فتيا في حكم القيام والانحناء والألقاب
لشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله
تحقيق : الشيخ الوليد بن عبد الرحمن الفريان
توطئة .
الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، القائل { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } (1) والصلاة والسلام ، على من كان أحسن الناس خلقا (2) نبينا محمد بن عبد الله ، وعلى آله ، وصحبه ، ومن والاه .
أما بعد فإن حياة المسلم بجميع تفاصيلها : ممارسة عبادية وخلافة ربانية . حددت الشريعة المطهرة ضوابطها ، ومعالمها وتكفلت بتمييز جوانبها وأشكالها . وفن معاملة الإنسان لبني جنسه - على كافة المستويات - باعتباره جانبا حيويا في حياة الفرد المسلم ، حظي بنصيب وافر ، من اهتمام النصوص الشرعية . روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : « إن من خياركم أحسنكم أخلاقا » (3) وعن أبي الدرداء رضي الله
__________
(1) سورة القلم الآية 4
(2) أخرجه البخاري 7 \ 119 ومسلم رقم 2150 عن أنس رضي الله عنه .
(3) صحيح البخاري رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار برقم ( 20414 ) ومسلم في الصلاة برقم ( 789 ) والترمذي في الصلاة برقم ( 310 ) والنسائي في القبلة برقم ( 742 ) وأبو داود برقم ( 602 ) وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم ( 942 ) (3366).(20/287)
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق » (1) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا » (2) . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم » (3) . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا » (4) .
كل هذه النصوص ، وغيرها ، تؤكد مدى المكانة التي أولاها الإسلام للأخلاق الحسنة ، وما تعود به على المجتمعات : من تماسك وترابط ، وتراحم . والواقع أن الخلق الطيب يمثل في حقيقته ، انعكاسا لما تعمر به النفوس : من معتقدات واتجاهات فكرية ، وبقدر استقامتها تعتدل الأخلاق وتتزن . ولهذا نجد أنه كلما ازداد المسلم تمسكا بدينه ، كان في مقابله نزوع إلى الكمال في الخلق والأدب . وقد اهتم السلف الصالح رضوان الله عليهم بالتأليف في هذا الجانب ، ومعالجة جميع الظواهر التي تند عن الخط الإسلامي الأصيل . ومن تلك الرسائل القيمة هذه الفتيا في حكم القيام والانحناء والألقاب .
__________
(1) سنن الترمذي رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم ( 7087 ) و ( 7149 ) و ( 7297 ) ، وأبو داود في الصلاة برقم ( 591 ) (2003),سنن أبو داود رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة برقم ( 7087 ) و ( 7149 ) و ( 7297 ) ، وأبو داود في الصلاة برقم ( 591 ) (4799),مسند أحمد بن حنبل (6/446).
(2) سنن الترمذي رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين برقم ( 10199 ) ورواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم ( 6744 ) واللفظ له ، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم ( 2380 ) وفي كتاب الفضائل برقم (4348 ) (1162),مسند أحمد بن حنبل (2/250),سنن الدارمي رواه الإمام أحمد في مسند المكثرين برقم ( 10199 ) ورواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة برقم ( 6744 ) واللفظ له ، ورواه مسلم في كتاب الحج برقم ( 2380 ) وفي كتاب الفضائل برقم (4348 ) (2792).
(3) سنن أبو داود من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب. (4798),مسند أحمد بن حنبل (6/90).
(4) سنن الترمذي من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب. (2018).(20/288)
موضوع الرسالة :
تضمنت الفتيا ثلاثة أسئلة فقهية مهمة .
الأول : عن حكم القيام للقادم . وهو مما تنازع الناس فيه فألف في إباحته أبو موسى الأصبهاني جزءا (1) . وأبو زكريا النووي ( ت \ 676 ) ، وسماه الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام . أما شيخ الإسلام ابن تيمية فذهب إلى التفصيل كما سيأتي .
الثاني : عن حكم الألقاب التي ذاعت في تلك العهود .
الثالث : عن حكم الانحناء عند التحية ، أو وضع الرأس على الأرض ونحو ذلك ، وهذان التقليدان من المظاهر الجوفاء الزائفة ، التي سرت وازدهرت إبان الضعف والتدهور . ولا زالت تعج بها بعض بقاع العالم الإسلامي ، التي خضعت للاستعمار أو الحكم الجبري التعسفي المتسلط ؛ لأن مثل هذه الممارسات المبتذلة لا يمكن أن تنمو ، إلا في جو القهر والاستعباد ؛ لبعدهما التام عن تعاليم الدين ، وقيمه المثالية ، التي لا ترضى للمسلم بالذلة والمهانة (2) . وقد أفاض الشيخ ، في جوابه عنها ، على ضوء ما ورد في الكتاب والسنة وما قرره علماء الشريعة من أصول وقواعد عامة .
__________
(1) ذكره النووي في كتاب الترخيص بالقيام \ 47 .
(2) كان للتصوف دور لا ينكر في ترويج هذه الممارسات الممقوتة ورعايتها ؛ حتى غدت في نظرهم من شعائر الدين . وقد استغلها الاستعمار واستثمرها في كبت هاتيك المجتمعات .(20/289)
المؤلف :
هو الإمام الحافظ المفسر المحدث المجتهد ، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية . ولد في حران سنة 661 هـ وتوفي : بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد سنة 728 هـ ، وقد ألف عن حياته الجم الغفير من الكتب ، من أقدمها وأجلها : كتاب ابن عبد الهادي ( ت \ 744 ) المعروف ، بالعقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (1) . وكتاب أبي حفص البزار ( ت \ 749 ) المعروف بالأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية (2) . تناولوا فيها حياة الشيخ بجميع مراحلها وألموا بأهم المنعطفات في سيرته العطرة ، وصوروا مجالسه العلمية ، وحلقاته الدراسية أصدق تصوير ، وقاموا برصد رحلاته وأكثر مؤلفاته ، ثم انثالت الكتب والدراسات المتخصصة بعد ذلك ، وأخذ كل باحث بطرف (3) .
وأين كان الأمر ؟ فابن تيمية بحر متدفق . جمع الله له ، مع سعة العلم ووفرته ، القدرة على التأثير والكشف عن وجه الحق فيما اختلط على الناس . بأسلوب رصين ، ومنهجية محكمة ، بالإضافة إلى التطبيق العملي والجهر بالحق دون مداراة أو مواربة (4) .
__________
(1) طبع في مطبعة المدني بمصر سنة 1403 هـ .
(2) طبع في دار الكتاب الجديد ببيروت سنة 1396 هـ .
(3) من الدراسات العلمية المميزة كتاب مقارنة بين الغزالي وابن تيمية للدكتور محمد سالم ، وكتاب آراء ابن تيمية في الحكم والإدارة للدكتور حمد الفريان .
(4) من مصادر ترجمته تذكرة الحفاظ 4 \ 1496 . والرد الوافر لابن ناصر الدين والبداية والنهاية 13 \ 241 ، 14 \ 135 والدر الكامنة 1 \ 154 وذيل طبقات الحنابلة 2 \ 444 وطبقات المفسرين 1 \ 46 وشذرات الذهب 6 \ 163 .(20/290)
الأصل المعتمد :
اعتمدت في تحقيق الفتيا على نسختين مطبوعتين ؛ إحداهما بعنوان ، فتوى في القيام والألقاب . نشرها د . المنجد عن نسخة خطية في مجموعة يهودا المحفوظة بجامعة برنستن (1) في الولايات المتحدة الأمريكية ورمزت لها بحرف ( ب ) .
والأخرى جاءت مفرقة ، في مجموع فتاوى ابن تيمية المطبوع في الرياض : بين الجزء الأول ، والسادس والعشرين . فحكم القيام والانحناء ورد في الصفحات 372 ، 374 ، 377 من الجزء الأول .
وحكم الألقاب جاء في صفحة 311 من الجزء السادس والعشرين ، ورمزت لها بحرف ( ر ) .
وكلا النسختين يعتريهما النقص ، والتحريف ، والتصحيف .
غير أني عولت في ترتيب فصولها ، على النسخة ( ب ) ؛ لأنها وصلتنا متحدة ، وقد اتبعت في تحقيقها طريقة النص المختار ، وأكملت إحداهما من الأخرى وأثبت الفروق . كما قمت بتخريج نصوصها والترجمة لغير المشاهير إلى غير ذلك مما يتطلبه التحقيق .
وبعد ، فهذا جهد المقل أقدمه ؛ رجاء أن يساهم في توضيح ما قد يتردد على ألسنة الناس ، حول القضايا التي يعايشها المسلم في حياته . وأضرع إلى الله العلي القدير ، أن يوفقنا جميعا للسير على شرعه ومنهاجه . وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
كتبه .
الوليد بن عبد الرحمن الفريان 1 \ 7 \ 1406 هـ .
__________
(1) لم يزد الناشر في وصف النسخة أكثر من ذلك ، وقد وضع لها عنوانا قاصرا عن مضمونها فعدلته بما يلائم محتواها .(20/291)
النص المحقق
[ نص السؤال ]
الحمد لله رب العالمين .
سئل شيخ الإسلام ، أوحد الزمان ، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه (1) . [ ما تقول السادة العلماء ، أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين ] (2) في (3) النهوض والقيام الذي يعتاده الناس من الإكرام عند قدوم شخص معين معتبر ؟ [ و ] (4) هل يجوز أم لا ، عند غلبة (5) ظن المتقاعد عن ذلك ، أن القادم يخجل أو يتأذى باطنه (6) ، وربما آل (7) ذلك إلى بغض ومقت وعداوة (8) ؟ ! [ وهذه الألقاب ] (9) المتواطأ عليها بين الناس ، والمعانقات (10) في المحافل وغيرها ، وتحريك الرقاب إلى جهة الأرض ، والانخفاض هل يجوز [ ذلك ] (11) أو (12) يحرم ؟ ! فإن فعل
__________
(1) في ( ر ) وسئل الإمام العالم العامل الرباني والحبر النوراني أبو العباس أحمد ابن تيمية رحمه الله تعالى .
(2) ساقط من ( ر ) .
(3) في ( ر ) عن
(4) ساقط من ( ر ) .
(5) في ( ر ) وإذا كان يغلب على الظن .
(6) في ( ر ) باطنا .
(7) في ( ر ) أدى .
(8) في ( ر ) عداوة ومقت .
(9) في ( ر ) وسئل عن الألقاب .
(10) في ( ر ) وأيضا المصادفات .
(11) ساقط من ( ب ) .
(12) في ( ر ) أم .(20/292)
رجل ذلك (1) ، عادة وطبعا ليس [ فيه له قصد ] (2) ، هل يحرم (3) أم لا ؟ [ وهل ] (4) يجوز ذلك في حق الأشراف والعلماء ؟ [ وفيمن يبوس (5) الأرض مطمئنا بذلك دائما ، هل يأثم على ذلك أم لا ] (6) ؟ وفيمن (7) يفعل ذلك ؛ لسبب أخذ رزق ، وهو مكره على ذلك (8) [ هل يأثم أم لا ] (9) ؟ وإذا قال : سجدت لله ، هل يصح ذلك [ منه ] (10) أم لا ؟
__________
(1) في ( ر ) ذلك الرجل .
(2) في ( ب ) في قصد .
(3) في ( ر ) يحرم عليه .
(4) ساقط من ( ر ) .
(5) كلمة عامية مولدة بمعنى يقبل .
(6) في ( ر ) عمن يبوس الأرض دائما هل يأثم . وفي موضع آخر . وفيمن يرى مطمئنا ... .
(7) في ( ر ) عمن .
(8) في ( ر ) كذلك .
(9) ساقط من ( ر ) .
(10) ساقط من ( ر ) .(20/293)
[ نص الجواب ]
.
[ صور القيام وأحكامها ]
.
فأجاب (1) :
الحمد لله [ رب العالمين ] (2) . لم يكن من عادة (3) السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه (4) السلام ، كما يفعل (5) كثير من الناس ، بل قد قال أنس بن مالك [ رضي الله عنه ] (6) : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله (7) صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ؛ لما يعلمون من كراهته لذلك (8) ، ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه ؛ تلقيا له ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة (9) (10) . وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ (11) : « قوموا إلى سيدكم » (12) . وكان [ سعد متمرضا بالمدينة ،
__________
(1) في ( ب ) الجواب .
(2) ساقط من ( ب ) .
(3) في ( ر ) لم تكن عادة .
(4) في ( ب ) كما يردون على .
(5) في ( ر ) يفعله .
(6) ساقط من ( ر ) .
(7) في ( ر ) النبي .
(8) أخرجه الترمذي في الجامع ( باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل ) رقم 2755 وأحمد في المسند 3 \ 132 ، 134 ، 151 ، 250 .
(9) هو عكرمة بن أبي جهل القرشي المخزومي . الإصابة 7 \ 46 .
(10) أخرجه الحاكم في المستدرك ( كتاب معرفة الصحابة ) 3 \ 241 ، ومالك في الموطأ . التمهيد 12 \ 52 .
(11) في ( ب ) سعد بن عبادة . والمثبت هو الصواب وهو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس الأنصاري ، سيد الأوس . طبقات ابن سعد 3 \ 420 ، والإصابة 4 \ 171 .
(12) صحيح البخاري من برنامج نور على الدرب. (2878),صحيح مسلم من برنامج نور على الدرب. (1768),سنن أبو داود من برنامج نور على الدرب. (5215),مسند أحمد بن حنبل (3/22).(20/294)
وكان ] (1) قد قدم [ إلى بني قريظة ، شرقي المدينة ] (2) [ ليحكم في بني قريظة (3) ؛ لأنهم نزلوا على حكمه ] (4) (5) ، والذي ينبغي للناس ، أن يعتادوا اتباع السلف ، على ما كانوا عليه ، على عهد النبي (6) صلى الله عليه وسلم ؛ فإنهم خير القرون ، وخير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد [ صلى الله عليه وسلم ] (7) ، فلا يعدل أحد عن هدي خير الخلق (8) ، وهدي خير القرون إلى ما هو دونه ، وينبغي للمطاع أن لا يقر (9) ذلك مع أصحابه ، بحيث إذا رأوه ، لم يقوموا له [ ولا يقوم لهم ] (10) إلا في اللقاء المعتاد . فأما (11) القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له ، فحسن ، وإذا كان من عادة الناس ، إكرام الجائي (12) بالقيام ولو ترك [ ذلك ] (13) لاعتقد أن ذلك بخس في حقه (14) ، أو قصد لخفضه (15) !! ولم
__________
(1) ساقط من ( ر ) .
(2) ساقط من ( ر ) .
(3) هم طائفة من اليهود قدموا المدينة ونزلوا بظاهرها من جهة الجنوب الشرقي ، معجم البلدان 5 \ 234 ، والبداية والنهاية 4 \ 116 .
(4) بعد نقضهم العهد والميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم سنة خمس من الهجرة ، ثم نزلوا على حكم سعد فقتل رجالهم وسبى الذرية . طبقات ابن سعد رقم 2 \ 65 \ 74 ، والاكتفاء رقم 2 \ 176 .
(5) ساقط من ( ب ) .
(6) في ( ر ) رسول الله .
(7) ساقط من ( ب ) .
(8) في ( ر ) الورى .
(9) في ( ب ) أن يقرر .
(10) ساقط من ( ر ) .
(11) في ( ر ) ، وأما .
(12) في ( ب ) المجيء .
(13) ساقط من ( ر ) .
(14) في ( ر ) لترك حقه .
(15) في ( ر ) قصد خفضه .(20/295)
يعلم العادة الموافقة للسنة . فالأصلح أن يقام له ؛ لأن ذلك إصلاح (1) لذات البين ، وإزالة للتباغض (2) والشحناء . وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له ، وليس هذا القيام [ هو القيام ] (3) المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : « من سره أن يتمثل له الرجال قياما ، فليتبوأ مقعده من النار » (4) فإن ذلك أن يقوموا [ له ] (5) وهو قاعد ليس هو : أن يقوموا لمجيئه إذا جاء ؛ ولهذا فرقوا [ بين ] (6) أن يقال : قمت إليه ، وقمت له والقائم للقادم ، ساواه في القيام ، بخلاف القيام (7) للقاعد . وقد ثبت في صحيح مسلم : « أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا في مرضه ، [ و ] (8) صلوا قياما . أمرهم بالقعود ، وقال : لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا » ، فقد (9) نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد ؛ لئلا يشبهوا الأعاجم (10) ، الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود . وجماع ذلك [ كله ] (11) [ أن ] (12)
__________
(1) في ( ر ) أصلح .
(2) في ( ر ) التباغض .
(3) ساقط من ( ر ) .
(4) سنن الترمذي رواه الإمام مسلم في الإيمان برقم ( 126 ) والترمذي في تفسير القرآن برقم ( 2992 ) (2755),سنن أبو داود رواه الإمام مسلم في الإيمان برقم ( 126 ) والترمذي في تفسير القرآن برقم ( 2992 ) (5229).
(5) ساقط من ( ب ) .
(6) ساقط من ( ب ) .
(7) في ( ر ) القائم .
(8) ساقط من ( ر ) .
(9) في ( ر ) وقد .
(10) في ( ر ) يتشبه بالأعاجم .
(11) ساقط من ( ب ) .
(12) ساقط من ( ر ) .(20/296)
الذي يصلح : اتباع عادات (1) السلف ، وأخلاقهم ، والاجتهاد [ عليه ] (2) بحسب الإمكان ، فمن لم يعتد (3) ذلك أو لم (4) يعرف أنه العادة ، وكان في ترك معاملته بما اعتاده [ من ] (5) الناس من الاحترام مفسدة راجحة ، فإنه يدفع أعظم الفسادين ، بالتزام أدناهما . كما يجب فعل أعظم الصلاحين (6) بتفويت أدناهما .
__________
(1) في ( ب ) عادة .
(2) ساقط من ( ب ) .
(3) في ( ر ) يعتقد .
(4) في ( ر ) ولم .
(5) ساقط من ( ب ) .
(6) في ( ب ) الصالحين .(20/297)
فصل [ حكم الانحناء عند التحية ]
وأما الانحناء : عند التحية فينهى عنه ؛ كما في الترمذي « عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنهم سألوه : عن الرجل يلقى أخاه [ أ ] ينحني له ؟ قال : لا » (2) ، ولأن الركوع والسجود لا يجوز فعله إلا لله [ عز وجل ] (3) . وإن كان هذا على وجه التحية في غير شريعتنا كما [ قال ] (4) في قصة يوسف { وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ } (5) ، وفي شريعتنا : لا يصلح السجود إلا لله ، بل [ قد ] (6) تقدم (7) نهيه عن القيام كما تفعل (8) الأعاجم بعضها لبعض (9) ؛ فكيف بالركوع والسجود ؟ ! وكذلك ما هو ركوع ناقص ، يدخل في النهي عنه .
__________
(1) سنن الترمذي رواه مسلم في الصلاة برقم ( 738 ) وأبو داود في الصلاة برقم ( 742 ) وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم ( 1260 ) ومسند بني هاشم برقم ( 1801 ). (2728),سنن ابن ماجه رواه مسلم في الصلاة برقم ( 738 ) وأبو داود في الصلاة برقم ( 742 ) وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة برقم ( 1260 ) ومسند بني هاشم برقم ( 1801 ). (3702).
(2) ساقط من ( ر ) . (1)
(3) ساقط من ( ب ) .
(4) ساقط من ( ر ) .
(5) سورة يوسف الآية 100
(6) ساقط من ( ب ) .
(7) في ( ب ) قدم .
(8) في ( ر ) يفعله .
(9) في ( ب ) ببعض .(20/297)
فصل [ تأريخ استعمال الألقاب وحكمها ]
وأما الألقاب ، فكانت عادة السلف : الأسماء والكنى ، فإذا [ أكرموه ] (1) كنوه بأبي فلان (2) ، تارة يكنون الرجل بولده [ وتارة بغير ولده ] (3) ، كما [ كانوا ] (4) يكنون من لا ولد له ، إما بالإضافة إلى اسمه ، أو اسم أبيه ، أو ابن سميه (5) ، أو إلى أمر (6) [ له ] (7) به تعلق (8) ؛ كما كنى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [ باسم ] (9) ابن أختها : عبد الله (10) (11) ، وكما يكنون داود : أبا (12) سليمان ؛ لكونه باسم داود [ عليه السلام ] (13) . الذي اسم ولده سليمان ، وكذلك كنية إبراهيم : أبو إسحاق ، وكما كنوا (14) عبد الله بن عباس أبا العباس ، وكما كنى النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة باسم هرة (15) كانت [ تكون ] (16) معه (17) ، وكان الأمر على
__________
(1) ساقط من ( ر ) .
(2) في ( ب ) بأبي فلان وأبي فلان .
(3) ساقط من ( ر ) .
(4) ساقط من ( ر ) .
(5) في ( ب ) واسم سميه .
(6) في ( ر ) بأمر .
(7) ساقط من ( ب ) .
(8) في ( ر ) تعلق به .
(9) ساقط من ( ر ) .
(10) هو عبد الله بن الزبير بن العوام أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم . الإصابة 6 \ 83
(11) أخرجه أحمد في المسند 2 \ 151 . وابن سعد في الطبقات 8 \ 66
(12) في ( ب ) أبو .
(13) ساقط من ( ب ) .
(14) في ( ب ) يكنون .
(15) في ( ر ) هريرة .
(16) ساقط من ( ر ) .
(17) أخرجه البغوي . الإصابة 4 \ 202 .(20/298)
ذلك : في القرون الثلاثة ، فلما غلبت دولة الأعاجم بني بويه (1) : صاروا [ يضيفون إلى الدولة فيقولون : ركن الدولة ، عضد الدولة ، بهاء الدولة ] (2) ، ثم بعد هذا (3) أحدثوا الإضافة إلى الدين ، وتوسعوا في هذا (4) ، ولا ريب أن الذي (5) يصلح ، مع الإمكان : هو ما كان السلف يعتادونه من المخاطبات ، والكنايات (6) فمن أمكنه ذاك ، فلا يعدل عنه [ و ] (7) إن اضطر إلى المخاطبة ، لا سيما ، وقد نهي عن الأسماء التي فيها تزكية - كما غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم برة : فسماها زينب (8) ؛ لئلا تزكي نفسها (9) - والكناية بهذه (10) الأسماء المحدثة - خوفا من تولد شر إذا عدل عنها - فليقتصر على مقدار الحاجة .
ولقبوا بذلك : [ لا ] (11) [ أ ] (12) نه علم محض ، لا يلمح (13) فيه [ معنى ] (14) الصفة ، بمنزلة الأعلام المنقولة : أسد وكلب وثور . ولا ريب أن هذه المحدثات [ المنكرة ] (15) التي أحدثها الأعاجم وصاروا
__________
(1) في ( ر ) أمية .
(2) ساقط من ( ر ) .
(3) في ( ب ) ، ثم بعدها .
(4) ينظر المنتظم 8 \ 97 ، والبداية والنهاية 12 \ 43 ، وصبح الأعشى 8 \ 341 .
(5) في ( ب ) ما .
(6) في ( ب ) الكتابات .
(7) ساقط من ( ر ) .
(8) هي زينب بنت أبي سلمة القرشية المخزومية ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإصابة 12 \ 282 .
(9) أخرجه مسلم في الصحيح 14 \ 119 ( نووي ) وأبو داود في السنن رقم 4953 .
(10) في ( ر ) عنه .
(11) ساقط من ( ب ) .
(12) ساقط من ( ر ) .
(13) في ( ر ) تلميح .
(14) ساقط من ( ر ) .
(15) ساقط من ( ر ) .(20/299)
يزيدون فيها ، فيقولون : عز الملة والدين ، وعز الملة والحق والدين ، و [ ما ] (1) أكثر ما يدخل في ذلك من الكذب المبين !! بحيث يكون المنعوت بذلك أحق بضد ذلك الوصف . والذين يقصدون هذه الأمور فخرا وخيلاء يعاقبهم الله بنقيض قصدهم ، فيذلهم [ الله ] (2) ويسلط عليهم عدوهم . والذين يتقون الله ويقومون بما أمرهم به من عبادته وطاعته يعزهم وينصرهم ؛ كما قال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } (3) ، وقال تعالى : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ } (4) (5) .
__________
(1) ساقط من ( ر ) .
(2) ساقط من ( ر ) .
(3) سورة غافر الآية 51
(4) سورة المنافقون الآية 8
(5) في ( ر ) كتب بعد ذلك ما نصه ( والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وسلم ) .(20/300)
فصل (1) . [ السجود لغير الله تعالى وموقف الإسلام منه ]
وأما وضع الرأس ، وتقبيل الأرض (2) [ ونحو ذلك ] (3) مما فيه السجود ، كما (4) يفعل قدام [ بعض ] (5) الشيوخ ، وبعض الملوك !! فلا يجوز ، بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا [ كما « قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : الرجل
__________
(1) ذكر المؤلف شيئا من معاني هذا الفصل في رسالة زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور . مجموعة الرميح \ 170
(2) في ( ر ) أما تقبيل الأرض ووضع الرأس .
(3) ساقط من ( ب ) .
(4) في ( ر ) مما .
(5) ساقط من ( ب ) .(20/300)
منا يلقى أخاه ، أينحني له قال : لا » (1) ] (2) « ولما رجع معاذ » [ رضي الله عنه ] (3) من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذا يا معاذ ؟ قال : يا رسول الله ؟ رأيتهم بالشام (4) يسجدون لأساقفتهم ، ويذكرون ذلك عن أنبيائهم ؛ [ فوددت أن أفعل ذلك بك يا رسول الله ] (5) ، فقال : كذبوا عليهم [ يا معاذ : ] (6) لو كنت آمرا (7) أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من أجل حقه عليها . يا معاذ [ إنه ] (8) لا ينبغي (9) السجود إلا لله (10) .
وأما فعل ذلك تدينا (11) وتقربا ، فهذا من أعظم المنكرات !! ومن اعتقد مثل هذا قربة ودينا (12) ، فهو ضال مفتر ، بل يبين (13) له أن هذا ليس بدين ولا قربة ، فإن أصر على ذلك (14) [ استتيب . فإن
__________
(1) سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2728),سنن ابن ماجه الأدب (3702).
(2) ساقط من ( ب ) .
(3) ساقط من ( ر ) .
(4) في ( ر ) في الشام .
(5) ساقط من ( ر ) .
(6) ساقط من ( ر ) .
(7) في ( ب ) أمر .
(8) ساقط من ( ب ) .
(9) في ( ب ) لا يصلح .
(10) أخرجه أحمد في المسند من طريق عبد الله بن أبي أوفى على غير هذا النحو . ففيه أنه روَّأ ولم يفعل وأن ذلك كان بعد مقدمه من اليمن أو الشام على وجه الشك 4 \ 381 ، ومن طريق معاذ مختصرا وفيه أنه لما رجع من اليمن بصيغة الجزم 5 \ 227 ، وأخرج أبو داود في السنن رقم 2140 والبيهقي في السنن 7 \ 291 أن قيس بن سعد لما قدم من الحيرة أراد ذلك فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم . وأخرج أبو نعيم في أخبار أصبهان 2 \ 103 من طريق شَهْر بن حَوْشَب عن سلمان أنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فذهب يسجد له فزجره عن ذلك .
(11) في ( ب ) أو .
(12) في ( ر ) وتدينا .
(13) في ( ب ) نبين .
(14) في ( ب ) على خلاف ذلك .(20/301)
تاب ، وإلا قتل . وأما إذا أكره الرجل على ذلك ] (1) بحيث لو لم يفعله (2) لأفضى إلى ضربه ، [ أ ] (3) وحبسه ، أو أخذ ماله ، أو قطع رزقه (4) الذي يستحقه من بيت المال ، ونحو ذلك من الضرر ، فإنه يجوز عند أكثر العلماء ، فإن الإكراه عند أكثرهم يبيح الفعل المحرم ؛ كشرب الخمر ونحوه ، و [ هذا ] (5) [ هو ] (6) المشهور عن أحمد وغيره (7) ، ولكن عليه مع (8) ذلك أن يكرهه (9) بقلبه ، ويحرص على الامتناع منه ، بحسب الإمكان . ومن علم الله منه الصدق ، أعانه [ الله تعالى ] (10) ، وقد يعافى ببركة صدقه من الإلزام (11) بذلك . وذهب طائفة إلى أنه ، لا يبيح إلا الأقوال دون الأفعال . ويروى ذلك عن ابن عباس ، ونحوه قالوا : إنما التقية باللسان ، [ وهو ] (12) الرواية الأخرى عن أحمد (13) ، وأما فعل ذلك ؛ لنيل (14) فضول الرياسة ، والمال فلا ! وإذا أكره على مثل ذلك ، ونوى بقلبه أن هذا الخضوع لله تعالى ، كان حسنا ؛ مثل أن يكره [ على ] (15) كلمة الكفر ، وينوي معنى (16) جائزا . والله أعلم (17) .
__________
(1) ساقط من ( ب ) .
(2) في ( ب ) يفعل .
(3) ساقط من ( ب ) .
(4) في ( ب ) خبزه .
(5) ساقط من ( ر ) .
(6) ساقط من ( ب ) .
(7) ينظر المغني 7 \ 119 وجامع العلوم 274 والإنصاف 10 \ 231 .
(8) في ( ب ) بعد .
(9) في ( ر ) يكرههه .
(10) ساقط من ( ب ) .
(11) في ( ر ) الأمر .
(12) ساقط من ( ب ) .
(13) في ( ب ) محمد .
(14) في ( ر ) لأجل .
(15) ساقط من ( ر ) .
(16) في ( ب ) في معنى .
(17) إلى هنا انقضت الفتيا وفي ( ب ) كتب بعد ذلك ما نصه ( صفة خطه : وكتب أحمد ابن تيمية والحمد لله . بلغ مقابلة . ) .(20/302)