الإمَامَةُ
في ضَوءِ الكتابِ والسُّنَّة
لشيخ الإسلام ابن تيمية
ولد سنة 661ه توفي سنة 728ه
رضي الله عنه
الجزء الأول
جمع وتقديم وتعليق
محمد مال الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد ...
إن مسألة الإمامة أو الولاية في اعتقاد الرافضة من أساسيات دينهم، وإن لها من المنزلة في نفوس معتنقيها ما يفوق منزلة الشهادتين وبقية أركان الدين:
1 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية(1).
2 - عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربعة وتركو هذه - يعني الولاية -(2).
3 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل ؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن...(3).
وروايات كثيرة وضعوها في ذلك أعرضنا عنها خشية الإطالة.(1/1)
ومن ضمن اعتقادات الرافضة أن الله تعالى لا يقبل عمل عامل إلا إذا أقرّ بالولاية للأئمة المعصومين وأن الله تعالى نصّ على إمامتهم ولا يسع الناس إلا متابعتهم واعتقاد ولايتهم والبراءة من أعدائهم الذين ناصبوهم، فالولاية محور كل شيء، وأن العبد إن جاء يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة وجهاد وحجّ ولم يأت بهذا الاعتقاد فعمله غير مقبول، فيزعمون أن الصادق رحمه الله تعالى قال: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جلّ جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض، وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقرّ بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه، وإن لم يقرّ بولايتنا بين يدي الله جلّ جلاله لم يقبل الله عز وجل منه شيئاً من أعماله(4).
بل لو أن الإنسان منذ خلق السماوات والأرض عَبَدَ الله بين الركن والمقام، ومكث تلك الفترة في الدعاء والإنابة ثم لم يقرّ بتلك الولاية المزعومة لدخل النار، فيقولون: "نزل جبرئيل على النبي صلّى الله عليه وآله فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع ومن عليهن، وما خلقت موضعاً أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبداً دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر(5).(1/2)
وفي رواية أخرى "فمن وصلنا وصله الله ومن احبنا أحبه الله، ومن حرمنا حرمه الله، أفتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه، قال: ذلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرماً وجعل بيته فيها، ثم قال: أتردون أي البقاع أفضل فيها عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منّا. فكان هو الراد على نفسه فقال: ذلك المسجد الحرام، ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد الحرام أفضل عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منّا، فكان هو الراد على نفسه فقال: ذاك بين الركن والمقام وباب الكعبة، وذلك حطيم إسماعيل عليه السلام ذاك الذي كان يزود فيه غنيماته ويصلّي فيه، والله لو أن عبداً صفّ قدميه في ذلك المقام، قام الليل مصلياً حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقّنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئاً أبداً(6).
وأيضاً: "ولو أن عبداً عمره الله فيما بين الركن والمقام وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام، ثم ذبح عليّ فراشه مظلوماً كما يذبح الكبش الأملح، ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لكان حقيقاً على الله عز وجل أن يكبّه على منخريه في نار جهنم(7).
وأضفوا على الأئمة صفات الله تعالى، بل تجاوزوا ذلك حيث وصفوا الله تعالى بالبداء وهو العلم بالشيء بعد حدوثه، بينما نفوا عن أئمتهم المزعومين الجهل والسهو، وزعموا أن الأئمة يعلمون الغيب وما تخفي الصدور وما في الأرحام.
والرافضة يُكفّرون كل من يخالفهم في مسألة الإمامة بل بنجاسة المخالف، وفي مقابل ذلك وضعت الرافضة فضائل ومناقب عديدة لمعتقد الولاية فاقت تزكية اليهود لأنفسهم، والأغرب من ذلك أن كل رافضي يقترف الخطايا فإنما إثم لك يُحسب على المخالف لهم وهم أهل السنة(8)، وحديث الطينة مشهور عندهم.(1/3)
ونظراً لاتخاذ الرافضة الكذب ديناً في إرساء قواعد دينهم، فإنهم تأولوا القرآن الكريم بما يناسب خدمة دينهم، بل تجرّؤا أكثر من ذلك فقاموا كأسلافهم من اليهود بالتحريف في الكتب السماوية، وإن الناظر في تحريف الرافضة للقرآن الكريم وإضافة أسماء أئمتهم ضمن الآيات القرآنية ليجد العجب العجاب، ويكفينا أن نذكر مثالاً واحداً على ذلك ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع الكتب التي بحثت في موضوع تحريف الرافضة للقرآن الكريم.
عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله جل وعز: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ }، قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم.
قلت: { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ }(9).
قال: والله متم الإمامة لقوله عز وجل: { الذين آمنوا(10) بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا }(11) فالنور هو الإمام.
قلت: { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ }.
قال: وهو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ }.
قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيّه، والولاية هي دين الحق.
قلت: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ }.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال يقول الله: "والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية عليّ عليه السلام".
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.
قلت: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا }.(1/4)
قال: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيّه منافقين، وجعل من جحد وصيّه إمامته كمن جحد محمداً وأنزل بذلك قرآنا، فقال: "يا محمد إذا جاءك بولاية وصيّك قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين بولاية عليّ لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل الله (والسبيل هو الوصي) إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك بأنهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيّك { فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ }(12)".
قلت: ما معنى "لا يفقهون" ؟
قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك.
قلت: "وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله".
قال: وإذا قيل لهم: ارجعوا إلى ولاية عليّ يستغفر لكم النبي من ذنوبكم { لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ } قال: { وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } عن ولاية عليّ { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } عليه، ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } يقول: الظالمين لوصيّك.
قلت: { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }(13).
قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سوياً على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: قوله: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }.
قال: يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي.
قال: قلت: { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ }.(1/5)
قال: قالوا: إن محمداً كذّاب على ربّه وما أمره الله بهذا في عليّ، فأنزل الله بذلك قرآنا فقال: "إن ولاية عليّ تنزيل من رب العالمين، ولو تقوَّل علينا محمد بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين" ثم عطف القول فقال: "إن ولاية عليّ لتذكرة للمتقين للعالمين" وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإن عليّاً لحسرة على الكافرين. وإن ولايته لحق اليقين. فسبح يا محمد باسم ربك العظيم"(14).
يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: { لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ }.
قال: الهدى الولاية آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه { فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا }.
قلت: تنزيل ؟
قال: لا تأويل.
قلت: قوله: { إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا }.
قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله دعا الناس إلى ولاية عليّ فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من هذا، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله: هذا إلى الله ليس إليّ، فاتهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: "قل إني لن يجيرني من الله إن عصيته أحداً ولن أجد من دونه ملتحداً، إلا بلاغاً من الله ورسالاته في عليّ"(15).
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم، ثم قال توكيدا: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}.
قلت: حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصراً وأقلّ عدداً.
قلت: يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت: { فَاْصِبْر عَلَى مَا يَقُولُونَ }.
قال: يقولون فيك { وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً }(16).
قلت: إن هذا تنزيل ؟
قال: نعم.
قلت: { لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }.
قال: يستيقنون أن الله ورسوله ووصيّه حقّ.
قلت: { وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا }.
قال: يزدادون بولاية الوصي إيماناً.(1/6)
قلت: { وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ }.
قال: بولاية عليّ.
قلت: ما هذا الارتياب ؟
قال: يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين ذكر الله، فقال: ولا يرتابون في الولاية.
قلت: { وَمَا هِيَ إِلاّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }.
قال: نعم ولاية عليّ.
قلت: { إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ }.
قال: الولاية.
قلت: { لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ }.
قال: من تقدم إلى ولايتنا أُخّر عن سقر، ومن تأخر عنّا تقدّم إلى سقر.
قلت: { إِلاّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ }.
قال: هم والله شيعتنا.
قلت: { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }.
قال: إنّا لم نتولّ وصيّ محمد والأوصياء من بعده ولا يصلّون عليهم.
قلت: { فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }.
قال: عن الولاية معرضين.
قلت: { كَلاّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ }.
قال: الولاية.
قلت: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ }.
قال: يوفون الله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
قلت: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً }.
قال: بولاية عليّ تنزيلا.
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم ذا تأويل.
قلت: { إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ }(17).
قال: الولاية.
قلت: { يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ }(18).
قال: في ولايتنا.
قلت: { وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا }(19).
قال: ألا ترى أن الله يقول: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(20).
قال: إن الله أعز وأمنع من أن يظلم أو أن يظلم أو أن ينسب نفسه إلى ظلم، ولكن الله خلطنا نفسه فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، ثم أنزل بذلك قرآناً على نبيه فقال: "وما ظلمناهم { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم.
قلت: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ }.(1/7)
قال: يقول: ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية عليّ.
{ أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ، ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ }(21).
قال: الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء.
{ كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ }(22).
قال: من أجرم إلى آل محمد وركب ومن وصيّه ما ركب.
قلت: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ }(23).
قال: نحن والله وشيعتنا، ليس على ملة إبراهيم غيرنا، وسائر الناس منها براء.
قلت: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ } الآية(24).
قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صواباً.
قلت: ما تقولون إذا تكلمتم ؟
قال: نمجّد ربنا ونصلّي على نبينا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا.
قلت: { ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }(25).
قال: يعني أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: تنزيل ؟
قال: نعم(26).
ولا عجب أن يكون الرافضة على هذا المنوال، فمؤسس دينهم يهودي يدعى عبد الله بن سبأ حيث "إن الصبغة الانتقائية التي أضفاها اليهود لأنفسهم قديماً وحديثاً هي التي دفعت ابن سبأ وأمثاله إلى ضرب من الحيرة والشك والتساؤل: أيمكن للخليقة وللقيادة أن تكون منتخبة؟. لقد تاهت نفوسهم المكية بتقديس الممتازين، وما زادتها الأحداث التاريخية إلا شكاً واضطراباً، وبحثوا لهم عن مخرج فوجدوه في القول بالوصية وبالإمامة التي تعد جزءاً من الرسالة السماوية. ولما لم يجدوا في القرآن أو في الأحاديث الصحيحة ما يدعم مذهبهم، أباحوا لأنفسهم أن تتشبث بالسراب، فوضعوا أحاديث مخاطبة الشمس لعلي، ومناظرات الرهبان للمسلمين، وأنطقوا الجماجم، وكان هدفهم إرضاء عقدهم النفسية وإفساد سماحة الدين، ونقاوة الأحاديث النبوية تحت ستار الدفاع عن آل البيت، ورفعهم إلى درجة تجعل المعجزات الكثيرة تظهر على أيديهم لتبرهن أنهم القادة، وأن أتباعهم هم الفائزون.(1/8)
وقد غاب عن هؤلاء أن ما ذهبوا إليه مفضوح، لأن الإسلام أتى بمبدأ تقديم العمل على النسبة(27).
والباعث على جمع هذا الكتاب أن كثيراً من الأخوة اقترحوا عليّ أن أقوم بتصنيف كتاب يرد على الشبهات التي يثيرها الرافضة في كتبهم حول مسألة الإمامة لا سيما استشهادهم على صحة معتقدهم بروايات أهل السنة، فاستخرت الله تعالى وجمعت ما تيسر جمعه من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "منهاج السنة" وعلّقت على مواضع يسيرة منه مكتفياً بتعليقات الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورمزت إلى تعليقاتي بـ"قال أبو عبد الرحمن"، و"م" حيث هو مذكور في نهاية التعليق.
وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته العليّ القدير أن يجعل ثواب ذلك في ميزان حسناتي يوم القيامة وأن يغفر لي ويجعلني من عباده الصالحين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو عبد الرحمن
محمد مال الله
17 صفر الخير 1413هـ
الفصل الأول
الرد على من قال أن علياّ ثبتت له الولاية كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله
قال الرافض: "المنهج الثاني: في الأدلة المأخوذة من القرآن، والبراهين الدّالّة على إمامة عليّ من الكتاب العزيز كثيرة.
البرهان الأول: قوله تعالى: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة: 55] وقد أجمعوا أنها نزلت في عليّ.(1/9)
قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذر: قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: "عليٌّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، فمنصور من نصره، ومخذول من خذله"(28) أمَا إنّي صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحدٌ شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: اللهم إنك تشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلم يعطني أحدٌ شيئاً، وكان عليُّ راكعاً، فأومأ بخنصره اليمنى، وكان متختماً فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم، وذلك بعين النبي صلّى الله عليه وسلّم.
فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: "اللهم إن موسى سألك وقال: { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 25-32] فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا } [القصص: 35] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً اشدد به ظهري".
قال أبو ذر: فما استتم كلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم(29) حتى نزل عليه جبريل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة: 55].
ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في عليّ(30)، والوليّ هو المتصرف، وقد أثبت له الولاية في الآية، كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله".(1/10)
والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظناً، بل كل ما ذكره كذب وباطل، من جنس السفسطة. وهو لو أفاده ظنوناً كان تسميته براهين تسمية براهين تسمية منكرة؛ فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين، كقوله تعالى: { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 111].
وقال تعالى: { أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [النمل: 64].
فالصادق لابد له من برهان على صدقه، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم.
وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب، فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل. وسنبين إن شاء الله تعالى عند كل واحدة منها ما يبين كذبها، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب.
ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قولٍ يحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون كذباً عليه، وإن كان صدقاً فقد خالفه أكثر الناس. فإن كان قول الواحد الذي لم يُعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهاناً، فإنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله، فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين لا تتناقض.
بل سنبين إن شاء الله تعالى قيام البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدّعيه من البراهين، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر، لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه، وأن البراهين الدّالّة على نبوة الرسول حق، وأن القرآن حق، وأن دين الإسلام حق، تناقض ما ذكره من البراهين، فإنه غاية ما يدّعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول.(1/11)
وهذا لأن أصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعناً في دين الإسلام، وروجوها على أقوام، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل، فقبلها لهواه، ولم ينظر في حقيقتها. ومنهم من كان له نظر فتدبرها، فوجدها تقدح في حق الإسلام، فقال بموجبها، وقدح بها في دين الإسلام، إما لفساد اعتقاده في الدين، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام.
ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب؛ فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلَّطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبهاً عند من لم يعلم أنها كذب، وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام.
وضلّت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين. وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة العُبَيْديين إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة، ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضُّلاّل، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في عليّ، ثم في النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم في الإلهية، كما رتّبه لهم صاحب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد.
ثم نقول: ثانياً: الجواب عن هذه الآية حق من وجوه:
الأول: أنّا نطالبه بصحة هذا النقل، أو لا يُذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة؛ فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات، الصادقين في نقلها، ليس بحجة باتفاق أهل العلم، إن لم نعرف ثبوت إسناده.
وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم.
فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئاً يريدون إثباته: لا حكماً، ولا فضيلة، ولا غير ذلك، وكذلك الشيعة.(1/12)
وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها، بطل الاحتجاج به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نُعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي ونحوهم.
الثاني: قوله "قد أجمعوا أنها نزلت في عليّ" من أعظم الدعاوي الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في عليّ بخصوصه، وأن عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع(31).
وأما ما نقله من تفسير الثعلبي(32)، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك.. ولهذا يقولون: "هو كحاطب ليل".
وهكذا الواحدي(33) تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح والضعيف.
ولهذا لما كان البغوي(34) عالماً بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئاً من هذه الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال.
وأما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير: محمد بن جرير الطبري، وبقيّ بن مخلد(35)، وابن أبي حاتم(36)، وابن المنذر(37)، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم(38)، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات.
دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه(39). بل ولا يُذكر مثل هذا عند ابن حُميد(40) ولا عبد الرزاق(41)، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع، ويروي كثيراً من فضائل عليّ، وإن كانت ضعيفة، لكنه أجلُّ قدراً من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر.(1/13)
وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد، من جنس الثعلبي والنقّاش والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسرين، لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفاً، بل موضوعاً. فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى، لم يجز أن نعتمد عليه، لكون الثعلبي وأمثاله رووه، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب؟!.
وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يبيّن كذبه عقلاً ونقلاً، وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله، حيث قال: "قد أجمعوا أنها نزلت في عليّ" فياليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور؟ فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يُقبل من غير أهل العلم بالمنقولات، وما فيها من إجماع واختلاف.
فالمتكلم والمفسّر والمؤرخ ونحوهم، لو ادّعى أحدهم نقلاً مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه، فكيف إذا ادّعى إجماعاً؟!.
الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقل من كتبهم، هم - ومن هم أعلم منهم - قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدَّعَى، والثعلبي قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناساً يقولون: هو عليّ. قال: فعليٌّ من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح، حدثنا عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه، قال: "كل من آمن فقد تولّى الله ورسوله والذين آمنوا". قال: وحدثنا أبو سعيد الأشجّ، عن المحاربيّ، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن عليّ عن هذه الآية، فقال: "هم الذين آمنوا". قلت: نزلت في عليّ؟ قال: عليٌّ من الذين آمنوا. وعن السديّ مثله.(1/14)
الوجه الرابع: أنّا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون. وأما نقل ابن المغازلي الواسطي(42) فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفي أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.
الوجه الخامس: أن يُقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، كما يزعمون أن عليّاً تصدق بخاتمه في الصلاة، لوجب أن يكون ذلك شرطاً في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليّاً وحده، فلا يُتَوَلّى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع المسلمين.
الوجه السادس: أن قوله: "الذين" صيغة جمع، فلا يصدق على عليٌّ وحده.
الوجه السابع: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إن ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل تبطل بالإشارة المفهمة. وآخرون يقولون: لا يحصل المِلْك بها لعدم الإيجاب الشرعي. ولو كان هذا مستحبّاً، لكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يفعله ويحض عليه أصحابه، ولكان عليّ يفعله في غير هذه الواقعة.
فلما لم يكن شيء من ذلك، عُلم أن التّصدُّق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة، وإعطاء السائل لا يفوت، فيمكن المتصدق إذا سلَّم أن يعطيه، وإن في الصلاة لشغلاً.
الوجه الثامن: أنه لو قُدِّر أن هذا مشروع في الصلاة، لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فكيف يُقال: لا وليّ لكم إلا الذين يتصدقون في كل الركوع. فلو تصدّق المتصدّق في حال القيام والقعود: أما كان يستحق هذه الموالاة ؟
فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعليّ على خصوصه.(1/15)
قيل له: أوصاف عليّ التي يُعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يَتْرُك تعريفه بالأمور المعروفة، ويعرفه بأمر لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدَّقه؟.
وجمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر، ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة: لا الصحاح، ولا السنن، ولا الجوامع، ولا المعجمات، ولا شيء من الأمّهات. فأحد الأمرين لازم: إن قصد به المدح بالوصف فهو باطل، وإن قصد به التعريف فهو باطل.
الوجه التاسع: أن يُقال: قوله: { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } على قولهم يقتضي أن يكون قد آتى الزكاة في حال ركوعه. وعليّ رضي الله عنه لم يكن ممن تجب عليه على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم. فإنه كان فقيراً، وزكاة الفضة إنما تجب على من ملك النصاب حولاً وعليُّ لم يكن من هؤلاء.
الوجه العاشر: أن إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزئ عند كثير من الفقهاء، إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحُلِيّ. وقيل: إنه يخرج من جنس الحلي. ومن جوَّز ذلك بالقيمة، فالتقويم في الصلاة متعذّر، والقيم تختلف باختلاف الأحوال.
الوجه الحادي عشر: أن هذه الآية بمنزلة قوله: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة: 43] هذا أمر بالركوع.
وكذلك قوله: { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } [آل عمران:43] وهذا أمر بالركوع.
قد قيل: ذكر ذلك ليبيّن أنهم يصلُّون جماعة، لأن المصلّي في الجماعة إنما يكون مدرِكاً للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود، فإنه قد فاتته الركعة. وأما القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
وبالجملة "الواو" إما واو الحال، وإما واو العطف. والعطف هو الأكثر، وهي المعروفة في مثل هذا الخطاب. وقوله إنما يصح إذا كانت واو الحال، فإن لم يكن ثمَّ دليل على تعيين ذلك بطلت الحجة، فكيف إذا كانت الأدلة تدل على خلافه؟!.(1/16)
الوجه الثاني عشر: أنه من المعلوم المستفيض عند أهل التفسير، خلفاً عن سلف، أن هذه الآية نزلت في النهي عن موالاة الكفار، والأمر بموالاة المؤمنين، لَمّا كان بعض المنافقين، كعبد الله بن أُبَيّ، يوالي اليهود، ويقول: إني أخاف الدوائر. فقال بعض المؤمنين، وهو عبادة بن الصامت: إنّي يا رسول الله أتولّى الله ورسوله، وأبرأ إلى الله ورسوله من حِلف هؤلاء الكفّار وولايتهم.
ولهذا لَمّا جاءتهم بنو قينقاع وسبب تآمرهم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول، فأنزل الله هذه الآية، يُبيّن فيها وجوب موالاة المؤمنين عموماً، وينهى عن موالاة الكفار عموماً. وقد تقدّم كلام الصحابة والتابعين أنها عامة لا تختص بعليّ.
الوجه الثالث عشر: أن سياق الكلام يدل على ذلك لمن تدبّر القرآن، فإنه قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة: 51] فهذا نهي عن موالاة اليهود والنصارى.
ثم قال: { فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } { فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } [المائدة: 52، 53]. فهذا وصف الذين في قلوبهم مرض، الذين يوالون الكفَّار كالمنافقين.(1/17)
ثم قال: {َا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [المائدة: 54] فذكر فعل المرتدّين وأنهم لن يضروا الله شيئاً، وذكر من يأتي به بدلهم.
ثم قال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [المائدة: 55، 56].
فتضمن هذا الكلام ذكر أحوال من دخل في الإسلام من المنافقين، وممن يرتد عنه، وحال المؤمنين الثابتين عليه ظاهراً وباطناً.
فهذا السياق، مع إتيانه بصيغة الجمع، مما يوجب لمن تدبّر ذلك علماً يقيناً لا يمكنه دفعه عن نفسه: أن الآية عامّة في كل المؤمنين المتصفين بهذه الصفات، لا تختص بواحد بعينه: لا أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا عليّ، ولا غيرهم. لكن هؤلاء أحقّ الأمة بالدخول فيها.
الوجه الرابع عشر: أن الألفاظ المذكورة في الحديث مما يُعلم أنها كذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإن عليّاً ليس قائداً لكل البررة، بل لهذه الأمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا هو أيضاً قاتلاً لكل الكفرة، بل قتل بعضهم، كما قتل غيره بعضهم. وما أحد من المجاهدين القاتلين لبعض الكفّار، إلا وهو قاتل لبعض الكفرة.
وكذلك قوله: "منصور من نصره، مخذول من خذله" هو خلاف الواقع. والنبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقول إلا حقّاً، لا سيما على قول الشيعة، فإنهم يدّعون أن الأمة كلها خذلته إلى قتل عثمان.(1/18)
ومن المعلوم أن الأمة كانت منصورة في أعصار الخلفاء الثلاثة، نصراً لم يحصل لها بعده مثله. ثم لَمّا قُتل عثمان، وصار الناس ثلاثة أحزاب: حزب نصره وقاتل معه، وحزب قاتلوه، وحزب خذلوه لم يقاتلوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، لم يكن الذين قاتلوا معه منصورين على الحزبين الآخرين ولا على الكفَّار، بل أولئك الذين نُصروا عليهم وصار الأمر لهم، لَمّا تولّى معاوية، فانتصروا على الكفار، وفتحوا البلاد، إنما كان عليٌّ منصوراً كنصر أمثاله في قتال الخوارج والكفّار.
والصحابة الذين قاتلوا الكفّار والمرتدين كانوا منصورين نصراً عظيماً، فالنصر وقع كما وعد الله به حيث قال: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51].
فالقتال الذي كان بأمر الله وأمر رسوله من المؤمنين للكفار والمرتدين والخوارج، كانوا فيه منصورين نصراً عظيماً إذا اتّقوا وصبروا، فإن التقوى والصبر من تحقيق الإيمان الذي علق به النصر.
وأيضاً فالدعاء الذي ذكره عن النبي صلّى الله عليه وسلّم عقب التصدّق بالخاتم من أظهر الكذب. فمن المعلوم أن الصحابة أنفقوا في سبيل الله وقت الحاجة إليه، ما هو أعظم قدراً ونفعاً من إعطاء سائل خاتماً.
وفي الصحيحين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر"(43)، "إنّ أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وذات يده أبو بكر، ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً"(44).
وقد تصدق عثمان بألف بعير في سبيل الله في غزوة العسرة، حتى قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم"(45).(1/19)
والإنفاق في سبيل الله وفي إقامة الدين في أول الإسلام أعظم من صدقةٍ على سائل محتاج. ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" أخرجاه في الصحيحين(46).
قال تعالى: { لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [الحديد: 10] فكذلك الإنفاق الذي صدر في أول الإسلام في إقامة الدين ما بقي له نظير يساويه.
وأما إعطاء السؤال لحاجتهم فهذا البر يوجد مثله إلى يوم القيامة. فإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم لأجل تلك النفقات العظيمة النافعة الضرورية لا يدعو بمثل هذا الدعاء، فكيف يدعو به لأجل إعطاء خاتم لسائل قد يكون كاذباً في سؤاله ؟.
ولا ريب أن هذا ومثله من كذب جاهلٍ أراد أن يعارض ما ثبت لأبي بكر بقوله: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21] بأن يذكر لعليّ شيئاً من هذا الجنس، فما أمكنه أن يكذِّب أنه فعل ذلك في أول الإسلام، فَكذب هذه الأكذوبة التي لا تروج إلا على مفرط في الجهل.(1/20)
وأيضاً فكيف يجوز أن يقول النبي صلّى الله عليه وسلّم في المدينة - بعد الهجرة والنصرة: واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً اشدد به ظهري، مع أن الله قد أعزّه بنصره وبالمؤمنين، كما قال تعالى: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 62]، وقال: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40].
فالذي كان معه حين نَصَرَه الله، إذ أخرجه الذين كفروا، هو أبو بكر وكانا اثنين الله ثالثهما. وكذلك لما كان يوم بدر، لما صُنع له عريش كان الذي دخل معه في العريش. دون سائر الصحابة أبو بكر، وكل من الصحابة له في نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سعي مشكور وعمل مبرور.
وروى أنه لَمّا جاء عليٌّ بسيفه يوم أحد، قال لفاطمة: "اغسليه يوم أحدٍ غير ذميم". فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "إن تك أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وفلان" فعدد جماعة من الصحابة(47).
ولم يكن لعليّ اختصاص بنصر النبي صلّى الله عليه وسلّم دون أمثاله، ولا عُرِف موطن احتاج النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه إلى معونة عليّ وحده، لا باليد ولا باللسان، ولا كان إيمان الناس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطاعتهم له لأجل عليّ، بسبب دعوة عليّ لهم، وغير ذلك من الأسباب الخاصة، كما كان هارون مع موسى، فإن بني إسرائيل كانوا يحبون هارون جدّاً ويهابون موسى، وكان هارون يتألّفهم.
والرافضة تدَّعي أن الناس كانوا يبغضون عليّاً، وأنهم لبغضهم له لم يبايعوه. فكيف يُقال: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم احتاج إليه، كما احتاج موسى إلى هارون؟.(1/21)
وهذا أبو بكر الصّدّيق أسلم على يديه ستة أو خمسة من العشرة: عثمان، وطلحة، والزبير وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة. ولم يُعلم أنه أسلم على يد عليّ وعثمان وغيرهما أحدٌ من السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار.
ومصعب بن عمير هو الذي بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة لَمّا بايعه الأنصار ليلة العقبة، وأسلم على يده رؤوس الأنصار، كسعيد بن معاذ، الذي اهتز عرض الرحمن لموته(48)، وأُسَيْد بن حضير وغير هؤلاء.
وكان أبو بكر يخرج مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو معه الكفار إلى الإسلام في الموسم، ويعاونه معاونة عظيمة في الدعوة، بخلاف غيره. ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم في الصحيح: "لو كنت مُتّخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً"(49).
وقال: "أيها الناس إني جئت إليكم، فقلت: إنّي رسول الله، فقلتم: كَذَبْت. وقال أبو بكر: صدقت. فهل أنتم تاركو لي صاحبي"؟(50).
ثم إن موسى دعا بهذا الدعاء قبل أن يبلّغ الرسالة إلى الكفّار ليُعَاوَنَ عليها. ونبينا صلّى الله عليه وسلّم كان قد بلّغ الرسالة لَمّا بعثه الله: بلَّغَها وحده، وأوّل من آمن به باتفاق أهل الأرض أربعة. أول من آمن به من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان عليّ، ومن الموالي زيد.
وكان أنفع الجماعة في الدعوة باتفاق الناس أبو بكر، ثم خديجة. لأن أبا بكر هو أول رجل حر بالغ آمن به باتفاق الناس، وكان له قدر عند قريش لما كان فيه من المحاسن، فكان أمنَّ الناس عليه في صحبته وذات يده. ومع هذا فما دعا الله أن يَشُدَّ أزره بأحد: لا بأبي بكر ولا بغيره، بل قام مطيعاً لربه، متوكلاً عليه، صابراً له، كما أمره بقوله: { قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } [المدثر: 2-7] وقال: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123].(1/22)
فمن زعم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل الله أن يشد أزره بشخص من الناس، كما سأل موسى أني شد أزره بهارون، فقد افترى على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبخسه حقّه. ولا ريب أن الرفض مشتق من الشرك والإلحاد والنفاق، لكن تارة يظهر لهم ذلك فيه وتارة يخفى.
الوجه الخامس عشر: أن يُقال: غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليّاً. ولا ريب أن موالاة عليّ واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين.
وقال تعالى: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4]. فبيّن الله أن كل صالحٍ من المؤمنين فهو مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والله مولاه، وجبريل مولاه، وليس في كون الصالح من المؤمنين مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كما أن الله مولاه، وجبريل مولاه، أن يكون صالح المؤمنين متولياً على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا متصرّفاً فيه.
وأيضاً فقد قال تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71]، فجعل كل مؤمن وليّاً لكل مؤمن. وذلك لا يوجب أن يكون أميراً عليه معصوماً، لا يتولى عليه إلا هو.(1/23)
وقال تعالى: { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } [يونس: 62، 63]، فكل مؤمن تقي فهو وليُّ الله، والله وليُّه. كما قال تعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ } [البقرة: 257]، وقال: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ } [محمد: 11]، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ } إلى قوله: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال: 72-75].
فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأن هذا وَلِيّ هذا، وهذا ولي هذا، وأنهم أولياء الله، وأن الله وملائكته والمؤمنين موالي رسوله، كما أن الله ورسوله والذين آمنوا هم أولياء المؤمنين. وليس في شيء من هذه النصوص أن من كان وليّاً للآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنه يتصرف فيه دون سائر الناس.
الوجه السادس عشر: أن الفرق بين "الولاية" بالفتح و"الولاية" بالكسر معروف، فالولاية ضد العداوة، وهي المذكورة في هذه النصوص، ليس هي الولاية بالكسر التي هي الإمارة. وهؤلاء الجهّال يجعلون الولي هو الأمير، ولم يفرقوا بين الولاية والولاية. والأمير يسمّى الوالي لا يُسمَّى الولي، ولكن قد يُقال: هو ولي الأمر، كما يقال: وليت أمركم، ويقال: أولو الأمر.
وأما إطلاق القول بالمولى وإرادة الولي، فهذا لا يُعرف، بل يُقال في الوليّ: المولى، ولا يقال: الوالي. ولهذا قال الفقهاء: إذا اجتمع في الجنازة الوالي والوليّ، فقيل: يُقدّم الوالي، وهو قول أكثرهم. وقيل: يُقدّم الوليّ.(1/24)
فبَيِّنٌ أن الولاية دلّت على الموالاة، المخالفة للمعاداة، الثابتة لجميع المؤمنين بعضهم على بعض. وهذا ما يشترك فيه الخلفاء الأربعة وسائر أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، فكلهم بعضهم أولياء بعض. ولم تدل الآية على أحدٍ منهم يكون أميراً على غيره بل هذا باطل من وجوه كثيرة، إذ لفظ "الولي" و"الولاية" غير لفظ "الوالي". والآية عامة في المؤمنين، والإمارة لا تكون عامة.
الوجه السابع عشر: أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: إنما يتولّى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: ومن يتول الله ورسوله، فإنه لا يُقال لمن وَلِيَ عليهم والٍ: إنهم يقولون: تولّوه، بل يُقال: تولَّى عليهم.
الوجه الثامن عشر: أن الله سبحانه لا يُوصف بأنه متولٍّ على عباده وأنه أمير عليهم، جلّ جلاله، وتقدّست أسماؤه، فإنه خالقهم ورازقهم، وربهم ومليكهم، له الخلق والأمر، ولا يُقال: إن الله أمير المؤمنين، كما يُسمَّى المتولّي، مثل عليّ وغيره: أمير المؤمنين، بل الرسول صلّى الله عليه وسلّم أيضاً لا يُقال أنه متولٍّ على الناس، وأنه أمير عليهم، فإن قَدْرَهُ أجلّ من هذا. بل أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يكونوا يسمونه إلا خليفة رسول الله. وأول من سُمِّي من الخلفاء "أمير المؤمنين" هو عمر رضي الله عنه.
وقد رُوي أن عبد الله بن جحش كان أميراً في سرية، فسُمِّي أمير المؤمنين، لكن إمارة خاصة في تلك السرية، لم يسم أحد بإمارة المؤمنين عموماً قبل عمر، وكان خليقاً بهذا الاسم.
وأما الولاية المخالفة للعداوة فإنه يتولّى عباده المؤمنين، فيحبهم ويحبونه، ويرضى عنهم ويرضون عنه. ومن عادى له وليّاً فقد بارزه بالحاربة. وهذه الولاية من رحمته وإحسانه، ليست كولاية المخلوق للمخلوق لحاجته إليه.(1/25)
قال تعالى: { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ } [الإسراء: 111] فالله تعالى ليس له وليٌّ من الذل، بل هو القائل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10]، بخلاف الملوك وغيرهم ممن يتولاه لذاته، إذا لم يكن له ولي ينصره.
الوجه التاسع عشر: أنه ليس كل من تولّى عليه إمام عادل فيكون من حزب الله، ويكون غالباً؛ فإن أئمة العدل يتولُّون على المنافقين والكفّار، كما كان في مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم تحت حكمه ذمّيون ومنافقون. وكذلك كان تحت ولاية عليّ كفّار ومنافقون. والله تعالى يقول: { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [المائدة: 56]، فلو أراد الإمارة لكان المعنى: إن كل من تأمّر عليهم الذين آمنوا يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك. وكذلك الكفّار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره، مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم.
الفصل الثاني
الرد على من ادَّعى أن القرآن يدل على أن إمامه
عليّ مما أمر بتبليغه صلّى الله عليه وسلّم
قال الرافضي: "البرهان الثاني: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة: 67]، اتفقوا على نزولها في عليّ، وروى أبو نُعيم الحافظ - من الجمهور - بإسناده عن عطية(51) قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في عليّ بن أبي طالب.(1/26)
ومن تفسير الثعلبي قال: معناه: بلِّغ ما أنزل إليك من ربك في فضل عليّ، فلما نزلنا هذه الآية أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيد عليّ، فقال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. والنبي صلّى الله عليه وسلّم مولى أبي بكر وعمر وباقي الصحابة بالإجماع، فيكون عليٌّ مولاهم، فيكون هو الإمام.
ومن تفسير الثعلبي: لما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بغدير خُم نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بيد عليّ، وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" فشاع ذلك وطار في البلاد، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ناقته، حتى أتى الأبطح، فنزل عن ناقته وأناخها فعقلها، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في ملأ من الصحابة.
فقال: يا محمد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقبلنا منك. وأمرتنا أن نصلّي خمساً فقبلناه منك. وأمرتنا أن نزكّي أموالنا فقبلناه منك. وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلناه منك. وأمرتنا أن نحج البيت فقبلناه منك. ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضَبْعَيْ(52) ابن عمك وفضّلتَه علينا، وقلتَ: من كنت مولاه فعليّ مولاه. وهذا منك أم من الله؟
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: والله الذي لا إله إلا هو هو من أَمْرِ الله، فولَّى الحارث يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله تعالى: { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ، مِّنَ اللَّهِ } [المعارج: 1-3]. وقد روى هذه الرواية النقَّاش(53) من علماء الجمهور في تفسيره".(1/27)
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا أعظم كذباً وفرية من الأول، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى. وقوله: "اتفقوا على نزولها في عليّ" أعظم كذباً مما قاله في تلك الآية. فلم يقل لا هذا ولا ذاك أحد من العلماء الذين يدرون ما يقولون.
وأما ما يرويه أبو نُعيم في "الحلية" أو في "فضائل الخلفاء" والنقَّاش والثعلبي والواحدي ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن فيما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع، واتفقوا على أن هذا الحديث المذكور الذي رواه الثعلبي في تفسيره هو من الموضوع، وسنبين أدلة يُعرف بها أنه موضوع، وليس الثعلبي من أهل العلم بالحديث.
ولكن المقصود هنا أنّا نذكر قاعدة فنقول: المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى أهل علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب ونحو غير العرب، ونرجع إلى علماء اللغة فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك، فلكل علم رجال يُعرفون به، والعلماء بالحديث أجلُّ هؤلاء قدراً، وأعظمهم صدقاً، وأعلاهم منزلة، وأكثر ديناً.
وهم من أعظم الناس صدقاً وأمانة، وعلماً وخبرة، فيما يذكرونه من الجرح والتعديل، مثل مالك، وشعبة، وسفيان، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن المبارك، ووكيع، واشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبي عُبيد، وابن معين، وابن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأبي زُرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والعجلي، وأبي أحمد بن عدي، وأبي حاتم البستي، والدارقطني، وأمثال هؤلاء: خلق كثير لا يحصى عددهم، من أهل العلم بالرجال والجرح والتعديل، وإن كان بعضهم أعلم بذلك من بعض، وبعضهم أعدل من بعض في وزن كلامه، كما أن الناس في سائر العلوم كذلك.(1/28)
وقد صنَّف للناس كتباً في نقلة الأخبار: كباراً وصغاراً، مثل الطبقات لابن سعد، وتاريخي البخاري، والكتب المنقولة عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما. وقبلها عن يحيى بن سعيد القطَّان وغيره، وكتاب يعقوب بن سفيان، وابن أبي خيثمة، وابن أبي حاتم، وكتاب ابن عدي، وكتب أبي حازم وأمثال ذلك.
وصنّفت كتب الحديث تارة على المساند، فتذكر ما أسنده الصاحب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كمسند أحمد، وإسحاق، وأبي داود الطيالسي، وأبي بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن أبي عمر، والعدني، وأحمد بن منيع، وأبي يعلى الموصلي، وأبي بكر البزّار البصري، وغيرهم.
وتارة على الأبواب، فمنهم من قصد مقصده الصحيح كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وأبي حاتم وغيرهم. وكذلك من خرَّج على الصحيحين، كالإسماعيلي والبرقاني وأبي نعيم وغيرهم. ومنهم من خرَّج أحاديث السنن، كأبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم. ومنهم من خرَّج الجامع الذي يذكر فيه الفضائل وغيرها، كالترمذي وغيره.
وهذا علم عظيم من أعظم علوم الإسلام. ولا ريب أن الرافضة أقل معرفة بهذا الباب، وليس في أهل الأهواء والبدع أجهل منهم به، فإن سائر أهل الأهواء - كالمعتزلة والخوارج - مقصّرون في معرفة هذا، ولكن المعتزلة أعلم بكثير من الخوارج، والخوارج أعلم بكثير من الرافضة، والخوارج أصدق من الرافضة وأَدْيَن وأورع، بل الخوارج لا نعرف عنهم أنهم يتعمّدون الكذب، بل هم من أصدق الناس.
والمعتزلة - مثل سائر الطوائف - فيهم من يكذب، وفيهم من يصدق، لكن ليس لهم من العناية بالحديث ومعرفته ما لأهل الحديث والسنة، فإن هؤلاء يتدينون به فيحتاجون إلى أن يعرفوا ما هو الصدق.
وأهل البدع سلكوا طريقاً أخر ابتدعوها اعتمدوا عليها، ولا يذكرون الحديث، بل ولا القرآن في أصولهم إلا للاعتضاد لا للاعتماد.(1/29)
والرافضة أقل معرفة وعناية بهذا، إذ كانوا لا ينظرون في الإسناد ولا في سائر الأدلة الشرعية والعقلية: هل توافق ذلك أو تخالفه؟ ولهذا لا يوجد لهم أسانيد متصلة صحيحة قط، بل كل إسناد متصل لهم، فلابد أن يكون فيه من هو معروف بالكذب أو كثرة الغلط.
وهم في ذلك شبيه باليهود والنصارى، فإنه ليس لهم إسناد. والإسناد من خصائص هذه الأمة، وهو من خصائص الإسلام، ثم هو في الإسلام من خصائص أهل السنة. والرافضة من أقل الناس عناية، غذ كانوا لا يصدّقون إلا بما يوافق أهواءهم، وعلامة كذبه أنه يخالف هواهم. ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي: أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم.
ثم إن أوّلهم كانوا كثيري الكذب، فانتقلت أحاديثهم إلى قوم لا يعرفون الصحيح من السقيم، فلم يمكنهم التمييز إلا بتصديق الجميع أو تكذيب الجميع، والاستدلال على ذلك بدليل منفصل غير الإسناد.
فيقال: ما يرويه مثل أبي نُعيم والثعلبي والنقّاش وغيرهم: أتقبلونه مطلقاً؟ أم تردّونه مطلقاً؟ أم تقبلونه إذا كان لكم لا عليكم، وتردّونه إذا كان عليكم؟ فإن تقبلوه مطلقاً، ففي ذلك أحاديث كثيرة في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان تناقض قولكم.
وقد روى أبو نُعيم في أول "الحلية" في فضائل الصحابة، وفي كتاب مناقب أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ أحاديث بعضها صحيحة وبعضها ضعيفة، بل منكرة(54). وكان رجلاً عالماً بالحديث فيما ينقله، لكن هو وأمثاله يرونن ما في الباب، لا يُعرف أنه روى كالمفسِّر الذي ينقل أقوال الناس في التفسير، والفقيه الذي يذكر الأقوال في الفقه، والمصنِّف الذي يذكر حجج الناس، ليذكر ما ذكروه، وإن كان كثير من ذلك لا يعتقد صحته، بل يعتقد ضعفه، لأنه يقول: أنا نقلت ما ذكر غيري، فالعُهدة على القائل لا على الناقل.(1/30)
وهكذا كثير ممن صنَّف في فضائل العبادات، وفضائل الأوقات وغير ذلك: يذكرون أحاديث كثيرة وهي ضعيفة، بل موضوعة، باتفاق أهل العلم، كما يذكرون أحاديث في فضل صوم رجب كلها ضعيفة، بل موضوعة، عند أهل العلم. ويذكرون صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة منه، وألفية نصف شعبان، وكما يذكرون في فضائل عاشوراء ما ورد من التوسعة على العيال، وفضائل المصافحة والحناء والخضاب والاغتسال ونحو ذلك، ويذكرون فيها صلاة.
وكل هذا كذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لم يصح في عاشوراء إلا فضل صيامه. قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: الحديث الذي يُروى: من وسَّع على عياله يوم عاشوراء وسَّع الله عليه سائر سنته؟ فقال: لا أصل له(55).
وقد صنَّف في فضائل الصحابة: علي وغيره، غير واحد، مثل خيثمة بن سليمان الأطرابلسي وغيره. وهذا قبل أبي نُعيم. يروي عنه إجازة. وهذا وأمثاله جروا على العادة المعروفة لأمثالهم ممن يصنف في الأبواب: أنه يروي ما سمعه في هذا الباب.
وهكذا المصنّفون في التواريخ، مثل "تاريخ دمشق" لابن عساكر وغيره، إذا ذكر ترجمة واحد من الخلفاء الأربعة، أو غيره يذكر كل ما رواه في ذلك الباب، فيذكر لعليّ ومعاوية من الأحاديث المروية في فضلهما ما يعرف أهل العلم بالحديث أنه كذب، ولكن لعليّ من الفضائل الثابتة في الصحيحين وغيرهما، ومعاوية ليس له بخصوصه فضيلة في الصحيح، لكن قد شهد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حُنيناً والطائف وتبوك، وحج معه حجة الوداع، وكان يكتب الوحي، فهو ممن ائتمنه النبي صلّى الله عليه وسلّم على كتابة الوحي، كما ائتمن غيره من الصحابة.(1/31)
فإن كان المخالف يقبل كل ما رواه هؤلاء وأمثالهم في كتبهم، فقد رووا أشياء كثيرة تناقض مذهبهم. وإن كان يرد الجميع، بطل احتجاجه بمجرد عزوه الحديث بدون المذهب إليهم. وإن قال: أقبل ما يوافق مذهبي وأردّ ما يخالفه، أمكن منازعه أن يقول له مثل هذا، وكلاهما باطل، لا يجوز أن يحتج على صحة مذهب بمثل هذا، فإنه يُقال: إن كنت إنما عرفت صحة هذا الحديث بدون المذهب، فاذكر ما يدل على صحته، وإن كنت إنما عرفت صحته لأنه يوافق المذهب، امتنع تصحيح الحديث بالمذهب، لأنه يكون حينئذ صحة المذهب موقوفة على صحة الحديث، وصحة الحديث موقوفة على صحة المذهب، فيلزم الدَّور الممتنع.
وأيضاً فالمذهب: إن كنت عرفت صحته بدون هذا الطريق، لم يلزم صحة هذا الطريق. فإن الإنسان قد يكذب على غيره قولاً، وإن كان ذلك القول حقّاً، فكثير من الناس يروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قولاً هو حق في نفسه، لكن لم يقله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلا يلزم من كون الشيء صدقاً في نفسه أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله، وإن كنت إنما عرفتَ صحته بهذا الطريق، امتنع أن تعرف صحة الطريق بصحته، لإفضائه إلى الدَّور.
فثبت أنه على التقديرين لا يعلم صحة هذا الحديث لموافقته للمذهب، سواء كان المذهب معلوم الصحة، أو غير معلوم الصحة.
وأيضاً فكل من له أدنى علم وإنصاف يعلم أن المنقولات فيها صدق وكذب، وأن الناس كذبوا في المثالب والمناقب، كما كذبوا في غير ذلك، وكذبوا فيما يوافقه ويخالفه.
ونحن نعلم أنهم كذبوا في كثير مما رووه في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، كما كذبوا في كثير مما رووه في فضائل عليّ، وليس في أهل الأهواء أكثر كذباً من الرافضة، بخلاف غيرهم، فإن الخوارج لا يكادون يكذبون، بل هم من أصدق الناس مع بدعتهم وضلالهم.(1/32)
وأما أهل العلم والدين فلا يصدقون بالنقل ويكذبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون، بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة فيها فضائل النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمته وأصحابه، فيردونها لعلمهم بأنها كذب، ويقبلون أحاديث كثيرة لصحتها، وإن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه: إما لاعتقادهم أنها منسوخة، أو لها تفسير لا يخالفونه. ونحو ذلك.
فالأصل في النقل أن يُرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه، ومن يشركهم في علمهم عَلِمَ ما يعلمون، وأن يُستدل على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية، فلابد من هذا وهذا. وإلا فمجرد قول القائل: "رواه فلان" لا يَحْتَج به: لا أهل السنة ولا الشيعة، وليس في المسلمين من يحتاج بكل حديث رواه كل مصنف، فكل حديث يحتج به نطالبه من أول مقام بصحته.
ومجرد عزوه إلى رواية الثعلبي ونحوه ليس دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم بالنقل. ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث في شيء من كتبهم التي ترجع الناس إليها في الحديث، لا في الصحاح ولا السنن ولا المسانيد ولا غير ذلك، لأن كذب مثل هذا لا يخفى على من له أدنى معرفة بالحديث.
وإنما هذا عند أهل العلم بمنزلة ظن من يظن من العامة - وبعض من يدخل في غمار الفقهاء - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان على أحد المذاهب الأربعة، وأن أبا حنيفة ونحوه كانوا من قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو كما يظن طائفة من التركمان أن حمزة له مغازٍ عظيمة وينقلونها بينهم، والعلماء متفقون على أنه لم يشهد إلا بدراً وأُحداً وقُتل يوم أحد، ومثل ما يظن كثير من الناس أن في مقابر دمشق من أزواجالنبي صلّى الله عليه وسلّم أم سلمة وغيرها، ومن أصحابه أُبَيّ بن كعب، وأويس القُرني وغيرهما.(1/33)
وأهل العلم يعلمون أن أحداً من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقدم دمشق، ولكن في الشام أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري، وكان أهل الشام يسمونها أم سلمة، فظن الجهّال أنها أم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأبي بن كعب مات بالمدينة، وأويس تابعي لم يقدم الشام.
ومثل من يظن من الجهّال أن قبر عليّ بباطن النجف. وأهل العلم - بالكوفة وغيرها - يعلمون بطلان هذا، ويعلمون أن عليّاً ومعاوية وعمرو بن العاص كل منهم دفن في قصر الإمارة ببلده، خوفاً عيه من الخوارج أن ينبشوه؛ فإنهم كانوا تحالفوا على قتل الثلاثة، فقتلوا عليّاً وجرحوا معاوية.
وكان عمرو بن العاص قد استخلف رجلاً يقال له خارجة، فضربه القاتل يظنه عَمْرًا فقتله، فتبين أنه خارجة، فقال: أردت عمراً وأراد الله خارجة، فصار مثلاً.
ومثل هذا كثير مما يظنه كثير من الجهّال. وأهل العلم بالمنقولات يعلمون خلاف ذلك.
الوجه الثاني: أن نقول: في نفس هذا الحديث ما يدل على أنه كذب من وجوه كثيرة؛ فإن فيه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لَمّا كان بغدير يدعى خُمّاً نادى الناس فاجتمعوا، فأخذ بِيَدَيْ عليّ وقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه، وأن هذا قد شاع وطار بالبلاد، وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، وأنه أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم على ناقته وهو في الأبطح، وأتى وهو في ملأٍ من الصحابة، فذكر أنهم امتثلوا أمره بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج، ثم قال: "ألم ترض بهذا حتى رفعت بضَبْعَي ابن عمك تفضّله علينا؟، وقلتَ: من كنت مولاه فعليّ مولاه؟ وهذا منك أم من الله؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "هو من أمر الله".(1/34)
فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر، فسقط على هامته، وخرج من دبره فقتله، وأنزل الله: { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ، لِّلْكَافِرينَ } [المعارج: 1، 2] الآية.
يقال لهؤلاء الكذَّابين: أجمع الناس كلهم على أن ما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم بغدير خُم كان مرجعه من حجة الوداع. والشيعة تسلّم هذا، وتجعل ذلك اليوم عيداً وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة. والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يرجع إلى مكة بعد ذلك، بل رجع من حجة الوداع إلى المدينة، وعاش تمام ذي الحجة والمحرم وصفر، وتوفى في أول ربيع الأول.
وفي هذا الحديث يذكر أنه بعد أن قال هذا بغدير خُم وشاع في البلاد، جاءه الحارث وهو بالأبطح، والأبطح بمكة، فهذا كذب جاهل لم يعلم متى كانت قصة غدير خُم.
وأيضاً فإن هذه السورة - سورة سأل سائل - مكّيّة باتفاق أهل العلم، نزلت بمكة قبل الهجرة، فهذه نزلت قبل غدير خُم بعشر سنين أو أكثر من ذلك، فكيف تكون تزلت بعده؟.
وأيضاً قوله: { وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } [الأنفال: 32] في سورة الأنفال، وقد نزلت عقيب بدر بالاتفاق قبل غدير خُم بسنين كثيرة، وأهل التفسير متفقون على أنها نزلت بسبب ما قاله المشركون للنبي صلّى الله عليه وسلّم قبل الهجرة، كأبي جهل وأمثاله، وأن الله ذكَّر نبيَّه بما كانوا يقولونه بقوله: { وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ } أي اذكر قولهم، كقوله: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } [البقرة: 30]، { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [آل عمران: 121]، ونحو ذلك: يأمره بأن يذكر كل ما تقدّم. فدلّ على أن هذا القول كان قبل نزول هذه السورة.(1/35)
وأيضاً فإنهم لما استفتحوا بيَّن الله أنه لا ينزّل عليهم العذاب ومحمد صلّى الله عليه وسلّم فيهم، فقال: { وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال: 32]، ثم قال الله تعالى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال: 33] واتفق الناس على أن أهل مكة لم تنزل عليهم حجارة من السماء لما قالوا ذلك، فلو كان هذا آية لكان من جنس آية أصحاب الفيل، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله.
ولو أن الناقل طائفة من أهل العلم، فلما كان هذا لا يرويه أحد من المصنّفين في العلم: لا المسند، ولا الصحيح، ولا الفضائل، ولا التفسير، ولا السير ونحوها، إلا ما يُروى بمثل هذا الإسناد المنكر - عُلم أنه كذب وباطل.
وأيضاً فقد ذكر في هذا الحديث أن هذا القائل أمر بمباني الإسلام الخمس، وعلى هذا فقد كان مسلماً فإنه قال: فقبلناه منك. ومن المعلوم بالضرورة أن أحداً من المسلمين على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يصبه هذا.
وأيضاً فهذا الرجل لا يُعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي يذكرها الطرقية، من جنس الأحاديث التي في سيرة عنتر ودلهمة.
وقد صنّف الناس كتباً كثيرة في أسماء الصحابة الذين ذُكروا في شيء من الحديث، حتى في الأحاديث الضعيفة، مثل كتاب "الاستيعاب" لابن عبد البر، وكتاب ابن منده، وأبي نعيم الأصبهاني، والحافظ أبي موسى، ونحو ذلك. ولم يذكر أحدٌ منهم هذا الرجل، فعُلم أنه ليس له ذكر في شيء من الروايات، فإن هؤلاء لا يذكرون إلا ما رواه أهل العلم، لا يذكرون أحاديث الطرقية، مثل "تنقّلات الأنوار" للبكري الكذّاب وغيره.(1/36)
الوجه الثالث: أن يُقال: أنتم ادّعيتم أنكم أثبتم إمامته بالقرآن، والقرآن ليس في ظاهره ما يدل على ذلك أصلاً؛ فإنه قال: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67]. وهذا اللفظ عام في جميع ما أنزل إليه من ربِّه، لا يدل على شيء معيَّن.
فدعوى المدّعي أن إمامة عليّ هي مما بلّغها، أو مما أمر بتبليغها لا تثبت بمجرد القرآن؛ فإن القرآن ليس فيه دلال على شيء معين، فإن ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتاً بالخبر لا بالقرآن فمن ادَّعى أن القرآن يدلّ على أنّ إمامة عليّ مما أمر بتبليغه، فقد افترى على القرآن، فالقرآن لا يدل على ذلك عموماً ولا خصوصاً.
الوجه الرابع: أن يُقال: هذه الآية، مع ما عُلم من أحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم، تدل على نقيض ما ذكروه، وهو أن الله لم ينزّلها عليه، ولم يأمره بها، فإنها لو كانت مما أمره الله بتبليغه، لبلّغه، فإنه لا يعصي الله في ذلك.
ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: "من زعم أن محمداً كتم شيئاً من الوحي فقد كذب، والله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } [المائدة: 67].
لكن أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يبلِّغ شيئاً من إمامة عليّ، ولهم على هذا طرق كثيرة يثبتون بها هذا العلم.
منها: أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله. فلو كان له أصل لنُقل، كما نُقل أمثاله من حديثه، لا سيما مع كثرة ما يُنقل في فضائل عليّ، من الكذب الذي لا أصل، فكيف لا يُنقل الحق الصدق الذي قد بُلِّغ للناس؟!.
ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر أمته بتبليغ ما سمعوا منه، فلا يجوز عليهم كتمان ما أمرهم الله بتبليغه.(1/37)
ومنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لَمّا مات، وطلب بعض الأنصار أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، فأنكر ذلك عليه، وقالوا: الإمارة لا تكون إلا في قريش، وروى الصحابة في مواطن متفرقة الأحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم في أن: "الإمامة في قريش"(56).
ولم يرو واحد منهم: لا في ذلك المجلس ولا غيره، ما يدل على إمامة عليّ.
وبايع المسلمون أبا بكر، وكان أكثر بني عبد مناف - من بني أمية وبني هاشم وغيرهم - لهم ميل قوي إلى عليّ بن أبي طالب يختارون ولايته، ولم يذكر أحد منهم هذا النص. وهكذا أُجري الأمر في عهد عمر وعثمان، وفي عهده أيضاً لَمّا صارت له ولاية، ولم يذكر هو ولا أحدٌ من أهل بيته ولا من الصحابة المعروفين هذا النص، وإنما ظهر هذا النص بعد ذلك.
وأهل العلم بالحديث والسّنة الذين يتولّون عليّاً ويحبّونه، ويقولون: إنه كان الخليفة بعد عثمان، كأحمد بن حنبل وغيره من الأئمة، قد نازعهم في ذلك طوائف من أهل العلم وغيرهم، وقالوا: كان زمانه فتنة واختلاف بين الأئمة، لم تتفق المة فيه لا عليه ولا على غيره.
وقال طوائف من الناس كالكرّامية: بل هو كان إماماً ومعاوية إماماً، وجوَّزوا أن يكون للناس إمامان للحاجة. وهكذا قالوا في زمن ابن الزبير ويزيد، حيث لم يجدوا الناس اتفقوا على إمام.
وأحمد بن حنبل، مع أنه أعلم أهل زمانه بالحديث، احتج على إمامة علي بالحديث الذي في السنن: "تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة، ثم تصير مُلكاً"(57). وبعض الناس ضعّف هذا الحديث، لكن أحمد وغيره يثبتونه.
فهذا عمدتهم من النصوص على خلافة عليّ، فلو ظفروا بحديث مسندٍ أو مرسل موافق لهذا لفرحوا به.
فعُلم أن ما تدّعيه الرافضة من النصّ، هو مما لم يسمعه أحدٌ من أهل العلم بأقوال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا قديماً ولا حديثاً.
ولهذا كان أهل العلم بالحديث يعلمون بالضرورة كذب هذا النقل كما يعلمون كذب غيره من المنقولات المكذوبة.(1/38)
وقد جرى تحكيم الحكمين، ومعه أكثر الناس، فلم يكن في المسلمين من أصحابه ولا غيرهم من ذكر هذا النص، مع كثرة شيعته، ولا فيهم من احتج به، في مثل هذا المقام الذي تتوفر فيه الهمم والدواعي على إظهار مثل هذا النص(58).
ومعلوم أنه لو كان النصّ معروفاً عند شيعة عليّ - فضلاً عن غيرهم - لكانت العادة المعروفة تقتضي أن يقول أحدهم: هذا نص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على خلافته، فيجب تقديمه على معاوية.
وأبو موسى نفسه كان من خيار المسلمين، لو علم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نصّ عليه لم يستحلّ عزله، ولو عزله لكان من أنكر عزله عليه يقول: كيف تعزل من نصّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على خلافته؟.
وقد احتجّوا بقوله صلّى الله عليه وسلّم: "تقتل عمّاراً الفئة الباغية" وهذا الحديث خبر واحد أو اثنين أو ثلاثة ونحوهم، وليس هذا متواتراً(59). والنص عند القائلين به متواتر، فيا لله العجب كيف ساغ عند الناس احتجاج شيعة عليّ بذلك الحديث، ولم يحتج أحد منهم بالنص؟.
الفصل الثالث
الرد على المدَّعي بأن إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة
هو دليل على إمامة عليّ من هذا الوجه(1/39)
قال الرافضي: "البرهان الثالث: قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة: 3]. روى أبو نُعيم بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا الناس إلى غدير خُم، وأمر بإزالة ما تحت الشجر من الشوك، فقام فدعا عليّاً، فأخذ بضَبْعيه فرفعهما، حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم لم يتفرّقوا حتى نزلت هذه الآية: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة: 3]. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، وبالولاية لعليٍّ من بعدي. ثم قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله"(60).
والجواب من وجوه: أحدها: أن المستدلّ عليه بيان صحة الحديث. ومجرد عزوه إلى رواية أبي نُعيم لا تفيد الصحة باتفاق الناس: علماء السنة والشيعة؛ فإن أبا نعيم روى كثيراً من الأحاديث التي هي ضعيفة، بل موضوعة، باتفاق علماء أهل الحديث: السنة والشيعة. وهو وإن كان حافظاً كثير الحديث واسع الرواية، لكن روى، كما عادة المحدِّثين أمثاله يروون جميع ما في الباب، لأجل المعرفة بذلك، وإن كان لا يُحتج من ذلك إلا ببعضه.
والناس في مصنّفاتهم: منهم من لا يروي عمَّن يعلم أنه يكذب، مثل مالك، وشُعبة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل؛ فإن هؤلاء لا يروون عن شخص ليس بثقة عندهم، ولا يروون حديثاً يعلمون أنه عن كذّاب، فلا يروون أحاديث الكذّابين الذين يُعرفون بتعمد الكذب، لكن قد يتفق فيما يروونه ما يكون صاحبه أخطأ فيه.(1/40)
وقد يروي الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما أحاديث تكون ضعيفة عندهم، لاتهام رواتها بسوء الحفظ ونحو ذلك، ليُعتبر بها ويُستشهد بها، فإنه قد يكون لذلك الحديث ما يشهد له أنه محفوظ، وقد يكون له ما يشهد بأنه خطأ، وقد يكون صاحبها كذّبها في الباطن، ليس مشهوراً بالكذب، بل يروي كثيراً من الصدق، فيُروى حديثه.
وليس كل ما رواه الفاسق يكون كذباً، بل يجب التبيّن في خبره كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [الحجرات: 6] الآية، فيُروى لتنظر سائر الشواهد: هل تدل على الصدق أو الكذب؟.
وكثير من المصنِّفين يعزّ عليه تمييز ذلك على وجهه، بل يعجز عن ذلك، فيروي ما سمعه كما سمعه، والدّرْكُ على غيره لا عليه وأهل العلم ينظرون في ذلك وفي رجاله وإسناده.
الوجه الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالموضوعات. وهذا يعرفه أهل العلم بالحديث، والمرجع إليهم في ذلك. ولذلك لا يوجد هذا في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها أهل العلم بالحديث.
الوجه الثالث: أنه قد ثبت في الصحاح والمساند والتفاسير أن هذه الآية نزلت على النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو واقف بعرفة، وقال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً. فقال له عمر: وأيّ آية هي؟ قال: قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [المائدة: 3] فقال عمر: إني لأعلم أي يوم نزلت، وفي أي مكان نزلت. نزلت يوم عرفة بعرفة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم واقف بعرفة. وهذا مستفيض من وجوه آخر، وهو منقول في كتب المسلمين: الصحاح والمساند والجوامع والسير والتفسير وغير ذلك(61).(1/41)
وهذا اليوم كان قبل يوم غدير خُم بتسعة أيام؛ فإنه كان يوم الجمعة تاسع ذي الحجة، فكيف يُقال: إنها نزلت يوم الغدير؟!.
الوجه الرابع: أن هذه الآية ليس فيها دلالة على عليٍّ ولا إمامته بوجه من الوجوه، بل فيها إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة على المؤمنين، ورضا الإسلام ديناً. فدعوى المدَّعي أن القرآن يدل على إمامته من هذا الوجه كذب ظاهر.
وإن قال: الحديث يدلّ على ذلك.
فيقال: الحديث إن كان صحيحاً، فتكون الحجة من الحديث لا من الآية. وإن لم يكن صحيحاً، فلا حجة في هذا ولا في هذا.
فعلى التقديرين لا دلالة في الآية على ذلك. وهذا مما يبيّن به كذب الحديث؛ فإن نزول الآية لهذا السبب، وليس فيها ما يدل عليه أصلاً، تناقضُ.
الوجه الخامس: أن هذا اللفظ، وهو قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله" كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث(62).
وأما قوله: "من كنت مولاه فعليُّ مولاه" فلهم فيه قولان، وسنذكره إن شاء الله تعالى في موضعه.
الوجه السادس: أن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم مُجاب، وهذا الدعاء ليس بمجابٍ. فعُلم أنه ليس من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، فإنه من المعلوم أنه لَمّا تولّى كان الصحابة وسائر المسلمين ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا معه، وصنف قاتلوه، وصنف قعدوا عن هذا وهذا. وأكثر السابقين الأوّلين كانوا من القعود. وقد قيل: إن بعض السابقين الأوّلين قاتلوه. وذكر ابن حزم أن عمّار بن ياسر قتله أبو الغادية، وأن أبا الغادية هذا من السابقين، ممن بايع تحت الشجرة. وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد.
ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة"(63).
وفي الصحيح أن غلام حاطب بن أبي بلتعة قال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار. فقال: "كذبت، إنه شهد بدراً والحديبية"(64).(1/42)
وحاطب هذا هو الذي كاتب المشركين بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبسبب ذلك نزل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1] الآية، وكان مسيئاً إلى مماليكه، ولهذا قال مملوكه هذا القول، وكذّبه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال: "إنه شهد بدراً والحديبية" وفي الصحيح: "لا يدخل النار أحدٌ بايع تحت الشجرة".
وهؤلاء فيهم من قاتل عليّاً، كطلحة والزبير، وإن كان قاتل عمّار فيهم فهو أبلغ من غيره.
وكان الذين بايعوه تحت الشجرة نحو ألف وأربعمائة، وهم الذين فتح الله عليهم خيبر، كما وعدهم الله بذلك في سورة الفتح، وقسَّمها بينهم النبي صلّى الله عليه وسلّم على ثمانية عشر سهماً، لأنه كان فيهم مائتا فارس، فقسَّم للفارس ثلاثة أسهم: سهماً له، وسهمين لفرسه، فصار لأهل الخيل ستمائة سهم، ولغيرهم ألف ومائتا سهم. هذا هو الذي ثبت في الأحاديث الصحيحة(65)، وعليه أكثر أهل العلم، كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم. وقد ذهب طائفة إلى أنه أَسْهَم للفارس سهمين، وأن الخيل كانت ثلاثمائة، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب أبي حنيفة.
وأما عليّ فلا ريب أنه قاتل معه طائفة من السابقين الأوَّلين، كسهل بن حنيف، وعمّار بن ياسر. لكن الذين لم يقاتلوا معه كانوا أفضل؛ فإن سعد بن أبي وقاص لم يقاتل معه، ولم يكن قد بقي من الصحابة بعد عليّ أفضل منه. وكذلك محمد بن مسلمة من الأنصار، وقد جاء في الحديث: "أن الفتنة لا تضره"(66) فاعتزل. وهذا مما استُدل به على أن القتال كان قتال فتنة بتأويل، لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب.(1/43)
وعليّ - ومن معه - أولى بالحق من معاوية وأصحابه، كما ثبت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين، تقتلهم أولى الطائفتين بالحق"(67) فدلّ هذا الحديث على أن عليّاً أولى بالحق ممن قاتله؛ فإنه هو الذي قتل الخوارج لَمّا افترق المسلمون، فكان قوم معه وقوم عليه. ثم إن هؤلاء الذين قاتلوه لم يُخذلوا، بل ما زالوا منصورين يفتحون البلاد ويقتلون الكفّار.
وفي الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا تزال طائفة من أمي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة"(68) قال معاذ بن جبل: "وهم بالشام".
وفي مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة"(69) قال أحمد بن حنبل وغيره: "أهل الغرب هم أهل الشام".
وهذا كما ذكروه؛ فإن كل بلد له غرب وشرق، والاعتبار في لفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم بغرب مدينته، ومن الفرات هو غرب المدينة، فالبيرة(70) ونحوها على سمت المدينة، كما أن حرّان(71) والرَّقَّة(72) وسُمَيْسَاط(73) ونحوها على سمت مكة. ولهذا يُقال: إن قبلة هؤلاء أعدل القبل، بمعنى أنك تجعل القطب الشمالي خلف ظهرك، فتكون مستقبل الكعبة، فما كان غربي الفرات فهو غربي المدينة إلى آخر الأرض، وأهل الشام أولا هؤلاء.
والعسكر الذين قاتلوا مع معاوية ما خُذِلوا قط، بل ولا في قتال عليّ. فكيف يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "للهم اخذل من خذله وانصر من نصره" والذين قاتلوا معه لم يُنصروا على هؤلاء، بل الشيعة الذين تزعمون أنهم مختصّون بعليّ ما زالوا مخذولين مقهورين لا يُنصرون إلا مع غيرهم: إما مسلمين وإما كفّار، وهم يدّعون أنهم أنصاره، فأين نصر الله لمن نصره؟! وهذا وغيره مما يبيّن كذب هذا الحديث.
الفصل الرابع
الرد على من روى عن ابن عباس حديث وقوع النجم في دار عليّ(1/44)
قال الرافض: "البرهان الرابع: قوله تعالى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى} [النجم: 1-2] روى الفقيه عليّ بن المغازلي الشافعي(74) بإسناده عن ابن عباس، قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذ انقضّ كوكبٌ، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "من انقض هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدي" فقام فتية من بني هاشم، فنظروا، فإذا الكوكب قد انقضّ في منزل عليّ، قالوا: يا رسول الله قد غويت في حب عليّ، فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى} [النجم: 1-2].
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحته، كما تقدم. وذلك أن القول بلا علم حرام بالنص والإجماع.
قال تعالى: { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [الإسراء: 36].
وقال: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [الأعراف: 33].
وقال: { هَا أَنتُمْ هَؤُلاَءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ } [آل عمرا: 66].
وقال: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الحج: 3].
وقال: { الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا } [غافر: 35].
والسلطان الذي أتاهم هو الحجة الآتية من عند الله، كما قال: { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ } [الروم: 35].
وقال: { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ، فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الصافات: 156، 157].(1/45)
وقال: { إنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاءُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [النجم: 23].
فما جاءت به الرسل عن الله فهو سلطان، فالقرآن سلطان، والسنة سلطان, لكن لا يعرف أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جاء به إلا بالنقل الصادق عن الله، فكل من احتج بشيء منقول عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فعليه أن يعلم صحته، قبل أن يعتقد موجبه ويستدل به. وإذا احتج به على غيره، فعليه بيان صحته، وإلا كان قائلاً بلا علم، مستدلاً بلا علم.
وإذا عُلم أن في الكتب المصنَّفة في الفضائل ما هو كذب، صار الاعتماد على مجرد ما فيها، مثل الاستدلال بشهادة الفاسق، الذي يصدق تارة ويكذب أخرى. بل لو لم يُعلم أن فيها كذباً، لم يفدنا علماً حتى نعلم ثقة من رواها.
وبيننا وبين الرسول مئون من السنين، ونحن نعلم بالضرورة أن فيما ينقل الناس عنه وعن غيره صدقاً وكذباً. وقد رُوي عنه أنه قال: سيُكذب عليّ، فإن كان هذا الحديث صدقاً، فلابد أن يُكذَّب عليه، وإن كان كذباً فقد كذب عليه. وإن كان كذلك لم يجز لأحد أن يحتج في مسألة فرعية بحديث حتى يبيِّن ما به يثبت، فكيف يحتج في مسائل الأصول، التي يقدح فيها في خيار القرون وجماهير المسلمين وسادات أولياء الله المقرَّبين، بحيث لا يعلم المحتج به صدقه؟
وهو لو قيل له: أتعلم أن هذا وقع؟ فإن قال: أعلم ذلك، فقد كذب. فمن أين يعلم وقوعه؟ ويُقال له: من أين علمت صدق ذلك، وذلك مما لا يُعرف إلا بالإسناد ومعرفة أحوال الرواة؟ وأنت لا تعرفه، ولو أنك عرفته لعرفت أن هذا كذب.
وإن قال: لا أعلم ذلك. فكيف يسوغ لك الاحتجاج بما لا تعلم صحته؟(1/46)
الثاني: أن هذا كذب باتفاق أهل العلم بالحديث. وهذا المغازلي ليس من أهل الحديث، كأبي نعيم وأمثاله، ولا هو أيضاً من جامعي العلم الذي يذكرون ما غالبه حق وبعضه باطل، كالثعلبي وأمثاله، بل هذا لم يكن الحديث من صنعته، فعمد إلى ما وجده من كتب الناس من فضائل عليّ فجمعها، كما فعل أخطب خوارزم، وكلاهما لا يعرف الحديث، وكل منهما يروي فيما جمعه من الأكاذيب الموضوعة، ما لا يخفى أنه كذب على أقل علماء النقل والحديث.
ولسنا نعلم أن أحدهما يتعمد الكذب فيما ينقله، لكن الذي تيقّناه أن الأحاديث التي يروونها فيها ما هو كذب كثير باتفاق أهل العلم، وما قد كذبه الناس قبلهم، وهما - وأمثالهما - قد يروون ذلك ولا يعلمون أنه كذب، وقد يعلمون أنه كذب. فلا أدري هل كانا من أهل العلم بأن هذا كذب؟ أو كانا مما لا يعلمان ذلك؟.
وهذا الحديث ذكره الشيخ أبو الفرج في "الموضوعات"(75) لكن بسياق آخر(76)، من حديث محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: لما عرج بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المساء السابعة، وأراه الله من العجائب في كل سماء فلما أصبح جعل يحدِّث الناس عن عجائب ربّه(77)، فكذَّبه من أهل مكة من كذّبه، وصدّقه من صدّقه، فعند ذلك انقضّ نجم من السماء، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: في دار من وقع هذا النجم(78) فهو خليفتي من بعدي، فطلبوا(79) ذلك النجم فوجوده في دار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فقال أهل مكة: ضلّ محمد وغوى، وهوى أهل بيته(80) ومال إلى ابن عمّه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعند ذلك نزلت هذه السورة: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى}(81) [النجم: 1-2].(1/47)
قال أبو الفرج(82): "هذا حديث موضوع لا شك فيه، وما أبرد الذي وضعه، وما أبعد ما ذكر، وفي إسناده ظلمات منها أبو صالح وكذلك(83) الكلبي ومحمد بن مروان السّدي، والمتهم به الكلبي. قال أبو حاتم بن حبّان: كان الكبي من الذين يقولون: إنّ عليّاً لم يمت، وأنه يرجع إلى الدنيا، وإن رأوا سحابةً قالوا: أمير المؤمنين فيها. لا يحل الاحتجاج به. قال: والعجب(84) من تغفيل(85) من وضع هذا الحديث، كيف رتّب ما لا يصح في المعقول(86) من أن النجم يقع في دار ويثبت إلى أن يُرى(87)، ومن بلهه أنه وضع هذا الحديث على ابن عباس، وكان ابن عباس زمن(88) المعراج ابن سنتين، فكيف يشهد تلك الحالة ويرويها؟".
قلت: إذا لم يكن هذا الحديث في تفسر الكلبي المعروف عنه، فهو مما وضع بعده. وهذا هو الأقرب. قال أبو الفرج(89): "وقد سَرَق هذا الحديث بعينه قومٌ وغيَّروا إسناده، ورووه بإسناد غريب(90) من طريق أبي بكر العطّار، عن سليمان بن أحمد المصري، ومن طريق أبي قضاعة ربيعة بن محمد، حدثنا ثوبان بن إبراهيم، حدثنا مالك بن غسَّان النهشلي، عن أنس(91) قال: انقضّ كوكب على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: انظروا إلى هذا الكوكب فمن انقضّ في داره فهو خليفة(92) من بعدي. قال: فنظرنا، فإذا هو قد(93) انقضّ في منزل عليّ(94)، فقال جماعة(95): قد غوى محمد في حب علي(96). فأنزل الله تعالى: {وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى} الآيات(97) [النجم: 1-2].
قال أبو الفرج(98): "وهذا الحديث هو المتقدم(99) سرقه(100) بعض هؤلاء الرواة فغيّر(101) إسناده، ومن تغفيله وَضْعُهُ إيّاه على أنس؛ فإن أنساً لم يكن بمكة زمن(102) المعراج، ولا حين نزول هذه السورة، لأن المعراج كان قبل الهجرة بسنة، وأنس إنما عرف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالمدينة، وفي هذا الإسناد ظلمات.(1/48)
أما مالك النهشلي فقال ابن حبّان: يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، وأما ثوبان فهو أخو ذي النون المصري ضعيف في الحديث، وأبو قضاعة منكر الحديث متروكه، وأبو بكر(103) العطّار وسليمان بن أحمد مجهولان".
الوجه الثالث: أنه مما يبيّن أنه كذب أن فيه ابن عباس شهد نزول سورة النجم حين انقض الكوكب في منزل عليّ، وسورة النجم باتفاق الناس من أول ما نزل بمكة، وابن عبّاس حين مات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان مراهقاً للبلوغ لم يحتلم بعد، هكذا ثبت عنه في الصحيحين. فعند نزول هذه الآية: إما أن ابن عباس لم يكن وُلد بعد، وإما أنه كان طفلاً لا يميّز، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما هاجر كان لابن عباس نحو خمس سنين، والأقرب أنه لم يكن ولد عند نزول سورة النجم، فإنها من أوائل ما نزل من القرآن.
الوجه الرابع: أنه لم ينقضّ قط كوكب إلى الأرض بمكة ولا بالمدينة ولا غيرهما. ولما بُعث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كثر الرمي بالشهب، ومع هذا فلم ينزل كوكب إلى الأرض. وهذا ليس من الخوارق التي تُعرف في العالم، بل هو من الخوارق التي لا يُعرف مثلها في العالم، ولا يُروى مثل هذا إلا من هو من أوقح الناس، وأجرئهم على الكذب، وأقلهم حياءً وديناً، ولا يَرُوج إلا على من هو من أجهل الناس وأحمقهم، وأقلهم معرفة وعلماً.
الوجه الخامس: أن نزول سورة النجم كان في أول الإسلام، وعليّ إذ ذاك كان صغيراً، والأظهر أنه لم يكن احتلم ولا تزوّج بفاطمة، ولا شُرع بعد فرائض الصلاة أربعاً وثلاثاً واثنين، ولا فرائض الزكاة، ولا حج البيت، ولا صوم رمضان، ولا عامة قواعد الإسلام.
وأمر الوصية بالإمامة لو كان حقّاً إنما يكون في آخر الأمر كما ادعوه يوم غدير خُم، فكيف يكون قد نزل في ذلك الوقت؟(1/49)
الوجه السادس: أن أهل العلم بالتفسير متفقون على خلاف هذا، وأن النجم المقسم به: إما نجوم السماء، وإما نجوم القرآن، ونحو ذلك. ولم يقل أحد: إنه كوكب نزل في دار أحد بمكة.
الوجه السابع: أنه من قال لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "غويت" فهو كافر، والكفَّار لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين والدخول في الإسلام.
الوجه الثامن: أن هذا النجم إن كان صاعقة، فليس نزول الصاعقة في بيت شخص كرامة له، وإن كان من نجوم السماء فهذه لا تفارق الفلك، وإن كان من الشُّهب فهذه يُرمى بها رجوماً للشياطين، وهي لا تنزل إلى الأرض. ولو قُدِّر أن الشيطان الذي رُمِيَ بها وصل إلى بيت عليّ حتى احترق بها، فليس هذا كرامة له، مع أن هذا لم يقع قط.
الفصل الخامس
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه مطهر ومعصوم
قال الرافضي: "البرهان الخامس: قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33] فروى أحمد بن حنبل في مسنده عن واثلة بن الأسقع قال: طلبت عليّاً في منزله، فقالت فاطمة رضي الله عنها: ذهب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فجاءا جميعاً فدخلا ودخلت معهما، فأجلس عليّاً عن يساره، وفاطمة عن يمينه، والحسن والحسين بين يديه، ثم التفع عليهم بثوبه، وقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } اللهم إن هؤلاء أهلي حقّاً.(1/50)
وعن أم سلمة قالت: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان في بيتها، فأتته فاطمة رضي الله عنها ببرمة فيها حريرة، فدخلت بها عليه، فقال: ادعي زوجك وابنَيْك. قالت: فجاء عليّ والحسن والحسين فدخلوا جلسوا يأكلون من تلك الحريرة، وهو وهم على منام له علي، وكان تحته كساء خَيْبَري. قالت: وأنا في الحجرة أصلّي، فأنزل الله تعالى هذه الآية: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }.
قالت: فأخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، وقال: هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. وكرّر ذلك. قالت: فأدخلت رأسي وقلت: وأنا معهم يا رسول الله قال: إنك إلى خير.
وفي هذه الآية دلالة على العصمة، مع التأكيد بلفظة: "إنما" وإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله: "أهل البيت" والتكرير بقوله: "ويطهّركم" والتأكيد بقوله: "تطهيراً". وغيرهم ليس بمعصوم، فتكون الإمامة في عليّ، ولأنه ادّعاها في عدة من أقواله، كقوله: والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلّي منها محل القطب من الرحى. وقد ثبت نفي الرجس عنه، فيكون صادقاً، فيكون هو الإمام".
والجواب: أن هذا الحديث صحيح في الجملة؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال لعليّ وفاطمة وحسن وحسين: "اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجل وطهّرهم تطهيراً".(1/51)
وروى ذلك مسلم عن عائشة قالت: خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم غداةً وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }(104). وهو مشهور من رواية أم سلمة من رواية أحمد والترمذي(105)، لكن ليس في هذا دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم.
وتحقيق ذلك في مقامين أحدهما: أن قوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }، كقوله: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } [المائدة: 6]، وكقوله: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185]، وكقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا} [النساء: 26-27].
فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدَّره، ولا أنه يكون لا محالة.
والدليل على ذلك أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد نزول هذه الآية قال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير. فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهّرهم، لم يحتج إلى الطلب والدعاء.
وهذا على قول القدرية أظهر؛ فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، فليس في كونه تعالى مريداً لذلك ما يدل على وقوعه.(1/52)
وهذا الرافضي وأمثاله قدرية، فكيف يحتجّون بقوله: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } على وقوع المراد؟ وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض فلم يقع مراده؟
وأما على قول أهل الإثبات، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة شرعية دينية تتضمّن محبته ورضاه، وإرادة كونيّة قدرية تتضمن خلقه وتقديره.
الأولى مثل هؤلاء الآيات.
والثانية مثل قوله تعالى: { فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ } [الأنعام: 125].
وقول نوح: { وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } [هود: 34].
وكثير من المثبتة والقدرية يجعل الإرادة نوعاً واحداً، كما يجعلون الإرادة والمحبة شيئاً واحداً.
ثم القدرية ينفون إرادته لِمَا بيّن أنه مراد في آيات التقدير، وأولئك ينفون إرادته لما بيَّن أنه مراد في آيات التشريع، فإنه عندهم كل ما قيل: "إنه مراد" فلابد أن يكون كائناً.
والله قد اخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهّرهم، وفيهم من تاب، وفيهم من لم يتب، وفيهم من تطهّر، وفيهم من لم يتطهر. وإذا كانت الآية دالة على وقوع ما أراده من التطهير وإذهاب الرجس، لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادّعاه.(1/53)
ومما يبيّن ذلك أن أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مذكورات في الآية، والكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه، ووعد الثواب على فعله، والعقاب على تركه. قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا، يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 30-32] إلى قوله: { وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].
فالخطاب كله لأزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد. لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمّهن وتعمّ غيرهن من أهل البيت، جاء التطهير بهذا الخطاب وغيره، وليس مختصّاً بأزواجه، بل هو متناول لأهل البيت كلهم، وعليّ وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك، ولذلك خصّهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالدعاء لهم.
وهذا كما أن قوله: { لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } [التوبة: 108] نزلت بسبب مسجد قُباء، لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك، وهو مسجد المدينة.
وهذا يوجّه ما ثبت في الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه سُئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى، فقال: "هو مسجدي هذا"(106).
وثبت عنه في الصحيح أنه كان يأتي قُباء كل سبت ماشياً وراكباً، فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويأتي قباء يوم السبت(107). وكلاهما مؤسس على التقوى.(1/54)
وهكذا أزواجه وعليّ وفاطمة والحسن والحسين كلهم من أهل البيت، لكن عليّاً وفاطمة، والحسن والحسين أخص بذكل من أزواجه، ولهذا خصَّهم بالدعاء.
وقد تنازع الناس في آل محمد: من هم؟ فقيل: هم أمته. وهذا قول طائفة من أصحاب مالك وأحمد وغيرهم.
وقيل: المتقون من أمته. ورووا حديثاً: "آل محمد كل مؤمن تقيّ" رواه الخلال وتمام في "الفوائد" له، وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وهو حديث موضوع(108) وبنى على ذلك طائفة من الصوفية أن آل محمد هم خواصّ الأولياء كما ذكر الحكيم الترمذي.
والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم. لكن هل أزواجه من أهل بيته؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد: أحدهما: أنهن لسن من أهل البيت. ويروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني: - وهو الصحيح - أن أزواجه من آله.
فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه علّمهم الصلاة عليه: "اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته"(109).
ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته، بدلالة القرآن. فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته؟.
ولأن هذه الآية تدلّ على أنهن من أهل بيته، وإلا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى.
وأما الأتقياء من أمته فهم أولياؤه. كما ثبت في الصحيح أنه قال: "إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليِّيَ الله وصالح المؤمنين"(110) فبيّن أن أولياءه صالح المؤمنين.
وكذلك في حديث آخر: "إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا"(111).
وقد قال تعالى: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ } [التحريم: 4].
وفي الصحاح عنه أنه قال: "وددت أني رأيت إخواني" قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يومنون بي ولم يروني"(112).(1/55)
وإذا كان كذلك فأولياؤه المتّقون بينه وبينهم قرابة الدين والإيمان والتقوى. وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطينية، والقرب بين القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان.
ولهذا كان أفضلَ الخلقِ أولياؤه المتّقون. وأما أقاربه ففيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر. فإن كان فاضلاً منهم كعليّ رضي الله عنه وجعفر والحسن والحسين، فتفضيلهم بما فيهم في الإيمان والتقوى وهم أولياؤه بهذا الاعتبار، لا بمجرد النسب، فأولياؤه أعظم درجة من آله، وإن صلَّى على آله تبعاً له لم يقتضِ ذلك أن يكونوا أفضل من أوليائه الذين لم يصل عليهم، فإن الأنبياء والمرسلين هم من أوليائه، وهم أفضل من أهل بيته، وإن لم يدخلوا في الصلاة معه تبعاً، فالمفضول قد يختص بأمرٍ، ولا يلزم أن يكون أفضل من الفاضل.
ودليل ذلك أن أزواجه هم ممن يصلّى عليه، كما ثبت ذلك في الصحيحين، فقد ثبت باتفاق الناس كلهم أن الأنبياء أفضل منهن كلهن.
فإن قيل: فهب أن القرآن لا يدل على وقوع ما أريد من التطهير وإذهاب الرجس، لكن دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لهم بذلك يدل على وقوعه، فإن دعاءه مستجاب.
قيل: المقصود أن القرآن لا يدل ما ادّعاه من ثبوت الطهارة وإذهاب الرجس، فضلاً عن أن يدل على العصمة والإمامة.
وأما الاستدلال بالحاديث فذاك مقام آخر.
ثم نقول في المقام الثاني: هب أن القرآن دل على طهارتهم وإذهاب الرجس عنهم، كما أن الدعاء المستجاب لابد أن يتحقق معه طهارة المدعو لهم وإذهاب الرجس عنهم، لكن ليس في ذلك ما يدل على العصمة من الخطأ.
والدليل عليه أن الله لم يرد بما أمر به أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا يصدر من واحدة منهن خطأ، فإن الخطأ مغفور لهن ولغيرهن. وسياق الآية يقتضي أنه يريد ليذهب عنهم الرجس - الذي هو الخبث كالفواحش - ويطهرهم من الفواحش وغيرها من الذنوب.(1/56)
والتطهير من الذنب على وجهين: كما في قوله: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [المدثر: 4] وقوله: { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } [الأعراف: 82]، فإنه قال فيها: { مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [الأحزاب: 30].
والتطهير عن الذنب إما بأن لا يفعله العبد، وإما أن يتوب منه كما في قوله: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } [التوبة: 103] لكن ما أمر الله به من الطهارة ابتداءً وإرادةً فإنه يتضمن نهيه عن الفاحشة، لا يتضمن الإذن فيها بحال، لكن هو سبحانه ينهى عنها، ويأمر من فعلها بأن يتوب منها.
وفي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه كان يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، واغسلني بالثلج والبَرَد والماء البارد، اللهم نقِّني من الخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدنس"(113).
وفي الصحيحين أنه قال لعائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قبل أن يعلم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم براءتها، وكان قد ارتاب في أمرها، فقال: "يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه"(114).(1/57)
وبالجملة لفظ "الرجس" أصله القذر، ويُراد به الشرك، كقوله: { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ } [الحج: 30]. ويراد به الخبائث المحرَّمة، كالمطعومات والمشروبات، كقوله: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا } [الأنعام: 145] وقوله: { إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } [المائدة: 90]، وإذهاب ذلك إذهاب لكله. ونحن نعلم أن الله أذهب عن أولئك السادة الشكر والخبائث.
ولفظ "الرجس" عام يقتضي أن الله يريد أن يذهب جميع الرجس، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا بذلك:
وأما قوله: "وطَهِّرهُم تطهيرا" فهو سؤال مطلق بما يسمّى طهارة. وبعض الناس يزعم أن هذا مطلق، فيكتفي فيه بفرد من أفراد الطهارة، ويقول مثل ذلك في قوله: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ } [الحشر: 2] ونحو ذلك.
والتحقيق أنه أمر بمسمَّى الاعتبار الذي يُقال عند الإطلاق، كما إذا قيل: أكرم هذا، أي افعل معه ما يسمى عند الإطلاق إكراماً وكذلك ما يسمى عند الإطلاق اعتباراً. والإنسان لا يُسمَّى معتَبِراً إذا اعتبر في قصة وترك ذلك في نظيرها، وكذلك لا يُقال: هو طاهر، أو متطهراً، أو مطهراً، إذا كان متطهّراً من شيء متنجّساً بنظيره.
ولفظ "الطاهر" كلفظ الطيب. قال تعالى: { وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور: 26]، كما قال: { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ } [النور: 26].
وقد روى أنه قال لعمَّار: "ائذنوا له مرحباً بالطيّب المطيّب"(115).(1/58)
وهذا أيضاً كلفظ "المتقي" ولفظ " المزكّي". قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 9-10]. وقال: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } [التوبة: 103]. وقال: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى } [الأعلى: 14]. وقال: { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ } [النور: 21].
وليس من شرط المتقين ونحوهم أن لا يقع منهم ذنب، ولا أن يكونوا معصومين من الخطأ والذنوب. فإن هذا لو كان كذلك لم يكن في الأمة متق، بل من تاب من ذنوبه دخل في المتقين، ومن فعل ما يكفّر سيئاته دخل في المتقين، كما قال: { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا } [النساء: 31].
فدعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يطهّرهم تطهيراً، كدعائه بأن يزكّيهم ويطيّبهم ويجعلهم متقين ونحو ذلك. ومعلوم أن من استقر أمره على ذلك، فهو داخل في هذا، لا تكون الطهارة التي دعا بها لهم بأعظم مما دعا به لنفسه. وقد قال: "اللهم طهّرني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد". فمن وقع ذنبه مغفوراً أو مكفّراً فقد طهّره الله منه تطهيراً، ولكن من مات متوسّخاً بذنوبه، فإنه لم يطهّر منه في حياته.
وقد يكون من تمام تطهيرهم صيانتهم عن الصدقة التي هي أوساخ الناس. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا دعا بدعاء أجابه الله بحسب استعدد المحل، فإذا استغفر للمؤمنين والمؤمنات، لم يلزم أن لا يوجد مؤمن مذنب، فإن هذا لو كان واقعاً لما عُذِّب مؤمن، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل يغفر الله لهذا بالتوبة، ولهذا بالحسنات الماحية، ويغفر الله لهذا ذنوباً كثيرة، وإن واحدة بأخرى.(1/59)
وبالجملة فالتطهير الذي أراده الله، والذي دعا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ليس هو العصمة بالاتفاق، فإن أهل السنة عنهم لا معصوم إلا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والشيعة يقولون: لا معصوم غير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام. فقد وقع الاتفاق على انتفاء العصمة المختصة بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام عن أزواجه وبناته وغيرهن من النساء.
وإذا كان كذلك امتنع أن يكون التطهير المدعو به للأربعة متضمناً للعصمة التي يختص بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم والإمام عندهم، فلا يكون من دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم له بهذه العصمة: لا لعليّ ولا لغيره، فإنه دعا بالطهارة لأربعة مشتركين لم يختص بعضهم بدعوة.
وأيضاً فالدعاء بالعصمة من الذنوب ممتنع على أصل القدرية، بل وبالتطهير أيضاً؛ فإن الأفعال الاختيارية - التي هي فعل الواجبات وترك المحرمات - عندهم غير مقدورة للرب، ولا يمكنه أن يجعل العبد مطيعاً ولا عاصياً، ولا متطهراً من الذنوب ولا غير متطهر، فامتنع على أصلهم أن يدعو لأحد بأن يجعله فاعلاً للواجبات تاركاً للمحرمات، وإنما المقدور عندهم قدرة تصلح للخير والشر، كالسيف الذي يصلح لقتل المسلم والكافر، والمال الذي يمكن إنفاقه في الطاعة والمعصية، ثم العبد يفعل باختياره: إما الخير وإما الشر بتلك القدرة.
وهذا الأصل يبطل حجتهم. والحديث حجة عليهم في إبطال هذا الأصل، حيث دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لهم بالتطهير.
فإن قالوا: المراد بذلك أنه يغفر لهم ولا يؤاخذهم.
كان ذلك أدل على البطلان من دلالته على العصمة.
فتبين أن الحديث لا حجة لهم فيه بحال على ثبوت العصمة.
والعصمة مطلقاً - التي هي فعل المأمور وترك المحظور - ليست مقدوره عندهم لله، ولا يمكنه أن يجعل أحداً فاعلاً لطاعة ولا تاركاً لمعصية، لا لنبي ولا لغيره، فيمتنع عندهم أن من يعلم أنه إذا عاش يطيعه باختيار نفسه لا بإعانة الله وهدايته.(1/60)
وهذا مما يبين تناقض قولهم في مسائل العصمة كما تقدم. ولو قُدِّر ثبوت العصمة فقد قدّمنا أنه لا يُشترط في الإمام العصمة ولا إجماع على انتفاء العصمة في غيرهم، وحينئذ فتبطل حجتهم بكل طريق.
وأما قوله: "إن علياً ادّعاها، وقد ثبت نفي الرجس عنه فيكون صادقاً".
فجوابه من وجوه: أحدها: أنّا لا نسلم أن عليّاً ادّعاها، بل نحن نعلم بالضرورة علماً متيقناً أن عليّاً ما ادّعاها قط حتى قُتل عثمان، وإن كان قد يميل بقلبه إلى أن يُوَلّى، لكن ما قال: إني أنا الإمام، ولا: إني معصوم، ولا: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعلني الإمام بعده، ولا إني أوجب على الناس متابعتي، ولا نحو هذه الألفاظ.
بل نحن نعلم بالاضطرار أن من نقل هذا ونحوه عنه فهو كاذب عليه. ونحن نعلم أن عليّاً كان أتقى لله من أن يدَّعي الكذب الظاهر، الذي تعلم الصحابة كلهم أنه كذب.
وأما نقل الناقل عنه أنه قال: "لقد تقمّصها ابن أبي قحافة، وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى".
فنقول: أولاً: أين إسناد هذا النقل، بحيث ينقله ثقة عن ثقة متصلاً إليه؟ وهذا لا يوجد قط، وإنما يُوجد مثل هذا في كتاب" نهج البلاغة" وأمثاله، وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليّ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدّم، ولا لها إسناد معروف. فهذا الذي نقلها من أين نقلها؟.
ولكن هذه الخطب بمنزلة من يدّعي أنه علويّ أو عباسيّ، ولا نعلم أحداً من سلفه ادّعى ذلك قط، ولا ادعى ذلك له، فيعلم كذبه.
فإن النسب يكون معروفاً من أصله حتى يتصل بفرعه، وكذلك المنقولات لابد أن تكون ثابتة معروفة عمن نقل عنه حتى تتصل بنا فإذا صنَّف واحد كتاباً ذكر فيه خطباً كثيرة للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، ولم يرو أحد منهم تلك الخطب قبله بإسناد معروف، علمنا قطعاً أن ذلك كذب. وفي هذه الخطب أمور كثيرة قد علمنا يقيناً من عليّ ما يناقضها.(1/61)
ونحن في هذا المقام ليس علينا أن نبيّن أن هذا كذب، بل يكفينا المطالبة بصحة النقل، فإن الله لم يوجب على الخلق أن يصدّقوا بما لم يقم دليل على صدقه، بل هذا ممتنع بالاتفاق، لا سيما على القول بامتناع تكليف ما لا يطاق؛ فإن هذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، فكيف يمكن الإنسان أن يثبت ادعاء عليّ للخلافة بمثل حكاية ذكرت عنه في أثناء المائة الرابعة، لما كثر الكذّابون عليه، وصار لهم دولة تقبل منهم ما يقولون، سواء كان صدقاً أو كذباً، وليس عندهم من يطالبهم بصحة النقل. وهذا الجواب عمدتنا في نفس الأمر، وفيما بيننا وبين الله تعالى.
ثم نقول: هب أن عليّاً قال ذلك، فلم قلت: إنه أراد إنّي إمام معصوم منصوص عليه، ولم لا يجوز أنه أراد أني كنت أحق بها من غيري، لاعتقاده في نفسه أنه أفضل وأحق من غيره، وحينئذ فلا يكون مخبراً عن أمر تعمّد فيه الكذب، ولكن يكون متكلماً باجتهاده، والاجتهاد يصيب ويخطئ.
ونفي الرجس لا يوجب أن يكون معصوماً من الخطأ بالاتفاق، بدليل أن الله لم يرد من أهل البيت أن يذهب عنهم الخطأ، فإن ذلك غير مقدور عليه عندهم، والخطأ مغفور، فلا يضر وجوده.
وأيضاً فالخطأ لا يدخل فيه عموم الرجس.
وأيضاً فإنه لا معصوم من أن يقرَّ على خطأ إلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهم يخصّون ذلك بالأئمة بعده، وإذهاب الرجس قد اشترك فيه عليّ وفاطمة وغيرهما من أهل البيت.(1/62)
وأيضاً فنحن نعلم أن عليّاً كان أتقى لله من أن يتعمد الكذب، كما أن أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم كانوا أتقى لله من أن يتعمدوا الكذب. لكن لو قيل لهذا المحتج بالآية: أنت لم تذكر دليلاً على أن الكذب من الرجس، وإذا لم تذكر على ذلك دليلاً لم يلزم من إذهاب الرجس إذهاب الكذبة الواحدة، إذا قُدِّر أن الرجس ذاهب، فهو فيمن يحتج بالقرآن، وليس في القرآن ما يدل على إذهاب الرجس، ولا ما يدل على أن الكذب والخطأ من الرجس، ولا أن عليّاً قال ذلك. ولكن هذا كله لو صح شيء منه، لم يصح إلا بمقدمات ليست في القرآن، فأين البراهين التي في القرآن على الإمامة؟ وهل يدّعي هذا إلا من هو من أهل الخزي والندامة؟
الفصل السادس
الرد على من ادعى أن بيت عليّ من بيوت الأنبياء
قال الرافضي: "البرهان السادس: في قوله تعالى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ } إلى قوله: { يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } [النور: 36، 37] قال الثعلبي بإسناده عن أنس وبُريدة قالا: قرأ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هذه الآية، فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟ فقال: "بيوت الأنبياء". فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ يعني بيت عليّ وفاطمة. قال: نعم من أفضلها، وصف فيها الرجال بما يدلّ على أفضليتهم فيكون عليّ هو الإمام، وإلا لزم تقديم المفضول على الفاضل".(1/63)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل. ومجرد عزو ذلك إلى الثعلبي ليس بحجة باتفاق أهل السنة والشيعة، وليس كل خبر رواه واحدٌ من الجمهور يكون حجة عند الجمهور، بل علماء الجمهور متفقون على أن ما يرويه الثعلبي وأمثاله لا يحتجون به، لا في فضيلة أبي بكر وعمر، ولا في إثبات حكم من الأحكام، إلا أن يُعلم ثبوته بطريق، فليس له أن يقول: إنّ نحتج عليكم بالأحاديث التي يرويها واحد من الجمهور، فإن هذا بمنزلة من يقول: أنا أحكم عليكم بمن يشهد عليكم من الجمهور، فهل يقول أحد من علماء الجمهور: إن كل من شهد منهم فهو عدل، أو قال أحد من علمائهم: إن كل من روى منهم حديثاً كان صحيحاً.
ثم علماء الجمهور متفقون على أن الثعلبي وأمثاله يروون الصحيح والضعيف، ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتّباع ذلك. ولهذا يقولون في الثعلبي وأمثاله: إنه حاطب ليل يروي ما وجد، سواء كان صحيحاً أو سقيماً. فتفسيره وإن كان غالب الأحاديث التي فيه صحيحة، ففيه ما هو كذب موضوع باتفاق أهل العلم.
ولهذا لما اختصره أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي - وكان أعلم بالحديث والفقه منه، والثعلبي أعلم بأقوال المفسرين - ذكر البغوي عنه أقوال المفسرين والنحاة وقصص الأنبياء، فهذه الأمور نقلها البغوي من الثعلبي، وأما الأحاديث فلم يذكر في تفسيره شيئاً من الموضوعات التي رواها الثعلبي، بل يذكر الصحيح منها ويعزوه إلى البخاري وغيره، فإنه مصنّف كتاب "شرح السنة" وكتاب "المصابيح" وذكر ما في الصحيحين والسنن، ولم يذكر الأحاديث التي تظهر لعلماء الحديث أنها موضوعة، كما يفعله غيره من المفسرين، كالواحدي صاحب الثعلبي، وهو أعلم بالعربية منه، وكالزمخشري وغيرهم من المفسرين، الذين يذكرون من الأحاديث ما يعلم أهل الحديث أنه موضوع.(1/64)
الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، ولهذا لم يذكره علماء الحديث في كتبهم التي يعتمد في الحديث عليها، كالصحاح والسنن والمساند، مع أن في بعض هذه ما هو ضعيف، بل ما يُعلم أنه كذب، لكن هذا قليل جداً. وأما هذا الحديث وأمثاله فهو أظهر كذباً من أن يذكروه في مثل ذلك.
الثالث: أن يُقال: الآية باتفاق الناس هي في المساجد(116)، كما قال: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } الآية [النور: 36]. وبيت عليّ وغيره ليس موصوفاً بهذه الصفة.
الرابع: أن يقال: بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من بيت عليّ باتفاق المسلمين، ومع هذا لم يدخل في هذه الآية، لأنه ليس في بيته رجال، وإنما فيه هو والواحدة من نسائه، ولما أراد بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: { لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ } [الأحزاب: 53]، وقال: { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } [الأحزاب: 34].
الوجه الخامس: أن قوله: "هي بيوت الأنبياء" كذب، فإنه لو كان كذلك لم يكن لسائر المؤمنين فيها نصيب. وقوله: { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ } [النور: 36، 37] متناول لكل من كان بهذه الصفة.
الوجه السادس: أن قوله: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ } نكرة موصوفة ليس لها تعيين. وقوله: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ }: إن أراد بذلك ما لا يختص به المساجد من الذكر في البيوت والصلاة فيها، دخل في ذلك بيوت أكثر المؤمنين المتصفين بهذه الصفة، فلا تختص بيوت الأنبياء.(1/65)
وإن أراد بذلك ما يختص به المساجد من وجود الذكر في الصلوات الخمس ونحو ذلك، كانت مختصة بالمساجد. وأما بيوت الأنبياء فليس فيها خصوصية المساجد، وإن كان لها فضل بسكنى الأنبياء فيها.
الوجه السابع: أن يقال: إن أريد ببيوت الأنبياء ما سكنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فليس في المدينة من بيوت الأنبياء إلا بيوت أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فلا يدخل فيها بيت عليّ. وإن أريد ما دخله الأنبياء فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد دخل بيوت كثير من الصحابة.
وأي تقدير قُدِّر في الحديث لا يمكن تخصيص بيت عليّ بأنه من بيوت الأنبياء، دون بيت أبي بكر وعمر وعثمان ونحوهم. وإذا لم يكن له اختصاص، فالرجال مشتركون بينه وبين غيره.
الوجه الثامن: أن يقال: قوله: الرجال المذكورون موصوفون بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، ليس في الآية ما يدل على أنهم أفضل من غيرهم، وليس فيها ذكر ما وعدهم الله به من الخير، وفيها الثناء عليهم، ولكن ليس كل من أثنى عليه أو وُعد بالجنة يكون أفضل من غيره، ولهذا لم يلزم أن يكون هو أفضل من الأنبياء.
الوجه التاسع: أن يُقال: هب أن هذا يدل على أنهم أفضل ممن ليس كذلك من هذا الوجه، لكن لم قلت: إن هذه الصفة مختصة بعليّ؟ بل كل من كانت لا تلهيه التجارة والبيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ويخاف يوم القيامة، فهو متصف بهذه الصفة. فلم قلت: إنه ليس متصف بذلك إلا عليّاً؟ ولفظ الآية يدل على أنهم رجال ليسوا رجلاً واحداً، فهذا دليل على أن هذا لا يختص بعليّ، بل هو وغيره مشتركون فيها. وحينئذ فلا يلزم أن يكون أفضل من المشاركين له فيها.
الوجه العاشر: أنه لو سُلِّم أن عليّاً أفضل من غيره في هذه الصفة، فلم قلت: إن ذلك يوجب الإمامة؟(1/66)
وأما امتناع تقديم المفضول على الفاضل إذا سُلِّم، فإنما هو في مجموع الصفات التي تناسب الإمامة، وإلا فليس كل من فُضِّل في خصلة من الخير استحق أن يكون هو الإمام. ولو جاز هذا لقيل: ففي الصحابة من قتل من الكفّار أكثر مما قتل عليّ، وفيهم من أنفق من ماله أكثر مما أنفق عليّ، وفيهم من كان أكثر صلاة وصياماً من عليّ، وفيهم من أوذي في الله أكثر من عليّ، وفيهم من كان أسنّ من عليّ، وفيهم من كان عنده من العلم ما ليس عند عليّ.
وبالجملة لا يمكن أن يكون واحدٌ من الأنبياء له مثل ما لكل واحد من الأنبياء من كل وجه، ولا أحد من الصحابة يكون له مثل ما لكل أحد من الصحابة من كل وجه، بل يكون في المفضول نوع من الأمور التي يمتاز بها عن الفاضل، ولكن الاعتبار في التفضيل بالمجموع.
الفصل السابع
الرد على من ادّعى اختصاص عليّ بالإمامة
والفضيلة بقوله بوجوب موالاته ومودته
قال الرافضي: "البرهان السابع: قوله تعالى: { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى: 23] روى أحمد بن حنبل في مسنده عن ابن عباس قال: لما نزلت: { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟ قال: "عليّ وفاطمة وابناهما. وكذا في تفسير الثعلبي، ونحوه في الصحيحين. وغير عليّ من الصحابة والثلاثة لا تجب مودته، فيكون عليّ أفضل، فيكون هو الإمام، ولأن مخالفته تنافي المودة، وبامتثال أوامره تكون مودته، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث: وقوله: "إن أحمد روى هذا في مسنده" كذب بيّن، فإن هذا مسند أحمد موجود به من النسخ ما شاء الله، وليس فيه هذا الحديث. وأظهر من ذلك كذباً قوله: إن نحو هذا في الصحيحين وليس هو في الصحيحين، بل فيهما وفي المسند ما يناقض ذلك.(1/67)
ولا ريب أن هذا الرجل وأمثاله جهّال بكتب أهل العلم، لا يطالعونها ولا يعلمون ما فيها. ورأيت بعضهم جمع لهم كتاباً في أحاديث من كتب متفرقة، معزوّة تارة إلى الصحيحين، وتارة إلى مسند أحمد، وتارة إلى المغازلي والموفق خطيب خوارزم والثعلبي وأمثاله، وسمَّاه "الطرائف في الرد على الطوائف". وآخر صنف كتاباً لهم سماه "العمدة" واسم مصنّفه ابن البطريق.
وهؤلاء مع كثرة الكذب فيهما يروونه، فهم أمثل حالاً من أبي جعفر محمد بن عليّ الذي صنّف لهم وأمثاله، فإن هؤلاء يروون من الأكاذيب ما لا يخفى إلا على من هو من أجهل الناس. ورأيت كثيراً من ذلك المعزوّ الذي عزاه أولئك إلى المسند والصحيحين وغيرهما باطلاً لا حقيقة له، يعزون إلى مسند أحمد ما ليس فيه أصلاً.
لكن أحمد صنّف كتاباً في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وغيرهم، وقد يروي في هذا الكتاب ما ليس في المسند. وليس كل ما رواه أحمد في المسند وغيره يكون حجة عنده، بل يروي ما رواه أهل العلم، وشرطه في المسند أن لا يروي عن المعروفين بالكذب عنده، وإن كان في ذلك ما هو ضعيف، وشرطه في المسند مثل شرط أبي داود في سننه.
وأما كتب الفضائل فيروي ما سمعه من شيوخه، سواء كان صحيحاً أو ضعيفاً، فإنه لم يقصد أن لا يروي في ذلك إلا ما ثبت عنده. ثم زاد ابن أحمد زيادات، وزاد أبو بكر القطيعي زيادات. وفي زيادات القطيعي أحديث كثيرة كذب موضوعة، فظن ذلك الجاهل أن تلك من رواية أحمد، وأنه رواها في المسند. وهذا خطأ قبيح؛ فإن الشيوخ المذكورين شيوخ القطيعي، وكلهم متأخر عن أحمد، وهم ممن يروي عن أحمد، لا ممن يروي أحمد عنه.
وهذا مسند أحمد وكتاب "الزهد" له، وكتاب "الناسخ والمنسوخ" وكتاب "التفسير" وغير ذلك من كتبه، يقول: حدثنا وكيع، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الرزاق. فهذا أحمد. وتارة يقول: حدثنا أبو معمّر القطيعي، حدثنا علي بن الجعد، حدثنا أبو نصر التمار، فهذا عبد الله.(1/68)
وكتابه في "فضائل الصحابة" له فيه هذا وهذا، وفيه من زيادات القطيعي. يقول: حدثنا أحمد بن عبد الجبار الصوفي وأمثاله، ممن هو مثل عبد الله بن أحمد في الطبقة، وهو ممن غايته أن يروي عن أحمد، فإن أحمد ترك الرواية في آخر عمره، لما طلب الخليفة أن يحدّثه ويحدّث ابنه ويقيم عنده، فخاف على نفسه من فتنة الدنيا، فامتنع من الحديث مطلقاً ليسلم من ذلك، ولأنه قد حدّث بما كان عنده قبل ذلك، فكان يذكر الحديث بإسناده بعد شيوخه، ولا يقول: حدثنا فلان، فكان من يسمعون منه ذلك يفرحون بروايته عنه.
فهذا القطيعي يروي عن شيوخه زيادات، وكثير منها كذب موضوع. وهؤلاء قد وقع لهم هذا الكتاب ولم ينظروا ما فيه من فضائل سائر الصحابة، بل اقتصروا على ما فيه من فضائل عليّ وكلما زاد حديثاً ظنوا أن القائل ذلك هو أحمد بن حنبل، فإنهم لا يعرفون الرجال وطبقاتهم، وأن شيوخ القطيعي يمتنع أن يروي أحمد عنهم شيئاً، ثم إنهم لفرط جهلهم ما سمعوا كتاباً إلا المسند فلما ظنوا أن أحمد رواه، وأنه إنما يروي في المسند، صاروا يقولون لما رواه القطيعي: رواه أحمد في المسند.
هذا إن لم يزيدوا على القطيعي ما لم يروه، فإن الكذب عندهم غير مأمون، ولهذا يعزو صاحب "الطرائف" وصاحب "العمدة" أحاديث يعزوها إلى أحمد، لم يروها أحمد لا في هذا ولا في هذا، ولا سمعها أحد قط، وأحسن حال هؤلاء أن تكون تلك مما رواه القطيعي، وما رواه القطيعي فيه من الموضوعات القبيحة الوضع ما لا يخفى على عالم.
ونقل هذا الرافضي من جنس صاحب كتاب "العمدة" و"الطرائف" فما أدري نقل منه أو عمَّن ينقل عنه، وإلا فمن له بالنقل أدنى معرفة يستحي أن يعزو مثل هذا الحديث إلى مسند أحمد والصحيحين، والصحيحان والمسند نسخهما ملء الأرض، وليس هذا في شيء منها. وهذا الحديث لم يرو في شيء من كتب العلم المعتمدة أصلاً، وإنما يروي مثل هذا من يحطب بالليل، كالثعلبي وأمثاله، الذين يروون الغث والسمين بلا تمييز.(1/69)
الوجه الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وهم المرجوع إليهم في هذا. وهذا لا يوجد في شيء من كتب الحديث التي يرجع إليها(117).
الوجه الثالث: أن هذه الآية في سورة الشورى وهي مكيّة باتفاق أهل السنة، بل جميع آل حم مكيّات، وكذلك آل طس. ومن المعلوم أن عليّاً إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد غزوة بدر، والحسن ولد في السنة الثالثة من الهجرة، والحسين في السنة الرابعة، فتكون هذه الآية قد نزلت قبل وجود الحسن والحسين بسنين متعددة، فكيف يفسر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الآية بوجوب مودة قرابة لا تعرف ولم تخلق بعد؟!.
الوجه الرابع: أن تفسير الآية الذي في الصحيحين عن ابن عباس يناقض ذلك. ففي الصحيحين عن سعيد بن جبير قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى: 23]، فقلت: أن لا تؤذوا محمداً في قرابته. فقال ابن عباس: عجلتَ، إنه لم يكن بطن من قريش إلا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم قرابة، فقال: لا أسألكم عليه أجراً، لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم(118).
فهذا ابن عباس ترجمان القرآن، وأعلم أهل البيت بعد عليّ، يقول: ليس معناها مودة ذوي القربى، لكن معناها: لا أسألكم يا معشر العرب ويا معشر قريش عليه أجراً، لكن أسألكم أن تصلوا القرابة التي بيني وبينكم، فهو سأل الناس الذين أرسل إليهم أولاً أن يصلوا رحمه، فلا يعتدوا عليه حتى يبلّغ رسالة ربه(119).(1/70)
الوجه الخامس: أنه قال: لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى، لم يقل: إلا المودة للقربى، ولا المودة لذوي القربى. فلو أراد المودة لذوي القربى لقال: المودة لذوي القربى، كما قال: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } [الأنفال: 41] وقال: { مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } [الحشر: 7].
وكذلك قوله: { فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } [الروم: 38] وقوله: { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى } [البقرة: 177]، وهكذا في غير موضع.
فجميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وذوي قربى الإنسان إنما قيل فيها: ذوي القربى، لم يقل: في القربى. فلما ذكر هنا المصدر دون الاسم دلّ على أنه لم يرد ذوي القربى.
الوجه السادس: أنه لو أريد المودة لهم، لقال: المودة لذوي القربى، ولم يقل: في القربى. فإنه لا يقول من طلب المودة لغيره: أسألك المودة في فلان، ولا في قربى فلان، ولكن أسألك المودة لفلان والمحبة لفلان. فلما قال: المودة في القربى، عُلم أنه ليس المراد لذوي القربى.
الوجه السابع: أن يقال: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا يسأل على تبليغ رسالة ربه أجراً ألبتة، بل أجره على الله، كما قال: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } [ص: 86]، وقوله: { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } [الطور: 40] وقوله: { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ } [سبأ: 47].(1/71)
ولكن الاستثناء هنا منقطع، كما قال: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً } [الفرقان: 57].
ولا ريب أن محبة أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم واجبة، لكن لم يثبت وجوبها بهذه الآية، ولا محبتهم أجر للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هو مما أمرنا الله به، كما أمرنا بسائر العبادات.
وفي الصحيح عنه أنه خطب أصحابه بغدير يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فقال: "أذكّركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي". وفي السنن عنه أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى يحبوكم لله ولقرابتي"(120) فمن جعل محبة أهل بيته أجراً له يوفِّيه إياه فقد أخطأ خطأً عظيماً، ولو كان أجراً له نثاب عليه نحن، لأنّا أعطيناه أجره الذي يستحقّه بالرسالة، فهل يقول مسلم مثل هذا؟!.
الوجه الثامن: أن القربى معرّفة باللام، فلابد أن يكون معروفاً عند المخاطبين الذين أمر أن يقول لهم: { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا } وقد ذكرنا أنها لما نزلت لم يكن قد خُلق الحسن ولا الحسين ولا تزوج عليّ بفاطمة. فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع أن تكون هذه، بخلاف القربى التي بينه وبينهم، فإنها معروفة عندهم. كما تقول: لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا، وكما تقول: لا أسألك إلا المودة في الرحم التي بيننا، وكما تقول: لا أسألك إلا العدل بيننا وبينكم، ولا أسألك إلا أن تتقي الله في هذا الأمر.
الوجه التاسع: أنّا نسلم أن عليّاً تجب مودته وموالاته بدون الاستدلال بهذه الآية، لكن ليس في وجوب موالاته ومدته ما يوجب اختصاصه بالإمامة ولا الفضيلة.(1/72)
وأما قوله: "والثلاثة لا تجب موالاتهم" فممنوع، بل يجب أيضاً مودتهم وموالاتهم، فإنه قد ثبت أن الله يحبهم، ومن كان الله يحبه وجب علينا أن نحبه، فإن الحب في الله والبغض في الله واجب، وهو أوثق عرى الإيمان. وكذلك هم من أكابر أولياء الله المتقين، وقد أوجب الله موالاتهم، بل قد ثبت أن الله رضي عنهم ورضوا عنه بنصّ القرآن، وكل من رضي الله عنه فإنه يحبه، والله يحب المتقين والمحسنين والمقسطين والصابرين، وهؤلاء أفضل من دخل في هذه النصوص من هذه الأمة بعد نبيها.
وفي الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"(121) فهو أخبرنا أن المؤمنين يتوادون ويتعاطفون ويتراحمون، وأنهم في ذلك كالجسد الواحد.
وهؤلاء قد ثبت إيمانهم بالنصوص والإجماع، كما قد ثبت إيمان عليّ، ولا يمكن من قدح في إيمانهم أن يثبت إيمان عليّ، بل كل طريق دلّ على إيمان عليّ فإنها على إيمانهم أدل، والطريق التي يُقدح بها فيهم يُجاب عنها كما يجاب عن القدح في عليّ وأوْلى فإن الرافضي الذي يقدح فيهم ويتعصب لعليّ فهو منقطع الحجة، كاليهود والنصارى الذين يريدون إثبات نبوة موسى وعيسى والقدح في نبوة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.
ولهذا لا يمكن الرافضي أن يقيم الحجة على النواصب الذين يبغضون عليّاً، أو يقدحون في إيمانه، من الخوارج وغيرهم. فإنهم إذا قالوا له: بأي شيء علمت أن عليّاً مؤمن أو ولي لله تعالى؟
فإن قال: بالنقل المتواتر بإسلامه وحسناته.
قيل له: هذا النقل موجود في أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. بل النقل المتواتر بحسنات هؤلاء، السليمة عن المعارض، أعظم من النقل المتواتر في مثل ذلك لعليّ.
وإن قال: بالقرآن الدّالّ على إيمان عليّ.(1/73)
قيل له: القرآن إنما دلّ بأسماء عامة، كقوله: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ } [الفتح: 18] ونحو ذلك. وأنت تخرج من ذلك أكابر الصحابة، فإخراج واحدٍ أسهل.
وإن قال: بالأحاديث الدّالّة على فضائله، أو نزول القرآن فيه.
قيل: أحاديث أولئك أكثر وأصح، وقد قدحتَ فيهم.
وقيل له: تلك الأحاديث التي في فضائل عليّ إنما رواها الصحابة الذين قدحتَ فيهم، فإن كان القدح صحيحاً بطل النقل، وإن كان النقل صحيحاً بطل القدح.
وإن قال: بنقل الشيعة أو تواترهم.
قيل له: الصحابة لم يكن فيهم من الرافضة أحد. والرافضة تطعن في جميع الصحابة إلا نفراً قليلاً: بضعة شعر. ومثل هذا قد يُقال: إنهم قد تواطأوا على ما نقلوه، فمن قدح في نقل الجمهور كيف يمكنه إثبات نقل نفر قليل؟ وهذا مبسوط في موضعه.
والمقصود أن قوله: "وغير عليّ من الثلاثة لا تجب مودته" كلام باطل عند الجمهور، بل مودة هؤلاء أوجب عند أهل السنة من مودة عليّ، لأن وجوب المودة على مقدار الفضل، فكل من كان أفضل كانت موالاته أكمل.
وقد قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } [مريم: 96] قالوا: يحبهم ويحببهم إلى عباده. وهؤلاء أفضل من آمن وعمل صالحاً من هذه الأمة بعد نبيها، كما قال تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ } [الفتح: 29] إلى آخر السورة.
وفي الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه سُئل: أيّ الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قيل: فمن الرجال؟ قال: "أبوها"(122).
وفي الصحيح أن عمر قال لأبي بكر رضي الله عنهما يوم السقيفة: بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبّنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(123).(1/74)
وتصديق ذلك ما استفاض في الصحاح من غير وجه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن مودة الإسلام".
فهذا يبيّن أنه ليس في أهل الأرض أحق بمحبته ومودته من أبي بكر، وما كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فهو أحب إلى الله، وما كان أحب إلى الله ورسوله فهو أحق أن يكون أحب إلى المؤمنين، الذين يحبون ما أحبه الله ورسوله كما أحب الله ورسوله. والدلائل الدالة على أنه أحق بالمودة كثيرة، فضلاً عن أن يُقال: إن المفضول تجب مدته، وإن الفاضل لا تجب مودته.
وأما قوله: "إن مخالفته تنافي المودة، وامتثال أوامره هو مودته، فيكون واجب الطاعة، وهو معنى الإمامة".
فجوابه من وجوه:
أحدها: إن كان المودة توجب الطاعة فقد وجبت مودة ذوي القربى فتجب طاعتهم، فيجب أن تكون فاطمة أيضاً إماماً، وإن كان هذا باطلاً فهذا مثله.
الثاني: أني المودة ليست مستلزمة للإمامة في حال وجوب المودة، فليس من وجبت مودته كان إماماً حينئذ، بدليل أن الحسن والحسين تجب مودتهما قبل مصيرهما إمامين، وعليُّ تجب مودته في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ولم يكن إماماً، بل تجب وإن تأخرت إمامته إلى مقتل عثمان.
الثالث: أن وجوب المودة إن كان ملزوم الإمامة، وانتفاء الملزوم يقتضي انتفاء اللازم، فلا تجب مودة إلا من يكون إماماً معصوماً. فحينئذ لا يود أحداً من المؤمنين ولا يحبهم، فلا تجب مودة أحد من المؤمنين ولا محبته، إذا لم يكونوا أئمة: لا شيعة عليّ ولا غيرهم. وهذا خلاف الإجماع، وخلاف ما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام.
الرابع: أن قوله: "والمخالفة تنافي المودة".
يقال: متى؟ إذا كان ذلك واجب الطاعة أو مطلقاً؟ الثاني ممنوع، وإلا لكان من أوجب على غيره شيئاً لم يوجبه الله عليه إن خالفه فلا يكون محبّاً له، فلا يكون مؤمن محبّاً لمؤمن حتى يعتقد وجوب طاعته، وهذا معلوم الفساد.(1/75)
وأما الأول فيقال: إذا لم تكن المخالفة قادحة في المودة إلا إذا كان واجب الطاعة، فحينئذ يجب أن يُعلم أولاً وجوب الطاعة، حتى تكون مخالفته قادحة في مودته. فإذا ثبت وجوب الطاعة بمجرد وجوب المودة باطلاً، وكان ذلك دَوْراً ممتنعاً؛ فإنه لا يعلم أن المخالفة تقدح في المودة حتى يعلم وجوب الطاعة، ولا يعلم وجوب الطاعة إلا إذا علم أنه إمام، ولا يعلم أنه إمام حتى يعلم أن مخالفته تقدح في مودته.
الخامس: أن يقال: المخالفة تقدح في المودة إذا أمر بطاعته أو لم يؤمر؟ والثاني منتف ضرورة. وأما الأول فإنّا نعلم أن عليّاً لم يأمر الناس بطاعته في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.
السادس: يُقال: هذا بعينه يُقال في حق أبي بكر وعمر وعثمان، فإن مودتهم ومحبتهم وموالاتهم واجبة كما تقدم، ومخالفتهم تقدم في ذلك.
السابع: الترجيح من هذا الحديث، لأن القوم دعوا الناس إلى ولايتهم وطاعتهم وادّعوا الإمامة، والله أوجب طاعتهم، فمخالفتهم تقدح في مودتهم، بل تقدح في محبة الله ورسوله. ولا ريب أن الذي ابتدع الرفض لم يكن محبّاً لله ولرسوله، بل كان عدواً لله.
وهؤلاء القوم مع أهل السنة بمنزلة النصارى مع المسلمين، فالنصارى يجعلون المسيح إلهاً، ويجعلون إبراهيم وموسى ومحمداً أقل من الحواريين الذين كانوا مع عيسى. وهؤلاء يجعلون عليّاً هو الإمام المعصوم، أو هو النبي أو إله، والخلفاء الأربعة أقل من مثل الأشتر النخعي، وأمثاله الذين قاتلوا معه. ولهذا كان جهلهم وظلمهم أعظم من أن يوصف، ويتمسكون بالمنقولات المكذوبة، والألفاظ المتشابهة، والأقيسة الفاسدة، ويدعون المنقولات الصادقة بل المتواترة، والنصوص البيّنة، والمعقولات الصريحة.
الفصل الثامن
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إنه اختص
عن باقي الصحابة بفضيلة الفداء(1/76)
قال الرافضي: "البرهان الثامن: قوله تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة: 207] قال الثعلبي: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لَمّا أراد الهجرة خلف عليّ بن أبي طالب لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، فقال له: يا عليّ اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، ونم على فراشي، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك.
فأوحى الله تعالى إلى جبريل وميكائيل أني قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله إليها: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد عليه الصلاة والسلام فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه.
فنزلا، فكان جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، فقال جريل: بخٍ بخٍ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ على رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } [البقرة: 207]. وقال ابن عباس: إنما نزلت في عليّ لَمّا هرب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المشركين إلى الغار، وهذه فضيلة لم تحصل لغيره تدل على أفضلية عليّ على جميع الصحابة، فيكون هو الإمام".
الجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل. ومجرد نقل الثعلبي وأمثاله لذلك، بل روايتهم، ليس بحجة باتفاق طوائف أهل السنة والشيعة، لأن هذا مرسل متأخر، ولم يذكر إسناده، وفي نقله من هذا الجنس للإسرائيليات والإسلاميات أمور يُعلم أنها باطلة، وإن كان هو لم يتعمد الكذب.
ثانيها: أن هذا الذي نقله من هذا الوجه كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسيرة(124)، والمرجع إليهم في هذا الباب.(1/77)
الثالث: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما هاجر هو وأبو بكر إلى المدينة لم يكن للقوم غرض في طلب عليّ، وإنما كان مطلوبهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبا بكر، وجعلوا في كل واحد منهما ديته لمن جاء به، كما ثبت ذلك في الصحيح الذي لا يستريب أهل العلم في صحته(125)، وترك عليّاً في فراشه ليظنوا أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في البيت فلا يطلبوه، فلما أصبحوا وجدوا عليّاً فظهرت خيبتهم، ولم يؤذوا عليّاً، بل سألوه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأخبرهم أنه لا علم له به، ولم يكن هناك خوف على عليٍّ من أحد، وإنما كان الخوف على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصدِّيقه، ولو كان لهم في عليٍّ غرض لتعرضوا له لما وجدوه، فلما لم يتعرضوا له دلّ على أنهم لا غرض لهم فيه، فأيّ فداء هنا بالنفس؟.
والذي كان يفديه بنفسه بلا ريب، ويقصد أن يدفع بنفسه عنه، ويكون الضرر به دونه، هو أبو بكر. كان يذكر الطلبة فيكون خلفه، ويذكر الرصد فيكون أمامه، وكان يذهب فيكشف له الخر. وإذا كان هناك ما يخُاف أحب أن يكون به لا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وغير واحد من الصحابة قد فداه بنفسه في مواطن الحروب، فمنهم من قُتل يبن يديه، ومنهم من شُلّت يده، كطلحة بن عبد الله وهذا واجب على المؤمنين كلهم. فلو قُدِّر أنه كان هناك فداء بالنفس لكان هذا من الفضائل المشتركة بينه وبين غيره من الصحابة، فكيف إذا لم يكن هناك خوف على عليٍّ؟.(1/78)
قال ابن إسحاق في "السيرة" - مع أنه من المتولّين لعليّ المائلين إليه - وذكر خروج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من منزله، واستخلاف عليّ على فراشه ليلة مكر الكفار به، قال(126): "فأتى جبريل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال له(127): لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه. قال: فلمّا كانت عَتْمة الليل(128) اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلما رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مقامهم قال لعليّ(129): نَمْ على فراشي واتشح(130) ببردي هذا الحضرمي الأخضر، فنم فيه، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم.
وعن محمد بن كعب القرظي(131) قال: لَمّا اجتمعوا له، وفيهم: أبو جهل(132)، فقال وهم على بابه: إن محمداً يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجُعلت لكم جناتٌ كجنات(133) الأردن، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح، ثم بُعثتم من بعد موتكم، فجعلت(134) لكم نار تحرقون فيها.
قال: وخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم(135)، فأخذ حَفْنة من تراب في يده، ثم قال: نعم(136) أنا أقول ذلك، أنت أحدهم. وأخذ الله على أبصارهم عنه، فلا يَرَوْنه(137)... ولم يبق منهم رجلاً إلا وضع على(138) رأسه تراباً، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب، فأتاهم آتٍ ممن لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون هاهنا؟ قالوا: محمداً. قال: خيّبكم الله! قد والله خرج عليكم محمد، ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته، أفما ترون ما بكم؟(1/79)
قال: فوضع كلّ رجل منهم يده على رأسه، فإذا عليه تراب، ثم جعلوا يطّلعون(139) فَيَرَوْن عليّاً على الفراش مسجّى(140) ببُرد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فيقولون: والله إن هذا لمحمدٌ نائماً، عليه برده. فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا. فقام عليّ عن الفراش، فقالوا: والله لقد كان صدقنا الذي كان حدثنا(141) وكان مما أنزل الله من القرآن ذلك اليوم(142): { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال: 30] وقوله: { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } الآية [الطور: 30] وأذن الله لنبيه(143) في الهجرة عند ذلك"(144).
فهذا يبيّن أن القوم لم يكن لهم غرض في عليٍّ أصلاً.
وأيضاً فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قال: "اتّشح ببردي هذا الأخضر، فنم فيه، فإنه لم يخلص إليك منهم رجل بشيء تكرهه" فوعده وهو الصادق، أنه لا يخلص إليه مكروه، وكان طمأنينته بوعد الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم.
الرابع: أن هذا الحديث فيه من الدلائل على كذبه ما لا يخفى، فإن الملائكة لا يقال فيهم مثل هذا الباطل الذي لا يليق بهم، وليس أحدهما جائعاً فيؤثره الآخر بالطعام، ولا هناك خوف فيؤثر أحدهما صاحبه بالأمن، فكيف يقول الله لهما: أيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ ولا للمؤاخاة بين الملائكة أصل، بل جبريل له عمل يختص به دون ميكائيل، وميكائيل له عمل يختص به دون جبريل، كما جاء في الآثار أن الوحي والنصر لجبريل، وأن الرزق والمطر لميكائيل.(1/80)
ثم إنه كان الله قضى بأن عمر أحدهما أطول من الآخر فهو ما قضاه، وإن قضاه لواحد وأراد منهما أن يتفقا على تعيين الأطول، أو يؤثر به أحدهما الآخر، وهما راضيان بذلك، فلا كلام. وأما إن كان يكرهان ذلك، فكيف يليق بحكمة الله ورحمته أن يحرِّش بينهما، ويلقي بينهما العداوة؟ ولو كان ذلك حقّاً - تعالى الله عن ذلك - ثم هذا القدر لو وقع مع أنه باطل، فكيف تأخّر من حين خلقهما الله قبل آدم إلى حين الهجرة؟ وإنما كان يكون ذلك لو كان عقب خلقهما.
الخامس: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، بل كل ما رُوي في هذا كذب. وحديث المؤاخاة الذي يُروى في ذلك - مع ضعفه وبطلانه - إنما فيه مؤاخاته له في المدينة، هكذا رواه الترمذي(145) فأما بمكة فمؤاخاته له باطلة على التقديرين.
وأيضاً فقد عرف أنه لم يكن فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة باتفاق علماء النقل.
السادس: أن هبوط جبريل وميكائيل لحفظ واحد من الناس من أعظم المنكرات؛ فإن الله يحفظ من شاء من خلقه بدون هذا. وإنما رُوي هبوطهما يوم بدر للقتال، وفي مثل تلك الأمور العظام، ولو نزلا لحفظ واحد من الناس لنزلا لحفظ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصديقه، اللذين كان الأعداء يطلبونهما من كل وجه، وقد بذلوا في كل واحد منهما ديته، وهم عليهما غلاظ شداد سود الأكباد.
السابع: أن هذه الآية في سورة البقرة، وهي مدنية بلا خلاف، وإنما نزلت بعد هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة، لم تنزل وقت هجرته. وقد قيل: إنها نزلت لما هاجر صهيب وطلبه المشركون، فأعطاهم ماله، وأتى المدينة، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ربح البيع أبا يحيى". وهذه القصة مشهورة في التفسير، نقلها غير واحد(146).(1/81)
وهذا ممكن؛ فإن صهيباً هاجر من مكة إلى المدينة. قال ابن جرير(147): "اختلف(148) أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية فيه، ومن عُني بها. فقال بعضهم: نزلت في المهاجرين والأنصار، وعُني بها المجاهدون في سبيل الله". وذكر بإسناده هذا القول(149) "وعن قتادة قال: وقال بعضهم: نزلت في قومٍ بأعيانهم"(150).
وروي عن "القاسم قال: حدثنا الحسين، حدثنا حجّاج(151)، حدثنا ابن جريح(152)، عن عكرمة(153) قال: نزلت في صهيب وأبي ذر جندب(154)، أخذ أهل أبي ذر أبا ذر فانفلت منهم، فقدم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما رجع مهاجراً عرضوا له، وكانوا بمر الظهران فانفلت أيضاً حتى قدم عليه(155)، وأما صهيب فأخذه أهله، فافتدى منهم بماله، ثم خرج مهاجراً فأدركه قنفذ بن عمير بن جدعان(156)، فخرج له مما بقي من ماله فخلّى(157) سبيله"(158).
"وقال آخرون: عنى(159) بذلك كل شار نفسه في طاعة الله وجهاد في سبيل الله، وأمر(160) بمعروف".
ونسب هذا القول إلى عمر بل وابن عباس، وأن صهيباً كان سبب النزول(161).
الثامن: أن لفظ الآية مطلق، ليس فيه تخصيص. فكل من باع نفسه ابتغاء مرضات الله فقد دخل فيها. وأحق من دخل فيها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وصدّيقه، فإنهما شربا نفسهما ابتغاء مرضات الله، وهاجرا في سبيل الله، والعدو يطلبهما من كل وجه.
التاسع: أن قوله: "هذه فضيلة لم تحصل لغيره فدل على أفضليته فيكون هو الإمام".
فيقال: لا ريب أن الفضيلة التي حصلت لأبي بكر في الهجرة لم تحصل لغيره من الصحابة بالكتاب والسنة والإجماع، فتكون هذه الأفضلية ثابتة له دون عمر وعثمان وعليّ وغيرهم من الصحابة فيكون هو الإمام.(1/82)
فهذا هو الدليل الصدق الذي لا كذب فيه. يقول الله: { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40].
ومثل هذه الفضيلة لم تحصل لغير أبي بكر قطعاً، بخلاف الوقاية بالنفس، فإنها لو كانت صحيحة فغير واحد من الصحابة وقى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بنفسه. وهذا واجب على كل مؤمن، ليس من الفضائل المختصة بالأكابر من الصحابة.
والأفضلية إنما تثبت بالخصائص لا بالمشتركات. يبيّن ذلك أنه لم ينقل أحدٌ أن عليّاً أوذي في مبيته على فراش النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أوذي غيره في وقايتهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: تارة بالضرب، وتارة بالجرح، وتارة بالقتل. فمن فداه وأوذي أعظم ممن فداه ولم يؤذ.
وقد قال العلماء: ما صح لعليّ من الفضائل فهي مشتركة، شاركه فيها غيره، بخلاف الصدّيق، فإن كثيراً من فضائله - وأكثرها - خصائص له، لا يشركه فيها غيره، وهذا مبسوط في موضعه.
الفصل التاسع
الرّدّ على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إنه مساوٍ للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم
لأنه عيّنه للمباهلة(1/83)
قال الرافضي: "البرهان التابع: قوله تعالى: { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ } [آل عمران: 61]. نقل الجمهور كافة أن "أبناءنا" إشارة إلى الحسن والحسين، و"نساءنا" إشارة إلى فاطمة. و"أنفسنا" إشارة إلى عليّ. وهذه الآية دليل على ثبوت الإمامة لعليّ لأنه تعالى قد جعل نفس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والاتحاد محال، فيبقى المراد بالمساواة له الولاية. وأيضاً لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم وأفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه لأنه في موضع الحاجة، وإذا كانوا هم الأفضل تعيّنت الإمامة فيهم. وهل تخفى دلالة هذه الآية على المطلوب إلا على من استحوذ الشيطان عليه، وأخذ بمجامع قلبه، وحُبّبت إليه الدنيا التي لا ينالها إلا بمنع أهل الحق من حقهم؟".
والجواب أن يقال: أما أخذه عليّاً وفاطمة والحسن والحسين في المباهلة فحديث صحيح، رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص، قال في حديث طويل(162): "لما نزلت هذه الآية: { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } [آل عمران: 61](163) دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحُسيناً فقال: "اللهم هؤلاء أهلي".
ولكن لا دلالة في ذلك على الإمامة ولا على الأفضلية.
وقوله: "قد جعله الله نفس رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والاتحاد محال، فبقي المساواة له، وله الولاية العامة، فكذا المساوية".
قلنا: لا نسلم أنه لم يبق إلا المساواة، ولا دليل على ذلك، بل حمله على ذلك ممتنع، لأن أحداً لا يساوي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا عليّاً ولا غيره.(1/84)
وهذا اللفظ في لغة العرب لا يقتضي المساواة. قال تعالى في قصة الإفك: { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } [النور: 12] ولم يوجب ذلك أن يكون المؤمنون والمؤمنات متساوين.
وقد قال تعالى في قصة بني إسرائيل: { فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ } [البقرة: 54] أي: يقتل بعضكم بعضاً، ولم يوجب ذلك أن يكونوا متساوين، ولا أن يكون من عبد العجل مساوياً لمن لم يعبده.
وكذلك قد قيل في قوله: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [النساء: 29] أي لا يقتل بعضكم بعضاً، وإن كانوا غير متساوين.
وقال تعالى: { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11]: أي لا يلمز بعضكم بعضاً، فيطعن عليه ويعيبه. وهذا نهي لجميع المؤمنين، أن لا يفعل بعضهم ببعض هذا الطعن والعيب، مع أنهم غير متساوين لا في الأحكام، ولا في الفضيلة، ولا الظالم كالمظلوم، ولا الإمام كالمأموم.
ومن هذا الباب قوله تعالى: { ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاَءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ } [البقرة: 85] أي يقتل بعضكم بعضاً.
وإذا كان اللفظ في قوله: { وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } كاللفظ في قوله: { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11]، { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } [النور: 12]، ونحو ذلك، مع أن التساوي هنا ليس بواجب بل ممتنع، فكذلك هناك وأشد. بل هذا اللفظ يدل على المجانسة والمشابهة. والتجانس والمشابهة يكون بالاشتراك في بعض الأمور، كالاشتراك في الإيمان، فالمؤمنون إخوة في الإيمان، وهو المراد بقوله: { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا } [النور: 12] وقوله: { وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ } [الحجرات: 11].(1/85)
وقد يكون بالاشتراك في الدِّين، وإن كان فيهم المنافق، كاشتراك المسلمين في الإسلام الظاهر، وإن كان مع ذلك الاشتراك في النسب فهو أوكد. وقوم موسى كانوا أنفسنا بهذا الاعتبار.
قوله تعالى: { تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ } [آل عمران: 61] أي رجالنا ورجالكم، أي الرجال الذين هم من جنسنا في الدين والنسب، والرجال الذين هم من جنسكم. أو المراد التجانس في القرابة فقط، لأنه قال: { أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ } فذكر الأولاد وذكر النساء والرجال، فعُلم أنه أراد الأقربين إلينا من الذكور والإناث، من الأولاد والعصبة.
ولهذا دعا الحسن والحسين من الأبناء، ودعا فاطمة من النساء، ودعا عليّاً من رجاله، ولم يكن عنده أحد أقرب إليه نسباً من هؤلاء، وهم الذين أدار عليهم الكساء.
والمباهلة إنما تحصل بالأقربين إليه، وإلا فلو بأهلهم بالأبعدين في النسب، وإن كانوا أفضل عند الله، لم يحصل المقصود؛ فإن المراد أنهم يدعون الأقربين، كما يدعو هو الأقرب إليه.
والنفوس تحنو على أقاربها ما لا نحنو على غيرهم، وكانوا يعلمون أنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويعلمون أنهم إن باهلوه نزلت البهلة عليهم وعلى أقاربهم، واجتمع خوفهم على أنفسهم وعلى أقاربهم، فكان ذلك أبلغ في امتناعهم، وإلا فالإنسان قد يختار أن يهلك ويحيا ابنه، والشيخ الكبير قد يختار الموت إذا بقي أقاربه في نعمة ومالٍ. وهذا موجود كثير.
فطلب منهم المباهلة بالأبناء والنساء والرجال والأقربين من الجانبين، فلهذا دعا هؤلاء.(1/86)
وآية المباهلة نزلت سنة عشر، لما قدم وفد نجران، ولم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد بقي من أعمامه إلا العباس، والعباس لم يكن من السابقين الأوّلين، ولا كان له به اختصاص كعليّ. وأما بنو عمّه فلم يكن فيهم مثل عليّ، وكان جعفر قد قُتل قبل ذلك. فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران سنة تسعٍ أو عشر، وجعفر قتل بمؤتة سنة ثمان، فتعيّن عليّ رضي الله عنه.
وكونه تعيّن للمباهلة، إذ ليس في الأقارب من يقوم مقامه، لا يوجب أن يكون مساوياً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء من الأشياء، بل ولا أن يكون أفضل من سائر الصحابة مطلقاً، بل له بالمباهلة نوع فضيلة، وهي مشتركة بينه وبين فاطمة وحسن وحسين، ليست من خصائص الإمامة، فإن خصائص الإمامة لا تثبت للنساء، ولا يقتضي أن يكون من باهل به أفضل من جميع الصحابة، كما لم يوجب أن تكون فاطمة وحسن وحسين أفضل من جميع الصحابة.
وأما قوله الرافضي: "لو كان غير هؤلاء مساوياً لهم. أو أفضل منهم في استجابة الدعاء لأمره تعالى بأخذهم معه، لأنه في موضع الحاجة".
فيقال في الجواب: لم يكن المقصود إجابة الدعاء؛ فإن دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وحده كافٍ، ولو كان المراد بمن يدعوه معه أن يستجاب دعاؤه، لدعا المؤمنين كلهم ودعا بهم، كما كان يستسقي بهم، وكما كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، وكان يقول: "وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟ بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم؟"(164).(1/87)
ومن المعلوم أن هؤلاء، وإن كانوا مجابين، فكثرة الدعاء أبلغ في الإجابة. لكن لم يكن المقصود دعوة من دعاه لإجابة دعائه، بل لأجل المقابلة بين الأهل والأهل. ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لو دعا أبا بكر وعمر وعثمان، وطلحة والزبير، وابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم للمباهلة، لكانوا من أعظم الناس استجابة لأمره، وكان دعاء هؤلاء وغيرهم أبلغ في إجابة الدعاة، لكن لم يأمره الله سبحانه بأخذه معه، لأن ذلك لا يحصل به المقصود.
فإن المقصود أن أولئك يأتون بمن يشفقون عليه طبعاً، كأبنائهم ونسائهم ورجالهم الذين هم أقرب الناس إليهم. فلو دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قوماً أجانب لأتى أولئك بأجانب، ولم يكن يشتد عليه نزول البهلة بأولئك الأجانب، كما يشتد عليهم نزولها بالأقربين إليهم، فإن طبع البشر يخاف على أقربيه ما لا يخاف على الأجانب، فأمر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يدعو قرابته، وأن يدعو أولئك قرابتهم.
والناس عند المقابلة تقول كل طائفة للأخرى: ارهنوا عندنا أبناءكم ونساءكم، فلو رهنت إحدى الطائفتين أجنبياً لم يرض أولئك، كما أنه لو دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الأجانب لم يرض أولئك المقابلون له، ولا يلزم أن يكون أهل الرجل أفضل عند الله إذا قابل بهم لمن يقابله بأهله.
فقد تبيّن أن الآية لا دلالة فيها أصلاً على المطلوب الرافضي، لكنه وأمثاله ممن في قلبه زيغ، كالنصارى الذين يتعلقون بالألفاظ المجملة ويدعون النصوص الصريحة، ثم قدحه في خيار الأمة بزعمه الكاذب، حيث زعم أن المراد بالأنفس: المساوون، وهو خلاف المستعمل في لغة العرب.
ومما يبين ذلك أن قوله: "نساءنا" لا يختص بفاطمة، بل من دعاه من بناته كانت بمنزلتها في ذلك، لكن لم يكن عنده إذ ذاك إلا فاطمة، فإن رقيَّة وأم كلثوم وزينب كن قد توفين قبل ذلك.(1/88)
فكذلك "أنفسنا" ليس مختصاً بعليّ، بل هذه صيغة جمع، كما أن "نساءنا" صيغة جمع وكذلك "أبناءنا" صيغة جمع، وإنما دعا حسناً وحسيناً لأنه لم يكن ممن ينسب إليه بالبنوة سواهما، فإن إبراهيم إن كان موجوداً إذ ذاك فهو طفل لا يُدعى، فإن إبراهيم هو ابن مارية القبطية التي أهداها له المقوقس صاحب مصر، وأهدى له البغلة ومارية وسيرين، فأعطى سيرين لحسّان بن ثابت، وتسرَّى مارية فولدت له إبراهيم، وعاش بضعة عشر شهراً ومات، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن له مرضعاً في الجنة تتم رضاعه"(165).
وكان إهداء المقوقس بعد الحديبية، بل بعد حُنين.
الفصل العاشر
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله هو مساوي للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في التوسل به إلى الله تعالى
قال الرافضي: "البرهان العاشر: قوله تعالى: { فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } [البقرة: 37] روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي(166) بإسناده عن ابن عباس، قال: سُئل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه. قال: سأله بحق محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين أن يتوب عليه، فتاب عليه. وهذه فضيلة لم يلحقه أحد من الصحابة فيها، فيكون هو الإمام لمساواته النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في التوسل به إلى الله تعالى".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة هذا النقل، فقد عُرف أن مجرد رواية ابن المغازلي لا يسوغ الاحتجاج بها باتفاق أهل العلم.
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم، وذكره أبو الفرج بن الجوزي في "الموضوعات" من طري قالدارقطني(167)، فإن له كتباً في الأفراد والغرائب(168). قال الدارقطني: "تفرّد به عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي المقدام، لم يروه عنه غير حسن الأشقر. قال يحيى بن معين: عمرو بن ثابت ليس ثقة ولا مأموناً. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات".(1/89)
الثالث: أن الكلمات التي تلقّاها آدم قد جاءت مفسّرة في قوله تعالى: { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] وقد رُوي عن السلف هذا وما يشبهه(169) وليس في شيء من النقل الثابت عنهم ما ذكره من القسم.
الرابع: أنه معلوم بالاضطرار أن من هو دون آدم من الكفّار والفساق إذا تاب أحدهم إلى الله تاب الله عليه، وإن لم يقسم عليه بأحد. فكيف يحتاج آدم في توبته إلى ما لا يحتاج إليه أحد من المذنبين: لا مؤمن ولا كافر؟ وطائفة قد رووا أنه توسّل بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى قَبِلَ توبته، وهذا كذب. ورُوي عن مالك في ذلك حكاية في خطابه للمنصور، وهو كذب على مالك، وإن كان ذكرها القاضي عياض في "الشفا".
الخامس: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يأمر أحداً بالتوبة بمثل هذا الدعاء، بل ولا أمر أحداً بمثل هذا الدعاء في توبة ولا غيرها، بل ولا شرع لأمته أن يقسموا على الله بمخلوق، كان هذا الدعاء مشروعاً لشرعه لأمته.
السادس: أن الإقسام على الله بالملائكة والأنبياء أمر لم يرد به كتاب ولا سنة، بل قد نصّ غير واحد من أهل العلم - كأبي حنيفة وأبي يوسف وغيرهما - على أنه لا يجوز أن يقسم على الله بمخلوق. وقد بسطنا الكلام على ذلك.
السابع: أن هذا لو كان مشروعاً فآدم نبيّ كريم، كيف يقسم على الله بمن هو أكرم عليه منه؟ ولا ريب أن نبينا صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل من آدم، لكن آدم أفضل من عليّ وفاطمة وحسن وحسين.
الثامن: أن يُقال: هذه ليست من خصائص الأئمة، فإنها قد ثبتت لفاطمة. وخصائص الأئمة لا تثبت للنساء وما لم يكن من خصائصهم لم يستلزم الإمامة، فإن دليل الإمامة لابد أن يكون ملزوماً لها، يلزم من وجوده استحقاقها، فلو كان هذا دليلاً على الإمامة لكان من يتصف به يستحقها، والمرأة لا تكون إماماً بالنص والإجماع.
الفصل الحادي عشر(1/90)
الرد على من روى عن ابن مسعودٍ حديث انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ
قال الرافضي: "البرهان الحادي عشر: قوله تعالى: { إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي } [البقرة: 124]. روى الفقيه ابن المغازلي(170) الشافعي عن ابن مسعود، قال: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ، لم يسجد أحدنا لصنم قط، فاتخذني نبي واتخذ عليّاً وصي. وهذا نص في الباب".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة هذا كما تقدّم.
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع بإجماع أهل العلم بالحديث(171).
الثالث: أن قوله: "انتهت الدعوة إلينا" كلام لا يجوز أن ينسب إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنه إن أريد: أنها لم تُصب من قبلنا كان ممتنعاً، لأن الأنباء من ذرية إبراهيم دخلوا في الدعوة.
قال تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ، وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ } [الأنبياء: 72، 73].
وقال تعالى: { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ } [الإسراء: 2].
وقال عن بني إسرائيل: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } [السجدة: 24].
وقال: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ } [القصص: 5، 6].
فهذه عدة نصوص في القرآن في جعل الله أئمة من ذرية إبراهيم قبل أمتنا.
وإن أريد: انتهت الدعوة إلينا: أنه لا إمام بعدنا، لزم أن لا يكون الحسن والحسين ولا غيرهما أئمة، وهو باطل بالإجماع. ثم التعليل بكونه لم يسجد لصنم هو علة موجودة في سائر المسلمين بعدهم.(1/91)
الوجه الرابع: أن كون الشخص لم يسجد لصنم فضيلة يشاركه فيها جميع من ولد على الإسلام، مع أن السابقين الأوّلين أفضل منه، فكيف يجعل المفضول مستحقاً لهذه المرتبة دون الفاضل؟
الخامس: أنه لو قيل: إنه لم يسجد لصنم لأنه أسلم قبل البلوغ، فلم يسجد بعد إسلامه، فهكذا كل مسلم، والصبيّ غير مكلف. وإن قيل: إنه لم يسجد قبل إسلامه. فهذا النفي غير معلوم، ولا قائله ممن يوثق به. ويقال: ليس كل من لم يكفر، أو من لم يأت بكبيرة، أفضل ممن تاب عنها مطلقاً. بل قد يكون التائب من الكفر والفسوق أفضل ممن لم يكفر ولم يفسق، كما دل على ذلك الكتاب العزيز؛ فإن الله فضَّل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا. وأولئك كلهم أسلموا بعد الكفر. وهؤلاء فيهم من ولد على الإسلام. وفضَّل السابقين الأوَّلين على التابعين لهم بإحسان، وأولئك آمنوا بعد الكفر، وأكثر التابعين ولدوا على الإسلام.
وقد ذكر الله في القرآن أن لوطاً آمن لإبراهيم، وبعثه الله نبياً. وقال شعيب: { قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا } [الأعراف: 89].
وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } [إبراهيم: 13].
وقد أخبر الله عن إخوة يوسف بما أخبر، ثم نبأهم بعد توبتهم، وهم الأسباط الذين أمرنا أن نؤمن بما أوتوا في سورة البقرة وآل عمران والنساء.(1/92)
وإذا كان في هؤلاء من صار نبيّاً، فمعلوم أن الأنبياء أفضل من غيرهم. وهذا مما تُنازع فيه الرافضة وغيرهم، ويقولون: من صدر منه ذنب لا يصير نبيّاً. والنّزاع فيمن أسلم أعظم، لكن الاعتبار بما دلّ عليه الكتاب والسنة. والذين منعوا من هذا عمدتهم أن التائب من الذنب يكون ناقصاً مذموماً لا يستحق النبوة، ولو صار من أعظم الناس طاعةً. وهذا هو الأصل الذي نُوزعوا فيه، والكتاب والسنة والإجماع يدل على بطلان قولهم فيه.
الفصل الثاني عشر
الرّدّ على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إن الله خصّه بالود دون سائر الصحابة
قال الرافضي: "البرهان الثاني عشر: قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } [مريم: 96] روى الحافظ أبو نُعيم الأصبهاني بإسناده إلى ابن عباس، قال: نزلت في عليّ. والوُدُّ محبة في القلوب المؤمنة. وفي تفسير الثعلبي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: يا عليّ قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً، واجعل لي في صدور المؤمنين مودة. فأنزل الله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } [مريم: 96] ولم يثبت لغيره ذلك، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: أنه لابد من إقامة الدليل على صحة المنقول، وإلا فالاستدلال بما لا تثبت مقدماته باطل بالاتفاق، وهو من القول بلا علم، ومن قفو الإنسان ما ليس له به علم، ومن المحاجّة بغير علم والعزو المذكور لا يفيد الثبوت باتفاق أهل السنة والشيعة.
الوجه الثاني: أن هذين الحديثين من الكذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث(172).(1/93)
الثالث: أن قوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [مريم: 96] عامّ في جميع المؤمنين، فلا يجوز تخصيصها بعليّ، بل هي متناولة لعليّ وغيره(173). والدليل عليه أن الحسن والحسين وغيرهما من المؤمنين الذين تعظّمهم الشيعة داخلون في الآية، فعُلم بذلك الإجماع على عدم اختصاصها بعليّ.
وأما قوله: "ولم يثبت مثل ذلك لغيره من الصحابة" فممنوع كما تقدم، فإنهم خير القرون، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات فيهم أفضل منهم في سائر القرون، وهم بالنسبة إليهم أكثر منهم في كل قرن بالنسبة إليه.
الرابع: أن الله قد أخبر أنه سيجعل للذين آمنوا وعملوا الصالحات ودّاً، وهذا وعد منه صادق. ومعلوم أن الله قد جعل للصحابة مودّة في قلب كل مسلم، لا سيما الخلفاء رضي الله عنهم، لا سيما أبو بكر وعمر، فإن عامّة الصحابة والتابعين كانوا يودُّونهما، وكانوا خير القرون.
ولم يكن كذلك عليّ، فإن كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه. وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما قد أبغضهما وسبّهما الرافضة والنصيرية والغالية والإسماعيلية. لكن معلوم أن الذين أحبوا ذينك أفضل وأكثر، وأن الذين أبغضوهما أبعد عن الإسلام وأقل، بخلاف عليّ، فإن الذين أبغضوه وقاتلوه هم خير من الذين أبغضوا أبا بكر وعمر، بل شيعة عثمان الذين يحبونه ويبغضون عليّاً، وإن كانوا مبتدعين ظالمين، فشيعة عليّ الذين يحبونه ويبغضون عثمان أنقص منهم علماً وديناً، وأكثر جهلاً وظلماً.
فعُلم أن المودة التي جُعلت للثلاثة أعظم.
وإذا قيل: عليّ قد ادّعِيت فيه الإلهية والنبوة.
قيل: قد كفّرته الخوارج كلها، وأبغضته المروانية. وهؤلاء خير من الرافضة الذين يسبّون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فضلاً عن الغالية.
الفصل الثالث عشر
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ باعتماده على مقولة: بك يا علي يهتدي المهتدون(1/94)
قال الرافضي: "البرهان الثالث عشر: قوله تعالى: { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } [الرعد: 7] من كتاب "الفردوس" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنا المنذر وعليّ الهادي، بك يا عليّ يهتدي المهتدون. ونحوه رواه أبو نُعيم، وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة".
والجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا لم يقم دليل على صحته، فلا يجوز الاحتجاج به. وكتاب "الفردوس" للديلمي(174) فيه موضوعات كثيرة أجمع أهل العلم على أن مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم لا تدل على الصحة.
الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث(175)، فيجب تكذيبه ورده.
الثالث: أن هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. فإن قوله: أنا المنذر وبك يا عليّ يهتدي المهتدون، ظاهره أنهم بك يهتدون دوني، وهذا لا يقوله مسلم؛ فإن ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما.
فهذا نذيرٌ لا يُهتدى به، وهذا هادٍ، وهذا لا يقوله مسلم.
الرابع: أن الله تعالى قد جعل محمداً هادياً فقال: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ } [الشورى: 52، 53] فكيف يُجعل الهادي من لم يوصف بذلك دون من وصف به؟!
الخامس: أن قوله: "بك يهتدي المهتدون" ظاهره أن كل من اهتدى من أمة محمد فيه اهتدى، وهذا كذب بيّن؛ فإنه قد آمن بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم خلق كثير، واهتدوا به، ودخلوا الجنة، ولم يسمعوا من عليّ كلمة واحدة، وأكثر الذين آمنوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم واهتدوا به لم يهتدوا بعليّ في شيء. وكذلك لما فتحت الأمصار وآمن واهتدى الناس بمن سكنها من الصحابة وغيرهم، كان جماهير المؤمنين لم يسمعوا من عليّ شيئاً، فكيف يجوز أن يُقال: بك يهتدي المهتدون؟!.(1/95)
السادس: أنه قد قيل معناه: إنما أنت نذير ولكل قوم هاد، وهو الله تعالى، وهو قول ضعيف. وكذلك قول من قال: أنت نذير وهاد لكل قوم، قول ضعيف. والصحيح أن معناها: إنما أنت نذير، كما أرسل من قبلك نذير، ولكل أمة نذير يهديهم أي يدعوهم، كما في قوله: { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]. وهذا قول جماعة من المفسرين، مثل قتادة وعكرمة وأبي الضحى وعبد الرحمن بن زيد. قال ابن جرير الطبري(176): "حدثنا بشر، حدثنا(177) يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة، وحدثنا أبو كريب(178) حدثنا وكيع، حدثنا(179) سفيان، عن السدي عن عكرمة، ومنصور عن أبي الضحى: "إنما أنت منذر ولكل قوم هاد" قالا: محمد هو المنذر وهو الهادي".
"حدثنا يونس(180)، حدثنا ابن وهب(181)، قال: قال ابن زيد: لكل قوم نبي(182). "الهادي": النبي(183) و "المنذر" أيضاً(184) وقرأ: { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24]. وقرأ(185): { نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى } [النجم: 56] قال: نبي من الأنبياء. "حدثنا بشار(186)، حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد قال: "المنذر": محمد(187)، "ولكل قوم هاد" قال: نبيٌّ.
وقوله: { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [الإسراء: 71] إذ الإمام هو الذي يؤتمّ به، أي يُقتدى به. وقد قيل: إن المراد به هو الله الذي يهديهم، والأول أصح.
وأما تفسيره بعليّ فإنه باطل، لأنه قال: { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } وهذا يقتضي أن يكون هادي هؤلاء غير هادي هؤلاء، فيتعدد الهداة، فكيف يُجْعل عليّ هادياً لكل قوم من الأوَّلين والآخرين؟!.
السابع: أن الاهتداء بالشخص قد يكون بغير تأميره عليهم، كما يهتدي بالعالم. وكما جاء في الحديث الذي فيه: "أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم"(188) فليس هذا صريحاً في أن الإمامة كما زعمه هذا المفتري.(1/96)
الثامن: أن قوله: { لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } نكرة في سياق الإثبات وهذا لا يدل على معيّن، فدعوى دلالة القرآن على عليٍّ باطل، والاحتجاج بالحديث ليس احتجاجاً بالقرآن، مع أنه باطل.
التاسع: أن قوله: كل قوم، صيغة عموم. ولو أريد أن هادياً واحداً للجميع لقيل: لجميع الناس هاد. لا يُقال: (لكل قوم)، فإن هؤلاء القوم غير هؤلاء القوم، وهو لم يقل: لجميع القوم، ولا يُقال ذلك، بل أضاف "كلاًّ" من نكرة، لم يضفه إلى معرفة.
كما في قولك: "كل الناس يعلم أن هنا قوماً وقوماً متعددين وأن كل قوم لهم هادٍ ليس هو هاد للآخرين". وهذا يبطل قول من يقول: إن الهادي هو الله تعالى، ودلالته على بطلان قول من يقول "هو عليّ" أظهر.
الفصل الرابع عشر
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إن الأمة ستسأل عن ولاية عليّ وحبه
قال الرافضي: "البرهان الرابع عشر: قوله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } [الصافات: 24] من طريق أبي نُعيم عن الشعبي عن ابن عباس قال في قوله تعالى: { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ } عن ولاية عليّ. وكذا في كتاب "الفردوس" عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وإذا سئلوا عن الولاية وجب أن تكون ثابتة له، ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة النقل، والعزو إلى "الفردوس" وإلى أبي نُعيم لا تقوم به حجة باتفاق أهل العلم.
الثاني: أن هذا كذب موضوع بالاتفاق(189).(1/97)
الثالث: أن الله تعالى قال: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ، وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ، وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ، وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ، أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ، قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ، فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ، وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ، هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ، قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ، فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ، فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ، بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 12-37].
فهذا خطاب عن المشركين المكذِّبين بيوم الدين، وهؤلاء يسألون عن توحيد الله والإيمان برسله واليوم الآخر. وأي مدخل لحب عليٍّ في سؤال هؤلاء؟ تراهم لو أحبّوه مع هذا الكفر والشرك أكان ذلك ينفعهم؟ أو تراهم لو أبغضوه أين كان بغضهم له في بغضهم لأنبياء الله ولكتابه ودينه؟.(1/98)
وما يفسر القرآن بهذا، ويقول: النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فسَّره بمثل هذا، إلا زنديق ملحد، متلاعب بالدين، قادح في دين الإسلام، أو مفرط في الجهل، لا يدري ما يقول. وأي فرق بين حب عليّ وطلحة والزبير وسعد وأبي بكر وعمر وعثمان؟!.
ولو قال قائل: إنهم مسؤولون عن حب أبي بكر، لم يكن قوله أبعد من قول من قال: عن حب عليّ، ولا في الآية ما يدلّ على أن ذلك لقول أرجح، بل دلالتهم على ثبوتهما وانتفائهما سواء، والأدلة الدالة على وجوب حب أبي بكر أقوى.
الرابع: أن قوله: "مسؤولون" لفظ مطلق لم يُوصل به ضمير يخصه بشيء، وليس في السياق ما يقتضي ذكر حب علي، فدعوى المدّعي دلالة اللفظ على سؤالهم عن حب عليّ من أعظم الكذب والبهتان.
الخامس: أنه لو ادّعى مدّع أنهم مسؤولون عن حب أبي بكر وعمر، لم يكن إبطال ذلك بوجهٍ إلا وإبطال السؤال عن حب عليٍّ أقوى وأظهر.
الفصل الخامس عشر
الرد على من روى عن أبي سعيد الخدري حديث بغض عليّ
قال الرافضي: "البرهان الخامس عشر: قوله تعالى: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } [محمد: 30] روى أبو نُعيم بإسناده عن أبي سعيد الخدري، في قوله تعالى: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } قال: ببغضهم عليّاً. ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك، فيكون أفضل منهم، فيكون هو الإمام".
والجواب: المطالبة بصحة النقل أولاً.
والثاني: أن هذا من الكذب على أبي سعيد عند أهل المعرفة بالحديث(190).
الثالث: أن يقال: لو ثبت أنه قاله، فمجرد قول أبي سعيد قول واحدٍ من الصحابة، وقول الصاحب إذا خالفه صاحبٌ آخر ليس بحجة باتفاق أهل العلم. وقد عُلم قدح كثير من الصحابة في عليٍّ وإنما احتج عليهم بالكتاب والسنة، لا بقول آخر من الصحابة.
الرابع: أنّا نعلم بالاضطرار أن عامة المنافقين لم يكن ما يُعرفون به من لحن القول هو بغض عليّ، فتفسير القرآن بهذا فرية ظاهرة.(1/99)
الخامس: أن عليّاً لم يكن أعظم معاداة للكفّار والمنافقين من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذّون منه كما يتأذّون من عمر، بل ولا نعرف أنهم كانوا يتأذّون منه إلا وكان بغضهم لعمر أشد.
السادس: أن في الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"(191). وقال: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"(192). فكان معرفة المنافقين في لحنهم ببغض الأنصار أولى.
فإن هذه الأحاديث أصح مما يروي عن عليّ، أنه قال: "إنه لعهد النبيّ الأميّ إليّ أنه لا يُحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق". فإن هذا من أفراد مسلم، وهو من رواية عديّ بن ثابت عن زرّ بن حُبيش عن علي(193)، والبخاري أعرض عن هذا الحديث، بخلاف أحاديث الأنصار، فإنها مما اتفق عليه أهل الصحيح كلهم: البخاري وغيره. وأهل العلم يعلمون يقيناً أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله، وحديث عليّ قد شك فيه بعضهم.
السابع: أن علامات النفاق كثيرة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان"(194) فهذه علامات ظاهرة. فعُلم أن علامات النفاق لا تختصّ بحب شخص أو طائفة ولا بغضهم، إن كان ذلك من العلامات. ولا ريب أن من أحبَّ عليّاً لله بما يستحقه من المحبة لله، فذلك من الدليل على إيمانه، وكذلك من أحبّ الأنصار لأنهم نصروا الله ورسوله، فذلك من علامات إيمانه. ومن أبغض عليّاً والأنصار لما فيهم من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، فهو منافق.(1/100)
وأما من أحب الأنصار أو عليّاً أو غيرهم لأمر طبيعي، مثل قرابة بينهما، فهو كمحبة أبي طالب للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك لا ينفعه عند الله. ومن غلا في الأنصار، أو في عليّ، أو في المسيح، أو في نبيّ، فأحبه واعتقد فيه فوق مرتبته، فإنه لم يحبه في الحقيقة، إنما أحبّ ما لا وجود له، كحب النصارى للمسيح، فإن المسيح أفضل من عليّ.
وهذه المحبة لا تنفعهم، فإنه إنما ينفع الحب لله، لا الحب مع الله.
قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ } [البقرة: 165].
ومن قَدَّر أنه سمع عن بعض الأنصار أمراً يوجب بغضه فأبغضه لذلك، كان ضالاًّ مخطئاً، ولم يكن منافقاً بذلك. وكذلك من اعتقد في بعض الصحابة اعتقاداً غير مطابق، وظن فيه أنه كان كافراً أو فاسقاً فأبغضه لذلك، كان جاهلاً ظالماً، ولم يكن منافقاً.
وهذا مما يُبَيَّن به كذب ما يُروى عن بعض الصحابة كجابر، أنه قال: "ما كنّا نعرف المنافقين على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا ببغضهم عليّ بن أبي طالب"(195) فإن هذا النفي من أظهر الأمور كذباً، لا يخفى بطلان هذا النفي على آحاد الناس، فضلاً عن أن يخفى مثل ذلك على جابر أو نحوه.
فإن الله قد ذكر في سورة التوبة وغيرها من علامات المنافقين وصفاتهم أموراً متعددة، ليس في شيء منها بغض عليّ.
كقوله: { وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ } [التوبة: 49].
وقوله: { وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } [التوبة: 58].
وقوله: { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ } [التوبة: 61].(1/101)
وقوله: { وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } [التوبة: 75] إلى قوله: { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } [التوبة: 77].
إلى أمثال ذلك من الصفات التي يصف بها المنافقين، وذكر علاماتهم وذكر الأسباب الموجبة للنفاق.
وكل ما كان موجباً للنفاق فهو دليل عليه وعلامة له. فكيف يجوز لعاقل أن يقول: لم يكن للمنافقين علامة يعرفون بها غير بُغض عليّ؟ وقد كان من علامتهم التخلّف عن الجماعة، كما في الصحيح عن ابن مسعود أنه قال: أيها الناس حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإنهن من سنن الهدي، وإن الله شرع لنبيّه سنن الهدي، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلّف في بيته لتركتم سنة نبيّكم، ولو تركتم سنة نبيّكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف"(196).
وعامة علامات النفاق وأسبابه ليست في أحدٍ من أصناف الأمة أظهر منها في الرافضة، حتى يوجد فيهم من النفاق الغليظ الظاهر ما لا يوجد في غيرهم. وشعار دينهم "التقيّة" التي هي أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، وهذا علامة النفاق.
كما قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } [آل عمران: 166-167].(1/102)
وقال تعالى: { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ } [التوبة: 74].
وقال تعالى: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البقرة: 10] وفيها قراءتان: يَكذِبُون ويُكَذِّبُونَ(197).
وفي الجملة فعلامات النفاق مثل الكذب والخيانة وإخلاف الوعد والغدر، لا يوجد في طائفة أكثر منها في الرافضة. وهذا من صفاتهم القديمة، حتى أنهم كانوا يغدرون بعليّ وبالحسن والحسين.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"(198). وهذا لبسطه موضوع آخر.
والمقصود هنا أنه يمتنع أن يُقال: لا علامة للنفاق إلا بغض عليّ، ولا يقول هذا أحد من الصحابة، لكن الذي قد يُقال: إن بغضه من علامات النفاق، كما في الحديث المرفوع: "لا يبغضني إلا منافق"(199)، فهذا يمكن توجيهه، فإنه من علم ما قام به عليّ رضي الله عنه من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله، ثم أبغضه على ذلك، فهو منافق.
ونفاق من يبغض الأنصار أظهر؛ فإن الأنصار قبيلة عظيمة لهم مدينة، وهم الذين تبوّؤا الدار والإيمان من قبل المهاجرين، وبالهجرة إلى دارهم عزّ الإيمان، واستظهر أهله، وكان لهم من نصر الله ورسوله ما لم يكن لأهل مدينة غيرهم، ولا لقبيلة سواهم فلا يبغضهم إلا منافق. ومع هذا فليسوا بأفضل من المهاجرين، بل المهاجرون أفضل منهم.(1/103)
فعُلم أنه لا يلزم من كون بُغض الشخص من علامات النفاق أن يكون أفضل من غيره. ولا يشك من عرف أحوال الصحابة أن عمر كان أشد عداوة للكفار والمنافقين من عليّ، وأن تأثيره في نصر الإسلام وإعزازه وإذلال الكفّار والمنافقين أعظم من تأثير عليّ، وأن الكفار والمنافقين أعداء الرسول يبغضونه أعظم مما يبغضون عليّاً.
ولهذا كان الذي قتل عمر كافراً يبغض دين الإسلام، ويبغض الرسول وأمته، فقتله بغضاً للرسول ودينه وأمته. والذي قتل علياً كان يصلي ويصوم ويقرأ القرآن، وقتله معتقداً أن الله ورسوله يحب قتل عليّ، وفعل ذلك محبة لله ورسوله - في زعمه - وإن كان في ذلك ضالاً مبتدعاً.
والمقصود أن النفاق في بغض عمر أظهر منه في بغض عليّ. ولهذا لما كان الرافضة من أعظم الطوائف نفاقاً كانوا يسمّون عمر فرعون الأمة. وكانوا يوالون أبا لؤلؤة - قاتله الله - الذي هو من أكفر الخلق وأعظمهم عداوة لله ولرسوله.
الفصل السادس عشر
الرد على من قال أن فضيلة سبق عليّ إلى محمد لم تثبت لغيره من الصحابة
قال الرافضي: "البرهان السادس عشر: قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10-11] روى أبو نُعيم عن ابن عباس في هذه الآية: سابق هذه الأمة عليّ بن أبي طالب. روى الفقيه ابن المغازلي الشافعي، عن مجاهد، عن ابن عباس في قوله: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى، وسبق موسى إلى هارون، وسبق صاحب يس إلى عيسى، وسبق عليّ إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة النقل، فإن الكذب كثير فيما يرويه هذا وهذا.
الثاني: أن هذا باطل عن ابن عباس، ولو صح عنه لم يكن حجة إذا خالفه من هو أقوى منه(200).(1/104)
الثالث: أن الله يقول: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ } [التوبة: 100].
وقال تعالى: { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } الآية [فاطر: 32].
والسابقون الأوّلون هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، الذين هم أفضل ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل. ودخل فيهم أهل بيعة الرضوان، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فكيف يُقال: إن سابق هذه الأمة واحدٌ؟!.
الرابع: قوله: "وهذه الفضيلة لم تثبت لغيره من الصحابة" ممنوع؛ فإن الناس متنازعون في أول من أسلم، فقيل: أبو بكر أول من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من عليّ. وقيل: إن عليّاً أسلم قبله. لكن عليّ كان صغيراً، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء ولا نزاع في أن إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالاتفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر. فكيف يُقال: عليٌّ أسبق منه بلا حجة تدل على ذلك.
الخامس: أن هذه الآية فضّلت السابقين الأوّلين، ولم تدل على أن كل من كان أسبق إلى الإسلام كان أفضل من غيره. وإنما يدل على أن السابقين أفضل قوله تعالى: { لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [الحديد: 10]، فالذين سبقوا إلى الإنفاق والقتال قبل الحديبية، أفضل ممن بعدهم، فإن الفتح فسَّره النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالحديبية.(1/105)
وإذا كان أولئك السابقون قد سبق بعضهم بعضاً إلى الإسلام، فليس في الآيتين ما يقتضي أن يكون أفضل مطلقاً، بل قد يسبق إلى الإسلام من سبقه غيره إلى الإنفاق والقتال.
ولهذا كان عمر رضي الله عنه ممن أسلم بعد تسعة وثلاثين، وهو أفضل من أكثرهم بالنصوص الصحيحة، وبإجماع الصحابة والتابعين، وما علمت أحداً قط قال: إن الزبير ونحوه أفضل من عمر، والزبير أسلم قبل عمر. ولا قال من يعرف من أهل العلم: إن عثمان أفضل من عمر، وعثمان أسلم قبل عمر.
وإن كان الفضل بالسبق إلى الإنفاق والقتال، فمعلوم أن أبا بكر أخصّ بهذا، فإنه لم يجاهد قبله أحدٌ: لا بيده ولا بلسانه، بل هو من حين آمن بالرسول ينفق ماله ويجاهد بحسب الإمكان، فاشترى من المعذّبين في الله غير واحد، وكان يجاهد مع الرسول قبل الأمر بالقتال وبعد الأمر بالقتال. كما قال تعالى: { وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } [الفرقان: 52]. فكان أبو بكر أسبق الناس وأكملهم في أنواع الجهاد بالنفس والمال.
ولهذا قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر". والصحبة بالنفس وذات اليد هو المال، فأخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه أمنّ الناس عليه في النفس والمال.
الفصل السابع عشر
الرد على من يثبت لعلي الإمامة بدعوى أنه خصّ
بفضيلة الإيمان والهجرة والجهاد دون غيره
قال الرافضي: "البرهان السابع عشر: قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ } الآيات [التوبة: 20].
روى رزين بن معاوية في "الجمع بين الصحاح الستة" أنها نزلت في عليّ لما افتخر طلحة بن شيبة والعباس. وهذه لم تثبت لغيره من الصحابة، فيكون أفضل، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بصحة النقل. ورزين(201) قد ذكر في كتابه أشياء ليست في الصحاح.(1/106)
الثاني: أن الذي في الصحيح ليس كما ذكره عن رزين، بل الذي في الصحيح ما رواه النعمان بن بشير، قال: كنت عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رجل: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: لا أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمّر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم: فزجرهم عمر، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الآية إلى آخرها [التوبة: 19] أخرجه مسلم(202).
وهذا الحديث يقتضي أن قول عليّ الذي فضَّل به الجهاد على السدانة والسقاية أصح من قول من فضّل السدانة والسقاية، وأن عليّاً كان أعلم بالحق في هذه المسألة ممن نازعه فيها. وهذا صحيح.
وعمر قد وافق ربّه في عدة أمور، يقول شيئاً وينزل القرآن بموافقته. قال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى، فنزلت: { وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } [البقرة: 125]. وقال: إن نساءك يدخل عليهن البرّ والفاجر، فلو أمرتهن بالحجاج فنزلت آية الحجاب. وقال: عسى ربّه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات، فنزلت كذلك(203). وأمثال ذلك. وهذا كله ثابت في الصحيح. وهذا أعظم من تصويب عليّ في مسألة واحدة.
وأما التفضيل بالإيمان والهجرة والجهاد، فهذا ثابت لجميع الصحابة الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا، فليس هاهنا فضيلة اختصّ بها عليّ، حتى يقال: إن هذا لم يثبت لغيره.(1/107)
الثالث: أنه لو قُدِّر أنه اختصّ بمزية فهذه ليست من خصائص الإمامة، ولا موجبة لأن يكون أفضل مطلقاً. فإن الخضر لما علم ثلاث مسائل لم يعلمها موسى لم يكن أفضل من موسى مطلقاً، والهدهد لما قال لسليمان: { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } [النمل: 22] لم يكن أعلم من سليمان مطلقاً.
الرابع: أن عليّاً كان يعلم هذه المسألة، فمن أين يعلم أن غيره من الصحابة لم يعلمها؟ فدعوى اختصاصه بعلمها باطل، فبطل الاختصاص على التقديرين. بل من المعلوم بالتواتر أن جهاد أبي بكر بماله أعظم من جهاد عليّ، فإن أبا بكر كان موسراً، قال فيه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما نفعني مال كمال أبي بكر" وعليّ كان فقيراً، وأبو بكر أعظم جهاداً بنفسه، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
الفصل الثامن عشر
الرد على من ادّعى أن عليّ وحده هو الذي تصدق
ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره
قال الرافضي: "البرهان الثامن عشر: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } [المجادلة: 12] من طريق الحافظ أبي نُعيم إلى ابن عباس، قال: إن الله حرَّم كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا بتقديم الصدقة، وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه، وتصدَّق عليٌّ، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره.
ومن تفسير الثعلبي قال ابن عمر: كان لعليّ ثلاثة لو كانت لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ من حمر النعم: تزويجه فاطمة، وإعطاؤه الراية يوم خيبر، وآية النجوى.
وروى رزين بن معاوية في "الجمع بين الصحاح الستة" عن عليّ: ما عمل بهذه الآية غيري، وبي خفف الله عن هذه الأمة. وهذا يدل على فضيلته عليهم، فيكون هو أحق بالإمامة".(1/108)
والجواب أن يقال: أما الذي ثبت فهو أن عليّاً رضي الله عنه تصدَّق وناجى، ثم نُسخت الآية قبل أن يعمل بها غيره(204)، لكن الآية لم توجب الصدقة عليهم، لكن أمرهم إذا ناجوا أن يتصدّقوا فمن لم يناج لم يكن عليه أن يتصدّق. وإذا لم تكن المناجاة واجبة، لم يكن أحد ملوماً إذا ترك ما ليس بواجب، ومن كان فيهم عاجزاً عن الصدقة ولكن لو قَدَر لناجي فتصدّق، فله نيته وأجره، ومن لم يعرض له سبب يناجي لأجله لم يُجعل ناقصاً، ولكن من عرض له سبب اقتضى المناجاة فتركه بخلاً، فهذا قد ترك المستحب. ولا يمكن أن يُشهد على الخلفاء أنهم كانوا من هذا الضرب، ولا يُعلم أنهم كانوا ثلاثتهم حاضرين عند نزول هذه الآية، بل يمكن غيبة بعضهم، ويمكن حاجة بعضهم، ويمكن عدم الداعي إلى المناجاة.
ولم يطل زمان عدم نسخ الآية، حتى يُعلم أن الزمان الطويل لابد أن يعرض فيه حاجة إلى المناجاة.
وبتقدير أن يكون أحدهم ترك المستحب، فقد بيّنّا غير مرّة أن من فعل مستحباً لم يجب أن يكون أفضل من غيره مطلقاً.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه: "من أصبح منكم اليوم صائماً"؟ فقال أبو بكر: أنا. قال: "فمن تبع منكم جنازة"؟ قال أبو بكر: أنا. قال: "هل فيكم من عاد مريضاً"؟ قال أبو بكر: أنا. قال: "هل فيكم من تصدَّق بصدقة"؟ فقال أبو بكر: أنا. قال: "ما اجتمع لعبد هذه الخصال إلا وهو من أهل الجنة"(205). وهذه الأربعة لم ينقل مثلها لعليّ ولا غيره في يوم.(1/109)
وفي الصحيحين أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دُعِيَ من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فإن كان من أهل الصلاة دُعِيَ من باب الصلاة، وإن كان من أهل الجهاد دُعِيَ من باب الجهاد، وإن كان من أهل الصدقة دُعِيَ من باب الصدقة". فقال أبو بكر: يا سول الله فما على من يُدعى من تلك الأبواب كلها من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: "نعم وأرجو أن تكون منهم"(206). ولم يُذكر هذا لغير أبي بكر رضي الله عنه.
وفي الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "بينما رجل يسوق بقرة قد حَمَل عليها، فالتفتت إليه فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني إنما خُلقت للحرث". فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم!! فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "فإني أؤمن به أنا وأبو بكر وعمر" وما هما ثمَّ.
قال أبو هريرة: وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "بينما راع في غنمه عدا عليها الذئب، فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي حتى استنقذها منه، فالتفت إليه الذئب، فقال: من لها يوم السَّبُعٍ، يوم ليس لها راعٍ غيري"؟. فقال الناس: سبحان الله! فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "فإني أؤمن بذلك: أنا وأبو بكر وعمر" وما هما ثمَّ(207).
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما نفعني مال كمال أبي بكر"(208) وهذا صريح في اختصاصه بهذه الفضيلة، لم يشركه فيها عليّ ولا غيره.
وكذلك قوله في الصحيحين: "إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلاً، لكن أخوّة الإسلام ومودّته. لا يبقينَّ بابٌ في المسجد إلا سدَّ، إلا باب أبي بكر"(209).
وفي سنن أبي داود أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأبي بكر: "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي"(210).(1/110)
وفي الترمذي وسنن أبي داود عن عمر رضي الله عنه، قال: أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتصدّق، فوافق منّي مالاً، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته. قال: فجئت بنصف مالي، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما أبقيت لأهلك"؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك"؟ قال: الله ورسوله. قلت: لا أسابقه إلى شيء أبداً"(211).
وفي البخاري عن أبي الدرداء، قال: كنت جالساً عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أمَّا صاحبكم فقد غامر فسلم". وقال: إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً. ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا. فأتي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فسلّم عليه فجعل وجه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يتمعّر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم، مرتين. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ فما أُوذِيَ بعدها".
وفي لفظ آخر: "إني قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً، فقلت: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت"(212).
وفي الترمذي مرفوعاً: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمَّهم غيره"(213).
وتجهيز عثمان بألف بعير أعظم من صدقة عليّ بكثير كثير؛ فإن الإنفاق في الجهاد كان فرضاً، بخلاف الصدقة أمام النجوى فإنه مشروط بمن يريد النجوى، فمن لم يردها لم يكن عليه أن يتصدق.
وقد أنزل الله في بعض الأنصار: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9].(1/111)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق نبيّاً ما عندي إلا ماء. ثم إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال: "من يضيِّفه هذه الليلة رحمه الله"؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله.
وانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا إلا قوت صبياننا. فقال: فعلّليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأفطئي السراج، وأريه أنّا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه. قال: فقعدوا فأكل الضيف. فلما أصبح غدا على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: "قد عجب الله من صنعكما بضيفكما الليلة".
وفي رواية فنزلت هذه الآية: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9](214).
وبالجملة فباب الإنفاق في سبيل الله وغيره، لكثير من المهاجرين والأنصار، فيه من الفضيلة ما ليس لعليّ، فإنه لم يكن له مالٌ على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
الفصل التاسع عشر
الرد على من قال إن الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية عليّ
قال الرافضي: "البرهان التاسع عشر: قوله تعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا } [الزخرف: 45].
قال ابن عبد البر، وأخرجه أبو نعيم أيضاً: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة أسري به جمع الله بينه وبين الأنبياء ثم قال: سلهم يا محمد عَلاَم بُعثتم؟ قالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وعلى الإقرار بنبوّتك والولاية لعليّ بن أبي طالب. وهذا صريح بثبوت الإمامة لعليّ".(1/112)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة في هذا وأمثاله بالصحة. وقولنا في هذا الكذب القبيح وأمثاله: المطالبة بالصحة، ليس بشك منا في أن هذا وأمثاله من أسمج الكذب وأقبحه، لكن على طريق التنزل في المناظرة، وأن هذا لو لم يعلم أنه كذب لم يجز أن يُحتج به حتى يثبت صدقه؛ فإن الاستدلال بما لا تُعلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسنة والإجماع.
الوجه الثاني: أن مثل هذا مما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع.
الوجه الثالث: أن هذا مما يعلم من له علم ودين أنه من الكذب الباطل الذي لا يُصدق به من له عقل ودين، وإنما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجراءة في الكذب، فإن الرسل صلوات الله عليهم كيف يُسألون عمّا لا يدخل في أصل الإيمان؟.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه ذلك من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة؟!.
والله تعالى قد أخذ الميثاق عليهم لئن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه. هكذا قال ابن عباس وغيره، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ } [آل عمران: 81] إلى قوله: { أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ } [آل عمران: 81](215).
فأما الإيمان بتفصيل ما بُعث به محمد: فلم يؤخذ عليهم، فكيف يؤخذ عليهم موالاة واحد من الصحابة دون غيره من المؤمنين؟.(1/113)
الرابع: أن لفظ الآية: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } [الزخرف: 45]. ليس في هذا سؤال لهم بماذا بعثوا؟(216).
الخامس: أن قول القائل: إنهم بعثوا بهذه الثلاثة. إن أراد أنهم لم يُبعثوا إلا بها، فهذا كذب على الرسل. وإن أراد أنها أصول ما بُعثوا به، فهذا أيضاً كذب؛ فإن أصول الدين التي بُعثوا بها: من الإيمان بالله واليوم الآخر وأصول الشرائع، أهم عندهم من ذكر الإيمان بواحد من أصحاب نبيّ غيرهم، بل ومن الإقرار بنبوة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن الإقرار بمحمد يجب عليهم مجملاً، كما يجب علينا نحن الإقرار بنبوّاتهم مجملاً، لكن من أدركه منهم وجب عليه الإيمان بشرعه على التفصيل كما يجب علينا. وأما الإيمان بشرائع الأنبياء على التفصيل، فهو واجب على أممهم، فكيف يتركون ذكر ما هو واجب على أممهم، ويذكرون ما ليس هو الأوجب؟
الوجه السادس: أن ليلة الإسراء كانت بمكة قبل الهجرة بمدة. قيل: إنها سنة ونصف. وقيل: إنها خمس سنين. وقيل غير ذلك. وكان عليٌّ صغيراً ليلة المعراج، لم يحصل له هجرة، ولا جهاد، ولا أمر يُوجب أن يذكره به الأنبياء. والأنبياء لم يكونوا يذكروا عليّاً في كتبهم أصلاً، وهذه كتب الأنبياء الموجودة التي أخرج الناس ما فيها من ذكر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ليس في شيء منها ذكر عليّ، بل ذكروا أن في التابوت الذي كان فيه عند المقوقس صور الأنبياء صورة أبي بكر وعمر مع صورة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنه بها يقيم الله أمره. وهؤلاء الذين أسلموا من أهل الكتاب لم يذكر أحدٌ منهم أنه ذُكر عليٌّ عندهم، فكيف يجوز أن يُقال: إن كلاً من الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية عليّ ولم يذكروا ذلك لأممهم ولا نقله أحد منهم؟.
الفصل العشرون
الرد على من أثبت لعلي الإمامة بزعمه أنه أذن واعية دون غيره(1/114)
قال الرافضي: "البرهان العشرون: قوله تعالى: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة: 12].
وفي تفسير الثعلبي، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: سألت الله عزَّ وجلَّ أن يجعلها أذنك يا عليّ.
ومن طريق أبي نُعيم(217)، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: يا عليّ إن الله أمرني أن أَدْنِيك وأعلّمك، يا عليّ إن الله أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعِيَ، وأنزلت عَلَيَّ هذه الآية: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } فأنت أذن واعية. وهذه الفضيلة لم تحصل لغيره، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: بيان صحة الإسناد. والثعلبي وأبو نُعيم يرويان ما لا يُحتج به بالإجماع.
الثاني: أن هذا موضوع باتفاق أهل العلم(218).
الثالث: أن قوله: { لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ، لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } [الحاقة: 11، 12] لم يرد به أذن واحدٍ من الناس فقط، فإن هذا الخطاب لبني آدم.
وحملهم في السفينة من أعظم الآيات. قال تعالى: { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ، وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } [يس: 41، 42] وقال: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [لقمان: 31]، فكيف يكون ذلك كله ليعي ذلك واحد من الناس؟.
نعم أذن عليّ من الآذان الواعية، كأذن أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم. وحينئذ فلا اختصاص لعليّ بذلك. وهذا مما يُعلم بالاضطرار: أن الأذن الواعية ليست أذن عليّ وحدها. أترى أذن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ليست واعية؟ ولا أذن الحسن والحسين وعمّار وأبي ذر والمقداد وسلمان الفارسي وسهل بن حنيف وغيرهم ممن يوافقون على فضيلتهم وإيمانهم؟(1/115)
وإذا كانت الأذن الواعية له ولغيره، لم يجز أن يُقال: هذه الأفضلية لم تحصل لغيره.
ولا ريب أن هذا الرافضي الجاهل الظالم يبني أمره على مقدمات باطلة؛ فإنه لا يُعلم في طوائف أهل البدع أَوْهَى من حجج الرافضة، بخلاف المعتزلة ونحوهم، فإن لهم حججاً وأدلة قد تشتبه على كثير من أهل العلم والعقل. وأما الرافضة فليس لهم حجة قط تنفق إلا على جاهل أو ظالمٍ صاحب هوى، يقبل ما يوافق هواه، سواء كان حقّاً أو باطلا.
ولهذا يُقال فيهم: ليس لهم عقل ولا نقل، ولا دين صحيح، ولا دنيا منصورة.
وقالت طائفة من العلماء: لو علّق حكماً بأجهل الناس لتناول الرافضة، مثل أن يحلف: إني أبغض أجهل الناس، ونحو ذلك. وأما لو وصّى لأجل الناس، فلا تصح الوصية، لأنها لا تكون إلا قربة، فإذا وصَّى لقوم يدخل فيهم الكافر جاز، بخلاف ما لو جعل الكفر والجهل جهة وشرطاً في الاستحقاق.
ثم الرافضي يدّعي في شيء أنه من فضائل عليّ، وقد لا يكون كذلك، ثم يدّعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره، وقد تكون من الفضائل المشتركة؛ فإن فضائل عليّ الثابتة عامتها مشتركة بينه وبين غيره، بخلاف فضائل أبي بكر وعمر، فإن عامتها خصائص لم يُشَاركا فيها. ثم يدّعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة، ومعلوم أن الفضيلة الجزئية في أمرٍ من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا للإمامة، ولا مختصة بالإمام، بل تثبت للإمام ولغيره، وللفاضل المطلق ولغيره.
فبنى هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث، والثلاث باطلة. ثم يُردفها بالمقدمة الرابعة، وتلك فيها نزاع، لكن نحن لا ننازعه فيها، بل نسلّم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة، لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك.
الفصل الحادي والعشرون
الرد على من أثبت الإمامة لعلي بجملة من الفضائل المأخوذة من سورة هل أتى(1/116)
قال الرافضي: "البرهان الحادي والعشرون: سورة هل أتى في تفسير الثعلبي من طرق مختلفة قال: مرض الحسن والحسين، فعادهما جدهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر صوم ثلاثة أيام، وكذا نذرت أمهما فاطمة وجاريتهم فضة، فبرئا، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فاستقرض عليّ ثلاثة آصع من شعير، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرصاً، وصلّى عليّ مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المغرب، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه عليّ، فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة فخبزت صاعاً، وصلى عليّ مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم، فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، يتيم يكون كذلك، ثم يدّعي أن تلك الفضيلة ليست لغيره، وقد تكون من الفضائل المشتركة؛ فإن فضائل عليّ الثابتة عامتها مشتركة بينه وبين غيره، بخلاف فضائل أبي بكر وعمر، فإن عامتها خصائص لم يُشَاركا فيها. ثم يدّعي أن تلك الفضيلة توجب الإمامة، ومعلوم أن الفضيلة الجزئية في أمرٍ من الأمور ليست مستلزمة للفضيلة المطلقة ولا للإمامة، ولا مختصة بالإمام، بل تثبت للإمام ولغيره، وللفاضل المطلق ولغيره.
فبنى هذا الرافضي أمره على هذه المقدمات الثلاث، والثلاث باطلة. ثم يُردفها بالمقدمة الرابعة، وتلك فيها نزاع، لكن نحن لا ننازعه فيها، بل نسلّم أنه من كان أفضل كان أحق بالإمامة، لكن الرافضي لا حجة معه على ذلك.
الفصل الحادي والعشرون(1/117)
الرد على من أثبت الإمامة لعلي بجملة من الفضائل المأخوذة من سورة هل أتى
قال الرافضي: "البرهان الحادي والعشرون: سورة هل أتى في تفسير الثعلبي من طرق مختلفة قال: مرض الحسن والحسين، فعادهما جدهما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك. فنذر صوم ثلاثة أيام، وكذا نذرت أمهما فاطمة وجاريتهم فضة، فبرئا، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فاستقرض عليّ ثلاثة آصع من شعير، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرصاً، وصلّى عليّ مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المغرب، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، غذ أتاهم مسكين، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه عليّ، فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئاً إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة فخبزت صاعاً، وصلى عليّ مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فأتاهم يتيم، فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فسمعه عليّ، فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح.
فلما كان اليوم الثالث قامت فاطمة إلى الصاع الثالث، فطحنته وخبزته، وصلّى عليّ مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم أتى المنزل فوُضع الطعام بين يديه، إذ أتى أسير فقال: أتأسروننا وتشردوننا ولا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله من موائد الجنة. فسمعه عليّ فأمر بإعطائه، فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام بلياليها لم يذوقوا شيئاً إلى الماء القراح.(1/118)
فلما كان اليوم الرابع، وقد وفّوا نذورهم، أخذ عليّ الحسن بيده اليمنى، والحسين بيده اليسرى، وأقبل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، فلما بَصَرَهما النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق بنا إلى منزل ابنتي فاطمة، فانطلقوا إليها، وهي في حجرتها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها، فلما رآها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: واغوثاه، بالله أهل بيت محمد يموتون جوعاً! فهبط جبريل على محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا محمد، خذ ما هنَّأك الله في أهل بيتك. فقال ما آخذ يا جبريل؟ فأقرأه: { هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ } [الإنسان: 1].
وهي تدل على فضائل جمة لم يسبقه إليها أحد، ولا يلحقه أحد، فيكون أفضل من غيره، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، كما تقدم. ومجرد رواية الثعلبيّ والواحدي وأمثالهما لا تدل على أنه صحيح باتفاق أهل السنة والشيعة. ولو تنازع اثنان في مسألة من مسائل الأحكام والفضائل، واحتج أحدهما بحديث لم يذكر ما يدل على صحته، إلا رواية الواحد من هؤلاء له في تفسيره، لم يكن ذلك دليلاً على صحته، ولا حجة على منازعه باتفاق العلماء.
وهؤلاء من عادتهم يروون ما رواه غيرهم، وكثير من ذلك لا يعرفون هل هو صحيح أم ضعيف، ويروون من الأحاديث الإسرائيليات ما يعلم غيرهم أنه باطل في نفس الأمر، لأن وصفهم النقل لما نُقل، أو حكاية أقوال الناس، وإن كان كثير من هذا وهذا باطلاً، وربما تكلموا على صحة بعض المنقولات وضعفها، ولكن لا يطردون هذا ولا يلتزمونه.(1/119)
الثاني: أن هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، الذي هم أئمة هذا الشان وحكامه. وقول هؤلاء هو المنقول في هذا الباب، ولهذا لم يرو هذا الحديث في شيء من الكتب التي يُرجع إليها في النقل(219)، لا في الصحاح، ولا في المساند، ولا في الجوامع، ولا السنن، ولا رواه المصنفون في الفضائل، وإن كانوا قد يتسامحون في رواية أحاديث ضعيفة، كالنسائي فإنه صنّف خصائص عليّ، وذكر فيها عدة أحاديث ضعيفة، ولم يرو هذا وأمثاله(220).
وكذلك أبو نُعيم في "الخصائص"(221)، وخيثمة بن سليمان(222) والترمذي في "جامعه" روى أحاديث كثيرة في فضائل عليّ، كثير منها ضعيف، ولم يرو مثل هذا لظهور كذبه.
وأصحاب السير، كابن إسحاق وغيره، يذكرون من فضائله أشياء ضعيفة، ولم يذكروا مثل هذا، ولا رووا مما قلنا فيه: إنه موضوع باتفاق أهل النقل، من أئمة أهل التفسير، الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة، كتفسير ابن جُريج، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأحمد، وإسحاق، وتفسير بقي بن مخلد، وابن جرير الطبري، ومحمد بن أسلم الطوسي، وابن أبي حاتم، وأبي بكر بن المنذر، وغيرهم من العلماء الأكابر، الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير.
الوجه الثالث: أن الدلائل على كذب هذا كثيرة. منها: أن عليّاً إنما تزوج فاطمة بالمدينة، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر، كما ثبت ذلك في الصحيح. والحسن والحسين وُلدا بعد ذلك، سنة ثلاث أو أربع. والناس متفقون على أن عليّاً لم يتزوج فاطمة إلا بالمدينة ولم يولد له ولد إلا بالمدينة. وهذا من العلم العام المتواتر، الذي يعرفه كل من عنده طرف من العلم بمثل هذه الأمور.(1/120)
وسورة "هل أتى" مكّيّة باتفاق أهل التفسير والنقل، لم يقل أحد منهم: إنها مدنية. وهي على طريقة السور المكّيّة في تقرير أصول الدين المشتركة بين الأنبياء، كالإيمان بالله واليوم الآخر، وذكر الخلق والبعث. ولهذا قيل: إنه كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقرؤها مع: (ألم تنزيل)(223). في فجر يوم الجمعة، لأن فيه خلق آدم، وفيه دخل الجنة، وفيه تقوم الساعة.
وهاتان السورتان متضمنتان لابتداء خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان إلى أن يدخل فريق الجنة وفريق النار. وإذا كانت السورة نزلت بمكة قبل أن يتزوج عليّ بفاطمة، تبين أن نقل أنها نزلت بعد مرض الحسن والحسين من الكذب البيّن.
الوجه الرابع: أن سياق هذا الحديث وألفاظه من وضع جهّال الكذابين. فمنه قوله: "فعادهما جدهما وعامة العرب" فإن عامة العرب لم يكونوا بالمدينة، والعرب الكفّار ما كانوا يأتونهما يعودونهما.
ومنه قوله: "يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك". وعليّ لا يأخذ الدِّين من أولئك العرب، بل يأخذه من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. فإن كان هذا أمراً بطاعة فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحق أن يأمره به من أولئك العرب، وإن لم يكن طاعة لم يكن عليّ يفعل ما يأمرون به. ثم كيف يقبل منهم ذلك من غير مراجعة إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك؟!.
الوجه الخامس: أن في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه نهى عن النذر، وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يُستخرج به من البخيل(224).
وفي طريق آخر: "إن النذر يرد ابن آدم إلى القدر فيعطي على النذر ما لا يعطي على غيره"(225). وإذا كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينهى عن النذر ويقول: إنه لا يأتي بخير وإنما يرد ابن آدم إلى القدر.
فإن كان عليّ وفاطمة وسائر أهلهما لم يعلموا مثل هذا، وعلمه عموم الأمة، فهذا قدح في علمهم، فأين المدِّعي للعصمة؟(1/121)
وإن كانوا علموا ذلك، وفعلوا ما لا طاعة فيه لله ولرسوله، ولا فائدة لهما فيه، بل قد نُهيا عنه: إما نهي تحريم، وإما نهي تنزيل - كان هذا قدحاً إما في دينهم وإما في عقلهم وعلمهم.
فهذا الذي يروي مثل هذا في فضائلهم جاهل، يقدح فيهم من حيث يمدحهم، ويخفضهم من حيث يرفعهم، ويذمهم من حيث يحمدهم.
ولهذا قال بعض أهل البيت للرافضة ما معناه: إن محبتكم لنا صارت معرّة علينا. وفي المثل السائر "عدوّ عاقل خير من صديق جاهل".
والله تعالى إنما مدح على الوفاء بالنذر، لا على نفس عقد النذر. والرجل يُنهى عن الظهار، وإن ظاهر وجبت عليه كفّارة للظهار، وإذا عاود مُدح على فعل الواجب، وهو التكفير، لا على نفس الظهار المحرّم. وكذلك إذا طلّق امرأته ففارقها بالمعروف، مُدح على فعل ما أوجبه الطلاق، لا نفس الطلاق المكروه. وكذلك من باع أو اشترى فأعطى ما عليه، مُدح على فعل ما أوجبه العقد، لا على نفس العقد الموجب. ونظائر هذا كثيرة.
الوجه السادس: أن عليّاً وفاطمة لم يكن لهما جارية اسمها فضة، بل ولا لأحدٍ من أقارب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. ولا نعرف أنه كان بالمدينة جارية اسمها فضة، ولا ذكر ذلك أحد من أهل العلم الذين ذكروا أحوالهم دقها وجلها. ولكن فضة هذه بمنزلة ابن عقب الذي يُقال: إنه كان معلّم الحسن والحسين، وأنه أعطى تفاحة كان فيها علم الحوادث المستقبلة، ونحو ذلك من الأكاذيب التي تروج على الجهّال. وقد أجمع أهل العلم على أنهما لم يكن لهما معلم، ولم يكن في الصحابة أحد يُقال له ابن عقب.
وهذه الملاحم المنظومة المنسوبة إلى ابن عقب، هي من نظم بعض متأخري الجهّال الرافضة، الذين كانوا زمن نور الدين وصلاح الدين، لما كان كثير من الشام بأيدي النصارى، ومصر بأيدي القرامطة الملاحدة بقايا بني عبيد، فذكر من الملاحم ما يناسب تلك الأمور بنظم جاهلٍ عامّيّ.(1/122)
وهكذا هذه الجارية فضة. وقد ثبت في الصحيحين عن عليّ أن فاطمة سألت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خادماً، فعلّمها أن تسبّح عند المنام ثلاثاً وثلاثين، وتكبّر ثلاثاً وثلاثين، وتحمد أربعاً وثلاثين. وقال: "هذا خير لك من خادم". قال عليّ: فما تركتهن منذ سمعتهن من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. قيل له: ولا ليلة صفّين؟ قال: ولا ليلة صفّين. وهذا خبر صحيح باتفاق أهل العلم(226)، وهو يقتضي أنه لم يعطها خادماً. فإن كان بعد ذلك حصل لهما خادم فهو ممكن، لكن لم يكن اسم خادمهما فضة بلا ريب.
الوجه السابع: أنه قد ثبت في الصحيح عن بعض الأنصار أنه آثر ضيفه بعشائهم، ونوم الصبْيَة، وبات هو وامرأته طاويين. فأنزل الله سبحانه تعالى: { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } [الحشر: 9](227).
وهذا المدح أعظم من المدح بقوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا } [الإنسان: 8]، فإن هذا كقوله: { وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ } [البقرة: 117].
وفي الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه سُئل: أي الصدقة أفضل؟ قال: "أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح، تأمل البقاء، وتخاف الفقر، ولا تمهل، حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان"(228).
وقال تعالى: { لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92]. فالتصدّق مما يحبه الإنسان جنس تحته أنواع كثيرة. وأما الإيثار مع الخصاصة فهو أكمل من مجرد التّصدّق مع المحبة، فإنه ليس كل متصدق محبّاً مؤثراً، ولا كل متصدّق يكون به خصاصة، بل قد يتصدق بما يجب، مع اكتفائه ببعضه، مع محبة لا تبلغ به الخصاصة.(1/123)
فإذا كان الله مدح الأنصار بإيثار الضيف ليلةً بهذا المدح، والإيثار المذكور في قصة أهل البيت هو أعظم من ذلك، فكان ينبغي أن يكون المدح عليه أكثر، إن كان هذا مما يُمدح عليه. وإن كان مما لا يُمدح عليه، فلا يدخل في المناقب.
الثامن: أن في هذه القصة ما لا ينبغي نسبته إلى عليّ وفاطمة رضي الله عنهما؛ فإنه خلاف المأمور به المشروع، وهو إبقاء الأطفال ثلاثة أيام جياعاً، ووصالهم ثلاثة أيام. ومثل هذا الجوع قد يفسد العقل والبدن والدين.
وليس هذا مثل قصة الأنصاري؛ فإن ذلك بيَّتهم ليلة واحدة بلا عشاء، وهذا قد يحتمله الصبيان، بخلاف ثلاثة أيام بلياليها.
التاسع: أن في هذه القصة أن اليتيم قال: "استشهد والدي يوم العقبة". وهذا من الكذب الظاهر، فإن ليلة العقبة لم يكن فيها قتال، ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بايع الأنصار ليلة العقبة قبل الهجرة، وقبل أن يُؤمر بالقتال.
وهذا يدل على أن الحديث، مع أنه كذب، فهو من كذب أجهل الناس بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. ولو قال: "استشهد والدي يوم أُحد" لكان أقرب.
العاشر: أن يُقال: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يكفي أولاد من قُتل معه، ولهذا قال لفاطمة لما سألته خادماً: "لا أدع يتامى بدر وأعطيكِ".
فقول القائل: إنه كان من يتامى المجاهدين الشهداء من لا يكفيه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كذب عليه وقدح فيه.
الحادي عشر: أنه لم يكن في المدينة قط أسير يسأل الناس، بل كان المسلمون يقومون بالأسير الذي يستأسرونه. فدعوى المدّعي أن أسراهم كانوا محتاجين إلى مسألة الناس كذب عليهم وقدح فيهم. والأسراء الكثيرون إنما كانوا يوم بدر، قبل أن يتزوج عليّ بفاطمة رضي الله عنهما وبعد ذلك فالأسرى في غاية القلة.(1/124)
الثاني عشر: أنه لو كانت هذه القصة صحيحة، وهي من الفضائل، لم تستلزم أن يكون صاحبها أفضل الناس، ولا أن يكون هو الإمام دون غيره. فقد كان جعفر أكثر إطعاماً للمساكين من غيره، حتى قال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أشبهت خَلقي وخُلقي" وكان أبو هريرة يقول: ما احتذى النعال بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أحد أفضل من جعفر، يعني في الإحسان إلى المساكين، إلى غير ذلك من الفضائل. فلم يكن بذلك أفضل من عليّ ولا غيره، فضلاً عن أن يكون مستحقّاً للإمامة.
الثالث عشر: أنه من المعلوم أن إنفاق الصّدّيق أمواله أعظم وأحب إلى الله ورسوله؛ فإن إطعام الجائع من جنس الصدقة المطلقة، التي يمكن كل واحد فعلها إلى يوم القيامة، بل وكل أمة يطعمون جياعهم من المسلمين وغيرهم، وإن كانوا لا يتقربون إلى الله بذلك، بخلاف المؤمنين، فإنهم يفعلون ذلك لوجه الله، بهذا تميزوا. كما قال تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا } [الإنسان: 9].
وأما إنفاق الصّدّيق ونحوه، فإنه كان في أول الإسلام، لتخليص من آمن، والكفّار يؤذونه أو يريدون قتله. مثل اشترائه بماله سبعة كانوا يعذَّبون في الله، منهم بلال، حتى قال عمر: أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً(229).
وإنفاقه على المحتاجين من أهل الإيمان وفي نصر الإسلام، حيث كان أهل الأرض قاطبة أعداء الإسلام. وتلك النفقة ما بقي يمكن مثلها. ولهذا قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث المتفق على صحته: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" وهذا في النفقة التي اختصوا بها. وأما جنس إطعام الجائع مطلقاً، فهذا مشترك يمكن فعله إلى يوم القيامة.
الفصل الثاني والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بأنه اختص بفضيلة الصدق دون غيره(1/125)
قال الرافضي: "البرهان الثاني والعشرون: قوله تعالى: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [الزمر: 33].
من طريق أبي نُعيم عن مجاهد في قوله: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ }: محمد صلَّى الله عليه وآله، { وَصَدَّقَ بِهِ }: قال: عليّ بن أبي طالب.
ومن طريق الفقيه الشافعي(230) عن مجاهد: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } قال: جاء به محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وصدَّق به عليّ. وهذه فضيلة اختص بها، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا ليس منقولاً عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقول مجاهد وحده ليس بحجة يجب اتباعها على كل مسلم، لو كان هذا النقل صحيحاً عنه، فكيف إذا لم يكن ثابتاً عنه؟! فإنه قد عُرف بكثرة الكذب.
والثابت عن مجاهد(231) خلاف هذا، وهو أن الصدق هو القرآن والذي صدَّق به هو المؤمن الذي عمل به، فجعلها عامة. رواه الطبري وغيره عن مجاهد قال(232): هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة، فيقولون(233): هذا الذي أعطيتمونا قد اتبعنا(234) ما فيه. ورواه أبو سعيد الأشج، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد فذكره. وحدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحّاك: وصدَّق به. قال: المؤمنون جميعاً. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثنا معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: وصدَّق به. قال: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(235).(1/126)
الوجه الثاني: أن هذا معارض بما هو أشهر منه عند أهل التفسير، وهو أن الذي جاء بالصدق: محمد، والذي صدَّق به: أبو بكر، فإن هذا يقول طائفة، وذكره الطبري بإسناده إلى عليّ. قال(236): جاء به محمد وصدَّق به أبو بكر. وفي هذا حكاية ذكرها بعضهم عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر غلام أبي بكر الخلاَّل: أن سائلاً سأله عن هذه الآية، فقال له هو - أو بعض الحاضرين -: نزلت في أبي بكر. فقال السائل: بل في عليّ؟. فقال أبو بكر بن جعفر: اقرأ ما بعدها: { أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } إلى قوله: { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا } [الزمر: 35] الآية، فبهت السائل.
الثالث: أن يُقال: لفظ الآية عام مطلق لا يختص بأبي بكر ولا بعليّ، بل كل من دخل في عمومها دخل في حكمها. ولا ريب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً أحق هذه الأمة بالدخول فيها، لكنها لا تختص بهم. وقد قال تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ، وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [الزمر: 32، 33] الآية، فقد ذمّ الله سبحانه وتعالى الكاذب على الله والمكذّب بالصدق، وهذا ذم عام.
والرافضة أعظم أهل البدع دخولاً في هذا الوصف المذموم؛ فإنهم أعظم الطوائف افتراءً للكذب على الله، وأعظمهم تكذيباً بالصدق لَمّا جاءهم، وأبعد الطوائف عن المجيء بالصدق والتصديق به.
وأهل السنة المحضة أُوْلى الطوائف بهذا؛ فإنهم يصدقون ويصدّقون بالحق في كل ما جاء به، ليس لهم هوى إلا مع الحق.(1/127)
والله تعالى مدح الصادق فيما يجيء به، والمصدِّق بهذا الحق. فهذا مدحٌ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولكل من آمن به وبما جاء به. وهو سبحانه لم يقل: والذي جاء بالصدق والذي صدّق به، فلم يجعلهما صنفين بل جعلهما صنفاً واحداً، لأن المراد مدح النوع الذي يجيء بالصدق ويصدِّق بالصدق، فهو ممدوح على اجتماع الوصفين، على أن لا يكون من شأنه إلا أن يجيء بالصدق، ومن شأنه أن يصدِّق بالصدق.
وقوله: (جاء بالصدق) اسم جنس لكل صدق، وإن كان القرآن أحق بالدخول في ذلك من غيره، ولذلك صدَّق به أي بجنس الصدق. وقد يكون الصدق الذي صدَّق به ليس هو عين الصدق الذي جاء به، كما تقول: فلان يسمع الحق، ويقول الحق ويقبله، ويأمر بالعدل ويعمل به. أي هو موصوف بقول الحق لغيره، وقبول الحق من غيره، وأنه يجمع بين الأمر بالعدل والعمل به. وإن كان كثير من العدل الذي يأمر به، ليس هو عين العدل الذي يعمل به.
فلما ذم الله سبحانه من اتصف بأحد الوصفين: الكذب على الله، والتكذيب بالحق، إذ كل منهما يستحق به الذم، مدح صدهما الخالي عنهما، بأن يكون يجيء بالصدق لا بالكذب، وأن يكون مع ذلك مصدِّقاً بالحق، لا يكون ممن يقوله هو، وإذا قاله غيره لم يصدِّقه، فإن من الناس من يصدق ولا يكذب، لكن يكره أن غيره يقوم مقامه في ذلك حسداً ومنافسة، فيكذِّب غيره في صدقه أو لا يصدِّقه، بل يعرض عنه، وفيهم من يصدِّق طائفة فيما قالت، قبل أن يعلم ما قالوه: أصدق هو أم كذب؟ والطائفة الأخرى لا يصدِّقها فيما تقول وإن كان صادقاً، بل إما أن يصدقها وإما أن يعرض عنها.
وهذا موجود في عامة أهل الأهواء: تجد كثيراً منهم صادقاً فيما ينقله، لكن ما ينقله عن طائفته يعرض عنه، فلا يدخل هذا في المدح، بل في الذم، لأنه لم يصدِّق بالحق الذي جاءه.(1/128)
والله قد ذم الكاذب والمكذِّب بالحق، لقوله في غير آية: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } [العنبكوت: 68] وقال: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ } [الأنعام: 21].
ولهذا لما كان مما وصف الله به الأنبياء، الذين هم أحق الناس بهذه الصفة، أن كلاًّ منهم يجيء بالصدق فلا يكذب، فكل منهم صادق في نفسه مصدِّق لغيره.
ولما كان قوله: (والذي) صنفا من الأصناف، لا يُقصد به واحد بعينه، أعاد الضمير بصيغة الجمع فقال: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [الزمر: 33].
وأنت تجد كثيراً من المنتسبين إلى علم ودين لا يكذبون فيما يقولونه، بل لا يقولون إلا الصدق، لكن لا يقبلون ما يخبر به غيرهم من الصدق، بل يحملهم الهوى والجهل على تكذيب غيرهم وإن كان صادقاً: إما تكذيب نظيره، وإما تكذيب من ليس من طائفته.
ونفس تكذيب الصادق هو من الكذب، ولهذا قرنه بالكاذب على الله، فقال: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ } [الزمر: 32] فكلاهما كاذب: هذا كاذب فيما يخبر به عن الله، وهذا كاذب فيما يخبر به عن المخبر عن الله.
والنصارى يكثر فيهم المفترون للكذب على الله، واليهود يكثر فيهم المكذِّبون بالحق. وهو سبحانه ذكر المكذِّب بالصدق نوعاً ثانياً، لأنه أولاً لم يذكر جميع أنواع الكذب، بل ذكر من كذب على الله. وأن إذا تدبرت هذا، وعلمت أن كل واحد من الكذب على الله والتكذيب بالصدق مذموم، وأن المدح لا يستحقه إلا من كان آتياً بالصدق مصدِّقاً للصدق، علمت أن هذا مما هدى الله به عباده إلى صراطه المستقيم.(1/129)
وإذا تأملت هذا، تبين لك أن كثيراً من الشر - أو أكثره - يقع من أحد هذين، فتجد إحدى الطائفتين، أو الرجلين من الناس، لا يكذب فيما يخبر من العلم، لكن لا يقبل ما تأتي به الطائفة الأخرى، فربما جمع بين الكذب على الله والتكذيب بالصدق.
وهذا إن كان يوجد في عامة الطوائف شيء منه فليس في الطوائف أدخل في ذلك من الرافضة؛ فإنها أعظم الطوائف كذباً على الله، وعلى رسوله، وعلى الصحابة وعلى ذوي القربى. وكذلك هم من أعظم الطوائف تكذيباً بالصدق، فيكذّبون بالصدق الثابت المعلوم من المنقول الصحيح والمعقول الصريح.
فهذه الآية - ولله الحمد - ما فيها من مدحٍ فهو يشتمل على الصحابة الذين افترت عليهم الرافضة وظلمتهم، فإنهم جاءوا بالصدق وصدَّقوا به، وهم من أعظم أهل الأرض دخولاً في ذلك، وعليّ منهم، وما فيها من ذمٍّ فالرافضة أدخل الناس فيه، فهي حجة عليهم من الطرفين، وليس فيها حجة على اختصاص عليّ دون الخلفاء الثلاثة بشيء، فهي حجة عليهم من كل وجه، ولا حجة لهم فيها بحال.
الفصل الثالث والعشرون
الرد على من يثبت الإمامة لعلي بقوله إنه خصّ بفضيلة تأييده للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دون غيره من الصحابة
قال الرافضي: "البرهان الثالث والعشرون: قوله تعالى: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 62].
من طريق أبي نُعيم عن أبي هريرة قال: مكتبو على العرش لا إله إلا الله وحده لا شريك له، محمد عبدي ورسولي أيدته بعليّ بن أبي طالب، وذلك قوله في كتابه: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }، يعني بعليّ(237). وهذه من أعظم الفضائل التي لم تحصل لغيره من الصحابة، فيكون هو الإمام.(1/130)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. وأما مجرد العزو إلى رواية أبي نُعيم فليس حجة بالاتفاق. وأبو نُعيم له كتاب مشهور في "فضائل الصحابة"(238)، وقد ذكر قطعة من الفضائل في أول "الحلية"، فإن كانوا يحتجّون بما رواه، فقد روى في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان ما ينقض بنيانهم ويهدم أركانهم، وإن كانوا لا يحتجون بما رواه فلا يعتمدون على نقله، ونحن نرجع فيما رواه - هو وغيره - إلى أهل العلم بهذا الفن، والطرق التي بها يُعلم صدق الحديث وكذبه، من النظر في إسناده ورجاله، وهل هم ثقات سمع بعضهم من بعض أم لا؟ وننظر إلى شواهد الحديث وما يدل عليه على أحد الأمرين، لا فرق عندنا بين ما يُروى في فضائل عليّ أو فضائل غيره، فما ثبت أنه صدق صدَّقناه، وما كان كذباً كذَّبناه.
فنحن نجيء بالصدق ونصدِّق به، لا نكذب، ولا نكذِّب صادقاً. وهذا معروف عند أئمة السنة. وأما من افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق، فعلينا أن نكذبه في كذبه وتكذيبه للحق، كأتباع مسيلمة الكذّاب، والمكذبين بالحق الذي جاء به الرسول واتّبعه عليه المؤمنون به؛ صدِّيقه الأكبر وسائر المؤمنين.
ولهذا نقول في الوجه الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث. وهذا الحديث - وأمثاله - مما جزمنا أنه كذب موضوع نشهد أنه كذب موضوع، فنحن - والله الذي لا إله إلا هو - نعلم علماً ضرورياً في قلوبنا، لا سبيل لنا إلى دفعه، أن هذا الحديث كذب ما حدَّث به أبو هريرة، وهكذا نظائره مما نقول فيه مثل ذلك.
وكل من كان عارفاً بعلم الحديث وبدين الإسلام يعرف، وكل من لم يكن له بذلك علم لا يدخل معنا، كما أن أهل الخبرة بالصرف يحلفون على ما يعلمون أنه مغشوش، وإن كان من لا خبرة له لا يميّز بين المغشوش والصحيح.(1/131)
الثالث: أن الله تعالى قال: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [الأنفال: 62، 63] وهذا نص في أن المؤمنين عدد مؤلف بين قلوبهم، وعليّ واحد منهم ليس له قلوب يؤلف بينها. والمؤمنون صيغة جمع، فهذا نص صريح لا يحتمل أنه أراد به واحداً معيّناً، وكيف يجوز أن يُقال: المراد بهذا عليٌّ وحده؟.
الوجه الرابع: أن يُقال: من المعلوم بالضرورة والتواتر أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان قيام دينه بمجرد موافقة عليّ، فإن عليّاً كان من أول من أسلم، فكان الإسلام ضعيفاً، فلولا أن الله هدى من هداه إلى الإيمان والهجرة والنصرة، لم يحصل بعليّ وحده شيء من التأييد، ولم يكن إيمان الناس ولا هجرتهم ولا نصرتهم على يد عليّ، ولم يكن عليّ منتصباً لا بمكة ولا بالمدينة للدعوة إلى الإيمان، كما كان أبو بكر منتصباً لذلك، ولم يُنقل أنه أسلم على يد عليّ أحدٌ من السابقين الأوَّلين، لا من المهاجرين ولا الأنصار، بل لا نعرف أنه أسلم على يد عليٍّ أحدٌ من الصحابة، لكن لَمّا بعثه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن قد يكون أسلم على يديه من أسلم، إن كان وقع ذلك، وليس أولئك من الصحابة، وإنما أسلم أكابر الصحابة على يد أبي بكر، ولا كان يدعو المشركين ويناظرهم، كما كان أبو بكر يدعوهم ويناظرهم، ولا كان المشركون يخافونه، كما يخافون أبا بكر وعمر.(1/132)
بل قد ثبت في الصحاح والمساند والمغازي، واتفق عليه الناس، أنه لما كان يوم أحد وانهزم المسلمون، صعد أبو سفيان على الجبل وقال: أفي القوم محمد؟ أفي القوم محمد؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه" فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر رضي الله عنه نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذي عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوؤك. فقال: يوم بيوم بدر. فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. ثم أخذ أبو سفيان يرتجز ويقول: أعل هبل ... أعل هبل
فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ألا تجيبوه"؟ فقالوا: وما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل". فقال: إن لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ألا تجيبوه" فقالوا: وما نقول؟ قال: "قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم". فقال: ستجدون في القوم مُثْلَةً لم آمر بها ولم تسؤني"(239).
فهذا جش المشركين إذ ذاك لا يسأل إلا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، فلو كان القوم خائفين من عليّ أو عثمان أو طلحة أو الزبير أو نحوهم، أو كان للرسول تأييد بهؤلاء، كتأييده بأبي بكر وعمر، لكان يُسأل عنهم كما يُسأل عن هؤلاء، فإن المقتضى للسؤال قائم، والمانع منتفٍ، ومع وجود القدرة والداعي وانتفاء الصارف يجب معه وجود الفعل.(1/133)
الوجه الخامس: أنه لم يكن لعليّ في الإسلام أثر حسن، إلا ولغيره من الصحابة مثله، ولبعضهم آثار أعظم من آثاره. وهذا معلوم لمن عرف السيرة الصحيحة الثابتة بالنقل. وأما من يأخذ بنقل الكذَّابين وأحاديث الطرقيّة، فباب الكذب مفتوح، وهذا الكذب يتعلق بالكذب على الله، { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ } [العنكبوت: 68].
ومجموع المغازي التي كان فيها القتال مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تسع مغازٍ، والمغازي كلها بضع وعشرون غزاة، وأما السرايا فقد قيل: إنها تبلغ سبعين(240).
ومجموع من قُتل من الكفّار في غزوات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يبلغون ألفاً أو أكثر أو أقل، ولم يقتل عليٌّ منهم عُشرهم ولا نصف عُشرهم، وأكثر السرايا لم يكن يخرج فيها. وأما بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يشهد شيئاً من الفتوحات: لا هو، ولا طلحة، ولا الزبير، إلا أن يخرجوا مع عمر حين خرج إلى الشام. وأما الزبير فقد شهد فتح مصر، وسعد شهد فتح القادسية، وأبو عبيدة فتح الشام.
فكيف يكون تأييد الرسول بواحدٍ من أصحابه دون سائرهم والحال هذه؟ وأين تأييده بالمؤمنين كلهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوه تحت الشجرة والتابعين لهم بإحسان؟
وقد كان المسلمون يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، ويوم أحد نحو سبعمائة، ويوم الخندق أكثر من ألف أو قريباً من ذلك، ويوم بيعة الرضوان ألفاً وأربعمائة، وهم الذين شهدوا فتح خيبر، ويوم فتح مكة كانوا عشرة آلاف، ويوم حنين كانوا اثنى عشر ألفاً، تلك العشرة، والطلقاء ألفان.(1/134)
وأما تبوك فلا يُحصى من شهدها، بل كانوا أكثر من ثلاثين ألفاً. وأما حجة الوداع فلا يُحصى من شهدها معه، وكان قد أسلم على عهده أضعاف من رآه وكان من أصحابه، وأيده الله بهم في حياته باليمن وغيرها. وكل هؤلاء من المؤمنين الذين أيّده الله بهم، بل كل من آمن وجاهد إلى يوم القيامة دخل في هذا المعنى.
الفصل الرابع والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إنه اختص بفضيلة متابعة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دون غيره
قال الرافضي: "البرهان الرابع والعشرون: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64].
من طريق أبي نعيم قال: نزلت في عليّ. وهذه فضيلة لم تحصل لأحدٍ من الصحابة غيره، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: منع الصحة.
الثاني: أن هذا القول ليس بحجة.
الثالث: أن يُقال: هذا الكلام من أعظم الفرية على الله ورسوله.
وذلك أن قوله: { حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64] معناه: أن الله حسبك وحسب من اتّبعك من المؤمنين، فهو وحده كافيك وكافي من معك من المؤمنين. وهذا كما تقول العرب: حسبك وزيداً درهم.
ومنه قول الشاعر:
فحسبك والضحاك سيف مهند
وذلك أن "حسب" مصدر، فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة الجارّ، فإن العطف بدون ذلك، وإن كان جائزاً في أصح القولين فهو قليل، وإعادة الجارّ أحسن وأفصح، فعطف على المعنى، والمضاف إليه في معنى المنصوب، فإن قوله: "فحسبك والضحّاك" معناه: يكفيك والضّحّاك.
والمصدر يعمل عمل الفعل، لكن إذا أضيف عَمِل في غير المضاف إليه، ولهذا إن أضيف إلى الفاعل نَصَب المفعول، وإن أضيف إلى المفعول رَفَع الفاعل، فتقول: أعجبني دقّ القصّار الثوب، وهذا وجه الكلام. وتقول: أعجبني دقّ الثوب القصّار.(1/135)
ومن النحاة من يقول: إعماله منكراً أحسن من أعماله مضافاً، لأنه بالإضافة قَوِيَ شبهُه بالأسماء. والصواب أن إضافته إلى أحدهما وإعماله في الآخر أحسن من تنكيره وإعماله فيهما. فقول القائل: أعجبني دقّ القصّار الثوب، أحسن من قوله: دقّ الثوب القصّار، فإن التنكير أيضاً من خصائص الأسماء، والإضافة أخف، لأنه اسم، والأصل فيه أن يُضاف ولا يعمل، لكن لما تعذّرت إضافته إلى الفاعل والمفعول جميعاً، أضيف إلى أحدهما، وأعمل في الآخر.
وهكذا في المعطوفات: إن أمكن إضافتها إليها كلها، كالمضاف إلى الظاهر، فهو أحسن. كقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن الله حرَّم بيع الخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام"(241).
وكقولهم: نُهي عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة.
وإن تعذر لم يحسن ذلك، كقولك: حسبك وزيداً درهم، عطفا على المعنى.
ومما يشبه هذا قوله: { وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا } [الأنعام: 96]، نصب هذا على محل الليل المجرور، فإن اسم الفاعل كالمصدر، ويُضاف تارة ويعمل تارة أخرى(242).
وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية: أن الله والمؤمنين حسبك، ويكون { مَنِ اتَّبَعَكَ } رفعاً عطفاً على الله، وهذا خطأ قبيح مستلزم للكفر؛ فإن الله وحده حسب جميع الخلق.
كما قال تعالى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران: 173]، أي: الله وحده كافينا كلنا.
وفي البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة: "قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل(243).
فكل من النبيين قال: حسبي الله، فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه، فدلّ على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره.(1/136)
ومنه قوله تعالى: { أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36] وقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } [التوبة: 59] الآية فدعاهم إلى أن يرضوا ما آتاهم اللهم ورسوله، وإلى أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: حسبنا الله ورسوله. لأن الإيتاء يكون بإذن الرسول، كما قال: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا } [الحشر: 7].
وأما الرغبة فإلى الله، كما قال تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الشرح: 7، 8].
وكذلك التحسّب الذي هو التوكل على الله وحده، فلهذا أمروا أن يقولوا: حسبنا الله، ولا يقولوا: ورسوله. فإذا لم يجز أن يكون الله ورسوله حسب المؤمن، كيف يكون المؤمنون مع الله حسباً لرسوله؟!.
وأيضاً فالمؤمنون محتاجون إلى الله، كحاجة الرسول إلى الله، فلابد لهم من حسبهم، ولا يجوز أن يكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم؛ فإن هذا يستلزم الدَّوْر، بل قوتهم من الله، وقوة الرسول من الله، فالله وحده يخلق قوتهم، والله وحده يخلق قوة الرسول.
فهذا كقوله: { هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 62، 63] فإنه وحده هو المؤيِّد للرسول بشيئين: أحدهما: نصره الذي ينصره به، والثاني: بالمؤمنين الذين أتى بهم.
وهناك قال: حسبك الله، ولم يقل: نصر الله. فنصر الله منه، كما أن المؤمنين من مخلوقاته أيضاً، فعطف ما منه على ما منه، إذ كلاهما منه. وأما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء، بل هو وحده الخالق لكل ما سواه، ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره.(1/137)
وإذا تبين هذا، فهؤلاء الرافضة رتّبوا جهلاً على جهل، فصاروا في ظلمات بعضها فوق بعض، فظنوا أن قوله: { حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } معناه: أن الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك، ثم جعلوا المؤمنين الذين اتّبعوه هم عليّ بن أبي طالب.
وجهلهم في هذا أظهر من جهلهم في الأول؛ فإن الأول قد يشتبه على بعض الناس، وأما هذا فلا يخفى على عاقل، فإن عليّاً لم يكن وحده من الخلق كافياً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولو لم يكن معه إلا عليّ لما أقام دينه. وهذا عليٌّ لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الأرض، بل لَمّا حاربه معاوية مع أهل الشام، كان معاوية مقاوماً له أو مستظهراً، سواء كان ذلك بقوة قتالٍ، أو قوة مكرٍ واحتيال، فالحرب خدعة:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أولٌ وهي المحل الثاني
فإذا هم اجتمعا لنفس مرة بلغت من العلياء كل مكان(244)
فإذا لم يغن عن نفسه بعد ظهور الإسلام واتّباع أكثر أهل الأرض له، فكيف يغني عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، وأهل الأرض كلهم أعداؤه؟!.
وإذا قيل: إن عليّاً إنما لم يغلب معاوية ومن معه لأن جيشه لا يطيعونه، بل كانوا مختلفين عليه.
قيل: فإذا كان من معه من المسلمين لم يطيعوه، فكيف يطيعه الكفّار الذين يكفرون بنبيه وبه؟!.
وهؤلاء الرافضة يجمعون بين النقيضين، لفرط جهلهم وظلمهم: يجعلون عليّاً أكمل الناس قدرة وشجاعة، حتى يجعلوه هو الذي أقام دين الرسول، وأن الرسول كان محتاجاً إليه. ويقولون مثل هذا الكفر، إذ يجعلونه شريكاً لله في إقامة دين محمد، ثم يصفونه بغاية العجز والضعف والجزع والتقية بعد ظهر الإسلام وقوته ودخول الناس فيه أفواجاً.(1/138)
ومن المعلوم قطعاً أن الناس بعد دخولهم في دين الإسلام أتبع للحق منهم قبل دخولهم فيه، فمن كان مشاركاً لله في إقامة دين محمد، حتى قهر الكفّار وأسلم الناس، كيف لا يفعل هذا في قهر طائفة بغوا عليه، هم أقل من الكفّار الموجودين عند بعثة الرسول، وأقل منهم شوكة، وأقرب إلى الحق منهم؟!.
فإن الكفّار حين بَعَث الله محمداً كانوا أكثر ممن نازع عليّاً وأبعد عن الحق، فإن أهل الحجاز والشام واليمن ومصر والعراق وخراسان والمغرب كلهم كانوا كفّاراً، ما بين مشرك وكتابيّ ومجوسيّ وصابئ، ولما مات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كانت جزيرة العرب قد ظهر فيها الإسلام، ولما قُتل عثمان كان الإسلام قد ظهر في الشام ومصر والعراق وخراسان والمغرب.
فكان أعداء الحق عند موت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أقل منهم وأضعف، وأقل عداوة منهم له عند مبعثه، وكذلك كانوا عند مقتل عثمان أقل منهم وأضعف، وأقل عداوة منهم له حين بُعث محمد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإن جميع الحق الذي كان يقاتل عليه عليّ، هو جزء من الحق الذي قاتل عليه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن كذَّب بالحق الذي بُعث به محمد صلَّى الله عليه وسلَّم وقاتله عليه، كذَّب بما قاتل عليه عليّ من ذلك.
فإذا كان عليٌّ في هذه الحال قد ضعف وعجز عن نصر الحق ودفع الباطل، فكيف يكون حاله حين المبعث، وهو أضعف وأعجز وأعداء الحق أعظم وأكثر وأشد عداوة؟!.
ومثل الرافضة في ذلك مثل النصارى: ادّعوا في المسيح الإلهية، وأنه رب كل شيء ومليكه، وعلى كل شيء قدير. ثم يجعلون أعداءه صفعوه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه، وأنه جعل يستغيث فلا يغيثوه، فلا أفلحوا بدعوى تلك القدرة القاهرة ولا بإثبات هذه الذلة التامة.
وإن قالوا: كان هذا برضاه.(1/139)
قيل: فالرب إنما يرضى بأن يُطاع لا بأن يعصى. فإن كان قتله وصلبه برضاه، كان ذلك عبادة وطاعة لله، فيكون اليهود الذين صلبوه عابدين لله مطيعين في ذلك، فيُمدحون على ذلك لا يُذمّون وهذا من أعظم الجهل والكفر.
وهكذا يوجد من فيه شبه من النصارى والرافضة من الغلاة في أنفسهم وشيوخهم، تجدهم في غابة الدعوى وفي غاية العجز. كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "ثلاثة لا يكلّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ، وملك كذّاب، وفقير مختال" وفي لفظ: "عائل مزهو" وفي لفظ: "وعائل مستكبر"(245) وهذا معنى قول بعض العامة: الفقر والزنطرة.
فهكذا شيوخ الدعاوي والشطح: يدَّعى أحدهم الإلهية وما هو أعظم من النبوة، ويعزل الرب عن ربوبيته، والنبي عن سالته، ثم آخرته شحّاذ يطلب ما يقيته، أو خائف يستعين بظالمٍ على دفع مظلمته، فيفتقر إلى لقمة، ويخاف من كلمة، فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمنة للغنى والعز؟!(246).
وهذه حال المشركين الذين قال الله فيهم: { وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } [الحج: 31].
وقال: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 41].
وقال: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا } [آل عمران: 151].(1/140)
والنصارى فيهم شرك بيِّن، كما قال تعالى: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة: 31] وهكذا من أشبههم من الغالية من الشيعة والنّسّاك فيه شرك وغلو، كما في النصارى شرك وغلو، واليهود فيهم كبر، والمستكبر معاقب بالذل.
قال تعالى: { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [آل عمران: 112].
وقال تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } [البقرة: 87] فتكذيبهم وقتلهم للأنبياء كان استكباراً.
فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه، وشبه من النصارى من وجه. ففيهم شرك وغلوّ وتصديق بالباطل كالنصارى، وفيهم جبن وكِبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود.
وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع، تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي، فيهم شرك وكبر.(1/141)
لكن الرافضة أبلغ من غيرهم في ذلك، ولهذا تجدهم أعظم الطوائف تعطيلاً لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات، التي هي أحب الاجتماعات إلى الله. وهم أيضاً لا يجاهدون الكفّار أعداء الدِّين، بل كثيراً ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين، فهم يعادون أولياء الله المؤمنين، ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب، كما يعادون أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، ويوالون أكفر الخلق من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم من الملاحدة، وإن كانوا يقولون: هم كفار، فقلوبهم وأبدانهم إليهم أميل منها إلى المهاجرين والأنصار والتابعين وجماهير المسلمين.
وما من أحد من أهل الأهواء والبدع، حتى المنتسبين إلى العلم والكلام والفقه والحديث والتصوف إلا وفيه شعبة من ذلك، كما يوجد أيضاً شعبة من ذلك في أهل الأهواء، من أتباع الملوك والوزراء والكتّاب والتّجّار، لكن الرافضة أبلغ في الضلال والغيّ من جميع الطوائف أهل البدع.
الفصل الخامس والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه أفضل الصحابة لاختصاصه بفضيلة حب الله
قال الرافضي: "البرهان الخامس والعشرون: قوله تعالى: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54].
قال الثعلبي: إنما نزلت في عليّ، وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: أن هذا كذب على الثعلبي، فإنه قال في تفسيره في هذه الآية: "قال عليّ وقتادة والحسن: إنهم أبو بكر وأصحابه. وقال مجاهد: هم أهل اليمن". وذكر حديث عياض بن غنم: أنهم أهل اليمن، وذكر الحديث: "أتاكم أهل اليمن": فقد نقل الثعلبي أن عليّاً فسَّر هذه الآية بأنهم أبو بكر وأصحابه.(1/142)
وأما أئمة التفسير، فروى الطبري(247) عن المثنى، حدثنا عبد الله بن هاشم(248)، حدثنا سيف بن عمر، عن أبي روق، عن الضّحَّاك، عن أبي أيوب، عن عليّ في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } [المائدة: 54] قال: عَلِمَ الله المؤمنين، ووقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدوا، فقال: { مَن يَرْتَدَّ(249) مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ }: المرتدَّة في دورهم، { بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } بأبي بكر وأصحابه رضي الله عنهم".
وذكر بإسناده هذا القول عن قتادة والحسن والضّحّاك وابن جريج(250)، وذكر عن قوم أنهم الأنصار(251)، وعن آخرين أنهم أهل اليمن(252)، ورجح هذا الآخر أنهم رهط أبي موسى(253)، قال(254): "ولولا صحة الخبر بذلك عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال: هم أبو بكر وأصحابه"(255) قال: "ولما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد عمر رضي الله عنه(256).
الثاني: أن هذا قول بلا حجة، فلا يجب قبوله.
الثالث: أن هذا معارَض بما هو أشهر منه وأظهر، وهو أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه، الذين قاتلوا معه أهل الردة. وهذا هو المعروف عند الناس كما تقدم. لكن هؤلاء الكذّابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي بكر يجعلونها لعليّ، وهذا من المكر السيئ الذي لا يحيق إلا بأهله.(1/143)
وحدّثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه، وكان فيه دين وزهد أحوال معروفة، لكن كان فيه تشيع. قال: وكان عنده كتاب يعظّمه، ويدّعي أنه من الأسرار، وأنه أخذه من خزائن الخلفاء، وبالغ في وصفه. فلما أحضره، فإذا به كتاب قد كُتب بخط حسن، وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعليّ. ولعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين، فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام، وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله.
ومثل هؤلاء الجهّال يظنون أن الأحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن البخاري ومسلم، كما يظن مثل ابن الطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال، وأن البخاري ومسلماً كان الغلط يروج عليهما، أو كانا يتعمدان الكذب، ولا يعلمون أن قولنا: رواه البخاري ومسلم علامة لنا على ثبوت صحته، لا أنه كان صحيحاً بمجرد رواية البخاري ومسلم، بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدِّثين من لا يحصي عدده إلا الله، ولم ينفرد واحد منهما بحديث: بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف، ولو لم يُخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء، وكانت تلك الأحاديث موجودة بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود.(1/144)
وإنما قولنا: رواه البخاري ومسلم كقولنا: قرأه القرّاء السبعة. والقرآن منقول بالتواتر، لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه، وكذلك التصحيح لم يقلِّد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلماً، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحاً متلقى بالقبول، وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما، ووافقوهما على تصحيح ما صححاه، إلا مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثاً، غالبها في مسلم، انتقدها عليهما طائفة من الحفّاظ، وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة.
والصحيح التفصيل؛ فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، وحديث خلق الله البريّة يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر.
وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابَيْن عن الانتقاد، ولا يكاد يروى لفظاً فيه انتقاد، إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبيّن أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا وفي كتابه ما يبيّن أنه منتقد.
وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، ومع هذا فهي مغيَّرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر.
والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح، والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين، كما قال تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9].
وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنّفة في مذاهب الأئمة، مثل القدوري والتنبيه والخرقي والجلاب، غالب ما فيها إذا قيل: ذكره فلان، عُلم أنه مذهب ذلك الإمام، وقد نقل ذلك سائر أصحابه، وهم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر.(1/145)
وهذه الكتب فيها مسائل انفرد بها بعض أهل المذهب، وفيها نزاع بينهم، لكن غالبها هو قول أهل المذهب. وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما اتفق عليه أهل العلم بالحديث، الذين هم أشد عناية بألفاظ الرسول وضبطاً لها ومعرفة بها من أتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم، وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم، والنزاع بينهم في ذلك أقل من تنازع الأئمة في مذاهب أئمتهم.
والرافضة - لجهلهم - يظنون أنهم إذا قلبوا ما في نسخةٍ من ذلك، وجعلوا فضائل الصديق لعليّ، أن ذلك يخفى على أهل العلم، الذين حفظ الله بهم الذكر.
الرابع: أن يقال: إن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الرّدّة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدّعي للنبوة وأتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة. وقد قيل: كانوا نحو مائة ألف أو أكثر، وقاتل طليحة الأسدي، وكان قد ادّعي النبوة بنجد، واتّبعه من أسد وتميم وغطفان ما شاء الله، وادّعت النبوة سجاح، امرأة تزوجها مسيلمة الكذّاب، فتزوج الكذّاب بالكذّابة.
وأيضاً فكان من العرب من ارتدّ عن الإسلام، ولم يتبع متنبئاً كذاباً. ومنهم قوم أقرّوا بالشهادتين، لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة. وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة.
والمقاتلون للمرتدّين هم من الذين يحبهم الله ويحبونه، وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية، وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفّار الروم والفرس. وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم. ولهذا رُوي أن هذه الآية لَمّا نزلت سُئل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن هؤلاء، فأشار إلى أبي موسى الأشعري، وقال: "هم قوم هذا"(257).(1/146)
فهذا أمر يعرف بالتواتر والضرورة: أن الذين أقاموا الإسلام وثبتوا عليه حين الردة، وقاتلوا المرتدين والكفّار، هم داخلون في قوله: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } [المائدة: 54].
وأما عليّ رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان، ولا كان جهاده للكفّار والمرتدّين أعظم من جهاد هؤلاء، ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء، بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء، فهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون الذين قضوا بالحق، وبه كانوا يعدلون.
وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم، فيجعلهم كفّاراً أو فسّاقاً ظلمة، ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحدٍ منهم، فيجعله الله أو شريكاً لله أو شريك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من جعله معصوماً منصوصاً عليه، ومن خرج عن هذا فهو كافر، ويجعل الكفّار المرتدّين الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين، ويجعل المسلمين الذين يصلّون الصلوات الخمس، ويصومون شهر رمضان، ويحجّون البيت، ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفّاراً لأجل قتال هؤلاء.
فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام، عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان.
والعلماء دائماً يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقاً ملحداً مقصوده إفساد دين الإسلام ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطّلة، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم.(1/147)
وأول الفكرة آخر العمل، فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام، ونقض عراه، وقلعه بعروشه آخراً، لكن صار يظهر منه ما يمكّنه من ذلك، ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه، وهو الذي ابتدع النصَّ في عليّ، وابتدع أنه معصوم. فالرافضة الإمامية هم أتباع المرتدّين، وغلمان الملحدين، وورثة المنافقين، لم يكونوا أعيان المرتدّين الملحدين.
الوجه الخامس: أن يقال: هب أن الآية نزلت في عليّ، أيقول القائل: إنها مختصة به، ولفظها يصرح بأنهم جماعة؟ قال تعالى: { مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54] إلى قوله: { لَوْمَةَ لآئِمٍ } أفليس هذا صريحاً في أن هؤلاء ليسوا رجلاً، فإن الرجل لا يُسمّى قوماً في لغة العرب: لا حقيقة ولا مجازاً.
ولو قال: المراد هو وشيعته.
لقيل: إذا كانت الآية أَدْخَلت مع عليّ غيره فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفّار والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة، فلا ريب أن أهل اليمن، الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان، أحق بالدخول فيها من الرافضة، الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين، ويعادون السابقين الأوَّلين.
فإن قيل: الذين قاتلوا مع عليّ كان كثير منهم من أهل اليمن.
قيل: والذين قاتلوه أيضاً كان كثير منهم من أهل اليمن. فكلا العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة جداً، وأكثر أذواء اليمن كانوا مع معاوية، كذي كلاع، وذي عمرو، وذي رعين، ونحوهم. وهم الذين يُقال لهم: الذوين.
كما قال الشاعر:
وما أعني بذلك أصغريهم ولكنني أريد به الذوينا(1/148)
الوجه السادس: قوله: { فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } لفظ مطلق، ليس فيه تعيين. وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائناً ما كان، لا يختص ذلك بأبي بكر ولا بعليّ. وإذا لم يكن مختصاً بأحدهما، لم يكن هذا من خصائصه، فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه، فضلاً عن أن يستوجب بذلك الإمامة.
بل هذه الآية تدلّ على أنه لا يرتدُّ أحد عن الدين إلى يوم القيامة إلا أقام الله قوماً يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون هؤلاء المرتدّين.
والرّدّة قد تكون عن أصل الإسلام، كالغالية من النصيرية والإسماعيلية. فهؤلاء مرتدّون باتفاق أهل السنة والشيعة، وكالعباسية(258).
وقد تكون الرّدّة عن بعض الدين، كحال أهل البدع، الرافضة وغيرهم. والله تعالى يقيم قوماً يحبّهم ويحبونه، ويجاهدون من ارتد عن الدين، أو عن بعضه، كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدّين عن الدين، أو عن بعضه، في كل زمان.
والله سبحانه المسؤول أن يجعلنا من الذين يحبّهم ويحبّونه، الذين يجاهدون المرتدّين وأتباع المرتدين، ولا يخافون لومة لائم.
الفصل السادس والعشرون
الرد على من روى عن أحمد بن حنبل حديث الصدّيقون ثلاثة
قال الرافضي: "البرهان السادس عشر: قوله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ } [الحديد: 19].
روى أحمد بن حنبل بإسناده عن ابن أبي ليلى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "الصّدّيقون ثلاثة: حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين، الذي قال: يا قوم اتّبعوا المرسلين. وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. وعلي بن أبي طالب الثالث، وهو أفضلهم. ونحوه رواه ابن المغازلي الفقيه الشافعي(259)، وصاحب كتاب "الفردوس"(260). وهذه فضيلة تدل على إمامته".(1/149)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة الحديث، وهذا ليس في مسند أحمد. ومجرد روايته له في الفضائل، لو كان رواه، لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم، فإنه يروي ما رواه الناس، وإن لم تثبت صحته. وكل من عرف العلم يعلم أنه ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول: إنه صحيح، بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول: إنه صحيح، بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمَّن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه، وقد يكون في بعضها علّة تدل على أنه ضعيف، بل باطل. لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتجّ بها، وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود. وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده.
والحديث قد يُعرف أن محدّثه غلط فيه، أو كذبه من غير علمٍ بحال المحدّث، بل بدلائل أخر.
والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم، فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين، ولكن يُعرف ذلك بدليل آخر. فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد: لا في المسند ولا في كتاب "الفضائل"، وإنما هو من زيادات القطيعي(261) رواه(262) عن محمد بن يونس القرشيّ، حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري(263) حدثنا عمرو بن جُمَيْع، حدثنا ابن أبي ليلى(264) عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى(265) عن أبيه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فذكره(266).
ورواه القطيعي أيضاً من طريق آخر قال(267): كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي(268) يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدّثهم قال: حدثنا(269) عمرو بن جميع حدثنا محمد بن أبي ليلى عن عيسى(270) ثم ذكر الحديث(271). وعمرو بن جميع ممن لا يُحتج بنقله، بل قال ابن عدي: يتهم بالوضع. قال يحيى: كذّاب خبيث. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، والمناكير عن المشاهير، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار(272).
الثاني: أن هذا الحديث موضوع على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.(1/150)
الثالث: أن في الصحيح من غير وجه تسمية غير عليّ صدّيقاً، كتسمية أبي بكر الصّدّيق، فكيف يُقال: الصّدّيقون ثلاثة؟.
وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صعد أُحُداً، وتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرَجَف بهم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اثبت أُحدُ فما عليك إلا نبيّ وصدّيق وشهيدان". ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس(273). وفي رواية "ارتج بهم أحد"(274).
وفي الصحيح عن ابن مسعود عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرّ، والبرّ يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذَّاباً"(275).
الوجه الرابع: أن الله تعالى قد سمَّى مريم صدِّيقة، فكيف يقال: الصديقون ثلاثة؟!
الوجه الخامس: أن قول القائل: الصديقون ثلاثة، إن أرَاد به أنه لا صدّيق إلا هؤلاء، فإنه كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإن أراد أن الكامل في الصّدِّيقية هم الثلاثة، فهو أيضاً خطأ، لأن أمتنا خير أمة أخرجت للناس، فكيف يكون المصدِّق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدِّقين بمحمد؟!
والله تعالى لم يسمّ مؤمن آل فرعون صدِّيقاً، ولا يُسمَّى صاحب آل ياسين صدِّيقاً، ولكنهم صدِّقوا بالرسل. والمصدِّقون بمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل منهم.
وقد سمّى الله الأنبياء صدّيقين في مثل قوله: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا } [مريم: 41]، { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا } [مريم: 56] وقوله عن يوسف: { أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } [يوسف:46].(1/151)
الوجه السادس: أن الله تعالى قال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ } [الحديد: 19]. وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمنَ بالله ورسله فهو صدّيق.
السابع: أن يُقال: إن كان الصّدّيق هو الذي يستحق الإمامة، فأحق الناس بكون صدِّيقاً أبو بكر؛ فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة، وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام، حتى أن أعداء الإسلام يعرفون ذلك، فيكون هو المستحق للإمامة. وإن لم يكن كونه صدِّيقاً يستلزم الإمامة بطلت الحجة.
الفصل السابع والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة الإنفاق بالليل والنهار والسر والعلانية دون غيره
قال الرافضي: "البرهان السابع والعشرون: قوله تعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } [البقرة: 274].
من طريق أبي نُعيم بإسناده إلى ابن عباس نزلت في عليّ، كان معه أربعة دراهم، فأنفق درهماً بالليل، ودرهماً بالنهار، ودرهماً سرّاً، ودرهماً علانية، وروى الثعلبي ذلك. ولم يحصل ذلك لغيره، فيكون أفضل. فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. ورواية أبي نُعيم والثعلبي لا تدل على الصحة.
الثاني: أن هذا كذب ليس بثابت(276).
الثالث: أن الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سرّاً وعلانية، فمن عمل بها دخل فيها، سواء كان عليّاً أو غيره، ويمتنع أن لا يُراد بها إلا واحدٌ معيّنٌ.(1/152)
الرابع: أن ما ذُكر من الحديث يناقض مدلول الآية؛ فإن الآية تدل على الإنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما، وفي الحالين اللذين لا يخلو الفعل منهما. فالفعل لابد له من زمان، والزمان إما ليل وإما نهار. والفعل إما سرّاً وإما علانية. فالرجل إذا أنفق بالليل سرّاً، كان قد أنفق ليلاً سرّاً. وإذا أنفق علانية نهاراً، كان قد أنفق علانية نهاراً. وليس الإنفاق سرّاً وعلانية خارجاً عن الإنفاق بالليل والنهار. فمن قال: إن المراد من أنفق درهماً في السر، ودرهماً في العلانية، ودرهماً بالليل، ودرهما بالنهار - كان جاهلاً، فإن الذي أنفقه سرّاً وعلانية قد أنفقه ليلاً ونهاراً، والذي قد أنفقه ليلاً ونهاراً قد أنفقه سرّاً وعلانية. فعُلم أن الدرهم الواحد يتصف بصفتين، لا يجب أن يكون المراد أربعة.
لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهال، كما يقولون: محمد رسول الله والذين معه (أبو بكر) أشدّاء على الكفار (عمر) رحماء بينهم (عثمان) تراهم ركّعاً سجّداً (عليّ) يجعلون هذه الصفات لموصوفات متعددة ويعيّنون الموصوف في هؤلاء الأربعة.
والآية صريحة في إبطال هذا وهذا، فإنها صريحة في أن هذه الصفات كلها لقوم يتصفون بها كلها، وإنهم كثيرون ليسوا واحداً، ولا ريب أن الأربعة أفضل هؤلاء، وكل من الأربعة موصوف بذلك كله، وإن كان بعض الصفات في بعض أقوى منها في آخر.
وأغرب من ذلك قول بعض جهّال المفسرين: { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وَطُورِ سِينِينَ، وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ } [التين: 1-3] إنهم الأربعة؛ فإن هذا مخالف للعقل والنقل. لكن الله أقسم بالأماكن الثلاثة التي أنزل فيها كتبه الثلاثة: التوراة والإنجيل والقرآن، وظهر منها موسى وعيسى ومحمد، كما قال في التوراة: جاء الله من طور سينا، وأشرق من ساعين، واستعلن من جبال فاران.(1/153)
فالتين والزيتون: الأرض التي بُعث فيها المسيح، وكثيراً ما تسمى الأرض بما ينبت فيها، فيقال: فلان خرج إلى الكرم إلى الزيتون وإلى الرمان، ونحو ذلك، ويُراد الأرض التي فيها ذلك، فإن الأرض تتناول ذلك، فعُبِّر عنها ببعضها.
وطور سينين حث كلّم الله موسى، وهذا البلد الأمين مكة أم القرى التي بُعث بها محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.
والجاهل بمعنى الآية، لتوهمه أن الذي أنفقه سرّاً وعلانية غير الذي أنفقه بالليل والنهار يقول: نزلت فيمن أنفق أربعة دراهم: إما عليّ وإما غيره، ولهذا قال: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } لم يعطف بالواو، فيقول: "وسرّاً وعلانية" بل هذان داخلان في الليل والنهار، سواء قيل: هما منصوبان على المصدر، لأنهما نوعان من الإنفاق. أو قيل: على الحال. فسواء قُدِّرا سرّاً وعلانية، أو مُسِرّاً ومعلنا، فتبين أن الذي كَذَب هذا كان جاهلاً بدلالة القرآن. والجهل في الرافضة ليس بمنكر.
الخامس: أنّا لو قدرنا أن عليّاً فعل ذلك، ونزلت فيه الآية، فهل هنا إلا إنفاق أربعة دراهم في أربعة أحوال؟ وهذا عمل مفتوح بابه ميسّر إلى يوم القيامة. والعاملون بهذا وأضعافه أكثر من أن يُحصوا، وما من أحدٍ فيه خير إلا ولابد أن ينفق إن شاء الله، تارة بالليل وتارة بالنهار، وتارة في السرّ وتارة في العلانية، فليس هذا من الخصائص، فلا يدل على فضيلة الإمامة.
الفصل الثامن والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه أفضلهم لأن الله عاتب أصحاب محمد في القرآن عدا علي
قال الرافضي: "البرهان الثامن والعشرون: ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال: ليس من آية في القرآن: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ } إلا وعليّ رأسها وأميرها، وشريفها وسيدها، ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن، وما ذكر عليّاً إلا بخير. وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام".(1/154)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل. وليس هذا في مسند أحمد، ولا مجرد روايته له - لو رواه - في "الفضائل" يدل على أنه صدق، فكيف ولم يروه أحمد: لا في المسند، ولا في "الفضائل" وإنما هو من زيادات القطيعي، رواه(277) عن إبراهيم عن شريك الكوفي حدثنا زكريا بن يحيى الكسائي حدثنا عيسى(278) عن عليّ بن بَذيمة، عن عكرمة، عن ابن عباس. ومثل هذا الإسناد لا يحتج به باتفاق أهل العلم؛ فإن زكريا بن يحيى الكسائي: قال فيه يحيى: "رجل سوء يحدّث بأحاديث يستأهل أن يُحفر له فيُلقى فيها". وقال الدارقطني: "متروك". وقال ابن عدي: "كان يحدّث بأحاديث في مثالب الصحابة"(279).
الثاني: أن هذا كذب على ابن عباس، والمتواتر عنه أنه كان يفضّل عليه أبا بكر وعمر، وله معايبات يعيب بها عليّاً، ويأخذ عليه في أشياء من أموره، حتى أنه لما حرق الزنادقة الذين ادّعوا فيه الإلهية قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن يعذِّب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "من بدّل دينه فاقتلوه" رواه البخاري وغيره(280)، ولما بلغ عليّاً ذلك قال: ويح أم ابن عباس.
ومن الثابت عن ابن عباس أنه كان يفتي - إذا لم يكن معه نص - بقول أبي بكر وعمر. فهذا اتّباعه لأبي بكر وعمر، وهذه معارضته لعلي.
وقد ذكر غير واحد، منهم الزبير بن بكّار مجاوبته لعليّ لما أخذ ما أخذ من مال البصرة، فأرسل إليه رسالة فيها تغليظ عليه، فأجاب عليّاً بجواب بتضمن أن ما فعلتُه دون ما فعلتَه من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك.(1/155)
الثالث: أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعليّ؛ فإن الله كثيراً ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب، كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } [الصف: 2-3]، فإن كان عليّ رأس هذه الآية، فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه.
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1]. وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة، فأرسل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً والزبير ليأتيا بالمرأة التي كان معها الكتاب، وعليٌّ كان بريئاً من ذنب حاطب، فكيف يُجعل رأس المخاطبين الملامين على هذا الذنب؟!.
وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } [النساء: 94]. وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلاً في غنيمة له، فقال: إني مسلم، فلم يصدقوه وأخذوا غنمه، فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبيت والتبيّن، ونهاهم عن تكذيب مدّعي الإسلام طمعاً في دنياه. وعليّ رضي الله عنه بريء من ذنب هؤلاء، فكيف يقال هو رأسهم؟! وأمثال هذا كثير في القرآن.
الرابع: هو ممن شمله لفظ الخطاب، وإن لم يكن هو سبب الخطاب، فلا ريب أن اللفظ شمله كما يشمل غيره. وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن.
الخامس: أن قول القائل عن بعض الصحابة؛ إنه رأس الآيات وأميرها وشريفها وسيدها، كلام لا حقيقة له. فإن أُريد أنه أول من خوطب بها، فليس كذلك؛ فإن الخطاب يتناول المخاطبين تناولاً واحداً، لا يتقدم بعضهم بما تناوله عن بعض.(1/156)
وإن قيل: إنه أول من عمل بها، فليس كذلك؛ فإن في الآيات آيات قد عمل بها من قبل عليّ، وفيها آيات لم يحتج عليّ أن يعمل بها.
وإن قيل: إن تناولها لغيره أو عمل بها مشروط به، كالإمام في الجمعة، فليس الأمر كذلك، فإن شمول الخطاب لبعضهم ليس مشروطاً بشموله لآخرين، ولا وجوب العمل على بعضهم مشروط على آخرين بوجوبه.
وإن قيل: إنه أفضل من عُني بها، فهذا يبني على كونه أفضل الناس. فإن ثبت ذلك فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الآية، وإن لم يثبت لم يجز الاستدلال بها، فكان الاستدلال بها باطلاً على التقديرين.
وغاية ما عندكم أن تذكروا أن ابن عباس كان يفضّل عليّاً، وهذا مع أنه كذب على ابن عباس، وخلاف المعلوم عنه، فول قُدِّر أنه قال ذلك - مع مخالفة جمهور الصحابة - لم يكن حجّة.
السادس: أن قول القائل: لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليّاً إلا بخير، كذب معلوم. فإنه لا يُعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن، بل ولا أنه ساء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل رُوي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبته "أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقّه، فإنه لم يسؤني يوماً قط"(281).
والثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان ينتصر لأبي بكر، وينهى الناس عن معارضته، ولم يُنقل أنه ساءه، كما نُقل ذلك عن غيره؛ فإن عليّاً لما خطب بنت أبي جهل خطب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الخطبة المعروفة(282)، وما حصل مثل هذا في حق أبي بكر قط.
وأيضاً فعليّ لم يكن يدخل مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الأمور العامة كما كان يدخل معه أبو بكر، مثل المشاورة في وريته وحروبه وإعطائه وغير ذلك، فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مثل الوزيرين شاورهما في أسرى بدر ما يصنع بهم، وشاورهما في وفد بني تميم لمن يولِّي عليهم، وشاورهما في غير ذلك من الأمور العامة يخصّهما بالشورى.(1/157)
وفي الصحيحين عن عليّ أن عمر لَمّا مات قال له "والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك؛ فإني كنت كثيراً ما أسمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، وذهبت أنا وأبو بكر وعمر".
وكان يشاور أبا بكر بأمور حروبه يخصّه، كما شاوره في قصة الإفك، كما استشار أسامة بن زيد، وكما سأل بريرة. وهذا أمر يخصه، فإنه لما اشتبه عليه أمر عائشة رضي الله عنها، وتردد هل يطلقها لما بلغه عنها أم يمسكها، صار يسأل عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها، وياشور فيها عليّاً أيمسكها أم يطلقها؟ فقال له أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وقال عليّ: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك. ومع هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها، موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم(283)، وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى، ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، حتى قالت له أم سلمة: يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبين نسائه.
وأما الأمور العامة الكلّيّة التي تعم المسلمين، إذا لم يكن فيها وحي خاص، فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر، وإن دخل غيرهما في الشورى، لكن هما الأصل في الشورى، وكان عمر تارة ينزل القرآن بموافقته فيما يراه، وتارة يتبيّن له الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه.
وأما أبو بكر فلم يُعرف أنه أَنْكَرَ عليه شيئاً(284)، ولا كان أيضاً يتقدم في شيء، اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولّي من بني تميم، حتى ارتفعت أصواتهما، فأنزل الله هذه الآية: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ } الآية [الحجرات: 2]، وليس تأذّي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في ذلك بأكثر من تأذّيه في قصة فاطمة.(1/158)
وقد قال تعالى: { وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ } [الأحزاب: 53]. وقد أنزل الله تعالى في عليّ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [النساء: 43] لَمّا صلّى فقرأ وخَلَط(285).
وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً" لما قال له ولفاطمة: "ألا تصليان"؟ فقالا: "إنما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى"(286).
الفصل التاسع والعشرون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إن عليّاً أفضل آل محمد
قال الرافضي: "البرهان التاسع والعشرون: قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56].
من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال: سألنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، فإن الله علمنا كيف نسلّم؟. قال: "قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد".
وفي صحيح مسلم: قلنا: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: "قولوا اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم". ولا شك أن عليّاً أفضل آل محمد، فيكون أولى بالإمامة".
والجواب: أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه، وأن عليّاً من آل محمد الداخلين في قوله: "اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله محمد"، ولكن ليس هذا من خصائصه؛ فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا، كالعباس وولده، والحارث بن عبد المطلب وولده، وكبنات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم زوجتي عثمان: رقية وأم كلثوم، وبنته فاطمة. وكذلك أزواجه، كما في الصحيحين عنه قوله: "اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى أزواجه وذريته" بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة، ويدخل فيه إخوة عليّ كجعفر وعقيل.(1/159)
ومعلوم أن دخول كل هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك، ولا أنه يصلح بذلك للإمامة، فضلاً عن أن يكون مختصّاً بها. ألا ترى أن عمّاراً والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن اتفق أهل السنة والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على الآل، ويدخل فيها عقيل والعبّاس وبنوه، وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق أهل السنة والشيعة، وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه، ولا تصلح امرأة للإمامة، وليست أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة، فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره، وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها.
وفي الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم" فالتابعون أفضل من القرن الثالث.
وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفضيل الأفراد على كل فرد؛ فإن القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابة، كالأشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن، وكالمختار بن أبي عبيد وأمثاله من الكذَّابين والمفترين؛ والحجّاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم والشر.
ليس عليّ أفضل أهل البيت، بل أفضل أهل البيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنه داخل في أهل البيت.
كما قال للحسن: "أما علمت أنّا أهل بيت لا نأكل الصدقة"(287) وهذا الكلام يتناول المتكلم ومن معه.
وكما قالت الملائكة: { رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ } [هود: 73] وإبراهيم فيهم.
وكما قال: "اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم"، وإبراهيم داخل فيهم.
وكما في قوله تعالى: { إِلاّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم } [القمر: 34]، فإن لوطاً دخل فيهم.
وكذلك قوله: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 33]، فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء.(1/160)
وكذلك قوله: { سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ } [الصافات: 130]، فقد دخل ياسين في السلام.
وكذلك قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهم صلِّ على آل أبي أوفى"(288) دخل في ذلك ابو أوفى.
وكذلك قوله: "لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود"(289).
وليس إذا كان عليّ أفضل أهل البيت بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يجب أن يكون أفضل الناس بعده، لأن بني هاشم أفضل من غيرهم، فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم منهم، وأما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم بعده أفضل ممن سواهم.
كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين، وكان فيهم واحد أفضل، لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعين التابعين.
بل الجملة إذا فُضِّلت على الجملة، فكان أفضلهما أفضل من الجملة الأخرى، حصل مقصود التفضيل، وما بعد ذلك فموقوف على الدليل.
بل قد يُقال: لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليل.
وفي صحيح مسلم عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم"(290). فإذا كان جملة قريش أفضل من غيرها، لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم، بل في سائر العرب وغيرهم من المؤمنين من هو أفضل من أكثر قريش، والسابقون الأوَّلون من قريش نفر معدودون، وغالبهم إنما أسلموا عام الفتح، وهم الطلقاء.
وليس كل المهاجرين من قريش، بل المهاجرون من قريش وغيرهم - كابن مسعود الهذلي، وعمران بن حصين الخزاعي، والمقداد بن الأسود الكندي - وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من أكثر بني هاشم، فالسابقون من بني هاشم: حمزة وعليّ وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس. وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، فمنهم من بني هاشم ثلاثة، وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم.(1/161)
وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت. وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون: بنو هاشم أفضل قريش، وقريش أفضل العرب، والعرب أفضل بني آدم.
وهذا هو المنقول عن أئمة السنة، كما ذكره حرب الكرماني عمَّن لقيهم، مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم.
وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك، كما ذكره القاضي أبو بكر، والقاضي أبو يعلى في "المعتمد" وغيرهما.
والأول أصحّ، فإنه قد ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيح أنه قال: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى هاشماً من قريش، واصطفاني من بني هاشم". ورُوي: "أن الله اصطفى بني إسماعيل" وهذا مبسوط في غير هذا الموضع.
الفصل الثلاثون
الرد على من روى عن ابن عباس تفسيره لمرج البحرين
قال الرافضي: "البرهان الثلاثون: قوله تعالى: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 19، 20].
من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } قال: علي وفاطمة { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ }: النبي صلَّى الله عليه وآله { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 22]: الحسن والحسين، ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة، فيكون أولى بالإمامة".
والجواب: أن هذا وأمثاله إنما يقوله من لا يعقل ما يقوله. وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن، وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن، بل هو شر من كثير منه. والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه، بل تفسير القرآن بمثل هذا أعظم القدح فيه والطعن فيه.(1/162)
ولجهّال المنتسبين إلى السنة تفاسير في الأربعة، وهي إن كانت باطلة فهي أمثل من هذا، كقولهم: الصابرين: محمد، والصادقين: أبو بكر، والقانتين: عمر، والمنفقين: عثمان، والمستغفرين بالأسحار: عليّ.
وكقوله: محمد رسول الله، والذين معه: أبو بكر، أشداء على الكفار: عمر، رحماء بينهم: عثمان، تراهم ركعاً سجّداً: عليّ.
وكقولهم: والتين: أبو بكر، والزيتون: عمر، وطور سينين: عثمان، وهذا البلد الأمين: عليّ.
وكقولهم: { وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا }: أبو بكر { وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ }: عمر، { وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ }: عثمان { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } عليّ.
فهذه التفاسير من جنس تلك التفاسير، وهي أمثل من إلحادات الرافضة كقولهم: { وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس: 12] علي، وكقولهم: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [الزخرف: 4]: إنه عليّ بن أبي طالب { وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ } [الإسراء: 60]: بنو أمية، وأمثال هذا الكلام الذي لا يقوله من يرجو لله وقاراً، ولا يقوله من يؤمن بالله وكتابه.
وكذلك قول القائل: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } [الرحمن: 19]: علي وفاطمة، { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 20] النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 22]: الحسن والحسين. وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير، وأن ابن عباس لم يقل هذا.(1/163)
وهذا من التفسير الذي في تفسير الثعلبي، وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يُعرفون، عن سفيان الثوري. وهو كذب على سفيان. قال الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري، حدثنا موسى بن محمد بن عليّ بن عبد الله، قال: قرأ أبي على أبي محمد بن الحسن بن علوية القطّان من كتابه وأنا أسمع، حدثنا بعض أصحابنا، حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم، حدثنا أبو حذيفة، عن أبيه، عن أبيه، عن سفيان الثوري في قوله: { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ } قال: فاطمة وعليّ، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين.
وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض، لا يثبت بمثله شيء.
ومما يبيّن كذب ذلك وجوه: أحدها: أن هذا في سورة الرحمن، وهي مكية بإجماع المسلمين، والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة.
الثاني: أن تسمية هذين بحرين، وهذا لؤلؤاً، وهذا مرجاناً، وجعل النكاح مرجاً - أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه، لا حقيقة ولا مجازاً، بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن، فهو كذب على اللغة(291).
الثالث: أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم، فإن كل من تزوج امرأة ووُلد لهما ولدان فهما من هذا الجنس، فليس في ذكر هذا ما يُستعظم من قدرة الله وآياته، إلا ما في نظائره من خلق الآدميين.
فلا موجب للتخصيص، وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين، فإبراهيم وإسحاق ويعقوب أفضل من عليّ.
وفي الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سُئل: أي الناس أكرم؟ فقال: "أتقاهم". فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فقال: "يوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله"(292).(1/164)
وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم، ونحن - وكل مسلم - نعلم أن آل إبراهيم أفضل من آل عليّ، لكن محمدٌ أفضل من إبراهيم. ولهذا ورد هنا سؤال مشهور، وهو أنه إذا كان محمد أفضل، فلم قيل: كما صليت على إبراهيم، والمشبَّه دون المشبَّه به.
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة: منها: أن يُقال: إن آل إبراهيم فيهم الأنبياء، ومحمد فيهم. قال ابن عباس: محمد من آل إبراهيم. فمجموع آل إبراهيم بمحمد أفضل من آل محمد، ومحمد قد دخل في الصلاة على آل إبراهيم، ثم طلبنا له من الله ولأهل بيته مثل ما صلى على آل إبراهيم، فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم، ويبقى سائر ذلك لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم، فيكون قد طُلب له من الصلاة ما جُعل للأنبياء من آل إبراهيم. والذي يأخذه الفاضل من أهل بيته دونه لا يكون مثل ما يحصل لنبي، فتعظم الصلاة عليه بهذا الاعتبار صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: إن التشبيه في الأصل لا في القدر.
الرابع: أن الله ذكر أنه مرج البحرين في آية أخرى، فقال في الفرقان: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ } [الفرقان: 53] فلو أريد بذلك عليُّ وفاطمة لكان ذلك ذمّاً لأحدهما، وهذا باطل بإجماع أهل السنة والشيعة.
الخامس: أنه قال: { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ } فلو أريد بذلك عليّ وفاطمة، لكان البرزخ الذي هو النبي صلَّى الله عليه وسلَّم - بزعمهم - أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر. وهذا بالذم أشبه منه بالمدح.
السادس: أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا، كما ذكره ابن جرير وغيره. فقال ابن عباس: بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام وقال الحسن: مرج البحرين، يعني بحر فارس والروم، بينهما برزخ: هو الجزائر(293).(1/165)
وقوله: { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } [الرحمن: 22] قال الزجّاج: إنما يخرج من البحر الملح، وإنما جمعهما لأنه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما، مثل: { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } وقال الفارسي: أراد من أحدهما فحذف المضاف. وقال ابن جرير: إنما قال منهما، لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء.
وأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان: أحدهما: أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ، واللؤلؤ: العظام. قاله الأكثرون، منهم ابن عباس وقتادة والفرّاء والضحّاك. وقال الزجاج: اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر، والمرجان صغاره. الثاني: أن اللؤلؤ الصغار، والمرجان الكبار. قاله مجاهد والسدي ومقاتل.
قال ابن عباس: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها، فما وقع فيها من المطر فهو لؤلؤ. وقال ابن جرير: حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة. وقال ابن مسعود: المرجان الخرز الأحمر.
وقال الزجّاج: المرجان أبيض شديد البياض. وحكى عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان(294).
الفصل الحادي والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بمعرفة علم الكتاب
قال الرافضي: "البرهان الحادي والثلاثون: قوله تعالى: { وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 43].
من طريق أبي نعيم عن ابن الحنفية قال: هو عليّ بن أبي طالب. وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام قال: قلت: من هذا الذي عنده علم الكتاب؟ قال: ذلك عليّ بن أبي طالب. وهذا يدل على أنه أفضل، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام وابن الحنفية.
الثاني: أنه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لهما.
الثالث: أن هذا كذب عليهما.(1/166)
الرابع: أن هذا باطل قطعاً. وذلك أن الله تعالى قال: { قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 43] ولو أُريد به عليّ لكان المراد أن محمداً يستشهد على ما قاله بابن عمه عليّ. ومعلوم أن عليّاً لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال، لم ينتفع محمد بشهادته له، ولا يكون ذلك حجة له على الناس، ولا يحصل بذلك دليل المستدل، ولا ينقاد بذلك أحد، لأنهم يقولون: من أين لعليّ ذلك؟ وإنما هو استفاد ذلك من محمد، فيكون محمد هو الشاهد لنفسه.
ومنها أن يُقال: إن هذا ابن عمه ومن أول من آمن به، فيُظن به المحاباة والمداهنة. والشاهد إن لم يكن عالماً بما يشاهد به، بريئاً من التهمة، لم يحكم بشهادته، ولم يكن حجة على المشهود عليه فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له؟!
ومعلوم أنه لو شهد له بتصديقه فيما قال أبو بكر وعمر وغيرهما كان أنفع له، لأن هؤلاء أبعد عن التهمة، ولأن هؤلاء قد يُقال: إنهم كانوا رجالاً وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهّان أشياء علموها من غير جهة محمد، بخلاف عليّ فإنه كان صغيراً، فكان الخصوم يقولون: لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له.
وأما أهل الكتاب فغذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه كانت تلك شهادة نافعة، كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له. لأن ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم.
ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبيّنا، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143].
فهذا الجاهل الذي جعل هذه فضيلة لعليّ قَدَح بها فيه وفي النبي الذي صار به عليّ من المؤمنين، وفي الأدلة الدالة على الإسلام. ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل.(1/167)
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
الخامس: أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية، كقوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ } [فصلت: 52]، { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ } [الأحقاف: 10] أفترى عليّاً هو من بني إسرائيل؟!.
وقال تعالى: { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ } [يونس: 94]، فهل كان عليّ من الذين يقرؤون الكتاب من قبله.
وقال: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم } [يوسف: 109]، { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ } [النحل: 43] فهل أهل الذكر الذين يسألونهم هل أرسل الله إليهم رجالاً هم علي بن أبي طالب؟!.
السادس: أنه لو قُدِّر أن عليّاً هو الشاهد، لم يلزم أن يكون أفضل من غيره، كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك، مثل عبد الله بن سلام وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم، ليسوا أفضل من السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، كأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وجعفر وغيرهم(295).
الفصل الثاني والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله هو أفضل من إبراهيم ومحمد صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه وسط وهما طرفان
قال الرافضي: "البرهان الثالث والثلاثون: قوله تعالى: { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } [التحريم: 8].
روى أبو نعيم مرفوعاً إلى ابن عباس قال: أول من يُكسى من حلل الجنة: إبراهيم عليه السلام بحلته من الله، ومحمد صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه صفوة الله، ثم عليّ يزف بينهما إلى الجنان، ثم قرأ ابن عباس: { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } قال: عليّ وأصحابه. وهذا يدل على أنه أفضل من غيره، فيكون هو الإمام".(1/168)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة النقل، لا سيما في مثل هذا الذي لا أصل له.
الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث(296).
الثالث: أن هذا باطل قطعاً، لأن هذا يقتضي أن يكون عليّ أفضل من إبراهيم ومحمد، لأنه وسط وهما طرفان. وأفضل الخلق إبراهيم ومحمد، فمن فَضَّل عليهما عليّاً كان أكفر من اليهود والنصارى.
الرابع: أنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم"(297). وليس فيه ذكر محمد ولا عليّ. وتقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي أنه أفضل من محمد مطلقاً، كما أن قوله: "إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فأجد موسى باطشاً بالعرش، فلا أدري هل استفاق قبلي، أم كان من الذين استثنى الله"(298)، فتجويز أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق بحال، لا يمنعنا أن نعلم أن محمّداً أفضل من موسى.
ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نُهى عن ذلك، كما نَهَى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى، وكما قال لمن قال: يا خير البريّة. قال: "ذاك إبراهيم"(299) وصح قوله: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر"(300).
وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يُتَّقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغضّ من درجته، أو دخول الهوى والفرية في ذلك، كما فعلت الرافضة والنواصب الذين يبخسون بعض الصحابة حقوقهم.(1/169)
الخامس: أن قوله تعالى: { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم: 8] وقوله: { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [الحديد: 12] نصٌّ عامٌّ في المؤمنين الذين مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وسياق الكلام يدل على عمومه، والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه.
قال ابن عباس: ليس أحد من المسلمين إلا يُعطي نوراً يوم القيامة، فأما المنافق فيُطفأ نوره يوم القيامة، والمؤمن يشفق مما يرى من إطفاء نور المنافق، فهو يقول: ربنا أتمم لنا نورنا(301)، فإن العموم في ذلك يعلم قطعاً ويقيناً، وأنه لم يرد به شخص واحد، فكيف يجوز أن يُقال: إنه عليُّ وحده، ولو أن قائلاً قال في كل ما جعلوه عليّاً إنه أبو بكر أو عمر أو عثمان أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء؟ بل يمكن ذكر شبه لمن يدعى اختصاص ذلك بأبي بكر وعمر أعظم من شبه الرافضة التي تدعي اختصاص ذلك بعليّ. وحينئذ فدخول عليّ في هذه الآية كدخول الثلاثة، بل هم أحق بالدخول فيها، فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته.
الفصل الثالث والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله هو خير البرية
قال الرافضي: "البرهان الثالث والثلاثون: قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } [البيّنة: 7].(1/170)
روى الحافظ أبو نُعيم بإسناده إلى ابن عباس لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي خصماؤك غضاباً مفحمين، وإذا كان خير البريّة، وجب أن يكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالب بصحة النقل، وإن كنّا غير مرتابين في كذب ذلك، لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند. ومجرد رواية أبي نُعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين.
الثاني: أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات.
الثالث: أن يُقال: هذا معارض بمن يقول: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب، كالخوارج وغيرهم. ويقولون: إن من تولاّه فهو كافر مرتد، فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويحتجّون على ذلك بقوله: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } [المائدة: 44]. قالوا: ومن حكَّم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما أنزل الله فيكون كافراً، ومن تولّى الكافر، فهو كافر، لقوله: { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } [المائدة: 51] وقالوا: إنه هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، فأقول: أي رب أصحابي أصحابي. فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم"(302).
قالوا: وهؤلاء هم الذين حكموا في دماء المسلمين وأموالهم بغير ما أنزل الله.
واحتجوا بقوله: "لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"(303). قالوا: والذين ضرب بعضهم رقاب بعض رجعوا بعده كفّاراً.(1/171)
فهذا وأمثاله من حجج الخوارج، وهو وإن كان باطلاً بلا ريب فحجج الرافضة أبطل منه، والخوارج أعقل وأصدق وأتبع للحق من الرافضة؛ فإنهم صادقون لا يكذبون، أهل دين ظاهراً وباطناً، لكنهم ضالون جاهلون مارقون، مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرميّة، وأما الرافضة فالجهل والهوى والكذب غالب عليهم، وكثير من أئمتهم وعامتهم زنادقة ملاحدة، ليس لهم غرض في العلم ولا في الدين، بل { إِن يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } [النجم: 23].
والمروانية الذين قاتلوا عليّاً، وإن كانوا لا يكفِّرونه، فحججهم أقوى من حجج الرافضة. وقد صنف الجاحظ كتاباً للمروانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن الرافضة نقضه، بل لا يمكن الزيدية نقضه، دع الرافضة!.
وأهل السنة والجماعة لَمّا كانوا معتدلين متوسطين صارت الشيعة تنتصر بهم فيما يقولونه في حق عليّ من الحق، ولكن أهل السنة قالوا ذلك بأدلة يثبت بها فضل الأربعة وغيرهم من الصحابة، ليس مع أهل السنة ولا غيرهم حجة تخصُّ عليّاً بالمدح وغيره بالقدح، فإن هذا ممتنع لا يُنال إلا بالكذب المحال، لا بالحق المقبول في ميدان النظر والجدال.
الوجه الرابع: أن يُقال: قوله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } [البيّنة: 7] عامّ في كلّ من اتصف بذلك، فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة؟
فإن قيل: لأن من سواهم كافر.
قيل: إن ثبت كفر من سواهم بدليل، كان ذلك مغنياً لكم عن هذا التطويل، وإن لم يثبت لم ينفعكم هذا الدليل، فإنه من جهة النقل لا يثبت، فإن أمكن إثباته بدليل منفصل، فذاك هو الذي يعتمد عليه لا هذه الآية.(1/172)
الوجه الخامس: أن يُقال: من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير شيعة عليّ أكثر مما يوالي كثيراً من الشيعة، حتى الخوارج كان يجالسهم ويفتيهم ويناظرهم. فلو اعتقد أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الشيعة فقط، وأن من سواهم كفّار، لم يعمل مثل هذا. وكذلك بنو أمية كانت معاملة ابن عباس وغيره لهم من أظهر الأشياء دليلاً على أنهم مؤمنون عنده لا كفار.
فإن قيل: نحن لا نكفّر من سوى الشيعة، لكن نقول: هم خير البرية.
قيل: الآية تدل على أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية، فإن قلتم: إن من سواهم لا يدخل في ذلك، فإما أن تقولوا: هو كافر أو تقولوا: فاسق، بحيث لا يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وإن دخل اسمهم في الإيمان، وإلا فمن كان مؤمناً ليس بفاسق فهو داخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فإن قلتم: هو فاسق.
قيل لكم: إن ثبت فسقهم كفاكم ذلك في الحجة. وإن لم يثبت لم ينفعكم ذلك في الاستدلال، وما تذكرون به فسق طائفة من الطوائف إلا وتلك الطائفة تبين لكم أنكم أَوْلى بالفسق منهم من وجوه كثيرة، وليس لكم حجة صحيحة تدفعون بها هذا.
والفسق غالب عليكم لكثرة الكذب فيكم الفواحش والظلم فإن ذلك أكثر فيكم منه في الخوارج وغيرهم من خصومكم. وأتباع بني أمية كانوا أقل ظلماً وكذباً وفواحش ممن دخل في الشيعة بكثير، وإن كان في بعض الشيعة صدق ودين وزهد، فهذا في سائر الطوائف أكثر منهم، ولو لم يكن إلا الخوارج الذين قيل فيهم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم"(304).(1/173)
الوجه السادس: أنه قال قبل ذلك: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ } [البيّنة: 6] ثم قال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } [البيّنة: 7] وهذا يبين أن هؤلاء من سوى المشركين وأهل الكتاب. وفي القرآن مواضع كثيرة ذكر فيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكلها عامة. فما الموجب لتخصيص هذه الآية دون نظائرها؟.
وإنما دعوى الرافضة - أو غيرهم - من أهل الأهواء الكفر في كثير ممن سواهم، كالخوارج وكثير من المعتزلة والجهمية، وأنهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم، كقول اليهود والنصارى: { لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 111، 112] وهذا عام في كل من عمل لله بما أمره الله، فالعمل الصالح هو المأمور به، وإسلام وجهه لله إخلاص قصده لله.
الفصل الرابع والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بمصاهرته للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: "البرهان الرابع والثلاثون: قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } [الفرقان: 54].
في تفسير الثعلبي عن ابن سيرين قال: نزلت في النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعلي بن أبي طالب: زوَّج فاطمة عليّاً، وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً، ولم يثبت لغيره ذلك، فكان أفضل، فيكون هو الإمام".
الجواب من وجوه: أولاً: المطالبة بصحة النقل.
وثانياً: أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك.(1/174)
وثالثاً: أن مجرد قول ابن سيرين الذي خالفه فيه الناس ليس بحجة.
الرابع: أن يُقال: هذه الآية في سورة الفرقان، وهي مكية. وهذا من الآيات المكية باتفاق الناس قبل أن يتزوج عليّ بفاطمة، فكيف يكون ذلك قد أُريد به عليّ وفاطمة؟!.
الخامس: أن الآية مطلقة في كل نسب وصهر(305)، لا اختصاص لها بشخص دون شخص، ولا ريب أنها تتناول مصاهرته لعليّ، كما تتناول مصاهرته لعثمان مرتين، كما تتناول مصاهرة أبي بكر وعمر للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تزوج عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر من أبويهما، وزوّج عثمان برقية وأم كلثوم بنتيه، وزوّج عليّاً بفاطمة، فالمصاهرة ثابتة بينه وبين الأربعة. ورُوى عنه أنه قال: "لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان" وحينئذ فتكون المصاهرة مشتركة بين عليّ وغيره، فليس من خصائصه، فضلاً عن أن توجب أفضليته وإمامته عليهم.
السادس: أنه لو فرض أنه أُريد بذلك مصاهرة عليّ، فمجرد المصاهرة لا تدل على أنه أفضل من غير باتفاق أهل السنة والشيعة، فإن المصاهرة ثابتة لكل من الأربعة، مع أن بعضهم أفضل من بعض، فلو كان المصاهرة توجب الأفضلية للزم التناقض.
الفصل الخامس والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة بقوله إنه اختص بأنه صدّيق معصوم دون غيره
قال الرافضي: "البرهان الخامس والثلاثون: قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: 119] أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق، وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره، فيكون هو عليّاً، إذ لا معصوم من الأربعة سواه. وفي حديث أبي نُعيم عن ابن عباس أنها نزلت في عليّ".(1/175)
والجواب من وجوه: أحدها: أن الصّدِّيق مبالغة في الصادق، فكل صدِّيق صادق وليس كل صادق صدّيقاً. وأبو بكر رضي الله عنه قد ثبت أنه صدِّيق بالأدلة الكثيرة، فيجب أن تتناوله الآية قطعاً وأن تكون معه، بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة. وإذا كنا معه مقرّين بخلافته، امتنع أن نقرَّ بأن عليّاً كان هو الإمام دونه، فالآية تدل على نقيض مطلوبهم.
الثاني: أن يُقال: عليٌّ إما أن يكون صدِّيقاً وإما أن لا يكون، فإن لم يكن صدّيقاً فأبو بكر الصّدّيق، فالكون مع الصادق الصدِّيق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصدّق. وإن كان صدِّيقاً فعمر وعثمان أيضاً صدِّيقون، وحينئذ فإذا كان الأربعة صدِّيقين، لم يكن عليٌّ مختصاً بذلك، ولا بكونه صادقاً، فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة. بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد؛ فإنهم أكثر عدداً، لا سيما وهم أكمل في الصدق.
الثالث: أن يُقال: هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لَمّا تخلف عن غزوة تبوك، وصَدَق النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في أنه لم يكن له عذر، وتاب الله عليه ببركة الصدق، وكان جماعة أشاروا عليه بأن يعتذر ويكذب، كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا. وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير، والناس متفقون عليه(306).
ومعلوم أنه لم يكن لعليّ اختصاص في هذه القصة، بل قال كعب بن مالك: "فقام إليَّ طلحة يهرول فعانقني، والله ما قام إليّ من المهاجرين غيره" فكان كعب لا ينساها لطلحة. وإذا كان كذلك بطل حملها على عليّ وحده.
الوجه الرابع: أن هذه الآية نزلت في هذه القصة، ولم يكن أحد يُقال إنه معصوم، لا عليّ ولا غيره. فعُلم أن الله أراد (مع الصادقين) ولم يشترط كونه معصوماً.
الخامس: أنه قال: (مع الصادقين) وهذه صيغة جمع، وعليٌّ واحد، فلا يكون هو المراد وحده.(1/176)
السادس: أن قوله تعالى: (مع الصادقين) إما أن يُراد: كونوا معهم في الصدق وتوابعه، فاصدقوا كما يصدق الصادقون، ولا تكونوا مع الكاذبين. كما في قوله: { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة: 43]، وقوله: { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } [النساء: 69]، وكما في قوله: { فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء: 146].
وإما أن يُراد به: كونوا مع الصادقين في كل شيء، وإن لم يتعلق بالصدق.
والثاني باطل؛ فإن الإنسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات، كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك. فإذا كان الأول هو الصحيح، فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معيّن، بل المقصود: اصدقوا ولا تكذبوا.
كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقاً. وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّاباً".
وهذا كما يُقال: كن مع المؤمنين، كن مع الأبرار. أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه، ليس المراد: أنك مأمور بطاعتهم في كل شيء.
الوجه السابع: أن يُقال: إذا أُريد: كونوا مع الصادقين مطلقاً، فذلك لأن الصدق مستلزم لسائر البرّ، كقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "عليك بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر" الحديث. وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به.(1/177)
الثامن: أن يُقال: إن الله أمرنا أن نكون مع الصادقين، ولم يقل: مع المعلوم فيهم الصدق، كما أنه قال: { وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [الطلاق: 2] لم يقل: من علمتم أنهم ذوو عدل منكم. وكما قال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [النساء: 58] لم يقل: إلى من علمتم أنهم أهلها. وكما قال: { وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ } [النساء: 58] ولم يقل: بما علمتم أنه عدل، لكن علّق الحكم بالوصف.
ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل، ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب. كما أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المأمور أن يحكم بالعدل قال: "إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحق بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له من النار"(307).
الوجه التاسع: هب أن المراد: مع المعلوم فيهم الصدق، لكن العلم كالعلم في قوله: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } [الممتحنة: 10]، والإيمان أخفى من الصدق. فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يُقال فيه ليس إلا العلم بالمعصوم، كذلك هنا يمتنع أن يُقال: لا يُعلم إلا صدق المعصوم.
الوجه العاشر: هب أن المراد: علمنا صدقه، لكن يُقال: إن أبا بكر وعمر وعثمان ونحوهم ممن عُلم صدقهم، وأنهم لا يتعمّدون الكذب، وإن جاز عليهم الخطأ أو بعض الذنوب، فإن الكذب أعظم، ولهذا تُردُّ شهادة الشاهد بالكذبة الواحدة في أحد قَوْلَي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقد رُوى في ذلك حديث مرسل.(1/178)
ونحن قد نعلم يقيناً أن هؤلاء لم يكونوا يتعمّدون الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل ولا يتعمّدون الكذب بحال. ولا نسلّم أنّا لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمّن يُعلم أنه معصوم مطلقاً، بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقّنت أنه لا يكذب، وإن كان يخطئ ويذنب ذنوباً أخرى. ولا نسلّم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمّد الكذب.
وهذا خلاف الواقع، فإن الكذب لا يتعمّده إلا من هو من شرّ الناس. وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمّد الكذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك وشُعبة ويحيى بن سعيد والثوري والشافعي وأحمد ونحوهم، لم يكونوا يتعمّدون الكذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، بل ولا على غيره، فكيف بابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وغيرهم؟!.
الوجه الحادي عشر: أنه لو قُدِّر أن المراد به: المعصوم لا نسلّم الإجماع على انتفاء العصمة من غير عليّ، كما تقدم بيان ذلك؛ فإن كثيراً من الناس الذين هم خير من الرافضة يدَّعون في شيوخهم هذا المعنى، وإن غيَّروا عبارته. وأيضاً فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته، بل إما انتفاء الجميع وإما ثبوت الجميع.
الفصل السادس والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة أنه أول من صلّى وركع مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: "البرهان السادس والثلاثون: قوله تعالى: { وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة: 43].
من طريق أبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ خاصة، وهما أول من صلّى وركع(308). وهذا يدل على فضيلته فيدل على إمامته".
الجواب من وجه: أحدها: أنّا لا نسلم صحة هذا، ولم يذكر دليلاً على صحته.
الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.(1/179)
الثالث: أن هذه الآية في سورة البقرة، وهي مدنية باتفاق المسلمين، وهي في سياق مخاطبة لبني إسرائيل، وسواء كان الخطاب لهم، أو لهم وللمؤمنين(309)، فهو خطاب أنزل بعد الهجرة، وبعد أن كثر المصلّون والراكعون، لم تنزل في أول الإسلام حتى يُقال: أنها مختصة بأول من صلّى وركع.
الرابع: أن قوله: (مع الراكعين) صيغة جمع، ولو أريد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ، لقيل: مع الرّاكِعَيْن، بالتثنية. وصيغة الجمع لا يُراد بها اثنان فقط باتفاق الناس، بل إما الثلاثة فصاعداً، وإما الاثنان فصاعداً. أما إرادة اثنين فقط فخلاف الإجماع.
الخامس: أنه قال لمريم: { اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } [آل عمران: 43] ومريم كانت قبل الإسلام، فعُلم أنه كان راكعون قبل الإسلام، فليس فيهم عليّ، فكيف لا يكون راكعون في أول الإسلام ليس فيهم عليّ وصيغة الاثنين واحدة؟!.
السادس: أن الآية مطلقة لا تخصُّ شخصاً بعينه، بل أمر الرجل المؤمن أن يصلِّي مع المصلّين. وقيل: المراد به الصلاة في الجماعة، لأن الركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع.
السابع: أنه لو كان المراد الركوع معهما لا نقطع حكمها بموتهما، فلا يكون أحدٌ مأموراً أن يركع مع الراكعين.
الثامن: أن قول القائل: عليٌّ أول من صلّى مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ممنوع. بل أكثر الناس على خلاف ذلك، وأن أبا بكر صلّى قبله.
التاسع: أنه لو كان أمراً بالركوع معه، لم يدل ذلك على أن من ركع معه يكون هو الإمام، فإن عليّاً لم يكن إماماً مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وكان يركع معه.
الفصل السابع والثلاثون
الرد على من روى عن ابن عباس حديث واجعل لي وزيراً من أهلي
قال الرافضي: "البرهان السابع والثلاثون: قوله تعالى: { وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي } [طه: 29].(1/180)
من طريق أبي نُعيم عن ابن عباس قال: أخذ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بيد عليّ وبيدي ونحن بمكة، وصلَّى أربع ركعات، ورفع يده إلى السماء، فقال: اللهم موسى بن عمران سألك، وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري، وتحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّ بن أبي طالب أخي، اشدد به أزري وأشركه في أمري. قال ابن عباس: سمعت منادياً ينادي: يا أحمد قد أوتيت ما سألت. وهذا نص في الباب".
والجواب: المطالبة بالصحة كما تقدم أولاً.
الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث(310) بل هم يعلمون أن هذا من أسمج الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
الثالث: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لَمّا كان بمكة في أكثر الأوقات لم يكن ابن عباس قد وُلد، وابن عباس ولد وبنو هاشم في الشعب محصورون، ولَمّا هاجر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن ابن عباس بلغ سن التمييز، ولا كان ممن يتوضأ ويصلّي مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات وهو لم يحتلم بعد، وكان له عند الهجرة نحو خمس سنين أو أقل منها، وهذا لا يؤمر بوضوء ولا صلاة؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع"(311) ومن يكون بهذا السن لا يعقل الصلاة، ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين، لا يحفظ بمجرد السماع.
الرابع: أنهم قد قدَّموا في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة: 55]. وحديث التّصدّق بالخاتم في الصلاة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا بهذا الدعاء. وهنا قد ذكروا أنه قد دعا بهذا الدعاء بمكة قبل تلك الواقعة بسنين متعددة، فإن تلك كانت في سورة المائدة، والمائدة من آخر القرآن نزولاً، وهذا في مكة. فإذا كان قد دعا بهذا في مكة وقد استجيب له، فأي حاجة إلى الدعاء به بعد ذلك بالمدينة بسنين متعددة؟!.(1/181)
الخامس: أنّا قد بيّنّا فيما تقدم وجوهاً متعددة في بطلان مثل هذا، فإن هذا الكلام كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من وجوه كثيرة، ولكن هنا قد زادوا فيه زيادات كثيرة لم يذكروها هناك، وهي قوله: { وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [طه: 32]، فصرَّحوا هنا بأن عليّاً كان شريكه في أمره، كما كان هارون شريك موسى، وهذا قول من يقول بنبوّته، وهذا كفر صريح، وليس هو قول الإمامية، وإنما هو من قول الغالية.
وليس الشريك في الأمر هو الخليفة من بعده، فإنهم يدّعون إمامته بعده، ومشاركته له في أمره في حياته. وهؤلاء الإمامية وإن كانوا يكفِّرون من يقول بمشاركته له في النبوة، لكنه يكثرون سوادهم في المقال والرجال بمن يعتقدون فيه الكفر والضلال، وبما يعتقدون أنه من الكفر والضلال، لفرط منابذتهم للدين، ومخالفتهم لجماعة المسلمين، وبغضهم لخيار أولياء الله المتّقين، واعتقادهم فيهم أنهم من المرتدين. فهم كما قيل في المثل: "رمتني بدائها وانسلت".
وهذا الرافضي الكذّاب يقول: "وهذا نصٌّ في الباب".
فيقال له: يا دُبَيْر هذا نص في أن عليّاً شريكه في أمره في حياته، كما كان هارون شريكاً لموسى. فهل تقول بموجب هذا النص؟ أم ترجع عن الاحتجاج بأكاذيب المفترين، وترهات إخوانك المبطلين؟!.
الفصل الثامن والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعلي بقوله إنه اختص بمؤاخاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: "البرهان الثامن والثلاثون: قوله تعالى: { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } [الحجر: 47].(1/182)
من مسند أحمد بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال: دخلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مسجده، فذكر قصة مؤاخاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال عليّ: لقد ذهبت روحي، وانقطع ظهري، حين فعلت بأصحابك، فإن كان هذا من سخط الله عليَّ، فلك العقبى والكرامة. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي بعثني بالحق نبيّاً، ما اخترتك إلا لنفسي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي، وأنت معي في قصري في الجنة، ومع ابنتي فاطمة، فأنت أخي ورفيقي. ثم تلا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: { إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }، المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض. والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة، فلما اختص عليّ بمؤاخاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الإسناد وليس هذا الحديث في مسند أحمد، ولا رواه أحمد قط لا في المسند ولا في "الفضائل" ولا ابنه. فقول هذا الرافضي: "من مسند أحمد" كذب وافتراء على المسند، وإنما هو من زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، رواه القطيعي عن(312) عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، حدثنا حسين بن محمد الذارع، حدثنا عبد المؤمن بن عباد، حدثنا يزيد بن معن، عن عبد الله بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفى(313).
وهذا الرافضي لم يذكره بتمامه فإن فيه عند قوله: وأنت أخي ووارثي. قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورَّث الأنبياء من قبلي. قال: وما ورث الأنبياء من قبلك؟ قال: كتاب الله وسنةنبيهم(314).
وهذا الإسناد مظلم انفرد به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين، ضعّفه أبو حاتم(315) عن يزيد بن معن، ولا يدري من هو، فلعله الذي اختلقه عن عبد الله بن شرحبيل، وهو مجهول، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفى.(1/183)
الوجه الثاني: أن هذا مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة.
الثالث: أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم من بعض، والأنصار بعضهم مع بعض، كلها كذب. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ عليّاً، ولا آخى بين أبي بكر وعمر، ولا بين مهاجرين ومهاجرين، لكن آخى بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وبين عليّ وسهل بن حنيف.
وكانت المؤاخاة في دور بني النّجّار، كما أخبر بذلك أنس في الحديث الصحيح، لم تكن في مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كما ذكر في الحديث الموضوع، وإنما كانت في دار كان لبعض بني النّجّار، وبناه في محلتهم. فالمؤاخاة التي أخبر بها أنس ما في الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول، قال: قلت لأنس: أبلغت أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لا حلف في الإسلام". فقال أنس: قد حالف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين قريش والأنصار في داري(316).
الرابع: أن قوله في هذا الحديث: أنت أخي ووارثي، باطل على قوله أهل السنة والشيعة، فإنه إن أراد ميراث المال بطل قولهم: إن فاطمة ورثته. وكيف يرث ابن العم مع وجود العم وهو العباس؟ وما الذي خصّه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة؟ وإن أراد: وارث العلم والولاية، بطل احتجاجهم بقوله: { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } [النمل: 16] وقوله: { فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا، يَرِثُنِي } [مريم: 5، 6]، إذ لفظ "الإرث" إذا كان محتملاً لهذا ولهذا أمكن أن أولئك الأنبياء ورثوا كما ورث عليّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأما أهل السنة فيعلمون أن ما ورَّثه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من العلم لم يختص به عليّ، بل كل من أصحابه حصل له نصيب بحسبه، وليس العلم كالمال، بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان، إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا، كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا.(1/184)
الوجه الخامس: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد أثبت الأخوة لغير عليّ، كما في الصحيحين أنه قال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". وقال له أبو بكر لما خطب ابنته: ألست أخي؟ قال: "أنا أخوك، وبنتك حلالٌ لي"(317). وفي الصحيح أنه قال في حق أبي بكر: "ولكن أخوة الإسلام".
وقال في الصحيح أيضاً: "وددت أن قد رأيت إخواني". قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "لا أنتم أصحابي ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني" يقول: أنتم لكم من الأخوة ما هو أخص منها، وهو الصحبة، وأولئك لهم أخوة بلا صحبة.
وقد قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات: 10] وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخواناً" أخرجاه في الصحيحين(318).
وقال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"(319).
وقال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه من الخير ما يحب لنفسه"(320).
وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح. وإذا كان كذلك عُلم أن مطلق المؤاخاة لا يقتضي التماثل من كل وجه، بل من بعض الوجوه.
وإذا كان كذلك فلم قيل: إن مؤاخاة عليّ لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة والأفضلية، مع أن المؤاخاة مشتركة؟ وثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحاح من غير وجه أنه قال: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله. لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدّت، إلا خوخة أبي بكر. إن أمّن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر". وفي هذا إثبات خصائص لأبي بكر لا يشركه فيها أحد غيره، وهو صريح في أنه ليس من أهل الأرض من هو أحب إليه، ولا أعلى منزلة عنده، ولا أرفع درجة، ولا أكثر اختصاصاً به من أبي بكر.(1/185)
كما في الصحيحين: قيل له: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة". قيل: من الرجال؟ قال: "أبوها". وفي الصحيحين عن عمر أنه قال: أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فهذه الأحاديث التي أجمع أهل العلم على صحتها وتلقّيها بالقبول، ولم يقدح فيها أحد من العلم تبيّن أن أبا بكر كان أحبّ إليه وأعلى عنده من جميع الناس.
وحينئذ فإن كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها، وإن كانت أعلى كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة، وإن كنا نعلم أنها كذب بدون هذه المعارضة.
لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبيّن أن أبا بكر كان أحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من عليّ، وأعلى قدراً عنده منه ومن كل من سواه، وشواهد هذا كثيرة.
وقد روى بضعة وثمانون نفساً عن عليّ أنه قال: "خيرة هذه الأمة بعد نبيّها أبو بكر ثم عمر". رواها البخاري في الصحيح عن عليّ رضي الله عنه. وهذا هو الذي يليق بعليّ رضي الله عنه فإنه من أعلم الصحابة بحق أبي بكر وعمر، وأعرفهم بمكانهما من الإسلام، وحسن تأثيرهما في الدين، حتى أنه تمنّى أن يلقى الله بمثل عمل عمر، رضي الله عنهم أجمعين.
وروى الترمذي - وغيره - مرفوعاً عن عليّ رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوَّلين والآخرين، لا تخبرهما يا علي"(321).(1/186)
وهذا الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ونحوه، لكانت باتفاق المسلمين أصح منها، فكيف إذا انضم إليها سائر الأحاديث التي لا شك في صحتها؟ مع الدلائل الكثيرة المتعددة، التي توجب علماً ضرورياً لمن علمها، أن أبا بكر كان أحب الصحابة إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأفضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم، وكل من كان بسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأحواله أعلم كان بهذا أعرف، وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة؛ فإما أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل.
وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه يعلمون هذا علماً ضرورياً. دع هذا، فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبَّادها متفقون على تقديم أبي بكر وعمر، كما قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه البيهقي بإسناده قال: "لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتقديمهما على جميع الصحابة".
وكذلك أيضاً لم يختلف علماء الإسلام في ذلك، كما هو قول مالك وأصحابه، وأبي حنيفة وأصحابه، وأحمد وأصحابه، وداود وأصحابه، والثوري وأصحابه، والليث وأصحابه، والأوزاعي وأصحابه، وإسحاق وأصحابه، وابن جرير وأصحابه، وأبي ثور وأصحابه، وكما هو قول سائر العلماء المشهورين، إلا من لا يؤبه له ولا يلتفت إليه.
وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفُتيا، إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حيّ أنه كان يفضّل عليّاً. وقيل: إن هذا كذب عليه. ولو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله الشافعي من الإجماع؛ فإن الحسن بن صالح لم يكن من التابعين ولا من الصحابة. والشافعي ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم أبي بكر، ولو قاله الحسن، فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو أكثر، لم يكن ذلك بمنكر.(1/187)
وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام، لا علم الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن، بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق، كشيوخ أهل الكتاب.
بل السابقون الأوَّلون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم عثمان، ومع هذا إنهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة، بل مع تباين آرائهم وأهوائهم وعلومهم، واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم، فأئمة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا، ثم من بعدهم، كمالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد العزيز بن الماجشون، وغيرهم من علماء المدينة.
ومالك يحكي الإجماع عمّن لقيه أنهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر وعمر. وابن جريج وابن عيينة وسعد بن سالم ومسلم بن خالد، وغيرهم من علماء مكة، وأبي حنيفة والثوري وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى، وغيرهم من فقهاء الكوفة، وهي دار الشيعة، حتى كان الثوري يقول: من قدَّم عليّاً على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل. رواه أبو داود في سننه(322).
وحماد بن زيد وحمّاد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة، وأمثالهم من علماء البصرة، والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وغيرهم من علماء الشام، والليث وعمرو بن الحارث وابن وهب، وغيرهم من علماء مصر، ثم مثل عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ومثل الشافعي وابن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأبي عبيد، ومثل البخاري وأبي داود وإبراهيم الحربي، ومثل الفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسري السقطي والجنيد وسهل بن عبد الله التستري.(1/188)
ومن لا يحصي عدده إلا الله، ممن له في الإسلام لسان صدق، كلهم يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر، كما يجزمون بإمامتهما، مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وموالاته. فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو لأبي بكر وعمر، وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ذلك من أسباب التفضيل.
الفصل التاسع والثلاثون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بأنه أمير على ذرية آدم كلهم
قال الرافضي: "البرهان التاسع والثلاثون: قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 172].
في كتاب "الفردوس"(323) لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لو يعلم الناس متى سُمّي عليُّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سُمِّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد. قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] قالت الملائكة: بلى، فقال تبارك وتعالى: أنا ربكم، ومحمد نبيّكم، وعليّ أميركم. وهو صريح في الباب".
والجواب من وجوه: أحدها: منع الصحة، والمطالبة بتقريرها. وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أن مجرد رواية صاحب "الفردوس" لا تدل على أن الحديث صحيح، فابن شيرويه الديلمي الهمذاني ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث موضوعة، وإن كان من أهل العلم والدين، ولم يكن ممن يكذب هو، لكنه نقل ما في كتب الناس، والكتب فيها الصدق والكذب، ففعل كما فعل كثير من الناس في جميع الأحاديث: إما بالأسانيد، وإما محذوفة الأسانيد.(1/189)
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث.
الثالث: أن الذي في القرآن أنه قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى } ليس فيه ذكر النبي ولا الأمير، وفيه قوله: { أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ } [الأعراف: 173]. فدل على أنه ميثاق التوحيد خاصة، ليس فيه ميثاق النبوة، فكيف ما دونها؟!
الرابع: أن الأحاديث المعروفة في هذا، التي في المسند والسنن والموطأ وكتب التفسير وغيرها، ليس فيها شيء من هذا. ولو كان ذلك مذكوراً في الأصل لم يهمله جميع الناس، وينفرد به من لا يُعرف صدقه، بل يُعرف أنه كذب.
الخامس: أن الميثاق أخذ على جميع الذرية، فيلزم أن يكون عليٌّ أميراً على الأنبياء كلهم، من نوح إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذا كلام المجانين؛ فإن أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليّاً، فكيف يكون أميراً عليهم؟!
وغاية ما يمكن أن يكون أميراً على أهل زمانه. أما الإمارة على من خُلق قبله، وعلى من يخلق بعده، فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول، ولا يستحي فيما يقول.
ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي هو أحمر من عقلاء اليهود، الذين قال الله فيهم: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } [الجمعة: 5] والعامة معذورون في قولهم: الرافضي حمار اليهودي، وذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع عقلاً وشرعاً، وأن هذا كما يُقال: خرَّ عليهم السقف من تحتهم فيُقال: لا عقل ولا قرآن.(1/190)
وكذلك كون عليّ أميراً على ذرية آدم كلهم، وإنما وُلد بعد موت آدم بألوف من السنين، وأن يكون أميراً على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في الزمان والمرتبة، وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة المتصوفة الذين يقولون إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، الذي وُجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة(324).
فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية، وكلاهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوي الباطلة، ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة.
ثم إن هذا الحمار الرافضي يقول: "وهو صريح في الباب" فهل يكون هذا حجة عند أحد من أولي الألباب؟! أو يحتج بهذا من يستحق أن يُؤهِّل للخطاب؟! فضلاً عن أن يُحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة وتضليلهم وتكفيرهم وتجهيلهم؟
ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله، وسادات أهل الأرض، خير خلق الله بعد النبيين اعتداءً يقدح في الدين، ويسلّط الكفّار والمنافقين، ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين - لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره، وهتك أستاره، والله حسيبه وحسيب أمثاله.
الفصل الأربعون
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بأنه صالح المؤمنين
قال الرافضي: "البرهان الأربعون: قوله تعالى: { فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]. أجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو عليّ.
روى أبو نُعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس، قالت: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقرأ هذه الآية: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ }: قال: صالح المؤمنين عليّ بن أبي طالب، واختصاصه بذلك يدل على أفضليته، فيكون هو الإمام. والآيات في هذا المعنى كثيرة، اقتصرنا على ما ذكرنا للاختصار".(1/191)
والجواب من وجوه: أحدها: قوله "أجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو عليّ" كذب مبين، فإنهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحدٌ من علماء التفسير، ولا علماء الحديث ونحوهم. ونحن نطالبهم بهذا النقل، ومن نقل هذا الإجماع؟
الثاني: أن يُقال: كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا. قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضّحّاك وغيرهم: هو أبو بكر وعمر. وذكر هذا جماعة من المفسرين، كابن جرير الطبري وغيره.
وقيل: هو أبو بكر، رواه مكحول عن أبي أمامة.
وقيل: عمر، قاله سعيد بن جبير ومجاهد.
وقيل: خيار المؤمنين، قاله الربيع بن أنس.
وقيل: هم الأنبياء، قال قتادة والعلاء بن زياد وسفيان.
وقيل: هو عليّ، حكاه الماوردي، ولم يسم قائله، فلعله بعض الشيعة(325).
الثالث: أن يُقال: لم يثبت هذا القول بتخصيص عليّ به عمّن قوله حجة. والحديث المذكور كذب موضوع، وهو لم يذكر دلالة على صحته. ومجرد رواية أبي نُعيم له لا تدل على الصحة.
الرابع: أن يُقال: قوله: (وصالح المؤمنين) اسم يعم كل صالح من المؤمنين، كما في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين".
الخامس: أن يُقال: إن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما أخبر أن الله مولاه، والمولى يمنع أن يُراد به الموالي عليه، فلم يبق المراد به إلا الموالي ومن المعلوم أن كل من كان صالحاً من المؤمنين كان موالياً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم قطعاً، فإنه لو لم يواله لم يكن من صالح المؤمنين، بل قد يواليه المؤمن وإن لم يكن صالحاً، لكن لا تكون موالاة كاملة. وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة؛ فإنه إذا كان صالحاً أحبَّ ما أحبه الله ورسوله، وأبغض ما أبغضه الله ورسوله، وأمر بما أمر به الله ورسوله، ونهى عما نهى الله عنه ورسوله. وهذا يتضمن الموالاة.(1/192)
وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لابن عمر: "إن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل" فما نام بعدها(326).
وقال عن أسامة بن زيد: "إنه من صالحيكم، فاستوصوا به خيراً"(327).
وأما قوله: "والآيات في هذا المعنى كثيرة" فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور، والذي ذكره خلاصة ما عندهم، وباب الكذب لا ينسد. ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب، ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وللكذّابين الويل مما يصفون.
وما ذكر وقال: "أريد به عليّ" إذا ذكر أنه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان، لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم، بل يرجح على قوله، لا سيما في مواضع كثيرة.
وإذا قال: فهذا لم يقله أحد، بخلاف قولنا.
كان الجواب من وجهين: أحدهما: أن هذا ممنوع، بل من الناس من يخصّ أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما.
الثاني: أن قول القائل: خصّ هذا بواحد من الصحابة، إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر تكون حجته من جنس حجته؛ فإنه يدل على فساد قوله. وإن كان لم يقله، فإن الإنسان إذا كذب كذبة لم يمكن مقابلتها بمثلها، ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله، ووجب: إما تصديق الاثنين، وإما كذب الاثنين.
كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز(328)، قال: دخلت على بعض الشيعة - وقد قيل: إنه عبّاد بن يعقوب(329)- فقال لي: من حفر البحر؟ فقلت: الله تعالى. فقال: تقول من حفره؟ قلت: من حفره؟ قال: عليّ بن أبي طالب. قال: من جعل فيه الماء؟ قلت: الله: قال: تقول من هو الذي جعل فيه الماء؟ قلت: من هو؟ قال: الحسن. قال: فلما أردت أن أقوم، قال: من حفر البحر؟ قلت: معاوية، قال: ومن الذي جعل فيه الماء؟ قلت: يزيد. فغضب من ذلك وقام(330).
وكان غرض القاسم أن يقول: هذا القول مثل قولك، وأنت تكره ذلك وتدفعه، وبما به يدفع ذلك يُدفع به قولك.(1/193)
وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم. كقولهم في قولهم: { فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ } [التوبة: 12] طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية. فيقابل هذا بقول الخوارج: إنهم عليّ والحسن والحسين. وكل هذا باطل، لكن الغرض أنهم يقابلون بمثل حجتهم، والدليل على فسادها يعمّ النوعين، فعُلم بطلان الجميع.
فهرس محتوى الجزء الأول
الموضوع الصفحة
تقدمة المحقق
الفصل الأول:
الرد على من قال أن عليّاً تثبت له الولاية كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله.
الفصل الثاني:
الرد على من ادّعى أن القرآن يدل على أن إمامة عليّ فيما أمر بتبليغه صلَّى الله عليه وسلَّم.
الفصل الثالث:
الرد على المدعي بأن إخبار الله بإكمال الدين وإتمام النعمة هو دليل على إمامة علي من هذا الوجه.
الفصل الرابع:
الرد على من روى عن ابن عباس حديث وقوع النجم في دار عليّ.
الفصل الخامس:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه مطهر ومعصوم.
الفصل السادس:
الرد على من ادّعى أن بيت عليّ من بيوت الأنبياء.
الفصل السابع:
الرد على من ادّعى اختصاص عليّ بالإمامة والفضيلة بقوله بوجوب موالاته ومودته.
الفصل الثامن:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقول إنه اختص عن باقي الصحابة بفضيلة الفداء.
الفصل التاسع:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه مساوٍ للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه عينه للمباهلة.
الفصل العاشر:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله هو مساوٍ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في التوسل به إلى الله تعالى.
الفصل الحادي عشر:
الرد على من روى عن ابن مسعود حديث انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ.
الفصل الثاني عشر:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إن الله خصه بالود دون سائر الصحابة.
الفصل الثالث عشر:
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ باعتماده على مقولة: بك يا عليّ يهتدي المهتدون.
الفصل الرابع عشر:(1/194)
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إن الأمة ستسأل عن ولاية عليّ وحبه.
الفصل الخامس عشر:
الرد على من روى عن أبي سعيد الخدري حديث بغض عليّ.
الفصل السادس عشر:
الرد على من قال إن فضيلة سبق عليّ إلى محمد لم تثبت لغيره من الصحابة.
الفصل السابع عشر:
الرد على من يثبت لعليّ الإمامة بدعوى أنه خص بفضيلة الإيمان والهجرة والجهاد دون غيره.
الفصل الثامن عشر:
الرد على من ادّعى أن عليّاً وحده هو الذي تصدق ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره.
الفصل التاسع عشر:
الرد على من قال إن الأنبياء بعثوا بالإقرار بولاية عليّ.
الفصل العشرون:
الرد على من أثبت لعليّ الإمامة بزعمه أنه أذن واعية دون غيره.
الفصل الحادي والعشرون:
الرد على من أثبت الإمامة لعليّ بجملة من الفضائل المأخوذة من سورة هل أتى.
الفصل الثاني والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بأنه اختص بفضيلة الصدق دون غيره.
الفصل الثالث والعشرون:
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ بقوله إنه خصّ بفضيلة تأييده للرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دون غيره من الصحابة.
الفصل الرابع والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة متابعة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم دون غيره.
الفصل الخامس والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه أفضل الصحابة لاختصاصه بفضيلة حُبِّ الله.
الفصل السادس والعشرون:
الرد على من روى عن أحمد بن حنبل حديث الصديقون ثلاثة.
الفصل السابع والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة الإنفاق بالليل والنهار والسر والعلانية دون غيره.
الفصل الثامن والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه أفضلهم لأن الله عاتب أصحاب محمد في القرآن عدا عليّ.
الفصل التاسع والعشرون:
الرد على من ادّعى الإمام لعليّ بقوله إن عليّاً أفضل آل محمد.
الفصل الثلاثون:
الرد على من روى عن ابن عباس تفسيره لمرج البحرين.(1/195)
الفصل الحادي والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بمعرفة علم الكتاب.
الفصل الثاني والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله هو أفضل من إبراهيم ومحمد صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه وسط وهما طرفان.
الفصل الثالث والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله هو خير البرية.
الفصل الرابع والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بمصاهرته للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الفصل الخامس والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمام لعليّ بأنه صدّيق معصوم دون غيره.
الفصل السادس والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بفضيلة أنه أول من صلى وركع مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الفصل السابع والثلاثون:
الرد على من روى عن ابن عباس حديث واجعل لي وزيراً من أهلي.
الفصل الثامن والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بمؤاخاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الفصل التاسع والثلاثون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بأنه أمير على ذرية آدم كلهم.
الفصل الأربعون:
الرد على من ادّعى الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بأنه صالح المؤمنين.
تم الجزء الأول ولله الحمد.
(1) الأصول من الكافي للكليني ج2 ص18 .
(2) المصدر السابق.
(3) الأصول من الكافي للكليني ج2 ص18 .
(4) أمالي الصدوق 154، بحار الأنوار 27 ص167 .
(5) أمالي الصدوق 154، بحار الأنوار ج27، ص167 .
(6) بحار النوار 27/177-178 .
(7) بحار الأنوار 27/180 .
(8) انظر كتابنا "الشيعة وصكوك الغفران".
(9) الصف : 2 .
(10) في المصحف الشريف: فآمنوا بالله.
(11) التغابن : 8 .
(12) المنافقون : 3 .
(13) الملك : 22 .
(14) الحاقة: 40-52 .
(15) الجن : 21-23 .
(16) المزمل : 10-11 .
(17) الإنسان : 29 .
(18) الإنسان : 31 .
(19) الإنسان : 31 .
(20) البقرة : 56 .
(21) المرسلات : 16 ، 17 .(1/196)
(22) المرسلات : 18 .
(23) المرسلات : 41 .
(24) النبأ : 38 .
(25) المطففين : 7 .
(26) الأصول من الكافي للكليني 1/432-435، بحار الأنوار للمجلسي ج24 ص336-340 .
(27) مسألة الإمامة والوضع في الحديث عند الفرق الإسلامية، لأستاذنا الدكتور محسن عبد الناظر ص193-194.
(28) لم أجد هذه الرواية في المصادر التي بين يدي رغم البحث والتنقيب، ولكن ذكر الحاكم في المستدرك ج3 ص129 بلفظ مقارب من طريق أبي جعفر بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو آخذ بضبع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: "هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله" ثم مدّ بها صوته. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وتعقبه الذهبي بقوله: قلت بل والله موضوع وأحمد كذاب، فما أجهلك على سعة معرفتك.
وذكره الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - في (تاريخ بغداد) (ج4 ص129) وقال: ولم يروه عن عبد الرزاق غير أحمد بن عبد الله هذا، وهو أنكر ما حفظ عليه والله أعلم.
وأيضاً ذكر البغدادي (2/377) بزيادة في آخره: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد البيت فليأت الباب.
وقال الحافظ بن عدي في (الكامل) (1/195) عن أحمد بن عبد الله: كان بسرّ من رأى يضع الحديث. وقال أيضاً على الزيادة التي ذكرها الخطيب: وهذا حديث منكر موضوع لا أعلم رواه عن عبد الرزاق إلا أحمد بن عبد الله المؤدب هذا.
وانظر ترجمته في: لسان الميزان لابن حجر (1/197)، ميزان الاعتدال (1/109)، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للعلامة الألباني (1/360).(1/197)
ومن تدليس بعض الروافض أمثال المرعشي النجفي الملقب بآية الله العظمى - وهو من المعاصرين في إيران الخميني - في تعليقه على (إحقاق الحق) (4/235) ذكر هذه الرواية ثم ذكر جملة من رواه الخطيب البغدادي والذهبي وابن حجر رحمهم الله تعالى دون أن يذكر كلامهم حول هذه الرواية بأنها موضوعة، ليوهم القراء بتصحيح أولئك الأعلام لهذه الرواية المكذوبة، والأمثلة على ذلك كثيرة لو أننا تتبعنا تدليسهم وكذبهم على أعلام المسلمين. ولذا فإنني أنصح كافة القراء الكرام بأن لا يثقوا في نقولات الرافضة عن كتب أهل السنة، ويجب الرجوع إلى المصادر التي ذكروها والوقوف على كلام العلماء حول ذلك، ونتيجة خبرتي المتواضعة مع كتب الرافضة رأيت أنهم ينقلون من كتب أهل السنة ما يوافق عقيدتهم ويحذفون ما ينسف ما استشهدوا به على طريقة (فويل للمصلين) (م).
(29) في كتابه "مناقب الإمام علي" ص311-314. (م).
(30) في كتابه "مناقب الإمام علي" ص311-314. (م).
(31) ذكر الطبري في تفسيره (ط. المعارف) 10/425-426 خمسة آثار فيها أن المقصود بالآية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي الأرقام. 12210-12214 ففي الأثر الأول جاء عن السدي أنه قال: هؤلاء جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتمه. وفي الآثار الثلاثة التالية أن الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب وأنه من الذين آمنوا.
وعلق الأستاذ محمود شاكر على الأثر 12213 وبيّن ضعف اثنين من رواته، وكذلك الأثر التالي 12214 ذكر عن أحد رواته وهو غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري ما يلي: "منكر الحديث متروك مترجم في لسان الميزان والكبير للبخاري 4/1/101 وابن أبي حاتم 3/2/48".(1/198)
ثم قال الأستاذ محمود: "هذا وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: {وهم راكعون} وفي بيان معناها في هذا الموضع مع الشبهة الواردة فيه، لأنه كان يجب أن يعود إليه فيزيد فيه بياناً، ولكنه غفل عنه بعد".
ونقل الأستاذ محمود بعد ذلك كلاماً لابن كثير في تفسير هذه الآية قال فيه: "وأما قوله: {وهم راكعون} فقد توهم بعض الناس أن هذه في موضع الحال من قوله: {ويؤتون الزكاة} أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء، ممن نعلمه من أئمة الفتوى. وحتى أن بعضهم ذكر هذا أثراً على عليّ بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه..." ثم ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
ثم قال الأستاذ محمود شاكر: "وهذه الاثار جميعاً لا تقوم بها حجة في الدين، وقد تكلّم الأئمة في موقع هذه الجملة وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله {وهم راكعون} يعني به: وهم خاضعون لربهم متذللون له بالطاعة... إلخ".
وانظر كلام ابن كثير عن الآثار التي تذكر أن الآية نزلت في عليّ رضي الله عنه وتضعيفه لها.
(32) هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المقرئ المفسر الواعظ الأديب اللغوي، صاحب كتاب "عرائس المجالس" في قصص الأنبياء وهو مطبوع، و"الكشف والبيان في تفسير القرآن" وهو مخطوط، وقد توفي الثعلبي سنة 427هـ.
وانظر ترجمته في: ابن خلكان (1/61-62)، إنباء الرواة (1/119-120)، بغية الوعاة (ص154)، معجم الأدباء (5/36-39)، اللباب لابن الأثير (1/194)، طبقات المفسرين للداودي (1/65-66)، الأعلام للزركلي (1/205-206)، معجم المؤلفين (2/60).(1/199)
وذكر بروكلمان في مقالته عن الثعلبي في "دائرة المعارف الإسلامية" عن تفسير الثعلبي: وقد نقده ابن الجوزي فيما رواه ابن تغري بُردي لأنه أخذ فيه بالروايات الضعيفة وخاصة في السور الأولى. وانظر: البداية والنهاية (12/40) حيث يقول ابن كثير: وكان كثير الحديث واسع السماع، ولهذا يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير.
(33) هو أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عليّ الواحدي، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/340-341): صنف التفاسير الثلاثة: "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز". وبتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه. ولأبي الحسن كتاب "أسباب النزول" و"كتاب التحبير في الأسماء الحسنى" و"شرح ديوان المتنبي". وكان طويل الباع في العربي واللغات... وقيل: كان منطلق اللسان في جماعة من العلماء ما لا ينبغي.
وقال عنه ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (4/104): كان أوحد عصره في التفسير. كان إماماً عالماً بارعاً محدثاً...
وانظر ترجمته في: معجم الأدباء (12/257)، الكامل لابن الأثير (10/101)، وفيات الأعيان (3/303)، البداية والنهاية لابن كثير (12/114)، طبقات المفسرين للسيوطي (23)، طبقات المفسرين للداودي (1/387)، شذرات الذهب (3/330). (م).(1/200)
(34) هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (19/439): الشيخ الإمم، العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام، محيي السنة.وقال ص441: وكان سيداً إماماً، عالماً علامة، زاهداً قانعاً باليسير، كان يأكل الخبز وحده، فعذل في ذلك، فصار يتأدم بزيت، وكان أبوه يعمل الفراء ويبيعها، بورك له في تصانيفه، ورزق فيها القبول التام، لحسن قصده، وصدق نيته، وتنافس العلماء في تحصيلها، وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة، وكان مقتصداً في لباسه، له ثوب خام، وعمامة صغيرة على منهاج السلف حالاً وعقداً، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه رحمه الله.
وانظر ترجمته والكلام على تفسيره: وفيات الأعيان (2/136)، تذكرة الحافظ (4/1257)، الوافي بالوفيات (13/26)، البداية والنهاية (12/193)، النجوم الزاهرة (5/223)، طبقات المفسرين للسيوطي (12)، مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية (9)، التفسير والمفسرون للدكتور محمد حسين الذهبي (1/234)، المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات للشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي (1/169). (م).
(35) هو الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد ابن يزيد القرطبي، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/286): وأدخل جزيرة الأندلس علماً جماً، وبه وبمحمد بن وضاح صارت تلك الناحية دار حديث، وعدة مشيخته الذين حمل عنهم مئتان وأربعة وثمانون رجلاً... وكان إماماً مجتهداً صالحاً، ربانياً صادقاً مخلصاً، رأساً في العلم والعمل، عديم المثل، منقطع القرين، يفتي بالأثر، ولا يقلّد أحداً. وقد تفقه بإفريقية على سحنون بن سعيد.
وانظر ترجمته في: معجم الأدباء (7/75)، تذكرة الحفاظ (2/629)، البداية والنهاية (11/56)، النجوم الزاهرة (3/75)، شذرات الذهب (2/169). (م).
(36) هو الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، ولد سنة 240هـ، وتوفي رحمه الله تعالى 327هـ.(1/201)
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (3/829)، مقدمة الجرح والتعديل للعلامة اليماني رحم الله تعالى الجميع. (م).
(37) هو العلامة الفقيه أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، ولد سنة 242هـ.
وانظر ترجمته: وفيات الأعيان (4/207)، سير أعلام النبلاء (14/490)، الوافي بالوفيات (1/336)، اللباب لابن الأثير (3/183)، تذكرة الحفاظ (3/782)، طبقات الشافعية للسبكي (3/102)، طبقات المفسرين للسيوطي (91)، شذرات الذهب (2/280)، الأعلام للزركلي (6/184). (م).
(38) هو الإمام الفقيه الحافظ، محدّث الشام أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون الدمشقي. ولد سنة 170هـ. أثنى عليه كثير من الأئمة أمثال: ابن أبي حاتم، النسائي، الحاكم، الخطيب البغدادي، وابن حنبل، والدارقطني وغيرهم من أعلام هذه الأمة.
وانظر ترجمته في: التاريخ الكبير للبخاري (5/256)، التاريخ الصغير له أيضاً (2/382)، تاريخ بغداد (10/265)، البداية والنهاية (10/346)، تهذيب التهذيب (6/131)، شذرات الذهب (2/108) (م).
(39) هو الإمام الكبير سيّد الحفاظ أبو يعقوب إسحاق بن راهويه، ولد سنة 261هـ أشهر من أن يعرّف به. سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى فقال: مثل إسحاق يسأل عنه؟ إسحاق عندنا إمام. وقال أيضاً: لا أعرف لإسحاق في الدنيا نظيراً. وقال الإمام النسائي: ابن راهويه أحد الأئمة، ثقة مأمون. سمعت سعيد بن ذؤيب يقول: ما أعلم على وجه الأرض مثل إسحاق. وقال الإمام الحافظ المتقن ابن خزيمة: والله لو كان إسحاق في التابعين، لأقرّوا له بحفظه وعلمه وفقهه.
وانظر ترجمته في: تاريخ بغداد (6/345)، سير أعلام النبلاء (11/358)، التاريخ الكبير (1/379)، التاريخ الصغير (1/368)، وفيات الأعيان (1/199)، تذكرة الحفاظ (2/433)، الوافي بالوفيات (8/386)، البداية والنهاية (10/317)، تهذيب التهذيب (1/216)، النجوم الزاهرة (2/290)، شذرات الذهب (2/89). (م).(1/202)
(40) هو الإمام الحافظ أبو محمد عبد بن حميد بن نصر، أثنى عليه علماء هذه الأمة، من أشهر مصنفاته (المنتخب)، وقد طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق الشيخ الفاضل مصطفى العدوي.
و(المنتخب) موضع عناية ودراسة كثير من العلماء حتى أن الذهبي رحمه الله تعالى قال فيه: وقد وقع لنا المنتخب عالياً، ثم لصغار أولادنا.
انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (12/235)، تذكرة الحفاظ (2/534)، البداية والنهاية (11/4)، تهذيب التهذيب (6/455)، شذرات الذهب (1/120). (م).
(41) هو أبو بكر عبد الرزاق بن همّام بن نافع الحميري الصنعاني، روى عن عبيد الله بن عمر قليلاً وعن ابن جُريج والأوزاعي والثوري، وروى عنه أحمد وإسحاق وابن معين وغيرهم. قال أحمد: ... نقموا عليه التشيع، وما كان يغلو فيه، بل يحبّ عليّاً رضي الله عنه، ويبغض من قاتله. قال ابن سعد: مات في نصف شوال سنة 211 وعاش خمساً وثمانين سنة.
انظر ترجمته في: طبقات المفسرين للداودي (1/296)، شذرات الذهب (2/27)، ميزان الاعتدال (2/609-614).
(42) هو أبو الحسن - أو أبو محمد - علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجُلاّبي الشافعي الواسطي ثم البغدادي الشهير بابن المغازلي المتوفي سنة 483. ولد ببلدة واسط ثم انتقل في أواخر عمره إلى بغداد، كان شافعياً في الفقه وأشعرياً في أصول الدين، وسمي بابن المغازلي لأن أحد أسلافه كان نزيلاً بمحلة المغازليين في واسط. ذكر السمعاني في الأنساب أن من مؤلفاته "ذيل تاريخ واسط" وقال إنه غرق ببغداد سنة 483 وحمل ميتاً إلى واسط ودفن بها.
ولم أجد له ترجمة إلا في: الأنساب للسمعاني (ص146) (ط. مرجليوث) 3/446 (ط. حيدر آباد 1383/1963)، تاج العروس للزبيدي (1/186). تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر (1/380) (ط. 1383/1964)، مقدمة كتاب مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب لابن المغازي (ص3-29) تحقيق محمد باقر البهبودي، نشر دار الأضواء، بيروت 1403/1983 .(1/203)
(43) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/36 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه) ونصه: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر" قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟".
والحديث في المسند (ط. المعارف) 13/183 وصحح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الحديث وخالف تضعيف البوصيري له في زوائده، وصححه الألباني أيضاً في صحيح الجامع الصغير (5/190). الحديث أيضاً في المسند (ط. المعارف) 16/320-321 مطولاً.
(44) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 1/96 (كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد) وأوله: خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: "إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده.... الحديث.
وهو في: البخاري 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب مناقب المهاجرين، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر)، مسلم 4/1854-1855 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر..)، سنن الترمذي 5/278 (كتاب المناقب: باب مناقب أبي بكر الصديق) والحديث فيه عن عائشة. وقال الترمذي "وفي الباب عن أبي سعيد". المسند (ط. الحلبي) 3/18 وفي فتح الباري (7/14).
والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ولا يشترط علوها، وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب.
(45) الحدث - مع اختلاف في الألفاظ - عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/289 (كتاب المناقب، باب مناقب عثمان بن عفان) وأوله: جاء عثمان إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بألف دينار. الحديث وفيه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "ما ضر عثمان ما عَمِلَ بعد اليوم" مرتين. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 5/63 .(1/204)
وجاء حديث آخر في: سنن الترمذي 5/288-289 (الباب والكتاب السابقان) عن عبد الرحمن بن خباب وفيه أنَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم حث جيش العمرة على العطاء فقال عثمان: يا رسول الله عليّ مائة بعير.. ثم قدم عثمان مائتي بعير ثم ثلاثمائة بعير فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "ما على عثمان ما عَمِل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه". قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه" رجاء هذا الحديث مرتين في كتاب "فضائل الصحابة" 1/504، 505 (حديث رقم 822، 823) وقال المحقق عن كل من الحديثين: "إسناده ضعيف".
قال أبو عبد الرحمن: تطوع عثمان رضي الله عنه لجيش العسرة ثابت من عدة طرق، وقد ذكرتها في مقدمة الجزء الرابع من "سلسلة شبهات حول الصحابة والرد عليها" الخاص بذي النورين رضي الله عنه. وإن شئت الوقوف على الكتب التي ذكرت هذه الروايات، انظر: موسوعة أطراف الحديث النبوي لأبي هاجر محمد السعيد (9/161 و172).
(46) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: البخاري 5/8 (كتاب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لو كنت متخذاً خليلاً)، مسلم 4/1967-1968 (كتاب فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة..)، سنن أبي داود 4/297-298 (كتاب السنة، باب في النهي عن سباب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم)، سنن الترمذي 5/357-358 (كتاب المناقب، باب في سب أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم)، المسند (ط. الحلبي) 3/11، 54، 63-64، سنن ابن ماجه 1/57 (المقدمة، باب فضل أهل بدر).
وفي اللسان: "المد ضرب من المكاييل وهو ربع صاع، وهو قدر مد النبي صلّى الله عليه وسلّم، والصاع خمسة أرطا، وقال النووي (شرح مسلم 16/93): "وقال أهل اللغة: النصيف النصف... ومعناه: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مُدّاً ولا نصف مُدّ".(1/205)
(47) في سيرة ابن هشام (3/106): "فلما انتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: "اغسلي عن هذا دمه يا بنيّة، فوالله لقد صدقني اليوم" وناولها علي بن أبي طالب سيفه، فقال: وهذا أيضاً فاغسلي عنه دمه، فوالله لقد صدقني اليوم، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "لئن كنت صدقت القتال لقد صدق معك سهل بن حنيف وأبو دجانة". وذكر ابن كثير في البداية والنهاية (4/47) روايات أخرى منها: "لئن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح والحارث بن صمة وسهل بن حنيف".
(48) الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: البخاري 5/35 (كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه) ونصه: "اهتز عرش الرحمن (أو: العرش) لموت سعد بن معاذ". والحديث عن جابر وأنس بن مالك رضي الله عنهما في: مسلم 4/1915-1916 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل سعد بن معاذ رضي الله عنه)؛ سنن الترمذي 5/353 (كتاب المناقب، باب مناقب سعد بن معاذ..) وقال الترمذي: "وفي الباب عن أسيد بن حضير وأبي سعيد رُميثة". والحديث في سنن ابن ماجه ومسند أحمد.
(49) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: البخاري 1/96 (كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد) وأوله: خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده... الحديث، وهو في البخاري 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، باب مناقب المهاجرين، باب قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر)، مسلم 4/1854-1855 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر...)، سنن الترمذي 5/278 ) كتاب المناقب: باب مناقب أبي بكر الصديق)، والحديث فيه عن عائشة. وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي سعيد" المسند (ط. الحلبي) 3/18.
(50) هذا جزء من حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه وسيرد الحديث كاملاً فيما بعد انظر ص182.(1/206)
(51) هو عطية بن سعد العوفين قال عنه ابن حبان في "المجروحين" ج2 ص176: كنيته أبو الحسن من أهل الكوفة، يروي عن أبي سعيد الخردي. روى عنه فراس بن يحيى وفضيل بن مرزوق. سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله بكذا فيحفظه وكنّاه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدّثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد به الكلبي. فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.
وانظر ترجمة العوفي في:
تهذيب التهذيب ج7 ص224 ترجمة رقم 413، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ج2 ص180 ترجمة رقم 2321، سؤالات أبي عبيد الآجري ص105 ترجمة رقم 24، ميزان الاعتدال ج3 ص79 ترجمة رقم 5667، الضعفاء الكبير للعقليل ج3 ص359 ترجمة رقم 1392. (م).
(52) في "لسان العرب": "الضّبْعُ، بسكون الباء: وسط العَضُد بلحمه يكون للإنسان وغيره. وقيل: العَضُدَ كلها، وقيل: الإبط.. وقيل: ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه، تقول: أخذ بضبعيه، أي بعضديه".
(53) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، قال عنه الخطيب البغدادي في تاريخه (2/201): وكان عالماً بحروف القرآن، حافظاً للتفسير، صنّف فيه كتاباً سمّاه "شفاء الصدور"، وله تصانيف في القراءات وغيرها من العلوم.
وقال أيضاً (2/202) : في حديثه مناكير بأسانيد مشهورة.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (15/576) : قد اعتمد الدّاني في "التيسير" على رواياته للقراءات. فالله أعلم، فإن قلبي لا يسكن إليه، وهو عندي متهم، عفا الله عنه.
وانظر ترجمته في:
وفيات الأعيان (4/298)، تذكرة الحفاظ (3/908)، ميزان الاعتدال (3/520)، الوافي بالوفيات (2/345)، البداية والنهاية (11/242)، لسان الميزان (5/132)، شذرات الذهب (3/8). (م).(1/207)
(54) قال الذهبي في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني (أحمد بن عبد الله الحافظ) في "ميزان الاعتدال 1/111: "قال الخطيب: رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يطلق في الإجازة أخبرنا - ولا يبين. قلت: هذا مذهب رآه أبو نعيم وغيره وهو ضرب من التدليس. وكلام ابن منده في أبي نعيم فظيع لا أحب حكايته، ولا أقبل قول كل منهما في الآخر؛ بل هما عندي مقبولان، ولا أعلم لهما ذنباً أكثر من روايتهما الموضوعات ساكتين عنها". وانظر: لسان الميزان (1/201-202).
(55) ذكر ابن الجوزي هذا الحديث الموضوع - وهو جزء من حديث طويل منسوب إلى أبي هريرة - في الموضوعات (2/109-110) وقال: "موضوع ورجاله ثقات والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه وركبه على هذا الإسناد" وذكره السيوطي في "الجامع الصغير" ونسبه إلى أبي سعيد وضعفه الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" 6/256.
قال أبو عبد الرحمن: رحم الله تعالى المحقق وغفر له، فإن ابن الجوزي رحمه الله تعالى ذكر هذا الحديث الموضوع في كتابه الموضوعات، ولكن ليس في الموضع الذي ذكره المحقق رحمه الله تعالى، حيث إن ابن الجوزي ذكره في ج2 ص200-201 ولم يقل: موضوع ورجاله ثقات... وإنما قال: هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه.
ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي وأتى فيه المستحيل...
والمحقق رحمه الله تعالى اعتمد على نقل ابن عراق في "تنزيه الشريعة" ج2 ص105، حيث ذكر ابن عراق قول ابن الجوزي الذي نقله المحقق رحمة الله تعالى على الجميع.
وهذا الحديث الموضوع ذكره ابن حجر في لسان الميزان ج5 ص302 والشوكاني في "الفوائد المجموعة" 96-97.(1/208)
(56) الحديث بلفظ "الأئمة من قريش" ذكره الألباني في "إرواء الغليل" 2/298-301 (حديث رقم 520) وقال: صحيح، ورد من حديث جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وعليّ بن أبي طالب وأبو برزة الأسلمي" ثم تكلم على طرقه المختلفة. والحديث عن أنس رضي الله عنه مطولاً في المسند (ط. الحلبي) 3/129 وأوله: "الأئمة من قريش، ولهم عليكم حق ولكم مثل ذلك.. الحديث" وقال السيوطي عنه: "حم = مسند أحمد، ن = سنن النسائي، الضياء المقدسي" وصححه الألباني، وقال في "إرواء الغليل" إن الطيالسي أخرجه في مسنده وابن عساكر وأبو نعيم في "الحلية" والبيهقي في سننه.. إلخ.
وأما حديث عليّ رضي الله عنه فأوله: "الأئمة من قريش، أبرارها أمراء أبرارها وفجارها أمراء فجارها... الحديث. وقال السيوطي إن البيهقي والحاكم أخرجاه، وذكر الألباني أنه في "المستدرك" 4/75-76 وفي المعجم الصغير للطبراني (ص85) وفي "مجمع الزوائد" 5/192 وفي غير ذلك، وهو صحيح عند الألباني أيضاً. وحديث أبي برزة في المسند (ط. الحلبي) 4/421، 424، وذكره الألباني في "السنة" لابن أبي عاصم (رقم 9، 10، 1029).
(57) الحديث في سنن أبي داود 4/293 (كتاب السنة، باب في الخلفاء)، سنن الترمذي 3/341 (كتاب الفتن، باب ما جاء في الخلافة) وقال الترمذي: (هذا حديث حسن قد رواه غير واحد عن سعيد بن جهمان ولا نعرفه إلا من حديثه المستدرك للحاكم 3/71.
وتكلم الأستاذ محب الدين الخطيب (المنتقى من منهاج الاعتدال ص57 ت2) على سند الحديث وبيّن ضعفه وأشار إلى عدم تصحيح ابن العربي له في العواصم من القواصم، ص201، القاهرة 1371، ولكن الألباني صحح الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 3/118 .
(58) انظر "العواصم من القواصم" لابن العربي (ط. دار الكتب السلفية، القاهرة، 1405هـ) ص175-182، للوقوف على حقيقة التحكيم (م).(1/209)
(59) انظر: البخاري 1/93، 4/21، مسلم 4/2235-2236 المسند (ط. المعارف) الأرقام: 6499، 6500، 6538، 6926، 6927 وصحح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله هذه الأحاديث كلها وتكلم عليها.
(60) حديث الموالاة صحيح، ولكن الزيادة: "وانصر من نصره، واخذل من خذله" لا أساس لها من الصحة، وقد تكلم العلامة الألباني حول أحاديث الموالاة وصححها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ج4 ص330-344. وقال عن تلك الزيادة: ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه. (م).
(61) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 1/14 (كتاب الإيمان، باب زيادة الإيمان ونقصانه) 6/50 (كتاب التفسير، سورة المائدة)؛ مسلم 4/2312-2313 (كتاب التفسير، حديث رقم 3، 4، 5)، سنن الترمذي 4/316 (كتاب التفسير، سورة المائدة)، سنن النسائي 8/100 (كتاب الإيمان وشرائعه، باب زيادة الإيمان)، المسند (ط. المعارف) 1/237؛ تفسير ابن كثير 3/24.
(62) كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغفر له ليس على إطلاقه، بل خالفه كثير من المحدثين في ذلك، وسيأتي الكلام مفصلاً في "الفصل الثاني" من "الباب الثاني" من هذا الكتبا. (م).
(63) الحديث بهذه الألفاظ في: المسند (ط. الحلبي) 3/350 إلا أن فيه: أحد ممن بايع.
وجاء الحديث عن أم مبشر رضي الله عنهما في: مسلم 4/1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة).
وجاء الحديث عن حفصة في:
سنن ابن ماجه 2/1431 (كتاب الزهد، باب ذكر البعث). وذكر أحمد رواية مسلم في مسنده (ط. الحلبي) 6/420. وذكر روايتين أخريين بألفاظ مقاربة أو فيهما: لا يدخل النار أحد - وفي رواية: رجل - شهد بدراً والحديبية): 3/396، 6/285، 362 .
(64) الحديث - مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 4/1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة)، المسند (ط. الحلبي) 6/326.(1/210)
(65) انظر تفسير ابن كثير للآية (ط. الشعب) 7/308-309 وقد ذكر الأحاديث الواردة في هذا الأمر. وسبق الحديث فيما مضى ص61 .
(66) الحديث في سنن أبي داود 4/300 (كتاب السنة، باب النهي عن سب أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم).
(67) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: مسلم 2/745-746 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم)، سنن أبي داود 4/300 (كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة)، المسند (ط. الحلبي) 3/32، 48 .
(68) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن المغيرة بن شعبة، وعقبة بن عامر، وثوبان، وجابر بن عبد الله، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم - رضي الله عنهم - في أربعة مواضع في: البخاري 4/85 (كتاب فرض الخمس، باب فإن لله خمسه)، 4/207 (كتاب المناقب، باب حدثني محمد بن المثنى، حدثنا معاذ باب رقم 28) 9/101 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون وهم أهل العلم) 9/136 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء}.
والحديث في: مسلم 1/137 (كتاب الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم)، 3/1523-1525 (كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين...).
وسنن أبي داود 3/8 (كتاب الجهاد، باب في دوام الجهاد) وهو عن عمران بن حصين رضي الله عنه، 4/138-139 (كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها).
وسنن الترمذي (3/342 (كتاب الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين)، والحديث في سنن ابن ماجه والدارمي ومواضع كثيرة في مسند أحمد.
(69) الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في: مسلم 3/1525 (كتاب الإمارة، باب لا تزال طائفة..). قال النوري في شرحه على مسلم 14/68؛ (.. وقال معاذ: هم بالشام، وجاء في حديث آخر: هم ببيت المقدس. وقيل: هم أهل الشام وما وراء ذلك).(1/211)
(70) قال ياقوت في "معجم البلدان": "البيرة في عدة مواضع منها بلد قرب سُمَيْساط بين حلب والثغور الرومية، وهي قلعة حصينة".
(71) قال ياقوت في "معجم البلدان": "هي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور وهي قصبة ديار مضر، بينهما وبين الرُّها يوم وبين الرقة يومان".
(72) قال ياقوت: "الرّقّة: بفتح أوله وثانيه وتشديده.. وهي مدينة مشهورة على الفرات بينها وبين حرّان ثلاثة اثام، معدودة في بلاد الجزيرة، لأنها من جانب الفرات الشرقي".
(73) قال ياقوت في "معجم البلدان": "سُمَيْسَاط: بضم أوله وفتح ثانيه ثم ياء من تحت ساكنةوسين أخرى ثم بعد الألف طاء مهملة، مدينة على شاطئ الفرات في طرف بلاد الروم على غربي الفرات".
(74) في كتابه "مناقب الإمام علي" ص266 و310 (م).
(75) 1/372-373.
…قال أبو عبد الرحمن: انظر: ميزان الاعتدال (2/45)، لسان الميزان (2/449)، اللآلئ للسيوطي (1/357-358).
(76) ذكر ابن الجوزي سياقاً طويلاً يبدأ بقوله: حدثت عن عبد الله بن الحسين.. إلخ.
(77) الموضوعات: من عجائب ربّه.
(78) هذا النجم: زيادة من "الموضوعات".
(79) الموضوعات: قال: فطلبوا...
(80) الموضوعات: وهوى إلى أهل بيته.
(81) الموضوعات: وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
(82) بعد كلامه السابق مباشرة.
(83) الموضوعات 1/273: منها أبو صالح باذام وهو كذّاب وكذلك...
(84) الموضوعات: قال المصنّف: قلت: والعجب.
(85) من تغفيل: كذا في "الموضوعات".
(86) الموضوعات: العقول.
(87) الموضوعات: ويثبت حتى يرى.
(88) الموضوعات: في زمن..
(89) بعد كلامه السابق مباشرة.
(90) بدلاً من عبارة "ورووه بإسناد غريب" ذكر في "الموضوعات" الإسناد عن حمد بن نصر بن أحمد.. إلى أن وصل إلى: "أبو الفضل نصر بن محمد بن يعقوب العطّار" ثم استمر في ذكر السند..(1/212)
(91) الموضوعات: قال حدثنا سليمان بن أحمد بن يحيى بن عثمان المصري، قال حدثنا أبو قضاعة ربيعة بن محمد الطائي، قال: حدثنا ثوبان بن إبراهيم المصري، قال: حدثنا مالك بن غسّان النهشلي، قال: حدثنا ثابت عن أنس بن مالك.
(92) الموضوعات: الخليفة.
(93) قد: ليست في "الموضوعات".
(94) الموضوعات: عليّ بن أبي طالب.
(95) الموضوعات: جماعة من الناس.
(96) الموضوعات: عليّ بن أبي طالب.
(97) الموضوعات: والنجم إذا هوى، إلى قوله: وحي يوحى.
(98) بعد كلامه السابق مباشرة.
(99) في "الموضوعات": وهذا هو الحديث المتقدم.
(100) الموضوعات: إنما سرقه.
(101) الموضوعات: فغيّروا.
(102) الموضوعات: في زمن.
(103) الموضوعات: وأبو الفضل.
(104) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في مسلم 4/1883 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم).
(105) الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها في: سنن الترمذي 5/30 (كتاب التفسير، سورة الأحزاب)، 5/328 (كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. الحلبي) 6/293، 298، 304. وهو جزء من حديث مطول عن ابن عباس في المسند (ط. المعارف) 5/25-27.
(106) الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/344 (كتاب تفسير القرآن، سورة التوبة حديث رقم 5097) ونصه: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: هو مسجدي هذا". قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وقد روي هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه.." والحديث في سنن النسائي 2/30 (كتاب المساجد، باب ذكر المسجد الذي أسس على التقوى)؛ المسند (ط. الحلبي) 3/8، 5/116، 331، 335.(1/213)
(107) الحديث عن عبد اله بن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 2/61 (كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب من أتى مسجد قباء كل سبت) ونصه: "كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشياً وراكباً، وكان عبد الله رضي الله عنه يفعله". وجاء ذلك ضمن حديث في الباب الذي قبله (باب مسجد قباء) 2/60-61. والحديث في: مسلم 2/1017 (كتاب الحج، باب فضل مسجد قباء...).
(108) ذكر الحديث السيوطي في "الجامع الصغير" بلفظ: "آل محمد كل تقي" وقال: "طس (الطبراني في الأوسط) عن أنس" وقال الألباني عنه في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته": "ضعيف جداً".
(109) الحديث عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه في: البخاري 4/146 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا موسى بن إسماعيل..) ونصه: أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "قولوا: اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد".
والحديث في مسلم 1/306 (كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد التشهد)، الموطأ 1/165 (كتاب قصر الصلاة في السفر، باب ما جاء في الصلاة على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، سنن النسائي 3/42 (كتاب السهر، باب كيف الصلاة على النبي... نوع آخر)، سنن ابن ماجه 1/293 (كتاب إقامة الصلاة، باب الصلاة على النبي).(1/214)
(110) الحديث عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في: البخاري 8/6 (كتاب الأدب، باب يَبُلُّ الرحم ببلالها) ونصه: أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جهاراً غير سر يقول: "إن آل أبي - قال عمرو (وهو عمرو بن عباس): وفي كتاب محمد بن جعفر (الذي روى عنه عمرو بن عباس) ببياض - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين". والحديث في: مسلم 1/197 (كتاب الإيمان، باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم...)؛ المسند (ط. الحلبي) 4/203.
(111) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، لكن جاء الحديث مطولاً عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في: المسند (ط. الحلبي) 5/235 ونصه.. عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن خرج معه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوصيه، ومعاذ راكب، ورسوله الله صلَّى الله عليه وسلَّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: "يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، أو لعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبر" فبكى معاذ جشعاً لفراق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: "إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا". وصحح الألباني الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 2/181-182. وقال ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث": "والجشع الجزع لفراق الإلف".(1/215)
(112) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 1/218 (كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء) ونصه.. عن أبي هريرة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنّا قد رأينا إخواننا". قالوا: أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟ فقال: "أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: "أرأيت لو أن رجلاً له خيل غرٌّ محجلة بين ظهري خيل دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرف خيله؟" قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "فإنهم يأتون غرّاً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن عن حوضي كما يذاد البعير الضال. أناديهم: ألا هلمّ، فيقال: إنهم قد بدّلوا بعدك، فأقوال: سُحقاً سًحقاً".
والحديث في سنن النسائي 1/79 (كتاب الطهارة، باب حلية الوضوء)؛ سنن ابن ماجه 2/1439-1440 (كتاب الزهد، باب ذكر الحوض)؛ الموطأ 1/28-29 (كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء)؛ المسند (ط. المعارف) 15/152، 18/56-57 وجاء الحديث في "صحيح الجامع الصغير" 6/107 وقال السيوطي إن الحديث في مسند أحمد عن أنس رضي الله عنه.
(113) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/145 (كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير)، مسلم 1/419 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبير الإحرام والقراءة)، سنن أبي داود 1/288-289 (كتاب الصلاة، باب السكتة عند الافتتاح)، سنن النسائي 1/45 (كتاب الطهارة، باب الوضوء بالثلج). والحديث في سنن ابن ماجه والدارمي ومسند أحمد.(1/216)
(114) حديث الإفك حديث طويل جاء عن عائشة رضي الله عنها. والحديث في البخاري 3/173-176 (كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً)، 5/116-120 (كتاب المغازي، باب حديث الإفك)، 6/76-77 (كتاب التفسير، سورة يوسف)، مسلم 4/2129-2138 (كتاب التوبة، باب في حديث الإفك...)، المسند (ط. الحلبي) 6/194-197.
(115) الحديث عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/52 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فضل عمّار بن ياسر)، المستدرك للحاكم 3/188 وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وقال الذهبي: "صحيح".
والحديث أيضاً في: مصنف ابن أبي شيبة 12/118. وانظر تعليق المحقق.
(116) انظر تفسير آية (36) من سورة النور في تفسير الطبري، وابن كثير، وزاد المسير، وتفسير الفخر الرازي (3/24).
(117) لم أجد هذا الحديث.
(118) الحديث مع اختلافي الألفاظ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في: البخاري 4/178-179 (كتاب المناقب، باب يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)، 6/129 (كتاب التفسير، سورة الشورى)، المسند (ط. المعارف) 3/320-321، 4/205.
(119) قال ابن الجوزي في "زاد المسير" 7/284-285: "ثم في المراد بقرابته قولان: أحدهما: عليّ وفاطمة وولداها. وقد رووه مرفوعاً إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم". وقال محقق الكتاب تعليقاً على ذلك: "قال السيوطي في "الدر" 6/7: أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه بسند ضعيف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية: { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }. قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها.(1/217)
وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "تخريج الكشاف" وقال: في سنده حسين الأشقر ضعيف ساقط. قال: وقد عارضه ما هو أولى منه؛ ففي البخاري من رواية طاووس عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلَّى الله عليه وسلَّم. فقال ابن عباس: عجِلتَ، إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة... الحديث.
(120) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن جاء الحديث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/317-318 (كتاب المناقب، باب مناقب أبي الفضل... وهو العباس بن عبد المطلب) ولفظ الحديث في الترمذي: "... أن العباس بن عبد المطلب دخل على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مغضباً وأنا عنده، فقال: "ما أغضبك؟" قال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا بغير ذلك، قال: فغضب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى احمرّ وجهه، ثم قال: "والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله" ثم قال: "يا أيها الناس من آذى عمّي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه". قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وجاء هذا الحديث في المسند (ط. المعارف) 3/206، 207، 210، (ط. الحلبي) 4/165) وجاء الحديث بألفاظ مقاربة في: سنن ابن ماجه 1/50 (المقدمة باب في فضائل أصحاب رسول الله...، فضل العباس بن عبد المطلب). وضعف الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" 6/46 حديث الترمذي وأحمد ولكن قال إن الطرف الآخر منه صحيح.
(121) الحديث بلفظ مقارب عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في: مسلم 4/1999-2000 (كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفيهم وتوادهم). وجاء الحديث عنه بألفاظ أخرى فيه وفي: البخاري 8/10 (كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم) وأوله في البخاري: ترى المؤمنين في تراحمهم والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 4/270.(1/218)
وتكلم عليه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" 3/71 (حديث رقم 1083).
(122) الحديث عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في البخاري 5/5 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لو كنت متخذاً خليلاً)، مسلم 4/1856 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر...)، سنن الترمذي 5/365 (كتاب المناقب، باب من فضل عائشة...)، المسند (ط. الحلبي) 4/203.
(123) الحديث في: البخاري 5/7 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب مناقب أبي بكر الصديق) 8/168-171 (كتاب الحدود، باب رجم الحبلى)، المسند (ط. المعارف) 1/323-327.
(124) لم أجد هذا الحديث الموضوع في كتب الحديث والسيرة، وانظر ما يلي في الصفحات التالية.
(125) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في البخاري 5/58-60 (كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المدينة).
(126) المقابلة على النص التالية مع "سيرة ابن هشام" 2/126-128.
(127) سيرة ابن هشام: جبريل عليه السلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ...
(128) سيرة ابن هشام: عتمة من الليل.
(129) ابن هشام: مكانهم قال لعلي بن أبي طالب.
(130) ابن هشام: وتسج.
(131) ابن هشام: قال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال...
(132) ابن هشام: أبو جهل بن هشام
(133) ابن هشام: جِنان كجنان...
(134) ابن هشام: ثم جُعلت...
(135) ابن هشام: وخرج عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
(136) نعم: ليست في "ابن هشام".
(137) بعد عبارة "فلا يرونه" توجد ثلاثة أسطر في "ابن هشام" اختصرها ابن تيمية.
(138) ابن هشام: إلا وقد وضع على...
(139) ابن هشام: يتطلّعون.
(140) ابن هشام: متسجياً.
(141) ابن هشام: والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا.
(142) ابن هشام (2/128): قال ابن إسحاق: وكان مما أنزل الله عزَّ وجلَّ من القرآن في ذلك اليوم، وما كانوا أجمعوا له.(1/219)
(143) ابن هشام: ذكر الآية التالية 31 من سورة الطور ثم ذكر أربعة أسطر اختصرها ابن تيمية ثم قال: قال ابن إسحاق: وأذن الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم.
(144) ابن هشام: عند ذلك في الهجرة.
(145) الترمذي 5/300 (كتاب المناقب، مناقب علي بن أبي طالب، باب 85) ونصه: عن ابن عمر قال: آخى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحابه، فجاء عليٌّ تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد: فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنت أخي في الدنيا والآخرة". قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب وفيه عن زين بن أبي أوفى". وذكر الألباني الحديث في "ضعيف الجامع الصغير" 2/14 وذكر السيوطي: "ت (الترمذي)، ك (الحاكم) عن ابن عمر" وقال الألباني: "ضعيف جداً". وذكره التبريزي في "مشكاة المصابيح" 3/243-244.
(146) الحديث في المستدرك للحاكم 3/398 وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ونسب الطبري في تفسيره هذا الكلام لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال إن الآية نزلت في صهيب، وكذا قال ابن كثير في تفسيره، ولكنه قال بعد ذلك: قال ابن مردويه وساق بسنده - وذكر خبر هجرة صهيب رضي الله عنه إلى أن قال: حتى قدمت المدينة فبلغ ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "ربح صهيب، ربح صهيب" مرتين. وانظر: "زاد المسير" لابن الجوزي.
(147) في تفسيره (ط. المعارف) 4/247-248.
(148) تفسير الطبري: ثم اختلف.
(149) انظر (4/247).
(150) تفسير الطبري: نزلت في رجال من المهاجرين بأعيانهم.
(151) تفسير الطبري: حدثني حجاج.
(152) تفسير الطبري: عن ابن جريج.
(153) بعد "عكرمة" أورد الطبري الآية.
(154) تفسير الطبري: في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري جندب بن السكن.
(155) تفسير الطبري: حتى قدم على النبي عليه السلام.(1/220)
(156) ذكر الأستاذ محمود محمد شاكر في تعليقه 4/248 (ت1): أن المطبوعة كانت محرفة إلى: منقذ بن عمير، وتكلم على قنفذ رضي الله عنه.
(157) تفسير الطبري: وخلّى.
(158) ترك ابن تيمية تسعة أسطر من تفسير الطبري بعد كلمة "سبيله".
(159) تفسير الطبري: بل عنى...
(160) تفسير الطبري: أو أمر.
(161) انظر تفسير الطبري (4/250-251).
(162) الحديث عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في : مسلم 4/1871 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه) وهو حديث طويل أوله: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ الحديث، والكلام الذي أورده ابن تيمية في آخر الحديث.
(163) في "مسلم" ذكر جزء من الآية حتى قوله "وأبناءكم" فقط.
(164) الحديث عن مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في: البخاري 4/36-37 (كتاب الجهاد، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب) ونصه: "عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم"؟
والحديث بألفاظ مقاربة في:
سنن النسائي 6/37-38 (كتاب الجهاد، باب الاستنصار بالضعيف)، المسند (ط. المعارف) 3/51 وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه: "إسناده ضعيف لانقطاعه".
وقال ابن حجر في "فتح الباري" 6/88-89 عن رواية البخاري: "ثم إن صورة هذا السياق مرسل لأن مصعباً لم يدرك زمان هذا القول، لكن هو محمول على أنه سمع ذلك من أبيه، وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيلي.... وكذا أخرجه هو والنسائي).
وجاء حديث آخر بألفاظ مقاربة عن أبي الدرداء رضي الله عنه: سنن أبي داود 3/32 (كتاب الجهاد، باب الانتصار برُذُل الخيل والضعفة)، المسند (ط. الحلبي) 5/198.
(165) الحديث بهذا اللفظ تقريباً عن البراء بن عازب رضي الله عنه في: المسند (ط. الحلبي) 4م283، 284، 297، 304.(1/221)
ووجدت حديثاً مقارباً عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 4/1808 (كتاب الفضائل، باب رحمته صلَّى الله عليه وسلَّم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك) وأوله: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. وفيه. قال عمرو: (بن سعيد وهو الراوي عن أنس): فلما توفي إبراهيم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إن إبراهيم ابني، وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تُكمِّلان رضاعه في الجنة".
مات في الثدي: أي مات وهو في سن رضاع الثدي، والظئر: هي المرضعة ولد غيرها.
والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 3/112. وجاء حديثان ضعيفان فيهما أن رضاعة إبراهيم تتم في الجنة في: سنن ابن ماجه 1/484 (كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على ابن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وذكرته وفاته).
(166) انظر "مناقب الإمام علي" ص63. (م).
(167) لم أستطع العثور على هذا الحديث الموضوع في كتاب "الموضوعات" لابن الجوزي. قال أبو عبد الرحمن: انظر: اللآلئ للسيوطي (1/210)، تنزيه الشريعة (1/295)، الفوائد المجموعة للشوكاني (394).
(168) ذكر سزكين من كتب الدارقطني المخطوطة كتاب "الفوائد الأفراد" وكتاب "الفوائد المنتقاة الغرائب الحسان". انظر: سزكين م1 ج1 ص422.
(169) النظر في هذا: زاد المسير لابن الجوزي 1/69؛ تفسير ابن كثير (ط. الشعب) 1/116.
(170) "مناقب الإمام علي" ص277. (م).
(171) لم أجد هذا الحديث الموضوع. وانظر تفسير ابن كثير للآية (1/237-242 (ط. الشعب)، وقال في تفسيره لقوله تعالى: { قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }: "ولما جعل الله إبراهيم إماماً سأل الله أن تكون الأئمة من بعده من ذريته، فأجيب إلى ذلك، وأخبر أنه سيكون من ذريته ظالمون، وأنه لا ينالهم عهد الله، ولا يكونون أئمة فلا يقتدي بهم".
وانظر: زاد المسير (1/139-141)؛ الدر المنثور للسيوطي (1/118).(1/222)
(172) لم أجد هذين الحديثين. وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" 5م266 ما قبل من أن ابن عباس قال إن الاية نزلت في عليّ ولم يعلق على ذلك.
(173) انظر تفسير ابن كثير للآية وانظر الحديث الصحيح الذي ذكره في تفسير الآية، وهو عن أبي هريرة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبه، فينادي في السماء، ثم ينزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قول الله عزَّ وجلَّ: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }" قال ابن كثير: "ورواه مسلم والترمذي، كلاهما عن عبد الله، عن قتيبة، عن الدراوردي به، وقال الترمذي: حسن صحيح.
(174) هو أبو شجاع شيروية بن شهردار بن شيروية بن فنا خسرو الديليم الهمدذاني، مؤرخ ومحدّث، ولد سنة 445 وتوفي سنة 509، له كتاب "فردوس الأخيار" كتاب كبير في الحديث، اختصره ابن شهردار ثم اختصر المختصر ابن حجر العسقلاني.
انظر ترجمته في: طبقات الشافعية (7/111-112) (وقال: وكان يلقب إنكيا)، الأعلام (3/268)، معجم المؤلفين (4/313)، كشف الظنون (1254).
(175) روى الطبري هذا الحديث الموضوع في تفسيره (ط. المعارف) 16/357 فقال: "حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري قال: حدثن معاذ بن مسلم بيّاع الهروي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت: "إنما أنت منذر ولكل قومٍ هادٍ" وضع صلَّى الله عليه وسلَّم يده على صدره، فقال: أنا المنذر "ولكل قوم هاد" وأومأ بيده إلى منكب عليّ، فقال: أنت الهادي يا عليّ، بك يهتدي المهتدون بعدي".(1/223)
قال أستاذي الأستاذ محمود محمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث الموضوع: "والحسن بن الحسين الأنصاري العرني" كأنه قيل له: "العرني" لأنه كان يكون في مسجد "حبة العرني"، كان من رؤساء الشيعة، ليس بصدوق، ولا تقوم به حجة. وقال ابن حبان: "يأتي عن الأثبات بالملزقات، ويروي المقلوبات والمناكير".
مترجم في ابن أبي حاتم (1/2/6)، وميزان الاعتدال (1/225)، ولسان الميزان (2/198).
ومعاذ بن مسلم بياع الهروي، لم يذكر بهذه الصفة "بياع الهروي" في غير التفسير، والهروي ثياب تنسب إلى هراة. وجعلها في المطبوعة: "حدثنا الهروي" فأفسد الإسناد إفساداً.
ومعاذ بن مسلم مجهول، هكذا قال ابن أبي حاتم، وهو مترجم في ابن أبي حاتم (4/1/248)، وميزان الاعتدال (3/178). وجعلها في المطبوعة: "حدثنا الهروي" فأفسد الإسناد إفساداً.
ومعاذ بن مسلم مجهول، هكذا قال ابن أبي حاتم، وهو مترجم في ابن أبي حاتم (4/1/248)، وميزان الاعتدال (3/178)، ولسان الميزان (6/55).
وهذا خبر هالك من نواحيه، وقد ذكره الذهبي وابن حجر في ترجمة "الحسن بن الحسين الأنصاري" قالا بعد أن ساقا الخبر بإسناده ولفظه، ونسبته لابن جرير أيضاً؛ "معاذ نكرة، فلعل الآفة منه"، وأقول: بل الآفة من كليهما: الحسن بن الحسين، ومعاذ بن مسلم". وانظر ما ذُكر عن هذا الحديث في "مختصر التحفة الإثني عشرية" ص157.
(176) في تفسيره (ط. المعارف) 16/353-354.
(177) تفسير الطبري ... بشر قال حدثنا.
(178) أدمج ابن تيمية السندين معاً (20138، 20139).
(179) في تفسير الطبري: قال حدثنا وكيع عن سفيان.
(180) "حدثنا يونس" هذه العبارة وما بعدها في "تفسير الطبري 16/356 وفيه: حدثني يونس.
(181) تفسير الطبري: قال أخبرنا ابن وهب.
(182) تفسير الطبري: قال ابن زيد في قوله: "ولكل قوم هاد". قال: لكل قوم نبي.
(183) تفسر الطبري: النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
(184) تفسير الطبري: أيضاً النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.(1/224)
(185) تفسير الطبري: قال.
(186) عبارة "حدثنا بشار" في تفسير الطبري قبل الكلام السابق 16/355 وفيه: حدثنا محمد بن بشار قال:..
(187) تفسير الطبري: محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.
(188) قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كلامه على هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" 1/78-79 (حديث رقم 58) إنه حديث موضوع ونقل كلام ابن عبد البر وابن حزم في هذا الصدد. وانظر الأحاديث التالية: 59، 60، 61، 62 فهي مقاربة في المعنى وكلها أحاديث موضوعة.
(189) في "مختصر التحفة الاثني عشرية": ".. وهذه الرواية واقعة في فردوس الديلمي الجامع للأحاديث الضعيفة الواهية، ومع هذا فقد وقع في سندها الضعفاء والمجاهيل الكثيرون...".
قال أبو عبد الرحمن: ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى هذه الرواية الموضوعة في ترجمة "علي بن حاتم أبو معاوية" في لسان الميزان ج4 ص211-212 ترجمة رقم 559 وقال: علي بن حاتم أبو معاوية يجهّل وأتى في أبيات أفحش فيها بمنكر من القول: قال حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: وقفوهم إنهم مسؤولون عن ولاية علي.
وأيضاً ذكر هذه الرواية الموضوعة الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" ج3 ص118 ترجمة رقم 5802.
والعجيب أن الرافضي محمد باقر المحمودي ذكر في تعليقه على الكتاب المنسوب زوراً وبهتاناً لأبي نعيم الأصبهاني والمسمى "النور المشتعل من كتاب ما نزل من القرآن في علي عليه السلام" (طبع وزارة الإرشاد بإيران 1406ه) ص199: أن هذه الرواية الموضوعة موجودة في "لسان الميزان" و "ميزان الاعتدال" ولكنه لم يذكر قول ابن حجر والذهبي حول هذه الرواية. وهذا دأب الرافضة في التدليس.(1/225)
(190) لم أجد هذا الحديث الموضوع. وقال ابن كثير في تفسيره للآية: "ولتعرفنهم في لحن القول: أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، بفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما أسر أحدٌ سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. وانظر: زاد المسير 7/411.
(191) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 5/32 (كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار)، مسلم 1/85 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار...)، المسند (ط. الحلبي) 3/130، 134، 249.
(192) الحديث عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وابن عباس رضي الله عنهم في: مسلم 1/86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار...)، سنن الترمذي 5/383 (كتاب المناقب، باب في فضل الأنصار وقريش)، المسند (ط. المعارف) 4/293، 18/114 وفي مواضع أخرى في المسند.
(193) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: مسلم 1/86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان...)، سنن الترمذي 5/306 (كتاب المناقب، باب مناقب علي)، سنن ابن ماجه 1/42 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله...، فضل علي...)، المسند (ط. المعارف) 2/57. وهو في مواضع أخرى في المسند.
(194) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/12 (كتاب الإيمان، باب علامة المنافق). 3/180 (كتاب الشهادات، باب من أمر بإنجاز الوعد)، مسلم 1/78-79 (كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق) من أربعة طرق وزاد في الطريقين الأخيرين: "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم"، سنن الترمذي 4/130 (كتاب الإيمان، باب في علامة المنافق). وقال الترمذي: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وجابر".
(195) انظر: الموضوعات لابن الجوزي (1/370)، تنزيه الشريعة لابن عراق (1/355)، الفوائد المجموعة للشوكاني (367). (م).(1/226)
(196) الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في: مسلم 1/453 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى) وجاء الأثر مرتين 256، 257، وهو مطول في المرة الثانية، وأوله: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن".
والأثر في: سنن أبي داود 1/373 (كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة)، سنن النسائي 2/84 (كتاب الإمامة، باب المحافظة على الصلوات حيث يُنادى بهن)، سنن ابن ماجه 1/255-256 (كتاب المساجد والجماعات، باب المشي إلى الصلاة)؛ المسند (ط. الحلبي) 1/382، 414-415، 419، 455.
(197) انظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 1/284 .
(198) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في: البخاري 1/12 (كتاب الإيمان، باب علامة المنافق)، 4/102 (كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من عاهد ثم غدر)، مسلم 1/78 (كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق)، سنن أبي داود 4/305-306 (كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه).
(199) أول الحديث: "إنه لعهد النبي الأميّ: لا يجبني إلا مؤمن، ولا يبغضني. إلخ. وسبق فيما مضى.
(200) قال شاه عبد العزيز الدهلوي (مختصر التحفة الاثني عشرية، ص158-159): "ومدار هذه الرواية على أبي الحسن الأشقر، وهو ضعيف بالإجماع. قال العقيلي: هو شيعي متروك الحديث. ولا يبعد أن يكون هذا الحديث موضوعاً إذ فيه من أمارات الوضع أن صاحب ياسين لم يكن أول من آمن بعيسى بل برسله، كما يدل عليه نص الكتاب... إلخ...".(1/227)
قال أبو عبد الرحمن: هو ابن الحسن الأشقر وليس كما قال الدهلوي رحمه الله تعالى. وهذه الرواية الضعيفة ذكرها العلامة الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" ج1 ص360-361 وقال حفظه الله تعالى: ضعيف جداً. ورواه الطبراني (3/111/2) عن الحسين بن أبي السري العسقلاني، نا حسين الأشقر، نا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا سند ضعيف جدّاً إن لم يكن موضوعاً، فإن حسين الأشقر وهو ابن الحسن الكوفي شيعي غال، ضعفه البخاري جداً فقال في "التاريخ الصغير" (230): "عنده مناكير".
وروى العقيلي في "الضعفاء" (90) عن البخاري أنه قال فيه: "فيه نظر".
وفي "الكامل" لابن عدي (1/97): قال السعدي: كان غالباً، من الشتّامين للخبرة، ووثقه بعضهم، ثم قال ابن عدي: وليس كل ما يروى عنه من الحديث الإنكار فيه من قبله، فربما كان من قبل من يروي عنه، لأن جماعة من ضعفاء الكوفيين يحيلون بالروايات على حسين الأشقر، على أن حسيناً في حديثه بعض ما فيه".
قلت: وكأن ابن عدي يشير بهذا الكلام إلى مثل هذا الحديث فإنه من رواية الحسين بن أبي السري عنه، فإنه مثله بل أشد ضعفاً، قال الذهبي: ضعفه أبو داود وقال أخوه محمد: لا تكتبوا عن أخي فإنه كذاب، وقال أبو عروبة الحرّاني: هو خال أبي وهو كذاب" ثم ساق له هذا الحديث من طريق الطبراني.
وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (3/570): "هذا حديث منكر، لا يعرف إلا طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك"، ونقل نحوه المناوي عن العقيلي، ونقل عنه الحافظ في "تهذيب التهذيب" أنه قال: لا أصل له عن ابن عيينة".
(201) أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري السرقسطي الأندلسي، توفي سنة 535 وكان من المحدثين ومن تصانيفه "التجريد للصحاح الستة". وانظر ترجمته في: شذرات الذهب (4/106)، روضات الجنات (ص286)، معجم المؤلفين (4/155-156)، الأعلام (3/46).(1/228)
(202) الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنه في: مسلم 3/1449 (كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى)، المسند (ط. الحلبي) 4/269. وانظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 14/25، 26 .
(203) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 1/85 (كتاب الصلاة، باب ما جاء في القبلة...)، 5/20 (كتاب التفسير، سورة البقرة، باب قوله: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى...)، المسند (ط. المعارف) 1/323، 263.
والحديث في كتاب "فضائل الصحابة" الأرقام: 434، 435، 437، 493، 494، 495، 682.
(204) قال ابن كثير في تفسيره لآية 12 من سورة المجادلة: "وقد قيل: إنه لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها سوى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه". ثم قال: "وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً - إلى - فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }: كان المسلمون يقدّمون بين يدي النجوى صدقة فلما نزلت الزكاة نُسخ هذا".
(205) الحديث - مع اختلاف في اللفظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 2/713 (كتاب الزكاة، باب من جمع الصدقة وأعمال البر).
(206) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/24 (كتاب الصوم، باب الرّيّان للصائمين)، 4/26 (كتاب الجهاد، باب فضل النفقة في سبيل الله)، 4/119 (كتاب بدء الخلق، باب صفة أبواب الجنة)، 5/6 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب حدثنا الحميدي...)، مسلم 2/711-713 (كتاب الزكاة باب من جمع الصدقة وأعمال البر)؛ سنن الترمذي 5/276-277 (كتاب المناقب، مناقب أبي بكر...، باب 60) والحديث في سنن النسائي والدارمي والموطأ والمسند.(1/229)
(207) الحديث بشقيه - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/103-104 (كتاب الوكالة، باب استعمال البقر للحراثة) 4/174 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان)، 5/5-6 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب حدثنا الحميدي)، مسلم 4/1857-1858 (كتاب فضائل الصحابة..، باب فضائل أبي بكر الصديق)، سنن الترمذي 5/279 (كتاب المناقب، مناقب أبي بكر..، باب رقم 64)؛ المسند (ط. المعارف) 13/71.
(208) سبق هذا الحديث في هذا الجزء قبل صفحات قليلة.
(209) سبق الكلام على هذا الحديث في هذا الجزء قبل صفحات قليلة.
(210) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن أبي داود 4/295 (كتاب السنة، باب في الخلفاء) ونص الحديث: "أتاني جبريل فأخذ بيدي، فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي" فقال أبو بكر: يا رسول الله، وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي". قال المحقق رحمه الله: "أبو خالد الدالاتي: اسمه يزيد بن عبد الرحمن، وثقه أبو حاتم، وقال ابن معين لا بأس به، وعن الإمام أحمد ونحوه، وقال فيه ابن حبان: لا يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات". والحديث في المستدرك للحاكم 3/73 وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "خ م (أي أن الحديث في البخاري ومسلم) رواه المحاربي عنه"، ولكن ذكر السيوطي في "الجامع الصغير" أن الحديث في سنن أبي داود والمستدرك، وضعف الألباني الحديث في "ضعيف الجامع الصغير" 1/71 .
(211) ذكر البخاري 2/112 (كتاب التهجد، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى) أن أبا بكر تصدق بماله كله.(1/230)
وأورد أبو داود 2/173-174 (كتاب الزكاة، باب في الرخصة في ذلك) حديث تصدقه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم... والحديث في صحيح الترمذي 5/277 (كتاب المناقب، باب منه) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
والحديث في: سنن الدارمي 1/391-392 (كتاب الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده).
(212) الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه في: البخاري 5/5 (كتاب فضائل أصحاب النبي..، باب حدثنا الحميدي..)، 6/60 (كتاب التفسير، سورة الأعراف، باب قل يا أيها الناس إني رسول الله...). وسبق الحديث في هذا الجزء، ص30.
(213) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: سنن الترمذي 5/276 (كتاب المناقب، مناقب أبي بكر الصديق، باب رقم 59) وقال الترمذي: "هذا حديث غريب". وذكره السيوطي في "الفتح الكبير" 3/373 وقال إنه في سنن الترمذي عن عائشة. وقال الألباني في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته" 6/96: "ضعيف جداً".
(214) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه - مع اختلاف يسير في الألفاظ - في: البخاري 5/34 (كتاب مناقب الأنصار، باب ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)، 6/148 (كتاب التفسير، باب سورة الحشر)، مسلم 3/1624-1625 (كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره).
(215) الأثر بمعناه عن علي بن أبي طالب وعن ابن عباس رضي الله عنهم في: تفسير الطبري (ط. المعارف) 6/555-557، تفسير ابن كثير (ط. الشعب) 2/56، زاد المسير (1/414-415).(1/231)
(216) قال ابن كثير في تفسيره للآية: "وقوله سبحانه وتعالى: { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }: أي جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداءن كقوله جلت عظمته: { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ }... وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: واسألهم ليلة الإسراء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جُمعوا له". وانظر زاد المسير 7/318-320.
(217) حلية الأولياء ج1 ص67، وذكرها أبو نعيم في "معرفة الصحابة" ج1 ص306 بلفظ آخر. عن مكحول عن علي في قوله تعالى: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } قال علي: قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "دعوت الله أن يجعلها في أذنك يا علي".
وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج1 ص131 رواية أخرى بلفظ مقارب: عن أبي رافع أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعلي بن أبي طالب: إن الله أمرني أن أعلمك ولا أجفوك وأن أدنيك ولا أقصيك، فحق عليّ أن أعلمك وحق عليك أن تعي.
وقال بعد ذلك: رواه البزار وفيه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وهو منكر الحديث، وعبّاد بن يعقوب رافضي. (م).
(218) ذكر ابن كثير في تفسيره لآية 12 من سورة الحاقة الحديث الأول من رواية ابن أبي حاتم ثم قال: "وهكذا رواه ابن جرير عن عليّ بن سهل عن الوليد بن مسلم عن عليّ بن وحشب عن مكحول به، وهو حديث مرسل". ثم ذكر الحديث الثاني من رواية ابن أبي حاتم أيضاً، ثم قال: "ورواه جرير عن محمد بن خلف عن بشر بن آدم به، ثم رواه ابن جرير من طريق آخر عن داود الأعمى عن بريدة به، لا يصح أيضاً" وانظر: زاد المسير (8/348).
(219) لم أجد هذا الحديث.
(220) ذكر سزكين (م1 ج1 ص330) هذا الكتاب ونسخه الخطية، وهو مطبوع في القاهرة سنة 1308ه.(1/232)
(221) أبو نعيم هو أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني (أبو نعيم) حافظ مؤرخ ولد بأصبهان سنة 326 وتوفي سنة 430ه. له حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ودلائل النبوة وطبقات المحدثين والرواة. انظر ترجمته في: وفيات الأعيان (1/75)، ميزان الاعتدال (1/111)، لسان الميزان (1/201)، طبقات الشافعية (4/18-25)، الأعلام (1/150).
(222) هو أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، القرشي الطرابلسي، ولد سنة 250 وتوفي سنة 343. وكان من حفاظ الحديث وله كتاب كبير في "فضائل الصحابة" وآخر في "فضائل الصديق" ذكر سزكين أن منهما نسخة خطية في الظاهرية. انظر ترجمته في: شذرات الذهب (2/365)، لسان الميزان (2/411-412)، الأعلام (2/374)، معجم المؤلفين (4/131)، سزكين (م1 ج1 ص368-369).
(223) وهي سورة "السجدة".
(224) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 8/124-125 (كتاب القدر، باب إلقاء العبد النذر إلى القدر) ونصه فيه: نهى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن النذر، قال: "إنه لا يَرُدُّ شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل" مسلم 3/1260-1261 (كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئاً) وجاءت فيه ثلاث روايات (الأحاديث رقم 2، 3، 4) منها الرواية التي ذكرها ابن تيمية. والحديث أيضاً في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه والدارمي والبيهقي ومسند أحمد، وانظر ما ذكره عنه الألباني في "إرواء الغليل" 8/208-209 (رقم 255).
(225) لم أجد هذا الحديث.(1/233)
(226) الحديث - مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في: البخاري 5/19 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب مناقب عليّ بن أبي طالب)، 3/65 (كتاب النفقات، باب خادم المرأة)، مسلم 4/2091-2092 (كتاب الذكر والدعاء...، باب التسبيح أول النهار وعند النوم)، سنن أبي داود 4/430 (كتاب الأدب، باب في التسبيح عند النوم)، سنن الترمذي 5/142 (كتاب الدعوات، باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند النوم).
(227) سبق هذا الحديث في هذا الجزء ص183 .
(228) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 2/716 (كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح)، سنن النسائي 5/51 (كتاب الزكاة، باب أي الصدقة أفضل)، 6/198 (كتاب الوصايا، الكراهية في تأخير الوصية)، سنن ابن ماجه 2/903 (كتاب الوصايا، باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت)، المسند (ط. المعارف) الأرقام 7159، 7401، 9367، 9767.
(229) ذكر هذا الأثر أبو نعيم الأصبهاني في "حلية الأولياء" 1/147 .
(230) "مناقب الإمام علي" ص269. (م).
(231) أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي، تابعي، مفسّر من أهل مكة، ولد سنة 21 وتوفي سنة 104. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": "الإمام، شيخ القراء المفسرين... قال أبو بكر بن عباس: قلت للأعمش: ما بالهم يتقون تفسير مجاهد؟ قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب.. قال ابن خراش: أحاديث مجاهد عن عليّ وعائشة: مراسيل". انظر تجمة مجاهد في: سير أعلام النبلاء (4449-457) طبعة مؤسسة الرسالة، بيروت، 1401-1981، ميزان الاعتدال (3/439-440)، حلية الأولياء (3/279-310)، الأعلام (6/161).
(232) في تفسير الطبري (ط. بولاق) 4/24.
(233) تفسير الطبري: يقولون.
(234) تفسير الطبري: فاتبعنا...
(235) انظر تفسير ابن كثير، ط. الشعب (7/89-90)، زاد المسير (7/182).
(236) تفسير الطبري (3/24).(1/234)
(237) قال أبو عبد الرحمن: ذكر أبو نعيم في "حلية الأولياء" ج3 ص27 - بلفظ آخر -: عن أبي الحمراء صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: رأيت ليلة أُسري بي مثبتاً على ساق العرش، أنا غرست جنة عدن، محمد صلَّى الله عليه وسلَّم صفوتي من خلقي، أيدته بعلي.
وقال أبو نعيم: غريب من حديث يونس عن سعيد بن جبير لم نكتبه إلا من هذا الوجه.
وذكر الهيثمي هذه الرواية في: "مجمع الزوائد" ج9 ص121 ولكن بلفظ مقارب وقال: رواه الطبراني وفيه عمرو بن ثابت وهو متروك. وأيضاً ابن الجوزي في "العلل المتناهية" ج1 ص237 وقال: هذا حديث لا يصح، قال ابن حبان: أحمد بن الحسن الكوفي يضع الحديث. قال الدارقطني: متروك.
(238) قال أبو عبد الرحمن: وله أيضاً "معرفة الصحابة" وقد طبع في ثلاثة مجلدات بتحقيق الدكتور محمد راضي بن حاج عثمان، طبع مكتبة الدار بالمدينة المنورة 1408ه.
(239) الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه في: البخاري 4/65-66 (كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب)، 5/94 (كتاب المغازي، باب غزوة أحد)، المسند (ط. الحلبي) 4/293، ولم أجد الحديث في مسلم. وانظر: جامع الأصول لابن الأثير (9/176-178).
(240) انظر عن عدد غزوات الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وسراياه وبعثوه: زاد المعاد (1/129-130)، جوامع السيرة (ص16-21)، صحيح مسلم 3/1447-1448 (كتاب الجهاد والسيرة، باب عدد غزوات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم).
(241) هذا جزء من حديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: البخاري 3/84 (كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام) وأوله: "إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.. الحديث، وهو في: مسلم 3/1207 (كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)، سنن ابن ماجه 2/732 (كتاب التجارات، باب ما لا يحل بيعه)، المسند (ط. الحلبي) 3/324، 326.(1/235)
(242) في تفسير الطبري 11/556-557: "وأما قوله: "وجَاعِلُ الليلَ سكناً"، فإن القراء اختلفت في قراءته. فقرأ ذلك عامة قراء أهل الحجاز والمدينة وبعض البصريين: "وجَاعِلُ الليل" بالألف على لفظ الاسم، ورفعه عطفاً على "فالقُ"، وخفض" الليل" بإضافة "جاعل" إليه، ونصب "الشمس والقمر"، عطفاً على موضع "الليل"، لأن "الليل" وإن كان مخفوضاً في اللفظ، فإنه في موضع النصب لأنه مفعول "جاعل". وحسُن عطف ذلك على معنى "الليل" لا على لفظة، لدخول قول: "سكناً" بينه وبين "الليل".... وقرأ ذلك عامة قراءة الكوفيين: "وجَعَلَ الليلَ سكناً والشمسَ"، على "فَعَلَ"، بمعنى الفعل الماضي، ونصب "الليل".
(243) الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 6/39 (كتاب التفسير سورة آل عمران، باب إن الناس قد جمعوا لكم الآية). وانظر تفسير ابن كثير (2/147).
(244) البيتان للمتنبي في مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة عند منصرفه من بلاد الروم سنة 345. انظر: شرح ديوان المتنبي (4/307) وضع الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت.
(245) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 3/178 (كتاب الشهادات، باب اليمين بعد العصر).
والحديث أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً في: البخاري 3/110-111 (كتاب الشرب والمساقاة، باب إثم من منع ابن السبيل من الماء)، 9/79 (كتاب الأحكام، باب من بايع رجلاً لا يبايعه إلا للدنيا)، مسلم 1/103 (كتاب الإيمان باب بيان غلظ تحريم إسبال الأزار والمنّ بالعطية...)، سنن النسائي 7/217 كتاب البيوع، باب الحلف الواجب للخديعة في البيع)، المسند (ط. المعارف) 13/180 .(1/236)
(246) قال أبو عبد الرحمن: من يطلع على كتب الصوفية لا سيما "الطبقات" للشعراني، يجد العجب العجاب من كرامات الصوفية فيما يدّعونه من الكرامات التي لم تكن للأنبياء عليهم السلام. وقد جمعت بعضاً منها وإن شاء الله تعالى - إن كان في العصر بقية - سوف نفردها في رسالة متواضعة.
(247) في تفسيره (ط. المعارف) 10/413-414.
(248) الطبري: المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله بن هشام.
(249) تفسير الطبري: قال: يا أيها الذين آمنوا من يرتد...
(250) انظر: تفسير الطبري (10/411-413).
(251) انظر: تفسير الطبري (10/417-418).
(252) انظر: تفسير الطبري (10/416-417).
(253) انظر: تفسير الطبري (10/419).
(254) انظر: تفسير الطبري (10/419).
(255) تفسير الطبري (10/419): "ولولا الخبر الذي رُوي في ذلك عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالخبر الذي روى عنه ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال: هم أبو بكر وأصحابه".
(256) تفسير الطبري (10/420): "قيل له: إن الله تعالى ذكره لم يعد المؤمنين أن يبدلهم بالمرتدين منهم يومئذ خيراً من المرتدين لقتال المرتدين، وإنما أخبر أنه سيأتيهم بخير منهم بدلاً منهم، فقد فعل ذلك بهم قريباً غير بعيد، فجاء بهم على عهد عمر..".
(257) ذكر هذا الحديث الطبري في تفسيره 10/414-415 (وانظر تعليق المحقق).
(258) يقد بهم ابن تيمية هنا الراوندية وهم أتباع ابن الراوندي الذي كان من ائمة المعتزلة ثم فارقهم وهاجم مذهبهم وصار ملحداً زنديقاً. والراوندية فرقة من فرق الكيسانية، ويقول ابن النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" ص57: "فالكيسانية كلها لا إمام لها وإنما ينتظرون الموتى إلا "العباسية" فإنها تثبت الإمامة في ولد العباس وقادوها فيهم إلى اليوم".(1/237)
وقال ابن النوبختي قبل ذلك (ص45): "وفرقة قالت أوصى عبد الله بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب لأنه مات عندهم بأرض الشراة بالشام، وأنه دفع إليه الوصية إلى أبيه علي بن عبد الله بن العباس، وذلك أن محمد بن علي كان صغيراً عند وفاة أبي هاشم وأمره أن يدفعها إليه إذا بلغ دفعها إليه، فهو الإمام، وهو الله عزَّ وجلَّ، وهو العالم بكل شيء، فمن عرفه فليصنع ما شاء، وهؤلاء غلاة الراوندية".
وانظر كلام ابن حزم في الفصل (4/154) حيث قال: "وقالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد العباس بن عبد المطلب وهم الراوندية". وانظر كتاب "أصول الدين" ص281.
(259) "مناقب الإمام علي" ص246. (م).
(260) "الفردوس" ج2 ص421، وأيضاً ذكر هذه الرواية الموضوعة: أبو نعيم في "معرفة الصحابة" ج1 ص302، الخطيب في "تاريخ بغداد" ج14 ص155 في ترجمة يحيى بن الحسين المدائني رقم 7468 وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وهو من الضعفاء المتروكين.
وأيضاً العلامة الألباني في "سلسلة الأحاديث، الضعيفة والموضوعة" ج1 ص358 رقم 355 وقال: موضوع. (م).
(261) هو أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي صاحب الزيادات على كتاب "فضائل الصحابة" وسيذكره ابن تيمية بعد قليل فيقول: "ورواه القطيعي أيضاً من طريق آخر". ولد القطيعي سنة 273 وتوفي سنة 368. انظر ترجمته في: طبقات الحنابلة (2/6-7) تاريخ بغداد (4/73-74)، الأعلام (1/103).
(262) في كتاب "فضائل الصحابة" 2/627-628 (رقم 1072).
(263) فضائل الصحابة: حدثنا محمد، ثنا الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري.
(264) فضائل الصحابة: قال: نا عمرو بن جُمَيع عن ابن أبي ليلى.
(265) في "فضائل الصحابة" عن أخيه عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.(1/238)
(266) قال الدكتور وصي الله بن محمد عباس في تعليقه: "موضوع لأجل عمرو بن جميع أبي المنذر، وقيل: أبي عثمان، فإنه متروك كذّبه ابن معين. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: كان يتهم بالوضع" وانظر باقي التعليق.
(267) فضائل الصحابة 2/655-656 (رقم 1117).
(268) في "فضائل الصحابة": وفيما كتب إلينا... إلخ.
(269) فضائل الصحابة: أنا.
(270) فضائل الصحابة: .. بن جميع البصري عن محمد بن أبي ليلى عن عيسى بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه أبي ليلى قال: قال رسول الله ..
(271) قال الدكتور وصي الله: "موضوع".
(272) قال الدكتور وصي الله: "الضعفاء للنسائي (ص229)، المجروحين (2/77) الميزان (3/251) اللسان (4/358).
قال أبو عبد الرحمن: وانظر:
تاريخ بغداد (12/192)، المغني في الضعفاء للذهبي ج2 ص482 ترجمة رقم 4639، المؤتلف والمختلف للدارقطني ج1 ص450، الضعفاء والمتروكين للدارقطني ص303 ترجمة رقم 387، المجروحين لابن حبان (2/77) وقال: كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات والمناكير عن المشاهير، لا يحل كتابة حديثه ولا الذكر عنه إلا على سبيل الاعتبار.
ومناسبة ذكر قول ابن حبان أن ابن تيمية ذكر قوله ناقصاً، فأحببت ذكره بتمامه للفائدة. وترجم لابن جُميع أيضاً ابن معين في تاريخه والدولابي في الكنى وابن عدي في الكامل وغيرهم من أئمة الجرح والتعديل.
(273) في: المسند (ط. الحلبي) 3/112 وفيه: حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا شعبة، حدثنا قتادة أن أنس بن مالك.. وحديث أنس في: البخاري 5/15 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب فضائل عثمان..) وفيه "أحد" بدلاً من "حراء". وقد تكلم الألباني كلاماً مفصلاً على الحديث وألفاظه ورواياته في "سلسلة الأحاديث الصحية" 2/45-458 (حديث رقم 875).
(274) هذه الرواية في: المسند (ط. الحلبي) 5/331 .(1/239)
(275) الحديث - بألفاظ متقاربة - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في: البخاري 8/25 (كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }، مسلم 4/2013 (كتاب البر، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله)، سنن الترمذي 3/224-225 (كتاب البر باب ما جاء في الصدق والكذب)، سنن أبي داود 4/407 (كتاب الأدب، باب التشديد في الكذب) وأوله: إياكم والكذب....
وجاء الحديث مع اختلاف في الألفاظ في: سنن ابن ماجه 1/18 (المقدمة، باب اجتناب البدع والجدل)، سنن الدارمي 2/299-300 (كتاب الرقاق، باب في الكذب)، المسند (ط. المعارف) 5/231، 275، 343. وفي عدة مواضع في الجزء السادس منه.
(276) انظر تفسير ابن كثير الآية 274 من سورة البقرة وانظر ما رواه من أحاديث وآثار في أنها نزلت في أصحاب الخيل أو في الذين يعلفون الخيل في سبيل الله، ثم ذكر عن مجاهد حديثاً موافقاً للحديث الذي ذكره ابن المطهر ونسبه إلى ابن أبي حاتم ثم قال: "وكذا رواه ابن جرير من طريق عبد الوهاب بن مجاهد وهو ضعيف، ولكن رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس أنها نزلت في عليّ بن أبي طالب".
قال أبو عبد الرحمن: وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" ج6 ص324 وقال: رواه الطبراني وفيه عبد الواحد ابن مجاهد وهو ضعيف.
(277) في كتاب "فضائل الصحابة" 2/654 (رقم 1114).
(278) فضائل الصحابة: حدثنا إبراهيم بن شريك الكوفي، ثنا زكريا بن يحيى الكسائي، ثنا عيسى.
(279) قال الدكتور وصي الله في تعليقه: "إسناده ضعيف جداً لأجل زكريا من يحيى الكسائي".
(280) الحديث عن عكرمة رضي الله عنه في: البخاري 9/15 (كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة).
(281) لم أجد هذا الحديث.(1/240)
(282) الحديث عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه في: البخاري 3/190 (كتاب الشروط، باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح)، 5/22-23 (كتاب فضائل أصحاب النبي...، باب ذكر أصهار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم منهم أبو العاص بن الربيع)، 7/37 (كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف)، مسلم 4/1902-1904 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة)، سنن أبي داود 2/304-305 (كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء)، سنن الترمذي 5/359-360 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل فاطمة رضي الله عنها)، سنن ابن ماجه 1/643-644 (كتاب النكاح، باب الغيرة)، المسند (ط. الحلبي) 4/5، 328 .
(283) حديث الإفك حديث طويل جاء عن عائشة رضي الله عنها.
وأوله - وهذا لفظ البخاري: 5/116 - قالت عائشة: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أراد سفراً أقرع بين أزواجه، فأيهن خرج سهمها خرج بها....
والحديث في البخاري 3/173-176 (كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً)، 5/116-120 (كتاب المغازي، باب حديث الإفك)، 6/76-77 (كتاب التفسير، سورة يوسف)، مسلم 4/2129-2138 (كتاب التوبة، باب في حديث الإفك....)، المسند (ط. الحلبي) 6/194-197.
(284) أي لم يعرف أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنكر على أبي بكر رضي الله عنه شيئاً.(1/241)
(285) ذكر ابن كثير في تفسيره لأول آية 43 من سورة النساء حدثنا عن ابن أبي حاتم - وساق سنده - عن علي بن أبي طالب، قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا وسقانا من الخمر، فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة فقدّموا فلاناً. قال: فقرأ: قل يا أيها الكافرون، ما أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون. فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ }. قال ابن كثير: "هكذا رواه ابن أبي حاتم، وكذا رواه الترمذي عن عبد بن حميد، عن عبد الرحمن الدشتكي به، وقال: حسن صحيح".
ثم ذكر ابن كثير حديثاً آخر رواه ابن جرير الطبري جاء فيه أن الذي صلى بهم هو عبد الرحمن بن عوف، ثم قال ابن كثير: "وهكذا رواه أبو داود والنسائي من حديث الثوري به".
وذكر ابن كثير حديثاً ثالثاً رواه ابن جرير الطبري وفيه أن الذي صلى إماماً هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما ذكر حديثاً رابعاً رواه ابن جرير فيه أن الإمام هو عبد الرحمن بن عوف واختلفت ألفاظه، عن الحديث الأول الذي رواه ابن أبي حاتم قليلاً.
انظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 8/376 (الآثار 9524، 9525). والحديث في: سنن الترمذي 4/305 (كتاب تفسير القرآن، سورة النساء) وهو عن ابن أبي طاب وفيه..
فأخذت الخمر منا وحرت الصلاة فقدَّموني فقرأت ... الحديث، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب صحيح".
وأما حديث عليّ في سنن أبي داود فهو فيها 3/445 (كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر) وفيه: أن رجلاً من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف، فسقاهما قبل أن تحرّم الخمر، فأمهم عليّ في المغرب فقرأ... إلخ.
(286) الحديث عن علي رضي الله عنه في: البخاري 6/88 (كتاب التفسير، سورة الكهف) 2/50 (كتاب التهجد، باب تحريض النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على صلاة الليل...)، المسند (ط. المعارف) 2/89، 172 .(1/242)
(287) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن لفظ الحديث في البخاري 4/74 (كتاب الجهاد، باب من تكلّم بالفارسية والرطانة...) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالفارسية: "كَخٍْ كَخٍْ أما تعرف أنّا لا نأكل الصدقة". والحديث في: مسلم 2/751 (كتاب الزكاة، باب تحريم الزكاة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى آله...) وجاء من طريق آخر بلفظ: "أنَّا لا تحل لنا الصدقة" وجاءت أحاديث أخرى في مسلم بهذا المعنى في هذا الباب ومثلها في سنن أبي داود (2/83-84) وسنن الترمذي (2/165-167).
(288) الحديث عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه في: البخاري 8/77 (كتاب الدعوات، باب هل يُصلّي على غير النبي)، سنن أبي داود 2/142 (كتاب الزكاة، وباب دعاء المصدق لأهل الصدقة)، سنن النسائي 5/22 (كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام على صاحب الصدقة)، سنن ابن ماجه 1/572 (كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة) المسند (ط. الحلبي) 4/353-355، 381، 383 .
(289) الحديث - مع اختلاف في اللفظ. عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 6/195 (كتاب فضائل القرآن، باب حسن الصوت بالقراءة) ونصه: "يا أبا موسى لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" والحديث في مسلم 1/546 الترمذي 5/355-356 (كتاب المناقب، باب مناقب أبي موسى الأشعري). والحديث في سنن النسائي وابن ماجه ومسند أحمد.
(290) الحديث عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه - مع اختلاف في اللفظ - في: مسلم 4/1782 (كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) سنن الترمذي 5/243 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم) المسند 4/107 .(1/243)
(291) قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "(مرج البحرين يلتقيان). قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: (يلتقيان) قال ابن زيد: أي منعهما أن تلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفصل بينهما. والمراد بقوله (البحرين): الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس. وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا }... { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاّ يَبْغِيَانِ } أي وجعل بينهما برزخاً، وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا وهذا على هذا... (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) أي من مجموعهما فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى... واللؤلؤ معروف، وأما المرجان فقيل: هو صغار اللؤلؤ". وانظر تفسير الطبري، وزاد المسير لابن الجوزي، والدر المنثور للسيوطي.
(292) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/140 (كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }، 4/149 (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }.
(293) انظر: تفسير الطبري (ط. بولاق) 27/74-76، زاد المسير (8/112).
(294) انظر: تفسير الطبري (ط. بولاق) 27/76-78، زاد المسير (8/113).
(295) ذكر الطبري في تفسيره (ط. المعارف) 16/500-507 أنه على قراءة "ومَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتابِ" يكون المعنى: "والذين عندهم علم الكتاب، أي الكتب التي نزلتَ قبلَ القرآنَ، كالتوراة والإنجيل، وعلى هذه القراءة فسّر ذلك المفسرون" ثم أورد آثاراً (20535-20541) تقول إنه عبد الله بن سلام وذكر آثاراً أخرى فيها أنهم ناس من أهل الكتاب منهم عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري.(1/244)
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: "... قيل: نزلت في عبد الله بن سلام، قاله مجاهد وهذا القول غريب، لأن هذه الآية مكية، وعبد الله بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة، والأظهر في هذا ما قاله العوفي عن ابن عباس قال: هم من اليهود والنصارى" وانظر سائر كلامه.
وقال القرطبي في تفسيره للآية: "قال القاضي أبو بكر بن العربي: أما من قال: إنه عليّ، فعوّل على أحد وجهين: إما لأنه عنده أعلم المؤمنين، وليس كذلك، بل أبو بكر وعمر وعثمان أعلم منه، ولقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وهو حديث باطل".
(296) لم أجد هذا الحديث الموضوع.
(297) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 4/139 (كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: واتخذ الله إبراهيم خليلاً)...، 4/168 (كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم..) وهو البخاري في مواضع أخرى. والحديث في: مسلم 4/2194-2195 (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة)، سنن الترمذي 5/4 (كتاب التفسير، سورة الأنبياء) وهو في الترمذي في مواضع أخرى. والحديث في النسائي والدارمي ومسند أحمد.
(298) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وجاء في البخاري في عدة مواضع آخرها 9/139 (كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة...) وأول الحديث: استب رجلٌ من المسلمين ورجل من اليهود... فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تخيّروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله" والحديث مع اختلاف الألفاظ - في: مسلم 4/1844-1845 (كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلَّى الله عليه وسلَّم)، سنن أبي داود 4/301-302 (كتاب السنة، باب في التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام)، المسند (ط. المعارف) 14/20-22 (رقم 7576).(1/245)
(299) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في:
مسلم 4/1839 (كتاب الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل صلَّى الله عليه وسلَّم) ونصه: جاء رجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا خير البريّة. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ذاك إبراهيم عليه السلام". والحديث في: سنن الترمذي 5/116 (كتاب التفسير، سورة لم يكن..)، المسند (ط. الحلبي) 3/178، 184. وقال النووي في شرحه على مسلم 15/121-122: "قال العلماء: إنما قال صلَّى الله عليه وسلَّم هذا تواضعاً واحتراماً لإبراهيم صلَّى الله عليه وسلَّم لخلته وأبوته، وإلا فنبينا صلَّى الله عليه وسلَّم أفضل، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنا سيد ولد آدم" ولم يقصد به الافتخار ولا التطاول على من تقدّمه، بل قال بياناً لما أمر ببيانه وتبليغه، ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "ولا فخر" لينفي ما قد يتطرق إلى بعض الأفهام السخيفة".
(300) هذه العبارات جاءت في حديث طويل من أحاديث الشفاعة وروى عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم في: سنن الترمذي 4/370-371 (كتاب تفسير القرآن، سورة الإسراء) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن، وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس، الحديث بطوله". وهو أيضاً في: سنن الترمذي 5/247 (كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حديث رقم 3693)، سنن ابن ماجه 2/1440 (كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة)، المسند (ط. المعارف) حديث رقم 2546، 2692، (ط. الحلبي) 3/2، 144.
(301) ذكر هذا الأثر بمعناه ابن كثير في تفسير آية 12 من سورة الحديد ونسبه إلى الضحاك.(1/246)
(302) هذا جزء من حديث طويل عن أبي هريرة رضي الله عنه في: مسلم 1/218 (كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة..) أوله: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أتى المقبرة فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين.. وددت أنا قد رأينا إخواننا". قالوا: أو لسنا إخوانك يا سول الله؟... الحديث، وفيه... قال: "فإنهم يأتون غُرّاً محجّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليُذادن رجال عن وحوضي كما يُذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هَلُمَّ، فيقال: إنهم قد بَدَّلوا بعدك، فأقول سُحقاً سُحقاً". والحديث - مع اختلاف في اللفظ - في: الموطأ 1/28-30 (كتاب الطهارة، باب جامع الوضوء)، سنن ابن ماجه 2/1439-1440 (كتاب الزهد، باب ذكر الحوض). وجاء الحديث مختصراً في مسلم ومع اختلاف اللفظ 1/217 (رقم 37).
(303) الحديث عن جرير بن عبد الله وعبد الله بن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في: البخاري 1/31 (كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء)، مسلم 1/81-82 (كتاب الإيمان، باب بيان معنى قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لا ترجعوا...)، سنن أبي داود 4/305 (كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه)، سنن الترمذي 3/329 (كتاب الفتن، باب لا ترجعوا بعدي كفاراً)، سنن الدارمي 2/69 (كتاب المناسك، باب في حرمة المسلم)، المسند (ط. المعارف) 7/316-317 وفي مواضع أخرى في المسند.
(304) ما ذكره ابن تيمية هنا جزء من حديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن علي وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم في:
البخاري 4/200-201 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة)، مسلم 2/740-747 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، باب التحريض على قتل الخوارج).
وانظر: جامع الأصول لابن الأثير (10/436-440)، سنن أبي داود 4/336 (كتاب السنة، باب في قتال الخوارج)، سنن ابن ماجه 1/60-61 (المقدمة، باب في ذكر الخوارج)، المسند (ط. الحلبي) 3/65، 68، 73، 353، 354-355 .(1/247)
(305) يقول ابن كثير في تفسير للآية: { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا } الآية، أي خلق الإنسان من نطفة ضعيفة فسواه وعدله وجعله كامل الخلقة ذكراً وأنثى كما يشاء { فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا } فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهراً، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين، ولهذا قال تعالى: { وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا }.
(306) انظر تفسير ابن كثير للآيتين 118، 119 من سورة التوبة، وما ذكره من الروايات المختلفة لحديث كعب بن مالك.
(307) الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها في: البخاري 3/180 (كتاب الشهادات، باب من أقام البيّنة بعد اليمين)، 9/25 (كتاب ترك الحيل، باب حدثنا محمد بن كثير...) 9/69 (كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم) مسلم 3/1337-1338 (كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة)، سنن أبي داود 3/410 (كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ)، المسند (ط. الحلبي) 3/320 .
والحديث في سنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والموطأ ومواضع أخرى في المسند.
(308) قال أبو عبد الرحمن: ذكر الإمام النسائي في "خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه" ص21 روايتين الأولى بسند ضعيف والثانية بسند صحيح، بأن أمير المؤمنين رضي الله عنه أول من صلّى من هذه الأمة:
الرواية الأولى: عن سلمة بن كهيل قال سمعت حبّة العرني: قال سمعت عليّاً كرم الله وجهه يقول: أنا أول من صلّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
والرواية الثانية: عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال: أول من صلّى مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علي.
وعلّق محقق "الخصائص" الشيخ أحمد ميرين على الحديثين، فقال عن الحديث الأول:(1/248)
إسناده ضعيف. رجاله ثقات سوى حبّة بن جُوين العرني، وثقه أحمد والعجلي، وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال الذهبي: من غلاة الشيعة، وهو الذي حدّث أن عليّاً كان معه بصفين ثمانون بدرياً، وهذا محال. وقال ابن كثير: حبّة لا يساوي حبّة. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق له أغلاط، وكان غالباً في التشيع (ت 76)، الميزان (1/450)، البداية والنهاية (7/334)، التهذيب (2/176).
قلت: وُصف حبّة بالغلو في التشيع، والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته، كما قرره الحافظ في "نزهة النظر" ص50، 51 .
والحديث أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/21)، وابن أبي شيبة في مصنفه (12/65)، وأحمد في المسند (1/141)، وفي فضائل الصحابة برقم (999، 1003)، وابن قتيبة في "المعارف" ص169، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" ق15/أ وفي الأوائل (68)، والبغوي في "معجم الصحابة" (ق 418)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 4/233، والخوارزمي في "المناقب" (21) وابن عساكر في تاريخ دمشق (12: 63، 64 برقم 84) من طريق سلمة بن كهيل عن حبّة به.
وقال عن الحديث الثاني: صحيح، رجاله ثقات من رجال الشيخين سوى أبي حمزة واسمه طلحة بن يزيد فهو من رجال البخاري وحده.
وأخرجه الطيالسي في مسنده برقم (678) وأحمد في "المسند" (4: 368، 370) وفي الفضائل (1004) والبلاذري في "أنساب الأشراف" (1: 112) والقطيعي في "زوائد فضائل الصحابة" برقم (1040) وابن جرير في "التاريخ" (5: 198) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6: 206) وابن عبد البر في الاستيعاب (3: 32) وابن المغازلي في "مناقب علي" (14) والخوارزمي في "المناقب" (20) وابن عساكر (106) من طريق شعبة، عن عمرو بن مرة به مثله.
وزاد أحمد والبغوي والطبراني والبيهقي: "قال عمرو: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فأنكره وقال: أبو بكر أول من أسلم".(1/249)
(309) في تفسير الطبري (ط. المعارف) 1/572 للآية: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ } [البقرة: 43]: "قال أبو جعفر: ذُكر أن أحبار اليهود والمنافقين كانوا يأمرون الناس بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فأمرهم الله بإقام الصلاة مع المسلمين المصدِّقين بمحمد وبما جاء به، وإيتاء زكاة أموالهم معهم، وأن يخضعوا لله ولرسوله كما خضعوا". وانظر (1/575)، وانظر تفسير ابن كثير للآية.
(310) لم أجد أحداً ذكر هذا الحديث الموضوع، ولكن ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 4/295 حديثاً بمعناه فقال: "وأخرج السلفي في "الطيوريات" بسندٍ واهٍ عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: لما نزلت: { وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على جبل ثم دعا ربه، وقال: اللهم اشدد أزري بأخي عليّ، فأجابه إلى ذلك".
(311) الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما) في: سنن أبي داود 1/193 (كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة)، المسند (ط. المعارف) 10/217-218 (وانظر تعليق المحقق رحمه الله على الحديث وقوله: إسناده صحيح. وما ذكره من أن الحديث في: المستدرك (1/197).
(312) الحديث في "فضائل الصحابة" 2/638-639 (رقم 1085).
(313) تكلم محقق كتاب "فضائل الصحابة" على هذا المسند 1/525 (الحديث رقم 871)، ثم قال عند التعليق على هذا الحديث: "إسناده ضعيف لأجل عبد المؤمن بن عباد" وذكر قبل ذلك 1/525: "وفيه عبد المؤمن بن عباد العبدي، ضعفه أبو حاتم، وقال البخاري: لا يتابع على حديثه، ذكره الساجي وابن الجارود في الضعفاء، وذكره ابن حبان في الثقات. التاريخ الكبير (3/2/117)، الديوان (ص202)، الميزان (2/670)، اللسان (4/76).
(314) انظر فضائل الصحابة 2/639 .(1/250)
(315) ترجمة عبد المؤمن بن عباد في "الجرح والتعديل" م3 ق1 ص66 وقال عنه أبو حاتم "ضعيف الحديث".
(316) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 3/96 (كتاب الكفالة، باب قول الله تعالى: والذين عاقدت أيمانكم...) ونصه: "... حدثنا عاصم، قال: قلت لأنس رضي الله عنه: أبلغك أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين قريش والأنصار في داري". وجاء هذا الحديث أيضاً في مسلم 4/1960 (كتاب فضائل الصحابة، باب مؤاخاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحابه)، سنن أبي داود 3/178 (كتاب الفرائض، باب في الحلف) وفي مواضع أخرى في كتب السنة.
(317) الحديث عن عروة بن الزبير في: البخاري 7/5 (كتاب النكاح، باب تزويج الصغار من الكبار) ونصه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خطب عائشة إلى أبي بكر، فقال له أبو بكر: إنما أنا أخوك. فقال: "أنت أخي في دين الله وكتابه، وهي لي حلال". قال ابن حجر في "فتح الباري" 9/124: "إنه وإن كان صورة سياقه الإرسال فهو من رواية عروة في قصة وقعت لخالته عائشة وجده لأمه أبي بكر، فالظاهر أنه حم ذلك عن خالته عائشة أو عن أمه أسماء بنت أبي بكر".
(318) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 8/19، 21 (كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، باب الهجرة وقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث)، مسلم 4/1983 (كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم التحاسد والتباغض).
وجاء الحديث بمعناه عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 8/19 (الموضع السابق)، مسلم 4/1985-1986 (كتاب البر...، باب تحريم الظن والتجسس...) والحديث عن أنس رضي الله عنه في: سنن أبي داود 4/383 (كتاب الأدب، باب فيمن يهجر أخاه المسلم) وهو في الترمذي وابن ماجه والمسند والموطأ.(1/251)
(319) الحديث بهذا اللفظ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 9/22 (كتاب الإكراه، باب يمين الرجل لصحابه أنه أخوه...)، مسلم 4/1996 (كتاب البر..، باب تحريم الظلم)، سنن أبي داود 4/376-377 (كتاب الأدب، باب المؤاخاة)؛ المسند (ط. المعارف) 8/46 .
(320) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 1/12 (كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأوله فيه: "لا يؤمن أحدكم...". مسلم 1/67-68 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من خصال الإيمان...)، سنن ابن ماجه 1/26 (المقدمة، باب في الإيمان)؛ المسند (ط. الحلبي) 3/176، 206، 251 .
(321) روى الترمذي الحديث مرتين - بألفاظ مقاربة - 5/272، 273 (كتاب المناقب، باب 53) وقال الترمذي عن الطريق الأول: "هذا حديث غريب من هذا الوجه، والوليد بن محمد الموقّري يضعّف في الحديث، ولم يسمع عليّ بن الحسين من عليّ بن أبي طالب، وقد رُوي هذا الحديث من غير هذا الوجه. وفي الباب عن أنس وابن عباس". وأما الطريق الآخر فلم يتكلم عليه الترمذي، وأورد الترمذي هذا الحديث عن أنس رضي الله عنه قبل ذلك (5/272-273) وقال عنه: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وأورد الإمام أحمد الحديث في مسنده (ط. المعارف) 2/37-38 (رقم 602) وقال عنه أحمد شاكر رحمه الله "إسناده صحيح" ثم قال: "والحديث رواه أيضاً الترمذي (4: 310) وابن ماجه (1: 25-26) بإسنادين آخرين ضعيفين.
وهذا الحديث والذي قبله من زيادات عبد الله بن أحمد". والحديث - مع اختلاف في اللفظ - عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/38 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه). وصحح الألباني الحديث في "صحيح الجامع الصغير" (6/75) وانظر: مجمع الزوائد للهيثمي (9/53).(1/252)
(322) الأثر في: سنن أبي داود 4/288 (كتاب السنة، باب في التفضيل) ونصه: "من زعم أن عليّاً عليه السلام كان أحق بالولاية منهما فقد خَطّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار، وما أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء".
(323) ج3 ص354 رقم 5066 . (م).
(324) يشير ابن تيمية بهذا إلى كلام ابن عربي الذي زعم أنه خاتم الأولياء، وقال في ذلك:
أنا ختم الولاية دون شك لورث الهاشمي مع المسيح
ويقول ابن عربي (المتوفي سنة 669) في كتابه "فصوص الحكم" 1/62: ".. وهذا هو أعلى علم بالله، وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إلا مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه - متى رأوه - إلا من مشكاة خاتم الأولياء". وانظر "جامع الرسائل" لابن تيمية بتحقيقي (1/205-206).
(325) ذكر هذه الأقوال الستة ابن الجوزي في "زاد المسير" 8/310-311. وفي تفسير الطبري 28/105 (ط. بولاق) ذكر بعض هذه الأقوال. وفي تفسير ابن كثير (8/192): وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة ومقاتل بن حيان والضحّاك وغيرهم (وصالح المؤمنين): أبو بكر وعمر، زاد الحسن البصري: وعثمان. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: (وصالح المؤمنين): قال: علي بن أبي طالب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عليّ بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي عمر، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين قال: أخبرني رجل ثقة يرفعه إلى عليّ قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: قوله: (وصالح المؤمنين) قال: هو عليّ بن أبي طالب "إسناده ضعيف، وهو منكر جداً".(1/253)
(326) هذا جزء من حديث طويل عن ابن عمر رضي الله عنه جاء في عدة مواضع في البخاري منها 9/40-41 (كتاب التعبير، باب الأمن وذهاب الروع، باب الأخذ على اليمين في النوم) وأوله في الموضع الأول: "إن رجالاً من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيقصونها على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.. الحديث.
وجاء الحديث في البخاري بألفاظ أخرى وسياق آخر 2/69 (كتاب التهجد، باب فضل من تعارَّ من الليل فصلّى). وهو في: مسلم 4/1927-1928 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن عمر) وأوله فيه: "نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل"، سنن ابن ماجه 2/1291 (كتاب تعبير الرؤيا)، المسند (ط. المعارف) 9/148-150 (رقم 6330).
(327) الحديث عن سالم عن أبيه ابن عمر رضي الله عنهما في: مسلم 4/1884-1885 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد..) ونصه: "إن تطعنوا في إمارته - يريد أسامة بن زيد. فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقاً لها. وأيم الله إن كان لأحب الناس إليّ، وأيم الله إن هذا لها لخليق - يريد أسامة بن زيد - وأيم الله إن كان لأحبهم إليّ من بعده، فأوصيكم به فإنه من صالحيكم".
(328) هو الحافظ الثقة المقرئ أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي.
قال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ (2/717): كان من أهل الحديث والصدق، والمكثرين في تصنيف المسند والأبواب والرجال. وانظر ترجمته في:
سير أعلام النبلاء (14/149)، تاريخ بغداد (12/441)، المنتظم (6/146) البداية والنهاية (11/128). (م).
(329) هو أبو سعيد عباد بن يعقوب الرواجني، رافضي متهم في دينه، وكان غالياً في التشيع، كان يشتم الصحابة مثل عثمان وطلحة والزبير رضي الله عنهم.
قال عنه ابن حبان: كان رافضياً داعية، ومع ذلك يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. وانظر ترجمته في:(1/254)
تهذيب التهذيب (5/110)، الضعفاء لابن الجوزي (2/77)، الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث للحلبي (146-147)، المجروحين لابن حبان (2/172)، الجرح والتعديل (6/88)، الميزان (2/379). (م).
(330) قال أبو عبد الرحمن: هذه الحكاية ذكرها ابن تيمية مختصرة ولأهمية هذه الرواية التي تكشف حقيقة معتقد هذا الرافضي نوردها كاملة للقراء الكرام:
عن محمد بن المظفر قال: سمعت قاسم بن زكريا المطرّز يقول: دخلت الكوفة فكتبت عن شيوخها كلهم غير عبّاد بن يعقوب، فلما فرغت دخلت إليه وكان يمتحن من يسمع منه. فقال لي: من حفر البحر؟
قلت: الله خلق البحر.
فقال: هو كذلك ولكن من حفره؟
فقلت: يذكر الشيخ!!
فقال: حفره علي بن أبي طالب.
ثم قال: ومن أجراه؟
قلت: الله مجري الأنهار ومنبع العيون.
فقال: هو كذلك ولكن من أجرى البحر؟
فقال: يفيدني الشيخ!!
فقال: أجراه الحسين بن علي.
قال: فكان عبّاد مكفوفاً فرأيت في داره سيفاً معلقاً وجحفة (الترس الصغير يُطارق بين جلدين).
فقلت: أيها الشيخ لمن هذا السيف؟
فقال: أعددته لأقاتل به مع المهدي.
قال: فلما فرغت من سماع ما أردتُ أن أسمعه منه وعزمت على الخروج عن البلد، دخلت عليه فسألني فقال: من حفر البحر؟
فقلت: حفره معاوية وأجراه عمرو بن العاص.
ثم وثبت من بين يديه وجعلت أعدو وجعل يصيح: أدركوا الفاسق عدو الله فاقتلوه.
وانظر: تهذيب التهذيب (5/109-110)، الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2/77-78)، ميزان الاعتدال (2/379).
??
??
??
??(1/255)
الإمَامَةُ
في ضَوءِ الكتابِ والسُّنَّة
لشيخ الإسلام ابن تيمية
ولد سنة 661ه توفي سنة 728ه
رضي الله عنه
الجزء الثاني
جمع وتقديم وتعليق
محمد مال الله
الفصل الأول
بيان كذب ووضع الرافضي لحديث جمعه (
أربعين رجلاً من بني عبد المطلب
قال الرافضي: "المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة، المنقولة عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الأول: ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] جمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مُدٍّ من البر ويعدّ لهم صاعاً من اللبن، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد، ويشرب الفَرَق من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلهم من الطعام اليسير حتى شبعوا، ولم يتبين ما أكلوه، فبهرهم النبي صلَّى الله عليه وآله بذلك، وتبين لهم آية نبوته، فقال: يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم. فقال أمير المؤمنين: أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر. فقال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا. فقال عليّ: فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس، ثم أعاد القول ثالثة، فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر. فقال: اجلس فأنت أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي من بعدي. فنهض القوم وهو يقولون لأبي طالب: ليهنك اليوم أن(2/1)
دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميراً عليك".
والجواب من وجوه: الأول: المطالبة بصحة النقل. وما ادّعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث، فإن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل: لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازي والتفسير التي يُذكر فيها الإسناد الذي يُحتج به(1)، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي يُنقل منها الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي، بل وابن جرير وابن أبي حاتم،لم يكن مجرد رواية واحدٍ من هؤلاء، دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم؛ فإنه إذا عُرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
وهذا الحديث غايته أن يُوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والسمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أن كتب التفسير التي يُوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي، يُنقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك، ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذُكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها، وإن كان بعض ذلك هو صحيح وبعضه كذب، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحدٌ بذكر بعض ما نُقل في تفسير الآية من المنقولات، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك، كان هذا من أفسد الحجج، كمن احتجّ بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، وقد ناقضه عدولٌ كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحدٍ لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، ويدع روايات كثيرين عدول، وقد رووا ما يناقض ذلك.(2/2)
بل لو قُدِّر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة، وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك، لوجب النظر في الروايتين: أيهما أثبت وأرجح؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة، بل هذا الحديث مناقض لِمَا عُلم بالتواتر، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل.
الثاني: أنّا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين: إما بإسنادٍ يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع، ولو أنه مسألة فرعية، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم.
فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع، لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يُعلم أنه مسند إسناداً تقوم به الحجة، أو يصححه من يُرجع إليه في ذلك. فأما إذا لم يُعلم إسناده، ولم يثبته أئمة النقل، فمن أين يُعلم؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يُبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها، ويُتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة، فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يُعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالماً صححه.
الثالث: أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يُرجع إليها في المنقولات، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب.
وقد رواه ابن جرير والبغوي بإسنادٍ فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد، أبو مريم الكوفي(2) وهو مجمع على تركه، كذَّبه سماك بن حرب وأبو داود، وقال أحمد: "ليس بثقةٍ، عامة أحاديثه بواطيل. قال يحيى: ليس بشيء. قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال النسائي وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن حبان البستي: كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر، وهو مع ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، وتركه أحمد ويحيى"(3).(2/3)
ورواه ابن أبي حاتم، وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس، وهو ليس بثقة. وقال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء رافضي خبيث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف(4).
وإسناد الثعلبي أضعف، لأن فيه من لا يعرف، وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة.
الرابع: أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلاً حين نزلت هذه الآية، فإنها نزلت بمكة في أول الأمر. ثم ولا بلغو أربعين رجلاً في مدّة حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن بني عبد المطلب لم يُعقِب منهم باتفاق الناس إلا أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة، وهم بنو هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس، وحمزة، وأبو طالب، وأبو لهب، فآمن اثنان، وهما حمزة والعباس، وكفر اثنان، أحدهما نصره وأعانه، وهو أبو طالب، والآخر عاداه وأعان أعدائه، وهو أبو لهب.
وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعليّ. وطالب لم يدرك الإسلام، وأدركه الثلاثة، فآمن عليّ وجعفر في أول الإسلام، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة عام خيبر.
وكان عقيل قد استولى على رباح بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها، ولهذا لما قيل للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حجته: "ننزل غداً في دارك بمكة" قال: "وهل ترك لنا عقيل من دار"؟(5).
وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل.
وهب أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله، وعبيد الله، والفضل، وأما قثم فولد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يُكَنَّى. وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين، ولم يولد للعباس في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا الفضل وعبد الله وعُبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده.(2/4)
وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مسلمة الفتح.
وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث، وشهد الطائف وحنيناً، وعتبة دعا عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأكله الكلب، فقتله السبع بالزرقاء من الشام كفراً(6).
فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلاً، فأين الأربعون؟!
الخامس: قوله: "إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق من اللبن" فكذب على القوم، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل، ولا عُرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقاً.
السادس: أن قوله للجماعة: "من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصي وخليفتي من بعدي" كلام مفترى على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لا يجوز نسبته إليه، فإن جرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين، وأعانوا على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته، وفارقوا أوطانهم، وعادوا إخوانهم، وصبروا على الشتات بعد الألفة، وعلى الذل بعد العز، وعلى الفقر بعد الغنى، وعلى الشدة بعد الرخاء، وسيرتهم معروفة مشهورة، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له.(2/5)
وأيضاً فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلاً أمكن أن يجيبوه - أو أكثرهم أو عدد منهم - فول أجابه منهم عدد من كان الذي يكن الخليفة بعده؟ أيعيّن واحداً بلا موجب؟ أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة، والأخوة والمؤازرة، إلا بأمر سهل، وهو الإجابة إلى الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر. وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة، إلا وله من هذا نصيب وافر، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق، فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
السابع: أن حمزة وجعفراً وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه عليّ من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنين أربعين رجلاً، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان اجتماع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم به في دار الأرقم، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة، فإن أبا لهب كان مظهراً لمعاداة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولما حُصر بنو هاشم في الشِعب لم يدخل معهم أبو لهب.(2/6)
الثامن: أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا. ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة - واللفظ له - عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما نزلت: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قريشاً، فاجتمعوا، فخص وعم فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار. فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها"(7).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً لَمَّا نزلت هذه الآية قال: "يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً. سلاني ما شئتما من مالي"(8) وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو(9)، ومن حديث عائشة وقال فيه: "قام على الصفا"(10).
وقال في حديث قبيصة: "انطلق إلى رضمة من جبل، فعلا أعلاها حجراً، ثم نادى: يا بني عبد مناف إني لكم نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق بربأ أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف: يا صباحاه"(11).(2/7)
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صباحاه" فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فجعل ينادي: "يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب" وفي رواية: "يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان" لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً ينظر ما هو، فاجتمعوا فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدّقي"؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" قال: فقال أبو لهب: تبّاً لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ فقام فنزلت هذه السورة: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1](12).
وفي رواية: ""أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبّحكم ويمسّيكم أكنتم تصدّقوني"؟ قالوا: بلى"(13).
فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنِّفين في الفضائل، كالثعلبي والبغوي وأمثالهما والمغازلي.(2/8)
قيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يُعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب، بل فيها ما يُعلم بالاضطرار أنه كذب. والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، وأبي عبد الله بن منده، والدارقطني، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم.
وقد صنَّفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم، وذكروا أخبارهم وأخبار من أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم، مثل كتاب "العلل وأسماء الرجال" عن يحيى القطَّان، وابن المديني، وأحمد، وابن معين والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والترمذي، وأحمد بن عدي، وابن حبان، وأبي الفتح الأزدي، والدارقطني وغيرهم.
وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه من الأحاديث التي في فضائل السور: سورة سورة.
وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي(14)، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث. وكذلك غير هذا.
وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي. والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي، لكنهما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما.(2/9)
وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يُوجب له أن كل ما رواه صدق، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذباً، بل الاعتبار بميزان العدل.
وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: في الأصول، والأحكام، والزهد، والفضائل، ووضعوا كثيراً من فضائل الخلفاء الأربعة، وفضائل معاوية.
ومن الناس من يكون قصده رواية ما رُوي في الباب، من غير تمييز بين صحيح وضعيف، كما فعله أبو نُعيم في فضائل الخلفاء وكذلك غيره ممن صنَّف في الفضائل، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو علي الأهوازي وغيرهما في فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل عليّ، وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل عليّ وغيره، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه، فلا يجوز أن يُجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم.
وأما من يذكر الحديث بلا إسناد من المصنّفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة، ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك.
الفصل الثاني
بيان أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه صلَّى الله عليه وسلَّم(2/10)
قال الرافضي: الثاني: الخبر المتواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه لَمّا نزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] خطب الناس في غدير خُم وقال للجمع كله: يا أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال عمر: بخٍ بخٍ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ألست أولى منكم بأنفسكم؟.
والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم، وبيَّنّا أن هذا كذب، وأن قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة.
ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج، وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث. ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولاً قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم واقف بعرفة، كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن، وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم.
وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام، فكيف يكون قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] نزل ذلك الوقت، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وإن كان ذلك في سورة المائدة، كما أن فيها تحريم الخمر، والخمر حُرِّمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد.(2/11)
وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله: { فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [المائدة: 42]. وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين، وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء، ورجم اليهوديين كان أول ما فعله بالمدينة، وكذلك الحكم بين قريظة والنضير، فإن بني النضير أجلاهم قبل الخندق، وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق.
والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية، وقبل فتح خيبر، وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين، وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير.
فمن قال: إن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم.
وأيضاً فإن الله تعالى قال في كتابه: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67] فضمن له سبحانه أنه يعصمه من الناس إذا بلَّغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء، ولهذا روي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان قبل نزول هذه الآية يُحرس، فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك(15).
وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ.
وقال في حجة الوداع: "ألا هل بلغت ألا هل بلغت"؟ قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد" وقال لهم: "أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد" وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة(16).
وقال: "ليبلِّغ الشاهد الغائب، فربَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع"(17).(2/12)
فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم، فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع، لأنه قد بلَّغ قبل ذلك، لأنه حينئذ لم يكن خائفاً من أحدٍ يحتاج أن يُعصم منه، بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مُسِرُّون للنفاق، ليس فيهم من يحاربه، ولا من يخاف الرسول منه. فلا يُقال له في هذه الحال: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67].
وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في حجة الوداع، فإن كثيراً من الذين حجُّوا معه - أو أكثرهم - لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم. وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريباً منها.
فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في الحج، لبلَّغه في حجة الوداع كما بلَّغ غيره، فلما لم يذكر في حجة الوداع إمامةً ولا ما يتعلق بالإمامة أصلاً، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر إمامة عليّ، بل ولا ذكر عليّاً في شيء من خطبته، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، عُلم أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يُذكر في إمامته.
والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: "إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله" فذكر كتاب الله وحضَّ عليه ثم قال: "وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي" ثلاثاً. وهذا مما انفرد به مسلم(18)، ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: "وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض"(19).(2/13)
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنها ليست من الحديث. والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة. وهذا قاله طائفة من أهل السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.
والحديث الذي في مسلم، إذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتِّباع كتاب الله. وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة، ولكن قال: "أذكركم الله في أهل بيتي" وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم، والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خُم.
فعلم أنه لم يكن في غدير خُم أمر يشرع نزل إذ ذاك، لا في حق عليّ ولا غيره، لا إمامته ولا غيرها.
لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه". وأما الزيادة وهي قوله: "اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه.." إلخ، فلا ريب أنه كذب(20).
ونقل الأثرم في "سننه" عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنه حدّث بحديثين:
أحدهما: قوله لعليّ: إنك ستعرض على البراءة مني فلا تبرأ.
والآخر: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه، فأنكره أبو عبيد الله جداً، لم يشك أن هذين كذب.
وكذلك قوله: أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة، كذب أيضاً.
وأما قوله: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنُقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعَّفوه، ونُقل عن أحمد بن حنبل أنه حسَّنه كما حسَّنه الترمذي. وقد صنَّف أبو العباس بن عُقْدَة مصنَّفاً في جميع طرقه(21).(2/14)
وقال ابن حزم(22): "الذي صح من فضائل عليّ فهو قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي" وقوله(23): "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" وهذه صفة واجبة لكل مسلم ومؤمن وفاضل(24)، وعهده صلَّى الله عليه وسلَّم(25): أن عليّاً "لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق". وقد صح مثل هذا في الأنصار أنهم(26) "لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر".
قال(27): "وأما "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فلا يصح من طريق الثقات أصلاً. وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض(28) فموضوعه، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها"(29).
فإن قيل: لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: "أنت مني وأنا منك" وحديث المباهلة والكساء.
قيل: مقصود ابن حزم: الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يُذكر فيه إلا عليّ. وأما تلك ففيها ذكر غيره، فإنه قال لجعفر: "أشبهت خَلقي وخُلقي" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا". وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر عليّ وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم، فلا يرد هذا على ابن حزم.
ونحن نجيب بالجواب المركّب فنقول: إن لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه. ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلَّغ بلاغاً مبيناً.(2/15)
وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي. والله تعالى قال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 55]، وقال: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]، فبيَّن أن الرسول وليُّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيَّن أن الله وليّ المؤمنين، وأنهم أولياؤه، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه. فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويحادّون الله ورسوله ويعادونه.
وقد قال تعالى: { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } [الممتحنة: 1]. وهو يجازيهم على ذلك، كما قال تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279].
وهو وليّ المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور. وإذا كان كذلك فمعنى كون الله وليّ المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنين يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة لملعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعليُّ رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.(2/16)
وفي هذا الحديث إثبات إيمان عليّ في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم له موالي، وهم صالحوا المؤمنين، فعليّ أيضاً له مولى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه.
وقد قال الني صلَّى الله عليه وسلَّم: إن أسلم وغفاراً ومزينة وجهينة وقريشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله(30)، وجعلهم موالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم.
وفي الجملة فرق بين الوليّ والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية - التي هي ضدّ العداوة - شيء، وباب الولاية - التي هي الإمارة - شيء.
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقل: من كنت واليه فعليّ واليه. وإنما اللفظ "من كنت مولاه فعليّ مولاه".
وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل. فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله، وهو مولاهم.
وأما كونه أولى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلا من طرفه صلَّى الله عليه وسلَّم. وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته، ولو قُدِّر أنه نصَّ على خليفة من بعده، لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم. ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه. وهذا لم يقله، ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعاً؛ لأن كون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، وخلافة عليّ - لو قدر وجودها - لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون عليٌّ خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين، إذا أريد به الخلافة.(2/17)
وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد الخلافة؛ فإن كونه وليّ كل مؤمن، وصف ثابت له في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لم يتأخر حكمه إلى الموت. وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت. فعُلم أن هذا ليس هذا.
وإذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته، أو قُدِّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته، أو قُدِّر أنه استخلف أحداً بعد موته، وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه، لا سيما في حياته.
وأما كون عليّ وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعليّ في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد مماته، وبعد ممات عليّ، فعليّ اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس. وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً.
الفصل الثالث
نقض احتجاج الرافضة بحديث "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"
قال الرافضي: الثالث: قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. أثبت له "عليه السلام" جميع منازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء. ومن جملة منازل هارون أنه كان خليفة لموسى، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضاً، وإلا لزم تطرّق النقض إليه، ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة، أولى بأن يكون خليفته".
والجواب: أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرها، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له ذلك في غزوة تبوك. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم كلما سافر في غزوة أو عُمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة، كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان(31)، وفي غزوة بني قَيْنُقَاع بشير بن عبد المنذر(32)، ولما غزا قريشاً ووصل إلى الفُرع استعمل ابن أم مكتوم(33)، وذكر ذلك محمد بن سعد(34) وغيره.(2/18)
وبالجملة فمن المعلوم أنه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف. وقد ذكر المسلمون من كان يتسخلفه، فقد سافر من المدينة في عُمرتين: عُمرة الحديبية وعمرة القضاء. وفي حجة الوداع، وفي مغازيه - أكثر من عشرين غزاة - وفيها كلها استخلف، وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه، فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لأحد في التخلف عنها، وهي آخر مغازيه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها، فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان، أو من هو معذور لعجزه عن الخروج، أو من هو منافق، وتخلّف الثلاثة الذين تِيب عليهم، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف أضعف من الاستخلافات المعتادة منه، لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحداً، كما كان يبقي في جميع مغازيه، فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم مَن يستخلف، فكل استخلاف استخلفه في مغازيه، مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى والصغرى، وغزوة بني المصطلق، والغابة، وخيبر، وفتح مكة، وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال، ومغازيه بضع عشرة غزوة، وقد استخلف فيها كلها إلا القليل، وقد استخلف في حجة الوداع وعمرتين قبل غزوة تبوك.
وفي كل مرة يكون بالمدينة أفضل ممن بقى في غزوة تبوك، فكان كل استخلاف قبل هذه يكون عليٌّ أفضل ممن استخلف عليه عليّاً، فلهذا خرج إليه عليٌّ رضي الله عنه يبكي، وقال: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟(2/19)
وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، وقال: إنما خلّفه لأنه يبغضه. فبيّن له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي، وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غضٍّ، فإن موسى استخلف هارون على قومه، فكيف يكون نقصاً وموسى يَفْعَله بهارون؟ فطيَّب بذلك قلب عليّ، وبيّن أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلَف وأمانته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، وذلك لأن المستخلَف يغيب عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد خرج معه جميع الصحابة.
والملوك - وغيرهم - إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به، ومعاونته لهم، ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه، ويده وسيفه.
والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله، فظن من ظن أن هذا غضاضة من عليّ، ونقص منه، وخفض من منزلته، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة، التي تحتاج إلى سعي واجتهاد، بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد.
فكان قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مبيّناً أن جنس الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضّاً، إذ لو كان نقصاً أو غضاً لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده.
وأما استخلاف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فجميع العسكر كان معه، ولم يُخَلَّف بالمدينة - غير النساء والصبيان - إلا معذورٌ أو عاصٍ.
وقول القائل: "هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا" هو كتشبيه الشيء بالشيء. وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء.(2/20)
ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث الأسارى لَمّا استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر، فأشار بالقتل. قال: "سأخبركم عن صاحبيكم. مثلك يا أبا بكر كمثل إبارهيم إذ قال: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [إبراهيم: 36]، ومثل عيسى إذ قال: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة: 118]. ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: { رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح: 26]، ومثل موسى إذ قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ } [يونس: 88]".
فقوله لهذا: مثلك كمثل إبراهيم وعيسى، ولهذا: مثل نوح وموسى، أعظم من قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ فإن نوحاً وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يرد أنهما مثلهم في كل شيء، لكن فيما دلّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دلّ عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون. وهذا الاستخلاف ليس من خصائص عليّ، بلا ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً عن أن يكون أفضل منها.
وقد استخلف مَنْ عليّ أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ؟
بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك، وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة.(2/21)
فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفُتحت مكة وظهر الإسلام وعزّ. ولهذا أمر الله نبيّه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو.
ولهذا لم يَدَع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يَدَع بها في سائر الغزوات، بل أخذ المقاتلة كلهم معه.
وتخصيصه لعليّ بالذكر هنا هو مفهوم اللقب، وهو نوعان: لقب هو جنس، ولقب يجري مجرى العلم، مثل زيد، وأنت. وهذا المفهوم أضعف المفاهيم، ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على أنه لا يُحتج به. فإذا قال: محمد رسول الله. لم يكن هذا نفياً للرسالة عن غيره، لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص، فإنه يحتج به على الصحيح.
كقوله: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [الأنبياء: 79]، وقوله: { كَلاّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15].
وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه، فلا يُحتج به باتفاق الناس. فهذا من ذلك؛ فإنه إنما خصَّ عليّاً بالذكر لأنه خرج إليه يبكي ويشتكي تخليفه مع النساء والصبيان.
ومن استخلفه سوى عليّ، لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصاً، لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام، والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتضِ الاختصاص بالحكم، فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى، كما أنه لما قال للمضروب الذي نَهَى عن لعنه: "دعه فإنه يحب الله ورسوله"(35) لم يكن هذا دليلاً على أن غيره لا يحب الله ورسوله، بل ذكر ذلك لأجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه.
ولما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة، قال: "دعه فإنه قد شهد بدراً"(36) ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدراً، بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبه.
وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة، لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة، لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه.(2/22)
وكذلك لما قال للحسن وأسامة: "اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما"(37) لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما، بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما.
وكذلك لما قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة" لم يقتض أن من سواهم يدخلها.
وكذلك لَمّا شبّه أبا بكر بإبراهيم وعيسى، لم يمنع ذلك أن يكون في أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى.
وكذلك لَمّا شبّه عمر بنوح وموسى، لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحاً موسى.
فإن قيل: إن هذين أفضل من يشبههم من أمته.
قيل: الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في أصل التشبيه.
وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود: "إنه مثل صاحب ياسين"(38). وكذلك لما قال للأشعريين: "هم مني وأنا منهم"(39) لم يختص ذلك بهم، بل قال لعلي: "أنت مني وأنا منك" وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا"(40) وذلك لا يختص بزيد، بل أسامة أخوهم ومولاهم.
وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جداً، وهي لا توجب التماثل من كل وجه، بل فيما سبق الكلام له، ولا تقتضي اختصاص المشبَّه بالتشبيه، بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك.
قال الله تعالى: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } [البقرة: 261].
وقال تعالى: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ } [يس: 13].
وقال: { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } [آل عمران: 117].
وقد قيل: إن في القرآن اثنين وأربعين مثلاً.
وقول القائل: إنه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل، فإن قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ دليل على أنه يسترضيه بذلك ويطيِّب قلبه لِمَا توهم من وهن الاستخلاف ونقص درجته، فقال هذا على سبيل الجبر له.(2/23)
وقوله: "بمنزلة هارون من موسى" أي مثل منزلة هارون، فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره، وإنما يكون له ما يشابهها، فصار هذا كقوله: هذا مثل هذا، وقوله عن أبي بكر: مثله مثل إبراهيم وعيسى، وعمر: مثله مثل نوح وموسى.
ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك، ثم بعد رجوع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعث أبا بكر أميراً على الموسم، وأردفه بعليّ، فقال لعليّ: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمورن فكان أبو بكر أميراً عليه، وعليّ معه كالمأمور مع أمره: يصلّي خلفه، ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان(41).
وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع، أو رجل من أهل بيته. فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومما يبيّن ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده، لم يكن هذا خطاباً بينهما يناجيه به، ولا كان أخَّرَهُ حتى يخرج إليه عليّ ويشتكي، بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم، بلفظ يبين المقصود.
ثم من جهل الرافضة أنهم يتناقضون، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخاطب عليّاً بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك، فلو كان عليّ قد عرف أنه المستخلف من بعده - كما رووا ذلك فيما تقدم - لكان عليّ مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته، ولم يخرج إليه يبكي، ولم يقل له: أتخلفني مع النساء والصبيان؟(2/24)
ولو كان عليّ بمنزلة هارون مطلقاً لم يستخلف عليه أحداً. وقد كان يستخلف على المدينة غيره وهو فيها، كما استخلف على المدينة عام خيبر غير عيّ، وكان عليّ بها أرمد، حتى لحق بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الراية حين قدم، وكان قد أعطى الراية رجلاً فقال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله".
وأما قوله: "لأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته".
فالجواب: أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير عليّ استخلافاً أعظم من استخلاف عليّ، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليّاً، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير عليّ في حجة الوداع، فليس جعل عليّ هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه، وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان عليّ باليمن، وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير عليّ.
فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف، فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك.
وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه، ولا تدل على الأفضلية، ولا مع الإمامة، بل قد استخلف عدداً غيره. ولكن هؤلاء جهّال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين عليّ وغيره خاصة بعليّ، وإن كان غيره أكمل منه فيها، كما فعلوا في النصوص والوقائع.(2/25)
وهكذا فعلت النصارى: جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالاًّ على شيء يختص به من الحلول والاتحاد، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ما أتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح، فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى، لا بحلول ولا اتحاد، بل إن كان ذلك كله ممتنعاً، فلا ريب أنه كله ممتنع في الجميع، وإن فُسِّرَ ذلك بأمر ممكن، كحصول معرفة الله والإيمان به، والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك، فهذا قدر مشترك وأمر ممكن.
وهكذا الأمر مع الشيعة: يجعلون الأمور المشتركة بين عليّ وغيره، التي تعمّه وغيره، مختصةً به، حتى رَبَّبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية. وهذا كله منتفٍ.
فمن عرف سيرة الرسول، وأحوال الصحابة، ومعاني القرآن والحديث: علم أنه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ولا إمامته، بل فضائله مشتركة، وفيها من الفائدة إثبات إيمان عليّ وولايته، والرد على النواصب الذين يسبّونه أو يفسقونه أو يكفرونه ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة.
ففي فضائل عليّ الثابتة ردٌّ على النواصب، كما أن في فضائل الثلاثة ردّاً على الروافض.
وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض والخوارج، ولكن شيعته يعتقدون إمامته، ويقدحون في إمامة عليّ. وهم في بدعتهم خير من شيعة عليّ الذين يقدحون في غيره. والزيديدة الذين يتولون أبا بكر وعرم مضطربون فيه.
وأيضاً فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة، لابد منه لكل ولي أمر، وليس كل مَنْ يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يُستخلف بعد الموت؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، وذلك كبشير ابن عبد المنذر وغيره.(2/26)
وأيضاً فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس، كما يُطالب بذلك ولاة الأمور. وأما بعد موته فلا يطالب بشيء، لأنه قد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربّه. ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء، وتقسيم الفيء، وإقامة الحدود، واستعمال العمّال، وغير ذلك مما يجب على ولاة الأمور بعده، وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك.
فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت. والإنسان إذا استخلف أحداً في حياته على أولاده وما يأمر به من البرّ، كان المستخلف وكيلاً محضاً يفعل ما أمر به الموكِّل، وإن استخلف أحداً على أولاده بعد موته، كان وليّاً مستقلاًّ يعمل بحسب المصلحة، كما أمر الله ورسوله، ولم يكن وكيلاً للميّت.
وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصاً في حياته، فإنه يفعل ما يأمره به في القضايا المعيّنة. وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله، فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت، بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه، فإنه يُضاف إلى من استخلفه لا إليه. فأين هذا من هذا؟!.
ولم يقل أحد من العقلاء: إن من استخلف شخصاً على بعض الأمور. وانقضى ذلك الاستخلاف: إنه يكون خليفة بعد موته على شيء، ولكن الرافضة من أجهل الناس بالمعقول والمنقول.
الفصل الرابع
نقض قياس الرافضة الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب
قال الرافضي: الرابع: "أنه صلَّى الله عليه وسلَّم استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة، فيجب أن يكون خليفة له بعد موته. وليس غير عليّ إجماعاً، ولأنه لم يعزله عن المدينة، فيكون خليفة له بعد موته فيها، وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعاً".
والجواب: أن هذه الحجة وأمثالها من الحجج الداحضة، التي هي من جنس بيت العنكبوت. والجواب عنها من وجوه:(2/27)
أحدها: أن نقول على أحد القولين: إنه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم. وإذا قالت الرافضة: بل استخلف عليّاً. قيل: الراوندية من جنسكم قالوا: استخلف العبّاس، وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على استخلاف أحدٍ بعد موته إنما تدل على استخلاف أبي بكر، ليس فيها شيء يدل على استخلاف عليّ ولا العباس، بل كلها تدل على أنه لم يستخلف واحداً منهما. فيقال حينئذ: إن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف أحداً فلم يستخلف إلا أبا بكر، وإن لم يستخلف أحداً فلا هذا ولا هذا.
فعلى تقدير كون الاستخلاف واجباً على الرسول، لم يستخلف إلا أبا بكر، فإن جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير أبي بكر، وإنما يدل ما يدل منها على استخلاف أبي بكر. وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة.
الوجه الثاني: أن نقول: أنتم لا تقولون بالقياس، وهذا احتجاج بالقياس، حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب. وأما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول: الفرق بينهما ما نبّهنا عليه في استخلاف عمر في حياته، وتوقفه في الاستخلاف بعد موته، لأن الرسول في حياته شاهد على الأمة، مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه، وبعد موته انقطع عنه التكليف.
كما قال المسيح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] الآية، لم يقل: كان خليفتي الشهيد عليهم. وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف، فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت.
وكذلك ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "فأقول كما قال العبد الصالح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117]"(42).(2/28)
وقد قال تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 144].
فالرسول بموته انقطع عنه التكليف، وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب أن يكون معصوماً، بل كان يولّي الرجل ولايةً، ثم يتبيّن كذبه فيعزله، كما ولّى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو لو استخلف رجلاً لم يجب أن يكون معصوماً، وليس هو بعد موته شهيداً عليه، ولا مكلَّفاً بردّه عما يفعله، بخلاف الاستخلاف في الحياة.
الوجه الثالث: أن يُقال الاستخلاف في الحياة واجبٌ على كل وليّ أمر؛ فإن كل وليّ أمر - رسولاً كان أو إماماً - عليه أن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور، فلابد له من إقامة الأمر: إما: بنفسه، وإما بنائبه. فما شهده من الأمر أمكنه أن يقيمه بنفسه، وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه، فيولّي على مَنْ غاب عنه مِن رعيته مَنْ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويأخذ منهم الحقوق، ويقيم فيهم الحدود، ويعدل بينهم في الأحكام، كما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه، فيولِّي الأمراء على السرايا: يصلّون بهم، ويجاهدون بهم، ويسوسونهم، ويؤمِّر أمراء على الأمصار، كما أمَّر عتاب بن أسيد على مكة، وأمَّر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذاً وأبا موسى على قرى عُرينة وعلى نجران وعلى اليمن، وكما كان يستعمل عمالاً على الصدقةن فيقبضونها ممن تجب عليه، ويعطونها لمن تحلّ له، كما استعمل غير واحد.
وكان يستخلف في إقامة الحدود، كما قال لأنيس: "يا أنيس اغد على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها"(43) فغدا عليها فاعترفت فرجمها.(2/29)
وكان يستخلف على الحج، كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك، وكان عليّ من جملة رعية أبي بكر: يصلّي خلفه، ويأتمر بأمره، وذلك بعد غزوة تبوك.
وكما استخلف على المدينة مراتٍ كثيرة، فإنه كان كلما خرج في غزاة استخلف. ولما حج واعتمر استخلف، فاستخلف في غزوة بدر، وبني المصطلق، وغزوة الفتح، واستخلف في غزوة الحديبية، وفي غزوة القضاء، وحجة الوداع، وغير ذلك.
وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجباً على متولي الأمر وإن لم يكن نبيّاً، مع أنه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته، لكون الاستخلاف في الحياة أمراً ضرورياً لا يؤدى الواجب إلا به، بخلاف الاستخلاف بعد الموت، فإنه قد بلَّغ الأمة، وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته، فيمكنهم أن يعينوا مَنْ يؤمّرونه عليهم، كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معيّن - عُلم أنه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت.
رابع: أن الاستخلاف في الحياة واجبٌ في أصناف الولايات، كما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يستخلف على من غاب عنهم مَنْ يقيم فيهم الواجب، ويستخلف في الحج، وفي قبض الصدقات، وحفظ مال الفيء، وفي إقامة الحدود، وفي الغزو وغير ذلك.(2/30)
ومعلوم أن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء، بل ولا يمكن، فإنه لا يمكن أن يعيّن للأمة بعد موته مَنْ يتولّى كل أرم جزئي، فإنهم يحتاجون إلى واحدٍ بعد واحد، وتعيين ذلك متعذر، ولأنه لو عيَّن واحداً. فقد يختلف حاله ويجب عزله، فقد كان يولّى في حياته من يُشكى إليه فيعزله، كما عزل الوليد بن عقبة، وعزل سعد بن عبادة عام الفتح وولى ابنه قيساً، وعزل إماماً كان يصلّي بقوم لما بصق في القبلة، وولَّى مرة رجلاً فلم يقم بالواجب، فقال: "أعجزتم إلا ولّيت من لا يقوم بأمر أن تولّوا رجلاً يقوم بأمري"(44) فقد فوّض إليهم عزل مَنْ لا يقوم بالواجب من ولاته، فكيف لا يفوض إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب؟!
وإذا كان في حياته مَنْ يولّيه ولا يقوم بالواجب فيعزله، أو يأمر بعزله، كان لو ولّى واحداً بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب، وحينئذ فيحتاج إلى عزله، فإذا ولّته الأمة وعزلته، كان خيراً لهم مِنْ أن يعزلوا مَنْ ولاّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف، وعلى هذا فنقول في:
الوجه الخامس: أن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أولى من الاستخلاف، كما اختاره الله لنبيه، فإنه لا يختار له إلا أفضل الأمور. وذلك لأنه: إما أن يُقال: يجب أن لا يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، وكان يصدر من بعض نوّابه أمور منكرة فينكرها عليهم، ويعزل من يعزل منهم. كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم، فوَدَاهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بنصف دياتهم، وأرسل عليّ بن أبي طالب فضمن لهم حتى مبلغة الكلب، ورفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يديه إلى السماء وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد".(2/31)
واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خالداً.
واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قومٍ، فرجع فأخبره أن القوم امتنعوا وحاربوا، فأراد غزوهم، فأنزل الله تعالى: { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } [الحجرات: 6].
وولّى سعد بن عبادة يوم الفتح، فلما بلغه أن سعداً قال:
اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة
عزله، وولّى ابنه قيساً، وأرسل بعمامته علامةً على عزله، ليعلم سعد أن ذلك أمرٌ من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وكان يُشْتَكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به، كما اشتكى أهل قباء معاذاً لتطويله الصلاة بهم، لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال: "أفتَّان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها"(45).
وفي الصحيح أن رجلاً قال له: إني أتخلّف عن صلاة الفجر مما يطوِّل بنا فلان، فقال: "يا أيها الناس إذا أمَّ أحدكم فليخفف، فإن من ورائه الضعيف والكبير وذا الحاجة، وإذا صلّى لنفسه فليطوّل ما شاء"(46).
ورأى إماماً قد بصق في قبلة المسجد، فعزله عن الإمامة، وقال: "إنك آذيت الله ورسوله"(47).
وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه.
فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حياته يعلّم خلفاءه ما جهلوا، ويقوِّمهم إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا، ولم يكونوا مع ذلك معصومين، فعلم أنه لم يكن يجب عليه أن يولّي المعصوم.
وأيضاً فإن هذا تكليف ما لا يمكن، فإن الله لم يخلق أحداً معصوماً غير الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. فلو كُلِّف أن يستخلف معصوماً لكُلِّف ما لا يقدر عليه، وفات مقصود الولايات، وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا.(2/32)
وإذا عُلم أنه يجوز - بل يجب - أن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته، لاستخلف أيضاً غير معصوم، وكان لا يمكنه أن يعلّمه ويقوِّمه كما كان يفعل في حياته، فكان أن لا يستخلف خيراً من أن يستخلف.
والأمة قد بلغها أمر الله ونهيه، وعلموا ما أمر الله به ونهى عنه، فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله، ويعاونونه على إتمامهم القيام بذلك، إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك، فما فاته مِنَ العلم بيّنه له مَنْ يعلمه، وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة، وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم، وليس على الرسول ما حُمِّلوه، كما أنهم ليس عليهم ما حُمِّل.
فعُلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد الموت أكمل في حق الرسول من الاستخلاف، وأن مَنْ قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من أجهل الناس.
وإذا علم الرسول أن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة، كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره، كان في دلالته للأمة على أنه أحق، مع علمه بأنهم يولُّونه، ما يغنيه عن استخلافه، لتكون الأمة هي القائمة بالواجب، ويكون ثوابها على ذلك أعظم من حصول مقصود الرسول.
وأما أبو بكر فلما علم أنه ليس في الأمة مثل عمر، وخاف أن لا يولُّوه إذا لم يستخلفه لشدته، فولاه هو، كان ذلك هو المصلحة للأمة.
فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عَلِمَ أن الأمة يولُّون أبا بكر، فاستغنى بذلك عن توليته، مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية، وأبو بكر لم يكن يعلم أن الأمة يولُّون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر. فكان ما فعله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو اللائق به لفضل علمه، وما فعله صدِّيق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.(2/33)
الوجه السادس: أن يقال: هب أن الاستخلاف واجب، فقد استخلف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر، على قول من يقول: إنه استخلفه، ودلَّ على استخلافه على القول الآخر.
وقوله: "لأنه لم يعزله عن المدينة".
قلنا: هذا باطل، فإنه لَمّا رجع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم انعزل عليّ بنفس رجوعه، كما كان غيره ينعزل إذا رجع. وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن، حتى وافاه بالموسم في حجة الوداع، واستخلف على المدينة في حجة الوداع غيره.
أفترى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها مقيماً وعليّ باليمن، وهو خليفة بالمدينة؟!
ولا ريب أن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كأنهم ظنّوا أن عليّاً مازال خليفة على المدينة حتى مات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يعلموا أن عليّاً بعد ذلك أرسله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود، وأمَّر عليه أبا بكر، ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن، كما أرسل معاذاً وأبا موسى.
ثم لما حج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع استخلف على المدينة غير عليّ، ووافاه عليّ بمكة، ونحر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مائة بدنة، نحر بيده ثُلُثَيها، ونحر عليّ ثُلُثَها.
وهذا كله معلوم عند أهل العلم، متفق عليه بينهم، وتواترت به الأخبار، كأنك تراه بعينك.
ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية.
والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها، كما أن سائر من استخلفه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما رجع انقضت خلافته.
وكذلك سائر ولاة الأمور: إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف.
ولهذا لا يصلح أن يُقال: إن الله يستخلف أحداً عنه، فإنه حيّ قيوم شهيد مدبِّر لعباده، مُنزّه عن الموت والنوم والغَيبة.(2/34)
ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لستُ خليفة الله، بل خليفة رسول الله، وحسبي ذلك.
والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل"(48)، وقال في حديث الدّجَّال: "والله خليفتي على كل مسلم"(49).
وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله.
كقوله: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } [يونس: 14]، { وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69]، { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [النور: 55].
وكذلك قوله: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، أي: عن خلقٍ كان في الأرض قبل ذلك، كما ذكر المفسرون وغيرهم(50).
وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية وغيرهم أن الإنسان خليفة الله، فهذا جهل وضلال.
الفصل الخامس
إثبات أن حديث "عليّ أخي ووصيي وخليفتي وقاضي ديني" كذب وموضوع
قال الرافضي: "الخامس: ما رواه الجمهور عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال لأمير المؤمنين: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي دَيْني، وهو نصٌّ في الباب".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث، فإن هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها، ولا صححه إمام من أئمة الحديث.(2/35)
وقوله: "رواه الجمهور": إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه في الكتب التي يُحتج بما فيها، مثل كتاب البخاري ومسلم ونحوهما، وقالوا: إنه صحيح، فهذا كذب عليهم، وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نُعيم في "الفضائل" والمغازلي وخطيب خوارزم ونحوهم، أو يُروى في كتب الفضائل، فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع، فكيف في مسألة الإمامة، التي قد أقمتم عليها القيامة؟!
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث(51). وقد تقدّم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها.
وقد صدق في ذلك، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه، ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل كذب موضوع، ولهذا لم يُخَرِّجْه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يُحتج بما فيها، وإنما يرويه مَنْ يرويه في الكتب التي يُجمع فيها بين الغثّ والسمين، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب، مثل كثير من كتب التفسير: تفسير الثعلبي والواحدي ونحوهما، والكتب التي صنّفها في الفضائل مَنْ يجمع الغثّ والسمين، لا سيما خطيب خوارزم، فإنه مِن أَرْوَى الناس للمكذوبات، وليس هو من أهل العلم بالحديث، ولا المغازلي.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "الموضوعات" لما رَوى هذا الحديث(52) من طريق أبي حاتم البستي، حدثنا محمد بن سهل بن أيوب، حدثنا عمّار بن رجاء، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف، عن أنس(53) أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إن أخي ووزيري وخليفتي من أهلي، وخير من أترك بعدي، يقضي دَيْني، وينجز موعدي: عليّ بن أبي طالب"(54) قال: هذا حديث موضوع. قال ابن حبان: مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه".(2/36)
رواه أيضاً من طريق أحمد بن عدي بنحو هذا اللفظ، ومداره على عبيد الله بن موسى، عن مطر بن ميمون، وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقاً روى عنه البخاري، لكنه معروف بالتشيع، فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه، كما روى عن مطر بن ميمون هذا، وهو كذب. وقد يكون علم أنه كَذَب ذلك، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه، ولو بحث عنه لتبين له أنه كذب هذا، مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدِّثون: "وخليفتي من بعدي" وإنما في تلك الطريق: "وخليفتي في أهلي" وهذا استخلاف خاص.
وأما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال(55): "حدثنا ابن أبي سفيان(56)، حدثنا عدي(57) بن سهل، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر(58)، عن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "عليّ أخي وصاحبي وابن عمي وخير من أترك من بعدي(59)، يقضي دَيْني وينجز موعدي"(60).
ولا ريب أن مطراً هذا كذَّاب، لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة، مع روايته عن أنس، فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطّان، ولا وكيع، ولا أبو معاوية، ولا أبو نُعيم، ولا يحيى بن آدم ولا أمثالهم، مع كثرة مَنْ بالكوفة من الشيعة، ومع أن كثيراً من عوامّها يفضّل عليّاً على عثمان، ويروي حديثه أهل الكتب الستة، حتى الترمذي وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء، ولم يرووا عنه، وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى، لأنه كان صاحبَ هوى متشيعاً، فكان لأجل هواه يروي عن هذا ونحوه، وإن كانوا كذَّابين.
ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى، بخلاف عبد الرزاق، وذكر أحمد أن عبيد الله(61) كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق.(2/37)
ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في "تاريخه" من حديث عبيد الله بن موسى، عن مطر، عن أنس، قال: كنت عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فرأى عليّاً مقبلاً، فقال: "أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة" قال ابن الجوزي(62): "هذا حديث موضوع، والمتهم بوضعه مطر. قال أبو حاتم: يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه".
الوجه الثالث: أن دَيْن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقضه عليّ بل في الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله(63)، فهذا الدين الذي كان عليه يُقضى من الرهن الذي رهنه، ولم يُعرف عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دَيْن آخر.
وفي الصحيح عنه أنه قال: "لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً، ما تركت بعدَ نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة"(64)، فلو كان عليه دَيْن قُضِيَ مما تركه، وكان ذلك مقدَّماً على الصدقة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
الفصل السادس
إثبات أن أحاديث المؤاخاة بين عليّ والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم كلها موضوعة(2/38)
قال الرافضي: "السادس: حديث المؤاخاة. روى أنس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما كان يوم المباهلة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وعليٌّ واقف يراه ويعرفه، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فانصرف باكياً، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما فعل أبو الحسن؟ قالوا: انصرف باكي العين، قال: يا بلال اذهب فائتني به، فمضى إليه. ودخل منزله باكي العين فقالت له فاطمة ما يبكيك؟ قال: آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بيني وبين أحد. قالت: لا يخزيك الله، لعله إنما ادخرك لنفسه. فقال بلال: يا عليّ أجب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتى فقال: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فأخبره، فقال: إنما أدّخرك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى، فأخذه بيده، فأتى المنبر، فقال: اللهم هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، فانصرف فاتبعه عمر، فقال: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فالمؤاخاة تدل على الأفضلية، فيكون هو الإمام".
والجواب أولاً: المطالبة بتصحيح النقل، فإنه لم يعزُ هذا الحديث إلى كتاب أصلاً، كما عادته يعزو، وإن كان عادته يعزو إلى كتبٍ لا تقوم بها الحجة، وهنا أرسله إرسالاً على عادة أسلافه شيوخ الرافضة، يكذبون يروون الكذب بلا إسناد، وقد قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء، فإذا سُئل: وقف وتحيّر.
الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث، لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع(65)، وواضعه جاهل، كذب كذباً ظاهراً مكشوفاً، يعرف أنه كذب من له أدنى معرفة بالحديث، كما سيأتي بيانه.(2/39)
الثالث: أن أحاديث المؤاخاة لعليّ كلها موضوعة(66)، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ أحدأً، ولا آخى بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أبي بكر وعمر ولا بين أنصاري وأنصاري، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة(67).
وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة.
الرابع: أن دلائل الكذب على هذا الحديث بيّنة، منها: أنه قال: "لما كان يوم المباهلة وآخى بين المهاجرين والأنصار". والمباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى، وأنزل الله سورة آل عمران، وكان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع، لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يباهل النصارى، لكن دعاهم إلى المباهلة، فاستنظروه حتى يشتوروا، فلما اشتوروا قالوا: هو نبيٌّ، وما باهل قومٌ نبيّاً إلا استؤصلوا، فأقرُّوا له بالجزية، ولم يباهلوا، وهم أول من أقرّ بالجزية من أهل الكتاب، وقد اتفق الناس على أنه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة.
الخامس: أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار، وبين المباهلة وذلك عدة سنين.
السادس: أنه كان قد آخى بين المهاجرين والأنصار، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ كلاهما من المهاجرين، فلم يكن بينهما مؤاخاة، بل آخى بين عليّ وسهل بن حنيف، فعُلم أنه لم يؤاخ عليّاً، وهذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار، لم تكن بين مهاجري ومهاجري.
السابع: أن قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة، لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلاً باتفاق أهل العلم بالحديث.
وأما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا أنه قاله بغدير خم مرة واحدة، لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلاً.(2/40)
الثامن: أنه تقدم الكلام على المؤاخاة، وأن فيها عموماً وإطلاقاً لا يقتضي الأفضلية والإمامة، وأن ما ثبت للصّدّيق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره، كقوله: "لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً"، وإخباره: أن أحب الرجال إليه أبو بكر، وشهادة الصحابة له أنه أحبهم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وغير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روي عن المؤاخاة باطل نقلاً ودلالة.
التاسع: أن مِنَ الناس مَنْ يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، لأنه روي فيها أحاديث، لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن، وكل ما روي في ذلك فإنه باطل: إما أن يكون من رواية مَنْ يتعمد الكذب، وإما أن يكون أخطأ فيه، ولهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئاً من ذلك.
والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعلوم أنه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض وبين الأنصار بعضهم مع بعض، لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ولكان يذكر في أحاديث المؤاخاة، ويذكر كثيراً، فكيف وليس في هذا حديث صحيح، ولا خرَّج أهل الصحيح من ذلك شيئاً.
وهذه الأمور يعرفها مَنْ كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة والسيرة المتواترة، وأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وسبب المؤاخاة وفائدتها ومقصودها، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك، فآخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، ليعقد الصلة بين المهاجرين والأنصار، حتى أنزل الله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال: 75] وهي المحالفة التي أنزل الله فيها: { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [النساء: 33](68).(2/41)
وقد تنازع الفقهاء: هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، الأول: مذهب أبي حنيفة، والثاني: مذهب مالك والشافعي.
الفصل السابع
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بحب الله ورسوله دون غيره
قال الرافضي: السابع: ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليّ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرض للحرب، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر، فقال له: خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتهد ولم يغن شيئاً، ورجع منهزماً، فلما كان من الغد تعرَّض لها عمر، فسار غير بعيد، ثم رجع يخبر أصحابه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: جيئوني بعليّ، فقيل: إنه أرمد، فقال: أرونيه أروني رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرَّار، فجاءوا بعليّ، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه فبرئ، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه، وقتل مرحباً، ووَصْفُهُ عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره، وهو يدل على أفضليته، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:(2/42)
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وأما قوله: "رواه الجمهور" فإن الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي في الصحيح أن عليّاً كان غائباً عن خيبر، لم يكن حاضراً فيها، تخلّف عن الغزاة لأنه كان أرمد، ثم إنه شقَّ عليه التخلف عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فلحقه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قبل قدومه: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه". ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر ولا لعمر، ولا قربها واحد منهما، بل هذا من الأكاذيب، ولهذا قال عمر: "فما أحببت الإمارة إلا يومئذ، وبات الناس كلهم يرجون أن يُعطاها، فلما أصبح دعا عليّاً، فقيل له: إنه أرمد، فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ، فأعطاه الراية".
وكان هذا التخصيص جزاء مجيء عليّ مع الرمد، وكان إخبار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك وعليّ ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلَّى الله عليه وسلَّم، فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلاً.
الثاني: أن إخباره أن عليّاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله حق، وفيه رد على النواصب، لكن الرافضة الذين يقولون: إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا، لأن الخوارج تقول لهم: هو ممن ارتد أيضاً، كما قالوا لَمّا حكم الحكمين: إنك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه.
قال الأشعري في كتاب "المقالات"(69): "أجمعت الخوارج على كفر عليّ"(70).
وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة، لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة، والرافضة تقدح فيها، فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على أن عليّاً مات مؤمناً، بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم، لأن أصلهم فاسد.(2/43)
وليس هذا الوصف نم خصائص عليّ، بل غيره يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لكن فيه الشهادة لعينه بذلك، كما شهد لأعيان العشرة بالجنة، وكما شهد لثابت بن قيس بالجنة، وشهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله ورسوله، وقد كان ضربه في الحد مرات.
وقول القائل: "إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره".
فيه جوابان:
أحدهما: أنه إن سلَّم ذلك، فإنه قال: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه"، فهذا المجموع اختصّ به، وهو أن ذلك الفتح كان على يديه، ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون أفضل من غيره، فضلاً عن أن يكون مختصاً بالإمامة.
الثاني: أن يقال: لا نسلِّم أن هذا يوجب التخصيص. كما لو قيل: لأعطين هذا المال رجلاً فقيراً، أو رجلاً صالحاً، ولأدعون اليوم رجلاً مريضاً صالحاً، أو لأعطين هذه الراية رجلاً شجاعاً، ونحو ذلك، لم يكن في هذه الألفاظ ما يوجب أن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد، بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك.
ولهذا لو نذر أن يتصدق بألف درهم على رجل صالح أو فقير، فأعطى هذا المنذر لواحدٍ، لم يلزم أن يكون غيره ليس كذلك، ولو قال: أعطوا هذا المال لرجل قد حجَّ عني، فأعطوه رجلاً، لم يلزم أن غيره لم يحج عنه.
الثالث: أنه لو قُدِّر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت، فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن أفضل منه بعد ذلك.
الرابع: أنه لو قدَّرنا أفضليته، لم يدل ذلك على أنه إمام معصوم منصوص عليه، بل كثير من الشيعة الزيدية ومتأخري المعتزلة وغيرهم يعتقدون أفضليته، وأن الإمام هو أبو بكر، وتجوز عندهم ولاية المفضول. وهذا مما يجوزه كثير من غيرهم، ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض، أو ممن يرى أن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحدٍ معين، فإن من لم يكن له خبرة بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك.(2/44)
وأما أئمة المسلمين المشهورين فكلهم متفقون على أن أبا بكر وعمر أفضل من عثمان وعليّ، ونقل هذا الإجماع غيرُ واحد، كما روى البيهقي في كتاب "مناقب الشافعي" - مسنده عن الشافعي - قال: "ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة"(71).
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: "كنا نفاضل على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنقول: خير الناس بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكر ثم عمر"(72).
وقد تقدم نقل البخاري عن عليّ هذا الكلام.
والشيعة الذين صحبوا عليّاً كانوا يقولون ذلك، وتواتر ذلك عن عليّ من نحو ثمانين وجهاً. وهذا مما يقطع به أهل العلم، ليس هذا مما يخفى على مَنْ كان عارفاً بأحوال الرسول والخلفاء.
الفصل الثامن
إثبات أن حديث الطير من المكذوبات الموضوعات
قال الرافضي: "الثامن: خبر الطائر. روى الجمهور كافة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بطائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ، فدق الباب، فقال انس: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على حاجة، فرجع. ثم قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما قال أولاً، فدق الباب، فقال أنس: ألم أقل لك إنه على حاجة؟ فانصرف، فعاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فعاد عليّ فدق الباب أشد من الأولين، فسمعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأذن له بالدخول، وقال: ما أبطأك عني؟ قال: جئت فردني أنس، ثم جئت فردني أنس، ثم جئت فردني الثالثة، فقال: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار، فقال: يا أنس أوَ في الأنصار خير من عليّ؟ أوَ في الأنصار أفضل من عليّ؟ فإذا كان أحب الخلق إلى الله، وجب أن يكون هو الإمام".(2/45)
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وقوله: "روى الجمهور كافة" كذب عليهم؛ فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة الحديث، ولكن هو مما رواه بعض الناس، كما رووا أمثاله في فضل غير عليّ، بل قد رُوي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصُنِّف في ذلك مصنفات. وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ولا هذا.
الثاني: أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل(73). قال أبو موسى المديني: "قد جمع غير واحد من الحفَّاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، وأبي نُعيم، وابن مردويه. وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح".
هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع، وقد طُلب منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي، ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل. وهو يروي في "الأربعين" أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث، كقوله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، لكن تشيعه وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث، كالنسائي وابن عبد البر وأمثالهما، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يُعرف في علماء الحديث من يفضِّله عليهما، بل غاية المتشيع منهم أن يفضّله على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك، لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفّض ممن له نوع اشتغال بالحديث، كابن عُقدة وأمثاله، فهذا غايته أن يجمع ما يُروي في فضائله من المكذوبات والموضوعات، لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل عليّ وأصح وأصرح في الدلالة.(2/46)
وأحمد بن حنبل لم يقل: إنه صحّ لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نُقل عنه أنه قال: "رُوي له ما لم يُرو لغيره" مع أن في نقل هذا عن أحمد كلاماً ليس هذا موضعه.
الثالث: أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟!
الرابع: أن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة؛ فإنهم يقولون: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يعلم أن عليّاً أحب الخلق إلى الله، وأنه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله.
الخامس: أن يقال: إما أن يكون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يعرف أن عليّاً أحب الخلق إلى الله، أو ما كان يعرف. فإن كان يعرف ذلك، كان يمكنه أن يرسل يطلبه، كما كان يطلب الواحد من الصحابة، أو يقول: اللهم ائتني بعليّ فإنه أحب الخلق إليك، فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك؟! ولو سَمَّى عليّاً لاستراح أنس من الرجاء الباطل، ولم يغلق الباب في وجه عليّ.
وإن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعرف ذلك، بطل ما يدّعونه من كونه كان يعرف ذلك. ثم إن في لفظه: "أحب الخلق إليك وإليّ" فكيف لا يعرف أحب الخلق إليه؟!
السادس: أن الأحاديث الثابتة في الصحاح، التي أجمع أهل الحديث على صحتها وتلقّيها بالقبول، تناقض هذا، فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لمي صححوه؟!(2/47)
يبيّن هذا لكل متأملٍ ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من فضائل القوم، كما في الصحيحين أنه قال: "لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً". وهذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث؛ فإنه قد أخرج في الصحاح من وجوه متعددة، من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر؛ فإن الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا لله، فإذا كانت ممكنة، ولم يصلح لها إلا أبو بكر، عُلم أنه أحب الناس إليه.
وقوله في الحديث الصحيح لما سئل: "أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة" قيل: من الرجال؟ قال: "أبوها".
وقول الصحابة: "أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" يقوله عمر بين المهاجرين والأنصار، ولا ينكر ذلك منكر.
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله.
وإنما كان كذلك لأنه أتقاهم وأكرمهم، وأكرم الخلق على الله تعالى أتقاهم بالكتاب والسنة.
وإنما كان أتقاهم لأن الله تعالى قال: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].
وأئمة التفسير يقولون: إنه أبو بكر(74).(2/48)
ونحن نبيّن صحة قولهم بالدليل فنقول: الأتقى قد يكون نوعاً وقد يكون شخصاً. وإذا كان نوعاً فهو يجمع أشخاصاً. فإن قيل: إنهم ليس فيهم شخص هو أتقى، كان هذا باطلاً، لأنه لا شك أن بعض الناس أتقى من بعض، مع أن هذا خلاف قول أهل السنة والشيعة، فإن هؤلاء يقولون: إن أتقى الخلق بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من هذه الأمة هو أبو بكر، وهؤلاء يقولون: هو عليّ. وقد قال بعض الناس: هو عمر. ويُحكى عن بعض الناس غير ذلك. ومن توقف أو شَكَّ لم يقل: إنهم مستوون في التقوى. فإذا قال: إنهم متساوون في الفضل، فقد خالف إجماع الطوائف. فتعين أن يكون هذا أتقى.
وإن كان الأتقى شخصاً، فإما أن يكون أبا بكر أو عليّاً. فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه، وهو النوع، وهو القسم الأول، أو معيناً غيرهما. وهذا القسم منتف باتفاق أهل السنة والشيعة، وكونه عليّاً باطل أيضاً لأنه قال: { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].
وهذا الوصف منتف في عليّ لوجوه:
أحدها: أن هذه السورة مكية بالاتفاق، وكان عليٌّ فقيراً بمكة في عيال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يكن له مالٌ ينفق عنه، بل كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد ضمّه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة.
الثاني: أنه قال: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } [الليل: 19].
وعليّ كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عنده نعمة تجزى، وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله. بخلاف أبي بكر؛ فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية، لكن كان له عنده نعمة الدين، وتلك لا تُجزى؛ فإن أجر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها على الله، لا يقدر أحد يجزيه. فنعمة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند أبي بكر دينية لا تجزى، ونعمته عند عليّ دنيوية تجزى، ودينية.(2/49)
وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تُجزى، وهذا الوصف لأبي بكر ثابت دون عليّ.
فإن قيل: المراد به أنه أنفق ماله لوجه الله، لا جزاء لمن أنعم عليه. وإذا قُدِّر أن شخصاً أعطى من أحسن إليه أجراً، وأعطى شيئاً آخر لوجه الله، كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى.
قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن عليّ لو أنفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والنبي له عنده نعمة تجزى، فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة، كما يخلص إنفاق أبي بكر.
وعليّ أتقى من غيره، لكن أبا بكر أكمل في وصف التقوى، مع أن لفظ الآية أنه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تُجزى. وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه، فلا يبقى لمخلوق عليه منّة. وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقاً لا يساويه فيه أحد من المهاجرين؛ فإنه لم يكن في المهاجرين: - عمر وعثمان وعليّ وغيرهم - رجل أكثر إحساناً إلى الناس، قبل الإسلام وبعده، بنفسه وماله من أبي بكر. كان مؤلّفاً محبباً يعاون الناس على مصالحهم، كما قال فيه ابن الدُّغُنَّة سيد القارة لما أراد أن يخرج من مكة: "مثلك يا أبا بكر لا يَخْرُج ولا يُخْرَج؛ فإنك تحمل الكل، وتُقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"(75).
وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود: "امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال لأبي بكر: لولا يَدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك"(76).
وما عُرف قط أن أحداً كانت له يدٌ على أبي بكر في الدنيا، لا قبل الإسلام ولا بعده، فهو أحق الصحابة: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } فكان أحق الناس بالدخول في الآية.
وأما عليّ رضي الله عنه فكان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه نعمة دنيوية. وفي المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يَسْقُط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه. ويقول: إن خليلي أمرين أن لا أسال الناس شيئاً(77).(2/50)
وفي المسند والترمذي وأبي داود حديث عمر، قال عمر: "أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما أبقيت لأهلك"؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: "ما أبقيت لأهلك"؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً".
فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله، ومع هذا فلم يكن يأكل من أحد: لا صدقةً ولا صلةً ولا نذراً، بل كان يتجر ويأكل من كسبه، ولما وَلِيَ الناس واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له، لم يأكل من مال مخلوق.
وأبو بكر لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعطيه شيئاً من الدنيا يخصه به، بل كان في المغازي كواحد من الناس، بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين. وقد استعمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وما عُرف أنه أعطاه عمالة، وقد أعطى عمر عمالة وأعطى عليّاً من الفيء، وكان يعطي المؤلّفة قلوبهم من الطلقاء وأهل نجد، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لا يعطيهم، كما فعل في غنائم حُنين وغيرها، ويقول: "إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي. أعطي رجالاً لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل رجالاً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير"(78).(2/51)
ولما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه، فقالوا: يا رسول الله أما ذوو الرأي منّا فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله، فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به" قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. قال: "فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض" قالوا: سنصبر"(79).
وقوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21] استثناء منقطع. والمعنى: لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك؛ فإن هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض، بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة.
وهذا واجب لكل أحد على كل أحد، فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة، فيكون عطاؤه خالصاً لوجه ربه الأعلى، بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج أن يجزيه لها، فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك. وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكّى، فإنه في معاملته للناس يكافئهم دائماً ويعاونهم ويجازيهم، فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى.
وفيه أيضاً ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات. كما قال تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } [البقرة: 219]، ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أدّاها، ولا يقدّم الصدقة على قضاء هذه الواجبات، ولو فعل ذلك: فهل ترد صدقته؟ على قولين معروفين للفقهاء.(2/52)
وهذه الآية يحتج بها من تُرد صدقته، لأن الله إنما أثنى على من آتى ماله يتزكّى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن يجزيها قبل أن يؤتي ماله يتزكّى، فأما إذا آتى ماله يتزكّى قبل أن يجزيها لم يكن ممدوحاً، فيكون عمله مردوداً، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(80).
الثالث: أنه قد صح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر"، وقال: "إنّ أمَنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر"، بخلاف عليّ رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من إنفاق المال، وقد عُرف أن أبا بكر اشترى سبعة من المعذّبين في الله في أول الإسلام، وفعل ذلك ابتغاءً لوجه ربّه الأعلى، لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب، الذي أعان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأجل نسبه وقرابته، لا لأجل الله تعالى ولا تقرباً إليه.
وإن كان "الأتقى" اسم جنس، فلا ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى الأمة، والصحابة خير القرون، فأتقاها أتقى الأمة، وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما عليّ وإما غيرهما. والثالث منتفٍ بالإجماع، وعليّ إن قيل: إنه يدخل في هذا النوع، لكونه بعد أن صار له مال آتى ماله يتزكّى، فيقال: أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه، فيكون أكمل في الوصف، الذي يكون صاحبه هو الأتقى.
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إنما كان يقدّم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة، كاستخلافه في الصلاة والحج، ومصاحبته وحده في سفر الهجرة، ومخاطبته وتمكينه من الخطاب، والحكم والإفتاء بحضرته ورضاه بذلك، إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها.
ومن كان أكمل في هذا الوصف، كان أكرم عند الله، فيكون أحب إليه. فقد ثبت بالدلائل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصديقيّة. وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصدِّيقون، ومن كان أكمل في ذلك كان أفضل.(2/53)
وأيضاً فقد ثبت في النقل الصحيح عن عليّ أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر" واستفاض ذلك وتواتر عنه، وتوعّد بجلد المفتري من يفضّله عليه، وروي عنه أنه سمع ذلك من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا ريب أن عليّاً لا يقطع بذلك إلا عن علم.
وأيضاً فإن الصحابة أجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر أفضل منه وأبو بكر أفضل منهما. وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وتقدّم بعض ذلك، ولكن ذُكر هذا لنبين أن حديث الطير من الموضوعات.
الفصل التاسع
سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باتفاق المسلمين
قال الرافضي: "التاسع: ما رواه الجمهور أنه أمر الصحابة أن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقال: إنه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين. وقال: هذا وليّ كل مؤمن بعدي. وقال في حقّه: إن عليّاً مني وأنا منه، أولى بكل مؤمن ومؤمنة، فيكون عليّ وحده هو الإمام لذلك. وهذه نصوص في الباب".
والجواب من وجوه:
أحدهما: المطالبة بإسناده وبيان صحته، وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته. فأما قوله: "رواه الجمهور" فكذب، فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن وغير ذلك. فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يُروى أمثاله، فعُلِم أن مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين.
والله تعالى قد حرَّم علينا الكذب، وأن نقول عليه ما لا نعلم. وقد تواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "مَن كَذَب عليَّ مُتعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار"(81).
الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وكل من له أدنى معرفة بالحديث(82) يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه: لا الصحاح، ولا السنن، ولا المساند المقبولة.(2/54)
الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن قائل هذا كاذب، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم منزّه عن الكذب. وذلك أن سيد المسلمين وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باتفاق المسلمين.
فإن قيل: عليّ هو سيدهم بعده.
قيل: ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل، بل هو مناقض لهذا؛ لأن أفضل المسلمين المتّقين المحجّلين هم القرون الأول ولم يكن لهم على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سيد ولا إمام ولا قائد غيره، فكيف يخبر عن شيء بعد أن لم يحضر، ويترك الخبر عمّا هم أحوج إليه، وهو حكمهم في الحال ؟
ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن يقود عليّ ؟
وأيضاً فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجّلين كفّار أو فسّاق، فلمن يقود ؟
وفي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "وددت أني قد رأيت إخواني". قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد". قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ قال: "أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرٌّ محجّلة بين ظهري خيل دُهم بُهم، ألا يعرف خيله"؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض" الحديث.
فهذا يبيّن أنّ كلّ من توضّأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإنه من الغرّ المحجّلين، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدّمون أبا بكر وعمر. والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها، فلا يكونون من المحجّلين في الأرجل، وحينئذ فلا يبقى أحد من الغرّ المحجلين يقودهم، ولا يُقادون مع الغرّ المحجلين؛ فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم، وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد(83).(2/55)
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار". ومعلوم أن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجّلاً، وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل، فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجّلين، فيكون قائد الغر المحجلين بريئاً منه كائناً من كان.
ثم كون عليّ سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مما يُعلم بالاضطرار أنه كذب، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقل شيئاً من ذلك بل كان يفضّل عليه أبا بكر وعمر تفضيلاً بيّناً ظاهراً عرفه الخاصة والعامة، حتى أن المشركين كانوا يعرفون منه ذلك.
ولما كان يوم أحد قال أبو سفيان، وكان حينئذ أمير المشركين: أفي القوم محمد ؟ أفي القوم محمد ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال: أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه" فقال أبو سفيان لأصحابه: أمّا هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوءك. وقد ذكر باقي الحديث، رواه البخاري وغيره.
فهذا مقدّم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، لعله وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر، وأن قيامه بهم، ودلّ ذلك على أنه كان ظاهراً عند الكفار أن هذين وزيراه وبهما تمام أمره، وأنهما أخص الناس به، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما.(2/56)
وهذا أمر كان معلوم للكفّار، فضلاً عن المسلمين. والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا. وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال: وُضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون له ويُثنون عليه ويصلُّون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت، فإذا هو عليّ فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيراً ما كنت أسمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما"(84).
فلم يكن تفضيلهما عليه وعلى أمثاله مما يخفى على أحد. ولهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليّاً يقدّمون أبا بكر وعمر عليه، إلا من ألحد منهم. وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان.
وكذلك قوله: "هو وليّ كل مؤمن بعدي" كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هو في حياته وبعد مماته وليّ كل مؤمن، وكل مؤمن وليّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي، كما يقول في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الوليّ والوالي قُدِّم الوالي في قول الأكثر. وقيل: يقدّم الولي.
فقول القائل: "عليّ ولي كل مؤمن بعدي" كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول: بعدي. وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: والٍ على كل مؤمن.
وأما قوله لعليّ: "أنت مني وأنا منك" فصحيح في غير هذا الحديث.(2/57)
ثبت أنه قال له ذلك عام القضية، لما تنازع هو وجعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة، فقضى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بها لخالتها، وكانت تحت جعفر. وقال: "الخالة أم". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لعليّ: "أنت مني وأنا منك". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".
وفي الصحيحين عنه أنه قال: "إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر، أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم" فقال للأشعريين: "هم مني وأنا منهم" كما قال لعليّ: "أنت مني وأنا منك" وقال لجليبيب: "هذا مني وأنا منه" فعُلم أن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة، ولا على أن من قيلت له كان هو أفضل الصحابة.
الفصل العاشر
سيد العترة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وليس عليّ رضي الله عنه
قال الرافضي: "العاشر: ما رواه الجمهور من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. وقال: أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته، وعليُّ سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم: "قام فينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطيباً بماءٍ يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فقال: "أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ربي، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به" فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه. ثم قال: "وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي"(85).
وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجُعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله.(2/58)
وهكذا جاء في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم عن جابر في حجّة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: "قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون"؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: "اللهم اشهد" ثلاث مرات(86).
وأما قوله: "وعترتي أهل بيتي. وأنها لن يفترقا حتى يردا على الحوض" فهذا رواه الترمذي(87). وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح. وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة. قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره.
لكن أهل البيت لم يتفقدوا - ولله الحمد - على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرّؤون المنزّهون عن التدنس بشيء منه.
وأما قوله: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح" فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل اللذين يروون الموضوعات فهذا مما يزيده وَهْناً.
الوجه الثاني: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن عثرته: إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق، فيدل على أن إجماع العترة حجة. وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في "المعتمد". لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد عليّ، وولد الحارث بن عبد المطلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم. وعليُّ وحده ليس هو العترة، وسيد العترة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
يبيّن ذلك أن علماء العترة - كابن عباس وغيره - لم يكونوا يوجبون اتّباع عليّ في كل ما يقوله، ولا كان عليّ يوجب على الناس طاعته في كل ما يُفتي به، ولا عُرف أن أحداً من أئمة السلف - لا من بني هاشم ولا غيرهم - قال: إنه يجب اتّباع عليّ في كل ما يقوله.(2/59)
الوجه الثالث: أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته، بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدّمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية، وكذلك سائر بني هاشم من العباسيين والجعفريين وأكثر العلويين وهم مقرّون بإمامة أبي بكر وعمر، وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.
والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت، من بني هاشم، من التابعين وتابعيهم، من ولد الحسين بن عليّ، وولد الحسن، وغيرهما: أنهم كانوا يتولّون أبا بكر وعمر، وكانوا يفضلونهما على عليّ. والنقول عنهم ثابتة متواترة.
وقد صنّف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب "ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة"(88) وذكر فيه من ذلك قطعة، وكذلك كل من صنّف من أهل الحديث في السنة، مثل كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد و"السنة" للخلال، و"السنة" لابن بطّة، و"السنة" للآجري واللالكائي والبيهقي وأبي ذرّ الهروي والطلمنكي وأبي حفص بن شاهين، وأضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها، مثل كتاب "فضائل الصحابة" للإمام أ؛مد ولأبي نُعيم وتفسير الثعلبي، وفيها من ذكر فضائل الثلاثة ما هو من أعظم الحجج عليه. فإن كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه، وإلا فلا يحتج به.
الوجه الرابع: أن هذا معارض بما هو أقوى منه، وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع. والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة. وأفضل الأمة أبو بكر كما تقدم ذكره ويأتي. وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتّباع قول أفضلها مطلقاً. وإن لم يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام، وإن لم يجب أن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة عليّ. فنسبة أبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة عليّ إلى العترة بعد نبيها على قول هذا.
الفصل الحادي عشر
الرد على من ادعى الإمامة لعلي سنداً لحديث المحبة(2/60)
قال الرافضي: "الحادي عشر: ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته. روى أحمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخذ بيد حسن وحسين، فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة(89).
وروى ابن خالويه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها: كوني فكانت، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: حبك إيمان وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة محبّك، وأول من يدخل النار مبغضك، وقد جعلك الله أهلا لذلك، فأنت مني وأنا منك، ولا نبي بعدي. وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو آخذ بيد عليّ وهو يقول: هذا وليي وأنا وليّه، عاديت من عادى، وسالمت من سالم. وروى أخطب خوارزم عن جابر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض: إني قد افترضت محبة عليّ على خلقي فبلّغهم ذلك عني. والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين، وهي تدل على أفضليته واستحقاقه للإمامة".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وهيهات له بذلك. وأما قوله: "رواه أحمد" فيقال: أولاً: أحمد له المسند المشهور، وله كتاب مشهور في "فضائل الصحابة" روى فيه أحاديث، لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف، لكونها لا تصلح أن تُروى في المسند، لكونها مراسيل أو ضعافاً بغير الإرسال. ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات، ثم إن القطيعي - الذي رواه عن ابنه عبد الله - زاد عن شيوخه زيادات وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة.(2/61)
وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهّال، فهم ينقلون من هذا المصنّف، فيظنون أن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه أحمد نفسه، ولا يميّزون بين شيوخ أحمد وشيوخ القطيعي. ثم يظنون أن أحمد إذا رواه فقد رواه في المسند، فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد قط، كما فعل ابن البطريق، وصاحب "الطرائف" منهم، وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم. وهذا غير ما يفترونه من الكذب، فإن الكذب كثير منهم.
وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث، فمجرد رواية أحمد لا توجب أن يكون صحيحاً يجب العمل به، بل الإمام أحمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها. وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط، لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم.
مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي(90)، رواه عن نصر بن عليّ الجهضمي عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(91). والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" وبيّن أنه موضوع(92). وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم. وكذلك رواية خطيب خوارزم؛ فإن في روايته من الأكاذيب المختلقة ما هو من أقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم.
الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث وأهل المعرفة، يعلمون علماً ضرورياً يجزمون به أن هذا كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن، ولا المعجمات، ولا نحو ذلك من الكتب.(2/62)
الثالث: أن من تدبّر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مثل قوله: من أحب أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، ثم قال لها: كوني فكانت. فهذه من خرافات الحديث. وكأنهم لما سمعوا أن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له كن فكان، قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم، وآدم خلق من تراب، ثم قال له: كن فكان، فصار حيّاً بنفخ الروح فيه.
فأما هذا القصب فبنفس خلقه كمل، ثم لم يكن له بعد هذا حال يُقال له فيها: كن، ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة، بل قد رُوي في عدة آثار: أن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم، والقلم، وجنة عدن، ثم قال لسائر خلقه كن فكان. فلم يُذكر فيها هذه الياقوتة.
ثم أيّ عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يَجْعَل على هذا وعداً عظيماً.
وكذلك قوله: أول من يدخل النار مبغضك. فهل يقول مسلم: إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام وفرعون وأبي لهب وأمثالهم من المشركين ؟!
وكذلك قوله: أول من يدخل الجنة محبّك. فهل يقول عاقل: إن الأنبياء والمرسلين دخولهم الجنة أولاً هو حب عليّ دون حب الله ورسوله وسائر الأنبياء ورسله، وحب الله ورسله هو السبب في ذلك. وهل تعلّق السعادة والشقاوة بمجرد حب عليّ دون حب الله ورسوله، إلا كتعلقها بحبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم؟ فلو قال قائل: من أحب عثمان ومعاوية دخل الجنة، ومن أبغضهما دخل النار، كان هذا من جنس قول الشيعة.
الفصل الثاني عشر
إثبات كذب بعض الأحاديث المفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
في حب عليّ(2/63)
قال الرافضي: "الثاني عشر: روى أخطب خوارزم بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من ناصب عليّاً الخلافة فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن شكّ في عليّ فهو كافر. وعن أنس قال: كنت عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فرأى عليّاً مقبلاً فقال: أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة. وعن معاوية بن حَيْدة القشيري قال: سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعليّ: من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانياً".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وهذا على سبيل التنزل، فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا لو لم يُعلم ما في جمعه من الأحاديث من الكذب والفِرية، فأما من تأمّل ما في جمع هذا الخطيب فإنه يقول: سبحانك هذا بهتان عظيم !
الثاني: أن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(93).
الثالث: أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة والتابعون فأين ذكرها بينهم ؟ ومن الذي نقلها عنهم ؟ وفي أي كتاب وُجد أنهم رووها ؟ ومن كان خبيراً بما جرى بينهم علم بالاضطرار أن هذه الأحاديث مما ولّدها الكذّابون بعدهم، وأنها مما عملت أيديهم.
الوجه الرابع: أن يُقال: علمنا بأن المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون الله ورسوله، وأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحبّهم ويتولاهم، أعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث، وأن أبا بكر الإمام بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فكيف يجوز أن يُرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي أقل وأحقر من أن يُقال لها: أخبار آحاد لا يُعلم لها ناقل صادق، بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من أعظم المكذوبات، ولهذا لا يوجد منها شيء في كتب الأحاديث المعتمدة، بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها.(2/64)
الوجه الخامس: أن القرآن يشهد في غير موضع برضا الله عنهم وثنائه عليهم، كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [التوبة: 100].
وقوله: { لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [الحديد: 10].
وقوله: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } [الفتح: 29].
وقوله: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [الفتح: 18].
وقوله: { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } [الحشر: 8]، وأمثال ذلك. فكيف يجوز أن يرد ما علمنا دلالة القرآن عليه يقيناً بمثل هذه الأخبار المفتراة، التي رواها من لا يخاف مقام ربّه ولا يرجو لله وقاراً ؟!
الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في عليّ، وتوجب أنه كان مكذّباً بالله ورسوله، فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم: هو وغيره. أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفّار. وأما عليّ فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص، بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين. وشر من قاتلهم عليّ هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفّار بل حرّم أموالهم وسبيهم، وكان يقول لهم قبل قتالهم: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ولا حقكم من فيئنا. ولما قتله ابن ملجم قال: إن عشت فأنا وليّ دمي، ولم يجعله مرتداً بقتله.(2/65)
وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه أنه نهى عن أن يتّبع مدبرهم، وأن يجهز على جريحهم، وأن يقتل أسيرهم، وأن تغنم أموالهم، وأن تسبى ذراريهم. فإن كان هؤلاء كفّاراً بهذه النصوص، فعليّ أول من كذّب بها، فيلزمهم أن يكون عليّ كافراً.
وكذلك أهل صفّين كان يصلّي على قتلاهم، ويقول: إخواننا بَغَوا علينا طهّرهم السيف. ولو كانوا عنده كفّاراً لما صلّى عليهم، ولا جعلهم إخوانه، ولا جعل السيف طهراً لهم.
وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة عليّ رضي الله عنه أنه لم يكن يكفّر الذين قاتلوه، بل ولا جمهور المسلمين، ولا الخلفاء الثلاثة، ولا الحسن والحسين كفّروا أحداً من هؤلاء، ولا عليّ بن الحسين ولا أبو جعفر. فإن كان هؤلاء كفّاراً فأول من خالف النصوص عليّ وأهل بيته، وكان يمكنهم أن يفعلوا ما فعلت الخوارج، فيعتزلوا بدراً غير دار الإسلام، وإن عجزوا عن القتال، ويحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر والردة، كما يفعل مثل ذلك كثير من شيوخ الرافضة، وكان الواجب على عليّ إذا رأى أن الكفّار لا يؤمنون، أن يتخذ له ولشيعته داراً غير دار أهل الرّدّة والكفر، ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذّاب وأصحابه.
وهذا نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بمكة هو وأصحابه في غاية الضعف، ومع هذا فكانوا يباينون الكفّار، ويظهرون مباينتهم بحيث يُعرف المؤمن من الكافر. وكذلك هاجر من هاجر منهم إلى أرض الحبشة، مع ضعفهم، وكانوا يباينون النصارى، ويتكلمون بدينهم قدّام النصارى.
وهذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود والنصارى، وهم مظهرون لدينهم، متحيّزون عن المسلمين.
فإن كان كل من يشكّ في خلافة عليّ كافراً عنده وعند أهل بيته، وليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد أنه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن لم يعتقد ذلك فهو مرتدٌّ عند عليّ وأهل بيته، فعليّ أول من بدّل الدين، ولم يميّز المؤمنين من الكافرين، ولا المرتدين من المسلمين.(2/66)
وهب أنه كان عاجزاً عن قتالهم وإدخالهم في طاعته، فلم يكن عاجزاً عن مباينتهم، ولم يكن أعجز من الخوارج الذين هم شرذمة قليلة من عسكره، والخوارج اتخذوا لهم داراً غير دار الجماعة، وباينوهم كما كفّروهم، وجعلوا أصحابهم هم المؤمنين.
وكيف كان يحلّ للحسن أن يسلّم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدّين، شرّ من اليهود والنصارى كما يدّعون في معاوية، وهل يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر؟ وقد كان الحسن يمكنه أن يقيم بالكوفة، ومعاوية لم يكن بدأه بالقتال، وكان قد طلب منه ما أراد، فلو قام مقام أبيه لم يقاتله معاوية. وأين قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الثابت عنه في فضل الحسن: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"(94) فإن كان عليّ وأهل بيته - والحسن منهم - يقولون: لم يصلح الله إلا بين المؤمنين والمرتدّين، فهذا قدح في الحسن وفي جدّه الذي أثنى على الحسن، إن كان الأمر كما يقوله الرافضة.
فتبين أن الرافضة من أعظم الناس قدحاً وطعناً في أهل البيت، وأنهم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر، ونسبوهم إلى أعظم المنكرات، التي من فعلها كان من الكفّار. وليس هذا ببدع من جهل الرافضة وحماقاتهم.
ثم إن الرافضة تدّعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده، ليكون ذلك أدعى إلى أن يطيعوه فيرحموا. وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة أعظم من عليّ؛ فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدّين كفّاراً، والذين وافقوه، أذلاّء مقهورين تحت النقمة، لا يدٌّ ولا لسان، وهم مع ذلك يقولون: إن خلقه مصلحة ولطف، وإن الله يجب عليه أن يخلقه، وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به. وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة ؟(2/67)
ثم إنهم يقولون: إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم، وهو يمكّن الخوارج الذين يكفرون به بدارٍ لهم فيها شوكة ومن قتال أعدائهم، ويجعلهم هم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة؛ فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم، وهؤلاء الذين يدّعي انهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده، وأنه لا هدى إلا بهم، ولا نجاة إلا بطاعتهم، ولا سعادة إلا بمتابعتهم - قد غاب خاتمتهم من أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، فلم ينتفع به أحد في دينه ولا دنياه، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم.
ولهذا مازال أهل العلم يقولون: إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين: دين الإسلام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فإن منتهى أمرهم تكفير عليّ وأهل بيته، بعد أن كفّروا الصحابة والجمهور.
ولهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتّب دعوته مراتب: أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع، ثم إذا طمع فيه قال له: عليّ مثل الناس، ودعاه إلى القدح في الرسول، ثم إذا طمع فيه دعاه إلى إنكار الصانع. هكذا ترتيب كتابهم الذي يسمونه "البلاغ الأكبر" و"الناموس الأعظم"، وواضعه الذي أرسل به إلى القرمطي الخارج بالبحرين، لما استولى على مكة، وقتلوا الحجّاج، وأخذوا الحجر الأسود، واستحلّوا المحارم، وأسقطوا الفرائض، وسيرتهم مشهورة عند أهل العلم.
وكيف يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: من مات وهو يبغض عليّاً مات يهودياً أو نصرانياً، والخوارج كلهم تكفّره وتبغضه ؟! وهو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود والنصارى، بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة، ويحكم فيهم بغير ما يحكم به بين اليهود والنصارى.(2/68)
وكذلك من كان يسبّه ويبغضه من بني أمية وأتباعهم. فكيف يكون من يصلّي الصلوات ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ويؤدي الزكاة مثل اليهود والنصارى ؟! وغايته أن يكون قد خفي عليه كون هذا إماماً، أو عصاه بعد معرفته.
وكل أحد يعلم أن أهل الدين والجمهور ليس لهم غرض مع عليّ، ولا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول، وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماماً كانوا أسبق الناس إلى التصديق بذلك.
وغاية ما يُقدِّر أنهم خفي عليهم هذا الحكم. فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود والنصارى ؟!
وليس المقصود هنا الكلام في التفكير، بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يُعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنها مناقضة لدين الإسلام، وأنها تستلزم تكفير عليّ وتكفير من خالفه، وأنه لم يقلها من يؤمن بالله واليوم الآخر، فضلاً عن أن تكون من كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل إضافتها - والعياذ بالله - إلى رسول الله من أعظم القدح والطعن فيه. ولا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد إفساد دين الإسلام، فلعن الله من افتراها، وحسبه ما وعده به الرسول حيث قال: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".
الفصل الثالث عشر
الرد على بعض النقول المعتمدة عند الرافضة لتكون حجة عليهم يوم القيامة
قال الرافضي: "إن الإمامية لما رأوا فضائل أمير المؤمنين وكمالاته لا تحصى قد رواها المخالف والموافق، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينقلوا في عليّ طعناً ألبتة، اتّبعوا قوله وجعلوه إماماً لهم حيث نزَّهه المخالف والموافق، وتركوا غيره، حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته. ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً مما هو صحيح عندهم ونقوله في المعتمد من قولهم وكتبهم، ليكون حجة عليهم يوم القيامة.(2/69)
فمن ذلك ما رواه أبو الحسن الأندلسي في "الجمع بين الصحاح الستة" موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي عن أم سلمة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33]. أنزلت في بيتها وأنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ فقال: إنك على خير، إنك من أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. قالت: وفي البيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراًِ".
والجواب أن يقال: إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر عمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعليّ، والأحاديث التي ذكرها هذا وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم، هو من أبْيَن الكذب على علماء الجمهور؛ فإن هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة عليّ ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر، بل وليست من خصائصه، بل هي فضائل شاركه فيها غيره، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر؛ فإن كثيراً منها خصائص لهما، لا سيما فضائل أبي بكر، فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره.
وأما ذكره من المطاعن، فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وُجه على عليّ ما هو مثله أو أعظم منه.
فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل، ونحن نبيّن ذلك تفصيلاً.
وأما قوله: إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزّهه المخالف والموافق وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته".(2/70)
فيقال: هذا كذب بيّن؛ فإن عليّاً رضي الله عنه لم ينزهّه المخالفون، بل القادحون في عليّ طوائف متعددة، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر عثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته، بل هم - والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين - خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية، الذين اعتقدوه إماماً معصوماً.
وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة، والخوارج المكفِّرون لعليّ يوالون أبا بكر وعمر ويترضُّون عنهما، والمروانية الذين ينسبون عليّاً إلى الظلم، ويقولون: إنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم، فكيف يُقال مع هذا: إن عليّاً نزَّهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة ؟
ومن المعلوم أن المنزِّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في عليّ - حتى بالكفر والفسوق والعصيان - طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً، فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها، ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم.
والذين قدحوا في عليّ رضي الله عنه وجعلوه كافراً وظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة، كالغالية الذين يدّعون إلاهيته من النصيرية وغيرهم، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيرية، وكالغالية الذين يدّعون نبوَّته؛ فإن هؤلاء كفار مرتدُّون، كفرهم بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم يدين الإسلام، فمن اعتقد في بشر الإلهية، أو اعتقد بعد محمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبياً، أو أنه لم يكن نبياً بل كان عليّ هو النبي دونه وإنما غلط جبريل، فهذه المقالات ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة.(2/71)
بخلاف من يكفِّر عليّاً ويلعنه من الخوارج، وممن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم؛ فإن هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت العتيق، ويحرّمون ما حرم الله ورسوله، وليس فيهم كفر ظاهر، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم، وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام، فكيف يُدَّعى مع هذا أن جميع المخالفين نزَّهوه دون الثلاثة ؟
بل إذا اعتُبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان، والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون عليّاً، وُجِدَ هؤلاء خيراً من أولئك من وجوه متعددة، فالمنزِّهون لعثمان القادحون في عليّ أعظم وأدْيَن وأفضل من المنزِّهين لعليّ القادحين في عثمان، كالزيدية مثلاً.
فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذمُّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان، ولو تخلّى أهل السنة عن موالاة عليّ رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته، لم يكن في المتولّين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية والمروانية؛ فإن هؤلاء طوائف كثيرة.
ومعلوم أن شر الذين يبغضونه هم الخوارج الذين كفَّروه، واعتقدوا أنه مرتد عن الإسلام، واستحلُّوا قتله تقرباً إلى الله تعالى، حتى قال شاعرهم عمران بن حطَّان:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه
أوفى البرية عند الله ميزانا
فعارضه شاعر أهل السنة فقال:
يا ضربة من شقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
إني لأذكره حيناً فألعنه
لعناً وألعن عمران بن حطّانا(2/72)
وهؤلاء الخوارج كانوا ثمان عشرة فرقة، كالأزارقة أتباع نافع بن الأزرق(95) والنجدات أتباع نجدة الحروري(96)، والإباضية أتباع عبد الله بن إباض(97)، ومقالاتهم وسيرهم مشهورة في كتب المقالات والحديث والسير، وكانوا موجودين في زمن الصحابة والتابعين يناظرونهم ويقاتلونهم، والصحابة اتفقوا على وجوب قتالهم، ومع هذا فلم يكفّروهم ولا كفَّرهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأما الغالية في عليّ رضي الله عنه فقد اتفق الصحابة وسائر المسلمين على كفرهم، وكفَّرهم عليّ بن أبي طالب نفسه، وحرَّقهم بالنار. وهؤلاء الغالية يُقتل الواحد منهم المقدور عليه، وأما الخوارج فلم يقاتلهم عليّ حتى قتلوا واحداً من المسلمين، وأغاروا على أموال الناس فأخذوها، فأولئك حكم فيهم عليّ وسائر الصحابة بحكم المرتدين، وهؤلاء لم يحكموا فيهم بحكم المرتدين.
وهذا مما يبين أن الذين زعموا أنهم والوه دون أبي بكر وعمر عثمان يوجد فيهم من الشر والكفر باتفاق عليّ وجميع الصحابة ما لا يوجد في الذين عادوه وكفَّروه، ويبين أن جنس المبغضين لأبي بكر وعمر شر عند عليّ وجميع الصحابة من جنس المبغضين لعلي.
وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة(98)، ورواه مسلم في صحيحه(99) من حديث عائشة. قالت: خرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذات غَداة وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل(100) من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].(2/73)
وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فليس هو من خصائصه. ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة، فعُلم أن هذه الفضيلة لا تختص بالأئمة، بل يشاركهم فيها غيرهم. ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً.
وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتّقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين، والطهارة مأمور بها كل مؤمن.
قال الله تعالى: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 6]. وقال: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم } [التوبة: 103].
وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222].
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور.
والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].(2/74)
وأيضاً فإن السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه: { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100] لابد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور، فإن هذا الرضوان وهذا الجزاء إنما يُنال بذلك. وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم. فما دعا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل الكساء هو بعض ما وصف الله به السابقين الأوَّلين. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لغير أهل الكساء بأن يصلّي الله عليهم، ودعا لأقوام كثيرين بالجنة والمغفرة وغير ذلك، مما هو أعظم من الدعاء بذلك، ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأوَّلين.
ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير، دعا لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب، ولينالوا المدح والثواب.
الفصل الرابع عشر
الرد على من ادعى الإمام لعلي محتجاً بتقديمه الصدقة عند النجوى دون غيره
قال الرافضي: "في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } [المجادلة: 12] قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية"(101).
والجواب أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجباً على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه، وإنما أمر به من أراد النجوى، واتفق أنه لم يُرد النجوى إذ ذاك إلا عليّ رضي الله عنه، فتصدق لأجل المناجاة(102).(2/75)
وهذا كأمره بالهَدْي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج، وأمره بالهدي لمن أحصر، وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك. وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مرّ به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ينفخ تحت قدر وهوامّ رأسه تؤذيه(103). وكأمره لمن كان مريضاً أو على سفر بعدّةٍ من أيام أخر، وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وكأمره إذا قرأوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ونظائر هذا متعددة.
فالأمر المعلّق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر به غيره. وهكذا آية النجوى؛ فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا عليّ، ولم يكن على من ترك النجوى حرج. فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة، ولا من خصائص عليّ رضي الله عنه، ولا يُقال: إن غير عليّ ترك النجوى بخلا بالصدقة، لأن هذا غير معلوم، فإن المدة لم تطل، وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج الواحد إلى النجوى، وإن قُدِّر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء. كيف وأبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله كله يوم رغَّب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصدقة، وعمر رضي الله عنه جاء بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى. فكيف يبخل أحدهما بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدى نجواه ؟
وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول: أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ما أبقيت لأهلك يا عمر"؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل مال عنده. فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك"؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً.
الفصل الخامس عشر(2/76)
الرد على من يدّعي الإمامة لعليّ بقوله: أنا صاحب الجهاد
قال الرافضي: "وعن محمد بن كعب القرظي قال: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب. فقال طلحة بن شيبة: معي مفاتيح البيت، ولو أشاء بتٌّ فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بتُّ في المسجد. وقال عليّ: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [التوبة: 19].
والجواب أن يقال: هذا اللفظ لا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة بل دلالات الكذب عليه ظاهرة. منها: أن طلحة بن شيبة لا وجود له، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة(104). وهذا مما يبين لك أن الحديث لم يصح. ثم فيه قول العباس: "لو أشاء بِتُّ في المسجد" فأيّ كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به ؟
ثم فيه قول عليّ: "صليت ستة أشهر قبل الناس" فهذا مما يُعلم بطلانه بالضرورة، فإن بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديجة يوماً أو نحوه، فكيف يصلّي قبل الناس بستة أشهر ؟!
وأيضاً فلا يقول: أنا صاحب الجهاد، وقد شاركه فيه عدد كثير جداً.(2/77)
وأما الحديث فيقال: الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه(105)، ولفظ عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهو يوم الجمع. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عزَّ وجلَّ: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 19] الآية إلى آخرها".
وهذا الحديث ليس من خصائص الأئمة، ولا من خصائص عليّ فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف.
وأبو بكر وعمر أعظمهم إيماناً وجهاداً، لا سيما وقد قال: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ } [الأنفال: 72]. ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد عليّ وغيره.
كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "إن أمنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر"(106).(2/78)
وقال: "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر"(107). وأبو بكر كان مجاهداً بلسانه ويده، وهو أول من دعا إلى الله، وأوّل من أوذِيَ في الله بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأوّل من دافع عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان مشاركاً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر، وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، لما قال: أفيكم محمد ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال: أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه" فقال أفيكم ابن الخطاب ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجيبوه". فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت عدوّ الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد أبقى الله لك ما يخزيك" ذكره البخاري وغيره(108).
الفصل السادس عشر
التنبيه على أن كل ما روي في مسند أحمد ليس بالضروري أن يكون صحيحاً
قال الرافضي: "ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك، قال: قلنا لسلمان: سل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من وصيه، فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: يا سلمان من كان وصيّ موسى ؟ فقال: يوشع بن نون. قال: فإن وصِييّ ووارثي يقضي دَيْني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب".
والجواب: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث(109)، ليس هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل.
وأحمد قد صنَّف كتاباً في "فضائل الصحابة" ذكر فيه فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وجماعة من الصحابة، وذكر فيه ما رُوي في ذلك من صحيح وضعيف للتعريف بذلك(110)، وليس كل ما رواه يكون صحيحاً.
ثم إن في هذا الكتاب زيادات من روايات ابنه عبد الله، وزيادات من رواية القطيعي عن شيوخه.(2/79)
وهذه الزيادات التي زادها القطيعي غالبها كذب، كما سيأتي ذكر بعضها إن شاء الله، وشيوخ القطيعي يروون عمن في طبقة أحمد.
وهؤلاء الرافضة جهَّال إذا رأوا فيه حديثاً ظنوا أن القائل لذلك أحمد بن حنبل، ويكون القائل لذلك هو القطيعي، وذاك الرجل من شيوخ القطيعي الذين يروون عمن في طبقة أحمد.
وكذلك في المسند زيادات ابنه عبد الله، لا سيما في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه زاد زيادات كثيرة(111).
الفصل السابع عشر
فضيلة حمل عليّ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: "وعن يزيد بن أبي مريم عن عليّ رضي الله عنه: قال: انطلقت أنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اجلس، فصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفاً، فنزل وجلس لي نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: اصعد على منكبي، فصعدت على منكبه. قال: فنهض بي. قال: فإنه تخيل لي أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اقذف به، فقذفت به فتكسر كما تنكسر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نستبق حتى توارينا في البيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس".(2/80)
والجواب: أن هذا الحديث إن صح فليس فيه شيء من خصائص الأئمة ولا خصائص عليّ؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع على منكبه، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. وكان إذا سجد جاء الحسن فارتحله، ويقول: "إن ابني ارتحلني"(112) وكان يقبل زبيبة الحسن. فإذا كان يحمل الطفلة والطفل لم يكن في حمله لعليّ ما يوجب أن يكون ذلك من خصائصه، بل قد أشركه فيه غيره، وإنما حمله لعجز عليّ عن حمله، فهذا يدخل في مناقب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفضيلة من يحمل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم من فضيلة من يحمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كما حمله يوم أحد من حمله من الصحابة، مثل طلحة بن عبيد الله(113)، فإن هذا نفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وذاك نفعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ومعلوم أن نفعه بالنفس والمال أعظم من انتفاع الإنسان بنفس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وماله.
الفصل الثامن عشر
حديث أنت مني وأنا منك
قال الرافضي: "وعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال لعليّ: "أنت مني وأنا منك".
والجواب: أن هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين من حديث البراء بن عازب، لَمّا تنازع علي وجعفر وزيد في ابنة حمزة فقضي بها لخالتها، وكانت تحت جعفر، وقال لعليّ: "أنت مني وأنا منك"(114). وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقِي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".
لكن هذا اللفظ قد قاله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لطائفة من أصحابه، كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلت نفقة عيالهم في المدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد، ثم قسموه بينهم بالسوية. هم مني وأنا منهم"(115).(2/81)
وكذلك قال عن جليبيب: "هو مني وأنا منه" فروى مسلم في صحيحه(116) عن أبي برزة قال: كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في مغزة له. فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: "هل تفقدون من أحد"؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً. ثم قال: "هل تفقدون من أحد"؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً. ثم قال: "هل تفقدون من أحد"؟ قالوا: لا. قال: "لكني أفقد جُلَيْبيباً، فاطلبوه" فطلبوه في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فوقف عليه فقال: "قتل سبعة ثم قتلوه. هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه" قال: فوضعه عليّ على ساعديه، ليس له إلا ساعداً النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فحفر له فوضع في قبره، ولم يذكر غسلاً.
فتبين أن قوله لعليّ: "أنت مني وأنا منك" ليس من خصائصه، بل قال ذلك للأشعريين، وقاله لجليبيب. وإذا لم يكن من خصائصه، بل قد شاركه في ذلك غيره من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالاًّ على الأفضلية ولا على الإمامة.
الفصل التاسع عشر
فضائل عليّ العشر
قال الرافضي: "وعن عمرو بن ميمون قال: لعلي بن أبي طالب عشر فضائل ليست لغيره. قال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحب الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، فاستشرف إليها من استشرف. قال: أين عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: هو أرمد في الرحي يطحن. قال: وما كان أحدهم يطحن قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر. قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً وأعطاها إياه. فجاء بصفية بنت حيي. قال: ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة، فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.(2/82)
وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعليّ معهم جالس فأبَوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجل منهم، فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبَوا، فقال عليٌّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
قال: وكان عليّ أول من أسلم من الناس بعد خديجة. قال: وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].
قال: وشرى عليّ نفسه ولبس ثوب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه بالحجارة.
وخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالناس في غزاة تبوك، فقال له عليّ: أخرج معك ؟ قال: لا. فبكى عليٌّ، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.
وقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنت وليي في كل مؤمن بعدي.
قال: وسدّ أبواب المسجد إلا باب عليّ. قال: وكان يدخل المسجد جُنُباً، وهو طريقه ليس له طريق غيره.
وقال له: من كنت مولاه فعليّ مولاه.
وعن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مرفوعاً أنه بعث أبا بكر في براءة إلى مكة، فسار بها ثلاثاً ثم قال لعليّ: "الحق فردّه وبلغها أنت، ففعل. فلما قدم أبو بكر على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بكى وقال: يا رسول الله حدث فيّ شيء ؟ قال: لا. ولكن أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني".(2/83)
والجواب: أن هذا ليس مسنداً بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون، وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كقوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير عليّ، كما اعتمر عمرة الحديبية وعليّ معه وخليفته غيره، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه عليّ وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزرة الفتح وعليّ معه وخليفته في المدينة غيره، وغزا حُنَيْناً والطائف وعليّ معه وخليفته بالمدينة غيره، وحج حجة الوداع وعليّ معه وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة بدر ومعه عليّ وخليفته بالمدينة غيره.
وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث وكان عليّ معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال.
فإن قيل: استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل، لزم أن يكون عليٌّ مفضولاً في عامة الغزوات، وفي عمرته وحجته، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف في رجال مؤمنين، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عَذَرَ الله، وعلى الثلاثة { الَّذِينَ خُلِّفُواْ } أو مُتّهم بالنفاق، وكانت المدينة آمنة لا يُخاف على أهلها، ولا يحتاج المستخلِف إلى جهاد، كما يحتاج في أكثر الاسخلافات.(2/84)
وكذلك قوله: "وسد الأبواب كلها إلا باب علي" فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة(117)، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال في مرضه الذي مات فيه "إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودّته، لا يبقين في المسجد خَوْخة إلا سُدَّت إلا خوخة أبي بكر" ورواه ابن عباس أيضاً في الصحيحين(118). ومثل قوله: "أنت وليي في كل مؤمن بعدي" فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث(119) والذي فيه من الصحيح ليس هو من خصائص الأئمة، بل ولا من خصائص عليّ، بل قد شاركه فيه غيره، مثل كونه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى، ومثل كون عليّ مولى من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مولاه فإن كل مؤمن موالٍ لله ورسوله، ومثل كون "براءة" لا يبلِّغها إلا رجلٌ من بني هاشم؛ فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين، لما رُوى أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها إلا رجل من قبيلة المطاع.
الفصل العشرون
فضل حب عليّ
قال الرافضي: "ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: يا عليّ لو أن عبداً عبد الله عزَّ وجلَّ مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل أُحُد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومدّ في عمره حتى حج ألف عام على قدميه، ثم قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يوالك يا عليّ، لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها.
وقال رجل لسلمان: ما أشدّ حبك لعليّ. قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: من أحب عليّاً فقد أحبني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني. وعن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: خلق الله من نور وجه عليّ سبعين ألف مَلَك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة.(2/85)
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من أحب عليّاً قبل الله عنه صلاته وصيامه وقيامه، واستجاب دعاءه. ألا ومن أحب عليّاً أعطاه الله بكل عرق من بدنه مدينة في الجنة. ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط. ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله في الجنة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: "آيس من رحمة الله".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً فهو كاذب ليس بمؤمن.
وعن أبي برزة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن جلوس ذات يوم: والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه، وعن حُبنا أهل البيت. فقال له عمر: فما آية حبكم من بعدكم ؟ فوضع يده على رأس عليّ بن أبي طالب وهو إلى جانبه فقال: إن حبي من بعدي حب هذا.
وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج ؟ فقال: خاطبني بلغة عليّ، فألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أم عليّ ؟ فقال: يا محمد أنا شيء لست كالأشياء، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء، خلقتك من نوري وخلقت عليّاً من نورك فاطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد إلى قلبك أحبُّ من عليّ، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لو أن الرياض أقلام والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.(2/86)
وبالإسناد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إن الله تعالى جعل الأجر على فضائل علي لا يُحصى كثره، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر، ثم قال: النظر إلى وجه أمير المؤمنين عليّ عبادة، وذكره عبادة، لا يقبل الله إيمان عبدٍ إلا بولايته والبراءة من أعدائه.
وعن حكيم بن حزام عن أبيه عن جده عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: لَمُبارزة عليّ لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سُفيان سعداً بالسبّ فأبى، فقال: ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب ؟ قال: ثلاث قالهن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعليّ وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: تخلّفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما ترضى أن تكون معنى بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية: { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: "هؤلاء أهلي".(2/87)
والجواب: أن أخطب خوارزم هذا له مصنّف في هذا الباب فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالحديث، فضلاً عن علماء الحديث، وليس هو من علماء الحديث ولا ممن يُرجع إليه في هذا الشأن ألبتة(120). وهذه الأحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها من المكذوبات. وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم، ونقوله في المعتمد من قولهم وكتبهم، فكيف يذكر ما أجمعوا على أنه كذب موضوع، ولم يُروَ في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا صححه أحد من أئمة الحديث.(2/88)
فالعشرة الأول كلها كذب إلى آخر حديث: قتله لعمرو بن عبد ودّ. وأما حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى، فقال: ما منعك أن تسبّ عليَّ بن أبي طالب ؟ فقال: ثلاث قالهن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم.. الحديث. فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه(121) وفيه ثلاث فضائل لعليٍّ لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من خصائص عليّ، فإن قوله وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي، ليس من خصائصه؛ فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره. ولهذا قال له عليّ: أتخلفني مع النسائي والصبيان ؟ لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان في كل غزاة يترك بالمدينة رجالاً من المهاجرين والأنصار، إلا في غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير، فلم يتخلف بالمدينة إلا عاصٍ أو معذور غير النساء والصبيان. ولهذا كره عليّ الاستخلاف، وقال: أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ يقول تتركني مخلفاً لا تستصحبني معك ؟ فبيّن له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضاضه؛ فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبيّاً وأنا لا نبي بعدي. وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف، فإن موسى استخلف هارون على جميع بني إسرائيل، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف عليّاً على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة. وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر: هذا بإبراهيم وعيسى، وهذا بنوح وموسى؛ فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه عليّ، مع أن استخلاف عليّ له فيه أشباه وأمثال من الصحابة.(2/89)
وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص.
وكذلك قوله: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه. وهذا الحديث أصح ما رُوي لعليّ من الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه. وليس هذا الوصف مختصّاً بالأئمة ولا بعليّ؛ فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يُحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه، بل قد يكفِّرونه أو يفسقونه كالخوارج؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم؛ فإن الخوارج تقول في عليّ مثل ذلك، لكن هذا باطل، فإن الله - ورسوله - لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافراً، وبعض أهل الأهواء من المعتزلة وغيرهم، وبعض المروانية ومن كان على هواهم، الذين كانوا يبغضونه ويسبونه.
وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعُلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو عشر، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين، والحسن أكبر منه بنحو سنة، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين: الأبناء والنساء والأنفس، فيدعو الواحد من أولئك: أبناءه ونساءه، وأخص الرجال به نسباً.(2/90)
وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نسباً، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخصّ الناس به، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه، ولهذا خصهم في حديث الكساء.
والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسباً، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، ولهذا امتنعوا عن المباهلة، لعلمهم بأنه على الحق، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين إليهم، بل قد يحذر الإنسان على ولده ما لا يحذره على نفسه.
فإن قيل: فإذا كان ما صح من فضائل عليّ رضي الله عنه، كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، وقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"، وقوله: "اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً" ليس من خصائصه، بل له فيه شركاء، فلماذا تمنّى بعض الصحابة أن يكون له ذلك، كما روى عن سعد وعن عمر ؟
فالجواب: أن في ذلك شهادة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ بإيمانه باطناً وظاهراً، وإثباتاً لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له. وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم"(122) وهؤلاء يكفّرونه ويستحلّون قتله، ولهذا قتله واحد منهم، وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، مع كونه كان من أعبد الناس.(2/91)
وأهل العلم والسُّنَّة يحتاجون إلى إثبات إيمان عليّ وعدله ودينه للرد على هؤلاء، أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة؛ فإن هؤلاء أصدق وأَدْيَن، والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا وإلى نفي ما تدّعيه النصارى من الإلهية، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها، وإنما يجيبهم عنها المسلمون. كما أن للنواصب شبهاً لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها، وإنما يجيبهم عنها أهل السُّنَّة.(2/92)
فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان عليّ باطناً وظاهراً ردّ على هؤلاء، وإن لم يكن ذلك من خصائصه، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطناً وظاهراً؛ فإن فيها ردّاً على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم. وإذا شهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لمعيَّن بشهادة، أو دعا له بدعاء، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء، وإن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير، وكان تعينه لذلك المعيّن من أعظم فضائله ومناقبه، وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس(123) وعبد الله بن سلام(124) وغيرهما، وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين. والشهادة بمحبة الله ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر(125)، وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه، وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحبُّ إليَّ من الذي أعطى. أعطى رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأكِلُ رجالاً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب"(126).
وفي الحديث الصحيح لما صلّى على ميت قال: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم منزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبَرَدَ، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب النار، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه". قال عوف بن مالك: فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت(127). وهذا الدعاء ليس مختصاً بذلك الميت.
الفصل الحادي والعشرون
حديث يوم الشورى(2/93)
قال الرافضي: "وعن عامر بن واثلة قال: كنت مع عليّ عليه السلام يوم الشورى يقول لهم: لأحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميكم تغيير ذلك، ثم قال: أنشدكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد وحَّد الله تعالى قبلي ؟ قالوا: اللهم لا قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر الطيّار في الجنة مع الملائكة غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله: هل فيكم أحد له عمّ مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطيّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عشر مرات قدّم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ليبلغ الشاهد الغائب غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطير، فأتاه فأكل معه غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه إذ رجع غيري منهزماً غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبني وكيعة: لتنتهنّ أو لبعثنّ إليكم رجلاً نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتين ومعصيته كمعصيتي يفصلكم بالسيف غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: كذب من(2/94)
زعم أنه يحبني ويبغض هذا غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد سلَّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملاشكة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نودي به من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له جبريل هذه هي المواساة، فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنه مني وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكم غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، على لسان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إني قاتلت على تنزيل القرآن وأنت تقاتل على تأويله غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد رُدّت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقت غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأخذ "براءة" من أبي بكر فقال له أبو بكر: يا رسول الله أنزل فيّ شيء ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنه لا يؤدّي عني إلا عليّ غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق كافر غيري ؟ قالوا: اللهم لا .
قال: فأنشدكم بالله هل تعلمون أنه أمر بسدّ أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما أنا سددت أبوابكم ولا فتحت بابه، بل الله سد أبوابكم وفتح بابه غيري ؟ قالوا: اللهم لا.(2/95)
قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أنه ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك، فقلتم: ناجاه دوننا، فقال: ما أنا انتجيته بل الله انتجاه غيري ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله أتلعمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: الحق مع عليّ وعليّ مع الحق يزول الحق مع عليّ كيفما زال ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما استمسكتم بهما، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنفسه من المشركين واضطجع في مضجعه غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ودّ العامري حيث دعاكم إلى البراز غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه آية التطهير حيث يقول: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33] غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنت سيد المؤمنين غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما سألت الله شيئاً إلا وسألت لك مثله غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
ومنها ما رواه أبو عمرو الزاهد عن ابن عباس قال: لعليّ أربع خصال ليست لأحد من الناس غيره، هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم حنين، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره.(2/96)
وعن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال مررت ليلة المعراج بقوم تُشرشر أشداقهم، فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: قوم يقطعون الناس بالغيبة. قال: ومررت بقوم وقد ضوضؤا، فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الكفار. قال: ثم عدلنا عن الطريق، فلما انتهينا إلى السماء الرابعة رأيت عليّاً يصلّي، فقلت: يا جبريل هذا عليّ قد سبقنا. قال: لا ليس هذا عليّاً. قلت: فمن هو ؟ قال: إن الملائكة المقرَّبين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل عليّ وخاصته وسمعت قولك فيه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي، اشتاقت إلى عليّ، فخلق الله تعالى لها مَلَكاً على صورة عليّ، فإذا اشتاقت إلى عليّ جاءت إلى ذلك المكان، فكأنها قد رأت عليّاً.
وعن ابن عباس قال: إن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ذات يوم وهو نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتي. قال: فقوله أنا الفتى يعني هو فتى العرب، وقوله ابن الفتى، يعني إبراهيم من قوله تعالى: { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء: 60] وقوله: أخو الفتى، يعني عليّاً، وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ. وعن ابن عباس قال: رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار، وصليتم حتى تكونوا كالحنايا، ما نفعكم ذلك حتى تحبوا عليّاً.
والجواب: أما قوله عن عامر بن واثلة ما ذكره يوم الشورى، فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث(128)، ولم يقل عليّ رضي الله عنه يوم الشورى شيئاً من هذا ولا ما يشابهه، بل قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: لئن أمرتك لتعدلنّ؟ قال: نعم قال: وإن بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن ؟ قال: نعم. وكذلك قال لعثمان. ومكث عبد الرحمن ثلاثة أيام يشاور المسلمين.(2/97)
ففي الصحيحين(129)- وهذا لفظ البخاري(130)- عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فُرِعَ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال(131) الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ. وقال(132) طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن(133). فقال عبد الرحمن: أيكم تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه؟
فأُسْكِت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليكم لئن أمَّرتك لتعدلن ولئن أمَّرت عليك لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان"(134).(2/98)
وفي حديث المسور بن مخرمة قال المسور: "إن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أتكلم في هذا الأمر(135) ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولَّوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن(136) يشاورونه تلك الليالي، التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هَجْعٍ من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني، فقال: ادع لي عليّاً، فدعوته، فناجاه حتى إبهار الليل، ثم قام عليّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى زحف، فإن هذا من الكذب المعلوم، إذ لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام، وأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يركّز رايته بالحجون، فقال العباس للزبير بن العوام: أهاهنا أمرك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟ أخرجه البخاري في صحيحه(137).
وكذلك قوله: "وهو الذي صبر معه يوم حُنين".(2/99)
وقد عُلم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس آخذ بلجام بغلته وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه، وقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ناد أصحاب السمرة" قال: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ فوالله كأن عطفتهم عليَّ حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" ونزل عن بغلته وأخذ كفّاً من حصى فرمى بها القوم وقال: "انهزموا ورب الكعبة" قال العباس: "فوالله ما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدّهم كليلاً وأمرهم مدبراً، حتى هزمهم الله" أخرجاه في الصحيحين(138). وفي لفظ للبخاري قال: "وأبو سفيان آخذ بلجام بلغته"(139) وفيه: "قال العباس: لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حُنين فلم نفارقه"(140).
وأما غُسله صلَّى الله عليه وسلَّم وإدخاله قبره، فاشترك فيه أهل بيته، كالعباس وأولاده، ومولاه شقران، وبعض الأنصار، لكن عليٌّ كان يباشر الغسل، والعباس حاضر لجلالة العباس، وأن عليّاً أولادهم بمباشرة ذلك.
وكذلك قوله: "هو أوّل عربي وعجمي صلَّى" يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس.
وأما حديث المعراج وقوله فيه: إن الملائكة المقرَّبين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل عليّ وخاصته وقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ "اشتاقت إلى عليّ فخلق الله لها مَلَكاً على صورة عليّ".
فالجواب: أن هذا من كذب الجُهّال الذين لا يحسنون أن يكذبوا فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس، كما قال تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير } [الإسراء: 1].(2/100)
وكان الإسراء من المسجد الحرام. وقال: { وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم: 1-4] إلى قوله: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى } [النجم: 12-14] إلى قوله: { أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى } [النجم: 19] وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس.
وقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ قاله في غزوة تبوك، وهي آخر الغزوات عام تسعٍ من الهجرة. فكيف يُقال: إن الملائكة ليلة المعراج سمعوا قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟.(2/101)
ثم قد علم أن الاستخلاف على المدينة مشترك، فكل الاستخلافات التي قبل غزوة تبوك وبعد تبوك كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين يستخلف عليهم. وغزوة تبوك لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ممن هو عاجز عن الجهاد، فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك أقل وأضعف من المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه، وقد سافر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة قريباً من ثلاثين سفرة، وهو يستخلف فيها من يستخلفه، كما استخلف في غزوة الأبواء سعد بنُ عبادة، واستخلف في غزوة بُوَاط سعد بن معاذ(141)، ثم لما رجع وخرج في طلب كُرْز بن جابر الفِهري استخلف زيد بن حارثة(142)، واستخلف في غزوة العُشَيْرَة أبا سلمة بن عبد الأشهل(143)، وفي غزوة بدر استخلف ابن أم مكتوم(144)، واستخلفه في غزوة قَرْقَرَة الكُدر(145)، ولما ذهب إلى بني سُليم، وفي غزوة حمراء الأسد، وغزوة بني النضير، وغزوة بني قريظة، واستخلفه لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها عيينة بن حصن، ونودي ذلك اليوم: يا خيل الله اركبي وفي غزوة الحديبية، واستخلفه في غزوة الفتح، واستخلف أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق، واستخلف عثمان بن عفان في غزوة غطفان التي يقال لها غزوة أنمار، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع، واستخلف ابن رواحة في غزوة بدر الموعد، واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري في غزوة دومة الجندل وفي غزوة خَيْبر، واستخلف زيد بن حارثة في غزوة المريسيع، واستخلف أبا رهم في عمرة القضية، وكانت تلك الاستخلافات أكمل من استخلاف عليّ رضي الله عنه عام تبوك، وكلهم كانوا منه بمنزلة هارون من موسى، إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف.
وإذا قيل: في تبوك كان السفر بعيداً.(2/102)
قيل: ولكن كانت المدينة وما حولها أمناً، لم يكن هناك عدوّ يُخاف، لأنهم كلهم أسلموا، ومن لم يسلم ذهب. وفي غير تبوك كان العدو موجوداً حول المدينة، وكان يُخاف على من بها، فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه في الاستخلاف في تبوك.
وكذلك الحديث المذكور عن ابن عباس: أن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قال ذات يوم وهو نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى" قال: فقوله أنا الفتى: يعني فتى العرب، وقوله: ابن الفتى، يعني إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، من قوله { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء: 60] وقوله: أخو الفتى: يعني عليّاً، وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ".
فإن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة بالحديث(146)، وكذبه معروف من غير جهة الإسناد من وجوه.
منها: أن لفظ "الفتى" في الكتاب والسُّنَّة ولغة العرب ليس هو من أسماء المدح، كما ليس هو من أسماء الذم، ولكنه بمنزلة اسم الشاب والكهل والشيخ ونحو ذلك، والذين قالوا عن إبراهيم: سمعنا فتى يذكرهم يُقال له: إبراهيم، هم الكفار، ولم يقصدوا مدحه بذلك، وإنما الفتى كالشاب الحدَث.
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أجلُّ من أن يفتخر بجده وابن عمه.
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعليّ، ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب. وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بين مهاجريّ ومهاجريّ.
ومنها: أن هذه المناداة يوم بدر كذب.(2/103)
ومنها: أن ذا الفقار لم يكن لعليّ، وإنما كان سيفاً من سيوف أبي جهل غنمة المسلمون منه يوم بدر، فلم يكن يوم بدر ذو الفقار من سيوف المسلمين، بل من سيوف الكفّار، كما روى ذلك أهل السنن. فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تنفل سيفه ذا الفَقَار يوم بدر(147).
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان بعد النبوة كهلاً قد تعدّى سن الفتيان.
وأما حديث أبي ذر الذي رواه الرافضي فهو موقوف عليه ليس مرفوعاً، فلا يحتج به، مع أن نقله عن أبي ذر فيه نظر، ومع هذا فحب عليّ واجب، وليس ذلك من خصائصه، بل علينا أن نحبه، كما علينا أن نحب عثمان وعمر وأبا بكر، وأن نحب الأنصار.
ففي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار"(148) وفي صحيح مسلم عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: "إنه لعهد النبي الأميّ إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق"(149).
الفصل الثاني والعشرون
الرد على القول بأن حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة
قال الرافضي: "ومنها ما نقله صاحب "الفردوس" في كتابه عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة".
والجواب: أن كتاب "الفردوس" فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله، ومصنفه شيرويه بن شهردار الديلمي(150) وإن كان من طلبة الحديث ورواته، فإن هذه الأحاديث التي جمعها وحذف أسانيدها، نقلها من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها؛ فلهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جداً.(2/104)
وهذا الحديث مما يشهد المسلم بأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا يقوله(151)؛ فإن حب الله ورسوله أعظم من حب علي، والسيئات تضر مع ذلك. وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يضرب عبد الله بن حمار في الخمر، وقال: "إنه يحب الله ورسوله"(152) وكل مؤمن فلابد أن يحب الله ورسوله والسيئات تضره. وقد أجمع المسلمون وعُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولا يغفره الله لصاحبه، ولو أحب عليّ بن أبي طالب؛ فإن أباه أبا طالب كان يحبه وقد ضره الشرك حتى دخل النار، والغالية يقولون إنهم يحبونه وهم كفّار من أهل النار.
وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(153). وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو سرق لقُطعت يده وإن كان يحب عليّاً، ولو زنى أقيم عليه الحد ولو كان يحب عليّاً، ولو قتل لأقيد بالمقتول وإن كان يحب عليّاً. وحب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم من حب عليّ، ولو ترك رجل الصلاة والزكاة وفعل الكبائر لضرّه ذلك مع حب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف لا يضره ذلك مع حب علي؟.
ثم من المعلوم أن المحبّين له الذين رأوه وقاتلوا معه أعظم من غيرهم، وكان هو دائماً يذمّهم ويعيبهم ويطعن عليهم ويتبرأ من فعلهم به، ودعا الله عليهم أن يبدله بهم خيراً منهم، ويبدلهم به شرّاً منه، ولو لم تكن إلا ذنوبهم بتخاذلهم في القتال معه ومعصيتهم لأمره - فإذا كان أولئك خيار الشيعة وعليّ يبين أن تلك الذنوب تضرهم - فكيف بما هو أعظم منها لمن هو شر من أولئك ؟!
وبالجملة فهذا القول كفر ظاهر يُستتاب صاحبه، ولا يجوز أن يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر.
وكذلك قوله: "وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة" فإن من أبغضه إن كان كافراً فكفره هو الذي أشقاه، وإن كان مؤمناً نفعه إيمانه وإن أبغضه.(2/105)
وكذلك الحديث الذي ذكره عن ابن مسعود أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: حب آل محمد يوماً خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة وقوله عن عليّ: أنا وهذا حجة الله على خلقه - هما حديثان موضوعان عند أهل العلم بالحديث(154). وعبادة سنة فيها الإيمان والصلوات الخمس كل يوم وصوم شهر رمضان، وقد أجمع المسلمين على أن هذا لا يقوم مقامه حب آل محمد شهراً، فضلاً عن حبهم يوماً.
وكذلك حجة الله على عباده قامت بالرسل فقط. كما قال تعالى: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165]. ولم يقل: بعد الرسل والأئمة أو الأوصياء أو غير ذلك.
وكذلك قوله: "لو اجتمع الناس على حب عليّ لم يخلق الله النار" من أبين الكذب باتفاق أهل العلم والإيمان، ولو اجتمعوا على حب عليّ لم ينفعهم ذلك حتى يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعملوا صالحاً، وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنة وإن لم يعرفوا عليّاً بالكلية، ولم يخطر بقلوبهم لا حبه ولا بغضه.
قال الله تعالى: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 112].
وقال تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69].(2/106)
وقال تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133-136] فهؤلاء في الجنة، ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي.
وكذلك قوله تعالى: { إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاّ الْمُصَلِّينَ } [المعارج: 19-22] إلى قوله: { أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } [المعارج: 35] وأمثال ذلك، ولم يشترط حب علي.
وقد قَدِم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عدة وفود، وآمنوا به، وآمن به طوائف ممن لم يره، وهم لم يسمعوا بذكر عليّ ولا عرفوه، وهم من المؤمنين المتقين المستحقين للجنة. وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة والنصيرية والإسماعيلية، وجمهور هم من أهل النار بل مخلّدون في النار.
الفصل الثالث والعشرون
الرد على القول برد الشمس على عليّ(2/107)
قال الرافضي: "رجوع الشمس له مرتين: إحداهما: في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والثانية: بعده. أما الأولى فروي جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله فلما تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين، فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلما استيقظ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائماً، فدعا، فرُدّت الشمس، فصلّى العصر قائماً.
وأما الثانية: فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم، وصلَّى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر، وفات كثير منهم، فتكلّموا في ذلك، فسأل الله رد الشمس فردت. ونظمه الحميري فقال:
رُدّت عليه الشمسُ لما فاتَهُ
وقتُ الصلاةِ وقد دنت للمَغْرِبِ
حتى تبلّجَ نورُها في وقتِها
للعصرِ ثم هَوَتْ هُوِيَّ الكوكبِ
وعليه قد رُدَّت ببابلَ مرةً
أخرى وما رُدت لخَلْقٍ مُعْرِبِ(2/108)
والجواب: أن يقال: فضل عليّ وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم، ولله الحمد، من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يُحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يُعلم صدقه. وحديث الشمس له قد ذكره طائفة، كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدُّوا ذلك من معجزات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع، كما ذكره ابن الجوزي في كتاب "الموضوعات"(155) فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء، من طريق عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة بنت الحُسين، عن أسماء بنت عُميس، قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُوحى إليه ورأسه في حجر عليّ فلم يصل العصر حتى غربت الشمس(156)، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: صليت يا عليّ؟ قال: لا(2)، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت". قال أبو الفرج(157): "هذا حديث موضوع بلا شك، وقد اضطرب الرواة فيه، فرواه سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عليّ بن الحسين(158)، عن فاطمة بنت علي(159)، عن أسماء". قال(160): "وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويخطئ على الثقات(161). قال أبو الفرج: "وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه"(162).(2/109)
قلت: والمعروف أن سعيد بن مسعود رواه عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء. ورواه محمد بن مرزوق، عن حسين الأشقر، عن عليّ بن عاصم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار(163)، عن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء، كما سيأتي ذكره. قال أبو الفرج(164): "وقد روى هذا الحديث ابن شاهين، حدثنا(165) أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا(166) عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي، عن عروة بن عبد الله بن قشير قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب فحدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب. وذكر حديث رجوع الشمس. قال أبو الفرج(167): "وهذا حديث باطل. أما عبد الرحمن بن شريك، فقال أبو حاتم(168): هو واهي الحديث. قال: وأنا لا أتهم بهذا الحديث إلا ابن عقدة(169)، فإنه كان رافضياً يحدّث بمثالب الصحابة" "قال أبو أحمد بن عدي الحافظ سمعت أبا بكر بن أبي طالب(170) يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث، كان يحمل شيوخاً(171) بالكوفة على الكذب، يسوّي لهم نسخاً، ويأمرهم أن يرووها، وقد بيّنّا ذلك منه في غير نسخة(172)، *وسئل عنه الدارقطني فقال: رجل سوء. قال أبو الفرج: وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن أبي هريرة، قال: وداود ضعيف ضعّفه شعبة"*(173).
قلت: فليس في هؤلاء من يُحتج به فيما دون هذا.
وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب. وإنشاد الحميري لا حجة فيه، لأنه لم يشهد ذلك، والكذب قديم، فقد سمعه فنظمه وأهل الغلو في المدح والذم ينظمون ما لا تتحقق صحته، لا سيما والحميري معروف بالغلو(174).(2/110)
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: "غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد مَلَك بُضع امرأة يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا رجل قد بنى بيتاً ولم يرفع سقفه، ولا رجل اشترى غنماً - أو خلفات - وهو ينتظر ولادها، قال: فغزوا، فدنا من القرية، حتى صلى العصر قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ شيئاً، فحُبست عليه حتى فتح الله عليه" الحديث(175).
فإن قيل: فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت قد رُدّت ليوشع، فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة ؟
فيقال: يوشع لم تُرد له الشمس، ولكن تأخر غروبها: طُوّل له النهار، وهذا قد لا يظهر للناس، فإن طول النهار وقصره لا يدرك ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأيضاً لا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك. لكن يوشع كان محتاجاً إلى ذلك، لأن القتال كان محرماً عليه بعد غروب الشمس، لأجل ما حرّم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت. وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى رد، وإن لم يكن مفرّطاً، كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب.
وأيضاً فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلّى بعد ذلك لا يكون مصلّياً في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس.
وقول الله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه: 130] يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلّي قبل هذا الغروب، وإن طلعت ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر، ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت لأحد، فتقريرها تقدير ما لا وجود له. ولهذا لا يوجد الكلام على حكمٍ مثل هذا في كلام العلماء المفرِّعين.(2/111)
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاتته العصر يوم الخندق، فصلاّها قضاءً، هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله ردّ الشمس.
وفي الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه بعد ذلك، لما أرسلهم إلى بني قريظة: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم: لم يرد منا تفويت الصلاة فصلّوا في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلّي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدةً من الطائفتين(176).
فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّوا العصر بعد غروب الشمس، وليس عليّ بأفضل من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا صلاّها هو وأصحابه معه بعد الغروب، فعليّ وأصحابه أولى بذلك.
فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزئ أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس، كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أولى برد الشمس، وإن كانت كاملةً مُجزئة فلا حاجة إلى ردها.
وأيضاً فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان عُلم بيان كذبهم في ذلك.
وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه، وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه(177)، ونزل به القرآن، فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار، ولا يشتهر ذلك، ولا ينقله أهل العلم نقله مثله ؟!
ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها، وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعيين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر، وما يشبه ذلك، فليس الكلام في هذا المقام. لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفَلَك، وكثير من الناس ينكر إمكانه، فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله، فكيف يُقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور، فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع.(2/112)
وإن كانت الشمس احتجبت بغيم، ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ولعلهم ظنوا أنها غربت، ثم كشف الغمام عنها.
وهذا وإن كان قد وقع، ففيه أن الله بيّن له بقاء الوقت حتى يصلّي فيه. ومثل هذا يجري لكثير من الناس.
وهذا الحديث قد صنّف فيه مصنّف جمعت فيه طرقه، صنّفه أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحكاني سماه "مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس"(178) وقال: هذا حديث رُوي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من طريق أسماء بنت عُميس الخثعمية، ومن طريق أمير المؤمنين عليّ بين أبي طالب، ومن طريق أبي هريرة وأبي سعيد. وذكر حديث أسماء من طريق محمد بن أبي فديك. قال: أخبرني محمد بن موسى - وهو القطري - عن عون بن محمد، عن أمه - أم جعفر - عن جدتها أسماء بنت عميس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يعني العصر، فوضع رأسه في حِجر عليّ ولم يحركه حتى غابت الشمس، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إن عبدك عليّاً في طاعتك وطاعة رسولك احتبس نفسه على نبيّه، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال، فقام عليّ فتوضأ وصلى العصر، ثم غابت الشمس".(2/113)
قال أبو القاسم المصنّف: "أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب، والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن عليّ، المعروف: أبوه محمد بن الحنفية، والراوي عنه هو محمد بن موسى المديني، المعروف بالقطري: محمود في روايته ثقة. والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني: ثقة. وقد رواه عنه جماعة: منهم هذا الذي ذكرت روايته، وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي، وقد رواه عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء، وذكره بإسناده من طريقه، وفيه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم العصر، فوضع رأسه في حِجر عليّ، فلم يحركه حتى غربت الشمس، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إن عبدك عليّاً احتبس نفسه على نبيه، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، فقام عليّ وتوضأ وصلّى العصر وذلك في الصهباء في غزوة خيبر.
قال: ومنهم أحمد بن صالح المصري، عن ابن أبي فديك، رواه أبو جعفر الطحاوي في كتاب "تفسير متشابه الأخبار" من تأليفه من طريقه.
ومنهم الحسن بن داود عن ابن أبي فديك، وذكره بإسناده، ولفظه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر بالصهباء من أرض خيبر، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العصر، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأسه في حِجر عليّ، فلم يحركه حتى غربت الشمس، فاستيقظ. وقال: يا علي صليت العصر؟ قال: لا. وذكره. قال: ويرويه عن أسماء فاطمة بنت الحسين الشهيد.(2/114)
ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي، حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة، عن أسماء بنت عميس، قالت: نزل جبريل على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعدما صلّى العصر، فوضع رأسه - أو خده: لا أدري أيهما قال - في حِجر عليّ، ولم يصل العصر حتى غابت الشمس" وذكره.
قال المصنف: "ورواه عن فضيل بن مرزوق جماعة، منهم عبيد الله بن موسى العبسي. ورواه الطحاوي من طريقه، ولفظه: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُوحى إليه ورأسه في حِجر عليّ، فلم يصل العصر حتى غابت الشمس.
ورواه أيضاً من حديث عمّار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق، من طريق أبي جعفر العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء".
قلت: وهذا اللفظ يناقض الأول، ففيه أنه نام في حِجره من صلاة العصر إلى غروب الشمس، وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء. وفي الثاني أنه كان مستيقظاً يُوحِي إليه جبريل، ورأسه في حِجر عليّ حتى غربت الشمس. وهذا التناقض يدل على أنه غير محفوظ، لأن هذا صرح بأنه كان نائماً هذا الوقت، وهذا قال: كان يقظان يُوحى إليه، وكلاهما باطل؛ فإن النوم بعد العصر مكروه منهي عنه، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم تنام عيناه ولا ينام قلبه، فكيف تفوت عليّاً صلاة العصر ؟
ثم تفويت الصلاة بمثل هذا، إما أن يكون جائزاً، وإما أنه لا يجوز. فإن كان جائزاً لم يكن على عليّ إثم إذا صلّى العصر بعد الغروب، وليس عليّ أفضل من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاتته العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس، ثم صلاّها، ولم ترد عليه الشمس، وكذلك لم ترد لسليمان لما توارت بالحجاب.
وقد نام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه عليّ وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق.
وإن كان التفويت محرّماً، فتفويت العصر من الكبائر. وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله"(179).(2/115)
وعليّ كان يعلم أنها الوسطى، وهي صلاة العصر. وهو قد روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين لما قال: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، حتى غربت الشمس، ملأ الله أجوافهم وبيوتهم ناراً"(180) وهذا كان في الخندق، وخيبر بعد الخندق.
فعليّ أجلّ قدراً من أن يفعل مثل هذه الكبيرة، ويقرّه عليها جبريل ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، وقد نزّه الله عليّاً عن ذلك. ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس.
وأيضاً فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرّيّة قدّام العسكر والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه. ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يُعرف ضبطهم وعدالتهم.
وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تُعلم عدالة ناقليه وضبطهم ولا يعلم اتصال إسناده.
وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عام خيبر: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"(181) فنقل ذلك غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمساند.
وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة: لا رواه أهل الصحيح ولا أهل السنن ولا المساند أصلاً، بل اتفقوا على تركه والإعراض عنه، فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة، التي هي لو كانت حقّاً من أعظم المعجزات المشهورة الظاهرة، ولم يروها أهل الصحاح والمساند، ولا نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة !!(2/116)
والإسناد الأول رواه القطري، عن عون، عن أمه، عن أسماء بنت عميس. وعون وأمه ليسا ممن يُعرف حفظهم وعدالتهم، ولا من المعروفين بنقل العلم، ولا يُحتج بحديثهم في أهون الأشياء، فكيف في مثل هذا؟ ولا فيه سماع المرأة من أسماء بنت عميس، فلعلها سمعت من يحكيه عن أسماء فذكرته.
وهذا المصنف ذكر عن ابن أبي فديك أنه ثقة، وعن القطري أنه ثقة، ولم يمكنه أن يذكر عمن بعدهما أنه ثقة، وإنما ذكر أنسابهم ومجرد المعرفة بنسب الرجل لا تُوجب أن يكون حافظاً ثقة.
وأما الإسناد الثاني فمداره على فُضيل بن مرزوق، وهو معروف بالخطأ على الثقات، وإن كان لا يتعمّد الكذب(182). قال فيه ابن حبان: يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات(183) وقال فيه أبو حاتم الرازي(184): لا يحتج به. وقال فيه يحيى بن معين مرة: هو ضعيف. وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: لا أعلم إلا خيراً، وقول سفيان: هو ثقة، وقول يحيى مرة: هو ثقة فإنه ليس ممن يتعمد الكذب، ولكنه يخطئ، وإذا روى له مسلمُ ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يُروى ما انفرد به، مع أنه لم يُعرف سماعه عن إبراهيم، ولا سماع إبراهيم من فاطمة، ولا سماع فاطمة من أسماء.
ولابد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلاًّ من هؤلاء عدل ضابط، وأنه سمع من الآخر. وليس هذا معلوماً، وإبراهيم هذا لم يرو له أهل الكتب المعتمدة - كالصحاح والسنن - ولا له ذكر في هذه الكتب، بخلاف فاطمة بنت الحسين، فإن لها حديثاً معروفاً، فكيف يُحتج بحديث مثل هذا؟ ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث المعروفين في الكتب المعتمدة.(2/117)
وكون الرجل أبوه كبير القدر لا يوجب أن يكون هو من العلماء المأمونين على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عنه. وأسماء بنت عُميس كانت عند جعفر، ثم خلف عليها أبو بكر، ثم خلف عليها عليّ، ولها من كل من هؤلاء ولد، وهم يحبون عليّاً، ولم يرو هذا أحد منهم عن أسماء. ومحمد بن أبي بكر الذي في حِجر عليّ هو ابنها ومحبته لعليّ مشهورة، ولم يرو هذا عنها.
وأيضاً فاسماء كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وكانت معه في الحبشة، وإنما قدمت معه بعد فتح خيبر. وهذه القصة قد ذُكر أنها كانت بخيبر. فإن كانت صحيحة كان ذلك بعد فتح خيبر، وقد كان مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ممن شهد خيبر أهل الحديبية: ألف وأربعمائة، وازداد العسكر بجعفر وازداد العسكر ومن قَدِم معه من الحبشة، كأبي موسى الأشعري وأصحابه، والحبشة الذين قدموا مع جعفر في السفينة، وازدادوا أيضاً بمن كان معهم من أهل خيبر، فلم يرو هذا أحد من هؤلاء، وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق.
والطعن في فضيل ومن بعده إذا تيقّن بأنهم رووه، وإلا ففي إيصاله إليهم نظر، فإن الراوي الأول من فُضيل: الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي(185). قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال الأزدي: ضعيف. وقال السعدي: حسين الأشقر غالٍ من الشاتمين للخِيرة. وقال ابن عدي: روى حديثاً منكراً، والبلاء عندي منه، وكان جماعة من ضعفاء الكوفة يحيلون ما يروون عنه من الحديث فيه(186).
وأما الطريق الثالث ففيه عمّار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق. قال العُقيلي: يحدّث عن الثقات بالمناكير، وقال الرازي: كان يكذب، أحاديثه بواطل. وقال ابن عدي: متروك الحديث(187).(2/118)
والطريق الأول من حديث عبيد الله بن موسى العبسي(188)، وفي بعض طرقه عن فُضيل، وفي بعضها: "حدثنا" فإذا لم يثبت أنه قال: "حدثنا" أمكن أن لا يكون سمعه، فإنه من الدعاة إلى التشيّع، الحراص على جمع أحاديث التشيع، وكان يروي الأحاديث في ذلك عن الكذابين، وهو من المعروفين بذلك. وإن كانوا قد قالوا فيه: ثقة، وإنه لا يكذب، فالله أعلم أنه هل كان يتعمد الكذب أم لا؟ لكنه كان يروي عن الكذابين المعروفين بالكذب بلا ريب. والبخاري لا يروي عنه إلا ما عُرف أنه من غير طريقه، وأحمد بن حنبل لم يرو عنه شيئاً. قال المصنف: وله روايات عن فاطمة سوى ما قدمنا(189).
ثم رواه بطريق مظلمة، يظهر أنها كذب لمن له معرفة منوطة بالحديث، فرواه من حديث أبي حفص الكتاني(190)، حدثنا محمد بن عمر القاضي - هو الجعاني - حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، حدثنا خلف بن سالم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أمه، عن فاطمة، عن أسماء أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس.
وهذا مما لا يقبل نقله إلا ممن عُرف عدالته وضبطه، لا من مجهول الحال، فكيف إذا كان مما يعلم أهل الحديث أن الثوري لم يحدّث به، ولا حدّث به عبد الرزاق. وأحاديث الثوري وعبد الرزاق يعرفها أهل العلم بالحديث، ولهم أصحاب يعرفونها. ورواه خلف بن سالم. ولو قُدِّر أنهم رووه فأم أشعث مجهولة لا يقوم بروايتها شيء.
وذكر طريقاً ثانياً من طريق محمد بن مرزوق، حدثنا حسين الأشقر، عن عليّ بن هاشم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء بنت عُميس .... الحديث.(2/119)
قلت: وقد تقدّم كلام العلماء في حسين الأشقر، فلو كان الإسناد كلهم ثقات، والإسناد متصل، لم يثبت بروايته شيء، فكيف إذا لم يثبت ذلك؟ وعليّ بن هاشم بن البريد. قال البخاري: هو وأبوه غاليان في مذهبهما. وقال ابن حبان: كان غالياً في التشيع، يروي المناكير عن المشاهير(191). وإخراج أهل الحديث لما عرفوه من غير طريقه لا يوجب أن يثبت ما انفرد به.
ومن العجب أن هذا المصنف جعل هذا والذي بعده من طريق رواية فاطمة بنت الحسين. وهذه فاطمة بنت عليّ لا بنت الحسين.
وكذلك ذكر الطريق الثالث عنها: من رواية عبد الرحمن بن شريك، حدثنا أبي، عن عروة بن عبد الله، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء، عن علي بن أبي طالب، رُفع إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أوحي إليه فجلله بثوبه، فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس. يقول: غابت أو كادت تغيب، وأن نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم سُرِّي عنه، فقال: أصليت يا علي؟ قال: لا. قال: اللهم ردّ على عليّ الشمس فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجد.
فيقتضي أنها رجعت إلى قريب وقت العصر، وأن هذا كان بالمدينة. وفي ذاك الطريق أنه كان بخيبر، وأنها إنما ظهرت على رؤوس الجبال. وعبد الرحمن بن شريك. قال أبو حاتم الرازي: هو واهي الحديث، وكذلك قد ضعّفه غيره.
ورواه من طريق رابع من حديث محمد بن عمر القاضي - وهو الجعاني - عن العباس بن الوليد عن عباد وهو الرواجني حدثنا عليّ بن هاشم، عن صباح بن عبد الله بن الحسين أبي جعفر عن حسين المقتول، عن فاطمة، عن أسماء بنت عُميس قال: كان يوم خيبر شَغَل عليّاً ما كان من قَسْم المغانم، حتى غابت الشمس أو كادت. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما صليت؟ قال: لا. فدعا الله فارتفعت حتى توسطت السماء، فصلّى عليّ، فلما غابت الشمس سمعت لها صريراً كصرير المنشار في الحديد.(2/120)
وهذا اللفظ الرابع بناقض الألفاظ الثلاثة المتناقضة، وتبين أن الحديث لم يروه صادق ضابط، بل هو في نفس الأمر مما اختلقه واحد وعملته يداه، فتشبه به آخر، فاختلق ما يشبه حديث ذلك. والقصة واحدة. وفي هذا أن عليّاً إنما اشتغل بقسم المغانم لا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وعليّ لم يقسم مغانم خيبر، ولا يجوز الاشتغال بقسمتها عن الصلاة، فإن خيبر بعد الخندق، سنة سبع، وبعد الحديبية، سنة ست. وهذا من المتواتر عن أهل العلم.
والخندق كانت قبل ذلك، إما سنة خمس أو أربع، وفيها أنزل الله تعالى: { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [البقرة: 238]، ونُسخ التأخير بها يوم الخندق، مع أنه كان للقتال عند أكثر أهل العلم. ومن قال: إنه لم ينسخ، بل يجوز التأخير للقتال، كأبي حنيفة وأحمد - في إحدى الروايتين - فلم يتنازع العلماء أنه لم يجز تفويت الصلاة لأجل قسم الغنائم، فإن هذا لا يفوت، والصلاة تفوت.
وفي هذا أنها توسطت المسجد، وهذا من الكذب الظاهر، فإن مثل هذا من أعظم غرائب العالم، التي لو جرت لنقلها الجم الغفير. وفيه أنها لما غابت سُمع لها صرير كصرير المنشار، وهذا أيضاً من الكذب الظاهر، فإن هذا لا موجب له أيضاً، والشمس عند غروبها لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذا الصوت، الذي يصل من الفلك الرابع إلى الأرض. ثم لو كان هذا حقّاً لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها الصحابة، الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر.(2/121)
وهذا الإسناد لو رُوي به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء، فإن عليّ بن هاشم بن البريد كان غالياً في التشيع، يروي عن كل أحدٍ يحرضه على ما يقوي به هواه، ويروى عن مثل صباح هذا، وصباح هذا لا يُعرف من هو. ولهم في هذه الطبقة صباح بن سهل الكوفي، يروي عن حصين بن عبد الرحمن. قال البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن أقوام مشاهير، لا يجوز الاحتجاج بخبره.
ولهم آخر يُقال له: صباع بن محمد بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي يروي عن مرّة الهمداني. قال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات.
ولهم شخص يقال له صباح العبدي قال الرازي: هو مجهول. وآخر يُقال له: ابن مجالد، مجهول يروي عنه بقية. قال ابن عدي: ليس بالمعروف، هو من شيوخ بقية المجهولين.
وحسين المقتول: إن أريد به الحسين بن عليّ، فذلك أجلّ قدراً من أن يروي عن واحد عن أسماء بنت عميس، سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته، فإن هذه القصة لو كانت حقّاً لكان هو أخبر بها من هؤلاء، وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره، ومن أسماء امرأة أبيه، وغيرها، لم يروها عن بنته أو أخته، عن أسماء امرأة أبيه.
ولكن ليس هو الحسين بن عليّ، بل هو غيره، أو هو عبد الله بن الحسن أبو جعفر، ولهما أسوة أمثالهما.
والحديث لا يثبت إلا برواية مَنْ عُلِم أنه عَدْلٌ ضَابِطٌ ثقة يعرفه أهل الحديث بذلك. ومجرد العلم بنسبته لا يفيد ذلك، ولو كان من كان. وفي أبناء الصحابة والتابعين من لا يحتج بحديثه، وإن كان أبوه من خيار المسلمين.(2/122)
هذا إن كان عليّ بن هاشم رواه، وإلا فالراوي عنه عبّاد بن يعقوب الراواجني. قال: ابن حبان كان رافضياً داعية يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وقال ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ومثالب غيرهم. والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته، وإلا فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال: إن عليّاً حفر البحر، وإن الحسن أجرى فيه الماء، مما يقدح فيه قدحاً بيّناً(192).
قال المصنف: قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء، ورُوي من طريق أبي العباس بن عقدة، وكان مع حفظه جمّاعاً لأكاذيب الشيعة. قال أبو أحمد بن عدي: رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه، يقولون: لا يتدين بالحديث، ويحمل شيوخاً بالكوفة على الكذب، ويسوي لهم نسخاً، ويأمرهم بروايتها. وقال الدارقطني: كان ابن عقدة رجل سوء(193). قال ابن عقدة: حدثنا يحيى بن زكريا، أخبرنا يعقوب بن معبد، حدثنا عمرو بن ثابت، قال سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ عن حديث رد الشمس على عليّ: هل ثبت عندكم؟ فقال لي: ما أنزل الله في عليّ في كتابه أعظم من رد الشمس. قلت: صدقت جعلني الله فداك، ولكني أحب أن أسمعه منك. قال: حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: أقبل عليٌّ ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فوافق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد انصرف ونزل عليه الوحي، فأسنده إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: أصليت العصر يا عليّ؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة. فاستقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القبلة وقد غربت الشمس، فقال: اللهم إن عليّاً كان في طاعتك فارددها عليه. قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الوحي حتى ركدت في موضعها وقت العصر، فقام عليّ متمكناً فصلّى العصر، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى(2/123)
فلما غابت الشمس اخلط الظلام، وبدت النجوم.
قلت: فهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة، ويزيد الناظر بياناً في أنها مكذوبة مختلقة، فإنه ذكر فيها أنها رُدّت إلى موضعها وقت العصر، وفي الذي قبله: إلى نصف النهار، وفي الآخر: حتى ظهرت على رؤوس الجبال، وفي هذا أنه كان مسنده إلى صدره، وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره.
وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا قط، وهو كان أجلّ قدراً من أن يروي مثل هذا الكذب، ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء. وفيه: ما أنزل الله في عليّ في كتابه أعظم من رد الشمس شيئاً. ومعلوم أن الله لم ينزل في عليّ ولا غيره في كتابه في ردّ الشمس شيئاً.
وهذا الحديث، إن كان ثابتاً عن عمرو بن ثابت، الذي رواه عن عبد الله(194)، فهو الذي اختلقه، فإنه كان معروفاً بالكذب. قال أبو حاتم بن حِبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال مَرَّةً: ليس بثقة ولا مأمون. وقال النسائي: متروك الحديث(195).
قال المصنف: وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا عقيل بن الحسن العسكري، حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي، حدثنا أحمد بن عمرو بن حوصاء، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبيه، قال: حدثنا داود بن فراهيج، عن عمارة بن فرو، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكره.. قال المصنف: اختصرته من حديث طويل.
قلت: هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم، بل يُعرف كذبه من وجوه، فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفاً، كان شعبة يضعفه، وقال النسائي: ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه، فإن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو الذي رواه عنه وعن عمارة. قال البخاري: أحاديثه شبه لا شيء وضعفه جداً وقال النسائي: متروك ضعيف الحديث. وقال الدارقطني: منكر الحديث جداً. وقال أحمد: عنده مناكير. وقال الدارقطني: ضعيف.(2/124)
وإن كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري، فالآفة من هذا. وإن كان يُقال: إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء، فإن هذين معروفان، وأحاديثهما معروفة قد رواها عنهما الناس. ولهذا لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفاً عنه، رواه بالأسانيد المعروفة، لكن الآفة فيه ممن بعده. وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء لا يعرفون. وإن قدر أنه ثابت عنه، فالآفة بعده.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج، وذكر ضعف ابن فراهيج، ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضاً.
قال المصنف: وأما رواية ابي سعيد الخدري، فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة، أن أبا طاهر محمد بن عليّ الواعظ أخبرهم، أنبأنا محمد بن أحمد بن منعم، أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر، حدثني أبي، عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله، عن أبيه محمد، عن أبيه عمر قال: قال الحسين بن علي: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: دخلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإذا رأسه في حجر عليّ، وقد غابت الشمس، فانتبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال: يا عليّ صليت العصر؟ قال: لا يا رسول الله ما صليت، كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ادع يا علي أن تُرد عليك الشمس. فقال عليّ: يا رسول الله ادع أنت أُؤَمّن. قال: يا رب إن عليّاً في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. قال أبو سعيد: فوالله لقد سمعت للشمس صريراً كصرير البكرة، حتى رجعت بيضاء نقية.
قلت هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء، وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ولا ضبط، ولا حمل للعلم، ولا لهم ذكر في كتب العلم، وكثير من رجاله لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتاً فكيف إذا كان كثير منهم - أو أكثرهم - كذلك، ومن هو معروف بالكذب، مثل عمرو بن ثابت ؟!(2/125)
وفيه: أنه كان وجعاً، وأنه سمع صوتها حين طلعت كصرير البكرة، وهذا باطل عقلاً، ولم يذكره أولئك. ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد - عن محبته لعلي وروايته لفضائله - لرواه عنه أصحابه المعروفون، كما رووا غير ذلك من فضائل عليّ، مثل رواية أبي سعيد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما ذكر الخوارج، قال: "تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" ومثل روايته أنه قال لعمار: "تقتلك الفئة الباغية". فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بيّن فيه أن عليّاً وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه، فكيف لا يروي عنه مثل هذا لو كان صحيحاً ؟!
ولم يحدث بمثل هذا الحسين ولا أخوه عمر ولا عليّ، ولو كان مثل هذا عندهما لحدث به عنهما المعروفون بالحديث عنهما، فإن هذا أمر عظيم.
قال المصنف: وأما رواية أمير المؤمنين، فأخبرنا أبو العباس الفرغاني، أخبرنا أبو الفضل الشيباني، حدثنا رجاء بن يحيى الساماني، حدثنا هارون بن مسلم بن سعيد بسامراً سنة أربعين ومائتين، حدثنا عبد الله بن عمرو الأشعث، عن داود بن الكميت، عن عمه المستهل بن زيد، عن أبي زيد بن سهلب، عن جويرية بنت مسهر، قالت: خرجت مع عليّ فقال: يا جويرية إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يوحى إليه ورأسه في حجري، وذكره..
قلت: وهذا الإسناد أضعف مما تقدم، وفيه من الرجال المجاهيل الذين لا يُعرف أحدهم بعدالة ولا ضبط. وانفرادهم بمثل هذا الذي لو كان عليّ قاله لرواه عنه المعروفون من أصحابه، وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة - ولا يُعرف حال هذه المرأة، ولا حال هؤلاء الذين رووا عنها، بل ولا تُعرف أعيانهم، فضلاً عن صفاتهم - لا يثبت فيه شيء، وفيه ما يناقض الرواية التي هي أرجح منه، مع أن الجميع كذب، فإن المسلمين رووا من فضائل عليّ ومعجزات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما هو دون هذا، وهذا لم يروه أحدٌ من أهل العلم بالحديث.(2/126)
وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل عليّ، كما صنف الإمام أحمد فضائله، وصنف أبو نُعيم في فضائله، وذكر فيها أحاديث كثيرة ضعيفة، ولم يذكر هذا، لأن الكذب ظاهر عليه، بخلاف غيره. وكذلك لم يذكره الترمذي، مع أنه جمع في فضائل عليّ أحاديث، كثير منها ضعيف. وكذلك النسائي وأبو عمر بن عبد البر. وجمع النسائي مصنفاً في خصائص عليّ.
قال المصنف: وقد حكى أبو جعفر الطحاوي(196) عن عليّ بن عبد الرحمن، عن أحمد بن صالح المصري، أنه كان يقول(197): لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس، لأنه من علامات النبوة(198).
قلت: أحمد بن صالح رواه من الطريق الأول، ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدل من وجوه كثيرة على أنه كذب. وتلك الطريق راويها مجهول عنده، ليس معلوم الكذب عنده، فلم يظهر له كذبه.
والطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم. ولهذا روى في "شرح معاني الآثار" الأحاديث المختلفة، وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة. ويكون أكثرها مجروحاً من جهة الإسناد لا يثبت، ولا يتعرض لذلك، فإنه لم تكن معرفته بالإسناد كمعرفة أهل العلم به، وإن كان كثير الحديث فقيهاً عالماً(199).
قال المصنف: وقال أبو عبد الله البصري: عود الشمس بعد مغيبها آكد حالاً فيما يقتضي نقله، لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين، فإنه من أعلام النبوة، وهو مفارق لغيره من فضائله في كثير من أعلام النبوة.
قلت: وهذا من أظهر الأدلة على أنه كذب، فإن أهل العلم بالحديث رووا فضائل عليّ التي ليست من أعلام النبوة، وذكروها في الصحاح والسنن والمساند، رووها عن العلماء الأعلام الثقات المعروفين. فلو كان هذا مما رواه الثقات، لكانوا أرغب في روايته وأحرص الناس على بيان صحته، لكنهم لم يجدوا أحداً رواه بإسناد يعرف أهله بحمل العلم، ولا يعرفون بالعدالة والضبط، مع ما فيه من الأدلة الكثيرة على تكذيبه.(2/127)
قال: وقال أبو العباس بن عقدة، حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو، أنبأنا سليمان بن عباد، سمعت بشّار بن دراع، قال: لقي أبو حنيفة(200) محمد بن النعمان(201) فقال: عمّن رويت حديث ردّ الشمس ؟ فقال: عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل. قال المصنف: وكل هذه أمارات ثبوت الحديث.
قلت: هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث، فإنه لم يروه إمام من أئمة المسلمين. وهذا أبو حنيفة، أحد الأئمة المشاهير، وهو لا يُتهم على عليّ، فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة، وقد لقي من الشيعة، وسمع من فضائل عليّ ما شاء الله، وهو يحبه ويتولاه، ومع هذا أنكر هذا الحديث على محمد بن النعمان. وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله، ولم يجبه ابن النعمان بجواب صحيح، بل قال: عن غير من رويت عنه حديث: يا سارية الجبل.
فيقال له: هب أن ذلك كذب، فأي شيء في كذبه مما يدل على صدق هذا. فإن كان كذلك، فأبو حنيفة لا يُنكر أن يكون لعمر وعليّ وغيرهما كرامات، بل أنكر هذا الحديث للدلائل الكثيرة على كذبه ومخالفته للشرع والعقل، وأنه لم يروه أحدٌ من العلماء المعروفين بالحديث، من التابعين وتابعيهم، وهم الذين يروون عن الصحابة، بل لم يروه إلا كذّاب أو مجهول لا يُعلم عدله وضبطه، فكيف يُقبل هذا من مثل هؤلاء ؟!
وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحاً، لما فيه من معجزات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وفضيلة عليّ، على الذين يحبونه ويتولونه، ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب، فردوه ديانة.
فهارس القسمين: الأول والثاني
من كتاب
"الإمامة في ضوء الكتاب والسنة"
1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة.
2- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة.
3- فهرس الآثار.
4- فهرس الأعلام.
5- فهرس الكتب الواردة بالمتن.
6- فهرس الأماكن والبلدان.
7- فهرس المراجع والمصادر.
أولاً: فهرس الآيات القرآنية الكريمة
الآية
رقمها
الجزء / الصفحة
في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا(2/128)
10
1/165
وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..
30
1/50
فتلقى آدم من ربه كلمات ...
37
1/139
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ...
43
1/20
واركعوا مع الراكعين ...
43
1/296، 300
فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ...
54
1/132
ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ...
85
1/132
أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى ...
87
1/229
وقالوا لن يدخل الجنة ...
111
1/8
لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً ...
111-112
1/291
بلى من أسلم وجهه لله ...
112
2/202
وآتى المال على حبه ...
117
1/200
إني جاعلك للناس إماماً ...
124
1/142
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ...
125
1/173
وكذلك جعلناكم أمة وسطاً ...
143
1/277
ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً ...
165
1/162
وآتى المال على حبه ذوي القربى ...
177
1/185
يريد الله بكم اليسر ...
185
1/78
ومن الناس من يشري نفسه ...
207
1/119، 120
ويسألونك ماذا ينفقون ...
219
2/113
إن الله يحب التوابين ...
222
2/150
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ...
238
2/225
الله ولي الذين آمنوا ...
257
1/32
مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ...
261
2/53
الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ...
274
1/149، 251
فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله سورة آل عمران
279
2/41
إن الله اصطفى آدم ونوحاً
33
1/265
يا مريم اقنتي لربك واسجدي ...
43
1/21، 202
فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ...
61
1/120، 131، 133
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأنباءكم ...
61
2/175
ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم ...
66
1/68
وغذ أخذ الله ميثاق النبيين ...
81
1/185
لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ...
92
1/201
ضربت عليهم الذلة ...
112
1/228
مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا ...
117
2/53
وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ...
133-136
2/202، 203
وما محمد إلا رسول ...
144
2/62
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب ...
151
1/228(2/129)
وما أصابكم يوم التقى الجمعان ...
166، 167
1/165
الذين قال لهم الناس ...
173
1/221
سورة النساء
يريد الله ليبين لكم ويهديكم ...
26، 27
1/35
ولا تقتلوا أنفسكم ...
29
1/132
إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ...
31
1/90
والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ...
33
2/85
يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى..
43
1/260
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات ...
58
1/297
ومن يطع الله والرسول ...
69
1/296، 2/202
يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله ...
94
1/255
فأولئك مع المؤمنين ...
146
1/296
لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ...
165
2/202
سورة المائدة
اليوم أكملت لكم دينكم ...
3
1/75، 59، 2/20
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ...
6
1/78، 2/150
فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ...
42
2/21
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ...
44
1/286
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود ...
51
1/22
ومن يتولهم منكم فإنه منهم ...
51
1/286
فترى الذين في قلوبهم مرض ...
52-53
1/22
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم ...
54
1/22، 231، 239
فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ...
54
1/231، 237
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ...
55
1/5، 7، 13، 22، 305- 2/40
ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا ...
56
1/23، 35
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك ...
67
1/36، 51، 2/20، 21، 22، 23
إنما الخمر والميسر والأنصاب ...
90
1/8
وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم ...
117
2/61
إن تعذبهم فإنهم عبادك ...
118
2/48
سورة الأنعام
ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ...
21
1/209
وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ...
96
1/221
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ...
125
1/79
قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً ...
145
1/88
سورة الأعراف
ربنا ظلمنا أنفسنا ...
23
1/140
قل إنما حرم ربي الفواحش ...
33
1/67(2/130)
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ...
69
2/73
إنهم أناس يتطهرون ...
82
1/87
قد افترينا على الله كذباً ...
89
1/144
وإذ أخذ ربك من بني آدم ...
172
1/319
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل ...
173
1/320
سورة الأنفال
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ...
30
1/124
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق ...
32
1/50
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ...
33
1/50
واعلموا أنما غنمتم من شيء ...
41
1/109
هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ...
62
1/28، 212، 213، 223
وألف بين قلوبهم ...
63
1/124، 223
يا أيها النبي حسبك الله ...
64
1/219
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ...
72
2/157
إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ...
72-75
1/32
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض ...
75
2/84
سورة التوبة
فقاتلوا أئمة الكفر ...
12
1/329
أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام ...
19
1/173، 2/155، 156
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا ...
20
1/172
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً ...
31
1/228
إلا تنصروه فقد نصره الله ...
40
1/28، 129
ومنهم من يقول ائذن لي ...
49
1/163
ومنهم من يلمزك في الصدقات ...
58
1/163
ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ...
59
1/22
ومنهم الذين يؤذون النبي ...
61
1/163
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ...
71
1/32
يحلفون بالله ما قالوا ...
74
1/165
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله ...
75-76
1/163
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ...
100
1/169، 2/135، 136، 151
خذ من أموالهم صدقة ...
103
1/87، 90-2/150
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ...
108
1/81
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ...
119
1/294
سورة يونس
ثم جعلناكم خلائف في الأرض ...
14
2/73
ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ...
62-63
1/32
ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ...
88
2/48
فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك ...
94
1/278
سورة هود(2/131)
ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ...
34
1/79
رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ...
73
1/264
فاعبده وتوكل عليه ...
123
1/31
سورة يوسف
أيها الصديق ..
46
1/247
وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً ...
109
1/278
سورة الرعد
إنما أنت منذر ولكم قوم هاد ...
7
1/149
قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
43
1/276
سورة إبراهيم
وقال الذين كفروا لنخرجنكم من أرضنا ...
13
1/145
فمن تبعني فإنه مني ...
36
2/48
سورة الحجر
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ...
9
1/235
إخوانا على سرر متقابلين ...
47
1/307
سورة النحل
فاسألوا أهل الذكر ...
43
1/278
سورة الإسراء
سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ...
1
2/192
وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى ...
2
1/143
ولا تقف ما ليس لك به علم ...
36
1/67
والشجرة الملعونة في القرآن ...
60
1/270
يوم ندعو كل أناس بإمامهم ...
71
1/153
وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ...
111
1/35
سورة مريم
فهب لي من لدنك ولياً ، يرثني ...
5-6
1/310
واذكر في الكتاب إبراهيم ...
41
1/247
واذكر في الكتاب إدريس ...
56
1/247
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وداً ...
96
1/114، 146، 147
سورة طه
واجعل لي وزيراً من أهلي
29
1/304
رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري ...
25-32
1/7
وأشركه في أمري ...
32
1/306
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ...
130
2/209
سورة الأنبياء
سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ...
60
2/187، 195
ففهمناها سليمان ...
79
2/50
ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة ...
72-73
1/143
سورة الحج
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ...
3
1/8
فاجتنبوا الرجس من الأوثان ...
30
1/88
ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء ...
31
1/228
سورة النور
لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ...
12
1/131، 132، 133
ولولا فضل الله عليكم ورحمته ...
21
1/90
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ...
26
1/89(2/132)
والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات ...
26
1/89
في بيوت أذن الله أن ترفع ...
36-37
1/97، 98، 100
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ...
55
2/73
سورة الفرقان
وجاهدهم به جهاداً كبيراً ...
52
1/171
وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات ...
53
1/273
وهو الذي خلق من الماء بشراً ...
54
1/292
قل ما أسألكم عليه من أجر ...
57
1/110
سورة الشعراء
وأنذر عشيرتك الأقربين ...
214
2/5، 11، 14
سورة النمل
وورث سليمان داود ...
16
1/310
أحطت بما لم تحط به ...
22
1/174
أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ...
64
1/8
سورة القصص
ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا
5-6
1/143
سنشد عضدك بأخيك ...
35
1/7
سورة العنكبوت
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء
41
1/228
ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً
68
1/209، 217
سورة الروم
أم أنزلنا عليهم سلطاناً فهو يتكلم ...
35
1/68
فآت ذا القربى حقه والمسكين ...
38
1/109
سورة لقمان
ألم تر أن الفلك تجري في البحر ...
31
1/189
سورة السجدة
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا ...
24
1/143
سورة الأحزاب
من يأت منكن بفاحشة مبينة ...
30
1/87
يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة ...
30-32
1/80
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ...
33
1/76، 78، 79، 80، 186، 2/143، 150، 167
واذكرن ما يتلى في بيوتكن ...
34
1/115
لا تدخلوا بيوت النبي ...
53
1/99
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ...
53
1/260
إن الله وملائكته يصلون على النبي ...
56
1/262
سورة سبأ
قل ما سألتكم من أجر فهو لكم ...
47
1/110
سورة فاطر
من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً ...
10
1/35
وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ...
24
1/151، 152
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا ...
32
1/169
سورة يس
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ...
12
1/270
واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية ...
13
2/53
وآية لهم أنّا حملنا ذريتهم ...
41-42
1/189
سورة الصافات(2/133)
بل عجبت ويسخرون، وإذا ذكروا لا يذكرون ...
12-37
1/156، 157
وقفوهم إنهم مسؤولون ...
24
1/155
سلام على آل ياسين ...
130
1/265
أم لكم سلطان مبين، فأتوا بكتابكم ...
156-157
1/68
سورة ص
قل ما أسألكم عليه من أجر ...
86
1/109
سورة الزمر
فمن أظلم ممن كذب على الله ...
32-33
1/207-210
والذي جاء بالصدق وصدّق به ...
33
1/205، 207، 209
ليكفر الله عنهم أسوأ ما عملوا ...
35
1/207
أليس الله بكاف عبده ...
36
سورة غافر
1/222
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ...
35
1/68
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا ...
51
1/24
سورة فصلت
قل أرأيتم إن كان من عند الله ...
52
1/278
سورة الشورى
قل لا أسألكم عليه أجراً ...
23
1/103، 107
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله ...
52-53
1/151
سورة الزخرف
وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم
4
1/270
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا
45
1/184، 186
سورة الأحقاف
وشهد شاهد من بني إسرائيل ...
10
1/278
سورة محمد
ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا ...
11
1/32
ولتعرفنهم في لحن القول ...
30
1/159
سورة الفتح
لقد رضي الله عن المؤمنين ...
18
1/113 - 2/136
محمد رسول الله والذين معه أشداء ...
29
1/114 - 2/136
سورة الحجرات
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم ...
1/260
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق ...
1/58 - 2/66
إنما المؤمنون إخوة
10
1/311
ولا تلمزوا أنفسكم
11
1/132، 133
سورة الطور
أم يقولون شاعر نتربص به ...
30
1/124
أم تسألهم أجراً فهم من مغرم ...
40
1/109
سورة النجم
والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى
1 - 2
1/67، 71، 73
والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم ...
1 - 4
2/193
افتمارونه على ما يرى، ولقد رآه ...
12 - 14
2/193
أفرأيتم اللات والعزى .
19
2/193
إن هي إلا أسماء سميتموها ...
23
1/68
إن يتبعون إلا الظن وما تهوى ...
23
1/287
هذا نذير من النذر الأولى ...
56
1/152
سورة القمر(2/134)
إلا آل لوط نجيناهم ...
34
1/264
سورة الرحمن
مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ ...
19 - 22
1/269، 270، 1/274
سورة الواقعة
والسابقون السابقون، أولئك المقربون ...
10-11
1/168
سورة الحديد
لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح
10
1/27، 170، 2/136
يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم
12
1/283
والذين آمنوا بالله ورسله ...
19
1/242، 248
سورة المجادلة
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول
12
1/176 - 2/152
سورة الحشر
فاعتبروا يا أولي الأبصار ...
2
1/89
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه
7
1/222
للفقراء المهاجرين الذين أخرجا من ديارهم
8
2/136
ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة
9
1/182، 183، 200
سورة الممتحنة
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم
1
1/62، 255
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ...
1
2/41
فإن علمتموهن مؤمنات ...
10
1/298
سورة الصف
يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون
2 - 3
1/255
سورة الجمعة
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها
5
1/321
سورة الطلاق
وأشهدوا ذَوَيْ عدل منكم ...
2
1/297
سورة التحريم
وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه ...
4
1/31، 84، 323
2/40
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا ...
8
1/280، 283
سورة الحاقة
لما طغى الماء حملناكم في الجارية ...
11 - 12
1/189
وتعيها أذن واعية ...
12
1/188
سورة المعارج
سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين ...
1 - 3
1/38، 49
إن الإنسان خلق هلوعاً، إذا مسه الشر ...
19 - 22
2/203
أولئك في جنات مكرمون ...
35
2/203
سورة نوح
رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً
26
2/48
سورة المدثر
قم فأنذر، وربك فكبر، والرجز ...
2 - 7
1/31
وثيابك فطهر
4
1/87
سورة الإنسان
هل أتى على الإنسان حين ...
1
1/193
ويطعمون الطعام على حبه ...
8
1/200
إنما نطعمكم لوجه الله ...
9
1/203
سورة المطففين
كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ...
15
2/50
سورة الأعلى(2/135)
قد أفلح من تزكى
14
1/90
سورة الشمس
قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها
9 - 10
1/89
سورة الليل
وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله ...
17-21
1/27-2/106، 107، 108، 113، 151
وما لأحد عنده من نعمة تجزى ...
19
2/108، 110
سورة الشرح
فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب
7 - 8
1/222
سورة التين
والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين
1 - 3
1/251
سورة البينة
إن الذين كفروا من أهل الكتاب ...
6
1/290
إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...
7
1/285، 288، 290
سورة المسد
تبت يدا أبي لهب وتب ..
1
2/16
ثانياً: فهرس أطراف الحديث النبوية
الجزء / الصفحة
طرف الحديث
1/82
آل محمد كل مؤمن تقي ...
1/160 - 2/198
آية الإيمان حب الأنصار ...
1/161
آية المنافق ثلاث ...
1/89
ائذنوا له مرحباً بالطيب المطيب ...
1/246
اثبت أحد فما عليك إلا نبي ...
1/76
ادعي زوجك وابنيك ...
1/110
أذكركم الله في أهل بيتي ...
2/16
أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج ...
2/17
أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ...
1/165
أربع من كن فيه كان منافقاً
1/203 - 2/164
أشبهت خَلقي وخُلُقي ...
1/153
أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم ...
2/65
أعجزتم إذا وليت من لا يقوم بأمري ...
2/67
أفتان أنت يا معاذ ؟
2/168
الحقه فرده وبلغها أنت ...
1/53
الإمامة في قريش ...
1/180
أما أنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة ...
1/264
أما علمت أنّا أهل البيت لا نأكل الصدقة ...
2/124
أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر ...
1/181
أما صاحبكم فقد غامر فسلم ...
1/311
أنا أخوك، وبنتك حلال لي ...
1/282
أنا سيد ولد آدم ولا فخر ...
2/187، 195
أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى ...
1/149
أنا المنذر وعليّ الهادي ...
2/78، 134
أنا وهذا حجة الله على أمتي ...
1/208
أن تصدق وأنت صحيح شحيح ...
1/28
إن تك أحسنت فقد أحسن فلان ...
1/311-2/52، 164
أنت أخونا ومولانا
2/74
أنت أخي ووصيي وخليفتي ...
2/38(2/136)
أنت مني بمنزلة هارون من موسى ...
2/164
أنت مني وأنا منك ...
1/142
انتهت الدعوة إليّ وإلى عليّ ...
1/73
انظروا إلى هذا الكوكب ...
1/324
إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ...
1/83
إنّ آل بني فلان ليسوا لي بأولياء ...
2/162
إنّ ابني ارتحلني ...
2/139
إنّ ابني هذا سيد، وسيصلح الله به ...
2/76
إنّ أخي ووزيري وخليفتي من أهلي ...
2/122، 165
إنّ الأشعريين إذا أرملوا في السفر ...
2/157، 170
إنّ أمنّ الناس علينا في صحبته ...
1/25، 171، 179
إنّ أمنّ الناس عليّ في صحبته ...
1/84
إنّ أوليائي المتقون حيث كانوا
1/325
إنّ عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل
1/137
إنّ له مرضعاً في الجنة ...
2/173
إنّ الله تعالى جعل الأجر على فضائل عليّ ...
1/266
إنّ الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل ...
1/268
إنّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ...
1/220
إنّ الله الله حرم بيع الخمر والميتة ...
1/281
إنّ الناس يصعقون يوم القيامة ...
1/197
إنّ النذر يرد ابن آدم إلى القدر ...
2/68
إنك آذيت الله ورسوله ...
1/297
إنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن
2/52
إنه مثل صاحب ياسين ...
1/326
إنه من صالحيكم، فاستوصوا به ...
2/25
إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله ...
2/112، 181
إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً ...
1/281
أول من يُكسى يوم القيامة ...
2/23
ألا هل بلغت ؟
1/257
أيها الناس اعرفوا لأبي بكر حقه
1/30
أيها الناس إني جئت إليكم فقلت ...
1/179
بينما راعٍ في غنمه ...
1/178
بينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ...
1/97
بيوت الأنبياء ...
1/285
تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة ...
1/56
تقتل عماراً الفئة الباغية ...
1/54
تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ...
1/63
تمرق مارقة على خير فرقة من المسلمين ...
1/227
ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ...
2/130
جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء ...
2/199
حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ...
2/129(2/137)
حبك إيمان وبغضك نفاق ...
2/122
الخالة أم ...
2/172
خلق الله من نور وجه عليّ سبعين ألف ملك ...
1/263
خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ...
2/50
دعه فإنه قد شهد بدراً ...
2/50
دعه فإنه يحب الله ورسوله ...
1/126
ربح البيع أبا يحيى ...
2/48
سأخبركم عن صاحبيكم ...
2/216
شغلونا عن الصلاة الوسطى ...
1/242
الصديقون ثلاثة : ...
1/246، 296
عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر
1/5
عليّ قائد البررة ...
1/103
عليّ وفاطمة وابناهما ...
2/208
غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه : ...
2/112
فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر ...
1/71
في دار من وقوع هذا النجم ...
2/166
قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني ...
2/125
قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ...
1/262
قولوا: اللهم صلّ على محمد ...
1/62
كذبت، إنه شهد بدراً ...
2/87، 88، 177، 179، 217
لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ...
1/265
لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود ...
1/57
الله أكبر على إكمال الدين ...
2/92
اللهم ائتني بأحب خلقك ...
2/182
اللهم اغفر له وارحمه وعافه ...
2/72
اللهم أنت الصاحب في السفر ...
1/77
اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي ...
1/76
اللهم إنّ هؤلاء أهلي حقاً ...
2/66
اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ...
2/51
اللهم إني أحبهما فأحبهما
1/87
اللهم باعد بيني وبين خطاياي ...
1/265
اللهم صلّ على آل أبي أوفى ...
1/83
اللهم صلّ على محمد وأزواجه ...
1/263
اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه ...
2/144، 179
اللهم هلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس ...
1/131
اللهم هؤلاء أهلي ...
2/174
لمبارزة عليّ لعمرو بن عبد ود يوم الخندق ..
2/200
لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ...
2/293
لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان ...
1/30، 115، 313، 2/106
لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً ...
1/319
لو يعلم الناس متى سمي عليّ أمير المؤمنين ...
2/23
ليبلغ الشاهد الغائب ...
1/286(2/138)
ليزادن رجالاً عن حوضي ...
1/180 - 2/154
ما أبقيت لأهلك ...
1/25
ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم ...
1/24، 175، 179
ما نفعني مال كمال أبي بكر ...
2/157
ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر ...
1/112
مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ...
2/187
مررت ليلة المعراج بقوم تشرشر أشداقهم ...
1/305
مروهم بالصلاة لسبع ...
1/312
المسلم أخو المسلم ...
2/129
من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت ...
2/129
من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما ...
1/177
من أصبح منكم اليوم صائماً ؟
1/178
من أنفق زوجين في سبيل الله ...
1/67
من انقض هذا النجم في منزله ...
1/254
من بدل دينه فاقتلوه ...
2/172
من زعم أنه آمن بي وبما جئت به ...
2/114
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ...
2/216
من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله ...
2/117، 142، 1/37، 48، 61، 2/26، 39، 42
من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده ...
2/134
من مات وهو يبغضك مات يهوداً ...
2/134
من ناصب علياً الخلافة فهو كافر ...
1/44
من وسع على عياله يوم عاشوراء ...
1/183
من يضيفه هذه الليلة رحمه الله ؟...
2/190
ناد أصحاب السمرة ...
1/122
نم على فراشي واتشع ببردي هذا ...
1/5
هذا أمير البررة ...
1/200
هذا خير لك من خادم ...
1/314
هذان سيدا كهول أهل الجنة ...
2/165
هل تفقدون من أحد ...
1/81
هو مسجدي هذا ...
2/165
هو مني وأنا منه ...
1/84
وددت أني رأيت إخواني ...
1/311 - 2/119
وددت أني قد رأيت إخواني ...
2/25
وعترتي أهل بيتي ...
1/261
وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً ...
1/311
ولكن أخوة الإسلام ...
1/307
والذي بعثني بالحق نبياً ...
1/312
والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى ...
1/110
والذي نفسي بيده لا يدخلون الجنة حتى ...
2/173
والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد ...
2/72
والله خليفتي على كل مسلم ...
2/11
وهل ترك لنا عقيل من دار ؟...
1/134
وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟
2/120(2/139)
ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ...
1/215
لا تجيبوه
1/287
لا ترجعوا بعدي كفاراً ...
1/64
لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ...
1/26، 204، 2/66
لا تسبوا أصحابي ...
1/312
لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ...
1/160
لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله ...
1/61، 62، 2/51
لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ...
1/64
لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى ...
2/210
لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ...
2/79
لا يقتسم ورثتي ديناراً ...
1/182
لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره .
2/63
يا أنيس اغد على امرأة هذا ...
2/67
يا أيها الناس إذا أمَّ أحدكم فليخفف ...
2/5
يا بني عبد المطلب إن الله بعثني بالحق ...
2/14
يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم ..
2/16
يا صباحاه ...
1/88
يا عائشة إن كنت بريئة فسيبرئك الله ...
1/199، 124
يا عليّ اتشح ببردي الحضرمي ...
1/188
يا عليّ إن الله أمرني أن أدنيك ...
1/146
يا عليّ قل: اللهم اجعل لي عندك عهداً ...
2/15
يا معشر قريش اشتروا أنفسكم ...
1/290 - 2/179
يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ...
ثالثاً: فهرس الآثار
الجزء / الصفحة
القائل
الأثر
1/204
عمر بن الخطاب
أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا
2/87
الأشعري
أجمعت الخوارج على كفر عليّ
2/81
ابن المبارك
الإسناد من الدين، لولا الإسناد ...
2/110
أبو بكر الصديق
امصص بظر اللات
1/115
سعيد بن جبير
أن لا تؤذوا محمداً في قرابته
1/313
عمر بن الخطاب
أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
2/110
أبو بكر الصديق
إن خليلي أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً
1/140
عبد الله بن عباس
إنما نزلت في علي لما هرب
1/160-2/198
علي بن أبي طالب
إنه لعهد النبي الأميّ إليّ
1/21
عبادة بن الصامت
إني يا رسول الله أتولى الله ورسوله
1/42
عبد الرحمن بن مهدي
أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم
1/280
عبد الله بن عباس
أول من يكسى من حلل الجنة
1/164(2/140)
عبد الله بن مسعود
أيها الناس حافظوا على هؤلاء الصلوات
1/115
عمر بن الخطاب
بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا
2/115
علي بن أبي طالب
خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر
1/314
علي بن أبي طالب
خيرة هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر
1/295
كعب بن مالك
فقام إليّ طلحة يهرول فعانقني
2/87
عمر بن الخطاب
فما أحببت الإمارة إلا يومئذ
1/222
عبد الله بن عباس
قالها إبراهيم حين ألقي في النار
1/309
أنس بن مالك
قد حالف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين قريش والأنصار ...
1/17
عبد الله بن عباس
كل من آمن فقد تولى الله
2/90
عبد الله بن عمر
كنا نفاضل على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
1/315
الشافعي
لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر
1/283
عبد الله بن عباس
ليس أحد من المسلمين إلا يُعطى نوراً
2/90
الشافعي
ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر
2/121
علي بن أبي طالب
ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله ...
1/162
جابر
ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا...
2/109
ابن الدغنة
مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يُخرج
1/212
أبو هريرة
مكتوب على العرش لا إله إلا الله
1/52
عائشة
من زعم أن محمداً كتم شيئاً ...
2/67
أبو ذر
من عرفني فقد عرفني ...
1/17
عبد الله بن عباس
نزلت في أبي بكر ...
1/11
السدي
هؤلاء جميع المؤمنين
1/17
أبو جعفر محمد بن علي
هم الذين آمنوا
2/66
سعد بن عبادة
اليوم يوم الملحمة
رابعاً: فهرس الأعلام الواردة
الجزء / الصفحة
العلم
1/139، 140، 141، 196، 321، 2/132
آدم
1/14، 17، 40، 196، 2/6
ابن أبي حاتم
1/317
ابن أبي ذئب
1/317
ابن أبي ليلى
2/45
ابن أم مكتوم
1/196، 232، 317
ابن جريج
1/316 - 2/6، 7 ،9
ابن جرير
2/18
ابن حبان
1/15، 196
ابن حميد
1/276
ابن الحنفية
1/233
ابن الخطيب
1/54
ابن الزبير
1/238
ابن سبأ
1/292
ابن سيرين
1/319(2/141)
ابن شيرويه الديلمي الهمذاني
1/67، 256، 274، 228، 299، 300، 305
ابن عباس
1/321
ابن عربي الطائي
1/199
ابن عقب
2/207، 228
ابن عقدة
1/299، 325
ابن عمر
1/317
ابن عيينة
1/39، 317
ابن المبارك
1/136، 142، 267
ابن مسعود
1/7، 10، 18، 67، 70، 139، 142، 168، 242، 2/17
ابن المغازلي الواسطي الشافعي
2/137
ابن ملجم
1/14
ابن المنذر
1/317
ابن وهب
2/73
أبان بن سعيد بن العاص
1/137، 143، 144، 222
إبراهيم بن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
1/317
إبراهيم الحربي
1/39
أبو أحمد بن عدي
1/40
أبو بكر البزار البصري
1/207
أبو بكر الخلال
1/23، 24، 25، 28، 29، 30، 31، 34، 37، 42، 46، 54، 94، 95، 97، 100، 104، 113، 155، 117، 120، 121، 228، 129، 136، 147، 148، 157، 158، 170، 171، 175، 177، 178، 179، 180، 181، 182، 185، 187، 189، 191، 204، 206، 207، 213، 215، 216، 231، 232، 233، 235، 236، 237، 239، 246، 250، 254، 257، 258، 259، 269، 270، 277، 279، 283، 284، 293، 294، 298، 303، 309، 313، 314، 315، 316، 317، 318، 323، 324، 326، 2/48، 51، 53، 57، 60، 61، 63، 69، 70، 87، 89، 90، 104، 107، 108، 109، 111، 116، 119، 120، 127، 144، 145، 149، 154، 157، 158، 177
أبو بكر الصديق
1/74
أبو بكر العطار
1/104، 105، 106، 243
أبو بكر القطيعي
1/196
أبو بكر بن المنذر
1/207
أبو بكر عبد العزيز بن جعفر
1/316
أبو ثور
1/82، 104
أبو جعفر محمد بن علي
1/122
أبو جهل بن هشام
1/39، 308، 2/17
أبو حاتم
1/39، 317، 2/17
أبو داود
1/309 - 2/84
أبو الدرداء
1/127، 190، 263
أبو ذر جندب
1/39 - 2/17، 18
أبو زرعة
2/12
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب
1/215، 2/63، 120، 191
أبو سفيان بن حرب
1/317
أبو سليمان الداراني
1/71
أبو صالح
1/152
أبو الضحى
1/162، 2/5، 10، 11
أبو طالب بن عبد المطلب
2/18
أبو عبد الله بن منده
1/39، 317
أبو عبيد
1/61
أبو الغادية(2/142)
2/18
أبو الفتح الأزدي
2/19
أبو القاسم بن عساكر
1/74
أبو قضاعة
1/167
أبو لؤلؤة
2/10، 11، 12، 14، 16
أبو لهب
1/98
أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي
1/56، 232، 237، 2/63
أبو موسى
1/10، 38، 42، 51، 57، 58، 70، 189، 285
أبو نعيم
1/40
أبو يعلى الموصلي
1/141
أبو يوسف
1/47، 136
أبيّ بن كعب
1/15، 39، 40، 44، 54، 58، 63، 64، 82، 104، 106، 196، 242، 243، 267، 315، 2/18
أحمد بن حنبل
1/40
أحمد بن منيع
1/70 - 2/175
أخطب خوارزم
2/14
الأرقم بن أبي الأرقم
1/258، 326، 2/51، 52
أسامة بن زيد
1/15، 39، 58، 186، 267، 316، 2/17
إسحاق بن راهويه
2/218، 219، 220، 227
أسماء بنت عميس
1/48
أسماء بنت يزيد بن السكن
1/266
إسماعلي
1/29
أسيد بن حضير
1/118، 264
الأشتر النخعي
1/47، 48، 259، 2/143
أم سلمة
1/137، 262، 293
أم كلثوم بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
2/162
أمامة بنت أبي العاص بن الربيع
2/92
أنس بن مالك
1/316، 317، 1/37
الأوزاعي
1/39، 233، 234، 235، 317، 2/17، 18
البخاري
1/258
بريرة
2/44، 58
بشير بن عبد المنذر
1/13، 2/6، 7، 9، 17، 18
البغوي
1/14، 196
بقي بن مخلد
1/204، 2/80
بلال
1/257
بنت أبي جهل
2/88، 181، 1/5، 10، 16، 36، 39، 42، 47، 70، 97، 106، 119، 189، 194، 231، 2/17، 18
ثابت بن قيس
1/74
ثوبان
1/287
الجاحظ
1/119، 124، 125، 126، 193، 2/130، 146، 184
جبريل
1/85، 134، 203، 263، 267، 279، 2/11، 14، 164، 183
جعفر بن أبي طالب
2/165، 166
جليبيب
1/317
الجنيد
1/262، 2/10، 12
الحارث بن عبد المطلب
1/37، 48، 49، 1/62، 255، 2/50
الحارث بن النعمان الفهري
1/242
حبيب بن موسى النجار
1/264
الحجاج بن يوسف
1/44، 267
حرب الكرماني
1/242
حزقيل
1/137
حسان بن ثابت
1/231، 232
الحسن البصري
1/316
الحسن بن صالح بن حيّ(2/143)
1/18، 76، 81، 85، 111، 116، 130، 131، 134، 135، 137، 139، 141، 143، 165، 190، 192، 193، 196، 197، 199، 264، 269، 270، 272، 327، 2/40، 51، 138، 139، 143، 150
الحسن بن عليّ
162، 183
الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي
2/220، 1/18، 76، 77، 81، 85، 111، 116، 130، 131، 134، 135، 137، 139، 141، 143، 147، 165، 190، 192، 193، 196، 197، 199، 269، 270، 272، 2/40، 138، 39، 143، 150، 183
الحسين بن عليّ
1/293
حفصة بنت عمر
1/47، 267، 2/10، 14
حمزة بن عبد المطلب
1/317
حماد بن زيد
1/317
حماد بن سلمة
1/267
الحميدي
1/48
خارجة
2/63
خالد بن سعيد بن العاص
1/31، 2/167
خديجة
1/174
الخضر
1/44
خيثمة بن سليمان الأطرابلسي
1/39، 140، 253، 2/18
الدارقطني
1/315
داود
1/5
الذهبي
1/74
ذو النون المصري
1/239
ذو رعين
1/239
ذوعمرو
1/239
ذو كلاع
2/12
ربيعة بن الحارث
1/137، 262، 293
رقية بنت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
1/254
الزبير بن بكار
1/29، 62، 136، 157، 171، 216، 217، 255، 2/188، 189، 190
الزبير بن العوام
1/253
زكريا بن يحيى الكسائي
1/99 - 2/18
الزمخشري
1/309
زيد بن أبي أوفى
1/83
زيد بن أرقم
1/31، 311، 2/52، 164
زيد بن حارثة
1/137
زينب بنت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
1/236
سجاح
1/317
السري السقطي
1/29، 130، 157، 217، 2/174، 188، 189
سعد بن أبي وقاص
1/309 - 2/84
سعد بن الربيع
1/317
سعد بن سالم
2/65
سعد بن عباده
1/29 - 2/194
سعد بن معاذ
1/196، 317
سعيد بن أبي عروبة
1/317
سعيد بن عبد العزيز
1/267
سعيد بن منصور
1/39، 271، 299، 315، 317
سفيان
1/190، 278، 209، 2/84
سلمان الفارسي
1/74
سليمان بن أحمد
2/9
سماك بن حرب
1/63، 190، 309، 2/83
سهل بن حنيف
1/317
سهل بن عبد الله التستري
1/137
سيرين
1/39، 63، 82، 299، 315
الشافعي ( الإمام )
1/317
الشافعي بن حنبل
1/317
شريك بن عبد الله
1/39، 58، 299، 2/17
شعبة
2/192
شقران(2/144)
2/155
شيبة بن عثمان بن أبي طلحة
2/15
صفية عمة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
1/199
صلاح الدين
1/126، 127، 128
صهيب أبو يحيى
1/17، 232، 274
الضحاك
2/11
طالب بن أبي طالب
1/29، 62، 121، 136، 157، 216، 217، 295، 2/162، 188، 189
طلحة ( بن عبد الله )
2/155
طلحة بن شيبة
1/236
طليحة الأسدي
1/258، 293
عائشة بنت أبي بكر
1/327
عباد بن يعقوب
1/21
عبادة بن الصامت
1/134، 262، 2/10، 12، 60
العباس بن عبد المطلب
1/15
عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم
1/152
عبد الرحمن بن زيد
1/29، 209، 2/84، 188، 189
عبد الرحمن بن عوف
1/39، 58، 317، 2/17
عبد الرحمن بن مهدي
1/16، 196
عبد الرزاق
2/14
عبد شمس
1/317
عبد العزيز بن الماجشون
2/9
عبد الغفار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي
2/148
عبد الله بن إباض
1/21
عبد الله بن أبي
1/34
عبد الله بن جحش
2/88، 181
عبد الله بن حمار
2/88، 181
عبد الله بن الزبير
1/276، 278، 2/181
عبد الله بن سلام
1/309
عبد الله بن شرحبيل
2/10
عبد الله بن عبد القدوس
1/308
عبد المؤمن بن عباد
2/14
عبد مناف
2/11، 12
عبيد الله بن العباس
1/267
عبيدة بن الحارث
2/63
عتاب بن اسيد
2/12
عتبة بن أبي لهب
1/23، 24، 25، 29، 42، 46، 54، 93، 94، 95، 100، 104، 113، 116، 117، 129، 136، 157، 171، 182، 185، 189، 207، 213، 225، 226، 237، 239، 246، 250، 254، 269، 270، 279، 283، 286، 293، 294، 298، 315، 316، 2/44، 48، 90، 104، 109، 116، 145، 146، 149، 188، 189
عثمان بن عفان
1/39
العجلي
2/52
عروة بن مسعود
1/263 - 2/11
عقيل بن أبي طالب
1/152
عكرمة
1/61، 62، 63، 89، 190، 263
عمار بن ياسر(2/145)
1م23، 34، 37، 42، 46، 54، 58، 94، 95، 97، 100، 104، 113، 115، 117، 128، 129، 147، 148، 157، 158، 160، 167، 171، 173، 179، 180، 181، 185، 187، 189، 191، 204، 207، 213، 215، 216، 217، 232، 233، 237، 239، 246، 250، 254، 258، 259، 269، 270، 277، 279، 283، 284، 293، 294، 298، 309، 314، 315، 318، 323، 324، 326، 2/20، 48، 50، 51، 53، 57، 61، 69، 70، 86، 87، 90، 104، 107، 109، 111، 116، 119، 120، 127، 144، 145، 149، 154، 177.
عمر بن الخطاب
1/267
عمران بن حصين الخزاعي
2/147
عمران بن حطان
2/182
عمرو بن تغلب
1/140
عمرو بن ثابت
1/244، 245
عمرو بن جميع
1/317
عمرو بن الحارث
1/48
عمرو بن العاص
2/174، 186
عمرو بن عبد ود
2/194
عيينة بن حصن
1/28، 76، 77، 81، 95، 97، 103، 111، 116، 130، 131، 134، 135، 137، 139، 141، 192، 193، 196، 197، 198، 199، 200، 201، 202، 203، 260، 261، 263، 269، 272، 273، 2/14، 15، 40، 80، 143، 150، 183
فاطمة بنت محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
1/274
الفراء
1/192، 199، 200
فضة (ادعي أنها جارية فاطمة )
2/11، 12
الفضل بن العباس
1/317
الفضيل بن عياض
2/218، 220
فضيل بن مرزوق
1/327
قاسم بن زكريا المطرز
1/152، 231، 232، 274
قتادة
2/11
قثم بن العباس
1/127
قنفذ بن عمير بن جدعان
2/194
كرز بن جابر الفهري
1/278
كعب الأحبار
2/14
كعب بن لؤي
1/295
كعب بن مالك
1/71، 72
الكلبي
1/316، 317
الليث
1/144
لوط
1/137
مارية القبطية
1/39، 58، 63، 140، 299، 299، 315، 316
مالك بن أنس
1/74
مالك النهشلي
1/205، 206، 231، 274
مجاهد
1/196
محمد بن أسلم الطوسي
1/14، 196
محمد بن جرير الطبري
1/317
محمد بن الحسن
2/45
محمد بن سعد
1/122
محمد بن كعب القرظي
1/71
محمد بن مروان السدي
1/63
محمد بن مسلمة
2/17
محمد بن يحيى الذهلي
1/264
المختار بن أبي عبيد
2/86
مرحب
2/14
مرة بن كعب
1/247،
مريم(2/146)
1/39، 233، 234، 235، 2/17، 18
مسلم
1/317
مسلم بن خالد
1/213، 236، 2/138
مسيلمة الكذاب
1/29 - 2/190
مصعب
1/13، 76، 77، 78
مطر بن ميمون
1/136، 2/63، 67
معاذ بن جبل
1/45، 48، 54، 56، 63، 65، 224، 328، 2/19، 93، 139، 146، 174
معاوية بن أبي سفيان
1/317
معروف الكرخي
2/12
مغيث بن أبي لهب
1/190، 263، 267
المقداد بن الأسود الكندي
1/137، 187
المقوقس
1/119، 124، 125، 126
ميكائيل
1/140
المنصور ( الخليفة )
2/147
نافع بن الأزرق
2/148
نجدة الحروري
1/39، 2/17، 18، 19
النسائي
1/10، 16، 38، 39، 42
النقاش
1/199
نور الدين
1/216
هبل
1/12، 13، 16، 39، 98، 194، 2/6، 18
الواحدي
1/39، 317
وكيع بن الجراح
2/62، 65
الوليد بن عقبة بن أبي معيط
1/39، 40، 58، 299، 2/17
يحيى بن سعيد القطان
1/39، 40، 140، 253، 2/17، 18
يحيى بن معين
1/308
يزيد بن معن
1/40
يعقوب بن سفيان
1/145
يوسف عليه السلام
1/168
يوشع بن نون
ثالثاً: فهرس الكتب الواردة في المتن
الجزء / الصفحة
المؤلف
اسم الكتاب
2/104
الحاكم
الأربعين
1/51
ابن عبد البر
الاستيعاب
1/40
البخاري
تاريخ البخاري
1/44
ابن عساكر
تاريخ دمشق
1/196
ابن جريج
تفسير ابن جريج
2/6، 7
ابن جرير
تفسير ابن جرير
2/6، 7
البغوي
تفسير البغوي
1/196
بقي بن مخلد
تفسير بقي بن مخلد
1/146، 188، 192، 269، 270، 276، 292، 2/6، 7، 18، 75، 127
الثعلبي
تفسري الثعلبي
2/214
أبو جعفر الطحاوي
تفسير متشابه الأخبار
2/7
الواحدي
تفسير الواحدي
1/51
البكري
تنقلات الأنوار
1/127
أبو الحسن الدارقطني
ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة
1/195
الترمذي
جامع الترمذي
1/172، 176، 2/143
أبو الحسن رزين بن معاوية الأندلسي
الجمع بين الصحاح الستة
1/42، 213
أبو نعيم
الحلية
1/195
أبو نعيم
الخصائص
1/243
أبو داود
سنن أبي داود
2/38
الأثرم
سنن الأثرم
1/121
ابن إسحاق
السيرة
1/98
أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي(2/147)
شرح السنة
2/234
الطحاوي
شرح معاني الآثار
1/140
القاضي عياض
الشفا
2/215
أبو جعفر العقيلي
الضعفاء
1/40
ابن سعد
الطبقات
1/104، 106، 2/131
ابن سعد
الطرائف في الرد على الطوائف
2/18
يحيى القطان
العلل وأسماء الرجال
104، 106
ابن البطريق
العمدة
1/149، 155، 1/242، 319، 2/199
شيرويه بن شهردار الديلمي
الفردوس "فردوس الأخبار"
1/213 - 2/74
أبو نعيم
فضائل الصحابة
1/253، 2/127، 130، 159
أحمد بن حنبل
فضائل الصحابة
2/212
أبو القاسم عبد الله بن عبد اله بن أحمد الحكاني
مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس
1/104، 105، 243، 307، 308، 320
أحمد بن حنبل
مسند أحمد
1/98
أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي
المصابيح
1/267
القاضي أبو يعلى
المعتمد
2/87
الأشعري
مقالات الإسلاميين
2/90
البيهقي
مناقب الشافعي
1/70، 139، 2/75، 132
أبو الفرج بن الجوزي
الموضوعات
1/320
الإمام مالك
الموطأ
1/93
الإمام مالك
نهج البلاغة
سادساً: فهرس الأماكن والبلدان
الجزء / الصفحة
المكان أو البلد
1/37، 48
الأبطح
1/47، 215، 217، 246
أحد
1/122
الأردن
1/47، 62، 126، 196، 203، 217، 2/46، 50
بدر
1/254، 317
البصرة
1/65
البيرة
1/295، 2/44، 45، 46، 49، 195
تبوك
2/11، 138، 220
الحبشة
1/225، 2/49
الحجاز
1/62، 170، 2/21، 45
الحديبية
1/65
حران
1/218، 2/12
حنين
1/225
خراسان
1/218، 2/11، 21، 46، 86، 215، 216، 217
خيبر
1/65
الرَّقَّة
2/12
الزرقاء من الشام
1/65
سميساط
1/217، 225، 317، 2/49
الشام
2/15، 16
الصفا
2/137
صفين
2/12، 24
الطائف
1/251
طور سينا - طورسينين
1/127
الظهران
1/225
العراق
1/59، 2/20، 21
عرفة
1/37، 48، 50، 57، 75، 110، 2/20، 21، 22، 25، 26
غدير خم
1/251
فاران
1/217
القادسية
1/81
قباء
1/134
مؤتة
1/73، 74، 119، 120، 125، 126، 213، 2/23، 54، 45، 46، 49، 55، 56، 70، 195
المدينة
1/199، 217، 225، 317
مصر
1/225
المغرب
1/47
مقابر دمشق(2/148)
1/49، 50، 65، 71، 73، 74، 75، 125، 126، 215، 218، 251، 255، 304، 305، 317، 2/10، 11، 23، 24، 36، 49، 63، 108، 138، 192
مكة
1/236
نجد
2/63
نجران
1/48
النجف
1/236
اليمامة
1/215، 218، 225، 231، 232، 237، 239، 2/24، 56، 63، 70
اليمن
فهرس المراجع
( أ )
1- الإبانة عن أصول الديانة، لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، ط. المنيرية، بدون تاريخ.
طبعة أخرى: تحقيق الدكتورة فوقية حسين محمود، ط. دار الأنصار، القاهرة، 1397/ 1977 .
2- إبراهيم بن سيار النظَّام، تأليف الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريدة، القاهرة، 1365/ 1946.
3- ابن الجوزي وآراؤه الكلامية والأخلاقية، ( رسالة ماجستير )، للدكتورة آمنة محمد نصير.
4- ابن عربي، لآسين بلاثيوس، ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي، ط. الأنجلو، القاهرة، 1965 .
5- ابن الفارض والحب الإلهي، تأليف الدكتر محمد مصطفى حلمي، القاهرة، 1364/ 1945.
6- أبو بكر الصديق، تأليف الأستاذ علي الطنطاوي، الطبعة الثانية، ط. المطبعة السلفية، القاهرة، 1372.
7- أبو الهذيل العلاف، تأليف الأستاذ علي مصطفى الغرابي، القاهرة، 1949.
8- الاتحافات السنية في الأحاديث القدسية، للشيخ محمد المدني، ط. حيدر آباد، 1158 .
الآثار الباقية عن القرون الخالية، للبيروني، ط. ألمانيا 1878 .
9- الأحكام السلطانية، لأبي الحسن الماوردي، القاهرة، 1298.
10- الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، ط. دار الكتب المصرية، 1332/ 1914 .
11- إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، نشر الثقافة الإسلامية، القاهرة، 1356- 1357 .
12- أخبار الرجال، لمحمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، بمبئ محلة جبور كلى، إيران، 1317.
13- الأخبار الطوال، الدينوري، تحقيق الأستاذ عبد المنعم عام، مراجعة الدكتور جمال الدين الشيال، ط. وزارة الثقافة، القاهرة، 1960 .
14- إخبار العلماء بأخبار الحكماء، لعلي بن يوسف القفطي.(2/149)
15- أخبار عمر، للأستاذين: علي وناجي الطنطاوي، ط. دمشق، 1379/ 1959 .
16- إخوان الصفا، للدكتور جبور عبد النور، في سلسلة نوابغ الفكر العربي، ط. المعارف، القاهرة، 1954.
17- إخوان الصفا، للأستاذ عمر الدسوقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1366/ 1947.
18- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق الدكتور محمد يوسف موسى، والأستاذ علي عبد المنعم عبد الحميد، ط. الخانجي، القاهرة، 1369/ 1950 .
19- الاستقامة، لابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشال سالم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1404/ 1983.
20- الاستيعاب في أسماء الأصحاب، لأبي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، على هامش الإصابة لابن حجر، ط. المكتبة التجارية، القاهرة، 1358/ 1939.
21- أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعز الدين علي بن محمد بن الأثير الجزري، ط. دار الشعب، القاهرة، 1390/ 1970.
22- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، لعلي القاري، تحقيق الدكتور محمد الصباغ، ط. بيروت، 1391/ 1971.
23- الأسماء والصفات، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، ط. السعادة، القاهرة، 1358.
24- الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني، ط. المكتبة التجارية، القاهرة، 1358/1939.
25- اصطلاحات الصوفية، لابن عربي، (رسالة مطبوعة مع كتاب "التعريفات" للجرجاني)، ط. مصطفى الحلبي، 1357/ 1938.
26- اصطلاحات الصوفية، للقاشاني، تحقيق الدكتور محمد كمال جعفر، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1981.
27- أصول الدين، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي، استانبول، 1346/ 1928.
28- أصول الفلسفة الإشراقية، تأليف الدكتور محمد علي أبو ريان، ط. مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1959.
29- الأصول من الكافي، لأبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، ط. طهران، 1381.(2/150)
30- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، لفخر الدين محمد بن عمر الرازي تحقيق الدكتور علي سامي النشار، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1356/ 1938.
31- الأعلام، تأليف خير الدين الزركلي، الطبعة الثانية، القاهرة، 1373-1378.
32- أعيان الشيعة، للعاملي ( محسن الأمين الحسيني )، ط. مطبعة ابن زيدون، دمشق، 1356/ 1937.
33- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، لابن تيمية، تحقيق الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل، ط. الرياض، 1404.
34- الإكمال، لابن ماكولا، ط. حيدر آباد، 1381/ 1962.
الأم، للشافعي، تصحيح الشيخ محمد زهري النجار، ط. القاهرة، 1381/ 1961.
35- أمالي المرتضى ( غرر الفوائد ودرر القلائد )، تأليف علي بن الحسين الموسوي العلوي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1954.
36- إمتاع الأسماع، لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي، تحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1941.
37- الإمتاع والمؤانسة، لأبي حيان الوحيدي، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1942.
38- الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام، تحقيق الشيخ محمد خليل هراس، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، 1389/ 1969.
39- إنباه الرواة على أنباه النحاة، لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار الكتب المصرية، القاهرة، 1369/ 1950.
40- الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد، لأبي الحسن عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط، تحقيق نيبرج، ط. دار الكتب المصرية، القاهرة، 1925.
41- الأنساب، لتاج الإسلام عبد الكريم بن محمد بن أبي المظفر التميمي السمعانين ط. مرجليوث، وحيدر آباد.
42- الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، نشر عزت العطار، القاهرة، 1369/ 1950.
( ب )(2/151)
43- بحث عن حياة ابن التومرت ومذهبه، للأستاذ عبد الله كنون، ضمن كتاب "نصوص فلسفية مهداة إلى الدكتور إبراهيم مدكور"، ط. القاهرة، 1976.
44- البدء والتاريخ، لمطهر بن طاهر القدسي، ط. باريس 1899-1919.
45- البداية والنهاية في التاريخ = تاريخ ابن كثير، لإسماعيل بن عمر بن كثير، تحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1384/ 1964.
46- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لجلال الدين عب الرحمن السيوطي، . الخانجي، القاهرة، 1326.
( ت )
47- تاج التراجم في طبقات الحنفية، لأبي العدل زين الدين قاسم بن قطلوبغا، ط. المثني، بغداد، 1962.
48- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمد مرتضى الحسيني الزبيدي، المطبعة الخيرية، القاهرة، 1306-1307.
49- تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، ط. القاهرة 1282.
تاريخ الأدب العربي، لكارل بروكلمان، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار، ط. المعارف، القاهرة، 1962.
50- التاريخ الإسلامي، للأستاذ محمود شاكر، ط. المكتب الإسلامي، 1403/ 1983 .
51- تاريخ بغداد، للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، القاهرة، 1349/ 1931.
52- تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين، ط. الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971-1978.
وطبعة جامعة الإمام محمد بن مسعود الإسلامية بالرياض.
53- تاريخ الجهمية والمعتزلة، لجمال الدين القاسمي، القاهرة، 1321ه.
54- تاريخ الحكماء، لعلي بن يوسف القفطي، ط. ليبزج، ألمانيا، 1903.
55- تاريخ حكماء الإسلام، لظهير الدين علي بن زيد البيهقي، ط. الترقي، دمشق، 1365/1946.
56- تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. المعارف، 1386/ 1963.
57- تاريخ عمر بن الخطاب، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، القاهرة، مطبعة صبيح، 1929.(2/152)
58- التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ط. حيدر آباد، 1361.
59- تاريخ مختصر الدول، لابن العبري، ط. بيروت، 1890.
60- تاريخ مدينة دمشق، لعلي بن الحسن هبة الله بن عساكر، ط. المجمع العلمي العربي، دمشق، 1373/ 1954.
61- تاريخ اليعقوبي، لأحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب المعروف باليعقوبي، ط. بيروت، 1379/ 1960.
62- التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، لأبي المظفر الإسفراييني، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، القاهرة، 1359/ 1940.
63- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر، تحقيق الأستاذ علي محمد البجاوي، مراجعة الأستاذ محمد علي النجار، ط. الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، 1954-1966.
64- تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، لعلي ابن الحسن بن عساكر، ط. القدسي، دمشق، 1347.
65- تثبيت دلائل النبوة، للقاضي عبد الجبار، تحقيق الدكتور عبد الكريم عثمان، ط. دار العروبة، بيروت، 1386/ 1966.
66- تذكرة الحفاظ، لبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، الطبعة الثالثة، ط. حيدر آباد، 1375/ 1955.
67- تذكرة الموضوعات، لمحمد بن طاهر بن علي الفتني، ط. المنيرية، القاهرة، 1343.
68- ترتيب مسند الطيالسي = منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، تحقيق الأستاذ أحمد عبد الرحمن البنا، ط. المطبعة المنيرية بالأزهر القاهرة، 1372.
69- الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق الأستاذ مصطفى محمد عمارة، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة 1352/ 1933.
70- التعرف لمذهب أهل التصوف، لأبي بكر محمد بن إسحاق الكلاباذي، نشر الأستاذ آرثر جون آربري، القاهرة، 1352/ 1933.
طبعة أخرى: بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود، والأستاذ طه سرور، ط. عيسى الحلبي، 1380/ 1960.(2/153)
71- التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1357-1938.
72- تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الغرناطي، تحقيق المجلس العلمي، فاس، المغرب، 1397/ 1977.
73- تفسير سورة الإخلاص، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، ط. القاهرة والرياض (في مجموع فتاوى شيخ الإسلام 17/214-503)، 1381-1389.
74- تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر، مراجعة الشيخ أحمد محمد شاكر، ط. المعارف، القاهرة.
75- تفسير الطبري، ط. بولاق، القاهرة، 1323.
76- تفسير غريب القرآن، لابن قتيبة، تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1378/ 1958.
77- تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، ط. دار الشعب، القاهرة، 1390/ 1971.
78- تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، ط. دار الكتب، القاهرة، 1372/ 1952. 1380/ 1960.
79- التفسير الكبير، للرازي، ط. عبد الرحمن محمد، القاهرة، 1357/ 1938.
80- تلبيس إبليس، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، الطبعة الثانية، ط. المنيرية، القاهرة، 1368.
81- تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري، لابن تيمية، ط. السلفية، مكة المكرمة، 1346.
82- تلخيص المستدرك (المستدرك على الصحيحين في الحديث)، لشمس الدين الذهبي، ط. حيدر آباد، الدكن، 1334.
83- التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة، للقاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني.
الطبعة الأولى: بتحقيق د. محمد عبد الهادي أبو ريدة، والأستاذ محمود محمد الخضيري، ط. لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1366/ 1947.
الطبعة الثانية: بتحقيق رتشرد يوسف مكارثي، ط. بيروت، 1957.(2/154)
84- تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث، لابن الديبع الشيباني، ط. محمد علي صبيح، القاهرة، 1347.
85- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، لأبي الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، ط. عزت العطار، القاهرة، 1368/ 1949.
86- تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي، للبقاعي = مصرع التصوف، تحقيق الأستاذ عبد الرحمن الوكيل، ط. السنة المحمدية، القاهرة، 1373/ 1953.
87- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة، لأبي الحسن علي بن محمد بن عراق الكناني، تحقيق الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، 1378.
88- تهافت الفلاسفة، للغزالي، تحقيق الدكتور سليمان دنيا، الطبعة الثالثة، دار المعارف، القاهرة، 1958.
89- تهذيب الأسماء واللغات، لأبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، ط. المنيرية، بدون تاريخ.
90- تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ط. حيدر آباد، 1325-1327ه.
91- التوحيد وإثبات صفات الرب، لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، تحقيق الدكتور الشيخ محمد خليل هراس، ط. مكتبة الكليات الأزهرية، 1387/ 1968.
طبعة أخرى: المطبعة المنيرية، القاهرة، 1353.
( ج )
92- جامع الأصول من أحاديث الرسول، لأبي السعادات مبارك بن محمد بن الأثير الجزري، تصحيح الشيخ محمد حامد الفقي، ط. السنة المحمدية، القاهرة، 1368/ 1949.
93- جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد البر، ط. المطبعة المنيرية، القاهرة.
94- جامع التواريخ، لرشيد الدين الهمذاني، ط. الحلبي، القاهرة، 1960.
95- جامع الرسائل، لابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، ط. المدني، القاهرة، 1389/ 1969.
96- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين السيوطي، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1358/ 1939.(2/155)
97- الجامع الكبير = جمع الجوامع، لجلال الدين السيوطي، نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب المصرية، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة.
98- الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، الطبعة الأولى، حيدر آباد، 1361/ 1942.
99- جواب أهل العلم والإيمان في تفسير أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، لابن تيمية، ط. المطبعة الخيرية، القاهرة، 1325، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام (17/5/213)، الرياض، 1381-1389.
100- الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، لابن تيمية، ط. المدني، القاهرة، 1379/ 1959.
101- جوامع السيرة النبوية، لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق الدكتور إحسان عباس، والدكتور ناصر الدين الأسد، مراجعة الأستاذ أحمد محمد شاكر، ط. دار المعارف، القاهرة، 1956.
( ح )
102- حركات الشيعة المتطرفين، تأليف الدكتور محمد جابر عبد العال، ط. مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1373/ 1954.
103- حصول المأمول من علم الأصول، للأستاذ صديق حسن خان، ط. استانبول 1926.
104- الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، لآدم متز، نقله إلى العربية الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده، ط. لجنة التأليف والترجمة، الطبعة الثانية، القاهرة، 1367/ 1948.
105- الحلة السيراء، لابن الأبار، ط. ليدن، 1847-1851.
106- حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني، ط. الخانجي، القاهرة، 1351/ 1932.
( خ )
107- الخطط ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار )، لتقي الدين أحمد بن علي المقريزي، ط. الأميرية ببولاق، القاهرة، 1270.
108- خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لأحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري، ط. الخيرية، القاهرة، 1322.
109- خلع النعلين، لأبي القاسم بن قَسِيّ، ط. بيروت.
110- الخطوط العريضة، تأليف محب الدين الخطيب، تحقيق وتعليق محمد مال الله، ط. القاهرة، 1409ه.
( د )(2/156)
111- دائرة المعارف الإسلامية، ط. كتاب الشعب، القاهرة.
112- دائرة المعارف الإسلامية، ترجمة إبراهيم زكي خورشيد وآخرين، ط. القاهرة.
113- الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي، ط. طهران، 1377.
114- درء تعارض العقل والنقل، لابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة الأولى، الرياض، 1403/ 1983.
115- الدرر المنتشرة في الأحاديث المشتهرة، لجلال الدين السيوطي، تحقيق الدكتور محمد لطفي الصباغ، ط. الرياض، 1403/ 1983.
116- دلائل النبوة، لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تقديم وتحقيق الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان، ط. دار النصر للطباعة، القاهرة، 1969.
117- الدليل الشافي على المنهل الصافي، لابن تغري بردي، تحقيق الأستاذ فهيم شلتوت، نشر جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1399/ 1979.
118- الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لإبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون المالكي، ط. مطبعة المعاهد، القاهرة، 1351.
119- ديوان الأعشى، ط. جابر.
120- ديوان العجاج، ط. د. عزة حسن.
121- ديوان عمرو بن معد يكرب الزبيدي، صنعه هاشم الطعان، ط. بغداد، 1390/ 1970.
122- ديوان الفرزدق، ط. مطبعة الصاوي، القاهرة، 1354/ 1936.
123- ديوان كُثير عزّة، جمع وشرح الدكتور إحسان عباس، نشر دار الثقافة، بيروت لبنان 1391/ 1971.
( ذ )
124- ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث، لعبد الغني النابلسي، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية، القاهرة 1352/ 1934.
125- الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط. السنة المحمدية، القاهرة، 1372/ 1952.
126- ذيل اللآلئ المصنوعة، للسيوطي، ط. حجر، الهند، 1303.
( ر )
127- ربيع الفكر اليوناني، للدكتور عبد الرحمن بدوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1958.(2/157)
128- الرجال، لأبي عمر محمد بن عبد العزيز الكشي، تعليق أحمد الحسيني، ط. مؤسسة الأعلمي، مطبعة الآداب، النجف، بدون تاريخ.
129- رجال الطوسي، لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق الأستاذ محمد صادق آل بحر العلوم، ط. الحيدرية، النجف، 1381/ 1961.
130- رجال العلامة الحلي، لابن المطهر الحلي، تصحيح الأستاذ محمد صادق آل بحر العلوم، الطبعة الثانية، ط. الحيدرية، النجف، 1381/ 1961.
131- رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد علي بشر المريسي العنيد، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط. السنة المحمدية، 1358.
132- الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق الدكتور علي سامي النشار، ط. دار العارف، القاهرة، 1971.
طبعة أخرى: تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة، ط. دار اللواء، الرياض، 1977.
133- الرد على المنطقيين، لابن تيمية، تحقيق عبد الصمد شرف الدين الكتبي، بمباى، الهند، 1358/ 1949.
134- رسائل ابن سبعين، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1965.
135- رسائل إخوان الصفات وخلان الوفا، عنى بتصحيحه خير الدين الزركلي، المطبعة العربية بمصر، 1347/ 1928.
136- رسائل الجاحظ، جمع ونشر الأستاذ حسن السندوبي، القاهرة، 1352/ 1933.
137- رسائل فلسفية، للرازي، جمع وتصحيح بول كراوس، نشر كلية الآداب، جامعة فؤاد الأول، القاهرة، 1939.
138- الرسالة "السبعينية" = بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية، لابن تيمية، ضمن الجزء الخامس من مجموع الفتاوى الكبرى، نشر فرج الله زكي الكردي، مطبعة كردستان العلمية، القاهرة، 1329.
139- الرسالة القشيرية في علم التصوف، لأبي القاسم عبد الكريم بن هوزان القشيري النيسابوري، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود، ومحمود بن الشريف، نشر دار الكتب الحديثة، القاهرة، 1385/ 1966.(2/158)
140- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، لميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري، الطبعة الثانية، ( طبع حجر )، طهرا، 1367.
141- الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية، لزين الدين الجبعي العاملي، ط. بيروت، 1379/1960.
142- الروضة البهية فيما بين الأشاعرة والماتريدية، لأبي عذبة، ط. حيدر آباد، 1322.
143- الرياض النضرة في مناقب العشرة، لأبي جعفر أحمد المحب الطبري الطبعة الثانية، نشر الخانجي، القاهرة، 1372/ 1953.
( ز )
144- زاد المسير في علم التفسير، لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ط. المكتب الإسلامي، دمشق، 1387/ 1967.
145- زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، وعبد القادر الأرنؤوط، ط. بيروت، 1399/ 1979.
146- الزهر النضر في نبأ الخضر، رسالة لابن حجر، نشرت ضمن "مجموعة الرسائل المنبرية" لابن تيمية، ط. المنيرية، القاهرة، 1343/ 1946.
( س )
147- سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون، لجمال الدين محمد بن محمد بن نباته، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.
148- سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، القاهرة، 1980.
149- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. دار الفكر، دمشق، 1379/ 1959.
150- السلوك لمعرفة دول الملوك، للمقريزي، ط. دار الكتب المصرية، القاهرة، 1934-1936.
151- السنة، لأحمد بن حنبل، ط. المطبعة السلفية، مكة، 1349.
152- سنن ابن ماجه ( أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني )، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1372/ 1952.
153- سنن أبي داود، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثانية، المكتبة التجارية، القاهرة، 1369-1370/ 1950-1951.(2/159)
154- سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (بشرح ابن العربي) ط. المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، 1350/ 1931.
طبعة أخرى: بتحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة (ط. المدني بالقاهرة)، 1384/ 1964.
155- سنن الدارمي، لأبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي، ط. دمشق، 1349.
156- السنن الكبرى، للبيهقي، ط. حيدر آباد، 1354.
157- سنن النسائي ( المجتبى )، للحافظ أبي عبد الرحمن بن شعيب النسائي، ومعه شرحه: زهر الربى على المجتبى، للحافظ الجلال السيوطي، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1383/ 1964.
158- سير أعلام النبلاء، للذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
159- سيرة عمر بن عبد العزيز، لابن الجوزي، ط. المؤيد، القاهرة، 1331/ 1921.
160- السيرة النبوية، لابن كثير، تحقيق الدكتور مصطفى عبد الواحد، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1384/ 1964.
161- السيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق الأستاذ مصطفى السقا وآخرين، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1355/ 1936.
( ش )
162- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لابن العماد الحنبلي، ط. القدسي، 1350.
163- الشرح والإبانة على أصول الديانة، لابن بطة العكبري، تحقيق الأستاذ هنري لاوست، ط. المعهد الفرنسي، دمشق، 1958.
164- شرح الدرة النجفية، للدنبلي، ط. إيران، 1292.
165- شرح ديوان لبيد، تحقيق د. إحسان عباس، الكويت، 1962.
166- شرح ديوان المتنبي، وضع الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي، ط. طار الكتاب العربي، بيروت، 1980.
167- شرح الطحاوية، لعلي بن محمد بن أبي العز الحنفي، تحقيق الأستاذ أحمد محمد شاكر، الرياض، 1396.
168- شرح العقيدة الطحاوية، تحقيق شعيب الأرنؤوط، 1401/1981.
169- شرح العيون، لأبي السعد الجشمي، (ضمن كتاب "فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة" تحقيق الأستاذ فؤاد السيد) ط. دار التونسية للنشر، تونس، 1393/1974.(2/160)
170- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1958.
طبعة أخرى، لابن ميشم البحراني، ط. طهران.
171- شرح النووي على صحيح مسلم، ليحيى بن شرف النووي، ط. المطبعة المصرية بالأزهر، القاهرة، 1347/1929.
172- الشريعة، للآجري، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط. السنة المحمدية، القاهرة، 1369/1950.
173- الشيعة وأهل البيت، تأليف الأستاذ إحسان إلهي ظهير، ط. إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان، الطبعة الثالثة، 1403/1983.
174- الشيعة والتشيع، تأليف الأستاذ إحسان إلهي ظهير، ط. لاهور، باكستان، 1404/1984.
175- الشيعة وتحريف القرآن، تأليف محمد مال الله، ط. القاهرة، 1409ه.
( ص )
176- الصارم المسلول على شاتم الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، ط. حيدر آباد، الدكن، 1322.
طبعة أخرى: بتحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، 1379/1960.
177- صحيح البخاري، لمحمد بن إسماعيل البخاري، ط. المطبعة الأميرية، القاهرة، 1314.
178- صحيح الجامع الصغير، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1388/1969.
179- صحيح مسلم، لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1374/1955.
طبعة أخرى = الجامع المسلول، استنابول، 1329-1333.
180- صفة الصفوة، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، ط. حيدر آباد، 1355.
181- صفة صلاة النبي، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. الفكر العربي، 1403/1983.
182- الصفدية، لابن تيمية، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، ط. الرياض، 1396/1976.
( ض )
183- ضحى الإسلام، للأستاذ أحمد أمين، القاهرة، 1949.
184- الضعفاء، للإمام النَّسائي، ط. حيدر أباد، الدكن، 1323.
( ط )
185- طبقات الأطباء = عيون الأنبياء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة، ط. دار الفكر، بيروت، 1376/1956.(2/161)
186- طبقات الأطباء والحكماء، لابن جلجل، تحقيق الأستاذ فؤاد السيد، ط. المعهد الفرنسي، القاهرة، 1955.
187- طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط. مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، بدون تاريخ.
188- طبقات الشافعية الكبرى، للسبكي، تحقيق الأستاذين عبد الفتاح الحلو، ومحمود الطناحي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1383/1964.
189- طبقات الصوفية، لأبي عبد الرحمن السلمي، تحقيق الأستاذ نور الدين شريبة، القاهرة، مطبعة المنياوي، 1372/1953.
190- طبقات الفقهاء، لطاش كبرى زاده، ط. الموصل، 1380/1961.
191- طبقات القراء = غاية النهاية في طبقات القراء، لشمس الدين بن الجرزي، ط. الخانجي، القاهرة، 1351/1932.
192- الطبقات الكبرى، لابن سعد، ط. بيروت، 1376/1957.
193- طبقات النحويين واللغويين، لأبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي، تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. سامي الخانجي، القاهرة، 1373/1954.
( ع )
194- عائشة والسياسة، للأستاذ سعيد الأفغاني، ط. القاهرة، 1957.
195- العبر في خبر من غبر، للحافظ شمس الذهبي، ط. الكويت، 1960.
196- العثمانية، للجاحظ، تحقيق الأستاذ عبد السلام هارون، ط. الخانجي، القاهرة، 1955.
197- العقد الفريد، لأحمد بن محمد بن عبد ربه، ط. لجنة التأليف والترجمة، القاهرة، 1940.
198- العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، لابن عبد الهادي، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، ط. محمود توفيق، القاهرة، 1356/ 1938.
199- العلل = علل الحديث، لابن أبي حاتم، ط. المطبعة السلفية، القاهرة، 1930.
200- العواصم من القواصم، لأبي بكر بن العربي، تعليق الأستاذ محب الدين الخطيب، ط. المطبعة السلفية، القاهرة، 1371.
201- عيون الأنباء في طبقات الأطباء: انظر: طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة.
( غ )(2/162)
202- غاية المرام في علم الكلام، للآمدي، تحقيق الدكتور حسن محمود عبد اللطيف، ط. لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، 1391/ 1971.
( ف )
203- الفائق في غريب الحديث، للزمخشري، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1366/ 1947.
204- فتاوى الرياض = مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد، طبعت في 37 جزءاً، ط. الرياض، 1381-1389.
205- فتح الباري بشرح البخاري، لابن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد العزيز بن باز، ط. المطبعة السلفية، القاهرة، 1380.
206- فتوح البلدان، للبلاذري، تحقيق الأستاذ صلاح الدين المنجد، ط. النهضة المصرية، القاهرة، 1956.
207- الفتوحات المكية، لمحيي الدين محمد بن علي بن عربي، ط. دار الكتب العربية الكبرى، القاهرة، 1329.
208- الفرق بين الفرق، لابن طاهر البغدادي، تحقيق الأستاذ محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. صبيح، القاهرة، بدون تاريخ.
209- فرق الشيعة، للنوبختي، تعليق محمد صادق آل بحر العلوم، ط. المطبعة الحيدرية، النجف، 1379/ 1959.
طبعة أخرى: استانبول، 1931.
210- الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم، ط. المطبعة الأدبية القاهرة، 1317-1321.
طبعة أخرى: بتحقيق الدكتور محمد إبراهيم نصر، والدكتور عبد الرحمن عميرة، ط. عكاظ، الرياض، 1402/ 1982.
211- فصوص الحكم، لابن عربي، تحقيق الدكتور أبو العلا عفيفي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1946.
212- الفصول في اختصار سيرة الرسول، لابن كثير، تحقيق الأستاذين محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، ط. بيروت، 1399-1400.
213- فضائح الباطنية، للغزالي، تحقيق الدكتور عبد الرحمن بدوي، ط. الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1383/ 1964.
214- فضائل الصحابة، للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق وصي الدين بن محمد بن عباس، إصدار جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1403/ 1983.(2/163)
215- فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، للقاضي عبد الجبار، تحقيق الأستاذ فؤاد سيد، ط. الدار التونسية للنشر، تونس، 1393/ 1974.
216- الفهرست، لابن النديم، ط. التجارية، القاهرة، 1348.
طبعة أخرى: تحقيق جوستاف فلوجل (مصورة عن طبعة ليبزج، ألمانيا، 1871)، ط. بيروت، 1964.
217- فهرست الطوسي، لمحمد بن الحسن الطوسي، المكتبة المرتضية بالنجف، العراق، 1356/ 1937.
218- الفوائل المجموعة في الأحاديث الموضوعة، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، ط. السنة المحمدية، القاهرة، 1380/ 1960.
219- فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي، تحقيق الشيخ محمد بن يحيى الدين عبد الحميد، ط. النهضة المصرية، القاهرة، 1951.
220- في الفلسفة الإسلامية، منهج وتطبيق، للدكتور إبراهيم مدكور، ط. عيسى الحلبي، القاهرة 1367/ 1947.
( ق )
221- قاضي القضاية عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، تأليف الدكتور عبد الكريم عثمان، ط. دار العربية، بيروت، 1386/ 1967.
222- القاموس الإسلامي، للأستاذ أحمد عطية الله.
223- القاموس المحيط، للفيروزآبادي، ط. المطبعة المصرية، الطبعة الثالثة، القاهرة 1353/ 1935.
224- قواعد عقائد آل محمد الباطنية، لمحمد بن الحسن الديلمي، ط. القاهرة، 1950.
( ك )
225- الكامل، للمبرد، ط. التجارية، 1365 .
226- الكامل في التاريخ، لابن الأثير الجزري، ط. الحلبي، القاهرة، 1303.
227- الكتاب التذكاري لابن عربي، إشراف وتقديم الدكتور إبراهيم مدكور، ط. دار الكتاب العربي للطباعة، القاهرة، 1389/ 1969.
228- الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق الأستاذ عبد الخالق الأفغاني، الطبعة الثانية، ط. الدار السلفية، بمبي، الهند، 1399/ 1979.
229- الكشاف = تفسير الكشاف، للزمخشري، ط. مصطفى الحلبي، القاهرة، 1385/ 1966.
230- كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوين ط. بيروت.(2/164)
231- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، لإسماعيل بن محمد العجلوني، ط. القدسي، القاهرة، 1351.
232- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لمصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، ط. استانبول، 1360/ 1941.
233- كشف المحجوب، للهجويري، ترجمة نيكلسون، ط. شوكوفسكي.
234- الكلم الطيب، لابن تيمية، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، 1397.
( ل )
235- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، للسيوطي، ظ. المكتبة الحسينية بالأزهر، القاهرة، 1352.
236- اللباب في تهذيب الأنساب، لابن الأثير، ط. القدسي، القاهرة، 1357/ 1369.
237- لسان العرب = اللسان، لابن منظور، ط. بيروت.
238- لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، ط. حيدر آباد، 1329.
239- لطائف الأسرار، لابن عربي، تحقيق الأستاذين أحمد زكي عطية، وطه عبد الباقي سرور، ط. دار الفكر العربي، القاهرة، 1380/ 1961.
240- اللمع في التصوف، لأبي نصر السراج الطوسي، تحقيق الدكتور عبد الحليم محمود، وطه عبد الباقي سرور، ط. القاهرة. 1960.
( م )
241- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، لعلي بن أبي بكر الهيثمي، ط. القدسي، القاهرة، 1352-1353.
242- مجموعة تفسير ابن تيمية، ط. بمباي، 1374/ 1954.
243- مجموعة رسائل ابن تيمية، ط. المطبعة الحسينية، القاهرة، 1323.
244- مجموعة الرسائل المنيرية، ط. المنيرية، القاهرة 1343/ 1946.
245- مجموعة الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، نشر فرج الله الكردي، ط. مطبعة كردستان العلمية، القاهرة، 1329، وانظر: الرسالة السبعينية والتسعينية.
246- المحصّل = محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء لفخر الدين الرازي، ط. المطبعة الحسينية، الطبعة الأولى، القاهرة، 1350.
247- المحلَّى، لابن حزم، ط. المنيرية، القاهرة، 1350.
248- المختار الثقفي، تأليف الدكتور علي الخربوطلي، سلسلة أعلام العرب، القاهرة، 1963.(2/165)
249- مختصر العلو للعلي الغفار، للذهبي، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت، 1401/ 1981.
250- المخصص، لابن سيده.
251- مدخل إلى التصوف الإسلامي، تأليف د. أبو الوفا التفتازاني، ط. دار الثقافة، القاهرة، 1979.
252- مرآة الزمان، لسبط بن الجوزي، ط. حيدر آباد، 1370/ 1951.
253- مروج الذهب ومعادن الجوهر، للمسعودي، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، الطبعة الثالثة، ط. التجارية، القاهرة، 1377/ 1958.
254- المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري، ط. حيدر آباد 1334.
255- المسند، لأحمد بن حنبل، تحقيق الأستاذ الشيخ أحمد شاكر، ط. المعارف، القاهرة، 1365-1374/ 1946-1955.
256- المسند، لأحمد بن حنبل، ط. الحلبي، القاهرة، 1313.
257- المشتبه في أسماء الرجال، للذهبي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1381/ 1962.
258- مشكاة المصابيح، للخطيب التبريزي، تحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. دمشق، 1380/ 1961.
259- مشكل الآثار، لأبي جعفر الطحاوي، ط. حيدر آباد، الدكن، 1333.
260- مشكل الحديث وبيانه، لابن فورك تحقيق الأستاذ موسى محمد علي، مطبعة حسان، القاهرة.
261- المصنف في الحديث = مصنف ابن أبي شيبة، لأبي بكر بن أبي شيبة، ط. الهند، 1935.
262- المعارف، لابن قتيبة، ط. المعارف، القاهرة، 1969.
263- معالم العلماء، لابن شهراشوب، ط. النجف، 1380/ 1961.
264- المعتزلة، تأليف الأستاذ زهدي جاد الله، القاهرة، 1947.
265- المعتمد في أصول الدين، للقاضي أبي يعلى، تحقيق الدكتور وديع زيدان حداد، ط. بيروت، 1974.
266- معجم الأدباء، لياقوت الحموي، تحقيق الأستاذ أحمد فريد رفاعي، القاهرة، دار المأمون، 1936.
267- معجم البلدان، لياقوت الحموي، ط. مطبعة السعادة، الطبعة الأولى، 1323/ 1906.
268- معجم الشعراء للمرزباني، تحقيق عبد الستار فراج، ط. دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1960.(2/166)
269- معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، نشر المثني، ودار إحياء التراث العربي، بيروت، 1376/ 1957.
270- المغني، لابن قدامة، تصحيح الشيخ محمد خليل هراس، مطبعة الإمام، القاهرة، 1965.
271- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق عبد الله محمد الصديق، نشر الخانجي القاهرة، 1375/ 1956.
272- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلِّين، لأبي الحسن الأشعري، تحقيق هـ. ريتر، استانبول، 1929.
273- مقدمة ابن خلدون، ط. د. علي عبد الواحد وافي، القاهرة، 1378/ 1958.
274- ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل (رسالة لابن حزم). نشر الأستاذ سعيد الأفغاني، دمشق، 1379/ 1960.
275- الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق الشيخ محمد بن فتح الله بدران الطبعة الثانية، نشر الأنجلو المصرية، القاهرة، 1375/ 1956.
276- مناقب الإمام أحمد بن حنبل، لابن الجوزي، ط. الخانجي، القاهرة، 1349.
277- مناقب الشافعي، للبيهقي، تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر، ط. دار التراث، القاهرة، 1391/ 1971.
278- مناقب عمر بن الخطاب، لابن الجوزي، ط. السعادة، القاهرة، 1941.
279- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لابن الجوزي، ط. حيدر آباد، 1357.
280- المنتقى من منهاج الاعتدال، لشمس الدين الذهبي، تحقيق الأستاذ محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1374.
281- منهاج الشريعة في الرد على ابن تيمية، لمحمد المهدي الكاظمي القزويني، ط. المطبعة العلوية، النجف، 1347.
282- منهاج الكرامة في إثبات الإمامة، لابن المطهر الحلي.
283- المنهج الأحمد في تراجم الإمام أحمد، لعبد الرحمن بن محمد العليمي، تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، ط. المدني، القاهرة 1383/ 1963.
284- المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل، لابن المرتضى، تحقيق توماس أرنولد، ط. حيدر آباد، 1316.(2/167)
285- المواقف، للإيجي، ط. القاهرة، 1956.
286- مورد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، ط. السلفية.
287- الموضوعات، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ط. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، 1386/ 1966.
288- الموضوعات، لعلي القارئ، استانبول، بدون تاريخ.
289- الموطأ، لمالك بن أنس، تحقيق الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي، القاهرة، 1370/ 1951.
290- ميزان الاعتدال، للحافظ شمس الدين الذهبي، ط. مطبعة السعادة، القاهرة.
( ن )
291- نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإسلامي، دمشق، 1372/ 1952.
292- نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثني عشرية، تأليف الدكتور أحمد صبحي، ط. المعارف، القاهرة، 1969.
293- نكت الهميان في نكت العميان، لصلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق الأستاذ أحمد زكين مطبعة الجمالية، القاهرة، 1329/ 1911.
294- النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير الجزري، ط. المطبعة العثمانية، 1311.
295- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للشوكاني، الطبعة الثانية، ط. المنيرية، 1344.
وغير ذلك من المراجع المذكورة في هذه السلسلة.
فهرس محتوى الجزء الثاني
الموضوع ………………………الصفحة
الفصل الأول:
بيان كذب ووضع الرافضي لحديث جمعه ( أربعين رجلاً من بني عبد المطلب.
الفصل الثاني:
بيان أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه ( .
الفصل الثالث:
نقض احتجاج الرافضة بحديث "أنت مني بمنزلة هارون من موسى".
الفصل الرابع:
نقض قياس الرافضة الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب.
الفصل الخامس:
إثبات أن حديث "عليّ أخي ووصيي وخليفتي وقاضي ديني" كذب وموضوع.
الفصل السادس:
إثبات أن أحاديث المؤاخاة بين عليّ والنبي ( كلها موضوعة.
الفصل السابع:
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بحب الله ورسوله دون غيره.
الفصل الثامن:
إثبات أن حديث الطير من المكذوبات والموضوعات.(2/168)
الفصل التاسع:
سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين هو رسول الله ( باتفاق المسلمين.
الفصل العاشر:
سيد العترة هو رسول الله ( وليس عليّ رضي الله عنه.
الفصل الحادي عشر:
الرد على من ادعى الإمامة لعليّ سنداً لحديث المحبة.
الفصل الثاني عشر:
إثبات كذب بعض الأحاديث المفتراة على رسول الله ( في حب عليّ.
الفصل الثالث عشر:
الرد على بعض النقول المعتمدة عند الرافضة لتكون حجة عليهم يوم القيامة.
الفصل الرابع عشر:
الرد على من ادعى الإمامة لعليّ محتجاً بتقديمه الصدقة عند النجوى دون غيره.
الفصل الخامس عشر:
الرد على من يدعي الإمامة لعلي بقوله: أنا صاحب الجهاد.
الفصل السادس عشر:
التنبيه على أن كل ما روي في مسند أحمد ليس بالضروري أن يكون صحيحاً.
الفصل السابع عشر:
فضيلة حمل عليّ للنبي ( .
الفصل الثامن عشر:
حديث "أنت مني وأنا منك".
الفصل التاسع عشر:
فضائل عليّ العشر.
الفصل العشرون:
فضل حبّ عليّ.
الفصل الحادي والعشرون:
حديث يوم الشورى.
الفصل الثاني والعشرون:
الرد على القول بأن حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة.
الفصل الثالث والعشرون:
الرد على القول برد الشمس على عليّ.
فهارس الكتاب
1- فهرس الآيات القرآنية الكريمة .
2- فهرس الأحاديث النبوية الشريفة .
3- فهرس الآثار .
4- فهرس الأعلام .
5- فهرس الكتب .
6- فهرس الأماكن والبلدان .
7- فهرس المراجع والمصادر .
8- فهرس محتوى القسم الثاني .
تم الكتاب ولله الحمد.
(1) انظر كلام ابن تيمية التالي بعد صفحات، ويذكر فيها ورود هذا الحديث الموضوع في تفسير الطبري. ولم أجد الحديث في كتب السنة التي رجعت إليها.
(2) قال الطبري في تفسيره (ط. بولاق) 19/74: "قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن علي بن أبي طالب: لما نزلت هذه الآية... إلخ.(2/169)
(3) انظر ترجمة أبي مريم عبد الغفار بن القاسم في: ميزان الاعتدال (2/640-641)، لسان الميزان (4/42-43). وذكر الحديث الموضوع ابن كثير في تفسيره (ط. الشعب) 6/180 نقلاً عن الطبري وقال: "تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، وهو متروك كذّاب شيعي، اتهمه عليّ بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعّفه الأئمة رحمهم الله".
(4) هو عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي، قال عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (ق2 م1 ص104): "روى عن الأعمش وعبيد المكتب وعبيد الملك بن عمير وليث بن أبي سليم، وروى عنه سعيد بن سليمان.." وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 2/457: "كوفي رافضي، نزل الري، روى عن الأعمش وغيره. قال يحيى: ليس بشيء، رافضي خبيث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني. وقال أبو معمر: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، وكان خشبياً".
(5) الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما في: البخاري 2/147 (كتاب الحج، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها) ونصه.. أنه قال: يا رسول الله أين ننزل في دارك بمكة؟ فقال: "وهل ترك عقيل من رباع أو دور"؟ وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليّ رضي الله عنهما شيئاً، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين.. إلخ. والحديث في: مسلم 2/984-985 (كتاب الحج، باب النّزول بمكة للحاج وتوريث دورها)، سنن ابن ماجه 2/912 (كتاب الفرائض، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك).(2/170)
(6) جاء هذا الخبر في كتاب "الفصول في اختصار سيرة الرسول" لابن كثير، تحقيق الأستاذين محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، ص207، ط. بيروت، 1399-1400 ونصه: "دعا علي ابن أبي لهب، فسلّط اله عليه السَّبُع بالشام وفق دعائه عليه السلام" وعلق المحققان: "ابن أبي لهب: هو عتبة (كذا) بن العزى (أبو لهب)، والحديث رواه الحاكم وابن إسحاق من طرق صحيحة مسنده. انظر نسيم الرياض شرح كتاب الشفاء 3/126". ولم أجد الحديث في سيرة ابن هشام وهو في المستدرك للحاكم 2/539 في تفسير سورة أبي لهب ونصه: "كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهم سلّط عليه كلبك" فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قالوا: ك. فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد، فانتزعه، فذهب به. قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
(7) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 6/111-112 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، مسلم 1/192 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، المسند (ط. الحلبي) 2/333، 360، 519 .
(8) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/6-7 (كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب)، 4/185 (كتاب المناقب، باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية)، 6/112 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، مسلم 1/192-193 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}. والحديث في سنن النسائي والدارمي والمسند.
(9) الحديث في: مسلم في الموضع السابق 1/193 (رقم 353، 354).
(10) الحديث في: مسلم 1/192 (الموضع السابق) حديث رقم 350 .(2/171)
(11) الحديث هو حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو السابق، وابن المخارق هو قبيصة بن المخارق. والرضمة: حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض كأنها منثورة، وعبارة "فعلا أعلاها حجراً": أي فرقي في أرفعها، وكلمة "يربأ" على وزن يقرأ: معناه: يحفظهم ويتطلع لهم، ويقال لفاعل ذلك؛ ربيئة. وكلمة "واصباحاه" هي كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له.
(12) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما - مع اختلاف في الألفاظ - في: البخاري 6/111 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، 6/122 (كتاب التفسير، سورة سبأ)، 6/179-180 (كتاب التفسير، سورة تبت يدا أبي لهب وتب)، مسلم 1/193-194 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، سنن الترمذي 5/121 (كتاب التفسير، ومن سورة تبت)، المسند (ط. المعارف) 4/186، 286 .
(13) هذه الرواية جزء من حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 6/122 (كتاب التفسير، سورة سبأ)، 6/180 (كتاب التفسير، سورة تبت يدا أبي لهب وتب).
(14) ذكر الزمخشري هذا الحديث بمعناه مختصراً في تفسير "الكشاف" 3/131 (ط. مصطفى الحلبي 1385/ 1966) عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214).(2/172)
(15) الحديث عن عائشة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/317 (كتاب تفسير القرآن، باب سورة المائدة) ونصه: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُحرس حتى نزلت هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فأخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأسه من القبة، فقال لهم: "يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله" قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق. قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُحرس، ولم يذكروا فيه عائشة". وذكر ابن كثير الحديث في تفسيره وقال إن ابن أبي حاتم رواه عن عائشة وذكر رواية الترمذي له ثم قال: "وهكذا رواه جرير والحاكم في مستدركه من طريق مسلم بن إبراهيم به، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وكذا رواه سعيد بن منصور عن الحارث بن أبي قدامة الأبادي عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة به". وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "عمدة التفسير عن ابن كثير" (4/193): "إسناده صحيح، وهو في الترمذي (4/96)، والطبري: (76/122). والحاكم (2/313) ووافقه الذهبي على تصحيحه، ورواه بعضهم مرسلاً - عند الطبري وغيره - وأشار الترمذي إلى ذلك، وما هذه بعلة تقدح في صحة الموصول".
(16) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 2/890 (كتاب الحج، باب حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. الحلبي) 4/367 .
(17) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه في: البخاري 2/176-177 (كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى) وهو بمعناه في: البخاري 1/20 (كتاب العلم، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: رُبّ مبلغ أوعى من سامع).
(18) مسلم 4/1873-1874 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه).(2/173)
(19) الحديث بألفاظ مقاربة عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في: سنن الترمذي 5/328-329 (كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. الحلبي) 3/14، 17، 26، 59، 15/181-182، 189-190. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
(20) قال أبو عبد الرحمن: الحق خلاف ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه، والزيادة التي ذكرها ابن تيمية صحيحة. وقد أفاض العلامة الألباني - حفظه الله تعالى - في تخريج حديث الموالاة، واذكر كلامه بتمامه - لينتفع به طلبة العلم - ثم أعقب على كلامه بما يتيسر، وهذا التعقيب - رغم احترامي وتقديري لفضيلته - إنما هو محاولة إثبات أن ابن تيمية رحمه الله تعالى لم ينفرد بتضعيف حديث الموالاة وتلك الزيادة التي ذكرها رحمه الله تعالى.
قال العلامة الألباني - حفظه الله تعالى - في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ج4 ص330 وما بعدها، بعد أن أورد حديث الموالاة:
ورد من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعليّ بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وأبي هريرة.
1 - حديث زيد، وله عنه طرق خمس:
الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع، ونزل غدير (خُم)، أمر بدوحات فقُمِمنَ، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: "إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن". ثم إنه أخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال:
"من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".(2/174)
أخرجه النسائي في "خصائص عليّ" (ص15) والحاكم (3/109) وأحمد (1/118) وابن أبي عاصم (1365) والطبراني (4969-4970) عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عنه، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
قلت: سكت عنه الذهبي، وهو كما قال لولا أن حبيباً كان مدلساً، وقد عنعنه. لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال: "جمع عليّ رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، (وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليّاً يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذلك له".
أخرجه أحمد (4/370) وابن حبان في "صحيحه" (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي عاصم (1367 و1368) والطبراني (4968) والضياء في "المختارة" (رقم 527 بتحقيقي).
قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وقال الهيثمي في "المجمع" (9/104): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة".
وتابعه سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم به مختصراً: "من كنت مولاه، فعلي مولاه".
أخرجه الترمذي (2/298) وقال: "حديث حسن صحيح".
قلت: وإسناده على شرط الشيخين.
وأخرجه الحاكم (3/109-110) من طريق محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم به مطولاً نحو رواية حبيب دون قوله: "اللهم والِ....". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".(2/175)
ورده الذهبي بقوله: "قلت: لم يخرجا لمحمد، وقد وهاه السعدي".
قلت: وقد خالف الثقتين السابقين فزاد في السند ابن واثلة، وهو من أوهامه. وتابعه حكيم بن جبير - وهو ضعيف - عن أبي الطفيل به. أخرجه الطبراني (4971).
الثانية: عن ميمون أبي عبد الله به نحو حديث حبيب. أخرجه أحمد (4/372) والطبراني (5092) من طريق أبي عبيد عنه. ثم أخرجه من طريق شعبة، والنسائي (ص16) من طريق عوف كلاهما عن ميمون به دون قوله: "اللهم وال" إلا أن شعبة زاد: "قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: اللهم...).
وقال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار، وفيه ميمون أبو عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة". قلت: وصحح له الحاكم (3/125).
الثالث: عن أبي سليمان (المؤذن) عنه قال: "استشهد عليّ الناس. فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه"، قال: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا". أخرجه أحمد (5/370) وأبو القاسم هبة الله البغدادي في الثاني من "الأمالي" (ق20/2) عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عنه. قال أبو القاسم: "هذا حديث حسن، صحيح المتن". وقال الهيثمي (9/107): "رواه أحمد وفيه أبو سليمان، ولم أعرفه إلا أن يكون بشير بن سليمان، فإن كان هو فهو ثقة، وبقية رجاله ثقات". وعلق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: "أبو سليمان هو زيد بن وهب كما وقع عند الطبراني".
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، لكن وقع عند أبي القاسم تلك الزيادة "المؤذن"، ولم يذكروها في ترجمة زيد هذا، فإن كانت محفوظة، فهي فائدة تلحق بترجمته.
لكن أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وفي "التقريب": "صدوق سيئ الحفظ".(2/176)
قلت: فحديثه حسن في الشواهد. ثم استدركت فقلت: قد أخرجه الطبراني أيضاً (4996) من الوجه المذكور لكن وقع عنده: "عن أبي سليمان المؤذن" بدون المثناة بين اللام والميم، وهو الصواب فقد ترجمه المزي في "التهذيب" فقال: "أبو سليمان المؤذن: مؤذن الحجاج، اسمه يزيد بن عبد الله، يروي عن زيد بن أرقم، ويروي عنه الحكم بن عتيبة وعثمان بن المغيرة الثقفي ومسعر بن كدام، ومن عوالي حديثه ما أخبرنا..". ثم ساق الحديث من الطرق المذكورة. وقال: "ذكرناه للتمييز بينهما". يعني: أن أبا سليمان المؤذن هذا هو غير أبي سليمان المؤذن، قيل: اسمه همام... الذي ترجمه قبل هذا، وهذه فائدة هامة لم يذكرها الذهبي في كتابه "الكاشف".
قلت: فهو إذن أبو سلمان وليس (أبو سليمان)، وبالتالي فليس هو زيد بن وهب كما ظن الحافظ، وإنمايزيد بن عبد الله كما جزم المزي، وإن مما يؤيد هذا أن الطبراني أورد الحديث في ترجمة (أبو سلمان المؤذن عن زيد بن أرقم) وساق تحتها ثلاثة أحاديث هذا أحدهما.
نعم وقع عنده (4985) من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي: حدثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب عن زيد بن أرقم... وهذه الرواية هي التي أشار إليها الحافظ واعتمد عليها في الجزم بأنه أبو سليمان زيد بن وهب، وخفي عليه أن فيها إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والدارقطني كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "اللسان".
الرابعة: عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى انتهينا إلى غدير (خم)...". الحديث نحو الطريق الأولى، وفيه: "يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله..". الحديث.
وفيه حديث الترجمة دون قوله: "اللهم والِ....". أخرجه الطبراني (4986) ورجاله ثقات.(2/177)
الخامسة: عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم... فذكره بنحوه دون الزيادة إلا أنه قال: "قال: فقلت له: هل قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت". أخرجه أحمد 4/368 والطبراني (5068-5071) ورجاله ثقات، رجال مسلم غير عطية، وهو ضعيف. وله عند الطبراني (4983 و5058 و5059) طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
2 - سعد بن أبي وقاص، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن عبد الرحمن بن سابط عنه مرفوعاً بالشطر الأول فقط. أخرجه ابن ماجه (121). قلت: وإسناده صحيح.
الثانية: عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه به. أخرجه النسائي في "الخصائص" (16) وإسناده صحيح أيضاً، رجاله ثقات رجال البخاري غير أيمن والد عبد الواحد، وهو ثقة كما في "التقريب".
الثالثة: عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه به وفيه الزيادة. أخرجه الحاكم (3/116) من طريق مسلم الملائي عنه.
قال الذهبي في "تلخيصه": "سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك".
3 - حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن ابن عباس عنه قال:
خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فذكرت عليّاً، فتنقصته، فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتغير وجهه، فقال: "يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: "من كنت مولاه، فعلي مولاه". أخرجه النسائي والحاكم (3/110) وأحمد (5/347) من طريق عبد الملك بن أبي غَنِيَّة قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور.
وابن أبي غَنِيَّة بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع في المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده، واسم أبيه حميد.
الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه:(2/178)
"أنه مر على مجلس وهم يتناولون من عليّ فوقف عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سرية عليها عليّ، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليّاً أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي، فإذا وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد تغير، فقال.." فذكر الشطر الأول.
أخرجه النسائي وأحمد (5/350 و358 و361) والسياق له من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن كان عبد الله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده.
وأخرج ابن حبان (2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط.
الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله: "اللهم...".
أخرجه الطبراني في "الصغير" (رقم - 171 - الروض) و"الأوسط" (341) من طريقين عن عبد الرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات.
4 - عليّ بن أبي طالب، وله عنه تسعُ طرق:
الأولى: عن عمرو بن سعيد أنه سمع عليّاً رضي الله عنه وهو ينشد في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكر الشطر الأول) فقام ستة نفر فشهدوا.
أخرجه النسائي من طريق هانئ بن أيوب عن طاووس (الأصل: طلحة) عن عمرو بن سعيد (الأصل: سعد).
قلت: وهاني قال ابن سعد: فيه ضعف. وذكره ابن حبان في "الثقات" فهو ممن يستشهد به في الشواهد والمتابعات.
الثانية: عن زاذان بن عمر قال:
"سمعت عليّاً في الرحبة..." الحديث مثله. وفيه أن الذين قاموا فشهدوا ثلاثة عشر رجلاً.
أخرجه أحمد (1/84) وابن أبي عاصم (1372) من طريق أبي عبد الرحيم الكندي عنه.
قلت: والكندي هذا لم أعرفه، وبيض له في "التعجيل"، وقال الهيثمي: "رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم".(2/179)
والثالثة والرابعة: عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يُيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم:
"أليس الله أولى بالمؤمنين" قالوا: بلى، قال: "اللهم من كنت مولاه..." الحديث بتمامه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" (1/118) وعنه الضياء المقدسي في "المختارة" (456 بتحقيقي) من طريق شريك عن أبي إسحاق عنهما.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (16)، لكنه لم يذكر سعيد بن وهب في السند، وزاد في آخره:
"قال شريك: فقلت لأبي إسحاق: هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم".
قال النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بالقوي في الحديث. يعني راويه عن شريك.
قلت: لكنه عند ابن أبي عاصم (1375) من طريق آخر عن شريك.
قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيئ الحفظ. وحديثه جيد في الشواهد، وقد تابعه شعبة عند النسائي (ص16) وأحمد ببعضه (5/366) وعنه الضياء في "المختارة" (رقم 455 - بتحقيقي).
وتابعه غيره كما سيأتي بعد الحديث (10).
الخامسة: عن شريك أيضاً عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مُر يمثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه: "وانصر من نصره، واخذل من خذله".
أخرجه عبد الله أيضاً، وقد عرفت حال شريك. وعمرو ذي مر، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (3/1/232) شيئاً.
السادسة: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
"شهدتُ عليّاً رضي الله عنه في الرحبة ينشد الناس.." فذكره مثله دون زيادة "وانصر...".
أخرجه عبد الله بن أحمد (1/119) من طريق يزيد بن أبي زياد وسماك بن عبيد بن الوليد العبسي عنه.
قلت: وهو صحيح بمجموع الطريقين عنه، وفيهما أن الذين قاموا اثنا عشر. زاد في الأولى: بدرياً.(2/180)
السابعة والثامنة: عن أبي مريم ورجل من جلساء عليّ عن عليّ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال يوم غدير خم... فذكره دون الزيادة، وزاد:
"قال: فزاد الناس بعد: والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
أخرجه عبد الله (1/152) عن نعيم بن حكيم: حدثني أبو مريم ورجل من جلساء عليّ.
وهذا سند لا بأس به في المتابعات، أبو مريم مجهول. كما في "التقريب".
التاسعة: عن طلحة بن مصرف قال: سمعت المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر يقول: سمعت عليّاً رضي الله عنه ناشد الناس.... الحديث مثل رواية ابن أبي ليلى.
أخرجه ابن أبي عاصم (1373) بسند ضعيف عنه، وهو المهاجر بن عميرة. كذا ذكره في "الجرح والتعديل" (4/1/261) من رواية عدي بن ثابت الأنصاري عنه. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذا هو في "ثقات ابن حبان" (3/256).
5 - أبو أيوب الأنصاري. يرويه رباح بن الحارث قال:
"جاء رهط إلى عليّ بالرحبة، فقالوا: السلام عليكم يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول: (فذكره دون الزيادة) قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري".
أخرجه أحمد (5/419) والطبراني (4052 و4053) من طريق حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رباح بن الحارث.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات".
6 - البراء بن عازب. يرويه عدي بن ثابت عنه قال: "كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد عليّ رضي الله تعالى عنه، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟..." الحديث مثل رواية فطر بن خليفة عن زيد. وزاد:(2/181)
"قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
أخرجه أحمد وابنه في زائدة (4/281) وابن ماجه (116) مختصراً من طريق علي بن زيد عن عدي بن ثابت.
ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف وله طريق ثانية عن البراء تقدم ذكرها في الطريق الثانية والثالثة عن عليّ.
7 - ابن عباس. يرويه عنه عمرو بن ميمون مرفوعاً دون الزيادة.
أخرجه أحمد (1/330-331) وعنه الحاكم (3/132-134) وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
8 و 9 و 10 - أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو هريرة. يرويه عنهم عَميرة بن سعد قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلاً، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: فذكره.
أخرجه الطبراني في "الصغير" (ص33 - هندية رقم 116 - الروض) وفي "الأوسط" (رقم 2442) عن إسماعيل بن عمر: حدثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عَميرة بن سعد به وقال: "لم يروه عن مسعر إلا إسماعيل".
قلت: وهو ضعيف، ولذلك قال الهيثمي (9/108) بعد ما عزاه للمعجمين: "وفي إسناده لين".
قلت: لكن يقويه أن له طرقاً أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة.
أما حديث أبي هريرة، فيرويه عكرمة بن إبراهيم الأزدي: حدثني إدريس بن يزيد الأودي عن ابيه عنه.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1105) وقال: "لم يروه عن إدريس إلا عكرمة".
قلت: وهو ضعيف.
وأما حديث أبي سعيد، فيرويه حفص بن راشد: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية. عنه.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8599) وقال:
"لم يروه عن فضيل إلا حفص بن راشد".
قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1/2/172-173) فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.(2/182)
وأما غيرهما من الصحابة، فروى في "الأوسط" (2302 و7025) من طريقين عن عميرة بن سعد قال:
سمعت عليّاً ينشد الناس: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكره)، فقام ثلاث عشر فشهدوا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فذكره.
وعميرة موثّق.
ثم روى الطبراني فيه (5301) عن عبد الله بن الأجلح عن أبيه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مُر قال: سمعت عليّاً.. الحديث، إلا أنه قال: ".. اثنا عشر".
وقال: "لم يروه عن الأجلح إلا ابنه عبد الله".
قلت: وهو ثقة، وقد رواه حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مر وزيد بن أرقم قالا:
خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) فقال: فذكره، وزاد:
"... وانصر من نصره، وأعن من أعانه".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (5059).
وحبيب هذا ضعيف كما قال الهيثمي (9/108).
وأخرج عبد الله بن أحمد في "زوائده على المسند" (1/118) عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير (خم) إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا... الحديث. وقد مضى في الحديث الرابع - الطريق الثانية والثالثة.
وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه.
وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في "المجمع" (9/103-108)، وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد
وأما قوله في الطريق الخامس من حديث عليّ رضي الله عنه:
"وانصر من نصره، واخذل من خذله".
ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: "اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
ومثله قول عمر لعلي: "أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
لا يصح أيضاً لتفرد عليّ بن زيد به كما تقدم.(2/183)
إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ي عليّ رضي الله عنه: "إنه خليفتي من بعدي".
فلا يصح بوجه من الوجه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة، التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله لوقع كما قال، لأنه { وَحْيٌ يُوحَى } [النجم: 4]، والله سبحانه لا يخلف وعده، وقد خرجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (4923 و4932) في جملة أحاديث لهم احتج بها عبد الحسين في "المراجعات" بيّنت وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوله على أئمة السنة فيها.
قال أبو عبد الرحمن: لم ينفرد ابن تيمية رحمه الله تعالى بتضعيف الشطر الأول وبتكذيب الشطر الآخر. وللاستزادة انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: (2/772)، (3/948، 1107)، (4/1327)، (5/1691)، (6/2102، 2222، 2378). والعلل المتناهية لابن الجوزي 1/223 .
وحديث الموالاة لا شك أنه من المتواتر، والزيادة رويت بأسانيد قوية. والحق خلاف ما ذهب إليه ابن تيمية وكذلك ابن حزم رحمهما الله تعالى، فالحق أحق بأن يتبع.
(21) أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عُقْدَة الكوفي، ولد سنة 249 وتوفي سنة 333، كان يميل إلى رأي الشيعة وكان يملي في "مثالب الصحابة" ولم يذكر سزكين كتابه الذي صنّفه عن هذا الحديث. انظر: لسان الميزان (1/263-266)؛ معجم المؤلفين (2/106)؛ الأعلام (1/198)، سزكين (م1 ج1، ص361).
(22) في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4/224).
(23) الفصل: وقوله عليه السلام.
(24) الفصل: لكل مؤمن وفاضل.(2/184)
(25) الفصل: وعهده عليه السلام.
(26) الفصل: مثل هذه في الأنصار رضي الله عنهم أنه ... .
(27) بعد الكلام السابق مباشرة.
(28) الفصل: الرافضة.
(29) الفصل: ونقلتها.
(30) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي هريرة وأبي أيوب رضي الله عنهما في: البخاري 4/179-180، 181 (كتاب المناقب، باب مناقب قريش، باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع)، مسلم 4/1954-1955 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم...)، سنن الترمذي 5/385 (كتاب المناقب، باب في غفار وأسلم وجهينة ومزينة)، (ط. المعارف) 15/28، (ط. الحلبي) 2/388، 467-468، 481، 5/194 (عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه).
(31) قال ابن هشام: السيرة (3/49): "فلما رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من غزوة السويق، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غز نجداً، يريد غطفان، وهي غزوة ذي أمر، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام". وانظر خبر هذه الغزوة في: طبقات ابن سعد (2/34-35)؛ زاد المعاد (3/190)، السيرة النبوية لابن كثير (3/3).
(32) هو أبو لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه. قال ابن حجر في الإصابة (4/167): مختلف في اسمه، قال موسى بن عقبة: اسمه بشير.... وقيل بالمهملة أوله التحتانية ثانية. وقال ابن إسحاق اسمه رفاعة... وكذا قال: "الكشاف" وغيره في تفسير الأنفال أن اسمه مروان، وانظر ترجمته في: أسد الغابة (1/232)، (6/265-267)؛ الاستيعاب 4/167. وانظر خبر الغزوة واستعماله له في: سيرة ابن هشام (3/52)؛ طبقات ابن سعد (2/29)، إمتاع الأسماع (1/105).
(33) انظر هذا الخبر في: طبقات ابن سعد (2/35-36)، إمتاع الأسماع (1/107)، زاد المعاد (3/190)، جوامع السيرة (ص152)، سيرة ابن هشام (3/46) وقال: "واستعمل على المدينة سباع بن عُرْفُطة الغفاري أو ابن أم مكتوم".(2/185)
(34) هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري صاحب الطبقات، صحب الواقدي المؤرخ زماناً وعرف بمؤرخ الواقدي، ولد سنة 168 وتوفي سنة 230. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (9/182-183)، تاريخ بغداد (5/321-322)، وفيات الأعيان (3/473)، الأعلام (7/6).
(35) الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 8/158 (كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة).
(36) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: البخاري 4/59 (كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس)، مسلم 4/1941-1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة)، سنن الترمذي 5/82-84 (كتاب التفسير، سورة الممتحنة).
(37) في المسند (ط. الحلبي) 5/205 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمهما". وفي المسند (ط. الحلبي) 5/210 عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني والحسن فيقول: "اللهم إني أحبهما فأحبهما".
وجاء الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 2/768 (حديث رقم 1352) وقال المحقق: إسناده صحيح.(2/186)
(38) هو عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي. قال ابن حجر في "الإصابة" 2/470: "وثبت ذكر عروة بن مسعود في الحديث الصحيح في قصة الحديبية وكانت له اليد البيضاء في تقدير الصلح" ثم قال: "وفي رواية إسحاق أنه اتبع أثر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما انصرف من الطائف فأسلم واستأذنه أن يرجع إلى قومه، فقال: "إني أخاف أن يقتلوك". قال: لو وجدوني نائماً ما أيقظوني. فأذن له، فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فعصوه وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذّن، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه". والخبر في: سيرة ابن هشام (4/182)، زاد المعاد (3/498)، إمتاع الأسماع (ص489-490).
(39) الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 3/138 (كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهر...)، مسلم 4/1944-1945 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم).
(40) الحديث في البخاري 3/184-185 (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان...) وهو حديث صلح الحديبية.
(41) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/78-79 (كتاب الصلاة، باب ما يُستر من العورة) ونصه: أن أبا هريرة قال: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان. قال حميد بن عبد الرحمن (بن عوف): ثم أردف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان".(2/187)
وجاء الحديث في مواضع أخرى في البخاري 2/153 (كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عُريان ولا يحج مشرك)، 5/167 (كتاب المغازي، باب حج أبي بكر بالناس سنة تسع)، 6/64 (كتاب التفسير، سورة تفسير التوبة)، 4/102 (كتاب الجزية، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد). والحديث أيضاً في: سنن أبي داود 2/264-265 (كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر)؛ سنن النسائي 5/186 (كتاب المناسك، باب قوله تعالى: خذوا مناسككم عند كل مسجد)، سنن الدارمي 2/237 (كتاب السير، باب في الوفاء للمشركين بالعهد)، المسند (ط. المعارف) 15/133-134 .
وجاءت أحاديث أخرى في نفس الموضوع عن أبي بكر وعليّ وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أشار إلى بعضها ابن كثير في تفسيره (ط. الشعب) 4/44-53، وإلى بعضها الطبري. انظر تفسيره (ط. المعارف) 14/98 وما بعدها. وانظر المسند (ط. المعارف) 1/156، 2/32 .
(42) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 4/168 (كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم) وأوله: "تحشرون حُفاة عُراة غرلاً... ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم.." الحديث، وهو في: البخاري 6/55 (كتاب التفسير، سورة المائدة)، 6/97 (كتاب التفسير، سورة الأنبياء)، سنن الترمذي 5/4-5 (كتاب التفسير، سورة الأنبياء).
(43) الحديث عن زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما في البخاري 3/102 (كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود)، 8/167-168 (كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا)، 8/172-173 (كتاب الحدود، باب إذا رمى امرأته وامرأة غيره بالزنا..)، 8/176 (كتاب الحدود، باب هل يأمر الإمام رجلاً..)، سنن الترمذي 2/441، 443 (كتاب الحدود، باب ما جاء في التلقين في الحد، باب ما جاء في الرجم على الثيب).(2/188)
(44) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكني وجدت حديثاً بمعناه في: سنن أبي داود 3/56 (كتاب الجهاد، باب في الطاعة) ونصه عن عقبة بن مالك رضي الله عنه... قال: بعث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سرية فسلحت رجلاً منهم سيفاً، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: "أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري، أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري"؟. والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 4/160 .
(45) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: البخاري 8/26-27 (كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً) وأوله: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاةً خفيفة... الحديث. وهو في: مسلم 1/339-340 (كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء)، سنن أبي داود 1/292 (كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة)، سنن النسائي 2/76-77 (كتاب الإمامة، باب خروج الرجل من صلاة الإمام)، المسند (ط. الحلبي) 3/124، 299، 300، 308، 369 .
(46) الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/138 (كتاب الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء) وأوله فيه: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف... الحديث.
وهو في: مسلم 1/341 (كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام)، سنن الترمذي 1/150-151 (كتاب الصلاة، باب ما جاء إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف)، سنن ابن ماجه 1/315 (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من أمّ قوماً فليخفف). المسند(ط. المعارف) 13/201، (ط. الحلبي) 2/502، 537. وقال الترمذي في تعليقه على الحديث: "وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس".(2/189)
(47) الحديث عن أبي سهلة السائب بن خلاّد رضي الله عنه في: سنن أبي داود 1/189 (كتاب الصلاة، باب في كراهية البُزاق في المسجد) ونصه: أن رجلاً أمَّ قوماً فبصق في القبلة، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينظر، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين فرغ: "لا يصلي لكم" فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه وأخبروه يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "نعم" وحسبت أنه قال: "إنك آذيت الله ورسوله". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 4/56 .
(48) الحديث بهذا اللفظ هو الجزء الأول من حديث عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/161 (كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافراً) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وهو جزء من حديث آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في: سنن الترمذي 5/165 (كتاب الدعوات، باب ما جاء فيما يقول إذا ركب دابة) وأول الحديث: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون" ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا.... الحديث.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وهذا الحديث الآخر في المسند (ط. المعارف) 9/138-139، وجاء الجزء الأول من هذه العبارات وهو قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل" في أحاديث كثيرة، منها حديث عن ابن عمر في: مسلم 2/978 (كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره)، المسند (ط. المعارف) 9/185. ومنها حديث عن أبي هريرة في: سنن الترمذي 5/160 (كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافراً)، المسند (ط. المعارف) 18/21-22، (ط. الحلبي) 2/433. ومنها حديث عن ابن عباس في: مسند أحمد (ط. المعارف) 4/87، 255 .(2/190)
(49) هذه العبارة جاءت ضمن حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه في: مسلم 4/2250-2251 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه) الحديث رقم 110 وجاءت هذه العبارة في 2251، وفي: سنن أبي داود 4/166 (كتاب الملاحم، باب خروج الدجال)، سنن الترمذي 3/346-349 (كتاب الفتن، باب ما جاء في فتنة الدجال)، سنن ابن ماجه 2/1356-1359 (كتاب الفتن، باب فتنة الدجال...)، المسند (ط. الحلبي) 4/181-182.
(50) انظر: تفسير ابن كثير (1/99-103)، زاد المسير (1/58-60).
(51) انظر في ذلك: الفوائد المجموعة للشوكاني ص346، تنزيه الشريعة 1/353 .
(52) في 1/347 .
(53) الموضوعات: عن أنس بن مالك.
(54) الموضوعات: وعودي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والحديث في "اللآلئ المصنوعة" 1/326 .
(55) في "الموضوعات" لابن الجوزي 1/378 .
(56) الموضوعات: أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن أبي سفيان قال...
(57) الموضوعات: عليّ...
(58) الموضوعات: مطر الإسكاف.
(59) الموضوعات: من أترك بعدي.
(60) قال ابن الجوزي بعد ذلك: "هذا حديث لا يصح، والمتهم به مطر بن ميمون، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه".
(61) هو عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي. قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/16: "شيخ البخاري، ثقة في نفسه، لكنه شيعي متحرق.. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين.
(62) في الموضوعات 1/383 .(2/191)
(63) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 4/141 كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي..) ونصه: "توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير". والحديث - مع اختلاف الألفاظ - في: البخاري 6/15 (كتاب المغازي، باب حدثنا قبيصة). وجاء الحديث بمعناه ومع اختلاف في الألفاظ عن ابن عباس وأنس وأسماء بنت يزيد رضي الله عنهم ي: سنن الترمذي 2/344 (كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل). سنن النسائي 7/267 (كتاب البيوع، باب مبايعة أهل الكتبا)، سنن ابن ماجه 2/815 (كتاب الرهون، باب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة )، المسند (ط. المعارف) الأرقام 2109، 2724، 2743، 3409، (ط. الحلبي) 3/102، 6/453، 457 .
(64) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/12 (كتاب الوصايا، باب نفقة القيم للوقف)، مسلم 3/1382 (كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لا نورث...)، سنن أبي داود 3/198 (كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الأموال)، الموطأ 2/993 (كتاب الكلام، باب ما جاء في تركة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. المعارف) 13/25-26، 17/53 (ط. الحلبي) 2/464 .
(65) لم أجد هذا الحديث الموضوع بهذه الألفاظ في كتب الأحاديث الصحيحة أو الموضوعة، وجاءت في كتب الأحاديث الموضوعة عدة أحاديث ذكر فيها أن عليّاً أخ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم منها ما ذكره ابن تيمية قبل قليل ولكنها بألفاظ مختلفة.(2/192)
(66) ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/111-112 حديثاً عن ابن عباس رضي الله عنه في المؤاخاة بين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ رضي الله عنه ثم قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه حامد بن آدم المروزي، وهو كذّاب" ثم ذكر حديثاً آخر عن جابر رضي الله عنه ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أشعث بن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه، ويأتي حديث في المؤاخاة بين الصحابة في مناقب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم". ثم ذكر حديثاً ثالثاً عن أبي أمامة رضي الله عنه، وقال: "رواه الطبراني من طريق بشر بن عون وهو ضعيف".
(67) في حديث البخاري 5/69 (كتاب مناقب الأنصار، باب كيف آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحاب): وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة". وانظر ذلك: سيرة ابن هشام (2/150-153)، زاد المعاد (3/63-65).
(68) انظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 8/272 .
(69) في "مقالات الإسلاميين" 1/156 .
(70) مقالات الإسلاميين: على إكفار عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه أن حكم...
(71) وردت هذه العبارة في كتاب "مناقب الشافعي" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر (ط. دار التراث، القاهرة، 1391/ 1971) 1/434 وجاء بعدها: "وإنما اختلف من اختلف منهم في عليّ وعثمان: منهم من قدم عليّاً على عثمان، ومنهم من قدم عثمان على عليّ، ونحن لا نخطئ أحداً من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما فعلوا".(2/193)
(72) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما - مع اختلاف في الألفاظ - في: البخاري 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، باب فضل أبي بكر) ولفظه: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم"، 5/14-15 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب عثمان)، سنن أبي داود 4/287 (كتاب السنة، باب في التفضيل) عن طريقين في أولهما زيادة: "ثم نترك أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا نفاضل بينهم"، كتاب فضائل الصحابة، الأرقام 53-58، 61-63، 401، مجمع الزوائد 9/58، المسند (ط. المعارف) الأرقام 4626، 4797 .
(73) قال أبو عبد الرحمن: خرّج الشيخ أحمد ميرين البلوشي حديث الطائر وتتبع طرقه في تحقيقه لكتاب "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه" للإمام النسائي ص29 وما بعدها فأجاد وأفاد، ولنفاسة ذلك التخريج أذكره لإخواني طلبة العلم لينتفعوا به.
قال الشيخ البلوشي وللحديث عن أنس ثلاثون طريقاً:-
* الأولى: طريق السدي عن أنس.
أخرجه الترمذي: المناقب (5: 300) وأبو يعلى كما في المقصد العلي (ق 2/123) وابن عدي في الكامل (2/3/69) وابن المغازلي في مناقب علي (171) وابن عساكر (12: 124، 125) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1: 226) والخوارزمي في "المناقب" (59) ونقل ابنُ عساكر عن الدارقطني قوله في المسند: تفرد به عيسى بن عمر عن السدي. قلتُ: بل تابعه فيه الحارث بن نبهان عن السدي عند ابن عساكر، والحارث متروك كما في "التقريب".
* الثانية: طريق حماد بن المختار، عن عبد الملك بن عمير عنه.(2/194)
أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/226) وابن المغازلي (171) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في العلل (1: 228) وابن المؤيد الجويني في "فرائد السمطين" (1: 209)، وحماد بن المختار هذا نقل ابن الجوزي عن ابن عدي قوله فيه: "شيعي مجهول". وقال الذهبي في المغني. (1: 83) "لا أعرفه".
* الثالثة: عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن المثنى عن عبد الله بن أنس عنه. أخرجه أبو يعلى في "المسند" كما في "المطالب العالية" (ق 556) وابن عدي (ق 2/32) وابن المغازلي (172) وابن عساكر (12: 122) وجعفر بن سلميان وإن وثق فهو من غلاة الروافض كما في "الميزان" (1: 408) والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته كما تقدم. وعبد الله بن المثنى قال عنه في التقريب: "صدوق كثير الغلط".
* الرابعة: أبو الهندي عن أنس.
أخرجه ابن شاذان في جزء من مشيخته (ق102) والخطيب في "تاريخ بغداد" (3: 171) وابن المغازلي (166) وابن عساكر (12: 124) وابن الجوزي في العلل (1: 227). وأبو الهندي قال عنه الخطيب: "مجهول، واسمه لا يعرف" وكذا قال عنه الذهبي في "الميزان" (4: 583).
* الخامسة: عن إسماعيل بن سَلْمان - بسكون اللام - الأزرق عنه.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1: 358) والبزار كما في "مختصر زوائد مسنده" (ق363) وابن المغازلي (161) والخوارزمي (65) وإسماعيل الأزرق قال عنه ابن نمير والنسائي: متروك، وقال أبو حاتم. والدارقطني: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء. انظر: الميزان (1: 232).
* السادسة: عن عثمان الطويل عنه.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2: 3) وابن المغازلي (162) وابن عساكر (12: 123) وعثمان الطويل مجهول الحال لم يوثقه إلا ابن حبان كما في "اللسان" (4:159) وقال: "ربما أخطأ" ولا يعتمد توثيقه لتساهله. ولا يُعرف لعثمان سماع من أنس كما قال البخاري.
* السابعة: عن محمد بن عياض عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنه.(2/195)
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (ق 2/109) وابن يونس في "تاريخ مصر" كما في اللسان (5: 58) والحاكم (3: 130) وقال: "صحيح على شرط الشيخين" وتعقبه الذهبي بقوله: "ابن عياض لا أعرفه" وقال عنه الحافظ في "اللسان" (5: 58) "مجهول".
* الثامنة: عن إسماعيل بن سليمان الرازي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه.
أخرجه الطبراني في الأوسط كما في "مجمع البحرين" (3: 340) والخطيب في تاريخه (9: 36) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في "العلل" (1: 227) وإسماعيل بن سليمان هو أخو إسحاق بن سليمان. قال الذهبي في المغني: (1: 82) "ضعَّفه غير واحد، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم".
* التاسعة: عن مسلم بن كيسان عنه.
أخرجه الخطيب في الموضح (2: 398) وابن المغازلي (168) وابن الجوزي في "العلل" (1: 232) وابن عساكر (12: 123، 125). ومسلم هذا قال عنه الفلاس: متروك الحديث، وعن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه. انظر الميزان (4: 106).
* العاشرة عن إبراهيم بن باب عن ثابت البناني عنه.
أخرجه العقيلي (1:46) والحاكم (3: 131) وإبراهيم بن باب هو البصري، قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 10): "ضعيف واهٍ".
* الحادية عشرة: عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي عنه.
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1: 232) وابن المغازلي في "مناقب علي" (163) وابن عساكر (12: 124) وابن المؤيد الجويني في "فرائد السمطين" (1: 212). وبشر بن الحسين قال عنه البخاري: "فيه نظر" وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير. التاريخ الكبير (2: 17) والجرح والتعديل (2: 355).
* الثاني عشرة: عن عبد الله بن محمد بن عمارة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عنه.(2/196)
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6: 339) وابن الجوزي في العلل (1: 225). وابن عمارة هذا قال عنه الذهبي في "الميزان" (2: 489) "مستور ما وثق ولا ضعف" وقال الحافظ في ترجمته من "اللسان" (3: 336): "أورد له الدارقطني في "الغرائب" عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس حديث الطير وهو منكر، وقال: تفرد به ابن عمارة عن مالك وعيرهُ أثبت منه".
* الثالثة عشرة: عن أبي مكيس دينار عنه.
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص169) والخطيب (8: 382) وابن الجوزي في "العلل" (1: 229) وأبو مكيس قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 224): ساقط. قال ابن حبان: "يروي عن أنس أشياء موضوعة".
* الرابعة عشرة: عن يغنم بن سالم عنه.
أخرجه ابن المغازلي (164: 171) ويغنم هذا قال عنه ابن حبان في "المجروحين" (3: 145): "شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك" وقال الذهبي في "المغني" (2: 760): "هالك".
* الخامسة عشرة: عن علي بن الحسن حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة عنه.
أخرجه ابن المغازلي (169) وابن عساكر (12: 123) وعلي بن الحسن هو السامي قال عنه الذهبي في "الميزان" (3: 120): "هو في عداد المتروكين". وخليد بن دعلج ضعفه ابن معين وأحمد، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين في الحديث، حدث عن قتادة أحاديث منكرة. انظر التهذيب (3: 158).
* السادسة عشرة: عن خالد بن عبيد عنه.
أخرجه ابن المغازلي (173) وابن الجوزي في "العلل" (1: 229). وخالد هذا قال البخاري: في حديثه نظر وقال الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات. الميزان (1: 634).
* السابعة عشرة: عن عبد الله بن زياد أبي العلاء عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 123) وعبد الله بن زياد قال عنه البخاري في "التاريخ" (5:95): "منكر الحديث" وعليّ بن زيد هو ابن جدعان قال عنه الحافظ: "ضعيف".
* الثامنة عشرة: عن ميمون أبي خلف عنه.(2/197)
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1: 358) والعقيلي (4: 189) وابن عساكر (12: 123، 124). وميمون أبو خلف هو ابن جابر، قال أبو زرعة: متروك، وقال العقيلي: لا يصح حديثه. لسان الميزان (6: 140).
* التاسعة عشرة: عن عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد - الصادق - عن أبيه عنه.
أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين" (ق223) وابن الجوزي في العلل (1: 232)، وعبد الله بن ميمون هو القداح، قال عنه الحافظ: "منكر الحديث متروك".
* العشرون: عن محمد بن زكريا بن دُويد عن حميد الطويل عنه.
أخرجه ابن المغازلي (156)، ومحمد بن زكريا قال عنه الذهبي في الميزان (3: 549): "روى عن حميد الطويل خبراً باطلاً. والراوي عنه هو علي بن صدقة الجوهري لا أعرفه" قلت: هو الراوي عنه حديث الطير.
* الحادية والعشرون: عنالحسن بن عبد الله الثقفي عن نافع عنه.
أخرجه ابن المغازلي (167). والحسن الثقفي هذا قال عنه الذهبي في الميزان (1: 501): "منكر الحديث" ونافع هو ابن هرمز واه.
* الثانية والعشرون: عن محمد بن سليم عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 124)، ومحمد بن سليم مجهول. قال الحافظ في "اللسان" (5: 192) "لا يعرف".
* الثالثة والعشرون: عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 122) وابن الجوزي في "العلل" (1: 231). وفي سند ابن عساكر "عبد السلام بن راشد" قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 394) "لا يُدرى مَنْ ذا" وفي سند ابن الجوزي العباس بن بكار قال الذهبي في "المغني" (1: 328): "كذبه الدارقطني".
* الرابعة والعشرون: عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله عنه.
أخرجه ابن الجوزي في العلل (1: 230) وفي إسناده أحمد بن سعيد بن فرقد قال الذهبي في "الميزان" (1: 100) "روى حديث الطير بإسناد الصحيحين فهو متهم بوضعه".
* الخامسة والعشرون: عن مفضل بن صالح عن الحسن بن الحكم عنه.(2/198)
أخرجه ابن الجوزي (1: 231)، ومفضل هذا قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات فوجب ترك الاحتجاج به. التهذيب (10: 271).
* السادسة والعشرون: حماد عن إبراهيم النخعي عنه.
أخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" (4: 30) وفي سنده محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي متهم بالوضع كما في "الميزان" (3: 478).
* السابعة والعشرون: عن عبد الملك بن أبي سليمان عنه.
أخرجه البخاري في التاريخ (2: 3) وأبو الحسين النرسي في "جزء من حديث أبي محمد (ق136) وابن المغازلي (157) وإسناده منطقع، قال البخاري: عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس مرسل. وكذا قال أبو حاتم. انظر المراسيل (ص132).
* الثامنة والعشرون: عن يحيى بن أبي كثير عنه.
أخرجه الطبراني في الأوسط كما في "مجمع البحرين" (3: 340) ويحيى مدلس ولم يسمع من أنس. انظر الميزان (4: 402).
* التاسعة والعشرون: عن خالد بن عبيد أبي عصام عنه.
أخرجه ابن عدي (3: 896) وخالد هذا قال عنه الحافظ: "متروك".
* الثلاثون: عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه، عن جده وعن أنس.
أخرجه الخطيب (11: 376) وابن الجوزي في العلل (1:230). وعمر بن عبد الله ضعفه أحمد والنسائي، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: متروك. الميزان (3: 211). وعبد الله بن يعلى قال الذهبي في "الميزان" (2: 528): "ضعفه غير واحد" قال البخاري: فيه نظر".
هذا ما تيسر لي جمعه من طرق هذا الحديث عن أنس، وإن كان أقل من ثلث طرقه عنه على ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهايةط (7: 353) عن الذهبي أنه ألف جزءاً من طرق هذا الحديث قال: "فبلغ عدد من رواه عن أنس بضعة وتسعين نفساً، أقرب هذه الطرق غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية" ثم سرد أسماء الذين رووه عن أنس.
ورُوِي أيضاً من حديث سفينة، وابن عباس وعلي، ويعلى بن مرة.
وحديث سفينة له عنه ثلاث طرق:(2/199)
* الأولى: عن مطير أبي خالد عن ثابت البجلي عنه.
أخرجه أبو يعلى في المسند كما في "المطالب العالية" (ق556) وابن عساكر (12: 126) وابن المؤيد في "فرائد السمطين" (1: 214) ومطير هذا قال عنه أبو حاتم: متروك، وقال أبو زرعة: ضعيف. الجرح والتعديل (8: 394).
* الثانية: عن بريدة بن سفيان عنه.
أخرجه البزار كما في "مختصر زوائد مسنده" (ق263) وابن المغازلي (175) وابن عساكر (12: 126). وبريدة بن سفيان قال عنه الدارقطني: متروك. المغني (1: 102).
* الثالثة: عن سليمان بن قَرْم، عن فطر بن خليفة عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عنه. في "المجروحين" (1: 332): "رافضي غالي يقلب الأخبار" وقال ابن حجر: "سيئ الحفظ" وفطر بن خليفة قال عنه الذهبي في "المغني" (2: 516): "شيعي جلد صدوق".
ومن حديث ابن عباس.
أخرجه العقيلي (4: 82-83) والطبراني في الكبير (10: 343) وابن عدي (3: 859) وابن المغازلي (164) وابن عساكر (12: 122) والخوارزمي في "المناقب" (50) من طريق محمد بن شعيب عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده. ومحمد بن شعيب قال عنه الحافظ في "اللسان" (5: 199): "مجهول" {وفيها كذلك سليمان بن قرم وتقدم ما فيه وأورده الهيثمي في المجمع (9: 126) وعزاه إلى الطبراني وقال: "وفيه محمد بن شعيب (في المجمع والمعجم: سعيد وهو خطأ) شيخٌ يروي عنه سليمان بن قرم ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفيه ضعف. أ.هـ.}.
* ومن حديث عليّ بن أبي طالب.
أخرجه ابن عساكر (12: 122) من طريق عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي، عن أبيه عن جده، عن علي. وعيسى بن عبد الله قال عنه الدارقطني: "متروك" كما في المغني (2: 498).
وحديث يعلى بن مرة تقدم في الطريق الثلاثين عن أنس وعنه.(2/200)
قال الحافظ بن كثير في "البداية والنهاية" (7: 354): "وقد رُوي من حديث يعلى ابن مرة والإسناد إليه مظلم، ورُوِي من حديث حبشي بن جنادة ولا يصح أيضاً، ومن حديث أبي رافع نحوه وليس بصحيح".
وحديث الطير مع ضعف أسانيده رُوِي بألفاظ متعارضةٍ متضاربةٍ، فيه اضطراب من ثلاثة أوجه:
الأول: الاختلاف في نوع الطير، فعند أبي يعلى، وابن عدي عن أنس أنه كان "حجلاً" وعند الخطيب عنه - أعني أنساً - وعند ابن عساكر عن علي أنه "حُباري" وعند ابن المغازلي عن أنس أنه "يعاقيب" وعنده عنه "نحامة" وعند عساكر في رواية "دجاجة".
الثاني: الاختلاف في عدد الطيور، في بعض الروايات أنه كان طيراً أو دجاجة، أو نحامة، وجاء في بعض الروايات "أطيار" و"طوائر" و"نحامات".
الثالث: الاختلاف فيمن أهدى الطير، ففي رواية العقيلي والطبراني هي"أم أيمن" وعند ابن عساكر وابن المغازلي "امرأة من الأنصار"، وأم أيمن، ليست أنصارية.
والاضطراب في المتن علة قادحة بصحة الحديث أو حسنه. وقد ضعف هذا الحديث جمهور أئمة الحديث وحسنه البعض وإليكم بيان ذلك:
قال العقيلي في "الضعفاء" (1: 46) "وهذا الباب الرواية فيها لين، وضعف، ولا نعلم فيه شيئاً ثابتاً، وهكذا قال محمد بن إسماعيل البخاري".
وقال البزار: "رُوي عن أنس من وجوه، وكل من رواه عنه فليس بالقوي".
وقد بالغ أبو بكر بن أبي داود (ت316) في رد هذا الحديث وإنكاره كما في "سير الأعلام" (13: 232).
وقال أبو يعلى الخليلي (ت446) في "الإرشاد" (ق82): "ما روي في حديث الطير ثقة. رواه الضعفاء مثل إسماعيل بن سليمان الأزرق وأشباههم، ويرده جميع أئمة الحديث".
ونقل ابن الجوزي في العلل (1: 233) عن محمد بن طاهر المقدسي (ت507) قوله: "كل طرقه - أي حديث الطير - باطلة معلولة".
وعن الحافظ محمد بن ناصر السلامي (ت550) "حديث موضوع، إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره". المنتظم (7: 275).(2/201)
أورده ابن الجوزي (ت597) في "العلل" (1: 233) من ست عشرة طريقاً مبيناً علة كل واحدة منها وقال: "قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً كلها مظلم وفيها مطعن".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728): "إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل". منهاج السنة (4: 99).
ويقول الحافظ الذهبي (ت748) في "سير أعلام النبلاء" (13: 233): "وحديث الطير على ضعفه، فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه".
وممن ضعفه وكتب في رده وتضعيفه سنداً ومتناً مجلداً كبيراً أبو بكر الباقلاني (ت403) كما في "البداية والنهاية" (7: 354).
ويقول الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (7: 351، 354) "وهذا الحديث قد صنف الناس فيه وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر". ثم ذكر بعض طرقه وقال: "وفي الجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر، وإن كثرت طرقه".
ويقول كمال الدين الدميري (ت808) في "حياة الحيوان" (2: 240) حديث الطير رواه الطبراني، وأبو يعلى، والبزار من عدة طرق كلها ضعيفة، وقد صححه الحاكم، وهو من الأحاديث المستدركة على المستدرك".
ونقل الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص382) عن المجد محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت817) في المختصر عن هذا الحديث قوله: "له طرق كثيرة كلها ضعيفة".
وكذا ضعفه الشيخ الألباني في تعليقه على "مشكاة المصابيح" (3: 245) تعليقاً على قول الترمذي: "هذا حديث غريب" قال: "أي ضعيف، وهو كما قال".
وممن قوى حديث الطير.
ابن شاهين (ت385) فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12: 123) أنه أخرج الحديث من طريق صالح بن عبد الكبير، عن عبد الله بن زياد أبي العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس، وقال: "تفرد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمد عن عمه صالح بن عبد الكبير، لا أعلم حدث به غيره، وهو حديث حسن".(2/202)
قلت: في هذا التحسين نظر، لأن صالح بن عبد الكبير بن شعيب مجهول، لم يرد عنه غير ابن أخته عبد القدوس بن محمد كما في الميزان (2: 298). وعبد الله بن زياد أبو العلاء قال البخاري عنه في التاريخ الكبير (5: 95): "منكر الحديث". وعلي بن زيد هو ابن جدعان قال أحمد: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. الميزان (3: 128).
وصححه الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين كما تقدم في الطريق السابق عن أنس، وقال: "قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد الخدري، وسفينة". ونِعْمَ ما علق الحافظ الذهبي على قول الحاكم: "قد رواه عن أنس" بقوله: "فصلهم بثقة يصح الإسناد إليه" وعلى قوله: "ثم صحت الرواية عن عليّ" بقوله: "لا والله ما صح شيء من ذلك" انظر: البداية والنهاية (7: 35).
ونقل الحافظ الذهبي في السير (17: 168) وتذكرة الحفاظ (3: 1042) عن أبي نعيم الحداد سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: "كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال: "لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم" ثم قال الذهبي: "فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك؟!! فكأنه اختلف اجتهاده".(2/203)
وكذا اختلف فيه قول الحافظ ابن حجر. فقال في "لسان الميزان" (3: 336): "هو خبر منكر" وحسّنه في "الأجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة ووصفت بالوضع" ملحقة بآخر مشكاة المصابيح (3: 313) قال: "السدي إسماعيل بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ووثقه جماعة منهم شعبة وسفيان ويحيى القطان". قلت: يشير إلى رواية الترمذي والنسائي في الخصائص والتي تقدمت برقم (10) وبينت هناك أن السدي وصف بالغلو في التشيع، والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته ولو كان ثقة كما قرره الحافظ نفسه. فارجع إليه.
(74) قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى أن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك".
(75) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 5/58-61 (هذه العبارات في ص58) (كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المدينة). وانظر الخبر في: سيرة ابن هشام 2/11-13. وفي تعليق المحققين: "واسم ابن الدغنة: مالك. وقد ضبطه القسطلاني بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون مخففة، ويضم الدال وفتح النون مشددة".(2/204)
(76) الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما صاحبه في: البخاري: 3/193-198 (كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط) وهذه العبارات في ص194، المسند (ط. الحلبي) 4/323-326، 328-331. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 5/340: "قوله: امصص بظر اللات. زاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري - وهي - أي اللات - طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة. وقوله: امصص، بألف وصل ومهملتين، الأولى مفتوحة، بصيغة الأمر. وحكى ابن التين عن رواية القابسي: بضم الصادر الأولى، وخطّاها، والبظر: بفتح الموحّدة وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. واللات: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعيدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سبّ عروة بإقامة من كان يُعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يُستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدامنه ما يستحق به ذلك".
(77) الحديث بمعناه في المسند (ط. المعارف) 1/180-181 (رقم 65) عن ابن أبي مليكة قال: كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حبيبي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً. قال المحقق رحمه الله: "إسناده ضعيف لانقطاعه". وجاءت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة فيها أمر من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك، انظر: مسلم 2/721 (كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس)، المسند (ط. الحلبي) 5/181 .
(78) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه في: البخاري 2/10-11 (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد)، 9/156 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعاً...)، المسند (ط. الحلبي) 5/69 .(2/205)
(79) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 4/94 (كتاب فرض الخمس باب ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعطي المؤلفة قلوبهم...)، مسلم 2/733-734 (كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام...)، المسند (ط. الحلبي) 3/165-166، 275 .
(80) جاء الحديث عن عائشة بهذا اللفظ أو بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ". انظر: البخاري 3/69 (كتاب البيوع، باب النجش)، 3/184 (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فهو مردود)، 9/107 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ...)، مسلم 3/1343-1344 (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور) سنن أبي داود 4/280 (كتاب السنة، باب في لزوم السنة). والحديث في سنن ابن ماجه ومسند أحمد.
(81) الحديث عن عدد من الصحابة منهم الزبير بن العوام وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنه في عدة مواضع من البخاري منها: 1/33 (كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، مسلم 4/2298-2299 (كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم). والحديث في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي، وهو في المسند في مواضع كثيرة منها (ط. المعارف) الأرقام 6486، 6888، 7006 وذكر ابن الجوزي في مقدمة كتابه "الموضوعات" عن هذا الحديث إنه: "قد رواه من الصحابة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحد وستون نفساً وأنا أذكره عنهم. قال الشيخ: شاهدته فذكره في غيره هذه النسخة عن ثمانية وتسعين منهم عبد الرحمن بن عوف ومنهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه".
(82) لم أجد هذا الحديث.(2/206)
(83) في "اللسان": "وفي الحديث في صفة الخيل: الأقرح المحجّل. قال ابن الأثير: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه في مواضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود. ومنه الحديث: أمتي الغرّ المحجّلون، أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه".
(84) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 5/9-10، 11 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب حدثنا الحميدي..، باب مناقب عمر بن الخطاب..)، مسلم 4/1858-1859 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر).
(85) الحديث في مسلم 4/1873-1874 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب).
(86) سبق هذا الحديث مختصراً فيما مضى ص23 .
(87) سبق أن علقت على هذا الحديث فيما مضى. وهذه الرواية ألفاظها قريبة من رواية الترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". وذكر الترمذي حديثاً آخر 5/327-328 عن جابر بن سعيد ألفاظه مقاربة. وقال: "وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه. وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم".
(88) لم أجد هذا الكتاب في سزكين ولكنه ذكر (م1 ج1 ص424) كتاب "فضائل الصحابة".(2/207)
(89) الحديث عن علي بن حسين عن أبيه عن جده في كتاب "فضائل الصحابة" 2/693-694 (رقم 1185) بألفاظ مقاربة وقال المحقق في تعليقه: "في إسناده عليّ بن جعفر بن محمد الصادق، لم يُذكر بجرح ولا تعديل، والباقون ثقات. قال الذهبي في الميزان (3: 117) في ترجمة عليّ: "ما هو شرط كتابي، لأني ما رأيت أحداً ليّنه، نعم ولا من وثّقه، ولكن حديثه منكر جداً، ما صححه الترمذي ولا حسّنه، ثم ذكر هذا الحديث". وقال في سير النبلاء (4: ل108): إسناده ضعيف والمتن منكر، وأخرجه الترمذي (5: 641) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه. وقد رأينا أن الذهبي أنكر أن يكون الترمذي حسّنه. قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2: 25): والتحسين ثابت في بعض نسخ الترمذي دون بعض. وذكر في التهذيب (10: 43) أنه لما حدّث نصر بن عليّ هذا الحديث أمر المتوكل بضربه ألف سوط".
(90) الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 2/693-694 (رقم 1185) وفيه: "حدثنا عبد الله قال حدثني نصر..
(91) فضائل الصحابة: قال أخبرني عليّ بن جعفر بن محمد بن عليّ بن حسين بن عليّ قال: أخبرني أخي موسى بن جعفر.. إلخ. ونقلت قبل صفحات قليلة ما ذكره محقق "فضائل الصحابة" في تعليقه على هذا الحديث.
(92) ذكر ابن الجوزي هذا الحديث الموضوع على البراء وزيد بن أرقم رضي الله عنهما مع اختلاف في الألفاظ، وقال عن الرواية الأولى: "قال الأزدي: كان إسحاق بن إبراهيم يضع الحديث". وقال عن الثانية: "وهو العدوي الكذاب الوضّاع ولعله سرقه من النحوي". وذكر الحديث ابن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة" 1/361 وانظر ما ذكره عنه.(2/208)
(93) روى ابن الجوزي الحديث الأخير في كتابه "الموضوعات" 1/385 بسند آخر ونصه فيه: "من مات وفي قلبه بغض لعليّ بن أبي طالب فليمت يهودياً أو نصرانياً" قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع، والمتهم به عليّ بن قرين. قال العقيلي: هو وضع هذا الحديث، وقال يحيى بن معين: هو كذاب خبيث. وقال البغوي: كان يكذب".
وأما الحديث الأول فلم أجده ولكن ذكر السيوطي حديثاً موضوعاً منسوباً إلى جابر رضي الله عنه في كتاب "اللآلئ المصنوعة" 1/328 ونصه: "عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر" وانظر كلام السيوطي عليه.
(94) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه في: البخاري 3/186 (كتاب الصلح باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بن علي رضي الله عنهما إن بني هذا سيد...)، 4/204-205 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام)، 5/26 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما)، 9/56-57 (كتاب الفتن، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بن علي إن ابني هذا لسيد...). ولفظ البخاري: ... ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين. وفي لفظ: بين فئتين من المسلمين.
والحديث أيضاً في: سنن أبي داود 4/299-300 (كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة)، سنن الترمذي 5/323 (كتاب المناقب، باب حدثنا محمد بن بشار...)، سنن النسائي 3/87-88 (كتاب الجمعة، باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر).(2/209)
(95) الأزارقة أتباع أبي راشد نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي، من أهل البصرة، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم كان من أنصار الثورة على عثمان وممن والى علياً إلى أن خرج عليه في حروراء، وكان جباراً فتاكاً، ومن أشد الخوارج تطرفاً، قتل سنة 65. والأزارقة يكفرون عثمان وعلياً والزبير وطلحة، كما يكفرون القعدة عن القتال معهم، وقالوا بكفر أصحاب الكبائر وخلودهم في النار، وأن دار مخالفيهم دار كفر. انظر عن نافع بن الأزرق والأزارقة: لسان الميزان (6/144-145)، تاريخ الطبري (5/528-565، 566-568، 613؛ 614)، الأعلام (8/315-316)، مقالات الإسلاميين (1/157-162)، الملل والنحل 1/109-110؛ الفرق بين الفرق، ص(50-52)، التبصير في الدين، (ص29-30)، الفصل في الملل والنحل (5/25-53)، الخطط للمقريزي (2/354).
(96) النجدات أو النجدية أتباع نجدة بن عامر الحنفي، ولد سنة 36 وتوفى سنة 69 وكان في بادئ أمره من أتباع نافع بن الأزرق ثم خالفه واستقل بمذهبه، استقر أيام عبد الله بن الزبير بالبحرين وتسمى أمير المؤمنين وأقام بها خمس سنين إلى أن قتل. والنجدات - كما يقول الأشعري - لا يقولون مثل سائر الخوارج إن كل كبيرة كفر، ولا يقولون إن الله يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً، وزعموا أن من فعل صغيرة وأصر عليها فهو مشرك، ومن فعل كبيرة ولم يصرّ عليها فهو مسلم، وقال النجدات: ليس على الناس أن يتخذوا إماماً، إنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم. انظر عن نجدة والنجدات: لسان الميزان (6/148)، شذرات الذهب (1/76)، الكامل لابن الأثير (4/78-80)، الأعلام (8/324-325)، مقالات الإسلاميين (1/156، 262-264)، الفرق بين الفرق (ص52-54)، الملل والنحل (1/110-112)، التبصير في الدين (ص30-31)، الفصل في الملل والنحل (5/53)، الخطط للمقريزي (2/354).(2/210)
(97) الإباضية أتباع عبد الله بن إباض المقاعسي المري التميمي من بني مرة بن عبيد بن مقاعس، اختلف المؤرخون في سيرته وتاريخ وفاته، كان معاصراً لمعاوية وعاش إلى أواخر عصر عبد الملك بن مروان وتوفي على الأرجح سنة 86ه. قال الإباضية إن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ودار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد، إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي، وأجمعوا على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر النعمة لا كفر الملة، وانقسموا إلى حفصية وحارثية ويزيدية. انظر عن عبد الله بن إباض والإباضية: لسان الميزان (3/248)، الأعلام (4/184-186) مقالات الإسلاميين (1/170-176)، الملل والنحل (1/121-122)، الفرق بين الفرق (ص61-65)، التبصير في الدين (ص34-35)، الفصل في الملل والنحل (5/51) الخطط للمقريزي (2/355)، الإباضية في موكب التاريخ لعلي يحيى معمر (ط. مكتبة وهبة 1384/ 1964)، الإباضية في دائرة المعارفة الإسلامية لموتيلنسكي.
(98) سبق الحديث ص
(99) 4/1883 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت صلَّى الله عليه وسلَّم).
(100) قال شارح صحيح مسلم: (مرط مرحّل): المرط كساء، جمعه مروط. المرحّل هو الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل.(2/211)
(101) قال أبو عبد الرحمن: ذكر الإمام النسائي رحمه الله تعالى في "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.. ص161 حديثاً قريباً من هذا: عن عليّ بن علقمة عن علي قال: لما أنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعلي: "مرهم أن يتصدقوا"، قال: بكم يا رسول الله ؟ قال: "بدينار"، قال: لا يطيقون. قال: "فنصف دينار". قال: لا يطيقون. قال: "فبكم"؟ قال: بشعيرة. فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنك لزهيد" فأنزل الله تعالى: { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ } إلى آخر الآية. وكان علي يقول: بي خُفّف عن هذه الأمة.
وقال المحقق الشيخ البلوشي: إسناده ضعيف. علي بن علقمة الأنماري قال البخاري: في حديثه نظر، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء. وقال عنه ابن حبان في الضعفاء: منكر الحديث، ينفرد عن عليّ بما لا يشبه حديثه. وذكره أيضاً في ثقاته. وذكره الذهبي في الضعفاء، وقال ابن حجر: مقبول الثقات (5:163)، المجروحين (7:365)، التقريب (ص247).
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12: 81) وعبد بن حميد (90) والترمذي (4: 80) والبزار (ق 60/1) وابن جرير في تفسيره (28: 21) وابن حبان (544-الموارد) والعقيلي (3: 243) وأبو يعلى (1: 322) من طريق الثوري.
وأخرجه ابن عدي (5: 1847) من طريق شريك كلاهما عن عثمان بن المغيرة به.(2/212)
(102) انظر تأويل هذه الآية في تفسير ابن كثير وفيه: "قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب، قدّم ديناراً صدقة تصدّق بها، ثم ناجى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة... وقال معمر عن قتادة: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} إنها منسوخة، ما كانت إلا ساعة من نهار. هكذا روى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن مجاهد، قال علي: ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وأحسبه قال: وما كانت إلا ساعة".
(103) وهذا كله في آية 196 من سورة البقرة: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.. الآية. وانظر تفسيرها في تفسير ابن كثير وغيره، وانظر ما رواه ابن كثير عن البخاري وأحمد في شسان كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(104) في "الإصابة" لابن حجر 2/157: "روى ابن سعد عن هوذة عن عوف عن رجل من أهل المدينة قال: دعا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم شيبة بن عثمان فأعطاه مفتاح الكعبة فقال: "دونك هذا فأنت أمين الله على بيته". وقال مصعب الزبيري: دفع إليه وإلى عثمان بن أبي طلحة وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذهامنكم إلا ظالم". وذكر الواقدي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطاها يوم الفتح لعثمان، وأن عثمان ولي الحجابة إلى أن مات، فوليها شيبة، فاستمرت في ولده". وانظر "الاستيعاب" بهامش "الإصابة" 2/155-157 .
(105) 3/1499 (كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى).(2/213)
(106) هذا جزء من حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وسبق فيما مضى، والحديث أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما في المسند (ط. المعارف) 4/134، (ط. الحلبي) 3/477-478، 4/211-212 (عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه).
(107) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/36 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه) ونصه: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر. قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله"؟. والحديث في: المسند (ط. المعارف) 13/183 وصحيح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الحديث وخالف تضعيف البوصيري له في زوائده، وصححه الألباني أيضاً في طصحيح الجامع الصغير" 5/190. والحديث أيضاً في المسند (ط. المعارف) 16/320-321 مطولاً.
(108) سبق الحديث فيما مضى 1/216 .
(109) ذكر الحديث ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/374-375 من أربعة طرق كلها غير صحيحة أو موضوعة، وتابعه السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/358-359 .
(110) وهو الكتاب الذي حققه الأستاذ وصي الله بن محمد عباس، وأصدرته جامعة أم القرى: 1403/ 1983 .
(111) قال أبو عبد الرحمن: بلغت زيادات عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى في مسند عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قرابة 240 زيادة وهي تمثل 28% من مجموع الروايات التي في مسند عليّ رضي الله عنه والبالغة 853 رواية. ولزيادة النفع نذكر أرقام تلك الزيادات من ذلك المسند، وأرقام تلك الزيادات منقولة من مسند الإمام أحمد (ط. المعارف) الجزء الثاني.(2/214)
564، 571، 575، 576، 581، 582، 588، 589، 598، 601، 602، 605، 606، 607، 613، 614، 695، 696، 697، 698، 703، 706، 777، 790، 793، 797، 808، 809، 810، 811، 812، 823، 829، 830، 831، 832، 833، 834، 836، 837، 855، 858، 866، 867، 871، 875، 878، 889، 890، 891، 893، 894، 897، 903، 904، 908، 910، 917، 918، 919، 922، 926، 928، 934، 938، 939، 942، 944، 945، 946، 947، 950، 951، 952، 958، 961، 964، 965، 972، 973، 982، 983، 988، 990، 991، 996، 997، 998، 1013، 1014، 1015، 1016، 1027، 1030، 1031، 1032، 1041، 1044، 1046، 1047، 1051، 1052، 1054، 1055، 1059، 1060، 1069، 1070، 1071، 1074، 1075، 1080، 1081، 1082، 1083، 1087، 1089، 1092، 1095، 1102، 1103، 1104، 1105، 1106، 1111، 1113، 1114، 1115، 1116، 1118، 1121، 1125، 1128، 1129، 1130، 1131، 1136، 1137، 1138، 1140، 1142، 1143، 1148، 1155، 1164، 1165، 1166، 1170، 1176، 1179، 1187، 1188، 1189، 1196، 1197، 1198، 1201، 1202، 1207، 1212، 1213، 1214، 1216، 1217، 1224، 1225، 1226، 1227، 1231، 1232، 1233، 1239، 1240، 1241، 1246، 1247، 1248، 1251، 1252، 1253، 1259، 1260، 1261، 1264، 1265، 1266، 1267، 1268، 1269، 1270، 1277، 1278، 1279، 1280، 1281، 1283، 1284، 1285، 1286، 1292، 1293، 1294، 1295، 1296، 1299، 1300، 1301، 1302، 1303، 1310، 1312، 1317، 1318، 1319، 1321، 1322، 1328، 1329، 1331، 1332، 1334، 1336، 1337، 1338، 1342، 1343، 1344، 1349، 1350، 1351، 1352، 1353، 1359، 1366، 1372، 1376، 1377، 1378، 1379، 1380.(2/215)
(112) الحديث عن عبد الله بن شديد عن أبيه شداد بن الهاد رضي الله عنه في: سنن النسائي 2/182 (كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة) ونصه فيه: خرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضعه ثم كبّر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك. قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/493-494 .
(113) عن الزبير بن العوام رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/307 (كتاب المناقب، باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه) قال: كان على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة، فلم يستطع، فأقعد تحته طلحة فصعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى استوى على الصخرة. قال: فسمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أوجب طلحة" قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب" والحديث في: المسند (ط. المعارف) 3/12 (وصححه أحمد شاكر رحمه الله)؛ سيرة ابن هشام 3/91-92 .(2/216)
(114) هذه العبارة جزء من حديث طويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه جاء في ثلاثة مواضع في: البخاري 3/184-185 (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح عليه فلان بن فلان...) وهو حديث صلح الحديبية وأوله: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: لما صالح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أهل الحديبية كتب عليّ بينهم كتاباً..... وفيه: قال: "أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله" وآخر الحديث: "فخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فتبعتهم ابنة حمزة فقالت: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذها بيدها، وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال عليّ: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لخالتها، وقال: "الخالة بمنزلة الأم". وقال لعلي: "أنت مني وأنا منك". وقال لجعفر: "أشبهت خلقي وخُلُقي". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".
وجاء الحديث أيضاً في البخاري 4/103-104 (كتاب الجزية والموادعة، باب المصالحة على ثلاثة أيام...) ولكن لم ترد فيه هذه العبارة، 5/141-142 (كتاب المغازي، باب عمرة القضاء).
وذكر البخاري هذه العبارة في أول باب مناقب علي بن أبي طالب من كتاب فضائل الصحابة 5/18 ولكنه لم يذكر الحديث كاملاً.
وجاءت هذه العبارة في أحاديث أخرى منها حديث عن حُبشيّ بن جُنَادة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/299-300 (كتاب المناقب، باب 85) ونصه: "علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي". وهذا الحديث في: سنن ابن ماجه 1/44 (المقدمة، باب فضل علي بن أبي طالب)، المسند (ط. الحلبي) 4/164-165.
وجاءت هذه العبارة في حديث آخر عن أسامة بن زيد في المسند (ط. الحلبي) 5/204. وانظر: الرياض النضرة للمحب الطبري 2/225-226 .(2/217)
(115) الحديث بألفاظ مقاربة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في البخاري 3/138 (كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهر..)، مسلم 4/1944-1945 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم). ومعنى "أرملوا في الغزو": أي فني طعامهم.
(116) 4/1918-1919 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه.
والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 4/421، 422، 425 .
(117) أورد ابن الجوزي هذا الجزء من حديث عمرو بن ميمون الموضوع في "الموضوعات" 1/364 وحكم عليه بالوضع 1/366 وذكر أن هذا الحديث من هذا الطريق وغيره حديث موضوع ثم قال: "فهذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر".
(118) الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 1/96-97 (كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد)، 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لو كنت متخذاً خليلاً). والحديث في مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم 4/1855-1856 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر..) ونص الشيخ أحمد شاكر على أن الحديث من رواية ابن عباس في مسلم وذلك عند ورود الحديث في المسند (ط. المعارف) 5/202 (حديث رقم 3580) كما جاء الحديث قبل ذلك عن ابن عباس في المسند (ط. المعارف) 4/143 (حديث رقم 2432) وجاءت قطعة منه 5/254 (حديث رقم 3689).
(119) جاء هذا الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 1/503 (رقم 521)، 1/524 (رقم 868) وقال المحقق 1/503: "موضوع وفيه متروكان متهمان بالوضع: طلحة وعبيدة".. وجاء الحديث في حق عثمان بن عفان رضي الله عنه في "الموضوعات" 1/334، "البداية والنهاية" 7/213 وغيرها من المراجع، وذكر المحقق أن هذا الحديث أيضاً موضوع.(2/218)
(120) يقول الأستاذ محب الدين الخطيب في تعليقه على "منهاج الاعتدال" ص312: "أخطب خوارزم أديب متشبع من تلاميذ الزمخشري، اسمه الموفق بن أحمد بن إسحاق (484-568ه) له ترجمة في "بغية الوعاة" 401 و"روضات الجنات" (الطبعة الثانية) 722 وغيرهما، وكتابه الذي كَذَب فيه هذا الخبر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اسمه "مناقب أهل البيت".. وانظر ترجمة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي في: الأعلام 8/289 وذكر الزركلي أن كتابه "مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" مطبوع.
(121) مسلم 4/1871 .
(122) ما ذكره ابن تيمية هنا جزء من حديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن عليّ وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم في: البخاري 4/200-201 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة)؛ مسلم 2/740-747 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، باب التحريض على قتل الخوارج). وانظر: جامع الأصول لابن الأثير 1-/436-440؛ سنن أبي داود 4/336 (كتاب السنة، باب في قتال الخوارج)؛ سنن ابن ماجه 1/60-61 (المقدمة، باب في ذكر الخوارج)؛ المسند (ط. الحلبي) 3/65، 68، 73، 353، 354-355 .
(123) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 1/110 (كتاب الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله) أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } [الحجرات: 2] حزن واحتبس عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقال كلاماً آخره.. فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد (بن معاذ) للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "بل هو من أهل الجنة". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/137، 145-146، 287 .(2/219)
(124) روي البخاري 5/37-38 (كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه) ومسلم 4/1930-1932 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه) حديثاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول فيه - وهذه رواية البخاري -: ما سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام.. الحديث كما رويا حديثاً آخر عن قيس بن عُبَاد ذكر فيه أنه كان في حلقة فيها قوم (عند مسلم: فيها سعد بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم). فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة. فسأله قيس عن ذلك فذكر له عبد الله بن سلام أنه رأى رؤيا قصها على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فأولها له وقال في آخر كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم: ".. وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال مستمسكاً بها حتى الموت".
(125) الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 8/158 (كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة).
(126) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه في: البخاري 2/10-11 (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد)، 9/156 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا..}، المسند (ط. الحلبي) 5/69 .
(127) الحديث مع اختلاف في الألفاظ - عن عوف بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 2/662-663 (كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة)؛ سنن النسائي 1/46 (كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البرد)، 4/59-60 (كتاب الجنائز، باب الدعاء)؛ المسند (ط. الحلبي) 6/23 .
(128) ذكر ابن الجوزي قسماً من هذا الحديث في "الموضوعات" 1/378-380 وقال: "هذا حديث موضوع لا أصل له" وانظر باقي كلامه. وقد ذكر كلاماً مماثلاً السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/361 .(2/220)
(129) لم أجد الحديث في مسلم مع طول بحثي عنه..
(130) 5/15-18 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب قصه البيعة) والكلام التالي ص17-18.
(131) البخاري 5/17 : فقال .
(132) البخاري : فقال .
(133) البخاري : إلى عبد الرحمن بن عوف .
(134) جاء جزء من هذا الحديث في: البخاري 2/103 (كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم).. والحديث في: البخاري 9/78 (كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس).
(135) البخاري: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر.
(136) البخاري: أولئك الرهط.
(137) الحديث عن نافع بن جبير (وهو تابعي) في: البخاري 4/53 (كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصه: قال سمعت العباس يقول للزبير رضي الله عنه: أهاهنا أمرك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟.
(138) الحديث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في: مسلم 3/1398-1400 (كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين)؛ المسند (ط. المعارف) 3/208-210. وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه: "والحديث رواه مسلم 2/10-61 من طريق يونس عن الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. وكذلك رواه الحاكم في المستدرك 3: 327 وزعم أن الشيخين لم يخرجاه، واستدرك عليه الذهبي بإخراج مسلم إياه". وهكذا لا نجد ما يدل على أن حديث العباس رواه البخاري ولعل ابن تيمية يقصد أن الحديث بمعناه من رواية البراء بن عازب في البخاري. وأما قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا" أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.(2/221)
(139) الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه في: البخاري 4/30-31 (كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره) ونصه.. قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنهما: أفررتم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حُنين؟ قال: لكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يفز، إن هوازن كانوا قوماً رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يفر، فلقد رأيته على بلغته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بلجامها، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب". والحديث في: مسلم 3/1400-1401 (الموضع السابق). وجاء الحديث عن البراء رضي الله عنه في مواضع أخرى في البخاري: 4/32 (كتاب الجهاد والسير، باب بغلة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم البيضاء)، 4/43 (كتاب الجهاد والسير، باب من صف أصحابه عند الهزيمة..)، 4/67 (كتاب الجهاد والسير، باب من قال خذها وأنا ابن فلان)؛ 5/153 (كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ..}. وانظر فتح الباري 8/28-32 .
(140) هذه العبارة في حديث العباس رضي الله عنه: مسلم 3/1398؛ المسند (ط. المعارف) 3/208 .
(141) الذي في "سيرة ابن هشام" 2/248 وفي "جوامع السيرة، ص102 أن الذي استعمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على المدينة في غزوة بُوَاط هو السائب بن عثمان بن مظعون. ولكن يذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/246: "وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ". وقال المقريزي في "إمتاع الأسماع" ص54: "واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، وقيل: السائب بن عثمان بن مظعون".
(142) انظر في ذلك (وهذه غزوة بدر الأولى): البداية والنهاية 3/247؛ إمتاع الأسماع، ص54، ابن هشام 2/251.(2/222)
(143) في: البداية والنهاية 3/346؛ إمتاع الأسماع ص55: ابن هشام 2/248؛ جوامع السيرة، ص102: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف في غزوة العشيرة على المدينة أبا سَلَمة بن عبد الأسد المخزومي.
(144) انظر في ذلك: جوامع السيرة، ص107؛ ابن هشام 2/263-264 .
(145) وتعرف بغزوة بني سُليم. قال ابن هشام 3/46 وابن حزم "جامع السيرة" ص152: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم. وقال المقريزي في "إمتاع الأسماع"، ص107: واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم.
(146) لم أجد الجزء الأول من هذا الحديث الموضوع، وأما الجزء الأخير منه وهو: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ" فوصفه بالوضع وتكلم على الكذّابين من رواته كل من ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/381-382؛ والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/364-365؛ وعلي القارئ في "الأسرار المرفوعة" ص384-385؛ وابن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة" 1/385؛ وابن العجلوني في "كشف الخفاء" 2/363-364.
(147) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: سنن الترمذي 3/60-61 (كتاب السير، باب في النفل) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". وهو في: سنن ابن ماجه 2/939 (كتاب الجهاد، باب السلاح). وجاء الحديث مطولاً في: المسند (ط. المعارف) 4/146-147. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "إسناده صحيح.. والحديث ذكره ابن كثير في التاريخ 4/11-12 من رواية البيهقي من طريق ابن وهب عن ابن أبي الزناد بأطول مما هنا.... ذو الفقار: بفتح الفاء، سمى بذلك لأنه كانت فيه حفر صغار حسان، والسيف المفقر: الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه".
(148) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في البخاري 5/32 (كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار)، مسلم 1/85 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار...)، المسند (ط. الحلبي) 3/130، 134، 249.(2/223)
(149) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: مسلم 1/86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان..)، سنن الترمذي 5/306 (كتاب المناقب، باب مناقب عليّ)، سنن ابن ماجه 1/42 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم..، فضل عليّ...)، المسند (ط. المعارف) 2/57. وهو في مواضع أخرى في المسند.
(150) هو شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو، ولد سنة 445 وتوفي سنة 509، مؤرخ ومحدث، له "تاريخ همذان" و"فردوس الأخيار" وهو كتاب كبير في الحديث اختصره ابنه شهردار، واختصر المختصر ابن حجر العسقلاني. انظر ترجمة شيرويه في: شذرات الذهب 4/23-24؛ الأعلام 3/268 .
(151) لم أجد هذا الحديث الموضوع ولكني وجدت حديثاً موضوعاً مقارباً ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 1-37 وهو: "حب عليّ بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب". وذكره أيضاً السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/355 .
(152) سبق الحديث فيما مضى.
(153) الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وجاء في البخاري في ثلاثة مواضع: 5/23 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب ذكر أسامة بن زيد)، 4/175 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان..) ونصه فيه:... أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت... وفيه:... فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "أتشفع في حد من حدود الله"؟ ثم قام فاختطب ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم..."، الحديث وهو في: البخاري 8/160 (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع)؛ مسلم 3/1315-1316 (كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره...)؛ سنن أبي داود 4/188 (كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه) وجاء الحديث في: سنن الترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي ومسند أحمد.(2/224)
(154) لم أجد الحديث الأول. أما الحديث الثاني فقد وصفه بالوضع وتكلم على رواته الوضاعين كل من: ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/382-383؛ والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/365-366؛ والشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص373. ولم ينقل ابن تيمية كعادته كلام ابن المطهر بنصه ثم يرد عليه ولكنه ذكر كلامه هنا مباشرة مع الرد عليه في نفس الوقت.
(155) الموضوعات 1/355-357 .
(156) ما بين النجمتين ساقط من "الموضوعات" وموجود في "تنزيه الشريعة"، "اللآلئ المصنوعة"، "الفوائد المجموعة".
(157) ص 356 .
(158) الموضوعات: عن علي بن الحسن.
(159) ترجمة فاطمة بنت علي بن أبي طالب في تهذيب التهذيب 12/443، الأعلام 5/328 .
(160) أي ابن الجوزي بعد ثلاثة أسطر.
(161) هذه العبارات ساقطة من "الموضوعات".
(162) هذه العبارات ساقطة من "الموضوعات".
(163) ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار في: تهذيب التهذيب 6/206-207 .
(164) الموضوعات 1/356 .
(165) الموضوعات: قال: حدثنا.
(166) الموضوعات: قال: حدثنا.
(167) بعد كلامه السابق مباشرة.
(168) الموضوعات: أبو حاتم الرازي.
(169) الموضوعات: قال المصنف قلت وأما أنا فلا أتهم بهذا إلا ابن عقدة.
(170) هذه العبارات في "الموضوعات" 1/357 بعد كلامه السابق بسبعة أسطر فيه: وقال ابن عدي سمعت أبا بكر بن أبي غالب.
(171) الموضوعات: لأنه كان يحمل شيوخنا...
(172) الموضوعات: وقد تيقّنّا ذلك منه في غير شيخ بالكوفة.
(173) الكلام بين النجمتين في "الموضوعات" ولكن اختلف ترتيبه واختلفت بعض ألفاظه. وهذا الحديث الموضوع في: تنزيه الشريعة 1/378-382؛ اللآلئ المصنوعة 1/336-338؛ الفوائد المجموعة، ص350 .(2/225)
(174) أبو هاشم - أو أبو عامر - إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، شاعر رافضي ولد سنة 105 واختلف في وفاته، قيل: إنه توفي سنة 173 وقيل سنة 178 وقيل سنة 179. قال عنه ابن حجر: "كان رافضياً خبيثاً. قال الدارقطني: كان يسب السلف في شعره ويمدح عليّاً رضي الله عنه". وعده الشهرستاني من المختارية الكيسانية أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي القائلين بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي رضي الله عنه. انظر ترجمته ومذهبه في: لسان الميزان 1/436-438؛ فوات الوفيات 1/32-36؛ البداية والنهاية 1-/173-174؛ روضات الجنات، ص29-31؛ الأعلام 1/320-321، الملل والنحل 1/133-134 .
(175) الحديث - مع اختلاف الألفاظ - عن أبي هريرة رضي الله عنه في موضعين في: البخاري 4/86 (كتاب فرض الخمس، باب حدثنا أبو اليمان..)، 7/12 (كتاب النكاح، باب من أحب البناء قبل الغزو). وجاء في هذا الموضع مختصراً. والحديث أيضاً في: مسلم 3/1366-1367 (كتاب الجهاد والسير، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة)؛ المسند (ط. المعارف) 16/102-103 .
(176) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ - عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 5/112 (كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الأحزاب....) 2/15 مسلم 3/1391 (كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو...) وفيه: أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة.(2/226)
(177) جاءت أحاديث عديدة ذكرت انشقاق القمر عن عدد من الصحابة منها في: البخاري 4/206-207 (كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم آية فأراهم انشقاق القمر) وفي هذا الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس رضي الله عنهم. وتكررت هذه الأحاديث في: البخاري 5/49 (كتاب مناقب الأنصار، باب انشقاق القمر) ونص حديث أنس هو: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يريهم آية فأراهم القمر شِقّين حتى رأوا حراء بينهما. وأما حديث عبد الله بن مسعود فهو: انشق القمر ونحن مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى فقال: "اشهدوا" وذهبت فرقة نحو الجبل. وأما حديث ابن عباس فهو: أن القمر انشق على زمان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وجاءت أحاديث انشقاق القمر أيضاً في: البخاري 6/142-143 (كتاب التفسير، سورة اقتربت الساعة)؛ مسلم 4/2158-2159 (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر)؛ سنن الترمذي 5/71-73 (كتاب التفسير، سورة القمر) وفي هذا الباب أيضاً عن ابن عمر وجبير بن مطعم وأبي هريرة رضي الله عنهم؛ المسند (ط. المعارف) 5/304، 6/12، 135، (ط. الحلبي) 3/165، 220، 275، 4/81-82 .
(178) لم أجد فيما بين يدي من مراجع شيئاً عن المؤلف أو عن الكتاب.
(179) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: الذي تفوته صلاة العصر.. إلخ في: البخاري 1/111 (كتاب المواقيت، باب إثم من فاتته العصر)، مسلم 1/435 (كتاب المساجد...، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر)، 1/436 (بلفظ: من فاتته...) والحديث في مواضع أخرى في البخاري ومسلم وفي كتب السنن وفي الموطأ والمسند.(2/227)
(180) الحديث عن عليّ رضي الله عنه في: البخاري 4/43-44 (كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة...)؛ مسلم 1/436-437 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) الأحاديث 202-206؛ سنن الترمذي 4/286 (كتاب التفسير، سورة البقرة حديث 4068)؛ المسند (ط. المعارف) 2/31، 46، 177، 213 .
(181) جاء الحديث - مع اختلاف في الألفاظ - عن جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو بريدة وسلم رضي الله عنهم في: البخاري 5/18 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي بن أبي طالب)، مسلم 4/1871-1872 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب)، الترمذي 5/301-302 (كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب)، سنن ابن ماجه 1/43-44 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله...، فضل علي ...)، المسند (ط. المعارف) 3/97-98، (ط. الحلبي) 5/353-354، 358-359 .
(182) فضيل بن مرزوق الأغر الراقشي الكوفي. ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/298-300؛ ميزان الاعتدال 3/362-363. وقال الذهبي عنه: "وثّقه سفيان بن عيينه وابن معين، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس، وقال النسائي: ضعيف وكذا ضعفه عثمان بن سعيد. قلت: وكان معروفاً بالتشيع من غير سبّ".
(183) ذكر هذه العبارات نقلاً عن ابن حبّان ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 7/299 .
(184) في كتابه "الجرح والتعديل" ق2 م3 ص75 (ط. حيدر آباد 1361/ 1942).
(185) ترجمته في: ميزان الاعتدال 1/531-532، تهذيب التهذيب 2/335-337. واسمه الكامل الحسين بن الحسن الأشقر الفزاري الكوفي. قال ابن حجر: "قال البخاري: فيه نظر، وقال مرة: عنده مناكير".
(186) في ميزان الاعتداء 1/531: "وقال ابن عدي: جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات على حسين الأشقر، على أن في حديثه بعض ما فيه. وذكر له مناكير، قال في أحدهما: البلاء عندي من الأشقر".(2/228)
(187) انظر ترجمة عمّار بن مطر ويكنى أبا عثمان الرهاوي في: ميزان الاعتدال 3/169-170، لسان الميزان 4/275-276. وقال ابن حجر بعد أن أورد حديث رد الشمس عن طريقه: "وقد روى ابن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لن ترد الشمس إلا على يوشع بن نون". وقال الذهبي - ونقل عنه ابن حجر - عن عمّار بن مطر: "هالك وثقه بعضهم، ومنهم من وصفه بالحفظ". وقال الذهبي: "قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بمناكير".
وذكر أبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" م3 ق1 ص394 - ونقل كلامه الذهبي وابن حجر -: "كان يكذب".
(188) هو عبد الله بن موسى بن أبي المختار، واسمه باذام العبسي. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 7/50-53 وفيه: "وقال ابن سعد: مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين... وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيد الله بن موسى من المتروكين، تركه أحمد لتشيعه... وقال ابن قانع: كوفي صالح يتشيع، وقال الساجي: كان يفرط في التشيع". وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/16: "... وقال أبو داود: كان شيعياً متحرقاً".
(189) انظر ما ذكرته عن عبيد الله بن موسى العبسي قبل قليل.
(190) لم أجد الرجل فيما بين يديّ من مراجع.
(191) انظر هذا الأقوال وغيرها من علي بن هاشم بن البريد في: ميزان الاعتدال 3/160، تهذيب التهذيب: 7/392-293 .
(192) ترجمة عبّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي، أبو سعيد الكوفي في: ميزان الاعتدال 2/379-380، تهذيب التهذيب 5/109-110، وفيها هذه الأقوال مفصلة.(2/229)
(193) ابن عقدة هو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة أبو العباس. قال الذهبي: شيعي متوسط، ضعفه غير واحد وقواه آخرون... وقال أبو عمر بن حيوة: كان ابن عقدة يملي مثالب الصحابة، أو قال: مثالب الشيخين، فتركت حديثه.. مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة عن أربع وثمانية سنة، انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1/136-138، لسان الميزان 1/263-266 .
(194) كلام ابن تيمية يدل على أن السند الأخير للحديث يبدأ هكذا: حدثني عمرو بن ثابت حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن ... إلخ .
(195) هذه القوال ذكرها الذهبي في ترجمة أبي المقدام عمرو بن ثابت بن هرمز الكوفي، يكنى أبا ثابت، وذكر الذهبي أيضاً: "وقال أبو داود: رافضي". وقال أبن أبي حاتم: "سألت أبي عن عمرو بن ثابت بن أبي المقدام فقال: ضعيف الحديث يكتب حديثه، كان رديء الرأي شديد التشيع". انظر الجرح والتعديل ق1 م3 ص223، ميزان الاعتدال 3/249/250، تهذيب التهذيب 8/9-10.
(196) في كتابه "مشكل الآثار" 2/11، ط. حيدر آباد الدكن، 1333 .
(197) مشكل الآثار: وقد حكى عليّ بن عبد الرحمن بن المغيرة، عن أحمد بن صالح أنه كان يقول...
(198) مشكل الآثار: عن حفظ حديث أسماء الذي روى لنا عنه لأنه من أجل علامات النبوة.(2/230)
(199) هو أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي، الفقيه الإمام الحافظ، انتهت إليه رياسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ في طحا من صعيد مصر. ولد سنة 239 وتوفي بالقاهرة سنة 321. من مصنفاته "شرح معاني الآثار"، "المختصر في الفقه" و"مناقب أبي حنيفة" و"مشكل الآثار" انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ 3/808-810، الجواهر المضية 1/102-105، وفيات الأعيان 1/53-55، لسان الميزان 1/274-282، الأعلام 1/197. وانظر ما نقله ابن حجر عن البيهقي في "لسان الميزان" 1/277: "وقال البيهقي في المعرفة بعد أن ذكر كلاماً للطحاوي في حديث مس الذكر فتعقبه قال: أردت أن أبين خطأه في هذا، وسكت عن كثير من أمثال ذلك، فإن في كلامه أن علم الحديث لم يكن من صناعته، وإنما أخذ الكلمة بعد الكلمة من أهله ثم لم يحكمها".
(200) أبو حنيفة النعمان بن ثابت إمام الحنيفة، أحد الأئمة الأربعة، أصله من أبناء فارس، ولد بالكوفة سنة 80 وتوفي سنة 150. انظر ترجمته في: تاريخ بغداد 13/323-423، الجواهر المضية 1/26-32، وفيات الأعيان 5/39-47، الأعلام 9/4-5 .
(201) عرف باسم محمد بن نعمان أكثر من واحد، ولعل المقصود هو: محمد بن النعمان بن بشير الأنصاري. ترجمته في: تهذيب التهذيب 9/492 .
??
??
??
??(2/231)
الإمَامَةُ
في ضَوءِ الكتابِ والسُّنَّة
لشيخ الإسلام ابن تيمية
ولد سنة 661ه توفي سنة 728ه
رضي الله عنه
الجزء الثاني
جمع وتقديم وتعليق
محمد مال الله
الفصل الأول
بيان كذب ووضع الرافضي لحديث جمعه - صلى الله عليه وسلم -
أربعين رجلاً من بني عبد المطلب
قال الرافضي: "المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة، المنقولة عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الأول: ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] جمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلاً، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مُدٍّ من البر ويعدّ لهم صاعاً من اللبن، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد، ويشرب الفَرَق من الشراب في ذلك المقام، فأكلت الجماعة كلهم من الطعام اليسير حتى شبعوا، ولم يتبين ما أكلوه، فبهرهم النبي صلَّى الله عليه وآله بذلك، وتبين لهم آية نبوته، فقال: يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر، ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي من بعدي. فلم يجبه أحد منهم. فقال أمير المؤمنين: أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر. فقال: اجلس. ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا. فقال عليّ: فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس، ثم أعاد القول ثالثة، فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقمت فقلت: أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر. فقال: اجلس فأنت أخي ووزيري، ووصيي ووارثي، وخليفتي من بعدي. فنهض القوم وهو يقولون لأبي(3/1)
طالب: ليهنك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك، فقد جعل ابنك أميراً عليك".
والجواب من وجوه: الأول: المطالبة بصحة النقل. وما ادّعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث، فإن هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل: لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازي والتفسير التي يُذكر فيها الإسناد الذي يُحتج به(1)، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي يُنقل منها الصحيح والضعيف، مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي، بل وابن جرير وابن أبي حاتم،لم يكن مجرد رواية واحدٍ من هؤلاء، دليلاً على صحته باتفاق أهل العلم؛ فإنه إذا عُرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف.
__________
(1) انظر كلام ابن تيمية التالي بعد صفحات، ويذكر فيها ورود هذا الحديث الموضوع في تفسير الطبري. ولم أجد الحديث في كتب السنة التي رجعت إليها.(3/2)
وهذا الحديث غايته أن يُوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والسمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أن كتب التفسير التي يُوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي، يُنقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك، ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذُكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها، وإن كان بعض ذلك هو صحيح وبعضه كذب، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحدٌ بذكر بعض ما نُقل في تفسير الآية من المنقولات، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك، كان هذا من أفسد الحجج، كمن احتجّ بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، وقد ناقضه عدولٌ كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحدٍ لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه، ويدع روايات كثيرين عدول، وقد رووا ما يناقض ذلك.
بل لو قُدِّر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة، وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك، لوجب النظر في الروايتين: أيهما أثبت وأرجح؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة، بل هذا الحديث مناقض لِمَا عُلم بالتواتر، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل.
الثاني: أنّا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين: إما بإسنادٍ يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع، ولو أنه مسألة فرعية، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم.(3/3)
فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع، لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يُعلم أنه مسند إسناداً تقوم به الحجة، أو يصححه من يُرجع إليه في ذلك. فأما إذا لم يُعلم إسناده، ولم يثبته أئمة النقل، فمن أين يُعلم؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يُبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها، ويُتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة، فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يُعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالماً صححه.
الثالث: أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يُرجع إليها في المنقولات، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب.
وقد رواه ابن جرير والبغوي بإسنادٍ فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد، أبو مريم الكوفي(1) وهو مجمع على تركه، كذَّبه سماك بن حرب وأبو داود، وقال أحمد: "ليس بثقةٍ، عامة أحاديثه بواطيل. قال يحيى: ليس بشيء. قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال النسائي وأبو حاتم: متروك الحديث. وقال ابن حبان البستي: كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر، وهو مع ذلك يقلب الأخبار، لا يجوز الاحتجاج به، وتركه أحمد ويحيى"(2).
__________
(1) قال الطبري في تفسيره (ط. بولاق) 19/74: "قال: حدثنا سلمة، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد الغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن علي بن أبي طالب: لما نزلت هذه الآية... إلخ.
(2) انظر ترجمة أبي مريم عبد الغفار بن القاسم في: ميزان الاعتدال (2/640-641)، لسان الميزان (4/42-43). وذكر الحديث الموضوع ابن كثير في تفسيره (ط. الشعب) 6/180 نقلاً عن الطبري وقال: "تفرد بهذا السياق عبد الغفار بن القاسم أبي مريم، وهو متروك كذّاب شيعي، اتهمه عليّ بن المديني وغيره بوضع الحديث، وضعّفه الأئمة رحمهم الله".(3/4)
ورواه ابن أبي حاتم، وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس، وهو ليس بثقة. وقال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء رافضي خبيث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: ضعيف(1).
وإسناد الثعلبي أضعف، لأن فيه من لا يعرف، وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة.
الرابع: أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلاً حين نزلت هذه الآية، فإنها نزلت بمكة في أول الأمر. ثم ولا بلغو أربعين رجلاً في مدّة حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن بني عبد المطلب لم يُعقِب منهم باتفاق الناس إلا أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب. وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة، وهم بنو هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة: العباس، وحمزة، وأبو طالب، وأبو لهب، فآمن اثنان، وهما حمزة والعباس، وكفر اثنان، أحدهما نصره وأعانه، وهو أبو طالب، والآخر عاداه وأعان أعدائه، وهو أبو لهب.
وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين: طالب، وعقيل، وجعفر، وعليّ. وطالب لم يدرك الإسلام، وأدركه الثلاثة، فآمن عليّ وجعفر في أول الإسلام، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة، ثم إلى المدينة عام خيبر.
__________
(1) هو عبد الله بن عبد القدوس التميمي الرازي، قال عنه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (ق2 م1 ص104): "روى عن الأعمش وعبيد المكتب وعبيد الملك بن عمير وليث بن أبي سليم، وروى عنه سعيد بن سليمان.." وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 2/457: "كوفي رافضي، نزل الري، روى عن الأعمش وغيره. قال يحيى: ليس بشيء، رافضي خبيث، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة، وقال الدارقطني. وقال أبو معمر: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، وكان خشبياً".(3/5)
وكان عقيل قد استولى على رباح بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها، ولهذا لما قيل للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حجته: "ننزل غداً في دارك بمكة" قال: ”وهل ترك لنا عقيل من دار“؟(1).
وأما العباس فبنوه كلهم صغار، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل.
وهب أنهم كانوا رجالاً فهم: عبد الله، وعبيد الله، والفضل، وأما قثم فولد بعدهم، وأكبرهم الفضل، وبه كان يُكَنَّى. وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين، ولم يولد للعباس في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا الفضل وعبد الله وعُبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده.
وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل، والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة، وكلاهما تأخر إسلامه، وكان من مسلمة الفتح.
__________
(1) الحديث عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما في: البخاري 2/147 (كتاب الحج، باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها) ونصه.. أنه قال: يا رسول الله أين ننزل في دارك بمكة؟ فقال: "وهل ترك عقيل من رباع أو دور"؟ وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب، ولم يرثه جعفر ولا عليّ رضي الله عنهما شيئاً، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين.. إلخ. والحديث في: مسلم 2/984-985 (كتاب الحج، باب النّزول بمكة للحاج وتوريث دورها)، سنن ابن ماجه 2/912 (كتاب الفرائض، باب ميراث أهل الإسلام من أهل الشرك).(3/6)
وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح، وكان له ثلاثة ذكور، فأسلم منهم اثنان: عتبة ومغيث، وشهد الطائف وحنيناً، وعتبة دعا عليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأكله الكلب، فقتله السبع بالزرقاء من الشام كفراً(1).
فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلاً، فأين الأربعون؟!
الخامس: قوله: "إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفَرَق من اللبن" فكذب على القوم، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل، ولا عُرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقاً.
__________
(1) جاء هذا الخبر في كتاب "الفصول في اختصار سيرة الرسول" لابن كثير، تحقيق الأستاذين محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، ص207، ط. بيروت، 1399-1400 ونصه: "دعا علي ابن أبي لهب، فسلّط اله عليه السَّبُع بالشام وفق دعائه عليه السلام" وعلق المحققان: "ابن أبي لهب: هو عتبة (كذا) بن العزى (أبو لهب)، والحديث رواه الحاكم وابن إسحاق من طرق صحيحة مسنده. انظر نسيم الرياض شرح كتاب الشفاء 3/126". ولم أجد الحديث في سيرة ابن هشام وهو في المستدرك للحاكم 2/539 في تفسير سورة أبي لهب ونصه: "كان لهب بن أبي لهب يسب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”اللهم سلّط عليه كلبك“ فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قالوا: ك. فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد، فانتزعه، فذهب به. قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.(3/7)
السادس: أن قوله للجماعة: "من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصي وخليفتي من بعدي" كلام مفترى على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لا يجوز نسبته إليه، فإن جرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين، وأعانوا على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته، وفارقوا أوطانهم، وعادوا إخوانهم، وصبروا على الشتات بعد الألفة، وعلى الذل بعد العز، وعلى الفقر بعد الغنى، وعلى الشدة بعد الرخاء، وسيرتهم معروفة مشهورة، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له.
وأيضاً فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلاً أمكن أن يجيبوه – أو أكثرهم أو عدد منهم – فول أجابه منهم عدد من كان الذي يكن الخليفة بعده؟ أيعيّن واحداً بلا موجب؟ أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة، والأخوة والمؤازرة، إلا بأمر سهل، وهو الإجابة إلى الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر. وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة، إلا وله من هذا نصيب وافر، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق، فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟!
السابع: أن حمزة وجعفراً وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه عليّ من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنين أربعين رجلاً، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان اجتماع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم به في دار الأرقم، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة، فإن أبا لهب كان مظهراً لمعاداة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولما حُصر بنو هاشم في الشِعب لم يدخل معهم أبو لهب.(3/8)
الثامن: أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا. ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة – واللفظ له – عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما نزلت: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قريشاً، فاجتمعوا، فخص وعم فقال: "يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار. فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها"(1).
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 6/111-112 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، مسلم 1/192 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، المسند (ط. الحلبي) 2/333، 360، 519 .(3/9)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً لَمَّا نزلت هذه الآية قال: "يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً. سلاني ما شئتما من مالي"(1) وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو(2)، ومن حديث عائشة وقال فيه: "قام على الصفا"(3).
وقال في حديث قبيصة: "انطلق إلى رضمة من جبل، فعلا أعلاها حجراً، ثم نادى: يا بني عبد مناف إني لكم نذير، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق بربأ أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتف: يا صباحاه"(4).
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/6-7 (كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب)، 4/185 (كتاب المناقب، باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية)، 6/112 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، مسلم 1/192-193 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}. والحديث في سنن النسائي والدارمي والمسند.
(2) الحديث في: مسلم في الموضع السابق 1/193 (رقم 353، 354).
(3) الحديث في: مسلم 1/192 (الموضع السابق) حديث رقم 350 .
(4) الحديث هو حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو السابق، وابن المخارق هو قبيصة بن المخارق. والرضمة: حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الأرض كأنها منثورة، وعبارة "فعلا أعلاها حجراً": أي فرقي في أرفعها، وكلمة "يربأ" على وزن يقرأ: معناه: يحفظهم ويتطلع لهم، ويقال لفاعل ذلك؛ ربيئة. وكلمة "واصباحاه" هي كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم، فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له.(3/10)
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: "لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى صعد الصفا، فهتف: ”يا صباحاه“ فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فجعل ينادي: ”يا بني فلان، يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب“ وفي رواية: ”يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان“ لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً ينظر ما هو، فاجتمعوا فقال: ”أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدّقي“؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: ”فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد“ قال: فقال أبو لهب: تبّاً لك أما جمعتنا إلا لهذا؟ فقام فنزلت هذه السورة: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } [المسد: 1](1).
وفي رواية: "”أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبّحكم ويمسّيكم أكنتم تصدّقوني“؟ قالوا: بلى"(2).
فإن قيل: فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنِّفين في الفضائل، كالثعلبي والبغوي وأمثالهما والمغازلي.
__________
(1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما – مع اختلاف في الألفاظ – في: البخاري 6/111 (كتاب التفسير، سورة الشعراء)، 6/122 (كتاب التفسير، سورة سبأ)، 6/179-180 (كتاب التفسير، سورة تبت يدا أبي لهب وتب)، مسلم 1/193-194 (كتاب الإيمان، باب في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}، سنن الترمذي 5/121 (كتاب التفسير، ومن سورة تبت)، المسند (ط. المعارف) 4/186، 286 .
(2) هذه الرواية جزء من حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 6/122 (كتاب التفسير، سورة سبأ)، 6/180 (كتاب التفسير، سورة تبت يدا أبي لهب وتب).(3/11)
قيل له: مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث، فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يُعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب، بل فيها ما يُعلم بالاضطرار أنه كذب. والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق، ومحمد بن يحيى الذهلي، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، وأبي عبد الله بن منده، والدارقطني، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم.
وقد صنَّفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم، وذكروا أخبارهم وأخبار من أخذوا عنه، ومن أخذ عنهم، مثل كتاب "العلل وأسماء الرجال" عن يحيى القطَّان، وابن المديني، وأحمد، وابن معين والبخاري، ومسلم، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والترمذي، وأحمد بن عدي، وابن حبان، وأبي الفتح الأزدي، والدارقطني وغيرهم.
وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة، ومن الموضوع فيه من الأحاديث التي في فضائل السور: سورة سورة.
وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي(1)، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث. وكذلك غير هذا.
__________
(1) ذكر الزمخشري هذا الحديث بمعناه مختصراً في تفسير "الكشاف" 3/131 (ط. مصطفى الحلبي 1385/ 1966) عند تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214).(3/12)
وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي. والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي، لكنهما أخبر بأقوال المفسرين منه، والواحدي أعلم بالعربية من هذا وهذا، والبغوي أتبع للسنة منهما.
وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يُوجب له أن كل ما رواه صدق، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذباً، بل الاعتبار بميزان العدل.
وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: في الأصول، والأحكام، والزهد، والفضائل، ووضعوا كثيراً من فضائل الخلفاء الأربعة، وفضائل معاوية.
ومن الناس من يكون قصده رواية ما رُوي في الباب، من غير تمييز بين صحيح وضعيف، كما فعله أبو نُعيم في فضائل الخلفاء وكذلك غيره ممن صنَّف في الفضائل، ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو علي الأهوازي وغيرهما في فضائل معاوية، ومثل ما جمعه النسائي في فضائل عليّ، وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل عليّ وغيره، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه، فلا يجوز أن يُجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم.
وأما من يذكر الحديث بلا إسناد من المصنّفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة، ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك.
الفصل الثاني
بيان أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه صلَّى الله عليه وسلَّم(3/13)
قال الرافضي: الثاني: الخبر المتواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أنه لَمّا نزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] خطب الناس في غدير خُم وقال للجمع كله: يا أيها الناس ألست أولى منكم بأنفسكم؟ قالوا: بلى. قال: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه. اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. فقال عمر: بخٍ بخٍ، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: ألست أولى منكم بأنفسكم؟.
والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم، وبيَّنّا أن هذا كذب، وأن قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة.
ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج، وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث. ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولاً قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } [المائدة: 3] وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم واقف بعرفة، كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن، وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم.
وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام، فكيف يكون قوله: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } [المائدة: 67] نزل ذلك الوقت، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك، وهي من أوائل ما نزل بالمدينة، وإن كان ذلك في سورة المائدة، كما أن فيها تحريم الخمر، والخمر حُرِّمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد.(3/14)
وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله: { فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } [المائدة: 42]. وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين، وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء، ورجم اليهوديين كان أول ما فعله بالمدينة، وكذلك الحكم بين قريظة والنضير، فإن بني النضير أجلاهم قبل الخندق، وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق.
والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية، وقبل فتح خيبر، وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين، وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير.
فمن قال: إن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم.(3/15)
وأيضاً فإن الله تعالى قال في كتابه: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67] فضمن له سبحانه أنه يعصمه من الناس إذا بلَّغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء، ولهذا روي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان قبل نزول هذه الآية يُحرس، فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك(1).
وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ، وفي حجة الوداع تم التبليغ.
__________
(1) الحديث عن عائشة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 4/317 (كتاب تفسير القرآن، باب سورة المائدة) ونصه: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُحرس حتى نزلت هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فأخرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأسه من القبة، فقال لهم: ”يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله“ قال الترمذي: "هذا حديث غريب، وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق. قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُحرس، ولم يذكروا فيه عائشة". وذكر ابن كثير الحديث في تفسيره وقال إن ابن أبي حاتم رواه عن عائشة وذكر رواية الترمذي له ثم قال: "وهكذا رواه جرير والحاكم في مستدركه من طريق مسلم بن إبراهيم به، ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وكذا رواه سعيد بن منصور عن الحارث بن أبي قدامة الأبادي عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة به". وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "عمدة التفسير عن ابن كثير" (4/193): "إسناده صحيح، وهو في الترمذي (4/96)، والطبري: (76/122). والحاكم (2/313) ووافقه الذهبي على تصحيحه، ورواه بعضهم مرسلاً – عند الطبري وغيره – وأشار الترمذي إلى ذلك، وما هذه بعلة تقدح في صحة الموصول".(3/16)
وقال في حجة الوداع: ”ألا هل بلغت ألا هل بلغت“؟ قالوا: نعم. قال: ”اللهم اشهد“ وقال لهم: ”أيها الناس إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله. وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون“؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول: ”اللهم اشهد، اللهم اشهد“ وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره من الأحاديث الصحيحة(1).
وقال: ”ليبلِّغ الشاهد الغائب، فربَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامع“(2).
فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم، فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع، لأنه قد بلَّغ قبل ذلك، لأنه حينئذ لم يكن خائفاً من أحدٍ يحتاج أن يُعصم منه، بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مُسِرُّون للنفاق، ليس فيهم من يحاربه، ولا من يخاف الرسول منه. فلا يُقال له في هذه الحال: { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [المائدة: 67].
__________
(1) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: مسلم 2/890 (كتاب الحج، باب حجة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. الحلبي) 4/367 .
(2) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه في: البخاري 2/176-177 (كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى) وهو بمعناه في: البخاري 1/20 (كتاب العلم، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: رُبّ مبلغ أوعى من سامع).(3/17)
وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في حجة الوداع، فإن كثيراً من الذين حجُّوا معه – أو أكثرهم – لم يرجعوا معه إلى المدينة، بل رجع أهل مكة إلى مكة، وأهل الطائف إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم. وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريباً منها.
فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه، كالذي بلَّغه في الحج، لبلَّغه في حجة الوداع كما بلَّغ غيره، فلما لم يذكر في حجة الوداع إمامةً ولا ما يتعلق بالإمامة أصلاً، ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه في حجة الوداع ذكر إمامة عليّ، بل ولا ذكر عليّاً في شيء من خطبته، وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام، عُلم أن إمامة عليّ لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه، بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يُذكر في إمامته.
والذي رواه مسلم أنه بغدير خم قال: ”إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله“ فذكر كتاب الله وحضَّ عليه ثم قال: ”وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي“ ثلاثاً. وهذا مما انفرد به مسلم(1)، ولم يروه البخاري، وقد رواه الترمذي وزاد فيه: ”وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض“(2).
__________
(1) مسلم 4/1873-1874 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه).
(2) الحديث بألفاظ مقاربة عن زيد بن أرقم وأبي سعيد الخدري وزيد بن ثابت رضي الله عنهم في: سنن الترمذي 5/328-329 (كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. الحلبي) 3/14، 17، 26، 59، 15/181-182، 189-190. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".(3/18)
وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة، وقال: إنها ليست من الحديث. والذين اعتقدوا صحتها قالوا: إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة. وهذا قاله طائفة من أهل السنة، وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره.
والحديث الذي في مسلم، إذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد قاله، فليس فيه إلا الوصية باتِّباع كتاب الله. وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك، وهو لم يأمر باتباع العترة، ولكن قال: ”أذكركم الله في أهل بيتي“ وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم، والامتناع من ظلمهم، وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خُم.
فعلم أنه لم يكن في غدير خُم أمر يشرع نزل إذ ذاك، لا في حق عليّ ولا غيره، لا إمامته ولا غيرها.
لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”من كنت مولاه فعليّ مولاه“. وأما الزيادة وهي قوله: ”اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه..“ إلخ، فلا ريب أنه كذب(1)
__________
(1) قال أبو عبد الرحمن: الحق خلاف ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية رحمة الله عليه، والزيادة التي ذكرها ابن تيمية صحيحة. وقد أفاض العلامة الألباني – حفظه الله تعالى – في تخريج حديث الموالاة، واذكر كلامه بتمامه – لينتفع به طلبة العلم – ثم أعقب على كلامه بما يتيسر، وهذا التعقيب – رغم احترامي وتقديري لفضيلته – إنما هو محاولة إثبات أن ابن تيمية رحمه الله تعالى لم ينفرد بتضعيف حديث الموالاة وتلك الزيادة التي ذكرها رحمه الله تعالى.
قال العلامة الألباني – حفظه الله تعالى – في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" ج4 ص330 وما بعدها، بعد أن أورد حديث الموالاة:
ورد من حديث زيد بن أرقم، وسعد بن أبي وقاص، وبريدة بن الحصيب، وعليّ بن أبي طالب، وأبي أيوب الأنصاري، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد، وأبي هريرة.
1 - حديث زيد، وله عنه طرق خمس:
الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع، ونزل غدير (خُم)، أمر بدوحات فقُمِمنَ، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: ”إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن“. ثم إنه أخذ بيد عليّ رضي الله عنه فقال:
”من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه“.
أخرجه النسائي في "خصائص عليّ" (ص15) والحاكم (3/109) وأحمد (1/118) وابن أبي عاصم (1365) والطبراني (4969-4970) عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عنه، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
قلت: سكت عنه الذهبي، وهو كما قال لولا أن حبيباً كان مدلساً، وقد عنعنه. لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال: "جمع عليّ رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، (وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: ”أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم“؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ”من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه“.
قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليّاً يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول ذلك له".
أخرجه أحمد (4/370) وابن حبان في "صحيحه" (2205 – موارد الظمآن) وابن أبي عاصم (1367 و1368) والطبراني (4968) والضياء في "المختارة" (رقم 527 بتحقيقي).
قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري.
وقال الهيثمي في "المجمع" (9/104): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة".
وتابعه سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم – شك شعبة – عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم به مختصراً: ”من كنت مولاه، فعلي مولاه“.
أخرجه الترمذي (2/298) وقال: "حديث حسن صحيح".
قلت: وإسناده على شرط الشيخين.
وأخرجه الحاكم (3/109-110) من طريق محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم به مطولاً نحو رواية حبيب دون قوله: "اللهم والِ....". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
ورده الذهبي بقوله: "قلت: لم يخرجا لمحمد، وقد وهاه السعدي".
قلت: وقد خالف الثقتين السابقين فزاد في السند ابن واثلة، وهو من أوهامه. وتابعه حكيم بن جبير – وهو ضعيف – عن أبي الطفيل به. أخرجه الطبراني (4971).
الثانية: عن ميمون أبي عبد الله به نحو حديث حبيب. أخرجه أحمد (4/372) والطبراني (5092) من طريق أبي عبيد عنه. ثم أخرجه من طريق شعبة، والنسائي (ص16) من طريق عوف كلاهما عن ميمون به دون قوله: "اللهم وال" إلا أن شعبة زاد: "قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: اللهم...).
وقال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار، وفيه ميمون أبو عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة". قلت: وصحح له الحاكم (3/125).
الثالث: عن أبي سليمان (المؤذن) عنه قال: "استشهد عليّ الناس. فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه"، قال: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا". أخرجه أحمد (5/370) وأبو القاسم هبة الله البغدادي في الثاني من "الأمالي" (ق20/2) عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عنه. قال أبو القاسم: "هذا حديث حسن، صحيح المتن". وقال الهيثمي (9/107): "رواه أحمد وفيه أبو سليمان، ولم أعرفه إلا أن يكون بشير بن سليمان، فإن كان هو فهو ثقة، وبقية رجاله ثقات". وعلق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: "أبو سليمان هو زيد بن وهب كما وقع عند الطبراني".
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، لكن وقع عند أبي القاسم تلك الزيادة "المؤذن"، ولم يذكروها في ترجمة زيد هذا، فإن كانت محفوظة، فهي فائدة تلحق بترجمته.
لكن أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وفي "التقريب": "صدوق سيئ الحفظ".
قلت: فحديثه حسن في الشواهد. ثم استدركت فقلت: قد أخرجه الطبراني أيضاً (4996) من الوجه المذكور لكن وقع عنده: "عن أبي سليمان المؤذن" بدون المثناة بين اللام والميم، وهو الصواب فقد ترجمه المزي في "التهذيب" فقال: "أبو سليمان المؤذن: مؤذن الحجاج، اسمه يزيد بن عبد الله، يروي عن زيد بن أرقم، ويروي عنه الحكم بن عتيبة وعثمان بن المغيرة الثقفي ومسعر بن كدام، ومن عوالي حديثه ما أخبرنا..". ثم ساق الحديث من الطرق المذكورة. وقال: "ذكرناه للتمييز بينهما". يعني: أن أبا سليمان المؤذن هذا هو غير أبي سليمان المؤذن، قيل: اسمه همام... الذي ترجمه قبل هذا، وهذه فائدة هامة لم يذكرها الذهبي في كتابه "الكاشف".
قلت: فهو إذن أبو سلمان وليس (أبو سليمان)، وبالتالي فليس هو زيد بن وهب كما ظن الحافظ، وإنمايزيد بن عبد الله كما جزم المزي، وإن مما يؤيد هذا أن الطبراني أورد الحديث في ترجمة (أبو سلمان المؤذن عن زيد بن أرقم) وساق تحتها ثلاثة أحاديث هذا أحدهما.
نعم وقع عنده (4985) من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي: حدثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب عن زيد بن أرقم... وهذه الرواية هي التي أشار إليها الحافظ واعتمد عليها في الجزم بأنه أبو سليمان زيد بن وهب، وخفي عليه أن فيها إسماعيل بن عمرو البجلي، وهو ضعيف، ضعفه أبو حاتم والدارقطني كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "اللسان".
الرابعة: عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال: "خرجنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى انتهينا إلى غدير (خم)...". الحديث نحو الطريق الأولى، وفيه: "يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله..". الحديث.
وفيه حديث الترجمة دون قوله: "اللهم والِ....". أخرجه الطبراني (4986) ورجاله ثقات.
الخامسة: عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم... فذكره بنحوه دون الزيادة إلا أنه قال: "قال: فقلت له: هل قال: اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت". أخرجه أحمد 4/368 والطبراني (5068-5071) ورجاله ثقات، رجال مسلم غير عطية، وهو ضعيف. وله عند الطبراني (4983 و5058 و5059) طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
2 - سعد بن أبي وقاص، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن عبد الرحمن بن سابط عنه مرفوعاً بالشطر الأول فقط. أخرجه ابن ماجه (121). قلت: وإسناده صحيح.
الثانية: عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه به. أخرجه النسائي في "الخصائص" (16) وإسناده صحيح أيضاً، رجاله ثقات رجال البخاري غير أيمن والد عبد الواحد، وهو ثقة كما في "التقريب".
الثالثة: عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه به وفيه الزيادة. أخرجه الحاكم (3/116) من طريق مسلم الملائي عنه.
قال الذهبي في "تلخيصه": "سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك".
3 - حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق:
الأولى: عن ابن عباس عنه قال:
خرجت مع عليّ رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فذكرت عليّاً، فتنقصته، فجعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يتغير وجهه، فقال: ”يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم“؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ”من كنت مولاه، فعلي مولاه“. أخرجه النسائي والحاكم (3/110) وأحمد (5/347) من طريق عبد الملك بن أبي غَنِيَّة قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور.
وابن أبي غَنِيَّة بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع في المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده، واسم أبيه حميد.
الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه:
"أنه مر على مجلس وهم يتناولون من عليّ فوقف عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على عليّ شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سرية عليها عليّ، وأصبنا سبياً، قال: فأخذ عليّ جارية من الخمس لنفسه، فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليّاً أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلاً مكباباً، قال: فرفعت رأسي، فإذا وجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد تغير، فقال.." فذكر الشطر الأول.
أخرجه النسائي وأحمد (5/350 و358 و361) والسياق له من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن كان عبد الله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده.
وأخرج ابن حبان (2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط.
الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله: "اللهم...".
أخرجه الطبراني في "الصغير" (رقم – 171 – الروض) و"الأوسط" (341) من طريقين عن عبد الرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات.
4 - عليّ بن أبي طالب، وله عنه تسعُ طرق:
الأولى: عن عمرو بن سعيد أنه سمع عليّاً رضي الله عنه وهو ينشد في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكر الشطر الأول) فقام ستة نفر فشهدوا.
أخرجه النسائي من طريق هانئ بن أيوب عن طاووس (الأصل: طلحة) عن عمرو بن سعيد (الأصل: سعد).
قلت: وهاني قال ابن سعد: فيه ضعف. وذكره ابن حبان في "الثقات" فهو ممن يستشهد به في الشواهد والمتابعات.
الثانية: عن زاذان بن عمر قال:
"سمعت عليّاً في الرحبة..." الحديث مثله. وفيه أن الذين قاموا فشهدوا ثلاثة عشر رجلاً.
أخرجه أحمد (1/84) وابن أبي عاصم (1372) من طريق أبي عبد الرحيم الكندي عنه.
قلت: والكندي هذا لم أعرفه، وبيض له في "التعجيل"، وقال الهيثمي: "رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم".
والثالثة والرابعة: عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يُيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم:
”أليس الله أولى بالمؤمنين“ قالوا: بلى، قال: ”اللهم من كنت مولاه...“ الحديث بتمامه.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد "المسند" (1/118) وعنه الضياء المقدسي في "المختارة" (456 بتحقيقي) من طريق شريك عن أبي إسحاق عنهما.
ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (16)، لكنه لم يذكر سعيد بن وهب في السند، وزاد في آخره:
"قال شريك: فقلت لأبي إسحاق: هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: نعم".
قال النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بالقوي في الحديث. يعني راويه عن شريك.
قلت: لكنه عند ابن أبي عاصم (1375) من طريق آخر عن شريك.
قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيئ الحفظ. وحديثه جيد في الشواهد، وقد تابعه شعبة عند النسائي (ص16) وأحمد ببعضه (5/366) وعنه الضياء في "المختارة" (رقم 455 – بتحقيقي).
وتابعه غيره كما سيأتي بعد الحديث (10).
الخامسة: عن شريك أيضاً عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مُر يمثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه: "وانصر من نصره، واخذل من خذله".
أخرجه عبد الله أيضاً، وقد عرفت حال شريك. وعمرو ذي مر، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (3/1/232) شيئاً.
السادسة: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
"شهدتُ عليّاً رضي الله عنه في الرحبة ينشد الناس.." فذكره مثله دون زيادة "وانصر...".
أخرجه عبد الله بن أحمد (1/119) من طريق يزيد بن أبي زياد وسماك بن عبيد بن الوليد العبسي عنه.
قلت: وهو صحيح بمجموع الطريقين عنه، وفيهما أن الذين قاموا اثنا عشر. زاد في الأولى: بدرياً.
السابعة والثامنة: عن أبي مريم ورجل من جلساء عليّ عن عليّ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال يوم غدير خم... فذكره دون الزيادة، وزاد:
"قال: فزاد الناس بعد: والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
أخرجه عبد الله (1/152) عن نعيم بن حكيم: حدثني أبو مريم ورجل من جلساء عليّ.
وهذا سند لا بأس به في المتابعات، أبو مريم مجهول. كما في "التقريب".
التاسعة: عن طلحة بن مصرف قال: سمعت المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر يقول: سمعت عليّاً رضي الله عنه ناشد الناس.... الحديث مثل رواية ابن أبي ليلى.
أخرجه ابن أبي عاصم (1373) بسند ضعيف عنه، وهو المهاجر بن عميرة. كذا ذكره في "الجرح والتعديل" (4/1/261) من رواية عدي بن ثابت الأنصاري عنه. ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذا هو في "ثقات ابن حبان" (3/256).
5 - أبو أيوب الأنصاري. يرويه رباح بن الحارث قال:
"جاء رهط إلى عليّ بالرحبة، فقالوا: السلام عليكم يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير خم يقول: (فذكره دون الزيادة) قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري".
أخرجه أحمد (5/419) والطبراني (4052 و4053) من طريق حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رباح بن الحارث.
قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات.
وقال الهيثمي: "رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات".
6 - البراء بن عازب. يرويه عدي بن ثابت عنه قال: "كنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد عليّ رضي الله تعالى عنه، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟..." الحديث مثل رواية فطر بن خليفة عن زيد. وزاد:
"قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئاً يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
أخرجه أحمد وابنه في زائدة (4/281) وابن ماجه (116) مختصراً من طريق علي بن زيد عن عدي بن ثابت.
ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف وله طريق ثانية عن البراء تقدم ذكرها في الطريق الثانية والثالثة عن عليّ.
7 - ابن عباس. يرويه عنه عمرو بن ميمون مرفوعاً دون الزيادة.
أخرجه أحمد (1/330-331) وعنه الحاكم (3/132-134) وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
8 و 9 و 10 – أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو هريرة. يرويه عنهم عَميرة بن سعد قال: شهدت عليّاً رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلاً، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: فذكره.
أخرجه الطبراني في "الصغير" (ص33 – هندية رقم 116 – الروض) وفي "الأوسط" (رقم 2442) عن إسماعيل بن عمر: حدثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عَميرة بن سعد به وقال: "لم يروه عن مسعر إلا إسماعيل".
قلت: وهو ضعيف، ولذلك قال الهيثمي (9/108) بعد ما عزاه للمعجمين: "وفي إسناده لين".
قلت: لكن يقويه أن له طرقاً أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة.
أما حديث أبي هريرة، فيرويه عكرمة بن إبراهيم الأزدي: حدثني إدريس بن يزيد الأودي عن ابيه عنه.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (1105) وقال: "لم يروه عن إدريس إلا عكرمة".
قلت: وهو ضعيف.
وأما حديث أبي سعيد، فيرويه حفص بن راشد: أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية. عنه.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8599) وقال:
"لم يروه عن فضيل إلا حفص بن راشد".
قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1/2/172-173) فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
وأما غيرهما من الصحابة، فروى في "الأوسط" (2302 و7025) من طريقين عن عميرة بن سعد قال:
سمعت عليّاً ينشد الناس: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (فذكره)، فقام ثلاث عشر فشهدوا أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: فذكره.
وعميرة موثّق.
ثم روى الطبراني فيه (5301) عن عبد الله بن الأجلح عن أبيه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مُر قال: سمعت عليّاً.. الحديث، إلا أنه قال: ".. اثنا عشر".
وقال: "لم يروه عن الأجلح إلا ابنه عبد الله".
قلت: وهو ثقة، وقد رواه حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مر وزيد بن أرقم قالا:
خطب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم غدير (خُم) فقال: فذكره، وزاد:
"... وانصر من نصره، وأعن من أعانه".
أخرجه الطبراني في "الكبير" (5059).
وحبيب هذا ضعيف كما قال الهيثمي (9/108).
وأخرج عبد الله بن أحمد في "زوائده على المسند" (1/118) عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالا:
نشد عليّ الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول يوم غدير (خم) إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا... الحديث. وقد مضى في الحديث الرابع – الطريق الثانية والثالثة.
وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه.
وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في "المجمع" (9/103-108)، وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد
وأما قوله في الطريق الخامس من حديث عليّ رضي الله عنه:
"وانصر من نصره، واخذل من خذله".
ففي ثبوته عندي وقفة، لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: "اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه".
ومثله قول عمر لعلي: "أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة".
لا يصح أيضاً لتفرد عليّ بن زيد به كما تقدم.
إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان.
أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال ي عليّ رضي الله عنه: "إنه خليفتي من بعدي".
فلا يصح بوجه من الوجه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة، التي دل الواقع التاريخي على كذبها، لأنه لو فرض أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله لوقع كما قال، لأنه { وَحْيٌ يُوحَى } [النجم: 4]، والله سبحانه لا يخلف وعده، وقد خرجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (4923 و4932) في جملة أحاديث لهم احتج بها عبد الحسين في "المراجعات" بيّنت وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوله على أئمة السنة فيها.
قال أبو عبد الرحمن: لم ينفرد ابن تيمية رحمه الله تعالى بتضعيف الشطر الأول وبتكذيب الشطر الآخر. وللاستزادة انظر: الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي: (2/772)، (3/948، 1107)، (4/1327)، (5/1691)، (6/2102، 2222، 2378). والعلل المتناهية لابن الجوزي 1/223 .
وحديث الموالاة لا شك أنه من المتواتر، والزيادة رويت بأسانيد قوية. والحق خلاف ما ذهب إليه ابن تيمية وكذلك ابن حزم رحمهما الله تعالى، فالحق أحق بأن يتبع.(3/19)
.
ونقل الأثرم في "سننه" عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر، وأنه حدّث بحديثين:
أحدهما: قوله لعليّ: إنك ستعرض على البراءة مني فلا تبرأ.
والآخر: اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه، فأنكره أبو عبيد الله جداً، لم يشك أن هذين كذب.
وكذلك قوله: أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة، كذب أيضاً.
وأما قوله: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فليس هو في الصحاح، لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته، فنُقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعَّفوه، ونُقل عن أحمد بن حنبل أنه حسَّنه كما حسَّنه الترمذي. وقد صنَّف أبو العباس بن عُقْدَة مصنَّفاً في جميع طرقه(1).
وقال ابن حزم(2): "الذي صح من فضائل عليّ فهو قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي“ وقوله(3): ”لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله“ وهذه صفة واجبة لكل مسلم ومؤمن وفاضل(4)، وعهده صلَّى الله عليه وسلَّم(5): أن عليّاً ”لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق“. وقد صح مثل هذا في الأنصار أنهم(6) ”لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر“.
__________
(1) أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عُقْدَة الكوفي، ولد سنة 249 وتوفي سنة 333، كان يميل إلى رأي الشيعة وكان يملي في "مثالب الصحابة" ولم يذكر سزكين كتابه الذي صنّفه عن هذا الحديث. انظر: لسان الميزان (1/263-266)؛ معجم المؤلفين (2/106)؛ الأعلام (1/198)، سزكين (م1 ج1، ص361).
(2) في "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4/224).
(3) الفصل: وقوله عليه السلام.
(4) الفصل: لكل مؤمن وفاضل.
(5) الفصل: وعهده عليه السلام.
(6) الفصل: مثل هذه في الأنصار رضي الله عنهم أنه ... .(3/20)
قال(1): "وأما "من كنت مولاه فعليّ مولاه" فلا يصح من طريق الثقات أصلاً. وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض(2) فموضوعه، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها"(3).
فإن قيل: لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله: "أنت مني وأنا منك" وحديث المباهلة والكساء.
قيل: مقصود ابن حزم: الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يُذكر فيه إلا عليّ. وأما تلك ففيها ذكر غيره، فإنه قال لجعفر: ”أشبهت خَلقي وخُلقي“ وقال لزيد: ”أنت أخونا ومولانا“. وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر عليّ وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم، فلا يرد هذا على ابن حزم.
ونحن نجيب بالجواب المركّب فنقول: إن لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه. ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلَّغ بلاغاً مبيناً.
وليس في الكلام ما يدل دلالة بيّنة على أن المراد به الخلافة، وذلك أن المولى كالولي. والله تعالى قال: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ } [المائدة: 55]، وقال: { وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ } [التحريم: 4]، فبيَّن أن الرسول وليُّ المؤمنين، وأنهم مواليه أيضاً، كما بيَّن أن الله وليّ المؤمنين، وأنهم أولياؤه، وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض.
فالموالاة ضد المعاداة، وهي تثبت من الطرفين، وإن كان أحد المتواليين أعظم قدراً، وولايته إحسان وتفضل، وولاية الآخر طاعة وعبادة، كما أن الله يحب المؤمنين، والمؤمنون يحبونه. فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، والكفّار لا يحبون الله ورسوله، ويحادّون الله ورسوله ويعادونه.
__________
(1) بعد الكلام السابق مباشرة.
(2) الفصل: الرافضة.
(3) الفصل: ونقلتها.(3/21)
وقد قال تعالى: { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } [الممتحنة: 1]. وهو يجازيهم على ذلك، كما قال تعالى: { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [البقرة: 279].
وهو وليّ المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور. وإذا كان كذلك فمعنى كون الله وليّ المؤمنين ومولاهم، وكون الرسول وليهم ومولاهم، وكون عليّ مولاهم، هي الموالاة التي هي ضد المعاداة.
والمؤمنين يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة لملعاداة، وهذا حكم ثابت لكل مؤمن، فعليُّ رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه.
وفي هذا الحديث إثبات إيمان عليّ في الباطن، والشهادة له بأنه يستحق الموالاة باطناً وظاهراً، وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب، لكن ليس فيه أنه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم له موالي، وهم صالحوا المؤمنين، فعليّ أيضاً له مولى بطريق الأولى والأحرى، وهم المؤمنون الذين يتولونه.
وقد قال الني صلَّى الله عليه وسلَّم: إن أسلم وغفاراً ومزينة وجهينة وقريشاً والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله(1)، وجعلهم موالي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم.
__________
(1) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن أبي هريرة وأبي أيوب رضي الله عنهما في: البخاري 4/179-180، 181 (كتاب المناقب، باب مناقب قريش، باب ذكر أسلم وغفار ومزينة وجهينة وأشجع)، مسلم 4/1954-1955 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل غفار وأسلم...)، سنن الترمذي 5/385 (كتاب المناقب، باب في غفار وأسلم وجهينة ومزينة)، (ط. المعارف) 15/28، (ط. الحلبي) 2/388، 467-468، 481، 5/194 (عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه).(3/22)
وفي الجملة فرق بين الوليّ والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية – التي هي ضدّ العداوة – شيء، وباب الولاية – التي هي الإمارة – شيء.
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقل: من كنت واليه فعليّ واليه. وإنما اللفظ "من كنت مولاه فعليّ مولاه".
وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل. فإن الولاية تثبت من الطرفين، فإن المؤمنين أولياء الله، وهو مولاهم.
وأما كونه أولى بهم من أنفسهم، فلا يثبت إلا من طرفه صلَّى الله عليه وسلَّم. وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته، ولو قُدِّر أنه نصَّ على خليفة من بعده، لم يكن ذلك موجباً أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه، كما أنه لا يكون أزواجه أمهاتهم. ولو أريد هذا المعنى لقال: من كنت أولى به من نفسه. وهذا لم يقله، ولم ينقله أحد، ومعناه باطل قطعاً؛ لأن كون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته، وخلافة عليّ – لو قدر وجودها – لم تكن إلا بعد موته، لم تكن في حياته، فلا يجوز أن يكون عليٌّ خليفة في زمنه، فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه، بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين، إذا أريد به الخلافة.
وهذا مما يدل على أنه لم يُرِد الخلافة؛ فإن كونه وليّ كل مؤمن، وصف ثابت له في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، لم يتأخر حكمه إلى الموت. وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت. فعُلم أن هذا ليس هذا.
وإذا كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة، وإذا استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته، أو قُدِّر أنه استخلف أحداً على بعض الأمور في حياته، أو قُدِّر أنه استخلف أحداً بعد موته، وصار له خليفة بنص أو إجماع، فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم، فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه، لا سيما في حياته.(3/23)
وأما كون عليّ وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعليّ في حياة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد مماته، وبعد ممات عليّ، فعليّ اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس. وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياءً وأمواتاً.
الفصل الثالث
نقض احتجاج الرافضة بحديث "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"
قال الرافضي: الثالث: قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. أثبت له "عليه السلام" جميع منازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء. ومن جملة منازل هارون أنه كان خليفة لموسى، ولو عاش بعده لكان خليفة أيضاً، وإلا لزم تطرّق النقض إليه، ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة، أولى بأن يكون خليفته".(3/24)
والجواب: أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرها، وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له ذلك في غزوة تبوك. وكان صلَّى الله عليه وسلَّم كلما سافر في غزوة أو عُمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة، كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان(1)، وفي غزوة بني قَيْنُقَاع بشير بن عبد المنذر(2)، ولما غزا قريشاً ووصل إلى الفُرع استعمل ابن أم مكتوم(3)، وذكر ذلك محمد بن سعد(4) وغيره.
__________
(1) قال ابن هشام: السيرة (3/49): "فلما رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من غزوة السويق، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة، ثم غز نجداً، يريد غطفان، وهي غزوة ذي أمر، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فيما قال ابن هشام". وانظر خبر هذه الغزوة في: طبقات ابن سعد (2/34-35)؛ زاد المعاد (3/190)، السيرة النبوية لابن كثير (3/3).
(2) هو أبو لبابة بن عبد المنذر رضي الله عنه. قال ابن حجر في الإصابة (4/167): مختلف في اسمه، قال موسى بن عقبة: اسمه بشير.... وقيل بالمهملة أوله التحتانية ثانية. وقال ابن إسحاق اسمه رفاعة... وكذا قال: "الكشاف" وغيره في تفسير الأنفال أن اسمه مروان، وانظر ترجمته في: أسد الغابة (1/232)، (6/265-267)؛ الاستيعاب 4/167. وانظر خبر الغزوة واستعماله له في: سيرة ابن هشام (3/52)؛ طبقات ابن سعد (2/29)، إمتاع الأسماع (1/105).
(3) انظر هذا الخبر في: طبقات ابن سعد (2/35-36)، إمتاع الأسماع (1/107)، زاد المعاد (3/190)، جوامع السيرة (ص152)، سيرة ابن هشام (3/46) وقال: "واستعمل على المدينة سباع بن عُرْفُطة الغفاري أو ابن أم مكتوم".
(4) هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري صاحب الطبقات، صحب الواقدي المؤرخ زماناً وعرف بمؤرخ الواقدي، ولد سنة 168 وتوفي سنة 230. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (9/182-183)، تاريخ بغداد (5/321-322)، وفيات الأعيان (3/473)، الأعلام (7/6).(3/25)
وبالجملة فمن المعلوم أنه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف. وقد ذكر المسلمون من كان يتسخلفه، فقد سافر من المدينة في عُمرتين: عُمرة الحديبية وعمرة القضاء. وفي حجة الوداع، وفي مغازيه – أكثر من عشرين غزاة – وفيها كلها استخلف، وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه، فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لأحد في التخلف عنها، وهي آخر مغازيه صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها، فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان، أو من هو معذور لعجزه عن الخروج، أو من هو منافق، وتخلّف الثلاثة الذين تِيب عليهم، ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم، كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف أضعف من الاستخلافات المعتادة منه، لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحداً، كما كان يبقي في جميع مغازيه، فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم مَن يستخلف، فكل استخلاف استخلفه في مغازيه، مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى والصغرى، وغزوة بني المصطلق، والغابة، وخيبر، وفتح مكة، وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال، ومغازيه بضع عشرة غزوة، وقد استخلف فيها كلها إلا القليل، وقد استخلف في حجة الوداع وعمرتين قبل غزوة تبوك.
وفي كل مرة يكون بالمدينة أفضل ممن بقى في غزوة تبوك، فكان كل استخلاف قبل هذه يكون عليٌّ أفضل ممن استخلف عليه عليّاً، فلهذا خرج إليه عليٌّ رضي الله عنه يبكي، وقال: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟(3/26)
وقيل: إن بعض المنافقين طعن فيه، وقال: إنما خلّفه لأنه يبغضه. فبيّن له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: إني إنما استخلفتك لأمانتك عندي، وإن الاستخلاف ليس بنقص ولا غضٍّ، فإن موسى استخلف هارون على قومه، فكيف يكون نقصاً وموسى يَفْعَله بهارون؟ فطيَّب بذلك قلب عليّ، وبيّن أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلَف وأمانته، لا يقتضي إهانته ولا تخوينه، وذلك لأن المستخلَف يغيب عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد خرج معه جميع الصحابة.
والملوك – وغيرهم – إذا خرجوا في مغازيهم أخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به، ومعاونته لهم، ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه، ويده وسيفه.
والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله، فظن من ظن أن هذا غضاضة من عليّ، ونقص منه، وخفض من منزلته، حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة، التي تحتاج إلى سعي واجتهاد، بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد.
فكان قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مبيّناً أن جنس الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضّاً، إذ لو كان نقصاً أو غضاً لما فعله موسى بهارون، ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون، لأن العسكر كان مع هارون، وإنما ذهب موسى وحده.
وأما استخلاف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فجميع العسكر كان معه، ولم يُخَلَّف بالمدينة – غير النساء والصبيان – إلا معذورٌ أو عاصٍ.
وقول القائل: "هذا بمنزلة هذا، وهذا مثل هذا" هو كتشبيه الشيء بالشيء. وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دلّ عليه السياق، لا يقتضي المساواة في كل شيء.(3/27)
ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث الأسارى لَمّا استشار أبا بكر، وأشار بالفداء، واستشار عمر، فأشار بالقتل. قال: "سأخبركم عن صاحبيكم. مثلك يا أبا بكر كمثل إبارهيم إذ قال: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [إبراهيم: 36]، ومثل عيسى إذ قال: { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة: 118]. ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال: { رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح: 26]، ومثل موسى إذ قال: { رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ } [يونس: 88]".
فقوله لهذا: مثلك كمثل إبراهيم وعيسى، ولهذا: مثل نوح وموسى، أعظم من قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ فإن نوحاً وإبراهيم وعيسى أعظم من هارون، وقد جعل هذين مثلهم، ولم يرد أنهما مثلهم في كل شيء، لكن فيما دلّ عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله.
وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دلّ عليه السياق، وهو استخلافه في مغيبه، كما استخلف موسى هارون. وهذا الاستخلاف ليس من خصائص عليّ، بلا ولا هو مثل استخلافاته، فضلاً عن أن يكون أفضل منها.
وقد استخلف مَنْ عليّ أفضل منه في كثير من الغزوات، ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على عليّ إذا قعد معه، فكيف يكون موجباً لتفضيله على عليّ؟
بل قد استخلف على المدينة غير واحد، وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف عليّ، بل كان ذلك الاستخلاف يكون على أكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك، وكانت الحاجة إلى الاستخلاف أكثر، فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة.(3/28)
فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز، وفُتحت مكة وظهر الإسلام وعزّ. ولهذا أمر الله نبيّه أن يغزو أهل الكتاب بالشام، ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو.
ولهذا لم يَدَع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند عليّ أحداً من المقاتلة، كما كان يَدَع بها في سائر الغزوات، بل أخذ المقاتلة كلهم معه.
وتخصيصه لعليّ بالذكر هنا هو مفهوم اللقب، وهو نوعان: لقب هو جنس، ولقب يجري مجرى العلم، مثل زيد، وأنت. وهذا المفهوم أضعف المفاهيم، ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على أنه لا يُحتج به. فإذا قال: محمد رسول الله. لم يكن هذا نفياً للرسالة عن غيره، لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص، فإنه يحتج به على الصحيح.
كقوله: { فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } [الأنبياء: 79]، وقوله: { كَلاّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 15].
وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه، فلا يُحتج به باتفاق الناس. فهذا من ذلك؛ فإنه إنما خصَّ عليّاً بالذكر لأنه خرج إليه يبكي ويشتكي تخليفه مع النساء والصبيان.
ومن استخلفه سوى عليّ، لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصاً، لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام، والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتضِ الاختصاص بالحكم، فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى، كما أنه لما قال للمضروب الذي نَهَى عن لعنه: ”دعه فإنه يحب الله ورسوله“(1) لم يكن هذا دليلاً على أن غيره لا يحب الله ورسوله، بل ذكر ذلك لأجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه.
__________
(1) الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 8/158 (كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة).(3/29)
ولما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة، قال: ”دعه فإنه قد شهد بدراً“(1) ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدراً، بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبه.
وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة، لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة، لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه.
وكذلك لما قال للحسن وأسامة: ”اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحب من يحبهما“(2) لا يقتضي أنه لا يحب غيرهما، بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما.
وكذلك لما قال: ”لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة“ لم يقتض أن من سواهم يدخلها.
وكذلك لَمّا شبّه أبا بكر بإبراهيم وعيسى، لم يمنع ذلك أن يكون في أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى.
وكذلك لَمّا شبّه عمر بنوح وموسى، لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحاً موسى.
فإن قيل: إن هذين أفضل من يشبههم من أمته.
قيل: الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في أصل التشبيه.
__________
(1) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: البخاري 4/59 (كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس)، مسلم 4/1941-1942 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم وقصة حاطب بن أبي بلتعة)، سنن الترمذي 5/82-84 (كتاب التفسير، سورة الممتحنة).
(2) في المسند (ط. الحلبي) 5/205 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن عليّ على فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: "اللهم ارحمهما فإني أرحمهما". وفي المسند (ط. الحلبي) 5/210 عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذني والحسن فيقول: ”اللهم إني أحبهما فأحبهما“.
وجاء الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 2/768 (حديث رقم 1352) وقال المحقق: إسناده صحيح.(3/30)
وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود: ”إنه مثل صاحب ياسين“(1). وكذلك لما قال للأشعريين: ”هم مني وأنا منهم“(2) لم يختص ذلك بهم، بل قال لعلي: ”أنت مني وأنا منك“ وقال لزيد: ”أنت أخونا ومولانا“(3) وذلك لا يختص بزيد، بل أسامة أخوهم ومولاهم.
وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جداً، وهي لا توجب التماثل من كل وجه، بل فيما سبق الكلام له، ولا تقتضي اختصاص المشبَّه بالتشبيه، بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك.
قال الله تعالى: { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } [البقرة: 261].
__________
(1) هو عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي. قال ابن حجر في "الإصابة" 2/470: "وثبت ذكر عروة بن مسعود في الحديث الصحيح في قصة الحديبية وكانت له اليد البيضاء في تقدير الصلح" ثم قال: "وفي رواية إسحاق أنه اتبع أثر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما انصرف من الطائف فأسلم واستأذنه أن يرجع إلى قومه، فقال: "إني أخاف أن يقتلوك". قال: لو وجدوني نائماً ما أيقظوني. فأذن له، فدعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فعصوه وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذّن، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى الله فقتلوه". والخبر في: سيرة ابن هشام (4/182)، زاد المعاد (3/498)، إمتاع الأسماع (ص489-490).
(2) الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في: البخاري 3/138 (كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهر...)، مسلم 4/1944-1945 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم).
(3) الحديث في البخاري 3/184-185 (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان بن فلان...) وهو حديث صلح الحديبية.(3/31)
وقال تعالى: { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ } [يس: 13].
وقال: { مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } [آل عمران: 117].
وقد قيل: إن في القرآن اثنين وأربعين مثلاً.
وقول القائل: إنه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل، فإن قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ دليل على أنه يسترضيه بذلك ويطيِّب قلبه لِمَا توهم من وهن الاستخلاف ونقص درجته، فقال هذا على سبيل الجبر له.
وقوله: "بمنزلة هارون من موسى" أي مثل منزلة هارون، فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره، وإنما يكون له ما يشابهها، فصار هذا كقوله: هذا مثل هذا، وقوله عن أبي بكر: مثله مثل إبراهيم وعيسى، وعمر: مثله مثل نوح وموسى.
ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك، ثم بعد رجوع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعث أبا بكر أميراً على الموسم، وأردفه بعليّ، فقال لعليّ: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمورن فكان أبو بكر أميراً عليه، وعليّ معه كالمأمور مع أمره: يصلّي خلفه، ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان(1)
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/78-79 (كتاب الصلاة، باب ما يُستر من العورة) ونصه: أن أبا هريرة قال: "بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان. قال حميد بن عبد الرحمن (بن عوف): ثم أردف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً فأمره أن يؤذن ببراءة. قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان".
وجاء الحديث في مواضع أخرى في البخاري 2/153 (كتاب الحج، باب لا يطوف بالبيت عُريان ولا يحج مشرك)، 5/167 (كتاب المغازي، باب حج أبي بكر بالناس سنة تسع)، 6/64 (كتاب التفسير، سورة تفسير التوبة)، 4/102 (كتاب الجزية، باب كيف ينبذ إلى أهل العهد). والحديث أيضاً في: سنن أبي داود 2/264-265 (كتاب المناسك، باب يوم الحج الأكبر)؛ سنن النسائي 5/186 (كتاب المناسك، باب قوله تعالى: خذوا مناسككم عند كل مسجد)، سنن الدارمي 2/237 (كتاب السير، باب في الوفاء للمشركين بالعهد)، المسند (ط. المعارف) 15/133-134 .
وجاءت أحاديث أخرى في نفس الموضوع عن أبي بكر وعليّ وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم أشار إلى بعضها ابن كثير في تفسيره (ط. الشعب) 4/44-53، وإلى بعضها الطبري. انظر تفسيره (ط. المعارف) 14/98 وما بعدها. وانظر المسند (ط. المعارف) 1/156، 2/32 .(3/32)
.
وإنما أردفه به لينبذ العهد إلى العرب، فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع، أو رجل من أهل بيته. فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
ومما يبيّن ذلك أنه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده، لم يكن هذا خطاباً بينهما يناجيه به، ولا كان أخَّرَهُ حتى يخرج إليه عليّ ويشتكي، بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم، بلفظ يبين المقصود.
ثم من جهل الرافضة أنهم يتناقضون، فإن هذا الحديث يدل على أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يخاطب عليّاً بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك، فلو كان عليّ قد عرف أنه المستخلف من بعده – كما رووا ذلك فيما تقدم – لكان عليّ مطمئن القلب أنه مثل هارون بعده وفي حياته، ولم يخرج إليه يبكي، ولم يقل له: أتخلفني مع النساء والصبيان؟
ولو كان عليّ بمنزلة هارون مطلقاً لم يستخلف عليه أحداً. وقد كان يستخلف على المدينة غيره وهو فيها، كما استخلف على المدينة عام خيبر غير عيّ، وكان عليّ بها أرمد، حتى لحق بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأعطاه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الراية حين قدم، وكان قد أعطى الراية رجلاً فقال: ”لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله“.
وأما قوله: "لأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة، فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته".(3/33)
فالجواب: أنه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير عليّ استخلافاً أعظم من استخلاف عليّ، واستخلف أولئك على أفضل من الذين استخلف عليهم عليّاً، وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير عليّ في حجة الوداع، فليس جعل عليّ هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه، وأعظم مما استخلفه، وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع، وكان عليّ باليمن، وشهد معه الموسم، لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير عليّ.
فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف، فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك.
وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه، ولا تدل على الأفضلية، ولا مع الإمامة، بل قد استخلف عدداً غيره. ولكن هؤلاء جهّال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين عليّ وغيره خاصة بعليّ، وإن كان غيره أكمل منه فيها، كما فعلوا في النصوص والوقائع.
وهكذا فعلت النصارى: جعلوا ما أتى به المسيح من الآيات دالاًّ على شيء يختص به من الحلول والاتحاد، وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما أتى به، وكان ما أتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح، فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى، لا بحلول ولا اتحاد، بل إن كان ذلك كله ممتنعاً، فلا ريب أنه كله ممتنع في الجميع، وإن فُسِّرَ ذلك بأمر ممكن، كحصول معرفة الله والإيمان به، والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك، فهذا قدر مشترك وأمر ممكن.
وهكذا الأمر مع الشيعة: يجعلون الأمور المشتركة بين عليّ وغيره، التي تعمّه وغيره، مختصةً به، حتى رَبَّبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية. وهذا كله منتفٍ.(3/34)
فمن عرف سيرة الرسول، وأحوال الصحابة، ومعاني القرآن والحديث: علم أنه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ولا إمامته، بل فضائله مشتركة، وفيها من الفائدة إثبات إيمان عليّ وولايته، والرد على النواصب الذين يسبّونه أو يفسقونه أو يكفرونه ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة.
ففي فضائل عليّ الثابتة ردٌّ على النواصب، كما أن في فضائل الثلاثة ردّاً على الروافض.
وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض والخوارج، ولكن شيعته يعتقدون إمامته، ويقدحون في إمامة عليّ. وهم في بدعتهم خير من شيعة عليّ الذين يقدحون في غيره. والزيديدة الذين يتولون أبا بكر وعرم مضطربون فيه.
وأيضاً فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة، لابد منه لكل ولي أمر، وليس كل مَنْ يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح أن يُستخلف بعد الموت؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، وذلك كبشير ابن عبد المنذر وغيره.
وأيضاً فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس، كما يُطالب بذلك ولاة الأمور. وأما بعد موته فلا يطالب بشيء، لأنه قد بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربّه. ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء، وتقسيم الفيء، وإقامة الحدود، واستعمال العمّال، وغير ذلك مما يجب على ولاة الأمور بعده، وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك.
فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت. والإنسان إذا استخلف أحداً في حياته على أولاده وما يأمر به من البرّ، كان المستخلف وكيلاً محضاً يفعل ما أمر به الموكِّل، وإن استخلف أحداً على أولاده بعد موته، كان وليّاً مستقلاًّ يعمل بحسب المصلحة، كما أمر الله ورسوله، ولم يكن وكيلاً للميّت.(3/35)
وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصاً في حياته، فإنه يفعل ما يأمره به في القضايا المعيّنة. وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله، فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت، بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه، فإنه يُضاف إلى من استخلفه لا إليه. فأين هذا من هذا؟!.
ولم يقل أحد من العقلاء: إن من استخلف شخصاً على بعض الأمور. وانقضى ذلك الاستخلاف: إنه يكون خليفة بعد موته على شيء، ولكن الرافضة من أجهل الناس بالمعقول والمنقول.
الفصل الرابع
نقض قياس الرافضة الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب
قال الرافضي: الرابع: "أنه صلَّى الله عليه وسلَّم استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة، فيجب أن يكون خليفة له بعد موته. وليس غير عليّ إجماعاً، ولأنه لم يعزله عن المدينة، فيكون خليفة له بعد موته فيها، وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعاً".
والجواب: أن هذه الحجة وأمثالها من الحجج الداحضة، التي هي من جنس بيت العنكبوت. والجواب عنها من وجوه:
أحدها: أن نقول على أحد القولين: إنه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم. وإذا قالت الرافضة: بل استخلف عليّاً. قيل: الراوندية من جنسكم قالوا: استخلف العبّاس، وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على استخلاف أحدٍ بعد موته إنما تدل على استخلاف أبي بكر، ليس فيها شيء يدل على استخلاف عليّ ولا العباس، بل كلها تدل على أنه لم يستخلف واحداً منهما. فيقال حينئذ: إن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف أحداً فلم يستخلف إلا أبا بكر، وإن لم يستخلف أحداً فلا هذا ولا هذا.(3/36)
فعلى تقدير كون الاستخلاف واجباً على الرسول، لم يستخلف إلا أبا بكر، فإن جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير أبي بكر، وإنما يدل ما يدل منها على استخلاف أبي بكر. وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة.
الوجه الثاني: أن نقول: أنتم لا تقولون بالقياس، وهذا احتجاج بالقياس، حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب. وأما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول: الفرق بينهما ما نبّهنا عليه في استخلاف عمر في حياته، وتوقفه في الاستخلاف بعد موته، لأن الرسول في حياته شاهد على الأمة، مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه، وبعد موته انقطع عنه التكليف.
كما قال المسيح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117] الآية، لم يقل: كان خليفتي الشهيد عليهم. وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف، فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت.
وكذلك ثبت عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "فأقول كما قال العبد الصالح: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ } [المائدة: 117]"(1).
__________
(1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 4/168 (كتاب الأنبياء، باب واذكر في الكتاب مريم) وأوله: "تحشرون حُفاة عُراة غرلاً... ثم يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات الشمال، فأقول أصحابي، فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح عيسى بن مريم.." الحديث، وهو في: البخاري 6/55 (كتاب التفسير، سورة المائدة)، 6/97 (كتاب التفسير، سورة الأنبياء)، سنن الترمذي 5/4-5 (كتاب التفسير، سورة الأنبياء).(3/37)
وقد قال تعالى: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ } [آل عمران: 144].
فالرسول بموته انقطع عنه التكليف، وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب أن يكون معصوماً، بل كان يولّي الرجل ولايةً، ثم يتبيّن كذبه فيعزله، كما ولّى الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو لو استخلف رجلاً لم يجب أن يكون معصوماً، وليس هو بعد موته شهيداً عليه، ولا مكلَّفاً بردّه عما يفعله، بخلاف الاستخلاف في الحياة.
الوجه الثالث: أن يُقال الاستخلاف في الحياة واجبٌ على كل وليّ أمر؛ فإن كل وليّ أمر – رسولاً كان أو إماماً – عليه أن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور، فلابد له من إقامة الأمر: إما: بنفسه، وإما بنائبه. فما شهده من الأمر أمكنه أن يقيمه بنفسه، وأما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه، فيولّي على مَنْ غاب عنه مِن رعيته مَنْ يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويأخذ منهم الحقوق، ويقيم فيهم الحدود، ويعدل بينهم في الأحكام، كما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه، فيولِّي الأمراء على السرايا: يصلّون بهم، ويجاهدون بهم، ويسوسونهم، ويؤمِّر أمراء على الأمصار، كما أمَّر عتاب بن أسيد على مكة، وأمَّر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذاً وأبا موسى على قرى عُرينة وعلى نجران وعلى اليمن، وكما كان يستعمل عمالاً على الصدقةن فيقبضونها ممن تجب عليه، ويعطونها لمن تحلّ له، كما استعمل غير واحد.(3/38)
وكان يستخلف في إقامة الحدود، كما قال لأنيس: ”يا أنيس اغد على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها“(1) فغدا عليها فاعترفت فرجمها.
وكان يستخلف على الحج، كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك، وكان عليّ من جملة رعية أبي بكر: يصلّي خلفه، ويأتمر بأمره، وذلك بعد غزوة تبوك.
وكما استخلف على المدينة مراتٍ كثيرة، فإنه كان كلما خرج في غزاة استخلف. ولما حج واعتمر استخلف، فاستخلف في غزوة بدر، وبني المصطلق، وغزوة الفتح، واستخلف في غزوة الحديبية، وفي غزوة القضاء، وحجة الوداع، وغير ذلك.
وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجباً على متولي الأمر وإن لم يكن نبيّاً، مع أنه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته، لكون الاستخلاف في الحياة أمراً ضرورياً لا يؤدى الواجب إلا به، بخلاف الاستخلاف بعد الموت، فإنه قد بلَّغ الأمة، وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته، فيمكنهم أن يعينوا مَنْ يؤمّرونه عليهم، كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معيّن – عُلم أنه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت.
رابع: أن الاستخلاف في الحياة واجبٌ في أصناف الولايات، كما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يستخلف على من غاب عنهم مَنْ يقيم فيهم الواجب، ويستخلف في الحج، وفي قبض الصدقات، وحفظ مال الفيء، وفي إقامة الحدود، وفي الغزو وغير ذلك.
__________
(1) الحديث عن زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما في البخاري 3/102 (كتاب الوكالة، باب الوكالة في الحدود)، 8/167-168 (كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا)، 8/172-173 (كتاب الحدود، باب إذا رمى امرأته وامرأة غيره بالزنا..)، 8/176 (كتاب الحدود، باب هل يأمر الإمام رجلاً..)، سنن الترمذي 2/441، 443 (كتاب الحدود، باب ما جاء في التلقين في الحد، باب ما جاء في الرجم على الثيب).(3/39)
ومعلوم أن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء، بل ولا يمكن، فإنه لا يمكن أن يعيّن للأمة بعد موته مَنْ يتولّى كل أرم جزئي، فإنهم يحتاجون إلى واحدٍ بعد واحد، وتعيين ذلك متعذر، ولأنه لو عيَّن واحداً. فقد يختلف حاله ويجب عزله، فقد كان يولّى في حياته من يُشكى إليه فيعزله، كما عزل الوليد بن عقبة، وعزل سعد بن عبادة عام الفتح وولى ابنه قيساً، وعزل إماماً كان يصلّي بقوم لما بصق في القبلة، وولَّى مرة رجلاً فلم يقم بالواجب، فقال: ”أعجزتم إلا ولّيت من لا يقوم بأمر أن تولّوا رجلاً يقوم بأمري“(1) فقد فوّض إليهم عزل مَنْ لا يقوم بالواجب من ولاته، فكيف لا يفوض إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب؟!
وإذا كان في حياته مَنْ يولّيه ولا يقوم بالواجب فيعزله، أو يأمر بعزله، كان لو ولّى واحداً بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب، وحينئذ فيحتاج إلى عزله، فإذا ولّته الأمة وعزلته، كان خيراً لهم مِنْ أن يعزلوا مَنْ ولاّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف، وعلى هذا فنقول في:
__________
(1) لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكني وجدت حديثاً بمعناه في: سنن أبي داود 3/56 (كتاب الجهاد، باب في الطاعة) ونصه عن عقبة بن مالك رضي الله عنه... قال: بعث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سرية فسلحت رجلاً منهم سيفاً، فلما رجع قال: لو رأيت ما لامنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: "أعجزتم إذ بعثت رجلاً منكم فلم يمض لأمري، أن تجعلوا مكانه من يمضي لأمري"؟. والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 4/160 .(3/40)
الوجه الخامس: أن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أولى من الاستخلاف، كما اختاره الله لنبيه، فإنه لا يختار له إلا أفضل الأمور. وذلك لأنه: إما أن يُقال: يجب أن لا يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، وكان يصدر من بعض نوّابه أمور منكرة فينكرها عليهم، ويعزل من يعزل منهم. كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم، فوَدَاهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بنصف دياتهم، وأرسل عليّ بن أبي طالب فضمن لهم حتى مبلغة الكلب، ورفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يديه إلى السماء وقال: ”اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد“.
واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تسبُّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه“ ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم خالداً.
واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قومٍ، فرجع فأخبره أن القوم امتنعوا وحاربوا، فأراد غزوهم، فأنزل الله تعالى: { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } [الحجرات: 6].
وولّى سعد بن عبادة يوم الفتح، فلما بلغه أن سعداً قال:
اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة
عزله، وولّى ابنه قيساً، وأرسل بعمامته علامةً على عزله، ليعلم سعد أن ذلك أمرٌ من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.(3/41)
وكان يُشْتَكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به، كما اشتكى أهل قباء معاذاً لتطويله الصلاة بهم، لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال: ”أفتَّان أنت يا معاذ؟ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، ونحوها“(1).
وفي الصحيح أن رجلاً قال له: إني أتخلّف عن صلاة الفجر مما يطوِّل بنا فلان، فقال: ”يا أيها الناس إذا أمَّ أحدكم فليخفف، فإن من ورائه الضعيف والكبير وذا الحاجة، وإذا صلّى لنفسه فليطوّل ما شاء“(2).
__________
(1) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه في: البخاري 8/26-27 (كتاب الأدب، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً) وأوله: أن معاذ بن جبل رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ثم يأتي قومه فيصلي بهم الصلاة فقرأ البقرة، قال: فتجوّز رجل فصلّى صلاةً خفيفة... الحديث. وهو في: مسلم 1/339-340 (كتاب الصلاة، باب القراءة في العشاء)، سنن أبي داود 1/292 (كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة)، سنن النسائي 2/76-77 (كتاب الإمامة، باب خروج الرجل من صلاة الإمام)، المسند (ط. الحلبي) 3/124، 299، 300، 308، 369 .
(2) الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 1/138 (كتاب الأذان، باب إذا صلى لنفسه فليطوّل ما شاء) وأوله فيه: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف... الحديث.
وهو في: مسلم 1/341 (كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام)، سنن الترمذي 1/150-151 (كتاب الصلاة، باب ما جاء إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف)، سنن ابن ماجه 1/315 (كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب من أمّ قوماً فليخفف). المسند(ط. المعارف) 13/201، (ط. الحلبي) 2/502، 537. وقال الترمذي في تعليقه على الحديث: "وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس".(3/42)
ورأى إماماً قد بصق في قبلة المسجد، فعزله عن الإمامة، وقال: ”إنك آذيت الله ورسوله“(1).
وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه.
فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في حياته يعلّم خلفاءه ما جهلوا، ويقوِّمهم إذا زاغوا، ويعزلهم إذا لم يستقيموا، ولم يكونوا مع ذلك معصومين، فعلم أنه لم يكن يجب عليه أن يولّي المعصوم.
وأيضاً فإن هذا تكليف ما لا يمكن، فإن الله لم يخلق أحداً معصوماً غير الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. فلو كُلِّف أن يستخلف معصوماً لكُلِّف ما لا يقدر عليه، وفات مقصود الولايات، وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا.
وإذا عُلم أنه يجوز – بل يجب – أن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم، فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته، لاستخلف أيضاً غير معصوم، وكان لا يمكنه أن يعلّمه ويقوِّمه كما كان يفعل في حياته، فكان أن لا يستخلف خيراً من أن يستخلف.
__________
(1) الحديث عن أبي سهلة السائب بن خلاّد رضي الله عنه في: سنن أبي داود 1/189 (كتاب الصلاة، باب في كراهية البُزاق في المسجد) ونصه: أن رجلاً أمَّ قوماً فبصق في القبلة، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ينظر، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين فرغ: "لا يصلي لكم" فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه وأخبروه يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فذكر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: "نعم" وحسبت أنه قال: "إنك آذيت الله ورسوله". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 4/56 .(3/43)
والأمة قد بلغها أمر الله ونهيه، وعلموا ما أمر الله به ونهى عنه، فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله، ويعاونونه على إتمامهم القيام بذلك، إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك، فما فاته مِنَ العلم بيّنه له مَنْ يعلمه، وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة، وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم، وليس على الرسول ما حُمِّلوه، كما أنهم ليس عليهم ما حُمِّل.
فعُلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعد الموت أكمل في حق الرسول من الاستخلاف، وأن مَنْ قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من أجهل الناس.
وإذا علم الرسول أن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة، كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره، كان في دلالته للأمة على أنه أحق، مع علمه بأنهم يولُّونه، ما يغنيه عن استخلافه، لتكون الأمة هي القائمة بالواجب، ويكون ثوابها على ذلك أعظم من حصول مقصود الرسول.
وأما أبو بكر فلما علم أنه ليس في الأمة مثل عمر، وخاف أن لا يولُّوه إذا لم يستخلفه لشدته، فولاه هو، كان ذلك هو المصلحة للأمة.
فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عَلِمَ أن الأمة يولُّون أبا بكر، فاستغنى بذلك عن توليته، مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية، وأبو بكر لم يكن يعلم أن الأمة يولُّون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر. فكان ما فعله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو اللائق به لفضل علمه، وما فعله صدِّيق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
الوجه السادس: أن يقال: هب أن الاستخلاف واجب، فقد استخلف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر، على قول من يقول: إنه استخلفه، ودلَّ على استخلافه على القول الآخر.
وقوله: "لأنه لم يعزله عن المدينة".(3/44)
قلنا: هذا باطل، فإنه لَمّا رجع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم انعزل عليّ بنفس رجوعه، كما كان غيره ينعزل إذا رجع. وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن، حتى وافاه بالموسم في حجة الوداع، واستخلف على المدينة في حجة الوداع غيره.
أفترى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها مقيماً وعليّ باليمن، وهو خليفة بالمدينة؟!
ولا ريب أن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كأنهم ظنّوا أن عليّاً مازال خليفة على المدينة حتى مات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يعلموا أن عليّاً بعد ذلك أرسله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود، وأمَّر عليه أبا بكر، ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن، كما أرسل معاذاً وأبا موسى.
ثم لما حج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حجة الوداع استخلف على المدينة غير عليّ، ووافاه عليّ بمكة، ونحر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مائة بدنة، نحر بيده ثُلُثَيها، ونحر عليّ ثُلُثَها.
وهذا كله معلوم عند أهل العلم، متفق عليه بينهم، وتواترت به الأخبار، كأنك تراه بعينك.
ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية.
والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها، كما أن سائر من استخلفه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما رجع انقضت خلافته.
وكذلك سائر ولاة الأمور: إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف.
ولهذا لا يصلح أن يُقال: إن الله يستخلف أحداً عنه، فإنه حيّ قيوم شهيد مدبِّر لعباده، مُنزّه عن الموت والنوم والغَيبة.
ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لستُ خليفة الله، بل خليفة رسول الله، وحسبي ذلك.(3/45)
والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ”اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل“(1)، وقال في حديث الدّجَّال: ”والله خليفتي على كل مسلم“(2).
__________
(1) الحديث بهذا اللفظ هو الجزء الأول من حديث عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/161 (كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافراً) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وهو جزء من حديث آخر عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في: سنن الترمذي 5/165 (كتاب الدعوات، باب ما جاء فيما يقول إذا ركب دابة) وأول الحديث: "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون" ثم يقول: اللهم إني أسألك في سفري هذا.... الحديث.
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن"، وهذا الحديث الآخر في المسند (ط. المعارف) 9/138-139، وجاء الجزء الأول من هذه العبارات وهو قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل" في أحاديث كثيرة، منها حديث عن ابن عمر في: مسلم 2/978 (كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره)، المسند (ط. المعارف) 9/185. ومنها حديث عن أبي هريرة في: سنن الترمذي 5/160 (كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا خرج مسافراً)، المسند (ط. المعارف) 18/21-22، (ط. الحلبي) 2/433. ومنها حديث عن ابن عباس في: مسند أحمد (ط. المعارف) 4/87، 255 .
(2) هذه العبارة جاءت ضمن حديث الدجال الذي رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه في: مسلم 4/2250-2251 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه) الحديث رقم 110 وجاءت هذه العبارة في 2251، وفي: سنن أبي داود 4/166 (كتاب الملاحم، باب خروج الدجال)، سنن الترمذي 3/346-349 (كتاب الفتن، باب ما جاء في فتنة الدجال)، سنن ابن ماجه 2/1356-1359 (كتاب الفتن، باب فتنة الدجال...)، المسند (ط. الحلبي) 4/181-182.(3/46)
وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله.
كقوله: { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } [يونس: 14]، { وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69]، { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [النور: 55].
وكذلك قوله: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]، أي: عن خلقٍ كان في الأرض قبل ذلك، كما ذكر المفسرون وغيرهم(1).
وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية وغيرهم أن الإنسان خليفة الله، فهذا جهل وضلال.
الفصل الخامس
إثبات أن حديث "عليّ أخي ووصيي وخليفتي وقاضي ديني" كذب وموضوع
قال الرافضي: "الخامس: ما رواه الجمهور عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال لأمير المؤمنين: أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي دَيْني، وهو نصٌّ في الباب".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث، فإن هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها، ولا صححه إمام من أئمة الحديث.
وقوله: "رواه الجمهور": إن أراد بذلك أن علماء الحديث رووه في الكتب التي يُحتج بما فيها، مثل كتاب البخاري ومسلم ونحوهما، وقالوا: إنه صحيح، فهذا كذب عليهم، وإن أراد بذلك أن هذا يرويه مثل أبي نُعيم في "الفضائل" والمغازلي وخطيب خوارزم ونحوهم، أو يُروى في كتب الفضائل، فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع، فكيف في مسألة الإمامة، التي قد أقمتم عليها القيامة؟!
__________
(1) انظر: تفسير ابن كثير (1/99-103)، زاد المسير (1/58-60).(3/47)
الثاني: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث(1). وقد تقدّم كلام ابن حزم أن سائر هذه الأحاديث موضوعة، يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها.
وقد صدق في ذلك، فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث وضعيفه، ليعلم أن هذا الحديث ومثله ضعيف، بل كذب موضوع، ولهذا لم يُخَرِّجْه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يُحتج بما فيها، وإنما يرويه مَنْ يرويه في الكتب التي يُجمع فيها بين الغثّ والسمين، التي يعلم كل عالم أن فيها ما هو كذب، مثل كثير من كتب التفسير: تفسير الثعلبي والواحدي ونحوهما، والكتب التي صنّفها في الفضائل مَنْ يجمع الغثّ والسمين، لا سيما خطيب خوارزم، فإنه مِن أَرْوَى الناس للمكذوبات، وليس هو من أهل العلم بالحديث، ولا المغازلي.
قال أبو الفرج بن الجوزي في كتابه "الموضوعات" لما رَوى هذا الحديث(2) من طريق أبي حاتم البستي، حدثنا محمد بن سهل بن أيوب، حدثنا عمّار بن رجاء، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف، عن أنس(3) أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إن أخي ووزيري وخليفتي من أهلي، وخير من أترك بعدي، يقضي دَيْني، وينجز موعدي: عليّ بن أبي طالب"(4) قال: هذا حديث موضوع. قال ابن حبان: مطر بن ميمون يروي الموضوعات عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه".
__________
(1) انظر في ذلك: الفوائد المجموعة للشوكاني ص346، تنزيه الشريعة 1/353 .
(2) في 1/347 .
(3) الموضوعات: عن أنس بن مالك.
(4) الموضوعات: وعودي عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، والحديث في "اللآلئ المصنوعة" 1/326 .(3/48)
رواه أيضاً من طريق أحمد بن عدي بنحو هذا اللفظ، ومداره على عبيد الله بن موسى، عن مطر بن ميمون، وكان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقاً روى عنه البخاري، لكنه معروف بالتشيع، فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه، كما روى عن مطر بن ميمون هذا، وهو كذب. وقد يكون علم أنه كَذَب ذلك، وقد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه، ولو بحث عنه لتبين له أنه كذب هذا، مع أنه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدِّثون: "وخليفتي من بعدي" وإنما في تلك الطريق: "وخليفتي في أهلي" وهذا استخلاف خاص.
وأما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال(1): "حدثنا ابن أبي سفيان(2)، حدثنا عدي(3) بن سهل، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا مطر(4)، عن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "عليّ أخي وصاحبي وابن عمي وخير من أترك من بعدي(5)، يقضي دَيْني وينجز موعدي"(6).
ولا ريب أن مطراً هذا كذَّاب، لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة، مع روايته عن أنس، فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطّان، ولا وكيع، ولا أبو معاوية، ولا أبو نُعيم، ولا يحيى بن آدم ولا أمثالهم، مع كثرة مَنْ بالكوفة من الشيعة، ومع أن كثيراً من عوامّها يفضّل عليّاً على عثمان، ويروي حديثه أهل الكتب الستة، حتى الترمذي وابن ماجه قد يرويان عن ضعفاء، ولم يرووا عنه، وإنما روى عنه عبيد الله بن موسى، لأنه كان صاحبَ هوى متشيعاً، فكان لأجل هواه يروي عن هذا ونحوه، وإن كانوا كذَّابين.
__________
(1) في "الموضوعات" لابن الجوزي 1/378 .
(2) الموضوعات: أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن أبي سفيان قال...
(3) الموضوعات: عليّ...
(4) الموضوعات: مطر الإسكاف.
(5) الموضوعات: من أترك بعدي.
(6) قال ابن الجوزي بعد ذلك: "هذا حديث لا يصح، والمتهم به مطر بن ميمون، قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، لا تحل الرواية عنه".(3/49)
ولهذا لم يكتب أحمد عن عبيد الله بن موسى، بخلاف عبد الرزاق، وذكر أحمد أن عبيد الله(1) كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق.
ومما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في "تاريخه" من حديث عبيد الله بن موسى، عن مطر، عن أنس، قال: كنت عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فرأى عليّاً مقبلاً، فقال: "أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة" قال ابن الجوزي(2): "هذا حديث موضوع، والمتهم بوضعه مطر. قال أبو حاتم: يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه".
الوجه الثالث: أن دَيْن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقضه عليّ بل في الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله(3)، فهذا الدين الذي كان عليه يُقضى من الرهن الذي رهنه، ولم يُعرف عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دَيْن آخر.
__________
(1) هو عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي. قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" 3/16: "شيخ البخاري، ثقة في نفسه، لكنه شيعي متحرق.. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين.
(2) في الموضوعات 1/383 .
(3) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 4/141 كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في درع النبي..) ونصه: "توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير". والحديث – مع اختلاف الألفاظ – في: البخاري 6/15 (كتاب المغازي، باب حدثنا قبيصة). وجاء الحديث بمعناه ومع اختلاف في الألفاظ عن ابن عباس وأنس وأسماء بنت يزيد رضي الله عنهم ي: سنن الترمذي 2/344 (كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل). سنن النسائي 7/267 (كتاب البيوع، باب مبايعة أهل الكتبا)، سنن ابن ماجه 2/815 (كتاب الرهون، باب حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة )، المسند (ط. المعارف) الأرقام 2109، 2724، 2743، 3409، (ط. الحلبي) 3/102، 6/453، 457 .(3/50)
وفي الصحيح عنه أنه قال: "لا يقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً، ما تركت بعدَ نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة"(1)، فلو كان عليه دَيْن قُضِيَ مما تركه، وكان ذلك مقدَّماً على الصدقة، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح.
الفصل السادس
إثبات أن أحاديث المؤاخاة بين عليّ والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم كلها موضوعة
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: البخاري 4/12 (كتاب الوصايا، باب نفقة القيم للوقف)، مسلم 3/1382 (كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لا نورث...)، سنن أبي داود 3/198 (كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من الأموال)، الموطأ 2/993 (كتاب الكلام، باب ما جاء في تركة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، المسند (ط. المعارف) 13/25-26، 17/53 (ط. الحلبي) 2/464 .(3/51)
قال الرافضي: "السادس: حديث المؤاخاة. روى أنس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما كان يوم المباهلة، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وعليٌّ واقف يراه ويعرفه، ولم يؤاخ بينه وبين أحد، فانصرف باكياً، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ما فعل أبو الحسن؟ قالوا: انصرف باكي العين، قال: يا بلال اذهب فائتني به، فمضى إليه. ودخل منزله باكي العين فقالت له فاطمة ما يبكيك؟ قال: آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بيني وبين أحد. قالت: لا يخزيك الله، لعله إنما ادخرك لنفسه. فقال بلال: يا عليّ أجب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتى فقال: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فأخبره، فقال: إنما أدّخرك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟ قال: بلى، فأخذه بيده، فأتى المنبر، فقال: اللهم هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا مَنْ كنت مولاه فعليّ مولاه، فانصرف فاتبعه عمر، فقال: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم. فالمؤاخاة تدل على الأفضلية، فيكون هو الإمام".
والجواب أولاً: المطالبة بتصحيح النقل، فإنه لم يعزُ هذا الحديث إلى كتاب أصلاً، كما عادته يعزو، وإن كان عادته يعزو إلى كتبٍ لا تقوم بها الحجة، وهنا أرسله إرسالاً على عادة أسلافه شيوخ الرافضة، يكذبون يروون الكذب بلا إسناد، وقد قال ابن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء، فإذا سُئل: وقف وتحيّر.(3/52)
الثاني: أن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث، لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع(1)، وواضعه جاهل، كذب كذباً ظاهراً مكشوفاً، يعرف أنه كذب من له أدنى معرفة بالحديث، كما سيأتي بيانه.
الثالث: أن أحاديث المؤاخاة لعليّ كلها موضوعة(2)، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ أحدأً، ولا آخى بين مهاجري ومهاجري، ولا بين أبي بكر وعمر ولا بين أنصاري وأنصاري، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار في أول قدومه المدينة(3).
وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة.
__________
(1) لم أجد هذا الحديث الموضوع بهذه الألفاظ في كتب الأحاديث الصحيحة أو الموضوعة، وجاءت في كتب الأحاديث الموضوعة عدة أحاديث ذكر فيها أن عليّاً أخ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم منها ما ذكره ابن تيمية قبل قليل ولكنها بألفاظ مختلفة.
(2) ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/111-112 حديثاً عن ابن عباس رضي الله عنه في المؤاخاة بين النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ رضي الله عنه ثم قال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه حامد بن آدم المروزي، وهو كذّاب" ثم ذكر حديثاً آخر عن جابر رضي الله عنه ثم قال: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أشعث بن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه، ويأتي حديث في المؤاخاة بين الصحابة في مناقب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم". ثم ذكر حديثاً ثالثاً عن أبي أمامة رضي الله عنه، وقال: "رواه الطبراني من طريق بشر بن عون وهو ضعيف".
(3) في حديث البخاري 5/69 (كتاب مناقب الأنصار، باب كيف آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحاب): وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة". وانظر ذلك: سيرة ابن هشام (2/150-153)، زاد المعاد (3/63-65).(3/53)
الرابع: أن دلائل الكذب على هذا الحديث بيّنة، منها: أنه قال: "لما كان يوم المباهلة وآخى بين المهاجرين والأنصار". والمباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى، وأنزل الله سورة آل عمران، وكان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع، لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يباهل النصارى، لكن دعاهم إلى المباهلة، فاستنظروه حتى يشتوروا، فلما اشتوروا قالوا: هو نبيٌّ، وما باهل قومٌ نبيّاً إلا استؤصلوا، فأقرُّوا له بالجزية، ولم يباهلوا، وهم أول من أقرّ بالجزية من أهل الكتاب، وقد اتفق الناس على أنه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة.
الخامس: أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار، وبين المباهلة وذلك عدة سنين.
السادس: أنه كان قد آخى بين المهاجرين والأنصار، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ كلاهما من المهاجرين، فلم يكن بينهما مؤاخاة، بل آخى بين عليّ وسهل بن حنيف، فعُلم أنه لم يؤاخ عليّاً، وهذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين والأنصار، لم تكن بين مهاجري ومهاجري.
السابع: أن قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى" إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة، لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلاً باتفاق أهل العلم بالحديث.
وأما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا أنه قاله بغدير خم مرة واحدة، لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلاً.
الثامن: أنه تقدم الكلام على المؤاخاة، وأن فيها عموماً وإطلاقاً لا يقتضي الأفضلية والإمامة، وأن ما ثبت للصّدّيق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره، كقوله: "لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً"، وإخباره: أن أحب الرجال إليه أبو بكر، وشهادة الصحابة له أنه أحبهم إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وغير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روي عن المؤاخاة باطل نقلاً ودلالة.(3/54)
التاسع: أن مِنَ الناس مَنْ يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض، لأنه روي فيها أحاديث، لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن، وكل ما روي في ذلك فإنه باطل: إما أن يكون من رواية مَنْ يتعمد الكذب، وإما أن يكون أخطأ فيه، ولهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئاً من ذلك.
والذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومعلوم أنه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض وبين الأنصار بعضهم مع بعض، لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، ولكان يذكر في أحاديث المؤاخاة، ويذكر كثيراً، فكيف وليس في هذا حديث صحيح، ولا خرَّج أهل الصحيح من ذلك شيئاً.
وهذه الأمور يعرفها مَنْ كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة والسيرة المتواترة، وأحوال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وسبب المؤاخاة وفائدتها ومقصودها، وأنهم كانوا يتوارثون بذلك، فآخى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين المهاجرين والأنصار، كما آخى بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، ليعقد الصلة بين المهاجرين والأنصار، حتى أنزل الله تعالى: { وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأنفال: 75] وهي المحالفة التي أنزل الله فيها: { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } [النساء: 33](1).
وقد تنازع الفقهاء: هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، الأول: مذهب أبي حنيفة، والثاني: مذهب مالك والشافعي.
الفصل السابع
الرد على من يثبت الإمامة لعليّ بقوله إنه اختص بحب الله ورسوله دون غيره
__________
(1) انظر تفسير الطبري (ط. المعارف) 8/272 .(3/55)
قال الرافضي: السابع: ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما حاصر خيبر تسعاً وعشرين ليلة، وكانت الراية لأمير المؤمنين عليّ، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب، وخرج مرحب يتعرض للحرب، فدعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبا بكر، فقال له: خذ الراية، فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتهد ولم يغن شيئاً، ورجع منهزماً، فلما كان من الغد تعرَّض لها عمر، فسار غير بعيد، ثم رجع يخبر أصحابه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: جيئوني بعليّ، فقيل: إنه أرمد، فقال: أرونيه أروني رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليس بفرَّار، فجاءوا بعليّ، فتفل في يده ومسحها على عينيه ورأسه فبرئ، فأعطاه الراية، ففتح الله على يديه، وقتل مرحباً، ووَصْفُهُ عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره، وهو يدل على أفضليته، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وأما قوله: "رواه الجمهور" فإن الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا، بل الذي في الصحيح أن عليّاً كان غائباً عن خيبر، لم يكن حاضراً فيها، تخلّف عن الغزاة لأنه كان أرمد، ثم إنه شقَّ عليه التخلف عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فلحقه، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قبل قدومه: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه". ولم تكن الراية قبل ذلك لأبي بكر ولا لعمر، ولا قربها واحد منهما، بل هذا من الأكاذيب، ولهذا قال عمر: "فما أحببت الإمارة إلا يومئذ، وبات الناس كلهم يرجون أن يُعطاها، فلما أصبح دعا عليّاً، فقيل له: إنه أرمد، فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ، فأعطاه الراية".
وكان هذا التخصيص جزاء مجيء عليّ مع الرمد، وكان إخبار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك وعليّ ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلَّى الله عليه وسلَّم، فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلاً.(3/56)
الثاني: أن إخباره أن عليّاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله حق، وفيه رد على النواصب، لكن الرافضة الذين يقولون: إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا، لأن الخوارج تقول لهم: هو ممن ارتد أيضاً، كما قالوا لَمّا حكم الحكمين: إنك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه.
قال الأشعري في كتاب "المقالات"(1): "أجمعت الخوارج على كفر عليّ"(2).
وأما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة، لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة، والرافضة تقدح فيها، فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على أن عليّاً مات مؤمناً، بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم، لأن أصلهم فاسد.
وليس هذا الوصف نم خصائص عليّ، بل غيره يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لكن فيه الشهادة لعينه بذلك، كما شهد لأعيان العشرة بالجنة، وكما شهد لثابت بن قيس بالجنة، وشهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله ورسوله، وقد كان ضربه في الحد مرات.
وقول القائل: "إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره".
فيه جوابان:
أحدهما: أنه إن سلَّم ذلك، فإنه قال: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه"، فهذا المجموع اختصّ به، وهو أن ذلك الفتح كان على يديه، ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون أفضل من غيره، فضلاً عن أن يكون مختصاً بالإمامة.
الثاني: أن يقال: لا نسلِّم أن هذا يوجب التخصيص. كما لو قيل: لأعطين هذا المال رجلاً فقيراً، أو رجلاً صالحاً، ولأدعون اليوم رجلاً مريضاً صالحاً، أو لأعطين هذه الراية رجلاً شجاعاً، ونحو ذلك، لم يكن في هذه الألفاظ ما يوجب أن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد، بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك.
__________
(1) في "مقالات الإسلاميين" 1/156 .
(2) مقالات الإسلاميين: على إكفار عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه أن حكم...(3/57)
ولهذا لو نذر أن يتصدق بألف درهم على رجل صالح أو فقير، فأعطى هذا المنذر لواحدٍ، لم يلزم أن يكون غيره ليس كذلك، ولو قال: أعطوا هذا المال لرجل قد حجَّ عني، فأعطوه رجلاً، لم يلزم أن غيره لم يحج عنه.
الثالث: أنه لو قُدِّر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت، فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن أفضل منه بعد ذلك.
الرابع: أنه لو قدَّرنا أفضليته، لم يدل ذلك على أنه إمام معصوم منصوص عليه، بل كثير من الشيعة الزيدية ومتأخري المعتزلة وغيرهم يعتقدون أفضليته، وأن الإمام هو أبو بكر، وتجوز عندهم ولاية المفضول. وهذا مما يجوزه كثير من غيرهم، ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض، أو ممن يرى أن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحدٍ معين، فإن من لم يكن له خبرة بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك.
وأما أئمة المسلمين المشهورين فكلهم متفقون على أن أبا بكر وعمر أفضل من عثمان وعليّ، ونقل هذا الإجماع غيرُ واحد، كما روى البيهقي في كتاب "مناقب الشافعي" – مسنده عن الشافعي – قال: "ما اختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر وتقديمهما على جميع الصحابة"(1).
__________
(1) وردت هذه العبارة في كتاب "مناقب الشافعي" لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر (ط. دار التراث، القاهرة، 1391/ 1971) 1/434 وجاء بعدها: "وإنما اختلف من اختلف منهم في عليّ وعثمان: منهم من قدم عليّاً على عثمان، ومنهم من قدم عثمان على عليّ، ونحن لا نخطئ أحداً من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما فعلوا".(3/58)
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: "كنا نفاضل على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فنقول: خير الناس بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أبو بكر ثم عمر"(1).
وقد تقدم نقل البخاري عن عليّ هذا الكلام.
والشيعة الذين صحبوا عليّاً كانوا يقولون ذلك، وتواتر ذلك عن عليّ من نحو ثمانين وجهاً. وهذا مما يقطع به أهل العلم، ليس هذا مما يخفى على مَنْ كان عارفاً بأحوال الرسول والخلفاء.
الفصل الثامن
إثبات أن حديث الطير من المكذوبات الموضوعات
__________
(1) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما – مع اختلاف في الألفاظ – في: البخاري 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، باب فضل أبي بكر) ولفظه: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم"، 5/14-15 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب عثمان)، سنن أبي داود 4/287 (كتاب السنة، باب في التفضيل) عن طريقين في أولهما زيادة: "ثم نترك أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا نفاضل بينهم"، كتاب فضائل الصحابة، الأرقام 53-58، 61-63، 401، مجمع الزوائد 9/58، المسند (ط. المعارف) الأرقام 4626، 4797 .(3/59)
قال الرافضي: "الثامن: خبر الطائر. روى الجمهور كافة أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بطائر، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطائر، فجاء عليّ، فدق الباب، فقال انس: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على حاجة، فرجع. ثم قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما قال أولاً، فدق الباب، فقال أنس: ألم أقل لك إنه على حاجة؟ فانصرف، فعاد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فعاد عليّ فدق الباب أشد من الأولين، فسمعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فأذن له بالدخول، وقال: ما أبطأك عني؟ قال: جئت فردني أنس، ثم جئت فردني أنس، ثم جئت فردني الثالثة، فقال: يا أنس ما حملك على هذا؟ فقال: رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار، فقال: يا أنس أوَ في الأنصار خير من عليّ؟ أوَ في الأنصار أفضل من عليّ؟ فإذا كان أحب الخلق إلى الله، وجب أن يكون هو الإمام".
والجواب من وجوه: أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وقوله: "روى الجمهور كافة" كذب عليهم؛ فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح، ولا صححه أئمة الحديث، ولكن هو مما رواه بعض الناس، كما رووا أمثاله في فضل غير عليّ، بل قد رُوي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة، وصُنِّف في ذلك مصنفات. وأهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا ولا هذا.
الثاني: أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل(1)
__________
(1) قال أبو عبد الرحمن: خرّج الشيخ أحمد ميرين البلوشي حديث الطائر وتتبع طرقه في تحقيقه لكتاب "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه" للإمام النسائي ص29 وما بعدها فأجاد وأفاد، ولنفاسة ذلك التخريج أذكره لإخواني طلبة العلم لينتفعوا به.
قال الشيخ البلوشي وللحديث عن أنس ثلاثون طريقاً:-
* الأولى: طريق السدي عن أنس.
أخرجه الترمذي: المناقب (5: 300) وأبو يعلى كما في المقصد العلي (ق 2/123) وابن عدي في الكامل (2/3/69) وابن المغازلي في مناقب علي (171) وابن عساكر (12: 124، 125) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1: 226) والخوارزمي في "المناقب" (59) ونقل ابنُ عساكر عن الدارقطني قوله في المسند: تفرد به عيسى بن عمر عن السدي. قلتُ: بل تابعه فيه الحارث بن نبهان عن السدي عند ابن عساكر، والحارث متروك كما في "التقريب".
* الثانية: طريق حماد بن المختار، عن عبد الملك بن عمير عنه.
أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/226) وابن المغازلي (171) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في العلل (1: 228) وابن المؤيد الجويني في "فرائد السمطين" (1: 209)، وحماد بن المختار هذا نقل ابن الجوزي عن ابن عدي قوله فيه: "شيعي مجهول". وقال الذهبي في المغني. (1: 83) "لا أعرفه".
* الثالثة: عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن المثنى عن عبد الله بن أنس عنه. أخرجه أبو يعلى في "المسند" كما في "المطالب العالية" (ق 556) وابن عدي (ق 2/32) وابن المغازلي (172) وابن عساكر (12: 122) وجعفر بن سلميان وإن وثق فهو من غلاة الروافض كما في "الميزان" (1: 408) والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته كما تقدم. وعبد الله بن المثنى قال عنه في التقريب: "صدوق كثير الغلط".
* الرابعة: أبو الهندي عن أنس.
أخرجه ابن شاذان في جزء من مشيخته (ق102) والخطيب في "تاريخ بغداد" (3: 171) وابن المغازلي (166) وابن عساكر (12: 124) وابن الجوزي في العلل (1: 227). وأبو الهندي قال عنه الخطيب: "مجهول، واسمه لا يعرف" وكذا قال عنه الذهبي في "الميزان" (4: 583).
* الخامسة: عن إسماعيل بن سَلْمان – بسكون اللام – الأزرق عنه.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1: 358) والبزار كما في "مختصر زوائد مسنده" (ق363) وابن المغازلي (161) والخوارزمي (65) وإسماعيل الأزرق قال عنه ابن نمير والنسائي: متروك، وقال أبو حاتم. والدارقطني: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء. انظر: الميزان (1: 232).
* السادسة: عن عثمان الطويل عنه.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2: 3) وابن المغازلي (162) وابن عساكر (12: 123) وعثمان الطويل مجهول الحال لم يوثقه إلا ابن حبان كما في "اللسان" (4:159) وقال: "ربما أخطأ" ولا يعتمد توثيقه لتساهله. ولا يُعرف لعثمان سماع من أنس كما قال البخاري.
* السابعة: عن محمد بن عياض عن يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنه.
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (ق 2/109) وابن يونس في "تاريخ مصر" كما في اللسان (5: 58) والحاكم (3: 130) وقال: "صحيح على شرط الشيخين" وتعقبه الذهبي بقوله: "ابن عياض لا أعرفه" وقال عنه الحافظ في "اللسان" (5: 58) "مجهول".
* الثامنة: عن إسماعيل بن سليمان الرازي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه.
أخرجه الطبراني في الأوسط كما في "مجمع البحرين" (3: 340) والخطيب في تاريخه (9: 36) وابن عساكر (12: 125) وابن الجوزي في "العلل" (1: 227) وإسماعيل بن سليمان هو أخو إسحاق بن سليمان. قال الذهبي في المغني: (1: 82) "ضعَّفه غير واحد، قال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم".
* التاسعة: عن مسلم بن كيسان عنه.
أخرجه الخطيب في الموضح (2: 398) وابن المغازلي (168) وابن الجوزي في "العلل" (1: 232) وابن عساكر (12: 123، 125). ومسلم هذا قال عنه الفلاس: متروك الحديث، وعن ابن معين: ليس بثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه. انظر الميزان (4: 106).
* العاشرة عن إبراهيم بن باب عن ثابت البناني عنه.
أخرجه العقيلي (1:46) والحاكم (3: 131) وإبراهيم بن باب هو البصري، قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 10): "ضعيف واهٍ".
* الحادية عشرة: عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي عنه.
أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1: 232) وابن المغازلي في "مناقب علي" (163) وابن عساكر (12: 124) وابن المؤيد الجويني في "فرائد السمطين" (1: 212). وبشر بن الحسين قال عنه البخاري: "فيه نظر" وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير. التاريخ الكبير (2: 17) والجرح والتعديل (2: 355).
* الثاني عشرة: عن عبد الله بن محمد بن عمارة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عنه.
أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6: 339) وابن الجوزي في العلل (1: 225). وابن عمارة هذا قال عنه الذهبي في "الميزان" (2: 489) "مستور ما وثق ولا ضعف" وقال الحافظ في ترجمته من "اللسان" (3: 336): "أورد له الدارقطني في "الغرائب" عن مالك عن إسحاق بن عبد الله عن أنس حديث الطير وهو منكر، وقال: تفرد به ابن عمارة عن مالك وعيرهُ أثبت منه".
* الثالثة عشرة: عن أبي مكيس دينار عنه.
أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان" (ص169) والخطيب (8: 382) وابن الجوزي في "العلل" (1: 229) وأبو مكيس قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 224): ساقط. قال ابن حبان: "يروي عن أنس أشياء موضوعة".
* الرابعة عشرة: عن يغنم بن سالم عنه.
أخرجه ابن المغازلي (164: 171) ويغنم هذا قال عنه ابن حبان في "المجروحين" (3: 145): "شيخ يضع الحديث على أنس بن مالك" وقال الذهبي في "المغني" (2: 760): "هالك".
* الخامسة عشرة: عن علي بن الحسن حدثنا خليد بن دعلج، عن قتادة عنه.
أخرجه ابن المغازلي (169) وابن عساكر (12: 123) وعلي بن الحسن هو السامي قال عنه الذهبي في "الميزان" (3: 120): "هو في عداد المتروكين". وخليد بن دعلج ضعفه ابن معين وأحمد، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالمتين في الحديث، حدث عن قتادة أحاديث منكرة. انظر التهذيب (3: 158).
* السادسة عشرة: عن خالد بن عبيد عنه.
أخرجه ابن المغازلي (173) وابن الجوزي في "العلل" (1: 229). وخالد هذا قال البخاري: في حديثه نظر وقال الحاكم: حدث عن أنس بموضوعات. الميزان (1: 634).
* السابعة عشرة: عن عبد الله بن زياد أبي العلاء عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 123) وعبد الله بن زياد قال عنه البخاري في "التاريخ" (5:95): "منكر الحديث" وعليّ بن زيد هو ابن جدعان قال عنه الحافظ: "ضعيف".
* الثامنة عشرة: عن ميمون أبي خلف عنه.
أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (1: 358) والعقيلي (4: 189) وابن عساكر (12: 123، 124). وميمون أبو خلف هو ابن جابر، قال أبو زرعة: متروك، وقال العقيلي: لا يصح حديثه. لسان الميزان (6: 140).
* التاسعة عشرة: عن عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد – الصادق – عن أبيه عنه.
أخرجه أبو الشيخ في "طبقات المحدثين" (ق223) وابن الجوزي في العلل (1: 232)، وعبد الله بن ميمون هو القداح، قال عنه الحافظ: "منكر الحديث متروك".
* العشرون: عن محمد بن زكريا بن دُويد عن حميد الطويل عنه.
أخرجه ابن المغازلي (156)، ومحمد بن زكريا قال عنه الذهبي في الميزان (3: 549): "روى عن حميد الطويل خبراً باطلاً. والراوي عنه هو علي بن صدقة الجوهري لا أعرفه" قلت: هو الراوي عنه حديث الطير.
* الحادية والعشرون: عنالحسن بن عبد الله الثقفي عن نافع عنه.
أخرجه ابن المغازلي (167). والحسن الثقفي هذا قال عنه الذهبي في الميزان (1: 501): "منكر الحديث" ونافع هو ابن هرمز واه.
* الثانية والعشرون: عن محمد بن سليم عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 124)، ومحمد بن سليم مجهول. قال الحافظ في "اللسان" (5: 192) "لا يعرف".
* الثالثة والعشرون: عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عنه.
أخرجه ابن عساكر (12: 122) وابن الجوزي في "العلل" (1: 231). وفي سند ابن عساكر "عبد السلام بن راشد" قال عنه الذهبي في "المغني" (1: 394) "لا يُدرى مَنْ ذا" وفي سند ابن الجوزي العباس بن بكار قال الذهبي في "المغني" (1: 328): "كذبه الدارقطني".
* الرابعة والعشرون: عن أبي النضر سالم مولى عمر بن عبيد الله عنه.
أخرجه ابن الجوزي في العلل (1: 230) وفي إسناده أحمد بن سعيد بن فرقد قال الذهبي في "الميزان" (1: 100) "روى حديث الطير بإسناد الصحيحين فهو متهم بوضعه".
* الخامسة والعشرون: عن مفضل بن صالح عن الحسن بن الحكم عنه.
أخرجه ابن الجوزي (1: 231)، ومفضل هذا قال البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات فوجب ترك الاحتجاج به. التهذيب (10: 271).
* السادسة والعشرون: حماد عن إبراهيم النخعي عنه.
أخرجه ابن الأثير في "أسد الغابة" (4: 30) وفي سنده محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي متهم بالوضع كما في "الميزان" (3: 478).
* السابعة والعشرون: عن عبد الملك بن أبي سليمان عنه.
أخرجه البخاري في التاريخ (2: 3) وأبو الحسين النرسي في "جزء من حديث أبي محمد (ق136) وابن المغازلي (157) وإسناده منطقع، قال البخاري: عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس مرسل. وكذا قال أبو حاتم. انظر المراسيل (ص132).
* الثامنة والعشرون: عن يحيى بن أبي كثير عنه.
أخرجه الطبراني في الأوسط كما في "مجمع البحرين" (3: 340) ويحيى مدلس ولم يسمع من أنس. انظر الميزان (4: 402).
* التاسعة والعشرون: عن خالد بن عبيد أبي عصام عنه.
أخرجه ابن عدي (3: 896) وخالد هذا قال عنه الحافظ: "متروك".
* الثلاثون: عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه، عن جده وعن أنس.
أخرجه الخطيب (11: 376) وابن الجوزي في العلل (1:230). وعمر بن عبد الله ضعفه أحمد والنسائي، وقال البخاري: يتكلمون فيه، وقال الدارقطني: متروك. الميزان (3: 211). وعبد الله بن يعلى قال الذهبي في "الميزان" (2: 528): "ضعفه غير واحد" قال البخاري: فيه نظر".
هذا ما تيسر لي جمعه من طرق هذا الحديث عن أنس، وإن كان أقل من ثلث طرقه عنه على ما ذكره ابن كثير في "البداية والنهايةط (7: 353) عن الذهبي أنه ألف جزءاً من طرق هذا الحديث قال: "فبلغ عدد من رواه عن أنس بضعة وتسعين نفساً، أقرب هذه الطرق غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية" ثم سرد أسماء الذين رووه عن أنس.
ورُوِي أيضاً من حديث سفينة، وابن عباس وعلي، ويعلى بن مرة.
وحديث سفينة له عنه ثلاث طرق:
* الأولى: عن مطير أبي خالد عن ثابت البجلي عنه.
أخرجه أبو يعلى في المسند كما في "المطالب العالية" (ق556) وابن عساكر (12: 126) وابن المؤيد في "فرائد السمطين" (1: 214) ومطير هذا قال عنه أبو حاتم: متروك، وقال أبو زرعة: ضعيف. الجرح والتعديل (8: 394).
* الثانية: عن بريدة بن سفيان عنه.
أخرجه البزار كما في "مختصر زوائد مسنده" (ق263) وابن المغازلي (175) وابن عساكر (12: 126). وبريدة بن سفيان قال عنه الدارقطني: متروك. المغني (1: 102).
* الثالثة: عن سليمان بن قَرْم، عن فطر بن خليفة عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عنه. في "المجروحين" (1: 332): "رافضي غالي يقلب الأخبار" وقال ابن حجر: "سيئ الحفظ" وفطر بن خليفة قال عنه الذهبي في "المغني" (2: 516): "شيعي جلد صدوق".
ومن حديث ابن عباس.
أخرجه العقيلي (4: 82-83) والطبراني في الكبير (10: 343) وابن عدي (3: 859) وابن المغازلي (164) وابن عساكر (12: 122) والخوارزمي في "المناقب" (50) من طريق محمد بن شعيب عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده. ومحمد بن شعيب قال عنه الحافظ في "اللسان" (5: 199): "مجهول" {وفيها كذلك سليمان بن قرم وتقدم ما فيه وأورده الهيثمي في المجمع (9: 126) وعزاه إلى الطبراني وقال: "وفيه محمد بن شعيب (في المجمع والمعجم: سعيد وهو خطأ) شيخٌ يروي عنه سليمان بن قرم ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفيه ضعف. أ.هـ.}.
* ومن حديث عليّ بن أبي طالب.
أخرجه ابن عساكر (12: 122) من طريق عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب حدثني أبي، عن أبيه عن جده، عن علي. وعيسى بن عبد الله قال عنه الدارقطني: "متروك" كما في المغني (2: 498).
وحديث يعلى بن مرة تقدم في الطريق الثلاثين عن أنس وعنه.
قال الحافظ بن كثير في "البداية والنهاية" (7: 354): "وقد رُوي من حديث يعلى ابن مرة والإسناد إليه مظلم، ورُوِي من حديث حبشي بن جنادة ولا يصح أيضاً، ومن حديث أبي رافع نحوه وليس بصحيح".
وحديث الطير مع ضعف أسانيده رُوِي بألفاظ متعارضةٍ متضاربةٍ، فيه اضطراب من ثلاثة أوجه:
الأول: الاختلاف في نوع الطير، فعند أبي يعلى، وابن عدي عن أنس أنه كان "حجلاً" وعند الخطيب عنه – أعني أنساً – وعند ابن عساكر عن علي أنه "حُباري" وعند ابن المغازلي عن أنس أنه "يعاقيب" وعنده عنه "نحامة" وعند عساكر في رواية "دجاجة".
الثاني: الاختلاف في عدد الطيور، في بعض الروايات أنه كان طيراً أو دجاجة، أو نحامة، وجاء في بعض الروايات "أطيار" و"طوائر" و"نحامات".
الثالث: الاختلاف فيمن أهدى الطير، ففي رواية العقيلي والطبراني هي"أم أيمن" وعند ابن عساكر وابن المغازلي "امرأة من الأنصار"، وأم أيمن، ليست أنصارية.
والاضطراب في المتن علة قادحة بصحة الحديث أو حسنه. وقد ضعف هذا الحديث جمهور أئمة الحديث وحسنه البعض وإليكم بيان ذلك:
قال العقيلي في "الضعفاء" (1: 46) "وهذا الباب الرواية فيها لين، وضعف، ولا نعلم فيه شيئاً ثابتاً، وهكذا قال محمد بن إسماعيل البخاري".
وقال البزار: "رُوي عن أنس من وجوه، وكل من رواه عنه فليس بالقوي".
وقد بالغ أبو بكر بن أبي داود (ت316) في رد هذا الحديث وإنكاره كما في "سير الأعلام" (13: 232).
وقال أبو يعلى الخليلي (ت446) في "الإرشاد" (ق82): "ما روي في حديث الطير ثقة. رواه الضعفاء مثل إسماعيل بن سليمان الأزرق وأشباههم، ويرده جميع أئمة الحديث".
ونقل ابن الجوزي في العلل (1: 233) عن محمد بن طاهر المقدسي (ت507) قوله: "كل طرقه – أي حديث الطير – باطلة معلولة".
وعن الحافظ محمد بن ناصر السلامي (ت550) "حديث موضوع، إنما جاء من سقاط أهل الكوفة عن المشاهير والمجاهيل عن أنس وغيره". المنتظم (7: 275).
أورده ابن الجوزي (ت597) في "العلل" (1: 233) من ست عشرة طريقاً مبيناً علة كل واحدة منها وقال: "قد ذكره ابن مردويه من نحو عشرين طريقاً كلها مظلم وفيها مطعن".
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت728): "إن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل". منهاج السنة (4: 99).
ويقول الحافظ الذهبي (ت748) في "سير أعلام النبلاء" (13: 233): "وحديث الطير على ضعفه، فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه".
وممن ضعفه وكتب في رده وتضعيفه سنداً ومتناً مجلداً كبيراً أبو بكر الباقلاني (ت403) كما في "البداية والنهاية" (7: 354).
ويقول الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (7: 351، 354) "وهذا الحديث قد صنف الناس فيه وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر". ثم ذكر بعض طرقه وقال: "وفي الجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر، وإن كثرت طرقه".
ويقول كمال الدين الدميري (ت808) في "حياة الحيوان" (2: 240) حديث الطير رواه الطبراني، وأبو يعلى، والبزار من عدة طرق كلها ضعيفة، وقد صححه الحاكم، وهو من الأحاديث المستدركة على المستدرك".
ونقل الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص382) عن المجد محمد بن يعقوب الفيروزآبادي (ت817) في المختصر عن هذا الحديث قوله: "له طرق كثيرة كلها ضعيفة".
وكذا ضعفه الشيخ الألباني في تعليقه على "مشكاة المصابيح" (3: 245) تعليقاً على قول الترمذي: "هذا حديث غريب" قال: "أي ضعيف، وهو كما قال".
وممن قوى حديث الطير.
ابن شاهين (ت385) فيما نقله عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق (12: 123) أنه أخرج الحديث من طريق صالح بن عبد الكبير، عن عبد الله بن زياد أبي العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس، وقال: "تفرد بهذا الحديث عبد القدوس بن محمد عن عمه صالح بن عبد الكبير، لا أعلم حدث به غيره، وهو حديث حسن".
قلت: في هذا التحسين نظر، لأن صالح بن عبد الكبير بن شعيب مجهول، لم يرد عنه غير ابن أخته عبد القدوس بن محمد كما في الميزان (2: 298). وعبد الله بن زياد أبو العلاء قال البخاري عنه في التاريخ الكبير (5: 95): "منكر الحديث". وعلي بن زيد هو ابن جدعان قال أحمد: ضعيف، وعن ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري وأبو حاتم: لا يحتج به. الميزان (3: 128).
وصححه الحاكم في المستدرك على شرط الشيخين كما تقدم في الطريق السابق عن أنس، وقال: "قد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفساً، ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد الخدري، وسفينة". ونِعْمَ ما علق الحافظ الذهبي على قول الحاكم: "قد رواه عن أنس" بقوله: "فصلهم بثقة يصح الإسناد إليه" وعلى قوله: "ثم صحت الرواية عن عليّ" بقوله: "لا والله ما صح شيء من ذلك" انظر: البداية والنهاية (7: 35).
ونقل الحافظ الذهبي في السير (17: 168) وتذكرة الحفاظ (3: 1042) عن أبي نعيم الحداد سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: "كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال: "لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم" ثم قال الذهبي: "فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في المستدرك؟!! فكأنه اختلف اجتهاده".
وكذا اختلف فيه قول الحافظ ابن حجر. فقال في "لسان الميزان" (3: 336): "هو خبر منكر" وحسّنه في "الأجوبة عن أحاديث وقعت في مصابيح السنة ووصفت بالوضع" ملحقة بآخر مشكاة المصابيح (3: 313) قال: "السدي إسماعيل بن عبد الرحمن أخرج له مسلم، ووثقه جماعة منهم شعبة وسفيان ويحيى القطان". قلت: يشير إلى رواية الترمذي والنسائي في الخصائص والتي تقدمت برقم (10) وبينت هناك أن السدي وصف بالغلو في التشيع، والغالي لا تُقبل روايته فيما يقوي به بدعته ولو كان ثقة كما قرره الحافظ نفسه. فارجع إليه.(3/60)
. قال أبو موسى المديني: "قد جمع غير واحد من الحفَّاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار والمعرفة، كالحاكم النيسابوري، وأبي نُعيم، وابن مردويه. وسئل الحاكم عن حديث الطير فقال: لا يصح".
هذا مع أن الحاكم منسوب إلى التشيع، وقد طُلب منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية فقال: ما يجيء من قلبي، ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك فلم يفعل. وهو يروي في "الأربعين" أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث، كقوله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، لكن تشيعه وتشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث، كالنسائي وابن عبد البر وأمثالهما، لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر وعمر، فلا يُعرف في علماء الحديث من يفضِّله عليهما، بل غاية المتشيع منهم أن يفضّله على عثمان، أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله ونحو ذلك، لأن علماء الحديث قد عصمهم وقيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين، ومن ترفّض ممن له نوع اشتغال بالحديث، كابن عُقدة وأمثاله، فهذا غايته أن يجمع ما يُروي في فضائله من المكذوبات والموضوعات، لا يقدر أن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين، فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث أكثر مما صح في فضائل عليّ وأصح وأصرح في الدلالة.
وأحمد بن حنبل لم يقل: إنه صحّ لعليّ من الفضائل ما لم يصح لغيره، بل أحمد أجلّ من أن يقول مثل هذا الكذب، بل نُقل عنه أنه قال: "رُوي له ما لم يُرو لغيره" مع أن في نقل هذا عن أحمد كلاماً ليس هذا موضعه.
الثالث: أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه، فإن إطعام الطعام مشروع للبرّ والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا، فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله؟!(3/61)
الرابع: أن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة؛ فإنهم يقولون: إن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يعلم أن عليّاً أحب الخلق إلى الله، وأنه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله.
الخامس: أن يقال: إما أن يكون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يعرف أن عليّاً أحب الخلق إلى الله، أو ما كان يعرف. فإن كان يعرف ذلك، كان يمكنه أن يرسل يطلبه، كما كان يطلب الواحد من الصحابة، أو يقول: اللهم ائتني بعليّ فإنه أحب الخلق إليك، فأي حاجة إلى الدعاء والإبهام في ذلك؟! ولو سَمَّى عليّاً لاستراح أنس من الرجاء الباطل، ولم يغلق الباب في وجه عليّ.
وإن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يعرف ذلك، بطل ما يدّعونه من كونه كان يعرف ذلك. ثم إن في لفظه: "أحب الخلق إليك وإليّ" فكيف لا يعرف أحب الخلق إليه؟!
السادس: أن الأحاديث الثابتة في الصحاح، التي أجمع أهل الحديث على صحتها وتلقّيها بالقبول، تناقض هذا، فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لمي صححوه؟!
يبيّن هذا لكل متأملٍ ما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما من فضائل القوم، كما في الصحيحين أنه قال: ”لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً“. وهذا الحديث مستفيض، بل متواتر عند أهل العلم بالحديث؛ فإنه قد أخرج في الصحاح من وجوه متعددة، من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وابن عباس وابن الزبير، وهو صريح في أنه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد أحب إليه من أبي بكر؛ فإن الخلة هي كمال الحب، وهذا لا يصلح إلا لله، فإذا كانت ممكنة، ولم يصلح لها إلا أبو بكر، عُلم أنه أحب الناس إليه.
وقوله في الحديث الصحيح لما سئل: "أيُّ الناس أحب إليك؟ قال: ”عائشة“ قيل: من الرجال؟ قال: ”أبوها“.
وقول الصحابة: "أنت خيرنا وسيدنا وأحب إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم" يقوله عمر بين المهاجرين والأنصار، ولا ينكر ذلك منكر.(3/62)
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم محبته تابعة لمحبة الله، وأبو بكر أحبهم إلى الله تعالى، فهو أحبهم إلى رسوله.
وإنما كان كذلك لأنه أتقاهم وأكرمهم، وأكرم الخلق على الله تعالى أتقاهم بالكتاب والسنة.
وإنما كان أتقاهم لأن الله تعالى قال: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].
وأئمة التفسير يقولون: إنه أبو بكر(1).
ونحن نبيّن صحة قولهم بالدليل فنقول: الأتقى قد يكون نوعاً وقد يكون شخصاً. وإذا كان نوعاً فهو يجمع أشخاصاً. فإن قيل: إنهم ليس فيهم شخص هو أتقى، كان هذا باطلاً، لأنه لا شك أن بعض الناس أتقى من بعض، مع أن هذا خلاف قول أهل السنة والشيعة، فإن هؤلاء يقولون: إن أتقى الخلق بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من هذه الأمة هو أبو بكر، وهؤلاء يقولون: هو عليّ. وقد قال بعض الناس: هو عمر. ويُحكى عن بعض الناس غير ذلك. ومن توقف أو شَكَّ لم يقل: إنهم مستوون في التقوى. فإذا قال: إنهم متساوون في الفضل، فقد خالف إجماع الطوائف. فتعين أن يكون هذا أتقى.
وإن كان الأتقى شخصاً، فإما أن يكون أبا بكر أو عليّاً. فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه، وهو النوع، وهو القسم الأول، أو معيناً غيرهما. وهذا القسم منتف باتفاق أهل السنة والشيعة، وكونه عليّاً باطل أيضاً لأنه قال: { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].
وهذا الوصف منتف في عليّ لوجوه:
__________
(1) قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: "وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، حتى أن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك".(3/63)
أحدها: أن هذه السورة مكية بالاتفاق، وكان عليٌّ فقيراً بمكة في عيال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولم يكن له مالٌ ينفق عنه، بل كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد ضمّه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة.
الثاني: أنه قال: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } [الليل: 19].
وعليّ كان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عنده نعمة تجزى، وهو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله. بخلاف أبي بكر؛ فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية، لكن كان له عنده نعمة الدين، وتلك لا تُجزى؛ فإن أجر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيها على الله، لا يقدر أحد يجزيه. فنعمة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عند أبي بكر دينية لا تجزى، ونعمته عند عليّ دنيوية تجزى، ودينية.
وهذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تُجزى، وهذا الوصف لأبي بكر ثابت دون عليّ.
فإن قيل: المراد به أنه أنفق ماله لوجه الله، لا جزاء لمن أنعم عليه. وإذا قُدِّر أن شخصاً أعطى من أحسن إليه أجراً، وأعطى شيئاً آخر لوجه الله، كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى.
قيل: هب أن الأمر كذلك، لكن عليّ لو أنفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والنبي له عنده نعمة تجزى، فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة، كما يخلص إنفاق أبي بكر.(3/64)
وعليّ أتقى من غيره، لكن أبا بكر أكمل في وصف التقوى، مع أن لفظ الآية أنه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تُجزى. وهذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه، فلا يبقى لمخلوق عليه منّة. وهذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقاً لا يساويه فيه أحد من المهاجرين؛ فإنه لم يكن في المهاجرين: - عمر وعثمان وعليّ وغيرهم – رجل أكثر إحساناً إلى الناس، قبل الإسلام وبعده، بنفسه وماله من أبي بكر. كان مؤلّفاً محبباً يعاون الناس على مصالحهم، كما قال فيه ابن الدُّغُنَّة سيد القارة لما أراد أن يخرج من مكة: "مثلك يا أبا بكر لا يَخْرُج ولا يُخْرَج؛ فإنك تحمل الكل، وتُقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق"(1).
__________
(1) الحديث عن عائشة رضي الله عنها في: البخاري 5/58-61 (هذه العبارات في ص58) (كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابه إلى المدينة). وانظر الخبر في: سيرة ابن هشام 2/11-13. وفي تعليق المحققين: "واسم ابن الدغنة: مالك. وقد ضبطه القسطلاني بفتح الدال وكسر الغين وفتح النون مخففة، ويضم الدال وفتح النون مشددة".(3/65)
وفي صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود: "امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟ قال لأبي بكر: لولا يَدٌ لك عندي لم أجزك بها لأجبتك"(1).
وما عُرف قط أن أحداً كانت له يدٌ على أبي بكر في الدنيا، لا قبل الإسلام ولا بعده، فهو أحق الصحابة: { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } فكان أحق الناس بالدخول في الآية.
__________
(1) الحديث عن المسور بن مخرمة ومروان يصدق كل واحد منهما صاحبه في: البخاري: 3/193-198 (كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط) وهذه العبارات في ص194، المسند (ط. الحلبي) 4/323-326، 328-331. وقال ابن حجر في "فتح الباري" 5/340: "قوله: امصص بظر اللات. زاد ابن عائذ من وجه آخر عن الزهري – وهي – أي اللات – طاغيته التي يعبد أي طاغية عروة. وقوله: امصص، بألف وصل ومهملتين، الأولى مفتوحة، بصيغة الأمر. وحكى ابن التين عن رواية القابسي: بضم الصادر الأولى، وخطّاها، والبظر: بفتح الموحّدة وسكون المعجمة: قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة. واللات: اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعيدونها، وكانت عادة العرب الشتم بذلك، لكن بلفظ الأم، فأراد أبو بكر المبالغة في سبّ عروة بإقامة من كان يُعبد مقام أمه، وحمله على ذلك ما أغضبه به من نسبة المسلمين إلى الفرار، وفيه جواز النطق بما يُستبشع من الألفاظ لإرادة زجر من بدامنه ما يستحق به ذلك".(3/66)
وأما عليّ رضي الله عنه فكان للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه نعمة دنيوية. وفي المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يَسْقُط السوط من يده فلا يقول لأحد: ناولني إياه. ويقول: إن خليلي أمرين أن لا أسال الناس شيئاً(1).
وفي المسند والترمذي وأبي داود حديث عمر، قال عمر: "أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”ما أبقيت لأهلك“؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده. فقال: ”ما أبقيت لأهلك“؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً".
فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله، ومع هذا فلم يكن يأكل من أحد: لا صدقةً ولا صلةً ولا نذراً، بل كان يتجر ويأكل من كسبه، ولما وَلِيَ الناس واشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله ورسوله الذي جعله الله له، لم يأكل من مال مخلوق.
__________
(1) الحديث بمعناه في المسند (ط. المعارف) 1/180-181 (رقم 65) عن ابن أبي مليكة قال: كان ربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته فينيخها، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حبيبي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرني أن لا أسأل الناس شيئاً. قال المحقق رحمه الله: "إسناده ضعيف لانقطاعه". وجاءت أحاديث كثيرة عن عدد من الصحابة فيها أمر من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك، انظر: مسلم 2/721 (كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس)، المسند (ط. الحلبي) 5/181 .(3/67)
وأبو بكر لم يكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعطيه شيئاً من الدنيا يخصه به، بل كان في المغازي كواحد من الناس، بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين. وقد استعمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وما عُرف أنه أعطاه عمالة، وقد أعطى عمر عمالة وأعطى عليّاً من الفيء، وكان يعطي المؤلّفة قلوبهم من الطلقاء وأهل نجد، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار لا يعطيهم، كما فعل في غنائم حُنين وغيرها، ويقول: "إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي. أعطي رجالاً لما في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل رجالاً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير"(1).
ولما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه، فقالوا: يا رسول الله أما ذوو الرأي منّا فلم يقولوا شيئاً، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعوا إلى رحالكم برسول الله، فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به“ قالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا. قال: ”فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله على الحوض" قالوا: سنصبر“(2).
__________
(1) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ – عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه في: البخاري 2/10-11 (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد)، 9/156 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: إن الإنسان خلق هلوعاً...)، المسند (ط. الحلبي) 5/69 .
(2) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: البخاري 4/94 (كتاب فرض الخمس باب ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يعطي المؤلفة قلوبهم...)، مسلم 2/733-734 (كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام...)، المسند (ط. الحلبي) 3/165-166، 275 .(3/68)
وقوله تعالى: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21] استثناء منقطع. والمعنى: لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك؛ فإن هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض، بمنزلة المعاوضة في المبايعة والمؤاجرة.
وهذا واجب لكل أحد على كل أحد، فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة، فيكون عطاؤه خالصاً لوجه ربه الأعلى، بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج أن يجزيه لها، فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك. وهذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكّى، فإنه في معاملته للناس يكافئهم دائماً ويعاونهم ويجازيهم، فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزى.
وفيه أيضاً ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات. كما قال تعالى: { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } [البقرة: 219]، ومن تكون عليه ديون وفروض وغير ذلك أدّاها، ولا يقدّم الصدقة على قضاء هذه الواجبات، ولو فعل ذلك: فهل ترد صدقته؟ على قولين معروفين للفقهاء.(3/69)
وهذه الآية يحتج بها من تُرد صدقته، لأن الله إنما أثنى على من آتى ماله يتزكّى، وما لأحد عنده من نعمة تجزى، فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه أن يجزيها قبل أن يؤتي ماله يتزكّى، فأما إذا آتى ماله يتزكّى قبل أن يجزيها لم يكن ممدوحاً، فيكون عمله مردوداً، لقوله عليه الصلاة والسلام: ”من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد“(1).
الثالث: أنه قد صح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”ما نفعني مال كمال أبي بكر“، وقال: ”إنّ أمَنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر“، بخلاف عليّ رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شيئاً من إنفاق المال، وقد عُرف أن أبا بكر اشترى سبعة من المعذّبين في الله في أول الإسلام، وفعل ذلك ابتغاءً لوجه ربّه الأعلى، لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب، الذي أعان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأجل نسبه وقرابته، لا لأجل الله تعالى ولا تقرباً إليه.
وإن كان "الأتقى" اسم جنس، فلا ريب أنه يجب أن يدخل فيه أتقى الأمة، والصحابة خير القرون، فأتقاها أتقى الأمة، وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما عليّ وإما غيرهما. والثالث منتفٍ بالإجماع، وعليّ إن قيل: إنه يدخل في هذا النوع، لكونه بعد أن صار له مال آتى ماله يتزكّى، فيقال: أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه، فيكون أكمل في الوصف، الذي يكون صاحبه هو الأتقى.
__________
(1) جاء الحديث عن عائشة بهذا اللفظ أو بلفظ: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ". انظر: البخاري 3/69 (كتاب البيوع، باب النجش)، 3/184 (كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فهو مردود)، 9/107 (كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ...)، مسلم 3/1343-1344 (كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور) سنن أبي داود 4/280 (كتاب السنة، باب في لزوم السنة). والحديث في سنن ابن ماجه ومسند أحمد.(3/70)
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إنما كان يقدّم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة، كاستخلافه في الصلاة والحج، ومصاحبته وحده في سفر الهجرة، ومخاطبته وتمكينه من الخطاب، والحكم والإفتاء بحضرته ورضاه بذلك، إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفها.
ومن كان أكمل في هذا الوصف، كان أكرم عند الله، فيكون أحب إليه. فقد ثبت بالدلائل الكثيرة أن أبا بكر هو أكرم الصحابة في الصديقيّة. وأفضل الخلق بعد الأنبياء الصدِّيقون، ومن كان أكمل في ذلك كان أفضل.
وأيضاً فقد ثبت في النقل الصحيح عن عليّ أنه قال: "خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر" واستفاض ذلك وتواتر عنه، وتوعّد بجلد المفتري من يفضّله عليه، وروي عنه أنه سمع ذلك من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا ريب أن عليّاً لا يقطع بذلك إلا عن علم.
وأيضاً فإن الصحابة أجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر أفضل منه وأبو بكر أفضل منهما. وهذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع، وتقدّم بعض ذلك، ولكن ذُكر هذا لنبين أن حديث الطير من الموضوعات.
الفصل التاسع
سيد المرسلين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باتفاق المسلمين
قال الرافضي: "التاسع: ما رواه الجمهور أنه أمر الصحابة أن يسلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، وقال: إنه سيد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين. وقال: هذا وليّ كل مؤمن بعدي. وقال في حقّه: إن عليّاً مني وأنا منه، أولى بكل مؤمن ومؤمنة، فيكون عليّ وحده هو الإمام لذلك. وهذه نصوص في الباب".
والجواب من وجوه:
أحدهما: المطالبة بإسناده وبيان صحته، وهو لم يعزه إلى كتاب على عادته. فأما قوله: "رواه الجمهور" فكذب، فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن وغير ذلك. فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يُروى أمثاله، فعُلِم أن مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين.(3/71)
والله تعالى قد حرَّم علينا الكذب، وأن نقول عليه ما لا نعلم. وقد تواتر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”مَن كَذَب عليَّ مُتعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار“(1).
الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث، وكل من له أدنى معرفة بالحديث(2) يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه: لا الصحاح، ولا السنن، ولا المساند المقبولة.
الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإن قائل هذا كاذب، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم منزّه عن الكذب. وذلك أن سيد المسلمين وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم باتفاق المسلمين.
فإن قيل: عليّ هو سيدهم بعده.
__________
(1) الحديث عن عدد من الصحابة منهم الزبير بن العوام وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنه في عدة مواضع من البخاري منها: 1/33 (كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم)، مسلم 4/2298-2299 (كتاب الزهد، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم). والحديث في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه والدارمي، وهو في المسند في مواضع كثيرة منها (ط. المعارف) الأرقام 6486، 6888، 7006 وذكر ابن الجوزي في مقدمة كتابه "الموضوعات" عن هذا الحديث إنه: "قد رواه من الصحابة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أحد وستون نفساً وأنا أذكره عنهم. قال الشيخ: شاهدته فذكره في غيره هذه النسخة عن ثمانية وتسعين منهم عبد الرحمن بن عوف ومنهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه".
(2) لم أجد هذا الحديث.(3/72)
قيل: ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل، بل هو مناقض لهذا؛ لأن أفضل المسلمين المتّقين المحجّلين هم القرون الأول ولم يكن لهم على عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم سيد ولا إمام ولا قائد غيره، فكيف يخبر عن شيء بعد أن لم يحضر، ويترك الخبر عمّا هم أحوج إليه، وهو حكمهم في الحال ؟
ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فمن يقود عليّ ؟
وأيضاً فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجّلين كفّار أو فسّاق، فلمن يقود ؟
وفي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”وددت أني قد رأيت إخواني“. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال: ”أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد“. قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ قال: ”أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غرٌّ محجّلة بين ظهري خيل دُهم بُهم، ألا يعرف خيله“؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ”فإنهم يأتون يوم القيامة غرّاً محجّلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض“ الحديث.
فهذا يبيّن أنّ كلّ من توضّأ وغسل وجهه ويديه ورجليه فإنه من الغرّ المحجّلين، وهؤلاء جماهيرهم إنما يقدّمون أبا بكر وعمر. والرافضة لا تغسل بطون أقدامها ولا أعقابها، فلا يكونون من المحجّلين في الأرجل، وحينئذ فلا يبقى أحد من الغرّ المحجلين يقودهم، ولا يُقادون مع الغرّ المحجلين؛ فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم، وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد(1).
__________
(1) في "اللسان": "وفي الحديث في صفة الخيل: الأقرح المحجّل. قال ابن الأثير: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه في مواضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين لأنها مواضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود. ومنه الحديث: أمتي الغرّ المحجّلون، أي بيض مواضع الوضوء من الأيدي والوجه والأقدام، استعار أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه".(3/73)
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار“. ومعلوم أن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجّلاً، وإنما الحجلة بياض اليد أو الرجل، فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجّلين، فيكون قائد الغر المحجلين بريئاً منه كائناً من كان.
ثم كون عليّ سيدهم وإمامهم وقائدهم بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مما يُعلم بالاضطرار أنه كذب، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يقل شيئاً من ذلك بل كان يفضّل عليه أبا بكر وعمر تفضيلاً بيّناً ظاهراً عرفه الخاصة والعامة، حتى أن المشركين كانوا يعرفون منه ذلك.
ولما كان يوم أحد قال أبو سفيان، وكان حينئذ أمير المشركين: أفي القوم محمد ؟ أفي القوم محمد ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“. فقال: أفي القوم ابن الخطاب ؟ أفي القوم ابن الخطاب ؟ ثلاثاً. فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“ فقال أبو سفيان لأصحابه: أمّا هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد بقي لك ما يسوءك. وقد ذكر باقي الحديث، رواه البخاري وغيره.
فهذا مقدّم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، لعله وعلم الخاص والعام أن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر، وأن قيامه بهم، ودلّ ذلك على أنه كان ظاهراً عند الكفار أن هذين وزيراه وبهما تمام أمره، وأنهما أخص الناس به، وأن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما.(3/74)
وهذا أمر كان معلوم للكفّار، فضلاً عن المسلمين. والأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا. وكما في الصحيحين عن ابن عباس قال: وُضع عمر على سريره فتكنّفه الناس يدعون له ويُثنون عليه ويصلُّون عليه قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي، فالتفت، فإذا هو عليّ فترحّم على عمر، وقال: ما خلّفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذلك أني كثيراً ما كنت أسمع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ”جئت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما“(1).
فلم يكن تفضيلهما عليه وعلى أمثاله مما يخفى على أحد. ولهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليّاً يقدّمون أبا بكر وعمر عليه، إلا من ألحد منهم. وإنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان.
وكذلك قوله: "هو وليّ كل مؤمن بعدي" كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل هو في حياته وبعد مماته وليّ كل مؤمن، وكل مؤمن وليّه في المحيا والممات. فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان. وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها: والي كل مؤمن بعدي، كما يقول في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الوليّ والوالي قُدِّم الوالي في قول الأكثر. وقيل: يقدّم الولي.
فقول القائل: "عليّ ولي كل مؤمن بعدي" كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول: بعدي. وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: والٍ على كل مؤمن.
وأما قوله لعليّ: "أنت مني وأنا منك" فصحيح في غير هذا الحديث.
__________
(1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 5/9-10، 11 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب حدثنا الحميدي..، باب مناقب عمر بن الخطاب..)، مسلم 4/1858-1859 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر).(3/75)
ثبت أنه قال له ذلك عام القضية، لما تنازع هو وجعفر وزيد بن حارثة في حضانة بنت حمزة، فقضى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بها لخالتها، وكانت تحت جعفر. وقال: "الخالة أم". وقال لجعفر: "أشبهت خَلْقي وخُلُقي". وقال لعليّ: "أنت مني وأنا منك". وقال لزيد: "أنت أخونا ومولانا".
وفي الصحيحين عنه أنه قال: "إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر، أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم" فقال للأشعريين: "هم مني وأنا منهم" كما قال لعليّ: "أنت مني وأنا منك" وقال لجليبيب: "هذا مني وأنا منه" فعُلم أن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة، ولا على أن من قيلت له كان هو أفضل الصحابة.
الفصل العاشر
سيد العترة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وليس عليّ رضي الله عنه
قال الرافضي: "العاشر: ما رواه الجمهور من قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض. وقال: أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح: من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته، وعليُّ سيدهم، فيكون واجب الطاعة على الكل، فيكون هو الإمام".
والجواب من وجوه:
أحدها: أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم: "قام فينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطيباً بماءٍ يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة، فقال: ”أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ربي، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به“ فحثّ على كتاب الله، ورغّب فيه. ثم قال: ”وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي“(1).
__________
(1) الحديث في مسلم 4/1873-1874 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عليّ بن أبي طالب).(3/76)
وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجُعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله.
وهكذا جاء في غير هذا الحديث، كما في صحيح مسلم عن جابر في حجّة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال: ”قد تركت فيكم ما لن تضلّوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تُسألون عني فما أنتم قائلون“؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت وأدّيت ونصحت. فقال بإصبعه السبّابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس: ”اللهم اشهد“ ثلاث مرات(1).
وأما قوله: "وعترتي أهل بيتي. وأنها لن يفترقا حتى يردا على الحوض" فهذا رواه الترمذي(2). وقد سئل عنه أحمد بن حنبل فضعّفه، وضعّفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا: لا يصح. وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة. قالوا: ونحن نقول بذلك، كما ذكر ذلك القاضي أبو يعلى وغيره.
لكن أهل البيت لم يتفقدوا – ولله الحمد – على شيء من خصائص مذهب الرافضة، بل هم المبرّؤون المنزّهون عن التدنس بشيء منه.
وأما قوله: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح" فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يُعتمد عليها، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطّاب الليل اللذين يروون الموضوعات فهذا مما يزيده وَهْناً.
__________
(1) سبق هذا الحديث مختصراً فيما مضى ص23 .
(2) سبق أن علقت على هذا الحديث فيما مضى. وهذه الرواية ألفاظها قريبة من رواية الترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". وذكر الترمذي حديثاً آخر 5/327-328 عن جابر بن سعيد ألفاظه مقاربة. وقال: "وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد. هذا حديث غريب حسن من هذا الوجه. وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم".(3/77)
الوجه الثاني: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال عن عثرته: إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض، وهو الصادق المصدوق، فيدل على أن إجماع العترة حجة. وهذا قول طائفة من أصحابنا، وذكره القاضي في "المعتمد". لكن العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العباس، وولد عليّ، وولد الحارث بن عبد المطلب، وسائر بني أبي طالب وغيرهم. وعليُّ وحده ليس هو العترة، وسيد العترة هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
يبيّن ذلك أن علماء العترة – كابن عباس وغيره – لم يكونوا يوجبون اتّباع عليّ في كل ما يقوله، ولا كان عليّ يوجب على الناس طاعته في كل ما يُفتي به، ولا عُرف أن أحداً من أئمة السلف – لا من بني هاشم ولا غيرهم – قال: إنه يجب اتّباع عليّ في كل ما يقوله.
الوجه الثالث: أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته، بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدّمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية، وكذلك سائر بني هاشم من العباسيين والجعفريين وأكثر العلويين وهم مقرّون بإمامة أبي بكر وعمر، وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.
والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت، من بني هاشم، من التابعين وتابعيهم، من ولد الحسين بن عليّ، وولد الحسن، وغيرهما: أنهم كانوا يتولّون أبا بكر وعمر، وكانوا يفضلونهما على عليّ. والنقول عنهم ثابتة متواترة.(3/78)
وقد صنّف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب "ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة"(1) وذكر فيه من ذلك قطعة، وكذلك كل من صنّف من أهل الحديث في السنة، مثل كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد و"السنة" للخلال، و"السنة" لابن بطّة، و"السنة" للآجري واللالكائي والبيهقي وأبي ذرّ الهروي والطلمنكي وأبي حفص بن شاهين، وأضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها، مثل كتاب "فضائل الصحابة" للإمام أ؛مد ولأبي نُعيم وتفسير الثعلبي، وفيها من ذكر فضائل الثلاثة ما هو من أعظم الحجج عليه. فإن كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه، وإلا فلا يحتج به.
الوجه الرابع: أن هذا معارض بما هو أقوى منه، وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع. والعترة بعض الأمة، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة. وأفضل الأمة أبو بكر كما تقدم ذكره ويأتي. وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتّباع قول أفضلها مطلقاً. وإن لم يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام، وإن لم يجب أن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة عليّ. فنسبة أبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة عليّ إلى العترة بعد نبيها على قول هذا.
الفصل الحادي عشر
الرد على من ادعى الإمامة لعلي سنداً لحديث المحبة
__________
(1) لم أجد هذا الكتاب في سزكين ولكنه ذكر (م1 ج1 ص424) كتاب "فضائل الصحابة".(3/79)
قال الرافضي: "الحادي عشر: ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته. روى أحمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخذ بيد حسن وحسين، فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة(1).
__________
(1) الحديث عن علي بن حسين عن أبيه عن جده في كتاب "فضائل الصحابة" 2/693-694 (رقم 1185) بألفاظ مقاربة وقال المحقق في تعليقه: "في إسناده عليّ بن جعفر بن محمد الصادق، لم يُذكر بجرح ولا تعديل، والباقون ثقات. قال الذهبي في الميزان (3: 117) في ترجمة عليّ: "ما هو شرط كتابي، لأني ما رأيت أحداً ليّنه، نعم ولا من وثّقه، ولكن حديثه منكر جداً، ما صححه الترمذي ولا حسّنه، ثم ذكر هذا الحديث". وقال في سير النبلاء (4: ل108): إسناده ضعيف والمتن منكر، وأخرجه الترمذي (5: 641) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه. وقد رأينا أن الذهبي أنكر أن يكون الترمذي حسّنه. قال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2: 25): والتحسين ثابت في بعض نسخ الترمذي دون بعض. وذكر في التهذيب (10: 43) أنه لما حدّث نصر بن عليّ هذا الحديث أمر المتوكل بضربه ألف سوط".(3/80)
وروى ابن خالويه عن حذيفة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها: كوني فكانت، فليتولّ عليّ بن أبي طالب من بعدي. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ: حبك إيمان وبغضك نفاق، وأول من يدخل الجنة محبّك، وأول من يدخل النار مبغضك، وقد جعلك الله أهلا لذلك، فأنت مني وأنا منك، ولا نبي بعدي. وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو آخذ بيد عليّ وهو يقول: هذا وليي وأنا وليّه، عاديت من عادى، وسالمت من سالم. وروى أخطب خوارزم عن جابر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: جاءني جبريل من عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض: إني قد افترضت محبة عليّ على خلقي فبلّغهم ذلك عني. والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين، وهي تدل على أفضليته واستحقاقه للإمامة".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل، وهيهات له بذلك. وأما قوله: "رواه أحمد" فيقال: أولاً: أحمد له المسند المشهور، وله كتاب مشهور في "فضائل الصحابة" روى فيه أحاديث، لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف، لكونها لا تصلح أن تُروى في المسند، لكونها مراسيل أو ضعافاً بغير الإرسال. ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات، ثم إن القطيعي – الذي رواه عن ابنه عبد الله – زاد عن شيوخه زيادات وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة.(3/81)
وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهّال، فهم ينقلون من هذا المصنّف، فيظنون أن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه أحمد نفسه، ولا يميّزون بين شيوخ أحمد وشيوخ القطيعي. ثم يظنون أن أحمد إذا رواه فقد رواه في المسند، فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد قط، كما فعل ابن البطريق، وصاحب "الطرائف" منهم، وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم. وهذا غير ما يفترونه من الكذب، فإن الكذب كثير منهم.
وبتقدير أن يكون أحمد روى الحديث، فمجرد رواية أحمد لا توجب أن يكون صحيحاً يجب العمل به، بل الإمام أحمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها. وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط، لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم.
مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي(1)، رواه عن نصر بن عليّ الجهضمي عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(2). والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" وبيّن أنه موضوع(3). وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على أن هذا الحديث صحيح باتفاق أهل العلم. وكذلك رواية خطيب خوارزم؛ فإن في روايته من الأكاذيب المختلقة ما هو من أقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم.
__________
(1) الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 2/693-694 (رقم 1185) وفيه: "حدثنا عبد الله قال حدثني نصر..
(2) فضائل الصحابة: قال أخبرني عليّ بن جعفر بن محمد بن عليّ بن حسين بن عليّ قال: أخبرني أخي موسى بن جعفر.. إلخ. ونقلت قبل صفحات قليلة ما ذكره محقق "فضائل الصحابة" في تعليقه على هذا الحديث.
(3) ذكر ابن الجوزي هذا الحديث الموضوع على البراء وزيد بن أرقم رضي الله عنهما مع اختلاف في الألفاظ، وقال عن الرواية الأولى: "قال الأزدي: كان إسحاق بن إبراهيم يضع الحديث". وقال عن الثانية: "وهو العدوي الكذاب الوضّاع ولعله سرقه من النحوي". وذكر الحديث ابن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة" 1/361 وانظر ما ذكره عنه.(3/82)
الوجه الثاني: أن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث وأهل المعرفة، يعلمون علماً ضرورياً يجزمون به أن هذا كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث: لا الصحاح، ولا المساند، ولا السنن، ولا المعجمات، ولا نحو ذلك من الكتب.
الثالث: أن من تدبّر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مثل قوله: من أحب أن يتمسّك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده، ثم قال لها: كوني فكانت. فهذه من خرافات الحديث. وكأنهم لما سمعوا أن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له كن فكان، قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم، وآدم خلق من تراب، ثم قال له: كن فكان، فصار حيّاً بنفخ الروح فيه.
فأما هذا القصب فبنفس خلقه كمل، ثم لم يكن له بعد هذا حال يُقال له فيها: كن، ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة، بل قد رُوي في عدة آثار: أن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: آدم، والقلم، وجنة عدن، ثم قال لسائر خلقه كن فكان. فلم يُذكر فيها هذه الياقوتة.
ثم أيّ عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يَجْعَل على هذا وعداً عظيماً.
وكذلك قوله: أول من يدخل النار مبغضك. فهل يقول مسلم: إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام وفرعون وأبي لهب وأمثالهم من المشركين ؟!
وكذلك قوله: أول من يدخل الجنة محبّك. فهل يقول عاقل: إن الأنبياء والمرسلين دخولهم الجنة أولاً هو حب عليّ دون حب الله ورسوله وسائر الأنبياء ورسله، وحب الله ورسله هو السبب في ذلك. وهل تعلّق السعادة والشقاوة بمجرد حب عليّ دون حب الله ورسوله، إلا كتعلقها بحبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية رضي الله عنهم؟ فلو قال قائل: من أحب عثمان ومعاوية دخل الجنة، ومن أبغضهما دخل النار، كان هذا من جنس قول الشيعة.
الفصل الثاني عشر(3/83)
إثبات كذب بعض الأحاديث المفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
في حب عليّ
قال الرافضي: "الثاني عشر: روى أخطب خوارزم بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من ناصب عليّاً الخلافة فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن شكّ في عليّ فهو كافر. وعن أنس قال: كنت عند النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فرأى عليّاً مقبلاً فقال: أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة. وعن معاوية بن حَيْدة القشيري قال: سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعليّ: من مات وهو يبغضك مات يهودياً أو نصرانياً".
والجواب من وجوه:
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل. وهذا على سبيل التنزل، فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا لو لم يُعلم ما في جمعه من الأحاديث من الكذب والفِرية، فأما من تأمّل ما في جمع هذا الخطيب فإنه يقول: سبحانك هذا بهتان عظيم !
الثاني: أن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم(1).
__________
(1) روى ابن الجوزي الحديث الأخير في كتابه "الموضوعات" 1/385 بسند آخر ونصه فيه: "من مات وفي قلبه بغض لعليّ بن أبي طالب فليمت يهودياً أو نصرانياً" قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع، والمتهم به عليّ بن قرين. قال العقيلي: هو وضع هذا الحديث، وقال يحيى بن معين: هو كذاب خبيث. وقال البغوي: كان يكذب".
وأما الحديث الأول فلم أجده ولكن ذكر السيوطي حديثاً موضوعاً منسوباً إلى جابر رضي الله عنه في كتاب "اللآلئ المصنوعة" 1/328 ونصه: "عليّ خير البشر فمن أبى فقد كفر" وانظر كلام السيوطي عليه.(3/84)
الثالث: أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة والتابعون فأين ذكرها بينهم ؟ ومن الذي نقلها عنهم ؟ وفي أي كتاب وُجد أنهم رووها ؟ ومن كان خبيراً بما جرى بينهم علم بالاضطرار أن هذه الأحاديث مما ولّدها الكذّابون بعدهم، وأنها مما عملت أيديهم.
الوجه الرابع: أن يُقال: علمنا بأن المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون الله ورسوله، وأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يحبّهم ويتولاهم، أعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث، وأن أبا بكر الإمام بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فكيف يجوز أن يُرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي أقل وأحقر من أن يُقال لها: أخبار آحاد لا يُعلم لها ناقل صادق، بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من أعظم المكذوبات، ولهذا لا يوجد منها شيء في كتب الأحاديث المعتمدة، بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها.
الوجه الخامس: أن القرآن يشهد في غير موضع برضا الله عنهم وثنائه عليهم، كقوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [التوبة: 100].
وقوله: { لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [الحديد: 10].
وقوله: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } [الفتح: 29].
وقوله: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } [الفتح: 18].(3/85)
وقوله: { لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً } [الحشر: 8]، وأمثال ذلك. فكيف يجوز أن يرد ما علمنا دلالة القرآن عليه يقيناً بمثل هذه الأخبار المفتراة، التي رواها من لا يخاف مقام ربّه ولا يرجو لله وقاراً ؟!
الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في عليّ، وتوجب أنه كان مكذّباً بالله ورسوله، فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم: هو وغيره. أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفّار. وأما عليّ فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص، بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين. وشر من قاتلهم عليّ هم الخوارج، ومع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفّار بل حرّم أموالهم وسبيهم، وكان يقول لهم قبل قتالهم: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ولا حقكم من فيئنا. ولما قتله ابن ملجم قال: إن عشت فأنا وليّ دمي، ولم يجعله مرتداً بقتله.
وأما أهل الجمل فقد تواتر عنه أنه نهى عن أن يتّبع مدبرهم، وأن يجهز على جريحهم، وأن يقتل أسيرهم، وأن تغنم أموالهم، وأن تسبى ذراريهم. فإن كان هؤلاء كفّاراً بهذه النصوص، فعليّ أول من كذّب بها، فيلزمهم أن يكون عليّ كافراً.
وكذلك أهل صفّين كان يصلّي على قتلاهم، ويقول: إخواننا بَغَوا علينا طهّرهم السيف. ولو كانوا عنده كفّاراً لما صلّى عليهم، ولا جعلهم إخوانه، ولا جعل السيف طهراً لهم.(3/86)
وبالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة عليّ رضي الله عنه أنه لم يكن يكفّر الذين قاتلوه، بل ولا جمهور المسلمين، ولا الخلفاء الثلاثة، ولا الحسن والحسين كفّروا أحداً من هؤلاء، ولا عليّ بن الحسين ولا أبو جعفر. فإن كان هؤلاء كفّاراً فأول من خالف النصوص عليّ وأهل بيته، وكان يمكنهم أن يفعلوا ما فعلت الخوارج، فيعتزلوا بدراً غير دار الإسلام، وإن عجزوا عن القتال، ويحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر والردة، كما يفعل مثل ذلك كثير من شيوخ الرافضة، وكان الواجب على عليّ إذا رأى أن الكفّار لا يؤمنون، أن يتخذ له ولشيعته داراً غير دار أهل الرّدّة والكفر، ويباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذّاب وأصحابه.
وهذا نبيّ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان بمكة هو وأصحابه في غاية الضعف، ومع هذا فكانوا يباينون الكفّار، ويظهرون مباينتهم بحيث يُعرف المؤمن من الكافر. وكذلك هاجر من هاجر منهم إلى أرض الحبشة، مع ضعفهم، وكانوا يباينون النصارى، ويتكلمون بدينهم قدّام النصارى.
وهذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود والنصارى، وهم مظهرون لدينهم، متحيّزون عن المسلمين.
فإن كان كل من يشكّ في خلافة عليّ كافراً عنده وعند أهل بيته، وليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد أنه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن لم يعتقد ذلك فهو مرتدٌّ عند عليّ وأهل بيته، فعليّ أول من بدّل الدين، ولم يميّز المؤمنين من الكافرين، ولا المرتدين من المسلمين.
وهب أنه كان عاجزاً عن قتالهم وإدخالهم في طاعته، فلم يكن عاجزاً عن مباينتهم، ولم يكن أعجز من الخوارج الذين هم شرذمة قليلة من عسكره، والخوارج اتخذوا لهم داراً غير دار الجماعة، وباينوهم كما كفّروهم، وجعلوا أصحابهم هم المؤمنين.(3/87)
وكيف كان يحلّ للحسن أن يسلّم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدّين، شرّ من اليهود والنصارى كما يدّعون في معاوية، وهل يفعل هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر؟ وقد كان الحسن يمكنه أن يقيم بالكوفة، ومعاوية لم يكن بدأه بالقتال، وكان قد طلب منه ما أراد، فلو قام مقام أبيه لم يقاتله معاوية. وأين قول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الثابت عنه في فضل الحسن: ”إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين“(1) فإن كان عليّ وأهل بيته – والحسن منهم – يقولون: لم يصلح الله إلا بين المؤمنين والمرتدّين، فهذا قدح في الحسن وفي جدّه الذي أثنى على الحسن، إن كان الأمر كما يقوله الرافضة.
فتبين أن الرافضة من أعظم الناس قدحاً وطعناً في أهل البيت، وأنهم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر، ونسبوهم إلى أعظم المنكرات، التي من فعلها كان من الكفّار. وليس هذا ببدع من جهل الرافضة وحماقاتهم.
__________
(1) الحديث عن أبي بكرة رضي الله عنه في: البخاري 3/186 (كتاب الصلح باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بن علي رضي الله عنهما إن بني هذا سيد...)، 4/204-205 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام)، 5/26 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما)، 9/56-57 (كتاب الفتن، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للحسن بن علي إن ابني هذا لسيد...). ولفظ البخاري: ... ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين. وفي لفظ: بين فئتين من المسلمين.
والحديث أيضاً في: سنن أبي داود 4/299-300 (كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة)، سنن الترمذي 5/323 (كتاب المناقب، باب حدثنا محمد بن بشار...)، سنن النسائي 3/87-88 (كتاب الجمعة، باب مخاطبة الإمام رعيته وهو على المنبر).(3/88)
ثم إن الرافضة تدّعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده، ليكون ذلك أدعى إلى أن يطيعوه فيرحموا. وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة أعظم من عليّ؛ فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدّين كفّاراً، والذين وافقوه، أذلاّء مقهورين تحت النقمة، لا يدٌّ ولا لسان، وهم مع ذلك يقولون: إن خلقه مصلحة ولطف، وإن الله يجب عليه أن يخلقه، وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به. وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة ؟
ثم إنهم يقولون: إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم، وهو يمكّن الخوارج الذين يكفرون به بدارٍ لهم فيها شوكة ومن قتال أعدائهم، ويجعلهم هم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة؛ فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم، وهؤلاء الذين يدّعي انهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده، وأنه لا هدى إلا بهم، ولا نجاة إلا بطاعتهم، ولا سعادة إلا بمتابعتهم – قد غاب خاتمتهم من أكثر من أربعمائة وخمسين سنة، فلم ينتفع به أحد في دينه ولا دنياه، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم.
ولهذا مازال أهل العلم يقولون: إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين: دين الإسلام، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فإن منتهى أمرهم تكفير عليّ وأهل بيته، بعد أن كفّروا الصحابة والجمهور.
ولهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتّب دعوته مراتب: أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع، ثم إذا طمع فيه قال له: عليّ مثل الناس، ودعاه إلى القدح في الرسول، ثم إذا طمع فيه دعاه إلى إنكار الصانع. هكذا ترتيب كتابهم الذي يسمونه "البلاغ الأكبر" و"الناموس الأعظم"، وواضعه الذي أرسل به إلى القرمطي الخارج بالبحرين، لما استولى على مكة، وقتلوا الحجّاج، وأخذوا الحجر الأسود، واستحلّوا المحارم، وأسقطوا الفرائض، وسيرتهم مشهورة عند أهل العلم.(3/89)
وكيف يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: من مات وهو يبغض عليّاً مات يهودياً أو نصرانياً، والخوارج كلهم تكفّره وتبغضه ؟! وهو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود والنصارى، بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة، ويحكم فيهم بغير ما يحكم به بين اليهود والنصارى.
وكذلك من كان يسبّه ويبغضه من بني أمية وأتباعهم. فكيف يكون من يصلّي الصلوات ويصوم شهر رمضان ويحج البيت ويؤدي الزكاة مثل اليهود والنصارى ؟! وغايته أن يكون قد خفي عليه كون هذا إماماً، أو عصاه بعد معرفته.
وكل أحد يعلم أن أهل الدين والجمهور ليس لهم غرض مع عليّ، ولا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول، وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماماً كانوا أسبق الناس إلى التصديق بذلك.
وغاية ما يُقدِّر أنهم خفي عليهم هذا الحكم. فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود والنصارى ؟!
وليس المقصود هنا الكلام في التفكير، بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يُعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنها مناقضة لدين الإسلام، وأنها تستلزم تكفير عليّ وتكفير من خالفه، وأنه لم يقلها من يؤمن بالله واليوم الآخر، فضلاً عن أن تكون من كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، بل إضافتها – والعياذ بالله – إلى رسول الله من أعظم القدح والطعن فيه. ولا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد إفساد دين الإسلام، فلعن الله من افتراها، وحسبه ما وعده به الرسول حيث قال: ”من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار“.
الفصل الثالث عشر
الرد على بعض النقول المعتمدة عند الرافضة لتكون حجة عليهم يوم القيامة(3/90)
قال الرافضي: "إن الإمامية لما رأوا فضائل أمير المؤمنين وكمالاته لا تحصى قد رواها المخالف والموافق، ورأوا الجمهور قد نقلوا عن غيره من الصحابة مطاعن كثيرة، ولم ينقلوا في عليّ طعناً ألبتة، اتّبعوا قوله وجعلوه إماماً لهم حيث نزَّهه المخالف والموافق، وتركوا غيره، حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته. ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً مما هو صحيح عندهم ونقوله في المعتمد من قولهم وكتبهم، ليكون حجة عليهم يوم القيامة.
فمن ذلك ما رواه أبو الحسن الأندلسي في "الجمع بين الصحاح الستة" موطأ مالك وصحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وصحيح الترمذي وصحيح النسائي عن أم سلمة زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن قوله تعالى: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33]. أنزلت في بيتها وأنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت ؟ فقال: إنك على خير، إنك من أزواج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. قالت: وفي البيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين فجللهم بكساء، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراًِ".(3/91)
والجواب أن يقال: إن الفضائل الثابتة في الأحاديث الصحيحة لأبي بكر عمر أكثر وأعظم من الفضائل الثابتة لعليّ، والأحاديث التي ذكرها هذا وذكر أنها في الصحيح عند الجمهور، وأنهم نقلوها في المعتمد من قولهم وكتبهم، هو من أبْيَن الكذب على علماء الجمهور؛ فإن هذه الأحاديث التي ذكرها أكثرها كذب أو ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث، والصحيح الذي فيها ليس فيه ما يدل على إمامة عليّ ولا على فضيلته على أبي بكر وعمر، بل وليست من خصائصه، بل هي فضائل شاركه فيها غيره، بخلاف ما ثبت من فضائل أبي بكر وعمر؛ فإن كثيراً منها خصائص لهما، لا سيما فضائل أبي بكر، فإن عامتها خصائص لم يشركه فيها غيره.
وأما ذكره من المطاعن، فلا يمكن أن يوجّه على الخلفاء الثلاثة من مطعن إلا وُجه على عليّ ما هو مثله أو أعظم منه.
فتبين أن ما ذكره في هذا الوجه من أعظم الباطل، ونحن نبيّن ذلك تفصيلاً.
وأما قوله: إنهم جعلوه إماماً لهم حيث نزّهه المخالف والموافق وتركوا غيره حيث روى فيه من يعتقد إمامته من المطاعن ما يطعن في إمامته".
فيقال: هذا كذب بيّن؛ فإن عليّاً رضي الله عنه لم ينزهّه المخالفون، بل القادحون في عليّ طوائف متعددة، وهم أفضل من القادحين في أبي بكر وعمر عثمان، والقادحون فيه أفضل من الغلاة فيه، فإن الخوارج متفقون على كفره، وهم عند المسلمين كلهم خير من الغلاة الذين يعتقدون إلاهيته أو نبوته، بل هم – والذين قاتلوه من الصحابة والتابعين – خير عند جماهير المسلمين من الرافضة الإثني عشرية، الذين اعتقدوه إماماً معصوماً.
وأبو بكر وعمر وعثمان ليس في الأمة من يقدح فيهم إلا الرافضة، والخوارج المكفِّرون لعليّ يوالون أبا بكر وعمر ويترضُّون عنهما، والمروانية الذين ينسبون عليّاً إلى الظلم، ويقولون: إنه لم يكن خليفة يوالون أبا بكر وعمر مع أنهما ليسا من أقاربهم، فكيف يُقال مع هذا: إن عليّاً نزَّهه المؤالف والمخالف بخلاف الخلفاء الثلاثة ؟(3/92)
ومن المعلوم أن المنزِّهين لهؤلاء أعظم وأكثر وأفضل، وأن القادحين في عليّ – حتى بالكفر والفسوق والعصيان – طوائف معروفة، وهم أعلم من الرافضة وأدين، والرافضة عاجزون معهم علماً ويداً، فلا يمكن الرافضة أن تقيم عليهم حجة تقطعهم بها، ولا كانوا معهم في القتال منصورين عليهم.
والذين قدحوا في عليّ رضي الله عنه وجعلوه كافراً وظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردة عن الإسلام، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة، كالغالية الذين يدّعون إلاهيته من النصيرية وغيرهم، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شر من النصيرية، وكالغالية الذين يدّعون نبوَّته؛ فإن هؤلاء كفار مرتدُّون، كفرهم بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم يدين الإسلام، فمن اعتقد في بشر الإلهية، أو اعتقد بعد محمد صلَّى الله عليه وسلَّم نبياً، أو أنه لم يكن نبياً بل كان عليّ هو النبي دونه وإنما غلط جبريل، فهذه المقالات ونحوها مما يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة.
بخلاف من يكفِّر عليّاً ويلعنه من الخوارج، وممن قاتله ولعنه من أصحاب معاوية وبني مروان وغيرهم؛ فإن هؤلاء كانوا مقرّين بالإسلام وشرائعه: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويصومون رمضان، ويحجون البيت العتيق، ويحرّمون ما حرم الله ورسوله، وليس فيهم كفر ظاهر، بل شعائر الإسلام وشرائعه ظاهرة فيهم معظمة عندهم، وهذا أمر يعرفه كل من عرف أحوال الإسلام، فكيف يُدَّعى مع هذا أن جميع المخالفين نزَّهوه دون الثلاثة ؟
بل إذا اعتُبر الذين كانوا يبغضونه ويوالون عثمان، والذين كانوا يبغضون عثمان ويحبون عليّاً، وُجِدَ هؤلاء خيراً من أولئك من وجوه متعددة، فالمنزِّهون لعثمان القادحون في عليّ أعظم وأدْيَن وأفضل من المنزِّهين لعليّ القادحين في عثمان، كالزيدية مثلاً.(3/93)
فمعلوم أن الذين قاتلوه ولعنوه وذمُّوه من الصحابة والتابعين وغيرهم هم أعلم وأدين من الذين يتولونه ويلعنون عثمان، ولو تخلّى أهل السنة عن موالاة عليّ رضي الله عنه وتحقيق إيمانه ووجوب موالاته، لم يكن في المتولّين له من يقدر أن يقاوم المبغضين له من الخوارج والأموية والمروانية؛ فإن هؤلاء طوائف كثيرة.
ومعلوم أن شر الذين يبغضونه هم الخوارج الذين كفَّروه، واعتقدوا أنه مرتد عن الإسلام، واستحلُّوا قتله تقرباً إلى الله تعالى، حتى قال شاعرهم عمران بن حطَّان:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا
فعارضه شاعر أهل السنة فقال:
يا ضربة من شقي ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
إني لأذكره حيناً فألعنه ... لعناً وألعن عمران بن حطّانا(3/94)
وهؤلاء الخوارج كانوا ثمان عشرة فرقة، كالأزارقة أتباع نافع بن الأزرق(1) والنجدات أتباع نجدة الحروري(2)
__________
(1) الأزارقة أتباع أبي راشد نافع بن الأزرق بن قيس الحنفي البكري الوائلي، من أهل البصرة، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم كان من أنصار الثورة على عثمان وممن والى علياً إلى أن خرج عليه في حروراء، وكان جباراً فتاكاً، ومن أشد الخوارج تطرفاً، قتل سنة 65. والأزارقة يكفرون عثمان وعلياً والزبير وطلحة، كما يكفرون القعدة عن القتال معهم، وقالوا بكفر أصحاب الكبائر وخلودهم في النار، وأن دار مخالفيهم دار كفر. انظر عن نافع بن الأزرق والأزارقة: لسان الميزان (6/144-145)، تاريخ الطبري (5/528-565، 566-568، 613؛ 614)، الأعلام (8/315-316)، مقالات الإسلاميين (1/157-162)، الملل والنحل 1/109-110؛ الفرق بين الفرق، ص(50-52)، التبصير في الدين، (ص29-30)، الفصل في الملل والنحل (5/25-53)، الخطط للمقريزي (2/354).
(2) النجدات أو النجدية أتباع نجدة بن عامر الحنفي، ولد سنة 36 وتوفى سنة 69 وكان في بادئ أمره من أتباع نافع بن الأزرق ثم خالفه واستقل بمذهبه، استقر أيام عبد الله بن الزبير بالبحرين وتسمى أمير المؤمنين وأقام بها خمس سنين إلى أن قتل. والنجدات – كما يقول الأشعري – لا يقولون مثل سائر الخوارج إن كل كبيرة كفر، ولا يقولون إن الله يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً، وزعموا أن من فعل صغيرة وأصر عليها فهو مشرك، ومن فعل كبيرة ولم يصرّ عليها فهو مسلم، وقال النجدات: ليس على الناس أن يتخذوا إماماً، إنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم. انظر عن نجدة والنجدات: لسان الميزان (6/148)، شذرات الذهب (1/76)، الكامل لابن الأثير (4/78-80)، الأعلام (8/324-325)، مقالات الإسلاميين (1/156، 262-264)، الفرق بين الفرق (ص52-54)، الملل والنحل (1/110-112)، التبصير في الدين (ص30-31)، الفصل في الملل والنحل (5/53)، الخطط للمقريزي (2/354).(3/95)
، والإباضية أتباع عبد الله بن إباض(1)، ومقالاتهم وسيرهم مشهورة في كتب المقالات والحديث والسير، وكانوا موجودين في زمن الصحابة والتابعين يناظرونهم ويقاتلونهم، والصحابة اتفقوا على وجوب قتالهم، ومع هذا فلم يكفّروهم ولا كفَّرهم عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأما الغالية في عليّ رضي الله عنه فقد اتفق الصحابة وسائر المسلمين على كفرهم، وكفَّرهم عليّ بن أبي طالب نفسه، وحرَّقهم بالنار. وهؤلاء الغالية يُقتل الواحد منهم المقدور عليه، وأما الخوارج فلم يقاتلهم عليّ حتى قتلوا واحداً من المسلمين، وأغاروا على أموال الناس فأخذوها، فأولئك حكم فيهم عليّ وسائر الصحابة بحكم المرتدين، وهؤلاء لم يحكموا فيهم بحكم المرتدين.
__________
(1) الإباضية أتباع عبد الله بن إباض المقاعسي المري التميمي من بني مرة بن عبيد بن مقاعس، اختلف المؤرخون في سيرته وتاريخ وفاته، كان معاصراً لمعاوية وعاش إلى أواخر عصر عبد الملك بن مروان وتوفي على الأرجح سنة 86ه. قال الإباضية إن مخالفيهم من أهل القبلة كفار غير مشركين، ودار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد، إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي، وأجمعوا على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر النعمة لا كفر الملة، وانقسموا إلى حفصية وحارثية ويزيدية. انظر عن عبد الله بن إباض والإباضية: لسان الميزان (3/248)، الأعلام (4/184-186) مقالات الإسلاميين (1/170-176)، الملل والنحل (1/121-122)، الفرق بين الفرق (ص61-65)، التبصير في الدين (ص34-35)، الفصل في الملل والنحل (5/51) الخطط للمقريزي (2/355)، الإباضية في موكب التاريخ لعلي يحيى معمر (ط. مكتبة وهبة 1384/ 1964)، الإباضية في دائرة المعارفة الإسلامية لموتيلنسكي.(3/96)
وهذا مما يبين أن الذين زعموا أنهم والوه دون أبي بكر وعمر عثمان يوجد فيهم من الشر والكفر باتفاق عليّ وجميع الصحابة ما لا يوجد في الذين عادوه وكفَّروه، ويبين أن جنس المبغضين لأبي بكر وعمر شر عند عليّ وجميع الصحابة من جنس المبغضين لعلي.
وأما حديث الكساء فهو صحيح رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة(1)، ورواه مسلم في صحيحه(2) من حديث عائشة. قالت: خرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذات غَداة وعليه مِرْطٌ مُرَحَّل(3) من شعر أسود، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء عليّ فأدخله، ثم قال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].
وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فليس هو من خصائصه. ومعلوم أن المرأة لا تصلح للإمامة، فعُلم أن هذه الفضيلة لا تختص بالأئمة، بل يشاركهم فيها غيرهم. ثم إن مضمون هذا الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لهم بأن يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً.
وغاية ذلك أن يكون دعا لهم بأن يكونوا من المتّقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم، واجتناب الرجس واجب على المؤمنين، والطهارة مأمور بها كل مؤمن.
قال الله تعالى: { مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } [المائدة: 6]. وقال: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم } [التوبة: 103].
وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة: 222].
__________
(1) سبق الحديث ص
(2) 4/1883 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت صلَّى الله عليه وسلَّم).
(3) قال شارح صحيح مسلم: (مرط مرحّل): المرط كساء، جمعه مروط. المرحّل هو الموشى المنقوش عليه صور رحال الإبل.(3/97)
فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور.
والصديق رضي الله عنه قد أخبر الله عنه بأنه: { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل: 17-21].
وأيضاً فإن السابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه: { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 100] لابد أن يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور، فإن هذا الرضوان وهذا الجزاء إنما يُنال بذلك. وحينئذ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم. فما دعا به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأهل الكساء هو بعض ما وصف الله به السابقين الأوَّلين. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لغير أهل الكساء بأن يصلّي الله عليهم، ودعا لأقوام كثيرين بالجنة والمغفرة وغير ذلك، مما هو أعظم من الدعاء بذلك، ولم يلزم أن يكون من دعا له بذلك أفضل من السابقين الأوَّلين.
ولكن أهل الكساء لما كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفعل التطهير، دعا لهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بأن يعينهم على فعل ما أمرهم به، لئلا يكونوا مستحقين للذم والعقاب، ولينالوا المدح والثواب.
الفصل الرابع عشر
الرد على من ادعى الإمام لعلي محتجاً بتقديمه الصدقة عند النجوى دون غيره(3/98)
قال الرافضي: "في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً } [المجادلة: 12] قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يعمل بهذه الآية غيري، وبي خفف الله عن هذه الأمة أمر هذه الآية"(1).
__________
(1) قال أبو عبد الرحمن: ذكر الإمام النسائي رحمه الله تعالى في "خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.. ص161 حديثاً قريباً من هذا: عن عليّ بن علقمة عن علي قال: لما أنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لعلي: "مرهم أن يتصدقوا"، قال: بكم يا رسول الله ؟ قال: "بدينار"، قال: لا يطيقون. قال: "فنصف دينار". قال: لا يطيقون. قال: "فبكم"؟ قال: بشعيرة. فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنك لزهيد" فأنزل الله تعالى: { أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ } إلى آخر الآية. وكان علي يقول: بي خُفّف عن هذه الأمة.
وقال المحقق الشيخ البلوشي: إسناده ضعيف. علي بن علقمة الأنماري قال البخاري: في حديثه نظر، وذكره العقيلي وابن الجارود في الضعفاء. وقال عنه ابن حبان في الضعفاء: منكر الحديث، ينفرد عن عليّ بما لا يشبه حديثه. وذكره أيضاً في ثقاته. وذكره الذهبي في الضعفاء، وقال ابن حجر: مقبول الثقات (5:163)، المجروحين (7:365)، التقريب (ص247).
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (12: 81) وعبد بن حميد (90) والترمذي (4: 80) والبزار (ق 60/1) وابن جرير في تفسيره (28: 21) وابن حبان (544-الموارد) والعقيلي (3: 243) وأبو يعلى (1: 322) من طريق الثوري.
وأخرجه ابن عدي (5: 1847) من طريق شريك كلاهما عن عثمان بن المغيرة به.(3/99)
والجواب أن يقال: الأمر بالصدقة لم يكن واجباً على المسلمين حتى يكونوا عصاة بتركه، وإنما أمر به من أراد النجوى، واتفق أنه لم يُرد النجوى إذ ذاك إلا عليّ رضي الله عنه، فتصدق لأجل المناجاة(1).
__________
(1) انظر تأويل هذه الآية في تفسير ابن كثير وفيه: "قال ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نهوا عن مناجاة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى يتصدقوا، فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب، قدّم ديناراً صدقة تصدّق بها، ثم ناجى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فسأله عن عشر خصال، ثم أنزلت الرخصة... وقال معمر عن قتادة: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} إنها منسوخة، ما كانت إلا ساعة من نهار. هكذا روى عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن مجاهد، قال علي: ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت، وأحسبه قال: وما كانت إلا ساعة".(3/100)
وهذا كأمره بالهَدْي لمن تمتع بالعمرة إلى الحج، وأمره بالهدي لمن أحصر، وأمره لمن به أذى من رأسه بفدية من صيام أو صدقة أو نسك. وهذه الآية نزلت في كعب بن عجرة لما مرّ به النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ينفخ تحت قدر وهوامّ رأسه تؤذيه(1). وكأمره لمن كان مريضاً أو على سفر بعدّةٍ من أيام أخر، وكأمره لمن حنث في يمينه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، وكأمره إذا قاموا إلى الصلاة أن يغسلوا وجوههم وأيديهم إلى المرافق، وكأمره إذا قرأوا القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، ونظائر هذا متعددة.
__________
(1) وهذا كله في آية 196 من سورة البقرة: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}.. الآية. وانظر تفسيرها في تفسير ابن كثير وغيره، وانظر ما رواه ابن كثير عن البخاري وأحمد في شسان كعب بن عجرة رضي الله عنه.(3/101)
فالأمر المعلّق بشرط إذا لم يوجد ذلك الشرط إلا في حق واحد لم يؤمر به غيره. وهكذا آية النجوى؛ فإنه لم يناج الرسول قبل نسخها إلا عليّ، ولم يكن على من ترك النجوى حرج. فمثل هذا العمل ليس من خصائص الأئمة، ولا من خصائص عليّ رضي الله عنه، ولا يُقال: إن غير عليّ ترك النجوى بخلا بالصدقة، لأن هذا غير معلوم، فإن المدة لم تطل، وفي تلك المدة القصيرة قد لا يحتاج الواحد إلى النجوى، وإن قُدِّر أن هذا كان يخص بعض الناس لم يلزم أن يكون أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من هؤلاء. كيف وأبو بكر رضي الله عنه قد أنفق ماله كله يوم رغَّب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصدقة، وعمر رضي الله عنه جاء بنصف ماله بلا حاجة إلى النجوى. فكيف يبخل أحدهما بدرهمين أو ثلاثة يقدمها بين يدى نجواه ؟
وقد روى زيد بن أسلم عن أبيه قال سمعت عمر يقول: أمرنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”ما أبقيت لأهلك يا عمر“؟ فقلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل مال عنده. فقال: ”يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك“؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً.
الفصل الخامس عشر
الرد على من يدّعي الإمامة لعليّ بقوله: أنا صاحب الجهاد(3/102)
قال الرافضي: "وعن محمد بن كعب القرظي قال: افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار وعباس بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب. فقال طلحة بن شيبة: معي مفاتيح البيت، ولو أشاء بتٌّ فيه. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليها، ولو أشاء بتُّ في المسجد. وقال عليّ: ما أدري ما تقولان، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد. فأنزل الله تعالى: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [التوبة: 19].
والجواب أن يقال: هذا اللفظ لا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة بل دلالات الكذب عليه ظاهرة. منها: أن طلحة بن شيبة لا وجود له، وإنما خادم الكعبة هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة(1). وهذا مما يبين لك أن الحديث لم يصح. ثم فيه قول العباس: "لو أشاء بِتُّ في المسجد" فأيّ كبير أمر في مبيته في المسجد حتى يتبجح به ؟
ثم فيه قول عليّ: "صليت ستة أشهر قبل الناس" فهذا مما يُعلم بطلانه بالضرورة، فإن بين إسلامه وإسلام زيد وأبي بكر وخديجة يوماً أو نحوه، فكيف يصلّي قبل الناس بستة أشهر ؟!
__________
(1) في "الإصابة" لابن حجر 2/157: "روى ابن سعد عن هوذة عن عوف عن رجل من أهل المدينة قال: دعا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم شيبة بن عثمان فأعطاه مفتاح الكعبة فقال: "دونك هذا فأنت أمين الله على بيته". وقال مصعب الزبيري: دفع إليه وإلى عثمان بن أبي طلحة وقال: "خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا يأخذهامنكم إلا ظالم". وذكر الواقدي أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطاها يوم الفتح لعثمان، وأن عثمان ولي الحجابة إلى أن مات، فوليها شيبة، فاستمرت في ولده". وانظر "الاستيعاب" بهامش "الإصابة" 2/155-157 .(3/103)
وأيضاً فلا يقول: أنا صاحب الجهاد، وقد شاركه فيه عدد كثير جداً.
وأما الحديث فيقال: الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه(1)، ولفظ عن النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم. فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وهو يوم الجمع. ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه. فأنزل الله عزَّ وجلَّ: { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 19] الآية إلى آخرها".
وهذا الحديث ليس من خصائص الأئمة، ولا من خصائص عليّ فإن الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله كثيرون، والمهاجرون والأنصار يشتركون في هذا الوصف.
وأبو بكر وعمر أعظمهم إيماناً وجهاداً، لا سيما وقد قال: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ } [الأنفال: 72]. ولا ريب أن جهاد أبي بكر بماله ونفسه أعظم من جهاد عليّ وغيره.
كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: ”إن أمنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر“(2).
__________
(1) 3/1499 (كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى).
(2) هذا جزء من حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وسبق فيما مضى، والحديث أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما في المسند (ط. المعارف) 4/134، (ط. الحلبي) 3/477-478، 4/211-212 (عن أبي سعيد بن المعلّى رضي الله عنه).(3/104)
وقال: ”ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر“(1). وأبو بكر كان مجاهداً بلسانه ويده، وهو أول من دعا إلى الله، وأوّل من أوذِيَ في الله بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأوّل من دافع عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان مشاركاً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في هجرته وجهاده حتى كان هو وحده معه في العريش يوم بدر، وحتى أن أبا سفيان يوم أحد لم يسأل إلا عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر، لما قال: أفيكم محمد ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“. فقال: أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“ فقال أفيكم ابن الخطاب ؟ فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لا تجيبوه“. فقال: أما هؤلاء فقد كفيتموهم. فلم يملك عمر نفسه فقال: كذبت عدوّ الله، إن الذين عددت لأحياء، وقد أبقى الله لك ما يخزيك" ذكره البخاري وغيره(2).
الفصل السادس عشر
التنبيه على أن كل ما روي في مسند أحمد ليس بالضروري أن يكون صحيحاً
__________
(1) الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه في: سنن ابن ماجه 1/36 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه) ونصه: "ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر. قال: فبكى أبو بكر وقال: يا رسول الله: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله"؟. والحديث في: المسند (ط. المعارف) 13/183 وصحيح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الحديث وخالف تضعيف البوصيري له في زوائده، وصححه الألباني أيضاً في طصحيح الجامع الصغير" 5/190. والحديث أيضاً في المسند (ط. المعارف) 16/320-321 مطولاً.
(2) سبق الحديث فيما مضى 1/216 .(3/105)
قال الرافضي: "ومنها ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك، قال: قلنا لسلمان: سل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من وصيه، فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ فقال: يا سلمان من كان وصيّ موسى ؟ فقال: يوشع بن نون. قال: فإن وصِييّ ووارثي يقضي دَيْني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب".
والجواب: أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث(1)، ليس هو في مسند الإمام أحمد بن حنبل.
وأحمد قد صنَّف كتاباً في "فضائل الصحابة" ذكر فيه فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وجماعة من الصحابة، وذكر فيه ما رُوي في ذلك من صحيح وضعيف للتعريف بذلك(2)، وليس كل ما رواه يكون صحيحاً.
ثم إن في هذا الكتاب زيادات من روايات ابنه عبد الله، وزيادات من رواية القطيعي عن شيوخه.
وهذه الزيادات التي زادها القطيعي غالبها كذب، كما سيأتي ذكر بعضها إن شاء الله، وشيوخ القطيعي يروون عمن في طبقة أحمد.
وهؤلاء الرافضة جهَّال إذا رأوا فيه حديثاً ظنوا أن القائل لذلك أحمد بن حنبل، ويكون القائل لذلك هو القطيعي، وذاك الرجل من شيوخ القطيعي الذين يروون عمن في طبقة أحمد.
__________
(1) ذكر الحديث ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/374-375 من أربعة طرق كلها غير صحيحة أو موضوعة، وتابعه السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/358-359 .
(2) وهو الكتاب الذي حققه الأستاذ وصي الله بن محمد عباس، وأصدرته جامعة أم القرى: 1403/ 1983 .(3/106)
وكذلك في المسند زيادات ابنه عبد الله، لا سيما في مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإنه زاد زيادات كثيرة(1)
__________
(1) قال أبو عبد الرحمن: بلغت زيادات عبد الله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى في مسند عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قرابة 240 زيادة وهي تمثل 28% من مجموع الروايات التي في مسند عليّ رضي الله عنه والبالغة 853 رواية. ولزيادة النفع نذكر أرقام تلك الزيادات من ذلك المسند، وأرقام تلك الزيادات منقولة من مسند الإمام أحمد (ط. المعارف) الجزء الثاني.
564، 571، 575، 576، 581، 582، 588، 589، 598، 601، 602، 605، 606، 607، 613، 614، 695، 696، 697، 698، 703، 706، 777، 790، 793، 797، 808، 809، 810، 811، 812، 823، 829، 830، 831، 832، 833، 834، 836، 837، 855، 858، 866، 867، 871، 875، 878، 889، 890، 891، 893، 894، 897، 903، 904، 908، 910، 917، 918، 919، 922، 926، 928، 934، 938، 939، 942، 944، 945، 946، 947، 950، 951، 952، 958، 961، 964، 965، 972، 973، 982، 983، 988، 990، 991، 996، 997، 998، 1013، 1014، 1015، 1016، 1027، 1030، 1031، 1032، 1041، 1044، 1046، 1047، 1051، 1052، 1054، 1055، 1059، 1060، 1069، 1070، 1071، 1074، 1075، 1080، 1081، 1082، 1083، 1087، 1089، 1092، 1095، 1102، 1103، 1104، 1105، 1106، 1111، 1113، 1114، 1115، 1116، 1118، 1121، 1125، 1128، 1129، 1130، 1131، 1136، 1137، 1138، 1140، 1142، 1143، 1148، 1155، 1164، 1165، 1166، 1170، 1176، 1179، 1187، 1188، 1189، 1196، 1197، 1198، 1201، 1202، 1207، 1212، 1213، 1214، 1216، 1217، 1224، 1225، 1226، 1227، 1231، 1232، 1233، 1239، 1240، 1241، 1246، 1247، 1248، 1251، 1252، 1253، 1259، 1260، 1261، 1264، 1265، 1266، 1267، 1268، 1269، 1270، 1277، 1278، 1279، 1280، 1281، 1283، 1284، 1285، 1286، 1292، 1293، 1294، 1295، 1296، 1299، 1300، 1301، 1302، 1303، 1310، 1312، 1317، 1318، 1319، 1321، 1322، 1328، 1329، 1331، 1332، 1334، 1336، 1337، 1338، 1342، 1343، 1344، 1349، 1350، 1351، 1352، 1353، 1359، 1366، 1372، 1376، 1377، 1378، 1379، 1380.(3/107)
.
الفصل السابع عشر
فضيلة حمل عليّ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم
قال الرافضي: "وعن يزيد بن أبي مريم عن عليّ رضي الله عنه: قال: انطلقت أنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى أتينا الكعبة، فقال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اجلس، فصعد على منكبي، فذهبت لأنهض به، فرأى مني ضعفاً، فنزل وجلس لي نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقال: اصعد على منكبي، فصعدت على منكبه. قال: فنهض بي. قال: فإنه تخيل لي أني لو شئت لنلت أفق السماء، حتى صعدت على البيت وعليه تمثال صفر أو نحاس، فجعلت أزاوله عن يمينه وعن شماله وبين يديه ومن خلفه، حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اقذف به، فقذفت به فتكسر كما تنكسر القوارير، ثم نزلت فانطلقت أنا ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نستبق حتى توارينا في البيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس".(3/108)
والجواب: أن هذا الحديث إن صح فليس فيه شيء من خصائص الأئمة ولا خصائص عليّ؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع على منكبه، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. وكان إذا سجد جاء الحسن فارتحله، ويقول: "إن ابني ارتحلني"(1) وكان يقبل زبيبة الحسن. فإذا كان يحمل الطفلة والطفل لم يكن في حمله لعليّ ما يوجب أن يكون ذلك من خصائصه، بل قد أشركه فيه غيره، وإنما حمله لعجز عليّ عن حمله، فهذا يدخل في مناقب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وفضيلة من يحمل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم من فضيلة من يحمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كما حمله يوم أحد من حمله من الصحابة، مثل طلحة بن عبيد الله(2)
__________
(1) الحديث عن عبد الله بن شديد عن أبيه شداد بن الهاد رضي الله عنه في: سنن النسائي 2/182 (كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة) ونصه فيه: خرج علينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً، فتقدم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فوضعه ثم كبّر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبي: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو ساجد فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الصلاة، قال الناس: يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك. قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته". والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/493-494 .
(2) عن الزبير بن العوام رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/307 (كتاب المناقب، باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه) قال: كان على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم أحد درعان، فنهض إلى الصخرة، فلم يستطع، فأقعد تحته طلحة فصعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم حتى استوى على الصخرة. قال: فسمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أوجب طلحة" قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب" والحديث في: المسند (ط. المعارف) 3/12 (وصححه أحمد شاكر رحمه الله)؛ سيرة ابن هشام 3/91-92 .(3/109)
، فإن هذا نفع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وذاك نفعه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ومعلوم أن نفعه بالنفس والمال أعظم من انتفاع الإنسان بنفس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وماله.
الفصل الثامن عشر
حديث أنت مني وأنا منك
قال الرافضي: "وعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال لعليّ: "أنت مني وأنا منك".
والجواب: أن هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين من حديث البراء بن عازب، لَمّا تنازع علي وجعفر وزيد في ابنة حمزة فقضي بها لخالتها، وكانت تحت جعفر، وقال لعليّ: ”أنت مني وأنا منك“(1)
__________
(1) هذه العبارة جزء من حديث طويل عن البراء بن عازب رضي الله عنه جاء في ثلاثة مواضع في: البخاري 3/184-185 (كتاب الصلح، باب كيف يكتب هذا ما صالح عليه فلان بن فلان...) وهو حديث صلح الحديبية وأوله: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: لما صالح رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أهل الحديبية كتب عليّ بينهم كتاباً..... وفيه: قال: "أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله" وآخر الحديث: "فخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فتبعتهم ابنة حمزة فقالت: يا عم يا عم، فتناولها علي فأخذها بيدها، وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك احمليها، فاختصم فيها علي وزيد وجعفر، فقال عليّ: أنا أحق بها، وهي ابنة عمي وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي. وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لخالتها، وقال: ”الخالة بمنزلة الأم“. وقال لعلي: ”أنت مني وأنا منك“. وقال لجعفر: ”أشبهت خلقي وخُلُقي“. وقال لزيد: ”أنت أخونا ومولانا“.
وجاء الحديث أيضاً في البخاري 4/103-104 (كتاب الجزية والموادعة، باب المصالحة على ثلاثة أيام...) ولكن لم ترد فيه هذه العبارة، 5/141-142 (كتاب المغازي، باب عمرة القضاء).
وذكر البخاري هذه العبارة في أول باب مناقب علي بن أبي طالب من كتاب فضائل الصحابة 5/18 ولكنه لم يذكر الحديث كاملاً.
وجاءت هذه العبارة في أحاديث أخرى منها حديث عن حُبشيّ بن جُنَادة رضي الله عنه في: سنن الترمذي 5/299-300 (كتاب المناقب، باب 85) ونصه: "علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي". وهذا الحديث في: سنن ابن ماجه 1/44 (المقدمة، باب فضل علي بن أبي طالب)، المسند (ط. الحلبي) 4/164-165.
وجاءت هذه العبارة في حديث آخر عن أسامة بن زيد في المسند (ط. الحلبي) 5/204. وانظر: الرياض النضرة للمحب الطبري 2/225-226 .(3/110)
. وقال لجعفر: ”أشبهت خَلْقِي وخُلُقي“. وقال لزيد: ”أنت أخونا ومولانا“.
لكن هذا اللفظ قد قاله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لطائفة من أصحابه، كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ”إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلت نفقة عيالهم في المدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد، ثم قسموه بينهم بالسوية. هم مني وأنا منهم“(1).
وكذلك قال عن جليبيب: ”هو مني وأنا منه“ فروى مسلم في صحيحه(2) عن أبي برزة قال: كنا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في مغزة له. فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: ”هل تفقدون من أحد“؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً. ثم قال: ”هل تفقدون من أحد“؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً. ثم قال: ”هل تفقدون من أحد“؟ قالوا: لا. قال: ”لكني أفقد جُلَيْبيباً، فاطلبوه“ فطلبوه في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه. فأتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فوقف عليه فقال: ”قتل سبعة ثم قتلوه. هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه“ قال: فوضعه عليّ على ساعديه، ليس له إلا ساعداً النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. قال: فحفر له فوضع في قبره، ولم يذكر غسلاً.
فتبين أن قوله لعليّ: ”أنت مني وأنا منك“ ليس من خصائصه، بل قال ذلك للأشعريين، وقاله لجليبيب. وإذا لم يكن من خصائصه، بل قد شاركه في ذلك غيره من هو دون الخلفاء الثلاثة في الفضيلة، لم يكن دالاًّ على الأفضلية ولا على الإمامة.
الفصل التاسع عشر
فضائل عليّ العشر
__________
(1) الحديث بألفاظ مقاربة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في البخاري 3/138 (كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهر..)، مسلم 4/1944-1945 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأشعريين رضي الله عنهم). ومعنى "أرملوا في الغزو": أي فني طعامهم.
(2) 4/1918-1919 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جليبيب رضي الله عنه.
والحديث في: المسند (ط. الحلبي) 4/421، 422، 425 .(3/111)
قال الرافضي: "وعن عمرو بن ميمون قال: لعلي بن أبي طالب عشر فضائل ليست لغيره. قال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحب الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، فاستشرف إليها من استشرف. قال: أين عليّ بن أبي طالب؟ قالوا: هو أرمد في الرحي يطحن. قال: وما كان أحدهم يطحن قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر. قال: فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثاً وأعطاها إياه. فجاء بصفية بنت حيي. قال: ثم بعث أبا بكر بسورة التوبة، فبعث عليّاً خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه.
وقال لبني عمه: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ قال: وعليّ معهم جالس فأبَوا، فقال عليّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: فتركه، ثم أقبل على رجلٍ رجل منهم، فقال: أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ فأبَوا، فقال عليٌّ: أنا أواليك في الدنيا والآخرة، فقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
قال: وكان عليّ أول من أسلم من الناس بعد خديجة. قال: وأخذ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثوبه فوضعه على عليّ وفاطمة والحسن والحسين، فقال: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33].
قال: وشرى عليّ نفسه ولبس ثوب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه بالحجارة.
وخرج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بالناس في غزاة تبوك، فقال له عليّ: أخرج معك ؟ قال: لا. فبكى عليٌّ، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنك لست بنبي، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.
وقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنت وليي في كل مؤمن بعدي.
قال: وسدّ أبواب المسجد إلا باب عليّ. قال: وكان يدخل المسجد جُنُباً، وهو طريقه ليس له طريق غيره.
وقال له: من كنت مولاه فعليّ مولاه.(3/112)
وعن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مرفوعاً أنه بعث أبا بكر في براءة إلى مكة، فسار بها ثلاثاً ثم قال لعليّ: "الحق فردّه وبلغها أنت، ففعل. فلما قدم أبو بكر على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بكى وقال: يا رسول الله حدث فيّ شيء ؟ قال: لا. ولكن أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني".
والجواب: أن هذا ليس مسنداً بل هو مرسل لو ثبت عن عمرو بن ميمون، وفيه ألفاظ هي كذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، كقوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير عليّ، كما اعتمر عمرة الحديبية وعليّ معه وخليفته غيره، وغزا بعد ذلك خيبر ومعه عليّ وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزرة الفتح وعليّ معه وخليفته في المدينة غيره، وغزا حُنَيْناً والطائف وعليّ معه وخليفته بالمدينة غيره، وحج حجة الوداع وعليّ معه وخليفته بالمدينة غيره، وغزا غزوة بدر ومعه عليّ وخليفته بالمدينة غيره.
وكل هذا معلوم بالأسانيد الصحيحة وباتفاق أهل العلم بالحديث وكان عليّ معه في غالب الغزوات وإن لم يكن فيها قتال.
فإن قيل: استخلافه يدل على أنه لا يستخلف إلا الأفضل، لزم أن يكون عليٌّ مفضولاً في عامة الغزوات، وفي عمرته وحجته، لا سيما وكل مرة كان يكون الاستخلاف في رجال مؤمنين، وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ومن عَذَرَ الله، وعلى الثلاثة { الَّذِينَ خُلِّفُواْ } أو مُتّهم بالنفاق، وكانت المدينة آمنة لا يُخاف على أهلها، ولا يحتاج المستخلِف إلى جهاد، كما يحتاج في أكثر الاسخلافات.(3/113)
وكذلك قوله: "وسد الأبواب كلها إلا باب علي" فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة(1)، فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال في مرضه الذي مات فيه "إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام ومودّته، لا يبقين في المسجد خَوْخة إلا سُدَّت إلا خوخة أبي بكر" ورواه ابن عباس أيضاً في الصحيحين(2). ومثل قوله: "أنت وليي في كل مؤمن بعدي" فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث(3)
__________
(1) أورد ابن الجوزي هذا الجزء من حديث عمرو بن ميمون الموضوع في "الموضوعات" 1/364 وحكم عليه بالوضع 1/366 وذكر أن هذا الحديث من هذا الطريق وغيره حديث موضوع ثم قال: "فهذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في: "سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر".
(2) الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في: البخاري 1/96-97 (كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد)، 5/4 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: لو كنت متخذاً خليلاً). والحديث في مسلم عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم 4/1855-1856 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر..) ونص الشيخ أحمد شاكر على أن الحديث من رواية ابن عباس في مسلم وذلك عند ورود الحديث في المسند (ط. المعارف) 5/202 (حديث رقم 3580) كما جاء الحديث قبل ذلك عن ابن عباس في المسند (ط. المعارف) 4/143 (حديث رقم 2432) وجاءت قطعة منه 5/254 (حديث رقم 3689).
(3) جاء هذا الحديث في كتاب "فضائل الصحابة" 1/503 (رقم 521)، 1/524 (رقم 868) وقال المحقق 1/503: "موضوع وفيه متروكان متهمان بالوضع: طلحة وعبيدة".. وجاء الحديث في حق عثمان بن عفان رضي الله عنه في "الموضوعات" 1/334، "البداية والنهاية" 7/213 وغيرها من المراجع، وذكر المحقق أن هذا الحديث أيضاً موضوع.(3/114)
والذي فيه من الصحيح ليس هو من خصائص الأئمة، بل ولا من خصائص عليّ، بل قد شاركه فيه غيره، مثل كونه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ومثل استخلافه وكونه منه بمنزلة هارون من موسى، ومثل كون عليّ مولى من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مولاه فإن كل مؤمن موالٍ لله ورسوله، ومثل كون "براءة" لا يبلِّغها إلا رجلٌ من بني هاشم؛ فإن هذا يشترك فيه جميع الهاشميين، لما رُوى أن العادة كانت جارية بأن لا ينقض العهود ويحلها إلا رجل من قبيلة المطاع.
الفصل العشرون
فضل حب عليّ
قال الرافضي: "ومنها ما رواه أخطب خوارزم عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: يا عليّ لو أن عبداً عبد الله عزَّ وجلَّ مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل أُحُد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومدّ في عمره حتى حج ألف عام على قدميه، ثم قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يوالك يا عليّ، لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها.
وقال رجل لسلمان: ما أشدّ حبك لعليّ. قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: من أحب عليّاً فقد أحبني، ومن أبغض عليّاً فقد أبغضني. وعن أنس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: خلق الله من نور وجه عليّ سبعين ألف مَلَك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من أحب عليّاً قبل الله عنه صلاته وصيامه وقيامه، واستجاب دعاءه. ألا ومن أحب عليّاً أعطاه الله بكل عرق من بدنه مدينة في الجنة. ألا ومن أحب آل محمد أمن من الحساب والميزان والصراط. ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله في الجنة مع الأنبياء، ألا ومن أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: "آيس من رحمة الله".
وعن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: من زعم أنه آمن بي وبما جئت به وهو يبغض عليّاً فهو كاذب ليس بمؤمن.(3/115)
وعن أبي برزة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونحن جلوس ذات يوم: والذي نفسي بيده لا يزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله الله تبارك وتعالى عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه، وعن حُبنا أهل البيت. فقال له عمر: فما آية حبكم من بعدكم ؟ فوضع يده على رأس عليّ بن أبي طالب وهو إلى جانبه فقال: إن حبي من بعدي حب هذا.
وعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج ؟ فقال: خاطبني بلغة عليّ، فألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أم عليّ ؟ فقال: يا محمد أنا شيء لست كالأشياء، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالأشياء، خلقتك من نوري وخلقت عليّاً من نورك فاطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد إلى قلبك أحبُّ من عليّ، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لو أن الرياض أقلام والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.
وبالإسناد قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إن الله تعالى جعل الأجر على فضائل علي لا يُحصى كثره، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر، ثم قال: النظر إلى وجه أمير المؤمنين عليّ عبادة، وذكره عبادة، لا يقبل الله إيمان عبدٍ إلا بولايته والبراءة من أعدائه.
وعن حكيم بن حزام عن أبيه عن جده عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: لَمُبارزة عليّ لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة.(3/116)
وعن سعد بن أبي وقاص قال: أمر معاوية بن أبي سُفيان سعداً بالسبّ فأبى، فقال: ما منعك أن تسب علي بن أبي طالب ؟ قال: ثلاث قالهن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لعليّ وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليٌّ: تخلّفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما ترضى أن تكون معنى بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله عليه. وأنزلت هذه الآية: { فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ } [آل عمران: 61] دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال: "هؤلاء أهلي".(3/117)
والجواب: أن أخطب خوارزم هذا له مصنّف في هذا الباب فيه من الأحاديث المكذوبة ما لا يخفى كذبه على من له أدنى معرفة بالحديث، فضلاً عن علماء الحديث، وليس هو من علماء الحديث ولا ممن يُرجع إليه في هذا الشأن ألبتة(1). وهذه الأحاديث مما يعلم أهل المعرفة بالحديث أنها من المكذوبات. وهذا الرجل قد ذكر أنه يذكر ما هو صحيح عندهم، ونقوله في المعتمد من قولهم وكتبهم، فكيف يذكر ما أجمعوا على أنه كذب موضوع، ولم يُروَ في شيء من كتب الحديث المعتمدة، ولا صححه أحد من أئمة الحديث.
__________
(1) يقول الأستاذ محب الدين الخطيب في تعليقه على "منهاج الاعتدال" ص312: "أخطب خوارزم أديب متشبع من تلاميذ الزمخشري، اسمه الموفق بن أحمد بن إسحاق (484-568ه) له ترجمة في "بغية الوعاة" 401 و"روضات الجنات" (الطبعة الثانية) 722 وغيرهما، وكتابه الذي كَذَب فيه هذا الخبر على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم اسمه "مناقب أهل البيت".. وانظر ترجمة أبي المؤيد الموفق بن أحمد المكي الخوارزمي في: الأعلام 8/289 وذكر الزركلي أن كتابه "مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" مطبوع.(3/118)
فالعشرة الأول كلها كذب إلى آخر حديث: قتله لعمرو بن عبد ودّ. وأما حديث سعد لما أمره معاوية بالسب فأبى، فقال: ما منعك أن تسبّ عليَّ بن أبي طالب ؟ فقال: ثلاث قالهن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلن أسبه، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إليَّ من حمر النعم.. الحديث. فهذا حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه(1) وفيه ثلاث فضائل لعليٍّ لكن ليست من خصائص الأئمة ولا من خصائص عليّ، فإن قوله وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله تخلّفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي، ليس من خصائصه؛ فإنه استخلف على المدينة غير واحد ولم يكن هذا الاستخلاف أكمل من غيره. ولهذا قال له عليّ: أتخلفني مع النسائي والصبيان ؟ لأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان في كل غزاة يترك بالمدينة رجالاً من المهاجرين والأنصار، إلا في غزوة تبوك فإنه أمر المسلمين جميعهم بالنفير، فلم يتخلف بالمدينة إلا عاصٍ أو معذور غير النساء والصبيان. ولهذا كره عليّ الاستخلاف، وقال: أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ يقول تتركني مخلفاً لا تستصحبني معك ؟ فبيّن له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن الاستخلاف ليس نقصاً ولا غضاضه؛ فإن موسى استخلف هارون على قومه لأمانته عنده وكذلك أنت استخلفتك لأمانتك عندي، لكن موسى استخلف نبيّاً وأنا لا نبي بعدي. وهذا تشبيه في أصل الاستخلاف، فإن موسى استخلف هارون على جميع بني إسرائيل، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف عليّاً على قليل من المسلمين، وجمهورهم استصحبهم في الغزاة. وتشبيهه بهارون ليس بأعظم من تشبيه أبي بكر وعمر: هذا بإبراهيم وعيسى، وهذا بنوح وموسى؛ فإن هؤلاء الأربعة أفضل من هارون، وكل من أبي بكر وعمر شبه باثنين لا بواحد، فكان هذا التشبيه أعظم من تشبيه عليّ، مع أن استخلاف عليّ له فيه أشباه
__________
(1) مسلم 4/1871 .(3/119)
وأمثال من الصحابة.
وهذا التشبيه ليس لهذين فيه شبيه، فلم يكن الاستخلاف من الخصائص، ولا التشبيه بنبي في بعض أحواله من الخصائص.
وكذلك قوله: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال: فتطاولنا، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأتاه وبه رمد، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه. وهذا الحديث أصح ما رُوي لعليّ من الفضائل، أخرجاه في الصحيحين من غير وجه. وليس هذا الوصف مختصّاً بالأئمة ولا بعليّ؛ فإن الله ورسوله يحب كل مؤمن تقي، وكل مؤمن تقي يحب الله ورسوله، لكن هذا الحديث من أحسن ما يُحتج به على النواصب الذين يتبرؤون منه ولا يتولونه ولا يحبونه، بل قد يكفِّرونه أو يفسقونه كالخوارج؛ فإن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم شهد له بأنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
لكن هذا الاحتجاج لا يتم على قول الرافضة الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم؛ فإن الخوارج تقول في عليّ مثل ذلك، لكن هذا باطل، فإن الله – ورسوله – لا يطلق هذا المدح على من يعلم أنه يموت كافراً، وبعض أهل الأهواء من المعتزلة وغيرهم، وبعض المروانية ومن كان على هواهم، الذين كانوا يبغضونه ويسبونه.
وكذلك حديث المباهلة شركه فيه فاطمة وحسن وحسين، كما شركوه في حديث الكساء، فعُلم أن ذلك لا يختص بالرجال ولا بالذكور ولا بالأئمة، بل يشركه فيه المرأة والصبي، فإن الحسن والحسين كانا صغيرين عند المباهلة، فإن المباهلة كانت لما قدم وفد نجران بعد فتح مكة سنة تسع أو عشر، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم مات ولم يكمل الحسين سبع سنين، والحسن أكبر منه بنحو سنة، وإنما دعا هؤلاء لأنه أمر أن يدعو كل واحد من الأقربين: الأبناء والنساء والأنفس، فيدعو الواحد من أولئك: أبناءه ونساءه، وأخص الرجال به نسباً.(3/120)
وهؤلاء أقرب الناس إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نسباً، وإن كان غيرهم أفضل منهم عنده، فلم يؤمر أن يدعو أفضل أتباعه، لأن المقصود أن يدعو كل واحد منهم أخصّ الناس به، لما في جبلة الإنسان من الخوف عليه وعلى ذوي رحمه الأقربين إليه، ولهذا خصهم في حديث الكساء.
والدعاء لهم والمباهلة مبناها على العدل، فأولئك أيضاً يحتاجون أن يدعوا أقرب الناس إليهم نسباً، وهم يخافون عليهم ما لا يخافون على الأجانب، ولهذا امتنعوا عن المباهلة، لعلمهم بأنه على الحق، وأنهم إذا باهلوه حقت عليهم بهلة الله وعلى الأقربين إليهم، بل قد يحذر الإنسان على ولده ما لا يحذره على نفسه.
فإن قيل: فإذا كان ما صح من فضائل عليّ رضي الله عنه، كقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله“، وقوله: ”أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى“، وقوله: ”اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً“ ليس من خصائصه، بل له فيه شركاء، فلماذا تمنّى بعض الصحابة أن يكون له ذلك، كما روى عن سعد وعن عمر ؟(3/121)
فالجواب: أن في ذلك شهادة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لعليّ بإيمانه باطناً وظاهراً، وإثباتاً لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له. وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره أو فسقه، كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس، كما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فيهم: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم"(1) وهؤلاء يكفّرونه ويستحلّون قتله، ولهذا قتله واحد منهم، وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي، مع كونه كان من أعبد الناس.
وأهل العلم والسُّنَّة يحتاجون إلى إثبات إيمان عليّ وعدله ودينه للرد على هؤلاء، أعظم مما يحتاجون إلى مناظرة الشيعة؛ فإن هؤلاء أصدق وأَدْيَن، والشبه التي يحتجون بها أعظم من الشبه التي تحتج بها الشيعة، كما أن المسلمين يحتاجون في أمر المسيح صلوات الله وسلامه عليه إلى مناظرة اليهود والنصارى، فيحتاجون أن ينفوا عنه ما يرميه به اليهود من أنه كاذب ولد زنا وإلى نفي ما تدّعيه النصارى من الإلهية، وجدل اليهود أشد من جدل النصارى، ولهم شبه لا يقدر النصارى أن يجيبوهم عنها، وإنما يجيبهم عنها المسلمون. كما أن للنواصب شبهاً لا يمكن الشيعة أن يجيبوا عنها، وإنما يجيبهم عنها أهل السُّنَّة.
__________
(1) ما ذكره ابن تيمية هنا جزء من حديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن عليّ وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم في: البخاري 4/200-201 (كتاب المناقب، باب علامات النبوة)؛ مسلم 2/740-747 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، باب التحريض على قتل الخوارج). وانظر: جامع الأصول لابن الأثير 1-/436-440؛ سنن أبي داود 4/336 (كتاب السنة، باب في قتال الخوارج)؛ سنن ابن ماجه 1/60-61 (المقدمة، باب في ذكر الخوارج)؛ المسند (ط. الحلبي) 3/65، 68، 73، 353، 354-355 .(3/122)
فهذه الأحاديث الصحيحة المثبتة لإيمان عليّ باطناً وظاهراً ردّ على هؤلاء، وإن لم يكن ذلك من خصائصه، كالنصوص الدالة على إيمان أهل بدر وبيعة الرضوان باطناً وظاهراً؛ فإن فيها ردّاً على من ينازع في ذلك من الروافض والخوارج، وإن لم يكن ما يستدل به من خصائص واحد منهم. وإذا شهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لمعيَّن بشهادة، أو دعا له بدعاء، أحب كثير من الناس أن يكون له مثل تلك الشهادة ومثل ذلك الدعاء، وإن كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو به لخلق كثير، وكان تعينه لذلك المعيّن من أعظم فضائله ومناقبه، وهذا كالشهادة بالجنة لثابت بن قيس بن شماس(1) وعبد الله بن سلام(2)
__________
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 1/110 (كتاب الإيمان، باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله) أن ثابت بن قيس رضي الله عنه لما نزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ } [الحجرات: 2] حزن واحتبس عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وقال كلاماً آخره.. فأنا من أهل النار، فذكر ذلك سعد (بن معاذ) للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”بل هو من أهل الجنة“. والحديث في المسند (ط. الحلبي) 3/137، 145-146، 287 .
(2) روي البخاري 5/37-38 (كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه) ومسلم 4/1930-1932 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه) حديثاً عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول فيه – وهذه رواية البخاري -: ما سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام.. الحديث كما رويا حديثاً آخر عن قيس بن عُبَاد ذكر فيه أنه كان في حلقة فيها قوم (عند مسلم: فيها سعد بن مالك وابن عمر رضي الله عنهم). فمر عبد الله بن سلام فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة. فسأله قيس عن ذلك فذكر له عبد الله بن سلام أنه رأى رؤيا قصها على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فأولها له وقال في آخر كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم: ”.. وأما العروة فهي عروة الإسلام، ولن تزال مستمسكاً بها حتى الموت“.(3/123)
وغيرهما، وإن كان قد شهد بالجنة لآخرين. والشهادة بمحبة الله ورسوله لعبد الله حمار الذي ضرب في الخمر(1)، وإن شهد بذلك لمن هو أفضل منه، وكشهادته لعمرو بن تغلب بأنه ممن لا يعطيه لما في قلبه من الغنى والخير لما قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: "إني لأعطي رجالاً وأدع رجالاً، والذي أدع أحبُّ إليَّ من الذي أعطى. أعطى رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأكِلُ رجالاً إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم عمرو بن تغلب"(2).
وفي الحديث الصحيح لما صلّى على ميت قال: ”اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم منزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبَرَدَ، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وقه فتنة القبر وعذاب النار، وأفسح له في قبره، ونوِّر له فيه“. قال عوف بن مالك: فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت(3). وهذا الدعاء ليس مختصاً بذلك الميت.
الفصل الحادي والعشرون
حديث يوم الشورى
__________
(1) الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في: البخاري 8/158 (كتاب الحدود، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج عن الملة).
(2) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ – عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه في: البخاري 2/10-11 (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: (كتاب الجمعة، باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد)، 9/156 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا..}، المسند (ط. الحلبي) 5/69 .
(3) الحديث مع اختلاف في الألفاظ – عن عوف بن مالك رضي الله عنه في: مسلم 2/662-663 (كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت في الصلاة)؛ سنن النسائي 1/46 (كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البرد)، 4/59-60 (كتاب الجنائز، باب الدعاء)؛ المسند (ط. الحلبي) 6/23 .(3/124)
قال الرافضي: "وعن عامر بن واثلة قال: كنت مع عليّ عليه السلام يوم الشورى يقول لهم: لأحتجنّ عليكم بما لا يستطيع عربيّكم ولا عجميكم تغيير ذلك، ثم قال: أنشدكم بالله أيها النفر جميعاً، أفيكم أحد وحَّد الله تعالى قبلي ؟ قالوا: اللهم لا قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر الطيّار في الجنة مع الملائكة غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله: هل فيكم أحد له عمّ مثل عمي حمزة أسد الله وأسد رسوله سيد الشهداء غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت محمد سيدة نساء أهل الجنة غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد له سبطان مثل سبطيّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد ناجى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عشر مرات قدّم بين يدي نجواه صدقة غيري؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ليبلغ الشاهد الغائب غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإليّ يأكل معي من هذا الطير، فأتاه فأكل معه غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه إذ رجع غيري منهزماً غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لبني وكيعة: لتنتهنّ أو لبعثنّ إليكم رجلاً نفسه كنفسي، وطاعته كطاعتين ومعصيته كمعصيتي يفصلكم بالسيف غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: كذب من(3/125)
زعم أنه يحبني ويبغض هذا غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد سلَّم عليه في ساعة واحدة ثلاثة آلاف من الملاشكة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل حيث جئت بالماء إلى رسول الله من القليب غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نودي به من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له جبريل هذه هي المواساة، فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنه مني وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكم غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، على لسان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إني قاتلت على تنزيل القرآن وأنت تقاتل على تأويله غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد رُدّت عليه الشمس حتى صلى العصر في وقت غيري ؟ قالوا: اللهم لا. قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد أمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يأخذ "براءة" من أبي بكر فقال له أبو بكر: يا رسول الله أنزل فيّ شيء ؟ فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنه لا يؤدّي عني إلا عليّ غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق كافر غيري ؟ قالوا: اللهم لا .
قال: فأنشدكم بالله هل تعلمون أنه أمر بسدّ أبوابكم وفتح بابي فقلتم في ذلك، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما أنا سددت أبوابكم ولا فتحت بابه، بل الله سد أبوابكم وفتح بابه غيري ؟ قالوا: اللهم لا.(3/126)
قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أنه ناجاني يوم الطائف دون الناس فأطال ذلك، فقلتم: ناجاه دوننا، فقال: ما أنا انتجيته بل الله انتجاه غيري ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله أتلعمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: الحق مع عليّ وعليّ مع الحق يزول الحق مع عليّ كيفما زال ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما استمسكتم بهما، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد وقى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنفسه من المشركين واضطجع في مضجعه غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبد ودّ العامري حيث دعاكم إلى البراز غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد نزل فيه آية التطهير حيث يقول: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33] غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنت سيد المؤمنين غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
قال: فأنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما سألت الله شيئاً إلا وسألت لك مثله غيري ؟ قالوا: اللهم لا.
ومنها ما رواه أبو عمرو الزاهد عن ابن عباس قال: لعليّ أربع خصال ليست لأحد من الناس غيره، هو أوّل عربي وعجمي صلّى مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم حنين، وهو الذي غسَّله وأدخله قبره.(3/127)
وعن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال مررت ليلة المعراج بقوم تُشرشر أشداقهم، فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: قوم يقطعون الناس بالغيبة. قال: ومررت بقوم وقد ضوضؤا، فقلت: يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء الكفار. قال: ثم عدلنا عن الطريق، فلما انتهينا إلى السماء الرابعة رأيت عليّاً يصلّي، فقلت: يا جبريل هذا عليّ قد سبقنا. قال: لا ليس هذا عليّاً. قلت: فمن هو ؟ قال: إن الملائكة المقرَّبين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل عليّ وخاصته وسمعت قولك فيه: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي، اشتاقت إلى عليّ، فخلق الله تعالى لها مَلَكاً على صورة عليّ، فإذا اشتاقت إلى عليّ جاءت إلى ذلك المكان، فكأنها قد رأت عليّاً.
وعن ابن عباس قال: إن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ذات يوم وهو نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتي. قال: فقوله أنا الفتى يعني هو فتى العرب، وقوله ابن الفتى، يعني إبراهيم من قوله تعالى: { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء: 60] وقوله: أخو الفتى، يعني عليّاً، وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ. وعن ابن عباس قال: رأيت أبا ذر وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، لو صمتم حتى تكونوا كالأوتار، وصليتم حتى تكونوا كالحنايا، ما نفعكم ذلك حتى تحبوا عليّاً.(3/128)
والجواب: أما قوله عن عامر بن واثلة ما ذكره يوم الشورى، فهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث(1)، ولم يقل عليّ رضي الله عنه يوم الشورى شيئاً من هذا ولا ما يشابهه، بل قال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: لئن أمرتك لتعدلنّ؟ قال: نعم قال: وإن بايعت عثمان لتسمعن وتطيعن ؟ قال: نعم. وكذلك قال لعثمان. ومكث عبد الرحمن ثلاثة أيام يشاور المسلمين.
ففي الصحيحين(2)- وهذا لفظ البخاري(3)- عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فلما فُرِعَ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم. قال(4) الزبير: قد جعلت أمري إلى عليّ. وقال(5) طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن(6). فقال عبد الرحمن: أيكم تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام لينظرن أفضلهم في نفسه؟
__________
(1) ذكر ابن الجوزي قسماً من هذا الحديث في "الموضوعات" 1/378-380 وقال: "هذا حديث موضوع لا أصل له" وانظر باقي كلامه. وقد ذكر كلاماً مماثلاً السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/361 .
(2) لم أجد الحديث في مسلم مع طول بحثي عنه..
(3) 5/15-18 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب قصه البيعة) والكلام التالي ص17-18.
(4) البخاري 5/17 : فقال .
(5) البخاري : فقال .
(6) البخاري : إلى عبد الرحمن بن عوف .(3/129)
فأُسْكِت الشيخان. فقال عبد الرحمن: أتجعلونه إليَّ والله عليَّ أن لا آلو عن أفضلكم. قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليكم لئن أمَّرتك لتعدلن ولئن أمَّرت عليك لتسمعن ولتطيعن. ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان"(1).
__________
(1) جاء جزء من هذا الحديث في: البخاري 2/103 (كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم).. والحديث في: البخاري 9/78 (كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس).(3/130)
وفي حديث المسور بن مخرمة قال المسور: "إن الرهط الذين ولاّهم عمر اجتمعوا فتشاوروا. قال لهم عبد الرحمن: لست بالذي أتكلم في هذا الأمر(1) ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولَّوا عبد الرحمن أمرهم مال الناس على عبد الرحمن حتى ما أرى أحداً من الناس يتبع ذلك الرهط ولا يطأ عقبه، ومال الناس على عبد الرحمن(2) يشاورونه تلك الليالي، التي أصبحنا منها فبايعنا عثمان. قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هَجْعٍ من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: أراك نائماً، فوالله ما اكتحلت هذه الليلة بكبير نوم، انطلق فادع الزبير وسعداً، فدعوتهما له، فشاورهما ثم دعاني، فقال: ادع لي عليّاً، فدعوته، فناجاه حتى إبهار الليل، ثم قام عليّ من عنده وهو على طمع، وقد كان عبد الرحمن يخشى زحف، فإن هذا من الكذب المعلوم، إذ لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يوم أحد مع مصعب بن عمير باتفاق الناس، ولواؤه يوم الفتح كان مع الزبير بن العوام، وأمره رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يركّز رايته بالحجون، فقال العباس للزبير بن العوام: أهاهنا أمرك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟ أخرجه البخاري في صحيحه(3).
وكذلك قوله: "وهو الذي صبر معه يوم حُنين".
__________
(1) البخاري: لست بالذي أنافسكم على هذا الأمر.
(2) البخاري: أولئك الرهط.
(3) الحديث عن نافع بن جبير (وهو تابعي) في: البخاري 4/53 (كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في لواء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ونصه: قال سمعت العباس يقول للزبير رضي الله عنه: أهاهنا أمرك النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أن تركز الراية؟.(3/131)
وقد عُلم أنه لم يكن أقرب إليه من العباس بن عبد المطلب، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس آخذ بلجام بغلته وأبو سفيان بن الحارث آخذ بركابه، وقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "ناد أصحاب السمرة" قال: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ فوالله كأن عطفتهم عليَّ حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك يا لبيك. والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" ونزل عن بغلته وأخذ كفّاً من حصى فرمى بها القوم وقال: "انهزموا ورب الكعبة" قال العباس: "فوالله ما هو إلا أن رماهم فما زلت أرى حدّهم كليلاً وأمرهم مدبراً، حتى هزمهم الله" أخرجاه في الصحيحين(1). وفي لفظ للبخاري قال: "وأبو سفيان آخذ بلجام بلغته"(2)
__________
(1) الحديث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في: مسلم 3/1398-1400 (كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين)؛ المسند (ط. المعارف) 3/208-210. وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه: "والحديث رواه مسلم 2/10-61 من طريق يونس عن الزهري، ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. وكذلك رواه الحاكم في المستدرك 3: 327 وزعم أن الشيخين لم يخرجاه، واستدرك عليه الذهبي بإخراج مسلم إياه". وهكذا لا نجد ما يدل على أن حديث العباس رواه البخاري ولعل ابن تيمية يقصد أن الحديث بمعناه من رواية البراء بن عازب في البخاري. وأما قوله: "فما زلت أرى حدهم كليلا" أي: ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
(2) الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه في: البخاري 4/30-31 (كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره) ونصه.. قال رجل للبراء بن عازب رضي الله عنهما: أفررتم عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حُنين؟ قال: لكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يفز، إن هوازن كانوا قوماً رماة، وإنا لما لقيناهم حملنا عليهم فانهزموا، فأقبل المسلمون على الغنائم، واستقبلونا بالسهام، فأما رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلم يفر، فلقد رأيته على بلغته البيضاء وإن أبا سفيان آخذ بلجامها، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: "أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب". والحديث في: مسلم 3/1400-1401 (الموضع السابق). وجاء الحديث عن البراء رضي الله عنه في مواضع أخرى في البخاري: 4/32 (كتاب الجهاد والسير، باب بغلة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم البيضاء)، 4/43 (كتاب الجهاد والسير، باب من صف أصحابه عند الهزيمة..)، 4/67 (كتاب الجهاد والسير، باب من قال خذها وأنا ابن فلان)؛ 5/153 (كتاب المغازي، باب قول الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ..}. وانظر فتح الباري 8/28-32 .(3/132)
وفيه: "قال العباس: لزمت أنا وأبو سفيان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم حُنين فلم نفارقه"(1).
وأما غُسله صلَّى الله عليه وسلَّم وإدخاله قبره، فاشترك فيه أهل بيته، كالعباس وأولاده، ومولاه شقران، وبعض الأنصار، لكن عليٌّ كان يباشر الغسل، والعباس حاضر لجلالة العباس، وأن عليّاً أولادهم بمباشرة ذلك.
وكذلك قوله: "هو أوّل عربي وعجمي صلَّى" يناقض ما هو المعروف عن ابن عباس.
وأما حديث المعراج وقوله فيه: إن الملائكة المقرَّبين والملائكة الكروبيين لما سمعت فضائل عليّ وخاصته وقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ "اشتاقت إلى عليّ فخلق الله لها مَلَكاً على صورة عليّ".
فالجواب: أن هذا من كذب الجُهّال الذين لا يحسنون أن يكذبوا فإن المعراج كان بمكة قبل الهجرة بإجماع الناس، كما قال تعالى: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير } [الإسراء: 1].
وكان الإسراء من المسجد الحرام. وقال: { وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُم وَمَا غَوَى، وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم: 1-4] إلى قوله: { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى } [النجم: 12-14] إلى قوله: { أَفَرَأيْتُمُ الَّلاَتَ وَالعُزَّى } [النجم: 19] وهذا كله نزل بمكة بإجماع الناس.
__________
(1) هذه العبارة في حديث العباس رضي الله عنه: مسلم 3/1398؛ المسند (ط. المعارف) 3/208 .(3/133)
وقوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟ قاله في غزوة تبوك، وهي آخر الغزوات عام تسعٍ من الهجرة. فكيف يُقال: إن الملائكة ليلة المعراج سمعوا قوله: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى"؟.
ثم قد علم أن الاستخلاف على المدينة مشترك، فكل الاستخلافات التي قبل غزوة تبوك وبعد تبوك كان يكون بالمدينة رجال من المؤمنين المطيعين يستخلف عليهم. وغزوة تبوك لم يكن فيها رجل مؤمن مطيع إلا من عذره الله ممن هو عاجز عن الجهاد، فكان المستخلف عليهم في غزوة تبوك أقل وأضعف من المستخلف عليهم في جميع أسفاره ومغازيه وعمره وحجه، وقد سافر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من المدينة قريباً من ثلاثين سفرة، وهو يستخلف فيها من يستخلفه، كما استخلف في غزوة الأبواء سعد بنُ عبادة، واستخلف في غزوة بُوَاط سعد بن معاذ(1)، ثم لما رجع وخرج في طلب كُرْز بن جابر الفِهري استخلف زيد بن حارثة(2)، واستخلف في غزوة العُشَيْرَة أبا سلمة بن عبد الأشهل(3)، وفي غزوة بدر استخلف ابن أم مكتوم(4)، واستخلفه في غزوة قَرْقَرَة
__________
(1) الذي في "سيرة ابن هشام" 2/248 وفي "جوامع السيرة، ص102 أن الذي استعمله النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على المدينة في غزوة بُوَاط هو السائب بن عثمان بن مظعون. ولكن يذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" 3/246: "وقال الواقدي: استخلف عليها سعد بن معاذ". وقال المقريزي في "إمتاع الأسماع" ص54: "واستخلف على المدينة سعد بن معاذ، وقيل: السائب بن عثمان بن مظعون".
(2) انظر في ذلك (وهذه غزوة بدر الأولى): البداية والنهاية 3/247؛ إمتاع الأسماع، ص54، ابن هشام 2/251.
(3) في: البداية والنهاية 3/346؛ إمتاع الأسماع ص55: ابن هشام 2/248؛ جوامع السيرة، ص102: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم استخلف في غزوة العشيرة على المدينة أبا سَلَمة بن عبد الأسد المخزومي.
(4) انظر في ذلك: جوامع السيرة، ص107؛ ابن هشام 2/263-264 .(3/134)
الكُدر(1)، ولما ذهب إلى بني سُليم، وفي غزوة حمراء الأسد، وغزوة بني النضير، وغزوة بني قريظة، واستخلفه لما خرج في طلب اللقاح التي استاقها عيينة بن حصن، ونودي ذلك اليوم: يا خيل الله اركبي وفي غزوة الحديبية، واستخلفه في غزوة الفتح، واستخلف أبا لبابة في غزوة بني قينقاع وغزوة السويق، واستخلف عثمان بن عفان في غزوة غطفان التي يقال لها غزوة أنمار، واستخلفه في غزوة ذات الرقاع، واستخلف ابن رواحة في غزوة بدر الموعد، واستخلف سباع بن عرفطة الغفاري في غزوة دومة الجندل وفي غزوة خَيْبر، واستخلف زيد بن حارثة في غزوة المريسيع، واستخلف أبا رهم في عمرة القضية، وكانت تلك الاستخلافات أكمل من استخلاف عليّ رضي الله عنه عام تبوك، وكلهم كانوا منه بمنزلة هارون من موسى، إذ المراد التشبيه في أصل الاستخلاف.
وإذا قيل: في تبوك كان السفر بعيداً.
قيل: ولكن كانت المدينة وما حولها أمناً، لم يكن هناك عدوّ يُخاف، لأنهم كلهم أسلموا، ومن لم يسلم ذهب. وفي غير تبوك كان العدو موجوداً حول المدينة، وكان يُخاف على من بها، فكان خليفته يحتاج إلى مزيد اجتهاد ولا يحتاج إليه في الاستخلاف في تبوك.
__________
(1) وتعرف بغزوة بني سُليم. قال ابن هشام 3/46 وابن حزم "جامع السيرة" ص152: واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم. وقال المقريزي في "إمتاع الأسماع"، ص107: واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم.(3/135)
وكذلك الحديث المذكور عن ابن عباس: أن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم قال ذات يوم وهو نشيط: أنا الفتى ابن الفتى أخو الفتى" قال: فقوله أنا الفتى: يعني فتى العرب، وقوله: ابن الفتى، يعني إبراهيم الخليل صلوات الله عليه، من قوله { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [الأنبياء: 60] وقوله: أخو الفتى: يعني عليّاً، وهو معنى قول جبريل في يوم بدر وقد عرج إلى السماء وهو فرح وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا عليّ".
فإن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة الموضوعة باتفاق أهل المعرفة بالحديث(1)، وكذبه معروف من غير جهة الإسناد من وجوه.
منها: أن لفظ "الفتى" في الكتاب والسُّنَّة ولغة العرب ليس هو من أسماء المدح، كما ليس هو من أسماء الذم، ولكنه بمنزلة اسم الشاب والكهل والشيخ ونحو ذلك، والذين قالوا عن إبراهيم: سمعنا فتى يذكرهم يُقال له: إبراهيم، هم الكفار، ولم يقصدوا مدحه بذلك، وإنما الفتى كالشاب الحدَث.
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أجلُّ من أن يفتخر بجده وابن عمه.
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يؤاخ عليّاً ولا غيره، وحديث المؤاخاة لعليّ، ومؤاخاة أبي بكر لعمر من الأكاذيب. وإنما آخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يؤاخ بين مهاجريّ ومهاجريّ.
ومنها: أن هذه المناداة يوم بدر كذب.
__________
(1) لم أجد الجزء الأول من هذا الحديث الموضوع، وأما الجزء الأخير منه وهو: "لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا عليّ" فوصفه بالوضع وتكلم على الكذّابين من رواته كل من ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/381-382؛ والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/364-365؛ وعلي القارئ في "الأسرار المرفوعة" ص384-385؛ وابن عراق الكناني في "تنزيه الشريعة" 1/385؛ وابن العجلوني في "كشف الخفاء" 2/363-364.(3/136)
ومنها: أن ذا الفقار لم يكن لعليّ، وإنما كان سيفاً من سيوف أبي جهل غنمة المسلمون منه يوم بدر، فلم يكن يوم بدر ذو الفقار من سيوف المسلمين، بل من سيوف الكفّار، كما روى ذلك أهل السنن. فروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تنفل سيفه ذا الفَقَار يوم بدر(1).
ومنها: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان بعد النبوة كهلاً قد تعدّى سن الفتيان.
وأما حديث أبي ذر الذي رواه الرافضي فهو موقوف عليه ليس مرفوعاً، فلا يحتج به، مع أن نقله عن أبي ذر فيه نظر، ومع هذا فحب عليّ واجب، وليس ذلك من خصائصه، بل علينا أن نحبه، كما علينا أن نحب عثمان وعمر وأبا بكر، وأن نحب الأنصار.
__________
(1) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما في: سنن الترمذي 3/60-61 (كتاب السير، باب في النفل) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب". وهو في: سنن ابن ماجه 2/939 (كتاب الجهاد، باب السلاح). وجاء الحديث مطولاً في: المسند (ط. المعارف) 4/146-147. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: "إسناده صحيح.. والحديث ذكره ابن كثير في التاريخ 4/11-12 من رواية البيهقي من طريق ابن وهب عن ابن أبي الزناد بأطول مما هنا.... ذو الفقار: بفتح الفاء، سمى بذلك لأنه كانت فيه حفر صغار حسان، والسيف المفقر: الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه".(3/137)
ففي الصحيح عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: ”آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار“(1) وفي صحيح مسلم عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: "إنه لعهد النبي الأميّ إليّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق"(2).
الفصل الثاني والعشرون
الرد على القول بأن حب عليّ حسنة لا تضر معها سيئة
قال الرافضي: "ومنها ما نقله صاحب "الفردوس" في كتابه عن معاذ بن جبل عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة".
والجواب: أن كتاب "الفردوس" فيه من الأحاديث الموضوعات ما شاء الله، ومصنفه شيرويه بن شهردار الديلمي(3) وإن كان من طلبة الحديث ورواته، فإن هذه الأحاديث التي جمعها وحذف أسانيدها، نقلها من غير اعتبار لصحيحها وضعيفها وموضوعها؛ فلهذا كان فيه من الموضوعات أحاديث كثيرة جداً.
__________
(1) الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه في البخاري 5/32 (كتاب مناقب الأنصار، باب حب الأنصار)، مسلم 1/85 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار...)، المسند (ط. الحلبي) 3/130، 134، 249.
(2) الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في: مسلم 1/86 (كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان..)، سنن الترمذي 5/306 (كتاب المناقب، باب مناقب عليّ)، سنن ابن ماجه 1/42 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم..، فضل عليّ...)، المسند (ط. المعارف) 2/57. وهو في مواضع أخرى في المسند.
(3) هو شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو، ولد سنة 445 وتوفي سنة 509، مؤرخ ومحدث، له "تاريخ همذان" و"فردوس الأخيار" وهو كتاب كبير في الحديث اختصره ابنه شهردار، واختصر المختصر ابن حجر العسقلاني. انظر ترجمة شيرويه في: شذرات الذهب 4/23-24؛ الأعلام 3/268 .(3/138)
وهذا الحديث مما يشهد المسلم بأن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لا يقوله(1)؛ فإن حب الله ورسوله أعظم من حب علي، والسيئات تضر مع ذلك. وقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يضرب عبد الله بن حمار في الخمر، وقال: "إنه يحب الله ورسوله"(2) وكل مؤمن فلابد أن يحب الله ورسوله والسيئات تضره. وقد أجمع المسلمون وعُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الشرك يضر صاحبه ولا يغفره الله لصاحبه، ولو أحب عليّ بن أبي طالب؛ فإن أباه أبا طالب كان يحبه وقد ضره الشرك حتى دخل النار، والغالية يقولون إنهم يحبونه وهم كفّار من أهل النار.
__________
(1) لم أجد هذا الحديث الموضوع ولكني وجدت حديثاً موضوعاً مقارباً ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات" 1-37 وهو: "حب عليّ بن أبي طالب يأكل السيئات كما تأكل النار الحطب". وذكره أيضاً السيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/355 .
(2) سبق الحديث فيما مضى.(3/139)
وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديث الصحيح: ”لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها“(1). وقد عُلم بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو سرق لقُطعت يده وإن كان يحب عليّاً، ولو زنى أقيم عليه الحد ولو كان يحب عليّاً، ولو قتل لأقيد بالمقتول وإن كان يحب عليّاً. وحب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعظم من حب عليّ، ولو ترك رجل الصلاة والزكاة وفعل الكبائر لضرّه ذلك مع حب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فكيف لا يضره ذلك مع حب علي؟.
ثم من المعلوم أن المحبّين له الذين رأوه وقاتلوا معه أعظم من غيرهم، وكان هو دائماً يذمّهم ويعيبهم ويطعن عليهم ويتبرأ من فعلهم به، ودعا الله عليهم أن يبدله بهم خيراً منهم، ويبدلهم به شرّاً منه، ولو لم تكن إلا ذنوبهم بتخاذلهم في القتال معه ومعصيتهم لأمره – فإذا كان أولئك خيار الشيعة وعليّ يبين أن تلك الذنوب تضرهم – فكيف بما هو أعظم منها لمن هو شر من أولئك ؟!
وبالجملة فهذا القول كفر ظاهر يُستتاب صاحبه، ولا يجوز أن يقول هذا من يؤمن بالله واليوم الآخر.
__________
(1) الحديث عن عائشة رضي الله عنها، وجاء في البخاري في ثلاثة مواضع: 5/23 (كتاب فضائل أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، باب ذكر أسامة بن زيد)، 4/175 (كتاب الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان..) ونصه فيه:... أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت... وفيه:... فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ”أتشفع في حد من حدود الله“؟ ثم قام فاختطب ثم قال: ”إنما أهلك الذين قبلكم...“، الحديث وهو في: البخاري 8/160 (كتاب الحدود، باب إقامة الحدود على الشريف والوضيع)؛ مسلم 3/1315-1316 (كتاب الحدود، باب قطع السارق الشريف وغيره...)؛ سنن أبي داود 4/188 (كتاب الحدود، باب في الحد يشفع فيه) وجاء الحديث في: سنن الترمذي وابن ماجه والنسائي والدارمي ومسند أحمد.(3/140)
وكذلك قوله: "وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة" فإن من أبغضه إن كان كافراً فكفره هو الذي أشقاه، وإن كان مؤمناً نفعه إيمانه وإن أبغضه.
وكذلك الحديث الذي ذكره عن ابن مسعود أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: حب آل محمد يوماً خير من عبادة سنة، ومن مات عليه دخل الجنة وقوله عن عليّ: أنا وهذا حجة الله على خلقه – هما حديثان موضوعان عند أهل العلم بالحديث(1). وعبادة سنة فيها الإيمان والصلوات الخمس كل يوم وصوم شهر رمضان، وقد أجمع المسلمين على أن هذا لا يقوم مقامه حب آل محمد شهراً، فضلاً عن حبهم يوماً.
وكذلك حجة الله على عباده قامت بالرسل فقط. كما قال تعالى: { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [النساء: 165]. ولم يقل: بعد الرسل والأئمة أو الأوصياء أو غير ذلك.
وكذلك قوله: "لو اجتمع الناس على حب عليّ لم يخلق الله النار" من أبين الكذب باتفاق أهل العلم والإيمان، ولو اجتمعوا على حب عليّ لم ينفعهم ذلك حتى يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ويعملوا صالحاً، وإذا فعلوا ذلك دخلوا الجنة وإن لم يعرفوا عليّاً بالكلية، ولم يخطر بقلوبهم لا حبه ولا بغضه.
قال الله تعالى: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 112].
__________
(1) لم أجد الحديث الأول. أما الحديث الثاني فقد وصفه بالوضع وتكلم على رواته الوضاعين كل من: ابن الجوزي في "الموضوعات" 1/382-383؛ والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" 1/365-366؛ والشوكاني في "الفوائد المجموعة" ص373. ولم ينقل ابن تيمية كعادته كلام ابن المطهر بنصه ثم يرد عليه ولكنه ذكر كلامه هنا مباشرة مع الرد عليه في نفس الوقت.(3/141)
وقال تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69].
وقال تعالى: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 133-136] فهؤلاء في الجنة، ولم يشترط عليهم ما ذكروه من حب علي.
وكذلك قوله تعالى: { إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلاّ الْمُصَلِّينَ } [المعارج: 19-22] إلى قوله: { أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } [المعارج: 35] وأمثال ذلك، ولم يشترط حب علي.
وقد قَدِم على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عدة وفود، وآمنوا به، وآمن به طوائف ممن لم يره، وهم لم يسمعوا بذكر عليّ ولا عرفوه، وهم من المؤمنين المتقين المستحقين للجنة. وقد اجتمع على دعوى حبه الشيعة الرافضة والنصيرية والإسماعيلية، وجمهور هم من أهل النار بل مخلّدون في النار.
الفصل الثالث والعشرون
الرد على القول برد الشمس على عليّ(3/142)
قال الرافضي: "رجوع الشمس له مرتين: إحداهما: في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. والثانية: بعده. أما الأولى فروي جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم نزل عليه جبريل يوماً يناجيه من عند الله فلما تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين، فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، فصلّى عليّ العصر بالإيماء، فلما استيقظ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له: سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائماً، فدعا، فرُدّت الشمس، فصلّى العصر قائماً.
وأما الثانية: فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم، وصلَّى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر، وفات كثير منهم، فتكلّموا في ذلك، فسأل الله رد الشمس فردت. ونظمه الحميري فقال:
رُدّت عليه الشمسُ لما فاتَهُ ... وقتُ الصلاةِ وقد دنت للمَغْرِبِ
حتى تبلّجَ نورُها في وقتِها ... للعصرِ ثم هَوَتْ هُوِيَّ الكوكبِ
وعليه قد رُدَّت ببابلَ مرةً ... أخرى وما رُدت لخَلْقٍ مُعْرِبِ(3/143)
والجواب: أن يقال: فضل عليّ وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم، ولله الحمد، من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يُحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يُعلم صدقه. وحديث الشمس له قد ذكره طائفة، كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدُّوا ذلك من معجزات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم. لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع، كما ذكره ابن الجوزي في كتاب "الموضوعات"(1) فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء، من طريق عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة بنت الحُسين، عن أسماء بنت عُميس، قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُوحى إليه ورأسه في حجر عليّ فلم يصل العصر حتى غربت الشمس(2)، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: صليت يا عليّ؟ قال: لا(2)، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت". قال أبو الفرج(3): "هذا حديث موضوع بلا شك، وقد اضطرب الرواة فيه، فرواه سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عليّ بن الحسين(4)، عن فاطمة بنت علي(5)، عن أسماء". قال(6): "وفضيل بن مرزوق ضعّفه يحيى، وقال أبو حاتم بن حبّان: يروي الموضوعات ويخطئ على الثقات(7). قال أبو الفرج: "وهذا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه"(8)
__________
(1) الموضوعات 1/355-357 .
(2) ما بين النجمتين ساقط من "الموضوعات" وموجود في "تنزيه الشريعة"، "اللآلئ المصنوعة"، "الفوائد المجموعة".
(3) ص 356 .
(4) الموضوعات: عن علي بن الحسن.
(5) ترجمة فاطمة بنت علي بن أبي طالب في تهذيب التهذيب 12/443، الأعلام 5/328 .
(6) أي ابن الجوزي بعد ثلاثة أسطر.
(7) هذه العبارات ساقطة من "الموضوعات".
(8) هذه العبارات ساقطة من "الموضوعات".(3/144)
.
قلت: والمعروف أن سعيد بن مسعود رواه عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء. ورواه محمد بن مرزوق، عن حسين الأشقر، عن عليّ بن عاصم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار(1)، عن عليّ بن الحسين، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء، كما سيأتي ذكره. قال أبو الفرج(2): "وقد روى هذا الحديث ابن شاهين، حدثنا(3) أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا(4) عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي، عن عروة بن عبد الله بن قشير قال: دخلت على فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب فحدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب. وذكر حديث رجوع الشمس. قال أبو الفرج(5): "وهذا حديث باطل. أما عبد الرحمن بن شريك، فقال أبو حاتم(6): هو واهي الحديث. قال: وأنا لا أتهم بهذا الحديث إلا ابن عقدة(7)، فإنه كان رافضياً يحدّث بمثالب الصحابة" "قال أبو أحمد بن عدي الحافظ سمعت أبا بكر بن أبي طالب(8) يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث، كان يحمل شيوخاً(9) بالكوفة على الكذب، يسوّي لهم نسخاً، ويأمرهم أن يرووها، وقد بيّنّا ذلك منه في غير نسخة(10)، *وسئل عنه الدارقطني فقال: رجل سوء. قال أبو الفرج: وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن أبي هريرة، قال: وداود ضعيف ضعّفه شعبة"*(11)
__________
(1) ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار في: تهذيب التهذيب 6/206-207 .
(2) الموضوعات 1/356 .
(3) الموضوعات: قال: حدثنا.
(4) الموضوعات: قال: حدثنا.
(5) بعد كلامه السابق مباشرة.
(6) الموضوعات: أبو حاتم الرازي.
(7) الموضوعات: قال المصنف قلت وأما أنا فلا أتهم بهذا إلا ابن عقدة.
(8) هذه العبارات في "الموضوعات" 1/357 بعد كلامه السابق بسبعة أسطر فيه: وقال ابن عدي سمعت أبا بكر بن أبي غالب.
(9) الموضوعات: لأنه كان يحمل شيوخنا...
(10) الموضوعات: وقد تيقّنّا ذلك منه في غير شيخ بالكوفة.
(11) الكلام بين النجمتين في "الموضوعات" ولكن اختلف ترتيبه واختلفت بعض ألفاظه. وهذا الحديث الموضوع في: تنزيه الشريعة 1/378-382؛ اللآلئ المصنوعة 1/336-338؛ الفوائد المجموعة، ص350 .(3/145)
.
قلت: فليس في هؤلاء من يُحتج به فيما دون هذا.
وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب. وإنشاد الحميري لا حجة فيه، لأنه لم يشهد ذلك، والكذب قديم، فقد سمعه فنظمه وأهل الغلو في المدح والذم ينظمون ما لا تتحقق صحته، لا سيما والحميري معروف بالغلو(1).
وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال: "غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد مَلَك بُضع امرأة يريد أن يبني بها ولما يبن، ولا رجل قد بنى بيتاً ولم يرفع سقفه، ولا رجل اشترى غنماً – أو خلفات – وهو ينتظر ولادها، قال: فغزوا، فدنا من القرية، حتى صلى العصر قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليّ شيئاً، فحُبست عليه حتى فتح الله عليه" الحديث(2).
__________
(1) أبو هاشم – أو أبو عامر – إسماعيل بن محمد بن يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري، شاعر رافضي ولد سنة 105 واختلف في وفاته، قيل: إنه توفي سنة 173 وقيل سنة 178 وقيل سنة 179. قال عنه ابن حجر: "كان رافضياً خبيثاً. قال الدارقطني: كان يسب السلف في شعره ويمدح عليّاً رضي الله عنه". وعده الشهرستاني من المختارية الكيسانية أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي القائلين بإمامة محمد بن الحنفية بعد علي رضي الله عنه. انظر ترجمته ومذهبه في: لسان الميزان 1/436-438؛ فوات الوفيات 1/32-36؛ البداية والنهاية 1-/173-174؛ روضات الجنات، ص29-31؛ الأعلام 1/320-321، الملل والنحل 1/133-134 .
(2) الحديث – مع اختلاف الألفاظ – عن أبي هريرة رضي الله عنه في موضعين في: البخاري 4/86 (كتاب فرض الخمس، باب حدثنا أبو اليمان..)، 7/12 (كتاب النكاح، باب من أحب البناء قبل الغزو). وجاء في هذا الموضع مختصراً. والحديث أيضاً في: مسلم 3/1366-1367 (كتاب الجهاد والسير، باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة)؛ المسند (ط. المعارف) 16/102-103 .(3/146)
فإن قيل: فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت قد رُدّت ليوشع، فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة ؟
فيقال: يوشع لم تُرد له الشمس، ولكن تأخر غروبها: طُوّل له النهار، وهذا قد لا يظهر للناس، فإن طول النهار وقصره لا يدرك ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.
وأيضاً لا مانع من طول ذلك، لو شاء الله لفعل ذلك. لكن يوشع كان محتاجاً إلى ذلك، لأن القتال كان محرماً عليه بعد غروب الشمس، لأجل ما حرّم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت. وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرّطاً لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى رد، وإن لم يكن مفرّطاً، كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب.
وأيضاً فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلّى بعد ذلك لا يكون مصلّياً في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس.
وقول الله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه: 130] يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلّي قبل هذا الغروب، وإن طلعت ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر، ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت لأحد، فتقريرها تقدير ما لا وجود له. ولهذا لا يوجد الكلام على حكمٍ مثل هذا في كلام العلماء المفرِّعين.
وأيضاً فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاتته العصر يوم الخندق، فصلاّها قضاءً، هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله ردّ الشمس.(3/147)
وفي الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه بعد ذلك، لما أرسلهم إلى بني قريظة: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم: لم يرد منا تفويت الصلاة فصلّوا في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلّي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدةً من الطائفتين(1).
فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّوا العصر بعد غروب الشمس، وليس عليّ بأفضل من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فإذا صلاّها هو وأصحابه معه بعد الغروب، فعليّ وأصحابه أولى بذلك.
فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزئ أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس، كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أولى برد الشمس، وإن كانت كاملةً مُجزئة فلا حاجة إلى ردها.
وأيضاً فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان عُلم بيان كذبهم في ذلك.
__________
(1) الحديث مع اختلاف يسير في الألفاظ – عن ابن عمر رضي الله عنهما في: البخاري 5/112 (كتاب المغازي، باب مرجع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الأحزاب....) 2/15 مسلم 3/1391 (كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو...) وفيه: أن لا يصلين أحد الظهر إلا في بني قريظة.(3/148)
وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه، وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه(1)، ونزل به القرآن، فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار، ولا يشتهر ذلك، ولا ينقله أهل العلم نقله مثله ؟!
ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها، وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعيين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر، وما يشبه ذلك، فليس الكلام في هذا المقام. لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفَلَك، وكثير من الناس ينكر إمكانه، فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله، فكيف يُقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور، فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع.
__________
(1) جاءت أحاديث عديدة ذكرت انشقاق القمر عن عدد من الصحابة منها في: البخاري 4/206-207 (كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم آية فأراهم انشقاق القمر) وفي هذا الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وابن عباس رضي الله عنهم. وتكررت هذه الأحاديث في: البخاري 5/49 (كتاب مناقب الأنصار، باب انشقاق القمر) ونص حديث أنس هو: أن أهل مكة سألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يريهم آية فأراهم القمر شِقّين حتى رأوا حراء بينهما. وأما حديث عبد الله بن مسعود فهو: انشق القمر ونحن مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بمنى فقال: "اشهدوا" وذهبت فرقة نحو الجبل. وأما حديث ابن عباس فهو: أن القمر انشق على زمان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وجاءت أحاديث انشقاق القمر أيضاً في: البخاري 6/142-143 (كتاب التفسير، سورة اقتربت الساعة)؛ مسلم 4/2158-2159 (كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر)؛ سنن الترمذي 5/71-73 (كتاب التفسير، سورة القمر) وفي هذا الباب أيضاً عن ابن عمر وجبير بن مطعم وأبي هريرة رضي الله عنهم؛ المسند (ط. المعارف) 5/304، 6/12، 135، (ط. الحلبي) 3/165، 220، 275، 4/81-82 .(3/149)
وإن كانت الشمس احتجبت بغيم، ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ولعلهم ظنوا أنها غربت، ثم كشف الغمام عنها.
وهذا وإن كان قد وقع، ففيه أن الله بيّن له بقاء الوقت حتى يصلّي فيه. ومثل هذا يجري لكثير من الناس.
وهذا الحديث قد صنّف فيه مصنّف جمعت فيه طرقه، صنّفه أبو القاسم عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحكاني سماه "مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس"(1) وقال: هذا حديث رُوي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من طريق أسماء بنت عُميس الخثعمية، ومن طريق أمير المؤمنين عليّ بين أبي طالب، ومن طريق أبي هريرة وأبي سعيد. وذكر حديث أسماء من طريق محمد بن أبي فديك. قال: أخبرني محمد بن موسى – وهو القطري – عن عون بن محمد، عن أمه – أم جعفر – عن جدتها أسماء بنت عميس أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يعني العصر، فوضع رأسه في حِجر عليّ ولم يحركه حتى غابت الشمس، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إن عبدك عليّاً في طاعتك وطاعة رسولك احتبس نفسه على نبيّه، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال، فقام عليّ فتوضأ وصلى العصر، ثم غابت الشمس".
__________
(1) لم أجد فيما بين يدي من مراجع شيئاً عن المؤلف أو عن الكتاب.(3/150)
قال أبو القاسم المصنّف: "أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب، والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن عليّ، المعروف: أبوه محمد بن الحنفية، والراوي عنه هو محمد بن موسى المديني، المعروف بالقطري: محمود في روايته ثقة. والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني: ثقة. وقد رواه عنه جماعة: منهم هذا الذي ذكرت روايته، وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي، وقد رواه عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء، وذكره بإسناده من طريقه، وفيه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم العصر، فوضع رأسه في حِجر عليّ، فلم يحركه حتى غربت الشمس، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: اللهم إن عبدك عليّاً احتبس نفسه على نبيه، فرد عليه شرقها. قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، فقام عليّ وتوضأ وصلّى العصر وذلك في الصهباء في غزوة خيبر.
قال: ومنهم أحمد بن صالح المصري، عن ابن أبي فديك، رواه أبو جعفر الطحاوي في كتاب "تفسير متشابه الأخبار" من تأليفه من طريقه.
ومنهم الحسن بن داود عن ابن أبي فديك، وذكره بإسناده، ولفظه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلّى الظهر بالصهباء من أرض خيبر، ثم أرسل عليّاً في حاجة، فرجع وقد صلّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم العصر، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رأسه في حِجر عليّ، فلم يحركه حتى غربت الشمس، فاستيقظ. وقال: يا علي صليت العصر؟ قال: لا. وذكره. قال: ويرويه عن أسماء فاطمة بنت الحسين الشهيد.(3/151)
ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي، حدثنا محمد بن مرزوق، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة، عن أسماء بنت عميس، قالت: نزل جبريل على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بعدما صلّى العصر، فوضع رأسه – أو خده: لا أدري أيهما قال - في حِجر عليّ، ولم يصل العصر حتى غابت الشمس" وذكره.
قال المصنف: "ورواه عن فضيل بن مرزوق جماعة، منهم عبيد الله بن موسى العبسي. ورواه الطحاوي من طريقه، ولفظه: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُوحى إليه ورأسه في حِجر عليّ، فلم يصل العصر حتى غابت الشمس.
ورواه أيضاً من حديث عمّار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق، من طريق أبي جعفر العقيلي صاحب كتاب "الضعفاء".
قلت: وهذا اللفظ يناقض الأول، ففيه أنه نام في حِجره من صلاة العصر إلى غروب الشمس، وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء. وفي الثاني أنه كان مستيقظاً يُوحِي إليه جبريل، ورأسه في حِجر عليّ حتى غربت الشمس. وهذا التناقض يدل على أنه غير محفوظ، لأن هذا صرح بأنه كان نائماً هذا الوقت، وهذا قال: كان يقظان يُوحى إليه، وكلاهما باطل؛ فإن النوم بعد العصر مكروه منهي عنه، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم تنام عيناه ولا ينام قلبه، فكيف تفوت عليّاً صلاة العصر ؟
ثم تفويت الصلاة بمثل هذا، إما أن يكون جائزاً، وإما أنه لا يجوز. فإن كان جائزاً لم يكن على عليّ إثم إذا صلّى العصر بعد الغروب، وليس عليّ أفضل من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم فاتته العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس، ثم صلاّها، ولم ترد عليه الشمس، وكذلك لم ترد لسليمان لما توارت بالحجاب.
وقد نام النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومعه عليّ وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق.(3/152)
وإن كان التفويت محرّماً، فتفويت العصر من الكبائر. وقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ”من فاتته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهله وماله“(1).
وعليّ كان يعلم أنها الوسطى، وهي صلاة العصر. وهو قد روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الصحيحين لما قال: ”شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، حتى غربت الشمس، ملأ الله أجوافهم وبيوتهم ناراً“(2) وهذا كان في الخندق، وخيبر بعد الخندق.
فعليّ أجلّ قدراً من أن يفعل مثل هذه الكبيرة، ويقرّه عليها جبريل ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، وقد نزّه الله عليّاً عن ذلك. ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس.
وأيضاً فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرّيّة قدّام العسكر والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه. ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يُعرف ضبطهم وعدالتهم.
__________
(1) الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: الذي تفوته صلاة العصر.. إلخ في: البخاري 1/111 (كتاب المواقيت، باب إثم من فاتته العصر)، مسلم 1/435 (كتاب المساجد...، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر)، 1/436 (بلفظ: من فاتته...) والحديث في مواضع أخرى في البخاري ومسلم وفي كتب السنن وفي الموطأ والمسند.
(2) الحديث عن عليّ رضي الله عنه في: البخاري 4/43-44 (كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة...)؛ مسلم 1/436-437 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) الأحاديث 202-206؛ سنن الترمذي 4/286 (كتاب التفسير، سورة البقرة حديث 4068)؛ المسند (ط. المعارف) 2/31، 46، 177، 213 .(3/153)
وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تُعلم عدالة ناقليه وضبطهم ولا يعلم اتصال إسناده.
وقد قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عام خيبر: ”لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله“(1) فنقل ذلك غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمساند.
وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة: لا رواه أهل الصحيح ولا أهل السنن ولا المساند أصلاً، بل اتفقوا على تركه والإعراض عنه، فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة، التي هي لو كانت حقّاً من أعظم المعجزات المشهورة الظاهرة، ولم يروها أهل الصحاح والمساند، ولا نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة !!
والإسناد الأول رواه القطري، عن عون، عن أمه، عن أسماء بنت عميس. وعون وأمه ليسا ممن يُعرف حفظهم وعدالتهم، ولا من المعروفين بنقل العلم، ولا يُحتج بحديثهم في أهون الأشياء، فكيف في مثل هذا؟ ولا فيه سماع المرأة من أسماء بنت عميس، فلعلها سمعت من يحكيه عن أسماء فذكرته.
وهذا المصنف ذكر عن ابن أبي فديك أنه ثقة، وعن القطري أنه ثقة، ولم يمكنه أن يذكر عمن بعدهما أنه ثقة، وإنما ذكر أنسابهم ومجرد المعرفة بنسب الرجل لا تُوجب أن يكون حافظاً ثقة.
__________
(1) جاء الحديث – مع اختلاف في الألفاظ – عن جماعة من الصحابة منهم: علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأبو بريدة وسلم رضي الله عنهم في: البخاري 5/18 (كتاب فضائل أصحاب النبي، باب مناقب علي بن أبي طالب)، مسلم 4/1871-1872 (كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب)، الترمذي 5/301-302 (كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب)، سنن ابن ماجه 1/43-44 (المقدمة، باب في فضائل أصحاب رسول الله...، فضل علي ...)، المسند (ط. المعارف) 3/97-98، (ط. الحلبي) 5/353-354، 358-359 .(3/154)
وأما الإسناد الثاني فمداره على فُضيل بن مرزوق، وهو معروف بالخطأ على الثقات، وإن كان لا يتعمّد الكذب(1). قال فيه ابن حبان: يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات(2) وقال فيه أبو حاتم الرازي(3): لا يحتج به. وقال فيه يحيى بن معين مرة: هو ضعيف. وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه: لا أعلم إلا خيراً، وقول سفيان: هو ثقة، وقول يحيى مرة: هو ثقة فإنه ليس ممن يتعمد الكذب، ولكنه يخطئ، وإذا روى له مسلمُ ما تابعه غيره عليه، لم يلزم أن يُروى ما انفرد به، مع أنه لم يُعرف سماعه عن إبراهيم، ولا سماع إبراهيم من فاطمة، ولا سماع فاطمة من أسماء.
ولابد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلاًّ من هؤلاء عدل ضابط، وأنه سمع من الآخر. وليس هذا معلوماً، وإبراهيم هذا لم يرو له أهل الكتب المعتمدة – كالصحاح والسنن – ولا له ذكر في هذه الكتب، بخلاف فاطمة بنت الحسين، فإن لها حديثاً معروفاً، فكيف يُحتج بحديث مثل هذا؟ ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث المعروفين في الكتب المعتمدة.
__________
(1) فضيل بن مرزوق الأغر الراقشي الكوفي. ترجمته في: تهذيب التهذيب 7/298-300؛ ميزان الاعتدال 3/362-363. وقال الذهبي عنه: "وثّقه سفيان بن عيينه وابن معين، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس، وقال النسائي: ضعيف وكذا ضعفه عثمان بن سعيد. قلت: وكان معروفاً بالتشيع من غير سبّ".
(2) ذكر هذه العبارات نقلاً عن ابن حبّان ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 7/299 .
(3) في كتابه "الجرح والتعديل" ق2 م3 ص75 (ط. حيدر آباد 1361/ 1942).(3/155)
وكون الرجل أبوه كبير القدر لا يوجب أن يكون هو من العلماء المأمونين على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما يرويه عنه. وأسماء بنت عُميس كانت عند جعفر، ثم خلف عليها أبو بكر، ثم خلف عليها عليّ، ولها من كل من هؤلاء ولد، وهم يحبون عليّاً، ولم يرو هذا أحد منهم عن أسماء. ومحمد بن أبي بكر الذي في حِجر عليّ هو ابنها ومحبته لعليّ مشهورة، ولم يرو هذا عنها.
وأيضاً فاسماء كانت زوجة جعفر بن أبي طالب، وكانت معه في الحبشة، وإنما قدمت معه بعد فتح خيبر. وهذه القصة قد ذُكر أنها كانت بخيبر. فإن كانت صحيحة كان ذلك بعد فتح خيبر، وقد كان مع النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ممن شهد خيبر أهل الحديبية: ألف وأربعمائة، وازداد العسكر بجعفر وازداد العسكر ومن قَدِم معه من الحبشة، كأبي موسى الأشعري وأصحابه، والحبشة الذين قدموا مع جعفر في السفينة، وازدادوا أيضاً بمن كان معهم من أهل خيبر، فلم يرو هذا أحد من هؤلاء، وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق.
والطعن في فضيل ومن بعده إذا تيقّن بأنهم رووه، وإلا ففي إيصاله إليهم نظر، فإن الراوي الأول من فُضيل: الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي(1). قال البخاري: عنده مناكير. وقال النسائي وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال الأزدي: ضعيف. وقال السعدي: حسين الأشقر غالٍ من الشاتمين للخِيرة. وقال ابن عدي: روى حديثاً منكراً، والبلاء عندي منه، وكان جماعة من ضعفاء الكوفة يحيلون ما يروون عنه من الحديث فيه(2).
__________
(1) ترجمته في: ميزان الاعتدال 1/531-532، تهذيب التهذيب 2/335-337. واسمه الكامل الحسين بن الحسن الأشقر الفزاري الكوفي. قال ابن حجر: "قال البخاري: فيه نظر، وقال مرة: عنده مناكير".
(2) في ميزان الاعتداء 1/531: "وقال ابن عدي: جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات على حسين الأشقر، على أن في حديثه بعض ما فيه. وذكر له مناكير، قال في أحدهما: البلاء عندي من الأشقر".(3/156)
وأما الطريق الثالث ففيه عمّار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق. قال العُقيلي: يحدّث عن الثقات بالمناكير، وقال الرازي: كان يكذب، أحاديثه بواطل. وقال ابن عدي: متروك الحديث(1).
__________
(1) انظر ترجمة عمّار بن مطر ويكنى أبا عثمان الرهاوي في: ميزان الاعتدال 3/169-170، لسان الميزان 4/275-276. وقال ابن حجر بعد أن أورد حديث رد الشمس عن طريقه: "وقد روى ابن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لن ترد الشمس إلا على يوشع بن نون". وقال الذهبي – ونقل عنه ابن حجر – عن عمّار بن مطر: "هالك وثقه بعضهم، ومنهم من وصفه بالحفظ". وقال الذهبي: "قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، وقال العقيلي: يحدث عن الثقات بمناكير".
وذكر أبو حاتم الرازي في "الجرح والتعديل" م3 ق1 ص394 – ونقل كلامه الذهبي وابن حجر -: "كان يكذب".(3/157)
والطريق الأول من حديث عبيد الله بن موسى العبسي(1)، وفي بعض طرقه عن فُضيل، وفي بعضها: "حدثنا" فإذا لم يثبت أنه قال: "حدثنا" أمكن أن لا يكون سمعه، فإنه من الدعاة إلى التشيّع، الحراص على جمع أحاديث التشيع، وكان يروي الأحاديث في ذلك عن الكذابين، وهو من المعروفين بذلك. وإن كانوا قد قالوا فيه: ثقة، وإنه لا يكذب، فالله أعلم أنه هل كان يتعمد الكذب أم لا؟ لكنه كان يروي عن الكذابين المعروفين بالكذب بلا ريب. والبخاري لا يروي عنه إلا ما عُرف أنه من غير طريقه، وأحمد بن حنبل لم يرو عنه شيئاً. قال المصنف: وله روايات عن فاطمة سوى ما قدمنا(2).
ثم رواه بطريق مظلمة، يظهر أنها كذب لمن له معرفة منوطة بالحديث، فرواه من حديث أبي حفص الكتاني(3)، حدثنا محمد بن عمر القاضي – هو الجعاني – حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، حدثنا خلف بن سالم، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان الثوري، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أمه، عن فاطمة، عن أسماء أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس.
__________
(1) هو عبد الله بن موسى بن أبي المختار، واسمه باذام العبسي. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب 7/50-53 وفيه: "وقال ابن سعد: مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائتين... وقال الحاكم: سمعت قاسم بن قاسم السياري سمعت أبا مسلم البغدادي الحافظ يقول: عبيد الله بن موسى من المتروكين، تركه أحمد لتشيعه... وقال ابن قانع: كوفي صالح يتشيع، وقال الساجي: كان يفرط في التشيع". وقال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال 3/16: "... وقال أبو داود: كان شيعياً متحرقاً".
(2) انظر ما ذكرته عن عبيد الله بن موسى العبسي قبل قليل.
(3) لم أجد الرجل فيما بين يديّ من مراجع.(3/158)
وهذا مما لا يقبل نقله إلا ممن عُرف عدالته وضبطه، لا من مجهول الحال، فكيف إذا كان مما يعلم أهل الحديث أن الثوري لم يحدّث به، ولا حدّث به عبد الرزاق. وأحاديث الثوري وعبد الرزاق يعرفها أهل العلم بالحديث، ولهم أصحاب يعرفونها. ورواه خلف بن سالم. ولو قُدِّر أنهم رووه فأم أشعث مجهولة لا يقوم بروايتها شيء.
وذكر طريقاً ثانياً من طريق محمد بن مرزوق، حدثنا حسين الأشقر، عن عليّ بن هاشم، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء بنت عُميس .... الحديث.
قلت: وقد تقدّم كلام العلماء في حسين الأشقر، فلو كان الإسناد كلهم ثقات، والإسناد متصل، لم يثبت بروايته شيء، فكيف إذا لم يثبت ذلك؟ وعليّ بن هاشم بن البريد. قال البخاري: هو وأبوه غاليان في مذهبهما. وقال ابن حبان: كان غالياً في التشيع، يروي المناكير عن المشاهير(1). وإخراج أهل الحديث لما عرفوه من غير طريقه لا يوجب أن يثبت ما انفرد به.
ومن العجب أن هذا المصنف جعل هذا والذي بعده من طريق رواية فاطمة بنت الحسين. وهذه فاطمة بنت عليّ لا بنت الحسين.
وكذلك ذكر الطريق الثالث عنها: من رواية عبد الرحمن بن شريك، حدثنا أبي، عن عروة بن عبد الله، عن فاطمة بنت عليّ، عن أسماء، عن علي بن أبي طالب، رُفع إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد أوحي إليه فجلله بثوبه، فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس. يقول: غابت أو كادت تغيب، وأن نبي الله صلَّى الله عليه وسلَّم سُرِّي عنه، فقال: أصليت يا علي؟ قال: لا. قال: اللهم ردّ على عليّ الشمس فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجد.
__________
(1) انظر هذا الأقوال وغيرها من علي بن هاشم بن البريد في: ميزان الاعتدال 3/160، تهذيب التهذيب: 7/392-293 .(3/159)
فيقتضي أنها رجعت إلى قريب وقت العصر، وأن هذا كان بالمدينة. وفي ذاك الطريق أنه كان بخيبر، وأنها إنما ظهرت على رؤوس الجبال. وعبد الرحمن بن شريك. قال أبو حاتم الرازي: هو واهي الحديث، وكذلك قد ضعّفه غيره.
ورواه من طريق رابع من حديث محمد بن عمر القاضي – وهو الجعاني – عن العباس بن الوليد عن عباد وهو الرواجني حدثنا عليّ بن هاشم، عن صباح بن عبد الله بن الحسين أبي جعفر عن حسين المقتول، عن فاطمة، عن أسماء بنت عُميس قال: كان يوم خيبر شَغَل عليّاً ما كان من قَسْم المغانم، حتى غابت الشمس أو كادت. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أما صليت؟ قال: لا. فدعا الله فارتفعت حتى توسطت السماء، فصلّى عليّ، فلما غابت الشمس سمعت لها صريراً كصرير المنشار في الحديد.
وهذا اللفظ الرابع بناقض الألفاظ الثلاثة المتناقضة، وتبين أن الحديث لم يروه صادق ضابط، بل هو في نفس الأمر مما اختلقه واحد وعملته يداه، فتشبه به آخر، فاختلق ما يشبه حديث ذلك. والقصة واحدة. وفي هذا أن عليّاً إنما اشتغل بقسم المغانم لا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وعليّ لم يقسم مغانم خيبر، ولا يجوز الاشتغال بقسمتها عن الصلاة، فإن خيبر بعد الخندق، سنة سبع، وبعد الحديبية، سنة ست. وهذا من المتواتر عن أهل العلم.
والخندق كانت قبل ذلك، إما سنة خمس أو أربع، وفيها أنزل الله تعالى: { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [البقرة: 238]، ونُسخ التأخير بها يوم الخندق، مع أنه كان للقتال عند أكثر أهل العلم. ومن قال: إنه لم ينسخ، بل يجوز التأخير للقتال، كأبي حنيفة وأحمد – في إحدى الروايتين – فلم يتنازع العلماء أنه لم يجز تفويت الصلاة لأجل قسم الغنائم، فإن هذا لا يفوت، والصلاة تفوت.(3/160)
وفي هذا أنها توسطت المسجد، وهذا من الكذب الظاهر، فإن مثل هذا من أعظم غرائب العالم، التي لو جرت لنقلها الجم الغفير. وفيه أنها لما غابت سُمع لها صرير كصرير المنشار، وهذا أيضاً من الكذب الظاهر، فإن هذا لا موجب له أيضاً، والشمس عند غروبها لا تلاقي من الأجسام ما يوجب هذا الصوت، الذي يصل من الفلك الرابع إلى الأرض. ثم لو كان هذا حقّاً لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها الصحابة، الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر.
وهذا الإسناد لو رُوي به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء، فإن عليّ بن هاشم بن البريد كان غالياً في التشيع، يروي عن كل أحدٍ يحرضه على ما يقوي به هواه، ويروى عن مثل صباح هذا، وصباح هذا لا يُعرف من هو. ولهم في هذه الطبقة صباح بن سهل الكوفي، يروي عن حصين بن عبد الرحمن. قال البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم: منكر الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: يروي المناكير عن أقوام مشاهير، لا يجوز الاحتجاج بخبره.
ولهم آخر يُقال له: صباع بن محمد بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي يروي عن مرّة الهمداني. قال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات.
ولهم شخص يقال له صباح العبدي قال الرازي: هو مجهول. وآخر يُقال له: ابن مجالد، مجهول يروي عنه بقية. قال ابن عدي: ليس بالمعروف، هو من شيوخ بقية المجهولين.
وحسين المقتول: إن أريد به الحسين بن عليّ، فذلك أجلّ قدراً من أن يروي عن واحد عن أسماء بنت عميس، سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته، فإن هذه القصة لو كانت حقّاً لكان هو أخبر بها من هؤلاء، وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره، ومن أسماء امرأة أبيه، وغيرها، لم يروها عن بنته أو أخته، عن أسماء امرأة أبيه.
ولكن ليس هو الحسين بن عليّ، بل هو غيره، أو هو عبد الله بن الحسن أبو جعفر، ولهما أسوة أمثالهما.(3/161)
والحديث لا يثبت إلا برواية مَنْ عُلِم أنه عَدْلٌ ضَابِطٌ ثقة يعرفه أهل الحديث بذلك. ومجرد العلم بنسبته لا يفيد ذلك، ولو كان من كان. وفي أبناء الصحابة والتابعين من لا يحتج بحديثه، وإن كان أبوه من خيار المسلمين.
هذا إن كان عليّ بن هاشم رواه، وإلا فالراوي عنه عبّاد بن يعقوب الراواجني. قال: ابن حبان كان رافضياً داعية يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وقال ابن عدي: روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ومثالب غيرهم. والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته، وإلا فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال: إن عليّاً حفر البحر، وإن الحسن أجرى فيه الماء، مما يقدح فيه قدحاً بيّناً(1).
__________
(1) ترجمة عبّاد بن يعقوب الرواجني الأسدي، أبو سعيد الكوفي في: ميزان الاعتدال 2/379-380، تهذيب التهذيب 5/109-110، وفيها هذه الأقوال مفصلة.(3/162)
قال المصنف: قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء، ورُوي من طريق أبي العباس بن عقدة، وكان مع حفظه جمّاعاً لأكاذيب الشيعة. قال أبو أحمد بن عدي: رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه، يقولون: لا يتدين بالحديث، ويحمل شيوخاً بالكوفة على الكذب، ويسوي لهم نسخاً، ويأمرهم بروايتها. وقال الدارقطني: كان ابن عقدة رجل سوء(1). قال ابن عقدة: حدثنا يحيى بن زكريا، أخبرنا يعقوب بن معبد، حدثنا عمرو بن ثابت، قال سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ عن حديث رد الشمس على عليّ: هل ثبت عندكم؟ فقال لي: ما أنزل الله في عليّ في كتابه أعظم من رد الشمس. قلت: صدقت جعلني الله فداك، ولكني أحب أن أسمعه منك. قال: حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: أقبل عليٌّ ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فوافق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقد انصرف ونزل عليه الوحي، فأسنده إلى صدره، فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: أصليت العصر يا عليّ؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة. فاستقبل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم القبلة وقد غربت الشمس، فقال: اللهم إن عليّاً كان في طاعتك فارددها عليه. قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الوحي حتى ركدت في موضعها وقت العصر، فقام عليّ متمكناً فصلّى العصر، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى فلما غابت الشمس اخلط الظلام، وبدت النجوم.
__________
(1) ابن عقدة هو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة أبو العباس. قال الذهبي: شيعي متوسط، ضعفه غير واحد وقواه آخرون... وقال أبو عمر بن حيوة: كان ابن عقدة يملي مثالب الصحابة، أو قال: مثالب الشيخين، فتركت حديثه.. مات سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة عن أربع وثمانية سنة، انظر ترجمته في ميزان الاعتدال 1/136-138، لسان الميزان 1/263-266 .(3/163)
قلت: فهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة، ويزيد الناظر بياناً في أنها مكذوبة مختلقة، فإنه ذكر فيها أنها رُدّت إلى موضعها وقت العصر، وفي الذي قبله: إلى نصف النهار، وفي الآخر: حتى ظهرت على رؤوس الجبال، وفي هذا أنه كان مسنده إلى صدره، وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره.
وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا قط، وهو كان أجلّ قدراً من أن يروي مثل هذا الكذب، ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء. وفيه: ما أنزل الله في عليّ في كتابه أعظم من رد الشمس شيئاً. ومعلوم أن الله لم ينزل في عليّ ولا غيره في كتابه في ردّ الشمس شيئاً.
وهذا الحديث، إن كان ثابتاً عن عمرو بن ثابت، الذي رواه عن عبد الله(1)، فهو الذي اختلقه، فإنه كان معروفاً بالكذب. قال أبو حاتم بن حِبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال مَرَّةً: ليس بثقة ولا مأمون. وقال النسائي: متروك الحديث(2).
قال المصنف: وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا عقيل بن الحسن العسكري، حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي، حدثنا أحمد بن عمرو بن حوصاء، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبيه، قال: حدثنا داود بن فراهيج، عن عمارة بن فرو، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وذكره.. قال المصنف: اختصرته من حديث طويل.
__________
(1) كلام ابن تيمية يدل على أن السند الأخير للحديث يبدأ هكذا: حدثني عمرو بن ثابت حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن ... إلخ .
(2) هذه القوال ذكرها الذهبي في ترجمة أبي المقدام عمرو بن ثابت بن هرمز الكوفي، يكنى أبا ثابت، وذكر الذهبي أيضاً: "وقال أبو داود: رافضي". وقال أبن أبي حاتم: "سألت أبي عن عمرو بن ثابت بن أبي المقدام فقال: ضعيف الحديث يكتب حديثه، كان رديء الرأي شديد التشيع". انظر الجرح والتعديل ق1 م3 ص223، ميزان الاعتدال 3/249/250، تهذيب التهذيب 8/9-10.(3/164)
قلت: هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم، بل يُعرف كذبه من وجوه، فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفاً، كان شعبة يضعفه، وقال النسائي: ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه، فإن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي، وهو الذي رواه عنه وعن عمارة. قال البخاري: أحاديثه شبه لا شيء وضعفه جداً وقال النسائي: متروك ضعيف الحديث. وقال الدارقطني: منكر الحديث جداً. وقال أحمد: عنده مناكير. وقال الدارقطني: ضعيف.
وإن كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري، فالآفة من هذا. وإن كان يُقال: إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء، فإن هذين معروفان، وأحاديثهما معروفة قد رواها عنهما الناس. ولهذا لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفاً عنه، رواه بالأسانيد المعروفة، لكن الآفة فيه ممن بعده. وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء لا يعرفون. وإن قدر أنه ثابت عنه، فالآفة بعده.
وذكر أبو الفرج بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج، وذكر ضعف ابن فراهيج، ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضاً.(3/165)
قال المصنف: وأما رواية ابي سعيد الخدري، فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة، أن أبا طاهر محمد بن عليّ الواعظ أخبرهم، أنبأنا محمد بن أحمد بن منعم، أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر، حدثني أبي، عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله، عن أبيه محمد، عن أبيه عمر قال: قال الحسين بن علي: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: دخلت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإذا رأسه في حجر عليّ، وقد غابت الشمس، فانتبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال: يا عليّ صليت العصر؟ قال: لا يا رسول الله ما صليت، كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ادع يا علي أن تُرد عليك الشمس. فقال عليّ: يا رسول الله ادع أنت أُؤَمّن. قال: يا رب إن عليّاً في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. قال أبو سعيد: فوالله لقد سمعت للشمس صريراً كصرير البكرة، حتى رجعت بيضاء نقية.
قلت هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء، وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ولا ضبط، ولا حمل للعلم، ولا لهم ذكر في كتب العلم، وكثير من رجاله لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتاً فكيف إذا كان كثير منهم – أو أكثرهم – كذلك، ومن هو معروف بالكذب، مثل عمرو بن ثابت ؟!
وفيه: أنه كان وجعاً، وأنه سمع صوتها حين طلعت كصرير البكرة، وهذا باطل عقلاً، ولم يذكره أولئك. ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد – عن محبته لعلي وروايته لفضائله – لرواه عنه أصحابه المعروفون، كما رووا غير ذلك من فضائل عليّ، مثل رواية أبي سعيد عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما ذكر الخوارج، قال: "تقتلهم أولى الطائفتين بالحق" ومثل روايته أنه قال لعمار: "تقتلك الفئة الباغية". فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بيّن فيه أن عليّاً وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه، فكيف لا يروي عنه مثل هذا لو كان صحيحاً ؟!(3/166)