابقاً، فإنه لما ذكر تمام
حديث عمرو؛ ذكره بلفظ أبي هريرة، وبينهما فرق كبير - كما عرفت من بياني
المتقدم -.
6133 - (قرأتُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرني أن أُكَبِّر فيها إلى أن
أَخْتِمَ! يعني: {الضحى} ) .
منكر.
أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل " (2/76 - 77) ، والفاكهي في "أخبار
مكة " (3/35/ 1744) ، والحاكم (3/ 304) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (2/
370/2077 - 2081) ، والبغوي في "تفسيره" (4/501) ، والذهبي في " الميزان "
عن أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بَزَّة قال: سمعت عكرمة بن سليمان
يقول: قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قُسْطَنْطِيْن، فلما بلغت: {والضحى} ،
قال لي: كبِّر كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير: أنه
قرأ على مجاهد فأمره بذلك، وأخبره مجاهد: أن ابن عباس أمره بذلك. وأخبره(13/296)
ابن عباس: أن أُبي بن كعب أمره بذلك، وأخبره أبي بن كعب: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أمره بذلك. وقال ابن أبي حاتم عقبه:
"قال أبي: هذا حديث منكر".
قلت: وعلته ابن أبي بزة؛ فقد قال في "الجرح والتعديل " (1/1/71) :
"قلت لأبي: ابن أبي بزة ضعيف الحديث؟ قال: نعم، ولست أحدث عنه؛
فإنه روى عن عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً منكراً". وقال العقيلي في "الضعفاء" (1/127) :
"منكر الحديث، ويوصل الأحاديث ". وقال الذهبي:
" ليّن الحديث ". وأقره الحافظ في "اللسان ".
ولهذا لما قال الحاكم عقب الحديث: "صحيح الإسناد"؛ تعقبه الذهبي في
"التلخيص" بقوله:
" البزي تُكلم فيه ". وقال في ترجمته من والعبر" (1/445 - الكويت) :
"وكان ليِّن الحديث، حجة في القرآن".
ولذلك أورده في "الضعفاء" (55/428) ، وقال في "سير الأعلام " (12/ 51)
رداً على تصحيح الحاكم للحديث:
"وهو منكر". وقال في "الميزان" عقب الحديث:
! حديث غريب، وهو مما أنكر على البّزِّي، قال أبو حاتم؛ هذا حديث منكر".
وأقره الحافظ في "لسانه". وقال ابن كثير في "التفسير" عقب الحديث:
"فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي من ولد القاسم بن(13/297)
أبي بزة، وكان إماماً في القراءات، فأما في الحديث؛ فقد ضعفه أبو حاتم الرازي
وأبو جعفر العقيلي ... ". ثم ذكر كلامهما المتقدم، ثم قال:
"لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في "شرح الشاطبية" عن
الشافعي: أنه سمع رجلاً يكيبر هذا التكبير في الصلاة؛ فقال: "أحسنت وأصبت
السنة"، وهذا يقتضي صحة الحديث ".
فأقول: كلا؛ وذلك لأمرين:
أحدهما: أن هذا القول غير ثابت عن الإمام الشافعي، ومجرد حكاية أبي
شامة عنه لا يعني ثبوته؛ لأن بينهما مفاوز. ثم رأيت ابن الجزري فد أفاد في
"النشر في القراءات العشر" (2/397) أنه من رواية البزي عن الشافعي؛ فصح أنه
غير ثابت عته. ويؤكد ذلك أن البزي اضطرب فيه، فمرة قال: محمد بن إدريس
الشافعي، ومرة قال: الشافعي إبراهيم بن محمد! فراجعه.
والآخر: أنه لو فرض ثبوته عنه؛ فليس هو بأقوى من قول التابعي: من السنة
كذا؛ فإن من المعلوم أنه لا تثبت بمثله السنة، فبالأّوْلى أن لا تثبت بقول من بعده؛
فإن الشافعي رحمه الله من أتباع التابعين أو تبع أتباعهم. فتأمل.
وللحديث علة ثانية: وهي شيخ البزي: عكرمة بن سليمان؛ فإنه لا يعرف
إلا بهذه الروأية، فإن ابن أبي حاتم لما ذكره في "الجرح والتعديل " (3/2/ 11) ؛ لم
يزدعلى قوله:
"روى عن إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين، روى عنه أحمد بن محمد.
أبن أبي بزة المكي "*
فهو مجهول العين - كما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية -؛ لكنه قد توبع
في بعضه - كمايأتي -.(13/298)
وله علة ثالثة: وهي جهالة حال إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين؛ فقد أورده
ابن أبي حاتم (1/ 1/ 180) وقال:
"روى عنه محمد بن إدريس الشافعي، ويعقوب بن أبي عباد المكي".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا رأيت له ذكراً في شيء من كتب الجرح
والتعديل الأخرى، ولا ذكره ابن حبان في "ثقاته" على تساهله في توثيق المجهولين!
وأما المتابعة التي سبقت الإشارة إليها: فهي من الإمام محمد بن إدريس
الشافعي رحمه الله تعالى؛ فقال ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه "
(ص 142) : أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم - قراءة عليه -: أنا الشافعي:
ثنا إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين (يعني: قارئ مكة) قال: قرأت على
شبل (يعني: ابن عباد) ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير، وأخبر عبد الله
ابن كثيرا أنه قرأ على مجاهد، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس، وأخبر ابن
عباس أنه قرأ على أبي بن كعب، وقرأ أبي بن كعب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قلت: هكذا الرواية فيه؛ لم يذكر: {الضحى} والتكبير، وكذلك هو في
"تاريخ بغداد" (2/62) من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب الأصم قال: نا
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ... به.
وخالف جد أبي يعلى الخليلي؛! فقال أبو يعلى في "الإرشاد" (1/427) :
حدثنا جدي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ... بإسناده المذكور في "الآداب "
نحوه؛ إلا أنه زاد في آخره فقال:
! ... فلما بلغت: {والضحى} ؛ قال لي: يا ابن عباس! كبر فيها؛ فإني
قرأت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " إلخ - كما فِي حَدِيثِ الترجمة -.(13/299)
قلت: وجدُّ أبي يعلى؛ لم أجد له ترجمة إلا في "الإرشاد" لحفيده الحافظ
أبي يعلى الخليلي (2/765 - 766) ، وسمى جماعة روى عنهم، ولم يذكر أحداً
روى عنه؛ فكأنه من المستورين الذين لم يشتهروا بالرواية عنه، ولعله يؤيد ذلك
قول الحافظ الخليلي:
"ولم يرو إلا القليل ". مات سنة (327) .
وكذا في "تاريخ قزوين" للرافعي (2/134) - نقلاً عن الخليلي -.
قلت: فمثله لا تقبل زيادته على الحافظين الجليلين: ابن أبي حاتم وأبي
العباس الأصم؛ فهي زيادة منكرة. ويؤيد ذلك ما تقدم عن الحافظ ابن كثير: أنها
سنة تفرد بها أبو الحسن البزي. مع شهادة الحفاظ المتقدمين بأن الحديث منكر.
والله أعلم.
وقد رواه البزي مرة بزيادة أخرى معضلاً؛ فقال ابن الجزري رحمه الله في
"النشر في القراءات العشر" (2/388) :
"روى الحافظ أبو العلاء بإسناده عن أحمد بن فرج عن البزي أن الأصل في
ذلك (يعني: التكبير المذكور) : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انقطع عنه الوحي؛ فقال المشركون:
قلا محمداً ربه؛ فنزلت: سورة: {والضحى} ، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الله أكبر".
وأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يكبر إذا بلغ: {والضحى} مع خاتمة كل سورة حتى يختم.
وذكره ابن كثير في "تفسيره، معلقاً دون أن يعزوه للبزي عقب روايته المتقدمة
المسندة؛ فقال:
"وذكر القراء في مناسبة التكبير من أول سورة {الضحى} أنه لما تأخر
الوحي ... " إلخ نحوه، وعقب عليه بقوله:(13/300)
"ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة أو ضعف ".
وأقره ابن الجزري على ذلك (ص 388) ، وعقب عليه بقوله؛
"يعني كون هذا سبب التكبير، وإلا؛ فانقطاع الوحي مدة أو إبطاؤه مشهور،
رواه سفيان عن الأسود بن قيس عن جندب البجلي - كما سيأتي -، وهذا إسناد
لا مرية فيه ولا شك. وقد اختلف أيضاً في سبب انقطاع الوحي أو إبطائه، وفي
القائل: (قلاه ربه) ، وفي مدة انقطاعه ... ".
ثم ساق في ذلك عدة روايات كلها معلولة؛ إلا رواية سفيان التي أشار إليها،
وقد عزاه بعد للشيخين، وقد أخرجها البخاري (1124 و1125 و4983) ، ومسلم
(5/182) ، والترمذي (3342) وصححه، وأحمد (4/313) ، وا لطبراني (2/ 186
و187) من طرق عن سفيان، ولفظه:
احتبس جبريل اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فقالت امرأة من قريش: أبطأ عليه
شيطانه، فنزلت: {والضحى. والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما قلى} .
ولسفيان متابعات كثيرة في "الصحيحين " وغيرهما بألفاظ متقاربة، فمن شاء
الوقوف عليها؛ فليتتبعها فيهما، وقد يسر السبيل إليها الحافظ ابن حجر - كعادته
في "الفتح " -؛ فليرجع إليه من أرادها.
فأقول: وبناء على هذا الحديث الصحيح يمكننا أن نأخذ منه ما نؤكد به نكارة
الزيادة المتقدمة من رواية أحمد بن الفرج عن البزي؛ لعدم ورودها في "الصحيح "،
وأن ما يحكى عن القراء ليس من الضروري أن يكون ثابتاً عندهم، فضلاً عن غيرهم
- كما سيأتي بيانه في اختلاف القراء في هذا التكبير الذي تفرد به البزي -.
ومن المعلوم في علم المصطلح أن الحديث المنكر هو ما رواه الضعيف مخالفاً(13/301)
للثقة. وهذه الزيادة من هذا القبيل، وبهذا الطريق رد الحافظ حديثاً آخر من رواية
الطبراني فيه سبب آخر لنزول {والضحى} ، لعله ييسر لي تخريجه فيما بعد (1) ؛
فقال الحافظ (8/ 710) :
لأغريب، بل شاذ (!) مردود بما في (الصحيح) ".
ثم ذكر روايات أخرى في سبب نزولها مخالفة أيضاً، ثم ردها بقوله:
"وكل هذه الروايات لا تثبت ".
قلت: ونحوها ما روى ابن الفرج أيضاً قال: حدثني ابن أبي بزة بإسناده: أن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهدي إليه قطف عنب جاء قبل أوانه؛ فهمَّ أن يأكل منه، فجاءه سائل
فقال: أطعموني مما رزقكم الله؟ قال: فسلَّم إليه العنقود. فلقيه بعض أصحابه
فاشتراه منه، وأهداه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعاد السائل فسأله، فأعطاه إياه، فلقيه رجل آخر
من الصحابة، فاشتراه منه، وأهداه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعاد السائل فسأله فانتهره وقال:
"إنك مُلحٌّ ". فانقطع الوحي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعين صباحاً؛ فقال المنافقون:
قلا محمداً ربُّه، فجاء جبريل عليه السلام فقال: اقرأ يا محمد! قال: وما أقرأ؟
فقال: اقرأ: {والضحى} ... ! ، ولقنه السورة، فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبياً لما بلغ:
{والضحى} ؛ أن يكبر مع خاتمة كل سورة حتى يختم. ذكره ابن الجزري وقال
عقبه:
"وهذا سياق غريب جداً، وهو مما انفرد به ابن أبي بزة أيضاً، وهو معضل ".
قلت: وفي هذا دليل على ضعف البزي هذا، لتلونه في رواية الحديث 1 ا،1 حد،
فإن ذلك مما يشعر بأنه غير حافظ للحديث ولا ضابط - كما هو معروف عند أهل
__________
(1) انظر رقم (6136) .(13/302)
المعرفة بهذا الفن الشريف -؛ فلا جرم أنه ضعفه أبو حاتم والعقيلي والذهبي
والعسقلاني - كما تقدم -، وقال الحافظ أبو العلاء الهمداني:
" لم يرفع أحد التكبير إلا البزي، ورواه الناس فوقفوه على ابن عباس ومجاهد".
ذكره ابن الجزري (ص395) ، ثم قال:
"وقد تكلم بعض أهل الحديث في البزي، وأظن ذلك من قبل رفعه له؛
فضعفه أبو حاتم والعقيلي".
أقول: ما أصاب العلائي في ظنه؛ فإن من ضعفه - كالمذكوريْن -؛ ما تعرضوا
لحديثه هذا بذكر، وإنما لأنه منكر الحديث - كما تقدم عن العقيلي -، ومعنى
ذلك: أنه يروى المناكير، وأشار أبو حاتم إلى أن منها ما رواه عن ابن مسعود، وإن
كان لم يسق متنه.
ثم إن الموقوف الذي أشار إليه العلائي فما ذكر له إسناداً يمكن الاعتماد
عليه؛ لأنه لم يسقه (ص 397) إلا من طريق إبراهيم بن أبي حية قال: حدثني
حميد الأعرج عن مجاهد قال: ختمت على عبد الله بن عباس تسع عشرة ختمة،
كلها يأمرني أن أكبر فيها من.: {ألم نشرح} ".
وإبراهيم هذا: قال البخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/ 283) :
"منكر الحديث، واسم أبي حية: اليسع بن أسعد". وقال الدارقطني:
"متروك ".
فهو ضعيف جداً؛ فلا يصح شاهداًلحديث البزي، مع أنه موقوف.
إذا عرفت أيها القارئ الكريم ضعف هذا الحديث ونكارته؛ فإن من المصائب
في هذا الزمان والفتنة فيه أن يتطاول الجهال على الكتابة فيما لا علم لهم به؛(13/303)
أقول هذا لأنه وقع تحت يدي وأنا أحرر الكلام على هذا الحديث رسالة للمدعو
أحمد الزعبي الحسيني بعنوان: "إرشاد البصير إلى سُنِّيَّةِ التكبير عن البشير
النذير"، رد فيها - كما يقول - على الأستاذ إبراهيم الأخضر، الذي ذهب في كتابه
"تكبير الختم بين القراء والمحدثين " إلى أن التكبير المشار إليه ليس بسنة. فرأيت
الزعبي المذكور قد سلك سبيلاً عجيباً في الرد عليه أولاً، وفي تأييد سنّية التكبير
ثانياً؛ تعصباً منه لما تلقاه من بعفض مشايخه القراء الذين بادروا إلى تقريظ رسالته
دون أن يعرفوا ما فيها من الجهل بعلم الحديث، والتدليس؛ بل والكذب على
العلماء، وتأويل كلامهم بما يوافق هواه، وغير ذلك مما يطول الكلام بسرده، ولا
مجال لبيان ذلك مفصلاً؛ لأنه يحتاج إلى وقت وفراغ، وكل ذلك غير متوفر لدي
الآن؛ ولا سيما والأمر كما يقال في بعض البلاد: "هذا الميت لا يستحق هذا
العزاء"؛ لأن مؤلفها ليس مذكوراً بين العلماء، بل إنها لتدل على أنه مذهبي
مقلد، لا يَعْرِفُ الحق إلا بالرجال، ولكن لا بدّ لي من الإشارة بأخصر ما يمكن من
العبارة إلى بعض جهالاته المتعلقة بهذا الحديث الذي صرح بصحته، بل وزعم أنه
متواتر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
1 - ذكر (ص 12) تصحيح الحاكم إياه، ولم يعقب عليه برد الذهبي له أو غيره
ممن تقدم ذكره من العلماء!
2 - بل زاد على ذلك (ص 14) فقال: "يكفي في حجية سنة التكبير حديث
الحاكم "، الأمر الذي يدل على جهله بموقف العلماء من تصحيحات الحاكم، أو أنه
تجاهل ذلك إ!
3 - نقل (ص 15 - 16) عن كتاب "غاية النهاية" لابن الجزري (رحمه الله)
ترجمة مختصرة لعكرمة بن سليمان - الذي بينت آنفاً أنه من علل هذا الحديث
لجهالته - جاء فيها قول ابن الجزري:(13/304)
"تفرد عنه البزي بحديث التكبير".
وهذا نص بأن عكرمة هذا مجهول العين عند من يعرف، فجهل الزعبي ذلك
أو تجاهله؛ فزعم أنه ثقة فقال (ص 17) :
"رجال السند كلهم ثقات (!) ، جهابذة، أذعنت الأمة لهم بالقبول والحفظ "!!!
4 - قال (ص 17 و 31) :
" فالحديث قوي ليس له معارض في صحته "!
مع أنه نقل في غير ما موضع ما عزوته إلى أبي حاتم أنه حديث منكر. وإلى
الذهبي أنه مما أنكر على البزي، وقول العقيلي في البزي:
"منكر الحديث ".
ولكنه تلاعب بأقوالهم وتأولها تأويلاً شنيعاً؛ فأبطل دلالتها على ضعف
الحديث وراويه! وتجاهل قول أبي حاتم فيه:
"ضعيف الحديث ".
فلم يتعرض له بذكر؛ لأنه يبطل تأويله، وذلك هو شأن المقلدة وأهل الأهواء
قديماً وحديثاً. انظر (ص 22 و 25) .
5 - قال (ص 21) وهو ينتقد غيره، وهو به أولى:
"فترى الواحد من إلناس يصحح حديثاً ويضعفه بمجرد أن يجد في كتاب من
كتب الرجال عن رجل بأنه غير ثقة ... ".
كذا قال! وهو يريد أن يقول بأنه ثقة أو غير ثقة؛ لينسجم مع التصحيح
والتضعيف المذكورين في كلامه، ولكن العجمة لم تساعده! وأول كلامه ينصب(13/305)
عليه تماماً؛ لأنه يصحح هذا الحديث دون أن يجد موثقاً لعكرمة بن سليمان،
والبزي هذا، بل إنه ممن اتفق أهل العلم بالجرح والتعديل على تضعيفه وتضعيف
حديثه - كما تقدم -؛ ولذلك طعن فيهم في التالي:
6 - قال بعد أن نصب نفسه (ص 19) لمناقشة آراء العلماء - يعني: المضعفين
للحديث - ورواية الذين أشرت إليهم آنفاً! قال (ص 22) ؛
"فكون البزي قد جُرِحَ في الحديث؛ فإن ذلك قد يكون لنسيان في الحديث
أو لخفة ضبطه فيه أو غير ذلك ... قال (ص 23) : فكون البزي لين الحديث لا
يؤلر في عدم (!) صحة حديث التكبير، على زعم من قال: إنه لين".
كذا قال فُضَّ فوه: "زعم ... "! وهو يعني: الذهبي ومن تقدمه من الأئمة
المشار إليهم آنفاً؛ فهو يستعلي عليهم، ويرد تضعيفهم بمجرد الدعوى أن ذلك لا
يؤلر في صحة الحديث! فإذا كان كلام هؤلاء لا يؤثر عنده؛ فكلام من هو المؤثر؟!
وإن من عجائب هذا الرجل وغرائبه أنه عقد بحثاً جيداً (ص 19 - 21) ،
ونقل فيه كلاماً للذهبي قيماً، خلاصته: أن للحديث رجالاً، وأن هناك علماء
معروفين لا يدرون ما الحديث؟ ثم أشار هذا الرجل بكلام الذهبي، ورفع من شأنه
وقال: "وكلامه يدل أن لكل فن رجالاً ". وهذا حق؛ فهل يعني أن الرجل من
هؤلاء الرجال حتى استجاز لنفسه أن يرد تضعيف أهل الاختصاص بهذا العلم
وتجريحهم، وهو ليس في العير ولا في النفير؟! نعوذ بالله من العجب والغرور واتباع
الأهواء والتقليد الأعمى، والانتصار له بالسَّفْسَطَةِ والكلام العاطل! والجهل
العميق! وتأمل في قوله المتقدم:
" ... لا يؤثر في عدم صحة حديث التكبير"!
فإنه يعني: " ... في صحة ... " إلخ؛ كما يدل عليه سياق كلامه؛ فهذا(13/306)
من عيِّه وجهله. ولا أدل على ذلك مما يأتي، وإن كان فيما سبق ما يكفي.
7 - قال (ص 24) :
"وكذلك التكبير نقل إلينا مسلسلاً بأسانيد متواترة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "!
وهذا كذب وزور بيِّن، ولو كان صادقاً؛ لم يسوِّد صفحات في الرد بجهل بالغ ع
لى علماء الحديث الذين ضعفوا البزي وحديثه، ولاكتفى بإثبات تواتره المزعوم.
ولكن في هذا حكمة بالغة ليتبين المبطل من المحق، والجاهل من العالم، والمغرض
من المخلص!
8 - ثم كذب كذبة أخرى فقال (ص 27) :
"فتجد أن الذهبي يقوي هذا الحديث".
وسبب هذه أنه ساق ترجمة البزي عند الذهبي، وفيها أنه روى الحديث عنه
جماعة؛ فاعتبر ذلك تقوية للحديث، وذكر فيها أثراً عن حميد الأعرج - وهو من
أتباع التابعين -، فجعله شاهداً للحديث المرفوع، وهذا من بالغ جهله بهذا العلم أو
تجاهله، وأحلاهما مر!
9 - ومما يدل على ذلك قوله (ص 30) :
"فإذا روى الشافعي عن رجل وسكت عنه؛ فهو ثقة"!
وهذا منتهى الجهل بهذا العلم الشريف، والجرأة على التكلم بغير علم؛ فإن
هذا خلاف المقرر في علم المصطلح: أن رواية الثقة عن الرجل ليس توثيقاً له، وهذا
ولو لم يكن مجروحاً، فكيف إذا كان مطعوناً فيه؟! فالله المستعان.
10 - ونحو ذلك قوله (ص 35) :
"والبزي. قد وثقه الحافظ ابن الجزري بقوله: أستاذ محقق ضابط متقن "!(13/307)
وفي هذا تدليس خبيث وتلبيس على القراء؛ لأنه - أعني: الجزري - إنما قال
هذا فيما هو مختص به - أعني: البزي - من العلم بالقراءة، وليس في روايته
للحديث - كما يدل على ذلك السياق والسياق، وهما من المقيدات؛ كما هو معروف
عند العلماء -، بل إنه قد صرح بذلك في "النشر" (1/120) ؛ فقال ما نصه:
"وكان إماماً في القراءة محققاً ضابطاً متقناً لها ثقة فيها".
ومن العجيب حقاً أن هذا المدلس على علم بهذا النص؛ لأنه قد ذكره في
الصفحة (36) فيما نقله عن المحدث السندي؟ فتجاهله ليسلك على القراء تدليسه!
وأعجب من ذلك أنه تجاهل تعقيب السندي رحمه الله على ذلك بقوله:
"فلا يقدح في ذلك كونه ضعيف الحديث في غيرما يتعلق بالقراءة".
قلت: فهذه شهادة جديدة من المحدث السندي تضم إلى شهادات الأئمة
المتقدمين تدمغ هذا الجاهل دمغاً، وتمحو دعواه الباطلة محواً، وتجعل رسالته هباءً
منثوراً.
11 - ومن أكاذيبه الخطيرة التي لا بد من ذكرها وبيانها وختم هذا البحث بها
قوله (ص 34) - بعد أن ذكر تصحيح الحاكم للحديث -:
"وجاء تواتر الأمة على فعله "!
فهذا كذب محض لم يقله أحد قبله! فإن المسألة الخلاف فيها قديم بين القراء،
فضلاً عن غيرهم؛ فإنه لم يقل بالتكبير المذكور في الحديث من القراء المشهورين
غير عبد الله بن كثير المذكور في إسناده المتقدم، وهو مكي توفي سنة (120) . ثم
تلقاه المكيون عنه؛ كما حقق ذلك ابن الجزري (2/392) ، وقال قبل ذلك
(2/ 390) بعد أن ذكر الحديث وغيره مما تقدم:(13/308)
"قال الداني: فهذا سبب التخصيص بالتكبير من أخر: {والضحى} ،
واستعمال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه، وذلك كان قبل الهجرة بزمان؛ فاستعمل ذلك المكيون،
ونقل خَلَفهم عن سلفهم، ولم يستعمله غيرهم؛ لأنه اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ترك ذلك بعد، فأخذوا
بالآخر من فعله ".
فأين التواتر الذي زعمه هذا الجاهل - أو: المتجاهل - ونسبه إلى الأمة، مع
تصريح هذا الإمام الداني بأنه لم يستعمله غير المكين؟! أم أن هؤلاء ليسوا عنده من
الأمة؟! وماذا يقول في تعليل الإمام الداني تركهم له؟!
ثم إن المكيين أنفسهم لم يستمروا على استعماله؛ فقد ذكر الفاكهي في
"أخبار مكة" (3/36/1745) أن ابن أبي عمر قال:
"أدركت الناس في مكة على هذا: كلما بلغوا: {والضحى} ؛ كبروا حتى
يختموا، ثم تركوا ذلك زماناً، ثم عاودوه منذ قريب، ثم تركوه إلى اليوم ".
وابن أبي عمر هذا من شيوخ الفاكهي ومسلم، واسمه: محمد بن يحيى بن
أبي عمر العدني أبو عبد الله الحافظ، وقد أكثر الفاكهي عنه بحيث أنه روى عنه
أكثر من خمسمائة رواية - كما ذكر ذلك المعلق على كتابه جزاه الله خيراً -، مات
سنة (243) .
قلت: فهذه الرواية مما يُبطل التواتر الذي زعمه؛ لأنها تنفي صراحة انقطاع
استمرار العمل، بل قد جاء عن بعض السلف إنكار هذا التكبير واعتبره بدعة،
وهو عطاء بن أبي رباح المكي؛ فقال الفاكهي: حدثني أبو يحيى بن أبي مرة عن
ابن خنيس قال: سمعت وهيب بن الورد يقول: (قلت: فذكر قصته، وفيها) ولما
بلغ حميد (وهو: ابن قيس المكي) : {والضحى} ؛ كبر، فقال لي عطاء: إن هذا
لبدعة.(13/309)
وهذا إسناد جيد، وفيه إثبات سماع وهيب من عطاء، فما في "التهذيب "
- وتبعه في "جامع التحصيل" - أن روايته عن عطاء مرسلة؛ لعله وهم، أو سبق
قلم! فإن الذي في "الجرح" مكان: (عطاء) (طاوس) وهو أقدم وفاة من عطاء.
والله أعلم.
وفتوى ابن تيمية الواردة في المجلد (13) من "مجموع الفتاوى" (ص 417 -
419) تميل إلى عدم مشروعية هذا التكبير؛ فإنه سئل عنه فقال:
" إذَا قَرَأوا بِغَيْرِ حَرْفِ ابْنِ كَثِيرٍ؛ كَانَ تَرْكُهُمْ لِذَلِكَ هُوَ الْأَفْضَلَ، بَلْ الْمَشْرُوعَ
الْمَسْنُونَ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ مِنْ الْقُرَّاءِ لَمْ يَكُونُوا يُكَبِّرُونَ، لَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَلَا فِي
أَوَاخِرِهَا. فَإِنْ جَازَ لِقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ ابْنَ كَثِيرٍ نَقَلَ التَّكْبِيرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَازَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: إنَّ هَؤُلَاءِ نَقَلُوا تَرْكَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ مِنْ الْمُمْتَنِعِ أَنْ
تَكُونَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ الَّتِي نَقَلَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ [نَقَلَةِ] قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، قَدْ أَضَاعُوا فِيهَا مَا
أَمَرَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ أَهْلَ التَّوَاتُرِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ كِتْمَانُ مَا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ
وَالدَّوَاعِي إلَى نَقْلِهِ، فَمَنْ جَوَّزَ عَلَى جَمَاهِيرِ الْقُرَّاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُمْ بِتَكْبِيرِ
زَائِدٍ، فَعَصَوْا أَمْرَهُ، وَتَرَكُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ الَّتِي تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ
عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ". ثم قال:
"وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِبَعْضِ مَنْ أَقْرَأَهُ؛ كَانَ غَايَةُ ذَلِكَ يَدُلُّ
عَلَى جَوَازِهِ أَوْ اسْتِحْبَابِهِ ... ".
ومن غرائب ذاك الزعبي أنه نقل (ص 49 - 51) فتوى ابن تيمية هذه، ثم
استخلص منها أن ابن تيمية يقول بسنية التكبير! فذكرني المسكين بالمثل المعروف:
"عنزة ولو طارت"؛ فإنه تجاهل عمداً قول ابن تيمية الصريح في الترك، بل المشروع
المسنون. كما تجاهل إيماءه القوي بعدم ثبوت الحديث بقوله: "ولو قُدِّر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم(13/310)
أمر بالتكبير ... "؛ فإنه كالصريح أنه لم يثبت ذلك عنده، وأنا على مثل اليقين أن
القائل بسنية التكبير، المستدل عليه بحديث الترجمة؛ والمدعي صحته - كهذا
الدعي الزعبي - لو سئل: هل تقول أنت بما قال ابن تيمية: "ولو قدر ... " إلخ؟
فإن أجاب بـ "لا"، ظهر كذبه على ابن تيمية وما نسب إليه من السنية، وإن قال:
"نعم "؛ ظهر جهله باللغة العربية ومعاني الكلام، أو تجاهله ومكابرته. والله المستعان.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف لا يصح - كما قال علماء الحديث دون خلاف
بينهم -، وأن قول بعض القراء لا يقويه، ولا يجعله سنة، مع إعراض عامة القراء
عنه، وتصريح بعض السلف ببدعيته. والله ولي التوفيق.
وإن مما يؤكد ذلك اختلاف القاثلين في تحديد ابتدائه وانتهائه على أقوال كثيرة
تراها مفصلة في "النشر"، كما اختلفوا هل ينتهي بآخر سورة الناس، أو بأولها!
وصدق الله العظيم القاثل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً} .
6134 - (كان إذا قرأ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} افتتح من
{الحمد} ، ثم قرأ {البقرة} إلى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ثم دعا
بدعاء الخَتْم، ثم قام) .
ضعيف.
أخرجه الحسن بن علي الجوهري في "فواثد منتقاة" (29/2) عن
وهب بن زمعة عن أبيه زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن دِرْباسٍ مولى ابن
عباس وعن مجاهد عن عبد الله بن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ
النبي على أُبَيٍّ، وقرأ أبي عن النبي، و - أنه كان ... إلخ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان:
الأولى: أن مداره على زمعة بن صالح، قال الذهبي في "الكاشف ":(13/311)
"ضعفه أحمد، قرنه (م) بآخر". وقال الحافظ في "التقريب":
"ضعيف، وحديثه عند مسلم مقرون".
والأخرى: الاضطراب في إسناده عليه على وجهين:
الأول: هذا: عن درباس وعن مجاهد؛ قرنه معه.
الثاني: عن درباس وحده؛ لم يذكر مجاهداً معه.
وقد ساق ابن الجزري في "النشر" (2/ 420 - 425) الأسانيد بذلك.
وفي رواية له عن وهب بن زمعة بن صالح عن عبد الله بن كثير عن درباس
عن عبد الله بن عباس ... به مرفوعاً؛ لم يذكر في إسناده زمعة. وقال عقبه:
"حديث غريب، لانعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن؛ إلا أن الحافظ أبا
الشيخ الأصبهاني وأبا بكر الزينبي روياه عن وهب عن أبيه زمعة ... ، وهو الصواب ".
فأقول: هذا التصويب صواب؛ لأ نه عليه أكثر الروايات، وعليه فلا وجه
لتحسين إسناده؛ لأن مداره على - زمعة بن صالح الضعيف - كما تقدم -. وكيف
يكون حسناً وفيه درباس مولى ابن عباس، وَهُوَ مَجْهُولٌ - كما قال أبو حاتم، وتبعه
الذهبي والعسقلاني -؟! نعم قد قُرِنَ به مجاهد في بعض الروايات - كما في رواية
الجوهري وغيره -، فإن كان محفوظاً؛ فالعلة واحدة وهي زمعة. والله أعلم.
6135 - (إذا ختم القرآن؛ حَمِدَ اللهَ بِمَحَامِدَ وهو قائمٌ، ثم
يقولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، لَا
إِلَهَ إِلَّا الله، وكذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداًً، لَا إِلَهَ إِلَّا الله،(13/312)
وكذب المشركون بالله من العرب والمجوس واليهود والنصارى
والصابئين، ومن ادعى لله ولداً أو صاحبة أو نداً، أو شبهاً أو مثلاً أو سمياً أو
عدلاً؛ فأنت ربنا أعظم من أن تتخذ شريكاً فيما خَلَقْتَ ... ) الحديث
بطوله، وفي آخره:
(ثم إذا افتتح القرآن؛ قال مثل هذا، ولكن ليس أحد يُطيقُ ما
كان نبيَ اللهِ يطيق) .
موضوع.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/372/2082) من طريق
عمرو بن شَمَّر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر قال: كان علي بن حسين يذكر
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا ختم ... الحديث. وقال البيهقي قبل أن يسوقه:
"حديث منقطع بإسناد ضعيف، وقد تساهل أهل الحديث في قبول ما ورد
من الدعوات وفضائل الأعمال متى ما لم يكن في رواته من يعرف بوضع الحديث
أو الكذب في الرواية". ثم ساق الحديث.
وقد تساهل رحمه الله في اقتصاره على قوله: "بإسناد ضعيف". فإن الشرط
الذي ذكره في التساهل المزبور غير متحقق هنا؛ فإن عمرو بن شمر قد اتفقوا على
تركه، وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/75) :
"كان رافضياً يشتم أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وكان ممن يروي الموضوعات
عن الثقات في فضائل أهل البيت وغيرها، لا يحل كتابة حديثه إلا على جهة
التعجب ". وقال أبو نعيم في "ضعفائه " (118/165) :
"يروي عن جابر الجعفي الموضوعات المناكير". وقال الحاكم - وهو شيخ البيهقي -:(13/313)
"كان كثير الموضوعات عن جابر الجعفي، وليس يروي تلك الموضوعات
الفاحشة عن جابر غيره ".
فأقول: وما أظن أن هذا يخفى على البيهقي؛ فإنه من أخص تلامذة الحاكم،
فالعجب من البيهقي كيف يسوق لعمرو بن شمر هذا الحديث على أنه ضعيف يجوز
قبوله في الفضائل وهذه حاله؟! ومثل هذا التساهل مما جعلنا نظن أنه لم يتمكن من
الوفاء بشرطه الذي نص عليه في مقدمة كتابه المذكور: " الشعب " (1/28) :
"أنه اقتصر على ما لا يغلب على القلب كونه كذباً ".
فإن القلب يشهد - مع السند - أن هذا الحديث كذب موضوع؛ فإن لوائح
الصنع والوضع ظاهر عليه، ولعل ابن الجوزي لم يقف عليه، وإلا؛ كان كتابه
"الموضوعات" أولى به من كثير من الأحاديث التي أوردها فيه! وقد كنت نبهت
فيما مضى من هذه "السلسلة" على بعض الأحاديث الموضوعة التي رواها البيهقي
مما يؤكد عدم أستطاعته القيام بما تعهد به. والكمال لله تعالى.
والأعجب من ذلك أن ابن الجزري في "النشر" (2/444 - 446) قال - وقد
روى الحديث من طريق البيهقي، وساق كلامه المذكور -:
"فالحديث مرسل، وفي إسناده جابر الجعفي وهو شيعي، ضعفه أهل
الحديث، ووثقه شعبة وحده ".
قلت: فخفي عليه أن العلة الحقيقية إنما هي من عمرو بن شمر، الراوي عن
جابر الجعفي؛ لاتفاقهم جميعاً على تركه، وتصريح بعضهم بروايته الموضوعات
- كما تقدم -، مع أن الجعفي قريب منه؛ لأنه قد كذبه جمع كما تراه في ترجمته
من "التهذيب"، على أنه قد ذكر فيها أنه وثقه أيضاً غير شعبة؛ لذلك فالأقرب أن
العلة من عمرو الراوي عنه.(13/314)
ثم قال ابن الجزري عقب كلامه المتقدم:
"ويقوي ذلك ما قدمناه عن الإمام أحمد أنه أمر الفضل بن زياد أن يدعو
عقب الختم وهو قائم في صلاة التراويح، وأنه فعل ذلك معه ".
وأقول: هذه تقوية عجيبة من مثل ابن الجزري؛ كيف يقوي حديثاً طويلاً - يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاك الكذاب الرافضي - لمجرد أمر الإمام أحمد بالدعاء عقب ختم
القرآن، فهذا أخص مما في هذا الحديث؛ أي: أنه يقوي الأعم بما هو أخص، أو
الكل بالجزء؟! وهذا مما لا يستقيم في العقل. فتأمل!
(تنبيه) : إن الدعاء المطبوع في آخر بعض المصاحف المطبوعة في تركيا وغيرها
تحت عنوان: "دعاء ختم القرآن " والذي ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى؛ فهو مما لا نعلم له أصلاً عن ابن تيمية أو غيره أن علماء الإسلام،
وما كنت أحب أن يلحق بآخر المصحف الذي قام بطبعه المكتب الإسلامي في
بيروت سنة (1386) على نفقة الشيخ أحمد بن علي بن عبد الله آل ثاني رحمه
الله، وإن كان قد صُدّر بعبارة: "المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية"؛ فإنها لا
تعطي أن النسبة إليه لا تصح فيما يفهم عامة الناس، وقد أمرنا أن نكلم الناس
على قدر عقولهم!
ومما لا شك فيه أن التزام دعاء معين بعد ختم القرآن من البدع التي لا تجوز؛
لعموم الأدلة، كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، وهو من
البدع التي يسميها الإمام الشاطبي بـ "البدعة الإضافية"، وشيخ الإسلام ابن
تيمية من أبعد الناس عن أن يأتي بمثل هذه البدعة، كيف وهو كان له الفضل
الأول - في زمانه وفيما بعده - بإحياء السنن وإماتة البدع؟ جزاه الله خيراً.(13/315)
6136 - (يا خَوْلَةُ! مَا حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ؟ جِبْرِيلُ لا
يَأْتِينِي! فَهَلْ حَدَثَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ حَدَثٌ؟ ... يَا خَوْلَةُ! دَثِّريني!
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى. مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/249/636) : حدثنا علي
ابن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم: ثنا حفص بن سعيد القرشي: حدثتني أمي عن
أمها - وكانت خادم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
أن جرواً دخل البيت، ودخل تحت السرير ومات، فمكث نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياماً
لا ينزل عليه الوحي، فقال: (فذكر الحديث) ، فقلت: والله! ما أتى علينا يوم خيراً
من يومنا، فأخذ برده فلبسه وخرج، فقلت: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت
بالمكنسة تحت السرير، فإذا شيء ثقيل؛ فلم أزل حتى أخرجته، فإذا بجرو ميت،
فأخذته بيدي فالقيته خلف الجدار، فجاء نبي الله ترعد لحيته - وكان إذا أتاه
الوحي أخذته الرعدة -، فقال: "يا خولة! دثريني ... " الحديث.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده "، ومن طريقه ابن أبي عاصم في آخر
"الآحاد والمثاني "، ومن طريقه ابن الأثير في "أسد الغابة" (6/ 94) : حدثنا أبو
نعيم الفضل بن دكين ... به.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وله علتان، وهما الجهالة:
الأولى: أم حفص بن سعيد: لم أجد لها ترجمة، وبها أعله الهيثمي؛ فقال
في "المجمع" (7/138) :
"رواه الطبراني، وأم حفص لم أعرفها".(13/316)
والأخرى: ابنها حفص بن سعيد: فقد أورده البخاري في "التاريخ "، وابن
أبي حاتم في "الجرح"، وابن حبان في "الثقات " (6/199) من رواية أبي نعيم
فقط عنه؛ فهو مجهول، ولذلك قال ابن عبد البر في "الاستيعاب ":
"ليس إسناده مما يحتج به ".
وأقره الحافظ في "الإصابة"، وسكت عنه في "المطالب العالية " (3/396/
3806) وقد عزاه لأبي بكر - يعني: ابن أبي شيبة - في "المسند"، وقال المعلق عليه:
"ضعف البوصيري سنده؛ لجهالة بعض رواته ".
هكذا أطلق ولم يبيِّن؛ فلا أدري أهو من المعلق، أم من البوصيري نفسه؟ وقد
سبقه إلى مثله الحافظ في "الفتح " (8/710) فقال - بعد ما عزاه للطبراني -:
"في إسناده من لا يعرف ".
ثم ذكر الحافظ للحديث علة ثالثة؛ وهي: الشذوذ - كما قال - والمخالفة لما في
"الصحيح ". وهو يشير بذلك إلى حديثين:
الأول؛ ما تقدم تخريجه تحت الحديث (6133) من رواية الشيخين وغيرهما
أن سورة {الضحى} كان سبب نزولها قول امرأة: "أبطأ عليه شيطانه ". وليس
بمناسبة الجرو.
والآخر: حديث إبطاء مجيء جبريل عليه السلام إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبب
الجرو حديث صحيح مشهور، جاء عن خمسة من الصحابة من طرق عنهم؛
أحدهما في "صحيح مسلم "، وهي مخرجة في "آداب الزفاف " (ص 190 - 196 -
طبع المكتبة الإسلامية/ عمان) ، وهو مخالف لحديث الترجمة من وجوه؛ أهمها:
أنه ليس فيها نزول: {والضحى} ، كيف وهي مكية، وقصة الجرو مدنية؟! لأن(13/317)
فيها أن الجرو كان للحسن والحسين رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا. فثبت أن الحديث منكر.
والله أعلم.
6137 - (مَنْ عَطَسَ أو تَجَشَّأ، أو سمع عَطْسَةً أو جُشَاءً فقال:
الحمدُ لله على كلِّ حال من الأحوال؛ صرفَ اللهُ عنه سبعينَ داءً
أهْوَنُها الجُذَامُ) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/256) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات " (3/76) بسنده عن محمد بن كثير: حدثني ابن لهيعة عن
أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو ... مرفوعاً.
وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (8/28) ، وابن الجوزي أيضاً من طريق أخرى
عن محمد بن كثير الفِهْري ... به. وقال ابن الجوزي:
"حديث لا يصح، وابن لهيعة ذاهب الحديث. قال ابن عدي: ومحمد بن
كثير يروي البواطيل، والبلاء منه، وقال أبو الفتح الأزدي: محمد بن كثير - هو:
ابن مروان الفهري - متروك الحديث ".
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/284) بأن له شاهداً من حديث علي
موقوفاً. وهو - لو صح؛ فهو - شاهد قاصر؛ لأنه ليس فيه التجشؤ ولا السبعون داء ...
هذا لو صح وكان مرفوعاً، فكيف وهو موقوف، وضعيف الإسناد؟! وهذا ما سأبينه
في الحديث التالي:(13/318)
6138 - (مَن قال عند [كل] عطسة يسمَعُها: الحمد لله رب العالمين
على كل حال ما كان؛ لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً) .
موقوف ضعيف.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/422/9860) ،(13/318)
البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 926) - ومن طريقه الحاكم (4/414) - قالا:
حدثنا طلق بن غنام قال: حدثنا شيبان، عن أبي إسحاق عن خيثمة العربي؛ (!)
عن علي قال: ... فذكره موقوفاً.
قلت: وهذا - مع وقفه - فيه أبو إسحاق - وهو: السَّبيعي -؛ وهو مدلس كان
اختلط.
وخيثمة العربي: هكذا وقع في "المصنف "، وفي " الأدب ": (خيثمة) ... لم
ينسبه! وفي المستدرك؛ (حبة) ، وفي " اللآلي " (2/284) من طريق " المصنف ":
(حبة العر) ! وهذا أقرب إلى الصواب، وهو قريب مما في "المصنف "، ويغلب على
الظن أن صوابه: "حَبَّةَ العُرَني "، فإذا صح هذا؛ فهي علة أخرى؛ لأنه ضعيف
عند الجمهور، وعلى رأسهم ابن معين؛ ولذلك أورده الذهبي في "الضعفاء" (1/
146) ، وقال:
"قال السعدي: غير ثقة ". وأما الحافظ؛ فقال في "التقريب ":
"صدوق له أغلاط، وكان غاليأ في التشيع ".
ولعله لذلك قال في "الفتح " (10/ 600) - بعد ما عزاه لـ "الأدب " -:
"وهذا موقوف، ورجاله ثقات، ومثله لا يقال من قبل الرأي؛ فله حكم الرفع ".
وأقره المعلق على! الأدب " (2/384) ! ولا أدري إذا كان التوثيق المذكور على
أن تابعي الحديث هو حمة العرني - كما رجحنا -، أم على أنه خيثمة - وهو؛ ابن
عبد الرحمن بن أبي سبرة -، وهو ثقة، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإنه غير سالم من
اختلاط أبي إسحاق وتدليسه.(13/319)
ويمكن أن نضيف إلى ما سبق علة أخرى، وهي: أن الحديث روي عن علي
بإسناد آخر بلفظ آخر مخالف لهذا؛ وهو:
"إذا عطس أحدكم؛ فليقل: الحمد الله على كل حال، وليقل من عِنْدَه:
يرحمك الله ... " الحديث.
وهو مخرج في " الإرواء " (3/245 - 246) .
والحديث سكت عنه السيوطي حين عزاه للمصنف - كما تقدم -، وأفاد أن
الخلعي روى في "فوائده" بسنده عن المقدام: حدثنا محمد بن إسماعيل بن
مرزوق: حدثني يونس بن نعيم عن سعيد بن السري عن محمد بن مروان
الأعور عن رجل حدثه عن علي بن أبي طالب قال:
"إذا عطس العبد فقال: الحمد لله على كل حال؛ لم يصبه وجع الأذنين ولا
وجع الأضراس ".
قلت: وهذا إسناد مظلم؛ فإن ما بين الرجل الذي لم يسم والمقدام لم أجد
لهم ترجمة.
أما المقدام؛ فالظاهر أنه ابن داود الرُّعَيني المصري، قال النسائي:
"ليس بثقة". وقال ابن يونس، وكذا ابن أبي حاتم (4/1/303) :
"تكلموا فيه ".
والرجل الذي لم يسم: لا أستبعد أن يكون هو حبة العرني - على ما رجحت
آنفاً -، وقد وقفت على ما يؤيده، وهو ما أخرجه الطبراني في "الدعاء" من طريق
أخرى عن طلق بن غنام بسنده المتقدم عن حبة عن علي ... به نحوه.(13/320)
6139 - (مَن بادَرَ العاطسَ بالحمدِ؛ عُوْفِيَ من وَجعِ الخاصِرَةِ، ولم
يَشْتَكِ ضِرْسَهِ أبداً) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/148/7283) : حدثنا
محمد بن نوح: ثنا الحسن بن إسرائيل: ثنا عبد الله بن المطلب الكوفي: ثنا
إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذ كره. وقال:
"لم يروه عن أبي إسحاق، ولا رواه عنه إلا عبد الله بن المطلب، تفرد به
الحسن بن إسرائيل ".
قلت: أورده ابن حبان في "الثقات " (8/178) وقال:
"يروي عن عبد الوهاب بن عطاء وأهل العراق، ثنا عنه عبدان الَجواليقي،
مستقيم الحديث".
قلت: وهو عبدان بن أحمد الأهوازي: من شيوخ الطبراني، وقد روى عنه
هذا الحديث - كما يأتي -، وهو من الحفاظ المترجمين في "تذكرة الذهبي"، وقال
في آخرها:
"قلت: له غلط ووهم يسير، وهو صدوق ".
وعبد الله بن المطلب الكوفي: مجهول - كما قال أبو حاتم والعقيلي، كما تقدم
تحت الحديث (166) -، وبيَّض له ابن أبي حاتم في "الجرح" (2/2/176) .
والحارث هو: ابن عبد الله الأعور، وهو ضعيف - كما تقدم مراراً -، وقال الذهبي
في "الكاشف":
"شيعي لين ". وقال الحافظ في "التقريب":(13/321)
"كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف ".
قلت: وبه أعله الهيثمي؛ فقال (8/57 - 58) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه الحارث الأعور - وضعفه الجمهور، ووثِّق -،
ومن لم أعرفهم ".
كأنه يشير إلى الحسن بن إسرائيل وشيخه عبد الله بن المطلب، وقد عرفنا
حالهما كما سبق.
وأما شيخ الطبراني محمد بن نوح - وهو: ابن حرب العسكري؛ كما في
"المعجم الصغير" (رقم 863 - الروض النضير) -: فلم أجد له ترجمة؛ كما ذكرت
هناك.
ولكنه قد توبع؛ فقال الطبراني في "الدعاء" (3/293/1987) : حدثنا عبدان
ابن أحمد: ثنا الحسن بن إسرائيل ... به؛ دون قوله: "ولم يشتك ضرسه أبداً ".
وروي من حديث ابن عمر وغيره؛ فقال قطن بن إبراهيم: ثنا خالد بن يزيد
المدني قال: ثنا ابن أبي ذئب عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ ... مرفوعاً بلفظ:
" إذا عطس العاطس؛ فابدروه بالحمد، فإن ذلك دواء من كل داء، ومن وجع
الخاصرة".
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (3/18) ، والديلمي في "مسند الفردوس"
(1/1/67) ، وقال ابن عدي:
"حديث منكر".
ذكره في ترجمة خالد هذا، وساق له أحاديث أخرى، وختمها بقوله:(13/322)
" وله غير ما ذكرت، وعامتها مناكير". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/
284 - 285) :
" منكر الحديث جداً، لا يشتغل به؛ لأنه يروي الموضوعات عن الأثبات ".
وعزاه السيوطي في "اللآلي" (2/285) للحاكم في "تاريخه " من طريق قطن
هذا ... به. وسكت عنه!
وعن أبي أيوب الأنصاري: أن رجلاً عطس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسبقه رجل إلى
الحمد؛ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من بدر العاطس إلى محامد الله؛ عوفي من وجع الداء والدَّبِيْلَةِ ".
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (14/293) ، ومن طريقه ابن الجوزي في
"الموضوعات " (3/77) من طريق عمر بن صبح عن أيوب السختياني عن أبي
قلابة عن أبي أيوب الأنصاري ... به. وقال ابن الجوزي:
"ليس يصح، قال ابن حبان: عمر بن صبح يضع الحديث ... ".
والمعروف من حديث أبي أيوب مثل حديث علي الذي رواه ابن أبي ليلى
بسنده عنه تارة، وعن علي تارة، وقد ذكرته قريباً تحت الحديث الذي قبل هذا.
ورواهما عنهما من هذا الوجه الطبراني في "الدعاء" (3/1684 و 1685) .
وذكر له السيوطي شواهد أخرى مضطربة المتون واهية الأسانيد، فلم أنشط
لذكرها والكلام عليها.
(تنبيه) : خالد بن يزيد المدني المتقدم فِي حَدِيثِ ابن عمر: هكذا وقع فيه:
( ... المدني) عند ابن عدي ومن ذكر معه من مخرجيه، ولعله من أوهام قطن بن(13/323)
إبراهيم؛ فإن في حفظه ضعفاً ... والصواب: (المكي) ؛ كما في ترجمته من كتب
الرجال، ومنها "الكامل" نفسه، و "الجرح والتعديل " وغيره.
ثم رأيت الحديث في "الأدب المفرد" للبخاري (926) من طريق شيبان عن
أبي إسحاق عن خيثمة عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
"من قال عند عَطْسَةٍ سمعها: الحمد لله رب العالمين على كل حال ما كان؛
لم يجد وجع الضرس ولا الأذن أبداً ".
قلت: وهذا إسناد موقوف رجاله ثقات - كما قال الحافظ في "الفتح "
(10/ 600) -، وإنما لم يصححه؛ لأن أبا إسحاق - وهو: السبيعي - كان اختلط.
وشيبان - وهو: ابن عبد الرحمن أبو معاوية البصري - لم يذكر في جملة من
روى عنه قبل الاختلاط، ومن المقرر في "المصطلح " أنه في هذه الحالة يتوقف عن
تصحيح روايته. وحينئذٍ فلا فائدة تذكر في تعقيب الحافظ عليه بقوله:
"ومثله لا يقال من قبل الرأي؛ فله حكم الرفع "!
لأن هذا إنما يقال فيما صح، وإلا؛ فلا. وقد قلده في ذلك الشيخ الجيلاني
في "شرح الأدب " (2/ 384) !
ثم إن الملاحظ أن هذا الموقوف أصح من المرفوع؛ فهو مخالف له في المتن
أيضاً، فإنه ذكر: (الأذن) ... مكان: (الخاصرة) .
6140 - (مِنَ السعادةِ: العطاسُ عند الدعاء) .
ضعيف.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/35) من طريق محمد بن
معروف أبي عبد الله: نا محمد بن أمية السَّاوي: نا محمد بن عبدربه عن(13/324)
سليمان بن عبد الله عن إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذ كره. وقال:
"هذا إسناد فيه ضعف ".
قلت: وأظن أنه يشير أن علته جهالة محمد بن معروف هذا؛ فقد ذكر الحافظ
في ترجمته من "اللسان ":
"قال البيهقي في "المدخل ": حديثه خطأ، والحمل فيه عليه؛ فإنه ليس
بالمعروف".
قلت: ونحوه محمد بن عبدربه عن سليمان بن عبد الله؛ فإني لم أعرفهما.
والله أعلم.
وقد أقر السيوطي في "اللآلي" (2/288) البيهقيَّ على تضعيف سنده،
ولكنه ساق له طريقاً أخرى من رواية أبي نعيم: حدثنا الطبراني: حدثنا القاسم
ابن محمد الدلال: حدثنا إبراهيم بن ميمون: حدثنا أبو سعيد - رجل من آل
عنبسة - عن عتبة بن طويع عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد اليَزَنِيِّ عن أبي رُهْم
قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من سعادة المرء؛ العطاس عند الدعاء".
سكت عنه السيوطي، وإسناده مظلم، وفيه علل:
الأولى: أبو رهم - واسمه: أحزاب السمعي -: مختلف في صحبته، ورجح
البخاري وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم أنه تابعي؛ فالحديث مرسل.
الثانية: عتبة بن طويع: لم أجد له ترجمة.(13/325)
الثالثة: أبو سعيد العنبسي: لم أعرفه، ولم يذكره الذهبي في "كناه "، ولكنه
قال في آخر هذه الكنية: (أبو سعيد) :
" ... وعدة يجهلون؛ تركتهم ".
فلعله واحد من هؤلاء المجهولين الذين أعرض عن ذكرهم.
الرابعة: إبراهيم بن ميمون لم أجده أيضاً.
الخامسة: القاسم بن محمد الدلال: ضعفه الدارقطني، وذكره ابن حبان في
"الثقات " (9/19) ، وروى له الطبراني حديثين في "المعجم الصغير" (رقم 511
و550) ، وثلاثة أحاديث في "المعجم الأوسط " (ج2 ق1/2 - 2/1 رقم 5099 -
5101) .
6141 - (تخرج مَعَادِنُ مختلفة: مَعْدِنٌ منها قريب من الحجاز،
يأتيه من شرار الناس، يقال له: فِرعونُ، فبينما هم يعملون فيه إذ حسر
عن الذهب؛ فأعجبهم معتمله، إذ خسف به وبهم) .
موقوف ضعيف.
أخرجه الحاكم (4/458) : أخبرنا غيلان بن يزيد الدَّقَّاق
- بهمذان -: ثنا إبراهيم بن الحسين: ثنا آدم بن أبي إياس: ثنا ابن أبي ذثب عن
قَارِظ بن شيبة عن أبي غطفان قال: سمعت عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
يقول: ... فذكره موقوفاً. وقال:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
وأقول: رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير غيلان بن يزيد الدقاق، فلم أعرفه،
فإن ثبتت عدالته وحفظه لما يرويه، أو توبع من ثقة؛ فالسند صحيح، وإبراهيم بن
الحسين - هو: ابن ديزيل المعروف بـ: (دابة عفان) ، وهو - ثقة حافظ، مترجم في(13/326)
"تذكرة الحفاظ "، وبأوسع منها في "سير أعلام النبلاء".
ومن فوقه من رجال "التهذيب ".
ويبقى النظر في متنه الموقوف، هل هو في حكم المرفوع أم لا؟ ورأيي أن الأمر
محتمل، ولكن فيه نكارة من ناحيتين:
الأولى: أنه قد صحَ مختصراً من حديث ابن عمر وغيره، وهو مخرج في
" الصحيحة " (4/ 506/ 1885) .
والآخر: أن الخسف المذكور فيه يخالف قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، يقتتل الناس
عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا
الذي أنجو".
أخرجه مسلم (8/174) ، وابن ماجه (4046) ، وابن حبان (6656 - 6660) ،
وأحمد (2/306 و 332) من حديث أبي هريرة.
والبخاري (7119) ، وأبو داود (4313 و 4314) من طريق أخرى عن أبي
هريرة ... مختصراً نحوه؛ دون جملة الاقتتال، وزادا - وهو رواية لمسلم -:
" فمن حضره؛ فلا يأخذ منه شيئاً ".
ثم أخرجه مسلم وأحمد (5/139 و 140) ، والطبراني (1/168/ 537) ، وابن
حبان أيضاً (6661) من حديث أبي بن كعب ... مرفوعاً نحوه؛ أتم منه.
ففي هذين الحديثين الصحيحين: ذكر الاقتتال دون الخسف، فهو منكر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(13/327)
6142 - (سألت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل لم يحُجَّ؛ أَوَيَسْتَقْرِضُ
للحجِّ؟ قال: لا) .
لا أصل له مرفوعاً.
أورده هكذا سيد سابق في كتابه "فقه السنة" (1/639
- 640) وقال:
" رواه البيهقي"!
وهذا خطأ فاحش مزدوج؛ لا أدري إذا كان من السيد، أو ممن قد يكون نقله عنه:
الأول: - وهو أسوؤهما - رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
والآخر: عزوه للبيهقي! فإنما رواه بهذا السياق موقوفاً الإمام الشافعي رحمه
الله في كتابه "الأم " فقال (2/99) :
أخبرنا سعيد بن سالم عن سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن
عبد الله بن أبي أوفى - صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:
سألته عن الرجل لم يحج؛ أيستقرض للحج؟ قال: لا.
وهكذا هو في "مسند الإمام الشافعي " (ص 38) و"ترتيب مسند الشافعي
والسنن" للبنا الساعاتي (1/ 284) .
فأقول: والظاهر أن الناقل أو السيّد توهه أن ضمير؛ (أنه قال) يعود إلى ابن
أبي أوفى! وأن ضمير: (سألته) يعود إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكور في الجملة المعترضة،
وكل ذلك خطأ، ولو أن الرواية كانت بدونها - هكذا: (عن طارق بن عبد الرحمن
عن عبد الله بن أبي أوفى أنه قال ... ) -؛ لم يقع الوهم إن شاء الله تعالى.
ثم إن رجال إسناد الشافعي ثقات رجال الشيخين؛ غير سعيد بن سالم - وهو
القداح -: قال الحافظ:(13/328)
"صدوق يهم".
قلت: وقد تابعه وكيع فقال: عن سفيان عن طارق قال: سمعت ابن أبي
أوفى يسأل عن الرجل يستقرض ويحج؛ قال:
"يسترزق الله، ولا يستقرض. قال: وكنا نقول: لا يستقرض إلا أن يكون له
وفاءً ".
أخرجه البيهقي (4/333/) وإسناده صحيح ومتنه أتم، فتأمل أيها القارئ كم
الفرق بينه وبين اللفظ الذي عزاه السيّد إليه، مع اتفاق اللفظين على إيقافه على
ابن أبي أوفى، فيا له من خطأ ما أفحشه!!
ولقد افترضت قبل هذا التحقيق أن يكون رفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "فقه
السنة" من الأخطاء المطبعية في الطبعة التي نقلت منها (دار الكتاب العربي - دون
تأريخ) فرجعت - احتياطأ - إلى طبعة قديمة سنة (1382 هـ) : مطبعة الاستقامة،
فرأيت الخطأ فيها بعينه. والله المستعان.
6143 - (حُمَّى يوم كفَّارةُ سَنَةٍ للذنوب، وحمى يومين كفارة
سنتين، وحمى ثلاثة أيام كفارة ثلاثِ سنين) .
موضوع.
أخرجه تمام في "الفوائد" (ق 199/ 1 - 2) عن سليمان بن داود عن
الحسين بن علوان الكلبي: ثنا عمرو بن خالد - مولى بني هاشم - عن أبي هاشم
عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد موضوع مسلسل بالكذابين والوضاعين وهم:
أولاً: عمرو بن خالد وهو القرشي مولاهم، قال الذهبي في "الضعفاء":(13/329)
"كذبه أحمد والدارقطني. وقال وكيع: كان يضع الحديث ".
ثانياً: الحسين بن علوان الكلبي، قال الذهبي في "الميزان "
"قال يحيى: كذاب. وقال علي: ضعيف جداً. وقال أبو حاتم والنسائي
والدارقطني: متروك الحديث، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على هشام
وغيره وضعاً؛ لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب ".
ثالثاً: سليمان بن داود - وهو: الشاذكوني -: قال البغوي:
" رماه الأئمة بالكذب ". وقال ابن معين:
"يضع الحديث ".
وللشطر الأول شاهد من حديث ابن مسعود، ولكنه واهٍ جداً؛ لأنه من رواية
صالح بن أحمد الهروي: ثنا أحمد بن راشد الهلالي: ثنا حميد بن
عبد الرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن الحسن بن عمرو عن إبراهيم عن
الأسود عن عبد الله بن مسعود ... مرفوعاً بلفظ:
" الحمى حظ كل مؤمن من النار، وحمى ليلة يكفر خطايا سنة مُجَرَّمَة ".
أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (1/71/62) .
وفي هذا الإسناد علتان ذكرهما أخونا حمدي السلفي في تعليقه على
"المسند" وهما:
1 - صالح بن أحمد الهروي: قال أبو أحمد الحاكم:
"فيه نظر".(13/330)
2 - أحمد بن راشد: قال الذهبي في "الميزان":
"أتى بخبر باطل ... فسرد حديثاً ركيكاً فيه: " ... إذأ كانت سنة خمس
وثلاثين ومائة؛ فهي لك ولولدك، منهم السفاح ". رواه جماعة عن أحمد بن راشد؛
فهو الذي اختلقه بجهل". انظر الحديث الآتي (6145) .
قلت: فمثله مما لا يصلح الاستشهاد به، ولا الاقتصار على تضعيف حديثه
- كما فعل العراقي في "المغني " (4/288) ، وأقره العلامة الزبيدي في "شرح
الإحياء، (9/526) ! -؛ فضلاً عن السكوت عنه، وأن يقوّى بالموقوف الضعيف
الآتي كما فعل السخاوي في "المقاصد"، وقلده العجلوني في "كشف الخفاء" -،
وأسوأ من ذلك كله - أو من مساوئ ذلك - أن الزرقاني لخّص ذلك في "مختصر
المقاصد، بقوله (98/393) :
"حسن "!
وعلى العكس من ذلك؛ فقد أعل حديث ابن مسعود بما لا يقدح، وأعفلت
العلتان المذكورتان؛ فقال الزبيدي عقبه:
"وكذلك رواه الديلمي في "مسند الفردوس "، وأعله ابن طاهر بالحسن بن
صالح، وقال: تركه يحيى القطان وابن مهدي ".
قلت: كذا قال! فما أحسن؛ لأن الحسن هذا - وهو: ابن صالح بن صالح بن
حي الهمداني الثوري، وهو - ثقة ثبت من رجال مسلم، والترك الذي قيل فيه لأنه
كان يرى السيف؛ أي؛ الخروج بالسيف على أئمة الجور، قال الحافظ في "التهذيب":
"وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك؛ لما رأوه أفضى
إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر. وبمثل(13/331)
هذا الرأي لا يقدح في رجل قد ثبتت عدالته، واشتهر بالحفظ والإتقان، والورع
التام، والحسن مع ذلك لم يخرج على أحد". ثم قال الزبيدي تبعاً للسخاوي:
"وله شاهد عن أبي الدرداء موقوفاً بلفظ:
، حمى ليلة كفارة سنة".
رواه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " له من طريق عبد الملك بن عمير
عنه ... به ".
قلت: هو عند ابن أبي الدنيا فيه (ق 10/1) ، ومن طريقه البيهقي في
"الشعب " (7/1/67 9869) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر: ثنا
عبد الملك بن عمير قال: قال أبو الدرادء ... فذكره موقوفاً عليه.
سكتوا عنه أيضاً! وليس بجيد؛ فإنه - مع وقفه - له علتان أيضاً:
إحداهما: الانقطاع بين ابن عمير وأبي الدرداء؛ فإنه لم يسمع منه، بل لعله
لم يدركه؛ فإنه ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان، ومات أبو الدرداء في
أواخر خلافة عثمان - كما في "التقريب" -. ولو فرض أنه أدركه وسمع منه؛ فإن
قوله: (قال: قال أبو الدرداء) صورته صورة التعليق المشعر بأنه لم يسمعه منه، وقد
رمي بالتدليس؛ بل هو مشهور به، ذكره غير واحد - كما قال العلائي في "جامع
التحصيل، (123/ 32) -.
والأخرى: إسماعيل هذا: قال الذهبي في " المغني ":
"ضعفوه ". وقال الحافظ في "التقريب ":
"ضعيف".(13/332)
(تنبيه) : تقدم آنفاً عن الزبيدي أن حديث ابن مسعود رواه الديلمي أيضاً
في "مسند الفردوس"، ولم يذكره الحافظ في "الغرائب الملتقطة منه " لنرى إسناده،
ويغلب على الظن أنه من الطريق المتقدمة، وهو في أصله "الفردوس" (2/156/
2788) ، فقال المعلق عليه مخرجاً له:
"مجمع الزوائد (2/ 306) : رواه البزار وإسناده حسن".
قلت: وهذا التخريج خطأ من وجهين:
الأول: أن ما رواه البزار ليس من حديث ابن مسعود، وإنما من حديث عائشة.
والآخر: أنه ليس فِي حَدِيثِها الشطر الثاني فِي حَدِيثِ ابن مسعود:
" ... وحمى ليلة يكفر خطايا سنة مُجَرَّمَة".
وقد وقع في هذا الخطأ وأكبر منه الأخ حمدي السلفي في تخريجه لحديث ابن
مسعود هذا، حيث عزاه للبزار عن عائشة، والطبراني وأحمد وغيرهما عن غيرها،
وكلهم ليس عندهم الشطر الثاني المذكور؛ فراجع إن شثت تعليقه على "مسند
الشهاب " (1/71) ، وتخريجي لأحاديثهم في "الصحيحة" (1821 و 1822) .
وأسوأ من كل ما تقدم من الأخطاء والأوهام: سكوت الحافظ السخاوي
- ومقلديه كالزبيدي والعجلوني - على حديث الترجمة، مع أن فيه أولئك الكذابين
الثلاثة!
6144 - (إنَّ اللهَ لَيُكَفِّرُ عَنِ المؤمنِ خطاياه كلَّها بحُمَّى ليلة) .
منكر.
أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " (ق 68/2) : حدثنا أبو
يعقوب التميمي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني عن عبد الله بن المبارك عن(13/333)
عمر بن المغيرة الصغاني عن حوشب عن الحسن ... يرفعه. قال ابن المبارك:
"هذا من جيد الحديث ".
ورواه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/167 9866) بعد أن رواه من طريق
علي بن عبد العزيز: ثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني ... به موقوفاً: وأخبرنا أبو
سعيد ابن أبي عمرو: أنا أبو عبد الله الطالقاني ... فذكره؛ غير أنه قال: عن
الحسن رفعه قال: "إن الله ... ".
كذا وقع فيه، والظاهر أن فيه سقط؛ فلم ندر هل هو من طريق ابن أبي الدنيا
- كما أرجح - أو غيره؟ وقد رجعت إلى مصورة "الشعب " التي عندي؛ فوجدت
فيها خرماً فيه أحاديث، هذا منها!
ومدار الحديث مرفوعاً وموقوفاً على عمر بن المغيرة: قال الذهبي في "الميزان ":
"قال البخاري: منكر الحديث، مجهول ".
كذا فيه. وأقره في "اللسان ". وله ترجمة في "تاريخ ابن عساكر" (13/ 360
- 361) ، وروى عن علي بن المديني أنه قال:
"لا أعرف عمر هذا، مجهول ". وقال ابن عساكر:
"ولم يذكره البخاري في "تاريخه "، وقد كان قبله ".
ثم ذكر أنه توفي سنة ثمان وسبعين ومائة.
وأقول: لم يذكره البخاري في "التاريخ الكبير"، ولا في "التاريخ الصغير"، ولا
في "الضعفاء" المطبوع في آخر "الصغير"؛ فلعله في "التاريخ الأوسط " له. والله أعلم.
وقد أورده ابن أبي حاتم (3/1/ 136) وقال:(13/334)
"بصري وقع إلى المِصِّيصة ... سألت أبي عنه؛ فقال: شيخ ".
وأما شيخه حوشب؛ فهما اثنان بصريان، كلاهما يروي عن الحسن البصري،
أحدهما حوشب بن عقيل الجرمي، وهو ثقة. والآخر: حوشب بن مسلم الثقفي
مص لاهم، وثقه ابن حبان (6/243) وروى عنه أربعة من الثقات، ومع ذلك قال
الذهبي في " الميزان ":
" لا يدرى من هو". وله حديث آخر عن الحسن عن أبي أمامة، مضى برقم
(1802) .
ومع أن ابن عساكر توسع في ذكر شيوخ ابن المغيرة هذا؛ فلم يذكر فيهم أحد
(الحوشبين) ، كما أن المزي توسع في ذكر الرواة عنهما؛ فلم يذكر فيهم ابن المغيرة
هذا، فلم أستطع تحديد أيهما المراد هنا؟
وسواء كان هذا أو ذاك؛ فالعلة جهالة ابن المغيرة. والله أعلم.
وإن مما يرجح أن رفع الحديث - مع إرساله - خطأ على الحسن البصري: أنه روى
ابن أبي الدنيا - وعنه البيهقي (7/167/ 9867) - من طريق هشام عن الحسن قال:
كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة لما مضى من الذنوب.
ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير خالد بن خِدَاش، فمن رجال مسلم، قال
الحافظ في "التقريب":
" صدوق يخطئ ".
لكنه قد توبع. فقال الترمذي (2090) : حدثنا إسحاق بن منصور قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن هشام بن حسان ... به نحوه.(13/335)
قلت: وهذا إسناد صحيح موقوف؛ فثبت أن رفع الحديث منكر، مع مخالفته
لما قبله من الأحاديث على ضعفها؛ مما يدل على أنه لا صلة لها بالنبي المصطفى
الذي قال الله فيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} . وصدق الله إذ
يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً} .
(تنبيه) : عمر بن المغيرة الصغاني. كذا وقع في مصورة "المرض والكفارات "
بالغين المعجمة؛ وهي نسبة إلى بلاد مجتمعة وراء نهر جيحون، ووقع في
"الترغيب " (4/154) : ... " الصنعاني" بالعين المهلمة وقبلها النون، نسبة إلى
(صنعاء) وهي مدينة باليمن مشهورة، وإلى (صنعاء الشام) ، وهي قرية على باب
دمشق خربت - كما في "الأنساب " -.
قلت: ولعل الصواب في عمر هذا أنه منسوب إلى هذه القرية، وليس إلى
صاغان جيحون. والله أعلم.
6145 - (نعم يا عباس! إذا كانت سنة خمس وثلاثين ومائة؛ فهي
لك ولولدك، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي) .
باطل.
أخرجه الخطيب في "التاريخ " (1/63) من طريق جماعة من الثقات
قالوا: أنبأنا أحمد بن راشد الهلالي قال: نبأنا سعيد بن خُثيم عن حنظلة عن
طاوس عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث الهلالية قالت:
مررت بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في الحجر، فقال:
"يا أم الفضل! إنك حامل بغلام ". قالت: يا رسول الله! وكيف وقد تحالف
الفريقان أن لا يأتوا النساء؟ قال:(13/336)
"هو ما أقول لكِ، فإذا وضعتيه؛ فأتيني به ". قالت: فلما وضعته؛ أتيت به
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، وقال:
"اذهبي بأبي الخلفاء".
قالت: فأتيت العباس فأعلمته، وكان رجلاً جميلاً لباساً، فأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فلما رآه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قام إليه فقبل بين عينيه، ثم أقعده عن يمينه، ثم قال:
" هذا عمي، فمن شاء؛ فليباه بعمه ".
قالت: يا رسول الله بعضَ هذا القول، فقال:
" يا عباس! لم لا أقول هذا القول؟ وأنت عمي، وصنو أبي، وخير من أخلف
بعدي من أهلي "!
فقلت: يا رسول الله! ما شيء أخبرتني به أم الفضل عن مولودنا هذا؟ قال: ...
فذكره.
ومن طريق الخطيب رواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/ 291) وقال:
" لا يصح؛ في إسناده حنظلة: قال يحيى بن سعيد: كان قد اختلط. وقال
يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: منكر الحديث؛ يحدث بأعاجيب ".
كذا قال! وهو يعني: حنظلة بن عبد الله السدوسي؛ فإنه المجروح من هؤلاء
الأئمة، وذلك خطأ منه؛ لأنه حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي الثقة،
واللليل على ذلك أمران:
الأول: أنه المعروف بالرواية عن عطاء - وهو: ابن أبي رباح المكي - كما في
"التهذ يب " وغيره.(13/337)
والأخر: أن الطبراني رواه في "الكبير" (10/289 - 290) من طريق أخرى
عن أحمد بن رَشَتد (!) بن خثيم الهلالي ... به؛ مصرحاً بأنه حنظلة بن أبي
سفيان، وليس عنده قوله: "وخير من أخلف بعدي ... " إلى آخر الحديث، بما فيه
حديث الترجمة. وقال الهيثمي في "المجمع " (9/276) :
"رواه الطبراني، وإسناده حسن "!
كذا قال! وكأنه خفي عليه قول الحافظ الذهبي المتقدم في الحديث
(6143) : "إنه خبر باطل". واتهم به أحمد بن راشد الهلالي، لأنه رواه جماعة
عنه فقال:
"فهو الذي اختلقه بجهل ". وأقره الحافظ في "اللسان" (1/172) ، لكنه زاد
عقبه فقال:
"وذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: روى عن عمه سعيد بن خثيم
ووكيع، أكثر عليك الرازي الرواية عنه".
قلت: أورده (8/ 40) في الطبقة الرابعة الذين رووا عن أتباع التابعين، وقد
روى عنه جمع؛ كما تقدمت الإشارة إليهم، وقد ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح
والتعديلاً (1/ 1/ 51) كما وقع في "الطبراني الكبير": أحمد بن رشد ... وقال:
"روى عنه أبي، وسمع منه أيام عبيد الله بن موسى أربعة أحاديث".
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. فكأن الهيثمي اعتمد على هذا مع توثيق
ابن حبان إياه.
ثم رأيته قد عاد إلى الصواب في مكان آخر؛ ذكره بتمامه، ثم قال (5/187) :(13/338)
رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه أحمد بن راشد الهلالي وقد اتهم بهذا الحديث ".
وهو في "الأوسط " عن شيخ آخر فقال (2/292/2/9404) : حدثنا النعمان
ابن أحمد: حدثنا أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي ... به. وقال:
"لم يروه عن طاوس إلا حنظلة بن أبي سفيان (الأصل: سليمان) ، ولا عنه
إلا سعيد، تفرد به أحمد بن رشد".
وقد اغتر بتحسين الهيثمي الشيخ عبد الله الغماري المعروف باتباعه لهواه،
وأنة لم يستفد من اشتغاله بهذا العلم الشريف إلا انتصاراً لأهوائه؛ فإنه نقل
التحسين المذكور، وأقره بجهل أو تجاهل - أحلاهما مر! -، ثم علق عليه بقوله في
رسالته "إعلام النبيل بجواز التقبيل" (ص 5) :
"يؤخذ منه استحباب القيام على سبيل التعظيم لذوي المزايا الدينية"!
يعني كأمثاله؛ فمريدوه يقومون له بمثل توجيهه هذا الخاطئ، ثم ينتصب أحد
مريديه شيخاً من بعده ليقوم له مريدوه، وهكذا تُحيى البدع وتموت السنن! والله
المستعان.
وهو مع ذلك يعلم - إن شاء الله - أن الحديث - لو صح؛ - لا يدل مطلقاً على
القيام الذي استحبه؛ للفرق المعروف لغة وشرعاً بين القيام إلى الرجل - كما في
الحديث -، والقيام له تعظيماً، وهو المكروه، وليراجع من شاء بعض تعليقاتي في
هذه المسألة، ومن آخرها التعليق على كتابي الجديد "صحيح الأدب المفرد للإمام
البخاري " الأحاديث (727/945 و 748/946 و 752/977) ، وهو تحت الطبع،
وعسى أن يكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (*) .
__________
(*) وقد صدر في حياة الشيخ رحمه الله. (الناشر) .(13/339)
(تنبيهان) :
الأول: وقع في "التاريخ " - كما تقدم -: (راشد) ... وزن فاعل، وكذا في غيره
- مثل "الميزان " و "اللسان " و "المجمع" -. وفي "الطبراني الكبير" - كما رأيت -:
(رَشَد) ... وزن بلد، وكذا هو في "الأوسط " (2/292/2/9404) من طريق أخرى
عنه، وهو الصواب؛ كما في "المؤتلف والمختلف" للدارقطني (2/907) وغيره - كالمصادر
المذكورة في التعليق عليه -؛ فراجع إن شئت.
والآخر: كنت ذكرت في "الصحيحة" (1041) لأحمد بن رشد هذا حديثاً
آخر له بإسناده هذا عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ شاهداً لحديث الترجمة هناك بلفظ:
"أنت عمي وبقية آبائي والعم والد".
وإنما استشهدت به لتحسين الهيثمي لإسناده، ولشواهد ذكرتها هناك، وليس
فيه حديث الترجمة الذي هو الدال على سوء حاله - كما تقدم عن الذهبي -،
ولسكوت ابن أبي حاتم عنه. والآن؛ فقد وجب التنبيه على ذلك.
وكذلك كنت سقت له طريقاً بحديث:
"اقتدوا باللذين بعدي ... " في "الصحيحة" (1233) من رواية ابن عساكر
عنه، وقلت: "لم أعرفه ".
والآن؛ فقد تبين أنه المترجم في "الميزان " و"اللسان " باسم: (أحمد بن راشد
الهلالي) ، وأنه متهم؛ فاقتضى التنبيه!
6146 - (افتحوا على صبيانكم أوَّل كلمة بـ: (لا إله إلا الله) ، ولَقِّنوهم
عند الموت: (لا إله إلا الله) ؛ فإن من كان أول كلامه (لا إله إلا الله) ،
وآخرُ كلامه (لا إله إلا الله) ثم عاش ألف سنة؛ ما سُئِل عن ذنب واحد) .
باطل.
أخرجه البيهقي في "شُعَب الإيمان " (6/379/8649) من طريقين(13/340)
عن أبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه: نا أبو عبد الله محمد بن
محمويه بن مسلم: ثنا أبي: نا النضر بن محمد البيسكي عن سفيان الثوري
عن منصور عن إبراهيم بن مهاجر عن عكرمة عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... فذكره. وقال البيهقي:
"متن غريب، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد".
وأقول: هذا إسناد مظلم؛ من دون سفيان ثلاثتهم لم أعرفهم، كما لم أعرف
هذه النسبة: (البيسكي) ، إلا أن الذهبي أورد محمد بن محمويه هذا في "الميزان ":
"محمد بن محمويه، عن أبيه، وعنه أبو النضر محمد بن محمد الفقيه بخبر
باطل ". وأقره الحافظ في "اللسان ".
وهما يشيران إلى هذا الخبر فيما يبدو لي. والله أعلم.
وأبو النضر محمد بن محمد بن يوسف - هو: الإمام الحافظ الطُّوسي - من
شيوخ الحاكم، له ترجمة في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (15/ 490 - 492) .
6147 - (حَقُّ الولد على الوالد: أن يُحسن اسمَه، ويحسن مَوْضِعَه،
ويحسنَ أدبه) .
ضعيف جداً.
أخرجه البيهقي في "الشعب " (1/406 - 402/8667) من
طريق عبد الصمد بن النعمان: نا عبد الملك بن حسين عن عبد الملك بن عمير
عن (الأصل: ابن!) مصعب بن سعد (الأصل: شيبة!) عن عائشة عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره، وقال البيهقي:
"فيه ضعف".(13/341)
قلت: وعلته عبد الملك بن حسين، وكنيته: أبو مالك النخعي، وهو بها أشهر،
قال الذهبي في "الضعفاء":
"ضعفوه ". وقال الحافظ في "التقريب ":
"متروك ".
وعبد الصمد بن النعمان مختلف فيه: قال في "الميزان ":
" وثقه يحيى بن معين وغيره، وقال الدارقطني والنسائي: ليس بالقوي ". وقال
في "الضعفاء":
"صدوق مشهور، قال النسائي: ليس بالقوي ".
والحديث مما أورده السيوطي في "الجامع الصغير" من رواية البيهقي هذه، ولم
يَحْكِ عنه تضعيفه إياه؛ فتعقبه المناوي بقوله:
"وقد مر غير مرة أن ما يفعله المصنف من عزو الحديث لمخرجه وحذفه من
كلامه مما عقبه به من تضعيفه وبيان حاله غير صواب ".
(تنبيه) ما نقلته عن البيهقي من قوله: "فيه ضعف " ... هو الموجود في
النسخة المطبوعة في لبنان، وفي نقل المناوي عنه في "فيض القدير":
"وهو ضعيف". وأما في "التيسير" فوقع فيه:
" ... بإسناد ضعيف جداً؛ كما قال مخرجه ".
فقوله: "جداً" إن كان محفوظاً؛ فهو المناسب لما تقدم من ترك الحافظ لراويه
النخعي، وهو في ذلك تابع لبعض المتقدمين من أئمة الجرح والتعديل. والله
أعلم.(13/342)
والحديث في "الرسالة القشيرية " (ص 140) من الوجه المذكور.
وقد روي من حديث أبي هريرة وغيره نحوه. وتقدم برقم (199) و (3494) .
6148 - (لا يحل لامرأة أن تبيت ليلة حتى تَعْرِضَ نفسها على
زوجها. قيل: وما عَرْضُها نَفْسَها على زوجها؟ قال: إذا نَزَعَتْ ثيابَها
فدخلت في فراشه فأَلزَقَتَ جلدها بجلده؛ فقد عَرَضَتْ) .
باطل.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/213) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل المتناهية" (2/139/1063) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (1/409) من
طريق جعفر بن ميسرة الأشجعي عن أبيه عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال: قال رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال ابن أبي حاتم:
" قال أبي: هذا الحديث باطل ". وقال ابن الجوزي:
"لا يصح، قال ابن حبان: جعفر بن ميسرة عنده مناكير [كثيرة] ، لا تشبه
حديث الثقات، منها هذا الحديث ".
وتقدم له حديث آخر في المجلد التاسع رقم (4312) .(13/343)
6149 - (أقسم الخوف والرجاء أن لا يجتمعا في أحد في الدنيا
فَيَرَحَ ريحَ النارِ، ولا يفترِقا في أحدٍ في الدنيا؛ فَيَرَحَ ريحَ الجنة) .
منكر.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/5/1004) من طريق إبراهيم
ابن منقذ: حدثني إدريس بن يحيى عن أبي إسحاق الرباحي عن ابن أبي
مالك قال:
دخل واثلة بن الأَسْقَعِ على مريض يعوده، فقال له: كيف تجدك؟ قال(13/343)
المريض: لقد خفت الله خوفاً خشيت أن لا يقوم لي بعد نظام، ورجوت الله
رجاء، فرجائي فوق ذلك، فقال: والله! - الله أكبر -، سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقول: ... فذ كره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ وفيه علل:
الأولى: الانقطاع بين واثلة وابن أبي مالك، واسمه: خالد بن يزيد بن
عبد الرحمن بن أبي مالك: قال الحافظ في بالتقريب ":
"مات سنة (185) وحلو ابن ثمانين ".
الثانية: وهاء ابن أبي مالك هذا. قال الحافظ:
"ضعيف، مع كونه كان فقيهاً، وقد اتهمه ابن معين ".
الثالثة: أبو إسحاق الرباحي: لم أعرفه، ولم يورده السمعاني في "أنسابه " لا
في: (الرباحي) ... بالباء الموحدة، ولا في: (الرياحي) ... بالمثناة التحتية، ولا ذكره
الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى".
الرابعة: إبراهيم بن منقذ: لم أجد له ترجمة.
6150 - (أمر الله عَزَّ وَجَلَّ بعبدين إلى النار، فلما وقفَ أحدُهما
على شَفَتِها؛ التفت فقال: أما والله! إن كان ظني بك لَحَسَنٌ؟ فقال
الله عَزَّ وَجَلَّ: ردوه فأنا عند ظنك بي، فغفر له) .
منكر.
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/9/1016) من طريق جامع بن
سوادة: ثنا زياد بن يونس الحضرمي: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن
عقبة عن رجل من ولد عبادة بن الصامت عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ...
فذكره.(13/344)
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة الرجل العُبَادي الذي لم يسم.
والأخرى: جامع بن سوادة: لم يترجمه المتقدمون من الأئمة؛ كالبخاري
وابن أبي حاتم وغيرهما؛ فهو في عداد المجهولين، وذلك مما صرح به ابن الجوزي في
"الموضوعات "، فإنه ساق له حديثاً بلفظ:
"من مشى في تزويج بين اثنين حتى يجمع الله بينهما؛ أعطاه الله عَزَّ وَجَلَّ
بكل خطوة وبكل كلمة تكلم بها عبادة سنة ... " الحديث، وقال عقبه:
"حديث موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجامع بن سوادة مجهول ".
وأورده الذهبي في "الميزان " وقال:
"خبر باطل، كأنه آفته "، وقال في "الضعفاء":
"خبر كذب، كأنه وضعه ".
وتعقبه الحافظ في "اللسان " بأن الراوي عنه - علي بن محمد بن أحمد
الفقيه - غير معروف، وأن الدارقطني ساق لجامع بن سوادة حديثاً أخر، وقال:
"وجامع ضعيف ".
والحديث المشار إليه قد تقدم في المجلد الأول برقم (377) .
وقد توبع جامع هذا فِي حَدِيثِ الترجمة: فرواه الحسن بن علي بن زياد: ثنا
عبد العزيز بن عبد الله الأُوَيْسي: ثنا ابن أبي الزناد ... به نحوه؛ إلا أنه قال:
"بعبد إلى النار، فلما وقف ... " والباقي مثله.(13/345)
أخرجه البيهقي في "الشعب " أيضاً (1015) .
والأويسي هذا: ثقة من رجال البخاري، لكن الراوي عنه - الحسن بن علي
ابن زياد - هو علة هذه المتابعة؛ فقد قال الحافظ في ترجمته من "اللسان ":
"له منكرات ".
وقد روي الحديث من طرق أخرى عن ابن أبي الزناد بسنده المذكور بلفظ
آخر، تقدم تخريجه بتوسع في المجلد العاشر برقم (4590) .
وقد اختلط الأمر على المعلقين الثلاثة على "الترغيب " (4/165) ، فإن المنذري
أورده باللفظ الثاني الذي فيه: (الحسن بن علي بن زياد) ؛ فأعلّو، بجامع بن سوادة
الذي في اللفظ الأول! ولهم ومن مثل هذا الخلط الشيء الكثير.
6151 - (يُوشك أن تظهر فتنةٌ لا يُنْجِي منها إلا الله عَزَّ وَجَلَّ، أو
دعاءٌ كدعاءِ الغَرقى) .
ضعيف.
أخرجه البيهقي فى "الشعب " (2/40/114) من طريقين عن
أبي عقيل، عن يعقوب بن مظلمة عن أبيه عن أيي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:. ". فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: أبو عقيل هذا - واسمه: يحيى بن المتوكل صاحب بُهية، وهو -:
ضعيف - كما في "التقريب" -، وقال الذهبي في "الكاشف ":
"ضعفوه ".
الثائية: يعقوب بن سلمة - وهو: الليثي -: قال في "الكاشف ":(13/346)
" ليس بحجة". وقال الحافظ:
"مجهول الحال ".
الثالثة: أبوه سلمة الليثي: قال الذهبي أيضاً:
"ليس بحجة". وقال الحافظ:
"لين الحديث ".
وأرى أن الصواب أن يقال فيه: "مجهول العين "؛ لأنه لا يعرف إلا برواية ابنه
فقط عنه، وله عنه حديث آخر في التسمية على الوضوء، قد خرجته في "صحيح
أبي داود" (90) لشواهده، وقال الحافظ في آخر ترجمة سلمة:
"لا يعرف إلا في هذا الخبر"!
فكأنه لم يطلع على حديث الترجمة، أو على الأقل لم يستحضره حين قال
هذا؛ فالصواب أن يقال:
لا يعرف إلا برواية ابنه عنه، ولهذا استصوبت أن يقال فيه ما ذكرت؛ لأن ما
قاله الذهبي والحافظ فيه لا يعبر عن السبب الذي من أجله لا يحتج به، وعن
كونه ليِّن الحديث؛ فتأمل.
والحديث قد صح موقوفاً على حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بنحوه.
أخرجه البيهقي (1115) من طريق يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم
عن همام، والحاكم (4/425) من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن
عمير، كلاهما عن حذيفة ... به. وقال الحاكم:
"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.(13/347)
6152 - (طلب الحلال مثل مقارعة الأبطال في سبيل الله، ومَنْ
بات عَيِيِّاً من طلب الحلال؛ بات والله عَزَّ وَجَلَّ عنه راضٍ) .
منكر.
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/86/1232) من طريق علي بن
عَثَّام عن رجل - أظنه قال: الحسن بيّاع الحصر، أو كما قال - عن المعتمر عن
السكن يرفعه قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مرسل أو معضل، لأن السكن هذا إما تابعي أو
تابع تابعي، لأن المعتمر - وهو: ابن سليمان بن طرخان - يروي عن التابعين
وأتباعهم؛ فالله أعلم من أيهم هو؟
ثم إنني لم أعرفه. ومثله الحسن بيّاع الحصر. على أنه لو كان معروفاً؛ فإن
علي بن عثام لم يجزم بأنه هو، وذلك مما يشعر أنه ليس من المشهورين بالرواية.
والله أعلم.(13/348)
6153 - (لا خير فيمن لا يجمعُ المال ... يصل به رحمه، ويؤدي به
عن أمانته، ويستغني به عن خَلْقِ ربِّه) .
موضوع.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (2/185) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "الموضوعات "، والبيهقي في "الشعب " (2/92/ 1251) من طريقين عن العلاء
ابن مسلمة الرَّوَّاس عن هاشم بن القاسم عن مُرَجَّى بن رجاء عن سعيد عن قتادة
عن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال ابن الجوزي:
"هذا ليس من كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إنما يروى نحوه عن الثوري، قال ابن
حبان: العلاء يروي الموضوعات على الثقات والمقلوبات، لا يحل الاحتجاج به.(13/348)
وقال أبو الفتح الأزدي: كان رجل سوء؛ لا يحل لمن عرفه أن يروي عنه. وقال
محمد بن طاهر: كان يضع الحديث ".
وتعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/ 320) ، ثم ابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/303) بما أخرجه البيهقي في الموضع المذكور من طريق شيخه الحاكم؛ أنا
أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيدلاني: ثنا الحسين بن الفضل: ثنا أبو النضر
حدثنا مرجى بن رجاء عن شعبة عن قتادة ... به. وقال البيهقي:
"كذا وجدته في (كتاب شعبة) ، وقال فيه غيره: عن أبي النضر هاشم بن
القاسم عن المرجى بن رجاء عن سعيد عن قتادة عن أنس ".
ثم ساقه من الوجه الأول، وقال عقبه:
"هكذا روي في هذا الإسناد، وقال فيه راويه: قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ولكني هبته، وإنما يروى هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب ".
ثم ساق إسناده إلى ابن المسيب موقوفاً عليه، وهو الأقرب، وإن كان فيه بكر
ابن سهل الدمياطي: ثنا عبد الله بن صالح، وكلاهما ضعيف.
وأما المرفوع: ففي الطريق الأولى ذاك المتهم - العلاء بخن مسلمة الرواس -،
وتابعه في الطريق الأخرى الحسين بن الفضل - وهو: ابن عمير البجلي الكوفي -:
قال الذهبي في "الميزان ":
" ... العلامة المفسر أبو علي نزيل نيسابور، روى عن يزيد بن هارون والكبار،
ولم أر فيه كلاماً، لكن ساق الحاكم في ترجمته مناكير عدة، فالله أعلم ".
وتعقبه الحافظ في "اللسان " بقوله:(13/349)
"ما كان لذكر هذا في هذا الكتاب معنى؛ فإنه من كبار أهل العلم والفضل ...
قال الحاكم: كان إمام عصره في معاني القرآن ... ثم ذكر شيئاً من أفراده وغرائب
حديثه، فساق له خمسة عشر حديثاً ليس فيها حديث مما ينكر [عليه] لكون سنده
ضعيفاً؛ فلا يلصق الوهم بالحسين، بل لا بد فيه من راو ضعيف غيره ... ".
قلت: وما نقله عن الحاكم قد ذكره عنه الذهبي نفسه في "سيرأعلام
النبلاء" (13/414 - 415) ، ثم ختم ترجمته بقوله:
"ثمَّ إِنَّ الحَاكِم سَاق فِي تَرْجَمَتِهِ بَضْعَة عشر حَدِيْثاً غَرَائِب، فِيْهَا حَدِيْث
بَاطِل رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بن مُصْعَبٍ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيْر عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ فَرَّج عَنْ مُؤْمِن كُرْبَةً؛ جَعَل الله
لَهُ يَوْم القِيَامَةِ شُعْبَتَين مِنْ نُوْرٍ عَلَى الصِّرَاط، يَسْتَضيء بِهِمَا مَنْ لاَ يُحْصِيهِم إِلاَّ
رَبّ العزَّة ".
قلت: ومحمد بن مصعب هذا فيه ضعف - كما قال الذهبي في "الكاشف " -،
وقال الحافظ:
"صدوق كثير الغلط ".
قلت: فهذا يؤيد ما تقدم عن "اللسان " أن الوهم لا ينبغي أن يلصق بالحسين
ابن الفضل، ما دام في السند من ضُعِّف!
ثم إن ظاهر قول الذهبي: " ... رواه عن محمد بن مصعب ... " ... أنه يعني:
أنه رواه الحسين عن ابن مصعب مباشرة، وهذا وإن كان تاريخ ولادة الحسين يساعد
على ذلك، فإنها كانت سنة (180) ، وكانت وفاة ابن مصعب سنة (208) ؛ فإني
أخشى أن يكون بينهما العلاء بن مسلمة الذي في الطريق الأولى. فقد رواه بعض(13/350)
الأصبهانيين عن العلاء عن ابن مصعب - كما تقدم تخريجه برقم (5312) -.
على أنني لا أدري إذا كان السند إلى الحسين بما ذكره الذهبي صحيحاً؛ فإني
أخشى أيضاً أن يكون الراوي عنه لحديث ابن مصعب هو نفس الراوي لحديث
الترجمة - وهو: أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الصيدلاني شيخ الحاكم -، فإني لم
أجد له ترجمة؛ فيكون هو علة الطريق الثانية التي بها تعقب ابن الجوزي السيوطي
وابن عراق وسكتا عنها، ولم يبينا علتها. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم رأيت السيوطي قد أقر ابن الجوزي على وضعه، فقال في "الجامع الكبير":
"رواه ابن حبان في "الضعفاء"، وابن لال، والحاكم في "تاريخه "، والبيهقي
في "الشعب " عن أنس، قال ابن حبان: لا أصل له، وأورده ابن الجوزي في
"الموضوعات "، وقال البيهقي: إنما يروى عن سعيد بن المسيب قوله ".
6154 - (أكثرُ أهلِ الجنةِ البُلْهُ) .
ضعيف.
أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 121) ، والبزار في "المسند"
(2/ 411 - الكشف) ، وابن عدي في "الكامل " (3/313) ، وعنه البيهقي في
"الشعب " (2/126/ 1367) ، وكذا ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/452/1559) ،
والبيهقي أيضاً (1368) ، وابن عساكر (12/108) ، والذهبي في "السير" (3/303)
كلهم من طريق سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال البزار وابن عدي - والعبارة له -:
"منكر بهذا الإسناد، لم يروه عن عقيل غير سلامة".
وأقره ابن الجوزي، وفال الذهبي في "الميزان" و "المغني في الضعفاء":(13/351)
"سلامة؛ قال أبو حاتم؛ يكتب حديثه، وقال أبو زرعة: منكر الحديث".
وضعفه الحافظ في "التقريب " بقوله:
"صدوق له أوهام ".
وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (8/79 و 10/264 و402) ، وقد عزاه للبزار وحده.
وروي الحديث من طريق أخرى لا يفرح بها لشدة ضعفها، تفرد بها أحمد
ابن عيسى الخشاب قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة: ثنا مصعب بن ماهان عن
الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعاً بلفظ:
"دخلت الجنة فإذا أكثر ... ".
أخرجه البيهقي (2/125/1366) ، وكذا ابن عدي (1/191) ، - وعنه ابن
الجوزي أيضاً (1558) ، وأبو بكر الكلاباذي في "مفتاح المعاني " (ق 275/ 1) ،
وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/345/2) ، وقال البيهقي:
"منكر بهذا الإسناد ". وقال ابن عدي - وتبعه ابن الجوزي والذهبي والعسقلاني -:
"باطل بهذا الإسناد، مع أحاديث أخر يرويها الخشاب عن عمرو بن أبي
سلمة بواطيل ". وقال سلمة:
"كذاب حدث بأحاديث موضوعة". وقال ابن طاهر:
"كذاب يضع الحديث ". وأعله ابن عساكر بعلة أخرى فقال:
"قال ابن شاهين: تفرد به مصعب بن ماهان ".
قلت: هذا مختلف فيه، وقد أثنى عليه أحمد خيراً، ووثقه غيره، وقال
الحافظ في "التقريب ":(13/352)
"صدوق عابد كثير الخطأ".
قلت: فإعلال الحديث بالخشاب المتهم أولى. والله أعلم.
وقد روي الحديث مرسلاً، وزاد في بعض الروايات:
"وأعلى عليين لأولي الألباب ".
وفي إسناده ضعيف، ومن لم أعرفه. وهو مخرج في تعليقي على "شرح العقيدة
الطحاوية" (ص 573 - 575) ، ورددت فيه على قول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله:
"ومجموع ما قيل فيه: أنه لا أصل له "! فراجعه إن شئت.
وكيف يصح أن يقال هذا والبزار يقول عقب الحديث:
" لو صح؛ كان له معنى". وقال الطحاوي - بعد أن ساقه بإسناده مساق
المسلمات -:
"فذكرت هذا الحديث لأحمد بن أبي عمران؟ فقال لي: معناه معنى
صحيح، فـ: (البله) المرادون فيه: هم البله عن محارم الله تعالى؛ لا من سواهم
ممن به نقص العقل بالبله "؟!
6155 - (سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ شَدَّادٌ، خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا مُسْلِمُو أَهْلِ
الْبَوَادِي؛ الَّذِينَ لا يَتَنَدُّونَ مِنْ دِمَاءِ النَّاسِ (وفي رواية: المسلمين) ،
وَلا أَمْوَالِهِمْ شَيْئاً) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/365/914) وفي "المعجم
الأوسط " (1/289/4839 - بترقيمي) و"مسند الشاميين " (2/393/1562) ، وابن(13/353)
عساكر في "تاريخ دمشق " (5/391) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن
حيان بن حجر عن أبي الغادية المزني ... مرفوعاً.
قلت: ورجال إسناده ثقات؛ غير حيان بن حجر، يبدو أنه لا يعرف إلا بهذه
الرواية؛ ففي ترجمته أخرج ابن عساكر هذا الحديث، ولم يذكر له راوياً غير
حفص هذا، وروى عن ابن أبي حاتم أنه قال:
"حيان بن حجر الدمشقي، سمعت أبي يقول ذلك ". ولم يزد!
وليس له ذكر في "الجرح والتعديل "؛ ولذلك قال الذهبي في "الميزان " - وتبعه
الحافظ في "اللسان " -:
"لا يدرى من ذا؟ ". وقال الهيثمي في "المجمع " (7/304) :
"رواه الطبراني في "الأوسط " و "الكبير"، وفيه حيان بن حجر ... ولم أعرفه،
وبقية رجاله ثقات ".
ومن طبقته حيان بن جحدر أبو السمين الطائي: قال ابن أبي حاتم:
"روى عَنْ ابْنِ عُمَرَ، روى عنه عتبة بن أبي سليمان ... قال ابن معين: ليس
به بأس ". وكذا ترجمه ابن حبان في "الثقات " (4/ 171) دون قول ابن معين، وقال:
"وقد قيل: إنه حيان بن حجر".
فالله أعلم هل هو هذا أم غيره؟
قوله: (لا يتندون) ؛ أي: لا يصيبهم من دماء المسلمين شيء - كما في الحديث
الآخر: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً، لم يتند بدم حرام؛ دخل الجنة" - وهو مخرج
في الكتاب الآخر: "الصحيحة" (2923) ، قال ابن الأثير في "النهاية":(13/354)
"أي: لم يصب منه شيئاً، ولم ينله منه شيء؛ كأنه نالته نداوة الدم وبلله ".
وقد اختلفت المصادر المتقدمة في ضبط هذه اللفظة: (يتندون) ... فوقعت
هكذا في "مسند الشاميين " و"المعجم الأوسط " و "تهذيب التاريخ " (5/ 21) ،
ووقعت في " المعجم الكبير": (يندون) ، وفي " التاريخ ": (يندهون) ، وفي مكان آخر
من طريق الطبراني: (ينتدون) ، وكذا في "الجامع الكبير" للسيوطي، لكن الواو فيه
راء: (ينتدرن) ! وعزاه لـ"طب، وابن منده وتمام، كر" ... ولعل الصواب ما أثبتنا.
6156 - (لا تقوم الساعة حتى يُجعل كتاب الله عاراً، ويكون
الإسلام غريباً، وحتى تبدو الشحناء بين الناس، وحتى يُقبض العلم،
ويتقارب الزمان، ويَنقُص عمر البشر، ويُنتقص السنونَ والثمراتُ،
ويُؤْمَنَ التُّهماء، ويُتهم الأُمَناء، ويُصدَّق الكاذب، ويُكذَّب الصادق،
ويَكثُرَ الهَرْجُ، قالوا: وما الهرج يا رسول الله!؟ قال: القتل، وحتى
تُبنى الغُرفُ فَتْطَّاول، وحتى يحزن ذوات الأولاد، وتفرح العواقر،
ويظهر البغي والحسد والشُّح، ويَهلِك الناس، ويكثُر الكذب، ويَقِلَّ
الصدق، وتختلف الأمور بين الناس، ويُتَّبع الهوى، ويُقضى بالظنِّ،
ويكثر المطر، ويَقِلَّ الثمر، ويَغِيضَ العلم غَيْضاً، ويَفيضَ الجهل فيضاً،
وحتى يكون الولدُ غليظاً، والشتاء قيظاً، وحتى يُجْهَرَ بالفحشاء،
ويُروى الأرضُ ريَّاً، ويقوم الخطباء بالكذب فيجعلون حقِّي لِشِرار
أمتي، فمن صدّقهم بذلك ورضي به؛ لم يَرَحْ رائحة الجنةِ) .
ضعيف.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/453) من طريق عبد الرحمن
ابن عمرو بن عبد الله (هو: أبو زرعة الدمشقي) : نا سليمان بن عبد الرحمن: نا(13/355)
عبد الله بن أحمد اليَحْصُبي: نا عمار بن أبي عمار عن سلمة بن تميم عن
عبد الرحمن بن غنم عن أبي موسى الأشعري ... مرفوعاً.
أورده في ترجمة سلمة بن تميم هذا، ثم روى عن أبي زرعة أنه ثقة، فالله
أعلم، فإني لم أر من ترجمه أو ذكره غير ابن عساكر، وأخشى أن يكون من أوهام
اليحصبي هذا؛ فإنه غير مشهور، ولم يترجمه أحد من أئمة الجرح والتعديل غير
العقيلي، فأورده في " الضعفاء " (2/237) وقال:
"لا يتابع على حديثه ".
ثم ساق له حديثاً بإسناده عنه؛ وقع فيه: (الحمصي) ... مكان: (اليحصبي) .
ورده الحافظ ابن عساكر بعد أن أقره على تجريحه المذكور، فقال في "التاريخ "
(8/1030) :
"كذا قال: (الحمصي) ، وأظنه صحف: (اليحصبي) بـ: (الحمصي) ".
وأقره الذهبي في "الميزان "، والحافظ في "اللسان ".
ولم يفهم هذا محقق "ضعفاء العقيلي " الدكتور القلعجي؛ فغير نسبة:
(الحمصي) إلى؛ (اليحصبي) مخالفاً بذلك ما جاء في كتب مصطلح علم الحديث
من وجوب المحافظة على الأصل، مع التنبيه في الهامش على ما هو الصواب، أو
على الأقل إذا صحح الأصل؛ أن ينبه على ما كان عليه الأصل في الحاشية، لأنه
قد يكون الأصل هو الصواب؛ فلا بد من التنبيه. وهذا من أصول التحقيق الذي
يخل به أكثر المحققين في هذه الأيام.
إذا عرفت حال اليحصبي هذا؛ فقد خالفه إسماعيل بن عياش فقال: عن
سعيد بن غنيم الكلاعي عن عبد الرحمن بن غنم ... به؛ دون قوله:(13/356)
" ويقوم الخطباء ... " إلخ.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (7/339 - 340) من طريق ابن أبي الدنيا:
حدثني الحسن بن الصباح: حدثني أبو توبة: نا إسماعيل بن عياش ... به.
أورده في ترجمة سعيد هذا - وهو: حمصي -، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً،
وكذلك صنع ابن أبي حاتم (2/ 54/1) ، وكذا البخاري قبله (2/1/505) ؛ لكن
وقع فيه: "ابن عثيم أو غنيم " على الشك، قال ابن عساكر:
"وهو غلط، وصوابه: (ابن غنيم) بلا شك ".
وكلهم لم يذكروا راوياً عنه غير ابن عياش؛ فهو مجهول، وأما ابن حبان فذكره
في "الثقات " (6/368) على قاعدته!
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" بلفظ الترجمة، وقال:
"رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وابن نصر السجزي في "الإبانة"، وابن عساكر،
ولا بأس بسنده ".
كذا قال، ولعله تبع الهيثمي الذي قال (7/324) بعد أن ساقه باللفظ الآخر
المختصر:
"رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ".
كذا قال! وفيه نظر؛ لأنه إن كان عند الطبراني من الطريق الأولى التي فيها
عبد الله بن أحمد اليحصبي؛ فهو ضعيف اتفاقاً - كما علمت -، وإن كان من طريق
ابن عياش؛ فشيخه سعيد بن غنيم: مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، ويلقى في
النفس أن هذه الطريق هي التي عناها الهيثمي، ويشير بالخلاف الذي ذكره إلى(13/357)
ابن عياش؛ فهو الذي اختلفوا فيه، لكن ذلك لا تأثير له هنا، لأنه صحيح الحديث
في روايته عن الشاميين، وهذه منها؛ فإن شيخه سعيد بن غنيم حمصي - كما
سبق -، ولولا أنه مجهول - كما عرفت -؛ لقلت كما قال السيوطي:
"لا بأس بسنده ". والله أعلم.
(تنبيه) : قوله: "ويروى الأرض رياً" ... كذا في " التاريخ "، وفي " الجامع ":
"وتزوي الأرض زياً" وكلاهما غير مفهوم. وفي رواية "التاريخ " الأخرى: "وتزول
الأرض زوالاً "، ولفظ "المجمع ": "وتروى الأرض دماً". وهو أوضحها. والله أعلم.
ثم رأيته هكذا في مكان آخر مختصراً (7/279) ، وقال:
"وفيه سليمان بن أحمد الواسطي؛ وهو ضعيف "، وسقط منه ذكر مَنْ خَرّجه.
ومن أحاديث ذاك اليحصبي الدمشقي الحديث التالي:
6157 - (لا يضمن أحدكم ضالة، ولا يردن سائلاً؛ إن كنتم تحبون
الربح والسلامة. وقال لقوم سَفْرٍ: لا يصحبنكم ضلال من هذه النِّعم) .
ضعيف.
أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/ 31) ، والطبراني في " المعجم
الكبير" (376/22/ 1 94) ، وابن عساكر في "التاريخ " (8/1029) من طرق عن
عبد الله بن أحمد الدمشقي قال: ثنا علي بن أبي علي عن الشعبي عن أبي
ريطة كرامة المذحجي قال:
كنا جلوساً عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: ... فذكره. والسياق للدولابي، ولفظ
الطبراني:
"لا يصحبنكم خلال من هذه النعم - يعني: الضوال - ولا يصحبن أحد منكم(13/358)
ضالة، ولا يردن سائلاً؛ إن كنتم تريدون الربح والسلامة، ولا يصحبنكم من الناس
إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ساحر ولا ساحرة، ولا كاهن ولا كاهنة، ولا
منجم ولا منجمة، ولا شاعر ولا شاعرة، وإن كل عذاب يريد الله أن يعذب به
أحداً من عباده؛ فإنما يبعث به إلى السماء الدنيا، فأنهاكم عن معصية الله عشاءً ".
وقال الهيثمي في "المجمع " (3/212) عقبه:
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه علي بن أبي علي اللهبي، وهو ضعيف ".
قلت: بل هو ضعيف جداً؛ قال الذهبي في "الميزان ":
"له مناكير، قاله أحمد، وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. وقال يحيى بن
معين: ليس بشيء".
وأورده في "المغني في الضعفاء"، وذكر فيه قول أبي حاتم والنسائي. فهو المعتمد.
قلت: والراوي عنه - عبد الله بن أحمد، هو: اليحصبي؛ الراوي للحديث الذي
قبله، وقد - ضعفه العقيلي - كما ذكرت هناك -.
والحديث رواه ابن منده - أيضاً - من هذا الوجه؛ كما في "الإصابة، للحافظ
ابن حجر، وسكت عنه!
وقد روي من طريقين آخرين واهيين عن الشعبي، وسيأتي برقم (6847) .
6158 - (أبعد الخلق من الله رجلان: رجل يجالس الأمراء؛ فما
قالوا من جور؛ صدقهم عليه، ومعلم الصبيان؛ لا يواسي بينهم، ولا
يراقب الله في اليتيم) .
منكر.
أخرجه ابن عساكر (9/165) من طريق أبي بكر عبد الله بن خيثمة(13/359)
ابن سليمان الأطربلسي: حدثني أبو عبد الملك أحمد بن جرير بن عبدوس
- بصور -: نا موسى بن أيوب النصيبي: نا الوليد بن مسلم: نا بكير بن معروف
الأزدي عن أبان وقتادة عن أبي أمامة الباهلي ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم؛ وفيه علل:
الأولى: عبد الله بن خيثمة هذا: في ترجمته أورد الحديث ابن عساكر، ولم
يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولا راوياً غير عبد الوهاب هذا؛ فهو مجهول.
وعبد الوهاب له ترجمة في "السير" (16/557) .
الثانية: أبو عبد الملك أحمد بن جرير: لم أجد له ترجمة.
الثالثة: الوليد بن مسلم: ثقة معروف يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح
بسماع من فوق شيخه.
الرابعة: بكير بن معروف: صدوق فيه لين - كما قال الحافظ -.
الخامسة والسادسة: أبان وقتادة، أما أبان: فالظاهر أنه ابن أبي عياش، وهو
متروك، وأما قتادة: فهو ثقة مشهور، ولكنه موصوف بالتدليس، وقد قال أحمد
وغيره:
"لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس".
وعليه: فهو منقطع؛ لو صح السند إليه، وهيهات!
6159 - (أَشَدُّ حَسَرَاتِ بني آدَمَ في الدنيا ثَلاثٍ:
1- رَجُلٌ كَانَتْ له أرض تُسقى، وله سانية يسقي عليها أرضه،
فلما اشتدَّ وأخرجت ثمرتها؛ ماتت سانيته، فيجد حسرة على سانيته(13/360)
التي قد عَلِم أنه لا يجد مثلها، ويجد حسرة على ثمرة أرضه أن تفسد
قبل أن يحتال حيلة.
2 - ورجل له فرس جواد، فلقي جمعاً من الكفار فلما دنا بعضهم
من بعض؛ انهزم أعداء الله، فسبق الرجل على فرسه، فلما كاد أن
يلحق انكسرت يد فرسه، فنزل عنده؛ يجد حسرة على فرسه أن لا
يجد مثله، ويجد حسرة على ما فاته من الظفر الذي كان أشرف عليه.
3 - ورجل كانت عنده امرأة قد رضي هيأتها ودينها، فنفست غلاما؛
فماتت بنفاسها، فيجد حسرة على امرأته؛ يظن أنه لن يصادف مثلها،
ويجد حسرة على ولده يخشى ضيعته قبل أن يجد من يرضعه. قال:
فهذه أكبر هؤلاء الحسرات) .
ضعيف.
أخرجه البزار في "مسنده " (2/157/1415 - كشف الأستار)
- والسياق له -، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/256/6879) ، و"المعجم
الأوسط " (1/289/4841 - بترقيمي) ، وابن عساكر في "التاريخ " (9/888) من
طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة ... مرفوعاً. وقال الطبراني:
"لم يروه عن قتادة إلا سعيد بن بشير".
قلت: وهو ضعيف من قبل حفظه، وجزم الحافظ في "التقريب " بضعفه.
وأما الهيثمي فحسن حديثه هذا، دون غيره: (انظر المجلد الثالث من "فهارس المجمع "
لزغلول ص 297) ، فقال الهيثمي (4/273) :
"رواه البزار، والطبراني في "الكبير" و" الأوسط "، وإسناده حسن، ليس فيه
غير سعيد بن بشير، وقد وثقه جماعة".(13/361)
كذا قال! وقد عرفت ما في سعيد، على أن ما نفاه ليس مسلّماً أيضاً؛ لأن
الحسن - وهو: البصري - اختلف في سماعه من سمرة، والراجح أنه سمع منه
بعض الأحاديث، ولكنه مدلس - كما يشهد بذلك أهل العلم منهم الهيثمي
نفسه في بعض أحاديثه (3/ 81) -، وحينئذٍ فروايته هذه تكون معللة بعلة أخرى
وهي عنعنته، فتنبه!
وللحديث طريق أخرى موصولة عن سمرة، يرويه جعفربن سعد بن سمرة
عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة بن جندب ... به نحوه.
أخرجه البزار (1416) ، والطبراني في "الكبير، (7084) ، وقال الهيثمي
(3/12) :
"رواه الطبراني في "الكبير، و"الأوسط " بنحوه، ورواه البزار، وفي بعضها:
"أَشَدُّ حَسَرَاتِ بني آدَمَ عَلَى ثَلاثٍ: رَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ ... "
فذكر نحوه باختصار، وله إسنادان؛ أحدهما حسن، ليس فيه غير سعيد بن بشير،
وقد وثق ".
قلت: اللفظ الذي عزاه للبعض: هو للطبراني في "الكبير" من الطريق الأولى،
وهي التي عنده في "الأوسط "، وحَسَّن إسناده، وفيه علتان - كما سبق بيانه -.
وأما هذه الطريق: فسكت عليها فما أحسن؛ لأنه مسلسل بالعلل:
1 - محمد بن إبراهيم بن خُبيب بن سليمان بن سمرة: وَهُوَ مَجْهُولٌ، قال
ابن حبان في "الثقات " (9/58) :
"لا يعتبر بما تفرد به ".(13/362)
2 - خبيب بن سليمان؛ قال الذهبي في "الميزان ":
"لا يعرف، وقد ضعف في جعفر بن سعد". وقال الحافظ:
"مجهول ".
وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (6/274) ، وأشار الذهبي في "الكاشف "
إلى ضعف توثيقه بقوله:
" وُثِّق ".
3 - جعفر بن سعد: قال الحافظ:
"ليس بالقوي ".
4 - سليمان بن سمرة: مجهول الحال.
6160 - (لا تقوم الساعة حتى يَكُونَ الْوَلَدُ غَيْظاً، والْمَطَرُ قَيْظاً،
ويفيض اللئام الْمَطَرُ قَيْظاً، ويغيض الكرام غيضاً، ويجترئ الصغير على
الكبير، واللئيم على الكريم) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/98/2/6573 بترقيمي) قال:
حدثنا محمد بن عبد الغني: ثنا أبي: ثنا مؤمل، عن أبي أمية بن يعلى عن أم
عيسى عن أم الضراب قالت:
توفي أبي، وتركني وأخاً لي، ولم يَدَعْ لنا مالاً، فقدم عمي من المدينة،
وأخرَجَنا إلى عائشة، فأدخلني معها في الخِدر؛ لأني كنت جارية، ولم يدخل
الغلام، فشكا عمي إليها حاجته، فأمرت لنا بفريضتين وغرارتين، ومقعدين(13/363)
وحسل (كذا، ولعله: حلس) ، ثم قالت: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ...
فذ كره. وقال:
"لا يروى إلا بهذا الإسناد، تفرد به مؤمل بن عبد الرحمن ".
قلت: وهو ضعيف؛ قال ابن أبي حماتم (4/1/375) عن أبيه:
"ليِّن الحديث، ضعيف الحديث ". وقال ابن عدي (6/ 441) :
"عامة حديثه غير محفوظ ".
وساق له أحاديث واهية - كما قال الحافظ في "التهذيب " -، ومنها:
"أمين خاتم رب العالمين ... "، وقد مضى تخريجه برقم (1487) .
وأبو أمية بن يعلى: ضعيف - كما قال ابن عدي عقب الحديث المشار إليه
آنفاً -. وفي "الميزان" و "اللسان ":
"ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا للخواص ".
إذا عرفت ما تقدم من العلتين؛ فالعجب من الهيثمي كيف لم ينبه عليهما،
واقتصر على إعلاله بمن فوقهما؟! فقال في "المجمع " (7/325) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه جماعة لم أعرفهم "!!
على أن قوله: "جماعة ... " ليس دقيقاً؛ لأن من غير المتبادر منه أنه يعني به أم
الضراب وأم عيسى فقط، وحينئذٍ فليس فيه من لا يعرف - كما يتبين لك مما سبق -،
إلا إن كان يعني شيخ الطبراني محمد بن عبد الغني؛ فإنه لا يعرف، لكن ليس من
عادته إعلال الأحاديث بشيوخ الطبراني المستورين، وأستبعد أن يعني أباه عبد الغني
- وهو: ابن عبد العزيز العسال -؛ فإنه مترجم في "التهذيب "، وقال فيه النسائي:(13/364)
"لا بأس به ". وقال الحافظ:
" صدوق ".
والحديث - قال العراقي في "تخريج الإحياء" (2/196) -:
"رواه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" من حديث عائشة، والطبراني من
حديث ابن مسعود. وإسنادهما ضعيف ".
وأقره الزبيدي في "شرح الإحياء" (6/ 260) ، وما أظن أن عزوه للطبراني من
حديث ابن مسعود إلا وهماً؛ فإني لم أره في "معجمه الكبير" -؛ لأنه المراد عند
الإطلاق -، ولا ذكره الهيثمي حيث ذكر حديث عائشة. والله سبحانه وتعالى
أعلم.
6161 - (إنَّ اللهَ أنزلَ بركاتٍ ثلاثاً: الشاةَ، والنخلةَ، والنارَ) .
ضعيف جداً.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/435/1065) :
حدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا محمد بن حميد الرازي: ثنا إبراهيم بن
المختار عن النضر بن حميد عن أبي إسحاق الهمداني عن الأصبغ بن نباتة عن
أم هاني قالت: دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
"ما لي لا أرى عندك من البركات شيئاً؟ ". فقلت: وأي بركات تريد؟ فقال: ...
فذكره.
قلت. وهذا إسناد واهٍ جداً؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: الأصبغ بن نُباتة: قال الذهبي في "الكاشف ":
"تركوه ". وقال الحافظ في "التقريب ":(13/365)
" متروك، رمي بالرفض ".
الثانية: أبو إسحاق الهمداني - هو: عمرو بن عبد الله السبيعي -: كان اختلط.
الثالثة: النضر بن حميد: قال الذهبي في "المغني ":
"قال أبو حاتم: متروك الحديث، قلت: له عن ثابت عن أنس حديث كذب،
أورده العقيلي ".
قلت: ويأتي - إن شاء الله - قريباً برقم (6164) .
الرابعة: إبراهيم بن المختار - وهو: الرازي -، قال الذهبي في "الكاشف ":
"ضغف". وقال الحافظ:
"صدوق ضعيف الحفظ ".
قلت: وقد وثقه ابن شاهين وابن حبان، وقال أبو حاتم:
"صالح الحديث".
كما كنت نقلته في "الصحيحة" تحت الحديث (1449) ؛ فهو وسط إن شاء
الله تعالى، فالعلة ممن فوقه، أو من دونه.
الخامسة: محمد بن حميد الرازي: قال في "الكاشف ":
"وثقه جماعة، والأولى تركه ". وقال الحافظ:
"حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ".
وأما الراوي عنه - الحسين بن إسحاق التستري -؛ فهو حافظ رحّال، له ترجمة
في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/57) .(13/366)
قلت: ومع هذه العلل الخمس فإن الهيثمي رحمه الله لم يعله إلا بالثالثة
منها؛ فقال:
"رواه الطبراني في "الكبير"، وفي "الأوسط " طرف منه، وفيه النضر بن
حميد، وهو متروك "!
على أن قوله هذا قد يوهم أنَّ النضر المذكور هو في إسناد "الأوسط " أيضاً،
وليس كذلك، فقد قال فيه (1/151/2844) : حدثنا إبراهيم قال: نا أبي قال: نا
أبو معاوية: نا يوسف بن صهيب عن صالح بن أبي عمرة عن أم هاني بنت أبي
طالب: دخل علي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:
"ما لي لا أرى في بيتك بركة؟ ".
قلت: وما البركة التي أنكرت من بيتي؟ قال:
"لا أرى فيه شاة". وقال:
"لم يروه عن يوسف إلا أبو معاوية، تفرد به أحمد بن عمر".
قلت: هو: الوكيعي؛ وهو ثقة من شيوخ مسلم، وسائر الرواة ثقات؛ غير صالح
ابن أبي عمرة، فلم أعرفه، ويحتمل أنه الذي في "التعجيل " مرموزأ لكونه من
رجال أحمد:
" صالح مولى وجزة، عن أم هاني. وعنه مسلم بن أبي مريم، لا يعرف. قلت:
وقع في "المسند" من طريق أبي معشر نجيح المدني عن مسلم بن أبي مريم. وذكر
عبد الله بن أحمد بعده من طريق موسى بن خلف عن عاصم بن بهدلة عن أبي
صالح عن أم هاني نحوه ".(13/367)
قلت: يشير الحافظ إلى خطأ أبي معشر؛ لضعف حفظه في قوله: "صالح
مولى وجزة" وهي في "المسند" (6/425) ، ولكن ذلك لا يستلزم خطأ من قال في
حديث الترجمة:
"صالح بن أبي عمرة"؛ لصحة السند إليه، فهو على كل حال لا يعرف. والله
أعلم.
إلا أن هذه الرواية - على ما فيها من الجهالة - هي أقرب إلى الصحة من حديث
الترجمة الواهي؛ ذلك لأن لأبي معاوية إسناداً آخر عن أم هانئ يشهد لصحتها،
فقد قال الإمام أحمد (6/424) : ثنا أبو معاوية قال: ثنا هشام بن عروة عن أبيه
عنها قالت: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اتخذوا الغنم؛ فإن فيها بركة".
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن ماجه بلفظ:
"اتخذي غنماً ... " والباقي مثله. وهو مخرج في "الصحيحة " (773) .
6162 - (ما تَلِفَ مالٌ في بَرٍّ ولا بَحْرٍ إلا بمنع الزكاة؛ فَحَرِّزوا
أموالكم بالزكاة، وداووا مَرْضَاكم بالصدقة، وادفعوا عنكم طَوَارِقَ
البلاء بالدعاء، فإن الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل ... ما نزل يكشفه،
وما لم ينزلْ يَحْبِسُه) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/801/34) ، ومن طريقه ابن عساكر
في "التاريخ " (11/522) من طريق هشام بن عمار: ثنا عراك بن خالد بن يزيد:
حدثني أبي قال: سمعت إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت رضي الله
عنه قال:(13/368)
اتي رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو قاعد في ظل الحطيم بمكة، فقيل: يا رسول الله! أُتي
على مال أبي فلان بسيف البحر فذهب، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ وفيه علتان:
الأولى: الانقطاع بين إبراهيم بن أبي عبلة وعبادة بن الصامت؛ فإن بين
وفاتيهما أكثر من مائة سنة.
والأخرى: ضعف عراك بن خالد بن يزيد - وهو: الْمُري الدمشقي -، وهو لين
- كما في "التقريب" -.
وقد أعله أبو حاتم بالعلتين كلتيهما، وقال:
"حديث منكر"؛ كما كنت ذكرته تحت الحديث (575) من رواية عمر مرفوعاً
بالشطر الأول من حديث الترجمة، وهذا القدر أخرج الأصبهاني منه في "الترغيب "
(2/ 606/ 1451) وزاد:
"فأحرزوا أموالكم بالزكاة ".
قلت: وزاد ابن عساكر فِي حَدِيثِ الترجمة؛ فقال في آخره:
وعن عبادة بن الصامت: أن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول:
6163 - (إن الله عَزَّ وَجَلَّ إذا أراد بقوم بقاءً أو نَمَاءً؛ رزقهم السَّماحة
والعَفَاف، وإذا أراد بقوم اقْتِطاعاً؛ فتح عليهم باب خِيانةٍ، ثم نَزَعَ:
{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} ) .
منكر.
فيه علتان - كما تقدم بيانه في الذي قبله -. وقد أخرجه ابن أبي حاتم
في "تفسيره/ الأنعام " (ق 69/ 1) : حدثنا أبي: ثنا هشام بن عمار ... به. وعزاه(13/369)
السيوطي في "الدر" (12/3) لأبي الشبخ أيضاً وابن مردويه. ولما ساقه ابن ابن كثير
في "تفسيره " (2/133) بإسناد ابن أبي حاتم المذكور قال:
"ورواه أحمد وغيره ".
وما أظن إلا أنه وهم في عزوه لأحمد، وغفل عن ذلك مختصره الشيخ
الصابوني، وسرق تخريجه من أصله "تفسير ابن كثير"، وأوهم القراء أنه منه! فقال
(579/1) :
"رواه ابن أبي حاتم وأحمد في (مسنده) "!!
كذا قال فض فوه، فقد جمع في هذه الجملة القصيرة عديداً من الجهالات:
1 - نسب التخريج لنفسه، فتشبع بما لم يعط فهو "كلابس ثوبي زور"؛ كما
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمثاله.
2 - نقل خطأ عزوه لأحمد دون أن يشعر به، شأن المقلد المحتطب الذي يحمل
الحطب على ظهره وفيها الأفعى وهو لا يشعر - كما روي عن الإمام الشافعي رحمه
الله -، وكان يمكنه أن يستر على نفسه؛ بأن يدع التخريج في "تفسير ابن كثير"
دون أن يقتطعه منه. وينقله إلى تعليقه! ولكنه العجب والغرور، وصدق رسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ يقول:
"ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، واعجاب كل ذي رأي برأيه ".
3 - سكت عن إسناده، وقد ساقه الحافظ تبرئة لذمته، وليتعرف منه العالم
على حاله صحة أو ضعفاً، ولكن أنى لهذا الجاهل أن يعرفه؟ فكان عليه إذ جهل
حاله ولم يبينه، أن يسوق إسناده تبرئة لذمته أيضاً.(13/370)
4 - ومن تمام جهله وغروره وتشبعه بما لم يعط: أنه زاد في التخريج الذي سرقه
قوله: "في مسنده "؛ لظنه أن عزوه لأحمد صحيح! وأنه يعني "مسنده "، ظلمات
بعضها فوق بعض. هداه الله.
6163/ م - (أُنْزِلَ القرآنُ على أربعةِ أحرفٍ: حلالٍ، وحرامٍ، لاَ
يُعذَر أحدٌ بالجهالة به، وتفسيرٍ تُفسِّرُه العرب، وتفسيرٍ تفسِّره العلماء،
ومتشابهٍ لاَ يَعلَمُه إلا اللهُ، ومَنِ ادَّعى علمه سوى اللهِ؛ فهو كاذبٌ) .
ضعيف جداً.
أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (1/36) من طريق
الكلبي عن أبي صالح مولى أم هانئ عن عبد الله بن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... فذ كره، وقال:
"في إسناده نظر".
قلت: وآفته (الكلبي) - وهو: محمد بن السائب، النسابة المفسر المشهور -:
قال الذهبي في "المغني ":
"تركوه، كذبه سليمان التيمي وزائدة وابن معين، وتركه القطان وعبد الرحمن ".
وقال الحافظ:
"متهم بالكذب، ورمي بالرفض".
وأبو صالح مولى أم هانئ، اسمه: (باذام) ، وهو ضعيف.
والحديث رواه ابن جرير من طريق أبي الزناد قال: قال ابن عباس: ... فذكره
موقوفاً نحوه. وإسناده ضعيف.(13/371)
6164 - (ما من شئ أطيب من ريح المؤمن، إن ريحه ليوجد
بالآفاق؛ وريحه عمله، وحسن الثناء عليه، وما من شئ أنتن من
ريح الكافر، وإن ريحه ليوجد بالآفاق؛ وريحه عمله، وسوء الثناء
عليه) .
كذب.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/289) من طريق النضر بن حميد
عن ثابت البناني عن أنس بن مالك ... مرفوعاً.
أورده في ترجمة النضر هذا، وروى عن البخاري أنه قال:
"منكر الحديث". وتقدم قول أبي حاتم فيه:
"متروك الحديث". وقول الذهبي في هذا الحديث:
"كذب ". فانظر الحديث المتقدم قريباً برقم (6161) .(13/372)
6165 - (من لم يَغْزُ معي فليغزُ في البحر، فإن قتال يوم في البحر
خير من قتال يومين في البر، فإن أجر الشهيد في البحر كأجر
شهيدين في البر، وإن خيار الشهداء أصحاب الأكف. قيل:
ومن أصحاب الأكف؟ قال: قوم تكفأ عليهم مراكبهم في البحر) .
ضعيف.
أخرجة ابن أبي شيبة في "المصنف " (5/314) : حدثنا وكيع عن
سعيد بن عبد العزيز عن علقمة بن شهاب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره.
وتابعه ابن المبارك عن سعيد بن عبد العزيز ... به.(13/372)
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ ثأ (798/11) من طريق سعيد بن رحمة بن
نعيم قال: سمعت ابن المبارك عن سعيد بن عبد العزيز.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (5/286/9631) عن عبد القدوس قال:
حدثنا علقمة بن شهاب القرشي ... به.
قلت:
وهذه أسانيد ضعيفة إلى علقمة بن شهاب، وبعضها أشد ضعفاً من بعض،
وأولها أحسنها حالاً؛ فإن وكيعاً أشهر من أن يذكر.
وسعيلاً. بن عبد العزيز - وهو: التنوخي الدمشقي -: قال في "التقريب":
"ثقة إمام، سوَّاه أحمد بالأوزاعي، وقدمه أبو مسهر، لكنه اختلط في آخر
أمره ".
وفي الطريق الثاني سعيد بن رحمة: قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/328) :
"لا يجوز الاحتجاج به؛ لمخالفته الأثبات في الروايات ". وأقره الحافظ في
" اللسان " - تبعاً للذهبي في " الميزان " -، وقال:
"وهو راوي كتاب الجهاد عن ابن المبارك ".
والظاهر أن هذا الحديث فيه.
وأما الطريق الثالث: فهي أوهاها؛ فإن عبد القدوس هذا - الظاهر أنه عبد القدوس
ابن شهاب الكلاعي الدمشقي - له ترجمة سيّئة في "الميزان " و"اللسان ".
مطلعها:(13/373)
"قال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: (كذاب) إلا لعبد القدوس ".
وقد رأيت أن مدار هذه الطرق على علقمة بن شهاب، وَهُوَ مَجْهُولٌ الحال،
ذكره ابن أبي حاتم (3/1/406) برواية سعيد هذا ومحفوظ بن علقمة، ولم يذكر
فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذا صنع البخاري (4/1/43) ، وأما ابن حبان فذكره في
"الثقات " (5/212) على قاعدته برواية الاثنين المذكورين، وأما البخاري فذكر:
(عفير) ... مكان: (محفوظ) .
وبالجملة فالحديث ضعيف؛ لجهالة علقمة وإرساله، وقد أعله ابن عبد البر في
"التمهيد" (1/238) بأنه منقطع الإسناد. يعني الإرسال. وقد أسنده مختصراً
عمرو بن الحصين: نا محمد بن عبد الله بن علاثة عن سعيد بن عبد العزيز عن
علقمة بن شهاب عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"من لم يدرك الغزو معي؛ فليغز في البحر".
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/227/2/8517 - بترقيمي) ، ومن
طريقه ابن عساكر وقال:
"لم يذكره في (مسند الشاميين) ". وقال الطبراني:
"لم يروه عن سعيد بن عبد العزيز إلا ابن علاثة، تفرد به عمرو بن الحصين ".
قلت: وهو متروك متهم، وقد تقدمت له أحاديث؛ فراجع فهارس أسماء الرواة
المترجم لهم من هذه "السلسلة".
(تنبيه) : لم يرد لهذا الحديث ذكر في "مجمع الزوائد"، ولا في "الجامع
الكبير"، ولا في "موسوعة أطراف الحديث" من رواية الطبراني هذه!(13/374)
6166 - (من طلب باباً من العلم ليُصلح به نفسه، أو لمن بعده؛
كتب الله له من الأجر مثل رمل عالِجٍ) .
موضوع.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (12/494) من طريق مسلمة بن
علي عن مروان عن أبان عن أنس بن مالك ... مرفوعاً.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته إما: أبان - وهو: ابن أبي عياش - أو: مسلمة بن
علي؛ فإنهما متروكان - كما قال الحافظ في "التقريب " -.
ومروان - هو: ابن معاوية الفزاري، وهو - ثقة مدلس.(13/375)
6167 - (نهى أن يَحْلِقَ الرجلُ رأسَه وهو جُنُبٌ، أو يَقْلِمَ ظُفْراً، أو
يَنْتِفَ حاجباً وهو جنبٌ) .
موضوع.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (12/532 - 533) من طريق
أبي الحسن علي بن محمد بن بلاغ - إمام الجامع بدمشق -: نا أبو بكر محمد
ابن علي المراغي: نا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي: نا
عبد الأعلى بن حماد النرسي: نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك
قال:
دخل عليَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم الجمعة، وأنا أفيض عليَّ شيئاً من الماء، فقال لي:
"يا أنس! غسلك: للجمعة أم للجنابة؟ ".
فقلت: يا رسول الله! بل للجنابة، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"يا أنس! عليك بالحنيك، والفنيك، والضاغطين، والمسين، والمنسبين،
وأصول البراجم، وأصول الشعر، واثني عشر نقباً، منها سبعة في وجهك ورأسك،(13/375)
واثنان في سفلتك، وثلاث في صدرك وسرتك، فوالذي بعثني بالحق نبياً! لو
اغتسلت بأربعة أنهار الدنيا: سيحان وجيحان، والنيل والفرات، ثم لم تنقهم؛
للقيت الله يوم القيامة وأنت جنب ".
قال أنس: فقلت: يا رسول الله! وما الحنيك، وما الفنيك وما الضاغطين
والمسين وما المنسبين؟ وما أصول البراجم؟ فأومى إليَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده: أن
الحقني، فلحقته، وأخذ بيدي، وأجلسني بين يديه، وقال لي:
"يا أنس! أما: (الحنيك) ... فلحيك الفوقاني، وأما: (الفنيك) ... ففكك
السفلاني، وأما: (الضاغطين) وهما: (المسين) ... فهما أصول أفخاذك، وأما:
(المنسبين) ... فتفريش آذانك، وأما: (أصول البراجم) ... فأصول أظافيرك،
فوالذي بعثني بالحق نبياً! لتأتي الشعرة كالبعير المربوق حتى تقف بين يدي الله
فتقول: إلهي وسيدي! خذ لي بحقي من هذا" فعندها نهى رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ...
الحديث.
ساقه ابن عساكر في ترجمة علي بن محمد بن القاسم بن بلاغ أبي الحسن
إمام جامع دمشق، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال عقبه:
"هذا الحديث منكر بمرة، لم أكتبه بوجه من الوجوه، وقد سمعت "مسند أبي
يعلى" من طريق ابن حمدان، وطريق ابن المقرئ، ولم أجد هذا الحديث فيه،
ورجاله من أبي يعلى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معروفون ثقات، ولا أدري على من الحمل فيه
أعلى المراغي أم على ابن بلاغ؟ وغالب الظن أن الآفة من المراغي ".
قلت: ولقد أحسن السيوطي في إيراد هذا الحديث في "ذيل الأحاديت
الموضوعة" (ص 100) ، وتبعه ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2/74 - 75) ، ونقلا(13/376)
كلام ابن عساكر المذكور واعتمداه؛ فإن لواثح الصنع والوضع عليه ظاهرة، وفيه
ألفاظ غريبة وركيكة. والله أعلم.
ومن الغريب حقاً أن لا يتعرض الذهبي ولا العسقلاني لذكر المراغي وحديثه
هذا، فضلاً عن ابن بلاغ في "الميزان" و"اللسان "!
(فائدة فقهية) :
ليس في الشرع ما يدل على كراهة حلق الشعر وقلم الظفر للجنب، ومن
أبواب الإمام البخاري في "صحيحه": (باب الجنب يخرج ويمثي في السوق
وغيره، وقال عطاء: يحتجم الجنب، ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه وإن لم يتوضأ) .
وأثر عطاء هذا وصله عبد الرزاق في! المصنف " (1/282/1091) بسند صحيح عنه.
ومن أحاديث البخاري: ما رواه عن أبي هريرة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيه في بعض
طريق المدينة وهو جنب، [فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد 1/75] ، فانخنست
منه (وفي رواية: فانسللت) ، فذهب فاغتسل، ثم جاء (وفي رواية: ثم جئتُ وهو
قاعد) ، فقال:
"أين كنت يا أبا هريرة!؟ ". قال: كنت جنباً؛ فكرهت أن أجالسك وأنا على
غير طهارة! فقال:
"سبحان الله [يا أبا هريرة!] ، إن المؤمن لا ينجس ".
"مختصر البخاري، (1/79/162) (*) ، ورواه مسلم وغيره، وهو مخرج في
"الإرواء" (1/193/174) .
__________
(*) وهو في طبعة مكتبة المعارف في (1/107/158) . وقوله: (وفي رواية فانسللت)
استدراك منها. (الناشر) .(13/377)
6168 - (إذا أراد الله بعبدٍ خيراً؛ علّمه هؤلاء الكلمات، ثم لم
يَنْسَهُنَّ: اللهم! إني ضعيف فقوّ في رضاك ضعفي، وذليل فأعزّني،
وفقير فاغنني وارزُقْني) .
موضوع.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (12/595) من طريق عبد الصمد
ابن النعمان: حدثني ياسين بن معاذ الزيات عن العلاء بن المسيب عن أبي داود
عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا موضوع " آفته أبو داود - وهو: نفيع بن الحارث الأعمى، وهو بكنيته
أشهر -، قال الحافظ:
"متروك، وقد كذبه ابن معين".
وقريب منه ياسين بن معاذ الزيات: قال البخاري:
"منكر الحديث". وذكره ابن حبان في "الضعفاء" وقال (3/142) :
"يروي الموضوعات عن الثقات، وكل ما وقع في نسخة ابن جريج عن أبي
الزبير من المناكير كان ذلك مما سمعه ابن جريج عن ياسين الزيات عن أبي الزبير؛
فدلس عنه ".
وعبد الصمد بن النعمان: مختلف فيه؛ فراجع إن شئت "الميزان " و "اللسان ".(13/378)
6169 - (يوشك أن يخرج ابن حمل الضأن " (ثلاث مرات) قلت:
وما حمل الضأن؟ قال: رجل أحد أبويه شيطان يملك الروم، يجيء
في ألف ألف من الناس؛ خمسمائة ألف في البر، وخمسمائة ألف في
البحر، ينزلون أرضاً يقال لها: (العميق) ، فيقول لأصحابه: إن لي في(13/378)
سفينتكم بقيّة، فيحرقها بالنار، ثم يقول لهم: لا رومية لكم ولا
قسطنطينية لكم، من شاء أن يفرَّ. ويستمد المسلمون بعضهم بعضاً،
حتى يمدهم أهل (عَدَنَ أَبْيَنَ) فيقول لهم المسلمون: الحقوا بهم
فكونوا سلاحاً واحداً، فيقتتلون شهراً واحداً، حتى يخوض في
سنابكها الدماء، وللمؤمن يومئذ كفلان من الأجر على من كان قبله،
إلا ما كان من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا كان آخر يوم من الشهر؛ قال
الله تعالى: اليوم أسل سيفي وأنصر ديني، وأنتقم من عدوي؛ فيجعل
الله لهم الدائرة عليهم، فيهزمهم الله، حتى تُستفتح القسطنطينية،
فيقول أميرهم: لا غلول اليوم، فبينا هم كذلك يقسمون بتر سهم
الذهب والفضة؛ إذ نودي فيهم: ألا إن الدجال قد خلفكم في
دياركم، فيدعون ما بأيديهم، ويقتلون الدجالَ) .
موقوف ضعيف.
أخرجه البزار في "مسنده " (4/34/3378) : حدثنا طالوت
ابن عباد: ثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال:
أتيتا عبد الله بن عمرو في بيته، وحوله سماطان من الناس، وليس على
فراشه [أحد] ، فجلست على فراشه مما يلي رجليه، فجاء رجل أحمر عظيم البطن
فجلس، فقال: من الرجل؟ قلت: عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: ومن أبو بكرة؟
قال: وما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسور اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف؟ فقال:
بلى، فرحب، ثم أنشأ يحدثنا فقال: يوشك ... الحديث موقوفاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير علي بن زيد - وهو: ابن
جدعان، - وهو ضعيف - كما تقدم مراراً -. وبقية رجاله ثقات من رجال مسلم؛(13/379)
غير طالوت بن عباد - وهو: الجَحْدَري - ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/329) ،
وقال أبو حاتم وصالح جزرة:
"صدوق". وقال الذهبي في " الميزان ":
"شيخ معمر، ليس به بأس".
وطعن فيه ابن الجوزي من غير تثبت؛ فراجع "الميزان "و"اللسان ".
وللحديث طريق أخرى عن ابن جدعان، يرويه عمر بن زرارة الحَدَثي:
حدثنا عيسى بن يونس: حدثني المبارك بن فضالة: حدثني علي بن زيد بن
جدعان ... به مطولاً جداً، وفيه بعد قوله: "من عدوي " بلفظ:
"من أعدائي، وأنصر أوليائي؛ فيقتتلون مقتلة ما رئي مثلها قط، حتى ما
تسير الخيل إلا على الخيل، وما يسير الرجل إلا على الرجل، وما يجدون خلقاً
يحول بينهم وبين القسطنطينية، ولا رومية، فيقول أميرهم يومئذٍ: لا غلول اليوم،
من أخذ اليوم شيئاً؛ فهو له. فبينما هم كذلك إذ جاءهم أن الدجال قد خلفكم
في ذراريكم، فيرفضون ما في أيديهم ويقبلون.
ويصيب الناس مجاعة شديدة حتى إن الرجل ليحرق وتر قوسه فيأكله ... "
الحديث بطوله، وفيه نزول عيسى عليه السلام، ومقاتلته للدجال واليهود،
وخروج يأجوح ومأجوج، وموت عيسى ودفنه، وبعث الريح اليمانية، ورفع القرآن من
الصدور والبيوت، وقيام الساعة.
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (14/98 - المدينة) .
قلت: وكأنه مركب من عدة أحاديث، ولعله من أوهام عمر بن زرارة الحدثي؛(13/380)
فإنه - وإن وثقه ابن حبان (8/444) وغيره؛ فقد - كانت فيه غفلة، ترجمه الخطيب
في "التاريخ " (11/202- 203) ، وروى عن صالح بن محمد الحافظ أنه قال:
"هو شيخ مغفل "، وذكر قصة. وعن الدارقطني قال فيه:
" ثقة من مدينة في الثغر يقال لها: (الحَدَث) ".
قلت: ووقع في "تاريخ ابن عساكر" و" اللسان ": (الحرثي) ... بالراء؛ وهو
تصحيف. ووقع في "ذيل الميزان" على الصواب.
والحديث - قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/319) -:
"رواه البزار موقوفاً، وفيه علي بن زيد، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله
ثقات "!
(فائدة) : لقد كان من الدواعي لتخريج هذا الحديث والكلام على إسناده
وبيان ضعفه: أن أحد الخطباء ذكر في خطبة الجمعة أول هذا الشهر (رجب سنة
1411) قطعة منه، وهي التي فيها مقاتلة المسلمين للروم "حتى ما تسير الخيل إلا
على الخيل، والرجل على الرجل ... "، وقوله: "قال الله تعالى: أسل سيفي ...
وأنتقم من عدوي، فيجعل الله لهم الدائرة عليهم، فيهزمهم الله ... "، وحمل
الحديث على الحرب الطاحنة التي شنها الأمريكان والبريطان وغيرهم - من دول
الكفر والمتحالفين معهم من الحكومات الإسلامية - على العراق، وبَشَّرَ المسلمين
بأن النصر لهم على الكفار، وتَخَرَّصَ؛ فزعم أن ذلك سيكون في الشهر المذكور
بالذات. وبلغني ذلك عن أحد المتصوفة الذين أضلهم الله على علم، ولا أدري من
هو السابق إلى هذا التخرص منهما؟!
وأنا - وإن كنت أتمنى مع كل مسلم عاقل غيور أن يتحقق النصر للمسلمين،(13/381)
وأن يرجع الكفار عن ديارهم مقهورين مهزومين بفضل رب العالمين؛ فإنني - أجد
لزاماً علي أن ألفت نظر إخواني المسلمين أن من الفتن التي أصابت كثيراً من
المسلمين: روايتهم بعض الأحاديث - أكثرها ضعيفة -، وإشاعتها على الناس في
نشرات خاصة -، حتى أوصل بعضها مَن لا علم عنده إلى المسلمين في أمريكا
وغيرها من بلاد الكفر، وسُئلت عن الكثير منها من هناك أو غيرها من مختلف
البلاد - كهذا الحديث؛ فإنه لا يجوز روايتها ونشرها بين الناس إلا بعد أن يتحققوا
من ثبوتها عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإلا؛ دخلوا في وعيد قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كذب علي
متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار".
كهذا الحديث: فإنه لا يصح - وبخاصة رواية ابن عساكر -، ولو أنه صح؛ لم
يجز تأويله وحمله على هذه الحرب؛ لأنه صريح في أنه يتحدث عن قتال سيكون
بين يدي نزول عيسى عليه السلام، وقتاله للدجال واليهود الذين يخرجون معه من
أصبهان - كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة -، فإن تأويل هذه الأحاديث
على خلاف دلالتها الظاهرة هو نوع من الكذب على قائلها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما لا يخفى
على أهل العلم -. وبهذه المناسبة أقول:
بلغني عن بعض من تصوف - بعد هدى كان عليه - أنه يصرح أن المهدي
عليه السلام على وشك الخروج في هذه الأيام، وقد سمى شهر رمضان من هذه
السنة! وهذا من تخرصاته، أو وساوس شيطانه؛ فإنه غيب لا يعلمه إلا الله. بل
هو خلاف ما تدل عليه الأحاديث الصحيحة، وما تقتضيه سنة الله الكونية التي
منها ما أفاده قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ،
وذلك أن من المعلوم أن عيسى عليه السلام ينزل عند المنارة البيضاء شرقي
دمشق، وأنه يصلي خلف المهدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا يعني أن عيسى عليه(13/382)
السلام يكون مع المؤمنين في بيت المقدس حين يحاصره الدجال، ويكون معه
سبعون ألفاً من يهود أصبهان عليهم الطيالسة، وهذا يعني: أن لا يهود يومئذٍ في
فلسطين، أو على الأقل في بيت المقدس، وهذا وذاك يعني: أن دولة اليهود يكون
المسلمون قد قضوا عليها.
وواقع المسلمين اليوم - مع الأسف - لا يوحي بأنهم يستطيعون ذلك؛ لبعدهم
عن الأخذ بالأسباب التي تؤهلهم لذلك؛ لأنهم لم ينصروا الله حتى ينصرهم،
ولذلك فلا بد لهم من الرجوع إلى دينهم؛ ليرفع الذل عنهم - كما وعدهم بذلك
نبيهم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى إذا خرج المهدي ونزل عيسى؛ وجد المسلمين مستعدين
لقيادتهم إلى ما فيه مجدهم وعزهم في الدنيا والآخرة، فعليهم أن يعملوا لذلك
كما أمر الله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ... } الآية.
(تنبيه) : قوله فِي حَدِيثِ الترجمة:
"فيقتتلون شهرأ واحداً حتى يخوض في سنابكها الدماء"، وفي رواية ابن
عساكر:
"فيقتتلون شهراً، لا يكل لهم سلاح، ولا لكم، ويقذف الصبر عليكم وعليهم ".
كذا في "تاريخ دمشق ": (الصبر) ، ووقع في "كنز العمال " (14/ 580 - صبع
مؤسسة الرسالة) و (7/259 - طبع حيدر آباد) : (الطير) ! فتأوله أحد الخطباء
الجهلة بـ: (الطائرة) التي تقذف القنابل! وهو تأويل بارد، مع ضعف الحديث.
وقد ساق الشيخ التويجري حديث ابن عساكر بطوله في كتابه "إتحاف
الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" (2/ 241 - 243) ، وسكت
عنه!(13/383)
6170 - (ما استَوْدَعَ اللهُ عبداً عَقْلاً إلا اسْتَنْقَذَهُ به يوماً ما) .
ضعيف جداً.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/148) ، وابن شاهين في
"الترغيب" (ق 295/1) ، وابن عدي في "الكامل" (1/176) من حديث أبي
حذافة أحمد بن إسماعيل السهمي: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن سلمة بن
وردان عن أنس ... مرفوعاً. وقال ابن عدي:
"لا أعرف يرويه غير أبي حذيفة هذا، وحدث عن مالك وغيره بالبواطيل ".
وقال ابن حبان:
"يأتي عن الثقات ما ليس من حديث الأثبات، حتى شهد مَنْ الحديثُ
صناعتُه أنها معلولة".
والحديث أورده أبو الفضل ابن طاهر المقدسي في "تذكرة الموضوعات"، وقال
(ص 74) :
"فيه أبو حذافة أحمد بن إسماعيل؛ منكر الحديث ".
(تنبيه) : لفظ: (عقلاً) ... هكذا وقع في كل المصادر المذكورة، إلا في الطبعة
الأولى لـ "الكامل " (1/ 180) والمصورة التي اعتمدوا عليها؛ فقد وقع فيه بلفظ:
(خلقاً) ، والظاهر أنه خطأ. والله أعلم.(13/384)
6171 - (ما يمنعكُنَّ أن تجعلن قِرْطَينِ من فضة، وتُصَفِّرْنَهُ بعَبيرٍ أو
زَعْفَرانٍ؛ فيكونَ كأنه ذهبٌ؟) .
ضعيف.
أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/31/2) قال: أخبرنا
جرير عن مُطَرِّف عن أبي الجهم عن أبي هريرة قال:(13/384)
كنت عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأتته امرأة فقالت: يا رسول الله! سواران من ذهب؟
فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"سواران من نار".
قالت: يا رسول الله! قرطان من ذهب؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"قرطان من نار".
قالت: يا رسول الله! إن المرأة إذا لم تزين لزوجها؛ صَلَفَت عنده، قال: فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي الجهم - واسمه:
سليمان بن الجهم، من رجال "التهذيب " -: ذكر في "الجرح، (2/1/104) أن
مطرفاً هذا - وهو: ابن طريف - أثنى عليه خيراً. وذكره ابن حبان في "الثقات "
(4/310) ، ووثقه العجلي أيضاً وابن عمير.
ثم تكشفت لي أن فيه علة وهي الانقطاع بينه وبين أبي هريرة؛ فقد أخرجه
النسائي وأحمد من طريق أسباط - وهو: ابن محمد القرشي مولاهم، وهو ثبت فيما
يرويه عن مطرف - فقال: عن مطرف عن أبي الجهم عن أبي زيد عن أبي هريرة.
وتابعه عند النسائي خالد عن مطرف ... به.
وخالد - هو: ابن عبد الله الواسطي - ثقة ثبت، وقد زادا في الإسناد أبا زيد؛
وَهُوَ مَجْهُولٌ، وزيادتهما مقدمة على رواية جرير - وهو: ابن عبد الحميد -؛ لثقتهما
أولاً، ولتفرده بمخالفتهما ثانياً، ولا سيما وقد قيل: إنه كان في آخر عمره يهم في
حفظه - كما قال الحافظ -، ويؤيد ذلك أنهم لم يذكروا له رواية عن أبي هريرة، وإنما
قالوا: روى عن أبي زيد صاحب أبي هريرة.(13/385)
وقد جاء حديث الترجمة من حديث أسماء بنت يزيد، وعطاء بن أبي رباح،
وليس فيهما ذكر القرطين من ذهب؛ ولذلك قلت في "آداب الزفاف " (ص 237 -
مكتبة المعارف) - عقب حديث أبي زيد هذا -:
"وقد تفرد بذكر القرطين؛ فهو منكر، ولو صح؛ لكان نصاً في تحريم أقراط
الذهب أيضاً".
والى الآن لم نجد نصاً صحيحاً في تحريم أقراط الذهب على النساء؛ فيبقى
على الأصل المؤيد بعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ... حل لإناثها".
أما السواران والطوق من الذهب: فهي محرمة عليهن، ومستثناة من الحل؛
كما استثني منه أكلهن وشربهن بآنية الذهب - كما حققته في الكتاب المذكور
وبخاصة في (مقدمته) -؛ فكن رجلاً يعرف الحق لتعرف الرجال.
6172 - (ما عَمِلَ عبدٌ ذنباً فَسَاءَهُ إلا غُفِرَ له، وإن لَمْ يَسْتَغْفِرْ منه) .
موضوع.
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/189 - 190) ، وابن عدي في
"الكامل " (2/13) عن بشر بن إبراهيم: ثنا الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن
المسيب عن عائشة ... مرفوعاً.
أورده في ترجمة بشر هذا، وقال ابن حبان:
"يضع الحديث على الثقات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح
فيه، روى عن الأوزاعي هذا وما يشبهه مما ينكره مَن الحديث صناعته ". وقال
العقيلي في"الضعفاء" (1/142) :
"روى عن الأوزاعي أحاديث موضوعة لا يتابع عليها". ثم ساق له حديثين
آخرين.(13/386)
وقال ابن عدي في أول ترجمته:
"منكر الحديث عن الثقات والأئمة". ثم ساق له ثلاثة أحاديث عن
الأوزاعي هذا أحدها، وقال عقبها:
"وهذه الأحاديث لا يرويها عنه غيره، وهي بواطيل ". ثم قال:
"وبشر هذا؛ لا أدري كيف غفل (الأصل: عقل!) من تكلم في الرجال عنه؛
فإني لم أجد فيه (الأصل: له!) كلاماً، وهو بين الضعف جداً، وهو عندي ممن
يضع الحديث على الثقات ".
قلت: ولهذا ذكر ابن طاهر هذا الحديث في "تذكرة الموضوعات " وقال
(ص 73) :
"فيه بشر بن إبراهيم البصري وهو كذاب ".
وذكره الذهبي في جملة مصائبه عن الأوزاعي.
ونحوه ثلاثة أحاديث موضوعة، لا أستبعد أن يكون سرقها بعضهم من
بعض، وقد تقدمت في المجلد الأول برقم (323 - 325) .
(تنبيه) : قوله؛ (فساءه) هكذا الرواية في كل المصادر المتقدمة إلا "الكامل "،
ومع أن معناه واضح؛ فقد وقع فيه هكذا: (فنساه) ، وهذا مما لا معنى له؛ وهو إن
دل على شيء - كما يقولون اليوم -؛ فهو يدل على أنهم ينقلون ما لا يعقلون،
وأنهم لا يحسنون قراءة ما ينقلون؛ فإن هذه اللفظة وقعت في المصورة هكذا:
(فساه) ... أي بإسقاط الهمزة! فطبعوها في الطبعات الثلاث بذلك اللفظ الذي لا
أصل له.(13/387)
6173 - (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ؛ خرقت سبع
سماوات، فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله عزوجل الى قائلها فيغفر
له، ثم يبعث الله عزوجل ملكاً، فيكتب حسناته، ويمحي سيئاته إلى
الغد من تلك الساعة) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/305) من طريق إسماعيل بن
يحيى بن عبيد الله التيمي: حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر ... مرفوعاً.
وقال:
"حديث باطل، لا يحدث به عن ابن جريج غير إسماعيل ". ثم ساق له
أحاديث أخرى باطلة، ثم قال:
"وله غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه بواطيل عن الثقات وعن الضعفاء".
قلت: وتقدمت له أحاديث تدل على سوء حاله، وأنه كذاب.
ومن طريق ابن عدي رواه ابن الجوزي في "الموضوعات " (1/243 - 244) ،
ونقل كلام ابن عدي في إبطاله، وزاد:
"وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، وما لا أصل له عن الأثبات.
وقال الدارقطني: كذاب".(13/388)
6174 - (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ؛ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ
الْجَنَّةِ إِلا الْمَوْتُ، وَمَنْ قَرَأَهَا حِينَ يأخذ مضجَعَه، أمَّنَه الله على داره
ودار جاره، والدويرات حوله) .
موضوع.
أخرجه البيهقي في (الشعب " (2/485/2395) من طريق محمد(13/388)
ابن عمرو القرشي عن نهشل بن سعيد الضبي عن أبي إسحاق الهمداني عن
حبة العُرَني قال: سمعت علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ... مرفوعاً. وقال:
"إسناده ضعيف ".
قلت: بل هو موضوع، آفته نهشل هذا؛ متهم بالوضع، ولذلك أورده ابن
الجوزي في "الموضوعات " فأصاب، وقال بعد أن ساقه من طريق البيهقي:
"لا يصح، عبد العزى (!) لا يعرف، ونهشل قد كذبه أبو داود الطيالسي وابن
راهويه، وقال الرازي والنسائي: هو متروك، وقال ابن حبان؛ لا يحل كتب حديثه
إلا على التعجب ".
وتعقبه السيوطي - كعادته! - بقول البيهقي المذكور"، ليس بشيء - كما لا
يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم -.
وقول ابن الجوزي: (وعبد العزى) ... تصحيف: (حبة العرني) ، وعلى الصواب
وقع في "اللآلي" (1/ 230) ، ولم يقع عنده ولا عند ابن الجوزي نسبة: (الضبي)
في: (نهشل) ، ولم أر من نسبه هذه النسبة؛ فلعلها محرفة من البصري، فإن
أصله منهاكما في "ضعفاء ابن حبان " (3/53) .
وحبة العرني: مختلف فيه، وفي "التقريب ":
"صدوق له أغلاط، وكان غالياً في التشيع ".
وأبو إسحاق الهمداني: - هو: عمرو بن عبد الله السَّبيعي، وكان - اختلط.
ومحمد بن عمرو القرشي: لم أعرفه، إلا أن يكون الذي في "ثقات ابن حبان "
(9/67) :(13/389)
"محمد بن عمرو (وفي نسخة: عون) بن إبراهيم القرشي، من آل جبير بن
مطعم ... روى عنه البخاري محمد بن إسماعيل ".
فهو من هذه الطبقة، وليس في "التاريخ الكبير"، ولا في "التهذيب ". والله
سبحانه وتعالى أعلم.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أورد الحديث في "تخريج الكشاف " (4/22)
من رواية البيهقي هذه وقال:
"وفي إسناده نهشل بن سعيد وهو متروك، وكذلك حبة العرني "!
كذا قال! فتأمل كم الفرق بين قوله هذا في حبة، وبين قوله عنه في بالتقريب "؟!
6175 - (مَنْ قَرَأَ في دُبُرِكُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ؛ حُفِظ إلى
الصلاة الأخرى، ولا يحافظ عليها إلا نبي أو صديق أو شهيد) .
موضوع.
أخرجه البيهقيئ أيضاً (2/458/2396) من طريق عبد الله بن
عبد الرحمن اليمامي عن سالم الخياط عن الحسن والمختار عن أنس ... مرفوعاً.
وقال:
" وهذا أيضاً إسناده ضعيف ".
قلت: بل هو أسوأ من ذلك؛ فإن سالماً هذا - وهو: ابن عبد الله - وإن كان قد
وثقه بعضهم؛ فإنه - مع كون توثيقه في نفسه لين كقول بعضهم: "ما أرى به
بأساً" - قد ضعفه الجمهور، بل قال النسائي:
"ليس بثقة". وقال ابن معين:
"لا يسوى فلساً ". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (1/342) :(13/390)
"كان ممن يقلب الأخبار، وينفرد بالمعضلات عن الثقات ".
وعبد الله بن عبد الرحمن اليمامي: لم أعرفه.
6176 - (لا تقوم الساعة حتى يتمنى أبو الخمسة أنهم أربعة، وأبو
الأربعة أنهم ثلاثة، وأبو الثلاثة أنهم اثنان، وأبو الاثنين أنهما واحد،
وأبو الواحد أنْ ليس له ولدٌ) .
منكر.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (5/187) ، وأبو عمرو الداني في "الفتن "
(ق 11/1 - 2) من طريقين عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفرعن مكحول
عن حذيفة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: الانقطاع، وبه أعله أبو نعيم فقال عقبه:
"غريب من حديث مكحول عن حذيفة، ومكحول لم يلق حذيفة؛ ففيه
إرسال ".
والأخرى: ضعف ابن لهيعة - وهو: عبد الله -: صدوق فاضل، ولكنه أصيب
بسوء الحفظ؛ إلا فيما يرويه عنه أحد العبادلة - كما سبق بيانه في غير موضع -،
وليس هذا منه.(13/391)
6177 - (يُمَيِّزُ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ وَأَصْفِيَاءَهُ، حَتَّى تَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ، [والقتالين، وأبناء القتالين، والقتالين، ويتبع الرجل يومئذٍ خمسون
امرأة، هذه تقول: يا عبد الله! استرنى، يا عبد الله! آوِني] ) .
موضوع.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/338) من طريق إسحاق بن(13/391)
أبي يحيى الكعبي عن الثوري عن منصور عن ربعي عن حذيفة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... فذكره؛ دون الزيادة التي بين المعكوفتين، وقد أشار إليها بقوله:
"فذكر حديثاً فيه طول".
قلت: وقد ساقه بطوله أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 187/ 1 - 2) ، ومنه
استدركت الزيادة، لكني لم أقف فيه على أوله؛ فإن أوراقه مشوشة الترتيب
وبعضها مفقود. والله أعلم.
وآفته الكعبي هذا: قال الذهبي:
"هالك، يأتي بالمناكير عن الأثبات ".
ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أحدها. وتقدم له حديث آخر برقم (5818) .
لكن جملة الخمسين امرأة صحيحة، جاءت في عدة أحاديث منها:
حديث أنس في (الصحيحين " (كتاب العلم) ، وأحمد (3/98 و120 و176
و202 و213 - 214 و273 و286 و289) ، وكذا الطيالسي (1984) ، والداني (ق 55/
2) ، وصححه الترمذي (2206) ، وليس عندهم: "هذه تقول: ... ".
ورواه الداني - أيضاً - من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:
"لا تقوم الساعة حتى يتبع الرجال ثلاثون امرأة، كلهم يقول: انكحني
انكحني". وإسناده ضعيف.
وفي حديث لأبي موسى الأشعري:
" ... ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة؛ يلُذن به من قلة الرجال، وكثرة
النساء".(13/392)
رواه الشيخان في أخر حديث له، وهو مخرج في "تخريج أحاديث المشكلة"
رقم (130) .
6178 - (تكون هدَّةٌ في شهر رمضان، توقِظُ النائم، وتُفزع اليقظان،
ثم تظهر عصابة في شوال، ثم تكون معمعة في ذي القعدة، ثم يُسلب
الحاج في ذي الحجة، ثم تنتهك المحارم في المُحرم، ثم يكون موت في
صَفَرٍ، ثم تتنازع القبائل في الربيع،ثم العجب كل العجب، بين
جمادى ورجب، ثم ناقة مُقْتَبَة خير من دَسْكَرةٍ، تُقِلُّ مائة ألف) .
موضوع.
أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن " (ق 160/1) ، ومن طريقه أبو
عبد الله الحاكم (4/517 - 518) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/199) قال:
حدثنا ابن وهب عن مسلمة بن علي عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة ...
مرفوعاً. وقال الحاكم:
"حديث غريب المتن، ومسلمة ظن لا تقوم به الحجة". وقال الذهبي:
"قلت: ذا موضوع، ومسلمة ساقط متروك". وقال في ترجمة مسلمة من
"الميزان ":
"هذا منكر، ومسلمة لم يدرك قتادة".
قلت: وابن حماد نفسه ضعيف، واتهمه بعضهم، وقد روي هذا الحديث
بأسانيد أخرى، لكن النسخة المصورة التي عندي سيئة جداً لا يمكن قراءتها في
النصف الأول منها إلا بصعوبة.
وقد ساقها السيوطي في "اللآلي " (2/387 - 388) ، وكلها معلولة، بعضها(13/393)
مطول، وبعضها مختصر، وأطولها من حديث ابن مسعود، وقد سكت عنه - مع
أنه لم يسق سنده لننظر فيه -! وعزاه في "كنز العمال " (14/569/39627) لـ
(نعيم، ك) ، وعزوه لـ (ك) أظنه وهماً لعله من الناسخ أو الطابع. والله أعلم.
وقد روي من طريقين آخرين عن أبي هريرة:
الأولى: عن علي بن الحسين الموصلي قال: حدثنا عنبسة بن أبي صغيرة
الهمداني عن الأوزاعي قال: حدثني عبد الواحد بن قيس قال: سمعت أبا
هريرة قال: ... فذكره بنحوه، دون قوله: "ثم يكون موت في صفر"، وزاد:
"وهو عند انقطاع ملك هؤلاء". قالوا: يا رسول الله! من هم؟ قال:
"الذين يكونون في ذلك الزمان ".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/2) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات "
(3/ 190 - 191) ، وقال العقيلي:
"ليس لهذا الحديث أصل من حديث ثقة، ولا من وجه يثبت ".
قلت: أورده في ترجمة عبد الواحد بن قيس هذا، وروى عن يحيى بن سعيد
أنه قال فيه:
"كان شبه لا شيء".
قلت: هو مختلف فيه؛ فقد وثقه ابن معين وغيره، وضعفه آخرون، ولذا قال
الحافظ في "التقريب":
"صدوق له أوهام ومراسيل ".
وأما الذهبي فقد جزم بضعفه؛ فإنه أورده في "المغني في الضعفاء"، واعتمد(13/394)
فيه على قول يحيى بن سعيد المتقدم، وقال في "الكاشف ":
"منكر الحديث ".
ومع ذلك كله فقد انتقد في "ميزانه" العقيلي؛ لأنه ساق في ترجمته هذا
الحديث فقال:
"قلت: هذا كذب على الأوزاعي، فأساء العقيلي في كونه ساق هذا في ترجمة
عبد الواحد، وهو بريء منه، وهو لم يلق أبا هريرة؛ إنما روايته عنه مرسلة ... ". ثم
حكى الخلاف فيه.
وبه أعل ابن الجوزي الحديث، فقال:
"هذا، موضوع على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ".
ثم ذكر قول يحيى في عبد الواحد، وقول العقيلي في الحديث، وأنه لا أصل
له، ولم يُبد له علة أخرى، وقد عرفت من كلام الذهبي المتقدم أنه منقطع بين
عبد الواحد وأبي هريرة. وهو الذي جزم به غير واحد من المتقدمين، مع أنه قد
صرح بسماعه منه في هذا الحديث - كما رأيت -! وفي ذلك دليل واضح على
عدم اعتمادهم عليه في ذلك، وذلك يعود إما إلى عبد الواحد نفسه " لأنه لا يوثق
بحفظه، وإما إلى وهم أحد رجال إسناده عليه - وهذا محتمل -، فإن اللذين دون
الأوزاعي لم أجد لهما ترجمة.
والطريق الأخرى: عن نوح بن قيس قال: نا البختري بن عبد الحميد عن
شهر بن حوشب عن أبي هريرة ... مرفوعاً؛ مختصراً بلفظ:
"في شهر رمضان الصوت، وفي ذي القعدة تميز القبائل، وفي ذي الحجة
يسلب الحاج".(13/395)
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/31/508) وقال:
"لم يروه عن شهر إلا البختري، تفرد به نوح بن قيس ".
قلت: هو ثقة من رجال مسلم، وإنما العلة ممن فوقه، فالبختري بن عبد الحميد:
لم أجد له ترجمة، وقد خولف - كما يأتي -.
وشهر: ضعيف لسوء حفظه.
وبهما أعله الهيثمي، فقال في "المجمع" (7/ 310) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه شهر بن حوشب، وفيه ضعف. والبختري
ابن عبد الحميد: لم أعرفه". وقال ابن الجوزي عقب الطريق الأولى:
"وروى إسماعيل بن عياش عن ليث عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة
موقوفاً ... " فذكره مختصراً نحوه، وقال:
"وإسماعيل وليث وشهر: فثلاثتهم ضعفاء مجروحون ".
وخالفهم سلمة بن أبي سلمة القرشي عن شهر بن حوشب قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره؛ نحو رواية البختري، وزاد:
"وتكون ملحمة بـ (منى) ، يكثر فيها القتل، وتسيل فيها الدماء، حتى
تسيل دماؤهم على الجمرة، حتى يهرب صاحبهم، فيؤتى بين الركن والمقام
فيبايع وهو كاره، ويقال له: إن أبيت؛ ضربنا عنقك. يوضى به ساكن السماء
وساكن الأرض ".
أخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 84/2) من طريق علي بن معبد:
حدثنا خالد بن سلام عن عنبسة القرشي عن سلمة بن أبي سلمة القرشي.(13/396)
قلت: وسلمة هذا: لا بأس به - كما قال ابن أبي حاتم (1/2/1/164) عن
أبيه -.
وخالد بن سلام: ذكره ابن أبي حاتم (1/2/336) برواية اثنين آخرين عنه،
ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما عنبسة القرشي: فيغلب على ظني أنه عنبسة بن عبد الرحمن بن سعيد
ابن العاص القرشي الأموي؛ فإنه من هذه الطبقة، واللائق به هذا الحديث
المنكر، وهو متفق على ضعفه؛ بل قال أبو حاتم:
"متروك الحديث، كان يضع الحديث ".
ولخالد بن سلام إسناد آخر بزيادة في المتن طويلة منكرة، لا بد لي من سياقه
والكلام على إسناده في الحديث التالي:
6179 - (يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ , قَالُوا: فِي أَوَّلِهِ أَو فِي وَسَطِهِ أَو
فِي آخِرِهِ؟ قَالَ:
لا؛ بَلْ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ، إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؛
يَكُونُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يُصْعَقُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً، وَيُخْرَسُ سَبْعُونَ أَلْفاً.
وَيُعْمَى سَبْعُونَ أَلْفاً، وَيُصِمُّ سَبْعُونَ أَلْفاً. قَالُوا: فَمَنِ السَّالِمُ مِنْ أُمَّتِكَ؟
قَالَ: مَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَتَعَوَّذَ بِالسُّجُودِ، وَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِلَّهِ.
ثُمَّ يَتْبَعُهُ صَوْتٌ آخَرُ. وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ صَوْتُ جِبْرِيلَ، وَالثَّانِي
صَوْتُ الشَّيْطَانِ.
فَالصَّوْتُ فِي رَمَضَانَ، وَالمَعْمَعَةُ فِي شَوَّالٍ، وَتُمَيَّزُ الْقَبَائِلُ فِي ذِي(13/397)
الْقَعْدَةِ، وَيُغَارُ عَلَى الْحُجَّاجِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَفِي الْمُحْرِمِ، وَمَا الْمُحْرَّمُ؟
أَوَّلُهُ بَلاءٌ عَلَى أُمَّتِي، وَآخِرُهُ فَرَحٌ لأُمَّتِي، الرَّاحِلَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ
بِقَتَبِهَا يَنْجُو عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ لَهُ مِنْ دَسْكَرَةٍ تَغُلُّ مِائَةَ أَلْفٍ) .
موضوع.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/332/853) ، ومن طريقه
ابن الجوزي في "الموضوعات، (3/ 191) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا
إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن فيروز الديلمي ...
مرفوعاً. وقال ابن الجوزي:
"هذا حديث لا يصح، قال العقيلي: عبد الوهاب ليس بشيء. وقال ابن حبان:
كان يسرق الحديث؛ لا يحل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وأما
إسماعيل: فضعيف. وعبدة لم ير فيروزاً، وفيروز لم ير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد روى
هذا الحديث غلام خليل عن محمد بن إبراهيم البياضي عن يحيى بن سعيد
العطار عن أبي المهاجر عن الأوزاعي، وكلهم ضعاف في الغاية، وغلام خليل
كان يضع الحديث ".
وأقول: إسماعيل بن عياش بريء الذمة من هذا الحديث؛ لأنه ثقة في نفسه،
وصحيح الحديث في روايته عن الشاميين، وهذه منها؛ لأن الأوزاعي هو إمام أهل
الشام في زمانه، وإنما العهدة فيه على ابن الضحاك؛ فقد كان يضع الحديث - كما
قال أبو داود -، وقد أشار إلى ما ذكرت الإمام الدارقطني فقال:
"له عن إسماعيل بن عياش وغيره مقلوبات وبواطيل ". وقال الهيثمي في
" المجمع " (7/ 310) :
"رواه الطبراني، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متروك ".(13/398)
قلت: لكن قد روي من غيرطريقه؛ فرواء علي بن معبد: حدثنا خالد بن
سلام عن يحيى الدُّهني عن أبي المهاجر عن عبد الرحمن بن عمر عن عبدة بن
أبي لبابة عن ابن الديلمي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
أخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 83/2 - 84/ 1) .
قلت: وهذا إسناد لا تقوم به حجة؛ خالد بن سلام مجهول، لم يرو عنه غير
اثنين - كما تقدم في الحديث الذي قبله -.
ويحيى الدهني: لم أعرفه بهذه النسبة، وأخشى أن تكون خطأ من الناسخ؛
ولا أستبعد أن يكون يحيى هو ابن سعيد العطار المتقدم في كلام ابن الجوزي؛
لأنه هنا من روايته عن أبي المهاجر كما هناك.
فإن كان كذلك؛ فالسند ضعيف جداً، لأن يحيى بن سعيد هذا قد ضعفه
الجمهور؛ بل قال ابن حبان في "الضعفاء (3/123) :
"كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، والمعضلات عن الثقات ".
ثم قال علي بن معبد: حدثنا خالد بن سلام عن يحيى الدهني عن حجاج
عن الأحوص عن كثير بن مرة عن كعب قال: تكون في رمضان ... الحديث
نحوه.
أخرجه الداني أيضاً (ق 9/2) .
قلت: إسناد مقطوع موقوف على كعب، وخالد ويحيى عرفت حالهما،
وحجاج يحتمل أنه ابن أرطاة، وهو مدلس، والأحوص كثير، ولم يتبين لي
أيهم هو.(13/399)
6180 - (يَا أَكْثَمُ! اغْزُ مَعَ غَيْرِ قَوْمِكَ؛ يَحْسُنْ خُلُقُكَ، وَتَكْرُمْ عَلَى
رُفَقَائِكَ.
يَا أَكْثَمُ! خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ، وَخَيْرُ
الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً مِنْ قِلَّةٍ) .
باطل.
أخرجه ابن ماجه (2827) ، وابن أبي حاتم في "العلل " (2/296) ،
وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 90/ 951) ، والقضاعي في "مسند الشهاب "
(4/224/1236 و 1238) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/200 - المدينة) من
طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني: ثنا أبو سلمة العاملي (زاد القضاعي وابن
الجوزي وابن عساكر في رواية: وأبو بشر) عن الزهري عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: لأكثم بن الجون الخزاعي: ... فذكره، وقال ابن أبي حاتم:
"قال أبي: أبو سلمة العاملي متروك الحديث، كان يكذب، والحديث
باطل". وأقره الحافظ العسقلاني في "الإصابة ". وقال ابن الجوزي:
"أبو سلمة هو: الحكم بن عبد الله بن خطاف، وأبو بشر هو: الوليد بن محمد
الموقري، وكلاهما ليس بشيء، قال الدارقطني: كان الحكم يضع الحديث، وقال
يحيى: الموقري كذاب ". وقال ابن عساكر:
"وأبو بشر هذا هو عندي: الوليد بن محمد الموقري البلقاوي، وخالفه
الخبائري".
ثم ساق إسناده إلى عبد الله بن عبد الجبار الخبائري: نا الحكم بن عبد الله بن
خطاف: نا الزهري عن سعيد بن المسيب عن عائشة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:(13/400)
"يا أكثم! اغز مع قومك ... " الحديث، وزاد:
أوخير الطلائع أربعون ... ". وقال ابن عساكر:
"كذا قال: "اغز مع قومك" ... والمحفوظ: "مع غير قومك " - كما تقدم - ".
قلت: وآفة هذا الحكم بن عبد الله بن خطاف - وهو: أبو سلمة -، وقد عرفت
أنه كان يضع.
وأما الخبائري: فهو صلوق - كما في "التقريب " -.
وروي الحديث عن أكثم نفسه من طريق حُيَي بن مخمر الوصابي قال:
سمعت أبا عبد الله من أهل دمشق عنه مرفوعاً، وفيه زيادة الطلائع، وزيادة أخرى
في أخره بلفظ:
"لا ترافق المائتين ".
أخرجه البيهقي (9/157) ، وابن عساكر في "التاريخ " (19/127) في ترجمة
أبي عبد الله هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ويظهر لي أنه الذي في "الميزان "
و"اللسان ":
"أبو عبد الله الشامي عن تميم الداري، وعنه ضرار بن عمرو الملطي؛ لا يعرف ".
قلت: ومثله حيي بن مخمر الوصابي؛ فإني لم أجد له ترجمة، إلا قول ابن
ماكولا في "الإكمال " (2/582) :
"شامي روى عن أبي عبد الله الدمشقي عن أكثم بن الجون، روى حديثه أبو
يعلى الموصلي عن الوليد بن شجاع عن سعيد الزبيدي عنه".
وضبط: (حُيي) ... بضم الحاء المهملة - ويجوز كسرها - وياءين، الآخرة منهما مشددة.(13/401)
ونقله ابن عساكر عنه في آخر ترجمة أبي عبد الله هذا، وسقط منه قوله:
"عن سعيد الزبيدي عنه "؛ فلتستدرك من "الإكمال ".
ولم يفرده بترجمة في حرف الحاء، مع أنه على شرط.
وقوله في أول الحديث: "اغز مع غير قومك " مخالف لحديث:
كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه.
وهو حسن مخرج في "الصحيحة" (3116) ؛ فهو مما يؤكد بطلان الحديث.
6181 - (لَتَمْخُرَنَّ الرُّومُ الشَّامَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا إِلَّا
دِمَشْقَ وَعَمَّانَ) .
ضعيف مقطوع.
أخرجه أبو داود (5/32/4638) من طريق سعيد بن
عبد العزيز عن مكحول قال: ... فذكره.
قلت: وهذا مع كونه مقطوعأً موقوفاً على مكحول، فإنه من رواية سعيد بن
عبد العزيز، وهو مع إمامته وفضله وثقته كان قد اختلط قبل موته. وقد خالف
روايته هذه ما أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/603) من طريق أبي
الحسن - رجل من أهل الرقة - عن أبي أسماء الرحبي عن أبي هريرة قال:
"يا أهل الشام لتخرجنكم الروم منها كفراً كفراً، حتى تلحقوا بسنبك من
الأرض ... " إلخ.
ورجاله ثقات؛ غير أبي الحسن الرقي هذا، فلم أعرفه. لكن يشهد له ما
أخرجه ابن عساكرأيضاً من طريق حاتم بن حريث يرده إلى عبد الله بن عمرو بن
العاص أنه قال:(13/402)
"لتخرجنكم الروم من الشام كفراً كفراً ... ".
ورجاله ثقات؛ غير أحمد بن عبود، فلم أعرفه. ورواه بإسناده عن شريح بن
عبيد عن أبي الدرداء أنه قال: ... فذكره.
وحديث الترجمة عزاه في "كنز العمال " (14/164/38244) لابن عساكر
فقط! وقد توهم بعضهم أنه حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسأل عن صحته!
وكلام ابن الأثير يوهم ذلك؛ فإنه قال في مادة (مخر) :
"ومنه الحديث: "لتمخرن الروم الشام أربعين صباحاً" ... أراد: أنها تدخل
الشام وتخوضه، وتجوس خلاله، وتتمكن منه؛ فشبهه بمخر السفينة البحر".
فتبين من هذا التخريج أنه ليس بحديث، وأنه أثر ضعيف. والله سبحانه
وتعالى أعلم.
6182 - (مَنْ فَرَّ مِنَ اثْنَيْنِ؛ فَقَدْ فَرَّ، وَمَنْ فَرَّ مِنْ ثَلاثَةٍ؛ فَلَمْ يَفِرَّ) .
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/93/11151) عن معمر
ابن سهل: ثنا عامر بن مدرك: ثنا الحسن بن صالح عن ابن أبي نجيح عن مجاهد
عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات كلهم؛ غير عامر بن مدرك، لم يوثقه
غير ابن حبان، وقال (8/ 501) :
"ربما أخطأ".
قلت: وهذا الحديث مما أخطأ فيه؛ فرفعه مخالفاً في ذلك الثقات الذين
أوقفوه:(13/403)
أولاً: قال ابن أبي شيبة (12/537) : حدثنا وكيع قال: ثنا حسن بن صالح
عن ابن أبي ذئب عن عطاء عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال: ... فذكره موقوفاً عليه. وزاد:
"يعني: من الزحف".
وسنده صحيح على شرط مسلم.
ثانياً: قال سعيد بن منصور في "سننه " (3/2/224/2538) : نا سفيان
وإسماعيل بن إبراهيم عن ابن أبي نجيح عن عطاء ... به.
وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 240) ، والبيهقي في "السنن "
(9/76) من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة وحده.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
إذا عرفت هذا، فقول الهيثمي فِي حَدِيثِ الترجمة (5/328) :
(رواه الطبراني ورجاله ثقات "!
فهو مردود من ناحيتين:
الأولى: أن عامر بن مدرك لم يوثقه غير ابن حبان، ومع ذلك فقد ذكر:
أنه ربما أخطأ.
والأخرى: مخالفته للثقات الذين أوقفوه، ومخالفته لوكيع بخاصة في إسناده؛
فإنه جعل: (شيخ الحسن بن صالح) - وهو: ابن حي -: (ابن أبي ذئب عن عطاء) .
وذاك جعله: (ابن أبي نجيح) عن مجاهد!!
وأما معمر بن سهل: فقال ابن حبان (9/196) :
"شيخ متقن يغرب ".(13/404)
6183 - (الحَوَامِيمُ سبع، وأبواب جهنم سبع، تجيء كل (حم)
منها تقف على باب من هذه الأبواب، فتقول: اللهم! لا تدخل من
هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني) .
ضعيف.
أخرجه البيهقي في "الشعب " (2/485/2479) من طريق معمر
عن الخليل بن مرة:
أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لا ينام حتى يقرأ: {تبارك} و: {حم السجدة} ،
وقال: ... فذ كره. وقال:
"إسناد منقطع ".
قلت: ويعني: معضل؛ فإن الخليل هذا تابع تابعي مات سنة (160) ، ومع
ذلك فهو ضعيف - كما في "التقريب " -؛ بل قال فيه البخاري:
"منكر الحديث ".
وجملة: "كان لا ينام حتى ... " قد صحت من حديث جابر رضي الله عنه
لكن بلفظ:
" (الم) السجدة".
وهو مخرج في "الصحيحة" (585) وغيره.(13/405)
6184 - (خيركم خيركم لنسائه وبناته) .
موضوع بذكر (البنات) .
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/266) ، والبيهقي
في "الشعب " (6/415/8720) من طريق عبيد الله بن سعيد بن كثيربن عفير:
حدثني أبي عن الليث بن سعد عن زيد بن أسلم عن يزيد بن عياض بن جعدبة:(13/405)
أنه سمع ابن السباق يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره. وقال ابن عدي:
"زيد بن أسلم روى عن جماعة من الصحابة، وقد روى عن يزيد هذا الحديث،
إن كان محفوظاً؛ فهو من رواية الكبار عن الصغار، وليزيد غير ما ذكرت من الحديث،
وعامة ما يرويه غير محفوظ ".
وروى عن جمع من الأئمة تضعيفه، وعن البخاري أنه قال:
"منكر الحديث ".
وعن مالك أنه سئل عن ابن سمعان؟ فقال:
"كذاب ". قيل: فيزيد بن عياض؟ قال:
" أكذب وأكذب".
قلت: وعبيد الله بن سعيد بن عفير: قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/67) :
"يروي عن أبيه عن الثقات الأشياء المقلوبات، لا يشبه حديثه حديث الثقات ".
باطلة، وهو مخرج في "الصحيحة، (284 و 285) .
6185 - (الدَّجَّالُ تَلِدُه أمُّه وهي منبوذة في قبرها، فإذا ولدته
حملتِ النساءُ بالخطَّائين) .
منكر.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/11/5254 - بترقيمي) ،
وابن عدي في "الكامل، (5/ 161) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن عبد الله
ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: ذكر الدجال عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:(13/406)
"تلده أمه ... " الحديث، وقالا - واللفظ للطبراني -:
"لم يروه عن ابن طاوس إلا عثمان بن عبد الرحمن الجمحي ".
قلت: وفي ترجمته ساقه ابن عدي، وقال:
"منكر الحديث".
ثم ساق له عدة أحاديث منكرة منها هذا - كما قال الذهبي في "الميزان " -.
وفي " التهذيب ":
"قال البخاري: مجهول. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا
يحتج به". وقال الهيثمي في "المجمع " (8/2) :
"رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي، قال
البخاري: مجهول ".
وأقره الشيخ التويجري في "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط
الساعة" (2/96) ، ولكنه قال - وأفاد جزاه الله خيراً -:
" قلت: وظاهر هذا الحديث أن الدجال لا يولد إلا في آخر الزمان لقوله: "فإذا
ولدته؛ حملت النساء بالخطائين "، وهذا مخالف لما تقدم فِي حَدِيثِي عمران فيت
حصين ومعقل بن يسار رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: أن الدجال قد أكل الطعام ومشى في
الأسواق، ومخالف أيضاً لما تقدم من حديث فاطمة بنت قيس وجابر رضي الله
عنهم في خبر الجساسة والدجال؛ فإن فيه أن الدجال كان موجوداً في زمن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه كان موثقاً بالحديد في بعض جزائر البحر، والعمدة على ما تقدم لا
على هذا الحديث الضعيف. والله أعلم".(13/407)
6186 - (رحمم الله الْمُتَخَلِّلِين والْمُتَخَلِّلات) .
منكر.
أخرجه البيهقي في "الشعب " (5/126/6054 و6055) من طريق
قدامة بن محمد: حدثني إسماعيل بن شيبة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن
عباس قال: قال رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال:
"تفرد به قدامة بن محمد، عن إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة الطائفي
(الأصل: الطالع!) ، وكلاهما فيه نظر".
قلت: أما قدامة بن محمد: فمختلف فيه، وقال الحافظ:
"صدوق يخطئ ".
وأما إسماعيل بن شيبة - ويقال: إسماعيل بن إبراهيم بن شيبة -: فهو علة
الحديث عندي؛ قال العقيلي (1/83) ، وابن عدي (1/313) :
"أحاديثه مناكير، ليس منها شيء محفوظ". وفي "الميزان ":
"قال النسائي: منكر الحديث، روى عنه قدامة بن محمد. كذا في "الضعفاء"
للنسائي. قلت: يجهل ". وقال في مكان آخر:
"واهٍ ".(13/408)
6187 - (كان إذا دَخَلَ بَيْتَهُ؛ يقول: السلام علينا من ربنا؛ التحيات
الطيبات المباركات لله، سلامٌ عليكم) .
موضوع.
أخرجه البيهقي في لاشعب الإيمان " (6/445/8834) من طريق
يزيد بن عياض عن الأعرج عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ... ، وقال:(13/408)
"لا أعرفه إلا من حديث يزيد بن عياض، وليس بالقوي "!
كذا قال: وهو أسوأ مما قال بكثير - وإن أقره السيوطي في "الدرأ (5/59) -؛
فقد كذبه جمع، وقال الحافظ في "التقريب":
"كذبه مالك وغيره ".
ثم روى هو (6/446) ، وابن أبي شيبة (8/649) عن مجاهد قال:
إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد، فقل " بسم الله، والحمد لله، السلام علينا من
ربنا، السلام علينا وعلى عباده الصالحين.
وإسناده إليه صحيح؛ فهو مقطوع. وفي معناه آثار أخرى عن الحكم وإبراهيم
وعطاء وعكرمة، وليس فيها: (والحمد لله) .
وروى البخاري في "الأدب المفردة (1055) بسند حسن عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال:
إذا دخل البيت غير المسكون، فليقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ورواه ابن أبي شيبة أيضاً (8/648/5886) وحسَّن إسناده الحافظ في "الفتح "
(11/20) .
قلت: ففي هذه الآثار مشروعية السلام ممن دخل بيتاً ليس فيه أحد؛ وهو من
إفشاء السلام المأمور به في بعض الأحاديث الصحيحة، ولظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا
دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ، وقد استدل الحافظ بها وبأثر ابن عمر على
ما ذكرت، فقال عقبهما:
"فيستحب إذا لم يكن أحد في البيت؛ أن يقول: السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين".(13/409)
وأما قول: (بسم الله) - عند دخول البيت - ... فثابت من حديث جابر مرفوعاً
"إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه؛ قال الشيطان: لا
مبيت لكم ولا عشاء ... " الحديث.
أخرجه مسلم (6/108) ، والبخاري في " الأدب المفرد" (1096) وغيرهما،
وقد صرح ابن جريج بالتحديث عن أبي الزبير، وهذا كذلك عن جابر في رواية
لمسلم، وكذا الأول عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (118) .
6188 - (خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله، مَن عظّم
شهر الله رجب؛ عظم أمر الله، ومن عظم أمر الله؛ أدخله جنات النعيم،
وأوجب له رضوانه الأكبر.
وشعبان شهري، فمن عظم شعبان؛ فقد عظم أمري، ومن عظم
أمري؛ كنت له فرطاً وذخراً يوم القيامة.
وشهر رمضان شهر أمتي، فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته،
ولم ينتهكه، وصام نهاره، وقام ليله، وحفظ جوارحه؛ خرج من
رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به) .
موضوع.
أخرجه البيهقي (3/374/3813) من طريق نوح بن أبي مريم عن
زيد العمي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره،
وقال:
"هذا إسناد منكر بمرة، وقد روي عن أنس غير هذا، تركته؛ فقلبي نافر عن(13/410)
رواية المناكير التي أتوهمها، لا؛ بل أعلمها موضوعة ".
وبهذا الإسناد أخرجه البيهقي أيضاً في "فضائل الأوقات " (10/ 94) ، وقال:
"هذا منكر بمرة".
وتعقبه الحافظ في "تبيين العجب " (ص 37 - طبع المكتبة الحديثية) :
"قلت: بل هو موضوع ظاهر الوضع؛ بل هو من وضع نوح الجامع ".
قلت: كلام البيهقي في "الشعب " لا ينافي حكم الحافظ بالوضع؛ بل هو
ظاهر فيه. والله أعلم.
ثم إن في الإسناد ثلاثة ضعفاء: يزيد الرقاشي، وزيد العمي، ونوح بن أبي
مريم، وهذا أشدهم ضعفاً؛ فإنه كذاب وضاع مشهور بذلك - كما تقدم مراراً -،
وتقدمت له أحاديث.
والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية البيهقي في "الشعب "،
وقال:
"وقال: إسناده منكر"!
وكان عليه أن يذكر كلامه بتمامه؛ فإنه أدل على حال إسناده. وعزاه إلى
البيهقي في "الدر" (3/226) ولم يقل في "الشعب "، وقال:
"وقال: إنه منكر بمرة".
وهذا أقرب إلى الصواب مما ذكر في "الجامع ". والله أعلم.
6189 - (القرآنُ هو النورُ المبينُ، والذكرُ الحكيمُ، والصراطُ المستقيمُ) .
ضعيف.
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/326/1937) من طريق(13/411)
إبراهيم بن مرزوق: ثنا وهب بن جرير: ثنا أبي قال: سمعت قيس بن سعد
يحدث عن رجل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ذكره قال: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ مرسل، رجاله ثقات؛ غير إبراهيم بن مرزوق - وهو:
ابن دينار الأموي البصري -: قال الدارقطني "
"ثقة، إلا أنه كان يخطئ، فيقال له؛ فلا يرجع".
ووثقه آخرون، واعتمد الحافظ قولَ الدارقطني هذا؛ فقال في "التقريب ":
" ثقة، عمي قبل موته، وكان يخطئ ولا يرجع ".
قلت: ولعل من أخطائه قوله في هذا الإسناد: (عن رجل) ، وقوله: (في
حديث ذكره) ... فإنه يبدو لي أنه يعني بالرجل: الحارث الأعور؛ فإنه من طبقته،
ويعني بالحديث: حديث الحارث عن علي مرفوعاً بلفظ:
"إنها ستكون فتنة". قال: قلت: فما الخرج؟ قال:
"كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم ... "، وفيه: "هو حبل الله المتين، وهو الذكر
الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ... " الحديث بطوله.
أخرجه البيهقي وغيره كالترمذي وضعفه كما تقدم بيانه برقم (1776) .
قلت: فإذا ثبت أن الرجل الذي لم يسم هو الحارث الأعور؛ فيكون السند
مرسلاً وضعيفاً؛ لضعف الحارث الأعور، وهو من طبقة الرجل، وسيأتي تخريجه
مفصلاً برقم (6393) .
6190 - (مَن تكلَّم بالفارسيَّةِ؛ زادت في خُبثه، ونَقَصَتْ من مُروءته) .
موضوع.
أخرجه الحاكم (4/88) ، وابن عدي في "الكامل " (4/109) ،(13/412)
ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/ 71) من طرق عن أبي فروة يزيد بن
محمد بن يزيد بن سنان: حدثنا أبي: حدثنا طلحة بن زيد الرقي عن
الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره. وقال ابن عدي:
"حديث باطل بهذا الإسناد". ذكره في ترجمة طلحة هذا، وروى عن
البخاري أنه قال فيه:
"منكر الحديث ". ثم ساق له أحاديث أخرى وأبطلها، وقال الذهبي في
" الميزان":
"إنها موضوعة". وذكر عن ابن المديني أنه قال:
"كان طلحة بن زيد يضع الحديث ".
وأما الحاكم فسكت عنه؛ فتعقبه الذهبي في "تلخيصه " بقوله:
"قلت: ليس بصحيح، وإسناده واٍه بمرة".
وتعقبه العراقي أيضاً فقال في "محجة القرب " (ق 56/2) :
"وقد تساهل الحاكم في إيراده هذا الحديث وما يشبهه في كتاب "المستدرك
على الصحيحين "؛ فإنه حديث ضعيف جداً، وقال ابن عدي: حديث باطل،
وطلحة بن زيد، قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن
حبان: منكر الحديث جداً، لا يحل الاحتجاج به ". ولما قال ابن الجوزي في هذا
الحديث:
" موضوع "؛ تعقبه السيوطي في "اللآلي" (2/ 281) ، وابن عراق في "تنزيه
الشريعة" (2/ 291) بأن له شاهداً من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ:(13/413)
"من أحسن منكم أن يتكلم بالعربية؛ فلا يتكلمن بالفارسية؛ فإنه يورث
النفاق ".
قلت: وهذا شاهد قاصر - كما ترى -، يختلف عن حديث الترجمة لفظاً
ومعنى، هذا لو صح، فكيف وهو موضوع أيضاً؟! وقد تقدم تخريجه، وبيان علته
في المجلد الثاني برقم (523) .
ثم إن في إسناد الحديث عللاً أخرى:
1 - الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأنس؛ فإنه لم يسمع منه.
2 - محمد بن يزيد بن سنان: ليس بالقوي - كما في "التقريب " -.
وأما ابنه - أبو فروة يزيد بن محمد -: فأورده ابن أبي حاتم (4/2/288) بروايته
عن جمع، ثم قال:
"كتب إلى أبي، وإليّ ". ولم يزد! وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/276)
وقال:
"حدثنا عنه أبو عروبة، مات بـ (الرها) سنة تسع وستين ومائتين ".
قلت: أبو عروبة - اسمه: الحسين بن أبي معشر - وهو أحد الطرق المشار إليها
عنه في هذا الحديث، فهو صدوق إن شاء الله تعالى.
(تبيه) : قوله: "خبثه " هكذا وقع في "المستدرك " وفي مخطوطة "الكامل"
نسخة الظاهرية (ق 205/ 1) ، ووقع في المطبوعة منه وفي غيره: "خبه" بالخاء
المعجمة والباء الموحدة. ولعل الصواب الأول. والله أعلم.
وأما حديث: "من تكلم بالعربية؛ فهو عربي "؛ فضعيف جداً، وقد مضى
تخريجه برقم (926) .(13/414)
6191 - (هؤلاء الخُلَفاءُ مِنْ بعدي. يعني: الخلفاءَ الثلاثةَ) .
منكر.
روي من حديث أبي بكرة، وسفينة، وقطبة بن مالك، وعائشة، وأبي هريرة.
1 - أما حديث أبي بكرة: فيرويه علي بن زيد بن جدعان عن عبد الرحمن
ابن أبي بكرة عن أبيه قال:
جاء رجل إلى رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إلى من أؤدي صدقة مالي؟ قال: "إليّ ".
قال: فإن لم أجدك؟ قال: "إلى أبي بكر". قال فإن لم أجده؟ قال: "إلى عمر".
قال: فإن لم أجده؛ قال: "إلى عثمان ". ثم ولى منصرفاً، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ...
فذكره.
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/226 - 227) في ترجمة محمد بن
عبدوس بن مالك الثقفي المتوفى بعد الثلاثمائة، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأخرج البزار "كشف " (1569) الحديث عن خراش بن أمية الخزاعي نحوه.
وابن جدعان: ضعيف له مناكير، وهذا منها؛ وذلك لسببين:
الأول: أنه صح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يستخلف، أخرجه الشيخان وغيرهما عن
عمر، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2605) .
والآخر: أنه مخالف لحديث أنس بن مالك قال:
بعثني بنو المصطلق إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: سل لنا رسول الله إلى من
ندفع صدقاتنا بعدك؟ ... الحديث إلى قوله: "إلى عثمان ". ثم قال:
فأتيتهم فأخبرتهم فقالوا: ارجع إليه فسله: فإن حدث بعثمان حدث؛ فإلى
من؟ فأتيته، فسألته؟ فقال:(13/415)
"إن حدث بعثمان حدث؛ فتباً لكم الدهر تباً".
أخرجه الحاكم (3/77) من طربق نصر بن منصورالمروزي: ثنا بشر بن
الحارث: ثنا علي بن مسهر: ثنا المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: ...
فذكره، وقال:
"صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.
قلت: ورجاله ثقات، غير نصر بن منصور المروزي، ترجمه الخطيب (13/286
- 287) برواية أربعة من الثقات وغيرهم، وكناه بأبي الفتح، ولم يذكر فيه جرحاً
ولا تعديلاً؛ فهو مقبول الحديث إن شاء الله تعالى، وبخاصة أنه صحح له الحاكم
والذهبي. فهو شاهد قوي على نكارة حديث الترجمة، لأن القصة فيهما واحدة،
ولم يذكر فيه تلك الجملة المنكرة.
ونحوه حديث سهل بن أبي حثمة قال:
بايع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعرابياً، فقال له علي: إن مات النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فممن تأخذ
حقك؟ قال: ما أدري، قال: فارجع فسله، فرجع فسأله؟ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أبي
بكر" ... الحديث، وفيه أنه سأله: إن مات أبو بكر؟ فأحاله على عمر، ثم على
عثمان، فلما سأله إذا مات عثمان؟ فقال له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإذا مات عثمان؛ فإن استطعت
أن تموت؛ فمت ".
أخرجه الإسماعيلي في (معجمه " (ق 105/2 - 106/1) ، والعقيلي في
"الضعفاء" (2/165 - 166) ، وعنه ابن عساكر (ص 166 - 167 ترجمة عثمان - ط) ،
وابن عدي في "الكامل" (3/328) ، وابن حبان في "المجروحين" (1/345) من
طرق عن سلم بن ميمون الخواص: حدثنا سليمان بن أبي حيان: حدثنا إسماعيل(13/416)
ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عه. وقال العقيلي:
"سلم بن ميمون حدث بمناكير لا يتابع عليها، وفي هذا المتن رواية من غير
هذا الوجه بنحو هذا اللفظ، في بعضها لين، وبعضها صالح الإسناد".
قلت: ومن فوق سلم ثقات، وهو ضعيف من قبل حفظه: قال ابن حبان:
"غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث وإتقانه؛ فلا يحتج به".
وله شاهد من حديث أبي هريرة نحوه مختصراً، يرويه موسى بن عُبيدة عن
محمد بن ثابت عنه.
أخرجه الإسماعيلي أيضاً (ق 45/ 1 - 2) .
وموسى بن عُبيدة - هو: الربذي، وهو - ضعيف، ولا أستبعد أن يكون هو
البعض اللَّيِّن الذي أشار إليه العقيلي في قوله السابق. وأما قوله: "وبعضها صالح
الإسناد" فيغلب على ظني أنه يعني حديث أنس المتقدم من رواية الحاكم. والله
سبحانه وتعالى أعلم.
وحديث سهل هذا أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/33/2/7061)
مختصراً جداً بلفظ:
" إذا أنا مت وأبو بكر وعمر؛ فإن استطعت أن تموت؛ فمت ". وقال الطبراني:
"لم يروه عن إسماعيل بن أبي خالد إلا أبو خالد الأحمر، تفرد به مسلم (!)
الخواص". قال الهيثمي في "المجمع" (9/54) :
"وهوضعيف لغفلته".
ولحديث سهل هذا شاهد من حديث عصمة بن مالك الخطمي، لكن سنده(13/417)
ضعيف جداً، وقد سبق تخريجه برقم (3984) .
2 - وأما حديث سفينة: فيرويه حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان عنه قال:
لما بنى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسجد؛ وضع حجراً، ثم قال:
"ليضع أبو بكر حجره إلى جنب حجري، ثم ليضع عمر حجره إلى جنب
حجر أبي بكر"، ثم قال: "ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر"، فقال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكر حديث الترجمة.
أخرجه ابن عدي في "الكامل " (7/256 و 2/440) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل" (1/205/331) ، وابن حبان في "الضعفاء" (1/273) ، والبيهقي في
"الدلائل" (2/523) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/550) .
أورده ابن حبان في ترجمة حشرج، وقال:
"كان قليل الحديث، منكر الرواية فيما يرويه، لا يجوز الاحتجاج بخبره ".
وقال البخاري في "الضعفاء الصغير، (258/99) :
" حشرج بن نباتة سمع سعيد بن جمهان عن سفينة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي
بكر وعمر وعثمان: "هؤلاء الخلفاء بعدي "، وهذا لم يتابع عليه (يعني: فهو منكر) ؛
لأن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب (1) ، قالا: لم يستخلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
وأقره ابن عدي وكذا الذهبي، مع أنهما ذكرا الخلاف في حشرج وأن بعضهم
وثقه؛ ولذا قال الحافظ في "التقريب ":
__________
(1) أثر عمر متفق عليه - كما تقدم -، وأثر علي جاء من طرق خرجتها في "الظلال"
(2/551) .(13/418)
"صدوق يهم ". وقال ابن الجوزي:
"هذا حديث لا يصح ... ". ثم ذكر قولَي البخاري وابن حبان المذكورين.
3 - وأما حديث قطبة بن مالك: فيرويه محمد بن الفضل بن عطية عن زياد
ابن علاقة عنه ... مثل حديث سفينة.
أخرجه ابن حبان أيضاً (2/278 - 279) ، وابن عدي والبيهقي وابن الجوزي
من طريق الأول، وهذا أورده في ترجمة ابن الفضل هذا وقال:
"يروي الموضوعات عن الأثبات؛ لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل
الاعتبار، كان ابن أبي شيبة شديد الحمل عليه". وبه أعله ابن الجوزي أيضاً.
4 - وأما حديث عائشة: فيرويه أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثني
عمي: ثنا يحيى بن أيوب: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عنها ... مثله.
أخرجه الحاكم (3/96 - 97) وقال:
"صحيح على شرط الشيخين، وإنما اشتهر بإسناد واهٍ من رواية محمد بن
الفضل بن عطية؛ فلذلك هجر". وتعقبه الذهبي بقوله:
"قلت: أحمد منكر الحديث، وهو ممن نقم على مسلم إخراجه في "الصحيح "،
ويحيى - وإن كان ثقة؛ فقد -: ضُعِّف، ثم لو صح هذا؛ لكان نصاً في خلافة
الثلاثة، ولا يصح بوجه؛ فإن عائشة لم تكن يومئذٍ (يعني: يوم بناء المسجد) وهي
محجوبة صغيرة؛ فقولها هذا يدل على بطلان الحديث، وابن عطية متروك ".
وأخرجه أبو يعلى في "مسنده، (8/295/4884) من طريق هشيم عن العوام
عمن حدثه عن عائشة ... به.(13/419)
قلت: وهذا سند ظاهر الضعف؛ لجهالة شيخ العوام - وهو: ابن حوشب -،
وهشيم - هو: ابن بشير الواسطي، وهو - مدلس، وقد عنعنه.
5 - وأما حديث أبي هريرة: فيرويه بقية عن يحيى بن خالد عن روح بن
القاسم عن ليث عن مجاهد عنه مرفوعاً بلفظ:
لامن دخل علي حجري؟ ليضع عمر حجراً إلى بخما حجرأبي بكر ... "
الحديث، وفي آخره جملة الترجمة.
أخرجه ابن عدي (248/7) وقال:
"حديث منكر، لا أعلم رواه عن يحيى غير بقية، وهو من مجهولي شيوخ
بقية".
قلت: كذا وقع فيه "حجري "، ولعلهأ حجرتي! ، ومع ذلك فإني أظن أن فيه
سقطاً، يدل عليه الروايات المتقدمة. والله أعلم.
وجملة القول؛ أن هذه الطرق لحديث الترجمة ضعيفة، وكان يكون من
الممكن أن يقال: إن بعضها يقوي بعضأ ... لولا أنه مخالف لما صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه
لم يستخلف - كما تفدم -.
ويمكن أن يكون للحديث أصل بلفظ آخر، ثم تصرف فيه الضعفاء سهواً أو
قصداً. فمثلاً قد صح أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت:
أرأيت إن لم أجدك؛ فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها.
"إن لم تجديني؛ فأتي أبا بكر".
رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الصحيحة، (3117) .(13/420)
6192 - (لما أهبطَ اللهُ تعالى آدمَ إلى الأرض؛ كان أوَّلَ ما أكلَ من
ثمارِها النَّبَقُ) .
منكر.
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (13/62) ، ومن طريقه ابن الجوزي
في "العلل " (2/166 - 167) عن بكر بن بكار: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح
عن مجاهد عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره. وقال ابن الجوزي:
"لا يصح، قال يحيى بن معين: بكر بن بكار ليس بشيء".
قلت: وقد وثقه بعضهم، لكن له نسخة فيها مناكير، قال الحافظ في "اللسان ":
ضُعِّف بسببها، وقد سمعناها بعلو".
قلت: ومما يدل على ضعفه أنه قال مرة: عن حماد بن سلمة عن علي بن
زيد عن يوسف بن مهران عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال: ... فذكره موقوفاً عليه؛ لم يرفعه
إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أخرجه ابن عدي في "الكامل، (2/32) ، وقال عقبه:
"وهذا الحديث - وإن كان موقوفاً على ابن عباس؛ فإنه - منكر، لا أعلم يرويه
عن حماد غير بكر بن بكار، وله أحاديث حسان غرائب صالحة، وهو ممن يكتب
حديثه، وليس حديثه بالمنكر جداً".(13/421)
6193 - (لما أخرج اللهُ آدمَ من الجنة؛ زوده من ثمار الجنة، وعلمه
صَنعَْةَ كل شيء؛ فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تَغَيَّرُ،
وتلك لا تَغَيَّرُ) .
ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً.
أخرجه البزار في "مسنده " (3/102/2344) :(13/421)
حدثنا عقبة بن مكرم العمي: ثنا ربعي ابن علية: ثنا عوف عن قسامة بن زهير
عن أبي موسى رفعه قال: ... فذكره. وقال:
"لا نعلمه رفعه إلا ربعي، حدثنا محمد بن المثنى: ثنا ابن أبي عدي عن
عوف عن قسامة عن أبي موسى ... بنحوه؛ ولم يرفعه ".
قلت: وهذا إسناد موقوف صحيح؛ رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير قسامة
ابن زهير، وهو ثقة.
والإسناد الذي قبله صحيح أيضاً؛ فإن عقبة بن مكرم ثقة من شيوخ مسلم.
وربعي ابن عُلَيَّة ثقة أيضاً، وهو أخو إسماعيل ابن علية، وأبوهما إبراهيم، وعلية
أمهما، وهو من شيوخ أحمد، قال في "العلل " (583/292/2 4) :
لأحدثنا ربعي ابن علية - أخو إسماعيل ابن علية بن إبراهيم -، وكان عابداً".
وفي "التهذيب ":
"قال عبد الله بن أحمد: عن أبيه؛ كان يفضل على أخيه. قال يحيى: وهو
ثقة مأمون ".
وإذا كان كذلك، فرفعه للحديث زيادة يجب قبولها. على أنه قد توبع؛ فقال
الروياني في "مسنده " (2/3/1) : ثنا العباس بن محمد: نا أبو موسى الهرري: نا
العباس بن الفضل الأنصاري: نا عوف ... به؛ دون قوله: "وعلمه صنعة كل
شيء".
لكن العباس بن الفضل هذا - قال في "التقريب " -:
"متروك، واتهمه أبو زرعة، وقال ابن حبان، حديثه عن البصريين أرجى من
حديثه عن الكوفيين".(13/422)
قلت: وهذا من حديثه عن البصريين؛ فإن شيخه عوف - هو: ابن أبي جميلة
البصري - المعروف بـ: (الأعرابي) . والله أعلم.
والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (8/197 - 198) :
"رواه البزار والطبراني، ورجاله ثقات ".
ومن روايتهما أورده السيوطي في "الجامع الكبير"؛ لكن بلفظ:
لالما أهبط الله ... "، والباقي مثله؛ فلعله لفظ الطبراني، ولم يطبع بعد مسند
أبي موسى منه، حتى نتحقق. والله أعلم.
ثم ترجح لدي الوقف؛ فقد رواه كذالك هَوذَة بن خليفة: ثنا عوف ... به
موقوفا".
أخرجه الحاكم (2/543) وقال:
"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.
قلت: وهوذة هذا، صدوق - كما قال الذهبي في "الكاشف"، والحافظ في
" التقريب " -. وقد أثنى عليه أحمد فقال:
"ما كان أضبطه عن عوف ".
قلت: ولعل ذلك لأنه كان يحدث من كتابه؛ فقد قال ابن سعد في
! الطبقات " (7/ 339) :
"ذهبت كتبه؛ فلم يبق عنده إلا كتاب عوف، وشيء يسير لابن عون وابن
جريج وأشعث والتيمي ".(13/423)
ثم تاكدت مما سبق من ترجيح وقفه بمتابعة محمد بن ثور: أخبرني عوف ...
به موقوفاً.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (2/631) .
ومحمد بن ثور - وهو: الصنعاني - ثقة أيضاً.
ثم رأيت فيه (2/645) رواية هوذة بن خليفة من طريق الحاكم المتقدمة.
6194 - (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يجامع أهله في كل جمعة؛ فإن له
أجرين: أجر غسله، وأجر غسل امرأته؟) .
منكر.
أخرجه أبو نعيم في "الطب " (ق 79/2) ، والبيهقي في "الشعب "
(3/98/2991) ، والديلمي في "مسند الفردوس " (1/180/1 - الغرائب الملتقطة)
عن بقية بن الوليد عن يزيد بن سنان عن بكير بن فيروز عن أبى هريرة قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ مسلسل بالعلل:
الأولى: بكير بن فيروز - وهو: الرهاوي -: بيَّض له الذهبي في "الكاشف "،
وقال الحافظ في "التقريب":
" مقبول".
قلت: يعني: عند المتابعة، ولم أجد له متابعاً.
ثم استدركت؛ فقلت: لا ينبغي أن يعل به الحديث، فقد روى عنه جمع
من الثقات، منهم: زيد بن أبي أنيسة، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود - وهو
أكبر منه -، ونافع مولى ابن عمر - وهو من أقرانه - وغيرهم، وقد وثقه ابن حبان
(4/76) ؛ فهو صدوق، وحسّن له الترمذي، فانظر! الصحيحة" (2335) .(13/424)
الثانية: يزيد بن سنان - وهو: الجزري، أبو فروة الرهاوي -: قال النسائي:
"متروك الحديث ". وقال ابن عدي:
"عامة حديثه غير محفوظ".
وقد تقدمت له أحاديث أحدها موضوع (2/165/740) .
الثالثة: بقية بن الوليد: فإنه مدلس، وقد عنعنه، وبه أعله البيهقي فقال:
"في روايات بقية نظر".
وكان الأولى به أن يعله بشيخه؛ فإنه أشد ضعفاً منه - كما لا يخفى على
العارفين بهذا العلم -.
والحديث عزاه السيوطي في "الدر المنثور" (1/274) لابن السني أيضاً في
"الطب ". أما في "الجامع الكبير" فقال:
"رواه البيهقي في " الشعب " وضعفه، والديلمي ".
6195 - (لما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض؛ مَكَثَ فيها ما شاءَ
الله أن يمكث، ثم قال له بنوه: يا أبانا! تكَلَّمْ. قال: فقام خطيباً في
أربعين ألفاً من ولده، وولد ولده، وولد ولد ولده، فقال: إن الله أمرني
فقال: يا آدم! أَقِلَّ كلامك حتى ترجع إلى جواري) .
ضعيف جدّاً.
أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/328) ، وابن عساكر
في "تاريخ دمشق " (2/326/1) من طريق أبي بكر بن المقرئ: حدثنا أبو إسحاق
إبراهيم بن جعفر بن خليد المقرئ: حدثنا الحسن بن شبيب المؤدب: حدثنا
خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال(13/425)