حديث افتراق الأمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد :
فهذا شرح لحديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار ما عدا واحدة
وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في موضعين من الفتاوى الكبرى في موضع قام بشرحه مفصلا وفي موضع آخر نقل عن غيره
وهذا الحديث قد نص الكثيرون على تواتره وقام الكثيرون بشرحه ومنهم أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية
وقد أنكر صحته بعض دعاة الإسلام اليوم دون حجة ولا برهان إلا أنه لم يوافق هواهم وهم ليسوا من أهل الحديث وهذا العلم لا يجوز أخذه إلا من أهله المتبحرين فيه ومن ثم فلا يقبل قول هؤلاء الذين زعموا عدم صحة الحديث
ولذا قمت بتخريج هذا الحديث من مصادره بأسانيده كاملة للرد على هؤلاء المتفرنجين الذين يحاولون تمييع السنة النبوية وذكرت من صححه ومن قال بتواتره وكذلك ذكرت بعض شروحه حتى يكون واضحا لكل ذي عينين وأن رد مثل هذا الحديث الثابت المشهور هو رد لسنة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب
وقد ظن أولئك أن معناه يخالف الأصول الشرعية وقد أخطئوا في ذلك خطأ بينا(1/1)
فمعنى الحديث أن من تمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الفرقة الناجية المنصورة بإذن الله وأما من شذ يمنة أو يسرة فليس كذلك ولكن لا يدل هذا الحديث على كفر تلك الفرق التي شذت وانحرفت عن خط أهل السنة والجماعة فليس كل من يدخل النار يكون كافرا بل هناك انفكاك بينهما ومن ثم لم يحكم أهل السنة والجماعة على تلك الفرق بالكفر إلا الفرق التي أتت بمكفر وعندئذ تكون قد خرجت من الإسلام أصلا كالفرق الباطنية
قال تعالى :
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (100) سورة التوبة
وفي العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في آخرها في وصف الفرقة الناجية :(1/2)
وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة ، وطريقتهم هي دين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه أنه قال : ( هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) ، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة ، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال وفيهم أئمة الدين الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ، وهم الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة ) فنسأل الله أن يجعلنا منهم وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه الوهاب
***************
نسال الله تعالى أن يبصرنا بالحق وأن يجعلنا من أهله آمين
الباحث في الكتاب والسنة
أبو حمزة الشامي
29 جمادى الأولى 1425 هـ الموافق 17/7/2004 م
***************
تخريج الحديث مفصلا :
(ابن ماجة ) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَإِنَّ أُمَّتِى سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِى النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِىَ الْجَمَاعَةُ ».(1/3)
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِىُّ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِى الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِى النَّارِ ». قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ « الْجَمَاعَةُ ».(1/4)
وفي مصنف ابن أبي شيبة : 37892-حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَبُو مُرَيٍّ ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ ، قَالَ : كُنْت فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءُوا بِسَبْعِينَ رَأْسًا مِنْ رُءُوسِ الْحَرُورِيَّةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دُرْجِ الْمَسْجِدِ , فَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِمْ ، فَقَالَ : كَِلاَبُ جَهَنَّمَ , شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ , وَمَنْ قَتَلُوا خَيْرُ قَتْلَى تَحْتَ السَّمَاءِ , وَبَكَى فَنَظَرَ إلَيَّ ، وَقَالَ : يَا أَبَا غَالِبٍ , إنَّك مِنْ بَلَدِ هَؤَُلاَءِ قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : أَعَاذَك ، قَالَ : أَظُنُّهُ ، قَالَ : اللَّهُ مِنْهُمْ : قَالَ : تَقْرَأُ آلَ عِمْرَانَ قُلْت : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ , فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إَلاَ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ، قَالَ : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ , فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ قُلْت : يَا أَبَا أُمَامَةَ , إنِّي رَأَيْتُك تَهْرِيقُ عَبْرَتَك، قَالَ : نَعَمْ , رَحْمَةً لَهُمْ , إنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإِسَْلاَمِ ، قَالَ : افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى وَاحِدَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً , وَتَزِيدُ هَذِهِ الأُمَّةُ فِرْقَةً وَاحِدَةً , كُلُّهَا فِي النَّارِ إَلاَ السَّوَادَ الأَعْظَمَ عَلَيْهِمْ مَا حَمَلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ , وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إَلاَ الْبََلاَغُ , السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ خَيْرٌ مِنْ الْفُرْقَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ،(1/5)
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا أُمَامَةَ , أَمِنْ رَأْيِك تَقُولُ أَمْ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ، قَالَ : إنِّي إذًا لَجَرِيءٌ ، قَالَ بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وََلاَ مَرَّتَيْنِ حَتَّى ذَكَرَ سَبْعًا
( أبو يعلى ) [ 3938 ] حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا مبارك حدثنا عبد العزيز عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي تفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم
[(1/6)
4127 ] حدثنا أبو خيثمة حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة حدثنا يزيد الرقاشي في حوض زمزم والناس مجتمعون عليه من قريش وغيرهم قال حدثني أنس بن مالك قال كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو مع رسول الله فإذا رجع وحط عن راحلته عمد إلى مسجد الرسول فجعل يصلي فيه فيطيل الصلاة حتى جعل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرون أن له فضلا عليهم فمر يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في أصحابه فقال له بعض أصحابه يا نبي الله هذا ذاك الرجل فإما أرسل إليه نبي الله وإما جاء من قبل نفسه فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال والذي نفسي بيده إن بين عينيه سفعة من الشيطان فلما وقف على المجلس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلت في نفسك حين وقفت على المجلس ليس في القوم خير مني قال نعم ثم انصرف فأتى ناحية من المسجد فخط خطا برجله ثم صف كعبيه فقام يصلي فقال رسول الله أيكم يقوم إلى هذا يقتله فقام أبو بكر فقال رسول الله أقتلت الرجل قال وجدته يصلي فهبته فقال رسول الله أيكم يقوم إلى هذا يقتله قال عمر أنا وأخذ السيف فوجده قائما يصلي فرجع فقال رسول الله لعمر أقتلت الرجل قال وجدته يصلي فهبته فقال رسول الله أيكم يقوم إلى هذا يقتله قال عمر أنا وأخذ السيف فوجده قائما يصلي فرجع فقال رسول الله لعمر أقتلت الرجل قال يا نبي الله وجدته يصلي فهبته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيكم يقوم إلى هذا يقتله قال علي أنا قال رسول الله أنت له إن أدركته فذهب علي فلم يجده فرجع فقال رسول الله أقتلت الرجل قال لم أدر أين سلك من الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا أول قرن خرج من أمتي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتلته أو قتله ما اختلف في أمتي اثنان إن بني إسرائيل تفرقوا على واحد وسبعين فرقة وإن هذه الأمة يعني أمته ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة فقلنا يا(1/7)
نبي الله من تلك الفرقة قال الجماعة قال يزيد الرقاشي فقلت لأنس يا أبا حمزة وأين الجماعة قال مع أمرائكم مع أمرائكم
( الطبراني ) [ 8035 ] حدثنا محمد بن فضاء الجوهري ومحمد بن حيان المازني قالا ثنا محمد بن عبيد بن حساب ثنا حماد بن زيد ثنا أبو غالب قال كنت بالشام فبعث المهلب سبعين رأسا من الخوارج فنصبوا على باب المسجد وكنت على ظهر بيت لي فمر أبو أمامة يريد المسجد فلما وقف عليهم دمعت عيناه فقال سبحان الله ما يفعل الشيطان ببني آدم ثلاثا قال كلاب جهنم شر قتلى تحت ظل السماء ثلاث مرات ثم قال خير قتلى تحت ظل السماء من قتلوه ثلاثا ثم إلتفت إلي فقال يا أبا غالب إنك بأرض هؤلاء بها كثير فأعاذك الله منهم هل تقرأ السورة التي فيها آل عمران قلت بلى إني رأيتك دمعت عيناك قال بكيت رحمة لهم كانوا من أهل الإسلام فتلا هو الذي أنزل الكتاب منه آيات محكمات إلى أن بلغ إبتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغ فزيغ بهم ثم تلا { ولا تكونوا كالذين تفرقوا } إلى أن بلغ { أكفرتم بعد إيمانكم } قلت هؤلاء يا أبا أمامة قال نعم قلت يا أبا أمامة من قبل رأيك تقول أم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني لجريء ثلاثا بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرة ولا مرتين حتى بلغ ستة ثم قال إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة أو قال اثنتين وسبعين فرقة وإن هذه الأمة ستزيد عليهم فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم قلت يا أبا أمامة ألا تراهم ما يعملون قال عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم إن تطيعوه تهتدوا
[(1/8)
8051 ] حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا داود بن عمرو الضبي ثنا أبو شهاب عبد ربه بن نافع عن عمرو بن قيس الملائي عن داود بن السليك عن أبي غالب قال كنت بدمشق زمن عبد الملك فأتي برؤوس الخوارج فنصبت على أعواد فجئت لأنظر هل فيها أحد أعرفه فإذا أبو أمامة عندها فدنوت منه فنظرت إلى الأعواد فقال كلاب النار ثلاث مرات شر قتلى تحت أديم السماء ومن قتلوه خير قتلى تحت أديم السماء قالها ثلاث مرات ثم إستبكى فقلت يا أبا أمامة ما يبكيك كانوا على ديننا ثم ذكرت ما هم صائرون إليه غدا فقلت له شيئا تقوله برأيك أم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا إلى السبع ما حدثتكموه أما تقرأ هذه الآية في آل عمران { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } إلى آخر الآية { وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون } ثم قال اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة سبعين من النار وواحدة في الحنة وإختلفت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وتختلف هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة فقلنا انعتهم لنا قال السواد الأعظم
[ 8052 ] حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا يحيى الحماني ثنا شريك عن داود بن أبي السليك عن أبي غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه
[ 8053 ] حدثنا يوسف القاضي ثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ثنا قريش بن حيان ثنا أبو غالب عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ما تفرقت عليه بنو إسرائيل تزيد فرقة كلها في النار إلا السواد فقلنا يا أبا أمامة أو ليس في السواد ما يكفيه قال والله إنا لننكر ما تعملون
[(1/9)
8054 ] حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا سعيد بن سليمان النشيطي ثنا سلم بن زرير عن أبي غالب عن أبي أمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة تزيد عليها أمتي فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم
[ 3 ] حدثنا علي بن المبارك الصنعاني ثنا إسماعيل بن أبي أويس ثنا كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده قال كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده بالمدينة فجاءه جبريل عليه السلام بالوحي فتغشى رداءه فمكث طويلا حتى سري عنه وكشف رداءه فإذا هو تعرق عرقا شديدا وإذا هو قابض على شيء فقال أيكم يعرف ما يخرج من النخل فقال الأنصار نحن يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا ليس شيء يخرج من النخل إلا نحن نعرفه نحن أصحاب نخل ثم فتح يده فإذا فيها نوى فقال ما هذا فقالوا هذا يا رسول الله نوى قال نوى أي شيء قالوا نوى سنة قال صدقتم جاءكم جبريل عليه السلام يتعاهد دينكم لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل ولتأخذن بمثل أخذهم إن شبرا فشبرا وإن ذراعا فذراعا وإن باعا فباعا حتى لو دخلوا في جحر ضب دخلت فيه إلا أن بني إسرائيل افترقت على موسى سبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم ثم إنها افترقت على عيسى بن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة الإسلام وجماعتهم ثم إنكم تكونون على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة الإسلام وجماعتهم
[(1/10)
884 ] حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ثنا أبو المغيرة ح وحدثنا أبو زيد الحوطي ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قالا ثنا صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد الله عن أبي عامر الهوزني عبد الله بن الحي قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاص يقص على أهل مكة مولى لبني مخزوم فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذا القصص قال لا قال فما حملك على أن تقص بغير إذن قال ننشر علما علمناه الله فقال معاوية لو كنت تقدمت إليك قبل مدتي هذه لقطعت منك طائفا ثم قام حتى صلى الظهر بمكة ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفرق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء وكلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وقال إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به
[ 885 ] حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا إسماعيل بن عياش حدثني صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله الهوزني عن أبي عامر عبد الله بن لحي الهوزني عن معاوية قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الكتاب افترقوا في كتابهم على اثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وإنه يخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب لصاحبه ولا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله
( أحمد ) [ 12229 ] حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عبد العزيز يعني الماجشون عن صدقة بن يسار عن العميري عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان بني إسرائيل قد افترقت على ثنتين وسبعين فرقة وأنتم تفترقون على مثلها كلها في النار الا فرقة
[(1/11)
16979 ] حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو المغيرة قال ثنا صفوان قال حدثني ازهر بن عبد الله الهوزني قال أبو المغيرة في موضع آخر الحرازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وان هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء كلها في النار الا واحدة وهي الجماعة وانه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل الا دخله والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى ان لا يقوم به
(المستدرك)443 / 154 - ومنها: ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني، ثنا صفوان بن عمرو، عن الأزهر بن عبد الله، عن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال:
حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة أخبر بقاص يقص على أهل مكة، مولى لبني فروخ، فأرسل إليه معاوية فقال: أمرت بهذه القصص؟
قال: لا.
قال: فما حملك على أن تقص بغير إذن؟
قال: ننشئ علما علمناه الله - عز وجل -.
فقال معاوية: لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك طائفة.
ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال:
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله - يا معشر العرب - لئن لم تقوموا بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به).
هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث.(1/12)
وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو بن عوف المزني بإسنادين.
تفرد بأحدهما: عبد الرحمن بن زياد الأفريقي.
والآخر: كثير بن عبد الله المزني.
ولا تقوم بهما الحجة.
أما حديث عبد الله بن عمرو:
444 / 155 - فأخبرناه علي بن عبد الله الحكيمي ببغداد، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا ثابت بن محمد العابد، ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن زياد، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل، مثلا بمثل، حذو النعل بالنعل، حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية، كان في أمتي مثله، إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة.
فقيل له: ما الواحدة؟
قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
وأما حديث عمرو بن عوف المزني: (ج/ص: 1/ 219)
( أبو داو د) حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ».
*************
الحاكم (443 و444و445و5397) والضياء في المختار 7/90 (2499 و2500) والمجمع 6/226 و7/302 والبيهقي في السنن الكبرى 8/188 وابن ماجة( 03992 و3993) وابن أبي شيبة (37893) والبزار (1444) وطس(7202 و7840) وأحمد 3/120 و4/102 والشاميين(1005) وأبو يعلى(3938 و4127) والطبراني (8035 و8053 و8054) و17/ 13 ( 3 ) و19/377 (885) وابن أبي عاصم في السنة (2 و63-70) والإحسان (6247) وأبو داود (4596)
وهو حديث قد حكم عليه كثيرون بالتواتر(1/13)
وفي اعتقاد أهل السنة ج: 1 ص: 100
حديث ثابت إن بني اسرائيل افترقوا على إثنتين وسبعين فرقة ويزيدون عليها ملة قال في حديث ثابت وأمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة فقالوا يا رسول الله وما هي وفي حديث ثابت فقيل له من الواحدة قال الذي أنا عليه وأصحابي وفي حديث ثابت فقال ما أنا عليه واصحابي 148 وأخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن بكر قال أخبرنا الحسن بن عثمان قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال حدثنا معاوية بن صالح أن الأوزاعي حدثه أن يزيد الرقاشي حدثه أن سمع أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة فقيل يا رسول الله وما هذه الواحد فقبض يده وقال الجماعة فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا 149 أخبرنا علي بن محمد بن أحمد بن بكران أخبرنا الحسن بن عثمان حدثنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا عمرو بن عثمان بن دينار الحمصي قال يعقوب وقرأت على يزيد بن عبد ربه قالا حدثنا عباد بن يوسف حدثني صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقت اليهود عل إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعون في النار والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار قيل يا رسول الله من هم قال الجماعة 150 وأخبرنا علي حدثنا الحسن بن عثمان قال حدثنا يعقوب قال حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال حدثنا صفوان بن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن ابي عامر عبد الله بن لحي قال حججنا مع معاوية فلما قدمنا مكة صلينا صلاة الظهر بمكة ثم قام فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق ثلاثا وسبعين ملة يعني الأهواء كلها(1/14)
في النار إلا واحدة وهي الجماعة وقال إنه سيخرج في أمتي قوم يتجارى بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله 151 أخبرنا عيسى بن علي أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال حدثنا داود بن عمرو قال حدثنا أبو شهاب عن زيد بن نافع عن عمرو بن قيس الملائي عن داود بن أبي السليك عن ابي غالب قال كنت بدمشق زمن عبد الملك فجيء برؤس الخوارج فنصبت على أعواد فجئت لأنظر فيها فإذا أبو إمامه عندها فدنوت فنظرت إليها ثم قال كلاب النار ثلاث مرات شر قتلي تحت أديم السماء ومن قتلوه خير قتلي تحت أديم السماء قالها ثلاث مرات ثم استبكى فقلت يا أبا إمامه ما الذي يبكيك قال كانوا على ديننا فذكر ما هم صائرون إليه فقلت له شيء تقوله برايك أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني إذا لجري ثلاث مرات لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا إلى السبع لما حدثتكموه أما تقرأ هذه الآية في آل عمران يوم تبيض وجوه وتسود وجوه إلى آخر الآية ثم قال اختلفت اليهود على إحدى وسبعين فرقة سبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة واختلف النصارى على اثنتين وسبعين فرقة واحدة وسبعون في النار وفرقة والحدة في الجنة فقال تختلف هذه الامة على ثلاث وسبعين فرقة اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة قلنا أنعتهم لنا الأعظم 152 أخبرنا محمد بن علي بن النضر قال أخبرنا إسماعيل بن محمد قال حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان قال حدثنا أبو علي الحنفي قال حدثنا سليم بن زرير عن أبي غالب عن أبي امامه وكان يقال له صدى بن عجلان وكان أحد بأهله وكان منزله بحمص فالتقيت أنا وهو قد جيء بخمسين ومائة رأس من رؤوس الأزارقة فنصبت على درج المسجد فخرج فلما رأى الرؤس قال يا سبحان الله ما يعمل الشيطان بأهل الإسلام ثم دمعت عيناه ثم قال كلاب النار كلاب النار قلت يا ابا امامه هؤلاء هم قال نعم قلت شيء تقوله أو شيء(1/15)
سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني إذا لجرىء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهوى بأصبعيه بأذنيه لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا حتى عد سبع مرار بيده لما تكلمت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول تفرقت بنو اسرائيل على إحدى وسبعين وأمتي تزيد عليها كلها في النار الأعظم 153 أخبرنا محمد بن أحمد أخبرنا أحمد بن محمد الطوسي قال حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا أبو عتبة قال حدثنا بقية قال حدثنا معان بن رفاعة عن أبي خلف المكفوف أنه سمعه يقول سمعت أنس بن مالك يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمتي لا تجتمع على الضلالة فإذا رايتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم
وفي الاعتقاد ج: 1 ص: 232(1/16)
قال الشيخ وإذا لزم اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما سن وكان لزومه فرضا باقيا ولا سبيل إلى اتباع سنته إلا بعد معرفتها ولا سبيل لنا إلى معرفتها إلا بقبول خبر الصادق عنه لزم قبوله ليمكننا متابعتة ولذلك أمر بتعليمها والدعاء إليها وبالله التوفيق أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن عبد الله بن المنادي ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن مخارق عن طارق عن عبد الله بن مسعود أنه قال أحسن الحديث كتاب الله وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وإن الشقي من شقي في بطن أمه وأن السعيد من وعظ بغيره فاتبعوا ولا تبتدعوا ورواه أبو عبد الرحمن السلمي مختصرا قال قال عبد الله فاتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري بمرو ثنا أبو الموجه الفزاري حدثنا يوسف بن عيسى ثنا الفضل بن موسى عن محمد بن عمرو حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقت اليهود على إحدى وسبعين والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة وروي معناه في حديث معاوية وغيره وقد ذكرنا في كتاب المدخل وغيره أن الخلاف المذموم ما خولف فيه كتاب أو سنة صحيحة أو اجماع أو ما في معنى واحد من هؤلاء وذلك كخلاف من خالف أهل السنة فيما أشرنا إليه في هذا الكتاب فقد قال الله عز وجل ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات وقد جاء الكتاب والسنة ثم اجماع الصحابة بإثبات ما أثبتناه من صفات الله عز وجل ورؤيته وشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك فمن نفاه واختلف فيه كان ذلك اختلافا بعد مجيء البينة ورد من رد ما ورد فيه من السنة الثابتة جهالة منه بلزومه اتباع ما بلغه منه وتأويل من تأول ما ورد فيه من سائغ في الشريعة فلا وجه لترك الظاهر إلا بمثله أو بما هو أقوى منه والله يعصمنا من ذلك برحمته ويشبه أن(1/17)
يكون اختلاف هؤلاء وأمثالهم أريد بما روينا في حديث أبي هريرة والذي يؤكده ما روي في حديث معاوية في هذا الحديث أنه قال كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وفي حديث عمرو ابن عوف إلا واحدة الإسلام وجماعتهم وفي حديث عبد الله بن عمرو إلا واحدة ما أنا عليه وأصحابي وإنما اجتمع أصحابه على مسائل الأصول فإن لم يرو عن واحد منهم خلاف ما أشرنا إليه في هذا الكتاب فأما مسائل الفروع فما ليس فيه نص كتاب ولا نص سنة فقد اجتمعوا على بعضه واختلفوا في بعضه فما اجتمعوا عليه ليس لأحد مخالفتهم فيه وما اختلفوا فيه فصاحب الشرع هو الذي سوغ لهم هذا النوع من الاختلاف حيث أمرهم بالاستنباط وبالاجتهاد مع علمه بأن ذلك يختلف وجعل للمصيب منهم أجرين وللمخطئ منهم أجرا واحدا وذلك على ما يحتمل من الاجتهاد ورفع عنه ما أخطأ فيه
***************
وفي السنة للمروزي ج: 1 ص: 19(1/18)
50 حدثنا عيسى بن مساور ثنا الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو قال حدثني الأزهر بن عبد الله قال حدثني عبد الله بن نجي أبو عامر الهوزني قال حججت مع معاوية فلما قدم مكة أخبر أن بها قاصا يحدث بأشياء تنكر فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذا قال لا قال فما حملك عليه قال علم ننشره فقال له معاوية لو كنت تقدمت إليك لفعلت بك انطلق فلا أسمع أنك حدثت شيئا فلما صلى الظهر قعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر العرب والله لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم فغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا يوما فقال إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقواعللى اثنين وسبعين على اثنتين وسبعين ملة يعني الأهواء وإن هذه المة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الأهواء اثنتين وسبعين في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة فاعتصموا بها فاعتصموا بها 310 51 حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان بن عمرو حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني عن أبي عامر عبد الله بن نجي قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر برجل يقص على أهل مكة فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذا القصص قال لا قال فما حملك على أن تقص بغير إذن قال ننشر علما علمناه الله قال لو كنت تقدمت إليك قبل مرتي هذه لفعلت ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أهل الكتاب افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة يعني الهواء كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة والله يا معشر العرب إن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به 310 52 حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي ثنا قتادة عن يروي بن مالك وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون(1/19)
القيل ويسيئون الفعل يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء من قاتلهم كان اولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق 31 53 حدثنا محمد بن يحيى ثنا أبو المغيرة ثنا الأوزاعي ثنا يزيد الرقاشي حدثني أنس بن مالك قال ذكر ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فذكروا قوته في العمل واجتهاده في العبادة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن هذا أول قرن خرج في أمتي لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي إن بني إسرائيل افترق على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة قال يزيد الرقاشي وهي الجماعة 31 54 حدثنا شيبان بن أبي شيبة ثنا الصعق بن حزن ثنا عقيل الجعدي عن أبي إسحاق الهمداني عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن مسعود قلت لبيك يا رسول الله قال اتدري أي الناس اعلم قال قلت الله ورسوله أعلم قال فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس وإن كان مقصرافي العمل واختلف من كان قبلي على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاثة وهلك سائرها فرقة آذت الملوك وقاتلوهم على دينهم ودين عيسى وأخذوهم فقطعوهم بالمناشير وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم ويدعونهم إلى دين الله ودين عيسى بن مريم فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال فيهم ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا رضوان الله فما رعوها حق رعايتها إلى قوله فاسقون فقال النبي صلى الله عليه وسلم من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لا يتبعني فأولئك هم الهالكون 31 55 حدثنا إسحاق أنبأ النضر بن شميل ثنا قطن أبو الهيثم ثنا أبو غالب قال(1/20)
كنت ثم ابي أمامة فقال له رجل أرأيت قول الله هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنم أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه من هؤلاء قال هم الخوارج ثم قال عليك بالسواد الأعظم قلت قد تعلم ما فيهم فقال عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وأطيعوا تهتدوا ثم قال إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة وهي في الجنة فذلك قول الله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه تلى إلى قوله هم فيها خالدون فقلت من هم فقال الخوارج فقلت أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم 28 56 حدثنا إسحاق أنبأ المقري ثنا داود بت أبي الفرات حدثني أبو غالب أن أبا أمامة أخبره ان بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ةهذ الأمة تزيد عليها واحدة كلها في النار الأعظم وهي الجماعة قلت قد تعلم ما الأعظم وذلك في خلافة عبد الملك بن مروان فقال أما والله إني لكاره لأعمالهم ولكن عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم والسمع والطاعة خير من الفجور والمعصية 31 57 حدثنا محمد بن يحيى ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا أبو بكر بن عياش عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن عبيدة عن بنت سعد عن أبيها سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقت بنو اسرائيل على إحدى وسبعين ملة ولن تذهب الليالي ولاالأيام حتى تفترق أمتي على مثلها أو قال عن مثل ذلك وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي الجماعة 28 58 حدثنا اسحاق أنبأ الفضل بن موسى ثنا محمد بن عمرو ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة والنصارى على مثل ذلك وتفترق هذ الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة 28 59 حدثنا إسحاق أنبأ عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبد الله بن يزيد عن عبد(1/21)
الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأتي على أمتي ماأتى على بني إسرائيل مثلا بمثل حذو النعل بالنعل وإنهم تفرقوا على اثنتين وسبعين ملة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في واحدة قالوا يا رسول الله وما تملك الواحدة قال هو ما أنا عليه اليوم وأصحابي 280 60 حدثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهب أخبرني أبو صخر عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري قال سمعت علي بن أبي طالب وقد دعا رأس الجالوت وأسقف النصارى فقال إني سائلكم عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا تكتماني يا رأس الجالوت أنشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى وأطعمكم المن والسلوى وضرب لكم في البحر طريقا وأخرج لكم من الحجر اثنتي عشرة عينا لكل سبط من بني اسرائيل عين إلا ما أخبرتني على كم افترقت بنو اسرائيل بعد موسى فقال له ولا فرقة واحدة فقال له على ثلاث مرار كذبت والله الذي لاإله إلا هو لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة ثم دعا الأسقف فقال أنشدك الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعل على رحله البركة وأراكم العبرة فأبرأ الأكمه وأحيا الموتى وصنع لكم من الطين طيورا وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم فقال دون هذا أصدقك يا أمير المؤمنين فقال على كم افترقت النصارى بعد عيسى من فرقة فقال لا والله ولا فرقة فقال ثلاث مرار كذبت والله الذي لا إله إلا هو لقد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فأما أنت يا زفر فإن الله يقول ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فهي التي تنجو واما أنت يا نصراني فإن الله يقول منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون فهي التي تنجو وأما نحن فيقول وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وهي التي تنحو من هذه الأمة 28 61 حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأ عطاء بن مسلم فلهذا قال سمعت العلاء بن المسيب يحدث عن شريك البرجمي قال حدثني زاذان أبو(1/22)
عمرقال قال علي يا أبو عمر أتدري على كم افترقت اليهود قال قلت الله ورسوله أعلم فقال افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية والنصارى على اثنتين وسبعين فرقه كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية يا أبا عمر أتدري على كم تفترق هذه الأمة قلت الله ورسوله أعلم قال تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية ثم قال علي أتدري كم تفترق في قلت وإنه يفترق فيك يا أمير المؤمنين قال نعم اثنتا عشرة فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية وهي تلك الواحدة يعني الفرقة التي هي من الثلاث والسبعين وأنت منهم يا أبا عمر 31
وفي كشف الخفاء :
446 - افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فرِقة، فواحدة في الجنة، سبعون في النار؛ وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، <صفحة 168> إحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لَتَفترقنَّ أمتي على ثلاث وسبعين، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار.
رواه ابن أبي الدنيا عن عوف بن مالك، ورواه أبو داود والترمذي والحاكم وابن حبان وصححوه عن أبي هريرة بلفظ افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي،
ورواه الشعراني في الميزان من حديث ابن النجار وصححه الحاكم بلفظ غريب، وهو ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا واحدة، وفي رواية عند الديلمي الهالك منها واحدة، قال العلماء هي الزنادقة انتهى، وفي هامش الميزان المذكور عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلاواحد وهي الزنادقة، قال: وفي رواية عنه أيضا تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقه، إني أعلم أهداها: الجماعة انتهى،(1/23)
ثم رأيت ما في هامش الميزان مذكورا في تخريج أحاديث مسند الفردوس للحافظ ابن حجر، ولفظه تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة إلا واحدة وهي الزنادقة، أسنده عن أنس، قال وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ أهداها فرقة الجماعة انتهى،
فلينظر مع المشهور، ولعل وجه التوفيق أن المراد بأهل الجنة في الرواية الثانية ولو مآلا فتأمل، وفي الباب عن معاوية وأبي الدرداء وابن عمرو وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ووائلة وأبي أمامة،
ورواه الترمذي عن. (1) بلفظ ستفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قيل ومن هم؟ قال الذين هم على ما أنا عليه وأصحابي؛
ورواه ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس بسنده إلى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، قال الترمذي حديث حسن صحيح،
وفيه أيضا بسنده إلى عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتينَّ علىأمتي <صفحة 169> ما آتى على بني إسرائيل حَذْوَ النعل بالنعل، حتى إنْ كان فيهم من أتى أمة علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين مِلة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين مِلة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي، قال الترمذي حديث حسن غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، وفيه أيضا بسنده إلى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترقُ على اثنتين وسبعين فرقة، يهلك إحدى وسبعون ويخلُص فرقة، قالوا يا رسول الله ما تلك الفرقة؟ قال فرقة الجماعة،(1/24)
وقال فيه أيضا فإن قيل وهل هذه الفرقة معروفة؟ فالجواب إنا نعرف الافتراق وأصول الفرق وإن كان كل طائفة من الفرق انقسمت إلى فرق وإن لم نحط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها،
قال وقد ظهر لنا من أصول الفرق: الحرورية، والقدرية، والجهمية، والمرجئة، والرافضة، والجبرية؛ وقد قال بعض أهل العلم أصل العلم الفرق هذه الست، وقد انقسمت كل فرقة منها اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة انتهى،
ثم فصلها وعرف كل فرقة منها فيه، وقد ذكرنا ذلك جميعه مع كلام الموافق وشرحه والمِلل والنِحَل مبسوطا في رحلتنا المسماة بالبسط التام في الرحلة إلى بعض بلاد الشام، فراجعها.
----------------------------
(1) بياض في النسخ. وقد رواه الترمذي في كتاب الإيمان عن أبي هريرة وابن عمر.
1001 - تفترق أمتي على سبعين فِرقةً، كلُهم في الجنة إلا فِرقة واحدة، قالوا يا رسول الله من هم؟ قال: الزنادقة.
قال في اللآلئ لا أصل له أي بهذا اللفظ، وإلا فالحديث روي من أوجه مقبولة بغير هذا اللفظ، منها تفترق أمتي - الحديث،
رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وأبو داود والحاكم وابن حبان والبيهقي وصححوه،
ومنها ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة رفعه افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي،
ورواه ابن حبان والحاكم بنحوه وقال الحاكم إنه حديث كثير في الأصول ثم قال الزركشي ورواه البيهقي وصححه من حديث أبي هريرة وغيره،
ومنها ما رواه الأربعة عن أبي هريرة بلفظ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة،(1/25)
وفي رواية للترمذي أن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا من هي يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي،
وتقدم الحديث بأبسط في "فترقت اليهود" في الهمزة فراجعه، وقال في المقاصد وروي عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وعوف بن مالك وأنس وجابر وابن <صفحة 369> عمرو وابن مسعود وعلي وعمر ومعاوية وأبي الدرداء وغيرهم، قال كما بينتها في كتابي في الفرق، وكما في تخريج الزيلعي من سورة الأنعام، انتهى.
وفي المقاصد الحسنة :
340 - حديث: تفرق الأمة، أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه عن أبي هريرة رفعه: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول اللَّه؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي، وهو عند ابن حبان والحاكم في صحيحهما بنحوه، وقال الحاكم: إنه حديث كبير في الأصول، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعوف بن مالك. قلت: وعن أنس، وجابر، وأبي أمامة، وابن عمر، وابن مسعود، وعلي، وعمرو بن عوف، وعويمر أبي الدرداء، ومعاوية، ووائلة، كما بينتها في كتابي في الفرق، وأودع الزيلعي في سورة الأنعام من تخريجه من ذلك جملة.
وفي نظم المتناثر :
18- (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة).
أورده في الجامع بهذا اللفظ من حديث الأربعة (1) عن أبي هريرة زاد المناوي في التيسير بأسانيد جيدة.
((1/26)
قلت) وأخرجه أيضاً من حديث أحمد والحاكم وأورده فيه أيضاً من حديث الترمذي (2) عن عبد اللّه ابن عمرو بن العاصي بلفظ ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه عسلانية لكان في أمتي من يصنع ذلك وأن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ما أنا عليه وأصحابي وأخرجه أحمد وأبو داود من حديث (3) معاوية بن أبي سفيان بلفظ إلا أن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة وأخرجه عبد بن حميد في مسنده من حديث (4) سعد بن أبي وقاص بلفظ افترقت بنو إسرائيل على احدى وسبعين ملة ولن تذهب الليالي ولا الأيام حتى تفترق أمتي على مثلها وكل فرقة منها في النار إلا واحدة وهي الجماعة.
وأخرج الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير عن (5) كثير بن عبد اللّه بن عمرو بن عوف بن مالك عن أبيه عن جده مرفوعاً ألا أن بني إسرائيل افترقت على موسى سبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم ثم أنكم تكونون على ثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا واحدة الإسلام وجماعتهم.
وأخرج أحمد عن (6) أنس مرفوعاً أن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلك سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وأن أمتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون وتخلص فرقة قيل يا رسول اللّه من تلك الفرقة قال الجماعة الجماعة.
وأخرج ابن أبي عاصم (7) عن علي قال تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة وأنتم على ثلاث وسبعين فرقة وأن من أضلها وأخبثها من يتشيع أو الشيعة وحكمه الرفع.(1/27)
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن (8) قتادة قال سأل النبي صلى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن سلام على كم تفرقت بنو إسرائيل قال على واحدة أو اثنتين وسبعين فرقة قال وأمتي أيضاً ستفترق مثلهم أو يزيدون واحدة كلها في النار إلا واحدة فهذا حديث كما ترى وارد من عدة طرق بألفاظ مختلفة وله ألفاظ أخر وقد أخرجه الحاكم من عدة طرق وقال هذه أسانيد تقوم بها الحجة وقال الزين العراقي أسانيده جياد وفي فيض القدير أن السيوطي عده من المتواتر ولم أره في الأزهار وفي شرح عقيدة السفاريني ما نصه وأما الحديث الذي أخبر النبي صلى اللّه عليه وسلم أن أمته ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار فروى من حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبي الدرداء ومعاوية وابن عباس وجابر وأبي أمامة وواثلة وعوف بن مالك وعمرو ابن عوف المزني فكل هؤلاء قالوا واحدة في الجنة وهي الجماعة ولفظ حديث معاوية ما تقدم فهو الذي ينبغي أن يعول عليه دون الحديث المكذوب على النبي صلى اللّه عليه وسلم اهـ يريد به حديث العقيلي وابن عدي عن أنس تفترق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة قيل يا رسول اللّه من هم قال الزنادقة وهم القدرية وفي لفظ تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في الجنة إلا فرقة واحدة وهي الزنادقة وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات في كتاب السنة وتبعه في اللئالي وقال ابن تيمية لا أصل له بل هو موضوع كذب باتفاق أهل العلم بالحديث انظر شرح العقيدة المذكورة.
****************
وقال المباركفوري في التحفة :(1/28)
قوله: (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة) شك من الراوي، ووقع في حديث عبد الله بن عمرو الاَتي: وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة من غير شك (والنصارى مثل ذلك) أي أنهم أيضاً تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة (وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) المراد من أمتي الإجابة. وفي حديث عبد الله بن عمرو الاَتي: كلهم في النار إلا ملة واحدة، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر عن غيب وقع. قال العلقمي قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف. وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية، انتهى باختصار يسير.(1/29)
قوله: (وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك) أما حديث سعد فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي بعد هذا الحديث، وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه ابن ماجة مرفوعاً ولفظه: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله من هم؟ قال الجماعة. وفي الباب أيضاً عن معاوية بن أبي سفيان، أخرجه أحمد وأبو داود فيه: ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة.
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره.
وفي فيض القدير :
1223 - (افترقت) بكسر الهمزة من الافتراق ضد الاجتماع (اليهود على إحدى) مؤنث واحد (وسبعين فرقة) بكسر الفاء وهي الطائفة من الناس (وتفرقت) هو بمعنى افترقت فمغايرة التعبير للتفنن (النصارى على اثنتين وسبعين فرقة) معروفة عندهم (وتفرقت أمتي) في الأصول الدينية لا الفروع الفقهية إذ الأولى هي المخصوصة بالذم وأراد بالأمة من تجمعهم دائرة الدعوة من أهل القبلة (على ثلاث وسبعين فرقة) زاد في رواية كلها في النار إلا واحدة زاد في رواية لأحمد وغيره والجماعة أي أهل السنة والجماعة وفي رواية هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي وأصول الفرق ستة(1/30)
حرورية وقدرية وجهمية ومرجئة ورافضة وجبرية وانقسمت كل منها إلى اثنتي عشرة فرقة فصارت اثنين وسبعين وقيل بل عشرون روافض وعشرون خوارج وعشرون قدرية وسبعة مرجئة وواحدة نجادية وواحدة فرارية وواحدة جهمية وثلاث كرامية وقيل وقيل وقال المحقق الدواني وما يتوهم من أنه إن حمل على أصول المذاهب فهي أقل من هذه العدة أو على ما يشمل الفروع فهي أكثر توهم لا مستند له لجواز كون الأصول التي بينها مخالفة مقيد بها هذا العدد أو يقال لعلهم في وقت من الأوقات بلغوا هذا العدد وإن زادوا أو نقصوا في أكثر الأوقات. واعلم أن جميع المذاهب التي فارقت الجماعة إذا اعتبرتها وتأملتها لم تجد لها أصلاً فلذلك سموا فرقاً لأنهم فارقوا الإجماع وهذا من معجزاته لأنه إخبار عن غيب وقع وهذه الفرق وإن تباينت مذاهبهم متفقون على إثبات الصانع وأنه الكامل مطلقاً الغني عن كل شيء ولا يستغني عنه شيء (فإن قيل) ما وثوقك بأن تلك الفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة مع أن كل واحد من الفرق يزعم أنه هي دون غيره؟ قلنا ليس ذلك بالادعاء والتثبت باستعمال الوهم القاصر والقول الزاعم بل بالنقل عن جهابذة [ص 21] هذه الصنعة وأئمة أهل الحديث الذين جمعوا صحاح الأحاديث في أمر المصطفى صلى اللّه عليه و سلم وأحواله وأفعاله وحركاته وسكناته وأحوال الصحب والتابعين كالشيخين وغيرهما الثقات المشاهير الذين اتفق أهل المشرق والمغرب على صحة ما في كتبهم وتكفل باستنباط معانيها وكشف مشكلاتها كالخطابي والبغوي والنووي جزاهم اللّه خيراً ثم بعد النقل ينظر إلى من تمسك بهديهم واقتفى أثرهم واهتدى بسيرتهم في الأصول والفروع فيحكم بأنهم هم وفيه كثرة أهل الضلال وقلة أهل الكمال والحث على الاعتصام بالكتاب والسنة ولزوم ما عليه الجماعة.
((1/31)
4) وكذا الحاكم والبيهقي (عن أبي هريرة) قال الزين العراقي في أسانيده جياد ورواه الحاكم من عدة طرق ثم قال هذه أسانيد تقوم بها الحجة وعده المؤلف من المتواتر.
وفي عون المعبود :
( افترقت اليهود إلخ ) : هذا من معجزات صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن غيب وقع . قال العلقمي : قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتابا قال فيه قد علم أصحاب المقاولات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد , وفي تقدير الخير والشر وفي شروط النبوة والرسالة وقي موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الأبواب لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضا بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه من غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه , ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئا فشيئا إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنين وسبعين فرقة , والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية انتهى باختصار يسير . قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجة , وحديث ابن ماجة مختصر , وقال الترمذي حسن صحيح .
*********************
وسئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ قدس الله روحه :
عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( تفترق أمتي ثلاث وسبعين فرقة ) . ما الفرق ؟ وما معتقد كل فرقة من هذه الصنوف ؟
فأجاب :(1/32)
الحمد لله الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند؛ كسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، ولفظه : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة ) . وفي لفظ : ( على ثلاث وسبعين ملة ) وفي رواية قالوا : يا رسول الله، من الفرقة الناجية ؟ قال : ( من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) . وفي رواية قال : ( هي الجماعة، يد الله على الجماعة ) .
ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة، وهم الجمهور الأكبر، والسواد الأعظم .
وأما الفرق الباقية، فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبًا من مبلغ الفرقة الناجية، فضلا عن أن تكون بقدرها، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة . وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع . فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة .(1/33)
وأما تعيين هذه الفرق، فقد صنف الناس فيهم مصنفات، وذكروهم في كتب المقالات، لكن الجزم بأن هذه الفرقة الموصوفة . . . [ هنا كلمة لم تظهر بالأصل ] هي إحدى الثنتين والسبعين لابد له من دليل، فإن الله حرم القول بلا علم عمومًا، وحرم القول عليه بلا علم خصوصًا، فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 168، 169 ] ، وقال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا } [ الإسراء : 36 ] ، وأيضًا، فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع، وهذا ضلال مبين، فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة، بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .(1/34)
فمن جعل شخصًا من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة ـ كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك ـ كان من أهل البدع والضلال والتفرق .
وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعًا لها، تصديقًا وعملا وحبًا وموالاة لمن والاها، ومعاداة لمن عادها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه .
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقًا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفًا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم .
وجماع الشر الجهل والظلم، قال الله تعالى : { وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } إلى آخر السورة [ الأحزاب : 72، 73 ] . وذكر التوبة لعلمه سبحانه وتعالى أنه لابد لكل إنسان من أن يكون فيه جهل وظلم، ثم يتوب الله على من يشاء، فلا يزال العبد المؤمن دائمًا يتبين له من الحق ما كان جاهلًا به، و يرجع عن عمل كان ظالمًا فيه .(1/35)
وأدناه ظلمه لنفسه، كما قال تعالى : { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ } [ البقرة : 257 ] ، وقال تعالى : { هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [ الحديد : 9 ] ، وقال تعالى : { الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ } [ إبراهيم : 1 ] .
ومما ينبغي أيضًا أن يعرف : أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات، منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة .
ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محمودًا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلًا بباطل أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة .
ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ . والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك .
ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها، لهم مقالات قالوها باجتهاد، وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى موافقه وعادي مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين، وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات .
ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع [ الخوارج ] المارقون . وقد صح الحديث في الخوارج عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه خرجها مسلم في صحيحه، وخرج البخاري منها غير وجه .(1/36)
وقد قاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب، فلم يختلفوا في قتالهم كما اختلفوا في قتال الفتنة يوم الجمل وصفين؛ إذ كانوا في ذلك ثلاثة أصناف : صنف قاتلوا مع هؤلاء، وصنف قاتلوا مع هؤلاء، وصنف أمسكوا عن القتال وقعدوا، وجاءت النصوص بترجيح هذه الحال .
فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين وكفّروهم واستحلوا قتالهم، جاءت السنة بما جاء فيهم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ) .
وقد كان أولهم خرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى قِسْمَة النبي صلى الله عليه وسلم قال : يامحمد، اعدل؛ فإنك لم تعدل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد خبت وخسرت إن لم أعدل ) فقال له بعض أصحابه : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال : ( إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم ) الحديث .
فكان مبدأ البدع هو الطعن في السنة بالظن والهوى، كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه وهواه .
وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك ـ وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين ـ قالا : أصول البدع أربعة : الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة .(1/37)
فقيل لابن المبارك : والجهمية ؟ فأجاب بأن أولئك ليسوا من أمة محمد . وكان يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية . وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد وغيرهم، قالوا : إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام، وهم الزنادقة .
وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم : بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة، وجعلوا أصول البدع خمسة، فعلى قول هؤلاء : يكون كل طائفة من [ المبتدعة الخمسة ] اثنا عشر فرقة، وعلى قول الأولين : يكون كل طائفة من [ المبتدعة الأربعة ] ثمانية عشر فرقة .
وهذا يبني على أصل آخر، وهو : تكفير أهل البدع . فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم؛ فإنه لا يكفر سائر أهل البدع، بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله : ( هم في النار ) مثل ما جاء في سائر الذنوب، مثل أكل مال اليتيم وغيره، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [ النساء : 10 ] .
ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين :
منهم من يكفرهم كلهم، وهذا إنما قاله بعض المستأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين .
وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير [ المرجئة ] و [ الشيعة ] المفضلة ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع ـ من هؤلاء وغيرهم ـ خلافًا عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم . وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة .
ومنهم من لم يكفر أحدًا من هؤلاء إلحاقًا لأهل البدع بأهل المعاصي،قالوا : فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدًا بذنب،فكذلك لا يكفرون أحدًا ببدعة .(1/38)
والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير [ الجهمية المحضة ] ، الذين ينكرون الصفات، وحقيقة قولهم أن الله لا يتكلم ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة، ولا سمع ولا بصر ولا حياة، بل القرآن مخلوق، وأهل الجنة لايرونه كما لا يراه أهل النار، وأمثال هذه المقالات .
وأما الخوارج والروافض، ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره .
وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال .
وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين :
أحدهما : أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقًا؛ فإن الله منذ بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه القرآن، وهاجر إلى المدينة، صار الناس ثلاثة أصناف : مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر، ومنافق مستخف بالكفر؛ ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة، ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشرة آية في المنافقين .(1/39)
وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن، كقوله : { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [ الأحزاب : 1 ] ، وقوله : { إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا } [ النساء : 14 ] ، وقوله : { فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } [ الحديد : 15 ] ، وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام، وإلا فهم في الباطن شر من الكفار، كما قال تعالى : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } [ النساء : 145 ] ، وكما قال : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 84 ] ، وكما قال : { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ التوبة : 53، 54 ] .
وإذا كان كذلك، فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر، ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية، فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة . وأول من ابتدع الرفض كان منافقًا . وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق؛ ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم .(1/40)
ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنًِا وظاهرًا، لكن فيه جهل وظلم حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق، ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقًا أو عاصيًا، وقد يكون مخطئًا متأولا مغفورًا له خطؤه ، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه، فهذا أحد الأصلين .
والأصل الثاني : أن المقالة تكون كفرًا، كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج، وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول، ومقالات الجهمية هي من هذا النوع؛ فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه، ولما أنزل الله على رسوله .
وتغلظ مقالاتهم من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع كثيرة جدًا مشهورة وإنما يردونها بالتحريف .
الثاني : أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع، وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع . فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله، فأصل الكفر الإنكار لله .
الثالث : أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها، لكن مع هذا قد يخفى كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان، حتى يظن أن الحق معهم، لما يوردونه من الشبهات . ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطنًا وظاهرًا، وإنما التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة، فهؤلاء ليسوا كفارًا قطعًا، بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي، وقد يكون منهم المخطئ المغفور له، وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه .(1/41)
وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة : أن الإيمان يتفاضل ويتبعض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ) وحينئذ فتتفاضل ولاية الله وتتبعض بحسب ذلك .
وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنبًا ما ليس بذنب، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب ـ وإن كانت متواترة ـ ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : ( يقتلون أهل الإسلام وَيَدعون أهل الأوثان ) . ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما، وكفروا أهل صفين ـ الطائفتين ـ في نحو ذلك من المقالات الخبيثة .
وأصل قول الرافضة : أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على عَلِيٍّ نصًا قاطعًا للعذر، وأنه إمام معصوم، ومن خالفه كفر، وأن المهاجرين والأنصار كتموا النص وكفروا بالإمام المعصوم، واتبعوا أهواءهم وبدلوا الدين، وغيروا الشريعة، وظلموا واعتدوا، بل كفروا إلا نفرًا قليلًا : إما بضعة عشر أو أكثر، ثم يقولون : إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زالا منافقين . وقد يقولون : بل آمنوا ثم كفروا .
وأكثرهم يكفر من خالف قولهم، ويسمون أنفسهم المؤمنين، ومن خالفهم كفارًا، ويجعلون مدائن الإسلام التي لا تظهر فيها أقوالهم دار ردة، أسوأ حالاً من مدائن المشركين والنصارى؛ ولهذا يوالون اليهود والنصارى والمشركين على بعض جمهور المسلمين . ومعاداتهم ومحاربتهم، كما عرف من موالاتهم الكفار المشركين على جمهور المسلمين، ومن موالاتهم الإفرنج النصارى على جمهور المسلمين، ومن موالاتهم اليهود على جمهور المسلمين .(1/42)
ومنهم ظهرت أمهات الزندقة والنفاق، كزندقة القرامطة الباطنية وأمثالهم، ولا ريب أنهم أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة؛ ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السنى إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم : أنا سني، فإنما معناه : لست رافضيًا .
ولا ريب أنهم شر من الخوارج، لكن الخوارج كان لهم في مبدأ الإسلام سيف على أهل الجماعة، وموالاتهم الكفار أعظم من سيوف الخوارج، فإن القرامطة والإسماعيلية ونحوهم من أهل المحاربة لأهل الجماعة، وهم منتسبون إليهم، وأما الخوارج فهم معروفون بالصدق، والروافض معروفون بالكذب . والخوارج مرقوا من الإسلام، وهؤلاء نابذوا الإسلام .
وأما القدرية المحضة ، فهم خير من هؤلاء بكثير، وأقرب إلى الكتاب والسنة، لكن المعتزلة وغيرهم من القدرية هم جهمية أيضًا، وقد يكفرون من خالفهم، ويستحلون دماء المسلمين فيقربون من أولئك .
وأما المرجئة، فليسوا من هذه البدع المغلظة، بل قد دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة، وما كانوا يُعَدُّون إلا من أهل السنة، حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة .
ولما كان قد نسب إلى الإرجاء والتفضيل قوم مشاهير متبعون، تكلم أئمة السنة المشاهير في ذم المرجئة المفضلة تنفيرًا عن مقالتهم، كقول سفيان الثوري : من قَدَّم عليًا على أبي بكر والشيخين فقد أزرى ( أي : حطَّ من شأنهم ) بالمهاجرين والأنصار، وما أرى يصعد له إلى الله عمل مع ذلك . أو نحو هذا القول . قاله لما نسب إلى تقديم على بعض أئمة الكوفيين . وكذلك قول أيوب السختياني : من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، قاله لما بلغه ذلك عن بعض أئمة الكوفيين . وقد روى أنه رجع عن ذلك ، وكذلك قول الثوري ومالك والشافعي وغيرهم في ذم المرجئة لما نسب إلى الإرجاء بعض المشهورين .(1/43)
وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى، ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } [ السجدة : 24 ] فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين، فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعًا لمن بعده، كما كان تابعًا لمن قبله .
وإلا فالسنة هي ما تَلَقَّاه الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة، وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر . والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم ، والله أعلم .
**************
وقال أيضا في مكان آخر :
وقال الإمام أبو عبد اللّه محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه [ اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات ] ، قال في آخر خطبته : [ فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد اللّه ـ عز وجل ـ ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه، قولا واحدًا وشرعًا ظاهرًا، وهم الذين نقلوا عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك حتى قال : ( عليكم بسنتي ) وذكر الحديث . وحديث ( لعن اللّه من أحدث حدثًا ) قال : فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف ـ وهم الذين أُمرنا بالأخذ عنهم؛ إذ لم يختلفوا بحمد اللّه تعالى في أحكام التوحيد، وأصول الدين من [ الأسماء والصفات ] ، كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا، كما نقل سائر الاختلاف ـ فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم وعامتهم، حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين، حتى نقلوا ذلك قرنًا بعد قرن؛ لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر، وللّه المنة .(1/44)
ثم إني قائل ـ وباللّه أقول ـ : إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد وذكر الأسماء والصفات على خلاف منهج المتقدمين، من الصحابة والتابعين، فخاضوا في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار، ولم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار، وصار معولهم على أحكام هوى حسن النفس المستخرجة من سوء الظن به، على مخالفة السنة والتعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس، فتأولوا على ما وافق هواهم /وصححوا بذلك مذهبهم : احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين، ومأخذ المؤمنين، ومنهاج الأولين؛ خوفًا من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمته ومنع المستجيبين له حتى حذرهم .
ثم ذكرأبو عبد اللّه خروج النبي صلى الله عليه وسلم وهم يتنازعون في القدر وغضبه، وحديث ( لا أُلْفَيَنَّ أحَدَكم ) وحديث ( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ) فإن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه، ثم قال : فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة، ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان، المعروفين بنقل الأخبار ممن لا يقبل المذاهب المحدثة، فيتصل ذلك قرنًا بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة والأمانة، الحافظين على الأمة مالهم وما عليهم من إثبات السنة(1/45)