مقاصد الفتوى الحموية الكبرى
لشيخ الإسلام
أحمد بن عبدالحليم بن تيمية
كتبها
عبدا لله بن محسن الصاعدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
فقد بنى شيخ الإسلام فتواه الموسومة بـ ( الفتوى الحموية الكبرى ) على جملة من المقاصد بلغت عشرين مقصدا ، وكان الأمر كذلك لأنه يقرر فيها ثلاث مقامات :
الأول : البيان لمن كان متمسكا بهدي السلف ، فهولاء حقهم البيان والتثبت .
الثاني : الدعوة للمخالف .
الثالث : الرد على المخالف ممن لم يقع عنده استجابة لهذا الحق المقرر.
والمقصد من بيان هذه المقاصد هو تقريب الفتوى الحموية لكي يسهل استحضار ما فيها من علم ، وتكون معينة لمن أراد أن يقرر معتقد السلف في درس أو محاضرة .
وهذا أوان الشروع في المقاصد :
المقصد الأول : شرع المؤلف في افتتاح فتواه بمقدمه تضمنت جملة من الأوجه المبنية على النظر الشرعي الدالة على صحة مذهب السلف وبطلان سائر المذاهب المخالفة لسائر أبواب أصول الدين .
وأصل هذه المقدمات، أن من بدهيات دين الإسلام أن الله أكمل الدين وأن الرسول بعث بالدين والهدى وبين أصول الدين فمن عارض في هذه المقدمة فليس من المسلمين وكانت هذه المقدمة ملزمة فمن التزمتا التزم بفروعها .
والأوجه كالآتي :
الوجه الأول : صحة المذهب باعتبار مبناه ودليله .
وهو من قول المؤلف (الحمد لله رب العالمين قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون : من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان .....
إلى قوله :{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني }.
الوجه الثاني : بيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين باب الإيمان بالأسماء والصفات والعلم به لأمته .
وهو من قوله :( فمن المحال في العقل والدين أن يكون السراج المنير الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور وأنزل معه الكتاب بالحق.....(1/1)
إلى قوله: (فكيف يكون ذلك الكتاب وذلك الرسول وأفضل خلق الله بعد النبيين لم يحكموا هذا الباب اعتقادا وقولا.)
الوجه الثالث : بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لأمته باب الآداب ونحوه فمن باب أولى أن يبن باب الأسماء والصفات لأنه أعظم .
وهو من قوله :( ومن المحال أيضا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة وقال : { تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك }).
إلى قوله : (بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول على غاية التمام).
الوجه الرابع : بيان أن الصحابة رضى الله عنهم بينوا باب الأسماء والصفات كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهو من قوله : ( إذا كان قد وقع ذلك منه : فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه).
الوجه الخامس : بيان أن التابعين ومن بعدهم من القرون المفضلة كانوا قائلين بالحق في باب الأسماء والصفات .
وهو من قوله : (ثم من المحال أيضا أن تكون القرون الفاضلة - القرن الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ....).
إلى قوله : (ثم الكلام في هذا الباب عنهم : أكثر من أن يمكن سطره في هذه الفتوى وأضعافها يعرف ذلك من طلبه وتتبعه).
الوجه السادس :بيان أنه من المحال أن يكون الخالفون أعلم من السالفين بباب الأسماء والصفات .
وهو من قوله : ( ولا يجوز أيضا أن يكون الخالفون أعلم من السالفين كما قد يقوله بعض الأغبياء ممن لم يقدر قدر السلف).
إلى قوله : (واعتقاد أنهم كانوا قوما أميين بمنزلة الصالحين من العامة ؛ لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله).(1/2)
ومن قوله (1) : ( ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر : لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر)
إلى قوله : ( أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم : أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان).
الوجه السابع :بيان أن المتكلمين كثر اضطرابهم في باب الأسماء والصفات بشهادة أنفسهم .
وهو من قوله : (ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة ؛ بل في غاية الضلالة ).
إلى قوله : (ويقول الآخر منهم : أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام).
المقصد الثاني : بيان وتقرير صفة العلو باعتبارين:
الأول : أنها مبنى إثبات كثير من الصفات تضمنا أو لزوما .
الثاني : أنها من أخص المسائل التي غلط فيها متأخري الأشعرية .
وهو من قوله : ( وإذا كان كذلك : فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة).
إلى قوله : (حتى يجيء أنباط الفرس والروم وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل أن يعتقدها).
المقصد الثالث :بيان حقيقة منهج المتكلمين وما يلزم منه .
وهو من قوله : (لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون المتكلفون هو الاعتقاد الواجب وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم..).
إلى قوله : (إنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة - في هذه المقالة - وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين ).
المقصد الرابع : بيان مقالة التعطيل ونشأة مذهب قدماء المتكلمين .
__________
(1) _ تبدأ هذه الجملة بعد نهاية الوجه السابع .(1/3)
وهو من قوله : ( ثم أصل هذه المقالة - مقالة التعطيل للصفات - إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين ).
إلى قوله : (ولما كان في حدود المائة الثالثة : انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية ؛ بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة وابن المبارك وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم : كثير في ذمهم وتضليلهم).
المقصد الخامس : بيان أن مذهب متكلمة الصفاتية متولد من مذهب الجهمية والمعتزلة مع بيان الفرق من وجه آخر .
وهو من قوله : ( وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس - مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه " تأسيس التقديس ").
إلى قوله : ( والفتوى لا تحتمل البسط في هذا الباب وإنما أشير إشارة إلى مبادئ الأمور والعاقل يسير وينظر ).
المقصد السادس :بيان موارد كلام السلف في الأسماء والصفات .
من قوله : ( وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكر ههنا إلا قليلا منه ؛ مثل كتاب السنن للالكائي والإبانة لابن بطة...).
إلى قوله : ( فكيف تطيب نفس مؤمن - بل نفس عاقل - أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين).
المقصد السابع : بيان قاعدة السلف العامة في الأسماء والصفات.
من قوله : ( فصل
ثم القول الشامل في جميع هذا الباب : أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وبما وصفه به السابقون ؛ الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث).
إلى قوله : (فيعطلوا أسماءه الحسنى وصفاته العليا ويحرفوا الكلم عن مواضعه ويلحدوا في أسماء الله وآياته).
المقصد الثامن : بيان التلازم بين التعطيل والتمثيل .(1/4)
وهو من قوله : (وكل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل : فهو جامع بين التعطيل والتمثيل ).
إلى قوله : (وامتاز الأول بتعطيل كل اسم للاستواء الحقيقي وامتاز الثاني بإثبات استواء هو من خصائص المخلوقين).
المقصد التاسع : بيان موقف السلف من القياس في صفات الله .
وهو من قوله : ( والقول الفاصل ،هو ما عليه الأمة الوسط ؛ من أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله ويختص به).
إلى قوله : (كل من ظن أن غير الرسول أعلم بهذا منه أو أكمل بيانا منه أو أحرص على هدي الخلق منه : فهو من الملحدين لا من المؤمنين . والصحابة والتابعون لهم بإحسان ومن سلك سبيلهم في هذا الباب على سبيل الاستقامة).
المقصد العاشر : بيان المناهج المحدثة المنحرفة عن طريقة السلف في إثبات الأسماء والصفات .
وهو من قوله : (وأما المنحرفون عن طريقهم : فهم " ثلاث طوائف " : أهل التخييل وأهل التأويل وأهل التجهيل ).
إلى قوله : (هم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة وسائر أصناف الملاحدة ).
المقصد الحادي عشر: بيان جملة من أقوال السلف المباينة لأهل التأويل والتجهيل
وهي من قوله : ( ونحن نذكر من " ألفاظ السلف " بأعيانها " وألفاظ من نقل مذهبهم " - إلى غير ذلك من الوجوه بحسب ما يحتمله هذا الموضع - ما يعلم به مذهبهم ) .
إلى قوله : (وهذا مثل قول الشافعي . وقصة أبي يوسف - صاحب أبي حنيفة - مشهورة في استتابة بشر المريسي حتى هرب منه لما أنكر أن يكون الله فوق عرشه قد ذكرها ابن أبي حاتم وغيره ).
المقصد الثاني عشر : بيان أن إثبات الأسماء والصفات على نحو ما سلف ليس خاصا بالحنابلة وذلك بذكر نقول عن أصحاب الأئمة .
وهو من قوله : (وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين " الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في " أصول السنة " قال فيه : باب الإيمان بالعرش).(1/5)
إلى قوله : (وهذا الكلام الذي ذكره الخطابي قد نقل نحوا منه من العلماء من لا يحصى عددهم مثل أبي بكر الإسماعيلي والإمام يحيى بن عمار السجزي وشيخ الإسلام أبي إسماعيل الهروي صاحب " منازل السائرين " و " ذم الكلام " وهو أشهر من أن يوصف وشيخ الإسلام أبي عثمان الصابوني وأبي عمر بن عبد البر النمري إمام المغرب وغيرهم ).
المقصد الثالث عشر : بيان جملة من أقوال بعض قدماء الصوفية الموافق لتقرير مذهب السلف في الأسماء والصفات.
وهو من قوله : (وقال أبو نعيم الأصبهاني صاحب " الحلية " في عقيدة له قال في أولها : " طريقتنا طريقة المتبعين الكتاب والسنة وإجماع الأمة...).
إلى قوله : (وأما أهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج : فكلهم ينكرونها ولا يحملون شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أقر بها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون : بما نطق به كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أئمة الجماعة . هذا كلام ابن عبد البر إمام أهل المغرب).
المقصد الرابع عشر : بيان جملة من أقوال كبار الأشاعرة الموافق لتقرير مذهب السلف في إثبات الأسماء والصفات .
وهو من قوله : (وفي عصره الحافظ " أبو بكر البيهقي " مع توليه للمتكلمين من أصحاب أبي الحسن الأشعري وذبه عنهم قال : في كتابه " الأسماء والصفات " باب ما جاء في إثبات اليدين صفتين..).
إلى قوله : ( وقوله { لما خلقت بيدي } { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله : { تجري بأعيننا } وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه).
المقصد الخامس عشر : بيان غرض المصنف من نقولاته عن بعض المخالفين .
وهو من قوله : (قلت : وليعلم السائل أن الغرض " من هذا الجواب " ذكر ألفاظ بعض الأئمة الذين نقلوا مذهب السلف في هذا الباب ؛ وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله - من المتكلمين وغيرهم - يقول بجميع ما نقوله في هذا الباب وغيره ).(1/6)
إلى قوله : ( وجماع الأمر في ذلك ، أن الكتاب والسنة يحصل منهما كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه وقصد اتباع الحق وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه والإلحاد في أسماء الله وآياته).
المقصد السادس عشر :بيان الجمع بين علو الله سبحانه وتعالى ومعيته لخلقه .
وهو من قوله : ( ولا يحسب الحاسب أن شيئا من ذلك يناقض بعضه بعضا ألبتة ؛ مثل أن يقول القائل : ما في الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش يخالفه الظاهر من قوله : { وهو معكم أين ما كنتم } ).
إلى قوله : (ومن كان له نصيب من المعرفة بالله والرسوخ في العلم بالله : يكون إقراره للكتاب والسنة على ما هما عليه أوكد ).
المقصد السابع عشر : بيان المقصود بالظاهر في نصوص الصفات.
وهو من قوله : (واعلم أن من المتأخرين من يقول : مذهب السلف إقرارها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد وهذا اللفظ مجمل ).
إلى قوله : (علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط وكثير منهم قد صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك).
المقصد الثامن عشر :بيان حال السلف مع نصوص الصفات ومع مخالفيهم وحال مخالفيهم معهم .
وهو من قوله : (والله يعلم أني بعد البحث التام ومطالعة ما أمكن من كلام السلف ما رأيت كلام أحد منهم يدل - لا نصا ولا ظاهرا ولا بالقرائن - على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر...).
إلى قوله : (ومن حكى عن الناس " المقالات " وسماهم بهذه الأسماء المكذوبة - بناء على عقيدته التي هم مخالفون له فيها - فهو وربه والله من ورائه بالمرصاد ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) .
المقصد التاسع عشر : بيان أقسام الناس في آيات الصفات وأحاديثها.
وهو من قوله : (وجماع الأمر : أن الأقسام الممكنة في آيات الصفات وأحاديثها " ستة أقسام " كل قسم عليه طائفة من أهل القبلة ).(1/7)
إلى قوله : (فهذه " الأقسام الستة " لا يمكن أن يخرج الرجل عن قسم منها".
المقصد العشرون : الخاتمة ،وفيها توجيهات لطالب الحق .
وهو من قوله : (والصواب في كثير من آيات الصفات وأحاديثها ؛ القطع بالطريقة الثابتة كالآيات والأحاديث الدالة على أن الله - سبحانه وتعالى - فوق عرشه ويعلم طريقة الصواب في هذا وأمثاله بدلالة الكتاب والسنة والإجماع على ذلك) ، إلى نهاية الفتوى .
وبه تمت المقاصد والله أسأل أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجه خالية من شائبة الرياء والسمعة .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبة وسلم تسليما مزيدا(1/8)