الطيب في مفرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محرم.
والوبيص بالباء الموحدة، بعد الواو، وبالصاد المهملة هو البريق أي اللمعان.
والمفرق بفتح الميم، وكسر الراء وفتحها - هو وسط الرأس، لأنه محل فرق الشعر.
قال في التحفة: وينبغي كما قاله الأذرعي أن يستثنى من جواز الاستدامة ما إذا لزمها الإحداد بعد الإحرام، فتلزمها إزالته.
اه.
(قوله: ولا انتقاله بعرق) أي ولا يضر انتقال الطيب من محل بدنه أو ثوبه إلى محل آخر بواسطة العرق.
وخرج به ما لو أخذه من بدنه أو ثوبه ثم رده إليه فتلزمه الفدية.
(قوله: وتلبية) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن تلبية.
(قوله: وهي) أي التلبية، أي صيغتها.
(وقوله: لبيك) أصله لبين لك، حذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف.
والتقدير ألبي لبين لك، فحذف الفعل وهو ألبي وجوبا، وأقيم المصدر مقامه، وهو مأخوذ من لب بالمكان - يقال لب بالمكان لبا، وألب به إلبابا - إذا أقام به.
والمقصود به: التكثير، وإن كان اللفظ مثنى على حد قوله تعالى: * (ثم ارجع البصر كرتين) * فإن المقصود به التكثير، لا خصوص المرتين، بدليل * (ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) * (1) فإن البصر لا ينقلب خاسئا وهو حسير إلا من الكثرة، لا من مرتين فقط.
(وقوله: اللهم) أصله يا الله - حذفت ياء النداء، وعوض عنها الميم، وشذ الجمع بينهما.
كما قال إبن مالك: والأكثر اللهم بالتعويض * * وشذ يا اللهم في قريض (وقوله: ولبيك) تأكيد للأول.
(وقوله: إن الحمد) بكسر الهمزة - على الاستئناف - وبفتحها - على تقدير لام التعليل - أي لأن الحمد.
والكسر أصح وأشهر عند الجمهور، لأن الفتح يوهم تقييد استحقاق التلبية بالحمد، والله سبحانه وتعالى يستحقها مطلقا لذاته، وجد حمد أو لا.
(وقوله: والنعمة) المشهور فيه النصب عطفا على الحمد،
ويجوز فيه الرفع على الابتداء، ويكون الخبر محذوفا، والتقدير والنعمة كذلك.
(وقوله: لك) خبر أن.
(وقوله: والملك) المشهور فيه النصب عطفا على ما قبله، ويجوز فيه الرفع على ما تقدم، ويسن الوقف على الملك وقفة يسيرة، لئلا يتوهم أنه منفي بالنفي الذي بعده.
(وقوله: لا شريك لك) أي لأنك لا شريك لك، فهو كالتعليل لما قبله.
وليحذر الملبي - في حال تلبيته - من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب، وليكن مقبلا على ما هو بصدده بسكينة ووقار، وليشعر نفسه أنه يجيب الباري سبحانه وتعالى، فإن أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه.
(قوله: ومعنى لبيك: أنا مقيم على طاعتك) أي وإجابتك لما دعوتنا له على لسان خليلك إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما قلت له: * (وأذن في الناس بالحج) * (1) الآية، فقال: يا أيها الناس حجوا.
وذلك لما روي أنه: لما فرغ من بناء البيت، قال الله تعالى له: أذن في الناس بالحج.
قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال الله تعالى له: عليك الأذان وعلينا البلاغ.
فصعد إبراهيم على الصفا - وقيل على جبل أبي قبيس، وقيل على المقام - وقال: يا أيها الناس، إن الله كتب عليكم حج هذا البيت العتيق - وفي رواية إن ربكم بنى لكم بيتا - وأوجب عليكم الحج فأجيبوا ربكم - أو فحجوا بيت ربكم - والتفت بوجهه يمينا وشمالا، وشرقا وغربا، فأسمع الله عزوجل من في الأرض، وأجابه الإنس، والجن، والحجر، والمدر، والشجر، والجبال، والرمال، وكل رطب ويابس، وأسمع من في المشرق والمغرب، وأجابوا من بطون الأمهات، ومن أصلاب الرجال، كل يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
فإنما يحج اليوم من أجاب يومئذ، فمن لبى مرة حج مرة، ومن لبى مرتين حج مرتين، ومن لبى ثلاثا حج ثلاثا، ومن لبى أكثر حج بقدر ذلك.
(قوله: ويسن الإكثار منها) أي التلبية.
(وقوله: والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) بالرفع، عطف على الإكثار، أي ويسن
__________
(1) الملك: 4.
(2) الحج: 27(2/350)
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بأي صيغة كانت، لكن الإبراهيمية أفضل.
ويسن أن يكون صوته بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وما بعدها أخفض من صوته بالتلبية.
(وقوله: وسؤال الجنة والاستعاذة من النار) هما بالرفع، عطف على الإكثار أيضا، أي ويسن سؤال الجنة والاستعاذة من النار، كأن يقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك من سخطك والنار.
ويسن بعد ذلك إن يدعو بما شاء دينا ودنيا.
ويسن أن يقول: اللهم اجعلني من الذين استجابوا لك ولرسولك، وآمنوا بك، ووثقوا بوعدك، ووفوا بعهدك، واتبعوا أمرك.
اللهم اجعلني من وفدك الذين رضيت وارتضيت.
اللهم يسر لي أداء ما نويت، وتقبل مني يا كريم.
وإذا رأى ما يعجبه أو يكرهه ندب أن يقول: لبيك، إن العيش عيش الآخرة أي إن الحياة الهنيئة الدائمة هي حياة الدار الآخرة، بخلاف حياة الدار الدنيا، فإنها مكدرة ومنقطعة.
وما أحسن قول بعضهم: لا تركنن إلى الثياب الفاخره واذكر عظامك حين تمسي ناخزه وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل * * لبيك، إن العيش عيش الآخرة (قوله: بعد تكرير إلخ) متعلق بيسن، المقدر قبل الصلاة وقبل سؤال الجنة والاستعاذة من النار، أي ويسن كل من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن سؤال الجنة والاستعاذة من النار بعد تكرير التلبية ثلاثا، أي فكلما كررها ثلاثا سن بعدها الصلاة والدعاء، وهذا هو الأكمل.
ولو كررها أكثر من ثلاث وبعد المرة الأخيرة صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعا، حصل له أصل السنة - كما في التحفة - ولفظها.
(تنبيه) ظاهر المتن أن المراد بتلبيته ما أرادها، فلو أرادها مرات كثيرة لم تسن له الصلاة ثم الدعاء إلا بعد فراغ الكل، وهو ظاهر بالنسبة لأصل السنة.
وأما كمالها فينبغي أن لا يحصل إلا بأن يصلي، ثم يدعو عقب كل ثلاث مرات، فيأتي بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، ثم بالتلبية ثلاثا، ثم الصلاة، ثم الدعاء، وهكذا.
اه.
(قوله: وتستمر التلبية إلى رمي جمرة العقبة) أي وتنتهي التلبية بالشروع في رمي جمرة العقبة، وهذا إن ابتدأ التحلل بالرمي.
ومثله ما إذا ابتدأه بالطواف أو بالحلق، فإنها تنتهي بذلك.
والحاصل تنتهي بالشروع في التحلل الأول مطلقا، وإذا انتهت بالشروع في الرمي يسن التكبير.
قال في الإحياء: ويسن أن يقول مع كل حصاة عند الرمي: الله أكبر على طاعة الرحمن ورغم الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك، واتباعا لسنة نبيك.
(قوله: لكن لا تسن) أي التلبية، وهو استدراك من تخصيصه انتهاء التلبية برمي جمرة العقبة المفيد أنه قبل ذلك تسن التلبية، وهو شامل لطواف القدوم والسعي وكل ما يفعل قبل الرمي.
(قوله: لورود أذكار الخ) علة لعدم سنية التلبية
فيهما.
(قوله: فيهما) أي في طواف القدوم والسعي.
(قوله: وطواف قدوم) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن طواف قدوم، أي طواف سببه القدوم، فهو من إضافة المسبب للسبب.
ويقال له أيضا: طواف القادم، والوارد، والورود.
فإن قلت إن هذا مكرر مع ما تقدم قبيل الواجبات، فإنه ذكر هناك أنه يسن أن يبدأ بالطواف، فكان الأولى الإقتصار على أحدهما؟ قلت لا تكرار، لأن ما هنا خاص بطواف القدوم، وهناك لا يختص به، بل المراد به ما يشمله وطواف العمرة كما علمت مما مر وأيضا ذكره هنا من حيث إنه من سنن الحج، وذكره هناك من حيث سن ما يبدأ به داخل مكة عند دخوله المسجد.(2/351)
(قوله: لأنه) أي طواف القدوم.
(وقوله: تحية البيت) أي الكعبة - لا المسجد نعم، تحصل تحية المسجد بركعتي الطواف إن لم يجلس عمدا بعد الطواف وقبل ركعتيه، وإلا فاتت، لأنها تفوت بالجلوس عمدا وإن قصر.
(قوله: وإنما يسن) أي طواف القدوم.
(قوله: لحاج أو قارن) مثلهما الحلال الذي دخل مكة، فالحصر بالنسبة للمعتمر، فإن المطلوب منه طواف العمرة المفروض لدخول وقته فلا يصح تطوعه بطواف القدوم وهو عليه نعم، بطواف العمرة: يثاب على طواف القدوم إن قصده كتحية المسجد (وقوله: دخل مكة قبل الوقوف) أي أو بعده وقبل نصف الليل، فيطوف حينئذ طواف القدوم، ثم بعد نصف الليل يطوف طواف الإفاضة.
بخلاف ما إذا دخل مكة بعد الوقوف وبعد نصف الليل، فإنه لا يطوف طواف القدوم، بل يطوف الإفاضة لدخول وقته.
(قوله: ولا يفوت) أي طواف القدوم بالجلوس في المسجد.
قال في النهاية: وتشبيه ذلك بتحية المسجد بالنسبة لبعض صورها.
(قوله: ولا بالتأخير) أي ولا يفوت بتأخيره، أي عدم اشتغاله بطواف القدوم عقب دخوله مكة سواء دخل المسجد وجلس فيه أم لا، وسواء كان التأخير طويلا أم لا فعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص.
(قوله: نعم الخ) إستدراك من قوله ولا بالتأخير، فكأنه قال: إلا إن أخره حتى وقف بعرفة.
(وقوله: يفوت بالوقوف بعرفة) أي إذا دخل بعد نصف الليل، لا قبله كما تقدم.
(قوله: ومبيت بمنى) بالرفع، عطف على غسل أيضا، أي ويسن مبيت بمنى.
(قوله: ليلة عرفة) أي ليلة الذهاب إلى عرفة، وهي ليلة التاسع.
وليس المراد بها الليلة التي يصح الوقوف فيها وهي ليلة العاشر كما هو ظاهر.
وتقدم الكلام على ما يسن قبل هذه الليلة وبعدها عند الذهاب إلى عرفة.
(قوله: ووقوف بجمع) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن وقوف بجمع وهو بجيم مفتوحة، وميم ساكنة، اسم لمزدلفة كلها.
سمي بذلك لاجتماع الناس فيه كما مر للشارح في: فصل في
صلاة الجمعة وذكره أيضا الفشني والرملي في شرحيهما على الزبد عند قوله: ثم المبيت بمنى والجمع إذا علمت ذلك فقوله الآتي المسمى الآن الخ، فيه نظر.
فكان الأولى أن يسقط لفظ بجمع، ولفظ المسمى الآن، ويقول كغيره ووقوف بالمشعر الحرام.
(قوله: بالمشعر) بفتح الميم في الأشهر، وحكي كسرها.
سمي مشعرا لما فيه من الشعائر أي معالم الدين.
(وقوله: الحرام) أي المحرم فيه الصيد وغيره لأنه من الحرم.
(قوله: وهو) أي المشعر الحرام.
(قوله: جبل) أي صغير، يسمى قزح.
(وقوله: في آخر مزدلفة) هذا ما عليه الشيخان وابن الصلاح، واعترضه المحب الطبري حيث قال: وهو بأوسط المزدلفة، وقد بني عليه بناء.
واعترض ابن حجر في حاشية الإيضاح كلام المحب، بأن هذا البناء ليس بوسطها، بل بقرب آخرها مما يلي المأزمين، ثم أجاب بأنه ليس المراد بالوسط حقيقته، بل التقريب، وعليه، فلا منافاة بين كلام الشيخين وكلام المحب.
(قوله: فيذكرون في وقوفهم) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي وإذا وقفوا يذكرون في حال وقوفهم ندبا ولو قال: ويسن أن يذكروا الله في وقوفهم الخ، لكان أولى.
وذلك كأن يقول: الله أكبر ثلاثا لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
(وقوله: ويدعون) أي كأن يقولوا: اللهم كما أوقفتنا فيه وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك كما هديتنا، واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * إلى قوله: * (واستغفروا الله إن لله غفور رحيم) * * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) *.
(وقوله: إلى الإسفار) بكسر الهمزة، أي الإضاءة.
(قوله: مستقبلين القبلة) أي لأنها أشرف الجهات، وهو حال من الواو في يذكرون، ويدعون.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية الوقوف بالمشعر الحرام مع ذكر الله والدعاء والاستقبال في ذلك، وهو ما رواه مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى الصبح بالمزدلفة ركب(2/352)
ناقته القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، ودعا الله تعالى، وهلله، وكبره.
(قوله: وأذكار الخ) معطوف على غسل أيضا، أي ويسن أذكار وأدعية مخصوصة بأوقات وأمكنة معينة، كعرفة والمشعر الحرام، وعند رمي الجمار، والمطاف.
وقد نظم العلامة عبد الملك العصامي الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء مع الأوقات - بقوله: قد ذكر النقاش في المناسك * * وهو لعمري عمدة للناسك
إن الدعا في خمسة وعشره * * في مكة يقبل ممن ذكره وهي الطواف، مطلقا والملتزم * * بنصف ليل فهو شرط ملتزم وتحت ميزاب له وقت السحر * * وهكذا خلف المقام المفتخر وعند بئر زمزم شرب الفحول * * إذا دنت شمس النهار للأفول ثم الصفا، ومروة، والمسعى * * لوقت عصر فهو وقت يرعى كذا منى في ليلة البدر إذا * * ينتصف الليل فخذ ما يحتذى ثم لدى الجمار، والمزدلفة * * عند طلوع الشمس، ثم عرفه بموقف عند مغيب الشمس قل * * ثم لدى السدرة ظهرا وكمل وقد روى هذا الذي قد مرا * * من غير تقييد بما قد مرا بحر العلوم الحسن البصري عن * * خير الورى ذاتا ووصفا وسنن صلى عليه الله ثم سلما * * وآله والصحب ما غيث همى وقوله: وقد روى هذا الذي إلخ: قد نظمه بعضهم كذلك، وزاد عليه خمسة مواضع، فقال: دعاء البرايا يستجاب بكعبة * * وملتزم والموقفين كذا الحجر منى ويماني رؤية مروتين وزمزم * * مقام وميزاب جمارك تعتبر منى ويماني رؤية البيت حجره * * لدى سدرة عشرون تمت بها غرر ومن الأذكار والأدعية المخصوصة ما مر في المطاف وحال وقوفهم بالمشعر الحرام، ومثلهما أيضا ما ورد عند دخول مكة، وهو أنه إذا أبصر البيت قال: اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة، وزد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا.
اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام.
ومنها ما ورد في يوم عرفة وهو شئ كثير من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير.
وزاد البيهقي: اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا.
اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري.
وفي كتاب الدعوات للمستغفري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعا: من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة يوم عرفة أعطي ما سأل.
ومن أدعيته المختارة: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم انقلني من ذل المعصية إلى عز الطاعة، واكفني بحلالك عن حرامك، واغنني بفضلك عمن سواك، ونور قلبي وقبري، واهدني، وأعذني من الشر كله، واجمع لي الخير كله.
اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغني.
وليحذر من التقصير في هذا اليوم، فإنه من أعظم الأيام، وإنه لموقف أعظم المواقف يقف فيه الأولياء،(2/353)
والخواص، وينبغي أن يكثر البكاء مع ذلك، فهناك تسكب العبرات، وتقال العثرات.
وأن يستغفر للمؤمنين في دعائه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج.
وليحسن الظن بالله، فقد نظر الفضيل بن عياض إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقا.
كان يردهم؟ فقالوا: لا.
فقال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق.
ورأى سالم مولى ابن عمر سائلا يسأل الناس في عرفة، فقال: يا عاجز، أفي هذا اليوم يسئل غير الله تعالى؟ (قوله: وقد استوعبها) أي الأذكار والأدعية.
والأولى استوعبهما بضمير التثنية.
(وقوله: في وظائف اليوم والليلة) أي في كتاب جمع فيه رواتب اليوم والليلة.
(وقوله: فليطلبه) أي من أراده، والضمير المفعول يعود على الكتاب المذكور.
وفي بعض النسخ: فلتطلبه بتاء الخطاب والمخاطب به كل من أمكنه ذلك.
(قوله: فائدة: يسن متأكدا زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالمناسك من الأركان والواجبات والسنن، شرع يتكلم فيما هو حق مؤكد على كل مسلم خصوصا الحاج وهو زيارة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولو أخر ذلك عن محرمات الإحرام كغيره لكان أنسب.
واعلم أنهم اختلفوا فيها فجرى كثيرون على أنها سنة متأكدة، وجرى بعضهم على أنها واجبة، وانتصر له بعض العلماء.
وقوله: ولو لغير حاج ومعتمر غاية في سن تأكد الزيارة، لكن تتأكد الزيارة لهما تأكدا زائدا، لأن الغالب على الحجيج الورود من آفاق بعيدة، فإذا قربوا من المدينة يقبح تركهم الزيارة، ولحديث: من حج ولم يزرني فقد جفاني.
وإن كان التقييد فيه غير مراد.
(وقوله: لأحاديث وردت في فضلها) أي الزيارة.
منها:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من زار قبري وجبت له شفاعتي.
ومفهومه أنها جائزة لغير زائره.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من جاءني زائرا، لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان حقا على الله تعالى إن أكون له شفيعا يوم القيامة.
وروى البخاري: من صلى علي عند قبري وكل الله بها ملكا يبلغني، وكفي أمر دنياه وآخرته، وكنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.
من زار قبر محمد * * نال الشفاعة في غد بالله كرر ذكره * * وحديثه يا منشدي واجعل صلاتك دائما * * جهرا عليه تهتدي فهو الرسول المصطفى * * ذو الجود والكف الندي وهو المشفع في الورى * * من هول يوم الموعد والحوض مخصوص به * * في الحشر عذب المورد صلى عليه ربنا * * ما لاح نجم الفرقد قال بعضهم: ولزائر قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر كرامات.
إحداهن يعطى أرفع المراتب.
الثانية يبلغ أسنى المطالب.
الثالثة قضاء المآرب.
الرابعة بذل المواهب.
الخامسة الأمن من المعاطب.
السادسة التطهير من المعايب.
السابعة تسهيل المصاعب.
الثامنة كفاية النوائب.
التاسعة حس العواقب.
العاشرة رحمة رب المشارق والمغارب.
هنيئا لمن زار خير الورى * * وحط عن النفس أوزارها فإن السعادة مضمومة * * لمن حل طيبة أو زارها (والحاصل) زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أفضل القربات، فينبغي أن يحرص عليها، وليحذر كل الحذر من التخلف عنها(2/354)
مع القدرة وخصوصا بعد حجة الإسلام لان حقه - صلى الله عليه وسلم - على أمته عظيم، ولو أن أحدهم يجئ على رأسه أو على بصره من أبعد موضع من الارض لزيارته - صلى الله عليه وسلم -، لم يقم بالحق الذي عليه لنبيه جزاه الله عن المسلمين أتم الجزاء: زر من تحب وإن شطت بك الدار * * وحال من دونه ترب وأحجار
لا يمنعنك بعد عن زيارته * * إن المحب لمن يهواه زوار ويسن لمن قصد المدينة الشريفة أن يكثر من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في طريقه.
وإذا قرب من المدينة المنورة سن أن ينيخ بذي الحليفة، ويغتسل، ثم يتوضأ أو يتيمم عند فقد الماء وأن يزيل نحو شعر إبطه وعانته، ويقص أظفاره، وأن يلبس أنظف ثيابه، وأن يتطيب، وأن ينزل الذكر القوي عن راحلته عند رؤية المدينة إن قدر عليه وأن يمشي حافيا إن أطاق وأمن التنجيس -.
وأن يقول إذا بلغ حرم المدينة: اللهم هذا حرم نبيك، فاجعله لي وقاية من النار، وأمانا من العذاب وسوء الحساب، وافتح لي أبواب رحمتك، وارزقني في زيارة نبيك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، واغفر لي وارحمني يا خير مسؤول.
اللهم أن هذا هو الحرم الذي حرمته على لسان حبيبك ورسولك - صلى الله عليه وسلم - ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما هو بحرم بيتك الحرام، فحرمني على النار، وأمني من عذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاتك ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفقني فيه لحسن الأدب، وفعل الخيرات، وترك المنكرات.
ويسن أن يقول عند دخول البلد: بسم الله ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
* (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا) *.
(1) حسبي الله.
آمنت بالله، وتوكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم إليك خرجت، وأنت أخرجتني.
اللهم سلمني وسلم ديني، وردني سالما في ديني كما أخرجتني.
اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أزل أو أزل، أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارك، وجل ثناؤك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك.
اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، ويحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رياء ولا سمعة.
خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء معروفك.
أسألك أن تعيذني من النار، وتدخلني الجنة.
وينبغي أن يكون ممتلئ القلب بتعظيمه - صلى الله عليه وسلم - وهيبته كأنه يراه، ليعظم خشوعه، وتكثر طاعاته، وأن يتأسف على فوات رؤيته - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا التي سعد بها من رأى إشراق نوره على صفحات الوجود، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر.
ويسن أن يتصدق بما أمكنه التصدق به، عملا بآية * (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (2) الآية.
وإذا قرب من باب المسجد، يسن أن يجدد التوبة، ويقف لحظة حتى يعلم من نفسه التطهر من دنس الذنوب، ليكون على أطهر حالة.
ويستحضر عند رؤية المسجد جلالته، الناشئة من جلالة مشرفة - صلى الله عليه وسلم -، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان ملازم
الجلوس لهداية أصحابه وتربيتهم ونشر العلوم فيه.
ويسن أن يدخل من باب جبريل عليه السلام، وأن يقف بالباب وقفة لطيفة كالمستأذن في الدخول على العظماء، وأن يقدم رجله اليمنى عند الدخول قائلا - ما ورد لدخول كل مسجد: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم.
بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد وصحبه وسلم.
اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك.
رب وفقني وسددني وأصلحني.
وأعني على ما يرضيك عني، ومن علي بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة.
السلام عليك أيها النبي
__________
(1) الاسراء 80.
(2) المجادلة: 12(2/355)
ورحمة الله وبركاته.
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وحينئذ يتأكد أن يفرغ قلبه من كل شاغل دنيوي، ليتأهل لاستمداد الفيض النبوي الدال على خواص متأدبي الزوار، فإن عجز عن إزالة ذلك فليتوجه إلى الله بحرمته العظيمة أن يطهره منها، ويصمم على مجاهدة نفسه بإزالة ذلك.
ثم يقصد الروضة الشريفة من خلف الحجرة المنيفة إن دخل من باب جبريل عليه السلام، ملازما الهيبة والوقار، والخشية والانكسار، ويخص منها مصلاه - صلى الله عليه وسلم -، ويصلي ركعتين خفيفتين ب الكافرون، والإخلاص ناويا بهما تحية المسجد.
ويسن أن يقف وقفة لطيفة، ويسلم، ثم يتوجه للزيارة، شاكرا لله تعالى على ما أعطاه ومنحه، ويطلب من صاحب الحضرة قبول زيارته، ويدعو بجوامع الدعوات النبوية، ثم يأتي القبر الشريف من جهة رأسه الشريف، فإنه الأليق بالأدب، ويقول حالة كونه غاضا لبصره، ناظرا للأرض، مستحضرا عظمة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه حي في قبره الأعظم، مطلع بإذن الله على ظواهر الخلق وسرائرهم السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
الصلاة والسلام عليك يا رسول الله.
الصلاة والسلام عليك يا حبيب الله.
الصلاة والسلام عليك يا نبي الرحمة.
الصلاة والسلام عليك يا بشير يا نذير، يا ظاهر يا ظهير.
الصلاة والسلام عليك يا شفيع المذنبين.
الصلاة والسلام عليك يا من وصفه الله تعالى بقوله: * (وإنك لعلى خلق عظيم) * (1) *.
السلام عليك يا سيد الأنام، ومصباح الظلام، ورسول الملك العلام، يا سيد المرسلين، وخاتم أدوار النبيين، يا صاحب المعجزات والحجج القاطعة، والبراهين، يا من أتانا بالدين القيم المتين، وبالمعجر المبين، أشهد أنك بلغت
الرسالة، وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغمة، وجاهدت في الله حق جهاده، وعبدت ربك حتى أتاك اليقين.
السلام عليك يا كثير الأنوار، يا عالي المنار، أنت الذي خلق كل شئ من نورك، واللوح والقلم من نور ظهورك، ونور الشمس والقمر من نورك مستفاد، حتى العقل الذي يهتدي به سائر العباد.
أشهد أنك إلخ.
السلام عليك يا من انشق له القمر، وكلمه الحجر، وسعت إلى إجابته الشجر يا نبي الله، يا صفوة الله، يا زين ملك الله، يا نور عرش الله، يا من تحقق بعلم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين، في أعلى مراتب التمكين أشهد أنك إلخ.
السلام عليك يا صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى في اليوم المشهود أشهد أنك إلخ.
السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك، وأزواجك وذريتك وأصحابك أجمعين.
السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين جزاك الله يا رسول الله أفضل ما جزى نبيا ورسولا عن أمته.
وصلى الله عليك كلما ذكرك ذاكر، وغفل عن ذكرك غافل، أفضل وأكمل وأطيب ما صلى على أحد من الخلق أجمعين.
أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأشهد أنك قد بلغت الرسالة، وأديت الأمانة.
ونصحت الأمة.
اللهم وآته الفضيلة والوسيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون.
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد، وأزواجه وذريته، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم.
وبارك على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
__________
(1) القلم: 4(2/356)
ثم يتأخر إلى صوب يمينه قدر ذراع، فيسلم على سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله، أنت الصديق الأكبر، والعلم الأشهر، جزاك الله عن أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - خيرا، خصوصا يوم المصيبة والشدة، وحين قاتلت أهل النفاق والردة، يا من فنى في محبة الله ورسوله حتى بلغ أقصى مراتب الفناء، يا من
أنزل الله في حقك * (ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) * (1) .
أستودعك شهادة أن لا إله إلا الله وأن صاحبك محمد رسول الله، شهادة تشهد لي بها عند الله * (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) * (2) .
ثم يتأخر قدر ذراع آخر، فيسلم على سيدنا عمر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين، يا سيدنا عمر بن الخطاب، يا ناطقا بالحق والصواب.
السلام عليك يا حليف المحراب، السلام عليك يا من بدين الله أمر، يا من قال في حقك سيد البشر - صلى الله عليه وسلم -: لو كان بعدي نبي لكان عمر.
السلام عليك يا شديد المحاماة في دين الله والغيرة، يا من قال في حقك هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ما سلك عمر فجا إلا سلك الشيطان فجا غيره.
أستودعك الخ.
ثم بعد زيارة الشيخين يذهب للسلام على السيدة فاطمة رضي الله عنها في بيتها الذي داخل المقصورة للقول بأنها مدفونة هناك، والراجح أنها في البقيع فيقول: السلام عليك يا بنت المصطفى، السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا خامسة أهل الكسا، السلام عليك يا زوجة سيدنا علي المرتضى، السلام عليك يا أم الحسن والحسين السيدين الشابين شباب أهل الجنة في الجنة، رضي الله عنك أحسن الرضا.
ويتوسل بها إلى أبيها - صلى الله عليه وسلم -.
ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه الشريف، فيقول: الحمد لله رب العالمين.
اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد.
السلام عليك يا سيدي يا رسول الله.
أن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا، قال فيه: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) * (3) وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي: يا خير من دفنت في القاع أعظمه * * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * * فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت النبي الذي ترجى شفاعته * * عند الصراط إذا ما زلت القدم وصاحباك فلا أنساهما أبدا مني * * السلام عليكم ما جرى القلم ثم يمشي إلى جهة يساره ويستقبل القبلة جاعلا الشباك الأول من الشبابيك الثلاثة خلف ظهره، فيحمد الله، ويصلي على نبيه، ويدعو بالدعوات الجامعة، ويعمم في الدعاء.
ويختم دعاءه بالحمدلة والصلاة على نبيه.
ويسن أن يزور المشاهد وهي نحو ثلاثين موضعا يعرفها أهل المدينة.
ويسن زيارة البقيع في كل يوم إن
أمكن وإذا أراد السفر استحب أن يودع المسجد بركعتين، ويأتي القبر الشريف، ويعيد السلام الأول، ويقول: اللهم لا تجعله آخر العهد من حرم رسولك - صلى الله عليه وسلم -، ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلا، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
وساكن مكة يقول: ويسر لي العود إلى حرم نبيك إلخ، ونسأل الله أن يرزقنا زيارة هذا النبي الكريم في كل عام، وأن يمنحنا كمال المتابعة له في الأفعال والأحوال والأقوال على الدوام، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يعطف علينا قلبه وقلب أحبابه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
(قوله: وشرب ماء زمزم مستحب) أي لأنها مباركة وطعام طعم، وشفاء سقم.
ويسن أن يشربه لمطلوبه في الدنيا
__________
(1) التوبة: 40.
(2) الشعراء: 88.
(3) النساء: 64(2/357)
والآخرة، لحديث: ماء زمزم لما شرب له.
ويسن استقبال القبلة عند شربه، وأن يتضلع منه، لما روى البيهقي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم.
ويسن أن يقول عند شربه: اللهم إنه بلغني عن نبيك - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ماء زمزم لما شرب له.
وأنا أشربه لكذا وكذا ويذكر ما يريد دينا، ودنيا اللهم فافعل.
ثم يسمي الله تعالى، ويشرب، ويتنفس ثلاثة.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما إذا شربه يقول: اللهم إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء.
ويسن الدخول إلى البئر والنظر فيها، وأن ينزح منها بالدلو الذي عليها ويشرب.
وقال الماوردي: ويسن أن ينضح منه على رأسه ووجهه وصدره، وأن يتزود من مائها، ويستصحب منه ما أمكنه.
ففي البيهقي: أن عائشة رضي الله عنها كانت تحمله وتخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحمله في القرب، وكان يصبه على المرضى، ويسقيهم منه.
(قوله: ولو لغيرهما) أي الحاج والمعتمر.
(قوله: وورد أنه) أي ماء زمزم.
(قوله: أفضل المياه) أي ما عدا الماء الذي نبع من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما هو، فهو أفضل من ماء زمزم.
والحاصل أفضل المياه على الإطلاق: ما نبع من بين أصابعه الشريفة، ثم ماء زمزم، ثم ماء الكوثر، ثم نيل مصر، ثم باقي الأنهر كسيحون، وجيحون، والدجلة، والفرات وقد نظم ذلك التاج السبكي فقال:
وأفضل المياه ماء قد نبع * * من بين أصابع النبي المتبع يليه ماء زمزم، فالكوثر * * فنيل مصر، ثم باقي الأنهر والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/358)
فصل في محرمات الإحرام أي في بيان المحرمات التي سببها الإحرام.
فالإضافة من إضافة المسبب للسبب، وهي سبعة: اللبس، والتطيب، والدهن، والحلق، والمقدمات، والجماع، وقتل الصيد.
وجمعها بعضهم في قوله: لبس، وطيب، دهن، حلق، والقبل * * ومن يطأ أو يك للصيد قتل وعدها بعضهم عشرة، وبعضهم سبعة، ولا تخالف، لأن ما وراء السبعة مما زيد عليها داخل فيها (1) .
قال في التحفة: وحكمة تحريم ذلك أي الأنواع أن فيها ترفها وهو أي المحرم أشعث أغبر كما في الحديث فلم يناسبه الترفه، وأيضا فالقصد تذكره ذهابه إلى الموقف متجردا متشعثا ليقبل على الله بكليته، ولا يشتغل بغيره.
والحاصل أن القصد من الحج: تجرد الظاهر ليتوصل به لتجرد الباطن، ومن الصوم: العكس كما هو واضح فتأمله.
اه.
(قوله: يحرم بإحرام الخ) إعلم أنه يشترط في تحريم المحرمات التي ذكرها: العمد، والعلم بالتحريم، والاختيار مع التكليف فإن انتفى شئ من ذلك فلا تحريم.
وأما الفدية ففيها تفصيل، فإن كانت من باب الإتلاف المحض كقتل الصيد، وقطع الشجر فلا يشترط في وجوبها عمد ولا علم.
وإن كانت من قبيل الترفه المحض كالتطيب، واللبس، والدهن اشترط في وجوبها ذلك.
وإن كان فيها شائبة من الإتلاف، وشائبة من الترفه: فإن كان المغلب فيه شائبة الإتلاف كالحلق والقلم لم يشترط في وجوبها ما ذكر، وإن كان المغلب فيها شائبة الترفه كالجماع اشترط في وجوبها ذلك.
وقد نظم ذلك بعضهم فقال: ما كان محض متلف فيه الفدا * * ولو يكون ناسيا بلا اعتدا وإن يكن ترفها كاللبس * * فعند عمده بدون لبس في آخذ من ذين يا ذا شبها * * خلف بغير العمد (2) لن يشتبها فعند حلق مثل قلم يفتدى * * لا وطؤه بغير عمد اعتمد
وكل هذه المحرمات من الصغائر، إلا قتل الصيد الوطئ، فهما من الكبائر، وكلها فيها الفدية بالتفصيل المار، ما عدا عقد النكاح.
__________
(1) (قوله: داخل فيها) أي فيدخل قلم الأظفار في الحلق بجامع الازالة، ويدخل قطع الشجر في قتل الصيد بجامع الاتلاف، ويدخل عقدا النكاح في القبل بجامع أن كلا مقدمة.
اه مولف.
(2) (قوله بغير العمد) مت 3 لق بخلف.
(وقوله: لن يشتبها) الجملة صفة له، أي خلف عير متشبه، بل هو واضح في غير العمد من الاخذ شبها من هذين، أي اتلاف، والترفه.
اه.
مولف(2/359)
(قوله: على رجل وأنثى) اعلم أن هذه المحرمات من حيث التحريم ثلاثة أقسام قسم يحرم على الذكر فقط وهو ستر بعض الرأس، ولبس المخيط في أي جزء من بدنه.
وقسم يحرم على الأنثى فقط: وهو ستر بعض الوجه.
وقسم يحرم عليهما وهو لبس القفازين، وباقي المحرمات.
(قوله: وطئ) أي بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها ولو مع حائل كثيف في قبل أو دبر ولو لبهيمة، أو ذكر واضح (1) حيا أو ميتا.
ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم منه، كما أنه يحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة، لكن إذا لم يكن له تحليلها بأن أحرمت بإذنه أما إذا كان له تحليلها أي له أن يأمرها بالتحلل بأن أحرمت بغير إذنه فلا يحرم عليه الوطئ إذا أمرها بالتحلل ولم تتحلل، بل يحرم عليها.
(2) كما صرح به في شرح المنهج، وعبارته مع الأصل: ولو أحرم رقيق أو زوجة بلا إذن، فلمالك أمره من زوج أو سيد تحليله بأن يأمره بالتحلل، لأن تقريرهما على إحرامهما يعطل عليه منافعهما التي يستحقها، فإن لم يتحللا، فله استيفاء منفعته منهما، والإثم عليهما.
اه.
بحذف.
(قوله: لآية إلخ) دليل لتحريم الوطئ.
(قوله: أي لا ترفثوا) أي فهو خبر بمعنى النهي، إذ لو بقي على ظاهره امتنع وقوعه في الحج، لأن أخبار الله صدق قطعا، مع أن ذلك واقع كثيرا.
(قوله: والرفث مفسر بالوطئ) أي فسره ابن عباس بالوطئ تفسير مراد، فلا ينافي أن معناه لغة اللغو والخنى والفجور قال في الإيضاح: قال العلماء: الرفث: اسم لكل لغو وخنى وفجور ومجون بغير حق.
والفسق الخروج عن طاعة الله تعالى.
اه.
(قوله: ويفسد به الحج والعمرة) يعني ويفسد بالوطئ الحج والعمرة، لكن بشرط العلم، والعمد، والاختيار، والتمييز، وكون الوطئ قبل التحلل الأول في الحج، وفي العمرة قبل تمامها هذا إن كانت مفردة، وإلا فهي تابعة للحج.
ومع الإفساد يأثم كما يعلم من تعبيره بيحرم ولا فرق في إفساد ما ذكر.
والاثم بالوطئ بين الفاعل
والمفعول المكلف.
وأما الفدية فلا تلزم الموطوءة عند الرملي والخطيب نظير الصوم اتفاقا وعند ابن حجر: فيه تفصيل، وهو لزوم الكفارة للرجل إن كان زوجا محرما مكلفا، وإلا فعليها حيث لم يكرهها.
وكذا لو زنت أو مكنت غير مكلف.
وسيأتي مزيد كلام على ذلك.
(قوله: وقبلة) معطوف على وطئ، أي ويحرم قبلة مطلقا بحائل وغير حائل وإن كان لا دم في الأول.
ومثلها النطر بشهوة، وإن كان لا دم فيه.
(قوله: ومباشرة) أي وتحرم مباشرة: وهي إلصاق البشرة، وهي ظاهر الجلد بالبشرة.
(وقوله: بشهوة) هي اشتياق النفس إلى الشئ.
وينبغي أن يتنبه لذلك من يحج بحليلته.
لا سيما عند إركابها وتنزيلها، فمتى ما وصلت بشرته لبشرتها بشهوة أثم، ولزمته الفدية، وإن لم ينزل.
اه.
كردي.
(قوله: واستمناء) أي ويحرم استمناء، أي استدعاء خروج المني.
(قوله: بيد) أي له، أو لغيره كحليلته لكن إنما يلزم به الدم إن أنزل.
قال ش ق: في عد الاستمناء بيده من المحرمات بسبب الإحرام تسامح، لأنه حرام مطلقا من الصغائر، فكان الأولى أن يقول: بيد حليلته.
والحاصل أن الدم يجب بالمباشرة بشهوة بدون حائل، ومنها القبلة أنزل أم لا وبالاستمناء إن أنزل.
وأن الاستمناء بيد غير الحليلة حرام مطلقا، وبيدها حرام في الإحرام.
اه.
(قوله: بخلاف الإنزال بنظر) أي فلا يحرم، وهو مخالف لما في النهاية والتحفة وشرح المختصر من حرمة النظر إذا كان بشهوة وإن لم ينزل.
وعبارة م ر: وتحرم به مقدماته أيضا كقبلة، ونظر، ولمس، ومعانقة بشهوة، ولو مع عدم إنزال، أو مع حائل، ولا دم في النظر بشهوة، والقبلة بحائل، وإن أنزل بخلاف ما سوى ذلك من المقدمات، فإن فيه الدم وإن لم ينزل، إن باشر عمدا بشهوة.
اه.
وقوله: أو فكر أي وبخلاف الإنزال بفكر فيما يوجب الإنزال، فلا يحرم.
__________
(1) (قوله: واضح) هـ كذا في عبد الروف على المختصر، وهو صفة لقوله قبل: ولا يضر الفصل بالغاية وما قبلها بين الصفة والموصوف.
وخرج به الخنثى، فإن لزمه الغسل فسد نسكه وإلا فلا.
وعبارة التحفة: ويفسد به - أي الجماع من عامد عالم مختار، وهما واضحان اه.
مولف.
(2) (قوله: بل يحرم) أئ بل تأثم هي بوطئه.
اه مولف(2/360)
(قوله ونكاح) معطوف على وطئ، أي ويحرم نكاح، أي عقده إيجابا كان، أو قبولا فيحرم على المحرم عقده لنفسه أو لغيره بإذن أو وكالة أو ولاية.
نعم، لا يمتنع عقد النكاح على نائب الإمام والقاضي بإحرامهما دونه.
وبهذا يلغز ويقال: لنا رجل محرم بالحج أو العمرة، يعقد نائبه النكاح ويصح منه، وهو عامد، عالم، ذاكر، مختار، ولا إثم عليه في ذلك.
وفي الإيضاح: وكل نكاح كان الولي فيه محرما، أو الزوج، أو الزوجة، فهو باطل، وتجوز الرجعة في الإحرام على الأصح - لكن تكره، ويجوز أن يكون المحرم شاهدا في نكاح الحلالين على الأصح، وتكره خطبة المرأة في الإحرام، ولا تحرم.
اه.
(قوله: لا ينكح المحرم ولا ينكح) بكسر الكاف فيهما، مع فتح الياء في الأولى، وضمها في الثانية: أي لا يتزوج، ولا يزوج غيره.
(قوله: وتطيب) معطوف على وطئ، أي ويحرم تطيب أي استعمال الطيب على المحرم، ولو كان أخشم.
وقوله: في بدن أي ظاهرا أو باطنا كان أكله أو احتقن به لكن في غير العود كما سيأتي أما هو، فلا يكون متطيبا إلا بالتبخر به.
وقوله: أو ثوب أي ملبوس له، فثيابه كبدنه، بل أولى.
(قوله: بما يسمى طيبا) أي بما يعد طيبا على العموم.
وأما القول بأنه يعتبر عرف كل ناحية بما يتطيبون به، فهو غلط كما قاله العلامة ابن حجر، نقلا عن الروضة والمراد: بما تقصد منه رائحة الطيب غالبا، أما ما كان القصد منه الأكل والتداوي، أو الإصلاح كالفواكه، والأبازير، ونحوهما وإن كان فيه رائحة طيبة كالتفاح، والسفرجل، والأترج، والهيل، والقرنفل، والمصطكي، والسنبل، والقرفة، وحب المحلب.
فلا شئ فيه أصلا.
وفي حاشية ابن حجر على الإيضاح يتردد النظر في اللبان الجاوي، وأكثر الناس يعدونه طيبا.
(قوله: كمسك إلخ) أي وكريحان فارسي أو غيره، ونرجس، وآس، ونمام، وغيرها.
قال في فتح الجواد: وشرط الرياحين ومنها الفاغية - أن تكون رطبة.
نعم، الكاذي بالمعجمة ولو يابسا طيب، ولعل هذا في نوع منه، وإلا فالذي بمكة لا طيب في يابسة ألبته.
وإن رش عليه ماء.
اه.
واعلم أن أنواع الطيب كثيرة منها المسك، والكافور، والعنبر، والعود، والزعفران، والورس، والورد، والفل، والياسمين، والفاغية، والنرجس، والريحان، والكاذي.
ثم المحرم من الطيب مباشرته على الوجه المعتاد فيه، وهو يختلف باختلاف أنواعه، في نحو المسك بوضعه في ثوبه أو بدنه.
وفي ماء الورد بالتضمخ به.
وفي العود بإحراقه والاحتواء على دخانه.
وفي الرياحين كالورد والنمام بأخذها بيده وشمها، أو وضع أنفه.
ثم إن هذا محله إذا حمله في لباسه أو ظاهر بدنه، أما إذا استعمله في باطن بدنه - بنحو أكل، أو حقنه، أو استعاط مع بقاء شئ من ريحه أو طعمه حرم ولزمته الفدية، وإن لم يعتد ذلك فيه.
ولم يستثنوا
منه إلا العود، فلا شئ بنحو أكله إلا شرب نحو الماء المبخر به فيضر وإذا مس الطيب بملبوسه أو ظاهر بدنه من غير حمل له لم يضر ذلك إلا إذا علق ببدنه أو ملبوسه شئ من عين الطيب سواء كان مسه له بجلوسه، أو وقوفه عليه، أو نومه، ولو بلا حائل وكذا إن وطئه بنحو نعله.
والكلام في غير نحو الورد من سائر الرياحين.
أما هو، فلا يضر، وإن علق بثوبه أو بدنه.
وفي حاشية الكردي ما نصه: الذي فهمه الفقير من كلامهم: أن الاعتياد في التطيب ينقسم على أربعة أقسام.
أحدها: ما اعتيد التطيب به بالتبخر كالعود فيحرم ذلك إن وصل إلى المحرم عين الدخان سواء في ثوبه، أو
__________
(1) (قوله: ولو كان أخشم (أي وإن كان لا ينتفع به لكونه أخشم، لانه تطيب عرفا، كما لو نتف شعر لحيته عبثا.
اه.
مولف(2/361)
بدنه، وإن لم يحتو عليه فالتعبير بالاحتواء جري على الغالب.
ولا يحرم حمل نحو العود في ثوبه أو بدنه لأنه خلاف المعتاد في التطيب به.
ثانيها: ما اعتيد التطيب به باستهلاك عينه إما بصبه على البدن أو اللباس، أو بغمسهما فيه فالتعبير بالصب جري على الغالب، وذلك، كماء الورد فهذا لا يحرم حمله ولا شمه، حيث لم يصب بدنه أو ثوبه شئ منه.
ثالثها: ما اعتيد التطيب به بوضع أنفه عليه، أو بوضعه على أنفه، وذلك كالورد وسائر الرياحين.
فهذا لا يحرم حمله في بدنه وثوبه، وإن كان يجد ريحه.
رابعها: ما اعتيد التطيب به بحمله، وذلك كالمسك وغيره، فيحرم حمله في ثوبه أو بدنه.
فإن وضعه في نحو خرقة، أو قارورة، أو كان في فأرة وحمل ذلك في ثوبه أو بدنه، نظر إن كان ما فيه الطيب مشدودا عليه، فلا شئ عليه بحمله في ثوبه أو بدنه.
وإن كان يجد ريحه وإن كان مفتوحا ولو يسيرا حرم، ولزمت الفدية، إلا إذا كان لمجرد النقل، ولم يشده فيه ثوبه، وقصر الزمن بحيث لا يعد في العرف متطيبا قطعا - فلا يضر.
اه.
(قوله: ومائه) أي الورد، ولو استهلك ماء الورد في غيره كأن وضع شئ قليل منه في ماء وانمحق به، بحيث لم يبق له طعم ولا ريح جاز استعماله وشربه.
(قوله: ولو بشد نحو مسك) غاية في حرمة التطيب بما يسمى طيبا.
أي يحرم التطيب بما يسمى طيبا، ولو بربطه في طرف ثوبه، أو بجعله في نحو جيبه.
وتقدم عن الكردي آنفا - أنه إذا ربط في خرقة، ثم حمله في ثوبه، أو بدنه، لا يضر.
والمراد بنحو المسك العطر، والعنبر، والكافور.
وعبارة الإيضاح ولو
ربط مسكا أو كافورا أو عنبرا في طرف إزاره لزمته الفدية.
ولو ربط العود فلا بأس.
(قوله: ولو خفيت رائحة الطيب) أي في نحو الثوب المطيب، وذلك بسبب مرور الزمان والغبار ونحو ذلك.
وقوله: كالكاذي والفاغية تمثيل للطيب.
(قوله: وهي) أي الفاغية.
(وقوله: ثمر الحناء) بكسر الحاء المهملة، وتشديد النون، وبالمد.
قال السجاعي في حاشية القطر: وينون إذا خلا من أول الإضافة، لأنه مصروف.
اه.
(قوله: فإن كان) أي الطيب الذي خفيت رائحته، وهو جواب لو.
وقوله: فاحت رائحته أي ظهرت.
وقوله: حرم أي التطيب به.
(قوله: وإلا) أي بأن لو كان لو أصابه الماء لا تفوح رائحته.
وقوله: فلا أي فلا يحرم.
(قوله: ودهن) معطوف على وطئ، أي ويحرم دهن.
وقوله: بفتح أوله أي لا بضمه، وذلك لأن المضموم اسم للعين التي يدهن بها.
والمفتوح مصدر بمعنى التدهين.
والتحريم إنما يتعلق بالفعل، لا بالذات كسائر الأحكام.
(قوله: شعر رأس) هو بسكون العين، فيجمع على شهور كفلس وفلوس.
وبفتحها فيجمع على أشعار كسبب وأسباب، وهو مذكر، الواحد شعرة، وإنما جمع الشعر مع أنه اسم جنس تشبيها له بالمفرد.
وقوله: أو لحية هي بكسر اللام الشعر النابت على الذقن.
ويلحق بشعر الرأس وباللحية سائر شعور الوجه ما عدا شعر الخد والجبهة.
قال في التحفة: وظاهر قوله شعر: أنه لا بد من ثلاث، ويتجه الاكتفاء بدونها إن كان مما يقصد به التزيين، لأن هذا هو مناط التحريم.
اه.
وإنما قال ظاهر لأنه يمكن أن يكون المراد بشعر الرأس جنسه، الصادق بشعرة واحدة، بل وببعضها.
وحاصل ما يتعلق بالدهن أنه يحرم دهن شعر الرأس والوجه ما خلا شعر الخد (1) والجبهة والأنف بأي دهن كان، كزيت، وشيرج، وزبدة وغيرها.
وإن كان الشعر (2) محلوقا، أو
__________
(1) (قوله: ما خلا شعر الخد إليخ) أي فإنه لا يحرم دهنها، لأنه لا يقصد تنميتها، كما في حاشية الايضاح اه.
مولف.
(2) (قوله: وإن كان الشعر) أي شعر الرأس أو اللحية.
وهو غاية في التحريم.
اه مولف(2/362)
دون الثلاث، أو خارجا لا رأس الأجلح والأصلع (1) في محله ولا لحية الأمرد والأطلس.
وخرج به باقي البدن، فلا يحرم دهنه.
وليحترز المحرم عند أكل الدسم كسمن ولحم من تلويث العنفقة أو الشارب، فإنه مع العلم والتعمد حرام تجب فيه الفدية، (2) ولو لشعرة واحدة.
(قوله: بدهن) متعلق بدهن، وهو هنا بضم الدال، إذ المراد به العين.
(قوله: ولو غير مطيب) تعميم في الدهن، أي لا فرق فيه بين أن يكون مطيبا أو لا، لكن المطيب، يزيد على غيره بحرمة استعماله في جميع البدن، ظاهرا وباطنا.
(قوله: كزيت وسمن) أي وزبد، ودهن لوز، وجوز، وشحم وشمع (3) ذائبين.
(قوله: وإزالته) بالرفع،
عطف على وطئ أيضا.
أي ويحرم إزالة الشعر بنتف أو إحراق أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة (4) حتى بنحو شرب دواء مزيل مع العلم والتعمد فيما يظهر وذلك لقوله تعالى * (ولا تحلقوا رؤوسكم) * (5) أي شيئا من شعرها.
وألحق به شعر بقية البدن والظفر، بجامع أن في إزالة كل ترفها ينافي كون المحرم أشعت أغبر.
اه.
تحفة.
(قوله: ولو واحدة) أي ولو كان المزال من الشعر شعرة واحدة، ومثلها بعضها، فإنه يضر، وفيها الفدية، لكنها مد واحد كما سيأتي.
(قوله: من رأسه إلخ) متعلق بإزالة، أي إزالة الشعر من رأسه، أو لحيته، أو بدنه.
ودخل فيه شعر العانة، والإبط، واليد، والرجل.
(قوله: نعم، إن احتاج) أي المحرم، وهو استدراك من حرمة إزالة الشعر، دفع به ما يتوهم أن الإزالة تحرم مطلقا، بحاجة وبغيرها.
(قوله: بكثرة) الباء سببية، متعلقة باحتاج.
(وقوله: قمل) هو يتولد من العرق والوسخ، وهو من الحيوان الذي إناثه أكبر من ذكوره.
ومن طبعه أن يكون في الأحمر أحمر، وفي الأسود أسود، وفي الأبيض أبيض.
وقوله: أو جراحة معطوف على كثرة، أي أو بسبب جراحة أحوجه أذاها إلى الحلق، ومثلهما الحر إذا تأذى بكثرة شعره فيه تأذيا لا يحتمل عادة.
(قوله: فلا حرمة، وعليه الفدية) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (6) .
(قوله: فلو نبت إلخ) لو جعله من أسباب الاحتياج إلى الحلق بأن قال: أو بنبت شعر بعينه، أو تغطيته إياها، لكان أولى وأنسب، لأنه لا معنى للتفريع.
وقوله: أو غطاها أي غطى الشعر عينه، بأن طال شعر حاجبه أو رأسه حتى وصل إليها وغطاها.
(قوله: فأزال ذلك) أي ما ذكر من الشعر النابت في وسط العين والمغطى، أي فقط.
(قوله: فلا حرمة ولا فدية) الفرق بين هذا حيث لم تجب الفدية وبين ما قبله حيث وجبت الفدية فيه أن التأذي في هذا من نفس الشعر، بخلافه في ذاك، فإنه ليس منه، بل مما فيه.
ومثله في ذلك ما لو قطع أصبعه وعليها شعر أو ظفر، أو كشط جلدة رأسه وعليها شعر، وذلك لتبعيته لغيره، فهو لم يقطعه قصدا، وإنما قطعه تابعا لغيره، والمحرم قطعه غير تابع لغيره.
__________
(1) قوله: الاجلح) في المصباح، جلح الرجل جلحا - من باب تعب الشعر من جانبى مقدم رأسه، فهو أجلح.
اه وقوله: والاصلع.
قال فيه أيضا: صلع الرجل صلعا - من باب تعب - انحسر الشعر من مقدمه اه.
(2) (قوله: حرام تجب فيه الفدية) أي ما لم تشتد حاجة إلى أكله، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية، كذا في حاشية الايضاح، وعبارتها: وقضية ما تقرر: حرمة أكل دهن يعلم أنه يلوث به شاربه، وهو ظاهر إن لم تشتد حاجة إليه، وإلا جاز، ووجبت فيه الفدية.
اه مولف.
(3) (قوله: وشمع) استشكل عطف الشمع على الشحم، ووصفهما بالذوبان لانهم إن أرادوا أن الانضمام قيد في الفدية فغير مسلم، لان
الشحم الذائب وحده دهو، وأما الشمع الذائب وحده فغير دهن.
وأجيب بأن مرادهم بذلك بيان أن ضمن الشمع إلى الشحم لا يخرجه عن الدهن، بخلاف اللبن المشتمل على الزبد والدهن.
وفى هذا الجواب تسليم لقول المستشكل: إن الشمع الذائب غير دهن، وهو في محل المنع، وأى فرق بينه وبين الشحم لان في كل دهنية يقصد بها تزيين الشعر في الجملة.
اه.
أفاده في حاشية الايضاح.
(4) (قوله: أو غيرهما من سائر وجوه الإزالة) هو شامل للزائل بواسطة حك رجل الركب في نحو قتب، وهو ظاهر من كلامهم، فتجب فيه الفدية، وإن احتاج لذلك غالبا، لامكان الاحتراز عنه.
خلافا لمن قال بعدمها، وأصال فيه بما ليجدى.
اه مولف.
(5) القرة: 196.
(6) البقرة: 196(2/363)
وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) كل محذور أبيح للحاجة فيه الفدية، لغيره إلا إزالة نحو شعر العين كما تقرر وإلا نحو لبس السراويل أو الخف المقطوع احتياطا لستر العورة ووقاية الرجل من نحو النجاسة.
وكل محظور بالإحرام فيه الفدية إلا عقد النكاح.
اه.
(قوله: وقلم) معطوف على وطئ أيضا، أي ويحرم قلم بالقياس على حرمة إزالة الشعر بجامع الرفاهية في كل.
(قوله: نعم، له قطع الخ) أي يجوز له ذلك، ولا فدية، وهو استدراك من حرمة القلم.
(وقوله: ما انكسر) أي فقط، فلا يجوز له أن يقطع معه من الصحيح شيئا.
وفي الكردي ما نصه: في شرح مختصر الإيضاح للبكري، وتبعه ابن علان: أن قطع ما لا يتأتى قطع المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه.
وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من المنكسر إلا به، جائز، لاحتياجه إليه.
وقال ابن الجمال: الأقرب أنها تجب الفدية، لأن الأذى من غيره، لا منه، وجاز قطعه معه لضرورة التوقف المذكور.
اه.
(قوله: ويحرم ستر إلخ) إنما أظهر العامل ولم يعطفه على ما قبله لطول الكلام عليه.
وإنما حرم الستر المذكور لخبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في المحرم الذي سقط عن بعيره ميتا لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا.
وقيس عليه الحي، بل أولى.
(وقوله: رجل) المراد به الذكر، يقينا، فدخل الصبي، وخرج الأنثى والخنثى، فلا يحرم عليهما ذلك.
(وقوله: لا امرأة) أي ولا خنثى.
(قوله: بعض رأس) أي ولو البياض الذي وراء الأذن، لكن المحاذي لأعلاها، لا المحاذي لشحمة الأذن.
قال عبد الرؤوف في حاشية شرح الدماء: المراد به أي البياض ما على الجمجمة، المحاذي لأعلى الأذن لا البياض وراءها، النازل عن الجمجمة، المتصل بآخر اللحى
المحاذي لشحمة الأذن، لأنه ليس من الرأس، وهو المراد بقول الزركشي: لا يجزئ المسح على البياض وراءها.
اه (قوله: بما يعد إلخ) متعلق بستر، أي يحرم ستر رجل بعض رأسه بكل ما يعد ساترا في العرف، وإن حكى لون البشرة كثوب رقيق، وزجاج وكما يحرم الستر بما ذكر، يحرم استدامته، وفارق استدامة الطيب بندب ابتداء هذا قبل الإحرام، بخلاف ذاك، ومن ثم، كان التلبيد بما له جرم كالطيب في حل استدامته، لأنه مندوب مثله.
أفاده في التحفة.
(قوله: من مخيط) بيان لما، وهو بفتح الميم وبالخاء المعجمة، أي شئ فيه خياطة.
(وقوله: أو غيره) أي غير المخيط.
(قوله: كقلنسوة) تمثيل للمخيط، وهي بفتح القاف واللام وضم السين مشتق من قلس الرجل إذا غطاه وستره والنون زائدة، وهي المسماة بالقاووق.
أفاده الشرقاوي.
وقوله: وخرقة تمثيل لغير المخيط، ومثلها عصابة عريضة، ومرهم وطين، وحناء ثخينات.
(قوله: أما ما لا يعد ساترا) أي في العرف.
وهذا محترز قوله بما يعد ساترا.
(وقوله: كخيط رقيق) أي وكماء، ولو كدرا، وإن عد ساترا في الصلاة.
قال ابن قاسم في شرح أبي شجاع: نعم، إن صار ثخينا لا تصح الطهارة به، بأن صار يسمى طينا، فظاهر أنه يمتنع.
اه.
(قوله: وتوسد نحو عمامة) أي وجعل نحو عمامة كالوسادة تحت رأسه، فلا يضر، لأنه لا يعد ساترا.
(قوله: ووضع يد) أي وكوضع يد له أو لغيره على رأسه، فإنه لا يضر أيضا، لأنه لا يعد ساترا.
وقوله: لم يقصد بها الستر الجملة صفة ليد، أي وكوضع يد موصوفة بكونها لم يقصد بها الستر.
(قوله: فلا يحرم) جواب أما، والضمير المستتر يعود على ما لا يعد ساترا.
(قوله: بخلاف ما إذا قصده) أي الستر بوضع اليد، أي فإنه يحرم.
وقوله: على نزاع فيه أي في تحريمه.
وحاصله أن الذي جرى عليه ابن حجر في التحفة، وفتح الجواد، وشرح العباب: الضرر بذلك عند قصد الستر.
والذي جرى عليه في حاشية الإيضاح: عدم الضرر.
وكذلك شيخ الإسلام في شرح البهجة، والرملي في شرحي الإيضاح والبهجة.
وعلى الأول تجب الفدية، وعلى الثاني لا تجب.
(قوله: وكحمل نحو زنبيل) معطوف على كخيط، فهو مما لا يعد ساترا فلا يضر.
(قوله: لم يقصد به) أي يحمل نحو الزنبيل.
(وقوله: ذلك) أي الستر، أي ولم يسترخ بحيث يصير كالطاقية، أما إذا استرخى ولم(2/364)
يكن فيه شئ محمول حرم، ولزمته الفدية، وإن لم يقصد به الستر، لأنه في هذه الحالة يسمى ساترا عرفا.
ولو كفأ الزنبيل على رأسه حتى صار كالقلنسوة، حرم ولزمته الفدية مطلقا.
(قوله: واستظلال بمحمل) أي وكاستظلال بمحمل، فهو مما لا يعد ساترا، فلا يحرم.
قال في حواشي الإقناع: أي وإن قصد مع ذلك الستر، لأنه لا يعد ساترا عرفا.
وفصل
بعضهم بين قصد الستر فيفدي وإلا فلا، قياسا على ما لو وضع على رأسه زنبيلا ورد بوضوح الفرق بين الصورتين.
إذا الساتر ما يشمل المستور لبسا أو نحوه، ونحو الزنبيل يتصور فيه ذلك فأثر فيه القصد، بخلاف الهودج.
شرح العباب.
اه.
وقوله: وإن مس رأسه الغاية للرد على من يقول بحرمة الاستظلال بمحمل إن مس رأسه.
وعبارة الإيضاح: أما ما لا يعد ساترا فلا بأس به مثل أن يتوسد عمامة، أو وسادة، أو ينغمس في ماء، أو يستظل بمحمل أو نحوه، فلا بأس به، سواء مس المحمل رأسه أم لا وقيل: إن مس المحمل رأسه لزمته الفدية، وليس بشئ.
اه.
(قوله: ولبسه الخ) معطوف على ستر، أي ويحرم لبس الرجل، لخبر الصحيحين: عن ابن عمر، أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس القميص ولا العمائم، ولا السراويلات ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه زعفران أو ورس.
زاد البخاري: ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين.
(فإن قيل) السؤال عما يلبس، وأجيب بما لا يلبس ما الحكمة في ذلك؟ أجيب بأن ما لا يلبس محصور، بخلاف ما يلبس إذ الأصل الإباحة، وفيه تنبيه على أنه كان ينبغي السؤال عما لا يلبس، وبأن المعتبر في الجواب ما يحصل المقصود، وإن لم يطابق السؤال صريحا.
وقوله: محيطا بالمهملة سواء أحاط بجميع بدنه أو بعضه، وسواء كان شفافا كزجاج أم لا.
(قوله: بخياطة) متعلق بمحيطا، والباء سببية، أي محيطا بسبب خياطة.
(قوله: كقميص) تمثيل للمحيط بخياطة، وهو ما لا يكون مفتوحا من قدام، أي وكخف وبابوج وقبقاب ستر سيره أعلى قدميه، فيحرم لبس ذلك، بخلاف ما لا يستر سيره أعلى قدميه، وبخلاف النعل المعروف، والتاسومة.
والحاصل ما ظهر منه العقب ورؤوس الأصابع يحل مطلقا.
وما ستر الأصابع فقط، أو العقب فقط: لا يحل إلا مع فقد النعلين.
(قوله: وقباء) هو ما يكون مفتوحا من قدام، كالشاية، والقفطان، والفرجية.
وفي البجيرمي ما نصه: القباء: بالمد والقصر: قيل هو فارسي معرب، وقيل عربي مشتق من قبوت الشئ: إذا أضممت أصابعك عليه.
سمي بذلك لانضمام أطرافه.
وروي عن كعب أن أول من لبسه سليمان بن دواد عليهما السلام.
اه.
وقوله: أو نسج معطوف على خياطة، أي أو محيطا بسبب نسج كزرد.
وقوله: أو عقد معطوف على
خياطة أيضا، أي أو محيطا بسبب عقد كنوع من اللبد.
ومثل المنسوج والمعقود المضفور والمزرر في عرا والمشكوك بنحو خلال.
قوله: سائر بدنه متعلق بلبسه.
أي يحرم لبسه في جميع بدنه، وهو ليس بقيد، بل مثله بعض بدنه كما علمت، ولا بد من لبسه على الهيئة المألوفة فيه، ليخرج ما إذا ارتدى بقميص أو قباء، أو اتزر بسروايل، فإنه لا حرمة في ذلك، ولا فدية.
(قوله: بلا عذر) متعلق بكل من ستر ولبس، بدليل المفهوم الآتي.
أي ويحرم ستر رأس بلا عذر، ويحرم لبس المحيط بلا عذر، فإن وجد عذر انتفى التحريم.
وفي الفدية تفصيل وسئل السيوطي رحمه الله تعالى عن المحرم، هل يجوز له الستر أو اللبس إذا ظن الضرر قبل وجوده، أو لا يجوز إلا بعد وجوده نظما؟ (فأجاب) كذلك بالجواز، وصورة ذلك: ما قولكم في محرم يلبي * * كاشف رأس راجيا للرب(2/365)
فهل له اللبس قبيل العذر * * بغالب الظن بدون الوزر؟ أم بعد أن يحصل عذر ظاهر * * يجوز لبس وغطاء ساتر؟ ولو طرا عذر وزال عنه * * هل يجب النزع ببرء منه؟ (أجاب رحمه الله) ومحرم قبل طرو العذر * * أجز له اللبس بغير وزر بغالب الظن ولا توقف * * على حصوله، وهذا الأرأف نظيره من ظن من غسل بما * * حصول سقم جوزوا التيمما ومن تزل أعذاره فليقلع * * مبادرا وليعص إن لم ينزع (قوله: فلا يحرم على الرجل الخ) مفهوم قوله بلا عذر.
(وقوله: ستر رأس) أي ولا لبسه محيطا.
وكان الأولى للشارح أن يزيده، لما علمت أن قوله بلا عذر راجع لكل من ستر ولبس، فيكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، ولا يصح أن يكون قوله الآتي ولا لبس محيط إن لم يجد غيره هو مفهومه بالنسبة له كما ستعرفه.
(قوله: كحر وبرد) تمثيل للعذر، ودخل تحت الكاف: الجراحة، والكسر، والوجع، ونحوها.
(قوله: ويظهر ضبطه) أي العذر.
(وقوله: هنا) أي في هذا الباب، بخلافه في غير هذا الباب، فهو ما أباح التيمم، ومن العذر ما لو تعين ستر وجه المرأة طريقا في دفع
النظر إليها المحرم، فيجوز حينئذ، وتجب به الفدية.
(قوله: بما لا يطيق الصبر عليه) متعلق بضبطه، أي ضبطه بكل ما لا يطيق الصبر عليه كالحر والبرد.
(قوله: وإن لم يبح التيمم) أي لا فرق فيما لا يطيق الصبر عليه بين أن يكون مبيحا لتيمم أو لا.
(قوله: فيحل) أي ستر الرأس لعذر، وهذا عين قوله فلا يحرم، إلا أنه أعاده لأجل إفادة ما بعده.
(وقوله: مع الفدية) أي مع وجوبها عليه.
وقوله: قياسا الخ أي إن وجوب الفدية هنا مقيس على وجوبها في الحلق مع العذر، بجامع أن كلا محظور أبيح لحاجة.
(قوله: ولا لبس محيط إلخ) ظاهره أنه معطوف على ستر رأس، ويكون هو مفهوم قوله بلا عذر بالنسبة للبس، وذلك لما علمت أن قوله بلا عذر مرتبط بكل من ستر ومن لبس، فأخذ أولا مفهومه بالنسبة للستر، وهذا مفهومه بالنسبة للبس.
والمعنى عليه ولا يحرم لبس محيط بعذر إن لم يجد غيره، وهو لا يصح، وذلك لأنه حيث وجد عذر حل لبس المحيط سواء وجد غيره أم لا كما أنه إذا لم يجد: يحل لبسه وجد عذر أم لا.
فيتعين حينئذ أن يكون مستأنفا، وليس معطوفا على ما قبله.
ويقدر عامل للبس، ويكون مفهوم قوله بلا عذر محذوفا كما علمته فيما مر ولا يخفى ما في عبارته المذكورة من الارتباك، وبيانه أن ستر الرأس ولبس المحيط يباحان لحاجة كحر وبرد مطلقا وإن ليس المحيط يباح أيضا إذا لم يجد غيره، لكن بقدر ستر العورة فقط - كسراويل - فلبس المحيط مباح لأحد شيئين: لحاجة نحو ما ذكر، ولعدم وجدان غيره.
وفي الأول: يباح له لبسه في جميع البدن مع الفدية.
وفي الثاني: بقدر ما يستر العورة فقط بلا فدية، فما يباح للحاجة المذكورة غير ما يباح للفقد قدرا وحكما.
والمؤلف رحمه الله لم يفصحهما، بل أدرج أحدهما في الآخر.
وسببه أنه تصرف في عبارة شيخه وسبكها بعبارته، فأدى ذلك إلى الارتباك وعدم حسن السبك.
فلو قال عقب قوله بلا عذر فلا يحرم على الرجل ستر رأس ولا لبس محيط إذا كان ذلك لعذر كحر وبرد الخ.
ثم قال: ولا يحرم أيضا لبسه محيط إن لم يجد غيره، ولا قدر على تحصيله، ولو بنحو استعارة، لا بنحو هبة، لكن بقدر ما يستر العورة فقط.
لكان أولى وأخصر وأوضح.
فتنبه.
وقوله: إن لم يجد غيره أي المحيط حسا كان بأن فقده عنده وعند غيره، أو شرعا بأن وجده بأكثر من ثمن(2/366)
المثل أو أجرة مثله، وإن قل.
وقوله: ولا قدر على تحصيله أي بشراء ونحوه وهذا لازم لعدم وجدانه حسا، لأنه يلزم منه عدم القدرة على تحصيله، ولو أسقطه ما ضره.
(قوله: ولو بنحو استعارة) غاية للنفي، أي انتفت القدرة على
تحصيله حتى بالاستعارة.
فإن قدر على تحصيله بذلك تعين، ويحرم لبس المحيط.
(قوله: بخلاف الهبة) أي بخلاف ما إذا قدر على تحصيل غير المحيط بالهبة، فلا يحرم عليه لبس المحيط، لأنه لا يلزمه قبول الهبة لعظم المنة فيها وثقلها على النفوس.
(قوله: فيحل ستر العورة إلخ) تفصيل لما أجمله بقوله ولا لبس محيط الخ.
وحاصله أنه إذا لم يجد غير المحيط حل له لبسه بقدر ما يستر العورة، ولا يحل له لبسه في باقي بدنه إلا إذا وجدت حاجة كحر وبرد.
وإذا اقتصر على ساتر العورة لا تلزمه فدية، بخلاف ما إذا زاد عليها فإنه تلزمه فدية.
والفرق كما في البجيرمي نقلا عن الشوبري أن ما كان سببه الفقد لا فدية فيه، وما كان سببه غير الفقد كحر وبرد فيه الفدية.
(قوله: ولبسه إلخ) أي ويحل لبسه، أي المحيط.
(قوله: وعقد الإزار) أي ويحل عقد الإزار، أي ربط طرفه بالآخر.
(قوله: وشد خيط عليه) أي الإزار، بأن يجعل خيطا في وسطه فوق الإزار ليثبت.
ويجوز أيضا أن يجعل فيه مثل الحجزة، ويدخل في التكة إحكاما، وأن يغرز طرف ردائه في طرف إزاره، ولا يجوز أن يعقد طرف ردائه بالآخر، ولا أن يخله به نحو مسلة.
(قوله: لا وضع طوق الخ) معطوف على الارتداء، أي لا يحل له وضع طوق القباء على رقبته وإن لم يدخل يديه في كميه وقصر الزمن، لأنه يستمسك بذلك، فيعد لابسا له.
واعلم أنه لا يحرم دخوله في كيس النوم إن لم يستر رأسه، إذ لا يستمسك عند قيامه، ولا إدخاله رجله في ساق الخف دون قراره، ولا لف عمامة بوسطه بلا عقد، ولا لبس خاتم، ولا احتباء بحبوة وإن عرضت جدا ولا إدخاله يده في كم نحو قباء، ولا لبس السراويل في إحدى رجليه، ولا تقليد السيف، ولا شد نحو منطقة وهميان في وسطه.
(قوله: ويحرم ستر امرأة لا رجل بعض وجه) وذلك لنهيها عن النقاب.
وحكمته أنها تستره غالبا، فأمرت بكشفه لمخالفة عادتها.
نعم، يعفى عما تستره من الوجه احتياطا للرأس، ولو أمة، عند ابن حجر، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ويجوز لها أن ترخى على وجهها ثوبا متجافيا عنه بنحو أعواد ولو لغير حاجة.
فلو سقط الثوب على وجهها بلا اختيارها فإن رفعته فورا فلا شئ عليها، وإلا أثمت، وفدت.
وكما يحرم عليها ستر وجهها، يحرم عليها وعلى الرجل أيضا لبس القفازين، للنهي عنهما في الحديث الصحيح.
والقفاز: شئ يعمل لليد يحشى بقطن ويزر بأزرار على الساعد ليقيها من البرد.
والمراد هنا: المحشو والمزرور وغيرهما.
ولها أن تلف خرقة على كل من يديها وتشدها وتعقدها.
وللرجل شدها بلا عقد.
(تنبيه) المحرمات أربعة أقسام:
الأول: ما يباح للحاجة ولا حرمة ولا فدية.
وهو: لبس السروايل لفقد الإزار، والخف المقطوع لفقد النعل، وعقد خرقة على ذكر سلس لم يستمسك بغير ذلك.
واستدامة ما لبد به شعر رأسه أو تطيب به قبل الإحرام، وحمل نحو مسك بقصد النقل إن قصر زمنه، وإزالة الشعر بجلدة، والنابت في العين ومغطيها، والظفر بعضوه، والمؤذي بنحو كسر، وقتل صيد صائل، ووطئ جراد عم المسالك، والتعرض لنحو بيض صيد وضعه في فراشه ولم يمكن دفعه إلا به أو لم يعلم به فتلف، وتخليص صيد من فم سبع فمات، وما فعله من الترفه كلبس وتطيب ناسيا أو جاهلا أو مكرها.
الثاني: ما فيه الإثم ولا فدية: كعقد النكاح، ومباشرة بشهوة بحائل على ما مر، والنظر بشهوة، والإعانة على قتل(2/367)
الصيد بدلالة أو إعارة آلة، ولو لحلال، والأكل من صيد صاده غيره له، ومجرد تنفير الصيد من غير تلف، وفعل محرم من محرمات الإحرام بميت محرم.
الثالث: ما فيه الفدية ولا إثم.
وذلك فيما إذا احتاج الرجل إلى اللبس أو المرأة لتستر وجهها، أو إلى إزالة شعر، أو ظفر لنحو مرض، أو زال نحو شعر جهلا وهو مميز، أو نفر صيدا بغير قصد وتلف به، أو اضطر إلى ذبح صيد لجوع أو تلف صيد برفس دابة معه، أو عضها بلا تقصير.
الرابع: ما فيه الإثم والفدية.
وهو باقي المحرمات.
(قوله: وفدية ارتكاب واحد الخ) لما أنهى الكلام على الواجبات والمحرمات، شرع في بيان ما يترتب على ترك شئ من الأولى، وارتكاب شئ من الثانية، فقال: وفدية إلخ.
وحاصل الكلام على ذلك أن الدماء ترجع باعتبار حكمها إلى أربعة أقسام: دم ترتيب وتقدير.
ودم ترتيب وتعديل.
ودم تخيير وتقدير.
ودم تخيير وتعديل.
فالقسم الأول: كدم التمتع، والقران، والفوات، وترك الإحرام من الميقات، وترك الرمي، وترك المبيت بمزدلفة، وترك المبيت بمنى، وترك طواف الوداع، وترك مشي أخلفه ناذره.
فهذه الدماء دماء ترتيب، بمعنى أنه يلزمه الذبح، ولا يجوز العدول عنه إلى غيره، إلا إذا عجز عنه.
وتقدير: بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه بما لا يزيد ولا ينقص.
والقسم الثاني: كدم الجماع، فهو دم ترتيب وتعديل.
بمعنى أن الشرع أمر فيه بالتقويم والعدول إلى غيره بحسب القيمة، فيجب فيه بدنة، ثم بقرة، ثم سبع شياه فإن عجز قوم البدنة بدراهم، واشترى بالدراهم طعاما وتصدق به.
فإن
عجز، صام عن كل مد يوما، ويكمل المنكسر بصوم يوم كامل.
وكدم الإحصار: فهو دم ترتيب وتعديل، فيجب فيه شاة، فإن عجز قومها كما ذكر، فإن عجز صام عن كل مد يوما.
والقسم الثالث: كدم الحلق والقلم، ودم الاستمتاع وهو التطيب، والدهن بفتح الدال للرأس أو اللحية، وبعض شعور الوجه على ما تقدم واللبس، ومقدمات الجماع، والاستمناء، والجماع غير المفسد.
فهذه الدماء دماء تخيير بمعنى أنه يجوز العدول عنها إلى غيرها، وتقدير بمعنى أن الشرع قدر ما يعدل إليه، فيتخير إذا أزال ثلاث شعرات بين ذبح وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وصوم ثلاثة أيام.
والقسم الرابع: كدم جزاء الصيد والشجر، فهو دم تخيير وتعديل.
بمعنى أن بالخيار، إن شاء فعل الأول وهو الذبح، أو الثاني وهو التقويم، أو الثالث وهو الصيام.
ومعنى التعديل التقويم.
فجملة هذه الدماء: أحد وعشرون دما تسعة مرتبة مقدرة، وثمانية مخيرة مقدرة، ودمان فيهما ترتيب وتعديل، ودمان فيهما تخيير وتعديل.
ونظمها الدميري رحمه الله تعالى فقال: خاتمة من الدماء ما التزم * * مرتبا وما بتخيير لزم والصفتان لا اجتماع لهما * * كالعدل والتقدير حيث فهما والدم بالترتيب والتقدير في * * تمتع فوت قران اقتفي وترك ميقات ورمي ووداع * * مع المبيتين بلا عذر مشاع ثم مرتب بتعديل سقط * * في مفسد الجماع والحصر فقط مخير مقدر دهن لباس * * والحلق والقلم وطيب فيه باس والوطئ حيث الشاة والمقدمات * * مخير معدل صيد نبات(2/368)
ونظمها أيضا ابن المقري رحمه الله تعالى - في قوله: أربعة دماء حج تحصر * * أولها المرتب المقدر تمتع، فوت وحج قرنا * * وترك رمي والمبيت بمنى وتركه الميقات والمزدلفة * * أو لم يودع أو كمشي أخلفه
ناذره يصوم إن دما فقد * * ثلاثة فيه وسبعا في البلد والثان ترتيب وتعديل ورد * * في محصر ووطئ حج إن فسد إن لم يجد قومه ثم اشترى * * به طعاما طعمة للفقرا ثم لعجر عدل ذاك صوما * * أعني به عن كل مد يوما والثالث التخيير والتعديل في * * صيد وأشجار بلا تكلف إن شئت فاذبح أو فعدل مثل ما * * عدلت في قيمة ما تقدما وخيرن وقدرن في الرابع * * إن شئت فاذبح أو فجد باصع للشخص نصف أو فصم ثلاثا * * تجتث ما اجتثثته اجتثاثا في الحلق والقلم ولبس دهن * * طيب وتقبيل ووطئ ثني أو بين تحليلي ذوي إحرام * * هذي دماء الحج بالتمام والحمد لله وصلى ربنا * * على خيار خلقه نبينا وهو نظم حسن ينبغي لك طالب علم أن يحفظه.
واعلم أن هذا الدماء لا تختص بوقت، وتراق في النسك الذي وجبت فيه، ودم الفوات يجزئ بعد دخول وقت الإحرام بالقضاء.
كالمتمتع إذا فرغ من عمرته فإنه يجوز له أن يذبح قبل الإحرام بالحج، وهذا هو المعتمد، وإن قال ابن المقري لا يجزئ إلا بعد الإحرام بالقضاء.
وكلها أو بدلها من الطعام تختص تفريقته بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح.
إلا المحصر فيذبح حيث أحصر، فإن عدم المساكين في الحرم أخره حتى يجدهم.
كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم.
(قوله: مما يحرم) أي من الدهن والطيب واللبس والستر والحلق والقلم.
(واعلم) أن الفدية تتعدد بتعدد ذلك إن اختلف الزمان والمكان والنوع، وإلا فلا.
والطيب كله نوع، وكذا الدهن وكذا اللبس.
قال النشيلي: وقضية ذلك أن من ستر رأسه لضرورة، واحتاج لكشفه عند مسحه في الوضوء وعند السجود، ثم أعاد الستر، تتكرر عليه الفدية لتكرر الزمان والمكان.
قال السيد السمهودي: ما أظن السلف مع عدم خلو زمانهم عن مثل هذه الصورة يوجبون ذلك، ولم أر من نبه عليه.
والمشقة تجلب التيسير.
اه.
(قوله: غير الجماع) أما هو، فحكمه سيأتي، وظاهر كلامه أن الجماع مطلقا مخالف في الحكم لما هنا، وليس كذلك، بل حكم الجماع الذي بين التحللين حكم ما هنا، وغير عقد النكاح أيضا.
أما هو، فلا فدية فيه أصلا كما تقدم وغير الصيد والنابت، أما هما، فدمهما دم تخيير وتعديل.
(قوله: ذبح شاة) خبر فدية.
وفيه أن الذبح فعل الفاعل، والفدية اسم لما يخرج، فلم يحصل تطابق بين المبتدأ والخبر، ولا بد من تأويله هو وما عطف عليه، أعني قوله أو تصدق باسم المفعول: أي مذبوح شاة.
والإضافة فيه على معنى من، أو متصدق بثلاثة آصع، ولا بد من جعل الباء فيه بمعنى من البيانية، أي من ثلاثة آصع.
(قوله: مجزئة في الأضحية) وهي أن لا تكون عجفاء ولا مقطوعة بعض ذنب أو أذن، ولا عرجاء، ولا عوراء، ولا مريضة مرضا بينا كما سيذكره.
(قوله: وهي) أي الشاة المجزئة.
وقوله: جذعة(2/369)
ضأن أي ما أجزعت مقدم أسنانها، وإن لم يكن لها سنة.
(قوله: أو ثنية معز) أي لها سنتان.
(قوله: أو تصدق) يقرأ بصيغة المصدر، معطوف على ذبح.
وقوله: بثلاثة آصع بمد الهمزة جمع صاع وهو أربعة أمداد.
(قوله: لستة) متعلق بتصدق، واللام بمعنى على، أي تصدق على ستة.
وقوله: من مساكين الحرم أي ولو كانوا غير مستوطنين به، لكن إعطاء المستوطنين أولى إذا لم تكن حاجة الغرباء أشد.
(قوله: الشاملين للفقراء) أي أن المراد بالمساكين ما يشمل الفقراء، لا ما قابلهم، لأن الفقير والمسكين يجتمعان إذا افترقا، ويفترقان إذا اجتمعا.
(قوله: لكل واحد نصف صاع) ولا يجزئ أقل منه، وليس في الكفارات محل يزاد فيه المسكين من كفارة واحد على مد غير هذا.
(قوله: أو صوم ثلاثة أيام) أي ولو من غير توال.
(قوله: فمرتكب المحرم مخير الخ) أي لقوله تعالى: * (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه) (1) * أي فحلق.
* (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) * (2) وروى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجزة: أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: نعم.
قال: انسك أي اذبح شاة أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين.
والفرق - بفتح الفاء والراء - ثلاثة آصع.
وقيس بالحلق وبالمعذور: غيرهما.
واعلم أن الفدية قد تجب على مرتكب المحظور، كالولي بسبب ارتكاب الصبي المميز إياه، بخلافه إذا كان غير مميز فلا فدية على واحد منهما، وإن كان إتلافا.
هذا إذا كان سبب الفدية ارتكابه محظورا فإن كان سببها تمتع موليه، أو قرانه، أو إحصاره، فالفدية في مال الولي مطلقا سواء كان الصبي مميزا، أو كان غير مميز.
(قوله: ولو فعل) أي المحرم.
(قوله: ناسيا) أي للإحرام أو التحريم.
ولا ينافيه التقييد بالتعمد في آية * (ومن قتله
منكم متعمدا) * (2) الآية.
فقد خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له كما في شرح المنهج.
(قوله: إن كان) أي الشئ الذي فعله منها.
وقوله: إتلافا أي محضا كقتل الصيد أو مشوبا باستمتاع، لكن المغلب جانب الإتلاف، كحلق الشعر، وقلم الأظفار.
(قوله: ولا تجب) أي الفدية.
وقوله: إن كان أي الشئ الذي فعله منها.
وقوله: تمتعا أي محضا كاللبس، والطيب أو مشوبا بإتلاف، لكن المغلب فيه جانب التمتع، كالجماع.
(قوله: والواجب الخ) أعاده مع علمه من قوله: وفدية ما يحرم، لأجل بيان شروط ما تجب فيه الفدية الكاملة في إزالة الشعر أو الأظفار، وهي أن يكون المزال ثلاث شعرات فأكثر، أو ثلاثة أظفار فأكثر، وأن تكون إزالة ذلك على التوالي في الزمان والمكان.
وقوله: باتحاد زمان ومكان الباء لتصوير الولاء، والمراد باتحاد الزمان: وقوع الفعل على الأثر المعتاد، وإلا فالاتحاد الحقيقي مع الاتحاد في الفعل مما لا يتصور ح ل.
ويمكن تصويره بأن يزيل شعرتين معا في زمن واحد.
والمراد باتحاد المكان أن يكون المكان الذي أزال الشعر فيه واحدا، وليس المراد به أن يكون العضو الذي أزال الشعر منه واحدا.
بدليل أنه لو أزال شعرة من لحيته، وشعرة من رأسه، وشعرة من باقي بدنه في مكان واحد، لزمته الفدية.
لا يقال يلزم من تعدد المكان تعدد الزمان فهلا اكتفى به؟ لأنا نقول: التعدد هنا عرفي، وقد يتعدد المكان عرفا، ولا يتعدد الزمان عرفا، لعدم طول الفصل.
لأن المراد باتحاد الزمان عدم طول الفصل عرفا، وباتحاد المكان أن لا يتعدد المكان الذي أزال فيه كما علمت واحترز باتحاد ما ذكر عن اختلافه بأن اختلف محل الإزالة أو زمنها، فإنه يجب في كل شعرة مد أفاد جميع ذلك العلامة البجيرمي.
(قوله: وفي واحدة مد طعام الخ) أي والواجب في إزالة شعرة واحدة مد واحد، وفي إزالة
__________
(1) البقرة: 196.
(2) المائدة: 95(2/370)
شعرتين مدان، وذلك لعسر تبعيض الدم فعدل إلى الطعام لأن الشرع عدل الحيوان به في جزاء الصيد وغيره.
قال في المنهج وشرحه: هذا إن اختار دما، فإن اختار الطعام ففي واحد منهما صاع، وفي اثنين صاعان، أو الصوم، ففي واحد صوم يوم، وفي اثنين صوم يومين.
اه.
وما ذكر ضعيف، والمعتمد وجوب المد أو المدين مطلقا أي سواء اختار الإطعام أو الصوم، أو الدم فلو عجز عن المد أو المدين استقر ذلك في ذمته.
(قوله: ودم ترك مأمور) أي سواء كان يفوت به الحج كالوقوف أو لا، كالواجبات.
وعبر أولا بالفدية، وهنا بالدم مع أن كلاهما يطلق على الحيوان وعلى غيره مما يقوم مقامه تفننا.
(قوله: كإحرام من الميقات إلخ) تمثيل للمأمور به.
(قوله: كدم التمتع والقران) الكاف للتنظير، أي
أن دم ترك المأمور به نظير دم التمتع والقران في كونه مرتبا مقدرا، وفيه أنه لم يسبق منه تعرض، لكون دم التمتع والقران مرتبا مقدرا، ولا غير ذلك.
فكان الأولى أن يقول: ودم تمتع وقران بإسقاط الكاف، فيكون معطوفا على دم ترك مأمور.
(قوله: ذبح) خبر عن دم، ويجري في ما مر.
(قوله: في الحرم) متعلق بذبح، والذبح في الحرم عام في كل الدماء، لا في خصوص هذا القسم كما يوهمه صنيعه حيث قيد به هنا وأطلق فيما سبق، وذلك لقوله تعالى: * (هديا بالغ الكعبة) * وخبر مسلم: نحرت ههنا، ومنى كلها منحر.
فلا يجزئ الذبح في غير الحرم.
وأفضل بقاع الحرم لذبح المعتمر: المروة.
ولذبح الحاج إفرادا أو تمتعا أو قرانا: منى.
(قوله: فالواجب على العاجز عن الذبح فيه) أي في الحرم حسا كان العجز، بأن فقد الشاة أو ثمنها أو شرعا بأن وجدها بأكثر من ثمن مثلها، أو كان محتاجا إليه أو غاب عنه ماله، أو تعذر وصوله إلى ماله.
(قوله: ولو لغيبة ماله) غاية في كون الواجب عليه الصوم.
أي يكون الواجب عليه الصوم، ولو كان عجزه بسبب غيبة ماله.
قال البجيرمي: ولو لدون مسافة القصر.
وخالف في ذلك: البلقيني.
اه.
(قوله: وإن وجد من يقرضه الخ) غاية في الغاية، أي الواجب على العاجز المذكور بسبب غيبة ماله الصوم، ولو وجد من يقرضه إياه، فلا يكلف القبول.
(قوله: أو وجده) لا يصلح أن يكون معطوفا على وجد قبله، لما علمت أنه غاية للغاية، والمعطوف على الغاية غاية، فيلزم أن يكون هذا غاية أيضا للغاية الأولى، وهو لا يصح، فلعل في عبارته سقطا من النساخ.
ثم رأيت عبارة المؤلف المذكورة عين عبارة فتح الجواد لكنه أسقط منها ما هو متعين ذكره، ونصها: ثم الواجب على من عجز عن الدم في محل الذبح فيما ذكر من الفوات والتمتع والقرآن وترك واجب بأن لم يجده ولو لغيبة ماله، وإن وجد من يقرضه فيما يظهر كالتيمم أو وجده بأكثر من ثمن المثل أو به واحتاج إليه لمؤن سفره الجائز فيما يظهر صوم الخ.
اه.
فقوله: أو وجده بأكثر: معطوف على قوله بأن لم يجده الساقط من عبارة مؤلفنا.
(قوله: بأكثر من ثمن المثل) ظاهره وإن قل بحيث يتغابن به، وبه صرح شيخنا زي، لكن ينبغي وجوبه بزيادة لا يتغابن بها.
اه.
ع ش.
(قوله: صوم أيام) خبر المبتدإ الذي قدره، وهو الواجب على العاجز إلخ.
وبقطع النظر عنه يكون معطوفا على ذبح، ولا بد من تعيين نية الصوم كعن تمتع، أو قران، أو نحوهما ومن تبييت النية كصوم رمضان.
(قوله: فورا إلخ) في حاشية عبد الرؤوف ما نصه: قوله فورا وجوبه: أي الصوم.
وكونه فورا مشروطان بالإحرام بالحج بالنسبة للتمتع والفوات والمشي المنذور في الحج، وبالإحرام بالعمرة، أو بالحج بالنسبة لمجاوزة
الميقات، وبتمام الإحرام بهما بالنسبة للقران، وبفراق مكة بالنسبة لترك الوداع، وبفراغ أيام منى بالنسبة لبقية الدماء التسعة.
ومع ذلك فالفورية مشكلة، لأنه إذا أحرم من أول شوال مثلا، لا نكلفه صوم الثلاثة أول إحرامه، بل الواجب عليه(2/371)
أن لا تغرب شمس يوم عرفة وقد بقي عليه شئ منها.
نعم، قد تحصل الفورية لعارض تضيق كأن أحرم ليلة السابع وفورية السبعة أقوى إشكالا، إذ لا يجب صومها أول دخول بلده.
ويمكن تأويل فورية الثلاثة بعدم تأخيرها عن غروب يوم عرفة.
ثم محل وجوبه أي الصوم إن قدر عليه، وإلا فلا، كهم - بكسر الهاء، وتشديد الميم عاجز يأتي فيه ما في رمضان من وجوب المد عن كل يوم، فإن عجز عنه بقي الواجب عليه، فإن قدر على أي واحد منهما فعله.
اه.
بحذف.
(قوله: بعد إحرام) أي بالحج.
فلا يجوز تقديمه على الإحرام، بخلاف الدم.
والفرق: أن الصوم عبادة بدنية، فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة، والدم عبادة مالية، فأشبه الزكاة.
ويستحب أن يحرم ليلة الخامس ليصومه وتالييه، أو ليلة السادس ليصومه وتالييه، والأول أفضل، ليكون يوم الترويه مفطرا، وهذا مفروض في القرآن والتمتع وإخلاف النذر والفوات، لأنه يمكنه إيقاع الثلاثة في الحج كما يعلم من عبارة عبد الرؤوف المارة آنفا أما ترك المبيتين، والرمي، وطواف الوداع، والميقات في العمرة، فيصوم الثلاثة بعد وجوب الدم حيث شاء، ولو في طريقه، لكن لا يجوز صيامها في ترك طواف الوداع إلا بعد مرحلتين أو بلوغه مسكنه ثم يفطر بقدر مسافة وطنه وأربعة أيام العيد والتشريق، ثم يصوم السبعة في وطنه.
والمكي يفرق بأربعة أيام، إذ لا يحتاج إلى مسافة.
ولذلك قال بعضهم: والصوم في الحج ببعض الصور * * ممتنع كالصوم للمعتمر وصوم تارك المبيتين معا * * والرمي أو صوم الذي ما ودعا (قوله: وقبل يوم نحر) معطوف على بعد إحرام.
(قوله: ولو مسافرا) غاية لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل يوم النحر، أي يجب الصوم عليه ولو كان مسافرا فليس السفر عذرا في صومها، للنص عليه فيه بقوله ثلاثة أيام في الحج، فلا يرد أن رمضان أعظم حرمة، مع أن السفر عذر فيه.
(قوله: فلا يجوز تأخير الخ) مفرع على مفهوم التقييد
بقوله وقبل يوم نحر، وما بعده مفرع على مفهوم التقييد ببعد إحرام، فهو على اللف والنشر المشوش.
(وقوله: شئ منها) أي من الثلاثة.
(وقوله: عنه) أي يوم النحر.
(قوله: لأنها تصير قضاء) علة لعدم جواز التأخير، أي لا يجوز تأخيرها، لكونها لو أخرت عنه صارت قضاء.
وتأخير الشئ عن وقته حتى يصير قضاء حرام، كالصلاة.
(قوله: ولا تقديمه) أي ولا يجوز تقديم الصوم على الإحرام بالحج.
والفرق بينه وبين الدم حيث يجوز إخراجه قبل الإحرام بالحج إن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة والدم عبادة مالية فأشبه الزكاة وهي يجوز تقديمها على وقتها كما مر.
(قوله: للآية) دليل لوجوب صوم الثلاثة بعد الإحرام وقبل النحر.
فهو مرتبط بالمتن، وهي ما سيذكرها بقوله: قال تعالى: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) * (1) الآية.
وكان الأولى أن يصرح بها هنا، ويحيل فيما سيأتي عليه.
(قوله: ويلزمه) أي العاجز عن الذبح.
(وقوله: أيضا) أي كما لزمه صوم الثلاثة.
(وقوله: صوم سبعة بوطنه) أي أو ما يريد توطنه ولو مكة إن لم يكن له وطن أو أعرض عن وطنه.
قال سم: ولو أراد استطيان محل آخر فهل يصح صومها بمجرد وصوله وإن أعرض عن استيطانه قبل صومها؟ فيه نظر، ولا يبعد الصحة.
ثم قال: وفي شرح العباب: فلو لم يتوطن محلا لم يلزمه بمحل أقام فيه مدة كما أفتى به القفال.
وظاهر كلامهم أنه لا يجوز له أيضا، فيصير إلى أن يتوطن محلا.
فإن مات قبل ذلك احتمل أن يطعم أو يصام عنه، لأنه كان متمكنا من التوطن والصوم، واحتمل أن لا يلزم ذلك، وإن خلف
__________
(1) المائدة: 89(2/372)
تركه، لأنه لم يتمكن حقيقة، ولعل الأول أقرب وهو الوجه.
اه.
(قوله: أي إذا رجع إلى أهله) لا حاجة إلى هذا التفسير، لأنهم يفسرون الأهل في عبارتهم بالوطن، فحيث عبر به فقد أدى المقصود، إلا أن يقال أتى به مراعاة للآية الشريفة.
(قوله: ويسن تواليها) أي السبعة.
(وقوله: كالثلاثة) أي كما أنه يسن توالي الثلاثة أداء أو قضاء.
وإنما سن التوالي مبادرة بأداء الواجب.
وخروجا من خلاف من أوجبه.
وقد يجب التتابع في الثلاثة فقط، فيما إذا أحرم بالحج من سادس الحجة لضيق الوقت، لا لذات التتابع.
(قوله: قال تعالى الخ) دليل لوجوب صوم السبعة، ولو اقتصر على هذا وحذف قوله المار للآية لكان دليلا على وجوب الثلاثة أيضا.
(قوله: في الحج) أي في أيام الحج بعد الإحرام به.
(قوله: وسبعة إذا رجعتم) أي إلى الأهل، وهو ليس بقيد، بل مثله ما إذا لم يرجعوا واستوطنوا محلا آخر، فيجزئ فيه الصوم كما علمت.
(قوله: ويجب على مفسد نسك) أي بأن كان عالما عامدا مختارا مميزا، وبأن كان وقوع الوطئ في الحج قبل التحلل الأول كما مر.
(قوله: من حج وعمرة) بيان للنسك.
(قوله: بوطئ) متعلق بمفسد، وهو لا مفهوم له، إذ
الإفساد لا يكون بغير الوطئ، وهو إدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها في فرج ولو لبهيمة أو ميت كما مر.
(قوله: بدنة) فاعل يجب، وإنما وجبت لقضاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم بها، ولم يعرف لهم مخالف.
(قوله: بصفة الأضحية) أي متصفة بالصفات المشروطة في الأضحية صحة وسنا، فيشترط أن تكون سليمة من العيوب، وأن يكون سنها خمس سنين.
(قوله: وإن كان النسك نفلا) غاية في وجوب البدنة، أي تجب وإن كان النسك الذي أفسده نفلا.
(قوله: والبدنة المرادة) أي في فدية الإفساد.
(وقوله: الواحد من الإبل ذكرا كان أو أنثى) أشار بذلك إلى أن التاء في البدنة للوحدة لا للتأنيث.
قال في المغنى: واعلم أن البدنة حيث أطلقت في كتب الحديث والفقه، والمراد بها البعير ذكرا كان أو انثى وشرطها أن تكون في سن الأضحية، ولا تطلق هذه على غير هذا.
وأما أهل اللغة، فقال كثير منهم أو أكثرهم: إنها تطلق على البعير والبقرة.
وحكى المصنف في التهذيب والتحرير عن الأزهري، أنها تطلق على الشاة، ووهم في ذلك.
اه.
(قوله: فإن عجز عن البدنة) أي حسا أو شرعا.
(وقوله: فبقرة) أي فيجب عليه بقرة.
أي بصفة الأضحية أيضا.
(قوله: فإن عجز عنها) أي البقرة.
(وقوله: فسبع شياه) أي فيجب عليه سبع شياه.
(قوله: ثم يقوم) أي ثم إن عجز عن السبع شياه يقوم البدنة التي هي الأصل.
وكان عليه أن يقول: فإن عجز يقوم البدنة.
والتقويم يكون بالنقد الغالب بسعر مكة حال الوجوب.
(قوله: ويتصدق بقيمتها طعاما) أي يعطي بدل قيمتها طعاما، فالفعل مضمن معنى يعطي، والباء بمعنى بدل.
قال عبد الرؤوف: ولا يكفي التصدق بالقيمة كسائر الكفارات وكأن الفرق بينه وبين إجزاء التصدق بقيمة بنت المخاض عند عدمها، وعدم ابن لبون أن ما هنا له بدل مقدر يصار إليه عند العجز، بخلافه ثم.
انتهى.
(قوله: ثم يصوم) أي ثم إن عجز عن الإطعام يصوم.
وكان عليه أن يعبر بما ذكر.
(قوله: عن كل مد يوما) فإن انكسر مد صام عنه يوما كاملا.
(قوله: ولا يجب شئ على المرأة) مرتبط بمحذوف، وهو أنه يجب ما ذكر على الرجل الواطئ، ولا يجب شئ على المرأة الموطوءة.
وقد تقدم أن ما ذكره من الإطلاق وما اتفق عليه الرملي والخطيب، وأما شيخه ففصل فيه.
وفي الكردي ما نصه: والذي يتلخص مما اعتمده الشارح يعني ابن حجر في كتبه أن الجماع في الإحرام ينقسم على ستة أقسام:(2/373)
أحدها: ما لا يلزم به شئ لا على الواطئ، ولا على الموطوءة، ولا على غيرهما، وذلك إذا كانا جاهلين معذورين بجهلهما، أو مكروهين، أو ناسيين للإحرام أو غير مميزين.
ثانيهما: تجب به البدنة على الرجل الواطئ فقط، وذلك فيما إذا استجمع الشروط، من كونه عاقلا بالغا عالما متعمدا مختارا، وكان الوطئ قبل التحلل الأول، والموطوءة حليلته، سواء كانت محرمة مستجمعة للشروط أو لا.
ثالثها: ما تجب به البدنة على المرأة فقط، وذلك فيما إذا كانت هي المحرمة فقط، وكانت مستجمعة للشروط السابقة، أو كان الزوج غير مستجمع للشروط، وإن كان محرما.
رابعها: ما تجب به البدنة على غير الواطئ والموطوءة، وذلك في الصبي المميز إذا كان مستجمعا للشروط، فالبدنة على وليه.
خامسها: ما تجب به البدنة على كل من الواطئ والموطوءة، وذلك فيما إذا زنى المحرم بمحرمة أو وطئها بشبهة مع استجماعها شروط الكفارة السابقة.
سادسها: ما تجب فيه فدية مخيرة بين شاة، أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين، أو صوم ثلاثة أيام، وذلك فيما إذا جامع مستجمعا لشروط الكفارة السابقة بعد الجماع المفسد، أو جامع بين التحليلين.
هذا ملخص ما جرى عليه الشارح، تبعا لشيخ الإسلام زكريا، واعتمد الشمس الرملي والخطيب الشربيني تبعا لشيخهما الشهاب الرملي، أنه لا فدية على المرأة مطلقا.
اه.
(قوله: بل تأثم) أي المرأة، ويفسد حجها، وعليها القضاء.
والإضراب انتقالي.
(قوله: وعلم من قولي بمفسد) الأولى حذف الباء الجارة، لأنها ساقطة من عبارته فيما مر، ووجه العلم أنه يلزم من الإفساد البطلان.
(قوله: أنه) أي النسك.
وقوله: ومع ذلك أي ومع بطلانه.
وقوله: يجب مضي في فاسده أي النسك، لإفتاء جمع من الصحابة رضي الله عنهم به.
ومعنى المضي فيما ذكر: أنه يأتي بجميع ما يعتبر فيه قبل الوطئ، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله، فلو ارتكب محظورا لزمته الفدية.
(قوله: وقضاء) معطوف على بدنه، أي ويجب قضاء ما أفسده.
والمراد القضاء اللغوي، أي إعادته ثانيا، وإلا فهو أداء، لأن النسك على التراخي، فهو لا آخر لوقته، ففي أي عام وقع كان أداء.
(وقوله: فورا) أي كأن يأتي بالعمرة عقب التحلل وتوابعه، وبالحج في سنته إن أمكنه، كأن يحصره العدو بعد الإفساد فيتحلل، ثم يزول
الحصر والوقت باق، فإن لم يمكنه من سنته أتى به من قابل.
واعلم أنه يقع القضاء مثل الفاسد، فإن كان فرضا وقع فرضا، وإن كان تطوعا وقع تطوعا.
فلو أفسد التطوع ثم نذر حجا وأراد تحصيل المنذور بحجة القضاء لم يحصل له ذلك، وليكن إحرامه بالقضاء مما أحرم منه بالأداء أو قبله، فلو أحرم من دونه لزمه دم، ولا يتعين أن يحرم بالقضاء في الزمان الذي أحرم منه في الأداء، بل له التأخير عنه.
وفارق المكان بأن اعتناء الشارع بالميقات المكاني أكمل، ولأن المكان ينضبط، بخلاف الزمان.
أفاده في شرح الروض.
(قوله: وإن كان نسكه نفلا) غاية في وجوب القضاء، أي يجب وإن كان تطوعا.
ويتصور وقوع النسك تطوعا من الأرقاء والصبيان، أما المكلفون الأحرار، فلا يتصور منهم، لأنه حيث وقع منهم فهو فرض كفاية لا تطوع لأن إحياء الكعبة بالنسك فرض كفاية في كل عام على الأحرار المكلفين، ولا يسقط من غيرهم على المعتمد عند م ر وعند ابن حجر: يسقط، وإن كانوا لم يخاطبوا به.
وعبارته في باب الجهاد: ويتصور وقوع النسك غير فرض كفاية ممن لا يخاطب به كالأرقاء، والصبيان، والمجانين لكن الأوجه أنه مع ذلك يسقط به فرض الكفاية، كما تسقط صلاة(2/374)
الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي.
اه.
(قوله: لأنه) أي النسك، وهو علة للفورية، وعللها في التحفة بتعديه بسببه: أي القضاء، وهو أولى.
(وقوله: وإن كان وقته موسعا) إذ هو على التراخي.
(وقوله: تضيق عليه بالشروع فيه) أي فيلزمه قضاؤه فورا.
(قوله: والنفل الخ) معطوف على اسم أن، أي ولأن النفل من النسك يصير بالشروع فيه فرضا، وهو علة لوجوب قضاء نسك التطوع إذا أفسده.
(قوله: أي واجب الإتمام) تفسير لصيرورته فرضا عليه.
وعبارة التحفة: لأنه يلزم بالشروع فيه، ومن عبر بأنه يصير بالشروع فيه فرضا: مراده أنه يتعين إتمامه كالفرض.
اه.
(قوله: بخلاف غيره من النفل) أي بخلاف غير نفل النسك من بقية النوافل، لأنه لا يصير بالشروع فيه فرضا، أي واجب الإتمام.
قوله: تتمة أي في الحكم الهدي، وهو في الأصل اسم لما سيق إلى الحرم تقربا إلى الله تعالى من نعم وغيرها من الأموال نذرا كان أو تطوعا لكنه عند الإطلاق اسم للإبل والبقر والغنم.
ويستحب أن يقلد البدنة والبقرة نعلين من النعال التي تلبس في الإحرام، ويتصدق بهما بعد ذبحهما، وأن يشعرهما.
والإشعار الإعلام.
والمراد به هنا أن يضرب صفحة سنامهما اليمنى بحديدة حتى يخرج الدم، ويلطخهما به، ليعلم من رآهما أنهما هدي فلا يتعرض لهما.
وإن ساق غنما استحب أن يقلد عرى القرب وآذانها ولا يقلدها النعل، ولا يشعرها لأنها ضعيفة.
(قوله: يسن لقاصد مكة) أي وإن لم يقصد
النسك.
(قوله: وللحاج) مثله المعتمر.
وقوله: آكد أي للاتباع ففي الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - أهدى في حجة الوداع مائة بدنة.
(قوله: أن يهدي الخ) نائب فاعل يسن.
(وقوله: شيئا من النعم) أي ولو واحدا.
(قوله: يسوقه من بلده إلخ) الجملة واقعة صفة لشيئا.
وعبارة شرح الروض وكونه معه من بلده أفضل، وشراؤه من طريقه أفضل من شرائه من مكة، ثم من عرفة، فإن لم يسقه أصلا بل اشتراه من منى جاز، وحصل أصل الهدي.
(قوله: وكونه سمينا حسنا) معطوف على المصدر المؤول من أن يهدي، أي ويسن كون الهدي سمينا حسنا.
قال في شرح الروض: لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * (1) فسرها ابن عباس رضي الله عنهما: بالاستسمان والاستحسان.
اه.
(قوله: ولا يجب) أي الهدي.
(وقوله: إلا بالنذر) أي لأنه قربة، فلزم به.
(قوله: مهمات) أي في بيان جمل من المسائل، بوب الفقهاء لكل جملة منها بابا مستقلا، كالأضحية، والعقيقة، والصيد، والذبائح، والنذر، وغير ذلك.
(قوله: يسن الخ) شروع في بيان أحكام الأضحية.
وغالب الفقهاء يذكرونها في الربع الرابع عقب الصيد، والمؤلف خالف وذكرها هنا لشدة تعلقها بالمناسك.
والأصل فيها قوله تعالى: * (فصل لربك وانحر) * (2) وقوله تعالى: * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * (3) أي من أعلام دينه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله تعالى من إراقه الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا.
وفي حديث: عظموا ضحاياكم، فإنها على الصراط مطاياكم.
وعن أنس رضي الله عنه، قال: ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده الكريمة وسمى وكبر، ووضع رجله على صفاحهما.
(قوله: متأكدا) أي في حقنا، وأما في حقه - صلى الله عليه وسلم - فهي واجبة، وتأكدها على الكفاية.
فلو فعلها واحد من أهل البيت كفت عنهم وإن سنت لكل منهم فإن تركوها كلهم كره، هذا إن تعدد أهل البيت، وإلا فسنة عين.
قال في التحفة:
__________
(1) الحج: 32.
(2) الكوثر: 2.
(3) الحج: 36(2/375)
ومعنى كونها سنة كفاية مع كونها تسن لكل منهم سقوط الطلب بفعل الغير، لا حصول الثواب لمن لم يفعل.
وفي تصريحهم بندبها لكل واحد من أهل البيت ما يمنع أن المراد بهم المحاجير.
اه.
(قوله: لحر) أي كله أو بعضه، وملك
مالا ببعضه الحر.
(وقوله: قادر) أي مستطيع.
والمراد به: من يقدر عليها فاضلة عن حاجته وحاجة ممنونه يوم العيد وأيام التشريق، لأن ذلك وقتها، كزكاة الفطر، فإنهم اشترطوا فيها أن تكون فاضلة عن حاجته وحاجة ممونه يوم العيد وليلته، لأن ذلك وقتها.
هكذا قاله الخطيب.
والذي يفهم من كلام التحفة تخصيص ذلك بيوم العيد وليلته فقط، وعبارتها بعد كلام قادر، بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع ولو مسافرا، وبدويا، وحاجا بمنى، وإن أهدى.
اه.
وقوله: ما مر في صدقة التطوع هو يوم وليلة فقط، فإن فضل عن حاجته وحاجة ممونه يوما وليلة سن له صدقة التطوع، والإحرام.
وذكر المؤلف لمن تسن له التضحية شرطين فقط: الحرية، والقدرة.
وبقي عليه ثلاثة، وهي: الإسلام، والتكليف، والرشد.
فلا يخاطب بها غير المسلم، أو غير المكلف، أو غير الرشيد.
قال في التحفة، نعم، للولي الأب، أو الجد لا غير، التضحية عن موليه من مال نفسه.
اه.
(قوله: تضحية) نائب فاعل يسن، وعبر بالتضحية التي هي فعل الفاعل، ولم يعبر كغيره بالأضحية التي هي اسم لما يتقرب به من النعم، لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفعال لا بالأعيان.
قوله: بذبح إلخ) متعلق بتضحية، والباء للتصوير، إذ التضحية اسم للفعل كما علمت وهو الذبح.
(وقوله: جذع ضأن) أي جذع من الضأن، وذلك لخبر أحمد: ضحوا بالجذع من الضأن، فإنه جائز وكلامه صادق بالذكر والأنثى والخنثى فيجزئ كل منها لكن الأفضل الذكر.
وقوله: له سنة أي تم لذلك الجذع سنة، فهي تحديدية.
(قوله: أو سقط سنه) أي أو لم يتم له سنة، لكن سقط سنه.
والمراد مقدم أسنانه.
فسنه: مفرد مضاف، فيعم أي فيجزئ ذلك، لكن بشرط أن يكون إجزاعه بعد ستة أشهر، ويكون هذا بمنزلة البلوغ بالاحتلام، والذي قبله بمنزلة البلوغ بالسن.
(قوله: أو ثني معز) بالجر، عطف على جذع، أي أو ذبح ثني معز أو بقر.
وقوله: لهما سنتان بيان لمعنى الثني منهما أي أن الثني هو ما كان له سنتان.
أي وطعن في الثالثة.
والأصل في ذلك خبر مسلم: لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن.
والمسنة: هي الثنية من المعز والإبل والبقر فما فوقها.
وقضيته أن جذعة الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والجمهور على خلافه، وحملوا الخبر على الندب.
والمعنى: يندب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فاذبحوا جذعة من الضأن.
(قوله: أو إبل) معطوف على معز، أي أو ثني إبل.
وقوله: له خمس سنين بيان لمعنى الثني من الإبل.
(قوله:
بنية أضحية إلخ) متعلق بتضحية، أي يسن تضحية بنية أضحية، أي يشترط فيها النية عند الذبح أو قبله عند التعيين لما يضحي به.
ومعلوم أنها بالقلب، وتسن باللسان، فيقول: نويت الأضحية المسنونة، أو أداء سنة التضحية.
فإن اقتصر على نحو الأضحية صارت واجبة يحرم الأكل منها.
وحينئذ فما يقع في ألسنة العوام كثيرا من شرائهم ما يريدون التضحية به.
من أوائل السنة، وكل من سألهم عنها يقولون له هذه أضحية من جهلهم بما يترتب على ذلك من الأحكام يصير به أضحية واجبة يمتنع عليه أكله منها.
نعم، المعينة ابتداء بنذر لا تجب لها نية أصلا، اكتفاء بالنذر عن النية، لخروجها عن ملكه.
والمعينة عن نذر في ذمته، أو بالجعل، تحتاج لنية عند الذبح، وتجوز مقارنتها للجعل.
وفرق بين المنذورة والمجعولة: بأن الجعل فيه خلاف في لزومه، فاحتاج لنية.
ويجوز أن يوكل مسلما مميزا في(2/376)
النية والذبح، أو كافرا في الذبح فقط.
وكالأضحية سائر الدماء.
ولا يضحي أحد عن غيره بلا إذنه في الحي، وبلا إيصائه في الميت.
فإن فعل ولو جاهلا لم يقع عنه، ولا عن المباشر.
(قوله: وهي) أي التضحية.
(وقوله: أفضل من الصدقة) أي للاختلاف في وجوبها، ولقول الشافعي رضي الله عنه: لا أرخص في تركها لمن قدر عليها.
ومراده أنه يكره تركها للقادر عليها.
(قوله: ووقتها) أي التضحية.
(وقوله: من ارتفاع شمس نحر) أي أن ابتداء وقت الذبح يكون من ارتفاع شمس يوم النحر، وهذا هو الأفضل، وإلا فيصح الذبح من طلوع الشمس، ومضى قدر ركعتين وخطبتين خفيفات.
وعبارة المنهاج: قلت ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مضي قدر الركعتين والخطبتين، والله أعلم.
اه.
فلو ذبح قبل ذلك لم يقع أضحية، لخبر الصحيحين: أول ما نبدأ به من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر.
من فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شئ.
وقوله: إلى آخر أيام التشريق أي يمتد وقتها إلى آخر أيام التشريق، أي غروبها سواء ذبح ليلا أو نهارا لكنه يكره في الليل.
فلو ذبح بعد آخر أيام التشريق لم يقع أضحية.
نعم، لو لم يذبح الواجبة حتى خرج الوقت وجب ذبحها، وتكون قضاء.
وفي حاشية الشرقاوي: قال سم: (فائدة) ذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، إلى بقاء
الوقت إلى سلخ الحج.
اه.
(قوله: ويجزئ سبع بقر أو إبل) أي سبع واحدة من البقر، أو واحدة من الإبل، لأن الإبل والبقر اسما جمع، فهما متعددان، ولا معنى لكون السبع يكون من هذا المتعدد.
وعبارة متن الارشاد: ويجزئ سبع ثني إبل وبقر.
اه.
وهي ظاهرة.
فلعل النساخ أسقطوا لفظ ثني من عبارتنا.
والسبع بضم السين والباء، أو إسكانها - والمراد أنه لو اجتمع سبعة أشخاص أو سبعة بيوت وأخرجوا بدنة، أو بقرة: أجزأ، ويخص كلا منهم سبع منهما.
وفي معنى السبعة شخص واحد طلب منه سبع شياه لأسباب مختلفة كتمتع، وقران، وترك رمي، ومبيت بمنى، ونحو ذلك فإنه يجزئ ذبح ما ذكر عنها.
ولو اشترك أكثر من سبعة في بدنة لم تجزئ عن واحد منهم.
ولو ضحى واحد ببدنة أو بقرة بدل شاة، فالزائد على السبع تطوع، يصرفه مصرف التطوع إن شاء.
(قوله: ولا يجزئ إلخ) للخبر الصحيح: أربع لا تجزئ في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء البين عجفها.
(قوله: عجفاء) هي التي ذهب مخها من الهزال، بحيث لا يرغب في لحمها غالبا طالبي اللحم في الرخاء.
(قوله: ومقطوعة بعض ذنب أو أذن) أي ولا يجزئ مقطوعة بعض ذنب أو أذن، أي أو ألية أو ضرع، لذهاب جزء مأكول.
وقال أبو حنيفة: إن كان المقطوع من الأذن دون الثلث أجزأ، ولا تجزئ أيضا المخلوقة بلا أذن، بخلاف المخلوقة بلا ذنب، أو بلا ضرع، أو ألية، فإنها تجزئ.
والفرق بين هذه الثلاثة، وبين الأذن أن الأذن عضو لازم لكل حيوان، بخلاف هذه الثلاثة، ولذلك أجزأ ذكر المعز، مع أنه لا ضرع ولا ألية له.
ومثلهما الذنب قياسا عليهما -.
وقوله: أبين أي انفصل ذلك البعض المقطوع، أما إذا لم ينفصل بأن شق الأذن فلا يضر كما سيصرح به.
وقوله: وإن قل أي ذلك البعض الذي أبين، فإنه يضر.
(قوله: وذات عرج) أي ولا يجزئ ذات عرج، ولو حصل لها العرج عند اضجاعها للتضحية بها بسبب اضطرابها.
وقوله: وعور بالجر، عطف على عرج، أي وذات عور وهو ذهاب ضوء إحدى العينين، وهذا هو معناه الشائع، ولكن المراد به هنا البياض الذي يغطي الناظر.
وإن بقيت الحدقة(2/377)
بدليل وصفه الآتي: أعني قوله بين، لأنه لا يكون بينا وغير بين إلا بهذا المعنى، أما بالمعنى الأول - فلا يكون إلا بينا، فيكون لا فائدة فيه.
ويعلم من عدم إجزائها بهذا المعنى عدم إجزائها بمعنى فاقدة إحدى العينين بالأولى، ويعلم منه عدم
إجزاء العمياء بالأولى أيضا.
(وقوله: ومرض) أي وذات مرض.
فهو بالجر أيضا عطف على عرج.
(وقوله: بين) أي ظاهر من بان بمعنى ظهر وهو وصف لكل من الثلاثة قبله.
والعرج البين: هو الذي يوجب تخلفها عن الماشية في المرعى الطيب، وإذا ضر العرج ففقد العضو أولى.
والعور البين: هو البياض الكثير الذي يمنع الضوء.
والمرض البين: هو الذي يظهر بسببه الهزال.
وخرج بالوصف المذكور: اليسير من هذه الثلاثة، فإنه لا يضر.
وضابط العرج اليسير: أن تكون العرجاء لا تتخلف عن الماشية بسبب عرجها.
وضابط العور اليسير: أن لا يمنع الضوء.
وضابط المرض اليسير: أن لا يظهر فيها بسببه هزالها وفساد لحمها، ولا يضر فقد قطعة يسيرة من عضو كبير كفخذ ولا فقد قرن، ولا كسره، إذ لا يتعلق به كبير غرض، وإن كانت القرناء أفضل، للخبر فيه.
نعم، إن أثر انكساره في اللحم ضر.
(قوله: ولا يضر شف أذن أو خرقها) هذا محترز قوله المارأبين كما علمت.
(قوله: والمعتمد عدم إجزاء التضحية بالحامل) أي لأن الحمل ينقص لحمها.
وضابط العيب هو ما نقص لحما.
والمعتمد أيضا عدم إجزاء الجرباء، لأن الجرب يفسد اللحم والورك.
قال في التحفة: وألحق به البثور والقروح.
(وقوله: خلافا لما صححه ابن الرفعة) أي من الإجزاء، معللا له بأن ما حصل بها من نقص اللحم ينجبر بالجنين، فهو كالخصي ورد بأن الجنين قد لا يبلغ حد الأكل كالمضغة وبأن زيادة اللحم لا تجبر عيبا، بدليل العرجاء السمينة.
(قوله: ولو نذر التضحية بمعيبة إلخ) أفاد بهذا أنه لو نذر التضحية بسليمة ثم حدث فيها عيب ضحى بها، وثبت لها سائر أحكام التضحية، وهو كذلك - كما صرح به في التحفة والنهاية.
وفرق ع ش بين نذرها سليمة ثم تتعيب، وبين نذر التضحية، بالناقصة بأنه لما التزمها سليمة، خرجت عن ملكه بمجرد نذره، فحكم بأنها ضحية، وهي سليمة.
بخلاف المعيبة، فإن النذر لم يتعلق بها إلا معيبة، فلم تثبت لها صفة الكمال.
وقوله: أو صغيرة أي لم تبلغ سنا تجزئ فيه عن الأضحية.
(قوله: أو قال جعلتها) أي هذه المعيبة، وبالجعل المذكور بتعين ذبحها، لأنه بمنزلة النذر.
(قوله: فإنه يلزم ذبحها) جواب لو الداخلة على نذر، ولو المقدرة قبل قوله قال جعلتها، وإنما لزم ذبحها مع أنها معيبة لأنها هي الملتزمة في ذمته من قبل هذا الالتزام.
وما ذكر من عدم الإجزاء هو ما صرح به في التحفة والنهاية.
وكلام البجيرمي على الإقناع مصرح بالإجزاء، ونصه: ومحل عدم إجزائها ما لم يلتزمها متصفة بالعيوب المذكورة، فإن التزمها كذلك، كقوله لله علي أن أضحي بهذه وكانت عرجاء مثلا
أو جعلت هذه أضحية وكانت مريضة مثلا أو لله علي أن أضحي بعرجاء أو بحامل فتجزئ التضحية في ذلك كله، ولو كانت معيبة.
اه.
(قوله: وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية) أي لأنه لما التزمها أضحية تعين وقتها كما لو عينه في نذره.
والغاية المذكورة لعدم إجزاء ما ذبحه عن الأضحية.
(وقوله: وجرت) أي الملتزمة.
(وقوله: مجراها) أي الأضحية الواجبة.
وقوله: في الصرف أي فيجب صرفها كلها للفقراء والمساكين، كالأضحية الواجبة.
(قوله: ويحرم الأكل إلخ) إي يحرم أكل المضحى والمهدي من ذلك، فيجب عليه التصدق بجميعها، حتى قرنها، وظلفها.
فلو أكل شيئا من ذلك غرم بدله للفقراء.
(وقوله: وجبا) أي الأضحية والهدي.
وقوله: بنذره أي حقيقة.
كما لو قال: لله علي أن أضحي بهذه.
فهذه معينة بالنذر ابتداء.
وكما لو قال: لله علي أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة.(2/378)
أو حكما كما لو قال: هذه أضحية، أو: أضحية، ثم عينها بعد ذلك، فهذه معينة عما في الذمة.
أو حكما: كما لو قال: هذه أضحية، أو: جعلت هذه أضحية.
فهذه واجبة بالجعل، لكنها في حكم المنذورة.
(قوله: ويجب التصدق إلخ) أي فيحرم عليه أكل جميعها، لقوله تعالى في هدى التطوع وأضحية التطوع مثله.
* (فكلوا منها وأطعموا القانع أي السائل والمعتر) * أي المتعرض للسؤال.
(قوله: ولو على فقير واحد) أي فلا يشترط التصدق بها على جمع من الفقراء، بل يكفي واحد منهم فقط، وذلك لأنه يجوز الاقتصار على جزء يسير منها، وهو لا يمكن صرفه لأكثر من واحد.
(قوله: بشئ) أي من اللحم.
فلا يكفي غير اللحم من نحو كرش وكبد.
(وقوله: نيئا) أي ليتصرف فيه المسكين بما شاء من بيع وغيره.
فلا يكفي جعله طعاما ودعاء الفقير إليه، لأن حقه في تملكه لا في أكله.
(قوله: من التطوع بها) احترز به عن الواجبة، فيجب التصدق بها كلها، ويحرم أكل شئ منها كما تقدم آنفا.
(قوله: والأفضل التصدق بكله) أي بكل المتطوع بها، وذلك لأنه أقرب للتقوى، وأبعد عن حظ النفس.
وسن أن يجمع بين الأكل والتصدق والاهداء، ولا يجوز أن يبيع من الأضحية شيئا، سواء كانت مندوبة أو واجبة.
(قوله: إلا لقما) أي فإنه لا يتصدق بها، بل يسن له أكلها.
والجمع ليس بقيد، بل يكفي في حصول الفضيلة أكل لقمة واحدة.
وعبارة الشيخ الخطيب: إلا لقمة، أو لقمتين، أو لقما.
اه.
وهي ظاهرة.
ومعلوم أن محل ذلك إن ذبح عن نفسه، وإلا امتنع الأكل منها رأسا بغير إذن المنوب عنه إن كان حيا، فإن كان ميتا أوصى بها تعذر حينئذ الإذن، ووجب التصدق بجميعها.
(وقوله: يتبرك بأكلها) أي يقصد بأكلها البركة.
(قوله: وأن تكون من الكبد) أي والأفضل أن تكون اللقمات من كبد الأضحية، لموافقته - صلى الله عليه وسلم -.
وحكمة ذلك:
التفاؤل بدخول الجنة، فإنهم أول ما يفطرون بزائدة كبد الحوت الذي عليه قرار الأرض، وهي القطعة المعلقة في الكبد إشارة إلى البقاء الأبدي، واليأس من العود إلى الدنيا وكدرها.
(فإن قلت) هي كانت واجبة عليه - صلى الله عليه وسلم -، والواجب يمتنع الأكل منه كما مر -؟ (قلت) كان يذبح أكثر من الواجب، ولا يقتصر عليه، فساغ له الأكل من الزائد.
اه.
ش ق.
(قوله: وأن لا يأكل فوق ثلاث) أي والأفضل أن لا يأكل فوق ثلاث لقم.
(قوله: والتصدق بجلدها) أي والأفضل التصدق بجلدها، وله أن ينتفع به بنفسه، كأن يجعله دلوا أو نعلا، وله أن يعيره لغيره.
ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها - وإجارته - وإعطاؤه أجرة جزار في مقابلة الذبح، لخبر: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث، والقرن مثل الجلد فيما ذكر.
(قوله: وله إطعام أغنياء) أي إعطاء شئ من الأضحية لهم، سواء كان نيئا أو مطبوخا كما في التحفة، والنهاية ويشترط فيهم أن يكونوا من المسلمين.
أما غيرهم فلا يجوز إعطاؤهم منها شيئا.
(قوله: لا تمليكهم) أي لا يجوز تمليك الأغنياء منها شيئا.
ومحله: إن كان ملكهم ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع ونحوه كأن قال لهم: ملكتكم هذا لتتصرفوا في بما شئتم أما إذا ملكهم إياه لا لذلك بل للأكل وحده فيجوز، ويكون هديه لهم وهم يتصرفون فيه بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير لا ببيع وهبة وهذا بخلاف الفقراء، فيجوز تمليكهم اللحم ليتصرفوا فيه بما شاؤا ببيع أو غيره.
وفي ع ش ما نصه: لم يبينوا المراد بالغني هنا، وجوز م ر أنه من تحرم عليه الزكاة، والفقير هنا من تحل له الزكاة.
اه.
سم على منهج.
اه.
(قوله: ويسن أن يذبح الرجل بنفسه) أي للاتباع، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم -: ضحى بمائة بدنة، نحر منها بيده الشريفة ثلاثا وستين، وأمر عليا رضي الله عنه فنحر تمام المائة.
وخرج بالرجل المرأة، فالسنة لها أن تنيب، رجلا يذبح عنها.
ومثلها الخنثى ومن ضعف من الرجال عن الذبح، والأعمى إذ تكره ذبيحته أفاده بجيرمي.
(قوله: وإن يشهدها) أي الأضحية، أي ويسن أن يشهد ذبحها من وكل به أي الذبح وذلك لما صح من أمر السيدة فاطمة رضي الله عنها بذلك، وأن تقول: إن صلاتي ونسكي إلى وأنا من المسلمين ووعدها بأنه يغفر لها بأول قطرة من دمها كل ذنب عملته، وأن هذا لعموم المسلمين.
وإذا وكل به(2/379)
كفت نية الموكل، ولا حاجة لنية الوكيل، بل لو لم يعلم أنه مضح لم يضر.
(قوله: وكره لمريدها) أي التضحية.
ومثلها إهداء شئ من النعم إلى الحرم.
وخرج بمريدها غيره، ولو من أهل البيت، وإن وقعت عنهم، فلا يكره في حقهم ذلك.
قال في التحفة: ولا يقوم نذره بلا إرادة لها مقام إرادته لها، لأنه قد يخل بالواجب.
اه.
والقول بكراهة ما ذكر هو المعتمد، وقيل حرام وعليه الإمام أحمد وغيره ما لم يحتج إليه، وإلا فقد يجب كقطع يد سارق، وختان بالغ وقد يستحب كختان صبي، وكتنظيف لمريد إحرام، أو حضور جمعة على ما بحثه الزركشي.
لكن ينافيه إفتاء غير واحد بأن الصائم إذا أراد أن يحرم أو يحضر الجمعة لا يسن له التطيب - رعاية للصوم فكذا هنا، رعاية لشمول المغفرة أولى.
وقد يباح، كقطع سن وجعه، وسلعة.
أفاده الكردي نقلا عن ابن حجر.
(وقوله: نحو شعر) أي من ظفر وسائر أجزاء بدنه، ألا الدم على نزاع فيه.
(قوله: في عشر ذي الحجة إلخ) متعلق بإزالة.
(قوله: حتى يضحي) غاية في الكراهة.
أي وتستمر الكراهة إلى أن يضحي، وذلك للأمر بالإمساك عن ذلك إلى التضحية في خبر مسلم.
وحكمته شمول المغفرة والعتق من النار لجميعه، لا الشبه بالمحرمين، وإلا لكره، نحو الطيب.
(تتمة) يسن في الأضحية استسمانها، لقوله تعالى: * (ومن يعظم شعائر الله) * الآية.
قال العلماء: هو استسمان الهدايا واستحسانها، وأن لا تكون مكسورة القرن، ولا فاقدته، وأن لا تذبح إلا بعد صلاة العيد، وأن يكون الذابح مسلما لأنه يتوقى ما لا يتوقاه غيره، وأن يكون الذبح نهارا، وأن يطلب لها موضعا لينا، وأن يوجه ذبيحته للقبلة، وأن يتوجه هو إليها، وأن يسمي الله تعالى، ويصلي ويسلم عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: اللهم هذا منك وإليك، فتقبل مني.
(تنبيه) جزم في النهاية بحرمة نقل الأضحية، وعبارتها: ويمتنع نقلها عن بلد الأضحية كالزكاة.
اه.
كتب ع ش: قوله ويمتنع نقلها أي الأضحية مطلقا سواء المندوبة والواجبة.
والمراد من المندوبة: حرمة نقل ما يجب التصدق به منها.
وقضية قوله كالزكاة أنه يحرم النقل من داخل السور إلى خارجه، وعكسه.
اه.
وذكر في الأسنى خلافا في جواز النقل، وعبارته مع الأصل: ونقلها عن بلد أي بلد الأضحية إلى آخر كنقل الزكاة.
قال في المهمات: وهذا يشعر يترجيح منع نقلها، لكن الصحيح الجواز، فقد صححوا في قسم الصدقات جواز نقل المنذورة، والأضحية فرد من أفرادها.
وضعفه ابن العماد، وفرق بأن الأضحية تمتد إليها أطماع الفقراء، لأنها مؤقتة بوقت كالزكاة، بخلاف المنذورة والكفارات، لا شعور للفقراء بها حتى تمتد أطماعهم إليها.
اه.
ثم إنه علم مما تقرر أن الممنوع نقله هو ما عين للأضحية بنذر أو جعل، أو القدر الذي يجب التصدق به من اللحم في الأضحية المندوبة.
وأما نقل دراهم من بلد إلى بلد أخرى ليشتري بها أضحية فيها فهو جائز.
وقد وقفت على سؤال وجواب يؤيد ما ذكرناه لمفتي السادة الشافعية، بمكة المحمية، فريد العصر والأوان،
مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان.
(وصورة السؤال) ما قولكم دام فضلكم هل يجوز نقل الأضحية من بلد إلى بلد آخر أم لا؟ وإذا قلتم بالجواز، فهل هو متفق عليه عند ابن حجر والرملي أم لا؟ وهل من نقل الأضحية إرسال دراهم من بلد إلى بلد آخر ليشتري بها أضحية وتذبح في البلد الآخر أم لا؟.
وهل العقيقة كالأضحية أم لا؟ بينوا لنا ذلك بالنص والنقل، فإن المسألة واقع فيها اختلاف كثير، ولكم الأجر والثواب.
(وصورة الجواب) الحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم هداية(2/380)
للصواب: في فتاوي العلامة الشيخ محمد بن سليمان الكردي محشي شرح إبن حجر على المختصر ما نصه: (سئل) رحمه الله تعالى: جرت عادة أهل بلد جاوى على توكيل من يشتري لهم النعم في مكة للعقيقة أو الأضحية ويذبحه في مكة، والحال أن من يعق أو يضحي عنه في بلد جاوى فهل يصح ذلك أو لا؟ أفتونا.
(الجواب) نعم، يصح ذلك، ويجوز التوكيل في شراء الأضحية والعقيقة وفي ذبحها، ولو ببلد غير بلد المضحي والعاق كما أطلقوه فقد صرح أئمتنا بجواز توكيل من تحل ذبيحته في ذبح الأضحية، وصرحوا بجواز التوكيل أو الوصية في شراء النعم وذبحها، وأنه يستحب حضور المضحي أضحيته.
ولا يجب.
وألحقوا العقيقة في الأحكام بالأضحية، إلا ما استثنى، وليس هذا مما استثنوه، فيكون حكمه حكم الأضحية في ذلك.
وبينوا تفاريع هذه المسألة في كل من باب الوكالة والإجارة فراجعه.
وقد كان عليه الصلاة والسلام يبعث الهدي من المدينة يذبح له بمكة، ففي الصحيحين: قالت عائشة رضي الله عنها: أنا قتلت قلائد هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلدها النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم بعث بها مع أبي بكر رضي الله عنه.
وبالجملة فكلام أئمتنا يفيد صحة ما ذكر، تصريحا وتلويحا، متونا وشروحا.
والله أعلم.
اه.
ما في فتاوى العلامة الكردي المذكور.
ومنه يتضح المقصود والمراد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
اه.
(قوله: ويندب الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالعقيقة.
وقد أفردها كالأضحية الفقهاء بترجمة مستقلة، وعادتهم ذكرهم لها في كتاب الصيد والذبائح، لكن حيث ذكر الأضحية هنا لارتباطها بالنسك ناسب ذكر العقيقة معها، لمشاركتها لها في كثير من الأحكام.
وهي لغة الشعر الذي على رأس المولود حين ولادته.
وشرعا ما يذبح عن المولود عند حلق شعره وأفضلها
شاتان للذكر، وشاة للأنثى، لخبر الترمذي: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الغلام بشاتين متكافئتين، وعن الجارية بشاة.
وقد جاء فيها أخبار كثيرة، منها خبر: الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى رواه الترمذي.
والحكمة فيها إظهار البشر، والنعمة، ونشر النسب.
ومعنى مرتهن بها.
قيل: لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه.
قال الخطابي: وأجود ما قيل فيها ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه لم يشفع لوالديه يوم القيامة أي لم يؤذن له فيها.
وإنما لم تجب، لخبر أبي دواد: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل ولأنها إراقة بغير جناية ولا نذر، فلم تجب كالأضحية.
(قوله: لمن تلزمه نفقة فرعه) متعلق بيندب، يعني أن المخاطب بالعقيقة هو الأصل الذي تلزمه نفقة فرعه بتقدير فقر ذلك الفرع، وإن لم يكن فقيرا بالفعل، بأن كان له مال ولا يقعلها الولي من مال الفرع لأنها تيدع وهو ممتنع من ماله، وإنما يفعلها من مال نفسه.
فلو فعلها من مال فرعه ضمن - كما نقله في المجموع عن الأصحاب وشمل قوله من تلزمه نفقة فرعه: أم ولد الزنا، فيندب لها أن تعق عنه، لكن تخفيها خوف الهتيكة.
قال في التحفة: والولد القن ينبغي لأصله الحر العق عنه، وإن لم تلزمه نفقته لأنه أمر عارض دون السيد، لأنها خاصة بالأصول.
اه.
وقال م ر: المتجه أن لا يعق عنه أصلا لا من أصله الحر، ولا من سيده.
وفيه ألغز السيوطي فقال: أيها السالك في الفقه * * على خير طريقه هل لنا نجل غني * * ليس فيه من عقيقه؟ وخرج بمن تلزمه النفقة من لا تلزمه، بأن كان معسرا.
ويعتبر إعساره بمدة النفاس، فإن كان معسرا فيها سقط الطلب عنه.
ولو أيسر بعد مضي مدة النفاس، فإن كان معسرا فيها وأيسر قبل مضي مدة النفاس - سواء كان قبل السابع أو بعده - لم يسقط الطلب عنه، وتندب منه إلى البلوغ.
فلو بلغ ولم يخرجها الولي، سن للصبي أن يعق عن نفسه، ويسقط(2/381)
الطلب حينئذ عن الولي.
والمراد باليسار هنا يسار الفطرة، فيعتبر أن تكون العقيقة فاضلة عما يعتبر في الفطرة على المعتمد.
(قوله: من وضع إلى بلوغ) بيان لوقت ذبح العقيقة.
يعني أن وقتها من حين وضع للولد بأن ينفصل بتمامه فلو قدم الذبح على انفصاله لم يكف على ما اقتضاه إطلاقهم.
لكن المتجه عند ابن حجر أنه يحصل به أصل السنة،
لأن المدار على تحقق وجوده حيا، وقد تحقق.
ويمتد إلى حين بلوغ، فإذا بلغ سقط الطلب عن الغير، وحسن أن يعق عن نفسه كما مر لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: عق عن نفسه بعد النبوة.
قال في فتح الجواد: وادعاء النووي بطلانه، مردود، بل هو حديث حسن.
اه.
(قوله: وهي) أي العقيقة.
وقوله: كضحية أي في معظم الأحكام وهو الجنس، والسن، والسلامة من العيوب، والنية، والأكل والتصدق، والإهداء، والتعين بالنذر أو بالجعل كأن قال: لله علي أن أعق بهذه الشاة، أو قال: جعلت هذه عقيقة عن ولدي فتتعين في ذلك، ولا يجوز حينئذ الأكل منها رأسا.
وتفارق الأضحية في بعض الأحكام وهو أنه لا يجب إعطاء الفقراء منها قدر متمول نيئا، وفي أنه إذا أهدى منها شيئا للغني ملكه، وفي أنها لا تتقيد بوقت بخلاف الأضحية في جميع ذلك.
(قوله: ولا يكسر عظم) أي ويندب أن لا يكسر عظمها ما أمكن، سواء العاق والآكل، تفاؤلا بسلامة أعضاء الولد، فإن فعل ذلك لم يكره، لكنه خلاف الأولى.
(قوله: والتصدق) متبدأ، خبره أحب.
(وقوله: يبعثه إلى الفقراء) أي يرسله إليهم.
(وقوله: أحب من ندائهم) أي الفقراء عنده في بيته، وذلك لقول عائشة رضي الله عنها إنه السنة.
وقوله: إليها أي إلى العقيقة.
(وقوله: ومن التصدق نيئا) أي وأحب من التصدق بها نيئا.
ويستثنى من ذلك ما يعطى للقابلة، فإن السنة أن يكون نيئا، والأفضل كونه الرجل اليمنى، ولو تعددت الشياه أعطيت الأرجل اليمنى كلها إن اتحدت القابلة، فإن تعددت وكان تعدد الشياه مماثلا لعددهن أعطيت كل قابلة رجلا.
فإن كان عدد الشياه أقل من عددهن أعطيت لهن، ثم يقسمنها، أو يسامح بعضهن بعضا.
والحكمة في ذلك التفاؤل بأن المولود يعيش، ويمشي على رجله.
(قوله: وأن يذبح سابع ولادته) أي ويندب أن يذبح فيه، فهو معطوف على أن يعق.
وكان المناسب أن يقول: والأفضل أن يذبح في اليوم السابع من ولادته لأن الذبح يندب مطلقا في السابع وما قبله وما بعده.
والأفضل أن يكون في اليوم السابع للخبر المار ويدخل يوم الولادة في الحساب إن كانت قبل الغروب فإن حصلت الولادة ليلا لم يحسب الليل، وإنما يحسب اليوم الذي يلي ليلة الولادة.
ويسن أن يعق عمن مات بعد التمكن من الذبح، وإن مات قبل السابع.
(قوله: ويسمى فيه) أي ويندب أن يسمى في يوم السابع، لانه - صلى الله عليه وسلم - أمر بتسمية المولود يوم سابعه، ووضع الأذى عنه والعق كما رواه الترمذي ولا بأس بتسميته قبل السابع أو بعده، بل ذكر النووي في أذكاره أن السنة تسميته إما يوم السابع وإما يوم الولادة.
واستدل لكل منهما بأخبار صحيحة.
قال الباجوري: وحمل البخاري أخبار يوم الولادة على من لم يرد العق، وأخبار يوم السابع على من أراده وهو جمع لطيف، كما لا يخفى على كل من له فهم منيف.
اه.
وفي ع ش: وينبغي أن التسمية حق من له عليه الولاية من الأب وإن لم تجب عليه نفقته لفقره ثم
الجد.
وينبغي أيضا أن تكون التسمية قبل العق.
اه.
(قوله: وإن مات قبله) أي السابع، وهو غاية لسن تسميته يوم السابع.
أي يسن تسميته يوم السابع وإن مات قبله.
وظاهره أنه تؤخر التسمية للسابع إذا مات قبله.
ويحتمل أنه غاية في أصل التسمية، لا بقيد كونها في السابع.
وعليه فلا يكون ظاهره ما ذكر، وصنيعه يفيد الاحتمال الأول.
ومثل التسمية العقيقة، فيعق عنه في يوم السابع وإن مات قبله كما في النهاية ويندب العق عمن مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح، وكذا قبلها كما في المجموع.
(قوله: بل يسن تسمية سقط الخ) أي لخبر فيه.
قال في النهاية: فإن لم يعلم له ذكورة ولا أنوثة سمي باسم يصلح لهما كطلحة، وهند.
(قوله: أفضل الاسماء عبد الله، وعبد الرحمن) وذلك لحديث مسلم: أحب الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله، وعبد الرحمن.
ومثلهما كل ما أضيف بالعبودية لاسم من أسمائه تعالى، كعبد الرحيم، وعبد الخالق، وعبد الرزاق.
(قوله: ولا يكره اسم نبي أو ملك) أي لا تكره التسمية باسم من(2/382)
اسماء الانبياء كموسى أو باسم من اسماء الملائكة كجبريل وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرج الله أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي.
وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن نزيد في تعظيم كل عبد يسمى بمثال اسماء الله عزوجل، أو بمثال اسماء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو بمثال اسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو بمثال اسماء أكابر الأولياء رضي الله عنهم زيادة على تعظيم غيره ممن لم يسم بما ذكر.
وقال لي سيدي محمد بن عنان: أحب للناس أن يسموا أولادهم: أحمد دون محمد فقلت له: ولم ذلك؟ قال: للحن العامة في اسم محمد، فإن أهل الأرياف يقولونها بكسر الميم والحاء.
وأهل الحاضرة يقولونها بفتح الميم الأولى.
وكلاهما لحن.
فاعلم ذلك.
اه.
(واعلم) أنه تكره الاسماء القبيحة كحمار وكل ما يتطير بنفيه أو إثباته كبركة، وغنيمة، ونافع، ويسار، وحرب، ومرة، وشهاب، وشيطان.
وتشتد الكراهة بنحو: ست الناس، أو ست العرب أو ست العلماء أو ست القضاة، أو سيد الناس أو العلماء أو العرب، لأنه من أقبح الكذب.
(قوله: بل جاء في التسمية بمحمد فضائل عليه) منهما: قوله عليه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة كرامة لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -.
فينبغي أن لا يخلى الشخص أولاده من اسم محمد، ويلاحظ في
ذلك عود بركة اسمه - صلى الله عليه وسلم - عليه.
قال الشافعي - رضي الله عنه لما ولد له ولد وسماه بمحمد سميته بأحب الاسماء إلي أي بعد عبد الله، وعبد الرحمان كما في التحفة وكثير يسمون محمدا، ويقول سميته باسم أبي وجدي، فكان الأولى أن يلاحظ فيه اسمه - صلى الله عليه وسلم - أولا، ثم اسم أبيه.
وينبغي لمن سمى محمدا أن يحترمه، لكونه سميه - صلى الله عليه وسلم -، فقد ورد: إذا سميتم محمدا فلا تضربوه، ولا تحرموه.
(قوله: ويحرم التسمية بملك الملوك) أي لأنه لا يصلح لغيره تعالى.
ومثله ما هو بمعناه كشاهن شاه.
(قوله: وقاضي القضاة) أي ويحرم التسمية بقاضي القضاة.
والمعتمد: الكراهة.
ومثله أقضى القضاة، لكن المعتمد فيه الحرمة.
وأول من سمى قاضي القضاة أو أبو يوسف، ولم ينكره أحد مع توفر الأئمة في زمانه وأول من سمى أقضى القضاة الماوردي، واعترضه بعض أهل عصره.
وفي الكردي: واختلفوا في أقضى القضاة وقاضي القضاة، وقد بينته في الأصل.
ومثلهما وزير الوزراء، وأمير الأمراء، وداعي الدعاة.
اه.
(قوله: وحاكم الحكام) أي ويحرم التسمية بحاكم الحكام.
وهذا فيه خلاف أيضا، والمعتمد إلحاقه بملك الملوك في الحرمة، وقيل إنه مكروه إلحاقا له بقاضي القضاة.
(قوله: وكذا عبد النبي) أي وكذا يحرم التسمية بعد النبي، أي لإيهام التشريك، أي أن النبي شريك الله في كونه له عبيد.
وما ذكر من التحريم هو معتمد ابن حجر.
أما معتمد الرملي فالجواز، وعبارته: ومثله عبد النبي على ما قاله الأكثرون والأوجه جوازه، لا سيما عند إرادة النسبة له - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: وجار الله) أي وكذا يحرم التسمية بجار الله، ومثله رفيق الله لإيهام التشريك.(2/383)
وتحرم التسمية أيضا بعبد الكعبة، أو عبد الحسن، أو عبد علي.
وكذا كل ما أضيف بالعبودية لغير اسمائه تعالى كعبد العزى، وعبد مناف وذلك لإيهام التشريك.
وفي الباجوري: وتحرم التسمية بعبد العاطي، وعبد العال، لأن كلا منهما لم يرد، واسماؤه تعالى توقيفية.
ويحرم أيضا قول بعض العوام عند إرادة حمل ثقيل الحملة على الله ونحو ذلك كالشدة على الله.
(قوله: والتكني بأبي القاسم) أي وكذا يحرم التكني به، أي وضع هذه الكنية على هذا الشخص، أما إذا اشتهر بها فلا حرمة.
ولذا يكنى النووي الرافعي بها في كتبه، مع اعتماده إطلاق الحرمة.
واعلم أنه يندب أن يكني أهل الفضل الذكور والأناث، وإن لم يكن لهم ولد، ويندب تكنيه من له أولاد بأكبر أولاده.
ولو أنثى.
والأدب أن لا يكني نفسه في كتاب أو غيره إلا إن كانت أشهر من الاسم، أو لا يعرف إلا بها.
ولا بأس بالألقاب الحسنة، فلا ينهى عنا لأنها لم تزل في الجاهلية والإسلام، إلا ما أحدثه الناس في آخر ما نشأ من التوسع، حتى لقبوا السفلة بالألقاب العلية كصلاح الدين.
ويحرم تلقيب الإنسان بما يكره، وإن كان فيه كالأعمش، لكن يجوز ذكره به للتعريف إذا لم يعرف إلا به.
ويندب - لولد الشخص، وقنه، وتلميذه أن لا يسميه باسمه، ولو في مكتوب، كأن يقول العبد: يا سيدي، والولد: يا والدي أو يا أبي، والتلميذ: يا أستاذنا أو يا شيخنا.
(قوله: وسن أن يحلق رأسه) أي رأس المولود كله، وذلك للخبر المار أول مبحث العقيقة.
قال في فتح الجواد: وسن أن يكون بعد الذبح، وتقدم عن ع ش أنه قال: ينبغي أن تكون التسمية قبل العق.
وعليه: فالسنة التسمية، ثم الذبح، ثم الحلق.
(قوله: ولو أنثى) غاية في سنية حلق رأس المولود، أي يسن ذلك وإن كان أنثى.
(وقوله: في السابع) متعلق بيحلق.
(قوله: ويتصدق بزنته الخ) أي وسن أن يتصدق بوزن الشعر ذهبا أو فضة، لخبر أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر فاطمة أن تزن شعر الحسين وتتصدق بوزنه فضة، ففعلت ذلك، فوجدته عادل درهما أو درهما إلا شيئا.
قال في شرح الروض: ولا ريب أن الذهب أفضل من الفضة، وإن ثبت بالقياس عليها.
والخبر محمول على أنها كانت هي المتيسرة إذ ذاك.
اه.
(قوله: وإن يؤذن) أي: وسن أن يؤذن أي ولو من امرأة، أو كافر، وذلك لخبر ابن السني: من ولد له مولود فأذن له في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، لم تضره أم الصبيان، أي التابعة من الجن وهي المسماة عند الناس بالقرينة..، ولانه - صلى الله عليه وسلم -: أذن في أذن سيدنا الحسين حين ولدته فاطمة رضي الله عنها.
وليكون إعلامه بالتوحيد أول ما يقرع سمعه حين قدومه إلى الدنيا كما يلقن عند خروجه من الدنيا -، ولما فيه من طراد الشيطان عنه، فإنه يدير عند سماع الأذان.
وقوله: ويقرأ سورة الإخلاص أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص، لما في مسند أبي رزين أنه - صلى الله عليه وسلم -: قرأ في أذن مولود سورة الإخلاص، والمراد أذنه اليمنى.
ونقل عن الشيخ الديربي أنه يسن أن يقرأ في أذن المولود اليمنى: * (إنا أنزلناه) * لأن من فعل به ذلك لم يقدر الله عليه زنا طول عمره.
(قوله: وآية إني الخ) أي وسن أن يقرأ هذه الآية وهي: * (إني
أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) * فإضافة آية إلى ما بعدها للبيان، وليس المراد أنه يقرأ الآية من أولها أعني: * (فلما وضعتها) * إلى آخرها..وهو: * (من الشيطان الرجيم) *.
وعبارة الروض: وإن يقول: * (إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *.
((قوله: بتأنيث الضمير، ولو في الذكر) أي بقرأ ما ذكر بالضمير مؤنثا، ولو كان المولود ذكرا.
ويرجع الضمير في أعيذها وذريتها إليه على تأويله بالتسمية.
وعبارة شرح الروض: وظاهر كلامهم أنه يقول أعيذها بك
__________
(1) آل عمران: 36(2/384)
وذريتها وإن كان الولد ذكرا على سبيل التلاوة والتبرك بلفظ الآية، بتأويل إرادة التسمية.
(قوله: في أذنه اليمنى) متعلق بكل من يؤذن ويقرأ.
(قوله: ويقام في اليسرى) أي وسن أن يؤتي بالإقامة في الأذن اليسرى..للحديث المار.
(قوله: عقب الوضع) متعلق بكل من يؤذن، ويقرأ، ويقام.
(قوله: وأن يحنكه) أي وسن أن يحنك المولود ذكرا أو أنثى لانه - صلى الله عليه وسلم -: أتى بابن أبي طلحة..حين ولد وتمرات، فلاكهن، ثم فغرفاه، ثم مجه فيه، فجعل يتلمظ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: حب الأنصار التمر، وسماه: عبد الله.
رواه مسلم.
والتحنيك: هو مضغ نحو التمر، وذلك حنك المولود به لينزل منه شئ إلى الجوف.
وقوله: حب الأنصار هو بكسر الحاء أي محبوبهم.
(قوله: رجل، فامرأة من أهل الخير) أفاد سن كون المحنك له رجلا، فإن لم يوجد فامرأة.
وأن يكونا من أهل الخير والصلاح.
وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: وينبغي أن يكون المحنك له من أهل الخير، فإن لم يكن رجل فامرأة صالحة.
اه.
(وقوله: بتمر) في معناه الرطب.
قال في النهاية: والأوجه تقديم الرطب على التمر نظير ما مر في الصوم.
اه.
ومثله في التحفة.
(وقوله: فحلو) أي فإن لم يوجد تمر فبحلو لم يمسه النار أي كزبيب.
(قوله: حين يولد) متعلق بحنكه.
ومن المعلوم أن المراد بالحينية: العقيبة، وحينئذ فانظره مع قوله السابق عقب الوضع، المجعول قيدا لكل من الأذان والقراءة والإقامة، فإنه يقتضي أن الأذان وما بعده مقدمان، وهذا يقتضي أن التحنيك مقدم وهذا خلف.
ثم رأيت المنهاج قيد الأذان والإقامة بحين الولادة، ولم يقيد التحنيك به، بل ذكره بعد القيد المذكور، وعبارته مع التحفة: ويسن أن يؤذن في أذنه اليمنى، ثم يقام في اليسرى حين يولد، وأن يحنكه بتمر.
اه.
وهو يفيد أن الأذان وما بعده مقدمان على التحنيك، ويمكن أن يقال إن مراده بالحينية: أن يكون بعد الأذان وما بعده.
فتنبه.
(قوله: ويقرأ عندها الخ) أي وسن أن يقرأ عند المرأة وهي تطلق، آية الكرسي إلخ، ويقرأ أيضا * (إن ربكم الله
الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) *.
(قوله: والإكثار الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن يقرأ، أي وسن الإكثار من دعاء الكرب، وهو: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم.
ويسن إيضا الإكثار من دعاء يونس، وهو: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
(فائدة) لوضع الحمل إذا تعسر يكتب في إناء جديد: اخرج أيها الولد من بطن ضيقة إلى سعة هذه الدنيا.
اخرج بقدرة الله الذي جعلك في قرار مكين إلى قدر معلوم * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) * (1) ، * (هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم) * (2) * (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) * (3) ثم يمحى بماء، وتشربه الحامل، ويرش على وجهها منه.
__________
(1) الحشر: 21 - 22 - 23.
(2) الحشر: 24.
(3) الاسراء: 82(2/385)
(قوله: قال شيخنا إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد وشرح بافضل.
(قوله: فرع) الأنسب فروع، بصيغة الجمع.
(قوله: يسن لكل أحد الإدهان غبا) أي وقتا بعد وقت، بحسب الحاجة، وذلك لخبر الترمذي، وصححه، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإدهان إلا غبا.
وفي الشمائل للترمذي، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته.
(قوله: والاكتحال بالإثمد) معطوف على الإدهان، أي ويسن الاكتحال بالإثمد، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: اكتحلوا بالإثمد، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر.
رواه النسائي وابن حبان بلفظ: إن من خير أكحالكم الإثمد.
وعن علي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذي، مصفاة للبصر.
وفي الحديث: عليكم بالإثمد المروح عند النوم أي
المطيب بالمسك.
(وقوله: وترا) أي لخبر أبي داود وغيره بإسناد جيد: من اكتحل فليوتر واختلفوا في قوله فليوتر فقيل: يكتحل في اليمنى ثلاثا، وفي اليسرى مرتين، فيكون المجموع وترا.
والأصح: أنه يكتحل في كل عين ثلاثا، لخبر الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه، قال: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكحلة يكتحل منها في كل عين ثلاثا.
(قوله: وخضب شيب رأسه ولحيته) معطوف على الإدهان، أي ويسن خضب ما شاب من شعر رأس الرجل أو والمرأة، ومن لحية الرجل.
ومحل سنيته: ما لم يفعله تشبيها بالصالحين والعلماء ومتبعي السنة وغيرهم، فإن فعله كذلك كره كذا في شرح الروض.
(وقوله: بحمرة أو صفرة) أي لا بسواد، أما به فيحرم إن كان لغير إرهاب العدو في الجهاد، وذلك لخبر أبي دواد والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة.
قال في الزبد: وحرموا خضاب شعر بسواد * * لرجل وامرأة لا للجهاد قال الرملي في شرحه: نعم، يجوز للمرأة ذلك بإذن زوجها أو سيدها، لأن له غرضا في تزينها به.
اه.
(قوله: ويحرم حلق لحية) المعتمد عند الغزالي وشيخ الإسلام وابن حجر في التحفة والرملي والخطيب وغيرهم: الكراهة.
وعبارة التحفة: (فرع) ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالا مكروهة: منها نتفها وحلقها، وكذا الحاجبان.
ولا ينافيه قول الحليمي لا يحل ذلك، لإمكان حمله على أن المراد نفي الحل المستوي الظرفين.
والنص على ما يوافقه إن كان بلفظ لا يحل يحمل على ذلك.
أو يحرم كان خلاف المعتمد.
وصح عند ابن حبان: كان - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من طول لحيته وعرضها وكأنه مستند ابن عمر رضي الله عنهما في كونه كان يقبض لحيته ويزيل ما زاد.
لكن ثبت في الصحيحين الأمر بتوفير اللحية أي بعدم أخذ شئ منها وهذا مقدم، لأنه أصح.
على أنه يمكن حمل الأول على أنه لبيان أن الأمر بالتوفير للندب، وهذا أقرب من حمله على ما إذا زاد انتشارها وكبرها على المعهود، لأن ظاهر كلام أئمتنا كراهة الأخذ منها مطلقا.
وادعاء أنه حينئذ يشوه الخلقة، ممنوع.
اه.
وكتب سم: قوله: أو يحرم - كان خلاف المعتمد في شرح العباب.
(فائدة) قال الشيخان: يكره حلق اللحية.
واعترضه ابن الرفعة في حاشية الكافية بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم.
قال الزركشي: وكذا الحليمي في شعب الإيمان.
وأستاذه القفال الشاشي في محاسن
الشريعة.
وقال الأذرعي: الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها، كما يفعله القلندرية.
اه.
إذا علمت ذلك، فلعله جرى على ما جرى عليه شيخه في شرح العباب، وهو ضعيف، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه، فالمعتمد ما في التحفة.(2/386)
(قوله: وخضب يدي الرجل الخ) معطوف على حلق لحية.
أي يحرم خضب يدي الرجل ورجليه بحناء أي أو نحوه وذلك لأن فيه تشبها بالنساء، وقد قال عليه السلام: لعن الله المتشبهين بالنساء من الرجال.
وقد أتي له عليه السلام: بمخنث خضب يديه ورجليه بالحناء، فقال: ما بال هذا؟ فقالوا: يتشبه بالنساء.
فأمر به فنفي إلى البقيع.
ومحله إن لم يكن هناك عذر، وإلا فلا حرمة، ولا كراهة.
وعبارة النهاية وخضاب اليدين والرجلين بالحناء للرجل والخنثى حرام بلا عذر.
اه.
(قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في حلق اللحية وفي الخضب، فقالوا: لا يحرمان، بل يكرهان فقط.
(قوله: وبحث الأذرعي إلخ) هكذا في التحفة.
(قوله: ويسن الخضب للمفترشة) مفهوم التقييد بالرجل في قوله وخضب يدي إلخ، وذكر فيه تفصيلا، وهو أنه إذا كانت مفترشة أي تحت زوج أو سيد سن الخضب، وإذا كانت خلية أي ليست تحت زوج أو سيد كره.
وبقي أنه قد يحرم.
وذلك فيما إذا كانت محدة.
وعبارة الكردي: قوله: ويحرم الحناء للرجل.
خرج به المرأة، ففيها تفصيل، فإن كان لإحرام استحب لها سواء كانت مزوجة.
أو غير مزوجة، شابة أو عجوزا وإذا اختضبت عمت اليدين بالخضاب.
وأما المحدة: فيحرم عليها، والخنثى كالرجل.
ويسن لغير المحرمة إن كانت حليلة وإلا كره.
ولا يسن لها نقش وتسويد وتطريف وتحمير وجنة، بل يحرم واحد من هذه على خلية ومن لم يأذن لها حليلها.
اه.
(قوله: ويحرم وشر الأسنان) أي تحديدها، وتفليجها بمبرد ونحوه للتحسين.
(قوله: ووصل الشعر) أي ويحرم على المرأة وصل الشعر، وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة والأولى: هي التي تصل الشعر بشعر آخر لنفسها أو غيرها.
والثانية: هي التي تطلب أن يفعل بها الوصل.
والثالثة: هي التي تغرز الإبرة في الجسد ثم نذر عليه كحلا أو نيلة يخضر (1) والرابعة: هي التي تطلب الفعل ويفعل بها.
(وقوله: بشعر نجس) لملابسة النجاسة لغير ضرورة.
(وقوله: وشعر آدمي) أي لاحترامه، ويحرم ذلك عليها مطلقا، خلية أو مزوجة، أذن لها حليلها أو لا.
وكذا يحرم بالشعر الطاهر على الخلية والمزوجة بغير إذن زوجها.
أما الطاهر من غير آدمي لذات حليل أذن فيه حليلها فلا يحرم الوصل به.
(قوله:
لا بخيوط الحرير أو الصوف) أي لا يحرم الوصل بذلك.
(قوله: ويستحب أن يكف الصبيان إلخ) لخبر مسلم: إذا كان جنح الليل وأمسيتم، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ.
وإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم روي بالحاء المهملة المضمومة، وبالخاء المعجمة المفتوحة وضم اللام.
(قوله: وأن يغطى الأواني - ولو بنحو عود) قال ابن رسلان: ويستحب في الأواني التغطية * * ولو بعود حط فوق الآنية ويستحب أيضا أن يوكئ القر ب، أي يربط أفواها.
قال الرملي: قال الأئمة: وفائدة ذلك من ثلاثة أوجه.
أحدها: ما ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يكشف إناء.
ثانيها: ما جاء في رواية لمسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء.
ثالثها: صيانتها من النجاسة ونحوها.
__________
(1) لعلها: ليخضر، أو فيخضر اه(2/387)
وقد عمل بعضهم بالسنة في التغطية بعود، فأصبح وأفعى ملتفة على العود، ولم تنزل في الإناء.
ولكن لا يعرض العود على الإناء إلا مع ذكر اسم الله، فإن السر الدافع هو اسم الله.
اه.
(قوله: يعرض عليها) مبني للمجهول، أي يجعل ذلك العود عرضا.
(قوله: وأن يغلق الأبواب) أي ويستحب أن يغلق الأبواب، لما في خبر مسلم: وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا.
(قوله: مسميا الله) حال في فاعل يغطي وفاعل يغلق المستتر إن بنيا للمعلوم، أو المحذوف إن بنيا للمجهول.
(قوله: وأن يطفئ المصابيح) أي ويستحب أن يطفئ المصابيح أي الأسرجة خوفا من الفويسقة وهي الفأرة أن تجر الفتيلة فتحرق البيت.
وفي سنن أبي دواد: من حديث ابن عباس: جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها وألقتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها موضع درهم.
وفي الشنواني على ابن أبي جمرة: نعم، القنديل المعلق إن أمن منها لا بأس بعدم إطفائه، لانتفاء العلة.
اه.
ويستحب أيضا إطفاء النار مطلقا عند النوم، لورود حديث فيه.
(قوله: واعلم أن ذبح الحيوان الخ) شروع في بيان الأحكام المتعلقة بالذبائح والصيد، وقد أفردها الفقهاء بكتاب
مستقل، وذكروها بعد كتاب الجهاد، وذكرها في الروضة في آخر ربع العبادات، تبعا لطائفة من الأصحاب، قال: وهو أنسب.
قال ابن قاسم الغزي في شرحه على المنهاج: ولعل وجه الا نسبية أن طلب الحلال فرض عين، والعبادات فرض عين، فناسب ضم فرض العين إلى فرض العين.
اه.
فذكرها المؤلف رحمه الله تعالى هنا تبعا للروضة.
والأصل فيها قوله تعالى: * (إلا ما ذكيتم) * (1) فإنه مستثنى من المحرمات السابقة في الآية، واستثناؤه من المحرمات يفيد حل المذكيات، وفي الصيد، قوله تعالى: * (وإذا حللتم فاصطادوا) * (2) والأمر بالاصطياد يقتضي حل المصيد.
(قوله: البري) أي المأكول.
فخرج البحري، فإنه يحل أكله من غير ذبح، وغير المأكول فلا يحل ذبحه ولو لإراحته من الحياة عند تضرره من طول الحياة.
(قوله: المقدور عليه) أي على ذبحه.
والمراد أنه قدر عليه حال إصابته، ولو بإعيائه عند عدوه حال صيده، لأن العبرة بالقدرة وعدمها حال الإصابة لا وقت الرمي.
فلو رماه وهو غير مقدور عليه، وأصابه وهو مقدور عليه، فذكاته بقطع حلقه ومريئه.
ولو رماه وهو مقدور عليه، وأصابه وهو غير مقدور عليه فذكاته عقره حيث قدر عليه في أي موضع كان العقر.
(قوله: بقطع الخ) متعلق بمحذوف خبر أن، والباء للتصوير، أي أن ذبحه مصور بقطع كل حلقوم، وخرج بقطع ما لو اختطف رأس عصفور أو غيره بيده أو ببندقة فإنه ميتة.
وبقوله: كل حلقوم: ما لو قطع البعض وانتهى إلى حركة مذبوح ثم قطع الباقي، فلا يحل.
(قوله: وهو) أي الحلقوم.
وقوله: مخرج النفس أي محل خروج النفس بفتح الفاء وهو أيضا محل دخوله.
(قوله: وكل مرئ) معطوف على كل حلقوم، أي وبقطع كل مرئ بفتح ميمه، وهمز آخره وخرج به قطع بعضه، فإنه لا يحل كالذي قبله.
وقوله: وهو أي المرئ.
(وقوله: مجرى الطعام) أي والشراب، أي محل جريانهما من الحلق إلى المعدة.
(قوله: تحت الحلقوم) خبر بعد خبر، أي وهو كائن تحت الحلقوم.
(قوله: بكل إلخ) متعلق بقطع.
(قوله: محدد) بفتح الدال المشددة، أي ذي حد.
والمراد كل شئ له حد، كحديد، ورصاص، وخشب، وقصب، وحجر، وزجاج إلا الظفر، والسن، وسائر العظام لخبر الصحيحن: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر.
وسأحدثكم عن ذلك أي عن سبب عدم إجزائهما.
__________
(1) المائدة: 3.
(2) المائدة: 2(2/388)
أما السنن: فعظم، وأما الظفر: فمدي الحبشة.
وألحق بهما باقي العظام، سواء كانت متصلة أو منفصلة، من آدمي أو غيره.
نعم، ما قتلته الجارحة بظفرها أو نابها لا يحرم كما هو معلوم وقوله: ما أنهر الدم: أي أساله وصبه بكثرة، فشبه الإسالة بالأنهار، واستعارة لها واشتق منه أنهر بمعنى أسال على طريق الاستعارة التصريحية التبعية.
وقوله: ليس السن والظفر: بالنصب على أنه خبر ليس، ويجوز الرفع على أنه اسمها، والخبر محذوف، أي ليس السن والظفر مباحا.
(قوله: يجرح) الجملة صفة لمحدد، وهو قيد لا بد منه، وخرج به الذي لا يجرح، وهو الكال كما سيذكره.
(قوله: كحديد إلخ) أمثلة لمحدد وهنا مضاف محذوف، أي كمحدد حديد، ومحدد قصب إلخ.
(قوله: يحرم ما مات بثقل إلخ) هذا محترز قوله بقطع إلخ، لأن ما ذكر لم يمت بالقطع، وإنما مات بالثقل.
وإنما حرم ذلك لأن المقتول بالثقل موقوذة، فإنها: ما قتل بمثقل كخشبة، وحجر، ونحوهما.
ومثل ذلك: ما لو مات بأحبولة كشبكة منصوبة له فإنه المنخنقة المذكورة في قوله تعالى: * (والمنخنقة) * (وقوله: من محدد أو غيره) بيان لما.
(وقوله: كبندقة) أي مطلقا، بندقة الطين أو الرصاص.
وهو تمثيل لغير المحدد.
(قوله: وإن أنهر الدم) أي أساله.
كما مر.
(قوله: وأبان الرأس) أي وإن أزال الرأس، فهو غاية ثانية للحرمة.
(قوله: أو ذبح بكال) معطوف على مات، وهو محترز قوله يجرح كما علمت.
أي ويحرم ما ذبح بكال: أي غير قاطع بحسب ذاته.
قال في المصباح: كل السيف كلا، وكلة بالكسر وكلولا فهو كليل، وكال: أي غير قاطع.
اه.
(وقوله: لا يقطع إلا بقوة الذابح) أي وأما بنفسه فلا يقطع رأسا، وهو كالتفسير للكال.
(قوله: فلذا ينبغي إلخ) أي فلأجل حرمة الذبح بالكال الذي لا يقطع إلا بقوة الذابح، ينبغي الإسراع إلخ.
وتأمل في العلة المذكورة، فإن حرمة الذبح بالكال لا تظهر علة في انبغاء الإسراع.
فلو قال كغيره وينبغي الإسراع بإسقاط لفظ فلذا لكان أولى.
ثم إن المراد بالانبغاء الندب - كما يدل عليه عبارة التحفة، ونصها: وسيأتي ندب وإسراع القطع بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ومحله: إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام قطع المذبح إلى حركة المذبوح، وإلا وجب الإسراع، فإن تأتي حينئذ: حرم، لتقصيره.
اه.
(وقوله: بحيث لا ينتهي إلخ) تصوير للإسراع، أي يسرع إسراعا مصورا بحيث لا ينتهي إلخ، فلو انتهى إلى ذلك قبل تمام القطع لم يحل، لتقصيره.
ولا ينافيه ما سيأتي من أنه يشترط الحياة المستقرة عند أول الذبح، لا استمرارها إلى انتهاء الذبح، لأن ذلك فيما إذا لم
يوجد تقصير منه في وصوله إلى حركة المذبوح.
(قوله: ويحل الجنين بذبح أمه) أي لخبر: ذكاة الجنين ذكاة أمه أي ذكاة أمه التي أحلتها أجلته تبعا لها، ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها أحلت جميع أجزائها، حتى لو كان للمذكاة عضو أشل، حل كسائر أجزائها ولأنه لو لم يحل بذكاة أمه لحرم ذبحها مع ظهور الحمل كما لا تقتل الحامل قودا.
ولا فرق في الجنين بين أن يكون واحدا أو متعددا، ولو وجد جنين في بطن جنين كان حكمه كذلك.
ولا تحل العلقة والمضغة، ولو تخططت، بناء على عدم وجوب الغرة فيها، وعدم ثبوت الاستيلاد بها فيما إذا كانت من آدمي.
(قوله: إن مات في بطنها) قيد في حله بذكاة أمه، أي يحل إن مات في بطنها، أي بسبب ذبح أمه بأن سكن عقب ذبحها بلا مهلة، ولم يوجد سبب يحال عليه موته، فلو اضطرب في بطن أمه بعد ذبحها زمنا طويلا، ثم سكن، لم يحل.
ولو ضربت أمه على بطنها فسكن، ثم ذبحت فوجد ميتا، لم يحل لإحالة موته على ضرب أمه.
ولو شك: هل مات بذكاة أمه أو لا؟ فالظاهر: عدم(2/389)
حله.
والذي في حاشية الشوبري: حله.
قال: لأنها سبب في حله، والأصل عدم المانع.
ولو مات في بطنها قبل ذبحها كان ميتة لا محالة.
لأن ذكاة أمه لم تؤثر فيه، والحديث يشير إليه.
(قوله: أو خرج في حركة مذبوح) خرج به ما إذا خرج وفيه حياة مستقرة، فيذكى حينئذ.
(قوله: إما غير المقدور عليه) أي على ذبحه بقطع ما ذكر بما ذكر، وهو محترز قوله المقدور عليه.
وقوله: بطيرانه أي بسبب طيرانه.
وقوله: أو شدة عدوه أي أو بسبب عدوه أي جريه أي أو بسبب وقوعه في بئر وتعذر إخراجه.
قال في الزبد: إلخ.
وغير مقدور عليه صيدا * * أو البعير ند أو تردى الجرح إن يزهق بغير عظم (قوله: وحشيا كان) أي غير المقدور عليه كضبع، وغزال.
(وقوله: أو إنسيا) أي توحش أم لا.
والأول: كمثاله.
والثاني: كبعير تردى في بئر.
(وقوله: كجمل) تمثيل للإنسي.
وقوله: أو جدي هو الذكر من أولاد المعز.
(وقوله: نفر) أي المذكور من الجمل أو الجدي.
ومعنى نفر: هرب وذهب.
(وقوله: شاردا) أي هاربا، فهو حال مؤكدة.
(قوله: ولم يتيسر لحوقه حالا) قيد في حله بالجرح المزهق، وخرج به ما إذا تيسر لحوقه، فإنه لا يحل بالجرح المزهق، بل لا بد من قطع كل الحلقوم وكل المرئ كالذي قبله.
(قوله، وإن كان الخ) غاية في حله بالجرح، ولو أخرها وما بعدها وما قبلها عن قوله فيحل بالجرح، لكان أولى.
وقوله سكن أي الجمل أو الجدي.
وقوله: وقدر عليه أي
على ذبحه كما مر.
(قوله: وإن لم يخف عليه نحو سارق) أي لو أبقاه مطلقا على حاله، وهذه غاية ثانية فيما ذكر.
وإنما حل بالجرح مع كونه لو صبر سكن، أو مع كونه لا يخاف عليه لأنه قد يريد الذبح حالا.
وخالف في ذلك الإمام.
(قوله: فيحل بالجرح) جواب أما.
(وقوله: المزهق) بكسر الهاء، أي المخرج للروح.
وخرج غير الزهق، كالخدشة اللطيفة فلا يحل بها لو مات.
(قوله: بنحو سهم) متعلق بالجرح.
(قوله: في أي محل كان) متعلق بالجرح أيضا، أي الجرح في أي موضع كان، وإن لم يكن في الحلق واللبة.
(قوله: ثم إن أدركه) أي ثم بعد جرحه بما ذكر إن أدركه، أي غير المقدور عليه.
وهذا كالتقييد لما قبله أي محل حله بالجرح المذكور إن لم يدركه وبه حياة مستقرة بأن مات حالا عقب الجرح.
أما إن أدركه ففيه تفصيل وهو ما ذكره.
(قوله: وبه حياة مستقرة) أي والحال أن فيه حياة مستقرة، أي ثابتة مستمرة، وهي أن تكون الروح في الجسد ومعها إبصار، ونطق، وحركة اختيارية لا اضطرارية.
واعلم أنه يوجد في عباراتهم حياة مستقرة، وحياة مستمرة وحركة مذبوح ويقال لها عيش مذبوح والفرق بينها أن الحياة المستقرة هي ما مر.
والمستمرة هي التي تستمر إلى خروج الروح من الجسد.
وحركة المذبوح هي التي لا يبقى معها إبصار باختيار، ولا نطق باختيار، ولا حركة اختيارية، بل يكون معها إبصار ونطق وحركة إضطرارية.
وبعضهم فرق بينها: بأن الحياة المستقرة هي التي لو ترك الحيوان لجاز أن يبقى يوما أو يومين.
والحياة المستمرة هي التي تستمر إلى انقضاء الأجل.
وحركة المذبوح هي التي لو ترك لمات في الحال.
والأول هو المشهور.
(قوله: ذبحه) أي بقطع كل حلقوم وكل مرئ، وهذا جواب إن.
(قوله: فإن تعذر ذبحه) أي غير المقدور عليه.
(وقوله: من غير تقصير منه) أي من الجارح.
(وقوله: حتى مات) أي إلى أن مات بعد جرحه.
(قوله: كأن اشتغل إلخ) تمثيل لتعذر ذبحه مع عدم تقصير منه.
واندرج تحت الكاف ما إذا وقع منكسا فاحتاج لقلبه ليقدر على ذبحه فمات.
وما إذا امتنع الحيوان منه بسبب قوته، أو حال بينه وبينه حائل كسبع فمات بعد ذلك.
فيحل في الجميع، لتعذر ذبحه، مع(2/390)
عدم التقصير منه.
(قوله: أو سل السكين) معطوف على توجيهه، أي وكأن اشتغل بسل السكين، أي إخراجها من غمدها.
والسكين تذكر وتؤنث والغالب تذكيرها سميت بذلك لأنها تسكن الحياة، وتسمى مدية لأنها تقطع مدة الحياة أفاده: م ر.
(قوله: قبل الإمكان) أي إمكان الذبح.
(قوله: حل) جواب فإن.
وإنما حل لعذره في ذلك.
ولو شك: هل تمكن من ذبحه أو لا؟ حل أيضا إحالة على السبب الظاهر.
(قوله: وإلا) أي بأن لم يتعذر ذبحه، أو تعذر
بتقصير منه.
(قوله: كأن لم يكن الخ) تمثيل لما إذا تعذر بتقصير منه.
وعبارة الروض وشرحه: ومن التقصير: عدم السكين، وتحديدها، لأنه كان يمكنه حملها وتحديدها ونشبها بالغمد بكسر الغين المعجمة أي علوقها فيه، بحيث يعسر إخراجها، لأن حقه أن يستصحب غمدا يوافقه، حتى لو استصحب فنشب فيه لعارض، حل، وكذا لو غصبت منه السكين، لأنه عذر نادر.
ومن التقصير: الذي ذبح بظهرها أي السكين غلطا اه.
(قوله: أو علق في الغمد) معطوف على مدخول كأن، أي أو كان علق أي نشب في غمده أي غلافه.
(وقوله: بحيث تعسر) الباء للتصوير، متعلق بمحذوف، أي علق علوقا مصورا بحالة هي عسر خروجه منه.
وقوله: فلا أي فلا يحل لتقصيره بذلك.
قال في التحفة: وبحث البلقيني في صورة العلوق أنه لا يعد تقصيرا.
(قوله: ويحرم قطعا رمي إلخ) والحاصل أن الرمي ببندق الرصاص بواسطة النار حرام مطلقا، إلا أن يكون الرامي حاذقا، ويعلم أنه إنما يصيب جناحه، فلا يحرم.
وأن الرمي ببندق الطين جائز مطلقا، لأنه طريق إلى الاصطياد المباح.
وقال ابن عبد السلام ومجلي والماوردي: يحرم لأن فيه تعريض الحيوان للهلاك ويؤخذ من العلة المذكورة حل رمي طير كبير لا يقتله البندق المذكور غالبا كالأوز بخلاف صغير.
قال الأذرعي: وهذا مما لا شك فيه، لأنه يقتلها غالبا.
وقتل الحيوان عبثا حرام.
وهذا كله بالنسبة لحل الرمي، وأما بالنسبة لحل المرمي الذي هو الصيد فإنه حرام مطلقا، إلا أن تدرك فيه الحياة المستقرة ويذكى.
(قوله: وهو) أي البندق المعتاد الآن.
(وقوله: ما يصنع بالحديد) أي من الحديد، فالباء بمعنى من.
وقوله: ويرمى بالنار أما إذا لم يرم بها فلا يحرم.
(قوله: لأنه) أي البندق المعتاد الآن، وهو تعليل لحرمة الرمي به.
(وقوله: مذفف) أي مخرج للروح.
(وقوله: سريعا) منصوب على الحال، أو بإسقاط الخافض، أي حال كون التذفيف به سريعا، أو تذفيفا بسرعة.
(وقوله: غالبا) ومن غير الغالب قد لا يكون مذففا بسرعة.
(قوله: نعم، إن علم الخ) إستدراك من حرمة الرمي بالبندق المذكور.
وقوله: حاذق أي رام حاذق في رميه.
وقوله: جناح كبير بالإضافة، أي جناح طير كبير.
(قوله: فيشقه) أي الجناح.
وعبارة التحفة: فيثبته وهي أولى - لأنه لا يشترط الشق، بل المدار على الإثبات، والوقوف بسبب الرمي حصل شق أو لا ولعل في عبارتنا تحريفا من النساخ.
(قوله: احتمل الجواز) أي الرمي بالبندق المذكور.
(قوله: والرمي) مبتدأ خبره جائز.
(قوله: وهو) أي البندق المعتاد قديما.
وقوله: ما يصنع من الطين قال البجيرمي: مثله الرصاص من غير نار.
اه.
وقوله: جائز أي إن كان الرمي به طريقا للاصطياد، وإلا حرم، لما فيه من
تعذيب الحيوان من غير فائدة.
(قوله: خلافا لبعض المحققين) أي حيث قال: يحرم الرمي ببندق الطين.
وعلله بأن فيه(2/391)
تعريض الحيوان للهلاك كما علمت.
(قوله: وشرط الذابح الخ) إعلم أنه كان المناسب أن يذكر أولا أركان الذبح، ثم يذكر ما يشترط في كل - كما صنع في المنهج.
وحاصل ذلك: أن أركان الذبح بالمعنى الحاصل بالمصدر وهو الانذباح أربعة: ذبح، وذابح، وذبيح، وآلة.
والمراد بكونها أركانا للذبح: أنه لا بد لتحققه منها، لأنه يتوقف على فاعل، ومفعول، وفعل، وآلة.
وإلا فليس واحد منها جزءا منه.
وشرط في الذبح: القصد أي قصد إيقاع الفعل على العين أو على واحد من الجنس فلو سقطت سكين على مذبح شاة، أو احتكت الشاة به فانذبحت، أو أرسل سهما لا لصيد بل أرسله لغرض اختبار قوته مثلا فقتل صيدا، أو استرسلت جارحة بنفسها فقتلت، حرم ذلك كله، وصار ميتة، لعدم وجود القصد.
وشرط في الآلة كونها محددة تجرح كما مر وأما شرط الذابح وشرط الذبيح فقد ذكرهما المؤلف.
(قوله: أن يكون مسلما) أي أو مسلمة.
وشرط أيضا أن يكون غير أعمى في غير مقدور عليه من صيد وغيره، فلا يحل مذبوح الأعمى بإرسال آلة الذبح، إذ ليس له في ذلك قصد صحيح.
وقوله: أو كتابيا أي أو كتابية.
وأهل الكتاب هم اليهود، والنصارى.
وخرج بذلك الوثني، والمجوسي، ونحوهما ممن لا كتاب له كعابد الشمس والقمر فلا تحل ذبيحتهم، لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.
والذي تحل ذبيحته لا بد أن يكون من أهل الكتاب، قال تعالى: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما حلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل رواه الحاكم وصححه.
وقوله: ينكح بالبناء للمجهول، قيد في الكتابي، أي يشترط في حل ذبيحة الكتابي نكاحنا لأهل ملته.
ولصحة نكاحنا لهم شروط وهي أنه يشترط في الإسرائيلية أن لا يعلم دخول أول آبائها في دين سيدنا موسى بعد بعثة عيسى عليه السلام.
وفي غيرها أن يعلم أول آبائها فيه قبلها، ولو بعد التحريف إن تجنبوا المحرف.
فلو فقد شرط من هذه الشروط لا يحل نكاحنا لهم، فلا تحل ذبيحتهم.
وعبارة التحفة: فعلم إن من لم يعلم كونه إسرائيليا، وشك في دخول أول أصوله قبل ما مر، ثم لا تحل ذبيحته.
ومن ثم أفتى بعضهم في يهود اليمن بحرمة ذبائحهم للشك فيهم، قال: بل نقل الأئمة أن كل أهل اليمن أسلموا.
اه.
ولا خصوصية ليهود اليمن بذلك، بل كل من شك فيه وليس إسرائيليا كذلك.
اه.
وقوله: أسلموا: أي ثم ارتد بعضهم وهم اليهود المذكورون فعليه يكون عدم حل ذبيحتهم بالإجماع، لارتدادهم.
(قوله: ويسن أن يقطع الودجين) المناسب ذكر هذا فيما مر بعد قوله بقطع كل حلقوم وكل مرئ، لأن هذا من سنن الذبح، وذكره في المنهج بعد ذكره شرط الذبح.
والودجان تثنية ودج بفتح الدال وكسرها - وهو المسمى بالوريد من الآدمي، قال تعالى: * (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) * وإنما سن قطعهما لأنه أسرع وأسهل لخروج الروح، فهو من الإحسان في الذبح.
(قوله: وهما) أي الودجان.
وقوله عرقا صفحتي عنق: أي عرقان في صفحتي العنق، محيطان بالحلقوم من الجانبين.
(قوله: أن يحد شفرته) أي ويسن أن يحد شفرته، لخبر مسلم: إن الله كتب الإحسان في كل شئ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته.
وقوله: وليحد
__________
(1) المائدة: 5.
(2) ق: 16(2/392)
بسكون اللام، وضم الياء، وكسر الحاء من أحد وبفتح الياء وضم الحاء من حد.
والشفرة بفتح الشين المعجمة، وقد تضم السكين العريضة، وهي ليست بقيد، بل مثلها كل محدد.
وإنما آثرها لورودها في الخبر المذكور.
ويسن مواراتها عنها في حال إحدادها، فيكره أن يحدها قبالتها، فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم -: مر برجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليها ببصرها، فقال له: أتريد أن تميتها موتتين؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها؟.
وروي أن سبب ابتلاء يعقوب بفرقة ولده يوسف عليهما السلام: أنه ذبح عجلا بين يدي أمه وهي تخور، فلم يرحمها.
ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكي عن بعضهم: أنه دخل على بعض الأمراء وقد أمر بذبح جملة من الغنم فذبح بعضها ثم اشتغل الذابح عن الذبح، ثم عاد إليه في الحال، فلم يجد المدية التي يذبح بها، فاتهم بعض الحاضرين، فأنكر أخذها، وحصل بسبب ذلك لغط، فجاء رجل كان ينظر إليهم من بعيد، وقال: السكين التي تتخاصمون عليها أخذتها هذه الشاة بفمها، ومشت بها إلى هذه البئر وألقتها.
فأمر الأمير شخصا بالنزول إلى هذه البئر
ليتبين هذا الأمر، فنزل فوجد الأمر كما أخبر الرجل.
(قوله: ويوجه ذبيحته لقبلة) أي ويسن أن يوجه ذبيحته أي مذبحها فقط.
لا يقال ينبغي كراهة التوجه المذكور، لأنه حالة إخراج النجاسة كالبول لوضوح الفرق بأن هذا حالة يتقرب إلى الله بها، ومن ثم يسن فيها ذكر الله تعالى بخلاف تلك أفاده الشوبري.
وكما يسن أن يوجه ذبيحته لها، كذلك يسن له هو أن يتوجه لها.
(قوله: وأن يكون الذابح الخ) أي ويسن أن يكون الذابح.
والمناسب إضمار اسم يكون على نسق ما قبله لأن المقام للإضمار.
قوله: رجلا عاقلا أي مسلما.
وقوله: فامرأة أي عاقلة مسلمة.
وقوله: فصبيا أي مسلما مميزا.
ثم من بعده الكتابي، ثم المجنون والسكران، وفي معناهما الصبي غير المميز.
والحاصل أولى الناس بالذبح: الرجل العاقل المسلم، ثم المرأة العاقلة المسلمة، ثم الصبي المسلم المميز، ثم الكتابي، ثم الكتابية، ثم المجنون والسكران وفي معناهما الصبي غير المميز.
وحلت ذبيحة هؤلاء: لأن لهم قصدا وإرادة في الجملة، لكن مع الكراهة كما نص عليه في الأم خوفا من عدولهم عن محل الذبح.
ويكره ذكاة الأعمى في المقدور عليه لذلك.
(قوله: ويقول) الفعل مرفوع، بدليل قوله ندبا، ولو أسقطه لكان الفعل منصوبا معطوفا على ما قبله، وكان لفظ يسن يتسلط عليه وهو الأولى.
(قوله: وكذا عند رمي الصيد) أي وكذا يقول عند رمي الصيد.
وقوله: ولو سمكا أي أو جرادا.
وقوله: وإرسال الجارحة أي وعند إرسال الجارحة، وهي الحيوان المعلم كالكلب وغيره.
(قوله: بسم الله الرحمن الرحيم) مقول القول.
والإتيان بالبسملة كاملة هو الأفضل.
ولو اقتصر على بسم الله كان آتيا بالسنة.
ولا يقال على الأفضل الذبح فيه تعذيب للحيوان، والرحمن الرحيم لا يناسبانه لأنا نقول إن تحليل ذلك لنا غاية في الرحمة بنا، ومشروعية ذلك في الحيوان رحمة له.
ففي الذبح رحمة للآكلين، ورحمة للحيوان، لما فيه من سهولة خروج روحه.
وعن بعض العلماء أن القصاب إذا سمى الله عند الذبح، قالت الذبيحة: أخ أخ.
وذلك أنها استطيبت الذبح مع ذكر الله تعالى وتلذذت به.
وقالت المالكية: لا يزيد الرحمن الرحيم، لأن في الذبح تعذيبا وقطعا، والرحمن الرحيم اسمان رقيقان، ولا قطع مع الرقة، ولا عذاب مع الرحمة.(2/393)
واعلم أنه يكره تعمد ترك البسملة، فلو تركها ولو عمدا حلت ذبيحته، وذلك لأن الله تعالى أباح لنا ذبائح أهل الكتاب بقوله: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * (1) وهم لا يذكرون البسملة.
وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - فيما شك أن ذابحه سمى أم لا: يأكله.
فلو كانت التسمية شرطا لما حل عند الشك.
وأما قوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) * (2) فالمراد بما لم يذكر اسم الله عليه في الآية أنه ما ذكر عليه اسم غير الله، وهو الصنم مثلا، بدليل * (وإنه لفسق) * إذ الحالة التي يكون فيها فسقا هي الإهلال، أي الذبح لغيره تعالى، كما قال تعالى في آية أخرى: * (أو فسقا أهل لغير الله به) * فوصف الفسق بأنه ما أهل لغير الله به.
وقال في تعدد المحرمات: * (حرمت عليكم الميتة) * إلى أن قال * (وما أهل لغير الله به) *.
والحاصل أن قوله تعالى: * (مما لم يذكر اسم الله عليه) * صادق بما إذا ذكر اسم غير الله عليه، وبما إذا لم يذكر شيئا أصلا.
والأول هو المراد بدليل ما ذكر.
وإذا علمت ذلك فما يذبح عند لقاء السلطان، أو عند قبور الصالحين، أو غير ذلك، فإن كان قصد به ذلك السلطان، أو ذلك الصالح كسيدي أحمد البدوي حرم، وصار ميتة، لأنه مما أهل لغير الله.
بل إن ذبح بقصد التعظيم والعبادة لمن ذكر كان ذلك كفرا.
وإن كان قصد بذلك التقرب إلى الله تعالى، ثم التصدق بلحمه عن ذلك الصالح مثلا، فإنه لا يضر.
كما يقع من الزائرين فإنهم يقصدون الذبح لله، ويتصدقون به كرامة ومحبة لذلك المزور، دون تعظيمه وعبادته.
(قوله: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد) أي ويقول ندبا مع البسملة اللهم صل وسلم على محمد.
لأنه محل يشرع فيه ذكر الله، فشرع فيه ذكر نبيه كالأذان، والصلاة.
(تنبيه) لا يقول باسم الله، واسم محمد فلو قال ذلك حرمت ذبيحته وكفر إن قصد التشريك فإن أطلق حلت الذبيحة وأثم بذلك.
وإن قصد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد، كره، وحلت الذبيحة فالأقسام ثلاثة: الحرمة مع حل الذبيحة في صورة الإطلاق.
الكفر مع حرمة الذبيحة في صورة قصد التشريك.
الكراهة مع حل الذبيحة في صورة قصد التبرك باسم محمد.
(قوله: ويشترط في الذبيح) أي في الحيوان الذي يؤول إلى كونه ذبيحا بعد ذبحه، فهو مجاز بالأول.
والمراد يشترط في حل أكله بعد ذبحه.
(قوله: غير المريض) سيذكر مفهومه بقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض.
(قوله: شيئان) نائب فاعل يشترط.
(قوله: أحدهما) أي الشيئين.
(قوله: أن يكون فيه) أي الذبيح.
(قوله: حياة مستقرة أول
ذبحه) أي عند ابتداء ذبحه خاصة، ولا يشترط بقاؤها إلى تمامه، خلافا لمن قال به.
فلا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام القطع، إلا إن قصر في الذبح بأن تأنى فيه حتى وصل إلى ذلك قبل تمامه، فإنه يحرم لتقصيره كما مر فإن لم توجد الحياة المستقرة أول الذبح ذبح كان ميتة إلا ما استثنى، وهو المريض الآتى وظاهر صنيعه أنه تشترط الحياة المستقرة في غير المريض مطلقا وجد سبب يحال عليه الهلاك أو لا.
والذي في حواشي البجيرمي على الخطيب والشرقاوي والباجوري: أن محل اشتراط وجود الحياة المستقرة في أول الذبح، عند تقدم سبب يحال عليه الهلاك كأكل نبات مضر وإلا بأن لم يتقدم سبب أصلا أو تقدم سبب لكن لا يحال عليه الهلاك كالمرض فلا يشترط ذلك.
بل إذا وصل إلى آخر رمق ثم ذبح حل.
ونص عبارة البجيرمي: والحاصل أن الحيوان سواء المأكول والآدمي إذا صار في آخر رمق إن كان ذلك من سبب يحال عليه الهلاك، كان كالميت، ومعناه في المأكول أنه إذا ذبح في هذه الحالة لا يحل.
وفي الآدمي: أنه يجوز
__________
(1) المائدة: 5.
(2) الانعام: 121.
(1) الانعام(2/394)
أن تقسم التركة في تلك الحالة.
وإذا وضعت المرأة في تلك الحالة فتنقضي عدتها، أو كان ذلك بلا سبب يحال عليه الهلاك كان كالحي.
ومعناه في المأكول: أنه إذا ذبح في هذه الحالة: حل.
وفي الآدمي: أنه لا تنقضي عدة امرأته إذا وضعت في تلك الحالة، وكذا جميع أحكام الميت.
اه.
ونص عبارة الباجوري: ولا تشترط الحياة المستقرة إلا فيما إذا تقدم سبب يحال عليه الهلاك، كأكل نبات مضر، وجرح السبع للشاة، وانهدام البناء على البهيمة، وجرح الهرة للحمامة، وعلامتها: انفجار الدم والحركة العنيفة، فيكفي أحدهما على المعتمد وأما إذا لم يوجد سبب يحال عليه الهلاك فلا تشترط الحياة المستقرة، بل يكفي الحياة المستمرة، وعلامتها: وجود النفس فقط.
فإذا انتهى الحيوان إلى حركة مذبوح بمرض أو جوع، ثم ذبح: حل، وإن لم ينفجر الدم، ولم يتحرك الحركة العنيفة خلافا لمن يغلط فيه.
اه.
ومثلها: عبارة الشرقاوي.
(قوله: ولو ظنا) غاية لمقدر، أي يكتفي بوجود الحياة المستقرة، ولو كان ظنا، فلا يشترط تيقنها.
(قوله: بنحو
شدة حركة) متعلق بمحذوف، أي ويحصل ظنها بنحو شدة حركة.
ودخل في النحو صوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته وغير ذلك من القرائن والعلامات.
وقوله: بعده أي بعد الذبح، فلا تكفي شدة الحركة قبل الذبح.
(قوله: ولو وحدها) غاية في الاكتفاء بشدة الحركة في حصول الظن: أي تكفي ولو لم يوجد معها غيرها من العلامات.
(وقوله: على المعتمد) مقابله يقول لا تكفي وحدها.
(قوله: وانفجار دم) بالجر، معطوف على نحو شدة إلخ، من عطف الخاص على العام، والواو فيه وفيما بعده بمعنى أو.
والانفجار هو السيلان مطلقا بتدفق أولا.
وقوله: وتدفقه هو الخروج بشدة.
قال في المصباح: دفق الماء دفقا من باب قتل: انصب بشدة.
اه.
(قوله: إذا غلب إلخ) أنظره مع قوله أولا ولو ظنا، فإنه لا يفيد أنه لا يشترط غلبة الظن، وهذا يفيد اشتراطه، وأيضا الجمع بينهما يورث ركاكة، فكان عليه أن يقتصر على أحدهما، لكن الإقتصار على الأول أولى.
وذلك لأن غلبة الظن ليست بشرط، بل متى وجد الظن بهذه العلامات كفى.
وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد تؤيد ذلك، ونصها: ولا يشترط تيقن الحياة المستقرة، بل يكتفي بها ولو ظنا ويحصل ظنها بنحو شدة حركة ولو وحدها على المعتمد، وانفجار دم، وتدفقه ولو وحده أيضا وصوت الحلق، وقوام الدم على طبيعته، وغير ذلك من القرائن والعلامات التي لا تضبطها عبارة كما قال الرافعي ولا يكتفي بذلك قبل القطع المذكور، بل بعده فإن شك في استقرارها لفقد العلامات، أو لكون الموجود منها لا يحصل بشدة الحركة، حرم، للشك في المبيح.
اه.
(قوله: بقاؤها) أي الحياة المستقرة.
وقوله: فيهما أي: في الانفجار والتدفق.
وانظر أيضا ما وجه تخصيص غلبة الظن بهما فقط دون شدة الحركة؟.
(قوله: فإن شك في استقرارها) أي الحياة.
(وقوله: لفقد العلامات) علة الشك.
وقوله: حرم أي ذلك الذبيح أي أكله للشك في المبيح، وتغليبا للتحريم.
(قوله: ولو جرح الخ) المقام للتفريع، فالأولى التعبير بالفاء، وعبارة فتح الجواد عقب العبارة المارة فعلم أنه لو جرح حيوان الخ.
اه.
وهي أولى.
وقوله: أو سقط عليه أي الحيوان.
وقوله: نحو سيف أي من كل مهلك كسكين، وسقف.
(قوله: أو عضه) أي الحيوان، عضا يحال عليه الهلاك عادة.
وقوله: نحو هرة أي كسبع.
(قوله: فإن بقيت الخ) جواب لو.
(وقوله: فيه) أي في الحيوان.
وقوله: فذبحه أي والحال أن فيه حياة مستقرة.
وقوله: حل أي ذلك الحيوان، أي أكله، لأنه مذكاة.
وقوله: وإن تيقن هلاكه أي من ذلك الجرح، أو السقوط، أو العض.
وهو غاية لحله بعد ذبحه.
وقوله: بعد(2/395)
ساعة أي لحظة كما في ع ش - ونصه: قوله: بعد يوم أو يومين ليس بقيد، بل المدار على مشاهدة حركة اختيارية تدرك بالمشاهدة، أو انفجار الدم بعد ذبحها، أو وجود الحركة الشديدة.
وكان الأولى أن يقول: وإن تيقن موتها بعد لحظة.
اه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم تبق فيه حياة مستقرة بعد جرحه، أو سقوط نحو السيف عليه، أو العض، أو بقيت فيه ولم يذبحه ومات.
وقوله: لم يحل أي لوجود ما يحال عليه الهلاك مما ذكر.
وروى الشيخان أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي ثعلبة الخشني: وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم، فإن أدركت ذكاته فكل.
اه.
شرح الروض.
(قوله: كما لو قطع الخ) أي فإنه لا يحل.
وقوله: بعد دفع السكين أي من المذبح.
وقوله: ولو لعذر أي ولو كان رفع السكين لعذر، أي كأن كان لأجل سنها أو لأجل أخذ سكين غيرها، أو لاضطراب يده.
فالعذر صادق بذلك كله وبغيره.
وقوله: ما بقي مفعول قطع، أي قطع ما بقي من الحلقوم والمرئ اللذين يجب قطعهما.
وقوله: بعد انتهائها أي الشاة.
والظرف متعلق بقطع.
(قوله: قال شيخنا الخ) قصده بنقل عبارة شيخه بيان أن الغاية السابقة أعني قوله ولو لعذر خالف فيها بعضهم، وقال أنه إذا كان رفع يده لعذر، وأعادها فورا: حل.
ونص عبارة شيخه: وفي كلام غير واحد أن من ذبح بكال فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني، أم لا.
وفي كلام بعضهم أنه لو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا وأتم الذبح حل أيضا.
ولا ينافي ذلك قولهم: لو قطع البعض من تحرم ذكاته كوثني، أو سبع فبقيت الحياة المستقرة فقطع الباقي كله من تحل ذكاته: حل لأن هذا إما مفرع على مقابل كلام الإمام أي من أنه لا بد من بقاء الحياة المستقرة إلى تمام الذبح وإما لكون السابق محرما.
وكذا قول بعضهم: لو رفع يده ثم أعادها: لم تحل.
فهو إما مفرع على ذلك، أو يحمل على ما إذا أعادها لا على الفور.
ويؤيده إفتاء غير واحد فيما لو انقلبت شفرته فردها حالا أنه يحل وأيده بعضهم بأن النحر عرفا الطعن في الرقبة، فيقع في وسط الحلقوم، وحينئذ يقطع الناحر جانبا، ثم يرجع للآخر فيقطعه.
اه.
ببعض تصرف.
(قوله: وفي كلام بعضهم) خبر مقدم، وما بعده مبتدأ مؤخر.
(قوله: أنه) أي الذابح.
(قوله: لنحو اضطرابه) الذي في عبارة التحفة المارة لنحو اضطرابها بتأنيث الضمير العائد على اليد فلعل في عبارتنا تحريفا من النساخ.
(قوله: فأعادها فورا) قال سم: ظاهره وإن لم يبق حياة مستقرة.
اه.
(قوله: حل) جواب لو.
(قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره مفرع الخ.
وقوله: لو رفع الخ مقول القول.
(قوله: مفرع) أي مرتب.
وقوله: على عدم الحياة المستقرة عند إعادتها ليس هذا في عبارة
التحفة المارة، وإنما الذي فيها على مقابل كلام الإمام.
أي وهو اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهاء الذبح، كما يشترط عند ابتدائه.
نعم، ما ذكره المؤلف يفهم من المقابل المذكور إذ اشتراط وجود الحياة المستقرة عند انتهائه يفهم أنه لو لم توجد عند ذلك لا يحل.
(قوله: أو محمول الخ) معطوف على مفرع.
(قوله: ويؤيده) أي ما ذكر من أنه لو رفع يده فأعادها فورا وأتم الذبح: حل.
ومن أن قول بعضهم فيما إذا رفع يده ثم أعادها أنه لا يحل.
محمول على عدم إعادتها على الفور.
(قوله: فيما لو انفلتت) الذي في عبارة التحفة المارة: انقلبت بقاف بعد النون، وبباء بعد اللام.
(وقوله: أنه يحل) أن وما بعدها في تأويل مصدر منصوب بإسقاط الخافض، أي إفتاء غير واحد بالحل.
(قوله: انتهى) أي قول شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف كما يعلم من عبارته المارة.
(وقوله: ولو انتهى لحركة مذبوح بمرض) مقابل قوله غير المريض.
وكان المناسب أن يقول كعادته: وخرج بقولي غير المريض: المريض، فلا يشترط فيه وجود حياة مستقرة أول ذبحه، فإذا انتهى إلى حركة مذبوح وذبحه ولو أخرها عن قوله كفى ذبحه، لكان أولى.
أي أن المريض إذا انتهى لحركة مذبوح كفى ذبحه، وإن كان سبب المرض أكل نبات مضر.
(قوله: كفى ذبحه) جواب لو.(2/396)
(قوله: في آخر رمقه) قال في المصباح: الرمق بفتحتين بقية الروح، وقد يطلق على القوة.
اه.
وكلا المعنيين صحيح هنا، إلا أنه يحتاج إلى تقدير مضاف على الأول.
أي في آخر خروج بقية روحه.
(قوله: إذ لم يوجد ما يحال عليه الهلاك) أي سبب يحال عليه الهلاك ويجعله قتيلا، وهو علة لقوله كفى ذبحه الخ.
وقوله: من جرح بيان لما.
وقوله: أو نحوه أي مما مر من سقوط نحو سيف عليه، أو عض نحو هرة إياه.
(قوله: فإن وجد) أي ما يحال عليه الهلاك.
(قوله: كأن أكل إلخ) أي وكأن جرح أو سقط عليه نحو سيف، أو عضه نحو هرة.
(وقوله: نباتا يؤدي إلى الهلاك) علم من هذا ومما مر من النبات المؤدي إلى المرض أنه فرق بين النباتين، فالذي يؤدي إلى المرض لا يؤثر، والذي يؤدي إلى الهلاك يؤثر.
(قوله: اشترط فيه) أي في الاكتفاء بذبحه.
قوله: وجود الخ نائب فاعل اشترط.
وقوله: فيه أي الحيوان المريض.
وقوله: عند ابتداء الذبح أي فقط كما مر وهو متعلق بوجود.
قوله: ولو بالظن أي ولو كان وجود الحياة بالظن لا باليقين فإنه يكفي.
وقوله: بالعلامة أي بالظن الحاصل بالعلامة.
وقوله: المذكورة أي فيما مر من نحو شدة حركة، وانفجار دم وتدفقه.
وقوله: بعده متعلق بمحذوف صفة للعلامة، أي العلامة الكائنة بعد الذبح، ولا يصح تعلقه بالمذكورة كما هو ظاهر -.
(قوله: فائدة: من ذبح) أي شيئا من الإبل، أو البقر، أو الغنم.
وقوله: تقربا لله تعالى أي بقصد التقرب والعبادة لله تعالى وحده.
وقوله: لدفع شر الجن عنه علة الذبح، أي الذبح تقربا لأجل أن الله سبحانه وتعالى يكفي الذابح شر الجن عنه.
وقوله: لم يحرم أي ذبحه، وصارت ذبيحته مذكاة، لأن ذبحه لله لا لغيره، (قوله: أو بقصدهم: حرم) أي أو ذبح بقصد الجن لا تقربا إلى الله، حرم ذبحه، وصارت ذبيحته ميتة.
بل إن قصد التقرب والعبادة للجن كفر كما مر فيما يذبح عند لقاء السلطان أو زيارة نحو ولي.
(قوله: وثانيهما) أي وثاني شرطي الذبيح: كونه مأكولا.
واعلم أن الفقهاء أفردوا بيان المأكول من الحيوانات البرية والبحرية، وغير المأكول، بباب سموه باب الأطعمة، وذكروه قبل الصيد والذبائح، وبعضهم ذكره بعده، وإن من أهم الأشياء معرفة ما يحل أكله وما لا يحل.
وذلك لأن في تناول الحرام الوعيد الشديد، فقد ورد في الخبر: أي لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
وإذا علمت ذلك، فكل طاهر يحل أكله إلا عشرة أشياء: الآدمي، والمضر كالسم والحجر، والتراب، والمستقذر كالمني وذا المخلب، وذا الناب القوي الذي يعدو به، وما نص عليه في آية * (حرمت عليكم الميتة) * (1) ، وما استخبثته العر ب كالحشرات، وما نهى عن قتله كخطاف، ونحل، وضفدع (1) ، وما أمر بقتله كحية وعقرب وما يركب من الدواب إلا الإبل والخيل.
(قوله: وهو إلخ) بيان للمأكول من حيث هو بالعد.
وقوله: من الحيوان البري الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المبتدأ الذي هو الضمير على رأي سيبويه.
(قوله: الأنعام) أي الإبل والبقر والغنم.
وحل أكلها لأن الله تعالى نص عليه في قوله: * (أحلت لكم بهيمة الأنعام) * (1) ، ولاستطابة العرب لها.
وكالأنعام النعام، فيحل أكله بالإجماع.
(قوله: والخيل) أي لانه - صلى الله عليه وسلم -: نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل رواه الشيخان، ورويا
__________
(1) المائدة: 3.
(1) (قوله: وضفدع) عن ابن عمرو بن العاصي: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهن تسبيح.
وفي المناوي قوله نقيقهن: أي ترجيح صوتهن.
اه.
(1) المائدة 1(2/397)
أيضا عن اسماء قالت: نحرنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة.
وأما خبر النهي عن لحوم الخيل فهو منكر كما قاله الإمام أحمد وغيره أو منسوخ كما قاله أبو داود.
والخيل: اسم جمع لا واحد له من لفظه وأصل خلقها من الريح.
وسميت خيلا لاختيالها في مشيها.
وروى ابن ماجه عن عروة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الإبل عز لأهلها، والغنم بركة، والخيل معقود في نواصيها الخير، ومعنى عقد الخير بنواصيها: أنه لازم لها كأنه معقود فيها.
والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة، وكنى بالناصية عن جميع ذات الفرس.
كما يقال: فلان مبارك الناصية.
وفي حديث لا تحضر الملائكة من اللهو شيئا إلا ثلاثة: لهو رجل مع امرأته، وإجراء الخيل، والنصال كذا في البجيرمي.
(قوله: وبقر وحش وحماره) أي لانه - صلى الله عليه وسلم - قال في الثاني: كلوا من لحمه.
وأكل منه رواه الشيخان.
وقيس به الأول.
ولا فرق في حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه.
قال في شرح الروض: وفارقت الحمر الوحشية الحمر الأهلية بأنها لا ينتفع بها في الركوب والحمل، فانصرف الانتفاع بها إلى أكلها خاصة.
اه.
(قوله: وظبي) أي للإجماع على حل أكله.
(قوله: وضبع) هو بضم الباء أفصح من إسكانها.
وحل أكله لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: يحل أكله، رواه الترمذي.
ولا يقال: كيف يحل أكله مع كونه ذا ناب؟ لأنا نقول إن نابه ضعيف فكأنه لا ناب له.
ومن عجيب أمره أنه يحيض، ويكون سنة ذكرا، وسنة أنثى.
ويقال للذكر: ضبعان على وزن عمران وللأنثى ضبع.
وهو من أحمق الحيوان، لأنه يتناوم حتى يصاد.
(قوله: وضب) أي لأنه أكل على مائدته - صلى الله عليه وسلم - ولم يأكل هو منه، فقيل له: أحرام هو؟ قال: لا.
ولكنه ليس بأرض قومي، فأجد نفسي تعافه.
وهو حيوان للذكر منه ذكران، وللأنثى فرجان.
وهو يعيش سبعمائة سنة فصاعدا، وأنه يبول في كل أربعين يوما قطرة، ولا يشرب الماء بل يكتفي بالنسيم، أو برد الهواء.
ولا يسقط له سن، ويقال إن أسنانه قطعة واحدة، وإن أكل لحمه يذهب العطش.
ومن الأمثال لا أفعل كذا حتى يرد الضب الماء يقوله: من أراد أن لا يفعل الشئ لأن الضب لا يشرب الماء كما علمت.
(قوله: وأرنب) أي لأنه: بعث بوركها إليه - صلى الله عليه وسلم - فقبله.
رواه الشيخان، زاد البخاري: وأكل منه، وهو حيوان يشبه العناق، قصير، عكس الزرافة، يطأ الأرض على مؤخر قدميه.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: وثعلب) أي لأنه مما استطابته العرب، ولا يتقوى بنابه، وكنيته أبو الحصين، والأنثى ثعلبة، وكنيتها أم هويل.
وفي البجيرمي: وقال الدميري: نص الشافعي على حل أكله، وكرهه أبو حنيفة ومالك، وحرمه جماعة منهم أحمد بن حنبل في أكثر رواياته.
ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت، وينفخ بطنه، ويرفع قوائمه، حتى يظن أنه قد مات، فإذا قرب عليه الحيوان وثب عليه وصاده.
وحيلته هذه لا تتم على كلب الصيد.
قيل الثعلب: ما لك تعدو أكثر من الكلب؟ فقال: إني أعدو لنفسي، والكلب يعدو لغيره.
ومن العجيب في قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله، ويصيد الثعلب القنفذ فيأكله، ويصيد القنفذ الأفعى فيأكلها، والأفعى تصيد العصفور فتأكله، والعصفور يصيد الجراد فيأكلها، والجراد يلتمس فرخ الزنانير فيأكله، والزنبور يصيد النحلة فيأكلها، والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها، والذبابة تصيد البعوضة فتأكلها ومما يروى من حيل الثعلب، ما ذكره الشافعي رضي الله عنه، قال: كنا بسفر في أرض اليمن، فوضعنا سفرتنا لنتعشى، فحضرت صلاة المغرب، فقمنا لنصلي ثم نتعشى، وتركنا السفرة كما هي وقمنا إلى الصلاة، وكان فيها دجاجتان، فجاء الثعلب فأخذ إحدى الدجاجتين، فلما قضينا الصلاة أسفنا عليها، وقلنا حرمنا طعامنا، فبينما نحن(2/398)
كذلك إذ جاء الثعلب وفي فمه شئ كأنه الدجاجة، فوضعها، فبادرنا إليه لنأخذها ونحن نحسبه الدجاجة فلما قمنا: جاء إلى الأخرى وأخذها من السفرة، وأصبنا الذي قمنا إليه لنأخذها، فإذا هو ليف قد هيأه مثل الدجاجة.
اه.
(قوله: وسنجاب) أي لأن العرب تستطيبه.
قال البجيرمي: وهو حيوان على حد اليربوع، يتخذ من جلده الفراء.
اه.
ومثله السمور بفتح السين، وتشديد الميم وهما نوعان من ثعالب الترك.
(قوله: وكل لقاط للحب) أي كالحمام.
ودخل فيه سائر أنواع الطيور ما عدا ذا المخلب: أي الظفر كالصقر، والباز، والشاهين للنهي عنها في خبر مسلم.
(قوله: لا أسد) معطوف على الأنعام، أي وليس من المأكول الأسد، ومثله كل ذي ناب قوي يعدو به على الحيوان، كنمر، وذئب، ودب، وفيل، وكلب، وخنزير، وفهد، وابن آوى، وهرة ولو وحشية.
(قوله: وقرد) أي لأنه ذو ناب، وهو حيوان ذكي، سريع الفهم، يشبه الإنسان في غالب حالاته، فإنه يضحك، ويضرب، ويتناول الشئ بيده، ويأنس بالناس.
وفي البجيرمي: قال الدميري: يحرم أكله، ويجوز بيعه.
اه.
(قوله: وصقر الخ) أي ولا صقر إلخ.
أي ونحوها من كل ذي مخلب من الطير.
والصقر اسم جنس لكل ما يصيد، فهو شامل للبازات، والشواهين، وغيرهما.
قال الشرقاوي: وكالصقر في الحرمة: الرخ وهو أعظم الطيور جثة، لأن طول جناحه عشرة آلاف باع، المساوية لأربعين ألف ذراع وكذا النسر، والعقاب بضم أوله وجميع جوارح الطير.
اه.
بحذف.
(قوله: وطاوس) هو طائر في طبعه العفة، وحب الزهو بنفسه، والخيلاء والإعجاب بريشه.
(قوله: وحدأة) هي بوزن عنبه، وجمعها حدى.
ذكر عن ارسطا طاليس أن الغراب يصير حدأة، وهي تصير عقابا، كذا يتبدلان كل سنة.
ومن طبع الحدأة أن تقف
في الطيران، وليس ذلك لغيرها.
ويقال إنها أحسن الطير مجاورة لما جاورها من الطير، فلو ماتت جوعا لم تعد على فراخ جارها.
والسبب في صياحها عند سفادها أن زوجها قد جحد ولدها منه، فقالت: يا نبي الله، قد سفدني، حتى إذا حضنت بيضي، وخرج منه ولدي، جحدني، فقال سليمان عليه السلام للذكر: ما تقول؟ فقال: يا نبي الله، إنها تحوم حول البراري، ولا تمتنع من الطيور، فلا أدري، أهو مني، أو من غيري؟ فأمر سليمان عليه السلام بإحضار الولد، فوجده يشبه والده، فألحقه به، ثم قال سليمان: لا تمكنيه أبدا حتى تشهدين على ذلك الطير، لئلا يجحد بعدها.
فصارت إذا سفدها صاحت وقالت: يا طيور، اشهدوا، فإنه سفدني.
اه.
بجيرمي.
ومثل الحدأة: الرخمة، وهو طائر أبيض، ومن طبعه أنه لا يرضى من الجبال إلا الموحش منها، ولا من الأماكن إلا أبعدها من أماكن أعدائه.
والأنثى لا تمكن من نفسها غير ذكرها، وتبيض بيضة واحدة.
(قوله: وبوم) هو بلا تاء للذكر، والأنثى يقال لها بومة بالتاء وهي المصاصة، ومن طبعها أن تدخل على كل طائر في وكره، وتخرجه منه، وتأكل فراخه وبيضه، وهي قوية السطوة في الليل، لا يحتملها شئ من الطير، ولا تنام في الليل.
وعن سيدنا سليمان صلوات الله وسلامه عليه: ليس من الطيور أنصح لبني آدم، وأشفق عليهم من البومة تقول إذا وقفت عند خربة: أين الذين كانوا يتنعمون في الدنيا ويسعون فيها؟ ويل لبني آدم كيف ينامون وأمامهم الشدائد؟ تزودوا يا غافلين، وتهيأوا لسفركم.
ح ل.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ودرة) هي في قدر الحمامة، فيتخذها الناس للانتفاع بصوتها كما يتخذون الطاووس للانتفاع بصوته ولونه ولها قوة على حكاية الأصوات، وقبول التلقين.
قال ح ل: وقد وقع لي أني دخلت منزلا لبعض أصحابنا وفيه درة لم أرها، فإذا هي تقول: مرحبا بالشيخ البكري وتكرر ذلك فعجبت من فصاحة عبارتها.(2/399)
(وحكى) الكمال الأقوى في الطالع السعيد عن الفاضل الأديب محمد القوصى عن الشيخ علي الحريري: أنه رأى درة تقرأ سورة يس.
وعن بعضهم، قال: شاهدت غرابا يقرأ سورة السجدة، وإذا وصل إلى محل السجود
سجد، وقال: سجد لك سوادي، وآمن بك فؤادي.
اه.
(قوله: وكذا غراب إلخ) فصله عما قبله بكذا، لأن فيه خلافا، لكن الشارح أطلق في الأسود، مع أن غراب الزرع يحل أكله على الأصح - وهو أسود صغير، يقال له الزاغ.
وحاصل ما يقال في الغربان أنها أنواع: فمنها ما هو حرام بالاتفاق، لوروده في الخبر، وهو الأبقع الذي فيه سواد وبياض.
ومنها ما هو حرام على الأصح، وهو الغداف الكبير، وهو أسود، ويسمى الجبلي لأنه لا يسكن إلا الجبال.
وكذا العقعق: وهو ذو لونين أبيض وأسود، طويل الذنب، قصير الجناح، صوته العقعقة.
ومنها ما هو حلال على الأصح، وهو غراب الزرع، وهو أسود صغير، يقال له الزاغ.
والغداف الصغير وهو أسود أو رمادي اللون.
وممن اعتمد حل هذا: البغوي، والجرجاني، والروياني، والأسنوي، والبلقني، والشهاب الرملي، وولده.
والذي اعتمده في أصل الروضة: تحريم هذا، وجرى عليه إبن المقري وظاهر التحفة اعتماده، ولعل هذا الأخير هو مراد شارحنا، ويكون هو ممن اعتمد الحرمة تبعا لظاهر كلام شيخه.
(قوله: ورمادي اللون) الواو بمعنى أو.
(قوله: خلافا لبعضهم) أي حيث قال: بحل أكله.
(قوله: ويكره جلالة) أي ويكره أكل لحم الجلالة وبيضها، وكذا شرب لبنها، لخبر: أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن أكل الجلالة وشرب لبنها حتى تعلف أربعين ليلة رواه الترمذي.
وزاد أبو داود: وركوبها.
والجلالة هي التي تأكل الجلة وهي بفتح الجيم وكسرها وضمها البعرة كذا في القاموس لكن المراد بها هنا النجاسة مطلقا.
(قوله: ولو من غير نعم) أي ولو كانت الجلالة من غير النعم.
وقوله: كدجاج بفتح أوله أفصح من ضمه وكسره، وهو تمثيل للغير.
وقوله: إن وجد فيها ريح النجاسة تقييد للكراهة، أي محل الكراهة إن ظهر في لحمها ريح النجاسة.
ومثله ما إذا تغير طعمه أو لونه.
وعبارة التحفة مع الأصل: وإذا ظهر تغير لحم جلالة أي طعمه، أو لونه أو ريحه كما ذكره الجويني، واعتمده جمع متأخرون ومن اقتصر على الأخير أراد الغالب.
اه.
فإن لم يظهر ما ذكر فلا كراهة، وإن كانت لا تأكل إلا النجاسة.
والسخلة المرباة بلبن كلبة أو نحوها كالجلالة فيما ذكر.
ولا يكره بيض سلق بماء نجس، كما لا يكره الماء إذا سخن بالنجاسة، ولا حب زرع نبت في زبل أو غيره من النجاسات.
(قوله: ويحل أكل بيض غير المأكول) هذا قد ذكره الشارح في مبحث النجاسة، وأعاده هنا لكون الكلام في بيان حكم الأطعمة.
(قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا بحرمة أكله.
وعبارة الروض: وفي حل أكل بيض ما لا يؤكل تردد قال في شرحه: أي خلاف مبني على طهارته.
قال في المجموع: وإذا قلنا
بطهارته.
حل أكله، بلا خلاف، لأنه طاهر غير مستقذر بخلاف المني.
قال البلقيني: وهو مخالف لنص الأم والنهاية والتتمة والبحر على منع أكله، وإن قلنا بطهارته، وليس في كتب المذهب ما يخالفه.
اه.
(قوله: ويحرم من الحيوان البحري الخ) مقابل قوله من الحيوان البري، لكن كان الأنسب في المقابلة أن يقول: ومن الحيوان البحري كل ما فيه، ما عدا كذا وكذا.
والمراد من الحيوان البحري في كلامه كل ما يوجد في البحر سواء كان لا يعيش إلا فيه، أو كان يعيش فيه وفي البر كالضفدع، وما ذكر بعده.
(قوله: ضفدع) بكسر أوله مع كسر ثالثه أو فتحه، وهو حيوان لا عظم له، يعيش في البر وفي البحر.
ومن خواصه أنه كفئ طشت في بركة هو فيها منع من نقيقه فيها.
(قوله: وتمساح) هو حيوان يعيش
__________
(1) (قوله: من نقيقه) بقافين.
قال في المختار: نق الضفدع والعقرب والدجاجة، ينق - بالكسر - نقيا: أي صوت.
اه(2/400)
في البر والبحر.
قال الدميري: هو على صورة الضب، وهو من أعجب حيوان الماء، له فم واسع، وستون نابا في فكه الأعلى، وأربعون في فكه الأسفل، وبين كل نابين سن صغير مربع، ويدخل بعضها في بعض عند الانطباق، ولسانه طويل، وظهره كظهر السلحفاة، لا يعمل الحديد فيه، وله أربعة أرجل، وذنب طويل، ولا يكون إلا في نيل مصر خاصة.
ومن عجائب أمره أنه ليس له مخرج، فإذا امتلأ جوفه خرج إلى البر، وفتح فاه، فيجئ طائر يقال له القطقاط، فيلقط ذلك من فيه، وهو طائر صغير، يجئ يطلب الطعم، فيكون في ذلك غذاء له، وراحة للتمساح.
وهذا الطائر في رؤوس أجنحته شوك، فإذا أغلق التمساح فمه عليه نخسه بها فيفتحه.
اه.
(قوله: وسلحفاة) بضم السين، وفتح اللام واحدة السلاحف، وهو حيوان يبيض في البر، فما نزل منه في البحر كان لجأة، وما استمر منه في البر كان سلحفاة.
ويعظم الصنفان جدا، إلى أن يصير كل واحد حمل جمل.
وفي العجائب: إن السلحفاة حيوان بري وبحري، أما البحري: فقد يكون عظيما جدا، حتى يظن أصحاب المراكب أنها جزيرة.
حكى بعض التجار، قال: ركبنا البحر، فوجدنا في وسط البحر جزيرة مرتفعة عن الماء فيها نبات أخضر، فخرجنا إليها، وحفرنا حفرا للطبخ، فبينما نحن مشتغلون بالطبخ إذ تحركت الجزيرة، فقال الملاحون: هلموا إلى مكانكم، فإنها سلحفاة أصابها حرارة النار، بادروا قبل أن تنزل بكم البحر فكانت من عظم جسمها تشابه جزيرة، واجتمع على ظهرها التراب بطول الزمان، حتى صار كالأرض، ونبت عليها الحشيش.
اه.
رشيدي.
وفي حاشية شرح
المعفوات.
(قوله: وسرطان) قال الدميري: هو من خلق الماء، ويعيش في البر أيضا وهو جيد المشي، سريع العدو، ذو فكين، ومخلب، وأظفار حداد، وله ثمانية أرجل.
اه.
قال ع ش: وليس من السرطان المذكور: ما وقع السؤال عنه، وهو أن ببلاد الصين نوعا من حيوان البحر يسمونه سرطانا، وشأنه أنه متى خرج من البحر انقلب حجرا، وجرت عادتهم باستعماله في الأدوية، بل هو ما يسمى سمكا لانطباق تعريف السمك عليه فهو طاهر، يحل الانتفاع به في الأدوية وغيرها.
اه.
(قوله: لا قرش) أي لا يحرم قرش وهو بكسر القاف، وسكون الراء ويقال له اللخم: بفتح اللام، والخاء المعجمة.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ودنيلس) أي ولا يحرم دنيلس، وهو مضبوط بالقلم في نسخ فتح الجواد الصحيحة بفتح الدال والنون المخففة، وسكون الياء، وفتح اللام.
قال في شرح الروض: ولم يتعرضوا للدنيلس.
وعن ابن عدلان وعلماء عصره أنهم أفتوا بحله، لأنه من طعام البحر ولا يعيش إلا فيه.
وعن ابن عبد السلام أنه أفتى بتحريمه.
قال الزركشي: وهو الظاهر، لأنه أصل السرطان.
لكن قال الدميري: لم يأت على تحريمه دليل، وما نقل عن ابن عبد السلام لم يصح، فقد نص الشافعي على أن حيوان البحر الذي لا يعيش إلا فيه يؤكل، لعموم الآية والأخبار.
اه.
(قوله: على الأصح فيهما) أي أن عدم حرمة القرش والدنيلس: مبني على القول الأصح فيهما، ومقابله يقول بالحرمة.
(قوله: قال في المجموع إلخ) عبارة فتح الجواد: ونازع في ذلك في المجموع، فقال: الصحيح المعتمد، أن جميع ما في البحر يحل ميتته، إلا الضفدع.
وحمل ما ذكروه من السلحفاة والحية أي التي لا اسم لها لحرمة ذات السم مطلقا، والنسناس على غير ما في البحر.
اه.
(قوله: أن جميع ما في البحر يحل ميتته) أي لقوله تعالى: * (أحل لكم صيد البحر وطعامه) (1) * ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: أحلت لنا ميتتان: السمك، والجراد.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته.
(قوله: إلا الضفدع) قال في التحفة: أي وما فيه سم.
(قوله: ويؤيده) أي ما اعتمده في المجموع.
(قوله: حل جميع ما
__________
(1) المائدة: 96(2/401)
فيه) أي في البحر.
(قوله: ويحل أكل ميتة الجراد) أي للحديث المار.
والجراد مشتق من الجرد، وهو بري وبحري، وبعضه أصفر، وبعضه أبيض، وبعضه أحمر، وله ديدان في صدره، وقائمتان في وسطه، ورجلان في مؤخره.
وليس في الحيوانات أكثر إفسادا منه.
قال الأصمعي: أتيت البادية، فرأيت رجلا يزرع برا، فلما قام على سوقه، وجاد بسنبله، جاء إليه الجراد، فجعل الرجل ينظر إليه، ولا يعرف كيف يصنع؟ ثم أنشأ يقول: مر الجراد على زرعي فقلت له: * * لا تأكلن، ولا تشغل بإفساد فقام منهم خطيب فوق سنبلة: * * إنا على سفر، لا بد من زاد ولعابه سم على الأشجار، لا يقع على شئ إلا أفسده.
في البجيرمي: أسند الطبراني عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كنا على مائدة نأكل أنا وأخي محمد بن الحنفية وبنو عمي عبد الله والقاسم والفضل أولاد العباس، فوقعت جرادة على المائدة، فأخذها عبد الله وقال لي: ما مكتوب على هذه؟ فقلت: سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك، فقال: سألت عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مكتوب عليها: أنا الله لا إله إلا أنا، رب الجراد ورازقها، إن شئت بعثتها رزقا لقوم، وإن شئت بعثتها بلاء على قوم.
فقال ابن عباس: هذا من العلم المكنون.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عزوجل خلق ألف أمة: ستمائة منها في البحر، وأربعمائة منها في البر، وإن أول هلاك هذه الأمة: الجراد.
فإذا هلك الجراد تتابع هلاك الأمم.
وحكى القزويني أن هددا قال لسليمان عليه السلام: أريد أن تكون ضيفي أنت وعسكرك يوم كذا بجزيرة كذا، فحضر سليمان بجنوده، فأتى الهدهد بجرادة ميتة، فألقاها في البحر، وقال كلوا، فمن فاته اللحم أدرك المرق، فضحك منه سليمان وجنوده، وفي هذا قيل: جاءت سليمان يوم العرض هدهدة * * أهدت إليه جرادا كان في فيها وأنشدت - بلسان الحال - قائلة: * * إن الهدايا على مقدار مهديها لو كان يهدى إلى الإنسان قيمته: * * لكان يهدى لك الدنيا بما فيها (قوله: والسمك) أي ويحل أكل ميتة السمك، وهذا قد علم من قوله السابق: أن جمع ما في البحر يحل ميتته، لكن أعاده لأجل الاستثناء بعده.
(قوله: ما تغير) أي من الجراد والسمك، أي وتقطع كما صرح به في التحفة وعبارتها: ولو تغيرت سمكة، وتقطعت بجوف أخرى حرمت.
ونوزع في اعتبار التقطع.
ويجاب بأن العلة أنها صارت كالروث، ولا تكون مثله إلا إن تقطعت.
أما مجرد التغير فهو بمنزلة نتن اللحم، أو الطعام، وهو لا يحرمه.
اه.
وقوله: في جوف غيره أفرد الضمير باعتبار لفظ ما، وإلا فحقه غيرهما بضمير التثنية العائد على السمك والجراد
والمراد بالغير الحيوان، وهو صادق بالسمك نفسه، فلو بلعت سمكة سمكة وتغيرت في جوفها وتقطعت حرمت كما مر عن التحفة، ومثلها النهاية ونصها: ولو وجدنا سمكة في جوف أخرى ولم تتقطع وتتغير حلت، وإلا فلا.
اه.
(قوله: ولو في صورة كلب) غاية في حل السمك، أي يحل، وإن لم يكن على صورة السمك المشهور بأن كان على صورة كلب، أو خنزير وهي للرد على القائل: بأنه لا يحل إلا ما كان على صورة السمك المشهور لتخصيص الحل به(2/402)
في خبر: أحل لنا ميتتان: السمك، والجراد.
ويرده أن كل ما في البحر يسمى سمكا.
(قوله: يسن ذبح كبيرهما) أي الجراد والسمك، وفيه أن الجراد لا يصير كبيرا حتى أنه يسن ذبحه.
وعبارة الخطيب: ويكره ذبحهما، إلا سمكة كبيرة يطول بقاؤها فيسن ذبحها.
اه.
ومثلها عبارة شرح المنهج، وهي أولى.
وقوله: فيسن ذبحها.
قال البجيرمي: أي من الذيل، لأنه أصفى للدم، ما لم تكن على صورة حيوان بذبح، وإلا فتذبح من رقبتها.
اه.
(قوله: ويكره ذبح صغيرهما) أي لما فيه من التعذيب.
(قوله: وأكل مشوي إلخ) أي ويكره أكل سمك مشوي قبل تطييب جوفه، أي قبل إخراج ما في جوفه من المستقذرات.
وظاهره أنه يجوز أكله مع ما في جوفه مطلقا، ولو كان كبيرا.
وقيد في مبحث النجاسة جواز ذلك بالصغير، وعبارته هناك: ونقل في الجواهر عن الأصحاب: لا يجوز أكل سمك ملح ولم ينزع ما في جوفه أي من المستقذرات وظاهره: لا فرق بين كبيرة وصغيره.
لكن ذكر الشيخان جواز أكل الصغير مع ما في جوفه لعسر تنقية ما فيه.
اه.
ثم إن التقييد بسمك يفيد أنه لا كراهة في أكل مشوي الجراد قبل ذلك وعبارة فتح الجواد مصرحة بأنه مثل السمك ونصها ويكره ذبح صغيرها وأكل مشوي كل قبل تطييب جوفه.
اه.
فقوله: أي من السمك والجراد.
(قوله: وما أنتن منه) معطوف على مشوي، أي يكره أكل ما أنتن، أي تغير من السمك، ومحل الكراهة إن لم يضر، وإلا حرم.
(قوله: كاللحم) أي كما يكره أكل المنتن من لحم غير السمك.
(قوله: وقلي حي) أي ويكره قلي حي من سمك أو جراد.
ومثل القلي الشي.
وقيل يحرم ذلك، لما فيه من التعذيب.
وكتب سم على قول التحفة ويكره أيضا قليها وشيها إلخ ما نصه: فيه التسوية بين السمك والجراد في حل قليه وشيه حيا، وفيه نظر.
والمتجه: الحل في السمك فإنه حاصل ما اعتمده في الروضة دون الجراد، كما يؤخذ من تعليل الروضة الحل في السمك بأن حياته في البر حياة المذبوح، وما في شرح الروض مما هو كالصريح في نقل الحل في الجراد عن الروضة فيه نظر، فإنه ليس في الروضة كما يعلم بمراجعتها.
اه.
وقوله: في دهن مغلى أي ولا يتنجس بما في جوفه، لأنه يتسامح به.
(قوله:
وحل أكل دود (إلخ) هذا قد ذكره أيضا فيما مر، وأعاده هنا لكون الكلام في الأطعمة، وعبارته هناك ويحل أكل دود مأكول معه، ولا يجب غسل نحو الفم منه.
اه.
وقوله: نحو الفاكهة أي من كل مأكول، كالفول والمش.
(قوله: حيا كان) أي الدود.
(قوله: بشرط إلخ) متعلق بحل.
وقوله: أن لا ينفرد أي ينفصل الدود.
وقوله: عنه أي عن ولد كان أكله مع نحو الفاكهة.
(قوله: وإلا) أي بأن انفرد.
وقوله: لم يحل أكله أي الدود المنفرد.
وقوله: ولو معه أي ولو كان أكله مع نحو الفاكهة.
وقوله: كنمل السمن أي فإنه لا يحل أكله.
فالكاف لتنظير الدود المنفرد بالنمل في ذلك.
ولو قال لا نمل عطف على دود لكان أولى، لأن النمل لا يحل أكله مطلقا متصلا بالسمن، أو منفردا عنه بدليل العلة بعده، وهي: لعدم تولده أي النمل فيه أي السمن بخلاف دود نحو الفاكهة، فإنه متولد منه، ولذلك اغتفر أكله.
وعبارة المنهاج: وكذا يحل الدود المتولد من الطعام كخل، وفاكهة إذا أكل معه.
قال في التحفة: يعني إذا لم ينفرد، أما المنفرد عنه: فيحرم، وإن أكل معه، لنجاسته إن مات، وإلا فلاستقذاره.
ولو وقع في عسل نمل وطبخ جاز أكله.
أو في لحم: فلا، لسهولة تنقيته كذا جزم به غير واحد، وفيه نظر ظاهر، إذ العلة إن كانت الاستهلاك لم يتضح الفرق، مع علمه مما يأتي في نحو الذبابة أو غيره، فغايته أنه ميتة لا دم له سائل، وهي لا يحل أكله مع ما ماتت فيه وإن لم تنجسه.
نعم، أفتى بعضهم بأنه إن تعذر تخليصه، ولم يظن منه ضررا حل أكله معه.
اه.
(قوله: على ما قاله إلخ) أي أن عدم حل أكل نمل السمن هو مبني على ما قاله الكمال الرداد أي وهو المعتمد كما يعلم من كلام التحفة المار.
(قوله: خلافا لبعض أصحابنا) أي حيث قال: يحل أكله مثل الدود - لكن بشرط أن يكون في نحو السمن كالعسل.
أما في(2/403)
اللحم فلا يحل بالاتفاق، كما يعلم أيضا من كلام التحفة المار.
(قوله: ويحرم كل جماد مضر) أي ضررا بينا لا يحتمل عادة لا مطلق ضرر كذا في البجيرمي، نقلا عن الأذرعي.
(قوله: كحجر إلخ) أمثلة للمضر للبدن.
وقوله: وتراب قال في التحفة: ومنه مدر، وطفل لمن يضره.
وعليه يحمل إطلاق جمع متقدمين حرمته، بخلاف من لا يضره كما قاله جمع متقدمون، واعتمده السبكي وغيره.
اه.
ومثله في النهاية.
وفي البجيرمي: ومحل تحريم الطين: في غير النساء الحبالى، فإنه لا يحرم عليهن أكله، لأنه بمنزلة التداوي.
اه.
(قوله: وإن قل) يحتمل رجوعه للسم فقط وهو ما يفيده صنيع التحفة ويحتمل رجوعه للمذكور من الحجر وما بعده.
وعبارة متن الروض: يحرم تناول ما يضر كالحجر، والتراب، والزجاج، والسم إلا قليله.
اه.
قال في شرحه: أي السم كما في الأصل أو ما يضر
وهو أعم.
اه.
وقوله: وما يضر معناه أن الضمير يعود عليه.
وقوله: إلا لمن لا يضره أي القليل، فإنه لا يحرم في حقه.
أما الكثير فيحرم مطلقا كما في ع ش.
(قوله: ومسكر) تمثيل للجماد المضر للعقل.
(قوله: ككثير أفيون) أي وجوز، وعنبر، وزعفران.
(قوله: وحشيش) أي وكثير حشيش.
وما أحسن قول بعضهم فيه: قل لمن يأكل الحشيشة جهلا * * يا خسيسا قد عشت شر معيشه دية العقل بدرة فلماذا * * يا سفيها قد بعتها بحشيشه؟ (قوله: وبنج) أي وكثير بنج، وفي البجيرمي: يجوز تناوله، ليزيل عقله، لقطع عضو متأكل، حتى لا يحس بالألم.
اه.
وفي الروض وشرحه: ويحرم مسكر النبات أي النبات المسكر وإن لم يطرب، لإضراره بالعقل، ولا حد فيه إن لم يطرب، بخلاف ما إذا أطرب كما صرح به الماوردي ويتداوى به عند فقد غيره مما يقوم مقامه وإن أسكر للضرورة، وما لا يسكر إلا مع غيره يحل أكله وحده لا مع غيره.
اه.
وقوله: بخلاف ما إذا أطرب أي فإنه يحد.
وخالف فيه سم، وقال: الظاهر أنه لا يحد.
وفي البجيرمي: ويحرم البنج والحشيش، ولا يحد به، بخلاف الشراب المسكر.
وإنما لم يحد لأنه لا يلذ، ولا يطرب، ولا يدعو قليله إلى كثيره، بل فيه التعزيز.
اه.
وتعليله يقتضي أنه يحد إذا أطرب، واستلذ به، فيكون مؤيدا لما في شرح الروض.
(قوله: أفضل المكاسب: الزراعة) أي لأنها أقرب إلى التوكل، ولأن الحاجة إليها أعم.
ولا يرزوه أحد - أي ينقصه - إلا كان له صدقة ".
وفي رواية: " لا يغرس مسلم غرسا، ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا دابة، ولا شئ إلا ينقصه إلا ان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه صدقة أعم.
ولا يرزؤه أحد أي ينقصه إلا كان له صدقة.
(قوله: ثم الصناعة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة الصناعة.
لأن الكسب يحصل فيها بكد اليمين، وورد: من بات كالا من عمله بات مغفورا له.
وورد أيضا: ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده.
(قوله: ثم التجارة) أي ثم الأفضل بعد الزراعة والصناعة: التجارة، لأن الصحابة كانوا يتجرون ويأكلون منها.
(قوله: قال جمع) مقابل لما قبله.
وقوله: هي أي التجارة.
وقوله: أفضلها أي المكاسب.
وقيل أفضلها الصناعة.
(تنبيه) يكره لحر تناول ما كسب مع مخامرة النجاسة، كحجم، وكنس زبل، وذبح، لأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن كسب الحجام فنهى عنه، وقال: أطعمه رقيقك، واعلفه ناضحك.
رواه ابن حبان وصححه، والترمذي وحسنه.
وقيس بما فيه
غيره.(2/404)
وصرف النهي عن الحرمة: خبر الشيخين عن ابن عباس: احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعطى الحجام أجرته.
فلو كان حراما لم يعطه.
وخرج بمخامرة النجاسة غيرها.
فلا يكره ما كسب بفصد، وحياكة، وحلاقة، ونحوها وإن كانت الصنعة دنيئة وهذا مبني على أن علة الكراهة في الأول خبث النجاسة وهو المعتمد أما على أنها دناءة الحرفة: فيكره كسب كل ذي حرفة دنيئة، ولو لم يخامر نجاسة وهو ضعيف والكلام في تعاطي الكسب.
أما أصل الحرفة: فهي فرض كفاية.
ولما حجم أبو العتاهية شخصا أنشد: وليس على عبد تقي نقيصة * * إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم (قوله: ولا تحرم إلخ) عبارة التحفة: يسن للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكن.
فإن عجز ففي مؤنة نفسه، ولا تحرم معاملة إلخ.
اه.
ومع عدم الحرمة يكره ذلك كما نبه الشارح عليها في آخر باب الزكاة ونص عبارته هناك: (فائدة) قال في المجموع: يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام.
كالسلطان الجائر وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا أن تيقن أن هذا من الحرام.
وقول الغزالي: يحرم الأخذ ممن أكثر ماله حرام، وكذا معاملته شاذ.
اه.
(قوله: ولا الأكل منها) أي ولا يحرم الأكل من المعاملة المذكورة، أي مما تحصل منها.
(قوله: كما صححه) أي عدم الحرمة.
(قوله: مع أنه) أي النووي.
وقوله: تبعه أي الغزالي في شرح مسلم.
(قوله: ولو عم الحرام الأرض) أي استوعب الحرام الأرض ولم يوجد فيها حلال.
(قوله، جاز أن يستعمل منه) أي من الحرام.
(قوله: ما تمس حاجته إليه) أي الشئ الذي تدعو حاجته إليه، قال ع ش: وإن لم يصل إلى حد الضرورة.
اه.
(قوله: دون ما زاد) أي على القدر الذي تمس الحاجة إليه.
(قوله: هذا) أي ما ذكر من جواز الاستعمال من الحرام بقدر ما تمس الحاجة إليه، لا ما زاد.
وقوله: إن توقع أي ترجى.
وقوله: معرفة أربابه أي أصحاب ذلك المال الذي يحرم الاستعمال منه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع معرفتهم.
(قوله: صار لبيت المال) أي انتقل لبيت المال، فيكون لجميع المسلمين حق فيه.
(قوله: فيأخذ منه) أي من المال الذي صار لبيت المال.
وقوله: بقدر ما يستحقه فيه أي بقدر ما يخصه من بيت المال لو قسمه الإمام وأعطاه منه.
(قوله: كما قاله شيخنا) أي في التحفة، ومثله في النهاية.
(تتمة) في إعطاء النفس حظها من الشهوات المباحة مذاهب ذكرها الماوردي، أحدها: منعها وقهرها كي لا تطغى.
والثاني: إعطاؤها تحيلا على نشاطها وبعثا لروحانيتها.
والثالث: قال وهو الأشبه - التوسط، لأن في إعطاء الكل سلاطة، وفي منع الكل بلادة.
اه.
عميرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: فرع: نذكر فيه ما يجب إلخ) اعلم أن معظم الفقهاء يذكر النذر بعد الإيمان، وذلك لما بينهما من المناسبة، وهي أن كلا منهما عقد يعقده المرء على نفسه تأكيدا لما أراد أن يلتزمه، ولأن بعض أنواع النذر فيه كفارة يمين.
والمؤلف رحمه الله خالفهم وذكره هنا تبعا لبعضهم، وله وجه أيضا في ذلك، وهو أن الحج قد يكون منذورا، وكذلك الأضحية قد تكون منذورة، فناسب أن يستوفي الكلام على ما يتعلق بالنذر.
(قوله: بالنذر) الباء سببية متعلق بيجب، وهو لغة: الوعد بخير أو شر.
وشرعا: ما سيذكره وأركانه ثلاثة: ناذر، ومنذور، وصيغة.(2/405)
وشرط في الناذر: إسلام، فلا المؤلف يصح من الكافر.
واختيار، فلا يصح من المكره.
ونفوذ تصرف فيما ينذره بكسر الذال وضمها فلا يصح ممن لا ينفذ تصرفه فيما ينذره، كصبي، ومجنون، مطلقا بخلاف السكران، فيصح منه، وكمحجور عليه بسفه أو فلس في القرب المالية العينية كعتق هذا العبد بخلاف القرب البدنية، أو القرب المالية التي في الذمة.
وإمكان فعله المنذور، فلا يصح نذره صوما لا يطيقه، ولا نذر بعيد عن مكة حجا في هذه السنة.
وشرط في المنذور: كونه قربة لم تتعين بأصل الشرع.
وشرط في الصيغة: كونها لفظا يشعر بالالتزام كلله علي كذا، أو علي كذا.
وفي معنى اللفظ الكتابة، وإشارة أخرس تدل أو تشعر بالالتزام مع النية في الكتابة، فلا يصح بالنية كسائر العقود ولا بما لا يشعر بالالتزام، كأفعل كذا.
(قوله: وهو) أي النذر.
وقوله: قربة على ما اقتضاه إلخ والحاصل أنهم اختلفوا في النذر: هل هو قربة؟ أو مكروه؟ فقال بعضهم بالأول وهو المعتمد الذي اقتضاه كلام الشيخين، ودل عليه الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
وقال بعضهم بالثاني: لثبوت النهي عنه وهو ضعيف، والنهي محمول على نذر اللجاج.
وعبارة المغني: (تنبيه) اختلفوا: هل النذر مكروه أو قربة؟ نقل الأول عن النص، وجزم به المصنف في مجموعه، لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عنه، وقال: إنه لا يرد شيئا، وإنما يستخرج به من البخيل.
ونقل الثاني: عن القاضي
والمتولي والغزالي، وهو قضية قول الرافعي: النذر تقرب، فلا يصح من الكفار.
وقول المصنف في مجموعه في كتاب الصلاة النذر عمدا في الصلاة لا يبطلها في الأصح، لأنه مناجاة لله تعالى، فهو يشبه قوله: سجد وجهي للذي خلقه وصوره.
وقال في المهمات: ويعضده النص، وهو قوله تعالى: * (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه) * (1) أي فيجازي عليه.
والقياس: وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد، وأيضا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب كما قاله القاضي حسين وهو يزيد على النفل بسبعين درجة كما في زوائد الروضة في النكاح عن حكاية الإمام والنهي محمول على من ظن أنه لا يقوم بما التزمه، أو أن للنذر تأثيرا كما يلوح به الخبر، أو على المعلق بشئ.
وقال الكرماني: المكروه التزام القربة لا القربة إذ ربما لا يقدر على الوفاء.
وقال ابن الرفعة: الظاهر أنه قربة في نذر التبرر دون غيره.
اه.
وهذا أوجه.
اه.
(قوله: وعليه) أي على أنه قربة.
(قوله: بل بالغ إلخ) إضراب انتقالي.
(قوله: فقال: دل على ندبه الكتاب) أي القرآن العظيم.
وذلك كقوله تعالى: * (وليوفوا نذورهم) * (2) وقوله: والسنة أي الأخبار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك كخبر البخاري: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.
وقوله: فليطعه أي ليف بنذره.
(قوله: والقياس) أي وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد كما يعلم من عبارة المغني المارة -.
(قوله: وقيل مكروه) أي أن النذر مكروه.
(قوله: للنهي عنه) أي عن النذر.
(قوله: وحمل الأكثرون إلخ) إنما حملوه عليه لأن الناذر لا يقصد به القربة، وإنما يقصد به منع نفسه أو غيره من شئ، كقوله: إن كلمت فلانا أو فعل فلان كذا، فلله علي كذا.
أو الحث لنفسه أو غيره على شئ، كقوله: إن لم أدخل الدار أو إن لم يفعل فلان كذا، فلله علي كذا.
أو تحقيق خبره، كقوله: إن لم يكن الأمر كما قلت، أو كما قال فلان، فلله علي كذا.
وقوله: نذر اللجاج هو بفتح اللام التمادي في الخصومة أي التطويل فيها وضابط هذا النذر أن يمنع الشخص نفسه أو غيرها من شئ أو بحث عليه أو
__________
(1) البقرة: 270.
(2) الحج: 29(2/406)
يحقق خبرا.
(قوله: فإنه) أي نذر اللجاج.
وقوله: تعليق قربة بفعل شئ أي على فعل شئ ولا بد من أن يكون
مرغوبا عنه ومبغوضا للنفس فإن كان مرغوبا للنفس ومحبوبا لها كان من نذر التبرر.
وهو قربة ليس بمنهي عنه كما سيذكره المؤلف.
وقوله: أو تركه معطوف على فعل شئ.
أي أو تعليق قربة على ترك شئ، أي وكان تركه ترغب عنه النفس وتبغضه أيضا كما مر.
(قوله: فيتخير إلخ) أي لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزام قربة، اليمين من حيث إن مقصوده مقصود اليمين من المنع أو الحث أو تحقيق الخبر، ولا سبيل للجمع بين ما التزمه وكفارة اليمين، ولا لتعطيلهما، فتعين التخيير وهذا هو الراجح وقيل يلزم فيه كفارة اليمين، لخبر مسلم: كفارة النذر: كفارة يمين.
ولا كفارة في نذر التبرر جزما.
فتعين حمله على نذر اللجاج.
وقيل يلزم فيه ما التزمه، لخبر: من نذر وسمى فعليه ما سمى.
وقوله: من دخلها أي الدار، وهذا راجع للصورة الأولى: وقوله: أو لم يخرج أي من الدار.
وهذا راجع للصورة الثانية.
(قوله: ولا يتعين الملتزم) أي في صيغة النذر، لأنه خرج مخرج اليمين، بخلاف نذر التبرر فإنه لم يخرج مخرجه، فلذلك يلزم فيه ما التزم عينا، لا غير، لكن على التراخي إن لم يقيده بوقت معين.
وأشار إلى الخلاف في نذر اللجاج ابن رسلان في زبده بقوله: ومن يعلق فعل شئ بالغضب * * أو ترك شئ بالتزامه القرب إن وجد المشروط ألزم من حلف * * كفارة اليمين مثل ما سلف كما به أفتى الإمام الشافعي * * وبعض أصحاب له كالرافعي أما النواوي فقال خيرا * * ما بين تكفير وما قد نذرا (قوله: ولو حجا) أي ولو كان الملتزم حجا، فإنه لا يتعين.
(قوله: والفرع إلخ) أراد أن يبين معنى الفرع الذي ترجم به.
وقوله: تحت أصل كلي انظره هنا.
ويمكن أن يجعل الأصل الكلي هو باب الحج، باعتبار بعض أفراده، حسبما ذكرناه أول الفرع، من مناسبة ذكره هنا.
(قوله: النذر) أي شرعا.
وقوله: التزام إلخ يؤخذ من هذا التعريف أركانه الثلاثة المتقدمة، وذلك لأن الالتزام يستلزم المستلزم وهو الناذر والقربة هي المنذور، وبلفظ إلخ هو الصيغة.
وقوله: مسلم ظاهره اشتراطه في نذر التبرر ونذر اللجاج.
وهو أيضا ظاهر التحفة والنهاية والأسنى وشرح المنهج والمغني: ونقل البجيرمي عن ح ل: أن ذلك في نذر التبرر دون نذر اللجاج.
أما هو، فيصح من الكافر.
قال: وكان قياسه صحة التبرر منه أيضا.
إلا أنه لما كان فيه مناجاة لله، أشبه العبادة، ومن ثم لم يبطل الصلاة.
بخلاف نذر اللجاج.
اه.
وقوله: مكلف أي ولو حكما، فدخل السكران، فيصح نذره.
وقوله: رشيد ولا بد أن يكون مختارا أيضا كما
مر.
(قوله: قربة) مفعول التزام، وهي فعل الشئ يشرط معرفة المتقرب إليه.
والعبادة فعل ما يتوقف على نية.
والطاعة تعمهما.
(قوله: لم تتعين) أي بأصل الشرع.
(قوله: نفلا كانت) أي القربة، بقطع النظر عن قيدها.
أعني لم تتعين، لأن النفل لا يتعين أصلا.
وقوله: أو فرض كفاية أي أو كانت القربة فرض كفاية، ولا بد فيه أن لا يتعين عليه.
أما إذا تعين فلا يصح نذره كصلاة الجنازة إذا لم يعلم بالميت إلا واحد.
وقال بعضهم: يصح نذره حينئذ، نظرا لأصله.
وأما تعيينه فهو عارض.
(قوله: كإدامة وتر) مثال للنفل، والظاهر أن إدامته ليست بقيد في صحة النذر، بل مثله ما إذا نذر الوتر فإنه يصح لأن نفس الوتر سنة.
(قوله: وعيادة مريض) هو وما بعده من أمثلة النفل أيضا، إلا قوله وكصلاة جنازة وما بعده، فإنه من أمثلة فرض الكفاية.
(قوله: وزيارة رجل قبرا) خرج بالرجل غيره من أنثى، أو خنثى فلا يصح نذره(2/407)
زيارة قبر، لأنها مكروهة في حقه، وقيل محرمة، للخبر الصحيح: لعن الله زوارات القبور.
ويستثنى من ذلك زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنها تسن في حقه، فعليه، ينعقد نذرها.
ومثل قبر النبي: قبر سائر الأنبياء، والأولياء، والصالحين.
(قوله: وتزوج حيث سن) أي بأن يكون مريده محتاجا مطيقا لمؤن النكاح.
كما قال ابن رسلان: سن لمحتاج مطيق للأهب * * نكاح بكر ذات دين ونسب وهذا هو ما جرى عليه ابن حجر.
ونص عبارته في باب النكاح نعم، حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة: ويجب بالنذر على المعتمد الذي صرح به ابن الرفعة وغيره كما بينته في شرح العباب ومحل قولهم: العقود لا تلتزم في الذمة: ما إذا التزمت بغير نذر.
اه.
والذي جرى عليه م ر: عدم صحة نذره مطلقا، ونص عبارته في باب النكاح أيضا.
ولا يلزم بالنذر مطلقا، وإن استحب كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى خلافا لبعض المتأخرين.
(قوله: خلافا لجمع) أي حيث قالوا لا يصح نذر التزوج، وعللوه بأنه مباح عرض له الندب، وهو لا يصح إلا في المندوب أصالة.
وعبارة بعضهم: قوله في قربة: أي أصالة، فلا يصح نذر مباح عرض له الندب كالنكاح خلافا لابن حجر.
اه.
(صوم: أيام البيض) أي وأيام السود، أو نحو ذلك، فيصح نذرها.
وقوله: والأثانين جمع تكثير لاثنين، وليس جمع مذكر سالما، ولا ملحقا به.
(قوله: فلو وقعت) أي أيام البيض أو الأثانين المنذورة.
وقوله: في أيام التشريق أي أو أيام رمضان.
(قوله أو المرض) تبع فيه م ر د وخالف شيخه ابن حجر، فإنه صرح في التحفة بأنه يقضي إن أفطر لعذر المرض كالسفر.
وعلله بأن زمنهما يقبل الصوم، فشمله النذر، بخلاف نحو الحيض.
اه.
وجزم بهذا في الروض،
وعبارته: ويقضيها للمرض الواقع فيها.
اه.
(قوله: لم يجب القضاء) أي يجب الفطر فيها، ولا يجب القضاء، لأنها لا تقبل الصوم أصلا، فلا تدخل في نذر ما ذكر، فهي مستثناة شرعا من دخولها في المنذور.
وعدم وجوب القضاء في المرض هو ما اعتمده الرملي، وخالف ابن حجر فجزم بوجوب القضاء به.
قال سم: وجزم به في الروض.
(قوله: وكصلاة جنازة) هو وما بعده مثالان لفرض الكفاية كما علمت.
(قوله: ولو نذر صوم يوم بعينه) أي كيوم الجمعة، والسبت، وهكذا.
(قوله: لم يصم قبله) أي لم يصم يوما قبل اليوم الذي عينه في نذره.
(قوله: فإن فعل) أي صام يوما قبله.
وقوله: أثم أي ولا يصح.
وقوله: كتقديم الصلاة على وقتها أي فإنه يأثم به، ولا تصح.
(قوله: ولا يجوز تأخيره) أي الصوم.
وقوله: عنه أي عن اليوم الذي عينه.
(قوله: كهي) أي كالصلاة، فإنه لا يجوز تأخيرها عن وقتها.
(قوله: بلا عذر) متعلق بقوله ولا يجوز.
أي لا يجوز تأخيره بلا عذر، فإن أخره بعذر كسفر جاز، ولا إثم عليه.
(قوله: فإن فعل) أي أخر الصوم عن اليوم المعين في النذر بلا عذر.
وقوله: صح أي صومه، لكن مع الإثم.
(قوله: ولو نذر صوم يوم خميس) أي مثلا.
(قوله: ولم يعين) أي بأن لم يقل من هذا الأسبوع مثلا.
(قوله: كفاه أي خميس) أي صوم أي خميس من أي أسبوع كان.
لكن لو مضى خميس يمكنه فيه الصوم ولم يصمه استقر في ذمته، حتى لو مات فدى عنه، ولا إثم عليه، لعدم عصيانه بالتأخير.
ولو نذر يوما من اسبوع ثم نسيه، صام آخره، وهو الجمعة فإن لم يكن هو المنذور وقع قضاء، وإن كان هو فقد وفى بما التزمه.
ومن نذر إتمام كل نافلة دخل فيها لزمه الوفاء بذلك لأنه قربة.
ومن نذر بعض يوم لم ينعقد نذره، لانتفاء كونه قربة، لأنه غير معهود شرعا.
وكذا لو نذر سجدة من غير سبب، أو ركوعا، أو بعض ركعة، فإنه لا ينعقد لما ذكر.
أما سجدة التلاوة، وسجدة الشكر فينعقد نذرهما.
(قوله: ولو نذر صلاة) أي مطلقة، من غير أن يقيدها بعدد.
(قوله: فيجب ركعتان) أي لأنهما أقل واجب من الصلاة، ولو قال فيكفي ركعتان، لكان أولى.(2/408)
وقوله: بقيام قادر أي مع وجوب قيام قادر عليه، إلحاقا للنذر بواجب الشرع.
ولو نذر صلاة قاعدا جاز فعلها قائما لإتيانه بالأفضل لا إن نذر الصلاة قائما فلا يجوز فعلها قاعدا، مع القدرة على القيام، لأنه دون ما التزمه.
(قوله: أو صوما) معطوف على صلاة، أي أو نذر صوما أي مطلقا بأن لم يقيده بعدد.
(قوله: فصوم يوم) أي فيجب صوم يوم واحد، لأنه أقل ما يفرد بالصوم.
(قوله: أو صوم أيام) معطوف على صلاة أيضا، أي أو نذر صوم أيام بصيغة الجمع وأطلقها أيضا.
(قوله: فثلاثة) أي فيجب صوم ثلاثة أيام، لأنها أقل الجمع.
(قوله: أو صدقة) معطوف على صلاة
أيضا، أي أو نذر صدقة أي مطلقة ولم يقيدها بقليل ولا كثير.
وقوله: فمتمول أي فيجب التصدق بما يتمول وإن قل وكذا لو نذر التصدق بمال عظيم فيجب التصدق، فإنه يقبل تقسيره بأقل متمول، ولا ينافيه وصفه بالعظيم، لحمله على إثم غاصبه.
كما قالوه فيما لو أقر بمال عظيم، فإنه يقبل تفسيره بأقل متمول.
ومن نذر عتقا فتجزئ رقبة، ولو ناقصة ككافرة لوقوع الاسم عليها.
(قوله: ويجب صرفه) أي المتمول.
(قوله: لحر مسكين) خرج بالحر الرقيق، فلا يجوز إعطاؤه له كالزكاة والمراد بالمسكين ما يشمل الفقير.
وعبارة فتح الجواد: وعند إطلاقهم يتعين صرفها لمسلم أي حر كما هو ظاهر مما مر آنفا فقير أو مسكين.
اه.
(قوله: ما لم يعين شخصا) أي في نذره، بأن قال: نذرت هذا المال لزيد، فيتعين، ولو كان غنيا، أو ولده، لأن الصدقة عليهما جائزة وقربة كما صرح به في الروض وشرحه.
(قوله: وأهل بلد) أي وما لم يعين في نذره أهل بلد ولو غير مكة، فإنه يتعين للمساكين المسلمين منهم، وفاء بالملتزم.
وقياس ما مر في قسم الصدقات أنه يعمم به المحصورين، وله تخصيص ثلاثة في غير المحصورين.
(قوله: وإلا) أي بأن عين شخصا أو أهل بلد.
(وقوله: تعين صرفه له) أي لما عينه من شخص أو أهل بلد.
قال في المغني ولو نذر لمعين دراهم مثلا كان له مطالبة الناذر بها، إن لم يعطه كالمحصورين من الفقراء لهم المطالبة بالزكاة التي وجبت فإن أعطاه ذلك فلم يقبل، برئ الناذر، لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره، ولا يجبر على قبوله.
اه.
(قوله: ولا يتعين لصوم وصلاة مكان عينه) يعني أنه لو نذر أن يصوم أو يصلي في مكان معين كمصر لزمه الصوم والصلاة.
ولا يتعين المكان الذي خصصه في نذره، بل له أن يصوم أو يصلي في أي مكان سواء الحرم وغيره.
نعم، لو نذر الصلاة في المسجد الحرام تعين، لعظم فضله، وتعلق النسك به، وصح أن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، وقيل بمائة ألف ألف، وقيل بمائة ألف صلاة.
قال في التحفة: وبه يتضح الفرق بينها أي الصلاة وبين الصوم.
اه.
والمراد بالمسجد الحرام: الكعبة والمسجد حولها مع ما زيد فيه.
وقيل جميع الحرم.
ومثله المسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
فيتعينان للصلاة بالنذر فيهما، لمشاركتهما له في بعض الخصوصيات.
ويقوم الأول مقام الأخيرين، وأولهما مقام الآخر، دون العكس كما سيذكره الشارح.
ومثل الصلاة في ذلك الاعتكاف كما مر لنا في بابه.
(قوله: ولا لصدقة زمان عينه) أي ولا يتعين لصدقة زمان عينه فلو نذر أن يتصدق بدرهم يوم الجمعة جاز له أن يتصدق قبله كالزكاة فإنه يجوز تقديمها.
وخرج بقوله لصدقة: الصلاة والصوم، فيتعينان بزمن عينه.
وعبارة الروض وشرحه، فإن عين للصلاة أو الصوم لا للصدقة وقتا: تعين وفاء بالملتزم فلا يجوز فعلهما قبله.
فإن فات الوقت ولو بعذر قضاهما، وأثم بتأخيره إن قصر، بخلاف
ما إذا لم يقصر كأن أخر لعذر سفر أما وقت الصدقة فلا يتعين، اعتبارا بما ورد به الشرع من جنسها وهو الزكاة فيجوز تقديمها، بخلاف الصلاة.
وقضية كلامه: جواز تأخيرها.
قال الأذرعي: وهو بعيد، بل الوجه عدم جوازه بغير عذر كالزكاة اه.
(قوله: وخرج بالمسلم المكلف إلخ) الأولى عدم جمع المخرجات كما هو عادته بأن يقول: وخرج بالمسلم الكافر، وبالمكلف الصبي والمجنون.
وأن يزيد، وبالرشيد السفيه.
وقوله: الكافر بالرفع فاعل خرج.
(قوله: فلا يصح نذرهم) أي الكافر والصبي والمجنون، وذلك لعدم أهلية الكافر للقرب، ولرفع القلم عن الصبي والمجنون.(2/409)
(قوله: كنذر السفيه) أي كما لا يصح نذر السفيه، ومثله المفلس، ومحله كما مر في القرب المالية العينية، كعتق هذا العبد.
أما القرب البدنية أو المالية التي في الذمة، فيصح نذرهما لها كما علمت أول الفرع.
قال في المغني: ويصح نذر الرقيق المال في ذمته، ولو بغير إذن سيده كما اقتضاه كلامهم فإن قيل ينبغي أن لا يصح كما قاله ابن رفعة كما لا يصح ضمانه في ذمته بغير إذن سيده.
أجيب بأن المغلب في النذر حق الله تعالى: إذ لا يصح إلا في قربة، بخلاف الضمان، وإلا صح انعقاد نذره الحج.
قال ابن الرفعة: ويشبه أن غير الحج كذلك.
اه.
(قوله: وقيل يصح من الكافر) لم يذكره في التحفة والنهاية والمغني والأسنى وفتح الجواد، ولعله محمول على نذر اللجاج لما مر أنه يصح من الكافر.
(قوله: وبالقربة المعصية) معطوف على بالمسلم، أي وخرج بالقربة المعصية فلا ينعقد نذرها لحديث: لا نذر في معصية الله، ولا فيما لا يملكه ابن آدم.
وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه.
ولا فرق في المعصية بين أن تكون فعلا: كأن قال: لله علي نذر أن أشرب الخمر أو أقتل.
أو تكون تركا كأن قال: لله علي أن أترك الصلوات الخمس أو إحداها.
ولا فرق فيها أيضا بين أن تكون ذاتية كما ذكر أو عارضية كما لو نذر أن يصلي في الأرض المغصوبة فلا ينعقد كما جزم به المحاملي، ورجحه الماوردي، وكذا البغوي في فتاويه، ويؤيده أنه لا ينعقد نذر الصلاة في الأوقات المكروهة، ولا في ثوب نجس.
وقيل يصح النذر للصلاة في الأرض المغصوبة، ويصلي في موضع آخر.
ويمكن حمله على ما لو نذر الصلاة في هذه الأرض وكانت مغصوبة فإنه يصح النذر، ويصلي في موضع آخر.
(قوله: كصوم أيام التشريق) أي فإنه معصية، ومثله صوم العيدين.
(قوله: وصلاة لا سبب لها) أي متقدم أو
مقارن، فإنها معصية في الوقت المكروه.
(قوله: فلا ينعقدان) أي الصوم والصلاة المذكوران.
والمراد: لا ينعقد نذرهما.
(قوله: وكالمعصية: المكروه) أي فهو لا ينعقد نذره.
وظاهره أنه لا فرق فيه بين المكروه الذاتي والعارضي، وليس كذلك، بل هو مقيد بالأول كما في التحفة، والنهاية.
ونص عبارة الأولى: وكالمعصية: المكروه لذاته، أو لازمة كصوم الدهر الآتي، وكنذر ما لا يملك غيره وهو لا يصبر على الإضافة، لا لعارض كصوم يوم الجمعة، وكنذره لأحد أبويه أو أولاده فقط وقول جمع لا يصح لأن الإيثار هنا بغير غرض صحيح مكروه، مردود بأنه لأمر عارض وهو خشية العقوق من الباقين.
ثم قال: ومحل الخلاف: حيث لم يسن إيثار بعضهم.
أما إذا نذر للفقير أو الصالح أو البار منهم، فيصح اتفاقا.
اه.
(قوله: والنذر لأحد أبويه إلخ) مخالف لما مر في عبارة التحفة، ولعله جار على قول جمع.
(قوله: وكذا المباح) أي ومثل المعصية في عدم الانعقاد: نذر المباح فعلا أو تركا - وهو ما استوى فعله وتركه، وذلك لخبر ابن داود: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى.
وفي البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر أبا إسرائيل أن يترك ما نذره من نحو قيام وعدم استظلال.
وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - لمن نذرت أن تضرب على رأسه بالدف حين قدم المدينة: أوفي بنذرك: لما اقترن به من غاية سرور المسلمين، وإغاظة المنافقين بقدومه، فكان وسيلة لقربة عامة، ولا يبعد فيما هو وسيلة لهذه أنه مندوب للازمة، على أن جمعا قالوا بندبه لكل عارض سرور، لا سيما النكاح، ومن ثم أمر به في أحاديث، وعليه: فلا إشكال أصلا.
اه.
تحفة.
(قوله: ك: لله علي أن آكل أو أنام) تمثيل لنذر فعل المباح، ومثله نذر تركه، ك: لله علي أن أترك الأكل أو النوم.
(قوله: وإن قصد إلخ) أي لا ينعقد نذر المباح، وإن اقترن بنية عبادة، كقصد التقوي به على الطاعة، أو(2/410)
قصد النشاط لها.
(قوله: ولا كفارة في المباح على الأصح) أي لا كفارة عليه إن خالف على الأصح.
ومقابله يقول: إن عليه كفارة يمين، ورجحه النووي في منهاجه، ونص عبارته: لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح.
اه.
(قوله: وبلم تتعين الخ) معطوف على بالمسلم أيضا، أي وخرج بلم تتعين الشئ الذي تعين عليه فعله أو تركه بأصل الشرع، فإنه لا يصح نذره.
(قوله: من فعل واجب) بيان لما، وإنما لم يصح نذر هذا: لأن الشارع ألزمه إياه عينا، فلا معنى لا لتزامه بالنذر (قوله: كمكتوبة) تمثيل للواجب العينى (قوله: وكترك محرم) معطوف على كمكتوبة، فهو تمثيل للواجب العينى أيضا.
ولو حذف الكاف، وعطفه على فعل واجب: لكان أولى، وعليه: يصير بيانا لما (قوله: وإنما ينعقد إلخ) دخول على المتن، ذكره لطول الكلام على ما قبله، وإلا فالجار والمجرور بعده من جملة التعريف، فهو
باعتبار المتن متعلق بالتزام (قوله: بلفظ) أي وأما في معناه مما مر.
وقوله منجز: سيأتي مقابله في قوله أو معلق إلخ (قوله: بأن يلتزم قربه إلخ) تصوير للمنجز (قوله: وهذا نذر تبرر) أي ما ذكر من التزام قربة من غير تعليق بشئ يسمى نذر تبرر، وذلك: لأن الناذر يطلب به البر والتقرب إلى الله تعالى، وصريحه أن المعلق لا يسمى بذلك مطلقا سواء كان نذر لجاج، أو نذر مجازاة وليس كذلك، بل الثاني يسمى أيضا به، لأن نذر التبرر: هو التزام قربة بلا تعليق كعلى كذا أو بتعليق بحدوث نعمة، أو اندفاع نقمة.
فلو قال: وهذا من نذر التبرر بزيادة من التبعيضية لكان أولى (قوله: كلله علي كذا الخ) تمثيل للفظ المنجز في النذر.
وقوله من صلاة إلخ: بيان لقوله كذا (قوله: أو علي كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يقل لله) الأحسن جعل الواو: للحال، وإن: زائدة أي يكفي علي كذا في الصيغة، والحال أنه لم يضف لله.
ومثله: يقال في الغاية الآتية، وفي التحفة: قولهم علي لك كذا صريح في النذر ينافيه أنه صريح في الإقرار، إلا أن يقال لا مانع من أنه صريح فيهما، وينصرف لأحدهما بقرينة.
اه.
(قوله: أو نذرت كذا) أي صلاة إلخ (قوله: وإن لم يذكر معها) أي يكفي في صيغة النذر: نذرت كذا وإن لم يذكر مع هذه الصيغة لفظ لله، وعبارة النهاية: ويكفي في صراحتها أي الصيغة نذرت لك كذا، وإن لم يقل لله.
اه.
وقوله على المعتمد: لذى صرح به البغوي: أي من أن ما ذكر: صريح من غير أن يضيف إليه لفظ لله، قال في التحفة: ومما يصرح به ويوضحه: قول محصول الفخر الرازي لا شك أن نحو نذرت وبعت: صيغ اخبار لغة، وقد تستعمل له شرعا أيضا، إنما النزاع في أنها حيث تستعمل لا حداث الاحكام هل هي اخبارات أو إنشاآت؟ والأقرب: الثاني لوجوه وساقها.
وقد حكيا أي الشيخان في نذرت لله لأفعلن كذا، ولم ينو يمينا، ولا نذرا: وجهين وجزم في الأنوار بما بحثه الرافعي أنه نذر أي نذر تبرر وزعم شارح أن مخاطبة المخلوق بنحو نذرت لك تبطل صراحتها عجيب مع قولهم إن علي لك كذا، أو إن شفى الله مريضى فعلى لك كذا: صريحان في النذر، مع أن فيهما مخاطبة مخلوق، وزعم أن لا التزام في نحو نذرت: ممنوع.
نعم: إن نوى به الإخبار عن نذر سابق عرف أخذا مما مر: فواضح، أو اليمين في نذرت لأفعلن: فيمين.
اه.
بتصرف (قوله: من اضطراب طويل) أي اختلاف كثير، وهو متعلق بالمعتمد (قوله: أو بلفظ معلق) معطوف على بلفظ منجز: أي وإنما ينعقد النذر بلفظ معلق أي على ما يرغب في حصوله من حدوث نعمة أو اندفاع نقمة (قوله: ويسمى) أي النذر الكائن بلفظ معلق.
وقوله نذر مجازاة: أي مكافأة، وهو نوع من التبرر كما علمت (قوله: وهو) أي نذر المجازاة.
وقوله أن يلتزم قربة: أي لم تتعين بأصل الشرع كما مر وقد علمت معنى القربة.
فلا تغفل (قوله: في مقابلة إلخ) متعلق بيلتزم،(2/411)
أو متعلق بمحذوف صفة لقربة: أي يلتزم قربة كائنة في مقابلة الشئ المرغوب في حصوله، وخرج بذلك: ما إذا التزم قربة في مقابلة ما لا يرغب في حصوله، فإن ذلك هو نذر اللجاج، وقد مر بيانه.
(تنبيه) المراد بالمرغوب فيه والمرغوب عنه عند المتكلم، ولذلك احتمل قوله إن صليت فعلى كذا، أو إن رأيت فلانا فعلى صوم: أن يكون من نذر اللجاج بأن تكون الصلاة عنده مبغوضة، وكذا رؤية فلان.
واحتمل أن يكون من نذر التبرر: بأن يكون ذلك عنده محبوبا كذا في الروضة ونص عبارته: (فرع) الصيغة: إن احتملت نذر اللجاج ونذر التبرر، رجع فيها إلى قصده أي الناذر فالمرغوب فيه: تبرر، والمرغوب عنه: لجاج.
إلخ.
اه.
وأطلق الشارح: النعمة، ولم يقيدها بما يكون لها وقع، بحيث تقتضى سجود الشكر.
ونقل الإمام عن والده، وطائفة من الأصحاب: تقييدها بذلك لكنه رجح الأول، وهو قول القاضي، ويؤيده ضبط الصيمري للنعمة الحادثة بما يجوز أن يدعى الله به أي من غير كراهة وربما يؤيد الثاني تعبيره بحدوث، إذ يخرج به المستمر من النعم، وهو قياس سجود الشكر.
وقوله واندفاع نقمة: يجرى فيه نظير ما مر في حدوث النعمة (قوله: كإن شفاني الله) قال البجيرمي نقلا عن س ل: يظهر أن المراد بالشفاء: زوال العلة من أصلها، وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب أخذا مما مر في المرض المخوف أو من معرفة المريض ولو بالتجربة ويظهر أنه لا يضر بقاء أثره من ضعف الحركة ونحوه.
اه.
(قوله: أو سلمنى) معطوف على فعل الشرط، فهو مثال ثان (قوله: فعلى كذا) جواب الشرط بالنسبة للمثالين (قوله: أو ألزمت الخ) معطوف على فعلى كذا، فهو جواب للشرط أيضا.
وقوله كذا: تنازعه كل من ألزمت ومن واجب على: أي ألزمت نفسى كذا، أو واجب على كذا، وهو عبارة عن صدقة أو صلاة أو صيام كما مر (قوله: وخرج بلفظ) أي بقسميه المنجز والمعلق.
وقوله النية: فاعل خرج (قوله: فلا يصح) أي النذر.
وقوله بمجرد النية: أي بالنية المجردة وإشارة أخرس ينعقد بالكتابة مع النية عن اللفظ وعن الكتابة أيضا وإشارة الأخرس المفهمة لما مر أنه تفهم الالتزام.
وقوله كسائر العقود: أي فإنها لا تنعقد بالنية فقط.
وقوله إلا باللفظ: الصواب إسقاطه، لأن قوله فلا يصح: مفرع على المخرج باللفظ.
(قوله: وقيل يصح) أي النذر.
ولم يذكر هذا القيل في الأسنى، وشرح المنهاج، والتحفة، وفتح الجواد، والنهاية، والمغني، فانظره فلعله في غير هذه الكتب.
(قوله: فيلزم إلخ) مفرع على انعقاد النذر باللفظ المذكور.
أي وإذا انعقد: لزمه ما التزمه فورا في النذر المنجز، وعند وجود المعلق عليه في المعلق، لأن الله تعالى قد ذم أقواما عاهدوا
ولم يفوا، فقال: * (ومنهم من عاهد الله) * (1) الآية.
وللحديث المار: من نذر أن يطيع الله فليطعمه.
وقوله: عليه متعلق بيلزم على تضمينه معنى يجب كما مر غير مرة.
وقوله: حالا منصوب بإسقاط الخافض.
أي لزمه أداء ما التزمه في الحال.
والذي في النهاية أنه يجب عليه ذلك وجوبا موسعا.
وقوله: في منجز متعلق بيلزم باعتبار قيده أي يلزمه حالا في النذر المنجز.
قوله: وعند الخ معطوف على حالا، أي ويلزم ذلك عند وجود صفة في النذر المعلق عليها.
(قوله: وظاهر كلامهم) عبارة شيخه: وظاهر كلامه بإفراد الضمير العائد على المصنف - وكتب عليه سم ما نصه: قوله: وظاهر كلامه إلخ.
قد يقال المفهوم من العبارة فور اللزوم، وهو لا يستلزم فور الأداء.
اه.
وما قاله يؤيد كلام الرملي في قوله إنه يجب عليه ذلك موسعا، وهو لا ينافي قولهم حالا، إذ هو بالنسبة للزوم، وما قاله بالنسبة للأداء، فهو يتعلق بذمته حالا، ولكن لا يجب عليه أداؤه في الحال.
وقوله: أنه أي الناذر المعلق نذره على صفة.
(قوله: يلزمه الفور بأدائه) قال في النهاية: محله إذا كان لمعين وطالب به وإلا فلا.
اه.
(قوله: خلافا لقضية كلام ابن عبد السلام) أي من أنه لا
__________
(1) التوبة: 75(2/412)
يلزمه الفور بأدائه عقب وجود المعلق عليه.
(قوله: ولا يشترط قبول المنذور له إلخ) أي ولا يشترط في لزوم وفاء الناذر بما التزمه في ذمته بنذر المنجز أو المعلق أن يقبل لفظا لشخص المنذور له الشئ الملتزم أو يقبضه بالفعل، بحيث أنه إذا لم يقبل لفظا أو يقبض لا يلزم الناذر ذلك أي فيسقط عنه بل يشترط في ذلك أن لا يزده فما دام لم يرده اللزوم باق عليه.
فإن رده سقط عنه.
قال في شرح الروض: أي لأنه أتى بما عليه، ولا قدرة له على قبول غيره.
قال الزركشي: ومقتضاه أنه لا يجبر فلان أي المنذور له على قبوله.
ويفارق الزكاة بأن مستحقيها إنما أجبروا على قبولها خوف تعطيل أحد أركان الإسلام، بخلاف النذر.
اه.
ويفارق أيضا: بأن مستحقيها ملكوها، بخلاف مستحقي النذر.
اه.
ثم إن ما ذكر من أن الرد يؤثر: محله في المنذور الملتزم في الذمة كما أشرت إليه بقولي بما التزمه في ذمته أما المنذور المعين: فلا يتأثر بالرد.
والفرق أن ما في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح فأثر الرد قبل القبض، وأن المعين يزول ملكه عنه بالنذر فلا يتأثر
بالرد كما سيذكره الشارح وكما في التحفة، ونصها: ولا يشترط قبوله النذر، وهو كذلك.
نعم، الشرط عدم رده، وهو المراد بقول الروضة عن القفال في إن شفى الله مريضى فعلي أن أتصدق على فلان بعشرة لزمته، إلا إذا لم يقبل فمراده بعدم القبول: الرد، لا غير، على أنه مفروض كما ترى في ملتزم في الذمة وما فيها لا يملك إلا بقبض صحيح، فأثر، وبه يبطل النذر من أصله، ما لم يرجع ويقبل كالوقف على ما مر فيه، بخلاف نذره التصدق بمعين، فإنه يزول ملكه عنه بالنذر، ولو لمعين فلا يتأثر بالرد، كإعراض الغانم بعد اختياره التملك.
اه.
(قوله: ويصح النذر) أي للمدين.
(وقوله: بما في ذمة المدين) أي بالدين الذي في ذمة المدين.
وقوله: ولو مجهولا أي ولو كان الذي في الذمة قدرا مجهولا للناذر، فإنه يصح، لأن النذر لا يتأثر بالغرر بخلاف البيع.
(قوله: فيبرأ) أي المدين.
(وقوله: وإن لم يقبل) أي وإن رد ذلك.
(قوله: خلافا للجلال البلقيني) هكذا في التحفة، والمتبادر من صنيعه أنه راجع للغاية الثانية، فيكون الجلال خالف في براءته عند عدم القبول.
(قوله: ولو نذر لغير أحد أصليه) خرج به ما لو نذر لأحد أصليه، فلا يصح نذره، وهذا بناء على ما جرى عليه المؤلف تبعا لجمع من أن النذر لأحد أصوله مكروه، وهو لا يصح نذره.
أما على المعتمد من أن محل عدم الصحة في المكروه لذاته فقط، فيصح، لأن هذا مكروه لعارض، وهو خشية العقوق من الباقي.
وقوله: أو فروعه معطوف على أصليه، فلفظ أحد: مسلط عليها أي أو لغير أحد فروعه وخرج به ما لو نذر لأحد فروعه، فإنه لا يصح هذا أيضا، بناء على ما جرى عليه المؤلف من أن النذر لأحد فروعه مكروه، وهو لا يصح نذره.
أما على المعتمد فيصح نذره كما سبق وجرى في التحفة على المعتمد في هذه وفيما قبلها ورد ما جرى عليه جمع، وقد تقدم لفظها عند قول شارحنا: وكالمعصية المكروه.
وقوله: من ورثته بيان لغير من ذكر، ودخل في الورثة جميع الحواشي كالإخوة والأعمام ودخل أيضا النذر لجميع أصوله، أو لجميع فروعه، فإنه يصح بالاتفاق، وذلك لأن المنفي هو أحد الأصول أو أحد الفروع فقط، فغير هذا الأحد صادق بجميع ما ذكر.
وقوله: بماله متعلق بنذر.
وقوله: قبل مرض موته متعلق بنذر أيضا.
وخرج به ما إذا كان النذر في مرض موته، فإنه لا يصح نذره في الزائد على الثلث، إلا إن أجاز بقية الورثة، وذلك لأن التبرعات المنجزة في مرض الموت تصح في الثلث فقط، ولا تصح في الزائد عليه إلا إن أجاز بقية الورثة.
(قوله: ملكه كله) أي ملك المنذور له المال كله.
وقوله: من غير مشارك أي من غير أن أحدا من الورثة الباقين يشاركه فيه، بل يختص به.
(قوله: لزوال ملكه) أي الناذر من قبل مرض الموت.
وقوله: عنه أي عن ماله كله الذي نذره.
قوله: ولا يجوز للأصل الرجوع فيه انظره مع قوله(2/413)
لغير أحد أصوله أو فروعه، فإن ذلك يفيد أن نذر الأصل لأحد فروعه لا يصح من أصله، وهذا يفيد أنه يصح، إلا أنه لا يصح رجوعه فيه، وبينهما تناف.
فكان الصواب إسقاطه، إلا أن يقال إن هذا مفروض فيما إذا نذر الأصل لجميع فروعه، وهو يصح كما مر وهو بعيد أيضا، فتأمل.
ثم إن عدم جواز رجوع الأصل على الفرع فيما نذره هو المعتمد الذي جرى عليه كثيرون.
وقد صرح به الشارح في باب الهبة، ونص عليه في التحفة في بابها أيضا، وعبارتها: وبحث البلقيني امتناعه أي الرجوع في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع.
وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه.
وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر بكلام الروضة وغيرها.
اه.
بتصرف.
(قوله: وينعقد) أي النذر.
(وقوله: معلقا) حال من فاعل ينعقد أي لا منجزا.
(وقوله: في نحو إذا مرضت) دخل فيه إذا سافرت.
(قوله: فهو نذر له) جواب إذا.
والضمير الأول راجع للمنذور، والثاني راجع للشخص المنذور.
(قوله: وله) أي الناذر المعلق نذره.
وقوله: التصرف أي ببيع أو غيره.
وقوله: قبل حصول المعلق عليه وإنما صح التصرف قبله لضعف النذر حينئذ.
(قوله: وبلغوا إلخ) كلام مستأنف ليس له تعلق بما قبله، فلو أخره وذكره بعد قوله ويقع لبعض العوام وجعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما صنع في التحفة لكان أولى.
وعبارة التحفة: يقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فيصح، لأنه اشتهر في النذر، بخلاف: متى حصل لي كذا أجئ له بكذا، فإنه لغو ما لم يقترن لفظ به التزام، أو نذر أي أو نيته ولا نظر إلى أن النذر لا ينعقد بالنية، لأنه لا يلزم من النظر إليها في التوابع النظر إليها في المقاصد.
اه.
بحذف.
وقوله: ما لم يقترن به أي بقوله المذكور.
وقوله: لفظ التزام أي كأن قال: متى حصل لي الأمر الفلاني، فلله علي أن أجئ لك بكذا.
وقوله: أو نذر أي أو لفظ نذر كأن قال متى حصل لي الأمر الفلاني، فنذر علي أن أجئ لك بكذا.
ومثلهما النية كما مر عن التحفة.
(قوله: فيمن أرادا) راعى معنى من فثنى الضمير.
وقوله: أن يتبايعا أي يبيع كل منهما متاعه لصاحبه ويشتري بدله متاعه.
(قوله: فاتفقا) أي المتبايعان.
(قوله: ففعلا) أي نذر كل للآخر بمتاعه.
(قوله: صح) هو المفتى به، وهو لا يصح أن يكون مفعولا لأفتى، فكان الصواب أن يقول بالصحة، وعليه يصير متعلقا بأفتى.
(قوله: وإن زاد المبتدئ إلخ) أي يصح نذر كل لصاحبه بمتاعه، وإن أتى المبتدئ بصيغة التعليق بعد قوله نذرت لك، بأن قال نذرت لك بمتاعي إن نذرت لي بمتاعك.
(قوله: وكثيرا ما يفعل ذلك) أي ما ذكر من نذر كل لصاحبه بمتاعه.
وقوله: فيما لا يصح بيعه ويصح نذره
أي كما في الربويات مع التفاصيل، فإنه لا يصح بيعها ويصح نذرها.
(قوله: ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته) أي يصح أنه يبرئ الشخص المنذور له الناذر عما التزمه في ذمته بنذره له وإن لم يقبضه كما يصح إسقاط حق الشفعة.
(قوله: قال القاضي إلخ) قال الرشيدي: عبارة القاضي: إذا قال إن شفى الله مريضي فلله علي أن تصدق بخمس ما يحصل لي من المعشرات، فشفي، يجب التصدق به.
وبعد إخراج الخمس يجب العشر في الباقي إن كان نصابا ولا عشر في ذلك الخمس، لأنه لفقراء غير معينين.
فأما إذا قال: لله علي أن أتصدق بخمس مالي: يجب إخراج العشر، ثم ما بقي بعد إخراج العشر يخرج منه الخمس.
انتهت.
قال الأذرعي: ويشبه أن يفصل في الصورة الأولى.
فإن تقدم النذر على اشتداد الحب فكما قال، وإن نذر بعد اشتداده وجب إخراج العشر اولا من الجميع.
اه.
وقوله: ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به أي لا يشترط في صحة النذر أن يعرف الناذر ما نذره قدرا أو عينا أو صفة، وذلك لقوة(2/414)
النذر، فاغتفر فيه من الضرر والجهالات ما لا يغتفر في غيره.
(قوله: كخمس ما يخرج له من معشر) أي كنذر خمس ما يخرج له من المعشرات، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه، وهو تمثيل لنذر ما لم يعرفه الناذر.
(قوله: وككل ولد أو ثمرة) معطوف على كخمس: أي وكنذر وكل ولد يخرج من أمتي، أو كل ثمرة تخرج من شجرتي، فهو صحيح مع أنه حال النذر لم يعرفه.
وقوله: هذه راجع للأمة أو للشجرة، وهو يفيد أنه يشترط تعيين الأمة والشجرة، وليس كذلك.
(قوله: وذكر) أي القاضي، كما يعلم من عبارته المارة.
وقوله: أيضا أي كما ذكر ما مر.
(قوله: أنه لا زكاة في الخمس) أي لما مر أنه لفقراء غير معينين، والزكاة إنما تجب على معين كما مر.
(قوله: وقال غيره) أي غير القاضي وهو الأذرعي كما صرح به الرشيدي في عبارته المارة.
(قوله: محله) أي عدم وجوب الزكاة في الخمس المنذور.
(قوله: إن نذر قبل الاشتداد) أي قبل الصلاح للثمرة، وخرج به ما إذا نذره بعده، فإن الزكاة تتعلق بالخمس المنذور.
فيخرج الزكاة أولا من المعشر بتمامه، ثم يخرج خمسه.
وكتب سم ما نصه: قوله: قبل الاشتداد.
مفهومه أن فيه الزكاة إن نذر بعد الاشتداد.
فإن أريد الواجب بالنذر حينئذ: خمس ما عدا قدر الزكاة ففيه إنه وإن كان الخمس حينئذ أي خمس الجملة قد أخرجت زكاته، فالمنذور ليس خمسا أخرجت زكاته.
وإن أريد أن المنذور حينئذ خمس المجموع، لكن يسقط منه قدر زكاته، ففيه أن النذر لا يتعلق بالزكاة، لأنها ملك غير الناذر، فلا تصدق الزكاة في الخمس المنذور.
اه.
(قوله: ويصح النذر للجنين كالوصية) أي قياسا على صحة الوصية له.
(قوله: بل أولى) أي بل صحة النذر له أولى من صحة الوصية.
ووجه الأولوية أن النذر وإن شارك الوصية في قبول التعليق والخطر، وصحته بالمجهول والمعدوم هو يتميز عنها بأنه لا يشترط فيه القبول، بل عدم الرد فقط.
(قوله: لا للميت) معطوف على للجنين، أي لا يصح النذر للميت لأنه لا ينتفع به، فهو إضاعة مال، وهي حرام.
(قوله: إلا لقبر الشيخ الفلاني) لا معنى للاستثناء من الميت، فلو قال: ويصح لقبره أي الميت إن أراد به قربة هناك إلخ.
لكان أولى وأخصر.
فتنبه.
(قوله: وأراد) أي الناذر.
وقوله: به أي بنذره للقبر.
وقوله: قربة ثم أي عند القبر.
وقوله: كإسراج ينتفع به تمثيل للقربة المرادة هناك، والانتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما لم يصح النذر، لأنه إضاعة مال.
(قوله: أو اطراد عرف) معطوف على وأراد، أي أو اطرد عرف في صرف المنذور للقبر، كترميم أو صنع طعام للفقراء، ونحو ذلك.
(قوله: فيحمل النذر له) أي للقبر.
وقوله: على ذلك أي على ما اقتضاه العرف.
(قوله: ويقع لبعض العوام إلخ) مثله في التحفة والنهاية.
(قوله: جعلت إلخ) فاعل يقع، لأن القصد اللفظ، أي ويقع هذا اللفظ من بعض العوام.
(قوله: فيصح) أي هذا اللفظ للنذر.
(قوله: لأنه اشتهر إلخ) تعليل للصحة.
وقوله: في عرفهم أي الفقهاء.
وقوله: للنذر متعلق باشتهر.
(قوله: ويصرف) أي المجعول للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: لمصالح الحجرة النبوية أي من بناء، أو ترميم، أو تطيب، أو كسوة.
(قوله: والأقرب عندي إلخ) مقول القول.
(قوله: والمساجد الثلاثة) أي المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى.
(قوله: أن من إلخ) اسم أن ضمير الشأن وجملة الشرط، والجواب خبرها، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها: خبر الأقرب.
وقوله: خرج أي بطريق النذر.
وقوله لها(2/415)
بخرج، والضمير يعود للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة.
(قوله: واقتضى إلخ) الجملة حالية، يعني أن من خرج من ماله لها، والحال أن العرف اقتضى صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها.
وقوله: صرفه أي الشئ المخرج لها.
وقوله: في جهة من جهاتها أي كبناء، أو ترميم، أو إسراج، أو تطيب، أو كسوة، أو نحو ذلك.
(قوله: صرف) أي الشئ المخرج وهو جواب من.
وقوله: إليها أي تلك الجهة التي اقتضاها العرف.
(قوله: واختصت) أي تلك الجهة.
وقوله: به أي بالعرف، فلا يقوم غير مقامها.
(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.
(قوله: فإن لم يقتض العرف شيئا) أي جهة يصرف المال إليها.
(قوله: فالذي يتجه إلخ) جواب أن.
وقوله: يرجع يقرأ بالبناء للمجهول.
وقوله: في تعيين المصرف أي مصرف المال المخرج لما ذكر من الكعبة وما بعدها.
(قوله: لرأي ناظرها) أي الناظر عليها، فهو الذي يعين المصرف بحسب ما يقتضيه نظره.
(قوله: قال) أي شيخه.
(قوله: أن الحكم كذلك في النذر إلخ) أي فإن اقتضى العرف شيئا، عمل به، وإلا فيرجع لرأي الناظر.
وقوله: لمسجد بالتنوين.
وقوله: غيرها أي غير المساجد الثلاثة.
قوله: وأفتى بعضهم في إن قضى الله إلخ أي فيما إذا علق إخراج شئ من ماله للكعبة على قضاء حاجته وقضيت، هذا هو المراد.
وقوله: بأنه إلخ متعلق بأفتى، وضميره وضمير الفعل الذي بعده يعود على ما التزمه معلقا.
وقوله: لمصالحها أي الكعبة، من بناء، أو ترميم، أو نحو ذلك مما مر.
قوله: ولا يصرف لفقراء الحرم من هنا يؤخذ الفرق بين الإفتاء المذكور وبين ما مر عن السبكي، فإن ما مر عنه مبني على العرف، ومفاده أنه إذا اقتضى العرف صرفه للفقراء صرف إليهم.
ورأيت ع ش كتب على قوله: ويصرف لمصالح الحجرة النبوية في صورة ما يقع لبعض العوام من جعلت إلخ، ما نصه: أي من بناء أو ترميم دون الفقراء ما لم تجربه العادة.
اه.
والظاهر أن مثله يجري هنا، فيقال: لا يعطى للفقراء ما لم تجربه عادة وإلا فيعطى لهم.
وعليه: لا فرق بين الإفتاء المذكور، وما مر عن السبكي.
فتنبه.
قوله: كما دل عليه أي على عدم صرفه للفقراء، وهذا من كلام بعضهم المفتي بذلك، لا من كلام الشارح.
وقوله: كلام المهذب: قال في التحفة بعده: وخبر مسلم: لولا قومك حديثو عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله.
المراد بسبيل الله فيه، إنفاقه في مصالحها.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله: المراد بسبيل الله إلخ: هذا خلاف المتبادر جدا من سبيل الله.
وأيضا: فقومها لا يكرهون إنفاق كنزها في مصالحها.
اه.
قوله: ولو نذر شيئا للكعبة إلخ في الروض وشرحه: وإن نذر سترا للكعبة - ولو بالحرير - أو تطييبها أو صرف ماله فيه - أي في سترها أو تطييبها - جاز، لأنه من القربات.
فإن الناس اعتادوها على ممر الأعصار، ولم ينكره أحد.
فإن نوى المباشرة لذلك بنفسه لزمه، وإلا فله بعثه إلى القيم ليصرفه في ذلك.
وفي جواز نذر تطيب مسجد المدينة والأقصى وغيرهما من المساجد، تردد للإمام.
قال في الأصل: ومال إلى تخصيصه بالكعبة والمسجد الحرام.
وقال في المجموع: المختار: الصحة في كل مسجد، لأن تطييبها سنة مقصودة، فلزم بالنذر، كسائر القرب.
وخرج بالمساجد البيوت ونحوها - كمشاهد العلماء، والصالحين -.
اه.
بحذف.
قوله: ونوى أي من غير لفظ، بأن قال: نذرت هذا للكعبة.
ونوى صرفه للإسراج أو للتطييب أو نحو ذلك.
قوله: كالإسراج تمثيل للقربة المعينة.
وقوله: تعين صرفه أي الشئ المنذور.
وقوله: فيها أي في القربة
المعينة المنوية.
قوله: إن احتيج لذلك أي لصرف الشئ المنذور في القربة المعينة التي نواها.
قوله: وإلا أي وإن(2/416)
لم يحتج لذلك، بأن كان نوى في نذره الإسراج، وليس هناك أحد ينتفع به.
وقوله: بيع أي الشئ المنذور والمنوي للإسراج مثلا.
قوله: وصرف أي ثمنه.
وقوله: لمصالحها أي الكعبة مما مر آنفا.
قوله: ولو نذر إسراج إلخ أي بأن قال: علي نذر أن أسرج هذا الشمع في المسجد.
والفرق بين هذه الصورة، وما قبلها، أن هذه صرح فيها لفظا بالجهة، وتلك نواها فيها فقط.
قوله: أو زيت معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام.
قوله: بمسجد قال في التحفة: أو غيره - كمقبرة.
قوله: صح أي نذره وهو جواب لو.
قوله: إن كان ثم أي في المسجد الذي نذر الإسراج فيه.
وقوله: من ينتفع به أي بالإسراج.
قوله: ولو على ندور أي ولو كان الانتفاع به على قلة، أي ليس دائما بل في بعض الأوقات.
قوله: وإلا فلا أي وإن لم يكن ثم من ينتفع به فلا يصح نذره، لأنه إضاعة مال.
قال البجيرمي: فهو باق على ملك مالكه، لا يتصرف فيه من دفعه له، فإن مات دفع لوارثه إن علم، وإلا صار للمصالح العامة إن لم يتوقع معرفته، وإلا وجب حفظه حتى يدفع له.
اه.
وانظر ما الفرق بين هذه الصورة - حيث بطل النذر فيها إذ لم يكن ثم من ينتفع به - وبين الصورة المارة في الكعبة - حيث إنه إذا لم يحتج إلى الصرف إلى الجهة المنوية بيع، وصرف لمصالحها؟ ويمكن أن يقال: الفرق أنه هنا صرح بالجهة في نذره لفظا، بخلافه هناك، فإنه لم يصرح بها لفظا في نذره، وإنما نواها فقط.
فصار اللفظ في الأولى: كالقيد لصحة النذر، فإذا لم يوجد القيد لم يوجد المقيد.
بخلاف الثانية، فإن صيغة النذر مطلقة، والنية لا تؤثر تأثيرا قويا.
قوله: ولو نذر إهداء منقول أي ما يسهل نقله من نعم أو غيره، بدليل مقابله، وهو: فإن تعسر نقله إلخ.
وقوله: إلى مكة أو إلى الحرم، فمكة ليست بقيد، ولو عبر بالحرم بدل مكة - كالمنهج - لكان أولى.
قوله: لزمه نقله أي إلى مكة إن عينها في نذره، وهو ظاهر عبارته.
فإن لم يعينها فيه، فإلى الحرم، لأنه محل الهدي.
قوله: والتصدق بعينه أي ولزمه التصدق بعينه، أي فيما إذا عينه في نذره، كأن قال: علي أن أتصدق بهذا.
فيلزمه ذلك، ولا يجزئه مثله، ولو من جنسه.
وهذا في غير ما يذبح.
أما هو: فبعد ذبحه.
ومحل لزوم التصدق بالعين: إذا لم يعسر التصدق به، فإن عسر - كلؤلؤ - باعه، وفرق ثمنه على فقراء الحرم.
ثم إن استوت قيمته ببلده وبالحرم: تخير في بيعه فيما شاء منهما، وإلا لزمه بيعه في الأزيد قيمة، وإن كان بين بلده والحرم كما استظهره في التحفة.
وقوله: على فقراء الحرم أي المقيمين والمستوطنين، ويجب التعميم في المحصورين بأن سهل عدهم على
الآحاد، ويجوز في غيرهم الاقتصار على ثلاثة.
قال ع ش: ولا يجوز له أي الناذر - الأكل منه، ولا لمن تلزمه نفقتهم - قياسا على الكفارة.
اه.
قوله: ما لم يعين إلخ قيد في لزوم التصدق بعينه.
أي محله ما لم يعين الناذر في نذره قربة أخرى غير التصدق على الفقراء، كصرف ما نذره إلى تطييب الكعبة أو سترها.
فإن عينها صرفه إلى تلك القربة المعينة.
وقوله: كتطييب الكعبة تمثيل للقربة.
وقوله: فيصرفه أي المنذور.
وهو جواب شرط مقدر، أي وإذا عين ذلك صرفه.
وقوله: إليها أي إلى القربة الأخرى.
قوله: وعلى الناذر مؤنة إيصال الهدي أي ما أهداه من نعم أو غيرها.
ولو قال: إيصال المنقول لكان أولى وأنسب بما قبله.
وقوله: إلى الحرم متعلق بإيصال.
قوله: فإن كان أي الناذر.
وقوله: معسرا أي لم يكن عنده مؤنة النقل.
وقوله: باع بعضه أي بعض الهدي، وهذا إن أمكن - بأن تعدد، أو لم يتعدد وأمكن بيع ربعه أو نصفه - وإلا فيصير مما تعسر نقله فيبيعه، ويتصدق بثمنه على فقراء الحرم.
فتنبه.
وقوله: لنقل الباقي أي لأجل نقل الباقي إلى الحرم.
وهو تعليل لبيع البعض.
قوله: فإن تعسر نقله أي المنذور.
وهو مقابل قوله(2/417)
منقول، المراد منه ما يسهل نقله - كما علمت.
قوله: كعقار فيه أن هذا يتعذر نقله بالكلية.
وعبارة الروض: وما تعذر نقله مما أهداه - كالدار - أو تعسر - كحجر الرحى - فعليه بيعه، ونقل ثمنه.
اه.
وهي ظاهرة.
فلو جرى المؤلف على صنيعه، بأن قال: فإن تعذر أو تعسر.
لكان أولى.
قوله: باعه أي ما تعسر نقله.
وقوله: ونقل ثمنه معطوف على باعه.
والمتولي لجميع ذلك هو الناذر، وليس لقاضي مكة نزعة منه - كما في التحفة، والنهاية، والمغني.
قوله: وهل له أي للناذر.
وقوله: إمساكه أي المتعسر نقله، والمراد به عدم بيعه.
وقوله: بقيمته أي ويدفعها لفقراء الحرم.
وقوله: أو لا أي أو ليس له إمساكه، بل يجب عليه بيعه.
وقوله: وجهان أي فقال بعضهم بالأول، وقال بعضهم بالثاني.
قال في التحفة: ويظهر ترجيح أنه ليس له إمساكه بقيمته، لأنه متهم في محاباة نفسه، ولاتحاد القابض والمقبض.
اه.
ومثله في النهاية.
قوله: ولو نذر إلخ كان المناسب أن يؤخره عن قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد إلخ.
ويغير هذا الأسلوب، كأن يزيد عقب قوله حيث شاء حكم المساجد الثلاثة، بأن يقول بعده: نعم، المساجد الثلاثة تتعين، لمزيد فضلها، ويجزئ بعضها عن بعض.
قوله: أجزأ بعضها عن بعض كان الأولى أن يقول: صح نذره وأجزأ إلخ، والمراد: أجزأ بعضها الفاضل عن بعضها المفضول، فإذا نذر الصلاة في المسجد الأقصى: تجزئه الصلاة في المسجد الحرام أو المسجد المدني.
أو نذر في المدني تجزئ في المكي، لا العكس.
قوله: كالاعتكاف أي نظير
الاعتكاف في أنه إذا نذره في أحد المساجد الثلاثة أجزأ بعضها عن بعض، لكن بالمراد المار.
قوله: ولا يجزئ ألف صلاة أي أو مائة صلاة بالنسبة لمن نذر صلاة واحدة في المسجد الحرام، وإنما لم يجزئ ذلك لأن العبرة بما نذره، فلا يجزئ غيره عنه، وإن كان يساويه في الفضل.
وقوله: عن صلاة نذرها فيه أي في مسجد المدينة.
قوله: كعكسه وهو أنه لا يجزئ صلاة في المسجد النبوي عن ألف صلاة نذرها في غير مسجد المدينة.
قوله: كما لا يجزئ إلخ أي نظير ما لو نذر أن يقرأ ثلث القرآن، فلا يجزئ أن يقرأ بدله سورة الإخلاص، وإن ورد أنها تعدل ثلث القرآن.
قوله: ومن نذر إتيان سائر المساجد اعلم أن لفظ سائر: إن أخذ من السؤر - أي البقية - فهو بمعنى باقي.
وإن أخذ من سور البلد - أي المحيط بها - يكون بمعنى جميع.
والمناسب هنا: الثاني، لأنه لم يتقدم حكم إتيان بعض المساجد، حتى يكون هذا بيانا لحكم بقيتها.
وعليه: فلا بد من استثناء المساجد الثلاثة، فإنها تتعين للنذر - كما علمت - ويمكن أن يقال باحتمال الأول، ويكون قوله ولو نذر الصلاة إلخ: متضمنا لحكم النذر في المساجد الثلاثة، وهو تعينها به.
ثم إن نذره إتيان جميع المساجد ليس بقيد، بل مثله في عدم التعين للصلاة إتيان مسجد منها، ولو عبر به - كغيره - لكان أولى.
وقوله: وصلاة التطوع فيه يعني ونذر صلاة التطوع في سائر المساجد، وهي المقصودة من النذر.
وأما الإتيان إلى ما ذكر فهو لازم.
فلو قال: ومن نذر صلاة التطوع في سائر المساجد.
لكان أولى.
وخرج بصلاة التطوع صلاة الفرض، فإذا نذرها في مسجد تعينت فيه - صرح به في الروض، وعبارته مع شرحه: لو قال: لله علي أن أصلي الفرائض في المسجد: لزمه أن يصليها فيه، بخلاف النفل.
والفرق أن أداء الفرائض في المسجد أفضل، ولا يتعين لها مسجد.
وقضيته: أنه لو عين لها مسجدا غير الثلاثة، جاز أداؤها في غيره.
اه.
ومثل صلاة التطوع الصوم، فإذا نذره في مسجد لا يتعين له، إلا أنه لا يستثنى فيه شئ من المساجد، فلا يتعين الصوم بنذره في مسجد - ولو كان أحد المساجد الثلاثة -.
قوله: صلى أي الناذر.
وقوله: حيث شاء أي في أي مكان شاء الصلاة فيه - سواء كان المنذور فيه أو غيره -.
وقوله: ولو في بيته(2/418)
أي ولو صلى في بيته، فإنها تكفى عن صلاته في المسجد المنذور الصلاة فيه.
قوله: ولو نذر التصدق بدرهم أي معين أو غير معين.
وقوله: لم يجزئ عنه جنس آخر أي لا يجزئ أن يتصدق بدل الدرهم من جنس آخر - كمن الذهب، أو من النحاس - ولا من جنسه أيضا في المعين، كأن قال: بهذا الدرهم.
قوله: ولو نذر التصدق بمال بعينه أي كهذه الشاة، أو هذا الثوب، أو هذا الدينار، أو الدرهم.
وقوله: زال عن ملكه أي بمجرد النذر، ولو لغير معين، أو
لمعين ورده.
بخلاف المنذور في ذمته، فإنه لا يزول ملكه عنه إلا بعدم رد النذور له، فإن رده برئ الناذر.
قوله: فلو قال على إلخ مفرع على زوال ملكه عن المال المعين بمجرد النذر.
قوله: وعينها أي العشرين دينارا، أو التعيين يكون بإشارة إليها، أو وصف، كأن قال: بهذه العشرين، أو العشرين هذه، أو العشرين التي في الصندوق، أو الكيس.
وقوله: على فلان متعلق بأتصدق.
قوله: أو إن شفي مريضي إلخ أي أو قال إن شفى الله مريضى فعلى عشرون دينارا لفلان - وعين تلك العشرين كما مر -.
قوله: ملكها جواب فلو، والضمير المستتر يعود على المنذور له، والبارز يعود على العشرين دينارا.
قوله: وإن لم يقبضها أي فلان المنذور له.
وقوله: ولا قبلها أي وإن لم يقبلها لفظا.
وقوله: بل وإن رد أي بل يملكها وإن ردها - لما مر أن المنذور المعين لا يتأثر بالرد - كإعراض الغانم بعد اختياره التملك.
قوله: فله أي لفلان المنذور له.
وقوله: التصرف فيها أي في العشرين.
قوله: وينعقد حول زكاتها من حين النذر أي لأنها دخلت في ملكه من حينئذ.
قوله: وكذا إن لم يعينها هذا مقابل قوله وعينها.
أي وكذا يملكها المنذور له من حين النذر - إذا لم تكن معينة - كعلي أي أتصدق بعشرين، ولكن لم يردها على الناذر، فإن ردها برئ الناذر وبطل النذر، لما مر أن الملتزم في الذمة لا يملك إلا بقبض صحيح، فإذا رد قبل قبضه أثر فيه الرد.
والحاصل أن النذر على فلان إن كان بمعين لم يرتد بالرد، وإن كان بغير معين ارتد به.
قوله: فتصير أي العشرون.
وقوله: دينا له أي للمنذور له.
وقوله: عليه أي على الناذر.
قوله: ويثبت لها أي العشرين التي صارت دينا على الناذر.
وقوله: أحكام الديون فاعل يثبت.
وقوله: من زكاة إلخ بيان للأحكام والزكاة على المنذور له، لأن العشرين المنذورة صارت ملكه، فهو كالدائن.
وقوله: وغيرها أي غير الزكاة من جواز الاستبدال عنها والإبراء منها.
قوله: ولو تلف المعين أي عند الناذر.
قوله: لم يضمنه أي الناذر.
وقوله: إلا إن قصر كأن طالبه المنذور له وامتنع من إعطائه إياه، فإنه يضمن بدله.
وقوله: على ما استظهره شيخنا أي في التحفة.
وعبارتها: وإن تلف المعين في يده لا يضمنه - أي إلا إن قصر - كما هو ظاهر.
اه.
قوله: ولو نذر أن يعمر مسجدا معينا أي كأن قال: لله علي أن أعمر هذا المسجد، أو المسجد الحرام.
أو قال: إن شفى الله مريضي فعلي عمارة هذا المسجد، فإنه يتعين عليه عمارته، قال ع ش: ويخرج عن عهدة ذلك بما يسمى عمارة بمثل ذلك المسجد.
اه.
ولو قال: إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا، فلغو، لأنه وعد عار عن الالتزام، والنذر هو التزام قربة - كما مر -.
قال في التحفة: نعم، لو نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده.
اه.
ومثله في النهاية.
قوله: أو في موضع معين أي أو نذر أن يعمر مسجدا في مكان معين - كمكة والمدينة -.
قوله: لم يجز إلخ
جواب لو.
وقوله: له أي للناذر.
وقوله: أن يعمر غيره أي مسجدا غير المسجد الذي عينه في نذره.
وقوله: بدلا عنه أي حال كون الغير بدلا عن المسجد الذي عينه.
وخرج به ما لو أراد أن يعمره - لا بقصد البدلية عما نذره - فجائز.
فالممنوع: تعميره بقصد البدلية.
قال في النهاية: ولو نذر عمارة هذا المسجد وكان خرابا، فعمره غيره، فهل يبطل نذره لتعذر نفوذه، لأنه إنما أشار(2/419)
إليه وهو خراب - فلا يتناوله خرابه مرة أخرى - أو لا، بل يوقف حتى يخرب فيعمره تصحيحا للفظ ما أمكن؟ كل محتمل، والأول أقرب.
وتصحيح اللفظ ما أمكن إنما يعدل إليه إن احتمله لفظه، وقد تقرر أن لفظه لا يحتمل ذلك، لأن الإشارة إنما وقعت للخراب حال النذر لا غير.
نعم، إن نوى عمارته - وإن خرب بعد - لزمته.
اه.
قوله: ولا في موضع آخر أي ولا يجوز أن يعمر مسجدا في موضع آخر غير الموضع الذي نذر أن يعمر مسجد فيه.
قوله: كما لو نذر إلخ الكاف للتنظير، أي لا يجوز أن يعمر غير المعين، نظير ما لو نذر أن يتصدق بدرهم فضة، فلا يجوز أن يبدله بدينار.
ومثله ما لو عين مكانا للصدقة فإنه يتعين ولا يجوز التصدق في غيره - كما مر.
قوله: لاختلاف الأغراض أي المقاصد، وهو علة لكل من عدم جواز تعمير مسجد آخر غير المسجد المعين في النذر أو في موضع غير الموضع المعين فيه.
وعدم جواز التصدق بدينار بدل الدرهم، أي وإنما لم يجز ذلك لاختلاف المقاصد، فيمكن أن الناذر له قصد وغرض بتعمير مسجد دون أخر، أو في موضع دون آخر، كقربه من داره، أو عدم وجود مسجد في ذلك الموضع الذي عين تعمير مسجد فيه.
ويمكن أن الدرهم هو الرائج في السوق دون الدينار، فيرغب المنذور له في الأول، دون الثاني.
قوله: تتمة أي في بيان حكم نذر المقترض لمقرضه.
قوله: في نذر مقترض متعلق باختلف، والمراد الاختلاف في حكم ذلك، من الصحة وعدمها.
قوله: مالا مفعول لنذر، ويصح أن يكون مفعولا لمقترض، ويكون مفعول نذر محذوفا يدل عليه المذكور.
وقوله: معينا كعشرة دراهم، أو هذه العشرة.
والتعيين ليس بقيد في صحة النذر، لما مر أنه لا يشترط معرفة الناذر ما نذر به، وأنه يصح بالمجهول والمعدوم - كالوصية.
قوله: ما دام دينه عبارة النهاية: ما دام دينه أو شئ منه.
ولو اقتصر على قوله في نذره ما دام مبلغ القرض في ذمته ثم دفع المقترض شيئا منه، بطل حكم النذر - أي بلا خلاف - لانقطاع الديمومة.
اه.
بحذف.
قال ش ق: فيشترط أن يقول: لله علي ما دام المبلغ المذكور أو شئ منه في ذمتي أن أعطيك كل يوم أو كل سنة أو
كل شهر كذا.
فإن لم يقل أو شئ منه، ودفع دينارا مثلا، ونوى جعله من رأس المال، لم يلزمه بعد ذلك شئ، لأنه لم يبق المبلغ كله في ذمته.
اه.
إذا علمت ذلك، فقوله ما دام دينه: المراد كله، أو شئ منه، وليس المراد الأول فقط.
قوله: فقال بعضهم: لا يصح أي نذر المقترض المذكور.
قوله: لأنه أي النذر المذكور.
وهو علة لعدم الصحة.
وقوله: على هذا الوجه الخاص أي وهو كونه في مقابلة دوام الدين في ذمته.
وقوله: غير قربة أي وشرط النذر أن يكون لقربة.
وقوله: بل يتوصل به أي بالنذر.
والإضراب انتقالي.
وقوله: إلى ربا النسيئة أي هو أن يشترط أجلا في أحد العوضين.
وفي ذلك نظر ظاهر، إذ هو لا يكون إلا في عقد كبيع - كما سيذكره بعده -.
قوله: وقال بعضهم: يصح أي نذر المقترض للمقرض.
قال ع ش: ومحل الصحة حيث نذر لمن ينعقد نذره له، بخلاف ما لو نذر لأحد بني هاشم والمطلب، فلا ينعقد، لحرمة الصدقة الواجبة - كالزكاة، والنذر، والكفارة - عليهم.
اه.
وجمع في التحفة بين القولين، وعبارتها: وقد يجمع بحمل الأول - أعني عدم الصحة - على ما إذا قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له.
والثاني - أعني الصحة - على ما إذا جعله في مقابلة حصول النعمة أو اندفاع النقمة المذكورين، ويتردد النظر في حالة الإطلاق.
والأقرب: الصحة، لأن إعمال كلام المكلف - حيث كان - له محمل صحيح، خير من إهماله.
اه.
بتصرف.
قوله: لأنه أي نذر المقترض لمقرضه.
وقوله: في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إضافة نعمة لما بعدها(2/420)
للبيان، أي نعمة هي ربح القرض، وإضافة ربح لقرض بمعنى اللام.
والمراد من القرض: اسم المفعول، أي ربح للمقرض.
وقد عبر باسم المفعول في النهاية.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: لأنه في مقابلة إلخ.
لكن مر أنه لو نذر شيئا لذمي أو مبتدع جاز صرفه لمسلم أو سني.
وعليه، فلو اقترض من ذمي ونذر له بشئ ما دام دينه في ذمته، انعقد نذره، لكن يجوز دفعه لغيره من المسلمين.
فتفطن له فإنه دقيق.
وهذا بخلاف ما لو اقترض الذمي من مسلم ونذر له بشئ ما دام الدين عليه، فإنه لا يصح نذره، لما مر من أن شرط الناذر الإسلام.
اه.
قوله: أن اتجربه أي بالقرض، بمعنى اسم المفعول.
قوله: أو فيه اندفاع إلخ أي أو لأن فيه اندفاع نقمة المطالبة.
فقوله: اندفاع: معطوف على الضمير في لأنه، والجار والمجرور قبله معطوف على في مقابلة.
وعبارة التحفة:
أو اندفاع نقمة المطالبة، بإسقاط لفظ فيه.
وهو الأولى، لأن المعنى أو لأنه في مقابلة اندفاع النقمة المذكورة.
قوله: إن احتاج أي الناذر المقترض.
وقوله: لبقائه أي الدين.
وقوله: لإعسار علة للاحتياج.
وقوله: أو إنفاق أي عليه أو على من تلزمه مؤنته، وهو معطوف على إعسار، فهو علة ثانية للاحتياج.
قوله: ولأنه يسن الخ معطوف على لأنه في مقابلة إلخ، فهو علة ثانية لصحة نذر المقترض.
وقوله: أن يرد زيادة أي للخبر الصحيح: إن خياركم أحسنكم قضاء.
قوله: فإذا التزمها أي الزيادة.
وقوله: بنذر أي بسبب نذر.
وقوله: انعقد أي نذره.
وقوله: ولزمته أي الزيادة التي التزمها.
قوله: فهو أي ما التزمه المقترض بالنذر.
وقوله: حينئذ أي حين إذ كان على هذا الوجه الخاص - أعني ما دام الدين في ذمته -.
وقوله: مكافأة إحسان أي ذو مكافأة للإحسان، أي وهو رضا المقرض ببقاء ماله في ذمة المقترض.
والحاصل الرضا المذكور إحسان، والتزام المقترض بشئ زائد على الدين الذي عليه مقابل له.
قوله: لا وصلة للربا أي لا أنه يوصل للربا، أي ربا النسيئة.
قوله: إذ هو أي الربا من حيث هو - سواء كان ربا نسيئه أو ربا قرض، أو لا.
قوله: لا يكون إلا في عقد أي في صلب عقد، أي وفي مسألتنا لم يوجد عقد.
وقوله: كبيع تمثيل للعقد.
فإذا باعه ربويا بربوي متحدي الجنس، وشرط أحدهما في صلب العقد زيادة في أحد العوضين، كان ربا.
قوله: ومن ثم أي ومن أجل أن الربا لا يكون إلا في عقد.
قوله: لو شرط عليه النذر في عقد القرض كأن قال: أقرضتك هذه العشرة، بشرط أن تنذر أنك تردها اثني عشر.
وقوله: كان ربا أي ربا قرض، إذ هو ما جر نفعا للمقرض مشروطا في صلب العقد - كما سيأتي -.
قوله: وقال شيخ مشايخنا إلخ هذا تأييد للقول بصحة نذر المقترض شيئا للمقرض ما دام دينه في ذمته.
قوله: فيما إذا نذر، إلخ أي في بيان حكم ذلك.
وقوله: منفعة الأرض المرهونة هي ما يحصل من إيجارها أو من الثمار الكائنة فيها.
وقوله: مدة إلخ ظرف متعلق بمنفعة.
قوله: والذي رأيته إلخ مقول القول.
قوله: ما هو صريح خبر الذي.
وقوله: في الصحة أي صحة نذر منفعة الأرض المرهونة للدائن.
قوله وممن أفتى بذلك أي بما ذكر، من صحة النذر بما ذكر للدائن.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب(2/421)
قال المؤلفف رحمه الله تعالى.
وقد تم تبيض وتحرير هذا الجزء الثاني من الحاشية المباركة - بحمد الله، وعونه، وحسن توفيقه - يوم الاربعاء المبارك لاثني عشر من شعبان المكرم، سنة تسع وتسعين بعن المائتين والالف، من هجرة من خلق على أحسن وصف.
صلى الله عليه وسلم - على يد مؤلفها: فقير عفو ربه، وأسير وصمة ذنبه، الراجي من ربه كشف الغطا: أبي بكر بن محمد شطا - غفر الله له، ولمشايخه، ولمحبيه، ولسائر المسلمين.
وأرجو - من الكريم الوهاب، متوسلا بسيدنا محمد: سيد الاحباب - أن يعين على التمام والكمال، ويمن علينا بجزيل الافضال.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا دائما إلى وم الدين.
وسلام على المرسلين.
والحمد الله رب العالمين.
آمين.
تم الجزء الثاني من إعانة الطالبين ويليه الجزء الثالث: أوله (باب البيع)(2/422)
باب البيع (1)
لما أنهى الكلام على ربع العبادات، التي المقصود منها التحصيل الأخروي - وهي أهم ما خلق له الإنسان - أعقبه بربع المعاملات، التي المقصود منها التحصيل الدنيوي - ليكون سببا للأخروي - وأخر عنهما ربع النكاح - لأن شهوته متأخرة عن شهوة البطن، وأخر ربع الجنايات والمخاصمات لأن ذلك إنما يكون بعد شهوة البطن والفرج.
(قوله: هو) أي البيع.
(وقوله: لغة) الأظهر أنه تمييز للنسبة، أو ظرف مكان مجازا لها، فحقه التأخير عن الخبر.
والتاء - في لغة - عوض من الواو، لأنه من لغا يلغو - إذا تكلم - تطلق اسما على ألفاظ مخصوصة، ومصدرا على الاستعمال، كقولهم لغة تميم إهمال ما - ونحو ذلك.
(قوله: مقابلة شئ بشئ) أي على وجه المعاوضة، ليخرج نحو ابتداء السلام ورده، فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة مريض بعيادة مريض آخر بيعا في اللغة - كذا قال بعضهم - وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه، وهو ظاهر كلام الشارح، ومنه بالمعنى اللغوي: قوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم) * - إلى أن قال سبحانه - * (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم) * (2) ، وقول بعضهم: ما بعتكم مهجتي إلا بوصلكم ولا أسلمها إلا يدا بيد فإن وفيتم بما قلتم وفيت أنا وإن غدرتم فإن الرهن تحت يدي فالمبيع: هو المهجة - وهو الروح - والثمن: هو الوصل: (قوله: وشرعا) عطف على لغة، وهو مقابل لها.
(وقوله: مقابلة إلخ) أي عقد يتضمن مقابلة مال بمال، لأن البيع ليس هو المقابلة، وإنما هو العقد.
والأحسن في تعريفه - كما قال بعضهم - أن يقال: هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام، لا على وجه القربة.
ووجه الأحسنية فيه: أنه سالم من التسمح - بحذف المضاف المذكور - وأنه يشمل بيع المنافع على التأبيد: كبيع حق البناء والخشب على جداره، وكبيع حق الممر للماء بأن لا يصل الماء إلى محله إلا بواسطة ملك غيره.
والتعريف الذي ذكره
__________
(1) وهو عقد مشروع ثبتت مشرعيته بالكتاب والسنة ففى تنزيل العزيز الحميد قوله تعالى: (وأحل الله البيع) (البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) (النساء، الاية: 29) وفي السنة عندما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الكسب أطيب؟ قال: " عمل الرجل بيده وكل عمل مبرور " رواه البزار وصححه الحاكم.
(2) سورة التوبة، الاية: 111.(3/5)
المؤلف لا يشمل ذلك إلا إن أريد بالمال فيه ما يشمل المنفعة.
وخرج بقوله في التعريف الذي ذكره مقابلة إلخ: الهبة التي بلا ثواب، فإنه لا مقابلة فيها، فلا تسمى بيعا.
وخرج أيضا: الإجارة والنكاح - لأنهما ليس فيها مقابلة مال بمال، لأن الإجارة فيها مقابلة منفعة بمال، والنكاح فيه مقابلة انتفاع.
وخرج بالمعاوضة في التعريف الثاني نحو الهبة.
وبالمحضة: نحو النكاح.
وبقوله على الدوام: الإجارة - فإنها وإن كان فيها مقابلة منفعة بمال، ليست على الدوام.
وبلا
على وجه القربة: القرض، فإنه - وإن كان فيه معاوضة مال بمال - فهو على وجه القربة.
(قوله: على وجه مخصوص) أي وهو شروطه الآتية.
(قوله: والأصل فيه) أي في حكمه.
(قوله: وأحل الله البيع) أي المعهود عندهم، وهو مقابلة مال بمال على وجه مخصوص - فالآية متضحة الدلالة - لا مجملة.
(قوله: وأخبار) معطوف على آيات، أي والأصل فيه أخبار.
(قوله: كخبر إلخ) أي وكخبر: إنما البيع عن تراض.
(قوله: أي الكسب أطيب؟) أي أي أنواع الكسب أفضل وأحسن؟ (قوله: فقال) أي النبي.
(وقوله: عمل الرجل بيده) أي وهو الصناعة - وقيل يشمل الزراعة - وكونه باليد جري على الغالب.
(قوله: وكل بيع مبرور) هو التجارة.
(وقوله: أي لا غش فيه ولا خيانة) هذا مدرج من كلام الراوي.
والفرق بين الغش والخيانة: أن الأول تدليس يرجع إلى ذات المبيع، كأن يجعد شعر الجارية، ويحمر وجهها، والثاني أعم، لأنه تدليس في ذاته أو صفته أو أمر خارج، كأن يصفه بصفات كاذبة، وكأن يذكر له ثمنا كاذبا.
(قوله: يصح البيع إلخ) .
(اعلم) أن أركان البيع ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
وفي الحقيقة: ستة، لأن كل واحد من الأركان الثلاثة: تحته قسمان - فالأول: تحته البائع والمشتري.
والثاني: تحته الثمن والمثمن.
والثالث: تحته الإيجاب والقبول - ولم يصرح المؤلف بالركنين الأولين، وإنما أشار إليهما بقوله وشرط في عاقد، وقوله وفي معقوده.
وصرح بالصيغة بقوله بإيجاب وقبول، وبدأ بها لقوة الخلاف فيها - وإن تقدما عليها طبعا - ثم هي على قسمين: صريح، وكناية، والأول: مما دل على التمليك - أو التملك - دلالة ظاهرة مما اشتهر وكرر على ألسنة حملة الشرع: كبعتك، وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا.
والثاني: ما احتمل البيع وغيره، كجعلته لك، وخذه، وتسلمه، وبارك الله لك فيه.
ويشترط في صحة الصيغة: أن يذكر المبتدئ - بائعا أو مشتريا - كلا من الثمن والمثمن.
وأما المجيب فلا يشترط أن يذكرهما - ولا أحدهما - فلو قال البائع: بعتك كذا بكذا، فقال قبلت، أو قال المشتري: اشتريت منك كذا بكذا، فقال البائع بعتك، كفى منهما.
فإن لم يذكر المبتدي منهما العوضين معا: لم يصح العقد.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ولو هزلا) غاية في صحة البيع بالإيجاب.
أي يصح به ولو صدر منه على سبيل الهزل - أي المزح - وهو أن لا يقصد باللفظ حقيقة الايقاع.
وفي سم: هل الاستهزاء كالهزل؟ فيه نظر، ويتجه الفرق - لأن في الهزل قصد اللفظ لمعناه، غير أنه ليس راضيا به.
وليس في الإستهزاء قصد اللفظ لمعناه.
ويؤيده أن الاستهزاء يمنع الاعتداد بالإقرار.
اه (قوله: وهو) أي الإيجاب.
(وقوله: ما دل على التمليك دلالة ظاهرة) هذا التعريف شامل للإيجاب الصريح والكناية، لأن كليهما يدل دلالة ظاهرة.
غاية الأمر أن دلالة الصريح أقوى، بخلاف الكناية فإن دلالتها بواسطة ذكر العوض على اشتراطه فيها، أو نيته على عدم الإشتراط.
وخرج بذلك: ما لا يدل دلالة ظاهرة - كملكتكه، وجعلته لك - من غير ذكر عوض أو نيته.
(قوله: كبعتك) يشير إلى شرطين في الصيغة، وهما: الخطاب، ووقوعه على جملة المخاطب.
(وقوله: ذا بكذا) يشير إلى شرط ثالث، وهو أنه لا بد من ذكر الثمن والمثمن - كما مر عن البجيرمي -.
(قوله: وهو لك بكذا) اختلف فيه: هل هو صريح أو كناية؟ والمعتمد الثاني.
وعلى الأول: يفرق بينه وبين جعلته لك الآتي: بأن الجعل ثم محتمل، وهنا لا احتمال.
اه.(3/6)
حجر.
وكتب سم ما نصه: قوله وهنا لا احتمال: إن أراد أن عدم الاحتمال بسبب قوله بكذا، فليكن جعلته لك بكذا كذلك، وإن أراد أنه بدونه.
أبطله قولهم في الوصية أنه لو اقتصر على هو له، فإقرار، إلا أن يقول من مالي، فيكون وصية.
اه.
(قوله: وملكتك، أو وهبتك ذا بكذا) هذا من الصريح، ولا ينافي ذلك كونهما صريحين في الهبة، لأن محله عند عدم ذكر الثمن.
(قوله: وكذا جعلته لك) أي ومثل المذكورات في صحة الإيجاب به: جعلته لك، وهو من الكناية، فلذلك قيده بقوله إن نوى به البيع.
(وقوله: بكذا) هو كناية عن العوض، ولا يشترط ذكره، بل تكفي نيته عند حجر، وعند م ر يشترط ذكره، ولا تكفي نيته.
والخلف بينهما في الكناية فقط، أما في الصريح: فيشترط ذكره عندهما.
قال في التحفة: وليس منها - أي الكناية - أبحتكه، ولو مع ذكر الثمن - كما اقتضاه إطلاقهم - لأنه صريح في الإباحة مجانا لا غير، فذكر الثمن مناقض له.
وبه يفرق بينه وبين صراحة: وهبتك هنا، لأن الهبة قد تكون بثواب، وقد تكون مجانا، فلم ينافها ذكر الثمن - بخلاف الإباحة - ثم قال: وإنما انعقد بها - أي الكناية - مع النية في الأصح مع احتمالها - أي لغير البيع - قياسا على نحو الإجارة والخلع، وذكر الثمن أو نيته بتقدير الإطلاع عليها منه يغلب على الظن إرادة البيع، فلا يكون المتأخر من العاقدين قابلا ما لا يدريه.
اه.
ومما يقوم مقام الإيجاب: اشتر مني هذا بكذا، وهو يسمى استقبالا: أي طلب القبول، لأن معناه: اقبل مني كذا بكذا.
(قوله: وقبول) بالجر، عطف على إيجاب.
أي ويصح بإيجاب مع قبول.
(قوله: من المشتري) متعلق بمحذوف صفة لقبول.
أي قبول كائن من المشتري، ويقوم مقام القبول منه، قوله للبائع: يعني ذا بكذا، ويسمى هذا: استيجابا، أي طلب الجواب.
(قوله: ولو هزلا) أي ولو صدر منه القبول على سبيل الهزل، فإنه يصح، ويلزم به البيع.
قال سم:
قال في الأنوار: ولو اختلفا في القبول فقال أوجبت ولم تقبل، وقال المشتري قبلت، صدق بيمينه.
اه.
(قوله: وهو) أي القبول.
(قوله: ما دل على التملك كذلك) أي دلالة ظاهرة، بخلاف غير الظاهر، كأن قال تملكت فقط، فإنه لا يكفي، لأنه يحتمل الشراء والهبة وغيرهما.
(قوله: كاشتريت) أي وما اشتق منه - كأنا مشتر - (وقوله: هذا بكذا) الأول كناية عن المبيع، والثاني كناية عن الثمن.
(قوله: وقبلت إلخ) أي واتبعت واخترت.
(قوله: هذا بكذا) راجع لقبلت وما بعده.
(قوله: وذلك لتتم الصيغة) أي اشتراط الإتيان بالإيجاب والقبول معا لأجل أن تتم الصيغة، التي هي عبارة عن مجموعهما، فاسم الإشارة يعود على معلوم من المقام (قوله: الدال) بالرفع، نعت سببي للصيغة.
(وقوله: على اشتراطها) أي الصيغة.
(قوله: إنما البيع عن تراض) أي صادر عن تراض.
(قوله: والرضا إلخ) بيان لوجه دلالة الحديث على اشتراط الصيغة.
وحاصله أن في الحديث حصر صحة البيع في الرضا وهو خفي، إذ هو معنى قائم بالقلب، فلا إطلاع لنا عليه، فاشترط لفظ يدل عليه، وهو الصيغة.
(قوله: فاعتبر ما يدل عليه) أي الرضا من اللفظ، وذلك لأن دلالة اللفظ على ما في النفس أقوى من دلالة القرائن، فلا يقال إن القرائن تدل على الرضا.
ومثل اللفظ ما يقوم مقامه، كإشارة الأخرس المفهمة.
(قوله: فلا ينعقد الخ) تفريع على اشتراط الصيغة.
(قوله: لكن اختير الانعقاد إلخ) استدراك من عدم انعقاده بالمعاطاة الموهم أن ذلك مطلقا وبالإتفاق: أي لكن اختار بعضهم - وهو النووي - انعقاد البيع بالمعاطاة في كل شئ يعد العرف المعاطاة فيه بيعا.
وعبارة التحفة: واختار المصنف - كجمع - انعقاده بها في كل ما يعده الناس بها بيعا، وآخرون في محقر كرغيف.
والاستجرار من بياع: باطل اتفاقا، أي إلا إن قدر الثمن في كل مرة، على أن الغزالي، سامح فيه، بناء على جواز المعاطاة.
اه.
(قوله: فعلى الأول) أي عدم الانعقاد.
(وقوله المقبوض(3/7)
بها) أي بالمعطاة.
(وقوله: كالمقبوض بالبيع الفاسد) أي فيجب على كل أن يرد ما أخذه على الآخر إن بقي، أو بدله إن تلف.
قال سم: فهو إذا كان باقيا على ملك صاحبه، فإن كان زكويا فعليه زكاته، لكن لا يلزم إخراجها، إلا إن عاد إليه، أو تيسر أخذه.
وإن كان تالفا فبدله دين لصاحبه على الآخر، فحكمه كسائر الديون في الزكاة.
اه.
(قوله: أي في أحكام الدنيا) أي أن المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد بالنسبة للأحكام الدنيوية.
(وقوله: أما الآخرة فلا مطالبة بها) أي إذا لم يرد كل ما أخذه فلا يعاقب عليها في الآخرة - أي لطيب النفس بها، واختلاف العلماء فيها - لكن هذا من حيث المال، وأما من حيث تعاطي العقد الفاسد، فيعاقب عليه، إذا لم يوجد مكفر.
(قوله: ويجري خلافها) أي المعاطاة.
(وقوله:
في سائر العقود) أي المالية، كالرهن، والشركة، والإجارة.
(قوله: وصورتها) أي المعاطاة.
(قوله: أن يتفقا) أي البائع والمشتري.
أي من قبل صدور المعاطاة منهما، ثم يعطي كل صاحبه ممن غير إيجاب وقبول.
(قوله: وإن لم يوجد لفظ من واحد) غاية في الاتفاق.
أي سواء حصل مع اتفاقهما لفظ من أحدهما أم لا.
ولو قال: وإن وجد لفظ من أحدهما، لكان أولى، إذ لا يغيا إلا بالبعيد.
والمراد باللفظ: الإيجاب، أو القبول.
(والحاصل) المعاطاة: هي أن يتفق البائع والمشتري على الثمن والمثمن، ثم يدفع البائع المثمن للمشتري، وهو يدفع الثمن له، سواء كان مع سكوتهما، أو مع وجود لفظ إيجاب أو قبول من أحدهما، أو مع وجود لفظ منهما لكن لا من الألفاظ المتقدمة - كما في ع ش - وعبارته: ولا تتقيد المعاطاة بالسكوت، بل كما تشمله تشمل غيره من الألفاظ غير المذكورة في كلامهم، للصريح والكناية.
اه.
وفي فتح الجواد: ويظهر أن ما ثمنه قطعي الإستقرار - كالرغيف بدرهم بمحل لا يختلف أهله في ذلك - لا يحتاج لاتفاق فيه، بل يكفي الأخذ والإعطاء مع سكوتهما.
اه.
(قوله: ولو قال متوسط) هو الدلال أو المصلح.
قال في النهاية: وظاهر أنه لا يشترط فيه أهلية البيع، لأن العقد لا يتعلق به.
اه.
(قوله: بعت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي البائع (وقوله: نعم) أي بعت (قوله: أو وإي) بكسر الهمزة، حرف جواب، ومثلها جير.
(وقال) أي المتوسط (وقوله: اشتريت) هو بتاء المخاطب (قوله: فقال) أي المشتري.
(وقوله: نعم) أي أو إي، أو جير.
(قوله: صح) أي البيع، بما ذكر من قول البائع للمتوسط: نعم، وقول المشتري له: نعم، فينعقد البيع بذلك، لأن الأول دال على الإيجاب، والثاني دال على القبول.
(قوله: ويصح أيضا إلخ) أي كما يصح البيع بالجواب منهما للمتوسط بنعم أو إي، يصح بجواب أحد المتعاقدين للآخر، وذلك بأن يقول المشتري للبائع: بعت؟ فيقول له: نعم، ويقول البائع للمشتري: اشتريت؟ فيقول له: نعم.
وظاهر النهاية: عدم الصحة فيما ذكر، وعبارتها: فلو كان الخطاب من أحدهما للآخر: لم يصح - أي الجواب بنعم -.
قال ع ش: كأن قال: بعتني هذا بكذا؟ فقال: نعم.
اه.
(وقوله: منهما) أي من المتعاقدين.
(وقوله: لجواب إلخ) الجار والمجرور حال من نعم - أي حال كونها مأتيا بها لأجل جواب الخ.
(وقوله: قول المشتري) أي للبائع.
(وقوله: والبائع) أي وجواب قول البائع للمشتري: اشتريت؟ (قوله: حرف استقبال) المراد به حرف المضارعة - كالهمزة، والنون كما يرشد بذلك المثال - (وقوله: لم يصح) أي الإيجاب المقرون بحرف الاستقبال، أو القبول المقرون بذلك.
وفي البجيرمي: إنه لا يصح صراحة، أما كناية فيصح.
ونصه:(3/8)
(فرع) أتى بالمضارع في الإيجاب: كأبيعك، أو في القبول: كأقبل - صح.
لكنه كناية، فما في العباب من عدم صحة البيع بصيغة الإستقبال محمول على نفي الصراحة، كما يشعر به تعليلهم باحتمال الوعد والإنشاء.
اه.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد والتحفة، ولكن اللفظ للأول.
(قوله: من العامي) المراد به ما قابل العالم.
(قوله: نحو فتح تاء المتكلم) اندرج تحت نحو ضم تاء المخاطب، وإبدال الكاف ألفا، وغير ذلك.
قال ع ش: قال حجر: وظاهر أنه يغتفر من العامي فتح التاء في التكلم، وضمها في التخاطب، لأنه لا يفرق بينهما.
ومثل ذلك: إبدال الكاف ألفا، ونحو ذلك.
اه.
سم.
وظاهره - ولو مع القدرة على الكاف من العامي - ومفهومه أنه لا يكتفي بها من غير العامي، وظاهر أن محله حيث قدر على النطق بالكاف.
اه.
(قوله: وشرط صحة الإيجاب والقبول كونهما إلخ) شروع في بيان شروط أركان البيع الثلاثة، التي هي العاقد، والمعقود عليه، والصيغة.
وبدأ بشروط الصيغة، وذكر منها متنا وشرحا: أربعة وهي: عدم الفصل وعدم التعليق، وعدم التأقيت، وتوافق الإيجاب والقبول معنى.
وبقي عليه منها ثمانية - الأول منها: أن لا يغير المبتدئ من العاقدين ما أتى به، فلو قال بعتك ذا العبد - بل الجارية - فقبل، لم يصح.
أو بعتك هذا حالا - بل مؤجلا -: لم يصح - لضعف الإيجاب بالتغيير -.
الثاني: التلفظ - بحيث يسمعه من يقربه عادة، وإن لم يسمعه المخاطب - ويتصور وجود القبول منه مع عدم سماعه، بما إذا بلغه السامع فقبل فورا، أو حمل الريح إليه لفظ الإيجاب فقبل كذلك، أو قبل اتفاقا - كما في البجيرمي، نقلا عن سم - فلو لم يسمعه من بقربه لم يصح.
قال ع ش: وإن سمعه صاحبه لحدة سمعه، لأن لفظه كلا لفظ، وإن توقف فيه بعضهم.
اه.
الثالث: بقاء الأهلية إلى وجود الشق الثاني، فلو جن الأول قبل وجود القبول لم يصح.
الرابع: أن يكون القبول ممن صدر معه الخطاب، فلو قبل غيره في حياته أو بعد موته لم يصح.
الخامس: أن يذكر المبتدئ منهما الثمن والمثمن.
السادس: أن يأتي بكاف الخطاب، ويستثنى منه المتوسط المتقدم، ولفظ نعم من المتعاقدين.
السابع أن يضيف البيع لجملته فلو قال بعت يدك: لم يصح - إلا إن أراد التجوز عن الجملة.
الثامن: أن يقصد اللفظ لمعناه، فلو سبق به لسانه، أو كان أعجميا لا يعرف معنى البيع: لم يصح - كما قال م ر.
(قوله: كونهما) أي الإيجاب والقبول.
(وقوله: بلا فصل) متعلق بمحذوف خبر الكون، باعتبار الشرح.
وباعتبار المتن: يكون متعلقا بيصح، أو بمحذوف صفة لكل من إيجاب وقبول.
(قوله: بسكوت) متعلق بفصل.
(وقوله: طويل)
هو ما أشعر بالإعراض عن القبول.
قال البجيرمي: المعتمد أنه بقدر ما يقطع القراءة في الفاتحة، وهو الزائد على سكتة التنفس.
اه.
(وقوله: يقع بينهما) أي بين لفظهما، أو إشارتهما، أو كتابتهما، أو لفظ أحدهما، أو كتابة، أو إشارة الآخر، أو كتابة أحدهما وإشارة الآخر، لكن العبرة في الفصل بالسكوت - بالنسبة للكتابة بعد علم المكتوب إليه - (وقوله: بخلاف اليسير) أي فإنه لا يضر.
قال في التحفة والنهاية - والعبارة للنهاية -: والأوجه أن السكوت اليسير ضار إذا قصد به القطع - أخذا مما مر في الفاتحة -.
ويحتمل خلافه، وبفرق.
اه.
(وقوله: ويحتمل خلافه) جزم به الزيادي، وعبارته: ولو قصد به القطع - بخلاف القراءة - لأنها عبادة بدنية محضة، وهي أضيق من غيرها.
اه.
وهي تفيد الصحة مع قصد القطع.
(قوله: ولا تخلل لفظ) معطوف على فصل - من عطف الخاص على العام - أي وبلا تخلل لفظ.
قال في التحفة: من المطلوب جوابه.
وقال سم: وكذا من الآخر على الأوجه، وفاقا لشيخنا الشهاب الرملي، ووجهه أن التخلل إنما ضر لإشعاره بالإعراض، والإعراض مضر من كل منهما، فإن غير المطلوب جوابه لو رجع قبل لفظ الآخر أو معه، ضر.
فكذا لو وجد منه ما يشعر بالرجوع والإعراض.
فتأمله يظهر لك وجاهة ما اعتمده شيخنا.
اه.(3/9)
والعبرة في التخلل في الغائب: بما يقع منه عقب علمه أو ظنه بوقوع البيع له.
اه.
نهاية.
قال ع ش: أما الحاضر، فلا يضر تكلمه قبل علم الغائب.
اه.
(قوله: وإن قل) أي اللفظ المتخلل فإنه يضر، وهو شامل للحرف المفهم، وهو متجه، لأنه كلمة، ولغير المفهم - وهو محل نظر - نعم، يغتفر اليسير لنسيان أو جهل إن عذر - كالصلاة -.
ويغتفر لفظ قد: لأنها للتحقيق فليست بأجنبية.
ويغتفر لفظ: والله اشتريت.
واختلف في الفصل بأنا.
في - أنا قبلت - فقيل يغتفر، وقيل لا.
(قوله: أجنبي) صفة للفظ.
(قوله: بأن لم يكن من مقتضاه) أي العقد.
وهو تصوير للأجنبي من العقد، فإن كان منه - كالقبض، والانتفاع، والرد بعيب، - لم يضر الفصل به.
(وقوله: ولا من مصالحه) فإن كان منها - كشرط الرهن، والإشهاد - لم يضر.
وزاد في التحقة والنهاية: ولا من مستحباته، فإن كان منها - كالبسملة، والحمدلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضر أيضا.
(قوله: ويشترط أيضا أن يتوافقا) أي الإيجاب والقبول.
(وقوله: معنى) أي في المعنى، أي بأن يتفقا في الجنس، والنوع، والصفة، والعدد، والحلول، والأجل.
(قوله: لا لفظا) أي لا يشترط اتفاقهما في اللفظ، فلو اختلفا فيه - كأن قال البائع: وهبتكه بكذا، فقال المشتري: اشتريت، أو بالعكس - وكما لو قال بعتكه بقرش، فقال اشتريت بثلاثين نصف فضة:
صح ذلك.
(قوله: فلو قال بعتك إلخ) مفرع على مفهوم الشرط.
(قوله: فزاد) أي المشتري، كأن قال اشتريت بألفين.
(وقوله: أو نقص) أي كأن قال اشتريت بخمسمائة.
(قوله: أو بألف حالة) أي أو قال البائع: بعتك بألف حالة.
(قوله: فأجل) أي المشتري: أي قال اشتريت منك بألف مؤجلة.
(وقوله: أو عكسه) أي بأن قال ابائع بعتك بألف مؤجلة، فقال المشتري: اشتريت بألف حالة.
(وقوله: أو مؤجلة بشهر) أي أو قال بعتك بألف مؤجلة بشهر.
(وقوله: فزاد) أي المشتري، بأن قال اشتريت بألف مؤجلة بشهرين.
(قوله: لم يصح) أي البيع، وهو جواب لو.
(وقوله: للمخالفة) أي بين الإيجاب والقبول، لكون القبول على ما لم يخاطب به.
(قوله: وبلا تعليق) معطوف على بلا فصل.
أي ويشترط كونهما من غير تعليق.
(قوله: فلا يصح معه) أي لا يصح البيع مع وجود التعليق في الإيجاب أو القبول، ومحله إن كان التعليق بغير المشيئة، فإن كان بها: صح، لكن بشروط أربعة: أن يذكر المبتدئ، وأن يخاطب بها مفردا، وأن يفتح التاء إذا كان نحويا، وأن يؤخرها عن صيغته إذا كان إيجابا أو قبولا.
ومحله أيضا: إذا كان بغير ما يقتضيه العقد، فإن كان به - كقوله: إن كان ملكي فقد بعتكه - صح.
(قوله: كإن مات أبي إلخ) تمثيل للتعليق.
(قوله: ولا تأقيت) معطوف على بلا فصل: أي ويشترط أيضا كونهما بلا تأقيت، ولو بما يبعد بقاء الدنيا إليه - كألف سنة -.
قال في التحفة: ويفرق بينه وبين النكاح، بأن البيع: لا ينتهي بالموت، بخلاف النكاح.
اه.
(قوله: وشرط في عاقد إلخ) ذكر أربعة شروط له: اثنان منها خاصان بالمشتري، وهما: الإسلام بالنسبة لتملك الرقيق المسلم والمصحف، وعدم الحرابة بالنسبة لتملك آلة الحرب.
واثنان عامان، فيه وفي البائع، وهما: التكليف، وعدم الإكراه المشار إليه بقوله وكذا من مكره.
وخرج بالعاقد المتوسط، فلا يشترط فيه ذلك - كما تقدم -، نعم، يشترط أن يكون مميزا.
(قوله: بائعا كان أو مشتريا) لو قال بائعا ومشتريا - كما في التحفة - لكان أولى، إذ المراد بالعاقد هنا: مجموع البائع والمشتري، لا هذا، أو هذا.
(قوله: تكليف) نائب فاعل شرط، والأولى أن يقول - كالمنهج - إطلاق تصرف، ليخرج به أيضا المحجور عليه بسفه، أو فلس.
وعبر في المنهاج بالرشد.
وكتب عليه المغني ما نصه: (تنبيه) قال المصنف في دقائقه: إن عبارته أصوب من قول المحرر يعتبر في المتبايعين التكليف، لأنه يرد عليه ثلاثة أشياء.
أحدها: أنه ينتقض بالسكران، فإنه يصح بيعه على المذهب، مع أنه غير مكلف.
الثاني: أنه يرد عليه المحجور عليه بسفه، فإنه لا يصح، مع أنه مكلف.
الثالث: المكره بغير حق، فإنه مكلف، لا يصح بيعه.
قال: ولا يرد(3/10)
واحد منها على المنهاج.
اه.
(قوله: وكذا من مكره) هذا مفهوم قيد محذوف بعد قوله تكليف، وهو وعدم إكراه، أي وكذلك لا يصح العقد من مكره.
قال سم: قال في شرح العباب: ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع، والأصح - كما بحثه الزركشي - أخذا من قولهم: لو أكره على إيقاع الطلاق، فقصد إيقاعه: صح لقصده.
اه.
وقوله بغير حق: خرج به ما إذا كان بحق، كأن توجه عليه بيع ماله لوفاء الدين، فأكرهه الحاكم عليه فإنه يصح.
(تنبيه) من أكره غيره على بيع مال نفسه: صح منه، لأنه أبلغ في الإذن، ويصح بيع المصادرة، وهي أن يطلب ظالم من شخص مالا، فيبيع الشخص داره لأجل أن يدفع ما طلب منه، لئلا يناله أذى من ذلك الظالم - وذلك لأنه لا إكراه فيه على البيع - إذ قصد الظالم تحصيل المال منه بأي وجه كان، سواء كان يبيع داره أو رهنها أو إيجارها أو بغير ذلك - كما في المغني - وعبارته: ويصح بيع المصادر - بفتح الدال - من جهة ظالم: بأن باع ماله لدفع الأذى الذي ناله، لأنه لا إكراه فيه، إذ مقصود من صادر - أي وهو الظالم - تحصيل المال من أي وجه كان.
اه.
ومثله في الروض وشرحه.
(قوله: لعدم رضاه) أي المكره، وهو علة لعدم صحة بيع المكره.
(قوله: وإسلام إلخ) معطوف على تكليف، أي وشرط إسلام من المشتري لأجل تملكه رقيقا مسلما، وذلك لما في ملك الكافر للمسلم من الإذلال، وقد قال تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * (وقوله: لا يعتق عليه) خرج به ما إذا كان يعتق عليه بالشراء - كأبيه، أو ابنه - فإنه يصح، لانتفاء إذلاله بعدم استقرار ملكه.
(فائدة) يتصور دخول الرقيق المسلم في ملك الكافر في مسائل نحو الأربعين صورة، ذكرها في المغني، ويجمعها ثلاثة أسباب: الأول الملك القهري - كالإرث - كأن يموت كافر عن ابن كافر، ويخلف في تركته عبدا مسلما، فيرث الابن العبد.
الثاني: ما يفيد الفسخ، كالرد بعيب.
الثالث: ما استعقب العتق، كشراء الكافر أصله وفرعه.
وقد نظمها بعضهم فقال: ما استعقب العتق وملك قهري وما يفيد الفسخ، فاحفظ وادري (قوله: على المعتمد) وذلك لبقاء علقة الإسلام في المرتد، وفي تمكين الكافر منه إزالة لها.
(قوله: لكن الذي إلخ) لا محل للاستدراك.
(قوله: صحة إلخ) ضعيف.
(قوله: ولتملك شئ من مصحف) معطوف على لتملك رقيق، أي وشرط إسلام في المشتري لتملك شئ من مصحف، ومثله الحديث - ولو ضعيفا، فيما يظهر - وكتب العلم التي بها آثار السلف، لتعريضها للامتهان - بخلاف ما إذا خلت عن الآثار، وإن تعلقت بالشرع، ككتب نحو، ولغة.
قال سم:
وخرج بالمصحف: جلده المنفصل عنه، فإنه - وإن حرم مسه للمحدث - يصح بيعه للكافر - كما أفتى به الشهاب الرملي.
اه.
(قوله: يعني ما كتب فيه قرآن) بيان للمراد من المصحف، والإتيان بهذا مناسب - لو لم يزد الشارح لفظ شئ، ومن الجارة - أما بعد الزيادة: فالمناسب الاقتصار على الغاية وما بعدها - أعني قوله ولو آية إلخ.
وعبارة المنهاج: ولا يصح شراء الكافر المصحف.
قال في التحفة: يعني كما هو ظاهر ما فيه قرآن، ولو آية إلخ.
اه.
(والحاصل) يشترط إسلام من أراد أن يتملك ما كتب فيه قرآن، وإن كان في ضمن نحو تفسير، أو علم، فيما يظهر، نعم، يتسامح لتملك الكافر الدراهم والدنانير التي عليها شئ من القرآن - للحاجة إلى ذلك - ويلحق بها - فيما يظهر - ما عمت به البلوى أيضا من شراء أهل الذمة الدور، وقد كتب في سقفها شئ من القرآن، فيكون مغتفرا - للمسامحة به غالبا.
اه.
نهاية.
وخالف في التحفة في الأخير، فقال ببطلان البيع فيما عليه قرآن، وصحته في الباقي - تقريبا للصفقة.(3/11)
(قوله: ولو آية) غاية للمكتوب من القرآن، والذي في التحفة والنهاية: وإن قل - وهو صادق بالآية، وما دونها، ولو حرفا - وفي سم ما نصه: قوله ما فيه قرآن، ولو تميمة، وهل يشمل ما فيه قرآن ولو حرفا؟ ويحتمل أن الحرف إن أثبت فيه بقصد القرآنية، امتنع البيع حينئذ، وإلا فلا.
اه.
بحذف.
(قوله: وأن أثبتت لغير الدراسة) هو غاية ثانية للمكتوب من القرآن.
(قوله: ويشترط أيضا عدم حرابة إلخ) وذلك لأنه يستعين به على قتالنا، وفي البجيرمي ما نصه: قوله عدم حرابة: خرج قطاع الطريق.
قال السبكي: يصح بيع عدة الحرب لهم، ولكن إذا غلب على الظن أنهم يتخذونها لذلك، حرم مع الصحة.
سم.
اه.
(قوله: آلة حرب) هي هنا: كل نافع في الحرب - ولو درعا، وفرسا -.
(قوله: كسيف ورمح إلخ) أمثلة لألة الحرب.
قال سم: وهل مثل ذلك السفن لمن يقاتل في البحر، أو لا، لعدم تعينها للقتال؟ فيه نظر.
ويتجه الأول - كالخيل - مع عدم تعينها للقتال.
اه.
(وقوله: وترس) هو المسمى بالدرقة، وبالجحفة - إذا كان من جلد - كما في المصباح.
(قوله: بخلاف غير آلة الحرب إلخ) أي فيصح بيعه للحربي.
(وقوله: ولو مما تتأتى) أي ولو كان ذلك الغير مما تتأتى آلة الحرب منه كالحديد.
(قوله: وقوله: إذ لا يتعين جعله عدة حرب) فإن ظن جعله عدة حرب: حرم.
والعدة: بضم العين وكسرها.
(قوله: ويصح بيعها) أي آلة الحرب.
(وقوله: للذمي) هذا مفهوم قوله حرابة، ومثل الذمي: الباغي، وقاطع الطريق، لسهولة أمرهما.
(قوله: أي في دارنا) أي يشترط أن يكون الذمي في دارنا
وتحت قبضتنا.
وخرج به: ما لو ذهب إلى دار الحرب مع بقاء عقد الذمة ودفع الجزية - فلا يصح - إذ ليس في قبضتنا.
قال ح ل: وفيه أنه في قبضتنا ما دام ملتزما لعهدنا، ومن ثم لم يقيد به الجلال.
اه.
قال بعضهم: الأولى حذف في دارنا.
أفاده البجيرمي.
(قوله: وشرط في معقود عليه إلخ) شروع في شروط المعقود عليه، وهي لغير الربوي خمسة، ذكر منها - متنا وشرحا - أربعة، وبقي عليه خامس: وهو أن يكون منتفعا به شرعا، ولو في المآل.
(قوله: مثمنا كان) أي المعقود عليه، وهو المبيع.
(وقوله: أو ثمنا) أي أو كان ثمنا (قوله: ملك له إلخ) أي أن يكون للعاقد سلطنة على المعقود عليه بملك، أو وكالة، أو ولاية - كالأب، والجد، والوصي - مثلا - أو إذن من الشارع - كالملتقط فيما يخاف فساده، فالملكية ليست بشرط، خلافا لما يوهمه صنيعه.
(قوله: فلا يصح بيع فضولي) هو من ليس مالكا، ولا وكيلا، ولا وليا، وإنما لم يصح بيعه، لحديث: لا بيع إلا فيما يملك.
رواه أبو داود وغيره.
وعدم صحة البيع هو القول الجديد.
والقول القديم يقول إنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ، وإلا فلا.
ومثل البيع: سائر تصرفاته القابلة للنيابة - كما لو زوج أمة غيره، أو ابنته، أو أعتق عبده، أو آجره، ونحو ذلك.
ولو قال: ولا يصح تصرف فضولي: لشمل ذلك كله.
(قوله: ويصح بيع مال غيره) هذا كالتقييد لعدم صحة بيع الفضولي: أي أن محله إذا لم يتبين أنه ملكه، وإلا صح.
(قوله: ظاهرا) منصوب بإسقاط الخافض، متعلق بمال غيره، لا بيصح.
(قوله: إن بان) أي المال الذي باعه.
(قوله: أنه له) أي أنه ملك له، وليس بقيد، بل المدار على كونه له عليه ولاية - كما تقدم - فيشمل ما إذا تبين أنه وكيل ببيع العين، أو أنه ولي على العين المبيعة، أو نحو ذلك - كما سيذكر ذلك قريبا في المهمة - (قوله: كأن باع مال مورثه إلخ) أي أو باع مال غيره على ظن أنه لم يأذن له، فبان إذنه له فيه.
(قوله: ظانا حياته) ليس بقيد، بل مثله، إن لم يظن شيئا، أو ظن موته بالأولى، اه، ح ف، بجيرمي.
(قوله: فبان) أي مورثه.
(وقوله: ميتا حينئذ) أي حين البيع، والمراد قبيله.
(قوله: لتبين إلخ) تعليل للصحة، (وقوله: أنه) أي المال، (وقوله: ملكه) أي البائع - أي فولايته ثابتة له عليه.
(قوله: ولا أثر لظن خطأ إلخ) يعني ولا عبرة بأنه عند البيع يحتمل الخطأ، لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر فقط.
(قوله: لا بما في ظن المكلف) أي ليست(3/12)
العبرة بما في ظن المكلف، حتى لا يصح البيع.
(قوله: بطريق جائز) كبيع وهبة.
(قوله: ما ظن حله) مفعول أخذ، أي أخذ شيئا يظن أنه حلال، وهو في الواقع ونفس الأمر حرام، كأن يكون مغصوبا أو مسروقا.
(قوله: فإن كان ظاهر المأخوذ منه) هو البائع، أو الواهب.
(وقوله: الخير) أي الصلاح.
(قوله: لم يطالب) أي الآخذ في الآخرة، وهو جواب
إن.
(وقوله: وإلا طولب) أي وإن لم يكن ظاهر الخير والصلاح، بأن كان ظاهره الفجور والخيانة، طولب - أي في الآخرة - وأما في الدنيا، فلا يطالب مطلقا، لأنه أخذه بطريق جائز.
(قوله: ولو اشترى طعاما إلخ) بين هذه المسألة الغزالي فقال: وأما المعصية التي تشتد الكراهة فيها: أن يشتري شيئا في الذمة ويقضي ثمنه من غصب أو مال حرام، فينظر، فإن سلم إليه البائع الطعام قبل قبض الثمن بطيب قلبه، وأكله قبل قضاء الثمن، فهو حلال.
فإن قضى الثمن بعد الأكل من الحرام فكأنه لم يقبض، فإن قضى الثمن من الحرام وأبرأه البائع مع العلم بأنه حرام فقد برئت ذمته، فإن أبرأه على ظن أنه حلال فلا تحصل به البراءة.
اه.
(قوله: فإن أقبضه) أي الطعام.
(وقوله: له) أي للمشتري.
(وقوله: البائع) فاعل أقبضه.
(قوله: برضاه) أي البائع.
(قوله: قبل توفية الثمن) أي قبل توفية المشتري الثمن للبائع.
(قوله: حل له) أي للمشتري أكله، أي الطعام.
(قوله: أو بعدها) أي أو أقبضه البائع الطعام بعد توفية الثمن.
(قوله: مع علمه) أي البائع.
(قوله: أنه) أي الثمن حرام (قوله: حل أيضا) أي حل أكل المشتري الطعام.
(وقوله: أيضا) أي كما حل في الصورة الأولى.
(قوله: وإلا حرم) أي وإن لم يعلم البائع أن الثمن الذي وفاه المشتري حرام: حرم على المشتري أكل ذلك الطعام.
(وقوله: إلى أن يبرئه) متعلق بمحذوف، أي وتستمر الحرمة إلى أن يبرئه البائع، أي من الثمن.
(قوله: أو يوفيه من حل) أي أو يوفي المشتري البائع ثمنه من حل، أي وبعد ذلك يحل للمشتري أكله.
(قوله: وطهره) معطوف على ملك: أي وشرط طهر المعقود عليه - أي ولو بالإجتهاد، ولو غلبت النجاسة في مثله.
وفي ع ش على م ر: قوله: طهر: ولو حكما، ليدخل نحو أواني الخزف المصحوبة بالسرجين، فإنه يصح بيعها، للعفو عنها، فهي طاهرة حكما.
اه.
(قوله: أو إمكان طهره بغسل) أي فالشرط الأحد الدائر، وذلك كالثوب المتنجس الذي لم تسد النجاسة فرجه، وكالآجر المعجون بالنجس.
واحترز بقوله بغسل: عما يمكن تطهيره، لكن لا بغسل، بل بالتكثير أو إزالة التغير: كالماء، أو بالتخليل: كالخمر، أو بالدبغ: كالجلد النجس - فإنه لا يؤثر - فلا يصح بيعه، كما سيصرح به الشارح.
(قوله: فلا يصح بيع نجس إلخ) وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن ثمن الكلب، وقال: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير رواهما الشيخان.
والمعنى في المذكورات: نجاسة عينها، فألحق بها باقي نجس العين - وكما لا يصح جعل النجس مبيعا: لا يصح أيضا جعله ثمنا - إذ الطهر شرط للمعقود عليه مطلقا - ثمنا كان أو مثمنا - ومثله يقال في بقية الشروط، وإن كان الشارح يقتصر في المفهوم على المثمن، وكان حقه أن يعمم.
(قوله: بتخلل) راجع لخمر.
(قوله: أو دباغ) راجع لجلد ميتة، فهو على اللف والنشر المرتب.
(قوله: ولا متنجس إلخ) أي ولا يصح بيع متنجس لا يمكن تطهيره أصلا، أو يمكن
لا بغسل - وذلك كالخل، واللبن، والصبغ، والآجر المعجون بالزبل - إذ هو في معنى نجس العين.
ومحل عدم صحة بيع ما ذكر: إذا كان استقلالا، أما تبعا فيصح، كبيع دار مبنية بآجر مخلوط بسرجين أو طين كذلك، أو أرض مسمدة بذلك، وكبيع قن عليه وشم - وإن وجبت إزالته، لوقوعه تابعا مع دعاء الحاجة لذلك، ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره.(3/13)
(قوله: ولو دهنا) أي ولو كان المتنجس دهنا، وهو غاية للرد على من قال بصحة بيعه، بناء على القول الضعيف بإمكان طهره.
(وقوله: تنجس) يورث ركاكة لا تخفى، فالأولى حذفه.
(قوله: بل يصح هبته) أي المذكور من النجس والمتنجس.
وفي البجيرمي ما نصه: (فرع) لو تصدق، أو وهب، أو أوصى بالنجس - كالدهن، والكلب - صح، على معنى نقل اليد.
اه.
سم.
ع ش.
(قوله: ورؤيته) معطوف على ملك: أي وشرط رؤيته.
(وقوله: أي المعقود عليه) أي ثمنا، أو مثمنا.
(قوله: إن كان معينا) قيد في اشتراط الرؤية، أي تشترط الرؤية إن كان المعقود عليه معينا - أي مشاهدا حاضرا - فهو من المعاينة لا من التعيين، لأنه صادق بما عين بوصفه، وليس مرادا.
فلو كان المعقود عليه غير معين - بأن كان موصوفا في الذمة - لا تشترط فيه الرؤية، بل الشرط فيه معرفة قدره وصفته.
(قوله: فلا يصح بيع معين لم يرده العاقدان) أي لا يصح بيع معين غائب عن رؤية المتعاقدين أو أحدهما - ولو كان حاضرا في المجلس - وعلم من ذلك امتناع بيع الأعمى وشرائه للمعين - كسائر تصرفاته - فيوكل في ذلك - حتى في القبض والإقباض - بخلاف ما في الذمة.
(قوله: كرهنه وإجارته) أي كما لا يصح رهن المعين وإجارته من غير رؤية المتعاقدين.
(قوله: للغرر المنهي عنه) تعليل لعدم صحة بيع ما ذكر.
والغرر: هو ما انطوت عنا عاقته، أو ما تردد بين أمرين: أغلبهما أو خوفهما.
(قوله: وإن بالغ في وصفه) أي لا يصح بيع المعين من غير رؤية - وإن بالغ كل منهما في وصفه - وذلك لأن الملحظ في اشتراط الرؤية: الإحاطة بما لم تحط به العبارة من دقيق الأوصاف التي يقصر التعبير عن تحقيقها وإيصالها للذهن، ومن ثم ورد: ليس الخبر كالعيان بكسر العين، ولا مخالفة بين هذا وبين قوله الآتي: ولو قال اشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك، انعقد بيعا، لأنه بيع موصوف في الذمة، وذاك بيع عين متميزة موصوفة.
(والحاصل) لو قال بعتك ثوبا قدره كذا، وجنسه كذا، وصفته كذا: صح - ولو كان الثوب حاضرا عنده - وذلك لأنه إنما اعتمد على الصفات الملتزمة في الذمة.
ولو قال بعتك الثوب الذي صفته كذا وكذا، فإنه لا يصح، لأن المعين لا
يلتزم.
(قوله: وتكفي الرؤية قبل العقد إلخ) فإن وجده المشتري متغيرا عما رآه عليه تخير، فلو اختلفا في تغيره فالقول قول المشتري بيمينه وتخير، لأن البائع يدعي عليه أنه رآه بهذه الصفة الموجودة الآن ورضي به، والأصل عدم ذلك.
وإنما صدق - أي البائع - فيما لو اختلفا في عيب يمكن حدوثه، لأنهما قد اتفقا على وجوده في يد المشتري، والأصل عدم وجوده في يد البائع.
اه.
تحفة.
(وقوله: فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد) أي في المعقود عليه الذي لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وهو صادق بما يغلب عدم تغيره - كأرض، وحديد، ونحاس، وآنية - وبما يحتمل التغير وعدمه سواء - كالحيوان - بخلاف ما يغلب تغيره إلى وقت العقد - كالأطعمة التي يسرع فسادها - فلا تكفي رؤيته قبل العقد، لأنه لا وثوق حينئذ ببقائه حال العقد على أوصافه المرئية قبل.
(قوله: وتكفي رؤية إلخ) .
(إعلم) أن رؤية كل عين على ما يليق - بها فيعتبر في الدار رؤية البيوت، والسقوف، والسطوح، والجدران، والمستحم، والبالوعة.
وفي البستان رؤية الأشجار، والجدران، ومسايل الماء.
وفي العبد والأمة رؤية ما عدا العورة.
وفي الدابة: رؤية كلها - لا رؤية لسانهم، ولا أسنانهم - وفي الثوب نشره - ليرى الجميع - ورؤية وجهي ما يختلف منه - كديباج منقش، وبساط - بخلاف ما لا يختلف - ككرباس - فيكفي رؤية أحدهما.
وفي الورق البياض.
وفي الكتب والمصحف رؤية جميع الأوراق.
وفي متساوي الأجزاء - كالحبوب - رؤية بعضه.
وفي نحو الرمان بما له قشر يكون صوانا لبقائه رؤية قشره.
(قوله: بعض المبيع) المناسب لما قبله: بعض المعقود عليه، مبيعا كان، أو ثمنا.
(قوله: إن(3/14)
دل) أي البعض المرئي.
(وقوله: على باقيه) أي على أن الباقي مثله، وذلك يكون فيما يستوي ظاهره وباطنه - كالحب، والجوز، والأدقة، والمسك، والتمر العجوة أو الكبيس في نحو قوصرة، والقطن في عدل - فلو رأى الظاهر، ثم خالفه الباطن، تخير.
(قوله: كظاهر صبرة) تمثيل للبعض الذي تكفي رؤيته، ولا فرق في الصبرة بين أن يكون كلها مبيعا أو بعضها.
وفي سم ما نصه: (فرع) سئل شيخنا الشهاب الرملي عن بيع السكر في قدوره: هل يصح، ويكتفي برؤية أعلاه من رؤوس القدور؟ فأجاب بأنه إن كان بقاؤه في القدور من مصالحه: صج، وكفى رؤية أعلاه من رؤوس القدور، وإلا فلا.
اه.
ولعل وجه
ذلك: أن رؤية أعلاه لا تدل على باقيه، لكنه اكتفى بها إذا كان بقاؤه في القدور من مصالحه للضرورة.
اه.
(قوله: وأعلى المائع) عطف على ظاهر صبرة، أي وكأعلى المائع، أي فإن رؤيته في ظرفه كافية.
(قوله: ومثل إلخ) هو بالرفع، عطف على محل كظاهر، الواقع خبرا لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كظاهر، وذلك مثل إلخ، ويصح جعل الكاف اسما بمعنى مثل، وعليه: يصير العطف عليها فقط.
(وقوله: أنموذج) مضاف إلى ما بعده إضافة على معنى من - وهو بضم الهمزة والميم وفتح المعجمة - المسمى بالعينة، وذلك بأن يأخذ البائع قدرا من البر مثلا، ويريه للمشتري.
ولا بد من إدخاله في البيع بصيغة تشمل الجميع - بأن يقول: بعتك البر الذي عندي مع الأنموذج، وإلا فلا يصح البيع.
(قوله: كالحبوب) تمثيل لمتساوي الأجزاء.
(قوله: أو لم يدل) أي ذلك البعض المرئي، وهو معطوف على قوله إن دل.
(وقوله: بل كان) أي ذلك البعض المرئي.
والأولى: لكن كان - بأداة الإستدارك، بدل أداة الإضراب، كما هو ظاهر -.
(وقوله: صوانا) بضم الصاد وكسرها، أي حفظا.
(وقوله: للباقي) أي الذي لم ير، وهو متعلق بصوانا.
(قوله: لبقائه) اللام للتعليل، متعلقة بصوانا أيضا.
فاختلف المتعلقان، لأن الأول للتعدية، والثاني للعلة، أي صوانا للباقي لأجل بقائه، بحيث إذا فارقه ذلك الصوان لا يبقى، بل يتلف.
(قوله: كقشر رمان إلخ) تمثيل لبعض المبيع الذي لم يدل، لكن كان صوانا للباقي.
(وقوله: وبيض) أي وقشر بيض.
(قوله: وقشرة سفلى) وهي التي تكسر حالة الأكل.
وخرج بالسفلى: العليا، فلا يكفي رؤيتها - كما سيصرح به -.
(قوله: فيكفي رؤيته) أي المذكور من قشر الرمان، وما بعده.
(قوله: لأن صلاح الخ) عله للإكتفاء برؤية ما ذكر.
(وقوله: باطنه) أي ما ذكر من الرمان، والبيض، ونحو الجوز.
(وقوله: في إبقائه) أي القشر.
(قوله: وإن لم يدل هو) أي القسر.
(وقوله: عليه) أي الباطن.
وهذا ليس غاية، بل الواو للحال.
وإن زائدة.
(قوله: ولا يكفي رؤية القشرة العليا) أي لأنها ليست من مصالح ما في باطنه.
(وقوله: إذا انعقدت السفلى) احترز به عما إذا لم تنعقد، فإنه يكفي حينئذ رؤية العليا.
(قوله: ويشترط أيضا قدرة تسليمه) أي قدرة كل من العاقدين على تسليم ما بذله للآخر - المثمن بالنسبة للبائع، والثمن بالنسبة للمشتري.
وعبر بالتسليم - مع أن العبرة بالتسلم - تبعا للنووي في منهاجه.
وقال في التحفة والنهاية: واقتصر المصنف عليه - أي القدرة - على التسليم، لأنه محل وفاق، وسيذكر محل الخلاف - وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده.
اه.
(والحاصل) أنه متى كان البائع قادرا على تسليم المبيع للمشتري، وهو قادر على تسلمه، وكان المشتري قادرا على تسليم الثمن للبائع، وهو قادر على تسلمه، صح البيع - اتفاقا - فإن وجدت القدرة على التسلم من العاقدين: صح -
على الصحيح.(3/15)
(قوله: فلا يصح بيع آبق وضال) مثل البيع: الشراء به - فلا يصح دفع عبد آبق أو ضال ثمنا لغير قادر على انتزاعه - كما علمت.
(قوله: لغير قادر على انتزاعه) أي أخذه من المحل الذي أبق إليه أو ضل فيه، أو من الغاصب الذي غصبه.
(قوله: وكذا سمك بركة) أي وكذلك لا يصح بيع سمك بركة لغير قادر على أخذه.
ومثل البيع: الشراء به، بأن يدفع ثمنا - كما علمت - (وقوله: شق تحصيله) أي السمك على المشتري، أي أو على البائع في الصورة التي زدناها.
(قوله: مهمة) أي في بيان حكم من تصرف في مال غيره ظاهرا ثم تبين أنه له.
ولا يقال إن هذا قد ذكره بقوله: ويصح بيع مال غيره ظاهر إلخ، لأنا نقول ذاك خاص في التصرف بالبيع، وما هنا في مطلق التصرف.
نعم، كان الأولى والأخصر أن يقتصر على هذا، لأنه شامل للبيع ولغيره، أو يقتصر على ذاك، ولكن يعمم فيه.
فتنبه.
(قوله: من تصرف في مال غير) المراد بالمال: ما يشمل المنفعة، وإلا لما صح - قوله فيما يأتي: وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج.
(قوله: أو غيره) أي البيع، كالهبة، والعتق، والوقف.
(قوله: ظانا تعديه) أي حال كونه معتقدا أنه متعد في تصرفه.
والظاهر أن هذا ليس بقيد، بل مثله ما إذا اعتقد أنه ليس متعديا، كأن كان يعتقد أن التصرف في مال مورثه في حياته جائز.
(قوله: فبان) أي ظهر بعد التصرف.
(وقوله: أن له) أي المتصرف.
(وقوله: عليه) أي المتصرف فيه.
(وقوله: ولاية) أي سلطنة بملك، أو وكالة، أو إذن - كما مر - (قوله: كأن كان) أي المتصرف فيه.
(وقوله: فبان موته) أي فتبين بعد التصرف فيه موت من له الولاية قبيل التصرف.
(قوله: أو مال أجنبي) معطوف على مال مورثه، أي وكأن كان المال الذي تصرف فيه مال أجنبي - أي أو مال مورثه - فكونه أجنبيا ليس يقيد - كما هو ظاهر -.
(قوله: فبان إذنه له) أي فتبين بعد التصرف أن ذلك الأجنبي إذن له في التصرف قبله.
(قوله: أو ظانا فقد إلخ) ظاهره أنه معطوف على ظانا تعديه، والمعنى: أو تصرف في مال غيره ظانا فقد شرط من شروط التصرف.
وفيه أن هذا ليس مرادا، بل المراد أنه تصرف في مال نفسه ظانا فقد شرط من شروط صحة التصرف، فتبين أنه لم يفقد شرط من ذلك.
ولو قال: أو باع ماله ظانا فقد شرط إلخ - لكان أولى - فتنبه.
(قوله: فبان مستوفيا للشروط) أي فتبين أن تصرفه مستوف لشروط التصرف.
(قوله: صح تصرفه) جواب من.
(قوله: لأن العبرة في العقود إلخ) تعليل للصحة.
(وقوله: بما في نفس الأمر) أي بما هو مطابق للواقع.
وإنما كانت العبرة في العقود به، لعدم احتياجها للنية، فانتفى التلاعب.
وبفرضه لا يضر لصحة نحو بيع الهازل - كذا في النهاية، والتحفة -.
(قوله: وفي
العبادات إلخ) أي ولأن العبرة في العبادات بما في نفس الأمر، وبما في ظن المكلف.
وهذا يفيد أن العبرة في العبادات بمجموع الأمرين: ما في نفس الأمر وما في ظن المكلف.
وصورته الآتية: وهي أنه لو توضأ إلخ، مع علتها، وهي قوله لأن المدار الخ تفيد أن العبرة بالثاني فقط، وهذا خلف، ولا يصح أن يقال إن الواو في قوله وبما في ظن المكلف، بمعنى أو، لأن ذلك يقتضي أن ما في نفس الأمر كاف وحده في العبادات، وليس كذلك.
فتأمل.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن العبرة في العبادات بما ذكر: لو توضأ إلخ.
(قوله: أنه مطلق) أي أن ما توضأ به ماء مطلق.
(وقوله: وإن بان) أي ما توضأ به.
(وقوله: مطلقا) أي ماء مطلقا.
(قوله: لأن المدار إلخ) لا حاجة إلى هذه العلة بعد قوله ومن ثم إلخ.
(والحاصل) عبارته لا تخلو عن النظر.
(قوله: وشمل قولنا ببيع أو غيره) الأولى إسقاط لفظ ببيع - كما هو ظاهر -.(3/16)
(قوله: وغيرهما) أي كالهبة، والوقف والعتق -.
(قوله: فلو أبرأ) أي الفضولي.
(قوله: من حق) أي في ذمة الغير.
(قوله: صح) أي الإبراء.
(قوله: ولو تصرف في إنكاح) المناسب أن يقول: ولو أنكح، لأنه لا معنى للتصرف في الإنكاح.
(قوله: وشرط في بيع ربوي إلخ) شروع في بيان ما يعتبر في بيع الربوي، زيادة على ما مر من الشروط.
وحاصل ذلك أن العوضين إن اتفقا جنسا اشترط ثلاثة شروط، أو علة - وهي الطعم، والنقدية - اشترط شرطان، وإلا كبيع طعام بنقد أو ثوب، أو حيوان بحيوان، لم يشترط شئ من تلك الثلاثة.
(قوله: شرط في بيع الربوي وهو) أي الربوي محصور في شيئين فيه حصر الشئ في نفسه، إذ هو عينهما، وهو لا يصح.
ويمكن عود الضمير على الربا المفهوم من الربوي، فيكون هو المحصور فيهما.
وعليه، فلا إشكال.
(قوله: مطعوم) أي ما قصد للطعم تقوتا أو تفكها أو تداويا، وذلك لأنه في الخبر الآتي نص على البر والشعير، والمقصود منهما التقوت، وألحق بهما، ما في معناهما - كالفول، والأزر، والذرة - وعلى التمر، والمقصود منه التفكه والتأدم، فألحق به ما في معناه - كالزبيب، والتين - وعلى الملح، والمقصود منه الإصلاح، فألحق به ما في معناه من الأدوية - كالسقمونيا، والزعفران -.
ومن المطعوم: الماء، فهو ربوي، وتسميته طعاما جاءت في الكتاب والسنة - قال تعالى: * (ومن لم يطعمه فإنه مني) * (1) .
(قوله: كالبر إلخ) تمثيل للمطعوم.
(قوله: والفول) أي والترمس، لأنه يؤكل بعد نقعه في الماء.
قال ابن القاسم: وأظن أنه يتداوي به.
(قوله: ونقد) قال في التحفة: وعلة الربا فيه جوهرية الثمن، فلا ربا في الفلوس - وإن راجت -.
اه.
(قوله: بجنسه) متعلق ببيع، والضمير يعود للمذكور من المطعوم والنقد - (قوله: حلول) نائب فاعل
شرط، أي شرط حلول للعوضين، وذلك لاشتراط المقابضة في الخبر ومن لازمها الحلول غالبا، فمتى اقترن بأحدهما تأجيل - ولو لحظة - فحل وهما في المجلس: لم يصح.
اه.
تحفة.
(قوله: وتقابض) معطوف على حلول، والمراد القبض الحقيقي، فلا يكفي نحو حوالة، وإن حصل معها قبض في المجلس.
(وقوله: قبل تفرق) قال سم: شامل للتفرق، سهوا أو جهلا.
اه.
(قوله: ولو تقابضا) أي البائع والمشتري.
(وقوله: البعض) أي هذا أعطى بعض المبيع، والآخر أعطى بعض الثمن.
(قوله: صح فيه فقط) أي صح البيع في ذلك البعض الذي قبض فقط دون ما لم يقبض، وهذا مبني على الأصح من قولي تفريق الصفقة - كما سيأتي - (قوله: ومماثلة) معطوف على حلول أيضا، أي وشرط مماثلة بين العوضين - أي مساواة بينهما في القدر، من غير زيادة - ولو حبة - ولو من غير جنسهما، كاشتمال أحد الدينارين على فضة.
(قوله: يقينا) أي بأن يعلم بالمماثلة كل من المتعاقدين حال العقد.
(قوله: بكيل إلخ) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر المماثلة بكيل في المكيل - وإن تفاوت في الوزن - وبوزن في الموزون - وإن تفاوت في الكيل - والعبرة بغالب عادة الحجاز في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، إلا فبعادة أهل البلد، فيما هو كالتمر فأقل، وإلا بأن كان أكبر جرما من التمر، فالعبرة فيه بالوزن، ولا تعتبر المماثلة إلا حال الكمال، فتعتبر في الثمار والحبوب بعد الجفاف والتنقية، فلا يباع رطب منها برطب من جنسه، ولا بجاف منه - إلا في مسألة العرايا - وستأتي.
ولا تعتبر مماثلة الدقيق والسويق، والخبز، وكذا ما أثرت فيه
__________
(1) سورة البقرة الاية: 249.(3/17)
النار بالطبخ أو القلي أو الشي، بخلاف تأثير التمييز، كالعسل، والسمن، وإنما تعتبر في الحبوب حبا، وفي السمسم حبا أو دهنا، وفي العنب والرطب زبيبا، أو تمرا، أو عصيرا، أو خلا.
(تنبيه) يؤخذ من اعتبار المماثلة بالكيل في المكيل، وبالوزن في الموزون - أنه لا عبرة بالقيمة رأسا.
فلو بيع مد تمر برني بمد صيحاني: صح ذلك - ولو تفاوتا في القيمة - ومحله في غير بعض صور القاعدة المسماة بقاعدة مد عجوة ودرهم، فإنه يعتبر في ذلك البعض المماثلة في القيمة أيضا.
والمؤلف لم يتعرض لهذه القاعدة رأسا، ولنتعرض لها حتى تعرف ذلك البعض المعتبر فيه ما ذكر، وتكميلا للفائدة، واقتداء بمن سلف، فنقول: ضابط هذه القاعدة أن يجمع عقد واحد جنسا ربويا في الجانبين - أي المبيع والثمن - متحدا فيهما مقصودا - أي ليس تابعا لغيره - وأن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة، سواء حصل التعدد
المذكور في الثمن أم لا.
ومعنى تعدده: أن ينضم إلى ذلك الجنس الربوي جنس آخر، ولو غير ربوي.
فالقيود المشتمل عليها هذا الضابط: ستة.
القيد الأول: أن يكون العقد واحدا، ومعنى وحدته: عدم تفصيله، بأن لا يقابل المد بالمد، والدرهم بالدرهم مثلا، وخرج به ما لو فصل، كأن قال: بعتك هذا بهذا، وهذا بهذا.
القيد الثاني: أن يكون الجنس ربويا، وخرج به ما لو كان غير ربوي، كثوب وسيف بثوبين.
القيد الثالث: أن يكون ذلك الجنس الربوي في الجانبين، وخرج به، ما لو كان في أحدهما فقط، كثوب ودرهم بثوبين.
القيد الرابع: أن يكون الجنس الكائن فيهما واحدا، وخرج به ما لم يكن واحدا، بأن يكون المشتمل عليه المبيع ليس مشتملا عليه الثمن والكل ربوي كصاع بر وصاع شعير بصاعي تمر.
القيد الخامس: أن يكون مقصودا بالعقد، وخرج به ما إذا كان تابعا لمقصود بالعقد، كبيع دار فيها بئر ماء عذب بمثلها.
القيد السادس: أن يتعدد المبيع، وخرج به، ما إذا لم يتعدد - كبيع دينار بدينار - وهذه المخرجات ليست من القاعدة المذكورة، فهي صحيحة.
وبقي من القيود: التمييز - أي عدم الخلط - ولكن هذا في خصوص صور الجنس وصور النوع، إذ لا يتأتى التوزيع المبني عليه القاعدة المذكورة إلا حينئذ.
وخرج به: ما إذا لم يتميزا - بأن خلط الجنسان أو النوعان - وبيعا بمثلهما أو بأحدهما خالصا، فإنه لا يضر.
وليس من القاعدة المذكورة بشرط أن يكون المخلوط به بالنسبة للجنس شيئا يسيرا، بحيث لا يقصد إخراجه ليستعمل وحده.
وأما بالنسبة للنوع، فلا فرق بين اليسير والكثير - كما هو مقتضى كلام الشيخين - وقال سم: قال شيخنا الشهاب الرملي: أنه الصحيح اه.
وجزم به الخطيب في مغنيه.
وخرج باليسير في الجنس الكثير، فيضر، وتصير المسألة من القاعدة المذكورة.
والفرق بين الجنس - حيث قيد الخليط فيه باليسير - وبين النوع - حيث أطلق الخليط فيه - أن الخليط إذا كثر في الجنس: لم تتحقق المماثلة، بخلاف النوع.
وبقي منها أيضا: أن لا يكون الجنس الربوي ضمنيا في الجانبين، بأن كان ظاهرا في كل منهما، أو ظاهرا في أحدهما ضمنا في الآخر، كبيع سمسم بدهنه.
وخرج به: ما لو كان ضمنيا فيهما - كبيع سمسم بسمسم - فإنه لا يضر.
وليس من القاعدة المذكورة.
(واعلم) أن هذه القاعدة باطلة بجميع صورها، ما عدا ثلاث صور منها - كما ستعرفه - وسبب البطلان: أن العقد مشتمل أحد طرفيه على مالين مختلفين، وهو يوجب توزيع الطرف الآخر عليهما بالقيمة، والتوزيع يقتضي تحقق المفاضلة أو الجهل بالمماثلة.
ولنبين لك تلك الصور: ليتميز لك الباطل من الصحيح - الذي هو السبب في إيرادي لهذه القاعدة هنا - فنقول: قد
علمت مما مر أنه لا بد أن يتعدد المبيع جنسا أو نوعا أو صفة - تعدد الثمن كذلك أم لا - فهذه الثلاثة - أعني الجنس، والنوع، والصفة - يرتقي كل واحد منها إلى تسع - باعتبار أن الشيئين المشتمل عليهما المبيع لا فرق بين أن يوجدا في الثمن، أو يوجد أحدهما فقط، لكن كان الموجود فيه ربويا، وباعتبار أن الجنس الربوي المنضم إليه شئ آخر: قيمته(3/18)
أزيد من ذلك الشئ الآخر، أو أنقص، أو مساوية.
فحاصل تلك الصور: سبع وعشرون صورة - ففي تعدد جنس المبيع تسع صور - لأنه إما بيع مد ودرهم بمثلهما، أو بمدين، أو درهمين - وفي كل إما أن أن يكون المد الذي مع الدرهم أعلى منه قيمة، أو أنقص، أو مساويا - فهذه تسع صور: من ضرب ثلاثة في ثلاثة.
ومثلها: في اختلاف النوع - كأن بيع مد عجوة برني ومد صيحاني بمثلهما، أو بمدين صيحانيين، أو بمدين برنيين، وقيمة البرني مساوية لقيمة الصيحاني، أو أنقص، أو أزيد - فهذه تسع أيضا من ضرب ثلاثة في ثلاثة.
ومثلها في اختلاف الصفة: كأن بيع دينار صحيح ودينار مكسر بمثلهما، أو بصحيحين أو مكسرين - فهذه تسع أيضا: من ضرب ثلاثة في ثلاثة - فالجملة سبع وعشرون صورة.
وتتحقق المفاضلة في ثمانية عشرة صورة، وتجهل المماثلة في تسع، وكلها باطلة إلا ثلاثا من صور اختلاف الصفة، وهي: ما لو بيع صحيح ومكسر بمثلهما، أو بصحيحين، أو مكسرين.
وقيمة الصحيح في الثلاث، مساوية لقيمة المكسر.
وإنما نظروا لتساوي القيمة في الصفة، ولم ينظروا له في الجنس والنوع، لغلبة الإتحاد فيها دون الجنس والنوع، لوجود الوزن معها، وهو لا يخطئ إلا نادرا، بخلاف الكيل الموجود معهما.
ولنمثل لك لبعض صور الجنس، ولبعض صور النوع، ولبعض صور الصفة، لتعرف تحقق المفاضلة، أو الجهل بالمماثلة، ونقيس الباقي عليها، فنقول: بالنسبة للأول - أعني الجنس - لو باع مد عجوة ودرهما بمدين: نظر - فإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم أكثر من درهم - كأن تكون قيمته درهمين - كان ذلك المد بالنسبة لقيمته ثلثي الطرف الذي هو فيه، وذلك لأن الدرهمين إذا ضممتهما إلى الدرهم، يكون مجموعها ثلاثة، والدرهمان ثلثاها، فإذا وزعت الثمن - الذي هو المدان - على المد والدرهم، يكون ثلثا المدين في مقابلة المد، والثلث الباقي منهما في مقابلة الدرهم.
ولا شك أن ثلثي المدين، أكثر من المد - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة المد أقل من الدرهم المنضم معه - كأن تكون نصف درهم - فيكون المد ثلث الطرف الذي هو فيه بالنسبة للقيمة، فإذا وزعت الثمن المذكور عليهما يكون ثلث المدين في مقابلة المد.
ولا شك أن ثلثهما أنقص منه، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الذي مع الدرهم مساوية له، لزم
الجهل بالمماثلة لأنها تستند إلى التقويم، وهو تخمين قد يخطئ وقد يصيب.
وقس على ما ذكر بقية صور الجنس، وهي: بيع مد ودرهم بمد ودرهم أو بدرهمين، وكانت قيمة المد أكثر، أو أنقص، أو مساوية - وبالنسبة للثاني - أعني النوع - لو باع مدا صيحانيا، ومدا برنيا بمثلهما: نظر أيضا - فإن كانت قيمة المد الصيحاني أعلى - كدرهمين - وقيمة المد البرني درهما: كان المد الصيحاني ثلثي الطرف الذي هو فيه فيقابله عند التوزيع ثلثا المدين - الصيحاني، والبرني - وهو مد وثلث، فيصير كأنه قابل مدا بمد وثلث، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الصيحاني أقل من قيمة المد الرني - كأن تكون قيمته نصف درهم: كان المد الصيحاني ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث المدين من الطرف الآخر - الذي هو الثمن - ولا شك أن ثلثهما أنقص من مد - فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة المد الصيحاني مساوية لقيمة المد البرني: لزم الجهل بالمماثلة، إذ هي تستند إلى التقويم، وهو تخمين - كما مر -.
وقس على ما ذكر بقية صور النوع، وهي: بيع مد صيحاني ومد برني بصيحانيين أو ببرنيين وكانت قيمة الصيحاني أكثر، أو أقل أو مساوية.
وبالنسبة للثالث - أعني الصفة - لو باع درهما صحيحا ومكسرا بدرهم صحيح ومكسر: نظر أيضا - فإن كانت قيمة الصحيح أعلى من قيمة المكسر - كأن تكون درهمين - كان الصحيح ثلثي الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلثان من الطرف الآخر - وهو درهم وثلث - فيصير كأنه قابل درهما بدرهم وثلث، فتحققت المفاضلة.
وإن كانت قيمة الصحيح أقل - كأن يكون نصف درهم - كان ثلث الطرف الذي هو فيه، فيقابله ثلث الدرهمين من الطرف الآخر - ولا شك أن ثلث الدرهمين أنقص من درهم كامل - فتحققت المفاضلة وإن كانت قيمة الصحيح مساوية لقيمة المكسر: لزم الجهل بالمماثلة - بناء على التقويم المار - إلا أنهم اغتفروا في الصلة: لتساويهما في الوزن وفي القيمة.(3/19)
وقس على ذلك بقية صور الصفة، وهي: ما لو باع درهما صحيحا، ودرهما مكسرا بصحيحين، أو مكسرين، وكانت قيمة الصحيح أعلى، أو أقل، أو مساوية.
وفي صور التساوي ما علمت من الصحة.
قال في التحفة: وليتفطن هنا لدقيقة يغفل عنها، وهي أنه يبطل - كما عرف مما تقرر - بيع دينار مثلا فيه ذهب وفضة بمثله أو بأحدهما، ولو خالصا - وإن قل الخليط - لأنه يؤثر في الوزن مطلقا.
فإن فرض عدم تأثيره فيه، ولم يظهر به تفاوت في القيمة: صح البيع.
اه.
ومثله بيع فضة مغشوشة بمثلها أو بخالصة، فلا يصح.
فإن فرض أن الغش قدر لا
يظهر في الوزن: صح البيع.
ومنه يؤخذ امتناع بيع الفضة بالفضة المتعامل بها الآن، لاشتمالها على النحاس المؤثر في الوزن.
ويؤخذ أيضا منه بطلان ما عمت به البلوى من دفع دينار مغربي مثلا وعليه تمام ما يبلغ به دينارا جديدا من فضة أو فلوس وأخذ دينار جديد بدله.
ولهذا قال بعضهم: لو قال لصيرفي: اصرف لي بنصف هذا الدرهم فضة، وبالنصف الآخر فلوسا: جاز، لأنه جعل نصفا في مقابلة الفضة، ونصفا في مقابلة الفلوس بخلاف ما لو قال: اصرف لي بهذا الدرهم نصف فضة، ونصف فلوس: لا يجوز، لأنه إذا قسط عليهما ذلك: احتمل التفاضل، وكان من صور مد عجوة ودرهم.
اه.
(قوله: وذلك إلخ) أي ما ذكر: من اشتراط الشروط الثلاثة في بيع الربوي بجنسه: ثابت، لقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ.
(وقوله: " لا تبيعوا الذهب " إلخ) ذكر في الحديث ستة أشياء، إثنين من النقد، وأربعة من المطعومات.
والأولان لا يقاس عليهما - لعدم تعدي علتهما - كما سيأتي.
والأربعة الأخيرة يقاس عليها ما وجد علتها فيه، وهي تنقسم - من حيث العلة - ثلاثة أقسام، لأن البر والشعير مطعومان، والتمر متأدم به، والملح مصلح.
(وقوله: ولا الورق) بكسر الراء، الفضة.
(وقوله: إلا سواء بسواء) سواء الأول: حال، والثاني مع جاره متعلق بمحذوف صفة.
أي سواء مقابلا بسواء، أي لا تبيعوا ذلك إلا حال كونهما متساويين.
ومثله يقال فيما بعده.
(قوله: عينا بعين) أي حالين.
(وقوله: يدا بيد) أي متقابضين قبضا حقيقيا قبل التفرق من المجلس.
(قوله: فإذا اختلفت هذه الأصناف) أي الربوية واتحدت علة الربا - كبر بشعير - والدليل على هذا القيد: الإجماع.
وخرج بذلك، ما لو باع برا بنقد، فلا يشترط التقابض والحلول، لعدم اتحاد العلة - إذ هي في الأول، الطعمية، وفي الثاني النقدية.
(وقوله: فبيعوا كيف شئتم) أي إذا أردتم بيع شئ منها بآخر فبيعوا كيف شئتم.
أي متماثلا، ومتفاوتا.
(قوله: إذا كان يدا بيد) كان: تامة، وفاعلها ضمير مستتر، يعود على البيع.
ويدا بيد: حال من الضمير المستتر.
أي إذا وجد بيع الأصناف المختلفة حال كونه يدا بيد، أي مقابضة.
(قوله: ومن لازمه) أي التقابض، الحلول: أي فوجد شرطا بيع الربوي بغير جنسه، وهما: التقابض والحلول.
(وقوله: أي غالبا) أي أن كون لازم التقابض الحلول، باعتبار الغالب، ومن غير الغالب: قد يحصل التقابض قبل التفرق، مع كون العقد مشروطا فيه تأجيل أحد العوضين إلى لحظة مثلا.
(قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) محترز كون المماثلة يقينا.
وقوله جزافا - بتثليث الجيم - وهو ما لم يقدر بكيل ولا وزن - كبيع صبرة من بر بصبرة من جنسها، فإن ذلك لا يصح.
(قوله: أو مع ظن مماثلة) يغني عنه قوله جزافا، إذ هو صادق بظن المماثلة، وهو ساقط من عبارة التحفة وفتح الجواد وغيرهما، فالأولى إسقاطه.
(قوله:
وإن خرجتا سواء) المناسب: وإن خرجا - بإسقاط التاء - إذ ألف التثنية تعود على مذكر، وهو الربوي ومقابله من غير جنسه.
وهو غاية للبطلان، أي يبطل بيع ما ذكر جزافا، وإن خرجا سواء للجهل بالمماثلة حالة العقد.
(قوله: وشرط في بيع أحدهما) أي المطعوم والنقد.
(وقوله: بغير جنسه) متعلق ببيع.
(قوله: واتحد) أي ذلك الأحد ومقابله.
(قوله: في علة الربا) هي الطعم والنقدية - كما تقدم -.
(قوله: كبر بشعير وذهب بفضة) الأول: مثال لبيع المطعوم بغير جنسه مع(3/20)
الاتحاد في العلة.
والثاني: لبيع النقد بغير جنسه مع الاتحاد في ذلك.
(قوله: حلول إلخ) نائب فاعل شرط.
(قوله: قبل تفرق) أي من مجلس العقد، والظرف تنازعه كل من حلول وتقابض.
(قوله: لا مماثلة) أي لا يشترط مماثلة، لقوله في الحديث المار: فبيعوا كيف شئتم.
(قوله: فيبطل بيع الربوي إلخ) مفرع على مفهوم الشرط الثاني.
وقوله إلى لم يقبضها: أي أو لم يكونا حالين.
وكان عليه أن يصرح به لأنه مفهوم الشرط الأول.
(قوله: بل يحرم) إضراب إنتقالي، لا إبطالي.
والمناسب: عدم الإضراب، وإبدال بل بواو الاستئناف.
وقوله في الصورتين: هما بيع الربوي بجنسه، وبيعه بغير جنسه.
وكان المناسب أن يقول: في ذلك كله.
(قوله: واتفقوا على أنه من الكبائر) أي أن البيع في الصورتين المختل فيهما شرط من الشروط السابقة: من الكبائر، بل من أكبر الكبائر - كما في التحفة - وذلك لأنه ربا، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه.
قيل: ولم يؤذن الله تعالى في كتابه عاصيا بالحرب: غير آكله.
قال تعالى: * (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) * (1) ومن ثم قيل: إنه علامة على سوء الخاتمة - كإيذاء أولياء الله تعالى -.
قال في الإيعاب: ولقد وقع لي أني رجعت من مصر إلى بلدنا لصلة الرحم في حدود الثلاثين وتسعمائة، فكنت في عشر رمضان الأخير أزور قبر والدي كل يوم بعد الصبح، ففي يوم أنا جالس أقرأ على قبره، وإذا بصوت فزع يأتيني من بعد، فتبعته إلى أن رأيته خارجا من قبر مبني مجصص، وهو يقول: آه آه - مفسرة - قوقفت ساعة، ثم رجعت، فسألت عن صاحب ذلك القبر، فقيل لي: فلان - لرجل أعرفه، صاحب ثروة، كان لا يفارق المسجد، ولا يتكلم بسوء قط - فزاد العجب فيه، ثم بالغت في السؤال عنه، فقيل: إنه كان يأكل الربا.
اه.
قال في النهاية: وظاهر الأخبار هنا أنه أعظم إثما من الزنا والسرقة وشرب الخمر.
لكن أفتى الوالد بخلافه، وتحريمه تعبدي.
وما أبدي له - أي من كونه يؤدي للتضييق ونحوه - إنما يصلح حكمة، لا علة.
اه.
بزيادة.
(قوله: لآكل الربا) هو متناوله بأي وجه كان، واعترض بأنه إن أراد بالربا المعنى اللغوي - وهو الزيادة - فلا يصح، لقصوره على ربا الفضل.
وأيضا يقتضي أن اللعن على آكل الزيادة فقط، دون باقي العوض.
وإن أريد بالربا العقد، فغير ظاهر، لأنه لا معنى لأكل العقد وأجيب باختيار الثاني، وهو على تقدير مضاف، والتقدير: آكل متعلق الربا، وهو العوض.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وموكله) هو الدافع للزيادة.
(قوله: وكاتبه) أي الذي يكتب الوثيقة بين المرابين، وأسقط من الحديث: الشاهد، وكان عليه أن يصرح به.
(قوله: وعلم بما تقرر) أي من أنه يشترط لبيع الربوي بجنسه، أو بغيره مع الاتحاد في العلة، ما مر من الشروط.
(وقوله: أنه لو بيع طعام إلخ) أي لو بيع ربوي بغير جنسه ولم يتحدا في العلة - كبيع طعام بنقد، أو بثوب، أو بيع عروض بنقد، أو غير ذلك - لم يشترط شئ من هذه الثلاثة، أي التماثل، والحلول، والتقابض.
(قوله: وشرط في بيع إلخ) لما أنهى الكلام على بيع الأعيان، شرع في بيع الذمم.
والأصل فيه: قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) * (2) الآية - نزلت في السلم -.
وخبر الصحيحين.
من أسلف في شئ، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم.
(وقوله: موصوف) صفة لمحذوف، أي شئ موصوف بما يبين قدره وجنسه وصفته.
(وقوله: في الذمة) متعلق بمحذوف صفة ثانية لذلك
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 279.
(2) سورة البقرة، الاية: 282.(3/21)
المحذوف، أي ملتزم في الذمة، ويصح تعلقه ببيع.
وكون البيع في الذمة - باعتبار كون المبيع ملتزما فيه -.
والذمة لغة: العهد، والأمان.
وشرعا: معنى قائم بالذات، يصلح للإلزام من جهة الشارع، والالتزام من جهة المكلف.
(قوله: ويقال له السلم) أي يطلق على البيع في الذمة السلم اتفاقا، وإن كان بلفظ السلم، فإن كان بلفظ البيع، فقيل إنه بيع، ولا تجري عليه أحكام السلم، من اشتراط قبض رأس المال في المجلس، وعم صحة الحوالة به وعليه، وقيل إنه سلم، وعليه تجري فيه أحكامه المذكورة.
وأركان السلم خمسة: مسلم، ومسلم إليه، ومسلم فيه، ورأس مال، وصيغة.
(قوله: مع الشروط) متعلق بشرط، أي شرط قبض إلخ مع اشتراط الشروط السابقة في بيع المعين، ما عدا الرؤية من كون المعقود عليه ملكا للعاقد، وطاهرا ومقدورا على تسلمه.
أما الرؤية فليست شرطا فيه، لأنه إنما تشترط في بيع المعين فقط، وهذا في الذمة.
(قوله: قبض رأس مال) هو شرط لدوام الصحة، ويشترط لأصلها حلوله - كما في المنهج - ولا يغني القبض عنه، لأنه قد يكون مؤجلا ويقبض في المجلس، وهو لا يصح.
وإنما عبر بالقبض دون التسليم - الذي عبر به في المنهاج - لأن المعتمد جواز استقلال المسلم إليه بقبض رأس المال.
(وقوله: معين) كأسلمت إليك
هذا الدينار (وقوله: أو في الذمة) كأسلمت إليك دينارا، وإن لم يقل في ذمتي - كما يقع الآن.
(والحاصل) رأس المال تارة يكون معينا، وتارة يكون في الذمة - بخلاف المسلم فيه، فإنه لا يكون إلا دينا - أي في الذمة - كما سيذكره.
(قوله: في مجلس خيار) متعلق بقبض.
(قوله: وهو) أي مجلس الخيار كائن قبل تفرق، أي أو قبل تخاير، لأن اختيار اللزوم كالتفرق - كما سيأتي في الخيار - ولو اختلفا، فقال المسلم قبضته بعد التفرق، وقال المسلم إليه قبله، أو بالعكس، ولا بينة لكل، صدق مدعي الصحة.
(قوله: من مجلس العقد) متعلق بتفرق، والأولى إسقاطه، لأنه لو قاما منه وتماشيا منازل حتى حصل القبض قبل التفرق: صح.
(قوله: ولو كان إلخ) غاية في اشتراط قبض رأس المال قبل ذلك، أي يشترط قبضة قبل ذلك، ولو كان منفعة، كأسلمت إليك منفعة داري، أو حيواني في كذا وكذا.
(قوله: وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين) أي لأن ذلك هو الممكن في قبض المنفعة، فلم يتصور فيها القبض الحقيقي.
قال سم: فلو تلفت العين قبل فراغ المدة: ينبغي انفساخ السلم فيما يقابل الباقي، لتبين عدم حصول القبض فيه، كما لو تلفت الدار المؤجرة.
اه.
(قوله: كدار وحيوان) تمثيل للعين التي أسلم منفعتها.
(قوله: ولمسلم إليه قبضه) أي رأس المال، أي له أن يستقل به من غير أن يقبضه المسلم إياه.
(قوله: ورده لمسلم إلخ) أي وله رد رأس المال للمسلم، ولو عن الدين الذي عليه له.
وعبارة التحفة: ولو رده إليه قرضا أو عن دين، فقد تناقض فيه كلام الشيخين وغيرهما.
والمعتمد: جوازه، لأن تصرف أحد العاقدين مع الآخر لا يستدعي لزوم الملك.
اه.
(قوله: وكون مسلم إلخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون الشئ المسلم فيه دينا.
قال في المغني: (فإن قيل) الدينية داخلة في حقيقة السلم، فكيف يصح جعلها شرطا، لأن الشرط خارج عن المشروط؟ (أجيب) بأن الفقهاء قد يريدون بالشرط: ما لا بد منه، فيتناول حينئذ جزء الشئ.
اه.
(قوله: في الذمة) أي ذمة المسلم إليه، وهذا بيان للمراد من كونه دينا، ولو زاد أي التفسيرية، لكان أولى.
وعبارة ش ق: والمراد بالدين: ما كان في الذمة - كما يستفاد ذلك من التعريف السابق - فلا يشترط فيه الأجل.
اه.
(قوله: حالا كان) أي المسلم فيه، أو مؤجلا.
والمراد أن يصرح بالحلول أو بالأجل.
(قوله: لأنه) أي الدين هو الذي وضع له لفظ السلم، إذ هو بيع موصوف في الذمة.
وما ذكر تعليل لاشتراط كون المسلم فيه دينا.
(قوله: فأسلمت إلخ) مفرع على مفهوم اشتراط ما ذكر، أي فلو لم يكن المسلم فيه دينا - بأن كان معينا - فليس بسلم.
وقوله في هذا العين: هو المسلم فيه.
وقوله أو هذا: أي أو أسلمت إليك هذا الدينار مثلا في هذا - أي الثوب مثلا - كرر المثال إشارة إلى أن رأس(3/22)
المال لا يضر تعينه - كما علمت (قوله: ليس سلما) الجملة خبر فأسلمت إلخ الواقع مبتدأ لقصد لفظه.
(قوله: لانتفاء الشرط) هو الدينية، وهو علة لانتفاء كونه سلما.
(قوله: ولا بيعا لاختلال لفظه) أي وليس بيعا لاختلال، أي لفقد لفظه - أي البيع - إذ المعبر به لفظ السلم، لا البيع.
قال في التحفة: نعم، لو نوى بلفظ السلم البيع، فهل يكون كناية - كما اقتضته قاعدة: ما كان صريحا في بابه كان كناية في غيره - أو لا، لأن موضوعه ينافي التعيين، فلم يصح استعماله فيه؟ كل محتمل.
والثاني أقرب إلى كلامهم.
اه.
بتصرف.
(قوله: ولو قال اشتريت إلخ) هذه مسألة مستقلة، وليست مفرعة على ما قبلها.
(قوله: كان بيعا) أي كان هذا العقد بيعا - لا سلما - عند الشيخين.
قال في النهاية: وهو الأصح هنا - كما صححه في الروضة - (قوله: نظرا للفظ) أي اعتبارا باللفظ، أي وهو لفظ البيع والشراء.
(قوله: وقيل سلم نظرا للمعنى) أي وهو بيع شئ موصوف في الذمة، واللفظ لا يعارضه، لأن كل سلم بيع، كما أن كل صرف بيع، وإطلاق البيع على السلم إطلاق له على ما يتناوله.
قال في التحفة: فعلى الأول - أي أنه بيع - يجب تعيين رأس المال في المجلس إذا كان في الذمة، ليخرج عن بيع الدين بالدين، لا قبضه، ويثبت فيه خيار الشرط، ويجوز الاعتياض عنه.
وعلى الثاني - أي أنه سلم - ينعكس ذلك، ومحل الخلاف إذا لم يذكر بعده لفظ السلم، وإلا كان سلما اتفاقا اه.
بزيادة.
(قوله: واختاره) أي القول بأنه سلم، وهو ضعيف.
(قوله: وكون المسلم فيه الخ) معطوف على قبض رأس مال، أي وشرط كون المسلم فيه: مقدورا على تسليمه للمسلم عند المحل، وصرح بهذا الشرط - مع أنه من شروط البيع، وهو بصدد بيان الشروط الزائدة عليها - كما يدل له قوله سابقا مع الشروط المذكورة للبيع - لأن المقصود بيان وقت القدرة المشترطة، وهذا زائد على مفهوم القدرة على التسليم، وذلك الوقت هو حالة وجوب التسليم، وهو يختلف، ففي السلم الحال: عند العقد.
وفي المؤجل: بحلول الأجل.
(قوله: أي وقت حلوله) تفسير مراد للمحل - بالكسر - وهو مصدر بمعنى الزمان، وهذا إن كان السلم مؤجلا، وإلا فالعبرة فيه بوقت العقد - كما علمت - (قوله: فلا يصح السلم في منقطع إلخ) أي أو فيما يشق حصوله في المحل مشقة عظيمة، كقدر كثير من الباكورة.
(وقوله: كالرطب في الشتاء) أي كأن أسلم له في رطب يأتي به في الشتاء، وهذا باعتبار أكثر البلاد.
أما في بلد يوجد فيه الرطب في الشتاء كثيرا، فيصح، كما في الإيعاب.
(قوله: وكونه معلوم قدر إلخ) معطوف على قبض رأس مال أيضا، أي وشرط كون المسلم فيه معلوم قدر.
قال ع ش: أي للعاقدين، ولو إجمالا، كمعرفة الأعمى الأوصاف بالسماع، ولعدلين.
ولا بد من معرفتهما الصفات بالتعيين، لأن الغرض منهما الرجوع إليهما عند التنازع، ولا تحصل تلك الفائدة إلا بمعرفتهما تفصيلا - كذا قاله في القوت - وهو حسن
متعين.
اه.
(قوله: بكيل الخ) متعلق بمعلوم، أي ويحصل العلم بالقدر بالكيل في المكيل، أي فيما يكال عادة - كالحبوب ونحوها - وبالوزن، في الموزون - أي فيما يوزن عادة - كاللآلئ الصغار، والنقدين، والمسك، ونحو ذلك - وبالذرع: في المذروع - أي فيما يذرع عادة - كالثياب، والأرض - وبالعد: في المعدود، أي فيما يعد عادة - كالأحجار واللبن.
(قوله: وصح) أي السلم (قوله: في نحو جوز ولوز) أي مما جرمه كجرمهما - كفستق - وألحق به بعضهم البن المعروف الآن.
وانظر لم أفرد هذا بالذكر مع أنه إن كان من المكيل، والقصد التنبيه على أنه يصح بالوزن، فهو داخل في قوله الآتي ومكيل بوزن، وإن كان من الموزون فهو داخل تحت قوله المار أو وزن في موزون؟ ويمكن أن يقال - كما في البجيرمي - أنه أفرده بالذكر للرد على الإمام ومن تبعه، لأنه يمنع السلم في الجوز واللوز وزنا وكيلا، إن كان من نوع يكثر(3/23)
اختلافه بغلظ قشوره ورقتها.
فافهمه.
(قوله: وموزون بكيل) أي وصح أيضا السلم في موزون بكيل.
(وقوله: يعد فيه ضابطا) أي يعد ذلك الكيل في الموزون ضابطا، وذلك كدقيق، وما صغر جرمه كجوز ولوز - كما مر - فإن لم يعد فيه الكيل ضابطا - كفتات مسك، وعنبر، وكبطيخ، وقثاء، وباذنجان، ورمان، ونحوها مما كبر جرمه، وكالبقول، وكالملوخية، والرجلة - تعين في جميع ذلك الوزن.
(قوله: ومكيل بوزن) أي وصح السلم في مكيل كالحبوب بالوزن، وذلك لأن المقصود معرفة القدر، وهي حاصلة بذلك.
وبه يفرق بين السلم، وبين الربا - حيث تعين في الموزون الوزن، وفي المكيل الكيل - وذلك لأن المقصود هناك المماثلة بما عهد في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو أضيق بابا من السلم.
(قوله: ولا يجوز) أي السلم.
(وقوله: في بيضة ونحوها) أي كبطيخة، وسفرجلة.
ويفهم من التعبير ببيضة ونحوها: أن السلم يصح في البيض الكثير، والبطيخ الكثير ونحوهما، وهو كذلك - كما في شرح الروض - وعبارته: أما لو أسلم في عدد من البطيخ مثلا - كمائة - بالوزن في الجميع، دون كل واحدة، فيجوز - اتفاقا - قاله السبكي وغيره.
اه.
وعبارة التحفة مثله، ونصها: ومن ثم امتنع في نحو بطيخة أو بيضة واحدة، لاحتياجه إلى ذكر جرمها مع وزنها، وذلك لعزة وجوده.
نعم، إن أراد الوزن التقريبي: اتجه صحته في الصورتين، لانتفاء عزة الوجود.
اه.
(قوله: لأنه) أي الحال والشأن (وقوله: يحتاج) أي في صحة السلم في نحو البيضة.
(وقوله: إلى ذكر جرمها مع وزنها) أي في صيغة السلم، كأن يقول أسلمت إليك في بطيخة جرمها كذا، ووزنها كذا.
(قوله: فيورث عزة الوجود) أي فيؤدي ذكر الجرم مع الوزن إلى ندرة الوجود، فلذلك لم يصح السلم.
(قوله: ويشترط) أي لصحة السلم.
(وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر من قبض
رأس المال وما بعده.
(قوله: بيان محل تسليم) أي مطلقا، سواء كان السلم حالا أو مؤجلا.
وحاصل ما يتعلق بهذا الشرط أن الصور فيه ثمانية، وذلك لأن السلم إما حال أو مؤجل.
وعلى كل، إما أن يكون لنقله مؤنة أو لا، وعلى كل: إما أن يكون المحل صالحا للتسليم أو لا - فأربعة في الحال، وأربعة في المؤجل - يجب البيان في خمسة، منها ثلاثة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا، أو صالحا ولنقله مؤنة.
وثنتان في الحال: وهما ما إذا كان الموضع غير صالح للتسليم، سواء كان لنقله مؤنة أم لا.
ولا يجب البيان في ثلاثة: واحدة في المؤجل، وهي ما إذا كان الموضع صالحا ولا مؤنة للنقل.
وثنتان في الحال، وهما: إذا كان صالحا سواء كان لنقفه مؤنة أم لا.
فإذا بين تلك الصورة وجب العمل بالبيان، وإذا علمت ذلك تعلم ما في كلام الشارح من الإجمال، حيث أطلق ولم يفصل بين المسلم فيه المؤجل والحال، فيفيد أنه إذا صلح المكان للتسليم، وكان لحمله مؤنة: اشترط البيان مطلقا - سواء كان مؤجلا أو حالا - مع أنه إنما يشترط في الأول، دون الثاني.
(قوله: إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم) أي عقد في محل لا يصلح له، كأن عقد في وسط لجة أو في بادية، ولا فرق في اشتراط البيان فيما إذا أسلم في المحل المذكور بين أن يكون لنقل المسلم فيه مؤنة أم لا.
(وقوله: أو لحمله إليه مؤنة) أي أو صلح للتسليم، لكن كان لحمله من الموضع الذي يوجد فيه عادة إلى موضع التسليم مؤنة، ومحل اشتراط البيان في هذا: إذا كان المسلم فيه مؤجلا، أما إذا كان حالا فلا يشترط - كما علمت - (قوله: ولو ظفر المسلم) بكسر اللام (وقوله: بالمسلم إليه) بفتح اللام (وقوله: بعد المحل) بكسر الحاء.
(قوله: في غير محل التسليم) متعلق بظفر، ومحله هو المكان المعين بالشرط، أو بالعقد.
(قوله: ولنقله إلى محل الظفر) أي نقل المسلم فيه من محل التسليم إلى موضع الظفر مؤنة، أي ولو يتحملها المسلم عن المسلم إليه.
(قوله: لم يلزمه) أي المسلم إليه.
(وقوله: أداء) أي للمسلم فيه للمسلم (قوله: ولا يطالبه بقيمته) أي ولا يطالب المسلم المسلم إليه في غير محل التسليم بقيمته قال سم:(3/24)
قال الزركشي: لكن له الدعوى عليه، وإلزامه بالسفر إلى محل التسليم، أو التوكيل، ولا يحبس.
اه.
(قوله: ويصح السلم حالا) أي بأن صرح بالحلول.
(وقوله: ومؤجلا) أي بأن صرح بالتأجيل بالنسبة للمسلم فيه، أما رأس المال، فلا يصح فيه الأجل، ويجب قبضه حقيقة في المجلس - كما تقدم - أما المؤجل: فبالنص، وأما الحال: فبالأولى - لبعده عن الغرر - (فإن قيل) الكتابة تصح بالمؤجل ولا تصح بالحال.
(أجيب) بأن الأجل إنما وجب فيها لعدم قدرة الرقيق على نحو
الكتابة، والحلول يقتضي وجوبها حالا.
(وقوله: بأجل معلوم) متعلق بمؤجل، أي مؤجل بأجل معلوم للعاقدين، أو للعدلين، كإلى شهر رمضان.
(قوله: لا مجهولا) أي لا مؤجل بأجل مجهول، فلا يصح.
فلو قال أسلمت إليك بهذا إلى قدوم زيد: لم يصح، للجهل بوقت الحلول.
(قوله: ومطلقه إلخ) أي أن مطلق السلم، أي الذي لم يصرح فيه بحلول أو أجل.
(وقوله: حال) أي ينعقد حالا، كما أنه إذا أطلق البيع، ينعقد حالا.
قال سم: وإن ألحقا به أجلا في المجلس: لحق، أو ذكرا أجلا ثم أسقطاه في المجلس: سقط.
اه.
(قوله: ومطلق المسلم فيه جيد) أي أن المسلم فيه إذا لم يقيد بجودة ولا رداءة: ينصرف للجيد - للعرف، ولكن ينزل على أقل درجات الجيد لا على أعلاها.
(قوله: وحرم ربا) (1) هو بالقصر لغة الزيادة، قال الله تعالى: * (اهتزت وربت) * (2) أي زادت ونمت.
وشرعا: عقد واقع على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع، أو واقع مع تأخير في البدلين، أو أحدهما.
(واعلم) أن غالب ما ذكره هنا هو عين ما مر في قوله وشرط في بيع ربوي إلخ، فكان الأولى أن يستوفي الكلام هناك على ما يتعلق ببيع الربوي، أو لا يذكر هناك شيئا أصلا ويستغني بما ذكره هنا عما ذكره هناك - كما صنع في المنهج -.
وقد ورد في تحريم الربا شئ كثير من الآيات والأحاديث والآثار، منها ما تقدم، ومنها قوله تعالى: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * قال بعضهم في تفسير هذه الآية: إن آكل الربا أسوأ حالا من جميع مرتكبي الفواحش، فإن كل مكتسب له توكل ما في كسبه، قليلا كان أو كثيرا - كالتاجر والزارع - إذ لم يعينوا أرزاقهم بعقولهم، ولم تتعين لهم قبل الاكتساب، فهم على غير معلوم في الحقيقة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: أبى الله أن يرزق المؤمن إلا من حيث لا يعلم، وأما آكل الربا فقد عين على آخذه مكسبه ورزقه، فهو محجوب عن ربه بنفسه، وعن رزقه بتعيينه، لا توكل له أصلا، فوكله الحق سبحانه وتعالى إلى نفسه وعقله، وأخرجه من حفظه، فاختطفته الجن، وخبلته، فيقوم يوم القيامة كالمصروع الذي مسه الشيطان، فتخطفه الزبانية، وتلقيه في النيران - فيجب على كل مؤمن أن يتباعد مما يغضب الجبار، ويتوب ويرجع إلى العزيز الغفار، فعساه يغفر له خطاياه - كما قال تعالى: * (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (3) .
والمال الحاصل من الربا: لا بركة له، لأنه إنما حصل من مخالفة الحق، فتكون عاقبته وخيمة، وصاحبه يرتكب سائر المعاصي - إذ كل طعام يوصل آكله إلى دواع وأفعال من جنسه - فإن كان حراما: يدعوه إلى أفعال محرمة، وإن كان مكروها: يؤديه إلى أفعال مكروهة، وإن كان طيبا: يوصله إلى الطيبات فآكل الربا عليه إثم الربا، والأفعال التي حصلت
بسببه، فتزداد عقوبته وإثمه أبدا، ويتلف الله ماله في الدنيا، فلا ينتفع به أعقابه وأولاده، فيكون ممن خسر الدنيا
__________
(1) والاصل في تحريم الربا قوله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا) (البقرة، الاية: 275) وقوله تعالى: (ويمحق الله الربا ويربي الصدقات) (البقرة 276) .
وقول الله عزوجل: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (البقرة: 278 - 279) .
وما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء " رواه البخاري.
(2) سورة الحج، الاية: 5، وفصلت، الاية: 39.
(3) سورة البقرة، الاية: 275.(3/25)
والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
ولو لم يكن في الربا إلا مخالفة الذي خلقه فسواه وأظهر له سبيل النجاة لكفى به نقصانا.
وأي نقصان أفحش من ذلك؟.
(قوله: مر بيانه قريبا) أي مر بيان معنى الربا قريبا.
وفيه أنه لم يبين معنى الربا فيما مر لا لغة ولا شرعا، إلا أن يقال إنه يفهم منه بيان ذلك شرعا، وإن لم يعبر عنه هناك بعنوان الربا، وذلك لأنه ذكر شروط بيع الربوي.
وحكم ما إذا اختل شرط منها، والمختل شرط منها هو الربا - كما يعلم من تعريفه المار آنفا - (قوله: وهو أنواع) أي الربا من حيث هو أقسام ثلاثة، بدخول ربا القرض في ربا الفضل، وإلا فهي أربعة.
(قوله: ربا فضل) بدل من أنواع بدل بعض من كل.
(قوله: بأن يزيد إلخ) تصوير لربا الفضل، ولا فرق في الزيادة بين أن تكون متيقنة، أو محتملة.
(وقوله: أحد العوضين) أي المتحدين جنسا.
(قوله: ومنه ربا القرض) أي ومن ربا الفضل: ربا القرض، وهو كل قرض جر نفعا للمقرض، غير نحو رهن.
لكن لا يحرم عندنا إلا إذا شرط في عقده، كما يؤخذ من تصويره الآتي، ولا يختص بالربويات، بل يجري في غيرها، كالحيوانات والعروض -.
وإنما كان ربا القرض من ربا الفضل، مع أنه ليس من الباب لأنه لما شرط فيه نفعا للمقرض، كان بمنزلة أنه باع ما أقرضه بما يزيد عليه من جنسه، فهو منه حكما.
وقيل إنه قسم مستقل.
(وقوله: بأن يشترط) تصوير لربا القرض.
(وقوله: فيه) أي في القرض، أي عقده.
(قوله: ما فيه نفع للمقرض) ومنه ما لو أقرضه بمصر وأذن له في دفعه لوكيله بمكة مثلا.
(قوله: وربا يد) إنما نسب إليها لعدم القبض بها حالا.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: بأن يفارق إلخ) تصوير له.
(وقوله: أحدهما) أي المتعاقدين.
(وقوله: قبل التقابض) أي قبل قبض العوضين أو
أحدهما.
(قوله: وربا نساء) بفتح النون مع المد، وهو الأجل.
(وقوله: بأن يشترط) تصوير له.
(وقوله: أجل) أي ولو لحظة.
(وقوله: في أحد العوضين) سواء اتفقا جنسا، أو لا.
(قوله: وكلها) أي هذه الأنواع (وقوله: مجمع عليها) أي على بطلانها.
وذكر الشارح فيما تقدم أن الربا من الكبائر.
والذي في التحفة أنه من أكبر الكبائر.
وقال البجيرمي: الذي يظهر أن ما ذكر في بعض أنواعه، وهو ربا الزيادة، وأما الربا من أجل التأخير أو الأجل من غير زيادة في أحد العوضين، فالظاهر أنه صغيرة، لأن غاية ما فيه أنه عقد فاسد، وقد صرحوا بأن العقود الفاسدة من قبيل الصغائر.
اه.
(قوله: ثم العوضان إن اتفقا جنسا) أي كذهب بذهب، وفضة بفضة.
(قوله: ثلاثة شروط تقدمت) أي وهي: الحلول، والتقابض، والتماثل (قوله: أو علة) معطوف على جنسا أي أو اختلفا جنسا لكن اتفقا علة، كذهب بفضة، وبر بشعير.
(قوله: وهي) أي العلة.
(وقوله: الطعم) بضم الطاء أي المطعوم.
(قوله: وقوله، والنقدية) الواو بمعنى أو.
(قوله: شرطان تقدما) أي وهما: الحلول، والتقابض.
(قوله: لا يندفع إثم إعطاء الربا) أي من المعطي الذي هو المقترض.
(قوله: عند الاقتراض) متعلق بيندفع، وليس متعلقا بإعطاء، لأن الإعطاء لا يكون إلا عند دفع ما اقترضه من الدراهم مثلا.
(وقوله: للضرورة) متعلق باقتراض، أو بإعطاء.
والثاني هو ظاهر التصوير بعده.
(قوله: بحيث إلخ) تصوير لإعطاء ذلك، لأجل الضرورة.
(وقوله: أنه) أي المقترض.
(وقوله: لا يحصل له القرض) أي لا يقرضه صاحب المال.
(قوله: إذ له إلخ) تعليل لعدم اندفاع إثم الإعطاء عند ذلك، أي لا يندفع ذلك، لأن له طريقا في إيصال الزائد للمقرض بنذر، أو هبة، أو نحوهما.
(وقوله: أو التمليك) أي بهبة، أو هدية، أو صدقة.
(قوله: لا سيما) أي خصوصا (قوله: لا يحتاج إلى قبول)(3/26)
أي من المنذور له.
(قوله: وقال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد.
(قوله: يندفع الإثم) أي إثم إعطاء الزيادة.
(وقوله: للضرورة) أي لأجل ضرورة الاقتراض (قوله: وطريق الخلاص من عقد.
إلخ) أي الحيلة في التخلص من عقد الربا في بيع الربوي بجنسه مع التفاضل ما ذكره.
وهي مكروهة بسائر أنواعه - خلافا لمن حصر الكراهة في التخلص من ربا الفضل - ومحرمة عند الأئمة الثلاثة.
وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن الحداد: إياكم وما يتعاطاه بعض الجهال الأغبياء المغرورين الحمقاء من استحلالهم الربا في زعمهم بحيل أو مخادعات ومناذرات يتعاطونها بينهم، ويتوهمون أنهم يسلمون بها من إثم الربا، ويتخلصون بسببها من عاره في الدنيا، وناره في العقبى، وهيهات هيهات، إن الحيلة في الربا من الربا، وإن النذر شئ
يتبرر به العبد، ويتبرع ويتقرب به إلى ربه، لا يصح النذر إلا كذلك، وقرائن أحوال هؤلاء تدل على خلاف ذلك، وقد قال عليه الصلاة والسلام: لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله.
وبتقدير أن هذه المناذرات - على قول بعض علماء الظاهر - تؤثر شيئا، فهو بالنسبة إلى أحكام الدنيا وظواهرها لا غير.
فأما بالنسبة إلى أحكام الباطن، وأمور الآخرة فلا.
وأنشد رضي الله عنه: ليس دين الله بالحيل فانتبه يا راقد المقل (قوله: لمن يبيع إلخ) متعلق بالخلاص.
(قوله: متفاضلا) حال من مفعول يبيع، أي يبيع ما ذكر من متحدي الجنس حال كونه متفاضلا، أي زائدا أحد العوضين على الآخر.
(قوله: بأن يهب إلخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو طريق: أي طريق ذلك حاصل بأن يهب إلخ، ولو أسقط الباء الجارة لكان أولى.
(وقوله: حقه) أي كله.
ومثله ما لو وهب الفاضل فقط لصاحبه.
(قوله: أو يقرض كل) أي من البائعين حقه.
(قوله: ثم يبرئه) أي يبرئ كل صاحبه ما اقترضه.
(قوله: ويتخلص منه) أي من عقد الربا.
أي إذا أريد بيع الربوي بغير جنسه من غير تقابض، فليتخلص من الربا الحاصل بعدم التقابض بالقرض بأن يقرض أحد المتعاقدين الآخر عشر ريالات مثلا، ثم بعد التفرق يدفع له الآخذ مثلا عما في ذمته بدلها ذهبا.
(وقوله: بلا قبض) أي تقابض في المجلس للعوضين أو أحدهما، وهو متعلق ببيع.
(وقوله: قبل تفرق) متعلق بقبض.
(تنبيه) قال في المغني: بيع النقد بالنقد من جنسه وغيره يسمى صرفا، ويصح على معينين بالإجماع - كبعتك، أو صارفتك هذه الدنانير بهذه الدراهم - وعلى موصوفين على المشهور، كقوله بعتك، أو صارفتك دينارا صفته كذا في ذمتي بعشرين درهما من الضرب الفلاني في ذمتك.
ولو أطلق فقال صارفتك على دينار بعشرين درهما، وكان هناك نقد واحد لا يختلف، أو نقود مختلفة، إلا أن أحدها أغلب: صح، ونزل الإطلاق عليه، ثم يعينان ويتقابضان قبل التفرق.
ويصح أيضا على معين بموصوف: كبعتك هذا الدينار بعشرة دراهم في ذمتك، ولا يصح على دينين: كبعتك الدينار الذي في ذمتك بالعشرة التي لك في ذمتي، لأن ذلك بيع دين بدين.
اه.
(قوله: وحرم تفريق إلخ) شروع فيما نهى الشارع عنه من البيوع، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة.
(قوله: بين أمة) خرجت الحرة، فلا يحرم التفريق بينها وبين فرعها، والحديث الآتي عام مخصوص بالأمة، خلافا للغزالي في طرده ذلك حتى في الحرة - كما سيذكره - (قوله: وإن رضيت) أي الأمة بالتفريق، فإنه يحرم التفريق.
قال في شرح الروض:
لحق الولد.
اه.
(وقوله: أو كانت كافرة) أي أو مجنونة أو آبقة - على الأوجه - نعم، إن أيس من عودها، أو إفاقتها:(3/27)
احتمل حل التفريق حينئذ اه.
تحفة.
(قوله: وفرع لم يميز) دخل الصبي والمجنون والبالغ.
وفي البجيرمي: قال الناشري: هذا إذا كانت مدة الجنون تمتد زمنا طويلا، أما اليسيرة: فالظاهر أنه كالمفيق.
اه.
(قوله: ولو من زنا) أي ولو كان الفرع من زنا، فإنه يحرم التفريق بينه وبين أمه.
(قوله: المملوكين) بدل من أمة وفرع.
وإبدال المعرفة من النكرة جائز - كالعكس - فالأول: كقوله تعالى: * (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) * (1) إلخ.
والثاني كقوله تعالى: * (لنسفعا بالناصية، ناصية كاذبة) * (2) (وقوله: لواحد) خرج به ما إذا تعدد المالك، كأنه كان مالك أحدهما غير مالك الآخر، كأن أوصى لأحدهما بالأم وللآخر بالفرع، فلا يحرم التفريق حينئذ، فيجوز لكل أن يتصرف في ملكه.
(قوله: بنحو بيع) متعلق بتفريق.
(قوله: كهبة إلخ) تمثيل لنحو البيع.
(قوله: وقسمة) أي قسمة رد أو تعديل.
وصورة الأولى: أن تكون قيمة الأم أكثر من قيمة الولد، فيحتاج إلى رد مال أجنبي مع أحدهما.
والثانية: أن يكون لها ولدان، وكانت قيمتهما تساوي قيمتها.
وزاد ع ش قسمة الإفراز، وصورتها: أن تكون قيمة ولدها تساوي قيمتها.
وضعفه الرشيدي، ونص عبارته: ومعلوم أن القسمة لا تكون إلا بيعا، وبه يعلم ما في حاشية الشيخ، ويكون قوله ولو إفرازا: ضعيفا.
اه.
وإنما كان تصوير الثلاث بما ذكر، لأن المقسوم - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - إن تساوت الأنصباء فيه صورة وقيمة، فالثالث.
وإلا فإن لم يحتج إلى رد شئ آخر، فالثاني، وإلا فالأول.
(قوله: لغير من يعتق عليه) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده، فلا يحرم التفريق بما ذكره لمن يعتق عليه، لأن من عتق ملك نفسه، فله ملازمة الآخر.
شرح الروض.
(قوله: لخبر إلخ) دليل لحرمة التفريق بين من ذكر، وورد أيضا: ملعون من فرق بين والد وولده رواه أبو داود.
وهو من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيه.
وأما العقد، فهو من الصغائر عند م ر.
وعند ابن حجر هو من الكبائر أفاده البجيرمي.
(قوله: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) .
(إن قلت) التفريق بينه وبين أحبته إن كان في الجنة فهو تعذيب، والجنة لا تعذيب فيها.
وإن كان في الموقف، فكل مشغول بنفسه، فلا يضره التفريق.
(أجيب) باختيار الثاني، لأن الناس ليسوا مشغولين في جميع أزمنة الموقف، بل فيها أحوال يجتمع بعضهم ببعض، فالتفريق في تلك الأحوال تعذيب، أو أنه محمول على الزجر.
ويمكن اختيار الأول وينسيه الله تعالى أحبته - فلا
تعذيب.
ع ش، وح ف.
بجيرمي (قوله: وبطل العقدة فيهما) أما في التفريق: فللعجز عن التسليم شرعا بالمنع من التفريق، ومثله في الربا، فهو ممنوع من إعطاء الزيادة، أو تأخير أحد العوضين عن المجلس.
(قوله: وألحق الغزالي إلخ) أي في الحرمة، وعبارة التحفة: ويحرم التفريق أيضا بالسفر وبين زوجة حرة وولدها الغير المميز - لا مطلقة - لإمكان صحبتها له، كذا أطلقه الغزالي وأقروه.
اه.
وكتب سم: قوله ويحرم التفريق أيضا بالسفر: أي مع الرق، والمراد: سفر يحصل معه تضرر، وإلا كنحو فرسخ لحاجة، فينبغي أن لا يمتنع، ثم ما ذكره من حرمة التفريق بالسفر مع الرق على ما تقرر: مسلم.
وأما قوله بين زوجة حرة وولدها - أي بالسفر أيضا - فهو ممنوع.
اه.
(قوله: وطرده) أي التحريم: أي جعله مطردا وشاملا للتفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت الزوجة حرة.
ولم يرتض في النهاية ذلك في الحرة، وعبارتها: وطرده ذلك في الزوجة الحرة، بخلاف الأمة، ليس بظاهر، انتهت.
وقله: بخلاف الأمة: أي فطرده ذلك فيها ظاهر.
ع ش وهو مؤيد لما مر عن سم.
(قوله: بخلاف المطلقة) أي الزوجة المطلقة، فإنه لا يحرم التفريق
__________
(1) سورة الشورى، الاية: 52، 53.
(2) سورة العلق، الاية: 15.(3/28)
بينها وبين ولدها بالسفر، لما مر آنفا عن ابن حجر.
(قوله: والأب) هو وما بعده مبتدأ، خبره كالأم، أي فيحرم التفريق بين الأب وفرعه، وبين الجدة وفرعها - كما يحرم بينه وبين الأم - (قوله: ولو من الأب) الغاية للرد كما يعلم من عبارة المغني، ونصها: وفي الجدات والأجداد للأب عند فقد الأبوين وأم الأم ثلاثة أوجه، حكاها الشيخان في باب السير من غير ترجيح، ثالثها جواز التفريق في الأجداد دون الجدات لأنهن أصلح للتربية.
اه.
(قوله: إذا عدمت) أي الأم، فإن لم تعدم ووجد أبوه معها أو جدته: حرم التفريق بينه وبين الأم، وحل بينه وبين الأب والجدة.
وإذا كان له أب وجد: جاز بيعه مع جده، لاندفاع ضرره ببقائه مع كل منهما.
(قوله: أما بعد التمييز إلخ) محترز قوله لم يميز ومعنى التمييز - كما في التحفة - أن يصير يأكل وحده، ويستنجي وحده.
ولا يقدر بسن.
(وقوله: فلا يحرم) أي التفريق.
قال في المغني: وخبر: لا يفرق بين الأم وولدها.
قيل: إلى متى؟ قال: حتى يبلغ الغلام، وتحيض الجارية ضعيف.
اه.
(قوله: لاستغناء المميز عن الحضانة) علة لعدم التحريم.
(قوله: كالتفريق بوصية وعتق) أي كعدم حرمة التفريق بوصية وعتق، ورهن، وذلك لأن الوصية قد لا تقتضي التفريق بوضعها، فلعل الموت يكون بعد زمان التمييز، ولأن المعتق محسن فلا يمنع من إحسانه، ولأن الرهن لا تفريق فيه لبقاء الملك.
وعبارة المنهاج - في باب الرهن، مع شرح الرملي - ويصح رهن
الأم دون ولدها، وعكسه، لبقاء الملك فيهما، فلا تفريق.
اه.
(قوله: ويجوز تفريق ولد البهيمة) أي بذبح له أو لأمه، وبنحو بيع كذلك.
(وقوله: إن استغنى عن أمه) قيد في جواز التفريق، لكن النسبة لما إذا كان بنحو البيع له أو لها أو بالذبح لها، أما إذا كان بالذبح له فلا يحتاج إلى هذا التقييد، لأنه يجوز ذبحه مطلقا، استغنى أولا - كما صرح به في الروض وشرحه - (وقوله: بلبن) أي لغير أمه.
(وقوله: أو غيره) أي غير اللبن، كعلف.
(قوله: لكن يكره) أي التفريق في هذه الحالة، ومحل الكراهة ما لم يكن لغرض الذبح له، وإلا فلا كراهة - كما نص عليه في شرح الروض - وعبارته: لكن مع الكراهة ما دام رضيعا، إلا لغرض صحيح كالذبح.
اه.
(قوله: كفريق الآدمي المميز) أي ككراهة ذلك.
(وقوله: قبل البلوغ) في النهاية: ويكره التفريق بعد التمييز وبعد البلوغ أيضا، لما فيه من التشويش، والعقد صحيح.
اه.
(قوله: فإن لم يستغن إلخ) مقابل إن استغنى عن أمه.
(وقوله: عن اللبن) المناسب أن يقول عنها بلبن أو غيره، ويكون الضمير عائدا على الأم المتقدم ذكرها.
(قوله: حرم) أي التفريق مطلقا، ببيع أو غيره، حتى يصح الاستثناء بعده.
(وقوله: وبطل) أي التصرف فيه بنحو البيع، فالفاعل يعود على معلوم.
وعبارة شرح الروض: فإن لم يستغن: حرم البيع، وبطل، إلا لغرض الذبح.
اه.
فلو صنع مثل صنيعه في إظهار فاعل حرم لكان أولى.
(قوله: إلا أن كان لغرض الذبح) استثناء من الحرمة والبطلان، أي يحرم ما ذكر من التفريق، ويبطل التصرف إلا إن كان ذلك لغرض الذبح له أو لأمه، فلا حرمة، ولا بطلان.
(قوله: لكن بحث السبكي إلخ) استدراك من الاستثناء.
(وقوله: حرمة ذبح أمه مع بقائه) أي الولد.
وفرض المسألة في حالة عدم الاستغناء، أما في حالة الاستغناء، فلا حرمة بالاتفاق (قوله: وحرم أيضا) أي كما حرم الربا، والتفريق بين الأمة وولدها.
(قوله: بيع نحو عنب) أي كرطب.
وقوله: ممن علم إلخ.
من: بمعنى على، (1) متعلقة ببيع.
ومن: واقعة على المشتري، وفاعل علم وظن يعود على البائع، فالصلة جرت على غير من هي له - أي حرم بيع ما ذكر على من علم البائع أو ظن أنه يتخذه مسكر -.
قال سم: ولو كافرا، لحرمة ذلك عليه، وإن كنا لا نتعرض له بشرطه.
وهل يحرم نحو الزبيب لحنفي يتخذه مسكرا - كما هو قضية إطلاق العبارة - أولا، لأنه يعتقد حل النبيذ بشرطه؟ فيه نظر، ويتجه الأول، نظرا لاعتقاد البائع.
اه.
وإنما حرم ما ذكر لأنه سبب لمعصية محققة أو مظنونة.
__________
(1) قوله بمعنى على: لعل الاولى بمعنى اللام فتأمل.
اه.
مصححه.(3/29)
(وقوله: للشرب) قيد لبيان الواقع، ولو أسقطه ما ضره.
(قوله: والأمرد) معطوف هو وما بعده على نحو عنب، أي ويحرم
بيع الأمرد على من عرف بالفجور به يقينا أو ظنا.
فالمراد بالمعرفة ما يشمل الظن.
وعبارة شيخ الإسلام: ومحل تحريم بيعه ذلك ممن ذكر: إذا تحقق أو ظن أنه يفعل ذلك، فإن توهمه كره.
اه.
(قوله: والديك إلخ) أي وحرم بيع الديك للمهارشة، أي المحارشة، وتسلط بعضها على بعض.
قال في القاموس: التهريش: التحريش بين الكلاب، والإفساد بين الناس.
والمحارشة: تحريش بعضها على بعض.
اه.
(قوله: والكبش للمناطحة) أي وحرم بيع الكبش لأجل المناطحة.
قال في القاموس: نطحه، كمنعه، وضربه: أصابه بقرنه.
وانتطحت الكباش: تناطحت.
والنطيحة التي ماتت منه.
اه.
(قوله: والحرير إلخ) أي وحرم بيع الحرير على رجل، لأجل أن يلبسه.
قال في النهاية: بلا نحو ضرورة.
اه.
ومفهومه أنه إذا كان لنحو ضرورة - ككثرة قمل، أو فجأة حرب - جاز بيعه عليه.
(قوله: وكذا بيع نحو المسك إلخ) أي وكذا يحرم بيع نحو مسك من كل طيب يتطيب به على كافر يشتريه لأجل تطييب الصنم.
(قوله: والحيوان لكافر إلخ) أي وكذا يحرم بيع الحيوان على كافر علم البائع أنه يأكله بلا ذبح شرعي.
(قوله: لأن الأصح إلخ) تعليل لما بعد، وكذا قوله كالمسلمين: أي كما أن المسلمين مخاطبون بها.
(وقوله: عندنا) متعلق بمخاطبون، أي مخاطبون بذلك عندنا معاشر الشافعية (قوله: خلافا لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه) أي فإنه يقول لا يخاطبون بذلك، وهذا محترز التقييد بعندنا.
(قوله: فلا يجوز) هذا من جملة التعليل، وهو محطه: أي وإذا كان الكفار مخاطبين بذلك فيحرم عليهم ما ذكر - من تطييب الصنم، وأكل الحيوان من غير ذبح - ولا يجوز لنا إعانتهم على ذلك ببيع ما ذكر عليهم.
(وقوله: عليهما) أي على تطييب الصنم، وعلى أكل الحيوان بلا ذبح (قوله: ونحو ذلك) بالرفع معطوف على بيع نحو المسك إلخ، أي وكذا يحرم نحو ذلك.
(وقوله: من كل تصرف يفضي إلى معصية) بيان لنحو، وذلك كبيع الدابة لمن يكلفها فوق طاقتها، والأمة على من يتخذها لغناء محرم، والخشب على من يتخذه آلة لهو، وكإطعام مسلم مكلف كافرا مكلفا في نهار رمضان، وكذا بيعه طعاما علم أو ظن أنه يأكله نهارا.
(قوله: ومع ذلك إلخ) راجع لجميع ما قبله، أي ومع تحريم ما ذكر من بيع نحو العنب، وما ذكر بعد يصح البيع.
قال في التحفة: (فإن قلت) هو هنا عاجز عن التسليم شرعا، فلم صح البيع؟.
(قلت) ممنوع، لأن العجز عنه ليس لوصف لازم في المبيع، بل في البائع خارج عما يتعلق بالمبيع وشروطه.
اه.
(قوله: ويكره بيع ما ذكر) أي من العنب، والأمرد، والديك، وغير ذلك.
(وقوله: ممن توهم منه ذلك) أي الاتخاذ خمرا، أو الفجور، وغير ذلك.
وهذا محترز قوله المار: ممن علم أو ظن إلخ (قوله: وبيع السلاح إلخ) معطوف على فاعل يكره، أي ويكره بيع السلاح، وهو كل نافع في الحرب - ولو درعا - على نحو بغاة.
قال في شرح الروض: ما لم يتحقق عصيان المشتري للسلاح به، وإلا حرم، وصح البيع.
اه.
بالمعنى.
(قوله: وقطاع طريق) لو قال كقطاع طريق، لكان أولى، لأنه مما اندرج تحت نحو.
ومحل الكراهة أيضا في البيع عليهم، ما لم يغلب على الظن أنهم يتخذونها لقطع الطريق، وإلا حرم، وصح البيع (قوله: ومعاملة إلخ) أي وكره معاملة من في يده، أي في ملكه حلال(3/30)
وحرام.
وهذه المسألة تقدمت غير مرة.
(وقوله: وإن غلب الخ) غاية للكراهة.
(قوله: نعم، إن الخ) استدراك على كراهة ما ذكر.
(وقوله: على تحريم ما عقد به) أي علم أن ما عقد عليه عينه حرام.
(قوله: حرم) الأولى فيه وفي الفعل الذي بعده: التأنيث، إذ الفاعل يعود على المعاملة، وهي مؤنثة.
(وقوله: وبطل) أي المعاملة.
وقد علمت ما فيه.
(قوله: وحرم احتكار قوت) في الزواجر: أنه من الكبائر - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحتكر إلا خاطئ قال أهل اللغة: الخاطئ: العاصي الآثم.
وقوله عليه السلام: من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله، وبرئ الله منه، وقوله عليه السلام: الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون، وقوله عليه السلام: من احتكر على المسملين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس.
اه.
(قوله: كتمر إلخ) تمثيل للقوت.
(وقوله: وكل مجزئ في الفطرة) أي مما يقتات باعتبار عادة البلد كأقط وقمح وأرز.
قال في فتح الجواد: وكذا قوت البهائم.
اه.
(قوله: وهو) أي الاحتكار.
(وقوله: إمساك ما اشتراه) خرج به ما إذا لم يمسكه، أو أمسك الذي لم يشتره - بأن أمسك غلة ضيعته ليبيعها بأكثر، أو أمسك الذي اشتراه من طعام غير القوت فلا حرمة في ذلك.
(وقوله: في وقت الغلاء) متعلق بإمساك.
قال في التحفة: والعبرة فيه بالعرف.
اه.
(وقوله: لا الرخص) أي لا إن اشتراه في وقت الرخص فلا يحرم.
وفي سم ما نصه: تنبيه: لو اشتراه في وقت الغلاء ليبيعه ببلد آخر سعرها أغلى: ينبغي ألا يكون من الاحتكار المحرم، لأن سعر البلد الآخر الأغلى غلوه متحقق في الحال، فلم يمسكه ليحصل الغلو، لوجوده في الحال.
والتأخير إنما هو من ضرورة النقل إليه، فهو بمنزلة ما لو باعه عقب شرائه بأغلى.
اه.
(قوله: ليبيعه بأكثر) أي أمسكه ليبيعه بأكثر، فهو علة للإمساك، لا لاشتراه، لئلا ينافي الغاية بعده.
وخرج به، ما إذا أمسكه لا ليبيعه بأكثر بل ليأكله أو ليبيعه لا بأكثر، فلا حرمة في ذلك.
(قوله: عند اشتداد إلخ) متعلق بإمساك أو بيبيعه.
وخرج به: ما إذا لم تشتد الحاجة إليه، فلا حرمة.
(وقوله أو غيرهم) أي غير أهل محله.
(قوله: وإن لم يشتره بقصد ذلك) أي بقصد البيع بأكثر، وهو غاية لكون ضابط الاحتكار ما ذكر، يعني أن الاحتكار هو الإمساك للذكور، وإن لم يكن وقت الشراء قاصدا ذلك.
(قوله: لا ليمسكه لنفسه أو عياله) محترز ليبيعه.
(وقوله: أو ليبيعه بثمن مثله) محترز قوله بأكثر.
(وقوله: ولا إمساك غلة أرضه) محترز قوله ما اشتراه.
(تنبيه) قال في المغني: يحرم التسعير - ولو في وقت الغلاء - بأن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا، للتضييق على الناس في أموالهم.
وقضية كلامهم أن ذلك لا يختص بالأطعمة، وهو كذلك.
فلو سعر الإمام عزر مخالفه، بأن باع بأزيد مما سعر، لما فيه من مجاهرة الإمام بالمخالفة، وصح البيع.
اه.
(قوله: كل ما يعين عليه) أي على القوت: أي مما يتأدم به، أو يسد مسد القوت في بعض الأحيان.
والأول كاللحم، والثاني كالفواكه.
(قوله: وصرح القاضي بالكراهة) أي كراهة الاحتكار.
(وقوله: في الثوب) أي ونحوه من كل ما يلبس.
(قوله: وسوم على سوم) أي وحرم سوم إلخ، لخبر الصحيحين: لا يسوم الرجل على سوم أخيه وهو خبر بمعنى النهي.
والمعنى فيه الإيذاء، وذكر الرجل والأخ، ليس للتقييد، بل الأول لأنه الغالب، الثاني للرقة والعطف عليه وسرعة امتثاله، فغيرهما مثلهما.
وفي البجيرمي: ومحل الحرمة إن كان السوم الأول جائزا، وإلا كسوم نحو عنب من عاصر الخمر - فلا يحرم السوم على(3/31)
سومه - بل قال العلامة البكري: يستحب الشراء بعده.
اه.
(قوله: بعد تقرر ثمن) متعلق بحرم المقدر، أي وإنما يحرم السوم بعد تقرر الثمن.
(وقوله بالتراضي به) أي صريحا، وهو تصوير للتقرر، أي أن تقرر الثمن يكون بالتراضي عليه صريحا.
الشوبري: ولا بد أيضا بعد التراضي به من المواعدة على إيقاع العقد به وقت كذا، فلو اتفقا عليه ثم افترقا من غير مواعدة، لم يحرم السوم حينئذ.
كما نقله الإمام عن الأصحاب.
اه.
وخرج بالتقرير المذكور: ما يطاف به على من يزيد فيه - فلا يحرم فيه ذلك -.
وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يقع كثيرا بأسواق مصر: من أن مريد البيع يدفع متاعه للدلال، فيطوف به، ثم يرجع إليه، ويقول له استقر سعر متاعك على كذا، فيأذن له في البيع بذلك القدر: هل يحرم على غيره
شراؤه بذلك السعر، أو بأزيد، أم لا؟ فيه نظر.
والجواب عنه بأن الظاهر الثاني، لأنه لم يتحقق قصد الضرر، حيث لم يعين المشتري، بل لا يبعد عدم التحريم - وإن عينه - لأن مثل ذلك ليس تصريحا بالموافقة على البيع، لعدم المخاطبة من البائع والواسطة للمشتري.
اه.
(قوله: وإن فحش إلخ) إي يحرم السوم وإن فحش إلخ.
(وقوله: للنهي عنه) أي في الخبر المتقدم.
(قوله: وهو) أي السوم على السوم.
(وقوله: أن يزيد) أي السائم.
(وقوله: على آخر) أي على سوم آخر.
(وقوله: في ثمن ما يريد شراءه) أي في ثمن المتاع الذي يريد الآخر شراءه واستقر ثمنه.
(قوله: أو يخرج له أرخص) أي أو يخرج للمشتري متاعا أرخص من المتاع الذي سامه.
ومعنى كونه سائما في هذه على سوم غيره، أنه عرض بضاعته للسوم الواقع لسلعة غيره.
(قوله: أو يرغب المالك إلخ) فيه أن هذه الصورة عين الصورة الأولى: إذ إعطاء الزيادة في الثمن للمالك يرغب المالك في استرداده.
إلا أن يقال إن هذه الصورة مفروضة بعد العقد، وتلك قبله.
وعبارة التحفة: في تصوير السوم على السوم بأن يقول لمن أخذ شيئا ليشتريه بكذا رده حتى أبيعك خيرا منه بهذا الثمن أو بأقل منه أو مثله بأقل، أو يقول لمالكه استرده لأشتريه منك بأكثر، أو يعرض على مريد الشراء أو غيره بحضرته مثل سلعة بأنقص أو أجود منها بمثل الثمن.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: وتحريمه) أي السوم على السوم بعد البيع، أي العقد، (وقوله: أشد) أي من تحريمه قبل البيع وبعد التراضي، لأن الإيذاء هنا أكثر، وذلك بأن يبيع على بيع الغير، بأن يرغب المشتري في الفسخ ليبيعه خيرا منه بمثل ثمنه، أو مثله بأقل.
أو يشتري على شرائه، بأن يرغب البائع في الفسخ ليشتريه منه بأكثر.
ومن ذلك أن يبيع مشتريا مثل المبيع بأرخص، أو يعرض عليه مثل السلعة ليشتريها أو يطلبها منه بزيادة ربح والبائع حاضر.
اه.
فتح الجواد.
وصريح ما ذكر: أن البيع على البيع، والشراء على الشراء، مندرجان في السوم على السوم، وأنه ليس مخصوصا بما كان قبل العقد، وهو خلاف مفاد عبارة المنهاج والمنهج من أنهما قسمان مستقلان، وأن السوم على السوم مخصوص بما كان قبل العقد وبعد تقرر الثمن.
(قوله: ونجش) أي وحرم نجش، وهو لغة: الإثارة - بالمثلثة -: لما فيا من إثارة الرغبة - يقال نجش الطائر: أثاره من مكانه - من باب ضرب.
اه.
بجيرمي.
(قوله: للنهي عنه) أي في خبر الصحيحين (قوله: وللإيذاء) أي إيذاء المشتري.
(قوله: وهو) أي النجش (وقوله: أن يزيد في الثمن) أي لسلعة معروضة للبيع (قوله: لا لرغبته) أي في الشراء، أي أو لرغبة فيه لكن قصد إضرار غيره.
اه.
ع ش.
(قوله: بل ليخذع غيره) مثال لا قيد، لأنه لو زاد: لنفع البائع ولم يقصد خديعة غيره: كان الحكم كذلك.
اه.
نهاية.
(قوله: وإن
كانت الزيادة) أي يحرم ذلك وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، كيتيم (قوله: ولو عند نقص القيمة) أي قيمة السلعة المعروضة للبيع.
(قوله: على الأوجه) مقابله يجوز الزيادة عند نقص القيمة.
(قوله: ولا خيار للمشتري إلخ) وقيل له الخيار للتدليس، كالتصرية.(3/32)
ومحل الخلاف عند مواطأة البائع للناجش، وإلا فلا خيار جزما.
ويجري الوجهان فيما لو قال البائع: أعطيت في هذه السلعة كذا، فبان خلافه.
وكذا لو أخبره عارف بأن هذا عقيق، أو فيروز بمواطأة، فبان خلافه.
اه.
نهاية.
(قوله: لتفريط المشتري) علة لعدم الخيار.
(قوله: بالكذب) قال ع ش: قضيته أنه لو كان صادقا في الوصف لم يكن مثله - أي النجش - وهو ظاهر.
اه.
(قوله: وشرط التحريم في الكل) أي الاحتكار وما بعده.
(وقوله: علم النهي حتى في النجش) أي لقول الشافعي رضي الله عنه: من نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وفي النهاية: لا أثر للجهل في حق من هو بين أظهر المسلمين بخصوص تحريم النجش ونحوه.
وقد أشار السبكي إلى أن من لم يعلم الحرمة لا إثم عليه عند الله.
وأما بالنسبة للحكم الظاهر للقضاة، فما اشتهر تحريمه لا يحتاج إلى اعتراف متعاطيه بالعلم - بخلاف الخفي - وظاهره أنه لا إثم عليه عند الله وإن قصر في التعلم، والظاهر أنه غير مراد.
اه.
(قوله: ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع) وهي الاحتكار، وما ذكر بعده.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
(إعلم) أن البيع تعتريه الأحكام الخمسة، فيجب في نحو اضطرار، ومال مفلس محجور عليه.
ويندب في نحو زمن الغلاء، وفي المحاباة للعالم بها.
ويكره في نحو: بيع مصحف، ودور مكة، وفي سوق اختلط فيه الحرام بغيره، وممن أكثر ماله حرام، خلافا للغزالي، وفي خروج من حرام بحيلة، كنحو ربا ويحرم في بيع نحو العنب، على ما مر، ويجوز فيما عدا ذلك.
والله أعلم.
فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب لما فرغ من بيان صحة العقد وفساده، شرع في بيان لزومه وجوازه.
والجواز سببه الخيار.
والأصل في البيع: اللزوم، لأن القصد منه نقل الملك، وقضية الملك التصرف، وكلاهما فرع اللزوم، إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار رفقا بالمتعاقدين.
وهو نوعان: خيار تشبه، وخيار نقيصة - أي عيب - والأول ما يتعاطاه المتعاقدان باختيارهما وشهوتهما من غير توقف على فوات أمر في المبيع، وسببه المجلس، أو الشرط.
والإضافة فيه - وفي خيار العيب - من إضافة المسبب
إلى السبب.
وعد المصنف الأنواع ثلاثة: خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب.
والأخصر والأولى ما ذكرته، لأن الأولين فردان لخيار التشهي، لا نوعان.
(قوله: يثبت خيار مجلس) أي قهرا عن المتعاقدين، حتى لو شرط نفيه بطل البيع، وهو اسم من الاختيار الذي هو طلب خير الأمرين من الإمضاء والفسخ (قوله: في كل بيع) أي وإن استعقب عتقا، كشراء بعضه إن قلنا إن الملك في زمن الخيار للبائع أو موقوف، فإن قلنا للمشتري فالخيار للبائع فقط.
(وقوله حتى في الربوي) أي حتى أنه يثبت الخيار في بيع الربوي، كبيع الطعام بالطعام.
(وقوله: والسلم) أي في عقد السلم، لأنه بيع موصوف في الذمة.
(قوله: وكذا في هبة ذات ثواب) أي وكذا يثبت الخيار في هبة ذات عوض، لأنها بيع حقيقي.
(وقوله: على المعتمد) مقابله لا يثبت الخيار فيها - وهو ما جرى عليه النووي في منهاجه (قوله: وخرج بفي: كل بيع) أي بقوله في كل بيع، وقوله غير البيع:(3/33)
فاعل خرج - أي خرج ما لا يسمى بيعا -.
(قوله: كالإبراء، إلخ) تمثيل لغير البيع.
(وقوله: والهبة بلا ثواب) أي عوض.
(وقوله: وقراض) هو أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه على أن يكون الربح بينهما.
(وقوله: وحوالة) أي وإن جعلت بيعا لعدم تبادرها منه.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: وكتابة) هي عقد عتق بلفظ الكتابة بعوض منجم بنجمين فأكثر.
(قوله: ولو في الذمة) أي ولو كانت الإجارة في الذمة، فلا يثبت فيها الخيار.
والغاية للرد على القفال وطائفة حيث قالوا بثبوت الخيار في الإجارة الواردة على الذمة كالسلم.
وصورة الواردة على الذمة: ألزمت ذمتك حملي إلى مكة بدينار مثلا.
(وقوله: أو مقدرة بمدة) أي ولو مقدرة بمدة، وهي أيضا للرد على من صحح ثبوته في المقدرة بمدة، ومثلها المقدرة بمحل عمل.
وصورة الأولى: آجرتك داري سنة بدينار مثلا.
وصورة الثانية: آجرتك لتخيط لي هذا الثوب، أو لتحملني إلى مكة.
وعبارة شرح المنهج: ووقع للنووي في تصحيحه تصحيح ثبوته في المقدرة بمدة، وكتب البجيرمي ما نصه: قوله في المقدرة بمدة: قال في مهمات المهمات، وحينئذ فيعلم منه الثبوت في غيرها بطريق الأولى.
اه.
شوبري أي: لأنها تفوت فيها المنفعة بمضي الزمن، ومع ذلك فيها الخيار، فثبوته في التي لا تفوت أولى، وهذا كله على الضعيف.
اه.
(قوله: فلا خيار في جميع ذلك) أي الإبراء وما بعده.
(قوله: لأنها) أي المذكورات من الإبراء وما بعده.
والمناسب لأنه، بتذكير الضمير العائد على جميع ذلك.
(وقوله: لا تسمى بيعا) أي والخبر إنما ورد في البيع ولأن المنفعة في الإجارة تفوت بمضي الزمن، فألزمنا العقد، لئلا يتلف جزء من المعقود عليه، لا في مقابلة العوض.
(قوله:
وسقط خيار من اختار لزومه) أي لخبر الشيخين.
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما للآخر اختر، أي البائع والمشتري متلبسان بالخيار مدة عدم تفرقهما، إلا أن يقول - أو إلى أن يقول - أحدهما للآخر.
فإذا قال ذلك الأحد ما ذكر: سقط خياره، وبقي خيار الآخر.
ثم اختيار اللزوم تارة يكون صريحا - كما في الأمثلة التي ذكرها - وتارة يكون ضمنا: بأن يتبايعا العوضين بعد قبضهما في المجلس إذ ذاك متضمن للرضا بلزوم العقد الأول.
أفاده م ر.
وقوله أن يتبايعا العوضين: قضيته أنه لا ينقطع بتبايع أحد العوضين كان أخذ البائع المبيع من المشتري بغير الثمن الذي قبضه منه، وقد مر أن تصرف أحد العاقدين مع الآخر إجازة، وذلك يقتضي انقطاع الخيار بما ذكر، فلعل قوله العوضين تصوير.
اه.
ع ش.
(قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن اختار.
(قوله: كأن يقولا إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم منهما معا.
(قوله: أو من أحدهما) عطف على قوله من بائع ومشتر.
(وقوله: كأن يقول إلخ) تمثيل لكون اختيار اللزوم من أحدهما.
(قوله: فيسقط خياره) أي الأحد الذي اختار اللزوم.
(قوله: ويبقى خيار الآخر ولو مشتريا) محله ما لم يكن المبيع ممن يعتق عليه، وإلا سقط خياره أيضا للحكم بعتق المبيع.
(قوله: وسقط خيار كل منهما بفرقة إلخ) وذلك لخبر البيهقي: البيعان بالخيار حتى يفترقا من مكانهما.
وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان إذا باع قام فمشى هنيهة، ثم رجع.
(وقوله: بدن) خرج به فرقة الروح والعقل، فإنه لا يسقط بها، بل يخلف العاقد وليه أو وارثه - كما سيأتي في قوله ولا يسقط بموت أحدهما إلخ - (وقوله: منهما أو من أحدهما) أي حال كون تلك الفرقة واقعة من المتعاقدين أو من أحدهما فقط، وإذا وقعت منه فقط سقط خيارهما معا، ولا يختص السقوط بالمفارق، بخلافه في صورة اختيار اللزوم بالقول، فإنه يختص بالقائل.
فتنبه.
(قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) أي يسقط بالفرقة، ولو حصلت نسيانا - لا عمدا أو جهلا - بأن الفرقة تسقط الخيار.
(قوله: عن مجلس العقد) متعلق بفرقة بدن.
(قوله: عرفا) أي المعتبر في الفرقة: العرف.
قال سم: لأنه لا نص للشارع ولا لأهل اللغة فيه.
(قوله: فما يعده إلخ) مبتدأ، خبره جملة(3/34)
يلزم به العقد.
(قوله: فإن كانا إلخ) بيان لما يعده الناس فرقة.
(وقوله: في دار) بين ما بعده الناس فرقة بالنسبة لما إذا كانا في دار ولم يبين ذلك فيما إذا كانا في سفينة.
وحاصله أنه إن كانت كبيرة: فالفرقة فيها بالانتقال من مقدمها إلى مؤخرها، وبالعكس.
أو صغيرة: فبالخروج منها، أو بالرقي إلى صاريها.
(وقوله: بأن يخرج أحدهما منها) أي من الدار.
قال البجيرمي: ظاهره ولو كان قريبا من الباب، وهو ما في الأنوار عن الإمام الغزالي.
ويظهر أن مثل ذلك ما لو
كانت إحدى رجليه داخل الدار معتمدا عليها وأخرجها.
اه.
ومثل الخروج: الصعود إلى سطحها، أو شئ مرتفع فيها - كنخلة - والنزول إلى بئر فيها.
(قوله: أو في كبيرة) أي أو كانا في دار كبيرة.
(وقوله: فبأن ينتقل إلخ) أي فالفرقة فيها بأن ينتقل إلخ.
(وقوله: إلى بيت من بيوتها) أي الدار.
كأن ينتقل من صحنها إلى المجلس أو الصفة.
(قوله: أو في صحراء أو سوق) أي أو كانا في صحراء أو في سوق.
(وقوله: فبأن يولي إلخ) أي فالفرقة في ذلك بأن يولي أحدهما ظهره.
(قوله: ويمشي قليلا) ضبطه في الأنوار بالقدر الذي يكون بين الصفين، وهو ثلاثة أذرع.
(قوله: وإن سمع الخطاب) أي تحصل الفرقة فيما إذا كانا بصحراء أو سوق بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلا - وإن سمع خطاب صاحبه - فهو غاية لحصول الفرقة بما ذكر.
(قوله: فيبقى خيار المجلس إلخ) مفرع على قوله يثبت خيار مجلس إلخ، أي وإذا ثبت خيار المجلس فيبقى ولو طال مكثهما إلخ.
وكان المناسب تقديمه على قوله وسقط خيار إلخ، وإسقاط قوله ما لم يتفرقا - كما نبه على بعض ذلك البجيرمي - (قوله: ولو طال مكثهما إلخ) غاية لإبقاء خيار المجلس.
(وقوله: وإن بلغ) أي المكث في محل سنين، فهو غاية للغاية.
(وقوله: أو تماشيا منازل) معطوف على طال مكثهما، فهو غاية ثانية للإبقاء المذكور - أي يبقى وإن تماشيا منازل - وذلك لعدم التفرق ببدنهما.
(قوله: ولا يسقط) أي الخيار.
(وقوله: بموت أحدهما) أي في المجلس (قوله: فينتقل الخيار للوارث) أي ولو عاما.
(وقوله: المتأهل) فإن لم يوجد، نصب الحاكم عنه من يفعل الأصلح له من فسخ أو إجازة.
(قوله: وحلف نافي فرقة) أي وصدق بحلفه.
(قوله: أو فسخ) أي أو نافي فسخ.
(وقوله: قبلها) متعلق بفسخ (قوله: بأن جاءآ معا) أي إلى مجلس الحكم.
(وقوله: وادعى على أحدهما فرقة) أي قبل مجيئهما.
(وقوله: وأنكرها) أي الفرقة.
(وقوله: ليفسخ) علة للإنكار.
(قوله: أو اتفقا عليها) أي الفرقة (قوله: وادعى أحدهما فسخا قبلها) أي الفرقة.
(قوله: وأنكر الآخر) أي الفسخ قبل الفرقة.
(قوله: فيصدق النافي) أي في الصورتين.
وفائدة تصديقه في الأولى: بقاء الخيار له، وليس لمدعي الفرقة الفسخ.
ولو اتفقا على الفسخ والتفرق واختلفا في السابق منهما - فكما في الرجعة - فيصدق مدعي التأخير.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لموافقته للأصل) وهو عدم الفرقة، وعدم الفسخ.
(قوله: ويجوز إلخ) شروع في خيار الشرط، ويسمى خيار التروي - أي التشهي والإرادة - وهو يثبت في كل ما يثبت فيه خيار المجلس، إلا فيما سيذكره إجماعا، ولما صح أن بعض الأنصار كان يخدع في البيوع، فأرشده - صلى الله عليه وسلم - إلى أنه يقول عند البيع لا خلابة، وأعلمه أنه إذا قال ذلك كان له خيار ثلاث ليال.
ومعنى لا خلابة - وهي بكسر الخاء المعجمة، وبالموحدة -: لا غبن ولا خديعة، واشتهرت في الشرع لاشتراط الخيار ثلاثة أيام، فإن ذكرت
وعلما معناها ثبت ثلاثا، وإلا فلا.
(قوله: أي للعاقدين) بأن يصرح كل منهما بشرط الخيار، وكذا يجوز لأحدهما أن يصرح بالشرط ويوافقه الآخر.
(قوله: لهما أو لأحدهما) هذا بيان للمشروط له، فالجار والمجرور متعلق بخيار، ويجوز أيضا شرط الخيار لأجنبي واحد أو اثنين، ولا يحب عليه إذا شرط له الخيار مراعاة المصلحة لشارطه له من فسخ أو إجازة،(3/35)
بل له أن يفسخ أو يجيز - وإن كرهه، وليس لشارطه عزله، ولا له عزل نفسه، لأنه تمليك - على الأصح - لا توكيل.
وإذا مات انتقل الخيار لمن شرطه له.
(قوله: في كل بيع) متعلق بيجوز، أو شرط، أي ويجوز ذلك في كل بيع.
قال ع ش: وخرج بالبيع ما عداه، فلا يثبت فيه خيار الشرط قطعا.
اه.
(قوله: فيه خيار مجلس) الجملة من المبتدإ والخبر صفة لبيع، وهي للإيضاح لا للتخصيص.
(قوله: إلا فيما يعتق فيه المبيع) أي إلا في البيع الذي يعتق فيه المبيع كشراء أصله أو فرعه.
وفي البجيرمي ما نصه: لا يخفى أن هذا الاستثناء متعين، لأنه لو اقتصر على قوله لهما شرط خيار لهما، أو لأحدهما في كل ما فيه خيار المجلس: لم يصح، لأن من جملة ما صدقاته: ما لو اشترى بعضه، فإن لكل منهما فيه خيار المجلس، فيقتضي أن لهما أن يشترطاه للمشتري، وليس كذلك.
اه.
(قوله: لمشتر) أي وحده.
(وقوله: للمنافاة) أي بين الخيار والعتق، لأن شرطه للمشتري وحده يستلزم الملك له، وهو يستلزم العتق، والعتق مانع من الخيار، وما أدى ثبوته لعدمه غير صحيح من أصله، بخلاف ما لو شرط لهما، فإنه يصح - لوقفه - أي لكونه موقوفا.
أو للبائع فقط، فإنه يصح أيضا، إذ الملك له.
(قوله: وفي ربوي وسلم) أي وإلا في بيع ربوي وسلم.
والفرق بين خيار المجلس، وخيار الشرط - حيث استثني من الثاني هذان ولم يستثنيا من الأول، مع أن العلة في الامتناع متأتية فيه أيضا - أن خيار المجلس يثبت قهرا، وليس له حد محدود - بخلاف خيار الشرط.
(قوله: فلا يجوز شرطه) أي الخيار، أي ويفسد به البيع.
(وقوله: فيهما) أي في الربوي والسلم (لاشتراط القبض فيهما في المجلس) أي وما شرط فيه ذلك لا يحتمل الأجل، فأولى أن لا يحتمل الخيار، لأنه أعظم غررا منه، لمنعه الملك أو لزومه.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: ثلاثة أيام فأقل) أي وإنما يصح شرط الخيار ثلاثة إلخ، وتدخل ليالي الأيام المشروطة فيها، سواء السابقة منها على الأيام والمتأخرة عند ابن حجر.
وعند م ر: الليلة المتأخرة لا تدخل.
ومحل جواز شرط ثلاثة الأيام ونحوها: فيما لا يفسد في المدة المشروطة، فإن كان يفسد فيها، كطبيخ يفسد في ثلاثة أيام أو أقل وشرط الخيار تلك المدة: بطل العقد.
(قوله: بخلاف ما لو أطلق) أي لم يقيد بزمن أصلا - كأن قال بشرط الخيار وسكت - أي قيد بزمن مجهول، كأن قال بشرط الخيار أياما.
(قوله: أو
أكثر من ثلاثة أيام) أي وبخلاف أكثر من ثلاثة أيام، أي شرط الخيار أكثر من ذلك، وفي بعض نسخ الخط إسقاط هذا، ونصه: بخلاف ما لو أطلق أو زاد عليها، فإنه لا يصح العقد، وهو الأولى، الموافق لعبارة شرح المنهج، وذلك لسلامته من التكرار الثابت على النسخة الأولى، لأن قوله أو أكثر من ثلاثة أيام عين قوله بعد فإن زاد عليها.
فتنبه.
(قوله: من حين الشرط) متعلق بمحذوف، أي وتعتبر ثلاثة الأيام فأقل من وقت شرط الخيار، فلو قال بشرط ثلاثة أيام من الغد: لم يصح.
ويشترط أيضا أن تكون ثلاثة الأيام متوالية، فلو قال يوما بعد يوم: لم يصح.
(والحاصل) أن خيار الشرط لا يصح العقد معه إلا بشروط خمسة: أن يكون مقيدا بمدة - فخرج ما لو أطلق، كأن قال حتى أشاور.
وأن تكون معلومة، فخرج ما لو قال بشرط الخيار أياما.
وأن تكون متصلة بالشرط، فخرج ما لو قال ثلاثة أيام من الغد.
وأن تكون متوالية، فخرج ما لو قال يوما بعد يوم.
وأن تكون ثلاثة فأقل، فخرج ما لو زادت فيبطل العقد في الكل - لأن الأصل منع الخيار - إلا فيما أذن فيه الشارع، ولم يأذن إلا في ذلك.
(قوله: سواء أشرط) أي الخيار، وهو تعميم في اعتبار الثلاثة من وقت الشرط: أي لا فرق في اعتبارها من ذلك بين أن يحصل الشرط في العقد أو في المجلس، فإذا شرطا ثلاثة أيام وكان مضى من حين العقد يومان وهما بالمجلس: صح الشرط المذكور.
(قوله: والملك) مبتدأ، خبره: لمن انفرد بخيار.
(قوله: مع توابعه) أي فوائده متصلة أو منفصلة: كاللبن، والتمر، والمهر، ونفوذ العتق والاستيلاد، وحل الوطئ، ووجوب النفقة، والحمل الحادث في زمن الخيار،(3/36)
بخلاف الموجود حال البيع، فإنه مبيع - كالأم - لمقابلته بقسط من الثمن.
وكتب البجيرمي ما نصه: قوله مع توابعه: إدخال التوابع هنا يقتضي دخولها في قوله وإلا فموقوف، وفيه نظر، لأن حل الوطئ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل هو حرام.
وعتق البالغ في زمن خيارهما ليس موقوفا بل نافذ.
اه.
(قوله: في مدة الخيار) متعلق بالملك، أي الملك في مدة خيار الشرط أو المجلس، فلا فرق في التفصيل الذي ذكره بينهما.
(فإن قلت) كيف يتصور أن يكون خيار المجلس لأحدهما؟.
(قلت) يتصور فيما إذا اختار أحدهما لزوم العقد، والآخر لم يختر شيئا.
(قوله: من بائع ومشتر) بيان لمن انفرد بخيار.
قال في حاشية الجمل على شرح المنهج: فإذا كان للمشتري وحده ملك المبيع وفوائده الحادثة بعد العقد، فإن تم البيع فذاك، وإن فسخ رجع المبيع للبائع عاريا عن الفوائد، وتضيع عليه المؤن، ويفوز بالفوائد المشتري.
وإن كان
للبائع وحده ملك المبيع، والفوائد كذلك، فإن فسخ فذاك، وإن تم البيع انتقل المبيع للمشتري عاريا عن الفوائد، وتضيع المؤن عليه.
وفي ق ل على المحلى: والزوائد في مدة الوقف تابعه للمبيع، وهي أمانة في يد الآخر.
ويقال مثل ذلك في الثمن وزوائده.
اه.
بحذف.
(قوله: ثم إن كان إلخ) عبارة المنهج وشرحه بعد قوله لمن انفرد بخيار، وإلا بأن كان الخيار لهما، فموقوف إلخ.
وهي أولى من عبارة شارحنا.
(قوله: فإن تم البيع إلخ) مفرع على فموقوف، وتمام البيع بينهما بإجازتهما له.
(قوله: بان أنه) أي تبين أن الملك في المبيع مع توابعه.
(وقوله: لمشتر) أي ملك له من حين العقد.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يتم البيع، أي بأن اختار افسخه.
(وقوله: فلبائع) أي فهو ملك للبائع، أي باق عليه، وكأنه لم يخرج من ملكه.
(واعلم) أنه حيث حكم بملك المبيع لأحدهما حكم بملك الثمن للآخر، وحيث وقف وقف.
(قوله: ويحصل فسخ للعقد) أي بالقول وبالفعل، والأول ذكره بقوله بنحو فسخت.
والثاني ذكره بقوله والتصرف إلخ.
ومثله في ذلك الإجازة، وجميع ما ذكره من صرائح الفسخ والإجازة.
قال البجيرمي: قال شيخنا - ولعل من كنايتهما: نحو لا أبيع، أو لا أشتري - إلا بكذا أو لا أرجع في بيعي، أو في شرائي.
اه.
(قوله: كاسترجعت المبيع) أي أو رفعته، وهو تمثيل لنحو فسخت.
(قوله: وإجازة) أي ويحصل بإجازة.
(وقوله: فيها) أي مدة الخيار.
(قوله: بنحو أجزت) متعلق بيحصل المقدر.
(قوله: كأمضيته) أي وألزمته، وهو تمثيل لنحو أجزت.
(قوله: والتصرف) مبتدأ، خبره قوله فسخ.
وخرج بالتصرف: مجرد عرض المبيع على البيع، والإذن فيه في مدة الخيار، فليسا فسخا، ولا إجازة للبيع، لعدم إشعارهما من البائع بعدم البقاء عليه، ومن المشتري بالبقاء عليه، لاحتمالهما التردد في الفسخ والإجازة.
(قوله: في مدة الخيار) المناسب: فيها، إذ المقام للإضمار.
(قوله: بوطئ) متعلق بالتصرف، وإنما يكون فسخا أو إجازة بقيود خمسة: أن يكون الواطئ ذكرا يقينا، وأن يكون الموطوء أنثى يقينا، وأن لا تكون حراما عليه كأخته، وأن يعلم أنها المبيعة، وأن لا يقصد الزنا.
فإن فقد واحد منها لا يكون فسخا ولا إجازة.
وخرج بالوطئ: مقدماته، فلا تكون فسخا، ولا إجازة.
(قوله: وإعتاق) أي للرقيق المبيع كله أو بعضه، ويسري للباقي.
ومثل الإعتاق: وقف المبيع (قوله: وبيع) أي بت أو بشرط الخيار للمشتري فقط، وإلا بأن كان لبائع أو لهما لم يكن فسخا، ولا إجازة - كما صرح فيه في العباب - بجيرمي.
(قوله: وإجارة) أي للمبيع (قوله: وتزويج) أي للأمة أو للعبد (قوله: من بائع) متعلق بالتصرف.
(قوله: فسخ) أي للبيع لإشعاره بعدم البقاء عليه، وصح ذلك التصرف منه، لكن لا يجوز وطؤه إلا إن كان الخيار له، فإن كان لهما: لم يحل،
ولو أذن له المشتري.
(قوله: ومن مشتر إجازة للشراء) أي والتصرف بهذه المذكورات من مشر إجازة للبيع، وذلك(3/37)
لإشعاره بالبقاء عليه، والإعتاق نافذ منه: إن كان الخيار له أو لهما وأذن له البائع، وغير نافذ: إن كان للبائع، وموقوف: إن كان لهما ولم يأذن له البائع فيه.
ووطؤه حلال: إن كان الخيار له، إلا فحرام.
(قوله: ويثبت لمشتر إلخ) شروع في خيار العيب، ويسمى خيار النقيصة، وهو حاصل بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من تغرير فعلي، أو قضاء عرفي، أو التزام شرطي.
فالأول: كالتصرية.
والثاني: كظهور العيب الذي ينقص العين والقيمة نقصا يفوت به غرض صحيح.
والثالث: كأن شرط في المبيع شيئا، ككون العبد كاتبا، أو الدابة حاملا، أو ذات لبن، فأخلف.
(قوله: جاهل بما يأتي) أي من ظهور عيب قديم، ومن تغرير فعلي.
واحترز بالجاهل بذلك عن العامل به، فلا يثبت له الخيار به.
(قوله: خيار) فاعل يثبت.
(قوله: في رد المبيع) متعلق بخيار.
(قوله: بظهور عيب قديم) أي باق إلى وقت الفسخ، وكان الغالب في جنس المبيع عدمه.
فإن زال قبله، أو كان لا يغلب فيه ما ذكر - كقلع سن في الكبر، وثيوبة في أوانها في الأمة - فلا خيار.
(وقوله: منقص قيمة في المبيع) أي أو منقص عين المبيع نقصا يفوت به غرض صحيح، وإن لم تنقص به القيمة.
فإن كان به عيب لا ينقص عينه ولا قيمته - كقطع أصبع زائدة وفلقة يسيرة من فخذ أو ساق، لا تورث شيئا، ول تفوت غرضا - فلا خيار.
(قوله: وكذا للبائع) أي وكذا يثبت الخيار للبائع إلخ (قوله: وآثروا الأول) أي اقتصر الفقهاء على ذكر الأول، أي ثبوت الخيار للمشتري بظهور عيب قديم في المبيع، مع أن الثمن مثله في ذلك.
(وقوله: لأن الغالب في الثمن) الانضباط إلخ، أي فلا يحتاج إلى ذكره.
(قوله: والقديم إلخ) أي أن العيب القديم الذي يثبت به الخيار، هو ما قارن العقد أو حدث قبل القبض، لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع.
أما ثبوت الخيار في المقارن.
فبالإجماع.
وأما ثوبته في الحادث قبل القبض، فلأن المبيع فيه من ضمان البائع، فكذا جزؤه وصفته.
قال في التحفة: ولم يبينوا حكم المقارن للقبض، والذي يظهر أن له حكم ما قبل القبض، لأن يد البائع عليه حسا، فلا يرتفع ضمانه إلا بتحقق ارتفاعها، وهو لا يحصل إلا بتمام قبض المشتري له سليما.
اه.
بتصرف.
(قوله: وقد بقي) أي العيب، والجملة حالية من فاعل قارن، وفاعل حدث.
وخرج به ما إذا لم يبق إلى الفسخ: فلا خيار - كما مر -.
(قوله: ولو حدث بعد القبض فلا خيار) محله ما لم يستند لسبب متقدم عليه، كقطع يد الرقيق المبيع بجناية سابقة على القبض جهلها المشتري، وإلا فله الخيار، لأنه لتقدم سببه صار كالمتقدم، فإن كان المشتري عالما بها فلا خيار له، ولا أرش.
(قوله: وهو) أي العيب الذي يثبت به
الخيار للمشتري.
(وقوله: كاستحاضة إلخ) أي وكخصاء رقيق أو بهيمة، وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه فيها، أما لو كان الخصاء فيما يغلب وجوده فيها - كمأكول، أو نحو بغال، أو براذين - فلا يكون عيبا لغلبته فيها.
وإنما كان الخصاء فيما مر عيبا، لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي، ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر، لما فيه من فوات جزء مقصود من البدن.
(قوله: نكاح لأمة) أي تزويج لأمة، فهو عيب يثبت به الخيار، والأمة ليست بقيد، بل مثلها العبد، فتزويجه عيب أيضا.
وعبارة الروض: من عيوب الرقيق كونه مزوجا.
اه.
وهو شامل للذكر والأنثى.
ومثله في النهاية.
فلو أسقط قوله لأمة لكان أولى.
(قوله: وسرقة) أي ولو صورة كالسرقة من دار الحرب، فإنها غنيمة، لكنها صورة سرقة، فتكون عيبا.
هكذا في ش ق.
والذي في التحفة خلافه، وعبارتها: وسرقة إلا في دار الحرب، لأن المأخوذ غنيمة.
اه.
بحذف.
(قوله: وإباق) حتى لو أبق عند المشتري ثبت له الرد، لأنه من آثار الإباق الأول الذي كان عند البائع، فلا يقال إنه عيب حادث فيمنع الرد لأنه من آثار الأول.
اه.
ز ي.
وقوله لأنه من آثار الإباق الأول: الفرض أنه علم وجود ذلك العيب عند البائع، فلو لم يعلم وجوده عنده فلا رد، لأنه عيب حادث عند المشتري.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وزنا) أي ولواط وردة.
(قوله: أي بكل منها) الجار والمجرور متعلق بمحذوف معلوم من السياق، وكان الأولى التصريح به - أي(3/38)
يثبب الخيار بكل واحد من السرقة، والإباق، والزنا -.
(قوله: وإن لم يتكرر) أي كل من السرقة وما بعدها، وهو غاية لثبوت الخيار بكل منها.
(وقوله: وتاب) معطوف على مدخول إن، وهو مجموع الجازم والمجزوم - أي وإن تاب وحسن حاله - وذلك لأنه قد يألفها، ولأن تهمتها لا تزول.
ومثل ما ذكر في ذلك: الجناية عمدا، والقتل، والردة.
وقد نظم بعضهم العيوب التي لا تنفع التوبة فيها بقوله: ثمانية يعتادها العبد لو يتب بواحدة منها يرد لبائع زنا، وإباق، سرقة، ولواطه وتمكينه من نفسه للمضاجع وردته، إتيانه لبهيمة جنايته عمدا.
فجانب له وع وما عدا هذه العيوب: تنفع التوبة فيها.
قال في النهاية: والفرق بين السرقة والإباق وبين شرب الخمر ظاهر.
قال ع ش: وهو أن تهمتهما لا تزول، بخلاف شرب الخمر.
لكن، هل يشترط لصحة توبته من شرب الخمر ونحوه، مضي مدة الاستبراء أو لا؟ فيه نظر، والأقرب الثاني.
اه.
(قوله: ذكرا كان) أي الرقيق الصادر منه ما ذكر، أو أنثى.
(قوله:
وبول إلخ) معطوف على استحاضة، أي وكبول من الرقيق.
(قوله: بفراش إن اعتاده) أي عرفا، فلا يكفي مرة، لأنه كثيرا ما يعرض مرة، بل مرتين ومرات، ثم يزول.
ومثل الفراش: غيره - كما لو كان يسيل بوله وهو ماش - فإنه يثبت به الخيار بالطريق الأولى، لأنه يدل على ضعف المثانة.
ومثل ذلك: خروج دود القرح المعروف.
ومحل ثبوت الخيار به، إن وجد البول في يد المشتري أيضا، وإلا فلا، لتبين أن العيب زال، وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع.
(قوله: وبلغ سبع سنين) معطوف على اعتاده، أي وإن بلغ سبع سنين - أي تقريبا - فلا يعتد بنقص شهرين - كما في ع ش - فلو نقص أكثر منهما لم يضر، فلا يثبت به الخيار، لأنه خرج منه في أوانه.
(قوله: وبخر) هو بفتحتين: نتن الفم وغيره - كالأنف -.
(وقوله: وصنان) ضبطه في القاموس بالقلم بضم الصاد، وهو ظهور رائحة خبيثة من تحت الإبط وغيره.
ع ش.
(وقوله: مستحكمين) بكسر الكاف، لأنه من استحكم، وهو لازم.
وخرج ما إذا كان كل من البخر والصنان عارضا - كأن كان الأول ليس ناشئا من المعدة، بل من تغير الفم لقلح الأسنان، وكأن كان الثاني ناشئا من عرق أو احتماع وسخ أو حركة عنيفة - فلا يثبت حينئذ بهما الخيار.
(قوله: ومن عيوب الرقيق إلخ) وهي لا تكاد تنحصر، كما أفاده تعبيره بمن.
(قوله: كونه تماما إلخ) أي أو قاذفا، أو تمتاما.
(واعلم) أنهم عبروا في بعض العيوب بصيغة المبالغة، ولم يعبروا في بعضها بذلك.
قال في التحفة: فيحتمل الفرق، ويحتمل أن الكل على حد سواء، وأنه لا بد أن يكون كل من ذلك يصير كالطبع له بأن يعتاده عرفا - نظير ما مر.
اه.
بالمعنى.
(قوله: أو آكلا لطين) أي أو مخدر.
(قوله: لنحو خمر) أي من كل مسكر.
قال الزركشي: وينبغي أن يقيد بالمسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار، فإنه غالب فيهم.
اه.
مغني.
(قوله: ما لم يتب عنها) قيد في جميع ما قبله، أي هذه المذكورات - النميمة وما بعدها من العيوب - ما لم يتب منها، فإن تاب منها فلا يثبت بها الخيار.
قال في التحفة: وظاهر أنه لا يكتفي في توبته بقول البائع.
اه.
(قوله: أو أصم) أي ولو في إحدى أذنيه.
والمراد به: ما يشمل ثقل السمع، لأنه ينقص القيمة.
(قوله: أو أبله) في ع ش: الأبله هو الذي غلبت عليه سلامة الصدر.
وفي الحديث: أكثر أهل الجنة البله يعني في أمر الدنيا، لقلة اهتمامهم بها، وهم أكيس الناس في أمر الآخرة.
اه.
مختار.
(أقول) والظاهر أن هذا المعنى غير مراد هنا، وإنما المراد بالأبله من يغلب عليه التغفل، وعدم المعرفة، ويوافقه(3/39)
قول المصباح: بله بلها - من باب تعب: ضعف عقله.
اه.
(قوله: أو مصطك الركبتين) أي أو الكعبين.
قال في القاموس: صكه: ضربه.
وصك الباب: أغلقه، أو أطبقه.
ورجل أصك، ومصك: مضطرب الركبتين والعرقوبين.
اه.
والمناسب هنا: الأخير وما قبله.
فمعنى اصطكاك الركبتين: التقاؤهما عند المشي، وانطباق إحداهما على الأخرى واضطرابهما.
(قوله: أو رتقاء) معطوف على نماما، أي ومن عيوب الرقيق كونه أمة رتقاء، وتذكير الضمير باعتبار المرجع، لأنه إذا كان المرجع مذكرا والخبر مؤنثا، يجوز مراعاة المرجع ومراعاة الخبر.
والأولى: الثاني.
وكالرتقاء: القرناء والأولى: هي التي انسد فرجها بلحم، والثانية: هي التي انسد فرجها بعظم (قوله: في آدمية) قيد في الحامل، فالحمل عيب في الآدمية، وفيه أنه بصدد بيان عيوب الرقيق، فلا فائدة في ذكر هذا القيد.
(وقوله: لا بهيمة) أي ليس الحمل عيبا في بهيمة.
ومحله: إذا لم تنقص بالحمل، وإلا كان عيبا أيضا.
(قوله: أو لا تحيض) المناسب في إعرابه أن يكون الفعل منصوبا بأن مضمرة بعد أو، والمصدر المؤول معطوف على المصدر السابق، وهو كونه - أي ومن عيوب الرقيق - عدم حيض من بلغت عشرين سنة.
(وقوله: أو أحد ثدييها) معطوف على المصدر السابق أيضا على حذف مضاف، أي ومنها أيضا: كون أحد الخ.
فتنبه (قوله: وجماع لحيوان) عطف على استحاضة، والجماع - بكسر الجيم - امتناع الحيوان من الركوب عليه.
وعبر بعضهم بجموح - بصيغة المبالغة - وهو يفيد اشتراط كثرة ذلك منه حتى يصير طبعا له.
قال في التحفة: وهو متجه - كنظائره.
(قوله: ورمح) أي رفس.
وليس المراد به الجري.
وعبارة م ر: وكونها رموحا وهي تفيد كثرة ذلك منها، وإلا فلا يكون عيبا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وكون الدار منزل الجند) أي مختصة بنزول الجند، أي العساكر فيها.
(قوله: بالرجم) أي أو نحوه.
(قوله: أو القردة) معطوف على الجن، أي أو كون القردة ونحوهم يرعون - أي يأكلون - زرع الأرض، فهو يعد عيبا.
(قوله: ويثبت) أي الخيار لمشتر في رد المبيع.
(وقوله: بتغرير فعلي) أي متعلق بالفعل، كالتصرية الآتية: فإنها من الأفعال - إذ هي جمع اللبن في ثدي البهيمة - كما سيأتي - قال البجيرمي: وكذا يثبت الخيار بتغرير قولي - كما سيأتي في مفهوم قوله: ولو باع بشرط براءته من العيوب إلخ - من أنه لو باع بشرط براءة المبيع من العيوب فإنه لا يبرأ من شئ منها، بل للمشتري الخيار في جميعها.
وهذا تغرير قولي.
اه.
(قوله: وهو) أي التغرير (وقوله: حرام) أي من الكبائر - على المعتمد - لقوله عليه الصلاة والسلام: من غشنا ليس منا، ولخبر الصحيحين في التصرية الآتي قريبا.
(قوله: للتدليس) أي من البائع على المشتري.
(وقوله: والضرر) أي للمشتري، وقيل للمبيع، والأول أولى، لأنه هو الذي يطرد في جميع أمثلة التغرير، بخلاف ضرر المبيع،
فإنه إنما يظهر في بعضها - كالتصرية -.
ولو لم يحصل تدليس من البائع: بأن لم يقصد التصرية - لنسيان أو نحوه - ففي ثبوت الخيار وجهان: أحدهما المنع، وبه جزم الغزالي والحاوي الصغير: لعدم التدليس.
وثانيهما: ثبوته لحصول الضرر، ورجحه الأذرعي، وقال إنه قضية نص الأم.
(قوله: كتصرية) من صرى الماء في الحوض - بتشديد الراء - بمعنى جمعه، وجوز الشافعي - رضي الله عنه - أن يكون من الصر، وهو الربط.
والأصل في تحريمها خبر الصحيحين: ألا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها - أي اشتراها بعد ذلك، فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها - إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.
وقيس بالإبل والغنم غيرهما.
(وقوله: له) أي للحيوان المبيع، ولو من غير النعم.
(قوله: وهي) أي التصرية، شرعا: ما ذكر.
وأما لغة: فهي أن تربط حلمة الضرع ليجتمع اللبن.
(قوله: ليوهم المشتري) أي ليوقع في وهم المشتري كثر اللبن.
(قوله: وتجعيد شعر الجارية) معطوف على تصرية، أي وكتجعيد الشعر، فهو من التغرير الفعلي المحرم، لأنه يدل على الجمال وقوة البدن.
والمجعد: هو ما فيه التواء وانقباض - أي تثن، وعدم إرسال -(3/40)
ولا يثبت الخيار بجعله على هيئة مفلفل السودان، لعدم دلالته على نفاسة المبيع، المقتضية لزيادة الثمن.
ومثل التجعيد: تحمير الوجه، وتسويد الشعر، فيثبت بهما الخيار أيضا.
(قوله: لا خيار بغبن فاحش) أصل المتن لا بغبن فاحش، فهو معطوف على ظهور عيب قديم، فقدر الشارح المتعلق: أي لا خيار بسبب وجود غبن فاحش على المشتري.
والفحش ليس بقيد، بل مثله - بالأولى - غيره.
(قوله: كظن مشتر نحو زجاجة: جوهرة) أي لقربها من صفتها، فاشتراها بقيمة الجوهرة.
قال ع ش: وخرج به - أي بظنها جوهرة - ما لو قال له البائع هي جوهرة، فيثبت له الخيار في هذه الحالة.
اه.
وقال في فتح الجواد: ومحل ذلك أي عدم ثبوت الخيار، فيما إذا ظنها جوهرة: إذ لم يشتد ظنه لفعل البائع، بأن صبغ الزجاجة بصبغ صيرها به تحاكي بعض الجواهر، فيتخير حينئذ - لعذره -.
اه.
(قوله: لتقصيره بعمله) تعليل لعدم ثبوت الخيار بذلك، أي لا يثبت له الخيار بذلك، لتقصيره بكونه عمل بمجرد وهمه، من غير بحث واطلاع أهل الخبرة على ذلك، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يثبت الخيار لمن يغبن، بل أرشده إلى اشتراط الخيار.
(قوله: والخيار بالعيب) مبتدأ، خبره فوري.
(قوله: ولو بتصرية) الغاية للرد على القائل بأن الخيار في المصراة يمتد ثلاثة أيام، والأولى تأخيره بعد قوله فوري، لأنه يوهم أن الخيار بالتصرية فيه خلاف، وليس كذلك، بل الخلاف إنما هو في الفوري.
(قوله: فوري) أي إجماعا.
ومحله في المبيع المعين، فإن قبض شيئا عما في الذمة بنحو بيع أو سلم، فوجده معيبا، لم يلزمه
فور، لأن الأصح أنه لا يملكه إلا بالرضا بعيبه، ولأنه غير معقود عليه.
اه.
تحفة (قوله: فيبطل) أي الخيار بالتأخير.
قال في شرح المنهج: وأما خبر مسلم: من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام فحمل على الغالب من أن التصرية لا تظهر إلا بثلاثة أيام.
(قوله: بلا عذر) متعلق بالتأخير.
وخرج به ما إذا كان بعذر فإنه لا يبطل الخيار.
وسيذكر الأعذار التي تبيح له التأخير - كالصلاة، والأكل، وقضاء الحاجة، والجهل بأن له الرد، أو بكونه على الفور -.
وفي البجيرمي ما نصه: هل من العذر نسيان الحكم أو العيب أو نحوهما؟ ثم رأيت نقلا عن ع ش - عند قول الشارح ويعذر في تأخيره بجهله إن قرب عهده بالإسلام - ما نصه: وخرج بجهل الرد أو الفور، ما لو علم الحكم ونسيه - فلا يعذر به - لتقصيره.
اه.
(قوله: ويعتبر الفور عادة) أي أنه ليس المراد الفور حقيقة، بل عادة - أي عادة عامة الناس - كما في ع ش.
قال في النهاية، فلا يكلف الركض في الركوب العدو في المشي ليرد.
اه.
(قوله: فلا يضر إلخ) مفرع على مفهوم قوله بلا عذر، أي أما إذا كان بعذر كصلاة إلخ، فلا يضر تأخيره، وليس مفرعا على قوله عادة، وإلا صار قوله بلا عذر ضائعا لا مفهوم له.
(وقوله: صلاة) أي ولو نفلا (قوله: وأكل) بالرفع، معطوف على صلاة، أي ولا يضر أكل، ولو تفكها.
(قوله: دخل وقتهما) أي وقت الصلاة ووقت الأكل.
وهذا إنما يشمل بالنسبة للصلاة ذات الوقت من فرض أو نفل، ولا يشمل النفل المطلق لأنه ليس له وقت.
ومحله: إذا علم بالعيب قبل الشروع فيه.
أما إذا علم بالعيب وهو في صلاة النفل المطلق: كملها، ولا يؤثر ذلك.
وعبارة الشوبري: وشمل كلامه النافلة مؤقتة، أو ذات سبب، لا مطلقة، إلا إن كان شرع فيتم ما نواه، وإلا اقتصر على ركعتين.
اه.
وفي البجيرمي - بالنسبة لوقت الأكل - ما نصه: وانظر وقت الأكل ماذا؟ هل هو تقديم الطعام، أو قرب حضوره؟ والظاهر أن كلا منهما يقال له وقت الأكل، وكذا توقان نفسه إليه وقته.
(قوله: وقضاء حاجة) معطوف على صلاة، فهو مرفوع، أي ولا يضر قضاء حاجة، من بول، أو غائط، أو جماع، أو دخول حمام.
(قوله: ولاسلامه على البائع) أي ولا يضر في ثبوت الخيار بالعيب: سلام المشتري على البائع بعد علمه بالعيب، ولا يضر أيضا لبسه ما يتجمل به عادة.
(قوله: بخلاف محادثته) أي محادثة المشتري البائع، فإنه يضر.
(قوله: ولو علمه إلخ) أي ولو علم المشتري بالعيب ليلا فله تأخير الرد إلى أن يصبح، لعدم التقصير.
وقيد ابن الرفعة: بكلفة السير فيه، أما إذا لم يكن عليه كلفة بالسير فيه - كأن كان جارا له - فليس له التأخير إلى ذلك، بل يستوي حينئذ الليل والنهار.
(وقوله: حتى يصبح) أي(3/41)
ويدخل الوقت الذي جرت به العادة بانتشار الناس إلى مصالحهم عادة.
اه.
ع ش.
(قوله: ويعذر) أي المشتري.
(وقوله: في تأخيره) أي خيار الرد بالعيب.
(قوله: بجهله) أي المشتري.
(وقوله: جواز إلخ) مفعول جهله.
(قوله: إن قرب إلخ) قيد في كونه يعذر بذلك، أي يعذر بذلك إن قرب عهده بالإسلام.
قال في التحفة: وهو ممن يخفى عليه، بخلاف من يخالطنا من أهل الذمة.
اه.
(قوله: أو نشأ بعيدا عن العلماء) المراد بالبعد هنا - أخذا من كلام الشيخين - أن ينشأ بمحل يجهل أهله الأحكام.
والغالب أن يكون بعيدا عن بلاد العلماء، وهي محل من يعرف الأحكام الظاهرة التي لا تكلف العامة بعلم ما عداها.
ولو فرض أن أهل محل يجهلون ذلك، وهم قريبون ممن يعرف ذلك، كان حكمهم كذلك - فيما يظهر -.
فالتعبير بالبعد ليس بالاشتراط، بل لأنه الغالب في مثل ذلك.
ويجري مثل ذلك في نظائره.
حجر.
ع ش.
بجيرمي.
والمراد بالعلماء: من يعلمون هذا الحكم، وإن لم يعلموا غيره.
(قوله: وبجهل فوريته) معطوف على بجهله جواز الرد، أي ويعذر بجهله أن الرد ثابت فورا.
(وقوله: إن خفي عليه) أي إن خفي عليه هذا الحكم، وهو الرد فورا.
وعبارة التحفة: إن كان عاميا يخفى على مثله.
اه.
ومقتضى قول الشارح إن خفي عليه - من غير تقييده بالقيد الذي جعله قبله، أعني قرب عهده إلخ - أنه يعذر في هذه الصورة، ولو كان مخالطا لأهل العلم، لأن هذا مما يخفى على كثير من الناس.
(قوله: ثم إن إلخ) مرتبط بقوله والخيار فوري.
والأولى التعبير بفاء التفريع، إذ المقام يقتضيه.
(قوله: رده) أي المبيع المعيب.
(قوله: أو وكيله) أي المشتري.
قال في التحفة: ولولي المشتري ووارثه الرد أيضا - كما هو ظاهر - اه..وذلك لانتقال الحق لهما.
(قوله: على البائع) متعلق برده، أي رده على البائع، أي أو موكله إن كان البائع وكيلا عن غيره في البيع.
(وقوله: أو وكيله) أي البائع الذي وكله في قبول السلع المردودة.
(قوله: ولو كان البائع إلخ) الأولى في المقابلة والأخضر أن يقول: وإن كان غائبا عنها إلخ.
قال في شرح الروض: وألحق في الذخائر: الحاضر بالبلد إذا خيف هربه الغائب عنها.
اه.
(قوله: ولا وكيل له) أي للبائع.
(وقوله: بها) أي بالبلد.
(قوله: رفع الأمر) أي شأن الفسخ، بأن يدعي رافع الأمر شراء ذلك الشئ من فلان الغائب بثمن معلوم قبضه، ثم ظهر العيب، وأنه فسخ البيع، ويقيم البينة بذلك، ويحلفه أن الأمر جرى كذلك، ويحكم بالرد على الغائب، ويبقى الثمن دينا عليه، ويأخذ المبيع، ويضعه عند عدل، ويقضى الدين من مال الغائب، فإن لم يجد له سوى المبيع باعه.
اه.
شرح المنهج.
(وقوله: إلى الحاكم) بقي ما لو كان غائبا، ولا وكيل له بالبلد، ولا حكم بها، ولا شهود، فهل يلزمه السفر إليه، أو إلى الحاكم إذا أمكنه ذلك بلا مشقة لا تحتمل؟ وقد يفهم من المقام اللزوم.
اه.
سم.
(وقوله: وجوبا) معنى كونه واجبا أنه إذا تراخى عن الرفع للحاكم سقط حقه من الرد، لا أنه يأثم بتركه.
(قوله: ولا يؤخر لحضوره) أي ولا يؤخر المشتري
الرد لحضور الغائب.
قال سم: ينبغي ولا للذهاب إليه.
اه.
(قوله: فإذا عجز) أي المشتري.
(وقوله: عن الإنهاء) أي رفع الأمر للحاكم.
(وقوله: لنحو مرض) أي كخوف من عدو.
(قوله: أشهد على الفسخ) أي لزوما.
وعبارة المنهاج: ويلزمه الإشهاد على الفسخ.
اه.
قال في المغني: لأن الترك يحتمل الإعراض، وأصل البيع اللزوم، فنعين الإشهاد بعدلين - كما قاله القاضي حسين، والغزالي - أو عدل ليحلف معه - كما قاله ابن الرفعة - وهو الظاهر.
اه.
(قوله: فإن عجز عن الإشهاد) أي على الفسخ، بأن لم يلق من يشهده.
(وقوله: لم يلزمه تلفظ) أي بالفسح، وذلك لأنه يبعد لزومه من غير سامع، فيؤخبره إلا أن يأتي به عند المردود عليه - أو الحاكم - لعدم فائدته قبل ذلك.
(قوله: وعلى المشتري) أي يجب عليه بعد الاطلاع على العيب وقبل الرد.
(وقوله: ترك استعمال) أي للمبيع.(3/42)
والاستعمال طلب العمل، فلو خدمه وهو ساكت، لم يضر.
كذا في ع ش، نقلا عن سم.
وفي المغني نقلا عن الأسنوي - وهو ما يصرح به قول شارحنا، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب، لم يضره.
والذي يصرح به عبارة التحفة والنهاية أن الطلب ليس بقيد، بل المدار على ما يعد انتفاعا - سواء كان بطلب، أم بغير طلب - كما ستقف على عبارتهما قريبا عند قوله: فلو استخدم إلخ.
ويستثنى من وجوب ترك الاستعمال: ركوب ما عسر سوقه وقوده، فلا يضر.
(قوله: فلو استخدم رقيقا) أي طلب منه أن يخدمه، كقوله اسقني، أو اغلق الباب، وإن لم يطعه، أو استعمله، كأن أعطاه الكوز من غير طلب، فأخذه، ثم أعاد إليه، بخلاف مجرد أخذه منه من غير رده، لأن وضعه بيده كوضعه بالأرض.
اه.
تحفة.
ومثلها النهاية.
وقوله: أو استعمله: معطوف على طلب، أي استعمله وانتفع به من غير طلب.
وعبارة البجيرمي: ومثل استخدامه: خدمته - كأن أعطاه كوزا من غير طلب، فأخذه، ثم رده له، بخلاف ما إذا لم يرده له - لأن مجرد أخذ السيد له لا يعد استعمالا، لأن وضعه في يد السيد كوضعه في الأرض.
اه.
وعبارة المغني: (تنبيه) أفهم كلام المصنف - أن الرقيق لو خدم المشتري، وهو ساكت لم يؤثر، لأن الاستخدام طلب العمل، وهو متجه - كما قاله الأسنوي.
اه.
(قوله: أو ناولني الثوب) ومثله، ما لو أشار إليه - كما هو ظاهر -.
وأما الكتابة، فيحتمل أنه إن دلت قرينة على
الطلب منه أو نواه بطل خياره، وإلا فهي كالنية.
ع ش.
(قوله: فلا رد قهرا) أي الرد القهري من المشتري ينتفي بالاستعمال المذكور، لإشعاره بالرضا بالعيب.
(وقوله: وإن لم يفعل الرقيق ما أمر به) غاية لنفي الرد القهري.
(قوله: فإن فعل) أي الرقيق شيئا من ذلك، أي المذكور من السقي، والمناولة، والإغلاق (وقوله: لم يضر) تبع فيه الخطيب، وسم على المنهج والذي عليه شيخه حجر و: م.
ر: أنه إذا استعمله من غير طلب: ضر أيضا - كما يعلم من عبارتهما المارة.
- (قوله: فرع) الأولى فروع - بصيغة الجمع - وهي أربعة: قوله لو باع، وقوله ولو اختلفا، وقوله ولو حدث عيب، وقوله ويتبع في الرد.
(قوله: لو باع) أي العاقد - سواء كان متصرفا عن نفسه أو وليا، أو وصيا، أو حاكما، أو غيرهم - كما يفيده إطلاقه.
(قوله: أو غيره) أي غير حيوان، كقماش.
(قوله: بشرط براءته) أي بأن قال بعتك بشرط أني برئ من العيوب التي بالمبيع، ومثله ما لو قال: إن به جميع العيوب، أو لا يرد علي بعيب، أو عظم في قفة، أو أعلمك أن به جميع العيوب، فيصح العقد مطلقا، لأنه شرط يؤكد العقد، ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب.
اه.
خضر.
فالضمير في قوله براءته: للبائع.
وأما شرط براءة المبيع - بأن قال بشرط أنه سليم أو لا عيب فيه - فالظاهر أن لا يبرأ عن العيب المذكور - كما قال ح ل - وإن كان البيع صحيحا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: في المبيع) المقام للإضمار، فالأولى أن يقول فيه بالضمير العائد على ما ذكر من الحيوان أو غيره، ومثل المبيع: الثمن، فلو اشتري بشرط براءته من العيوب في الثمن: صح العقد، وبرئ إلخ.
ولعله ترك التنبيه عليه لما مر من أن الثمن مضبوط غالبا، فلا يحتاج إلى شرط البراءة فيه.
(قوله: أو إن لا يرد) معطوف على براءته، أي أو بشرط أن لا يرد بالعيوب الكائنة فيه.
(قوله: صح العقد) جواب لو.
(قوله: وبرئ من عيب باطن) أي وهو ما يعسر الإطلاع عليه، ومنه: الزنا، والسرقة، والكفر.
والظاهر: بخلافه، ومنه:(3/43)
نتن لحم الجلالة، لأنه يسهل فيه ذلك.
وقيل: الباطن ما يوجد في محل لا تجب رؤيته في المبيع لأجل صحة البيع، والظاهر بخلافه.
(قوله: موجود حال العقد) خرج به: ما إذا وجد بعد العقد وقبل القبض - فلا يبرأ منه البائع مطلقا - سواء علمه أم لا، ظاهرا كان أو باطنا، وذلك لانصراف الشرط إلى ما كان موجودا عند العقد فقط.
(قوله: لم يعلمه البائع) خرج به ما إذا علمه - فلا يبرأ منه - لتقصيره بكتمه إذ هو تدليس يأثم به.
(قوله: لا عن عيب باطن في غير الحيوان) أي لا يبرأ عن عيب باطن فيه.
وفارق الحيوان: غيره، بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه، فقلما ينفك عن عيب ظاهر أو خفي، فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه.
بخلاف غير الحيوان، فالغالب عليه: عدم التغير،
فلذلك لم يبرأ من عيبه مطلقا.
(وقوله: لا ظاهر فيه) أي ولا يبرأ عن عيب ظاهر في الحيوان مطلقا، علمه أم لا.
(قوله: ولو اختلفا) أي العاقدان.
(وقوله: في قدم العيب) أي وحدوثه، وذلك بأن ادعى المشتري أنه قديم ليرد على البائع، وادعى البائع أنه حادث فلا يرد عليه.
(قوله: واحتمل صدق كل) أي أمكن حدوثه وقدمه.
واحترز بذلك عما إذا لم يمكن إلا حدوثه - كما لو كان الجرح طريا، والبيع والقبض من سنة، وعما إذا لم يمكن إلا قدمه - كما لو كان الجرح مندملا، والبيع والقبض من أمس - فإنه يصدق في الأول: البائع، وفي الثاني: المشتري (قوله: صدق البائع بيمينه) أو يحلف على حسب جوابه، فإن قال في جوابه: ليس له الرد علي بالعيب الذي ذكره، أو لا يلزمني قبوله، حلف على ذلك.
أو قال في جوابه: ما أقبضته وبه هذا العيب، أو ما أقبضته إلا سليما من العيب، حلف على ذلك.
والجوابان الأولان عامان، لشمولهما لعدم وجود العيب عند البائع، ولوجوده مع علم المشتري به.
والآخران خاصان.
ولو أبدل أحد العامين بالآخر، أو أحد الخاصين بالآخر: كفى.
وكذا لو أبدل العام بالخاص، لأنه غلظ على نفسه، بخلاف ما لو أبدل الخاص بالعام بأن كان جوابه خاصا، وذكر في يمينه العام، فلا يكفي.
أفاده في النهاية.
(قوله: في دعواه) متعلق بصدق، وضميره يعود على البائع.
(وقوله: حدوثه) مفعول المصدر، وضميره يعود على العيب.
(قوله: لأن الأصل لزوم العقد) أي استمراره، وإنما حلف مع أن الأصل معه، لاحتمال صدق المشتري.
قال في شرح المنهج: نعم، لو ادعى قدم عيبين، فأقر البائع بقدم أحدهما، وادعى حدوث الآخر، فالمصدق: المشتري بيمينه، لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما، فلا يبطل بالشك.
اه.
(قوله: وقيل لأن الأصل عدم العيب في يده) أي البائع.
(قوله: ولو حدث عيب) أي في المبيع.
(قوله: لا يعرف القديم بدونه) أي الحادث.
وفي العبارة حذف، أي وجد عيب قديم، لكن لا يعرف - أي لا يطلع عليه إلا بذلك الحادث - فإن أمكن معرفة القديم بأقل مما أحدثه - كتقرير بطيخ حامض، يمكن معرفة حموضته بغرز شئ فيه، وكتقوير بطيخ كبير يستغنى عنه بصغير - سقط الرد القهري.
(قوله: ككسر إلخ) تمثيل للعيب الحادث الذي لا يعرف القديم إلا به.
(وقوله: بيض) أي لنحو نعام - كما في التحفة، ولعله سقط هنا من الناسخ - فلو اشترى بيض نعام، على أن فيه فرخا، فكسره - أي ثقبه - فوجد خاليا من الفرخ، رده بالعيب القديم.
وخرج به: بيض غير النعام - كبيض الدجاج إذا وجده بعد كسره مذرا، فإن البيع يبطل فيه، لوروده على غير متقوم، فيرجع المشتري بجميع الثمن، فلا يتصور فيه رد، بخلاف الأول، فإن قشره متقوم، فهو يثبت فيه الرد، فإن لم يرده فلا شئ له.
(وقوله: وتقوير بطيخ) - بكسر الباء أشهر من فتحها، ومثله كل ما مأكوله في جوفه، كالرمان.
(وقوله: مدود) أي بعضه.
واحترز بالبعض
عما إذا دود كله فإنه يوجب فساد البيع لأنه غير متقوم، فيرجع المشتري بكل ثمنه.
قال في التحفة: ولو اشترى نحو بيض أو بطيخ كثير، فكسر واحدة، فوجدها معيبة لم يتجاوزها - لثبوت مقتضى رد الكل بذلك، لما يأتي من امتناع رد البعض فقط.
وإن كسر الثانية فلا رد له مطلقا - على الأوجه - لأنه وقف على العيب المقتضي للرد بالأول، فكان الثاني: عيبا حادثا.
ويظهر أنه لو اطلع على العيب في واحدة بعد كسر أخرى: كان الحكم كذلك.
اه.
(قوله: رد) أي ذلك المبيع،(3/44)
وهو جواب لو.
(قوله: ولا أرش عليه) أي على المشتري الراد لتسليط البائع له على كسره، لتوقف علم عيبه عليه.
والأرش - بوزن العرش - في الأصل: دية الجراحات، ثم استعمل في التفاوت بين قيم الأشياء - كما لو كانت قيمة المبيع سليما مائة، ومعيبا تسعين - فالأرش: التفاوت الحاصل بين القيمتين، وهو - هنا - عشرة.
(قوله: ويتبع) أي المبيع المعيب الذي رد.
(قوله: الزيادة) فاعل يتبع.
(وقوله: المتصلة) أي بالمبيع، ومثله الثمن.
(قوله: كالسمن) بكسر، ففتح، وهو تمثيل للزيادة المتصلة.
ومثله: كبر الشجرة.
(قوله: وتعلم الصنعة) أي والقرآن.
(قوله: ولو بأجرة) أي ولو كان التعلم بأجرة.
وعبارة التحفة: ولو بمعلم بأجرة - كما اقتضاه إطلاقهم هنا - لكنهم في الفلس قيدوه بصنعة بلا تعلم، فيحتمل أن يقال به هنا، بجامع أن المشتري غرم مالا في كل منهما، فلا يفوت عليه.
اه.
(قوله: وحمل) معطوف على السمن، فهو مثال للزيادة المتصلة، وفيه أنه حيث قارن البيع لم تكن زيادة.
وعبارة المنهج: كحمل - بالكاف - وكتب البجيرمي عليه ما نصه: قوله كحمل، وهو تنظير، لا مثال، بدليل إعادة الكاف، وعدم عطفه على ما مثل به، وأيضا الفرض أنه قارن، فلم تكن زيادة.
قال في شرح البهجة - بعد تقرير ما ذكر -: ويمكن جعله مثالا، بحذف مضاف - أي وكزيادة الحمل - بمعنى نموه وكبره.
شوبري.
اه.
وهو يتبع أمه، وإن انفصل إن كان له الرد: بأن لم تنقص أمه بالولادة.
أما إذا نقصت بذلك فإنه يسقط الرد القهري، لحدوث العيب بها عند المشتري، وله الأرش.
(قوله: لا المنفصلة) أي لا تتبع الزيادة المنفصلة.
قال في التحفة: عينا ومنفعة.
(قوله: كالولد والثمر) تمثيل للمنفصلة عينا، ولم يمثل للمنفصلة منفعة.
ومثالها: الأجرة.
(قوله: وكذا الحمل الحادث) أي ومثل الزيادة المنفصلة: الحمل الحادث في ملك المشتري.
وفي البجيرمي: قال والد شيخنا: الراجح أن الصوف واللبن كالحمل، أي فيكون الحادث للمشتري، سواء انفصل قبل الرد أو لا.
ومثلهما: البيض - كما هو ظاهر -.
اه.
(وقوله: فلا تتبع) أي الزيادة
المنفصلة المبيع.
(وقوله: بل هي) أي الزيادة المذكورة تبقى للمشتري، والحمل المذكور مثلها، يأخذه المشتري إذا انفصل.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في حكم المبيع قبل القبض أي في بيان حكم ذلك، وهو أنه من ضمان البائع، بمعنى الانفساخ بالتلف، وثبوت الخيار بالتعيب، وعدم صحة التصرف فيه، فالأحكام - في الحقيقة - ثلاثة، ومثل المبيع - فيما ذكر - الثمن المعين.
(قوله: المبيع) خرج به: زوائده المنفصلة، الحادثة بعد البيع وقبل قبض المبيع، فهي أمانة تحت يد البائع، ولا أجرة لها، وإن استعملها البائع ولو بعد طلب المشتري لها كالمبيع، فإنه لا أجرة له إذا استعمله البائع.
(قوله: قبل قبضه) أي الواقع عن البيع، فلو أقبضه إياه: لا عن البيع، بل على أنه وديعة عنده، فهو كالعدم، فيكون باقيا على ضمان البائع.
(قوله: من ضمان بائع) أي وإن عرضه على المشتري فلم يقبله لبقاء سلطنته عليه، وإن قال له المشتري هو وديعة عندك.
والمراد بالبائع: المالك، وإن صدر العقد من وليه أو وكيله.
(قوله: بمعنى انفساخ) يعني أن معنى كونه في ضمان البائع: انفساخ إلخ.
وكون هذا يقال له ضمان مجرد اصطلاح، ولا مشاحة فيه.
وهذا الضمان يسمى ضمان عقد، وذلك لأن(3/45)
المال الذي تحت يد غيره: إما مضمون ضمان عقد كالمبيع والثمن، وإما مضمون ضمان يد كالمغصوب والمعار، وإما غير مضمون أصلا كالمال الذي تحت يد الشريك أو الوكيل.
(وقوله: بتلفه) أي بنفسه، بأن يكون بآفة سماوية.
(وقوله: أو إتلاف بائع) أي ولو بإذن المشتري.
(قوله: وثبوت الخيار إلخ) معطوف على انفساخ البيع، أي وبمعنى ثبوت الخيار.
(وقوله: بتعيبه) أي المبيع بنفسه.
(وقوله: أو تعييب إلخ) أي بفعل فاعل.
(قوله: بإتلاف أجنبي) معطوف على بتعيبه.
أي ويثبت خيار المشتري بإتلاف أجنبي له، فهو يتخير بين إجازة البيع وفسخه، لفوات غرضه في العين، فإن أجاز البيع غرم الأجنبي البدل، وإن فسخ غرمه البائع إياه.
(قوله: فلو تلف إلخ) هذا لا حاجة إليه بعد قوله بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، إلا أن يكون هذا من المتن - كالمنهج والمنهاج - لكن الذي بأيدينا من النسج أنه من الشرح.
(قوله: انفسخ البيع) أي لتعذر قبضه، مع عدم قيام البدل مقامه، فسقط الثمن عن المشتري، ويقدر انتقال ملك المبيع للبائع قبيل التلف، فتكون زوائده للمشتري، حيث لا خيار أو تخير وحده.
وقولي مع عدم قيام إلخ: خرج به ما إذا أتلفه أجنبي، فإنه لا ينفسخ البيع به، بل يثبت الخيار للمشتري - كما مر - لوجوب بدله على المتلف له.
(قوله: وإتلاف مشتر قبض)
أي فيبرأ منه البائع.
ومحل ذلك: ما لم يكن إتلافه له بحق - كصيال وقود - وكان المشتري الإمام، فإن كان كذلك فليس بقبض.
(قوله: وإن جهل) أي المشتري.
وهو غاية لكون إتلافه قبضا.
(قوله: أنه) أي ما أتلفه.
(قوله: ويبطل تصرف) أي في المبيع، بخلاف زوائده الحادثة بعد العقد، فيصح بيعها، لانتفاء ضمانها - كما تقدم -.
(قوله: ولو مع بائع) الغاية للرد أي ويبطل التصرف ولو كان مع البائع بأن يبيعه له.
نعم، إن باعه للبائع بعين الثمن المعين إن كان باقيا أو بمثله، إن كان تالفا أو في الذمة، صح، وكان إقالة بلفظ البيع.
(قوله: بنحو بيع) إجماعا في الطعام، ولحديث حكيم بن حزام بإسناد حسن: يا ابن أخي، لا تبيعن شيئا حتى تقبضه.
وعلته ضعف الملك، لانفساخه بتلفه.
تحفة.
(قوله: كهبة إلخ) تمثل لنحو البيع.
(قوله: فيما لم يقبض) متعلق بتصرف، ومثله المقبوض إن كان الخيار للبائع أو لهما.
(قوله: لا بنحو إعتاق) أي لا يبطل التصرف بنحو إعتاق.
ودخل تحت النحو: الإيلاد والتدبير.
(قوله: وتزويج الخ) معطوف على نحو، من عطف الخاص على العام.
والأولى كتزويج - بكاف التمثيل - (وقوله: ووقف) أي سواء كان على معين أو لا.
(قوله: لتشوف الشارع إلى العتق) أي وإنما لم يبطل التصرف بذلك لتشوف الشارع إلى العتق - أي تطلعه - وفي معنى العتق: البقية - من حيث إن في كل تصرفا من غير عوض في الجملة، أو تصرفا لا إلى مالك في الجملة، فلا يرد على الأول التزويج، ولا على الثاني الوصية.
أفاده الجمل.
(وقوله: ولعدم توقفه) أي العتق على القدرة، أي قدرة التسليم، بدليل صحة إعتاق الآبق.
(قوله: ويكون به) أي بالإعتاق قابضا، ومثله الوقف والإيلاد.
وفي البجيرمي: وانظر، هل يترتب على كونه قابضا أو غير قابض فائدة؟ لأن الفرض أنه خرج عن ملكه؟ (قوله: ولا يكون قابضا بالتزويج) أي ونحو كالتدبير والوصية، فإن تلف: كان من ضمان البائع.
(قوله: وقبض غير منقول) أي حاضر بمحل العقد، فإن كان غائبا فسيذكر حكمه قريبا.
وهذا بيان لحقيقة القبض المترتب عليه ضمان البائع قبله، فهو جواب سؤال، كأنه قيل له: ما القبض؟ فبينه بقوله: وقبض إلخ.
(قوله: من أرض) بيان لغير المنقول.
(وقوله: وشجر) أي وإن بيع بشرط القطع.
ومثل الشجرة: الثمرة المبيعة قبل أوان الجذاذ.
فهو من غير المنقول، إذ المراد به ما لا يمكن نقله بحالة الذي هو عليه حالة البيع، والثمرة قبل ذلك كذلك.
أما المبيعة بعد أوان الجذاذ فهي منقولة، فلا بد من نقلها - كذا في التحفة -.
(قوله: بتخلية) متعلق بمحذوف خبر قبض، أي أن قبض ذلك كائن بتخلية، ولا بد من لفظ يدل عليها،(3/46)
كخليت بينك وبينه.
(قوله: بأن يمكنه) تصوير للتخيلة، والضمير راجع للمشتري.
(وقوله: منه) أي من المبيع غير
المنقول.
(قوله: البائع) فاعل الفعل.
(قوله: مع تسليمه المفتاح) أي إن كان مغلقا، وكان المفتاح موجودا.
ولو اشتملت الدار على أماكن بها مفاتيح: فلا بد من تسليم تلك المفاتيح، وإن كانت تلك الأماكن صغيرة - كالخزائن الخشب - اه.
ح ل.
فالمراد بالمفتاح: الجنس.
فلو قال له البائع: تسلمه واضع له مفتاحا، فينبغي أن يستغني بذلك عن تسليم المفتاح.
سم.
بجيرمي.
(قوله: وإفراغه إلخ) بالجر، عطف على تسليمه، وهو مضاف للمضير العائد على غير المنقول من إضافة المصدر إلى مفعوله.
(قوله: من أمتعة غير المشتري) أي من بائع، ومستأجر، ومستعير، وموصى له بالمنفعة.
أما أمتعة المشتري: فلا يشترط إفراغه منها.
قال ع ش: والمراد بالمشتري من وقع له الشراء، فبقاء أمتعة الوكيل، والولي مانع من صحة القبض، لأنها تمنع من دخول المبيع في يد من وقع له الشراء.
اه.
وفي سم ما نصه: هل يجري هذا الشري - وهو فراغه من أمتعة غير المشتري - في المنقول، حتى لو كان المبيع ظرفا كإناء وزنبيل مشغول بأمتعة غير المشتري لم يكف نقله قبل تفريغه؟ فيه نظر، ولا يبعد الجريان، وإن كان نقل المنقول استيلاء حقيقيا.
اه.
(قوله: وقبض منقول) أي حاضر بمحل العقد ثقيل.
وخرج بالحاضر: الغائب - وسيذكر حكمه قريبا -، وبالثقيل: الخفيف - فقبضه تناوله باليد إن لم يكن بيد المشتري، فإن كان بيده اعتبر في قبضه مضي زمن يمكن فيه النقل أو التخلية، ولا يحتاج فيه إلى إذن البائع، إلا إن كان له حق الحبس.
(وقوله: من سفينة) أي يمكن جرها - كما في التحفة والنهاية - فإن لم يمكن جرها فهي كالعقار، سواء كانت في البر أو البحر.
(قوله: بنقله) متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو قبض، المقدر بين العاطف والمعطوف - أي وقبض المنقول كائن بنقله، ونقل مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل - أي نقل المشترى إياه، وذلك لما روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نشتري الطعام جزافا، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نبيعه حتى ننقله من مكانه.
وقيس بالطعام: غيره.
والمراد بنقله: تحويل المشتري له - ولو بنائبه -.
قال سم: ولو تبعا، لتحويل منقول آخر هو بعض المبيع، كما لو اشترى عبدا وثوبا هو حامله، فإذا أمره بالانتقال بالثوب: حصل قبضهما.
اه.
(قوله من محله) أي المنقول، أي المحل الذي فيه ذلك المنقول.
(وقوله: إلى محل آخر) أي لا يختص به البائع - كشارع أو دار للمشتري - أو يختص به لكن كان النقل إليه بإذنه، فيكون حينئذ معيرا له.
(قوله: مع تفريغ السفينة) أي من الأمتعة التي لغير المشتري، ومثل السفينة: كل منقول، فلا بد من تفريغه - كما مر عن سم -.
(قوله: ويحصل القبض
أيضا) أي كما يحصل بما مر.
(قوله: بوضع البائع المنقول) أي الخفيف.
(وقوله: بين يدي المشتري) أي أو عن يمينه أو يساره أو خلفه.
فالمراد: وضعه في مكان يلاحظه فيه.
(وقوله: بحيث لو مد) أي المشتري.
(وقوله: إليه) أي المنقول.
(قوله: لناله) أي أمسكه، وأخذه.
(قوله: وإن قال) أي المشتري، وهو غاية لحصول القبض بوضعه بين يدي المشتري.
(وقوله: لا أريده) أي المنقول المبيع.
وفي التحفة ما نصه: نعم، إن وضعه بغير أمره فخرج مستحقا لم يضمنه، لأنه لم يضع يده عليه، وضمان اليد لا بد فيه من حقيقة وضعها.
اه.
(قوله: وشرط في غائب) أي في صحة قبض مبيع غائب مطلقا - منقولا، أو غير منقول -.
(وقوله: عن محل العقد) أي مجلسه، وإن كان بالبلد.
اه.
ع ش.
(قوله: مع إذن البائع في القبض) الظرف المذكور متعلق بشرط.
(قوله: مضي زمن) نائب فاعل شرط، وإنما اشترط ذلك: لأن الحضور الذي كنا نوجبه - لولا المشقة - لا يتأتى إلا بهذا الزمن، فلما أسقطناه لمعنى ليس موجودا في الزمن(3/47)
بقي اعتبار الزمن.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: يمكن فيه المضي إليه) أي الوصول إلى ذلك المبيع الغائب.
ويشترط أيضا أن يمكن فيه النقل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره.
فالشرط في الجميع: الإمكان.
وهذا إن كان المبيع بيد المشتري، فإن كان بيد غيره فلا بد بعد مضي إمكان الوصول إليه من النقل بالفعل في المنقول، والتخلية والتفريغ في غيره.
(قوله: ويجوز لمشتري استقلال بقبض) أي بمعنى أنه لا يتوقف صحة قبضه على تسليم البائع ولا إذنه في القبض، ولكن إن كان المبيع في دار البائع أو غيره، لم يكن للمشتري الدخول لأخذه من غير إذن في الدخول، لما يترتب عليه من الفتنة وهتك ملك الغير بالدخول.
فإن امتنع صاحب الدار من تمكينه جاز له الدخول لأخذ حقه، لأن صاحب الدار - بامتناعه من التمكين - يصير كالغاصب للمبيع.
ع ش.
(وقوله: إن كان الثمن مؤجلا) أي وإن حل بعده، وإنما جاز له ذلك لأن البائع رضي ببقائه في ذمته.
(وقوله: أو سلم الحال) أي أو لم يكن مؤجلا، بل كان حالا كله أو بعضه، وسلم الحال - أي لمستحقه - فإن لم يسلمه لم يستقل بقبضه، فإن استقل به لزمه رده، لأن البائع يستحق حبسه، ولا ينفذ تصرفه فيه.
(قوله: وجاز استبدال) أي ولو قبض المبيع، لكن بعد لزوم العقد - لا قبله -.
قال في التحفة: وشرط الإستبدال لفظ يدل عليه صريحا أو كناية مع النية - كأخذته عنه -.
وقوله: لفظ: أي إيجاب وقبول، والأول من المشتري كاستبدلتك هذه الدراهم بهذه الإبل، أو خذ هذه بدل هذه، فيقول البائع قبلت، أو أخذته منك - فلو لم يوجد لفظ لا يصح الاستبدال - فلا يملك ما يأخذه.
قال سم: وبحث الأذرعي الصحة، بناء على صحة
المعاطاة.
اه.
(قوله: في غير ربوي) متعلق بجاز، وخرج به الربوي، فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض في المجلس، لتفويته ما شرط فيه من قبض ما وقع العقد به.
وعبارة شرح الروض: هذا كله فيما لا يشترط قبضه في المجلس، أما غيره - كربوي بيع بمثله، ورأس مال سلم - فلا يجوز الاستبدال عنه، إذا لم يوجد قبض المعقود عليه في المجلس.
إلخ.
اه.
(قوله: بيع بمثله) الجملة صفة لربوي: أي ربوي موصوف بأنه بيع ربوي مثله.
(وقوله: من جنسه) حال من مثله - أي حال كون ذلك المثل من جنس الربوي.
قال سم: لم يذكر هذا القيد في شرح الإرشاد، ولا في شرح الروض.
اه.
(قوله: عن ثمن) متعلق باستبدال، والمراد ثمن في الذمة.
(وقوله: نقد أو غيره) تعميم في الثمن - أي لا فرق في الثمن الكائن في الذمة بين أن يكون نقدا - أي دراهم أو دنانير - أو غير نقد.
قال في التحفة: والثمن النقد إن وجد أحد الطرفين، وإلا فما اتصلت به الباء، والمثمن مقابله.
نعم، الأوجه فيما لو باع قنه مثلا بدراهم سلما أنه لا يصح الاستبدال عنها، وإن كانت ثمنا لأنها في الحقيقة مسلم فيها، فليقيد بذلك إطلاقهم صحة الإستبدال عن الثمن.
اه.
(قوله: لخبر إلخ) تعليل لجواز الإستبدال عن الثمن.
(قوله: كنت إلخ) أي قال: كنت إلخ.
فهو مقول لقول محذوف.
(قوله: فسألته عن ذلك) أي أخذ الدراهم بدل الدنانير، وأخذ الدنانير بدل الدراهم.
والمراد: سألته عن حكم ذلك، هل هو جائز أو لا؟ (قوله: فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: لا بأس) أي لا لوم.
(وقوله: وليس بينكما شئ) أي من عقد الاستبدال.
قال في حاشية الجمل: وهو إشارة إلى التقابض.
اه.
أي إلى أن الاستبدال من جنس الربوي يشترط في صحته التقابض في المجلس، كاستبدال الدراهم بالدنانير، وعكسه في السؤال.
(قوله: وعن دين) معطوف على ثمن، أي وجاز استبدال عن دين، أي غير ثمن وغير مثمن.
أما الأول فقد ذكره قبل.
وأما الثاني فلا يجوز الاستبدال عنه - كما سيذكره بقوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه أو مبيع في الذمة إلخ - وصنيعه: يفيد أن الثمن المعطوف عليه غير دين، مع أنه دين - كما علمت - فلو(3/48)
قال - كما في المنهج - وصح استبدال عن دين غير مثمن بغير دين ودين قرض، لكان أولى وأخصر.
(قوله: قرض إلخ) بدل من دين، وعطف بيان له.
(قوله: لا عن مسلم فيه) أي لا يجوز الاستبدال عنه، لكن بما لم يتضمن إقالة، بأن كان بغير جنس رأس مال المسلم فيه، أو نقص.
أما لو استبدل بما يتضمن ذلك فإنه يصح، ويكون إقالة.
(وقوله: لعدم استقراره) أي المسلم فيه، وذلك لأنه معرض بانقطاعه للفسخ، ولأن عينه تقصد.
(قوله: ولو استبدل موافقا إلخ)
بيان لمفهوم قوله في غير ربوي.
(وقوله: في علة الربا) يفيد أن قوله المار من جنسه: ليس بقيد، فهو مؤيد لما علمته عن سم.
(قوله: كدرهم عن دينار) أي كاستبدال درهم عن دينار واقع ثمنا لمتاع.
(قوله: اشترط إلخ) جواب لو.
(وقوله: قبض البدل في المجلس) قال في التحفة مع المتن: والأصح أنه لا يشترط التعيين للبدل في العقد - أي عقد الاستبدال - بأن يقول هذا.
(قوله: حذرا من الربا) علة لاشتراط ذلك.
(قوله: لا إن استبدل) أي لا يشترط قبض البدل في المجلس إن استبدل إلخ، وذلك لعدم الربا فيه.
قال في النهاية: لكن لا بد من التعيين في المجلس قطعا.
(قوله: ولا يبدل نوع أسلم فيه) هذا عين قوله لا عن مسلم فيه، فالأولى حذفه والاقتصار على المعطوف بعده، كأن يقول ولا يبدل نوع مبيع في الذمة إلخ.
ولو قال بدل قوله لا عن مسلم فيه: لاعن مثمن في الذمة مسلما فيه، أو مبيعا في الذمة بغير لفظ السلم، لكان أولى وأخصر.
وعبارة التحفة مع المنهاج: ولا يصح بيع المثمن الذي في الذمة نحو المسلم فيه، ولا الاعتياض عنه قبل قبضه بغير نوعه، لعموم النهي عن بيع، ما لم يقبض، ولعدم استقراره، فإنه معرض بانقطاعه للانفساخ، أو الفسخ.
والحيلة في ذلك: أن يتفاسخا عقد السلم، ليصير رأس المال دينا في ذمته، ثم يستبدل عنه.
اه.
وقوله: المثمن الذي في الذمة: قال سم: دخل فيه بيع الموصوف في الذمة بغير لفظ السلم ونحوه.
اه.
(قوله: عقد) أي ذلك المبيع في الذمة.
(وقوله: بغير لفظ السلم) أي بأن كان عقد عليه بلفظ البيع وهذا عل غير طريقة شيخ الإسلام، أما على طريقته فالمبيع في الذمة مسلم فيه، وإن عقد بلفظ البيع، نظرا للمعنى.
(قوله: بنوع آخر) متعلق بيبدل.
(قوله: ولو من جنسه) أي ولو كان النوع الآخر من جنس النوع المبدل منه.
(قوله: كحنطة سمراء إلخ) أي كإبدال حنطة سمراء عن حنطة بيضاء مبيعة في الذمة.
(قوله: لأن المبيع إلخ) علة لعدم جواز إبدال المبيع في الذمة، واقتصاره على المبيع - مع عدم ذكره المسلم فيه - يؤيد ما قلنا آنفا من أن الأولى الاقتصار على المبيع في الذمة.
(قوله: لا يجوز بيعه) المناسب إبداله، لأنه لم يتعرض لبيعه، وإن كان الحكم واحدا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/49)
فصل في بيع الأصول والثمار أي في بيان بيع الأمور التي تستتبع غيرها، وهي الشجر، والأرض، والدار، والبستان، والقرية.
فالمعقود عليه إذا
كان واحدا من هذه الأمور - يندرج في غيره - كما وضحه الشارح رحمه الله تعالى.
وقوله: والثمار: أي وبيع الثمار جمع ثمر جمع ثمرة، وهي ليست من الأصول، فالعطف مغاير.
(قوله: يدخل في بيع أرض وهبتها إلخ) أي ونحوها من كل ناقل للملك: كإصداق، وعوض خلع وصلح.
ولو قال في نحو بيع أرض، لكان أولى.
(قوله: والوصية بها) أي بالأرض.
قال ع ش: وعليه فلو أوصى له بأرض، وفيها بناء وشجر حال الوصية: دخلا في الأرض - بخلاف ما لو حدثا أو أحدهما بغير فعل من المالك - كما لو ألقى السيل بذرا في الأرض فنبت، فمات الموصي وهو موجود في الأرض - لأنهما حادثان بعد الوصية، فلم تشملهما فيختص بهما الوارث.
اه.
(وقوله: مطلقا) راجع لجميع ما قبله من البيع وما بعده.
والمراد بالإطلاق: عدم التقييد بإدخال وإخراج، فإن قيد بالأول - بأن قال بعتك الأرض بما فيها - دخل نصا، لا تبعا.
أو قيد بالثاني - بأن قال بعتك الأرض دون حقوقها، أو ما فيها - لم يدخل.
(قوله: لا في رهنها والإقرار بها) أي لا يدخل في رهن الأرض والإقرار بها ما فيها.
ومثل الرهن: كل ما لا ينقل الملك: كإجارة، وعارية.
والفرق بين ما ينقل الملك وبين غيره: أن الأول قوي فتبعه غيره، بخلاف الثاني.
ومحل عدم الدخول - فيما ذكر - إذا لم يصرح بالدخول، فإن صرح به - كأن قال رهنتك، أو آجرتك، أو أعرتك الأرض بما فيها، أو بحقوقها - دخل قطعا.
(قوله: ما فيها) أي الأرض.
وما: اسم موصول فاعل يدخل.
أي يدخل الشئ الذي استقر فيها.
قال ع ش: وخرج بفيها: ما في حدها، فإذا دخل الحد في البيع دخل ما فيه، وإلا فلا.
(قوله: من بناء وشجر) بيان لما.
(قوله: رطب) خرج به: اليابس، فلا يدخل.
(قوله: وثمره) أي الشجر، فهو يدخل أيضا.
(وقوله: الذي لم يظهر عند البيع) فإن ظهر عنده لا يدخل.
(قوله: وأصول بقل) البقل خضروات الأرض.
قال في الصحاح: كل نبات اخضرت به الأرض فهو بقل.
(قوله: تجز) أي تلك الأصول، وفيه أن الأصل لا تجز، لأنها الجذور، وهي لا تجز.
فلو قال يجز - بالياء التحتية كما في متن المنهج - لسلم من ذلك.
وخرج بالأصول: الثمرة، والجزة الظاهرتان عند البيع - فهما للبائع.
(قوله: كقثاء إلخ) في المنهج وشرحه ما نصه: وأصول بقل يجز مرة بعد أخرى، أو تؤخذ ثمرته مرة بعد أخرى.
فالأول: كقت.
والثاني: نحو بنفسج، ونرجس، وقثاء، وبطيخ.
اه.
ومثله في فتح الجواد، وغيره.
إذا علمت ذلك: فكان الأولى أن يزيد: أو تؤخذ ثمرته، ويكون قوله - كقثاء - مثالا له، أو يمثل لما يجز بالقت، أي البرسيم، أو الكراث، أو غير ذلك مما يجز مرة بعد أخرى.
(وقوله: وبطيخ) بكسر الباء فاكهة معروفة، وفي لغة لأهل الحجاز تقديم الطاء على الباء.
والعامة تفتح الأول،
وهو غلط، لفقد فعليل بالفتح.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لا ما يؤخذ دفعة) أي لا يدخل في بيع الأرض ما يؤخذ دفعة - كبر وفجل - بضم الفاء، بوزن قفل - فهو للبائع، وللمشتري الخيار حينئذ في الأرض أن جهل الزرع الذي لا يدخل، لتأخر انتفاعه، وصح قبضها مشغولة به، ولا أجرة له مدة بقاء الزرع، لأنه رضي بتلف المنفعة تلك المدة.
(قوله: لأنه ليس للدوام والثبات) علة لعدم دخوله، وهذا بخلاف ما قبله، فإنه لما كان للدوام والثبات في الأرض، تبعها في البيع.
(قوله:(3/50)
فهو) أي ما يؤخذ دفعة واحدة.
(قوله: كالمنقولات في الدار) أي كالمنقولات الكائنة في الدار المبيعة، فإنها لا تدخل تبعا، وهي كأثاث البيت.
(قوله: ويدخل في بيع بستان إلخ) قد يخرج الرهن، وهو ممنوع، فإن ألحق وفاقا لم أر أنه يدخل في رهن البستان والقرية ما فيهما من بناء وشجر، خلافا لما يوهمه كلام شرح البهجة سم على منهج ع ش.
(وقوله: أرض) فاعل يدخل، ومحل دخولها - كما سيصرح به قريبا - إن كانت مملوكة للبائع، وإلا فإن كانت محتكرة أو موقوفة، فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك.
(قوله: وشجر) أي وكل ما له أصل ثابت من الزرع، لا نحو غصن يابس، وشجرة وعروق يابسين.
اه.
نهاية.
(قوله: وبناء) أي ويدخل بناء، وهذا هو المذهب، لثباته.
وقيل لا يدخل.
قال ع ش: ويدخل أيضا الآبار، والسواقي المثبتة عليها.
اه.
(قوله: فيهما) متعلق بمحذوف صفة للثلاثة قبله، وضميره يعود على البستان والقرية.
(قوله: لا مزارع حولهما) أي لا يدخل المزارع الكائنة حول البستان والقرية، أي من خارج السور.
وعبارة التحفة مع الأصل: لا المزارع الخارجة عن السور والمتصلة به، فلا تدخل - على الصحيح - لخروجها عن مسماها، وما لا سور لها يدخل ما اختلط ببنائها.
اه.
(قوله: لأنها) أي المزارع ليست منهما، أي ليست داخلة في مسماهما.
(قوله: وفي بيع دار الخ) معطوف على في بيع بستان، أي ويدخل في بيع دار إلخ.
وفي البجيرمي: ومثلها الخان، والحوش، والوكالة، والزريبة، ويتجه إلحاق الربع بذلك.
اه.
(قوله: هذه الثلاثة) فاعل يدخل المقدر.
(قوله: أي الأرض إلخ) بدل من الثلاثة.
(وقوله: المملوكة للبائع) خرج ما لو كانت موقوفة، أو محتكرة فلا تدخل، لكن يتخير المشتري إن كان جاهلا بذلك - كما علمت - (وقوله: بجملتها) متعلق بعامل البدل المقدر، أي تدخل الأرض بجملتها، أي بجميع ما فيها.
(قوله: حتى تخومها) حتى: إبتدائية، والخبر محذوف، أي حتى تخومها تدخل.
قال ع ش: وفي الشامي في سيرته ما نصه: التخوم - جمع تخمة - الحد الذي يكون بين أرض وأرض.
وقال ابن
الأعرابي وابن السكيت: الواحد تخوم، كرسول، ورسل.
وعبارة المختار: التخم - بالفتح - منتهى كل قرية أو أرض، وجمعه تخوم - كفلس، وفلوس -.
وقال الفراء: تخوم الأرض: حدودها.
وقال أبو عمرو: هي تخوم الأرض، والجمع تخم - مثل صبور، وصبر.
والتخمة: أصلها الواو، فتذكر في وخم.
اه.
(قوله: والشجر) معطوف على الأرض.
(وقوله: المغروس فيها) عبارة التحفة: وشجر رطب فيها، ويابس قصد دوامه - كجعله دعامة مثلا - لدخوله في مسماها.
اه.
وكتب سم: قوله: قصد دوامه: خرج يابس لم يقصد دوامه، ففي دخوله وجهان.
قال في شرح العباب كما لو كان فيها أوتاد، وقضيته دخولها، لكن الوجه خلافه.
اه.
(وقوله: وإن كثر) أي الشجر، فإنه يدخل.
(قوله: والبناء فيها) معطوف على الأرض، وهذا هو الثالث.
(وقوله: بأنواعه) أي البناء.
والمراد بها: كونه من حجر أو خشب، أو سعف.
(قوله: وأبواب) معطوف على اسم الإشارة.
(وقوله: منصوبة) أي مسمرة.
قال ع ش: ومثلها المخلوعة وهي باقية بمحلها، أما لو نقلت من محلها فهي كالمقلوعة، فلا تدخل.
اه.
(قوله: وإغلاقها) أي الأبواب، وهي الضبب المعروفة ونحوها.
ويدخل مفاتيحها أيضا.
(وقوله: المثبتة) خرج بها المنقولة، فلا تدخل هي ولا مفاتيحها.
(قوله: لا الأبواب المقلوعة) أي لا تدخل الأبواب المقلوعة، وهي محترز منصوبة.
(قوله: والسرور) أي ولا السرر - جمع سرير - لأنها منقولة.
ومثل السرر: كل منقول - كالدلو، والبكرة، والسلم، والرفرف غير المسمرين - (قوله: والحجارة المدفونة بلا بناء) أي ولا تدخل الحجارة المدفونة في الأرض بلا(3/51)
بناء، فإن كانت ببناء دخلت.
(قوله: لا في بيع قن) أي لا يدخل في بيع قن.
(وقوله: حلقة) - بفتح اللام - وهي فاعل يدخل المقدر.
(وقوله: بإذنه) أي كائنة بإذن القن (قوله: وكذا ثوب عليه) أي وكذلك لا يدخل في بيعه ثوب عليه - اقتصارا على مقتضى اللفظ.
وقيل يدخل ثوبه الذي عليه حالة البيع.
(قوله: وإن كان ساتر عورته) أي لا يدخل الثوب، وإن كان ساترا لعورته.
قال سم: إذا قلنا لا تدخل ثياب العبد حتى ساتر عورته، فهل يلزم البائع إبقاء ساتر عورته إلى أن يأتي المشتري بساتر؟ فيه نظر.
ويدل على عدم اللزوم جواز رجوع معير ساتر العورة - كما تقرر في باب العارية -.
(قوله: وفي بيع شجر رطب إلخ) مثله اليابس في أحكام، وهي دخول عروقه، وأغصانه، وأوراقه، وعدم دخول مغرسه.
وليس مثله في أحكام، وهي ما ذكرها بقوله: ويلزم المشتري قلع اليابس إلخ.
وحاصلها أنه إذا أطلق البيع في اليابس: يلزمه قلعه، وإذا شرط بقاؤه فسد البيع - إذ لا ينتفع بمغرسه - بخلاف
الرطب في الثلاثة، فالتقييد بالرطب بالنسبة لما ذكر فقط.
(قوله: بلا أرض) متعلق ببيع، وقيد به لأن الأحكام الآتية من شرط القلع أو القطع، وعدم دخول المغرس إنما تناسب بيعه وحده، لا مع الأرض.
(قوله: عند الإطلاق) متعلق بيدخل المقدر، ومثل الإطلاق: شرط الإبقاء أو القلع - كما يؤخذ مما بعده - ولو اقتصر على قوله الآتي: إن لم يشرط قطع الشجر - لكان أولى - لشموله لذلك كله.
تأمل.
(قوله: عرق) بكسر فسكون، وهو فاعل يدخل المقدر، أي يدخل في الشجر عرق، أي ولو امتد وجاوز العادة.
(قوله: ولو يابسا) هذا معتمد ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام.
وخالف م ر، فاعمد عدم دخول اليابس.
(قوله: إن لم يشرط) أي يدخل العرق، وإن لم يشرط قطع للشجر، فإن شرط: فلا يدخل، عملا بالشرط، وتقطع الشجرة حينئذ من وجه الأرض - بقاء على ما جرت به العادة في مثلها - فلو أراد المشتري حفر جزء من الأرض ليتوصل به إلى زيادة ما يقطعه لم يمكن.
(وقوله: بأن شرط إبقاؤه) أي أو شرط قلعه، فعدم اشتراط القطع صادق بثلاث صور: أن لا يشترط شئ أصلا - وهذه صورة الإطلاق - وأن يشترط الإبقاء.
وأن يشترط القلع.
ويعمل بالشرط مطلقا.
(قوله: أو أطلق) أي لم يقيد بشرط إبقاء، أو قلع، أو قطع.
(قوله: لوجوب بقاء الشجر الرطب) أي وبقاؤه ببقاء عروقه، وهو علة لدخول العرق، أي وإنما يدخل في بيع الشجر: العرق - لوجوب إلى آخره، وهذه العلة ظاهرة بالنسبة لما ذكره من الإطلاق، أو شرط الإبقاء.
وأما بالنسبة لاشتراط القلع فلا تظهر - لأنه يجب القلع في هذه الحالة، وعدم إبقائه.
تأمل.
(قوله: ويلزم المشتري قلع اليابس) أي الشجر اليابس، وهو مفهوم قوله رطب.
قال البجيرمي: وظاهره أن قطعها غير كاف، مع أن فيه تركا لبعض حقه، إلا أن يقال: محل لزوم القلع إذا كان بقاء الأصل مضرا بالبائع.
اه.
(وقوله: عند الإطلاق) أي عدم التقييد بشرط إبقاء أو قطع أو قلع، كما تقدم.
(قوله: فإن شرط قطعه أو قلعه) الضمير فيهما لليابس.
(قوله: عمل به) أي بالشرط.
(قوله: أو إبقاؤه بطل البيع) أي أو شرط إبقاؤه، فإنه يبطل البيع لمخالفته للعرف.
ومحل البطلان إن لم يكن للبائع غرض صحيح في اشتراط الإبقاء، وإلا صح.
(قوله: ولا ينتفع المشتري بمغرسها) أي اليابسة، بخلاف الرطبة، فإنه ينتفع بمغرسها - كما مر - ومعنى الانتفاع بذلك أن له منع البائع أن يفعل فيه ما يضر بالشجرة، وليس معنى ذلك أن له إجارته، أو وضع متاع فيه أو إعارته.
(قوله: وغصن رطب) أي ويدخل أيضا غصن رطب مطلقا، سواء شرط الإبقاء أو القطع، أو القلع، أو أطلق.
ومثله يقال في الورق، فهما يخالفان العروق في اشتراط القطع.
(قوله: لا يابس والشجر(3/52)
رطب) أي لا يدخل الغصن اليابس، والحال أن الشجر رطب.
فإن كان الشجر يابسا دخل - كما مر - (قوله: لأن العادة قطعه) أي اليابس، فكان كالثمرة.
(قوله: وكذا ورق رطب) أي مثل الغصن في الدخول: ورق رطب، أما اليابس فلا يدخل - كالغصن اليابس - بجامع اعتياد قطع يابس كل منهما، خلافا لما وقع في شرح المنهج من تعميمه في الورق.
(قوله: لا ورق حناء) أي ونحوه مما ليس له ثمر غيره - كورق النيلة، فإنه لا يدخل.
(قوله: على الأوجه) أي عند ابن حجر.
وخالف م ر.
فعنده تدخل الأوراق مطلقا.
وعبارته: ولا فرق في دخول الورق بين أن يكون من فرصاد، وسدر، وحناء، وتوت أبيض، ونيلة - لأن ذلك من مسماها - كما أفتى بذلك الوالد رحمه الله تعالى.
اه.
ببعض تصرف.
(قوله: لا يدخل في بيع الشجر إلخ) .
ولكن المشتري ينتفع به ما دام الشجر باقيا تبعا بلا عوض.
(وقوله: مغرسة) بكسر الراء، أي موضع غرسه، وهو ما سامته من الأرض وما يمتد إليه عروقه.
(قوله: فلا يتبعه في بيعه) هو عين قوله لا يدخل في بيع الشجر، فالأولى حذفه.
(قوله: لأن اسم الشجر لا يتناوله) أي المغرس، وهو تعليل لعدم الدخول.
(قوله: ولا ثمر ظهر) أي ولا يدخل ثمر ظهر، بل هو للبائع.
والثمر ما يقصد من المبيع، ولو مشموما.
(قوله: كطلع نخل) تمثيل للثمر.
(قوله: يتشقق) خبر لمبتدأ محذوف، مرتبط بالطلع، أي وظهوره يكون بتشقق له، وهكذا يقدر فيما بعده، فالظهور يختلف باختلاف الثمرة، ففي طلع النخل بالتشقق، وفيما يخرج ثمره بلا نور - أي زهر: كتين، وعنب - بالبروز.
وفي نحو الجوز بالانعقاد.
وفي نحو الورد بالتفتح.
(قوله: فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري) هذا لا يلائم التقييد بقوله أولا: ظهر.
بل الملائم أن يقول فهو للبائع، ويحذف لفظ فما ظهر منه، ثم يقول: فإن لم يظهر: فهو للمشتري.
(قوله: ولو شرط الثمر) أي جميعه أو بعضه المعين، كالنصف.
اه.
شرح م ر.
(وقوله: لأحدهما) أي المتبايعين.
(قوله: فهو) أي الثمر.
(وقوله: له) أي للمشروط له من المتبايعين، البائع، أو المشتري.
(قوله: عملا بالشرط) تعليل لكونه للمشروط له.
(قوله: سواء أظهر إلخ) تعميم في كونه للمشروط له.
(وقوله: أم لا) قد يقتضي أنه يصح أن يشرط للبائع حال عدم وجوده أصلا، وهو ممنوع، بل هو فرع الوجود - كما هو الفرض - لتفسيرهم الظهور بالتأبير، وعدم الظهور بعدم ذلك.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ويبقيان) بالبناء للفاعل أو المفعول.
فعلى الأول: يكون بفتح الأول، والثالث من بقي.
وعلى الثاني: يكون بضم الأول، وفتح الثالث من أبقى.
(قوله: أي الثمر الظاهر) أي المستحق للبائع.
(وقوله: والشجر) أي المستحق للمشتري.
(قوله: عند الإطلاق) أي أو عند شرط الإبقاء، بأن باع الشجر مطلقا، أو بشرط إبقاء الثمر الظاهر، أو الشجر - فإن شرط القطع: لزمه - كما تقدم.
(قوله: الجداد) بفتح الجيم
وكسرها، وإهمال الدالين وإعجامهما، بمعنى القطع.
(قوله: لا تدريجا) أي ما لم تجر العادة بأخذه كذلك.
(قوله: وللمشتري) عبادة فتح الجواد: والمشتري - بحذف لام الجر، وعطفه على البائع - وهي أولى.
(قوله: ما دام) أي الشجر، حيا أو رطبا.
(قوله: فإن انقلع) أي الشجر الحي بنفسه، وكذا إن قلع.
(قوله: فله) أي المشتري.
(وقوله: غرسه) أي الشجر الحي بعد قلعه.
(قوله: لا بد له) بالجر، عطف على ضمير غرسه.
أي ليس له غرس بدله - تحكيما للعادة -.
(قوله: حملها) بفتح الحاء.
(قوله: فإن لم يكن مملوكا لمالكها) بأن كان موصى به لغير مالكها.
(وقوله: كبيعها) أي كعدم صحة بيعها من غير حملها.
(قوله: وكذا عكسه) أي بيع حملها بدونها، فإنه لا يصح.(3/53)
(تتمة) لم يتعرض المؤلف رحمه الله تعالى للشق الثاني من الترجمة، وهي بيع الثمار، والترجمة لشئ غير مذكور معيبة عندهم.
لا يقال إنه ذكره في قوله: ولا ثمر ظهر، لأنا نقول تكلمه هناك على الثمر من حيث التبعية للشجر، فهو ليس بمبيع، بدليل أنه قد يكون للبائع، وقد يكون للمشتري.
والقصد التكلم عليه من حيث إنه مبيع استقلالا.
وحاصل الكلام عليه أنه إن بدا صلاحه جاز بيعه مطلقا، وبشرط الإبقاء أو القطع.
وإلا فإن بيع منفردا عن الأصل جاز، لكن بشرط القطع.
وإن بيع مع الأصل جاز من غير شرط قطع، فإن شرط لم يجز، لما فيه من الحجر عليه في ملكه.
والله أعلم.
فصل في اختلاف المتعاقدين أي في بيان ما يترتب على اختلافهما من التحالف والفسخ، والأصل في ذلك الحديث الصحيح: إذا اختلف البيعان، وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة، أو يتتاركا، أي يترك كل ما يدعيه، وذلك إنما يكون بالفسخ.
وأو - هنا - بمعنى إلا.
وصح أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم -: أمر البائع أن يحلف، ثم يتخير المبتاع، إن شاء أخذ، وإن شاء ترك.
(قوله: ولو اختلف متعاقدان) قال في الروض وشرحه: لا في زمن الخيار - أي خيار الشرط، أو المجلس، فلا يتحالفان، لإمكان الفسخ بالخيار.
كذا قاله القاضي.
وأجاب عنه الإمام: بأن التحالف لم يوضع للفسخ، بل عرضت اليمين رجاء أن ينكل الكاذب، فيتقرر العقد بيمين الصادق.
اه.
(قوله: ولو وكيلين) أي أو قنين أذن لهما سيداهما، أو وليين، أو مختلفين، بأن كان أحدهما مالكا، والآخر وكيلا، أو قنا، أو الآخر وارثا.
(قوله: في صفة عقد) أي فيما يتعلق به من الحالة التي يقع عليها من كونه بثمن قدره كذا، وصفته كذا.
وخرج بقوله في صفة عقد: اختلافهما في نفس
العقد، وسيأتي في قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا والآخر رهنا أو هبة إلخ.
(وقوله: معاوضة) أي ولو غير محضة أو غير لازمة - كصداق، وخلع، وصلح عن دم، وقراض، وجعالة -.
وفائدته في غير اللازم: لزوم العقد بالنكول من أحدهما اه.
بجيرمي.
وخرج بالمعاوضة غيرها - كوقف، وهبة، ووصية - فلا تحالف فيه.
(قوله: والحال إلخ) أفاد به أن الواو الداخل على الفعل الماضي واو الحال.
(وقوله: العقد) أي عقد البيع أو غيره من القراض.
(قوله: باتفاقهما) أي المتعاقدين.
(قوله: أو يمين البائع) أي أو بيمين البائع، وإنما خصه لما سيأتي أنه إذا اختلفا في صحة العقد وفساده، وادعى البائع صحته، صدق بيمينه.
(قوله: كقدر عوض) تمثيل لصفة العقد المختلف فيها.
(وقوله: من نحو مبيع أو ثمن) بيان للعوض.
وصورة الأول: أن يدعي المشتري أن المبيع أكثر - كطاقتين من قماش - ويدعي البائع أنه طاقة واحدة.
وصورة الثاني: أن يدعي البائع أن الثمن عشرون مثلا، ويدعي المشتري أنه عشرة مثلا.
(قوله: أو جنسه) أي العوض، وهو معطوف على قدر، وذلك كذهب، أو فضة، أو بر، أو شعير.
(قوله: أو صفته) أي العوض، وهو معطوف على قدر أيضا، وذلك كصحاح، أو مكسرة.
والمراد بالمكسرة: المقطعة بالمقراض أجزاء معلومة، لأجل شراء الحاجات، والأشياء الصغيرة، لا كأرباع القروش وأنصاف الريالات.
(قوله: أو أجل) معطوف على(3/54)
قدر أيضا وإنما لم يقل أو أجله - بالضمير، كالذي قبله - لئلا يتوهم رجوع الضمير في قوله بعد: أو قدره للعوض، مع أنه ليس كذلك.
والاختلاف في نفسه الأجل معناه أن يثبته أحدهما وينفيه الآخر.
(وقوله: أو قدره) أي لأجل، كيوم ويومين.
(قوله: ولا بينة لأحدهما) معطوف على جملة صح الواقعة حالا، فهي حال أيضا، أي والحال أنه لا بينة لأحد المتعاقدين فيما ادعاه يعتد بها، فإن وجدت بينة كذلك فيحكم له بما ادعاه.
(قوله: أو كان الخ) أي أو وجد لكل من المتعاقدين بينة على ما ادعاه، ولكن قد تعارضتا.
وبين التعارض بقوله بعد: بأن إلخ.
(قوله: بأن أطلقتا) أي البينتان، أي لم تؤرخا أصلا.
(قوله: أو أطلقت إحداهما) أي إحدى البينتين، أي لم تؤرخ.
(وقوله: وأرخت الأخرى) أي البينة الأخرى، بأن تقول نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة مثلا.
(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم تؤرخا بتاريخ واحد، بل أرختا بتاريخين مختلفين، كأن نقول إحدى البينتين: نشهد أنه اشتراه بمائة من سنة، وتقول الأخرى: نشهد أنه باعه بخمسين من ستة أشهر - فيحكم للأولى - لتقدمها.
(قوله: حلف إلخ) جواب لو.
(قوله: كل منهما إلخ) أي لخبر مسلم: اليمين
على المدعى عليه وكل منهما مدعى عليه، كما أنه مدع.
قال ع ش: والتحالف يكون عند الحاكم، وألحق به المحكم، فخرج تحالفهما بأنفسهما، فلا يؤثر فسخا ولا لزوما.
ومثله فيما ذكر: جميع الأيمان التي يترتب عليها فصل الخصومة، فلا يعتد بها إلا عند الحاكم أو المحكم.
اه.
(وقوله: يمينا) مفعول مطلق لحلف.
(وقوله: تجمع إلخ) وذلك لأن الدعوى واحدة ومنفى كل منهما في ضمن مثبتة، فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات، ولأنها أقرب لفصل الخصومة، ويجوز أن يحلف كل يمينين، بل هو أولى - خروجا من الخلاف - ويندب تقديم النفي على الإثبات، ولو نكل أحدهما عن النفي فقط، أو الإثبات فقط: قضى للحالف.
وإن نكلا معا: وقف الأمر، وكأنهما تركا الخصومة.
(قوله: فيقول الخ) بيان لصيغة الحلف الجامعة لما ذكره.
قال في المنهاج مع المغني: ويبدأ في اليمين بالبائع - ندبا - لحصول الغرض مع تقديم المشتري.
وقيل وجوبا، واختاره السبكي.
اه.
(قوله: لأن كلا إلخ) تعليل لقوله حلف كل منهما.
(قوله: والأوجه عدم الإكتفاء إلخ) أي عدم الإكتفاء بصيغة لم تجمع الإثبات والنفي صريحا.
ومقابل الأوجه: الإكتفاء بذلك، لأنه أسرع إلى فصل القضاء، قاله الصيمري.
(قوله: لأن النفي فيه صريح، والإثبات مفهوم) أي والأيمان لا يكتفي فيها بالمفهوم واللوازم، بل لا بد فيها من الصريح، لأن فيها نوع تعبد.
(قوله: فإن رضي أحدهما) أي ثم بعد التحالف إن رضي أحدهما بدون ما ادعاه، بأن ادعى البائع مثلا أن الثمن عشرون وادعى المشتري أنه عشرة، فرضي البائع بالعشرة.
وعبارة المنهاج: وإذا تحالفا: فالصحيح أن العقد لا ينفسخ بنفس التحالف، بل إن تراضيا على ما قال أحدهما: أقر العقد، وإلا بأن استمر تنازعهما: فيفسخانه أو أحدهما أو الحاكم.
اه.
بزيادة.
(قوله: أو سمح للآخر بما ادعاه) أي الآخر، بأن سمح المشتري في الصورة المذكورة بالعشرين للبائع.
ولو اقتصر على هذا - كما في المنهج - وقال فإن سمح أحدهما للآخر بما ادعاه الخ، لكان أولى - لصدقه بالصورتين المذكورتين كما لا يخفى - ونص عبارة المنهج: ثم بعد تحالفهما إن أعرضا أو تراضيا، وإلافإن سمح أحدهما أجبر الآخر، وإلا فسخاه، أو أحدهما أو الحاكم.
اه.
(قوله: لزم العقد) جواب إن.
(قوله: ولا رجوع) أي بعد أن رضي للآخر أو سمح إلخ.
كما لو رضي بالعيب.
(قوله: فإن أصرا) أي داما بعد التحالف على الاختلاف.
(وقوله: فلكل منهما أو الحاكم فسخه) ولا بد(3/55)
من اللفظ في الفسخ، ولا ينفسخ بنفسه، ثم إن فسخ الحاكم أو الصادق منهما: ينفذ ظاهرا وباطنا، وغير الصادق ينفذ ظاهرا فقط.
(قوله: وإن لم يسألاه) أي الحاكم، وهو غاية لفسخه.
(قوله: قطعا للنزاع) تعليل لكون كل منهما أو
الحاكم له الفسخ.
(قوله: ولا تجب الفورية هنا) أي في الفسخ بعد التحالف - بخلافها في العيب، فتجب - كما تقدم.
وعبارة المغني: وحق الفسخ بعد التحالف ليس على الفور، فلو لم يفسخا في الحال: كان لهما بعد ذلك - على الأوجه - في المطلب، لبقاء الضرر المحوج للفسخ.
اه.
(قوله: ثم بعد الفسخ) قال ع ش: لو تقارا - بأن قالا: أبقينا العقد على ما كان عليه، أو أقررناه، عاد العقد بعد فسخه لملك المشتري، من غير صيغة بعت واشتريت، وإن وقع ذلك بعد مجلس الفسخ الأول.
اه.
(قوله: يرد المبيع بزيادته المتصلة) أي أو المنفصلة إن حدثت بعد الفسخ.
ومثل المبيع: الثمن، فيجب على البائع رده كذلك.
ومؤنة الرد على الراد - للقاعدة: أن من كان ضامنا لعين كانت مؤنة ردها عليه.
(قوله: فإن تلف إلخ) أفاد به أن محل رد المبيع إن كان باقيا لم يتعلق به حق لازم.
(قوله: كأن وقفه أو باعه) مثالان للتلف الشرعي، ولم يمثل للتلف الحسي، ومثاله ما إذا مات.
(قوله: رد) أي المشتري.
(وقوله: مثله) أي المبيع التالف.
(قوله: إن كان مثليا) أي كالحبوب.
(قوله: أو قيمته) أي أو رد قيمته، أي وقت التلف - حسا أو شرعا - وهي للفيصولة.
وإنما اعتبرت وقته - لا وقت القبض، ولا وقت العقد، لأن مورود الفسخ العين ولو بقيت، والقيمة خلف عنها، فتعتبر عند فوات أصلها - ولأن الفسخ: يرفع العقد من حينه، لا من أصله -.
(وقوله: إن كان متقوما) أي كالخشب والحيوان.
(قوله: ويرد) أي المشتري.
(قوله: قيمة آبق) أي عبد آبق بعد الفسخ أو قبله، وهي للحيلولة بينه وبين ملكه - لتعذر حصوله - فإن رجع العبد رده واستردها، لأنها ليست للفيصولة.
فمورد الفسخ: هو - لا قيمته -.
(وقوله: فسخ العقد وهو آبق) أي والحال أنه آبق من عند المشتري، فالواو للحال.
وأفادت الجملة الحالية أنه إذا فسخ العقد وهو ليس بآبق لا يلزمه شئ.
(قوله: والظاهر اعتبارها) أي القيمة.
(وقوله: بيوم الهرب) أي تنزيلا له منزلة التلف، فلا يعتبر بيوم القبض، ولا بيوم العقد.
(قوله: ولو ادعى أحدهما بيعا إلخ) هذا محترز قوله ولو اختلف متعاقدان في صفة عقد - كما علمت - إذ هذا اختلاف في أصل العقد لا في صفته.
(قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لصورة ادعاء أحد المتعاقدين بيعا والآخر خلافه.
(قوله: فلا تحالف) أي فلا يحلف كل منهما واحدة تجمع نفيا لقول صاحبه وإثباتا لقوله.
(قوله: إذ لم يتفقا على عقد واحد) أي بل اختلفا في العقد الواقع بينهما.
(قوله: بل حلف كل منهما إلخ) يعلم من هذا الفرق بين التحالف والحلف، وهو أن الأول لا بد فيه من نفي وإثبات، بخلاف الثاني.
(قوله: لدعوى الآخر) أي لما ادعى به الآخر.
(وقوله: لأن الأصل عدمه) علة لكون كل يحلف يمينا نافية - أي وإنما حلف كل نفيا - لا إثباتا - لأن الأصل عدم ما ادعاه الآخر، فضمير عدمه يعود على دعوى، وذكره - مع أنها مؤنثة - لاكتسابها التذكير من المضاف إليه، أو باعتبار المذكور.
(قوله: ثم يرد إلخ) أي ثم بعد
الحلف يرد مدعي البيع - وهو البائع - عل المشتري الألف.
(وقوله: لأنه) أي مدعي البيع، وهو علة لكونه يرد الألف.
(قوله: ويسترد) أي البائع.
(وقوله: المتصلة والمنفصلة) استشكل رد المنفصلة في صورة الهبة مع اتفاقهما على حدوثها في ملك الراد، بدعواه الهبة وإقرار البائع له بالبيع، فهو كمن وافق على الإقرار له بشئ وخالف في الجهة.
قال في التحفة: وأجاب عنه الزركشي بأن دعوى الهبة وإثباتها: لا يستلزم الملك - لتوقفه على القبض بالإذن، ولم يوجد - وفيه نظر، لتأتي ذلك فيما لو ادعى الهبة والقبض، فالوجه الجواب بأنه ثبت بيمين كل أن لا عقد، فعمل بأصل بقاء الزوائد بملك مالك العين.
اه.(3/56)
(قوله: وإذا اختلف العاقدان) أي في صحة العقد وفساده، فادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد.
وهذا محترز قوله وقد صح العقد باتفاقهما.
(قوله: فادعى أحدهما) أي أحد المتعاقدين - بائعا، أو مشتريا -.
(قوله: على مفسد) أي للعقد.
(قوله: من إخلال ركن) أي فقد ركن، وهو بيان للمفسد.
وذلك كعدم وجود القبول من المشتري، أو الإيجاب من البائع.
(قوله: أو شرط) أي أو إخلال شرط من شروط صحة العقد.
(قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل للإخلال بشرط.
(قوله: رؤيته) أي المبيع.
(قوله: وأنكرها) أي الرؤية.
ويعلم من كلامه: أن الإختلاف في أصل الرؤية، وأن القول قول مثبتها من بائع أو مشتر.
قال سم: قال م ر: بخلاف ما لو اختلفا في كيفية الرؤية، فالقول قول الرائي، لأنه أعلم بها - أي كأن ادعى أنه رآه من وراء زجاج، وقال الآخر بل رأيته بلا حيلولة زجاج، فالقول قول مدعي الرؤية من وراء زجاج - كما أفتى به - فليراجع، ففيه نظر.
اه.
(قوله: حلف مدعي إلخ) جواب إذا التي قدرها الشارح (قوله: غالبا) أي في الغالب.
وسيذكر محترزه.
(قوله: تقديما للظاهر إلخ) عبارة التحفة: لأن الظاهر في العقود الصحة، وأصل عدم العقد الصحيح يعارضه أصل عدم الفساد في الجملة.
اه.
(قوله: وهو) أي الظاهر من حال المكلف.
(وقوله: على أصل عدمها) متعلق بتقديما، وإضافة أصل لما بعده، للبيان.
وضمير عدمها يعود على الصحة.
(وقوله: لتشوف الشارع) علة التقديم.
(وقوله: إلى إمضاء العقود) أي إنفاذها، وإجرائها، واستمرارها.
(قوله: وقد يصدق) مدعي الفساد إلخ) محترز قوله غالبا.
(قوله: كأن قال البائع لم أكن بالغا إلخ) أي أو كنت مجنونا، أو محجورا علي، وعرف له ذلك.
ففي الجميع، يصدق البائع.
(وقوله: واحتمل ما
قاله البائع) أي أمكن ما قاله البائع.
فإن لم يحتمل ما قاله: كأن كان البيع من منذ خمسة أشهر، وبلوغه من منذ سنة، فلا يصدق، بل يصدق المشتري.
(قوله: وإن اختلفا) أي المتخاصمان.
ولو قال: وكأن اختلفا - عطفا على كأن قال البائع الخ - لكان أولى.
(وقوله: هل وقع الصلح على الإنكار) أي من المدعى عليه، فيكون عقد الصلح باطلا، لأن شرط صحة الصلح أن يكون مع الإقرار.
(وقوله: أو الاعتراف) أي أو وقع الصلح على الاعتراف، أي الإقرار من المدعى عليه، فيكون صحيحا.
(قوله: فيصدق مدعي الإنكار) أي ويكون الصلح باطلا.
(قوله: لأنه الغالب) أي لأن وقوع الصلح على الإنكار هو الغالب.
قال في التحفة: أي مع قوة الخلاف فيه، وزيادة شيوعه ووقوعه.
وبه يندفع إيراد صور الغالب فيها وقوع المفسد المدعي.
ومع ذلك، صدقوا مدعي الصحة فيها.
اه.
(قوله: ومن وهب إلخ) عبارة التحفة: ويؤخذ من ذلك أن من وهب إلخ.
اه.
(وقوله: من ذلك) أي من أنه إذا ادعى نحو صبا أمكن، أو جنونا، أو حجر، وعرف له ذلك، فيصدق.
(قوله: إلا أن علم له غيبة قبل الهبة إلخ) قال في التحفة: وجزم بعضهم بأنه لا بد في البينة بغيبة العقل إن تبين ما غاب به، أي لئلا تكون غيبته بما يؤاخذ به: كسكر تعدى به.
اه.
(قوله: وادعوا استمرارها) أي الغيبة.
(وقوله: إليها) أي إلى الهبة.
(قوله: ويصدق منكر أصل نحو البيع) في العبارة حذف يعلم من عبارة التحفة، ونصها - بعد كلام -: وما لو ادعت أن نكاحها بلا ولي ولا شهود، فتصدق بيمينها، لأن ذلك إنكار لأصل العقد.
ومن ثم،(3/57)
يصدق منكر أصل نحو البيع.
اه.
(قوله: فروع) أي ستة.
(قوله: مبيعا معينا) خرج به، ما إذا كان المبيع في الذمة - ولو مسلما فيه - بأن قبض المشتري - ولو مسلما - المؤدى عما في الذمة، ثم أتى بمعيب، فقال البائع - ولو مسلما إليه - ليس هذا المقبوض.
فيصدق المشتري ولو مسلما بيمينه - أي المقبوض - لأن الأصل بقاء شغل ذمة البائع - ولو مسلما إليه - حتى يوجد قبض صحيح.
(قوله: لأن الأصل مضي العقد على السلامة) عبارة التحفة: لأن الأصل السلامة، وبقاء العقد.
اه.
(قوله: ولو أتى المشتري بما فيه فأرة) في بعض نسخ الخط: بمائع فيه فأرة.
(قوله: وقال) أي المشتري، قبضته - أي المائع - (وقوله: كذلك) أي فيه فأرة.
(قوله: فأنكر المقبض) أي وهو البائع، وقال قبضته وليس فيه ذلك.
(وقوله: صدق) أي المقبض، وذلك لأنه مدعي الصحة.
(قوله: ولو أفرغه) أي المائع المبيع.
(وقوله: في ظرف المشتري) خرج به ما لو كان في ظرف البائع، فالقول قول المشتري.
اه.
ع ش.
(قوله: فظهرت فيه) أي في الظرف.
(قوله: فادعى كل) أي من المتبايعين.
(وقوله: أنها) أي الفأرة.
(قوله: صدق البائع) جواب لو (قوله: إن أمكن صدقه)
أي البائع.
فإن لم يمكن صدقه: صدق المشتري.
(قوله: لأنه) أي البائع، وهو علة لتصديق البائع.
(قوله: ولأن الأصل في كل حادث) أي وهو هنا وجود الفأرة في المبيع.
(وقوله: تقديره بأقرب من) أي وكونها في ظرف المشتري أقرب زمنا من كونها كانت في ظرف البائع قبل قبض المشتري.
(قوله: والأصل براءة البائع) أي ولأن الأصل براءته، وهو علة ثالثة.
(قوله: وإن دفع) أي المدين.
(قوله: فرده) أي رد الدائن الدين.
(قوله: فقال الدافع) أي وهو المدين.
(قوله: ويصدق غاصب) أي بيمينه.
(وقوله: رد) أي للمغصوب منه.
(وقوله: عينا) أي مغصوبة.
(قوله: وقال) أي الغاصب: هي العين المغصوبة، أي وأنكر المغصوب منه ذلك وقال هذه ليست التي غصبتها مني.
(قوله: وكذا وديع) أي وكذا يصدق وديع رد العين المودوعة عنده، وقال إنها هي التي عندي، وأنكر ذلك المودع.
والله أعلم.
فصل في القرض والرهن أي في بيانهما.
والقرض - بفتح القاف، وسكون الراء - لغة: القطع.
وشرعا: يطلق بمعنى اسم المفعول - وهو المقرض - بمعنى المصدر - وهو الإقراض، الذي هو تمليك الشئ على أن يرد مثله.
وتسمية أهل الحجاز: سلفا.
والرهن لغة: الثبوت، وشرعا: جعل عين مال وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه.
وإنما جمعهما في فصل، لما بينهما من تمام التعلق والارتباط، إذ الرهن وثيقة للقرض.
(قوله: الإقراض) عبر به إشارة إلى أن القرض في الترجمة بمعنى الإقراض، لا بمعنى المقرض، الذي هو اسم المفعول.
(قوله: وهو) أي الإقراض شرعا.
(قوله: تمليك شئ على أن يرد مثله) وما جرت به العادة في زماننا من دفع(3/58)
النقوط في الأفراح لصاحب الفرح في يده أو يد مأذونه، هل يكون هبة أو قرضا؟ أطلق الثاني جمع، وجرى على الأول بعضهم.
قال: ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض.
ويصدق في نية ذلك: هو ووارثه، وعلى هذا.
يحمل إطلاق من قال بالثاني.
وجمع بعضهم بينهما: بحمل الأول على ما إذا لم يعتد الرجوع، ويختلف باختلاف الأشخاص والمقدار والبلاد.
والثاني: على ما إذا اعتيد وحيث علم اختلاف تعين ما ذكر.
اه.
بجيرمي (قوله: سنة) خبر الإقراض، وسيذكر قريبا أنه قد يجب، وقد يحرم.
(قوله: لأن فيه إلخ) علة للسنية.
(قوله: على كشف كربة) أي إزالة شدة.
فالكشف: الإزالة، والكربة: الشدة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فهو إلخ) الأولى عدم التفريع، ويكون مستأنفا، كما في النهابة.
(قوله: من نفس) أي فرج.
(وقوله: على أخيه) أي في الإسلام.
فالمراد: أخوة الإسلام.
(قوله: نفس الله عنه كربة) يجوز أن تلك الكربة عشر كرب من كرب الدنيا، لأن أمور الآخرة لا يقاس عليها.
فلا يقال كان الأولى أن يقال عشر كرب من كرب يوم القيامة، لأن الحسنة بعشر أمثالها - أو يقال نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، زيادة على ثواب عمله - فذلك التنفيس: كالمضاعفة.
اه.
ع ش.
(قوله: والله إلخ) من تتمة الحديث.
(وقوله: في عون العبد) أي قائم بحفظه، ورعايته، ومعونته.
(قوله: وصح خبر إلخ) الأولى: وخبر، عطفا على خبر الأول.
(قوله: من أقرض لله مرتين إلخ) يعني إنه إذا أقرض درهما مثلا مرتين، كان له أجر صدقة مرة واحدة.
(قوله: والصدقة أفضل منه) أي القرض، أي لعدم العوض فيها، وللخبر المار.
(قوله: خلافا لبعضهم) أي القائل بأن القرض أفضل، مستدلا بما في سنن ابن ماجة: عن أنس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد رأيت مكتوبا على باب الجنة - ليلة أسري بي - الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر.
فقلت: يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل قد يسأل وعنده ما يكفيه، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة.
وبخبر البيهقي: قرض الشئ خير من صدقته.
(فإن قيل) هذان الخبران يعارضان الخبر الذي في الشراح - أعني من أقرض إلخ - فكيف يجزم الشارح بأن الصدقة أفضل؟ (أجيب) بأن الخبر الذي في الشرح أصح منهما، فوجب تقديمه عند التعارض.
قال في النهاية: ويمكن رد الخبر الثاني - الدال على أفضليته عليها - للأول - أعني من أقرض لله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به الدال على أفضليتها عليه بحمله - أي الثاني - على درجات صغيرة، بحيث أن الثمانية عشرة فيه تقابل بخمسة في الصدقة.
كما في خبر صلاة الجماعة أو بحمل الزيادة في القرض، إن صحت على أنه - صلى الله عليه وسلم - أعلمها بعد.
أو يقال: القرض فضل الصدقة باعتبار الابتداء، لامتيازه عنها بصونه ماء وجه من لم يعتد السؤال عن بذله لكل أحد - بخلافها، وهي فضلته - باعتبار الغاية، لامتيازها عنه بأنه لا مقابل فيها ولا بد - بخلافه.
وعند تقابل الخصوصيتين قد تترجح الأولى، وقد تترجح الثانية، باعتبار الأثر المترتب.
اه.
(قوله: محل ندبه) أي الإقراض، فهو مرتبط بالمتن.
(قوله: إن لم يكن المقترض مضطرا) أي مدة عدم كونه مضطرا، أي محتاجا (قوله: وإلا) أي بأن كان مضطرا.
(وقوله: وجب) أي الإقراض، ولو من مال محجوره.
كما يجب عليه بيع مال محجوره للمضطر المعسر، نسيئة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ويحرم الاقتراض) أي ما لم يعلم المقرض بحاله، وإلا
فلا يحرم (وقوله: على غير مضطر إلخ) أي بخلاف المضطر - فيجوز أن يقترض - وإن لم يرج الوفاء - بل يجب، حفظا لروحه.
(وقوله: لم يرج الوفاء) الجملة صفة لغير المضاف لمضطر.
(وقوله: من جهة ظاهرة) أي سبب ظاهر - أي(3/59)
قريب الحصول - كغلة أرضه وعقاره.
فإن رجال الوفاء منها لم يحرم.
(قوله: فورا إلخ) منصوب بإسقاط الخافض، متعلقا بالوفاء، أي الوفاء بالفور في الدين الحال، وعند حلوله في المؤجل.
(قوله: كالإقراض عند إلخ) أي كحرمة الإقراض إلخ، أي فيحرم الاقتراض لغير المضطر المذكور.
كما يحرم الإقراض على المالك عند علمه أو ظنه أن آخذه ينفقه في معصية، وذلك لأن فيه إعانة عليها، وهي حرام.
وقد يكره الإقراض.
(فالحاصل) أن الإقراض تارة يندب، وتارة يجب، وتارة يحرم، وتارة يكره.
فتعتريه أحكام أربعة.
قال ع ش: ولم يذكروا الإباحة، ويمكن تصويرها بما إذا دفع إلى غني، بسؤال من الدافع مع مدع احتياج الغني إليه، فيكون مباحا - لا مستحبا - لأنه لم يشتمل على تنفيس كربة.
وقد يكون في ذلك غرض للدافع، كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض.
اه.
(قوله: ويحصل بإيجاب إلخ) .
(اعلم) أن أركان القرض ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
وقد أخذ في بيان صيغته، فقال: ويحصل بإيجاب - أي من المقرض - وهو على قسمين: صريح - وهو ما ذكره - وكناية: كخذ هذا الدرهم بدرهم، فهو يحتمل البيع والقرض، فإن نوى به البيع فبيع، وإن نوى به القرض فقرض.
ومثله: خذه فقط - على ما ستعرفه - (قوله: فإن حذف ورد بدله) أي حذف هذا اللفظ.
والظاهر أن حذفه من الصورة الأخيرة فقط.
ولا يصح كونه من الصورتين، أعني قوله خذه ورده بدله.
وقوله: أو اصرفه في حوائجك ورد بدله.
وإلا نافى قوله بعد: وخذه فقط لغو.
وقوله: فكناية: أي كناية، قرض، إن نوى به القرض ثبت، وإلا فلا.
(قوله: وخذه فقط) أي من غير أن يقول ورد بدله.
(وقوله: لغو إلا إن سبقه إلخ) عبارة التحفة تقتضي أنه لا يكون لغوا أصلا، بل إن سبقه لفظ أقرضني فهو كناية قرض، وإلا فهو محتمل لأن يكون كناية قرض، أو كناية هبة، أو كناية بيع.
ونصها - بعد كلام -: أو خذه ورد بدله، أو اصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية - كخذه فقط، أي إن سبقه أقرضني - وإلا فهو كناية قرض، أو بيع، أو هبة.
اه.
ومثله في البجيرمي، نقلا عن ق ل، ونص عبارته - بعد كلام -: وأما أخذه فقط: فكناية، لأنه يحتمل القرض والصدقة، ونية البدل
أو المثل كذكره، ويصدق في إرادتهما إلخ.
اه.
(قوله: ولو اقتصر على ملكتكه) أي ولم يقل على أن ترد مثله.
(قوله: فهبة) أي فهو هبة.
(قوله: وإلا فكناية) أي وإلا لم ينو البدل بأن نواه: فكناية، أي كناية قرض، وليس من الصريح.
(قوله: ولو اختلفا إلخ) يعني لو اختلف المالك الدافع والآخذ في نية البدل في قوله ملكتك، فقال الآخذ: لم تنو البدل، فهو هبة.
وقال الدافع نويت البدل، فهو قرض.
فإنه يصدق الدافع، لأنه أعرف بقصد نفسه.
(قوله: أو في البدل الخ) معطوف على نية البدل، أي أو اختلفا في ذكر البدل - أي التلفظ به - بأن قال الدافع: قلت ملكتكه على أن ترد بدله.
وقال الآخذ: قلت ملكتكه فقط، ولم تذكر على أن ترد بدله.
فإنه يصدق الآخذ في عدم الذكر، لأنه الأصل، أي ويكون هبة.
(قوله: والصيغة إلخ) علة ثانية لتصديق الآخذ.
(وقوله: فيما ادعاه) أي الآخذ، وهو أنه لم يذكر لفظ البدل.
(قوله: ولو قال لمضطر إلخ) دفع بهذا ما يرد على تصديق الآخذ في الصورة السابقة، من أنه لم لم يصدق المضطر أيضا في دعواه أنه أطعمه إباحة لا قرضا، وصدق المطعم المالك؟ وحاصل الدفع أن ذلك لأجل حمل الناس على هذه المكرمة.
وعبارة(3/60)
التحفة: وإنما صدق مطعم مضطر أنه قرض حملا إلخ - وهي أولى.
(قوله: حملا للناس على هذه المكرمة) أي الخصلة الحميدة التي بها إحياء النفوس، ولأنه أعرف بكيفية بذله.
(قوله: ولو قال) أي الدافع، بعد أن وهب شيئا لآخر.
(قوله: فقال) أي المتهب.
(وقوله: مجانا) أي بلا عوض.
(قوله: صدق المتهب) أي الموهوب له.
(قوله: وقبول) معطوف على إيجاب، أي ويحصل بقبول - قياسا على البيع - ومن ثم، اشترط فيه شروط البيع السابقة في العاقدين والصيغة - كما هو ظاهر - حتى موافقة القبول للإيجاب.
فلو قال: أقرضتك ألفا، فقبل بخمسمائة، أو بالعكس، لم يصح.
اه.
تحفة.
(وقوله: متصل به) أي بالإيجاب - بأن لا يتخلل بينهما سكوت طويل، ولا لفظ أجنبي - نظير ما مر في البيع - (قوله: كأقرضته) يقرأ بالبناء للمجهول.
وفي بعض النسخ: كاقترضته - وهو ظاهر -.
(قوله: نعم، إلخ) استدراك من اشتراط الإيجاب والقبول.
(وقوله: القرض الحكمي) مبتدأ، خبره قوله لا يفتقر إلى إيجاب وقبول.
والمراد أنه في حكم القرض في وجوب رد المثل.
(قوله: كالإنفاق على اللقيط المحتاج) أي ممن لا يجب عليه، بأن كان معسرا.
بخلاف ما إذا كان موسرا، وكان المنفق عليه معسرا، فلا يكون قرضا.
والمراد أيضا: الإنفاق بإذن الحاكم، فإن لم يوجد: أشهد بالإنفاق.
فإن لم يوجدوا: أنفق بنية الرجوع، وإلا لم يرجع - كذا في البجيرمي - (قوله: وإطعام الجائع) في ع ش ما نصه: محل عدم اشتراط الصيغة في المضطر: وصوله في حالة لا يقدر معها على صيغة، وإلا فيشترط.
ولا يكون إطعام الجائع،
وكسوة العاري، ونحوهما، قرضا، إلا أن يكون المقترض غنيا.
وإلا بأن كان فقيرا، والمقرض غنيا فهو صدقة - لما تقرر في باب السير - إن كفاية الفقراء واجبة على الأغنياء وينبغي تصديق الآخذ: فيما لو ادعى الفقر، وأنكره الدافع، لأن الأصل عدم لزوم ذمته شيئا (قوله: ومنه) أي القرض الحكمي.
(وقوله بإعطاء ما له غرض فيه) أي بإعطاء شئ للآمر غرض في إعطائه.
(وقوله: كإعطاء إلخ) أي كالأمر بإعطاء شاعر لغرض دفع الهجو عنه، وإعطاء ظالم لغرض دفع الشر عنه حيث لم يعطه.
(وقوله: إطعام فقير) الأحسن أنه هو وما بعده معطوف على قوله بإعطاء إلخ، أي ومنه أمر غيره بإطعام فقير أو بفداء أسير.
(وقوله: وعمر داري) الأولى أن يقول وتعمير داري.
(واعلم) أنه في الجميع يرجع المأمور على آمره إن شرط الرجوع، وذلك لأن ما كان لازما - كالدين - أو منزل منزلة اللازم - كقول الأسير لغيره: فأدنى - لا يحتاج فيه لشرط الرجوع، وما لم يكن كذلك يحتاج فيه إلى شرط الرجوع.
قال ع ش: ويحتمل أنه لا يحتاج لشرط الرجوع فيما يدفعه للشاعر والظالم، لأن الغرض من ذلك دفع هجو الشاعر له حيث لم يعطه، ودفع شر الظالم عنه بالإعطاء، وكلاهما منزل منزلة اللازم.
وكذا في عمر داري، لأن العمارة - وإن لم تكن لازمة - لكنها تنزل منزلة اللازم، لجريان العرف بعدم إهمال الشخص لملكه حتى يخرب.
اه.
(قوله: وقال: قياس جواز المعاطاة في البيع جوازها هنا) قال في النهاية: وما اعترض به الغزي - من أنه سهو، لأن شرط المعاطاة: بذل العوض، أو التزامه في الذمة، وهو مفقود هنا - غير صحيح، بل هو السهو، لأنهم أجروا خلاف المعاطاة في الرهن وغيره مما ليس فيه ذلك.
فما ذكره شرط للمعاطاة في البيع دون غيره.
اه.
(قوله: وإنما يجوز القرض إلخ) شروع في بيان شرط المقرض والمعقود عليه، فبين أنه يشترط في المقرض أن يكون من أهل تبرع فيما يقرضه، فلا يصح إقراض الولي مال محجوره بلا ضرورة، لأنه ليس أهلا للتبرع فيه.(3/61)
ومراد المؤلف بأهلية التبرع في المقرض: أهلية التبرع المطلق - أي في سائر التصرفات - لأنه المراد عند الإطلاق، وهي تستلزم رشده واختياره فيما يقرضه، فلا يرد عليه السفيه، فإنه لا يصح إقراضه، مع أنه أهل للتبرع ببعض التصرفات - كصحة الوصية منه، وتدبيره - لأنه ليس أهلا للتبرع المطلق.
وبين أيضا أنه يشترط أن يكون المعقود عليه مما يصح أن يسلم فيه، أي في نوعه، فما صح السلم فيه صح إقراضه، وما لا فلا.
وذلك لأن ما لا ينضبط أو يندر وجوده، ويتعذر أو يتعسر رد مثله.
وترك المصنف شرط المقترض، وهو: الرشد والاختيار.
(قوله: حيوان وغيره) بيان لما يسلم فيه.
(قوله: ولو نقدا مغشوشا) غاية فيما يسلم فيه، أي كل ما يسلم فيه، ولو نقدا مغشوشا، لأنه مثلي تجوز المعاملة به في الذمة، وإن جهل قدر غشه.
وهي للرد على الروياني القائل بعدم صحة إقراضه.
(قوله: نعم، يجوز قرض الخبز إلخ) هذا مستثنى من مفهوم قوله إنما يجوز القرض فيما يسلم فيه، وهو أن ما لا يسلم فيه لا يجوز قرضه.
فما ذكر - من الخبز وما بعده - يجوز فيه القرض، ولا يجوز فيه السلم.
قال في الروض وشرحه: واستثنى جواز قرض الخبز وزنا، لإجماع أهل الأمصار على فعله في الأعصار، بلا إنكار.
هذا ما قطع به المتولي والمستظهري وغيرهما.
واقتضى كلام النووي ترجيحه، قال في المهمات: والراجح جوازه.
وقد اختاره في الشرح الصغير.
قال الخوارزمي: ويجوز إقراضه عددا.
ثم قال: ويحرم إقراض الروبة، لاختلاف حموضتها.
وهي - بضم الراء - خميرة من اللبن الحامض، تلقى على الحليب ليروب.
قال في الروضة: وذكر في التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض، أحدهما الجواز - لاطراد العادة به.
قال السبكي: والعبرة بالوزن - كالخبز اه.
(قوله: لا الروبة) بضم الراء، أي فلا يجوز إقراضها - كما لا يجوز السلم فيها - فهي جاءت على القاعدة.
(قوله: وهي) أي الروبة.
(وقوله: ليروب) أي ليصير رائبا.
(قوله: لاختلاف إلخ) تعليل لعدم جواز القرض فيها.
أي لا يجوز القرض فيها لاختلاف حموضتها، فهي ليست مضبوطة.
(قوله: ولو قال أقرضني إلخ) المناسب تقديمه على قوله وإنما يجوز القرض إلخ، لأنه من متعلقات الصيغة (قوله: فقال) أي المقرض.
(قوله: فإن كانت له تحت يده) أي فإن كانت العشرة ملكا للمقرض، وهي وديعة مثلا تحت يد فلان المأخوذ منه، جاز، وصح القرض بهذه الصيغة، ولا يحتاج إلى تجديدها.
(وقوله: وإلا فهو وكيل في قبضها) أي وإن لم تكن وديعة تحت يد فلان، بل كانت في ذمته، صح قبضها بطريق الوكالة عنه، ولكن لا بد من تجديد عقد القرض منه.
هكذا ينبغي حل كلام الشارح، ويدل عليه عبارة النهاية، ونصها: ولو قال اقبض ديني، وهو لك قرضا، أو مبيعا، صح قبضه - للإذن - لا قوله وهو إلخ.
أو اقبض وديعتي مثلا، وتكون لك قرضا صح، وكان قرضا.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: وتكون لك قرضا: صح، والفرق بين هذه وما قبلها: أن الدين لا يتعين إلا بقبضه، بخلاف الوديعة.
اه.
(قوله: ويمتنع على ولي إلخ) أي لأنه ليس من أهل تبرع في مال
موليه، فهذا خرج بقوله: من أهل تبرع.
(وقوله: بلا ضرورة) خرج ما إذا كان هناك ضرورة، كأن يكون الزمن زمن نهب، وكانت المصلحة في إقراضه، فإنه يجوز حينئذ.
(قوله: نعم، يجوز إلخ) استدراك من امتناع الإقراض على(3/62)
الولي.
فكأنه قال: إلا إذا كان الولي القاضي، فإنه يجوز إقراضه مال المحجور عليه.
(قوله: لكثرة أشغاله) أي بأحكام الناس، فربما غفل عن المال، فضاع، فيقرضه ليحفظه عند المقترض.
(قوله: إن كان المقترض إلخ) شرط في جواز إقراض القاضي.
ويشترط أيضا عدم الشبهة في مال المقترض إن سلم منها مال المحجور عليه.
قال م ر: ويجب الإشهاد عليه، ويأخذ رهنا إن رأى ذلك.
اه.
وهذه الشروط معتبرة في إقراض الولي أيضا، لضرورة.
ويرد عليه أن من الضرورة: ما لو كان المقترض مضطرا.
وقد نقل عن ابن حجر أنه يجب على الولي إقراض المضطر من مال المولى عليه، مع انتفاء هذه الشروط.
ومن الضرورة أيضا: ما لو أشرف مال المولى عليه على الهلاك بنحو غرق، وتعين خلاصه في إقراضه.
ويبعد اشتراط ما ذكر في هذه الصورة.
اه.
بجيرمي.
بتصرف.
(قوله: وملك مقترض) أي المعقود عليه.
فمفعول ملك محذوف - هذا إن قرئ الفعل بالبناء للفاعل، فإن قرئ بالبناء للمجهول فلا حذف، لكن يقرأ مقترض - بصيغة اسم المفعول - أي شئ مقترض.
(وقوله: بقبض) أي فلا يجوز له التصرف فيه قبله.
(وقوله: وإن لم يتصرف الخ) غاية لكونه يملك بالقبض.
أي يملك بالقبض، وإن لم يتصرف فيه المقترض.
وهي للرد على الضعيف القائل بأنه إنما يملك بالتصرف فيه المزيل للملك.
والمعنى أنه إذا تصرف فيه يتبين به أنه ملكه من حين القبض.
(قوله: كالموهوب) الكاف للتنظير، لكونه يملك بالقبض.
(قوله: قال شيخنا: والأوجه في النقوط إلخ) عبارة التحفة: والذي يتجه في النقوط المعتاد في الأفراح أنه هبة، ولا أثر للعرف فيه - لاضطرابه - ما لم يقل خذه مثلا، وينوي القرض، ويصدق في نية ذلك هو أو وارثه.
وعلى هذا، يحمل إطلاق جمع أنه قرض - أي حكما -.
ثم رأيت بعضهم لما نقل قول هؤلاء، وقول البلقيني أنه هبة، قال: ويحمل الأول على ما إذا اعتيد الرجوع به، والثاني على ما لم يعتد.
قال: لاختلافه بأحوال الناس والبلاد.
اه.
وحيث علم اختلافه.
تعين ما ذكرته، ويأتي قبيل اللقطة تقييد هذا الخلاف بما يتعين الوقوف عليه.
اه.
وحاصله أن محله إذا دفع لصاحب الفرح في يده، فإن دفع للخاتن فلا رجوع.
وفي حاشية البجيرمي على شرح المنهج: والذي تحرر من كلام الرملي وابن حجر وحواشيهما: أنه لا رجوع في النقوط المعتاد في الأفراح - أي لا يرجع به مالكه إذا وضعه في يد صاحب الفرح، أو يد مأذونه - إلا بشروط ثلاثة: أن يأتي بلفظ: كخذه، ونحوه.
وأن ينوي الرجوع، ويصدق هو أو وارثه فيها.
وأن يعتاد الرجوع فيه.
وإذا وضعه في يد المزين ونحوه، أو في الطاسة المعروفة، لا يرجع إلا بشرطين: إذن صاحب الفرح، وشرط الرجوع - كما حققه شيخنا ح ف.
اه.
(ولو أنفق على أخيه الرشيد إلخ) عبارة التحفة: ووقع لبعضهم أنه أفتى في أخ أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت، ثم أراد الرجوع عليه بأنه يرجع، أخذا من القول بالرجوع في مسألة النقوط، وفيه نظر - بل لا وجه له - أما أولا: فلأن مأخذ الرجوع، ثم إطراد العادة به عندهم، ولا عادة في مسألتنا، فضلا عن إطرادها بذلك.
وأما ثانيا: فلأن الأئمة جزموا في مسائل بما يفيد عدم الرجوع، منها: من أدى واجبا عن غيره - كدينه بلا إذنه - صح، ولا رجوع له عليه - بلا خلاف - والنفقة على ممون الأخ واجبة عليه، فكان أداؤها عنه كأداء دينه.
اه.
(قوله: وجاز لمقرض استرداد) أي لما أقرضه، ويكون بصيغة: كرجعت فيه، أو فسخته، وللمقترض رده عليه قهرا.
(وقوله: حيث بقي بملك المقترض) أي حيث كان ما أقرضه باقيا بحاله في ملك المقترض - أي لم يتعلق به حق لازم، وإنما جاز له الرجوع فيه - حيث كان(3/63)
كذلك - لأن له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعينه أولى (قوله: وإن زال عن ملكه) أي المقترض، ثم عاد إليه، وذلك لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يزل.
(قوله: بخلاف ما لو تعلق به) مفهوم قوله حيث بقي إلخ.
والمناسب في التقابل، بخلاف ما لو لم يبق بحاله.
(قوله: كرهن وكتابة) أي من المقترض في المال المقرض - كأن رهن ما اقترضه أو كاتبه - ومثل ذلك: ما لو تعلق برقبته أرش جناية.
(قوله: فلا يرجع) أي المقرض - أي لا يصح رجوعه (وقوله فيه) أي في المقرض.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعلق به حق لازم.
(قوله: نعم، لو آجره) أي الشئ المقرض، وهو استدراك من الذي تعلق به حق لازم.
(قوله: رجع) أي المقرض فيه، أي المؤجر.
أي ويأخذه مسلوب المنفعة من غير أجرة له حتى يستوفي المستأجر مدة الإجارة، أو يأخذ بدله، فهو مخير بين أخذه مسلوب المنفعة وبين أخذ البدل.
(قوله: ويجب على المقترض رد المثل) أي حيث لا استبدال، فإن استبدل عنه - كأن عوضه عن بر في ذمته ثوبا أو دراهم - فلا يمتنع، لجواز الاعتياض عن غير المثمن.
(قوله: وهو) أي المثلي (قوله: ولو نقدا إلخ) أي يجب رد المثل، ولو كان نقدا أبطل
السلطان المعاملة به.
(قوله: لأنه أقرب إلى حقه) تعليل لوجوب رد المثل، أي يجب ذلك لأن المثل أقرب إلى حق المقرض.
(قوله: ورد المثل صورة) معطوف على رد، أي ويجب رد المثل في الصورة، وإن كان ليس مثله حقيقة، وذلك لخبر مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - استسلف بكرا - أي وهو الثني من الإبل - ورد رباعيا - أي وهو ما دخل في السنة السابعة - وقال: إن خياركم أحسنكم قضاء.
(قوله: وهو) أي المتقوم.
(قوله: ولا يجب قبول الردئ إلخ) هذا مرتب على محذوف مذكور في المنهج وشرحه، وهو يجب أداء الشئ المقترض صفة ومكانا - كمسلم فيه - فلا يجب قبول الردئ عن الجيد.
اه.
بتصرف.
وكان الأولى التصريح به.
(قوله: ولا قبول المثل إلخ) أي ولا يجب قبول المثل في غير محل الإقراض.
(قوله: إن كان له) أي للمقرض غرض صحيح، أي في عدم قبوله.
(قوله: كأن كان الخ) تمثيل لما إذا كان هناك غرض صحيح.
(وقوله: لنقله) أي الشئ المقترض من مكان التسليم إلى مكان الإقراض.
(قوله: ولم يتحملها) أي المؤنة المقترض، فإن تحملها، أجبر المقرض على القبول.
(قوله: أو كان الموضع مخوفا) أي أو كان له مؤنة وتحملها المقترض، لكن كان الموضع الذي وقع التسليم فيه مخوفا، فلا يجب قبوله فيه (قوله: ولا يلزم المقترض الدفع إلخ) أي لما فيه من الكلفة.
(قوله: إلا إذا لم يكن لحمله) أي الشئ المقترض (قوله: لكن له إلخ) استدراك من عدم لزوم المقترض الدفع، دفع به إيهام أنه إذا لم يلزمه ذلك، فليس للمقرض المطالبة بالقيمة أيضا.
(قوله: بقيمة بمحل الإقراض) أي قيمة معتبرة بمحل الإقراض، لأنه محل التملك.
(وقوله: وقت المطالبة) أي ومعتبرة أيضا وقت المطالبة، لأنه وقت استحقاقها.
وإذا أخذ القيمة فهي للفيصولة - لا للحيلولة، حتى لو اجتمعا بمحل الإقراض لم يكن للمقرض ردها وطلب المثل، ولا للمقترض استردادها ودفع المثل.
(وقوله: فيما لنقله مؤنة) متعلق بمطالبة.
(وقوله: لجواز الاعتياض عنه) أي عن الشئ المقرض، وهو علة لجواز المطالبة بذلك.
(قوله: وجاز لمقرض نفع إلخ) قال في فتح الجواد: والأوجه أن الإقراض ممن تعود الزيادة بقصدها: مكروه.
اه.
(قوله: يصل) أي النفع.
(وقوله: له) أي(3/64)
للمقرض.
(وقوله: من مقترض) متعلق بيصل.
(قوله: كرد الزائد إلخ) تمثيل للنفع.
(وقوله: قدرا) أي كأحد عشر عن عشرة.
(وقوله: أو صفة) أي كصحاح عن مكسرة.
(وقوله: والاجود في الردئ) هو مندرج في الصفة، فهو من ذكر الخاص بعد العام.
(قوله: بلا شرط في العقد) متعلق بجاز، وسيذكر محترزه.
(قوله: بل يسن ذلك) أي رد الزائد لمقترض، ومحله: ما لم يقترض لنحو محجوره، أو جهة وقف، وإلا امتنع رد الزائد.
(قوله: لقوله - صلى الله عليه وسلم - إلخ) دليل
للسنية.
وقوله: إن خياركم أحسنكم قضاء خياركم: يحتمل أن يكون مفردا بمعنى الخير، وأن يكون جمعا.
(فإن قلت) أحسن كيف يكون خبرا له وهو مفرد؟ (قلت) أفعل التفضيل المضاف لمعرفة، يجوز فيه الإفراد والمطابقة.
قال ابن مالك: وتلو ال طبق وما لمعرفة أضيف ذو وجهين عن ذي معرفة (قوله: ولا يكره للمقرض أخذه) أي الزائد.
(قوله: كقبول هديته) أي كما أنه لا يكره له قبول هدية المقترض.
قال في النهاية: نعم، الأولى كما قاله الماوردي: تنزهه عنها قبل رد البدل.
اه.
(قوله: ولو في الربوي) غاية لعدم الكراهة.
أي لا يكره أخذ الزائد، ولو وقع القرض في الربوي - كالنقد - (قوله: والأوجه أن المقرض يملك الزائد إلخ) أي ولو كان متميزا، كأن اقترض دراهم فردها ومعها نحو سمن.
(قوله: من غير لفظ) أي إيجاب وقبول.
(قوله: لأنه وقع تبعا) علة لكون الزائد يملك من غير لفظ، أي وإنما يملك كذلك لانه تابع للشئ المقترض.
(قوله: وأيضا فهو) أي الزائد.
(وقوله: يشبه الهدية) أي وهي تملك من غير لفظ.
(قوله: وأن المقترض الخ) معطوف على أن المقرض، أي والأوجه أن المفترض إذا دفع زائدا عما عليه، ثم ادعى أنه دفعه ظانا أن هذا الزائد من جملة الدين، فإنه يحلف، ويرجع بالزائد الذي دفعه.
وعبارة ع ش: ويصدق الآخذ في كون ذلك هدية، لأن الظاهر معه، إذ لو أراد الدافع أنه إنما أتى به ليأخذ بدله لذكره.
ومعلوم مما صورناه به أنه رد المقرض والزيادة معا، ثم ادعى أن الزيادة ليست هدية، فيصدق الآخذ.
أما لو دفع إلى المقرض سمنا - أو نحوه - مع كون الدين باقيا في ذمته، وادعى أنه من الدين - لا هدية - فإنه يصدق الدافع في ذلك.
اه.
وهي تفيد أنه لا يصدق الدافع إلا في الصورة الثانية فقط.
(قوله: حلف) جواب إذا.
(وقوله: ورجع فيه) أي الزائد.
(قوله: وأما القرض بشرط إلخ) محترز قوله بلا شرط في العقد.
(قوله: جر نفع لمقرض) أي وحده، أو مع مقترض - كما في النهاية - (قوله: ففاسد) قال ع ش: ومعلوم أن محل الفساد حيث وقع الشرط في صلب العقد.
أما لو توافقا على ذلك ولم يقع شرط في العقد، فلا فساد.
اه.
والحكمة في الفساد أن موضوع القرض: الإرفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقا: خرج عن موضوعه فمنع صحته.
(قوله: جر منفعة) أي شرط فيه جر منفعة.
(قوله: فهو ربا) أي ربا القرض، وهو حرام (قوله: وجبر ضعفه) أي أن هذا الخبر ضعيف، ولكن جبر ضعفه.
- أي قوى ضعفه - مجئ معناه - أي الخبر - وهو أن شرط جر النفع للمقرض مفسد للقرض.
وعبارة النهاية: وروي - أي هذا الخبر - مرفوعا بسند ضعيف، لكن صحح الإمام والغزالي رفعه، وروي البيهقي معناه عن جمع من الصحابة.
اه.
(قوله: ومنه القرض إلخ)
أي ومن ربا القرض: القرض لمن يستأجر ملكه.
(وقوله: أي مثلا) راجع للاستئجار - يعني أن الاستئجار ليس قيدا، بل مثالا.
ومثله القرض، لمن يشتري ملكه بأكثر من قيمته.
(وقوله: لأجل القرض) علة للاستئجار بأكثر من قيمته.
(قوله:(3/65)
إن وقع ذلك) أي الاستئجار المذكور، شرطا، أي في صلب العقد.
(قوله: إذ هو) أي القرض لمن يستأجر ملكه.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ وقع ذلك شرطا في صلب العقد.
(قوله: وإلا كره) أي وإن لم يقع ذلك شرطا في صلب العقد: كره - أي ولا يكون ربا.
(قوله: عندنا) أي معاشر الشافعية.
(قوله: ويجوز الإقراض بشرط الرهن أو الكفيل) أي أو الإشهاد، وذلك لأنها توثيقات، لا منافع زائدة - فللمقرض إذا لم يوف المقترض بها الفسخ.
(فائدة) الشرط الواقع في القرض ثلاثة أقسام: إن جر نفعا للمقرض يكون فاسدا مفسدا للقرض.
وإن جر نفعا للمقترض يكون فاسدا غير مفسد له، كأن أقرضه عشرة صحيحة ليردها مكسرة.
وإن كان للوثوق - كشرط رهن، وكفيل - فهو صحيح.
(قوله: ولو قال: اقرض إلخ) هذه المسألة من فروع الضمان، إلا أنه ذكرها هنا لأن لها مناسبة من جهة أنها مشتملة على القرض.
(قوله: كان ضامنا على الأوجه) في شرح البهجة ما نصه: (فرع) لو قال: أقرض هذا مائة وأنا ضامن لها، فأقرضه المائة، أو بعضها، لزمه الضمان.
قاله الماوردي.
قال الزركشي: ولعله أراد به ما أرادوه بقوله: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، لكن ذاك جوز للحاجة.
اه.
وما قاله الماوردي هنا - من صحة الضمان - مفرع على القديم.
وقال في باب الضمان بعدم صحته - وهو الجديد -، وصححه الناظم كالشخين.
اه.
(قوله: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانه) أي فيكون الآخر ضامنا له إذا ألقي وتلف، لكن يشترط في الضمان أن يقول له ذلك عند الإشراف على الغرق أو القرب منه.
ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي - كما صرح بذلك في متن المنهاج، في باب الديات - وعبارته مع التحفة هناك: ولو قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه، أو على أني ضامن له، فألقاه وتلف، ضمنه المستدعى - وإن لم تحصل النجاة - لأنه التماس لغرض صحيح بعوض، فلزمه.
ولو اقتصر على قوله ألق متاعك، ولم يقل وعلي ضمانه، أو على أني ضامن، فلا يضمنه - على المذهب - لعدم الالتزام.
وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق، فلو قال في الأمن ألقه وعلي ضمانه: لم يضمنه، إذ لا غرض.
ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي بأن اختص بالملتمس، أو به بالمالك، أو بغيرهما، أو بالمالك وأجنبي، أو بالملتمس وأجنبي، أو عم الثلاثة - بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده، بأن أشرفت
سفينة وبها متاعه على الغرق، فقال له من بالشط أو سفينة أخرى: ألق متاعك وعلي ضمانه، فلا يضمنه، لأنه وقع لحظ نفسه، فكيف يستحق به عوضا؟ اه.
بحذف.
(قوله: لو ادعى المالك إلخ) يعني لو اختلف الدافع والآخذ في المال الذي أخذه وقد تلف، فقال الدافع إنه قرض فعليك الضمان، وقال الآخذ إنه وديعة فليس علي شئ، فإنه يصدق الآخذ، لأن الأصل عدم الضمان (وقوله: خلافا للأنوار) أي في قوله إن المصدق المالك.
(قوله: ويصح رهن) شروع في القسم الثاني من الترجمة (واعلم) أن الوثائق بالحقوق ثلاثة: شهادة، ورهن، وضمان.
فالأولى لخوف الجحد، والآخران لخوف الإفلاس.
وأن أركان الرهن أربعة: عاقد، ومرهون، ومرهون به، وصيغة.
وقد اشتمل تعريف الرهن المذكور عليها كلها (فقوله: وهو جعل) يشير للعاقد وللصيغة.
(وقوله: عين) يشير للمرهون.
(وقوله: بدين) يشير للمرهون به.
(قوله: وهو) أي الرهن شرعا.
أما لغة: فهو الثبوت.
وقوله جعل عين:(3/66)
مصدر مضاف لمفعوله بعد حذف الفاعل، تقديره جعل المالك - أو من قام مقامه - عينا.
وخرج بها: الدين، فلا يصح رهنه، ولو ممن هو عليه، لأنه غير مقدور على تسليمه.
وخرج أيضا: المنفعة، فلا يصح رهنها، لأن المنفعة تتلف، فلا يحصل بها استيثاق.
(وقوله: يجوز بيعها) أي يصح.
وخرج به ما لا يصح بيعها - كوقف ومكاتب، وأم ولد - (وقوله: وثيقة بدين) أي ولو منفعة.
وخرج بالدين: العين، فلا يصح الرهن على العين - مضمونة كانت: كالمغصوبة والمستعارة، أو غير مضمونة: كمال القراض والمودع - وذلك لأنه تعالى ذكر الرهن في المداينة، فلا يثبت في غيرها، ولأنها لا تستوفى من ثمن المرهون، وذلك مخالف لغرض الرهن عند البيع.
(وقوله: يستوفى منها) أي يستوفي ذلك الدين من العين - أي من ثمنها - وهذا ليس من التعريف، بل بيان لفائدته.
ومن - في قوله منها - للابتداء، لا للتبعيض، لأنه يقتضي اشتراط أن تكون قيمة العين المرهونة زائدة على الدين، مع أنه لا يشترط.
(وقوله: عند تعذر وفائه) متعلق بيستوفى، وهو ليس بقيد.
والضمير - في وفائه - عائد على جنس الدين، الصادق ببعضه.
- كذا في البجيرمي -.
(قوله: فلا يصح رهن وقف وأم ولد) أي لأنه لا يجوز بيعهما.
(قوله: بإيجاب وقبول) متعلق بيصح، وهو بيان للصيغة - التي هي أحد أركان الرهن السابقة -.
ومثل الإيجاب: الاستيجاب - كارهني.
(قوله: كرهنت) هذا هو الإيجاب.
(وقوله: وارتهنت) هذا هو القبول.
(قوله: ويشترط ما مر في البيع) وذلك لأنه عقد مالي، مثل البيع.
(قوله: من اتصال اللفظين)
بيان لما مر.
والمراد باتصالهما: عدم تخلل كلام أجنبي أو سكوت طويل بينهما.
والمراد باللفظين: الإيجاب، والقبول - وهما جزآ الصيغة.
ومما مر أيضا في البيع: عدم التعليق، وعدم التأقيت.
(قوله: وتوافقهما معنى) أو ومن التوافق بين اللفظين في المعنى، فلو اختلفا فيه - كأن قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة، أو قال رهنتك هذين فقيل أحدهما - لم يصح.
وفي ع ش ما يخالفه، وعبارته: قوله: كنظيره في البيع - يفيد أنه لو قال رهنتك هذين فقبل أحدهما: لم يصح العقد - نظير ما مر في القرض -.
وقد يفرق بأن هذا تبرع محض، فلا يضر فيه عدم موافقة القبول للإيجاب - كالهبة - وقياسه أيضا أنه لو قال رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة: الصحة.
اه.
بحذف.
(قوله: ويأتي هنا) أي في الرهن.
(وقوله: خلاف المعاطاة) أي الخلاف في جواز البيع بالمعاطاة، فأجازها بعضهم هنا ومنعها آخرون.
قال في المغني: وصورة المعاطاة هنا - كما ذكره المتولي - أن يقول أقرضني عشرة لأعطيك ثوبي هذا رهنا، فيعطي العشرة، ويقبضه الثوب.
اه.
(قوله: من أهل تبرع) متعلق بمحذوف صفة لما قبله، أي إيجاب وقبول صادرين من أهل تبرع، أو متعلق بيصح، أي يصح رهن من أهل تبرع - وهذا بيان للركن الثاني، وهو العاقد، موجبا كان أو قابلا -.
والمراد بأهلية التبرع: أهلية التبرع المطلق، وهي تستلزم الرشد والاختيار - كما تقدم في القرض - فيخرج الصبي، والمجنون، والمحجور عليه بالسفه، والمكره.
(قوله: فلا يرهن ولي) مفرع على المفهوم، وإنما لم يصح رهنه لأنه يحبسه من غير عوض، وهو لا يصح.
(قوله: أو جدا) أي عند فقد الأب.
(وقوله: أو وصيا) أي عمن تأخر موته منهما.
(وقوله: أو حاكما) أي عند فقد الثلاثة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: مال صبي ومجنون) أي أو سفيه، ولو قال: مال محجوره لكان أولى.
(قوله: كما لا يرتهن لهما) أي لا يجوز رهن الولي مال موليه - كما أنه لا يجوز له ارتهانه - وذلك لأنه في حالة الاختيار لا يصح أن يبيع مال موليه إلا بحال مقبوض، ولا يقرض إلا القاضي - كما مر - (قوله: إلا لضرورة إلخ) استثناء من عدم جواز الرهن والارتهان، فهو مرتبط بما قبل التنظير وما بعده.
(قوله: أو غبطة ظاهرة) احترز بذلك عما لو اشترى متاعا بمائة مؤجلة، وهو يساوي مائة حالة، فإن الغبطة في هذه الصورة موجودة، لكنها لا تظهر لكل أحد.
عزيزي، وعبارة الشوبري: أو غبطة ظاهرة، سيأتي في شركة أن الغبطة: مال له وقع - أي قدر - لا يتسامح أي لا يتساهل به.
فانظر ما مفاد قوله ظاهرة؟ ويجاب بأن معنى قوله ظاهرة: أي محققة للولي.
اه بجيرمي.(3/67)
(قوله: فيجوز له) أي للولي، وهو تفريع على الاستثناء.
(قوله: كأن يرهن إلخ) مثل للرهن والارتهان للضرورة،
ولم يمثل لهما للغبطة.
فمثال الرهن لها: أن يرهن ما يساوي مائة على ثمن ما اشتراه بمائة نسيئة، وهو يساوي مائتين.
ومثال الارتهان لها: أن يرتهن على ما يبيعه نسيئة بمائتين، وهو يساوي مائة.
قال في فتح الجواد: وشرط صحة بيعه نسيئة - مع ما ذكر من غبطة وارتهان - أمانة مشتر، وغناء ووفاء الرهن بالثمن، وقصر الأجل، وكذا إشهاد عند جماعة - وهو متجه مدركا، لكن الجمهور على أنه لا بطلان بتركه.
اه.
(قوله: ما يقترض) بالبناء للفاعل، العائد محذوف ويصح بالبناء للمجهول، وعليه لا حذف وقوله لحاجة المؤنة الإضافة للبيان والمراد الحاجة الشديدة ليلائم قوله إلا لضرورة، وبهذا يندفع ما يقال الحاجة أعم من الضرورة، فإنها تشمل التفكه وثياب الزينة مثلا.
اه.
بجيرمي بالمعنى.
(قوله: ليوفي) أي ما يقترض، فهو بالبناء للمجهول.
ويصح بالبناء للفاعل، ومفعوله محذوف، أي ليوفي المقترض ما اقترضه.
(وقوله: مما ينتظر) أي يترقب.
وهو أيضا بالبناء للمجهول، ويصح بالبناء للفاعل، والعائد محذوف.
(وقوله: من الغلة أو حلول الدين) بيان لما.
(قوله: وكأن يرتهن) معطوف على كأن يرهن.
(وقوله: على ما يقرضه) أي من مال محجوره.
(وقوله: أو يبيعه) معطوف على يقرضه.
أي أو يرتهن على ما يبيعه من مال محجوره.
ويشترط أيضا: كون المشتري أمينا - إلى آخر ما مر آنفا - (قوله: لضرورة نهب) متعلق بيقرضه ويبيعه.
(وقوله: أو نحو) أي نحو النهب، كالسرقة.
(قوله: للزوم الارتهان حينئذ) أي حين إذا أقرض أو باع مال الصبي لضرورة النهب أو غيره.
ولا يظهر هذا التعليل لما قبله، لأن ما قبله تمثيل لجواز الارتهان للضرورة، فينحل المعنى بجواز الارتهان على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة، للزوم الارتهان حينئذ، ولا يخفى ما فيه.
وعبارة المنهاج: فلا يرهن الولي مال الصبي والمجنون، ولا يرتهن لهما، إلا لضرورة، أو غبطة ظاهرة.
قال في التحفة: فيلزمه الارتهان بالثمن، وهي ظاهرة.
ولو أخر الشارح قوله: فيجوز له الرهن والارتهان - عن المثال الثاني، ثم أضرب وقال: بل يلزمه الارتهان حينئذ - لكان أولى.
ثم إنه سيأتي للشارح - في فصل الحجر - تقييد لزوم الإرتهان: بما إذا لم يكن المشتري موسرا.
ونص عبارته هناك: وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه ارتهان بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا.
انتهت.
(قوله: ولو كانت العين إلخ) غاية لمقدر، وهي للتعميم.
والمعنى يصح الرهن بعين، ولو كانت جزءا مشاعا بين الراهن وغيره - كأن كان يملك ربع دار مشاعا: أي ليس معينا فرهنه، فإنه يصح، وقبضه يكون بقبض الجميع - كما في البيع - فيكون بالتخلية في غير المنقول، وبالنقل في المنقول.
ويجوز رهنه على الشريك، وعلى غيره، ولا يحتاج لإذن
الشريك إلا في المنقول، فإن لم يأذن ورضي المرتهن كونه بيده: جاز، وناب عنه في القبض، وإلا أقام الحاكم عدلا يكون في يده لهما.
ولو اقتسما فخرج المرهون لشريكه: لزمه قيمته رهنا، لأنه حصل له بدله.
(قوله: أو عارية) أي ولو كانت ضمنية، كارهن عبدك عني على ديني ففعل، فإنه كما لو قبضه ورهنه.
اه.
تحفة ونهاية.
قال ع ش: يشير بهذا إلى أنه لا يشترط كون المرهون ملكا للراهن، بل يصح، ولو معارا.
اه.
(واعلم) أن عقد العارية بعد الرهن في قول: إنه عارية - أي باق على حكمها - وفي قول: إنه ضمان دين في رقبة ذلك الشئ، لأن الانتفاع إنما يحصل بإهلاك العين ببيعها في الدين، فهو مناف لوضع العارية، وهذا القول هو الأظهر - كما في المنهاج.
(قوله: وإن لم يصرح بلفظها) أي العارية، أي فلا يشترط أن يقول للمالك أعرني هذه لأرهنها، أو يقول هو(3/68)
للراهن: أعرتك هذه لترهنها.
(قوله: كأن قال إلخ) تمثيل لعدم التصريح بلفظ العارية.
(وقوله: له) أي للراهن.
(وقوله: مالكها) أي العارية.
(قوله: لحصول التوثيق بها) أي بالعارية.
وهو علة لجواز كون العين المرهونة عارية، أي وإنما جاز رهن العارية لحصول التوثق الذي هو المقصود من الرهن بها.
(قوله: ويصح إعارة النقد لذلك) أي للرهن.
قال ع ش: ثم بعد حلول الدين - إن وفى المالك: فظاهر، وإن لم يوف: بيعت الدراهم بجنس حق المرتهن إن لم تكن من جنسه، فإن كانت من جنسه جعلها له عوضا عن دينه بصيغة تدل على نقل الملك.
اه.
(قوله: وإن منعنا إعارته) أي النقد.
(وقوله: لغير ذلك) أي الرهن، كإعارته للنفقة، أو ليصرفه في مشترى عين.
(قوله: فيصح رهن معار إلخ) تفريع على أو عارية.
(وقوله: بإذن مالك) أي في الرهن، فلو لم يأذن المالك فيه لا يصح رهنه.
(قوله: بشرط معرفته) أي المالك.
(وقوله: المرتهن) مفعول المصدر، ومعرفته تكون بعينه أو اسمه ونسبه - لا بوصفه فقط - كما هو ظاهر.
(وقوله: وجنس الدين) أي وبشرط معرفته جنس الدين، كذهب، وفضة.
(وقوله: وقدره) أي كعشرة، ومائة.
ولا بد من معرفته صفته أيضا - كحلول، وتأجيل، وصحة، وتكسير - وذلك لاختلاف الأغراض بذلك.
(قوله: نعم، في الجواهر) تقييد لاشتراط معرفته جنس الدين وقدره، فكأنه قال: محل اشتراط ما ذكر: ما لم يفوض الأمر إلى خيرة المدين، وإلا لم يشترط ذلك.
(وقوله: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته) قال في التحفة: ويؤيده ما يأتي في العارية من صحة انتفع به بما شئت.
لكن قال سم: سيأتي في العارية أن المعتمد في انتفع به بما شئت، إنه يتقيد بالمعتاد في مثله، فقياسه أنه يتقيد
هنا بما يعتاد رهن مثله عليه.
اه.
وفرق ع ش: بأن الانتفاع في المعار بغير المعتاد يعود منه ضرر على المالك، بخلاف الرهن بأكثر من قيمته لا يعود ضرر عليه، إذ غايته أن يباع في الدين، وما زاد على ثمنه باق في ذمة المستعير.
اه.
(قوله: ولو عين قدرا إلخ) استثناء من محذوف - كما يعلم من عبارة شرح المنهج - تقديره: وإذا عين المالك للمستعير جنس الدين وقدره وصفته لم تجز مخالفته أي ويستثنى من ذلك ما لو عين له قدرا فرهن بدونه، فإنه يجوز.
(وقوله: فرهن بدونه) أي من جنسه.
فلو استعاره ليرهنه على مائة دينار، فرهنه على مائة درهم، لم يجز.
اه.
س ل.
بجيرمي.
(قوله: ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن) أي وإلا لم يكن لهذا الرهن معنى، إذ لا وثوق به.
وأفهم جواز الرجوع قبل قبضه - وهو كذلك - لعدم لزومه قبله.
(قوله: فلو تلف) أي المعار في في يد الراهن.
قال سم: هو شامل لما قبل الرهن ولما بعد انفكاكه.
وعبارة العراقي في شرح البهجة: أما لو تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعده: فإنه يجب عليه ضمانه.
اه.
(وقوله: ضمن) أي الراهن.
(وقوله: لأنه مستعير) أي والعارية مضمونة.
(وقوله: الآن) أي إذا كان المعار في يده.
(قوله: أو في يد المرتهن) أي أو تلف في يد المرتهن.
(قوله: فلا ضمان عليهما) أي على الراهن والمرتهن.
ومحله: ما لم يقصرا.
فإن قصرا ضمنا.
(وقوله: إذ المرتهن أمين) علة لعدم تضمين المرتهن.
(وقوله: ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن) علة لعدم تضمين الراهن.
اه.
ع ش.
(قوله: نعم، إن رهن فاسدا) أي بأن فقد شرط من الشروط السابقة.
(وقوله: ضمن بالتسليم) أي ضمن الراهن بتسليم المعار للمرتهن.
قال في التحفة بعده: أي لأن المالك لم يأذن فيه، ولأنه مستعير، وهو ضامن ما دام لم يقبضه عن جهة رهن صحيح، ولم يوجد.
ويلزم من ضمانه تضمين المرتهن، لترتب يده على يد ضامنه، ويرجع عليه إن لم يعلم الفساد، وكونها مستعارة.(3/69)
وأفتى بعضهم بعدم ضمانه، محتجا بأنه إذا بطل الخصوص - وهو التوثقة هنا - لا يبطل العموم، وهو إذن المالك بوضعها تحت يد المرتهن.
اه.
(قوله: ويباع المعار بمراجعة مالكه) أي يبيعه الحاكم بمراجعة مالكه لعله يفديه، فإن لم يأذن في بيعه، بيع قهرا عليه.
(تنبيه) ألغز العلامة الدميري هنا فقال: لنا مرهون يصح بيعه جزما بغير إذن المرتهن.
وصورته: استعار شيئا ليرهنه
بشروطه ففعل، ثم اشتراه المستعير من المعير بغير إذن المرتهن لعدم تفويت الوثيقة، وهو الأوجه - خلافا للبلقيني - حيث تردد.
وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: عين لنا مرهونة قد صححوا بيعا لها من غير إذن المرتهن ذاك معار باعه المعير من من استعار للرهان فارتهن (قوله: ثم يرجع إلخ) أي ثم بعد بيعه في الدين يرجع المالك عل الراهن المستعير بالثمن الذي بيع به.
قال في المغني: لانتفاع الرهن به - سواء أبيع بقيمته، أم بأكثر، أم أقل بقدر يتغابن الناس بمثله - هذا على قول الضمان.
وأما على قول العارية: فيرجع بقيمته إن بيع بها، أو بأقل - وكذا بأكثر - عند الأكثرين.
اه.
(قوله: لا يصح) أي الرهن بمعنى العقد.
(قوله: بشرط ما يضر الراهن أو المرتهن) أي بشرط شئ يضر الراهن أو المرتهن - أي أو كليهما - فأو: مانعة خلو، فتجوز الجمع.
وخرج بذلك: ما لا يضرهما أو أحدهما كأن شرط فيه مقتضاه - كتقدم مرتهن بالمرهون عند تزاحم الغرماء - أو شرط ما فيه مصلحة له - كإشهاد به، أو شرط ما لا غرض فيه - كأن يأكل العبد المرهون كذا، فإنه يصح عقد الرهن في الجميع، ويلغو الشرط في الأخير.
(قوله: كأن لا يباع) أي أصلا، وهو تمثيل لما يضر المرتهن.
(وقوله: عند المحل) هو بكسر الحاء.
(قوله: أو أكثر) أي أولايباع عند المحل إلا بأكثر من ثمن المثل، وهو أيضا تمثيل لما يضر المرتهن.
(قوله: وكشرط منفعته إلخ) هذا مثال لما يضر الراهن، ولذلك أعاد الكاف.
وإنما كان مضرا به لأن منافع المرهون - كسكنى الدار، وركوب الدابة - مستحقة للراهن، فإذا شرطت للمرتهن أضر بالراهن.
(قوله: كأن يشرطا) الموافق لقوله بعد في الصور الثلاث أن يزيد واو العطف، بأن يقول: وكأن يشرطا إلخ.
وعبارة المنهج وشرحه: كأن لا يباع عند المحل، وكشرط منفعته - أي المرهون للمرتهن - أو شرط أن تحدث زوائده - كثمر الشجرة، ونتاج الشاة - مرهونة.
اه.
(قوله: مرهونة) خبر أن، أي شرطا أن الزوائد التي تحدث تكون مرهونة أيضا في الدين.
(قوله: فيبطل الرهن في الصور الثلاث) هي قوله كأن لا يباع، وقوله كشرط منفعته، وقوله كأن يشرطا إلخ.
وإنما بطل فيها: لإخلال الشرط في الأولى بالغرض من الرهن الذي هو البيع عند المحل، ولتغيير قضية العقد في الثانية.
وذلك لأن قضية العقد أن تكون منافع المرهون للراهن، لأن التوثق إنما هو بالعين.
ولجهالة الزوائد وعدمها في الثالثة.
ومحل البطلان في الثانية: ما لم تقدر المنفعة بمدة كسنة - وكان الرهن مشروطا في بيع، فإن كان كذلك، فلا بطلان - بل هو جمع بين بيع وإجارة.
وصورة ذلك أن يقول بعتك هذا العبد بمائة، على أن ترهنني به دارك هذه، ويكون سكناها إلى سنة فيقبل
الآخر.
(قوله: ولا يلزم الرهن) أي من جهة الراهن فقط، لأنه من جهة المرتهن جائز مطلقا.
(وقوله: إلا بقبض) أي لقوله تعالى: * (فرهان مقبوضة) * (1) فلو لزم بدون القبض لم يكن للتقييد به فائدة، ولأنه عقد تبرع يحتاج إلى القبول، فلا يلزم إلا بالقبض - كالهبة -.
ولا ترد الوصية، لأنها إنما تحتاج إلى القبول فيما إذا كان الموصى له معينا.
اه.
شرح
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 238.(3/70)
الروض.
(وقوله: بما مر إلخ) أي ويكون القبض هنا بمثل ما مر في قبض المبيع - من النقل في المنقول، والتخلية في غيره.
(قوله: بإذن من راهن) متعلق بمحذوف صفة لقبض، أي قبض كائن بإذن من راهن، أي أو إقباض منه.
ولكل من الراهن والمرتهن إنابة غيره في القبض والإقباض، ما لم يلزم اتحاد القابض والمقبض.
فلو أذن الراهن لغيره في الإقباض امتنعت إنابته في القبض.
وكذلك يمتنع على المرتهن أن ينيب الراهن في القبض، كأن يقول المرتهن للراهن: أنبتك عني في القبض.
(وقوله: يصح تبرعه) أي تبرعا مطلقا.
وصحة التبرع لا تكون إلا من بالغ، عاقل، رشيد، مختار - كما تقدم - فخرج به حينئذ: الصبي، والمجنون، والمحجور عليه، والمكره، فلا يصح إذنهم في القبض.
(قوله: ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك) أما بعض القبض فلا رجوع به، لعدم نفوذ التصرف منه بعده.
وسيبين هذا بقوله بعد: وليس للمالك بعد لزوم الرهن بيع ووقف إلخ.
(قوله: كالهبة) تمثيل ما يزيل الملك.
وقيد في المنهاج والمنهج الهبة بكونها مقبوضة.
وقال في المغني: تقييده تبعا للرافعي الهبة والرهن وبالقبض يقتضي أن ذلك بدون قبض لا يكون رجوعا.
والذي نقله السبكي وغيره على النص: أنه رجوع، وهو المعتمد.
وقال الأذرعي: والصواب على المذهب حذف لفظ القبض في الهبة والرهن جميعا، لأنها زيادة موهمة.
اه.
(قوله: والرهن لآخر) ظاهره أنه معطوف على الهبة، فيفيد حينئذ أن الرهن مزيل للملك، وليس كذلك.
وعبارة غيره: ويحصل الرجوع بتصرف يزيل الملك - كهبة لزوال محل الرهن، وبرهن - لتعلق حق الغير به -.
اه.
فأعاد العامل إشارة إلى استقلاله، وعدم عطفه على هبة.
فكان الأولى للشارح أن يصنع كصنيعه.
(قوله: لا بوطئ إلخ) أي لا يحصل الرجوع بوطئ وتزويج - أي لعدم منافاتهما للرهن - لأن الوطئ من قبيل الاستخدام، والتزويج لا تعلق له بمورد الرهن، بل رهن المزوج ابتداء: جائز - سواء كان المزوج عبدا أو أمة -.
ومعنى كون هذه المذكورات لا يحصل بها رجوع: أن الرهن لا ينفسخ بها، بل هو باق بحاله.
ومحل عدم الرجوع بالوطئ: إذا لم يحصل منه إحبال، وإلا حصل الرجوع به.
(قوله: وموت عاقد) أي ولا يحصل
الرجوع بموت عاقد من راهن، أو مرتهن، أو وكيلهما، أو وكيل أحدهما.
(قوله: وهرب مرهون) أي ولا يحصل الرجوع بهرب المرهون.
قال ع ش: وظاهره وإن أيس من عوده.
وينبغي - في هذه - أن له مطالبة الراهن بالدين، حيث حل، لأنه في هذه الحالة يعد كالتالف.
اه.
(قوله: واليد في المرهون لمرتهن) المراد من اليد: اليد الحسية - أي كونه في حرزه، وفي بيته مثلا - لا الشرعية: أي كونه في سلطنته وفي ولايته، بحيث يمتنع على الراهن التصرف فيه بما يزيل الملك أو ينقصه بغير إذن المرتهن، وإلا لم يكن للتقييد - بقوله غالبا - فائدة، لأن اليد الشرعية على المرهون للمرتهن دائما، حتى في الصور الخارجة به.
كذا في البجيرمي.
(قوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض - كما مر - (قوله: غالبا) أي ومن غير الغالب قد لا تكون اليد للمرتهن - كما لو رهن مسلما أو مصحفا عند كافر، أو سلاحا عند حربي - فإنه يوضع عند من يصح تملكه لها.
وكما لو رهن جارية تشتهي عند أجنبي فتوضع عند امرأة ثقة.
وكما لو شرطا وضعه عند ثالث.
(قوله: وهي) أي يد المرتهن.
(وقوله: أمانة) أي لا يلزم ضمانه.
فلو شرط كونه مضمونا على المرتهن لم يصح الرهن.
واستثنى البلقيني من هذه القاعدة - تبعا للمحاملي - ثمان مسائل يكون فيها الضمان على المرتهن.
الأولى: مغصوب تحول رهنا عند غاصبه.
الثانية: مرهون تحول غصبا عند مرتهنه.
الثالثة: مرهون تحول عارية عند مرتهنه.
الرابعة: عارية تحولت رهنا عند مستعيرها.
الخامسة: مقبوض سوما تحول رهنا عند سائمه.
السادسة: مقبوض ببيع فاسد تحول رهنا عند قابضه.
السابعة: أن يقبله في بيع شئ ثم يرهنه منه قبل قبضه.
الثامنة: أن يخالعها على شئ ثم يرهنه منها قبل القبض.
وإنما ضمن في هذه المسائل لوجود مقتضيه، والرهن ليس بمانع.
اه.
نهاية.
بتصرف.(3/71)
(قوله: ولو بعد البراءة من الدين) غاية لكون اليد على الرهن أمانة.
(قوله: فلا يضمنه المرتهن) مفرع على كونه أمانة.
(قوله: إلا بالتعدي) أي لا يضمنه إلا إن تعدى وتسبب في تلفه.
(قوله: كأن امتنع إلخ) تمثيل للتعدي، أي وكأن ركب الدابة وحمل عليها أو استعمل الإناء، فيضمنه حينئذ لخروجه عن الأمانة.
(قوله: بعد سقوط الدين) أي وبعد المطالبة.
أما بعد سقوطه وقبل المطالبة فهو باق على أمانته.
اه.
نهاية.
(قوله: وصدق إلخ) أي من غير ضمان، وإلا فالغاصب والمستعير يصدق أيضا بيمينه في دعوى التلف، لكن مع الضمان.
(قوله: كالمستأجر) الكاف للتنظير، أي فإنه يصدق أيضا فيما ذكر.
(قوله: في دعوى تلف بيمينه) أي على التفصيل الآتي في الوديعة.
وحاصله أنه يحلف في
تلفها مطلقا - أي من غير ذكر سبب - أو بذكر سبب خفي كسرقة أو ظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه، ولم يتهم: فلا يحلف.
وإن جهل السبب الظاهر طولب ببينة بوجوده، ثم يحلف أنها تلفت به.
(قوله: لا في رد) أي لا يصدق المرتهن كالمستأجر في دعوى رد، أي لما قالوه - من أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المرتهن والمستأجر - لأن كلا منهما يقبض لغرض نفسه.
والفرق بين الرد وبين التلف - حيث يصدقان فيه - أن التلف غالبا لا يتعلق باختيارهما، فلا يتمكنان من إقامة البينة عليه، فيعذران.
بخلال الرد، فإنه يتعلق باختيارهما، فلا تتعذر فيه البينة.
(قوله: لأنهما) أي المرتهن والمستأجر.
(وقوله: قبضا لغرض أنفسهما) أي وهو التوثق بالنسبة للمرتهن، والانتفاع بالمؤجر بالنسبة للمستأجر.
(وقوله: فكانا كالمستعير) أي في عدم تصديقه في دعوى الرد، لكون قبضه لغرض نفسه، وهذا قياس أدنى - لأن المستعير ليس بأمين، بل هو ضامن - (قوله: بخلاف الوديع والوكيل) أي وسائر الأمناء، فإنهم يصدقون في دعوى الرد أيضا، لأنهم لم يقبضوا لغرض أنفسهم.
(قوله: ولا يسقط بتلفه) أي المرهون شئ من الدين، بل يجب عليه دفع جميعه لصاحبه الذي هو المرتهن، خلافا للحنفية، والمالكية - حيث قالوا يسقط بتلفه قدره من الدين - بناء على أنه من ضمان المرتهن.
(قوله: ولو غفل عن نحو كتاب) أي كصوف.
(وقوله: فأكلته الأرضة) أي الدودة.
(قوله: أو جعله) أي نحو الكتاب، وهو معطوف على غفل.
(قوله: هو) أي ذلك المحل.
(وقوله: مظنتها) أي الأرضة.
قال في القاموس: مظنة الشئ - بكسر الظاء - موضع يظن فيه وجوده.
اه.
(قوله: ضمنه) جواب لو، وضميره يعود على نحو الكتاب - الذي أكلته الأرضة - (وقوله: لتفريطه) أي المرتهن، وهو علة الضمان.
(قوله: قاعدة) أي في بيان أن فاسد العقود كصحيحها.
(قوله: وحكم فاسد العقود إذا صدر من رشيد) قال البجيرمي: بأن كان كل من العاقدين رشيدا - أي غير محجور عليه - فيشمل السفيه المهمل.
والمراد صدر من رشيد مع رشيد، فلو صدر مع سفيه فلا يضمن السفيه مطلقا.
اه.
وقال سم: اعترض بعضهم التقييد بالرشيد بأنه لا حاجة إليه، لأن عقد غيره باطل - لاختلال ركنه - لا فاسد.
والكلام في الفاسد، وأقول: هذا الاعتراض ليس بشئ، لأن الفاسد والباطل عندنا سواء، إلا فيما استثنى بالنسبة لأحكام مخصوصة، فالتقييد في غاية الصحة والاحتياج إليه.
فتأمل.
اه.
(قوله: حكم صحيحها) أي كحكم الصحيح من العقود.
(وقوله: في الضمان) أي في مطلق الضمان، وإن كان المبيع في البيع الصحيح يضمن بالثمن، وفي البيع الفاسد يضمن بأقصى القيم في المتقوم، وبالمثل في المثلى.
قال في التحفة: والمراد التشبيه في أصل الضمان، لا الضامن، فلا يرد كون الولي لو استأجر لموليه فاسدا تكون الأجرة عليه، وفي الصحيحة على موليه،
ولا في القدر: فلا يرد كون صحيح البيع مضمونا: أي مقابلا بالثمن وفاسده بالبدل، والقرض بمثل المتقوم الصوري وفاسده بالقيمة، ونحو القراض والمساقاة والإجارة بالمسمى وفاسدها بأجرة المثل.
اه.
وقوله وعدمه: أي وفي عدم(3/72)
الضمان (قوله: لأن صحيح الخ) تعليل لكون حكم الفاسد كحكم الصحيح (قوله: بعد القبض) أي قبض المعقود عليه (قوله: كالبيع والقرض) أي كعقد البيع والقرض (قوله: ففاسده أولى) أي في اقتضاء الضمان، لأن الصحيح قد أذن فيه الشارع والمالك، والفاسد لم يأذن فيه الشارع، بل في التجرؤ عليه.
اه.
بجيرمي (قوله: أو عدمه) على الضمان: أي أو اقتضى عدمه.
(وقوله: كالمرهون والمستأجر والموهوب) الأولى أن يقول: كالرهن، والإجاة، والهبة، لأن الكلام في العقود، لا في المعقود عليه.
(وقوله: ففاسده كذلك) أي لا يقتضي الضمان، بل هو مساو له في عدم الضمان، قال سم على المنهج: ولم يقل أولى، لأن الفاسد ليس أولى بعدم الضمان، بل بالضمان.
اه.
ووجه ذلك: أن عدم الضمان تخفيف، وليس الفاسد أولى به، بل حقه أن يكون أولى بالضمان، لإشتماله على وضع اليد على مال الغير بلا حق، فكان أشبه بالغصب.
اه.
قال ع ش: واستثنى من الأول، أعني قوله في الضمان: ما لو قال قارضتك عى أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد، فصحيحه يقتضي ضمان عمل العامل بالربح المشروط، وفاسده المذكور لا يقتضي شيئا.
وما لو قال: ساقيتك على أن الثمرة كلها لي فهو فاسد، ولا يستحق العامل شيئا، مع أنه في الصحيح: يستحق جزءا من الربح، فهذا صحيحه اقتضى الضمان، وفاسده لا يقتضيه، واستثنى من الثاني - أعني قوله وعدمه - الشركة، فإنه لا يضمن كل من الشريكين عمل الآخر، مع صحتها، ويضمنه مع فسادها.
وما لو رهن أو آجر نحو غاصب فتلفت العين في يد المرتهن أو المستأجر، فلمالك تضمينه، وإن كان القرار على الراهن أو المؤجر، مع أن صحيح الرهن والإجارة لا ضمان فيه.
قال في النهاية: وإلى هذه المسائل أشار الأصحاب بالأصل في قولهم الأصل أن فاسد كل عقد الخ.
وفي الحقيقة: لا يصح استثناء شئ من هذه القاعدة، لا طردا ولا عكسا، لأن المراد بالضمان: المقابل للأمانة بالنسبة للعين، لا بالنسبة لأجرة ولا غيرها.
فالرهن صحيحه أمانة، وفاسده كذلك، والإجارة مثله.
والبيع والعارية صحيحهما مضمون، وفاسدهما مضمون، فلا يرد: شئ.
اه.
(قوله: فرع: لو رهن شيئا إلخ) هذا من فروع القاعدة المذكورة، فالبيع والعارية من طردها، والرهن من عكسها.
وعبارة الروض وشرحه: فرع: لو رهنه أرضا وأذن له في غرسها بعد شهر، فهي قبل الشهر أمانة، بحكم الرهن، وبعده عارية مضمونة، بحكم العارية.
وكذا لو شرط كونها مبيعة
بعد شهر، فهي أمانة قبل الشهر - لما مر - ومبيعة مضمونة بعده، بحكم البيع، فإن غرس فيها المرتهن في الصورتين قبل الشهر: قلع مجانا، أو بعده: لم يقلع في الأولى ولا في هذه مجانا، لوقوعه بإذن المالك، وجهله المعلوم من قوله إلا أن علم فساد البيع وغرس فيقلع مجانا لتقصيره.
اه (قوله: وجعله مبيعا من المرتهن) أي للمرتهن أو عليه، فمن: بمعنى اللام، أو على.
(وقوله: أو عارية بعده) أي أو جعله عارية بعد شهر (قوله: بأن شرطا) أي البيع والعارية.
والباء للتصوير، وصورة ذلك أن يقول: رهنتك هذا بشرط أنه بعد شهر يكون مبيعا لك، أو عارية لك، فحينئذ يفسد الرهن لتأقيته، ويفسد البيع أو العارية لتعليقه، فهو قبل مضي الشهر: أمانة، لأنه مقبوض بحكم الرهن الفاسد.
وبعده: مضمون، بحكم الشراء الفاسد، أو العارية الفاسدة.
(وقوله: لم يضمنه) أي المرتهن إذا تلف.
(وقوله قبل مضي الشهر) أي لأنه أمين حينئذ - كما علمت - (قوله: وإن علم فساده) غاية في عدم ضمان المرتهن: أي لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم بفساد الرهن: أي العقد بذلك.
(وقوله: على المعتمد) لم يذكره في المنهاج وشرحيه - النهاية، والتحفة - ولا في المنهج وشرحه.
فانظره، فإنه يفيد أن خلاف المعتمد يضمنه: إذا علم الفساد (قوله: وضمنه بعده) أي ضمن المرتهن المرهون بعد مضي الشهر، وهذا محترز قوله قبل مضي الشهر (قوله: لأنه) أي الرهن، وهو علة للضمان(3/73)
إذا تلف بعده (قوله: لتعليقهما) أي البيع والعارية، وهو علة لفسادهما (قوله: فإن قال رهنتك الخ) غرضه بهذا بيان محترز قوله: بأن شرطا.
وعبارة النهاية: وخرج بقوله ما لو شرط، ما لو قال رهنتك الخ.
اه.
(وقوله: فسد البيع) أي لتعليقه.
(وقوله: لا الرهن على الأوجه) أي لا يفسد الرهن، أي لعدم تأقيته، وفي النهاية: والأوجه فساده أيضا.
قال ع ش: ووجه الفساد أن مثل هذا إذا وقع يكون مرادا به الشرط.
اه.
(قوله: لأنه) أي الرهن.
(وقوله: لم يشترط فيه) أي عقد الرهن شيئا.
قال سم: لك أن تقول كيف يقال لم يشرط فيه شئ، ومعنى العبارة كما ترى رهنتك بشرط أن يكون مبيعا منك عند انتفاء الوفاء؟ لا يقال صورة المسألة تراخي هذا القول عن صيغة الرهن، لأنا نقول: ذاك بديهي الصحة، لا يحتاج إلى التنبيه عليه، ويكون قول السبكي - فيما يظهر - لا معنى له.
اه (قوله: وله الخ) هذا ثمرة الرهن وفائدته (قوله: طلب بيعه) أي من الراهن (قوله: أو طلب قضاء دينه) أي من غير المرهون (قوله: ولا يلزم) هو من ألزم، فالفاعل يعود على المرتهن.
وقوله: الراهن: مفعول أول، والبيع: مفعول ثان (قوله: بل إنما يطلب المرتهن) إظهار في مقام الإضمار.
(وقوله: أحد الأمرين) هما بيعه، والتوفية من غيره.
قال في النهاية: وفهم من طلب أحد الأمرين أن للراهن أن
يختار البيع والتوفية من ثمن المرهون، وإن قدر على التوفية من غيره، ولا نظر لهذا التأخير، وإن كان حق المرتهن واجبا فورا، لأن تعليقه ألحق بعين الرهن رضا منه باستيفائه منه وطريقه البيع.
اه (قوله: إن حل دين) أي ابتداء أو طرأ حلوله، إذ قبل الحلول: لا تتوجه المطالبة.
اه.
فتح الجواد (قوله: وإنما يبيع الراهن) أي: أو وكيله (قوله: بإذن المرتهن) فان عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم: صح بيعه، لكن لا يتصرف في ثمنه، لتعلق حق الغير به.
وفائدة البيع: استراحته من النفقة عليه مثلا.
اه.
بجيرمي (قوله: عند الحاجة) هو ساقط من عبارة فتح الجواد، وهو الأولى، وإن كان ثابتا في متن المنهج.
إذ يللراهن بيعه بإذن المرتهن مطلقا، كانت له حاجة أو لا، كحلول الدين، وإشراف الرهن على الفساد (قوله: لأن الخ) علة لكونه إنما يكون بإذن المرتهن.
وقوله له أي للمرتهن، وقوله فيه: أي في المرهون (قوله: ويقدم المرتهن بثمنه الخ) وذلك لأن حقه متعلق به وبالذمة، وحقهم متعلق بالذمة فقط.
اه.
شرح المنهج (قوله: فإن أبى المرتهن الإذن، قال له الحاكم الخ) أي دفعا لضرر الراهن.
قال في التحفة: فإن أصر: باعه الحاكم، أو أذن للراهن في بيعه، ومنعه من التصرف في ثمنه، إلا إذا أبى أيضا من أخذ دينه منه، فيطلق للراهن التصرف فيه.
اه.
(قوله: ويجبر راهن) يقرأ الفعل بالبناء للمجهول.
(وقوله: أي يجبره الحاكم) أي يلزمه (قوله: على أحد الأمرين) هما بيع المرهون ليوفي منه، ووفاء الدين من غيره (قوله: إذا امتنع) أي الراهن مما طلبه منه المرتهن (قوله: بالحبس) متعلق بيجبره.
(وقوله: وغيره) أي غير الحبس مما يراه الحاكم، كالتعزير (قوله: فإن أصر) أي الراهن: أي دام على الامتناع ولم ينفع إجبار الحاكم.
وفي التحفة ما نصه: وقضية المتن وغيره أن القاضي لا يتولى البيع إلا بعد الإصرار على الإباء: وليس مراد أخذا من قولهم في التفليس، إنه بالامتناع من الوفاء: يخير القاضي بين توليه للبيع، وإكراهه عليه.
اه.
(قوله: أو كان غائبا) هذه معطوف على أصر، وهو مرتب على إجبار الحاكم، فهذا مرتب عليه أيضا، وإجبار الحاكم إياه يقتضي أنه حاضر ليس بغائب، والفرض أنه غائب، فالمناسب أن يجعله تنظيرا: بأن يقول، كما لو كان غائبا، (وقوله: وليس له) أي للراهن، ممتنعا كان، أو غائبا.
وقوله ما يوفي منه: أي شئ يوفي ذلك الدين منه غير المرهون، فإن كان له ما يوفي منه(3/74)
غيره: لا يتعين بيعه.
في النهاية ما نصه: أفتى السبكي بأن للحاكم بيع ما يرى بيعه من المرهون وغيره عند غيبة المديون أو امتناعه، لأن له ولاية على الغائب، فيفعل ما يراه مصلحة، فإن كان للغائب نقد حاضر من جنس الدين، وطلب المرتهن: وفاه منه، وأخذ المرهون، فإن لم يكن له نقد حاضر، وكان بيع المرهون أروج، وطلب المرتهن: باعه دون
غيره، ولو لم يجد المرتهن عند غيبة الراهن بينة، أو لم يكن ثم حاكم في البلد، فله بيعه بنفسه، كالظافر بغير جنس حقه.
اه.
بحذف (قوله: باعه عليه) أي قهرا عليه (قوله: بعد ثبوت الدين) أي ببينة.
(وقوله ملك الراهن) أي وبعد ثبوت أن العين المرهونة ملك للراهن.
وقد يقال: اليد عليه للمرتهن، فيكفي إقراره بأنه ملك للراهن.
(وقوله والرهن) أي وبعد ثبوت أنها رهن عند المرتهن، لاحتمال كونها وديعة مثلا.
(وقوله وكونه بمحل ولايته) أي وبعد ثبوت كون الرهن بمحل ولاية القاضي، فالضمير يعود على الرهن، بمعنى المرهون (قوله: وقضى الدين الخ) معطوف على باعه (قوله: دفعا لضرر المرتهن) تعليل لبيع القاضي المرهون (قوله: ويجوز للمرتهن إلخ) أي كما يجوز له طلب البيع من الراهن وطلب قضاء الدين (قوله: في دين حال) مثله المؤجل، إلا أنه لا يشترط فيه أن يكون البيع بحضرة الراهن - كما ستعرفه - (قوله: بإذن الراهن) أي في بيعه، ومحله إذا قال له بعه لي، أو أطلق، فإن قال بعه لك: لم يصح، للتهمة.
اه.
بجيرمي نقلا عن ابن حجر (قوله: بخلافه في غيبته) أي بخلاف البيع في غيبة الراهن، فإنه لا يصح، وذلك لأنه يبيعه لغرض نفسه، فيهتم بترك الاحتياط (قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله بخلافه في غيبته.
(وقوله إن قدر له الثمن) أي قدر الراهن للمرتهن الثمن الذي يباع به المرهون، كعشرة ومثله ما لو كان الدين مؤجلا، وأذن له في البيع حالا، أو كان ثمن المرهون لا يفي بالدين، والاستيفاء من غيره متعذر، أو متعسر بفلس أو غيره.
(وقوله: صح مطلقا) ، أي سواء كان الراهن حاضرا أو غائبا (قوله: ولو شرطا) أي الراهن والمرتهن في عقد الرهن (قوله: أن يبيعه) أي المرهون (قوله: عند المحل) بكسر الحاء: أي حلول الدين (قوله: جاز بيعه) أي الثالث للمرهون، والمناسب جاز الشرط، وصح البيع، وعلله في التحفة: بأنه لا محذور فيه.
وقوله بثمن مثل حال: أي ومن نقد البلد، فإن أخل بشئ من هذه الثلاثة: لم يصح البيع، لكن لا يضر النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس، لأنهم يتسامحون به.
اه.
شرح المنهج (قوله: ولا يشترط مراجعة الراهن) أي مراجعة الثالث المأذون له في البيع الراهن، فالمصدر مضاف إلى مفعوله بعد حذف الفاعل (قوله: لأن الأصل بقاء إذنه) أي إذن الراهن الذي تضمنه الشرط (قوله: بل المرتهن) أي بل يشترط مراجعة المرتهن.
وفي شرح المنهج: أما المرتهن، فقال العراقيون يشترط مراجعته قطعا، فربما أمهل أو أبرأ.
وقال الإمام: لا خلاف أنه لا يراجع، لأن غرضه توقية الحق، والمعتمد الأول، لأن أنه في البيع قبل القبض: لا يصح.
اه (قوله: لأنه) أي المرتهن.
(وقوله: قد يمهل) أي الراهن الذي هو المدين.
(وقوله ويبرئ) أي يسامح في الدين الذي له (قوله: وعلى مالكه) أي المرهون.
(وقوله من راهن أو معير) بيان للمالك.
(وقوله: أي للراهن) ، وهو متعلق بمعير
(قوله: مؤنة للمرهون) المراد بها ما يسمى في العرف مؤنة، وهي التي يكون بها بقاؤه، فخرج حينئذ أجرة الفصد، والحجامة، وتوديج دابة، وهو كالفصد في الآدمي، والمعالجة بالأدوية، فلا تجب عليه، لأنها لا تسمى مؤنا عرفا (قوله: كنفقة رقيق الخ) تمثيل للمؤنة.
(وقوله: وعلف دابة) أي وأجرة سقي أشجار، وجذاذ ثمار، وتجفيفها.
(وقوله: ومكان حفظ) أي وأجرة المكان الذي يحفظ فيه المرهون، ومثل ذلك: أجرة نفس الحفظ.
وعبارة التحفة: ومنها أجرة حفظه، وسقيه، وجذاذه، وتجفيفه، ورده إن أبق.
اه (قوله: وإعادة ما يهدم) أي وكإعادة الدار المرهونة التي قد هدمت (قوله:(3/75)
إجماعا) مرتبط بالمتن: أي هي على المالك إجماعا.
(وقوله: خلافا لما شذبه إلخ) أي من أن المؤنة على المرتهن.
اه.
مغني.
(وقوله: الحسن) أي البصري، كما في النهاية، وفي التحفة: الحسن البصري، أو الحسن بن صالح، فهو متردد في ذلك (قوله: فإن غاب أو أعسر) أي المالك.
(وقوله: راجع المرتهن الحاكم) وفي القليوبي، ولو تعذرت المؤنة من الراهن لغيبته أو إعساره: ماله الحاكم من ماله - إن رأى له مالا، وإلا فيقترض عليه، أو يبيع جزءا منه.
ولو ماله المرتهن: رجع إن كان بإذن الحاكم (قوله: وله الإنفاق بإذنه) أي للمرتهن أن ينفق على المرهون بإذن الحاكم.
(وقوله: ليكون) أي المرهون رهنا بالنفقة.
(وقوله: أيضا) أي كما أنه رهن بالدين (قوله: فإن تعذر استئذانه) أي الحاكم لفقده مثلا، (وقوله: وأشهد) أي المرتهن.
(وقوله: بالإنفاق) أي على إنفاقه للمرهون.
(وقوله: رجع) أي كفى ذلك، ورجع على المالك بما أنفقه (قوله: وإلا) أي وإن لم يتعذر استئذانه: بأن سهل ولم يستأذن، سواء شهد أم لا، أو تعذر ولم يشهد، فالنفي راجع للمعطوف، والمعطوف عليه.
ويستخرج من ذلك ثلاث صور.
وقوله: فلا: أي فلا يرجع بما أنفقه في الصور الثلاث المذكورة (قوله: وليس له إلخ) إي يحرم عليه ذلك، ولا ينفذ منه شئ من التصرفات، إلا إعتاق الموسر، وإيلاده، فينفذان منه، ويغرم قيمته وقت إحباله وإعتاقه، وتكون رهنا مكانه بغير عقد، لقيامها مقامه.
(وقوله: بعد لزوم الرهن) أي وهو يحصل بالقبض، كما مر (قوله: ورهن لاخر) أي ليس له رهنه لآخر غير المرتهن الأول، وليس له أن يرهنه للأول أيضا بدين آخر، لأنه مشغول، والمشغول لا يشغل، ويصح الرهن فوق الرهن بالدين الواحد، ولذا قال ابن الوردي: والرهن فوق الرهن بالدين لا الدين فوق الدين بالرهين (قوله: لئلا يزاحم المرتهن) تعليل لعدم صحة رهن المرهون لآخر: أي لا يصح ذلك، لئلا يزاحم ذلك الآخر
المرتهن الأول في حقه، فيفوت مقصود الرهن.
ويصح قراءة الفعل بصيغة المبني للمجهول، وبصيغة المبني للفاعل، فهو بفتح الحاء وكسرها (قوله: ووطئ للمرهونة) أي وليس للمالك وطئ للأمة المرهونة.
قال في النهاية: نعم، لو خاف الزنا لو لم يطأها: فله وطؤها، فيما يظهر، لأنه كالمضطر.
اه (قوله: بلا إذنه) ظاهر صنيعه أنه متعلق بوطئ فقط، مع أنه متعلق بجميع ما قبله: من البيع، والوقف، والرهن.
ولو قدم الغاية - أعني قوله وإن لم تحبل عليه - لأمكن رجوعه للجميع.
وعبارة شرح المنهج: ويجوز التصرف المذكور مع المرتهن ومع غيره بإذنه.
اه.
وهي ظاهرة (قوله: وإن لم تحبل) غاية لحرمة وطئها: أي لا يجوز وطئ الأمة المرهونة، وإن لم تكن ممن تحبل كأن كانت صغيرة، أو آيسة (قوله: حسما للباب) عبارة التحفة: وذلك لخوف الحبل فيمن يمكن حبلها، وحسما للباب في غيرها.
اه.
قال في المصباح: حسم من باب ضرب، فانحسم: بمعنى قطعه، فانقطع، وحسمت العرق، على حذف مضاف.
والأصل: حسمت دم العرق، إذا قطعته ومنعته السيلان بالكي بالنار.
ومنه قيل للسيف حسام، لأنه قاطع لما يأتي عليه.
وقولهم حسما للباب: أي قطعا للوقوع قطعا كليا.
اه، أي أنه إنما منع من وطئها، ولو لم تحبل، قطعا لباب الوطئ: أي للوقوع في الوطئ قطعا كليا (قوله: بخلاف سائر التمتعات) كالمعانقة، والمفاخذة، والقبلة (قوله: فتحل إن أمن الوطئ) فإن لم يأمنه: فلا تحل (قوله: وتزويج) أي وليس له تزويج أمته المرهونة على غيره، فإن زوج: فالنكاح باطل.
وخرج بقوله تزويج: ما لو راجع أمته المطلقة على زوجها، فإنها صحيحة، لتقدم حق الزوج (قوله: لنقصه) أي التزويج القيمة، وهو علة لعدم(3/76)
صحة التزويج المذكور (قوله: لأمنه) أي له.
فمن: بمعنى اللام، أي لا إن كان التزويج منه، أي للمرتهن نفسه (قوله: إن جاوزت مدتها المحل) بكسر الحاء: أي زمن الحلول، بأن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضائها، أي مدة الإجارة: فتبطل من أصلها، وإن جوزنا بيع المؤجر.
وإنما لم تصح الإجارة حينئذ: لأنها تنقص القيمة، أي وتقلل الرغبات، فإن كان يحل بعد انقضائها، أو معه: صحت، إن لم تؤثر نقصا في القيمة، ولم يطل تفريغ المأجور بعد الحلول، وكان المستأجر عدلا، أو رضي به المرتهن، لانتفاء المحذور حالة البيع.
اه.
فتح الجواد (قوله: ويجوز له) أي للمالك: راهنا كان، أو معيرا.
(وقوله: الانتفاع) أي الذي لا ينقصه، أي مع عدم استرداده من المرتهن إن أمكن الانتفاع الذي يريده منه عنده: كأن يكون عبدا يخيط وأراد منه الخياطة، أو مع استرداده منه إن لم يمكن ذلك عنده، كأن يكون دارا يسكنها، أو دابة يركبها، أو عبدا يخدمه، لكن يرده إلى المرتهن ليلا، ويشهد عليه المرتهن بالاسترداد للانتقاع
شاهدين في كل استردادة.
(وقوله: بالركوب) لو قال بنحو الركوب، لكان أولى.
والمراد به: أن يكون في البلد، وإن اتسعت جدا، لامتناع السفر به، وإن قصر بلا إذن، إلا لضرورة: كنهب، أو جدب (قوله: لا بالبناء والغرس) أي لا يجوز له الانتفاع بهما، وذلك لأنهما ينقصان قيمة الأرض، لكونها مشغولة بالبناء والغرس الخارجين عن الرهن، لأن حق المرتهن: تعلق بالأرض خالية منهما، فتباع للدين وحدها مع كونها مشغولة بهما (قوله: نعم: لو كان الدين إلخ) استدراك من عدم جواز الانتفاع بالبناء والغرس (قوله: وقال) أي المالك (قوله: فله ذلك) أي الانتفاع بالبناء والغرس، ومحله: ما لم تنقص قيمة الأرض بالقلع، ولم تطل مدته.
اه.
ح ل (قوله: وأما وطئ المرتهن الخ) مقابل لمحذوف: أي ما تقدم من التفصيل في الوطئ بين أن يكون بإذن المرتهن، فيصح، وبين أن لا يكون بإذنه، فلا يصح بالنسبة للراهن.
أما بالنسبة للمرتهن، فلا يصح منه رأسا، فلو فعله: كان زنا (قوله: فزنا) أي فهو زنا.
(وقوله: حيث علم التحريم) أي وحيث لا شبهة، فإن جهل التحريم، أي تحريم الزنا، بوطئ المرهونة لظنه أن الارتهان مبيح للوطئ وعذر، بأن قرب إسلامه، ولم يكن مخالطا لنا بحيث لا يخفى عليه ذلك، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء بذلك، أو كان الوطئ شبهة بأن ظنها زوجته أو أمته: فلا يحد، لأنه ليس زانيا، ويلزمه المهر فقط، والولد حر نسيب، وعليه قيمة الولد لمالكها لتفويته الرق عليه (قوله: فعليه الحد) أي فعلى الواطئ الذي هو المرتهن الحد، لأنه زان.
(وقوله: ويلزمه المهر) أي مهر ثيب إن كانت ثيبا، ومهر بكر إن كانت بكرا، وأرش بكارة إن لم يأذن له في الوطئ، وإلا لم يجب الأرش.
اه.
شوبري.
(وقوله: ما لم تطاوعه عالمة بالتحريم) صادق بصورتين، عدم مطاوعتها له أصلا: بأن أكرهها، ومطاوعتها له مع جهلها بالتحريم، كأعجمية لا تعقل.
واحترز به: عما إذا طاوعته عالمة بالتحريم، فإنه لا مهر لها (قوله: وما نسب إلى عطاء من تجويزه الوطئ) أي وطئ المرتهن الأمة المرهونة.
(وقوله: ضعيف جدا) خبر ما (قوله: بل قيل إنه) أي ما نسب لعطاء (قوله: عن الحكم الخ) أي من الضمان وعدمه.
وقوله من ارتهان الحلى: بيان لما، أي توثقة لما يقرضنه من أموالهن.
(وقوله: مع الإذن) أي من الراهن.
(وقوله: في لبسها) أي الحلي.
والمناسب تذكير الضمير (قوله: لأن ذلك) أي الارتهان مع اللبس.
(وقوله: في حكم إجارة فاسدة) أي وهو عدم الضمان (قوله: معللا ذلك) أي كون ما ذكر في حكم(3/77)
الإجارة الفاسدة (قوله: لا تقرض مالها إلا لأجل الخ) أي فهو في مقابلة الرهن واللبس (قوله: فجعل ذلك) أي قرض النسوة مالهن.
(وقوله: عوضا فاسدا) أي لعدم الصيغة، ولأن ما ذكر لا يصح أن يكون عوضا.
(وقوله: في مقابلة
اللبس) أي لبس الحلي المرهون، والأنسب في مقابلة الارتهان واللبس (قوله: ولو اختلفا الخ) شروع في الاختلاف في الرهن وما يتبعه، وقد عقد المنهاج له فصلا مستقلا (قوله: في أصل رهن) أي رهن تبرع، وهو الذي لم يشترط في بيع أو رهن مشروط في بيع (قوله: كأن قال) أي الدائن الذي هو المرتهن.
(وقوله: رهنتني كذا) أي ثوبا، أو حليا، أو عبدا، أو غير ذلك.
(وقوله: فأنكر الآخر) أي أصل الرهن، وقال لم أرهنك شيئا.
وهذا الذي وضعته عندك مثلا وديعة.
وتسميته حينئذ راهنا: بحسب زعم المرتهن، أو بحسب الصورة (قوله: أو في قدره) أي أو في عينه، كأن قال رهنتي هذا العبد، فقال بل الثوب أو صفته كقدر الأجل.
(وقوله: أي المرهون) في كلامه استخدام، لأنه ذكر الرهن أولا بمعنى العقد، وأعاد عليه الضمير بمعنى المرهون (قوله: أو قدر المرهون به) أي أو اختلفا في قدر المرهون به: أي الدين الذي رهن هذا الشئ فيه، أي أو في عينه كدراهم ودنانير، أو صفته: كأن يدعي المرتهن أنه رهن على المائة الحالة، فيستحق الآن بيعه، وادعى الراهن أنه على المؤجل.
(وقوله: كبألفين) أي كأن قال المرتهن رهنتني الأرض، أو العبد بألفين، فقال له الراهن بل بألف، وفائدة ذلك: انفكاك الرهن بأداء الألف على أن القول قول الراهن، وعدم انفكاكه بأدائها على أن القول قول المرتهن (قوله: صدق راهن بيمينه) جواب لو.
وفي سم ما نصه: في شرح العباب قال الزركشي: والكلام في الاختلاف بعد القبض، لأنه قبله لا أثر له في تحليف ولا دعوى، ويجوز أن تسمع فيه الدعوى، لاحتمال أن ينكل الراهن، فيحلف المرتهن، ويلزم الراهن بإقباضه له، كما ذكره في الحوالة والقرض ونحوهما.
اه.
اعتمده م ر: هذا الاحتمال.
اه (قوله: وإن كان المرهون بيد المرتهن) غاية لتصديق الراهن، وهي للرد على القول الضعيف القائل: إذا كانت العين بيد المرتهن: فهو المصدق، ترجيحا لدعواه بيده - كما في الدميري - اه.
بحيرمي.
(قوله: لأن الأصل عدم الخ) وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده، وهو تعليل لتصديق الراهن (قوله: ولو ادعى مرتهن هو) أي ذلك المرهون.
(وقوله: بيده) أي المرتهن.
ومثل ذلك: ما إذا كان بيد الراهن، وقال المرتهن رهنتني إياه، وأخذته مني للانتفاع به مثلا (قوله: أنه الخ) المصدر المؤول مفعول ادعى، وضميره يعود على المرهون ويصح عوده على المرتهن (وقوله: قبضه بالإذن) أي إذن الراهن (قوله: وأنكره الراهن) أي أنكر القبض بالإذن (قوله: صدق) أي الراهن، لأن الأصل: عدم لزوم الرهن، وعدم إذنه في القبض عن الرهن.
قال ع ش: وعليه فلو تلفت في هذه الحالة في يد المرتهن - فهل يلزمه قيمتها وأجرتها أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب: الثاني.
لأن يمين الراهن: إنما قصد به دفع دعوى المرتهن لزوم الرهن، ولا يلزم من ذلك ثبوت الغصب ولا غيره.
اه (قوله: وقال أديته عن ألف الرهن) أي أو عن ألف الكفيل (قوله:
صدق) أي من قال ذلك (قوله: لأن المؤدي أعرف بقصده وكيفيته) أي الأداء.
قال ع ش: ومن ذلك ما لو اقترض شيئا ونذر أن للمقرض كذا ما دام المال في ذمته أو شئ منه، ثم دفع له قدرا يفي بجميع المال، وقال قصدت به الأصل: فيصدق، ولو كان المدفوع من غير جنس الدين.
اه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل التعليل المذكور، وهو أن المؤدي(3/78)
أعلم بقصده وكيفية أدائه، يؤخذ أنه لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه: وقع عنه.
وذلك لأنه مؤد، وهو أعلم بقصده.
والظاهر أنه يقال هنا أيضا إذا لم ينو شيئا حال الأداء، ثم بعده نوى أنه عن الدين: وقع عنه (قوله: ثم إن لم ينو الخ) مرتبط بالمسألة الأولى، أعني قوله من عليه ألفان، أي ثم إن لم ينو الدافع الذي عليه ألفان وبأحدهما رهن أو كفيل بالألف التي دفعها شيئا: أي لم يلاحظ حال الدافع أنها عن ألف الرهن أو غيرها (قوله: جعله) أي ما أداه عما شاء منهما: أي من ألف الرهن، أو الكفيل، أو الألف الثانية التي فيها رهن ولا كفيل، فإن جعله عنهما: قسط عليهما بالسوية، فإن مات قبل التعيين قام وارثه مقامه.
وقوله لأن التعيين إليه: أي أمره موجه إليه، أي المؤدي.
(خاتمة) نسأل الله حسنها.
من مات وعليه دين مستغرق أو غيره لله تعالى، أو لآدمي: تعلق بتركته كتعلق الدين بالمرهون، لأن ذلك أحوط للميت، وأقرب لبراءة ذمته، فلا ينفذ تصرف الوارث في شئ منها غير إعتاقه وإيلاده إن كان موسرا كالمرهون سواء أعلم الوارث الدين أم لا، لأن ما تعلق بالحقوق: لا يختلف بالعلم والجهل، ولا يمنع التعلق إرثا، ولا يتعلق الدين بزوائد التركة الحادثة بعد الموت.
ولو تصرف الوارث ولا دين، فظهر دين بنحو رد مبيع بعيب: تلف ثمنه، ولم يسقط الدين بأداء أو إبراء أو نحوه: فسخ التصرف، لأنه كان سائغا له في الظاهر (قوله تتمة: المفلس الخ) قد أفردها الفقهاء بكتاب مستقل، والأصل فيه: ما رواه الدارقطني وصحح الحاكم إسناده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حجر على معاذ، وباع ماله في دين كان عليه، وقسمه بين غرمائه، فأصابهم خمسة أسباع حقوقهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليس لكم إلا ذلك، ثم بعثه إلى اليمن، وقال لعل الله يجبرك ويؤدي عنك دينك، فلم يزل باليمن حتى توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - (وقوله: المفلس من عليه الخ) أي شرعا، وأما لغة: فهو المعسر.
ويقال من صار ماله فلوسا، والمفلس في الآخرة.
من تعطى حسناته لسيئاته، كما في الحديث، (وقوله: فين) أي لازم، فلا حجر بدين غير لازم، كمال كتابة، لتمكن المدين من إسقاطه.
(وقوله: الآدمي) أي أو لله تعالى، بشرط فوريته، فلا حجر بدين لله تعالى غير فوري، كنذر مطلق، وكفارة لم يعص بسببها، هذا ما جرى عليه شيخ الإسلام وابن حجر.
وفي المغني والنهاية: عدم الحجر بديون الله تعالى لا فرق
فيها بين الفورية وغيرها، (وقوله: حال) فلا حجر بمؤجل، لأنه لا يطالب به.
وقوله زائد على ماله: فلا حجر بالمساوي لماله، أو الناقص عنه.
والمراد بماله: ماله العيني، أو الدين الذي يتيسر الأداء منه حالا، بأن يكون على ملئ مقر أو عليه به بينة، بخلاف نحو منفعة، ومغصوب، وغائب، ودين ليس كذلك، فلا تعتبر الزيادة عليها، لأنها بمنزلة العدم قال في التحفة وأفهم قوله على ماله أنه إذا لم يكن له مال: لا حجر عليه وبحث الرافعي: الحجر عليه منعا له من التصرف فيما عساه أن يحدث: مردود بأن الأصح أن الحجر إنما هو على ماله دون نفسه وما يحدث إنما يدخل تبعا - لا استقلالا.
اه (قوله: يحجر عليه) جملة مستأنفة لبيان حكم المفلس، يعني أن المفلس: هو من عليه الخ.
وحكمه أنه يحجر عليه الخ.
ويصح كونها خبرا عن المفلس، واسم الموصول بعده بدل منه، والحاجر عليه الحاكم بلفظ يدل عليه: نحو منعته من التصرف في أمواله، أو حجرت عليه فيها، أو أبطلت تصرفاته فيها (قوله: بطلبه) أي ولو بوكيله: بأن أثبت غرماؤه الدين عليه فطلب وحده، لأن له فيه غرضا ظاهرا أما طلبه بدون ذلك: فلا يؤثر.
اه حجر (قوله: أو طلب غرمائه) أي ولو بنوا بهم، كأوليائهم، لأن الحجر لحقهم، ولا يحجر عليه بغير طلب منهم، لأنه لمصلحتهم، وهم أصحاب نظر.
نعم: لو ترك ولي المحجور السؤال فعله الحاكم، وجوبا، نظرا لمصلحة المحجور عليه، ومثله ما لو كان المسجد، أو جهة عامة: كالفقراء، أو المسلمين فيمن مات وورثوه وله مال على مفلس والدين مما يحجر به (قوله: وبالحجر) الباء سببية.
(وقوله يتعلق حق الغرماء بماله) : أي عينا كان أو دينا، ولو مؤجرا، فلا يصح إبراؤه منه أو منفعة، فتؤجر أم ولده وما وقف(3/79)
عليه مرة بعد أخرى حتى يوفي ما عليه من الدين.
ويستثنى من ذلك: ما لو حجر عليه في زمن خيار البيع، فإنه لا يتعلق حق الغرماء بالمعقود عليه، بل يجوز له الفسخ والإجازة على خلاف المصلحة.
وخرج بحق الغرماء: حق الله تعالى غير الفوري، على ما مر، كزكاة، وكفارة، ونذر، فلا يتعلق بمال المفلس (قوله: فلا يصح تصرفه) أي المفلس فيه: أي في ماله بما يضرهم: أي الغرماء.
وفي البجيرمي ما نصه: ضابط ما لا يصح منه من التصرفات: هو كل تصرف ما لي متعلق بالعين مفوت على الغرماء حقهم إنشائي في الحياة ابتداء، فخرج بالمال: نحو الطلاق، وبالعين: الذمة كالسلم، وبالمفوت: ملكه من يعتق عليه بهبة أو إرث أو صداق لها، بأن كانت محجورا عليها وجعل من يعتق عليها صداقا لها أو وصية.
وبالإنشاء: الإقرار، وبالحياة: التدبير والوصية ونحوهما وبالابتداء: رده بعيب ونحوه.
قال الأذرعي وله التصرف في نفقته وكسوته بأي وجه كان.
ق ل.
وقوله كوقف وهبة: أي وإيلاد على المعتمد، (قوله: ولا بيعه الخ) معطوف على
تصرفه: أي ولا يصح بيع المفلس، ولو على غرمائه، وذلك لأن الحجر يثبت لأجل الغرماء الحاضرين وغيرهم.
ومن الجائز أن يكون له غريم آخر.
والغاية للرد على القائل بصحة البيع حينئذ إن اتحذ جنس الدين، وباعهم بلفظ واحد.
وقوله بغير إذن القاضي - فإن كان بإذنه: صح (قوله: ويصح إقراره الخ) أي فيقبل في حق الغرماء ما أقر به، فيأخذ المقر له العين المقر بها، ويزاحمهم في الدين.
(وقوله: بعين) أي مطلقا أسند وجوبها لما قبل الحجر، أولا، (وقوله: أو دين أسند وجوبه) أي ثبوته في ذمته لما قبل الحجر، فإن أسند وجوبه لما بعد الحجر، وقيده بمعاملة أو لم يقيده بها ولا بغيرها، أو لم يسند وجوبه لما قبل الحجر ولا لما بعده: لم يقبل إقراره في حقهم، فلا يزاحمهم المقر له.
وأما في حقه: فيقبل، فما أقر به: يثبت في ذمته (قوله: ويبادر قاض ببيع ماله) أي ندبا، وقيل وجوبا.
وذلك لئلا يطول زمن الحجر، ولا يشرع في المبادرة لئلا يطمع فيه بثمن بخس.
ومراده بالقاضي: قاضي بلد المفلس، إذ الولاية على ماله، ولو بغير بلده، له تبعا للمفلس.
ومثل ماله، كما في ق ل، النزول عن الوظائف بدراهم.
(وقوله: ولو مسكنه وخادمه) أي ومركوبه، وإن احتاجها لمنصبه، أو غيره كزمانة، لأن تحصيلها بالكراء يمكن، بل هو أسهل.
(وقوله: بحضرته مع غرمائه) أي والبيع المذكور يكون بحضرة المفلس، أي أو نائبه، وبحضرة الغرماء، أي أو نوابهم، وذلك لأن ما ذكر: أطيب للقلوب، وأنفى للتهمة، ولأن المفلس قد يبين ما في ماله من العيب فلا يرد، أو يذكر صفة مطلوبة فتكثر فيه الرغبة، وهم قد يزيدون في الثمن (قوله: وقسم ثمنه الخ) معطوف على بيع ماله: أو ويبادر القاضي بعد البيع بقسم ثمنه بينهم، فهم مقدمون على غيرهم، كما تقدم - نعم: يقدم المفلس على الغرماء بمؤنته ومؤنة عياله ومؤن تجهيز وتجهيزهم ويترك له ولهم دست ثوب يليق بهم، وهي بفتح الدال: جملة من الثياب، وهي المسماة في عرف العامة بالبدلة: وهي قميص، وسراويل، ومنديل ومكعب: أي مداس، بكسر الميم وزاد في الشتاء نحو جبة، وفروة ولا يترك له فرش وبسط، ولكن يتسامح باللبد والحصير القليل القيمة.
ويترك للعالم: كتبه - إن لم يكتف عنها بكتب الوقف، ويترك للجندي سلاحه وخيله المحتاج إليهما، إن لم يكن متطوعا بالجهاد، وإلا فوفاء الدين له أفضل (قوله: كبيع مال إلخ) الكاف للتنظير - يعني أن القاضي يبادر ببيع مال المفلس وقسمه، كما أنه له ذلك في مال ممتنع من أداء حق وجب عليه أداؤه.
وعبارة النهاية: وما ثبت للمفلس من بيع ماله، كما ذكر، رعاية لحق الغريم، يأتي نظيره في ممتنع عن أداء حق وجب عليه: بأن أيسر وطالبه به صاحبه وامتنع من أدائه، فيأمر الحاكم به، فإن امتنع وله مال ظاهر وهو من جنس الدين.
وفى منه، أو من غيره باع عليه ماله إن كان بمحل ولايته.
ولكن يفارق الممتنع: المفلس، في أنه لا يتعين على القاضي بيع ماله كالمفلس، بل له بيعه،
كما تقرر، وإكراه الممتنع مع تعزيره بحبس أو غيره على بيع ما يفي بالدين من ماله، لا على بيعه جميعه مطلقا.
الخ.
اه (قوله: ولقاض إكراه إلخ) بيان لما يفارق فيه الممتنع المفلس.
(وقوله: بالحبس) متعلق بإكراه.
(وقوله: وغيره) أي(3/80)
الحبس.
(وقوله: من أنواع التعزير) بيان لغير الحبس (قوله: ويحبس مدين مكلف الخ) وإذا ادعى أنه معسر، أو قسم ماله بين غرمائه، أو أن ماله المعروف تلف، وزعم أنه لا يملك غيره، وأنكر الغرماء ذلك، فإن لزمه الدين في معاملة مال، كشراء، أو قرض، فعليه البينة بإعساره في الأولى، وبأنه لا يملك غيره في الثانية، لأن الأصل: بقاء ما وقعت عليه المعاملة، وبالتلف في الثالثة: وإن لم يلزمه في معاملة مال، كصداق وضمان وإتلاف، ولم يعهد له مال: صدق بيمينه في الأصح، لأنه خلق، ولا مال له، والأصل بقاء ذلك.
والبينة: رجلان، لا رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، ويشترط في بينة الإعسار: خبره باطنة بطول جوار، وكثرة مخالطة، لأن الأموال تخفى، وأما بينة التلف: فلا يشترط فيها ما ذكر، ولتقل عند الشهادة: هو معسر، لا يملك إلا ما يبقى لممونه، فتقيد النفي، ولا تمحضه: كقولها لا يملك شيئا لأنه كذب (قوله: لا أصل الخ) أي لا يحبس أصل بدين فرعه، لأنه عقوبة، ولا يعاقب الوالد بالولد، ولا فرق بين دين النفقة وغيرها (قوله: خلافا للحاوي كالغزالي) أي خلافا لما جرى عليه في الحاوي الصغير، تبعا للغزالي من حبسه، لئلا يمتنع من الأداء فيعجز الابن عن الاستيفاء منه، ورد بمنع العجز عن الاستيفاء لأنه مبني ثبت للوالد مال: أخذه القاضي قهرا وصرفه إلى دينه (قوله: وإذا ثبت إعسار مدين) أي بالبينة إن عهد له مال، أو باليمين إن لم يعهد له مال، كما تقدم، وقوله لم يجز حبسه: أي لقوله تعالى: * (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) * (1) (وقوله: ولا ملازمته) أي دوام مطالبته (قوله: بل يمهل) أي ولا يحبس، ولا يطالب، بل تحرم مطالبته (قوله: وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره) أي مطالبته بدلا عن الحبس (قوله: ما لم يختر المدين) إظهار في مقام الإضمار (قوله: فيجاب) أي المدين.
(وقوله: إليه) أي إلى ما اختاره، والفعل منصوب بأن مضمرة، لوقوعها بعد فاء السببية، الواقعة بعد النفي (قوله: وأجرة الحبس، وكذا الملازم) أي السجان على المدين، أي المحبوس، ومثل ذلك: نفقته، فهي عليه، هذا إذا كان له مال ظاهر، فإن لم يكن له مال: فعلى بيت المال، وإلا فعى مياسير المسلمين (قوله: وللحاكم منع المحبوس الاستئناس بالمحادثة) أي وشم الرياحين لترفه.
(وقوله: وحضور الجمعة) ، بالنصب: عطف على الاستئناس - أي ومنعه حضور الجمعة.
(وقوله: وعمل الصنعة) أي ومنعه عمل الصنعة.
والذي في فتح الجواد: لا يمنعه من عمل الصنعة.
اه (قوله: إن رأي) أي الحاكم
المصلحة فيه.
أي في المنع المذكور (قوله: ويجوز لغريم المفلس الخ) ذلك لخبر الصحيحين إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها: فهو أحق بها من الغرماء ولخبر أبي هريرة أيما رجل أفلس، أو مات مفلسا: فصاحب المتاع أحق بمتاعه وخرج بغريم المفلس: غريم موسر ممتنع، أو غائب، أو ميت، وإن امتنع وارثه، فلا يرجع في متاعه، وذلك لإمكان الاستيفاء بالسلطان، وعجزه نادر.
(وقوله: المحجور عليه) بدل من المفلس، أو صفة له.
(وقوله: أو الميت) أي أو المفلس الذي مات، ولو قبل الحجر.
(قوله: الرجوع) أي بشروط تسعة - أولها: كونه في معاوضة محضة كبيع، وهي التي تفسد بفساد المقابل، فخرج: النكاح، والخلع، فلو تزوج امرأة بصداق في ذمته، ودخل بها، ثم أفلس: فليس لها الرجوع في بعضها، أو خالعها على عوض في ذمتها، ثم حجر عليها بالفلس، فليس له الرجوع في المرأة.
ثانيها: رجوعه عقب علمه بالحجر.
ثالثها: كون رجوعه بنحو فسخت البيع.
رابعها: كون عوضه غير مقبوض، فلو كان قبض منه شيئا: ثبت الرجوع بما يقابل الباقي.
خامسها: تعذر استيفاء العوض بسبب الإفلاس.
سادسها: كون العوض
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 280.(3/81)
دينا، فلو كان عينا: قدم بها على الغرماء سابعها: حلول الدين.
ثامنها: بقاؤه في ملك المفلس.
تاسعها: عدم تعلق حق لازم به.
وقد ذكر المؤلف بعض هذه الشروط (قوله: فورا) خرج به تراخي العالم، بأن له ذلك فورا لتقصيره، بخلاف الجاهل، ولو كان مسلما مخالطا لنا: فيما يظهر، لخفاء ذلك على أكثر العامة، بل المتفقهة.
وقوله إلى متاعه: أي كله، إن لم يقبض شيئا من الثمن، أو بعضه: إن قبض شيئا منه.
(وقوله: إن وجد) أي المتاع في ملكه، أي المفلس وخرج به: ما لو خرج عن ملكه حسا أو شرعا: كتلف، وبيع، ووقف، فلا رجوع.
(وقوله: ولم يتعلق به حق لازم) أي يمنع بيعه.
وخرج به: ما لو تعلق به ذلك، كرهن مقبوض، وجناية توجب مالا متعلقا برقبته، وكتابة صحيحة، فلا رجوع أيضا.
(وقوله: والعوض حال) أي دين حال وتعذر حصوله بسبب الإفلاس.
فخرج بدين: العين، كما لو اشترى عبدا بأمة ولم يسلمها للبائع حتى حجر عليه، فيطالب البائع بها، ولا يرجع في العبد - وبحال: أي وقت الرجوع ما لو كان مؤجلا وقته وبتعذر حصوله بسبب الإفلاس: ما لو لم يتعذر بسببه - كأن كان به رهن يفي، أو ضمان ملئ مقر، فلا رجوع في جميع هذه المخرجات (قوله: وإن تفرخ البيض الخ) أي: له الرجوع في عين ماله، وإن تغيرت صفته: كأن صار البيض فرخا، أو صار البذر نباتا، أو صار الزرع مشتد الحب.
وفي البجيرمي ما نصه: ولو تغيرت صفة المبيع حتى صار
الحب زرعا أخضر، أو البيض فرخا، أو العصير خلا، أو الزرع مشتد الحب، أو زوجت الأمة وولدت، أو خلط الزيت أو نحوه من المثليات بمثله، أو بدونه: رجع البائع فيه نباتا، وفراخا، وخلا، ومشتد الحب، لأنها من عين ماله، اكتسبت صفة أخرى، فأشبه صيرورة الودي نخلا.
اه.
ابن حجر: قال سم: وقياسه على الودي في مجرد ثبوت الرجوع، فلا ينافي أن الزيادة في الودي إذا صار نخلا للبائع، كما هو ظاهر، بخلاف الزيادة في المذكورات، فإنها للمفلس.
اه (قوله: ولو بلا قاض) أي فلا يحتاج في الرجوع إلى الرفع له.
(وقوله: بنحو فسخت) متعلق بيحصل - أي يحصل بنحو فسخت العقد: كنقضته، أو أبطلته (قوله: لا بنحو بيع وعتق) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع وعتق من وقف ووطئ.
قال في النهاية: وتلغو هذه التصرفات، لمصادفتها ملك الغير.
اه.
(وقوله: فيه) أي في المبيع.
وفي: بمعنى اللام، أي له.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل أي في بيان حجر المجنون والصبي والسفيه.
(واعلم) أن الحجر نوعان: نوع شرع لمصلحة الغير قصدا وبالذات، كالحجر على المفلس للغرماء، والراهن للمرتهن في المرهون، والمريض للورثة في ثلثي ماله، والعبد لسيده، والمكاتب لسيده، ولله تعالى، والمرتد للمسلمين، ولها تراجم، تقدم بعضها، وبعضها يأتي.
ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه، وهو ما ذكر في هذا الفصل، وقد نظم بعضهم أقسام الحجر بنوعيه بقوله: ثمانية لم يشمل الحجر غيرهم تضمنهم بيت وفيه محاسن: صبي، ومجنون، سفيه، ومفلس رقيق، ومرتد، مريض، وراهن فالثلاثة الأول: حجر عليهم لحقهم، ومن بعدهم لحق غيرهم.
والرقيق في البيت: شامل للقن وللمكاتب.
وفي قوله لم يشمل الحجر غيرهم نظر ظاهر، وذلك لعدم انحصار النوع الأول، إذ منه: الحجر على السيد في العبد الذي(3/82)
كاتبه، والحجر على الورثة في التركة، والحجر على المشتري في المبيع قبل القبض.
وقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين صورة، بل قال الأذرعي: هذا باب واسع جدا، لا تنحصر أفراد مسائله (قوله: يحجر بجنون الخ) وذلك لقوله تعالى: * (فإن كان الذي عليه الحق سفيها، أو ضعيفا، أو لا يستطيع أن يمل هو، فليملل وليه بالعدل) * (1) فجعل تعالى لهم
أولياء، فدل على الحجر عليهم.
وفسر الإمام الشافعي - رضي الله عنه - السفيه: بالمبذر، والضعيف: بالصبي، والذي لا يستطيع أن يمل هو: بالمغلوب على عقله - وهو المجنون - ثم إن معنى الحجر لغة: المنع.
ومنه تسمية العقل حجرا: لمنعه صاحبه من ارتكاب ما لا يليق، وهذا إذا كان بفتح الحاء.
وأما إذا كان بكسرها: فيطلق على الفرس، وعلى حجر إسماعيل، وعلى العقل وعلى حجر ثمود، وعلى المنع، وعلى الكذب، وعلى حجر الثوب ونظمها بعضهم في قوله: ركبت حجرا وطفت البيت خلف الحجروحزت حجرا عظيما ما دخلت الحجر لله حجر منعني من دخول الحجر ما قلت حجرا ولو أعطيت ملء الحجر فقوله ركبت حجرا: أي فرسا.
وطفت البيت خلف الحجر: أي حجر إسماعيل.
وحزت حجرا: أي عقلا، ما دخلت الحجر: أي حجر ثمود، لله حجر: أي منع، منعني من دخول الحجر: أي حجر ثمود، فهو مكرر، ما قلت حجرا: أي كذبا.
ولو أعطيت ملء الحجر: أي حجر الثوب.
ومعنى الحجر شرعا: منع من تصرف خاص بسبب خاص.
والحاجر لغير السفيه، هو الولي الآتي بيانه.
وللسفيه فيه تفصيل: حاصله أنه إن بلغ رشيدا، ثم بذر: يكون القاضي هو الحاجر، فهو وليه لا غير - فإن لم يحجر عليه: يسمى سفيها، مهملا، وتصرفاته غير نافذة.
وقوله: بجنون: وهو يسلب العبارة، أي ما يعبر به عن المقصود: كعبارة المعاملة، والدين بكسر الدال كالبيع والإسلام.
ويسلب الولاية: كولاية النكاح، والأيتام، وكالإيصاء.
(وقوله: إلى إفاقة) أي ويستمر ذلك الحجر إلى إفاقة منه، فإذا أفاق: ينفك من الحجر بلا فك قاض، لأنه حجر ثبت بلا قاض، فلا يتوقف زواله على فكه (قوله: وصبا) معطوف على جنون: أي ويحجر بصبا قائم بذكر أو أنثى ولو مميزا، وهو أيضا يسلب العبارة والولاية، إلا ما استثني من عبادة مميز، وإذن في دخول، وإيصال هدية (قوله: إلى بلوغ) أي ويستمر حجره إلى بلوغ، فإذا بلغ: انفك من حجر الصبا.
وعبر في المنهاج: ببلوغه رشيدا، ولا خلاف في ذلك، فمن عبر ببلوغه رشيدا: أراد الانفكاك الكلي.
ومن عبر ببلوغه: فقد أراد الانفكاك من حجر الصبا فقط، وهذا أولى، لأن الصبا: سبب مستقل في الحجر، وكذا التبذير، وأحكامهما متغايرة (قوله: بكمال خمس عشرة سنة) متعلق بمحذوف: أي ويحصل البلوغ بكمال ذلك، لخبر ابن عمر عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق، وأنا ابن خمس عشرة سنة، فأجازني، ورآني بلغت رواه ابن حبان.
وقوله: وأنا ابن خمس عشرة سنة: أي استكملتها، لأن غزوة أحد كانت في شوال سنة ثلاث، والخندق في جمادى سنة خمس، فبينهما سنتان.
وقوله تحديدا: قال في النهاية: فلو نقصت
يوما لم يحكم ببلوغه، وابتداؤها من انفصال جميع الولد.
اه (قوله: بشهادة عدلين خبيرين) متعلق بمحذوف أيضا: أي ويحكم له بالبلوغ بذلك بشهادة عدلين خبيرين، بأن عمره خمس عشرة سنة (قوله: أو خروج مني) معطوف على كمال خمس عشرة سنة: أي ويحصل البلوغ أيضا بخروج مني لآية * (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم) * (2) والحلم: الاحتلام وهو لغة: ما يراه النائم، أي من إنزال المني وقيل مطلقا.
والمراد به هنا: خروج المني في نوم، أو يقظة: بجماع، أو غيره.
قال في التحفة: وخرج بخروجه: ما لو أحس بانتقاله من صلبه، فأمسك ذكره، فرجع، فلا يحكم ببلوغه - كما لا غسل عليه - اه.
(وقوله: أو حيض) معطوف على مني: أي أو خروج حيض (قوله: وإمكانهما) أي
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 282.
(2) سورة النور، الاية: 59.(3/83)
خروج المني، وخروج الحيض.
(وقوله: كمال تسع سنين) أي قمرية تقريبا عند حجر.
وعند م ر: تحديدا في خروج المني، وتقريبا في الحيض.
وفرق بينهما: بأن الحيض ضبط له أقل وأكثر، فالزمن الذي لا يسع أقل الحيض والطهر: وجوده كالعدم، بخلاف المني (قوله: ويصدق مدعى الخ) أي إلا أن طلب سهم المقاتلة: كأن كان من الغزاة، أو طلب إثبات اسمه في الديوان، فإنه يحلف.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: ولو في خصومة) أي ولو في دعوى خصومة، وهو غاية لتصديقه في ذلك.
(وقوله: بلا يمين) متعلق بيصدق.
(وقوله: إذ لا يعرف) أي البلوغ بالإمناء أو الحيض.
(وقوله: إلا منه) أي إلا من مدعيه (قوله: ونبت العانة الخ) مبتدأ، خيره أمارة.
وذلك لخبر عطية القرظي قال: كنت من سبي بني قريظة، فكانوا ينظرون من أنبت الشعر: قتل، ومن لم ينبت: لم يقتل، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السبي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي، وقال حسن صحيح.
ومثل نبت العانة في ذلك: الحبل، فهو أمارة على البلوغ بالإمناء، فيحكم بعد الوضع بالبلوغ قبله بستة أشهر ولحظة.
(وقوله: الخشنة) ليس قيدا، بل المدار على ما يحتاج في إزالتها إلى حلق، ولو كانت ناعمة، (وقوله: في حق كافر) خرج به المسلم، فلا يكون علامة في حقه.
(وقوله: أمارة على بلوغه) أي فإذا ادعى عدم البلوغ: لم يصدق (قوله: ومثله) أي الكافر في أن نبت العانة أمارة على ما ذكره.
(وقوله: ولد من جهل إسلامه) أي لم يدر، هل هو مسلم أو كافر؟ (قوله: لا من عدم الخ) معطوف على ولد: أي ليس مثله من عدم من يعرف سنه، أي أن من عدم الشهود الذين يعرفون سنه: لا يكون مثل الكافر، في كون نبات العانة أمارة على بلوغه (قوله: وقيل يكون) أي نبت العانة.
وقوله علامة في حق المسلم أيضا: أي كما أنه علامة في حق الكافر (قوله:
وألحقوا الخ) عبارة التحفة: وخرج بها نبات نحو اللحية، فليس بلوغا، كما صرح به في الشرح الصغير في الإبط، وألحق به اللحية والشارب بالأولى، فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة، دونهما.
وفي كل ذلك نظر، بل الشعر الخشن من ذلك - كالعانة - في ذلك، وأولى، إلا أن يقال: إن الاقتصار عليهما أمر تعبدي.
اه (قوله: وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطي ماله) أي لزوال المانع، ولآية * (فإن آنستم منهم رشدا، فادفعوا إليهم أموالهم) * (1) فلو بذر بعد بلوغه رشيدا، بأن زال صلاح تصرفه في ماله، حجر عليه الحاكم، دون غيره: من أب، أو جد، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * (2) أي لا تؤتوا أيها الأولياء: السفهاء المبذرين، من الرجال، والنساء، والصبيان، أموالهم التي تحت أيديكم.
فإضافة أموال إلى المخاطبين: لأدنى ملابسة.
ولو زال صلاحه في دينه مع بقاء صلاحه في ماله بعد رشده: لم يحجر عليه، لأن السلف: لم يحجروا على الفسقة (قوله: والرشد صلاح الدين والمال) أي معا، كما فسره به ابن عباس رضي الله عنهما في آية * (فإن آنستم منهم رشدا) * (3) وقيل هو صلاح المال فقط، وعليه الإمام مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما، ومال إليه ابن عبد السلام.
ويختبر، وجوبا، رشد الصبي في الدين والمال قبيل البلوغ، ليعرف رشده وعدمه، لآية * (وابتلوا اليتامى) * (4) واليتيم: إنما يقع على غير البالغ، أما في الدين: فبمشاهدة حاله في العبادات بقيامه بالواجبات، واجتنابه المحظورات والشبهات.
وأما في المال: فيختلف بمراتب الناس، فيختبر ولد تاجر: بمشاحة في معاملة، ويسلم له المال ليماكس لا ليعقد، ثم إن أريد العقد: عقد وليه.
ويختبر ولد زراع: بزراعة، ونفقة عليها، بأن
__________
(1) سورة النساء، الاية:: 6.
(2) سورة النساء، الاية:: 5.
(3) سورة النساء، الاية:: 6.
(4) سورة النساء، الاية:: 6.(3/84)
ينفق على القائمين بمصالح الزرع، ويختبر ولد المحترف: بما يتعلق بحرفته.
وتختبر المرأة: بأمر غزل، وصون نحو أطعمة عن نحو هرة.
ويختبر الخنثي: بما يختبر به الذكر والأنثى.
ويشترط: تكرر الاختبار مرتين أو أكثر، حتى يغلب على الظن رشده، فلا تكفي المرة، لأنه قد يصيب فيها، اتفاقا (قوله: بأن لا يفعل محرما) تصوير لصلاح الدين.
واحترز بالمحرم، عما يمنع قبول الشهادة لإخلاله بالمروءة، كالأكل بالسوق، فلا يمنع الرشد، لأن الإخلال بالمروءة: ليس
بحرام على المشهور.
(وقوله: من ارتكاب كبيرة) أي مطلقا.
غلبت طاعاته معاصيه أو لا (قوله: مع دم غلبة طاعاته معاصيه) راج للإصرار على الصغيرة، فإن أصر عليها لكن مع غلبة طاعاته معاصيه.
بأن يكون مواظبا على فعل الواجبات، وترك المنهيات، يكون رشيدا (قوله: وبأن لا يبذر الخ) تصوير لصلاح المال (قوله: باحتمال الخ) قال البجيرمي: لم يظهر للفظ احتمال فائدة، فلعلها زائدة.
فتأمل.
(وقوله: غبن فاحش في المعاملة: أي وقد جهله حال المعاملة، فإن كان عالما به: كان الزائد صدقة خفية محمودة (واعلم) أنه لا يصح تصرف المبذر ببيع ولا غيره، كما سيأتي، قال سم: وقد يشكل عليه قصة حبان بن منقذ: أنه كان يخدع في البيوع، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قال له من بايعت فقال لا خلابة الخ، فإنها صريحة في أنه كان يغبن، وفي صحة بيعه مع ذلك، لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يمنعه من ذلك، بل أقره، وأرشده إلى اشتراط الخيار إلا أن يجاب بأنه: من أين كان يغبن غبنا فاحشا؟ فلعله إنما كان يغبن غبنا يسيرا.
ولو سلم: فمن أين أن غبنه كان عند بلوغه؟ فلعله عرض له بعد بلوغه رشيدا، ولم يحجر عليه، فيكون سفيها مهملا، وهو يصح تصرفه، لكن قد يشكل على الجواب بما ذكر: أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال، وقد أقره - صلى الله عليه وسلم - على المبايعة، وأرشده إلى اشتراط الخيار، ولم يستفصل عن حاله: هل طرأ له بعد بلوغه رشيدا أو لا؟ وهل كان الغبن فاحشا أو يسيرا؟ فليتأمل.
اه (قوله: أيضا - غبن فاحش) هو ما لا يحتمل غالبا.
وخرج به: اليسير - كبيع ما يساوي عشرة من الدراهم: بتسعة منها، فلا يكون مبذرا به (قوله: وإنفاقه) معطوف على احتمال: أي أو بتضييع المال بإنفاقه الخ.
ومثله: رميه في بحر.
(وقوله: ولو فلسا) أي جديدا.
وهو قطعة من النحاس كانت معروفة.
(وقوله: في محرم) متعلق بإنفاق: أي إنفاقه في محرم، أي ولو صغيرة، لما فيه من قلة الدين (قوله: وأما صرفه) أي المال، وهو مقابل إنفاقه في محرم (قوله: ووجوه الخير) معطوف على الصدقة: عطف عام على خاص (قوله: التي لا تليق به) صفة للثلاثة قبله (قوله: فليس بتبذير) أي على الأصح، لأن له في ذلك غرضا صحيحا، وهو الثواب، أو التلذذ.
ومن ثم قالوا: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف.
وفرق الماوردي بين التبذير والسرف، بأن الأول: الجهل بمواقع الحقوق.
والثاني: الجهل بمقاديرها.
وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما، ويوافقه قول غيره: حقيقة السرف ما يقتضي حمدا عاجلا، ولا أجرا آجلا.
ومقابل الأصح: يكون مبذرا فيها إن بلغ مفرطا في الإنفاق، فإن بلغ مقتصدا ثم عرض له ذلك بعد البلوغ، فلا (قوله: وبعد إفاقة) متعلق بقوله بعد يصح الخ (والحاصل) إذا زال المانع من الجنون والصبا بالإفاقة في الأول، وبالبلوغ في الثاني: يرتفع حجر الجنون وحجر الصبا.
وتقدم أن الصبي: مسلوب العبارة والولاية، فلا يصح عقوده، ولا إسلامه، ولو مميزا، ولا يكون
قاضيا، ولا واليا، ولا يلي النكاح، إلا ما استثنى من عبادة المميز، والإذن في الدخول، وأن المجنون مسلوب ما ذكر من غير استثناء شئ، فإذا أفاق المجنون: صح منه جميع ما ذكر، أو بلغ الصبي كذلك: يصح منه جميع ما ذكر، إلا إن بلغ غير رشيد بعدم صلاحه في دينه وماله، فحينئذ يعتريه مانع آخر، وهو السفه.
وحكم السفيه أنه مسلوب العبارة في التصرف المالي كبيع، وشراء، ولو بإذن الولي: إلا عقد النكاح منه بإذن وليه، فيصح، وتصح عبادته، بدنية، أو مالية، واجبة، ولكن لا يدفع المال، كالزكاة، بلا إذن من وليه، أما المالية المندوبة، كصدقة التطوع، فلا تصح منه (قوله: وكذا التصرف المالي) أي وكذلك يصح منه التصرف المالي.
(وقوله بعد الرشد) قيد في صحة التصرف المالي منه - كما مر -(3/85)
(قوله: وولي الصبي إلخ) شروع في بيان من يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه.
والمراد بالصبي: الجنس، فيشمل الصبية.
قال في التحفة: وخرج بالصبي: الجنين، فلا ولاية لهؤلاء على ماله ما دام مجتنا: أي بالنسبة للتصرف فيه، لا لحفظه.
ولا ينافيه ما يأتي من صحة الإيصاء عليه، ولو مستقلا، لأن المراد، كما هو ظاهر، أنه إذا ولد: بان صحة الإيصاء.
(وقوله: أب عدل، فأبوه وإن علا) أي كولاية النكاح، وإنما لم يثبت بعدهما لباقي العصبة، كالنكاح، لقصور نظرهم في المال، وكماله في النكاح.
وتكفي عدالتهما الظاهرة: لوفور شفقتهما.
فان فسقا: نزع الحاكم منهما المال - كما ذكره في باب الوصية.
اه.
نهاية.
ولا يشترط إسلامهما، إلا أن يكون الولد مسلما، إذ الكافر يلي ولده الكافر، لكن إن ترافعوا إلينا: لم تقرهم، ونلي نحن أمرهم.
اه.
شرح المنهج (قوله: فوصي) أي ممن تأخر موته من الأب وأبيه، لقيامه مقامه، وشرطه العدالة أيضا (قوله: فقاضي بلد المولي) أي لخبر السلطان: ولي من لا ولي له رواه الترمذي والحاكم وصححه (قوله: إن كان) أي القاضي عدلا أمينا، فلو لم يوجد إلا قاض فاسق، أو غير أمين: كانت الولاية لصلحاء المسلمين، كما سيذكره بعد بقوله: فصلحاء الخ.
(قوله: فإن كان ماله) أي الصبي.
(وقوله: ببلد آخر) أي غير بلد الصبي.
(وقوله: قولي ماله قاضي بلد المال في حفظه الخ) أي في هذه المذكورات فقط، أما بالنسبة لاستنمائه: فالولاية عليه لقاضي بلد المولي.
وعبارة التحفة: والعبرة بقاضي بلد المولي - أي وطنه - وإن سافر عنه بقصد الرجوع إليه، كما هو ظاهر في التصرف والاستنماء، وبقاضي بلد ماله: في حفظه، وتعهده، ونحو بيعه، وإجارته عند خوف هلاكه.
اه (قوله: فصلحاء بلده) أي فإذا لم يوجد أحد من الأولياء المذكورين، فالولاية تكون لصلحاء المسلمين من أهل بلده - في النظر في مال محجورهم وتولى حفظه لهم - وفي النهاية: وأفتى ابن الصلاح فيمن عنده يتيم أجنبي،
ولو سلمه لحاكم خان فيه - بأنه بجوز التصرف في ماله - للضرورة.
اه (قوله: ويتصرف الولي) أي أبا أو غيره: بالمصلحة، وذلك لقوله تعالى: * (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن) * وقوله: تعالى: * (وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح) * ومن المصلحة: بيع ما وهبه له أصله بثمن مثله: خشية رجوعه فيه، وبيع ما خيف خرابه، أو هلاكه، أو غصبه، ولو بدون ثمن مثله، (قوله: ويلزمه حفظ ماله) أي يلزم الولي حفظ مال المولي: من أسباب التلف (قوله: واستنماؤه) أي ويلزمه استنماؤه: أي طلب نموه وتكثيره.
قال ع ش: فلو ترك استنماءه مع القدرة عليه، وصرف ماله عليه في النفقة: فهل يضمنه أو لا؟ فيه نظر.
وقياس ما يأتي - فيما لو ترك عمارة العقار حتى خرب: الضمان، وقد يفرق بأن ترك العمارة يؤدي إلى فساد المال، وترك الاستنماء إنما يؤدي إلى عدم التحصيل، وإن ترتب عليه ضياع المال في النفقة.
اه.
(وقوله: إن أمكنه) أي الاستنماء المذكور (قوله: وله السفر به) أي للولي السفر بمال المولي، (وقوله: في طريق آمن لمقصد آمن) خرج بذلك ما لو كان الطريق أو المقصد الذي يقصده مخوفا، فإنه يمتنع عليه السفر به.
وكتب ع ش ما نصه: قوله: في زمن أمن، مفهومه أنه لو احتمل تلفه في السفر: امتنع.
وفي سم على المنهج: فيه تردد، فليراجع، والأقرب المفهوم: المذكور، حيث قوي جانب الخوف.
اه (قوله: برا لا بحرا) أي له السفر به في البر، لا في البحر، وإن غلبت السلامة فيه، لأنه مظنة عدمها.
قال ع ش: ظاهره ولو تعين طريقا، وهو كذلك، حيث لم تدع ضرورة إلى السفر به.
وقال في التحفة: نعم، إن كان الخوف في السفر ولو بحرا أقل منه في البلد ولم يجد من يقترضه: سافر به.
(قوله: وشراء عقار يكفيه غلته) أي يكفي المولى غلته نفقة وكسوة وغيرهما (قوله: أولى
__________
(1) سورة الانعام، الاية:: 152.
(1) سورة البقرة، الاية:: 220.(3/86)
من التجارة) هو خبر عن المبتدأ الذي هو شراء.
قال في النهاية: ومحله عند الأمن عليه من جور السلطان وغيره، أو خراب للعقار ولم يجد به ثقل خراج.
اه (قوله: ولا يبيع عقاره) أي لا يبيع الولي عقار المولي، لأنه أسلم وأنفع من غيره.
وفي المغني: وكالعقار، فيما ذكر، آنية القنية من نحاس وغيره، كما ذكره ابن الرفعة عن البندنيجي، قال: وما عداهما لا يباع أيضا، إلا لغبطة أو حاجة، لكن يجوز لحاجة يسيرة، وربح قليل لائق، بخلافهما.
وينبغي.
كما قال ابن الملقن، أنه يجوز بيع أموال التجارة من غير تقييد بشئ، بل لو رأى البيع بأقل من رأس المال، ليشتري بالثمن ما هو مظنة
للربح: جاز، كما قاله بعض المتأخرين، اه (قوله: إلا لحاجة) أي كخوف ظالم، أو خرابه، أو عمارة بقية أملاكه، أو لنفقته وليس له غيره ولم يجد مقرضا، أو رأى المصلحة في عدم القرض، أو لكونه بغير بلده ويحتاج لكثرة مؤنة لمن يتوجه لإيجاره وقبض غلته، ويظهر ضبط هذه الكثرة، بأن تستغرق أجرة العقار أو قريبا منها، بحيث لا يبقى منها إلا مالا وقع له عرفا.
اه.
تحفة.
(وقوله: أو غبطة ظاهرة) أي بأن يرغب فيه بأكثر من ثمن مثله، وهو يجد مثله ببعض ذلك الثمن أو خيرا منه بكله وفي البجيرمي ما نصه.
تنبيه: المصلحة أعم من الغبطة، إذ الغبطة: بيع بزيادة على القيمة لها وقع، والمصلحة لا تستلزم ذلك، لصدقها بنحو شراء ما يتوقع فيه الربح، وبيع ما يتوقع فيه الخسران لو بقي.
اه (قوله: وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي.
الخ) قال في التحفة، بعد ذكر الإفتاء المذكور، وفيه نظر: إذ لا بد في صحة الصلح من الإقرار.
اللهم إلا أن يفرض خشية ضياع البعض، ولو مع الإقرار، ويتعين الصلح، لتخليص الباقي.
اه.
وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة، وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح الخ، ما نصه: يؤخذ منه بعد التأمل أن المراد جواز إقدام الولي على ذلك للضرورة، لا صحة الصلح المذكور في نفس الأمر، فإنها مسكوت عنها.
وحينئذ: فلا فرق بين الإقرار وعدمه، وأن بقية ماله باق بذمة المدين باطنا، بل وظاهرا إذا زال المانع وتيسر استيفاء الحق منه، كما في المسألة المنظر بها، وهي دفع بعض ماله لسلامة باقيه، فإنه يجوز للولي الإقدام عليه، لأنه عقد صحيح يملكه به الآخذ، بل هو ضامن له مطلقا على ما تقرر.
اه (قوله: إذا تعين ذلك) أي الصلح على بعض دين المولي.
(وقوله: لتخليص ذلك البعض) أي المصالح عليه، أي على أخذه، وذلك لأن القاعدة: أن الصلح يتعدى بالباء.
وعلى: للمأخوذ، وبمن وحتى: للمتروك (قوله: كما أن له، بل يلزمه) الكاف للتنظير، والضمير أن للولي.
(وقوله: دفع بعض ماله) إسم أن مؤخر، وفاعل يلزم: يعود عليه، وهو وإن كان مؤخرا لفظا: مقدم رتبة، وضمير ماله يعود على المولي (قوله: وله) أي للولي.
(وقوله بيع ماله) أي المولي.
(وقوله نسيئة) أي بأجل.
واشترط يسار المشتري، وعدالته، وزيادة على النقد تليق بالنسيئة، وقصر الأجل عرفا.
اه.
تحفة.
(وقوله: لمصلحة) أي كربح، وخوف من نهب (قوله: وعليه أن يرتهن إلخ) أي ويجب على الولي أن يرتهن بالثمن رهنا واقيا، ويستثني من ذلك: ما لو باع مال ولده من نفسه نسيئة، لأنه أمين في حق ولده.
ويجب عليه أيضا: أن يشهد على البيع (قوله: إن لم يكن المشتري موسرا) مفهومه أنه إن كان موسرا: لا يجب عليه الارتهان، وهذا هو ما قاله الإمام، واقتضاه كلام الشيخين، ولم يرتضه في التحفة، ونصها، بعد كلام، ولا تغني عنه، أي الارتهان
- ملاءة المشتري، لأنه قد يتلف احتياطا للمحجور، فإن ترك واحد مما ذكر، أي الإشهاد، والارتهان، بطل البيع، إلا إذا ترك الرهن والمشتري موسر على ما قاله الإمام، واقتضاه كلامهما، وقال السبكي: لا استثناء، وضمن.
نعم: إن باعه لمضطر لا رهن معه: جاز.
اه (قوله: ولولي الخ) أي ويجوز لولي، أن يقرض مال موليه إذا كان لضرورة، فإن لم توجد: امتنع عليه أن يقرضه، كما مر في القرض - وعبارته هناك: ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة.
نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله، إن كان المقترض أمينا موسرا.
اه (قوله:(3/87)
ولقاض) أي ويجوز لقاض.
(وقوله: ذلك) أي الإقراض.
(وقوله: مطلقا) أي وجدت ضرورة، أو لم توجد (قوله: بشرط الخ) ظاهر صنيعه أنه مرتبط بقوله لقاض فقط، لكن المعنى يقتضي أن الولي غير القاضي مثله (قوله: ولا ولاية لأم على الأصح) أي قياسا على النكاح، ومقابله أنها تلي بعد الأب والجد، وتقدم على وصيهما، لكمال شفقتها (قوله: ومن أدلى بها) أي ولا ولاية لمن أدلى إلى المحجور بالأم: كالأخ للأم (قوله: ولا لعصبة) أي ولا ولاية لعصبة: كالأخ، وابنه، والعم.
(قوله: نعم.
لهم الخ) أي يجوز للعصبة، أي العدل منهم، الإنفاق على الطفل فيما يحتاجه من ماله.
(وقوله: عند فقد الولي الخاص) هو الأب، فأبوه - وإن علا.
قال في التحفة: وقضيته أن له - أي للعدل منهم - ذلك، ولو مع وجود قاض، وهو متجه إن خيف منه عليه، بل في هذه الحالة: للعصبة، وصلحاء بلده، بل عليهم، كما هو ظاهر، تولي سائر التصرفات في ماله بالغبطة: بأن يتفقوا على مرضي منهم يتولى ذلك، ولو بأجرة.
اه (قوله: ويصدق أب أو جد) أي فيما إذا ادعى الولد عليهما بعد بلوغه، أو إفاقته، أو رشده - بأن تصرفكما من غير مصلحة، وادعيا أنه بمصلحة: فيصدقان باليمين، لأنهما لا يتهمان: لوفور شفقتهما (قوله: وقاض بلا يمين) أي ويصدق قاض من غير يمين (قوله: إن كان) أي القاضي (قوله: لا وصي وقيم وحاكم وفاسق) أي لا يصدقون في أن تصرفهم لمصلحة (قوله: حيث لا بينة) أي تشهد بمدعاهم - فإن وجدت: فهم المصدقون (قوله: لأنهم قد إلخ) أي لا يصدقون، لأنهم قد يتهمون (قوله: ومن ثم) أي ومن أجل التعليل المذكور: يؤخذ أنه لو كانت الأم وصية: كانت كالأولين - أي الأب والجد: أي فتصدق باليمين.
وذلك لعدم التهمة (قوله: وكذا آباؤها) أي: وكذا يصدق آباؤها لو كانوا أوصياء (قوله: فرع إلخ) الأولى: فروع - كما هو ظاهر - (قوله: ليس لولي الخ) أي يحرم عليه ذلك (قوله: إن كان) أي الولي.
وقوله: مطلقا أي سواء انقطع بسببه عن كسبه أم لا (قوله: فإن كان فقيرا الخ) مقابل قوله غنيا (قوله: أخذ قدر نفقته) قال في التحفة: ورجح المصنف أنه يأخذ
الأقل منها ومن أجرة مثله.
اه (قوله: وإذا أيسر) أي الولي.
(وقوله: لم يلزمه بدل ما أخذه) أي لم يلزمه أن يدفع لموليه بدل ما أخذه من ماله (قوله: هذا) أي ما ذكر، من التفصيل بين الفقير المنقطع عن كسبه، والغني، (وقوله: في وصي وأمين) أي وقيم (قوله: سواء الصحيح وغيره) في بعض نسخ الخط: سواء الموسر الصحيح وغيره، لكن الموافق للتحفة: الأول، وقال فيها: واعترض بأنه إن كان مكتسبا: لا تجب نفقته، ويرد بأن المعتمد أنه لا يكلف الكسب، فإن فرض أنه اكتسب ما لا يكفيه: لزم فرعه تمام كفايته، وحينئذ فغاية الأصل هنا أنه اكتسب دون كفايته، فيلزم الولد تمامها، فاتجه أن له أخذ كفاية البعض في مقابلة عمله، والبعض لقرابته.
اه (قوله: فيما ذكر) أي في التفصيل المذكور (قوله: أي مثلا) أي أن فك الأسير: ليس بقيد، بل مثله: إصلاح ثغر، أو حفر بئر، أو تربية يتيم (قوله: فله) أي لمن جمع مالا لما ذكر، وهذا بيان لمن ذكر.
(وقوله: إن كان فقيرا) أي وانقطع بسببه عن كسبه.
وقوله الأكل منه، قال في التحفة بعده: كذا قيل، والوجه أن يقال فله أقل الأمرين، أي السابقين، اه (قوله: وللأب والجد: استخدام محجوره إلخ) أي من غير أجرة.
قال في التحفة: وله إعارته لذلك، ولخدمة من يتعلم منه ما ينفعه دينا أو دنيا، وإن قوبل بأجرة، كما يعلم مما(3/88)
يأتي أول العارية - اه.
(وقوله: فيما لا يقابل بأجرة) قضيته أنه لو استخدمه فيما يقابل بها: لزمته، وإن لم يكرهه، لكنه بولايته عليه إذا قصد بإنفاقه عليه جعل النفقة في مقابلة الأجرة اللازمة برئت ذمته.
اه.
بجيرمي (قوله: ولا يضر به على ذلك) أي على الاستخدام (قوله: وأفتى النووي بأنه لو استخدم) أي الجد من الأم المعلوم من المقام.
(وقوله: لزمه أجرته إلى بلوغه رشده) قال في التحفة، أي لأنه ليس من أهل التبرع بمنافعه المقابلة بالعوض.
اه (قوله: وإن لم يكرهه) أي على الاستخدام، وهو غاية للزوم الأجرة (قوله: ولا يجب أجرة الرشيد) أي في مقابلة الاستخدام.
(وقوله: إلا إن أكره) أي عليه، فإن لم يكره: فلا أجرة (قوله: ويجري هذا) أي التفصيل بين لزوم الأجرة على من استخدمه إلى البلوغ والرشد، وعدم لزومها عليه بعده، إلا إن أكره وقوله في غير الجد للأم: يشمل الأب والجد للأب اه.
سم.
وهذا لا ينافي ما قبل الإفتاء، لأنه مفروض فيما لا يقابل بأجرة، وهذا فيما يقابل بها.
فتأمل (قوله: لو كان للصبي مال غائب) أي عن بلده (قوله: من مال نفسه) متعلق بأنفق: أي أنفق الولي عليه من ماله.
(وقوله: بنية الرجوع) متعلق بأنفق (قوله: إذا حضر ماله) أي الصبي.
والظرف متعلق بالرجوع (قوله: رجع) جواب لو، وضميره المستتر يعود على الولي (قوله: إن كان إلخ) قيد في الرجوع (قوله: لأنه) أي من ذكر من الأب أو الجد يتولى الطرفين: أي الإيجاب والقبول، وهو تعليل
لرجوعه إذا نواه عند الإنفاق (قوله: بخلاف غيرهما) أي غير الأب والجد من بقية الأولياء، فإنه إذا أنفق من مال نفسه على الصبي: لا يرجع، ولو نوى الرجوع عند الإنفاق، لعدم صحة تولية الطرفين (قوله: بل يأذن الخ) أي بل إذا أراد غيرهما - الصادق بالحاكم - الرجوع: يأذن لمن ينفق عليه، ثم إذا حضر ماله: يوفيه منه (قوله: فادعى إنفاقه عليه) أي فادعى الأب أنه أنفق ما ثبت في ذمته على ابنه (قوله: بأنه إلخ) متعلق بأفتى: أي أفتى بأن الأب يصدق باليمين، وإذا مات: قام وارثه مقامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في الحوالة أي في بيان حكمها، وبيان بعض أركانها، وشرائطها، وهي بفتح الحاء، وحكي كسرها، لغة: التحول، والانتقال.
وشرعا عقد يقتضي تحول دين من ذمة إلى ذمة.
وقد تطلق على هذا الانتقال نفسه.
والأصل فيها قبل الإجماع: خبر الشيخين: مطل الغني ظلم، وإذا أتبع أحدكم على ملئ - بالهمز - فليتبع بتشديد التاء، أو سكونها، وتفسره رواية البيهقي وإذا أحيل أحدكم على ملئ، فليحتل وقوله: مطل الغني ظلم أي إطالة المدافعة فسق.
قال في التحفة: ويؤخذ منه أن المطل كبيرة، لأنه جعله ظلما، فهو كالغصب، فيفسق بمرة منه.
قال السبكي: مخالفا للمصنف في اشتراط تكرره نقلا عن مقتضى مذهبنا، وأيده غيره بتفسير الأزهري للمطل، بأنه إطالة المدافعة، أي فالمرة لا تسمى مطلا، ويخدشه، أي يضعفه، حكاية المصنف اختلاف المالكية: هل يفسق بمرة منه أو لا؟ فاقتضى اتفاقهم على أنه لا يشترط في تسميته مطلا تكرره، وإلا لم يأت اختلافهم.
وقد يؤيد هذا تفسير القاموس له بأنه، أي المطل، التسويق بالدين، وبه يتأيد ما قاله السبكي.
اه.
والأصح أنها بيع دين بدين جوز للحاجة، وذلك لأن المحيل: باع ما في(3/89)
ذمة المحال عليه بما في ذمته للمحتال، والمحتال: باع ما في ذمة المحيل بما في ذمة المحال عليه.
فالبائع: المحيل، والمشتري: المحتال، والمبيع: دين المحيل، والثمن: دين المحتال.
وقيل إنها استيفاء حق (قوله: تصح حوالة بصيغة) .
(واعلم) أن أركان الحوالة ستة: محيل، ومحتال، ومحال عليه، ودينان: دين للمحتال على المحيل، ودين للمحيل على المحال عليه، وصيغة.
وشرائط الحوالة خمسة: رضا المحيل والمحتال.
وثبوت الدينين الذي على المحيل والذي على المحال عليه، فلا تصح ممن لا دين عليه، ولا على من لا دين عليه.
وصحة الإعتياض عنهما: فلا
تصح بدين السلم ورأس ماله، ولا عليهما، لعدم صحة الإعتياض عنهما، وكذا لا تصح بدين الجعالة قبل الفراغ من العمل ولا عليه لما ذكر.
والعلم بالدينين قدرا وصفة وجنسا: فلو جهل ذلك العاقدان، أو أحدهما، فهي باطلة.
وتساويهما كذلك: فلو عدم التساوي، أو جهل، فهي باطلة.
(قوله: وهي) أي الصيغة (قوله: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي) قال في التحفة: فإن لم يقل بالدين، فكناية اه.
وقال م ر: هو صريح، وإن لم يقل بالدين الذي لك علي ولم ينوه - فعلى ما جرى عليه حجر: أن الكناية تدخل الحوالة، وعلى ما جرى عليه م ر: أنها لا تكون إلا صريحة، فلا تدخلها الكناية.
(قوله: أو نقلت إلخ) أشار به إلى أنه لا يتعين في الصيغة لفظ الحوالة، بل يكفي ما يؤدي معناها: كنقلت حقك إلى فلان، أو جعلت ما أستحقه على فلان لك، أو ملكتك الدين الذي عليه.
والمعتمد، عند الرملي، عدم الإنعقاد بلفظ البيع، ولو نواها.
وعند ابن حجر: الانعقاد إن نواها (قوله: وقبول) بالرفع، عطف على إيجاب (قوله: بلا تعليق) راجع للإيجاب والقبول، كما في البيع (قوله: ويصح) أي القبول بلفظ أحلني: أي فهو استيجاب قائم مقام القبول، ومثله: ما لو قال احتل على فلان بما لك علي من الدين، فقال: احتلت، أو قبلت، فيكون استقبالا قائما مقام الإيجاب.
أفاده ع ش (قوله: وبرضا محيل ومحتال) هذا مستغنى عنه بالصيغة، إذ الإيجاب والقبول يتضمن رضاهما، إلا أن يقال ليس هو مقصودا بالذات، بل المقصود: مفهومه، وهو قوله بعد: ولا يشترط رضا المحال عليه.
والمحيل: هو من عليه الدين للمحتال.
والمحتال: هو من له الدين على المحيل (قوله: ولا يشترط رضا المحال عليه) أي لأنه محل الحق، فلمن له الحق أن يستوفيه بنفسه وبغيره (قوله: ويلزم بها الخ) شروع في فائدة الحوالة المترتبة عليها، وحاصلها براءة ذمة المحيل من دين المحتال، وبراءة ذمة المحال عليه من دين المحيل، وتحول حق المحتال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
وقوله دين محتال: أي نظيره يصير في ذمة المحال عليه.
(قوله: فإن تعذر أخذه) أي المحتال على إضافة المصدر لفاعله أو الدين على إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.
(وقوله: منه) أي من المحال عليه (قوله: بفلس) متعلق بتعذر، والباء سببية: أي تعذر الأخذ بسبب فلس.
(وقوله: حصل للمحال عليه) المقام للإضمار، فكان عليه أن يقول: حصل له (قوله: وإن قارن الفلس الحوالة) أي لا فرق في الفلس بين أن يكون طارئا على الحوالة أو مقارنا لها، فلا رجوع للمحتال على المحيل في الحالتين (قوله: أو جحد) معطوف على فلس: أي أو تعذر أخذه منه بجحد.
(وقوله: أي إنكار منه) أي المحال عليه لأصل الحوالة (قوله: أو دين المحيل) معطوف على الحوالة: أي أو إنكار لدين المحيل (قوله: وحلف) يقرأ بصيغة المصدر: عطفا على إنكار، أو بصيغة الماضي وجعل الواو للحال.(3/90)
(وقوله: عليه) أي على الإنكار المذكور، يعني أن تعذر الأخذ المذكور.
يحصل بإنكار المحال عليه الدين أو الحوالة مع حلفه على ذلك.
(قوله: أو بغير ذلك) يعني أو تعذر أخذه بغير الفلس والجحد.
(قوله: كتعزز المحال عليه) أي تقويه وتغلبه (قوله: لم يرجع المحتال على محيل) جواب فإن، وإنما لم يرجع عليه، لأن الحوالة بمنزلة القبض، وقبولها متضمن، لاعترافه باستجماع شرائط الصحة.
قال في التحفة: نعم.
له، أي المحتال، تحليف المحيل أنه لا يعلم براءة المحال عليه على الأوجه.
وعليه فلو نكل: حلف المحتال، كما هو ظاهر، وبان بطلان الحوالة، لأنه حينئذ كرد المقر له الإقرار.
اه.
ولو شرط فيها الرجوع عند التعذر بشئ مما ذكر: لم تصح الحوالة، لأنه شرط خالف مقتضاها (قوله: وإن جهل) أي المحتال.
(وقوله: ذلك) أي تعذر الاخذ بشئ مما يذكر (قوله: ولا يتخير لو بان الخ) لا فائدة له بعد الغاية السابقة، أعني قوله وإن قارن الفلس الحوالة، وجزمه بعدم الرجوع، ولو مع الجهل، إلا أن يقال: ذكره لأجل الغاية التي بعده.
وعبارة المنهج: فيها إسقاط ذلك، وذكر الغاية بعد قوله: لم يرجع على محيل، وهي أولى (قوله: وإن شرط يساره) أي المحال عليه: أي فلا عبرة بالشرط المذكور، لأنه مقصر بترك الفحص.
وقيل له الخيار إن شرط يساره، ثم تبين إعساره (قوله: ولو طلب المحتال المحال عليه الخ) هذه المسألة نقلها في التحفة عن ابن الصلاح (قوله: فقال) أي المحال عليه.
(وقوله: أبرأني المحيل) قال سم - هل كذلك إذا قال أقر أنه لم يكن له علي دين حتى يكون للمحتال الرجوع؟ اه.
(قوله: قبل الحوالة) قال في التحفة: هو صريح في أنه لا تسمع منه دعوى الإبراء، ولا تقبل منه بينته، إلا أن صرح بأنه قبل الحوالة، بخلاف ما لو أطلق.
ومن ثم أفتى بعضهم بأنه لو أقام بينة بالحوالة، فأقام المحال عليه بينة بإبراء المحيل له: لم تسمع بينة الإبراء، أي وليس هذا من تعارض البينتين، لما تقرر أن دعوى الإبراء المطلق والبينة الشاهدة به فاسدان، فوجب العمل ببينة الحوالة، لأنها لم تعارض.
اه.
(قوله: بذلك) أي بالبراءة المفهومة من أبرأني.
(قوله: سمعت) أي البينة في وجه المحتال.
قال الغزي: وهذا صحيح في دفع المحتال.
أما إثبات البراءة من دين المحيل، فلا بد من إعادتها في وجهه.
اه.
تحفة (قوله: ثم المتجه) أي ثم بعد سماع بينة المحال عليه بالبراءة المتجهة الخ.
(وقوله: إلا إذا استمر) أي المحتال، أي فلا يرجع على المحيل (قوله: ولو باع عبدا) أي أو أمة، ولو قال رقيقا: لشملهما (قوله: وأحال بثمنه) أي أحال البائع بثمن العبد على المشتري (قوله: ثم اتفق المتبايعان) أي والمحتال أيضا، بدليل قوله بعد: وإن كذبهما المحتال الخ.
وقوله على حريته: أي على أن العبد حر وقت البيع.
(قوله: أو ثبتت حريته
حينئذ) أي حين البيع (قوله: ببينة شهدت حسبة) قال البجيرمي: شهادة الحسبة هي التي تكون بغير طلب، سواء أسبقها دعوى، أم لا (قوله: أو أقامها العبد) أي أو أقام العبد البينة على حريته: أي ولم يصرح بالرق قبل ذلك، لأنها تكذب قوله.
ومثل العبد: ما إذا أقامها أحد الثلاثة، أعني المتبايعين، والمحتال، ولم يصرح بأن المبيع مملوك، بل اقتصر على البيع (قوله: لم تصح الحوالة) جواب لو.
والمراد أنه بان عدم انعقادها لتبين أن لا بيع، فلا ثمن، فيرد المحتال ما أخذه من المشتري، ويبقى حقه كما كان (قوله: وإن كذبهما) أي المتبايعين المتفقين على الحرية، فهو مقابل للصورة الأولى (قوله: ولا بينة) أي على الحرية (قوله: فلكل منهما) أي المتبايعين.
(وقوله: تحليفه) أي المحتال، ولو حلفه أحدهما: لم يكن للثاني تحليفه، لاتحاد خصومتهما (قوله: على نفي العلم بها) أي لأن هذه قاعة الحلف على النفي الذي لا يتعلق بالحالف، فيقول: والله لا أعلم حريته (قوله: وبقيت الحوالة) وحيئنذ يأخذ المحتال المال من المشتري، ويرجع(3/91)
المشتري على البائع المحيل، لأنه قضى دينه بإذنه الذي تضمنته الحوالة (قوله: ولو اختلفا) أي بعد إذن مدين لدائنه في القبض.
(وقوله: أي الدائن والمدين) بيان لضمير التثنية.
(وقوله: في أنه) أي المدين، والجار والمجرور متعلق باختلفا، أي اختلفا في أن المدين وكل أو أحال؟ والمراد: اختلفا في اللفظ الصادر من المدين، هل هو لفظ الوكالة، أو الحوالة؟ (قوله: بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي) أي أو قال: أردت بقولي أحلتك الوكالة (قوله: فقال الدائن: بل أحلتني) أي أو أردت الحوالة (قوله: صدق منكر حوالة) جواب لو (قوله: فيصدق في المدين) أي بيمينه في أنه وكل، أو في أنه أراد الحوالة.
وبحلفه: تندفع الحوالة، وبإنكار الآخر الوكالة: ينعزل، فيمتنع قبضه، فإن كان قد قبض: برئ الدافع له، لأنه وكيل أو محتال، ويلزمه تسليم ما قبضه للحالف، وحقه عليه باق.
(قوله: والدائن) أي ويصدق الدائن: أي بيمينه.
(وقوله: في الأخيرة) أي فيما إذا ادعى الوكالة، والمدين الحوالة.
وبحلفه: تندفع الحوالة، ويأخذ حقه من المستحق عليه، ويرجع هذا على المحال عليه (قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديق منكر الحوالة.
(وقوله: المستحق عليه) هو، بفتح الحاء، المدين.
والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الضمان، وأحكام الصلح.
وقد ترجم الفقهاء لكل منهما بباب مستقل، وذكرهما بعد الحوالة، لأن كلا منهما يترتب عليه قطع النزاع، كالحوالة، والضمان لغة: الالتزام، وشرعا: يقال لالتزام دين أو بدن أو عين، ويقال للعقد الذي يحصل به ذلك.
ويسمى الملتزم لذلك: ضامنا، وضمينا، وحميلا، وزعيما، وكفيلا، وصبيرا.
قال الماوردي: لكن العرف خص الضمين: بالمال، أي
ومثله الضامن، والحميل: بالدية، والزعيم: بالمال العظيم، والكفيل: بالنفس، والصبير: يعم الكل: والأصل فيه: حديث العارية مؤداة، أي مردودة، والزعيم غارم، والدين مقضي وحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - تحمل عن رجل عشرة دنانير.
وأركانه خمسة: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له، ومضمون، وصيغة.
وهو مندوب لقادر واثق بنفسه، وإلا فمباح.
قال العلماء: الضمان أوله شهامة، أي شدة حماقة، وأوسطه ندامة، وآخره غرامة.
ولذلك قيل نظما: ضاد الضمان بصاد الصك ملتصق فإن ضمنت: فحاء الحبس فيالوسط ومن مستلطف كلامهم، ثلاثة أحرف شنيعة: ضاد الضمان، وطاء الطلاق، وواو الوديعة.
وقال بعضهم: عاشر ذوي الفضل واحذر عشرة السفل وعن عيوب صديقك كف وتغفل وصن لسانك إذا ما كنت في محفل ولا تشارك ولا تضمن ولاتكفل (قوله: يصح من مكلف رشيد) أي ولو حكما: ليدخل من بذر بعد رشده ولم يحجر عليه، ومن فسق، ومن سكر متعديا، فإن هؤلاء في حكم الرشيد، ولا بد أن يكون مختارا أيضا، فخرج الصبي، والمجنون، والسفيه، والمكره، ولو قنا أكرهه سيده، فلا يصح ضمانهم.
ولا بد، على الأصح، أن يعرف عين المضمون له، وهو رب الدين، لتفاوت الناس في المطالبة تشديدا وتسهيلا، فلا يكفي معرفته مجرد نسبه أو اسمه، وإنما كفت معرفة عينه، لأن الظاهر عنوان الباطن، وتقوم معرفة وكيله مقام معرفته عند م ر تبعا لوالده، وجرى ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام، على عدم الإكتفاء بذلك.
(قوله: ضمان بدين) أي ولو منفعة: كالعمل الملتزم الذمة بالإجارة، أو المساقاة.
وشمل الدين: الزكاة، فيصح ضمانها لمستحقين انحصروا.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: واجب) أي ثابت، ولو باعتراف الضامن، وإن لم يثبت على المضمون عنه شئ.
كما صرح به الرافعي، بل الضمان متضمن، لاعترافه بوجود شرائطه، فيلزم الضامن المال الذي اعترف به.
ويشترط في الدين: أن يكون معلوم القدر، والجنس، والصفة.
وخرج بذلك: الديون المجهولة، فلا يصح ضمانها (قوله: سواء استقر) المراد من الإستقرار: اللزوم، وقيل المراد بالمستقر: الذي أمن من سقوطه.
(وقوله: في ذمة(3/92)
المضمون له) صوابه المضمون عنه، وهو المدين الذي ضمن عنه ما عليه.
(وقوله: كنفقة اليوم وما قبله) تمثيل للذي استقر في ذمته.
(قوله: أو لم يستقر) أي لكنه آيل إلى الإستقرار (قوله: كثمن مبيع لم يقبض) أي ذلك المبيع، وهو تمثيل للذي لم يستقر (قوله: وصداق قبل وطئ) التمثيل به لما لم يستقر مبني على أن المراد بالإستقرار، عدم تطرق
السقوط إليه، والصداق قبل الوطئ يتطرق السقوط إليه، كأن تفسخ النكاح بعيبه، أما على أن المراد به اللزوم، فلا يصح جعله تمثيلا له، لأنه لازم بالعقد (قوله: لا بما سيجب) أي لا يصح الضمان بما سيجب..ويستثنى من ذلك: ضمان درك المبيع، أو الثمن، وهو أن يضمن للمشتري الثمن إن خرج المبيع مستحقا، أو معيبا ورد.
ويضمن للبائع المبيع إن خرج الثمن كذلك.
وإضافة ضمان الدرك: لأدنى ملابسة، لأن المضمون في الصورة الأولى: الثمن عند إدراك المستحق للمبيع، وفي الصورة الثانية: عند إدراك المستحق للثمن، فظهر من ذلك أن الدرك: اسم مصدر، بمعنى الإدراك، وفسره بعضهم: بالعهد والتبعة، فكأنه قال: يضمن له عهدة الثمن أو المبيع والتبعة به، أي المطالبة به، ولذلك يسمى ضمان العهدة أيضا.
ولا يصح الضمان المذكور إلا بعد قبض المضمون، لأنه إنما يضمن: ما دخل في ضمان البائع أو المشتري.
(قوله: كدين قرض) أي سيقع، وكان الأولى التقييد به، كما في فتح الجواد، وعبارته: لا بما سيجب، كدين قرض أو بيع سيقع - اه.
وذلك كأن قال أقرض هذا مائة وأنا ضامنها، فلا يصح ضمانه، لأنه غير ثابت.
وقد تقدم للشارح، في فصل القرض، ذكر هذه المسألة، وأنه يكون ضامنا فيها، وعبارته هناك: ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة، أو بعضها، كان ضامنا، على الأوجه.
اه.
وحينئذ فيكون ما هنا، من عدم صحة الضمان، منافيا لما مر عنه، من أن الأجوه: الضمان إلا أن يقال إنه هناك جرى على قول، وهنا على قول، وتقدم عن شرح البهجة في الكتابة التي على قوله كان ضامنا على الأوجه: أنه وقع للماوردي نظير ما وقع لشارحنا من أنه صحح الضمان هناك، ولم يصححه في باب الضمان، وأنه حمل ما قاله هناك على أنه مفرع على القول القديم، وما قاله هنا على القول الجديد، الذي صححه الشيخان فارجع إليه إن شئت.
(قوله: ونفقة غد للزوجة) عبارة الروض وشرحه: وكذا نفقة ما بعد اليوم للزوجة وخادمها، وإن جرى سبب وجوبها، لأنه توثقة، فلا يتقدم ثبوت الحق كالشهادة.
اه.
(قوله: ولا بنفقة القريب الخ) معطوف على لا بما سيجب: أي ولا يصح الضمان بنفقة القريب مطلقا، أي سواء كانت ماضية، أو مستقبلة، وذلك لأن سبيلها البر والصلة، لا الديون.
وفي البجيرمي: لأنها مجهولة، ولسقوطها بمضي الزمان، وهذا ما رجحه الأذرعي، وجزم به ابن المقري.
ز ي.
اه.
(قوله: ولا يشترط رضا الدائن) أي لا يشترط في صحة الضمان رضا الدائن: أي ولا قبوله، وهذا هو الأصح.
وقيل يشترط الرضا، ثم القبول لفظا، وذلك لأن الضمان محض التزام، لم يوضع على قواعد المعاقدات.
(وقوله: والمدين) أي ولا يشترط رضا المدين، وهذا بالإتفاق، لجواز أداء الدين من غير إذنه، فالتزامه أولى (قوله: وصح ضمان الرقيق) أي المكاتب وغيره.
(وقوله: بإذن سيده) وذلك لأن الضمان إثبات مال
في الذمة بعقد، وهو لا يصح من غير إذن.
قال في التحفة: وإنما صح خلع أمة بمال في ذمتها بلا إذن، لأنها قد تضطر إليه لنحو سوء عشرته.
اه.
وإذا ضمن بالإذن، فإن عين السيد للأداء جهة يقضي منها الدين: عمل بتعيينه، وإن لم يعين له جهة، بأن اقتصر له على الإذن بالضمان، تعلق الغرم بما يكسبه، وبما في يده من أموال التجارة، إن كان مأذونا له فيها، فإن لم يكن مأذونا له فيها: تعلق بما يكسبه فقط بعد الإذن.
(قوله: وتصح منه) أي من المكلف الرشيد، (وقوله: كفالة بعين) أي التزام ردها إلى مالكها.
(واعلم) أن الكفالة ترادف الضمان لغة وشرعا، كما عرفت، وتغايره عرفا: إذ هو خص الضمان بالمال مطلقا، عينا كان أو دينا، والكفالة بالبدن.
(وقوله: مضمونة) أي ضمان يد، كالمغصوب، والمستام، أو ضمان عقد.
وخرج به:(3/93)
غير المضمونة، كالوديعة، والرهن، فلا تصح الكفالة بهما.
(قوله: وببدن الخ) معطوف على بعين: أي وتصح منه كفالة بإحضار بدن من يستحق حضوره في مجلس الحكم: أي لأجل حق الآدمي مطلقا، ما لا كان، أو عقوبة: كقصاص، وحد قذف، أو حق لله تعالى مالي: كزكاة، وكفارة.
بخلاف غيره.
كحدود الله تعالى، وتعازيره: كحد خمر، وزنا، وسرقة.
لأنا مأمورون بسترها، والسعي في إسقاطها ما أمكن.
(وقوله: بإذنه) متعلق بتصح، أو بكفالة المقدرين، أي إنما تصح كفالة بدن من ذكر: بإذنه، وإلا لفات مقصود الكفالة من إحضاره، لأنه لا يلزمه الحضور مع الكفيل من غير إذن، ويعتبر إذن المكفول بنفسه إن كان ممن يعتبر إذنه ولو سفيها وبوليه إن كان صبيا، أو مجنونا، أو وارثه إن كان ميتا، ليشهدوا على صورته، وكان الشاهد تحمل الشهادة عليه كذلك، ولم يعرف نسبه واسمه، فإن عرفهما: لم يحتج إليها.
ومحل ذلك قبل إدلائه في هواء القبر، وإلا فلا تصح الكفالة، لأن في إخراجه بعد ذلك إزراء به.
وعلم تقرر أن من مات، ولم يأذن في كفالته، ولا وارث له، لا تصح كفالته.
(قوله: ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره بنفسه أو وكيله المكفول، وإن لم يقل عن الكفالة.
وكما يبرأ بذلك: يبرأ بإبراء المكفول له.
(وقوله: شخصا كان) أي المكفول، أو عينا: فهو تعميم في المكفول.
(وقوله: إلى المكفول له) متعلق بإحضار، أي أو وارثه.
(وقوله: وإن لم يطالبه) الضمير المستتر يعود على المكفول له، والبارز يعود على الكفيل.
(قوله: وبحضوره) أي المكفول.
وهو معطوف على بإحضار: أي ويبرأ الكفيل بحضور المكفول.
والمراد به هنا خصوص البدن، إذ لا يتصور حضور العين بنفسها إلا إن كانت حيوانا.
ويشترط فيه أن يكون بالغا عاقلا، فلا يكفي
حضور الصبي والمجنون.
(وقوله: عن جهة الكفيل) أي مع إتيانه بلفظ يدل عليه، وذلك بأن يقول: حضرت أو سلمت نفسي عن جهة الكفيل: فلا يكفي مجرد حضوره من غير أن يقول ما تقدم، كما في التحفة، ونصها: وظاهر كلامهم اشتراط اللفظ هنا، أي فيما إذا حضر بنفسه، لا فيما قبله، أي فيما إذا حضره الكفيل.
ويفرق بأن مجئ هذا وحده: لا قرينة فيه، فاشترط لفظ يدل، بخلاف مجئ الكفيل به، فلا يحتاج إلى لفظ.
ونظيره أن التخلية في القبض: لا بد فيها من لفظ يدل عليها، بخلاف الوضع بين يدي المشتري، كما مر، نعم: إن أحضره بغير محل التسليم، فلا بد من لفظ يدل على قبوله له حينئذ، فيما يظهر، اه.
(قوله: بلا حائل) متعلق بكل من إحضار وحضور: أي يشترط لبراءة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره بنفسه: أن لا يكون هناك حائل بينه وبين المكفول له، فإن كان هناك حائل، كمتغلب يمنعه من تسلمه، فلا يبرأ، لعدم حصول المقصود.
قال في التحفة: نعم، إن قبل مختارا: برئ.
اه.
فقوله كمتغلب: أي ظالم، تمثيل للحائل (قوله: بالمكان) متعلق أيضا بكل من إحضار وحضور: أي ويبرأ الكفيل بإحضاره المكفول، أو حضوره بنفسه إلى المكان المذكور.
فإن أحضره، أو حضر بنفسه في غيره: لم يلزم المستحق القبول، إن كان له غرض في الإمتناع، وإلا فالظاهر، كما قاله الشيخان، لزوم القبول، فإن امتنع: رفعه إلى الحاكم يقبض عنه، فإن فقد: أشهد شاهدين أنه سلمه (قوله: وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه) أي وإن لم يشترط مكان: فيعتبر المكان الذي وقعت الكفالة فيه، لكن إن صلح فإن خرج عن الصلاحية: تعين أقرب مكان صالح على ما هو قياس السلم أفاده سم.
(قوله: فإن غاب) أي المكفول من بدن أو عين.
(وقوله: لزمه) أي الكفيل إحضاره أو ولو من دار الحرب، ومن فوق مسافة القصر، ولو في بحر غلبت السلامة فيه، فيما يظهر، وما يغرمه الكفيل من مؤنة السفر في هذه الحالة: في مال نفسه ولو كان المكفول ببدنه يحتاج لمؤن السفر ولا شئ معه: اتجه أن يأتي فيه ما لو كان المكفول محبوسا بحق.
وقد ذكر صاحب البيان، وغيره، فيه: أنه، أي الكفيل، يلزمه قضاؤه، أي الدين، أي فيقال هنا يلزمه مؤن السفر، ثم إنه يمهل مدة ذهاب وإياب عادة، فإن مضت المدة المذكورة ولم يحضره: حبس ما لم يؤد الدين لأنه مقصر.
(وقوله: إن عرف محله وأمن(3/94)
الطريق) أي ولم يكن ثم من يمنعه منه عادة (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعرف المحل بأن جهله، ولم يأمن الطريق.
فلا يلزمه إحضاره.
قال في النهاية: ويقبل قوله في جهله ذلك بيمينه.
اه.
ولا يكلف السفر إلى الناحية التي علم ذهابه إليها، وجهل خصوص القرية التي هو بها ليبحث عن الموضع الذي هو به.
اه.
ع ش (قوله: ولا يطالب كفيل بمال)
أي ولا يطالب الكفيل بإحضار البدن أو العين إذا تلف كل منهما بمال، وذلك لأنه إنما التزم حضور ما ذكر، ولم يلتزم المال، فإذا فات ما التزمه: لا شئ عليه.
(قوله: وإن فات التسليم) أي من المكفول.
وقوله بموت: الباء سببية، متعلقة بفات.
أي فات بسبب موته.
(قوله: أو غيره) أي الموت، كهرب، أو توار ولم يدر محله (قوله: فلو شرط أنه يغرم المال) أي كقوله: كفلت بدنه بشرط الغرم، أو على أني أغرم، أو نحوه.
قال البجيرمي: وليس من الشرط ما لو قال كفلت بدنه، فإن مات فعلي ضمان المال، فتصح الكفالة، وهذا وعد لا يلزم الوفاء به.
اه.
(قوله: لم تصح) أي الكفالة، لأن ذلك خلاف مقتضاه، وهو عدم غرم الكفيل المال.
(قوله: وصيغة الإلتزام) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد أركان الضمان.
(وقوله: فيهما) أي في الضمان والكفالة (قوله: كضمنت دينك الخ) أشار به إلى أن شرط الصيغة لهما لفظ يشعر بالتزام، ويقوم مقامه الكتابة مع النية، وإشارة أخرس (قوله: ولو قال أؤدي الخ) أي لو أتى بصيغة لا تشعر بالتزام: لا ينعقد الضمان (قوله: فهو وعد بالتزام) أي قوله المذكور وعد بالتزام، ولا يدل على التزام: أي والوعد لا يجب الوفاء به.
(وقوله: كما هو صريح الصيغة) يعني أن الصيغة المذكورة، وهي أؤدي الخ، صريحة في الوعد وعدم الإلتزام (قوله: نعم، إن حفت به) أي أحاطت به، أي بقوله ؤدي الخ، قرينة: كأن رأى صاحب الحق يريد حبس المديون، فقال الضامن أنا أؤدي المال، فذلك قرينة على أنه يريد أنا ضامنه، ولا تتعرض له.
ع ش.
(وقوله: تصرفه) أي القول المذكور.
(وقوله: إلى الإنشاء) أي إلى إنشاء عقد الإلتزام (قوله: انعقد) أي الضمان به (قوله: كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي) قال في التحفة بعده: وبحث الأذرعي أن العامي إذا قال قصدت به التزام ضمان أو كفالة: لزمه، وهو أوجه مما قبله، ويؤيده ما يأتي: أنه لو قال داري لزيد، كان لغوا، إلا إن قصد بالإضافة كونها معروفة به مثلا، فيكون إقراره.
وقد يقال البحثان متقاربان، فإن الظاهر أن ابن الرفعة لا يريد أن القرينة تلحقه بالصريح، بل تجعله كناية، فحينئذ إن نوى: لزمه، وإلا فلا، لكنه يشترط شيئين: القرينة، والنية من العامي وغيره.
والأذرعي لا يشترط إلا النية من العامي، ويحتمل في غيره أن يوافق ابن الرفعة، وأن يأخذ بإطلاقهم أنه لغو.
اه.
(قوله: ولا يصحان) أي الضمان والكفالة.
(وقوله: بشرط براءة أصيل) هو المدين الذي عليه الحق، وذلك لمنافاته مقتضاهما.
قال ع ش: هو ظاهر في الضمان، ويصور في الكفالة بإبراء كفيل الكفيل بأن يقول: تكفلت بإحضار من عليه الدين على أن من تكفل به قبل برئ.
اه.
وفي كون هذا يسمى أصيلا نظر، إلا أن يقال إنه أصيل بالنسبة للثاني، فتأمل.
وقال بعضهم: المراد بالأصيل في الكفالة: المكفول.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ولا بتعليق) أي ولا يصحان بتعليق نحو: إذا جاء الغد فقد ضمنت ما على
فلان، أو كفلت بدنه.
وتوقيت: أي ولا بتوقيت: نحو أنا ضامن ما على فلان، أو كفيل ببدنه إلى شهر، فإذا مضى: برئت، وإنما لم يصحا بما ذكر، لأنهما عقدان، كالبيع، وهو لا يدخله تعليق ولا تأقيت، فكذلك هما (قوله: وللمستحق الخ) هذا ثمرة الضمان وفائدته، والمستحق شامل للمضمون له ووارثه.
(وقوله: مطالبة الضامن والأصيل) بأن يطالبهما جميعا، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه، والآخر بباقيه.
أما الضامن: فللخبر السابق (الزعيم غارم) ، وأما الأصيل: فلأن الدين باق عليه.
قال في التحفة: ولا محذور في مطالبتهما، وإنما المحذور: في تغريهما(3/95)
معا كل الدين، والتحقيق أن الذمتين إنما اشتغلنا بدين واحد كالرهنين بدين واحد، فهو كفرض الكفاية: يتعلق بالكل، ويسقط بفعل البعض.
فالتعدد فيه: ليس في ذاته، بل بحسب ذاتيهما.
ومن ثم: حل على أحدهما، فقط، وتأجل في حق أحدهما فقط.
ولو أفلس الأصيل فطلب الضامن بيع ماله أو لا: أجيب، إن ضمن بإذنه، وإلا فلا، لأنه موطن نفسه على عدم الرجوع.
اه.
(قوله: ولو برئ) أي الأصيل بأداء أو إبراء أو حوالة.
(وقوله: برئ الضامن) أي لسقوط الحق.
(قوله: ولا عكس في الإبراء) أي لو برئ الضمان بإبراء المستحق له لم يبرأ الأصيل لأنه إسقاط للوثيقة، فلا يسقط به الدين.
قال في التحفة: وشمل كلامهم ما لو أبرأ الضامن من الدين، فيكون كإبرائه من الضمان، وهو متجه، خلافا للزركشي، وقوله إن الدين واحد تعدد محله فيبرأ الأصيل بذلك: يرده ما مر في التحقيق من التعدد الإعتباري، فهو على الضامن: غيره على الأصيل، باعتبار أن ذاك: عارض له اللزوم، وهذا: أصلي فيه، فلم يلزم من إبراء الضامن من العارض: إبراء الأصيل من الذاتي.
اه.
وقال سم: يمكن رد ما قاله الزركشي مع تسليم اتحاد الدين، لأن معنى أبرأتك من الدين: أسقطت تعلقه بك.
ولا يلزم من سقوط تعلقه به: سقوطه من أصله، وإنما سقط عن الضامن: بإبراء الأصيل، لأن تعلقه به تابع لتعلقه بالأصل، فإذا سقط الأصل: سقط تابعه.
اه.
(قوله: دون الأداء) أي بخلاف ما لو برئ الضامن بأداء الدين للمستحق، فإنه يبرأ الأصيل (قوله: ولو مات أحدهما) أي الضامن أو الأصيل (قوله: والدين مؤجل) أي والحال أن الدين مؤجل: أي عليهما بأجل واحد (قوله: حل عليه) أي على الميت منهما لوجود سبب الحلول في حقه، وأما الآخر الحي: فلا يحل عليه، لعدم وجوده في حقه، ولأنه ينتفع بالأجل.
وإذا مات الأصيل، وله تركة، فللضامن مطالبة المستحق، بأن يأخذ منها، أو يبرئه، لاحتمال تلفها، فلا يجد مرجعا إذا غرم.
وإذا مات الضامن وأخذ المستحق ماله من تركته: لا ترجع ورثته على الأصيل إلا بعد الحلول (قوله: ولضامن رجوع على أصيل إن غرم) محله
إذا كان الضمان والأداء بإذنه، وكان الأداء من ماله، فإن انتفى إذنه له فيهما، أو كان الأداء، لا من ماله، بل من سهم الغارمين، فلا رجوع، فإذا وجد الإذن في الضمان دون الأداء: رجع في الأصح، لأنه إذن في سبب الأداء، فإن وجد الإذن في الأداء، دون الضمان، فلا رجوع: إلا إن أدى بشرط الرجوع فيرجع (قوله: ولو صالح) أي الضامن (وقوله عن الدين بما دونه) أي كأن صالح عن مائة بما دونها (قوله: لم يرجع) أي على الأصيل.
(وقوله: إلا بما غرم) أي وهو القدر الذي صولح به، وذلك لأنه هو الذي بذله.
وفي التحفة: قال شارح التعجيز: والقدر الذي سومح به يبقى على الأصيل، إلا أن يقصد الدائن مسامحته به أيضا.
اه.
وفيه نظر ظاهر، لأنه لم يسامح هنا بقدر، وإنما أخذه بدلا عن الكل، فالوجه: إبراء الأصيل منه أيضا.
اه.
(قوله: ولو أدى دين غيره بإذن) أي بإذن ذلك الغير في الأداء.
وخرج به: ما إذا لم يأذن له في ذلك، فلا رجوع مطلقا، لأنه متبرع (قوله: رجع) أي المؤدي على المؤدى عنه (قوله: وإن لم يشرط له الرجوع) غاية للرجوع: أي يرجع، وإن لم يشرط الآذن الرجوع عليه إذا أدى.
وهو للرد على القول الضعيف، بأنه لا يرجع، معللا له بأن الإذن لا يقتضي الرجوع، وهذا لا ينافي ما مر آنفا، من أنه إذا وجد الإذن في الأداء دون الضمان، فلا رجوع، إلا أن يشرط الرجوع، لأن هنا وجد ضمان بلا إذن، فلما وجد هناك سبب آخر للأداء غير الإذن فيه وهو كون الأداء عن جهة الضمان الذي بلا إذن اعتبر شرط الرجوع (قوله: إلا إن أداه بقصد التبرع) أي لا يرجع إن أداه بقصد التبرع، ويعرف بإقراره: سواء شرط له الآذن الرجوع عليه أم لا.
(قوله: طالب كلا بجميع الدين) أي كرهنا عبدنا بألف: يكون نصف كل رهنا بجميع الألف.
(وقوله: وقال جمع متقدمون طالب كلا بنصف الدين) أي كاشترينا هذا بألف.
واعتمد في التحفة: الأول، قال: والقياس على الرهن واضح، وعلى البيع غير واضح، لتعذر شراء كل بألف، فتعين(3/96)
تنصيفه بينهما، ثم قال رأيت شيخنا اعتمد ما اعتمدته، قال: وبه أفتيت، وعلله بأن الضمان وثيقه لا تقصد فيه التجزئة، واعتمد في النهاية الثاني.
قال: وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى، لأنه اليقين، وشغل ذمة كل واحد بالزوائد مشكوك فيه.
وبذلك أفتى البدر بن شهبة عند دعوى أحد الضامنين ذلك وحلفهما عليه، لأن اللفظ ظاهر فيه، وبالتبعيض قطع الشيخ أبو حامد.
وفي سم: قال شيخنا الشهاب الرملي، المعتمد في مسألة الضمان: أن كلا ضامن للنصف فقط، وفي مسألة الرهن: أن نصف كل رهن: بالنصف، فالقياس على الرهن: قياس ضعيف على ضعيف.
اه.
(قوله: قال شيخنا إلخ) أتى به في التحفة جوابا عما يرد على معتمده من عدم التقسيط فيما لو قالا: ضمنا مالك على فلان.
وحاصل الجواب أن
هذا لا يرد على المسألة المذكورة، لأنه ليس ضمانا حقيقة، والكلام فيما هو ضمان حقيقة (قوله: لأنه ليس ضمانا حقيقة) أي لأنه على ما لم يجب، والضمان حقيقة أن يكون على ما وجب (قوله: بل استدعاء إتلاف مال) أي طلب ذلك.
وقوله لمصلحة: هي السلامة (قوله: فاقتضت) أي المصلحة.
(وقوله: التوزيع) أي تقسيط الضمان على الكل.
(وقوله: عنها) أي عن المصلحة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: واعلم أن الصلح الخ) شروع في بيان أحكام الصلح: من صحته مع الإقرار، ومن جريان حكم البيع عليه، وهو لغة: قطع النزاع.
وشرعا: عقد يحصل به ذلك.
وهو أنواع: صلح بين المسلمين والكفار، وعقدوا له باب الهدنة، والجزية، والأمان، وصلح بين الإمام والبغاة، وعقدوا له باب البغاة، وصلح بين الزوجين عند الشقاق، وعقدوا له باب القسم والنشوز، وصلح في المعاملات، وعقدوا له هذا الباب.
والأصل فيه قوله تعالى: * (والصلح خير) * لأنه إن كان المراد به مطلق الصلح، كما يدل عليه الإتيان بالإسم الظاهر، دون الضمير، فالأمر ظاهر.
وإن كان المراد الصلح بين الزوجين، كما يدل عليه السياق، فغيره بالقياس عليه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما، أو حرم حلالا وإنما خص المسلمين، مع جوازه بين الكفار أيضا، لانقيادهم للأحكام غالبا.
وشرط صحة الصلح: سبق خصومة بين المتداعيين، فلو قال: صالحني من دارك مثلا بكذا، من غير سبق خصومة، فأجابه: فهو باطل، على الأصح، لأن لفظ الصلح: يستدعي سبق الخصومة، سواء كانت عند حاكم أم لا.
ولفظه يتعدى للمأخوذ: بالباء أو على، وللمتروك: بمن أو عن.
وقد نظم بعضهم هذه القاعدة بقوله: في الصلح للمأخوذ باء وعلى والترك من وعن كثير إذا جعلا ونظمها بعضهم أيضا بقوله: بالباء أو على يعدى الصلح لما أخذته فهذا نصح ومن وعن أيضا لما قد تركافي أغلب الأحوال ذا قد سلكا فإذا قال صالحتك من الدار، أو عنها، بألف، أو عليه: فالدار متروكة، لدخول من، أو عن، عليها، والألف مأخوذة لدخول الباء، أو على، عليه.
وقد يعكس الأمر على خلاف الغالب.
(وقوله: جائز مع الإقرار) أي صحيح معه.
ولو أنكر بعده فإذا أقر ثم أنكر: جاز الصلح، بخلاف ما لو أنكر فصولح، ثم أقر فإن الصلح باطل، فإن صولح ثانيا بعد الإقرار: كان صحيحا.
ومثل الإقرار إقامة البينة واليمين المردودة، لأن لزوم الحق بالبينة، كلزومه بالإقرار.
واليمين
المردودة: بمنزلة الإقرار، أو البينة.
وليس من الإقرار: صالحني عما تدعيه بكذا، لأنه قدير يريد به قطع الخصومة (قوله: وهو على شئ غير المدعي الخ) يعني أن الصلح غير المدعي، بأن يكون المدعى دراهم، فصولح على ثوب، يكون
__________
(1) سورة النساء، الاية: 128.(3/97)
بيعا (واعلم) أن الصلح إما أن يكون عن عين، وإما أن يكون عن دين.
وكل منهما: إما أن يجري من المدعى به على غيره، ويسمى صلح المعاوضة، أو على بعضه، ويسمى صلح الحطيطة، فالأقسام أربعة.
واقتصر المؤلف على القسم الأول من قسمي العين، وترك الثاني، وهو الصلح منها على بعضها، وذكر الثاني من قسمي الدين، وترك الأول، وهو الصلح منه على غيره، ثم إنه إما أن يجري بين متداعبين، وهو ما ذكره المؤلف، وإما أن يجري بين مدع وأجنبي، وهذا لم يذكره.
وحاصله أن الأجنبي إن صالح عن عين للمدعى عليه، فإن لم يكن وكيلا عنه لم يصح صلحه، لأنه فضولي.
وإن كان وكيلا عنه، فإن صرح بالوكالة، بأن قال: وكلني في الصلح معك وهو مقر لك بها، أو وهي لك، صح، ووقع للموكل، فإن لم يصرح بالوكالة، أو قال وهو مبطل في إنكاره، أو لم يزد على قوله وكلني الغريم في الصلح معك: لم يصح.
وإن صالح عنها لنفسه بعين ماله، أو بدين في ذمته، فإن قال وهو مقر لك، أو وهي لك: صح له، وإن قال وهو مبطل لك فشراء شئ مغصوب، فإن قدر، ولو في ظنه، على انتزاعه ممن هو تحت يده: صح، وإلا فلا.
وإن قال وهو محق أو لا أعلم حاله أو لم يزد على قوله صالحني بكذا: لغا الصلح، هذا كله إن صالح عن عين، فإن عن دين بغير دين بغير دين ثابت من قبل، فإن قال هو مقر لك، أو وهو لك، وهو مبطل في إنكاره: صح للمدعى عليه فيما إذا صالح له، أو لنفسه فيما إذا صالح لها.
فإن صالح عنه بدين ثابت من قبل الصلح: لم يصح (قوله: فله حكم البيع) وهو مفرد مضاف، فيعم، فكأنه قال: فله أحكام البيع، أي من الشفعة، والرد بالعيب، وخيار المجلس والشرط، ومنع التصرف قبل القبض، وإنما جرت عليه أحكام البيع، لأن الصلح المذكور بيع للعين المدعاة من المدعي للمدعى عليه بلفظ الصلح.
(قوله: وعلى بعض المدعي الخ) معطوف على شئ غير المدعي: أي وهو على بعض المدعي إبراء: أي كصالحتك عن الألف التي لي عليك على خمسمائة.
(وقوله: إن كان) أي المدعى به دينا، فإن كان عينا وجرى الصلح على بعضها، فهبة منها للباقي لذي اليد، فتثبت فيه أحكامها، من إذن في قبض، ومضى إمكانه، فيصح بلفظ الصلح: كصالحتك من الدار على بعضها، كما يصح بلفظ الهبة، بأن يقول وهبتك نصفها، وصالحتك على نصفها.
ولا يصح بلفظ البيع: بأن يقول بعتك نصفها، وصالحتك على نصفها - لعدم الثمن - لأن العين كلها ملك المقر له، فإذا باعها
ببعضها: فقد باع ملكه بملكه، والشئ ببعضه - وهو محال - (قوله: فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك لم يضر) أي لا يشترط في الصلح المذكور أن يكون بلفظ الإبراء، بل يصح بلفظ الصلح، كالصيغة المتقدمة، ولفظ الإبراء والإسقاط ونحوهما: كالحط والوضع.
ثم إنه لا يفتقر إلى القبول إلا إن جرى بلفظ الصلح، كصالحتك على نصفه.
فيفتقر إليه، لأن اللفظ يقتضيه، ورعاية اللفظ في العقود: أكثر من رعاية معناها.
(قوله: ويلغو الصلح الخ) أي كأن أدعى عليه دارا فأنكر أو سكت، ثم تصالحا على بعضها أو غيرها، فالصلح باطل، لأنه على إنكار أو سكوت.
وهذا محترز قوله المار مع الإقرار.
وقد يصح الصلح مع عدم الإقرار في مسائل، منها اصطلاح الورثة فيما وقف بينهم، كما إذا مات الميت عن ابن وولد خنثى مسألة الذكورة من اثنين ومسألة الأنوثة من ثلاثة والجامعة ستة فيعطى الابن ثلاثة والخنثى اثنين، ويوقف واحد إلى الإتضاح، أو الصلح: كأن يصطلحا على أن يكون لكل منهما نصف القيراط.
ومنها ما لو أسلم الزوج على أكثر من أربع، ومات قبل الإختيار، فيوقف الميراث بينهن حتى يصطلحن، وكذا إذا طلق إحدى زوجتيه، ومات قبل البيان فيما إذا كانت معينة في نيته، أو قبل التعيين فيما إذا كانت مبهمة عنده.
ومنها ما لو تداعيا وديعة عند آخر، فقال لا أعلم لأيكما هي؟ فيصطلحان على أنها بينهما على تفاضل أو تساو.
(قوله: حيث لا حجة للمدعي) الظرف متعلق بيلغو: أي يلغو حيث لا حجة موجودة للمدعي.
أما إذا كانت له حجة، وهي البينة من شاهدين، أو رجل وامرأتين، أو يمين وشاهد، فيصح، لكن بعد تعديلها، وإن لم يحكم بالملك على الأوجه.
وقال سم: وصورة المسألة أنه أقام البينة ثم صالح.
ويبقى ما لو صالح ثم أقامها.
وفي شرح العباب: ولو أقيمت بينة بعد الصلح على الإنكار بأنه ملك وقته، فهل يلحق بالإقرار؟ قال الجوهري: يلحق به، بل أولى، لأنه يمكن الطعن فيها، لا فيه.
اه.
(قوله: فلا يصح الصلح الخ) هو(3/98)
عين قوله ويلغو الصلح، فكان الأولى أن يقتصر على الغاية وما بعدها.
(وقوله: على الإنكار) أي أو السكوت (قوله: وإن فرض صدق المدعى) غاية في بطلان الصلح (قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي في قولهم: إن الصلح لا يبطل مع ذلك (قوله: نعم.
يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل الخ) عبارة شرح الروض: وإذا كان على الإنكار، وكان المدعي محقا، فيحل له فيما بينه وبين الله أن يأخذ ما بذل له.
قاله الماوردي.
وهو صحيح في صلح الحطيطة.
وفيه فرض كلامه - فإذا صالح على غير المدعي، ففيه ما يأتي في مسألة الظفر.
قاله الأسنوي.
اه (قوله: وسيأتي حكم الظفر) أي في باب الدعوى والبينات، وعبارته هناك: وله - أي للشخص - بلا خوف فتنة عليه أو على غيره: أخذ ماله، استقلالا
للضرورة من مال مدين له مقر مماطل به، أو جاحد له، أو متوار، أو متعزز، وإن كان على الجاحد بينة، أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي، لاذنه - صلى الله عليه وسلم - لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولده بالمعروف، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وإنما يجوز له الأخذ من جنس حقه.
ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره، ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره.
ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله: يتملكه، ويتصرف فيه بدلا عن حقه، فإن كان من غير جنسه: فيبيعه الظافر نفسه، أو مأذونه للغير، لا لنفسه، اتفاقا، ولا لمحجوره: لامتناع تولي الطرفين وللتهمة.
انتهت.
(قوله: فرع: يحرم على كل أحد إلخ) شروع في بيان الحقوق المشتركة، ومنع التزاحم عليها.
وقد أفرده الفقهاء بباب مستقل.
وحاصل الكلام على ذلك: أنه يحرم غرس الشجر في الشارع وإن انتفى الضرر وكان النفع لعموم المسلمين ويحل في المسجد مع الكراهة للمسلمين كأكلهم من ثماره، أو ليصرف ريعه في مصالح المسجد.
ويحرم بناء دكة مطلقا في الشارع، أو في المسجد، ولو انتفى الضرر بها، أو كانت بفناء داره.
وإنما حرم ذلك: لأنه قد تزدحم المارة، فيعطلون بذلك، لشغل المكان به، ولأنه إذا طالت المدة: أشبه موضعه الأملاك، وانقطع عنه أثر استحقاق الطروق.
(وقوله: غرس شجر) مثله كل ما يضر المار في مروره، كإخراج روشن، أو ساباط، أي سقيفة، على حائطين، والطريق بينهما.
فإن لم يتضرر المار به، بأن رفعه بحيث يمر تحته الشخص التام الطويل مع حمولة على رأسه، وبحيث يمر تحته المحمل على البعير إذا كانت الطريق ممر فرسان وقوافل: جاز ذلك.
هذا إذا كان ما ذكر في شارع، أي طريق نافذ، فإن كان في غيره، فلا يجوز إلا بإذن الشركاء فيه.
(وقوله: في شارع) هو مرادف للطريق النافد.
وأما الطريق لا بقيد النافذ، فهو أعم من الشارع عموما مطلقا.
ومادة الإجتماع الطريق النافذ.
وينفرد في طريق غير نافذ (قوله: كبناء دكة) الكاف للتنظير: أي نظير حرمة بناء دكه، وهي المسطبة العالية.
والمراد هنا: مطلق المسطبة.
قال في التحفة: ومثلها ما يجعل بالجدار المسمى بالكبش، إلا إن اضطر إليه لخلل بنائه.
ولم يضر المارة، لأن المشقة تجلب التيسير.
اه.
(قوله: وإن لم يضر) مفعوله محذوف: أي لم يضر ذلك البناء والمارة.
(وقوله: فيه) أي في الشارع، وهو متعلق بلفظ بناء (قوله: ولو لذلك) ولو كان البناء لذلك: أي لعموم النفع للمسلمين (قوله: وإن انتفى الضرر حالا) لم يظهر لهذه الغاية فائدة بعد الغاية الأولى.
أعني قوله: وإن لم يضر، فكان الأولى إسقاطها (قوله: ويحل الغرس بالمسجد الخ) وإنما امتنع في الشارع مطلقا، لكون توقع الضرر فيه أكثر.
ويجوز حفر البئر في الشارع، وفي المسجد، حيث لا ضرر، وكان بإذن الإمام وفي شرح الرملي: تقييد الجواز بكونه لعموم المسلمين، وإذن الإمام.
(وقوله: للمسلمين) أي لنفعهم كأكلهم من ثمارها.
(وقوله: أو ليصرف ريعه) أي ما غرس.
وقوله: له أي للمسجد أي لمصالح المسجد، كترميم، وإسراج (قوله: بل يكره) المناسب والأخصر أن يقول: مع الكراهة، كما عبرت به فيما مر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/99)
باب في الوكالة والقراض
أي في بيان أحكامهما، وشرائطهما.
وجمع بين الوكالة والقراض في ترجمة واحدة، مع أن الفقهاء أفردوا كلا بترجمة مستقلة، لما بينهما من تمام الإرتباط، إذ القرض توكيل وتوكل، فالمالك، كالموكل، فيشترط فيه شروطه، والعامل كالوكيل، فيشترط فيه شروطه، والوكالة، بفتح الواو، وكسرها، لغة: التفويض، والمراعاة، والحفظ.
وشرعا، ما سيذكره الشارح من قوله: وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة.
وهي ثابتة بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وذلك لقوله تعالى: * (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها) * (1) وهما وكيلان لا حاكمان على المعتمد، ولخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - بعث السعاة لأخذ الزكاة، ولكون الحاجة داعية إليها.
ولهذا ندب قبولها، لأنها قيام بمصلحة الغير.
وقد تحرم: إن كان فيها إعانة على محرم.
وقد تكره: إن كان فيها إعانة على مكروه.
وقد تجب: إن توقف عليها دفع ضرر الموكل، كتوكيل المضطر في شراء طعام قد عجز عنه، وقد تتصور فيها الإباحة كما إذا لم يكن للموكل حاجة في الوكالة، وسأله الوكيل إياها من غير غرض وأركانها أربعة: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة.
وشرط في الموكل: صحة مباشرته ما وكل فيه بملك أو ولاية، وإلا فلا يصح توكيله لأنه إذا لم يقدر على التصرف بنفسه، فبنائبه أولى.
فلا يصح توكيل غير مكلف في تصرف إلا السكران المتعدي، فيصح توكيله، ولا توكيل مكاتب في تبرع بلا إذن سيده، وسفيه فيما لا يستقل به، ولو بإذن وليه، وفاسق في إنكاح ابنته.
ويستثنى من ذلك: الأعمى، فيصح توكيله في نحو بيع، وشراء، وإجارة وهبة، وإن لم تصح مباشرته له للضرورة والمحرم فيصح أن يوكل حلالا في النكاح بعد التحلل، أو يطلق.
وشرط في الوكيل: صحة مباشرته ما وكل فيه، كالموكل، لأنه إذا لم يقدر على التصرف فيه لنفسه، فلغيره أولى فلا يصح توكيل صبي ومجنون، ومغمى عليه، ولا توكل امرأة في نكاح ولا محرم فيه ليعقده في إحرامه، وشرط في الموكل فيه: أن يكون قابلا للنيابة، وأن يملكه الموكل حين التوكيل، وأن يكون معلوما، ولو بوجه، فلا يصح فيما لا يقبل النيابة، كالعبادات، ولا فيما لا يملكه الموكل، كالتوكيل في بيع ما سيملكه، نعم، يصح فيما ذكر تبعا: كوكلتك في بيع ما أملكه، وكل ما سأملكه.
ولا فيما ليس بمعلوم، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، وبيع
بعض أموالي، لما في ذلك من الغرر العظيم، الذي لا ضرورة إلى احتماله.
وشرط في الصيغة، لفظ من موكل يشعر برضاه.
ولا يشترط من الوكيل: القبول لفظا، بل الشرط: عدم الرد منه، فلو ردها، كأن قال لا أقبل، أو لا أفعل، بطلت.
وكل ما ذكر يستفاد من كلام الشارح (قوله: تصح وكالة شخص) من إضافة المصدر لمفعوله.
(وقوله: متمكن لنفسه) أي متمكن من التصرف لنفسه فالجار والمجرور متعلق بمحذوف.
وهذا شرط للوكيل، (وقوله: كعبد وفاسق) تمثيل للمتمكن من التصرف لنفسه.
(وقوله: في قبول النكاح) أي أن تمكن العبد والفاسق ليس مطلقا، بل بالنسبة لقبول النكاح، فيصح توكلهما فيه، لتمكنهما منه لأنفسهما.
(وقوله: ولو بلا إذن سيد) أي أو ولي فيما إذا كان الفاسق سفيها.
وعبارة شرح المنهج: والسفيه والعبد فيتوكلان في قبول النكاح بغير إذن الولي والسيد.
اه.
والغاية للرد على من يقول:
__________
(1) سورة النساء، الاية: 35.(3/100)
لا يصح توكل العبد في قبول النكاح بغير إذن سيده، وعلى من يقول بصحة ذلك: في القبول وفي الإيجاب (قوله: لا في إيجابه) أي لا يصح توكلهما في إيجاب النكاح، وذلك لعدم تمكنهما منه لكونه ولاية، وهما ليسا من أهلها (قوله: وهي) أي الوكالة شرعا.
(وقوله: تفويض شخص) في البجيرمي، هلا أطلقها على العقد أيضا كما مر في الأبواب قبله، وسيأتي في أبواب أخر؟ فليحرر، فإن الظاهر إطلاقها عليه شرعا.
شوبري.
اه.
وقد يقال: المراد تفويض شخص الخ بصيغة (قوله: فيما يقبل النيابة) أي مما يقبلها، ففي: بمعنى من - البيانية لأمره - وهي حال منه: أي حال كون ذلك الأمر مما يقبل النيابة.
فإن قلت: النيابة هي الوكالة، وقد أخذت في تعريف الوكالة، وهذا دور.
أجيب بأن النيابة شرعا أعم من الوكالة، فلا دور، إلا أنه يرد عليه أنه يصير التعريف به غير مانع.
(وقوله: ليفعله في حياته) خرج به الإيصاء، فإنه إيما يفعله بعد موته (قوله: فتصح) أي الوكالة، وهو مفرع على ما يقبل النيابة (قوله: كبيع ونكاح وهبة) أي وضمان ووصية وحوالة، فيقول: جعلت موكلي ضامنا لك كذا، أو موصيا بكذا أو أحلتك بمالك على موكلي من كذا بنظيره مما له على فلان (قوله: وطلاق منجز) أي لمعينة، فلو وكله بتطليق إحدى نسائه، لم يصح، في الأصح (قوله: وفي كل فسخ) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في كل فسخ، والمراد بالفسخ: الذي ليس على الفور، أو على الفور، وحصل عذر لا يعد به التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا، فإن عد التوكيل فيه تقصيرا، فلا
يصح التوكيل فيه (قوله: كإقالة) تمثيل للفسخ، وهي طلب المشتري من البائع الفسخ (قوله: وفي قبض وإقباض) معطوف على في كل عقد: أي وتصح الوكالة في قبض وإقباض للدين أو العين (قوله: وفي استيفاء عقوبة آدمي) معطوف على في كل عقد أيضا: أي وتصح في كل استيفاء عقوبة لآدمي، كقصاص، وحد قذف، ويصح التوكيل أيضا في استيفاء عقوبة لله تعالى، لكن من الإمام أو السيد (قوله: والدعوى) أي وتصح الوكالة في الدعوى: أي بنحو مال أو عقوبة لغير الله تعالى، والجواب عن ذلك (قوله: وإن كره الخصم) غاية لصحة التوكيل في الدعوى والجواب: أي يصح التوكيل في الدعوى، وفي الجواب عنها، سواء رضي الخصم بذلك أو لا.
ومذهب الإمام أبي حنيفة، رضي الله عنه، اشتراط رضا الخصم (قوله: وإنما تصح الوكالة فيما ذكر) أي من العقود والفسوخ (قوله: إن كان عليه ولاية لموكل الخ) هذا شرط في الموكل فيه، وهو ما مر من العقود والفسوخ وما بعدهما: أي أنه يشترط فيه أن يكون للموكل ولاية عليه، أي سلطنة، بسبب ملكه التصرف فيه: سواء كان مالكا للعين أو لا، كالولي، والحاكم، فعبارته أعم من قول المنهج، وشرط في الموكل فيه أن يملكه حين التوكيل، إذ هو خاص بمالك العين، ولا يشمل الولي والحاكم (قوله: فلا يصح) أي التوكيل.
(وقوله: في بيع ما سيملكه) أي استقلالا، لا تبعا، فيصح في بيع ما لا يملكه تبعا للملوك، أو في بيع عين يملكها، وأن يشتري له بثمنها كذا.
وقياس ذلك، صحة توكيله بطلاق من سينكحها تبعا لمنكوحته، كذا في شرح المنهج (قوله: لأنه لا ولاية الخ) علة لعدم الصحة: (وقوله: له) أي للموكل.
(وقوله: عليها) أي على ما سيملكه، أو من سينكحها.
(وقوله حينئذ) أي حين إذ وكل (قوله: وكذا لو وكل) أي وكذلك لا يصح التوكيل لو وكل الولي من يزوج موليته إذا طلقت أو إذا انقضت عدتها، وذلك لعدم ولايته عليها حين التوكيل.
(وقوله: إذا طلقت أي وانقضت عدتها) ،(3/101)
كما هو ظاهر، (وقوله: هنا) أي في باب الوكالة (قوله: لكن رجح في الروضة في النكاح) أي في باب النكاح: الصحة، أي صحة الوكالة، ونصها.
فرع في فتاوى البغوي أن التي يعتبر إذنها في تزويجها إذا قالت لوليها وهي في نكاح أو عدة: أذنت لك في تزويجي إذا فارقني زوجي، أو انقضت عدتي، فينبغي أن يصح الإذن، كما لو قال الولي للوكيل، زوج بنتي إذا فارقها زوجها وانقضت عدتها، وفي هذا التوكيل، وجه ضعيف، إنه لا يصح، وقد سبق في الوكالة.
اه.
(قوله: وكذا لو قالت له إلخ) أي وكذا رجح في الروضة، في باب النكاح، صحة الإذن فيما لو قالت لوليها، وهي في نكاج أو عدة، أذنت لك
في تزويجي إذا حللت، بأن يطلقها زوجها وتنقضي عدتها في الصورة الأولى، أو تنقضي العدة في الثانية فقط.
وفي النهاية: أفتى الوالد، رحمه الله تعالى، بصحة إذن المرأة المذكورة لوليها، كما نقلاه في كتاب النكاح، عن فتاوى البغوي، وأقراه، وعدم صحة توكيل الولي المذكور، كما صححاه في الروضة وأصلها هنا، والفرق بينهما: أن تزويج الولي، بالولاية الشرعية، وتزويج الوكيل، بالولاية الجعلية.
وظاهر أن الأولى أقوى، فيكتفي فيها بما لا يكتفي به في الثانية.
وأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة.
وما جمع به بعضهم، بين ما ذكر في البابين، بحمل عدم الصحة على الوكالة، والصحة على التصرف، إذ قد تبطل الوكالة، ويصح التصرف، رد بأنه خطأ صريح، مخالف للمنقول، إذا الإبضاع يحتاط لها فوق غيرها.
اه.
(قوله: ولو علق ذلك الخ) أي ولو علق الولي ذلك: أي توكيل التزويج، بأن قال إذا طلقت بنتي، أو انقضت عدتها، فقد وكلتك في تزويجها، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للإذن.
قال سم: كذا في شرح الروض، لكن أطال ابن العماد في توقيف الحكام في بيان عدم النفوذ إذا فسد التوكيل في النكاح، وفي تغليط من سوى بين النكاح وغيره في النفوذ بذلك.
اه.
وانظر: ما الفرق بين هذه الصورة والصورة الأولى المارة، وهي كذا لو وكل الخ، فإنها متضمنة للتعليق، وإن لم يكن صريحا فيها؟ ويمكن الفرق بأن الوكالة هنا معلقة، وهناك منجزة، والمعلق إنما هو التزويج، وهو لا يضر، لما سيأتي: أن المضر تعليق الوكالة، وأما تعليق التصرف: فغير مضر (قوله: لا في إقرار) عطف على في كل عقد (قوله: أي لا يصح التوكيل فيه) بيان لمنطوق ما قبله، والمناسب لما قبله في الحل أن يقول: أي لا تصح الوكالة في إقرار (قوله: بأن يقول) أي الموكل، وهو تصوير للوكالة في الإقرار: إيجابا، وقبولا (قوله: فيقول الوكيل: أقررت عنه) أي عن موكلي: أي أو يقول جعلته مقرا بكذا (قوله: لأنه) أي الإقرار، وهو تعليل لعدم صحة الوكالة في الإقرار: أي وإنما لم تصح فيه لأن الإقرار إخبار عن حق، وهو لا يقبل التوكيل، كالشهادة (قوله: لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل) أي لإشعاره بثبوت الحق عليه، وقيل ليس بإقرار: لأن التوكيل بالإبراء ليس بإبراء، ومحل الخلاف: إذا قال وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فلو قال أقر عني بألف له علي كان إقرار قطعا، ولو قال له أقر علي بألف، لم يكن إقرارا قطعا: صرح به صاحب التعجيز اه.
شرح الروض.
وقوله فلو قال أقر عني بألف له علي: أي لو جمع بين عني وعلي، كان إقرار قطعا، وقوله: ولو قال أقر علي بألف: أي ولو اقتصر على علي، لم يكن إقرارا قطعا، وخالف بعضهم في هذه، فقال إنه يكون مقرا، لأنها أولى من عني.
وفي البجيرمي: والحاصل أنه إذا أتى بعلي وعني، يكون إقرارا قطعا.
وإن حذفهما، لا يكون إقرارا قطعا، وإن أتى بأحدهما،
يكون إقرارا، على الأصح، كما يؤخذ من كلام ح ل، وعلى كلام ق ل وع ش وز ي: لا يكون مقرا قطعا إذا أتى بعلي.
اه.
(قوله: ولا في يمين) عطف على في كل عقد أيضا: أي لا تصح الوكالة في يمين (قوله: لأن القصد بها) أي(3/102)
باليمين، وهو علة لعدم صحة الوكالة في اليمين (قوله: فأشبهت العبادة) أي فأشبهت اليمين العبادة: أي في كون القصد تعظيم الله تعالى (قوله: ومثلها النذر إلخ) أي ومثل اليمين في عدم صحة الوكالة، النذر، وتعليق العتق، والطلاق بصفة، فلا يصح أن يقول وكلتك في أن تنذر عني، أو تعلق عتق عبدي، أو طلاق زوجتي بصفة، إلحاقا لها باليمين.
ونقل المتولي في التعليق أوجها: ثالثها إنه إن كان التعليق بقطعي، كطلوع الشمس، صح، وإلا فلا، فإنه يمين، لأنه حينئذ يتعلق به حث أو منع أو تحقق خبر، واختاره السبكي، أفاده في شرح الروض (قوله: ولا في شهادة) أي ولا يصح التوكيل فيها، (وقوله: إلحاقا لها بالعبادة) أي إلحاقا للشهادة بالعبادة.
وانظر وجه الإلحاق.
وعبارة المغني: لأنا احتطنا، ولم نقم غير لفظها مقامها، فألحقت بالعبادة، ولأن الحكم فيها منوط بالشاهد، وهو غير حاصل للوكيل.
اه.
(قوله: والشهادة على الشهادة الخ) هذا جواب عما يقال: كيف لا يصح التوكيل بالشهادة، مع أن الشهادة على الشهادة جائزة بالاتفاق.
وحاصل الجواب أنها ليست توكيلا، بل هي تحمل عن الشاهد.
وعبارة المغني: فإن قيل: الشهادة على الشهادة باسترعاء ونحوه جائزة كما سيأتي، فهلا كان هنا كذلك؟ أجيب بأن ذلك ليس توكيلا، كما صرح به القاضي أبو الطيب، وابن الصباغ، بل شهادة على شهادة، لأن الحاجة الخ.
اه.
وقوله باسترعاء أي طلب من الشاهد، بأن يقول له أنا شاهد بكذا، وأشهدك، أو اشهد على شهادتي به.
وقوله ونحوه: أي نحو الاسترعاء، كالسماع، بأن يسمعه يشهد عند حاكم إلى آخر ما سيأتي في باب الشهادة (قوله: المتحمل عنه.
) أي المؤدي عنه، وهو بصيغة اسم المفعول، (وقوله: كحاكم أدى عنه) أي جعلته بمنزلة حاكم أدى عنه حكمه عند حاكم آخر، بأن حكم حاكم على غائب، وأنهى حكمه إلى حاكم بلد الغائب، فهذا الذي أدى حكم الحاكم عند الحاكم الآخر، ليس بوكيل عنه، وإنما هو مؤد، ورسول، وكذلك المتحمل للشهادة: ليس بوكيل، وإنما هو مؤد لشهادة الشاهد (قوله: ولا في عبادة) أي لا يصح التوكيل فيها، وإن لم تتوقف على نية.
وذلك لأن مباشرها: مقصود بعينه، اختيارا من الله تعالى، ولا فرق بين أن تكون العبادة فرضا أو نفلا، كصلاة، وصوم، واعتكاف، فليس له أن يترك الصلاة ويوكل غيره ليصلي عنه، أو يصلي منفردا ويوكل غيره ليصليها جماعة له، ويكون ثوابها له.
وكذا البقية.
أما القيام بالوظائف، كمن
عليه إمامة مسجد، أو تدريس، فينيب غيره، حيث كان النائب مثله، أو أكمل منه، أفاده الشرقاوي (قوله: إلا في حج وعمرة) أي فيصح التوكل فيهما، ولا بد أن يكون الموكل معضوبا أو وصيا عن ميت، ويندرج فيهما، توابعهما، كركعة الطواف، فيصح التوكيل فيهما، تبعا لهما، بخلاف ما لو أفردهما بالتوكيل: فلا يصح.
والحاصل أن العبادة على ثلاثة أقسام: إما أن تكون بدنية محضة، فيمتنع التوكيل فيها، إلا ركعتي الطواف تبعا.
وإما أن تكون مالية محضة، فيجوز التوكيل فيها مطلقا، وإما أن تكون مالية غير محضة، كنسك، فيجوز التوكيل فيها بالشرط المار (قوله: وذبح نحو أضحية) أي فله أن يوكل في ذلك.
وهناك أشياء أخر مستثناة يجوز التوكيل فيها، فلتراجع (قوله: لا تصح الوكالة إلخ) شروع في بيان الصيغة (قوله: وهو ما يشعر الخ) أي الإيجاب لفظ يشعر الخ.
ومثل اللفظ: كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة، (وقوله: الذي يصح مباشرته الموكل فيه) هذا شرط للموكل، كما تقدم، (وقوله: في التصرف) متعلق برضا، أي يشعر برضا الموكل في تصرف الوكيل في الموكل فيه (قوله: قال السبكي إلخ) عبارة التحفة قبل ذلك: وخرج بكاف الخطاب، ومثلها وكلت فلانا، ما لو قال وكلت كل من أراد بيع داري مثلا، فلا يصح، ولا ينفذ(3/103)
تصرف أحد فيها بهذا الإذن، لفساده، نعم: بحث السبكي صحة ذلك فيما لا يتعلق بعين الوكيل فيه غرض، كوكلت كل من أراد في إعتاق عبدي هذا، أو تزويج أمتي هذه.
قال: ويؤخذ من هذا قول من لا ولي لها، إلى آخر ما ذكره الشارح (قوله: قال الأذرعي: وهذا إن صح الخ) كتب العلامة الرشيدي ما نصه: (قوله: وهذا إن صح) أي ما ذكر من تزويج الأمة، وعبارته، أي الأذرعي، في قوته نصها: وما ذكره، يعني السبكي، في تزويج الأمة، إن صح، ينبغي أن يكون فيما إذا عين الزوج ولم يفوض إلا صيغة العقد، ثم قال.
وسئل ابن الصلاح عمن أذنت أن يزوجها العاقد في البلد من زوج معين بكذا، فهل لكل أحد عاقد بالبلد تزويجها؟ فأجاب إن اقترن بإذنها قرينة تقتضي التعيين، بأن سبق إذنها قريبا ذكر عاقد معين، أو كانت تعتقد أن ليس بالبلد غير واحد، فإن إذنها حينئذ تختص، ولا يعم.
وإن لم يوجد شئ من هذا القبيل، فذكرها العاقد محمول على مسمى العاقد على الإطلاق، وحينئذ: لكل عاقد بالبلد تزويجها.
هذا مقتضى الفقه في هذا.
اه.
(قوله: وبنحو ذلك) أي وبمثل ما ذكره السبكي أفتى ابن الصلاح، وقد علمت إفتاءه في عبارة الرشيدي، فلا تغفل (قوله: ولا يشترط في الوكالة
القبول لفظا) أي لأنها إباحة ورفع حجر، كإباحة الطعام، فلا يتعين فيها القبول لفظا.
نعم: لو كان لإنسان عين معارة، أو مؤجرة، أو مغصوبة فوهبها لآخر فقبلها، وأذن له في قبضها، ثم إن الموهوب له ولك في قبضها المستعير، أو المستأجر، أو الغاصب، اشترط قبوله لفظا، ولا يكتفي بالفعل، وهو الإمساك، لأنه استدامه لما سبق، فلا دلالة فيه على الرضا بقبضه عن الغير.
اه.
شرح الروض (قوله: لكن يشترط) أي في الوكالة.
(وقوله: عدم الرد) أي بأن يرضى ويمتثل، فإن رد، لم تصح الوكالة.
وإلا صحت (قوله: ولو تصرف) أي فضولي.
وعبارة التحفة: ولا يشترط هنا فور ولا مجلس.
ومن ثم لو تصرف غير عالم الخ.
اه.
(قوله: صح) أي تصرفه، أي لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر (قوله: كمن باع الخ) الكاف للتنظير في صحة البيع المذكور (قوله: ولا يصح تعليق الوكالة بشرط) أي صفة أو وقت، والظاهر أن المراد بالتعليق: ما كان بالأدوات وبغيرها، بدليل أمثلته الآتية (قوله: فلو تصرف) أي الوكيل (قوله: كأن وكله بطلاق الخ) أي كأن قال له وكلتك في طلاق زوجتي التي سأنكحها، أو في بيع عبدي الذي سأملكه، ففيما ذكر، تعليق الوكالة بصفة، أعني النكاح والملك، وذلك لأنه في قوة قوله إن نكحت فلانة، فأنت وكيل في طلاقها، أو إن ملكت فلانا، فأنت وكيل في بيعه (قوله: أو بتزويج بنته إذا طلقت) قد تقدم عن ابن العماد ما فيه، فلا تغفل (قوله: نفذ) أي التصرف المذكور، وهو جواب لو (قوله: عملا بعموم الإذن) أي الذي تضمنته الوكالة، فهي، وإن كانت فاسدة بخصوصها، لا يفسد الإذن بعمومه، لأنه بفساد الخاص، لا يفسد العام، وإنما كان الإذن أعم من الوكالة: لأن باب الإذن أوسع من باب الوكالة، وعبارة الروض: ولو علقها بشرط: فسدت، ونفذ تصرف صادف الإذن.
قال في شرحه: وكذا حيث فسدت الوكالة، إلا أن يكون الإذن فاسدا.
كقوله وكلت من أراد بيع داري - فلا ينفذ التصرف قاله الزركشي اه.
(قوله: وإن قلنا بفساد الوكالة الخ) هذا بيان لما يترتب على الوكالة الفاسدة، وهو سقوط الجعل المسمى إن كان، وتجب أجرة(3/104)
المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق المسمى، ويوجب مهر المثل، بخلاف الوكالة الصحيحة، فإنه يستقر فيها الجعل المسمى إن كان.
والحاصل الوكالة الصحيحة والفاسدة يستويان: بالنسبة لنفوذ التصرف، ويتغايران، بالنسبة للجعل المسمى، فيسقط في الفاسدة، ويستقر في الصحيحة.
تنبيه قال في المغني: هل يجوز الإقدام على التصرف بالوكالة الفاسدة؟ قال ابن الرفعة: لا يجوز، لكن استبعده
ابن الصلاح، وهذا هو الظاهر، لأن هذا ليس من تعاطي العقود الفاسدة، لأنه يقدم على عقد صحيح.
اه.
(قوله: إن كان) أي وجد الجعل.
(وقوله: ووجوب) معطوف على سقوط (قوله: وصح تعليق التصرف فقط) أي دون الوكالة، إنها منجزة، والمعلق التصرف، كوكلتك في كذا، وإذا جاء رمضان فبعه، (قوله: وتأقيتها) أي وصح تأقيتها، أي الوكالة (قوله: إلى شهر رمضان) متعلق بوكلتك، وحينئذ إذا دخل الشهر المذكور، ينعزل (قوله: أن يكون الموكل فيه) يقرأ بصيغة المجهول، ونائب الفاعل: الجار والمجرور (قوله: معلوما للوكيل ولو بوجه) أي بحيث يقل معه غرر في الموكل فيه: بأن يذكر من أوصافه ما لا بد منه في تمييزه، فيجب في توكيله في شراء عبد، بيان نوعه، كتركي، وهندي، وبيان صفته، كرومي، ونوبي، إن احتيج إلى ذلك، بأن اختلفت أصناف ذلك النوع اختلافا ظاهرا، وفي شراء دار: بيان محله، أي حارة وسكة، ثم محل بيان ما ذكر، إذا لم يقصد به التجارة، وإلا فلا يجب بيان شئ من ذلك، بل يكتفي: اشتر بهذا ما شئت من العروض، أو ما رأيته مصلحة (قوله: كوكلتك الخ) تمثيل لما هو معلوم من وجه، مجهول من وجه آخر، فالوجه الذي هو معلوم منه في الوكالة في بيع جميع الأموال خصوص كونه مالا، والوجه المجهول منه أنواع المال، والوجه المعلوم في عتق الأرقاء خصوص كونه عتقا، وجهة الجهل عدم العلم بالعدد وكونها ذكورا أو إناثا.
اه.
بجيرمي (قوله: وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة) أي من بعض الوجوه: ككون الوكيل والموكل لم يعرفا نوعها وصنفها وعددها، وكون الأرقاء ذكورا أو إناثا، وبه يندفع ما يتراءى من التنافي في كلامه، حيث اشترط أولا العلم، ثم ذكر ما يفيد علم الاشتراط، وحاصل الدفع، أن الشرط: العلم، ولو من بعض الوجوه، وهذا لا ينافي أنه لا يضر الجهل من بعض آخر (قوله: لقلة الغرر) تعليل لمحذوف: أي فإنه يصح التوكل فيما كر، لقلة الغرر فيه (قوله: بخلاف بع هذا أو ذاك) أي فإنه لا يصح، وذلك لكثرة الغرر فيه (قوله: وفارق أحد عبيدي) أي فارق قوله المذكور: ما إذا قال بع أحد عبيدي، أي فإنه يصح (قوله: بأن الأحد الخ) متعلق بفارق.
(وقوله: صادق على كل) أي على كل عبد أي فالعقد وجد موردا يتأثر به، بخلافه في الأول، فإنه لم يجد ذلك، لأن أو، للإبهام، فلذلك لم يصح فيه، وصح في الثاني.
وعبارة شرح الروض.
وفرق بينهما بأن العقد لم يجد في الأول موردا يتأثر به، لأن أو: للإبهام، بخلاف الثاني، فإنه صادق على كل عبد.
اه.
(قوله: بخلاف بع بعض مالي) أي فإنه لا يصح: أي لكثرة الغرر فيه، لكون الموكل فيه شديد الإبهام (قوله: نعم، يصح بع، أو هب منه ما شئت) فرق في شرح الروض بين هذه الصورة - حيث صح التوكيل فيها، وبين الصورة المارة قيله، حيث لم يصح فيها، بأن الموكل فيه فيها مبهم، ولأنه نكرة، لا عموم فيه ولا خصوص، بخلافه في هذه الصورة، فإنه
معرفة عامة مخصوصة، وحيث صح فيها، فإنما يصح التصرف في البعض، دون الجميع، لأن من، للتبعيض (قوله: وتبطل) أي الوكالة (وقوله: في المجهول) أي من كل وجه، بدليل ما قبله.
وكان الأولى زيادته (قوله: لكثرة الغرر فيه)(3/105)
قال في التحفة: إذ يدخل فيه ما لا يسمح الموكل ببعضه، كطلاق زوجاته، والتصدق بأمواله (قوله: وباع الخ) شروع فيما يجب على الوكيل وما يمتنع عليه في الوكالة المطلقة والمقيدة بعد صحتها (قوله: كالشريك) الكاف للتنظير (قوله: صح مباشرته إلخ) الجملة صفة لوكيل، ولا حاجة إليه، لأنه قد علم من قوله، في صدر الباب، تصح وكالة شخص متمكن لنفسه الخ (قوله: بثمن مثل فأكثر) متعلق بباع: أي باع بثمن مثل فأكثر، وهو قيد أول، وسيذكر محترزه.
(وقوله: حالا) قيد ثان.
وسيذكر محترزه أيضا (قوله: فلا يبيع نسيئة) أي بأجل، ولو بأكثر من ثمن المثل، لأن المعتاد، غالبا، الحلول مع الخطر في النسيئة.
اه.
نهاية.
قال ع ش: ويظهر أنه لو وكله وقت نهب: جاز له البيع نسيئة، إذا حفظ عن النهب.
وكذا لو وكله وقت الأمن، ثم عرض النهب لأن القرينة قاضية قطعا برضاه.
الخ.
اه.
(قوله: ولا بغير نقد البلد) هذا محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو بنقد البلد والمراد بنقد البلد: ما يتعامل به أهلها غالبا، نقدا كان أو عرضا، الدلالة القرينة العرفية عليه، فإن تعدد لزمه بالأغلب، فإن تساويا، فبالأنفع، وإلا تخير، أو باع بهما.
والمراد بالبلد: ما وقع فيه البيع بالإذن، لدلالة القرينة العرفية عليه، فإن سافر بما وكل في بيعه لبلد بلا إذن، لم يجز له بيعه إلا بنقد البلد المأذون فيها (قوله: ولا بغبن فاحش) محترز قوله بثمن مثل: أي لا يبيع بدونه إذا كان بغبن فاحش، وهو ما لا يحتمل، أي يغتفر في الغالب، أما إذا كان لا بغبن فاحش، جاز البيع به (قوله: بأن لا يحتمل) تصوير للغبن الفاحش (قوله: فبيع ما يساوي عشرة بتسعة) أي من الدراهم.
أو الأنصاف، لا من الدنانير، (وقوله: محتمل) أي مغتفر، وينبغي أن يكون المراد حيث لا راغب بتمام القيمة أو أكثر، وإلا فلا يصح، أخذا مما سيأتي.
فيما لو عين له الثمن أنه لا يجوز له الإقتصار على ما عينه إذا وجد راغبا كما سيأتي، وقد يفرق سم على منهج.
أقول: وقد يتوقف في الفرق بأن الوكيل يجب عليه رعاية المصلحة، وهي منتفية فيما لو باع بالغبن اليسير مع وجود من يأخذ بكامل القيمة.
اه.
ع ش (قوله: وبثمانية غير محتمل) أي وبيع ما يساوي عشرة بثمانية غير محتمل.
والصواب، الرجوع في ذلك إلى العرف المطرد، كما في التحفة، والنهاية، وعبارتها: قال ابن أبي الدم: العشرة إن سومح بها في المائة يتسامح بالمائة في الألف، فالصواب: الرجوع للعرف، ويوافقه قولهما عن الروياني: إنه يختلف
بأجناس الأموال، لكن قوله في البحر، إن اليسير يختلف باختلاف الأموال، فربع العشر كثير في النقد والطعام، ونصفه يسير في الجواهر والرقيق ونحوهما، محل نظر، وهو محمول على عرف زمنه، إذ الأوجه: اعتبار العرف المطرد في كل ناحية بما يتسامح به فيها.
اه.
(قوله: ومتى خالف) أي الوكيل، وقوله شيئا مما ذكر، أي من كونه حالا، وبنقد البلد، وبثمن المثل، ومخالفته لذلك، بأن باع مؤجلا، أو بغير نقد البلد، أو بغير ثمن المثل، (وقوله: فسد تصرفه) أي بيعه المذكور، لفقد الشروط المعتبرة فيه (قوله: وضمن) أي الوكيل، لتعديه بتسليمه له ببيع فاسد والقيمة المغرومة للحيلولة، لا للفيصولة.
(وقوله: قيمته) أي أقصى قيمه.
(وقوله: يوم التسليم) أي تسليم الموكل للمشتري (قوله: ولو مثليا) غاية لضمانه القيمة، وهي للرد على من يفصل بين المتقوم والمثلي (قوله: إن أقبض) أي الوكيل، وهو قيد لتضمينه القيمة، فإن لم يقبضه: فلا ضمان، كما هو ظاهر (قوله: فإن بقي) أي المبيع عند المشتري، وقوله استرده، أي الوكيل من المشتري.
قال ع ش: ولا يزول الضمان بالاسترداد، بل إما بالبيع الثاني، أو استئمان من المالك.
اه.
(قوله: وله) أي للوكيل، (وقوله: حينئذ) أين حين إذ استرده، (وقوله: بيعه) أي ثانيا، (وقوله: بالإذن السابق) أي فلا يحتاج إلى تجديد الإذن (قوله: ولا يضمنه) أي الثمن لو تلف، فيده عليه يد أمانة.
وعبارة شرح المنهج: ولا يضمن ثمنه.
وكتب البجيرمي: أي فيما إذا باعه بالإذن السابق.
اه.
(قوله: وإن تلف) أي المبيع عند المشتري وهو مقابل قوله فإن بقي(3/106)
(قوله: بدله) أي بدل المبيع التالف.
والمراد به: البدل الشرعي من مثل أو قيمة، وهذا بالنسبة للوكيل.
وأما المشتري: فيضمن المثل إن كان مثليا، وأقصى القيم إن كان متقوما، لأنه مقبوض بعقد فاسد.
اه.
بجيرمي (قوله: والقرار عليه) أي على المشتري، لأنه قبضه بعقد فاسد (قوله: وهذا كله) أي ما ذكر: من اشتراط كون البيع بثمن مثل حال، وبنقد البلد إذا أطلق الموكل الوكالة في البيع (قوله: بأن لم يقيد الخ) تصوير للإطلاق المذكور (قوله: وإن قيد بشئ) المناسب: فإن قيد، بفاء التفريع، وقوله: اتبع، أي ما قيد به الموكل، فلو قيد بثمن، تعين، ولو وكله ليبيع مؤجله، صح.
ثم إن أطلق الأجل، حمل على عرف في المبيع بين الناس، فإن لم يكن عرف، راعى الأنقع للموكل في قدر الأجل.
ويشترط الإشهاد في هذه الحالة، وإن قدر الأجل، اتبع الوكيل ما قدره الموكل، فإن باع بحال أو نقص عن الأجل الذي قدره، كأن باع إلى شهر ما، قال له الموكل بعه إلى شهرين، صح البيع، إن لم ينهه الموكل، ولم يكن عليه فيه ضرر، كنقص ثمن، أو مؤنة حفظ، ولم يعين المشتري، وإلا فلا يصح، لظهور قصد المحاباة (قوله: فرع) هو
مشتمل على مسائل أربع، فمن ثم عبر غيره بفروع، وهو الأولى، والغرض منه، تقييد قوله وباع كالشريك وكيل بثمن مثل الخ، أي محل كونه كالشريك، وأنه لا يبيع إلا بالقيد المتقدمة إن لم يأت بصيغة من هذه الصيغ الآتية في الفرع، فإن أتى بها، عمل بمقتضاها (قوله: لو قال) أي الموكل (قوله: فله بيعه بغبن فاحش) أي لأن كم للعدد، فيشمل القليل والكثير (قوله: أو بما شئت) أي أو قال له بعه بما شئت (قوله: فله بيعه بغير نقد البلد) أي لأن ما يصدق بالعرض والنقد (قوله: أو بكيف شئت) أي أو قال له: بعه بكيف شئت.
(وقوله: فله بيعه بنسيئة) أي لأن كيف، للأحوال، فيشمل الحال والمؤجل (قوله: أو بما عز وهان) أي أو قال بعه بما عز وهان.
قال في المصباح: عز الرجل، عزا بالكسر، وعزازة، بالفتح، قوي، وفيه أيضا: هان يهون هونا، بالضم، وهوانا، ذل وحقر.
اه.
إذا علمت ذلك، فالمراد بهما هنا، الكثرة والقلة علي سبيل المجاز المرسل من ذكر المسبب وإرادة السبب في الأول، وذلك لأن القوة، سببها الكثرة غالبا، وبالعكس في الثاني.
وذلك لأن الحقارة: سببها القلة غالبا (قوله: فله بيعه بعرض وغبن) أي لأن ما تصدق بالنقد والعرض، كما علمت، ولما اقترنت بعز وهان، صدقت أيضا بالقليل والكثير (قوله: ولا يبيع الوكيل لنفسه) أي على نفسه.
(وقوله: وموليه) أي ولا على موليه من صغير ومجنون وسفيه، وإنما منع من بيعه له، لئلا يلزم تولي الطرفين.
وقولهم يجوز للأب تولي ذلك، هو في معاملته لنفسه مع موليه، وهنا ليس كذلك، لأن المعاملة لغيره.
وفي البجيرمي، وإنما جاز تولي الجد تزويج بنت ابنه، ابن ابنه الآخر، لأن الولاية له أصالة من الشرع (قوله: وإن أذن) أي الموكل (وقوله: له) أي للوكيل.
(وقوله: في ذلك) أي في البيع لنفسه أو موليه (قوله: خلافا لابن الرفعة) أي في تجويزه البيع لنفسه وموليه.
قال في التحفة: وقوله اتحاد الطرفين عند انتفاء التهمة جائز: بعيد من كلامهم، لأن علة منع الاتحاد: ليست التهمة، بل عدم انتظام الإيجاب والقبول من شخص واحد.
اه.
وكتب السيد عمر البصري ما نصه، (قوله: خلافا لابن الرفعة الخ) كلام ابن الرفعة وجيه جدا، من حيث المعنى، لكن ترجيحهم منع توكيله للهبة من نفسه، يرده من حيث النقل.
اه.
(قوله: لامتناع اتحاد إلخ) علة لعدم صحة البيع المذكور.
(وقوله: وإن انتفت التهمة) الغاية للرد (قوله: بخلاف أبيه(3/107)
وولده الرشيد) أي بخلاف بيع الوكيل لأبيه، ومثله سائر أصوله، وولده الرشيد، ومثله سائر فروعه المستقلين، فإنه يصح، وذلك لانتفاء اتحاد الموجب والقابل، وقيل لا يصح، لأنه متهم بالميل إليهم (قوله: ولا يصح البيع الخ) الأولى تقديم هذا على قوله: ومتى خالف شيئا الخ، فتنبه (قوله: لا يتغابن بمثلها) في ع ش ما نصه: قوله وثم راغب، أي ولو
بما لا يتغابن به، أخذا من إطلاقه.
وفي شرح الروض، التقييد بما لا يتغابن بمثله.
قال سم على منهج، بعد نقله ذلك عن شرح الروض، وهو يفهم الصحة، إذا وجد الراغب بالذي يتغابن بمثله.
وفيه نظر.
اه.
(أقول) وقد يقال العرف في مثله جار بالمسامحة، وعدم الفسخ للزيادة اليسيرة.
اه (قوله: أن وثق) أي الوكيل (وقوله: به) أي بذلك الراغب (قوله: ولم يكن) أي ذلك الراغب مماطلا: أي في دفع الثمن (قوله: أي هو كله أو أكثره) في بعض نسخ الخط إسقاط أي، وفي بعضها إسقاط هو، وهو أولى من إثباتهما معا، كما في النسخ التي بأيدينا (قوله: ولو للمشتري) أي ولو كان الخيار للمشتري وحده وفي ع ش، نقلا عن الزيادي، تقييد الخيار بكونه للبائع، أو لهما، قال: فإن كان للمشتري: امتنع، أي الفسخ، اه.
وفي سم: ما يؤيده، ونص عبارته، قوله: أو حدث في زمن الخيار، عبارته في شرح الإرشاد هنا، خيار المجلس، أو خيار الشرط، ولو للمشتري وحده.
اه.
وفيما ذكره من المبالغة نظر لا يخفى اه.
ووجهه أنه إذا كان الخيار للمشتري وحده، يمتنع الفسخ، للزوم البيع من جهة البائع (قوله: ولم يرض) أي المشتري، (وقوله: بالزيادة) ، أي بتسليمها (قوله: فسخ الوكيل العقد) جواب فإن وجد (قوله: بالبيع للراغب) الباء بمعنى اللام التعليلية: أي لأجل أن يبيعه على الراغب للشراء بالزيادة (قوله: وإلا انفسخ) أي وإن لم يفسخ الوكيل، انفسخ العقد بنفسه، لكن بشرط أن يكون باذل الزيادة باقيا على رغبته (قوله: ولا يسلم الوكيل) أي لا ينبغي له ذلك إلا إن قبض الثمن، بدليل صحة العقد المستلزمة للحل غالبا، وإن كان مقتضى ما في شرح الإرشاد أنه يحرم عليه ذلك ولا يحل قبل القبض، وعبارته بعد كلام، فإن عكس، أي سلم قبل القبض، أثم، وغرم، أي للحيلولة، قيمة المبيع، ولو مثليا.
اه.
وفي البجيرمي على شرح المنهج ما يؤيد ما قلناه، وعبارته: وله تسليم المبيع أو لا، ويصح البيع، وإن كان يضمن.
اه.
(وقوله: بحال) أي بثمن حال، فإن كان مؤجلا، فله فيه تسليم المبيع، لكن ليس له قبضه إذا حل، إلا بإذن جديد، أو قامت قرينة عليه، (وقوله: المبيع) ، مفعول يسلم (قوله: وإلا ضمن) أي وإلا يسلم بعد القبض، بأن سلم قبله، ضمن للموكل قيمته، أي وقت التسليم، وهي للحيلولة، فإذ أغرمها ثم قبض الثمن: دفعه إلى الموكل، واسترد ما غرم (قوله: وليس له: أي للوكيل الخ) أي لا ينبغي له ذلك، فلا ينافي حينئذ صحة شرائه في غالب الأقسام الآتية (قوله: لاقتضاء الإطلاق عرقا السليم) يشعر بأن الكلام في الوكالة المطلقة، وهو كذلك، ويؤيده الاستثناء الآتي قريبا (قوله: ووقع الشراء له) أي وإذا اشترى الوكيل المعيب، وقع الشراء له (قوله: إن علم العيب) سيأتي محترزه (قوله: واشتراه) أي اشترى الوكيل المعيب (قوله: بثمن في الذمة) أي في ذمته واحترز به عما إذا اشتراه بعين مال
الموكل، وكان عالما بالعيب، فإنه لا يقع لواحد منهما، ويحرم لتعاطيه عقدا فاسدا، وسيذكره في كلامه (قوله: وإن ساوى المبيع الثمن) أي وقع له، وإن ساوى المبيع الذي اشتراه الثمن، فهو غاية لوقوعه له (قوله: إلا إذا عينه) أي المعيب الموكل، وهو مرتبط بكلام المصنف، أي أنه إذا اشترى المعيب، يقع له، إلا إذا عينه الموكل له عالما بحاله،(3/108)
فإنه يقع للموكل (قوله: كما إذا اشتراه الخ) أي كما يقع للموكل أيضا إذا اشتراه الوكيل بثمن في ذمته، أو بعين مال الموكل مع جهله بعيبه في الصورتين (قوله: وعلم مما مر الخ) لا يخفى ما في عبارته، فكان الأولى والأخصر أن يقول: وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للوكيل ولا للموكل يبطل الشراء، وذلك لأنه ذكر لوقوعه للوكيل صورة، وهي ما إذا اشتراه بثمن في الذمة وعلم بالعيب، وذكر لوقوعه للموكل ثلاثا: وهي ما إذا عين المبيع وعلم بعيبه، وما إذا اشتراه الوكيل بثمن في الذمة وكان جاهلا بالعيب، وما إذا اشتراه بعين مال الموكل وكان كذلك، فيعلم من هذا أنه حيث لم يقع لا لهذا ولا لهذا، بأن فقدت القيود، يبطل الشراء فتأمل.
(وقوله: أنه حيث لم يقع للموكل) ، أي بأن كان الوكيل عالما بالعيب، (وقوله: فإن كان الثمن عين ماله) ، أي الموكل، (وقوله: وإلا) ، أي وإن لم يكن عين ماله، بل في الذمة ووقع للوكيل (قوله: ويجوز لعامل القراض شراؤه) أي المعيب (قوله: لأن القصد ثم) أي في القراض الربح (قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور، (وقوله: أنه لو كان القصد هنا) ، أي في الوكالة الربح، وذلك بأن وكله في التصرف في أمواله بالبيع والشراء، وقوله جاز، أي شراء المعيب (قوله: وهو) أي ما ذكر من كون مقتضى التعليل الجواز هنا أيضا.
(وقوله: كذلك) أي مسلم.
وفي شرح الروض، وبه جزم الأذرعي وغيره اه (قوله: ولكل الخ) أما الموكل، فلأنه المالك، والضرر لاحق به، وأما الوكيل فلأنه لو لم يكن له رد فربما لا يرضى به الموكل، فتعذر الرد، لأنه فوري، ويقع الشراء له، فيتضرر به.
وفي التحفة: نعم، شرط رده، أي الموكل، على البائع أن يسميه الوكيل في العقد، أو ينويه، ويصدقه البائع، وإلا رده على الوكيل.
اه (قوله: في صورة الجهل) أي في صورة ما إذا اشتراه جاهلا بعيبه (قوله: لا لوكيل) أي لا رد لوكيل إن رضي به، أي بالمعيب الموكل (قوله: ولو دفع موكله إليه) أي إلى الوكيل (قوله: وأمره بتسليمه) أي المال المدفوع (قوله: فمتبرع) أي بالثمن، ولا رجوع للوكيل عليه، ويلزمه رد ما أخذه من الموكل إليه.
وهذا يقع كثيرا، أي يدفع شخص لآخر دراهم يشتري بها له شيئا، فيدفع من ماله غيرها.
اه بجيرمي (قوله: حتى ولو تعذر الخ) أي حتى أنه يكون متبرعا، ولا يرجع، ولو تعذر دفع مال الموكل ثمنا، بسبب غيبه مفتاح الصندوق الذي فيه مال الموكل (قوله: إذ
يمكنه الخ) تعليل لكونه يكون متبرعا بماله الذي دفعه: أي وإنما يكون متبرعا بذلك لأنه يمكنه أن يشهد على أنه أدى عنه من ماله ليرجع عليه (قوله: أو إخبار الحاكم) بالرفع عطف على إشهاد، (وقوله: بذلك) أي بأنه أدى عنه ليرجع عليه (قوله: فإن لم يدفع) أي الموكل.
(وقوله: له) للوكيل، (وقوله: أو لم يأمره بالتسليم فيه) أي أو دفع له شيئا لكن لم يأمره بتسليمه في الثمن (قوله: رجع) أي الوكيل على موكله بالمال الذي دفعه ثمنا (قوله: للقرينة الخ) أي وهي توكيله بشراء شئ ولم يدفع له شيئا، أو دفع لكن لم يصرح له أن يدفعه في الثمن، وفي كون هذه الأخيرة قرينة دالة على إذنه في التسليم عنه من ماله نظر، إذ ما دفعه إليه إلا ليسلم في الثمن.
فتأمل (قوله: ولا له توكيل الخ) أي ولا يصح للوكيل أن يوكل في الشئ الذي يمكنه أن يتصرف فيه بنفسه من غير إذن من الموكل (قوله: لأنه) أي الموكل لم يرض بغيره أي بتصرف غيره، وهو تعليل لعدم صحة توكيل الوكيل (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة توكيل الوكيل مما يتأتى منه(3/109)
(قوله: لم يضمن كما قاله الجوري) هذا ما جرى عليه ابن حجر، وجرى في النهاية على خلافه، وعبارتها: وشمل كلامه، ما لو أراد إرسال ما وكل في قبضه من دين مع بعض عياله، فيضمن إن فعله، خلافا للجوري.
اه.
لكن قيد الأذرعي عدم الضمان، بما إذا كان المرسل معه أهلا للتسليم، بأن يكون رشيدا (قوله: قال شيخنا الخ) عبارته، وكأن وجه اغتفار ذلك في عياله، والذي يظهر، أن المراد بهم أولاده، ومماليكه وزوجاته اعتياد استنابتهم في مثل ذلك، بخلاف غيرهم.
اه.
(وقوله: أولاده ومماليكه وزوجاته) قال ع ش، وينبغي أن يلحق بمن ذكر، خدمته بإجارة ونحوها.
اه (قوله: ومثله إرسال) أي ومثل إرسال ما قبضه من الدين، إرسال ما اشتراه لموكله، فلا يضمنه لو تلف (قوله: ما لم يتأت منه) فاعل خرج، أي خرج الموكل فيه الذي لا يتأتى للوكيل التصرف فيه بنفسه (قوله: لكونه إلخ) علة لعدم التأتي منه (قوله: فله التوكيل) أي فللوكيل أن يوكل فيما لا يتأتى منه (قوله: لا عن نفسه) فإن وكل عنها، بطل على الأصح، أو أطلق، وقع عن موكله.
شوبري.
اه.
بجيرمي (قوله: وقضية التعليل المذكور) التعليل الذي يعنيه ساقط من عبارته، كما يعلم من عبارة التحفة، ونصها، وإن لم يتأت ما وكل فيه منه، لكونه لا يحسنه أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لأن التفويض لمثله، إنما يقصد به الاستنابة، ومن ثم لو جهل الموكل حاله، أو اعتقد خلاف حاله، امتنع التوكيل.
اه.
فقول الشارح وقضية التعليل، يعني به قوله لأن التفويض الخ، وإنما كان مقتضى التعليل ما ذكره، لأنه يشعر بعلم الموكل بحاله.
فتدبر.
(وقوله: امتناع التوكيل) أي توكيل الوكيل، (وقوله: عند جهل الموكل بحاله) وهو أنه
لا يتأتى منه مباشرة الموكل فيه بنفسه بأن كان معتقدا أنه يتأتى منه ذلك (قوله: ولو طرأ له) أي للوكيل، (وقوله: لم يجز له أن يوكل) أي من غير إذن موكله، قال ع ش: وذلك لما تقدم من أن الموكل لم يرض بتصرف غيره، لكن قضية قوله: ثم ولا ضرورة كالمودع الخ أنه لو دعت الضرورة إلى التوكيل عند طرو ما ذكر، كأن خيف تلفه لو لم يبع، ولم يتيسر الرفع فيه إلى قاض، ولا إعلام الموكل، جاز له التوكيل، بل قد يقال بوجوبه، وهو ظاهر.
وبقي عكسه، وهو ما لو وكل عاجزا ثم قدر، هل له المباشرة بنفسه أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب الثاني، أخذا من قول الشارح المار، كابن حجر، لأن التفويض لمثله إنما يقصد به الاستنابة، لكن عبارة شرح المنهج، لأن التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه.
اه.
ومقتضاها أنه إنما قصد حصول الموكل فيه من جهة الوكيل، فيتخير بين المباشرة بنفسه والتفويض إلى غيره.
اه (قوله: وإذا وكل الخ) المناسب أن يقول عطفا على قوله فيما يتأتى منه، وبلا إذن من الموكل: ما إذا أذن له الموكل في التوكيل، فإنه يجوز منه، ثم يقول: وإذا وكل الخ.
(قوله: فالثاني) أي الوكيل الثاني.
(وقوله: وكيل الموكل) أي لا وكيل الوكيل الأول (قوله: فلا يعزله الوكيل) أي لأن الموكل أذن له في التوكيل - لا في العزل -.
(قوله: فإن قال الموكل) أي لوكيله، (وقوله: وكل عنك) أي لا عني، (وقوله: ففعل) أي وكل عنه، بأن قال له أنت وكيلي (قوله: لأنه) أي كونه وكيل الوكيل مقتضى الإذن أي الدال عليه الصيغة (قوله: فينعزل) أي الوكيل الثاني، (وقوله: بعزله) أي بعزل الوكيل الأول إياه، فالإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله وحذف مفعوله، وينعزل أيضا بعزل الموكل له، لأن م ملك عزل الأصل، ملك عزل الفرع بالأولى، كما قاله م ر (قوله: ويلزم الوكيل الخ) أي حيث جاز له التوكيل (قوله: إلا أمينا) أي فيه كفاية لذلك(3/110)
التصرف (قوله: ما لم يعين له غيره) قيد في لزوم توكيله أمينا، أي يلزمه ذلك ما لم يعين الموكل للوكيل غير أمين.
فإن عينه: اتبع تعيينه لإذنه فيه، (وقوله: مع علم الموكل بحاله) قيد في القيد، أي محل كونه يوكل غير الأمين إذا عينه الموكل له إذا علم بحاله، فإن لم يعلم بحاله، امتنع توكيله، فإن عين له فاسقا فزاد فسقه، امتنع توكيله أيضا (قوله: أو لم يقل له الخ) معطوف على لم يعين: أي وما لم يقل له وكل من شئت، فإن قال له ذلك، فله توكيل غير الأمين، على الأوجه، عند حجر، وعند م ر: خلافه.
وعبارته، ومقتضى كلام المصنف عدم توكيل غير الأمين، وإن قال له وكل من شئت، وهو كذلك، خلافا للسبكي، وفارق ما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت، حيث جاز له تزويجها من غير كفء، بأن المقصود هنا حفظ المال، وحسن التصرف فيه، وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك، وثم مجرد صفة كمال هي الكفاءة،
وقد يتسامح بتركها، بل قد يكون غير الكفء أصلح.
اه (قوله: كما لو قالت إلخ) الكاف للتنظير، وقوله أيضا، أي كما له تزويجها من الكفء (قوله: وقوله) أي الموكل، وهو مبتدأ، خبره جملة ليس إذنا في التوكيل أو قوله أو كل ما تفعله جائز، أي أو قوله لوكيله كل الخ (قوله: ليس إذنا في التوكيل) أي أن القول المذكور ليس إذنا من الموكل للوكيل في توكيله غيره.
قال في شرح الروض: أي لأنه يحتمل ما شئت من التوكيل، وما شئت من التصرف فيما أذن له فيه، ولا يوكل بأمر محتمل كما لا يهب.
اه (قوله: فرع) أي في بيان ما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة (قوله: لو قال) أي الموكل لوكيله.
(وقوله: لشخص معين) هو كما في التحفة حكاية للفظ الموكل بالمعنى، فإن الموكل لا يقول ذلك، بل يقول بع لزيد مثلا، ومثله، يقال فيما عطف عليه (قوله: لم يبع من غيره) أي لا يجوز أن يبيع الوكيل على غير المعين، وإن رغب بزيادة عن ثمن المثل الذي دفعه المعين، لأنه لا عبرة بهذه الزيادة، لامتناع البيع لدافعها، ووجه تعيينه، أنه قد يكون للموكل غرض في تخصيصه كطيب ماله، بل وإن لم يكن له غرض أصلا: عملا بإذنه.
قال في النهاية: ولو مات زيد، أي المعين، بطلت الوكالة، كما صرح به الماوردي، بخلاف ما لو امتنع من الشراء، إذ تجوز رغبته فيه بعد ذلك، وكتب ع ش، قوله بطلت الوكالة، ينبغي أن محله ما لم يغلب على الظن أنه لم يرده بخصوصه، بل لسهولة البيع منه بالنسبة لغيره.
اه (قوله: ولو وكيل زيد) أي ولو كان ذلك الغير وكيلا لزيد المعين، فلا يصح بيعه له، قال في التحفة: وقيده ابن الرفعة بما إذا تقدم الإيجاب أو القبول، ولم يصح بالسفارة.
اه.
وقال سم: وبحث الأذرعي الصحة، فيما إذا كان الموكل مما لا يتعاطى الشراء بنفسه، كالسلطان.
اه (قوله: أو بشئ معين) معطوف على لشخص معين، أي أو قال بع بشئ معين من المال، (وقوله: كالدينار) تمثيل للشئ المعين من المال (قوله: لم يبع بالدراهم) جواب لو المقدرة، أي ولا يصح له ذلك وإن زادت الدراهم، إذ لم يأت بالمأمور به، ولا بما اشتمل عليه، بخلاف بعه بمائة، فباعه بمائة وثوب.
ويؤيد ذلك أن من نذر التصديق بدرهم، لا يجزئه بدينار.
اه.
فتح الجواد (قوله: أو في مكان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له بعه في مكان معين، كمكة مثلا، (وقوله: تعين) أي ذلك المكان، فلا يصح البيع في غيره، وإن لم يكن نقد المعين أجود، ولا الراغبون فيه أكثر.
وذلك، لأنه قد يقصد الموكل إخفاءه (قوله: أو في زمان معين) معطوف أيضا على لشخص معين، أي أو قال له في زمان معين، (وقوله: تعين ذلك) أي الزمان، ووجهه أن الحاجة قد تدعو للبيع فيه خاصة (قوله: فلا يجوز) أي البيع.
(وقوله: قبله ولا بعده) أي قبل ذلك الزمان المعين أو بعده (قوله: ولو في الطلاق) غاية لتعين الزمان الذي ذكره في التوكيل بقطع النظر عن كونه في البيع أو غيره،(3/111)
وإلا فلا يصلح أن يكون غاية، أي فلو قال له طلق يوم الجمعة، لم يجز قبله ولا بعده، وقال الدارمي: إنه يقع بعده، لأن المطلقة فيه مطلقة بعده، ورد بأنه غريب، مخالف للنظائر ومثل الطلاق في ذلك العتق.
قال في التحفة: والفرق بينه، أي الطلاق، وبين العتق: بأنه يختلف باختلاف الأوقات في الثواب، بخلاف الطلاق ممنوع، بل قد يكون له غرض ظاهر في طلاقها في وقت مخصوص، بل الطلاق أولى، لحرمته زمان البدعة، بخلاف العتق.
اه (قوله: وان لم يتعلق به) أي بالزمان المعين، فهو غاية لتعين الزمان في التوكيل.
ويحتمل أن يكون غاية لجميع ما تقدم من الصور، وعليه يراد بالمعين: الذي عاد إليه ضمير به ما عينه الموكل من الشخص، والمال، والمكان، والزمان.
(قوله: عملا بالإذن) أي وإنما تعين ذلك الزمان، ولا يجوز قبله ولا بعده، عملا بالإذن، فهو علة لتعين الزمان فقط، ويحتمل أن يكون علة لتعين ما تقدم جميعه، كما مر في الغاية، إلا أنه يبعد الاحتمال الثاني هنا وفيما مر في الغاية قوله بعد، وفارق الخ، لأنه خاص بالزمان، كما ستعرفه (قوله: وفارق) أي ما ذكر من تعين الزمان فيما إذا قال له بع يوم الجمعة، أو طلق يوم الجمعة، قول الموكل لوكيله إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، حيث لم يتعين فيه الزمان، ولم يذكر الشارح ما يفرق به، ولعله ساقط من الناسخ، كما يعلم من عبارة فتح الجواد، ونصها: وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، باقتضاء هذه الصيغة حينئذ أن رأسه أول أوقات الفعل الذي فوضه إليه من غير حصر فيه، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره.
اه.
فقوله باقتضاء الخ: متعلق بفارق.
وهذا هو الفارق بين الصورتين.
تأمل (قوله: بخلاف الخ) مرتب على الساقط المار، كما يعلم من عبارة فتح الجواد المارة (قوله: وليلة اليوم مثله) أي أنه إذا عين اليوم فله التصرف في ليلته بالقيد الذي ذكره، وعبارة شرح الروض، ولو باع الوكيل ليلا، فإن كان الراغبون فيه مثل النهار، صح، وإلا فلا.
قاله القاضي في تعليقه.
اه.
(قوله: ولو قال) أي الموكل لوكيله، (وقوله: يوم الجمعة أو العيد) أي بع يوم الجمعة أو يوم العيد (قوله: تعين أول جمعة أو عيد يلقاه) هذا يدل على أنه قال ذلك قبل دخول يوم الجمعة ويوم العيد.
وبقي ما لو قاله في يوم الجمعة أو العيد، فهل يحمل على بقيته، أو على أول جمعة أو عيد يلقاه بعد ذلك اليوم؟ فيه نظر، والأقرب الثاني: لأن عدوله عن اليوم إلى الجمعة أو العيد قرينة على عدم إرادته بقية اليوم.
اه.
ع ش (قوله: وإنما يتعين المكان) أي الذي عينه الموكل له، (وقوله: إذا لم يقدر) أي الموكل للوكيل الثمن، (وقوله: أو نهاه عن غيره) أي أو قد الثمن ونهاه عن البيع في غير المكان المعين (قوله: وإلا) أي بأن قدر
له الثمن ولم ينهه عن غيره، (وقوله: جاز البيع في غيره) أي غير المكان المعين، ولو قبل مضي المدة التي يتأتى فيها الوصول إلى المكان المأذون فيه، لأن الزمان إنما اعتبر تبعا للمكان لتوقفه عليه، فلما سقط اعتبار المتبوع سقط اعتبار التابع.
اه.
سم (قوله: وهو أي الوكيل، ولو بجعل أمين) وذلك لأنه نائب عن الموكل في اليد والتصرف، فكانت يده كيده، ولأن الوكالة عقد إرفاق ومعونة، والضمان مناف لذلك.
اه.
سم (قوله: بخلاف الرد على غير الموكل) أي بخلاف دعوى الرد على غير الموكل، فلا يصدق إلا ببينة، فإن لم يأت بها، صدق غير الموكل بيمينه في عدم الرد، وقوله كرسوله.
أي الموكل، ودخل تحت الكاف: وارثه، ووكيله، وفي البجيرمي: وكذا دعوى الرد من رسول الوكيل أو وارثه أو وكيله على الموكل، فلا بد من بينة في ذلك كله.
اه (قوله: ولو وكله بقضاء دين) أي ولو وكل المدين شخصا في(3/112)
قضاء الدين الذي عليه من مال ذلك المدين (قوله: فقال) أي الوكيل، (وقوله: قضيته) أي الدين عنك (قوله: وأنكر المستحق دفعه إليه) أي وأنكر الدائن دفع الدين إليه، فإن صدقه، صدق الوكيل بيمينه.
فإن قيل: ما فائدة اليمين مع تصديق المستحق؟.
قلنا: فائدتها تظهر إذا كان وكيلا بجعل، فالوكيل يدعي الدفع للمستحق ليأخذ الجعل، والموكل ينكره ليمنعه منه، ففائدتها.
استحقاق الوكيل الجعل.
مرحومي.
اه.
بجيرمي (قوله: لأن الأصل عدم القضاء) أي للدين، وهو علة لتصديق المستحق (قوله: فيحلف) أي المستحق (قوله: ويطالب الموكل فقط) أي وليس له مطالبة الوكيل (قوله: فإن تعدى) أي الوكيل في تلف الموكل فيه (قوله: كأن ركب الدابة) تمثيل للتعدي، ومحل كون الركوب يعد تعديا، حيث كان يليق به سوقها، ولم تكن جموحا، وإلا لم يكن تعديا (قوله: ولبس الثوب) أي وكأن لبس الثوب، (وقوله: تعديا) لا حاجة إليه، لأن مراده، التمثيل لما كان تعديا، نعم: كان له أن يقيد اللبس، بما إذا كان لغير إصلاحه، أما إذا كان له كلبسه لأجل دفع العث عنه، فلا يعد تعديا، ومن لبس الثوب تعديا والركوب كذلك، كما قال ع ش، لبس الدلالين للأمتعة التي تدفع إليهم، وركوب الدواب أيضا التي تدفع إليهم لبيعها، ما لم يأذن في ذلك، أو تجر به العادة، ويعلم الدافع بجريان العادة بذلك، وإلا فلا يكون تعديا، لكن يكون عارية، فإن تلف بالاستعمال المأذن فيه حقيقة أو حكما، بأن جرت به العادة على ما مر، فلا ضمان، وإلا ضمن بقيمته وقت التلف (قوله: ضمن) أي صار متسببا في الضمان بمعنى أنه لو تلف بعد ذلك ولو بغير تفريط ضمنه.
اه.
بجيرمي (قوله: أن يضيع منه) أي من الوكيل (قوله: ولا يدري
كيف ضاع) أي ولا يدري على أي حالة وقع الضياع؟ (قوله: أو وضعه بمحل) معطوف على يضيع، ولو عبر بصيغة المضارع، لكان أنسب، أي ومن التعدي، أن يضعه بمحل، ثم ينسى ذلك المحل الموضوع فيه (قوله: ولا ينعزل بتعديه) أي لأن الوكالة إذن في التصرف، والأمانة حكم يترتب عليها، ولا يلزم من ارتفاع الحكم، بطلان الإذن نعم ينزع المال منه لعدل، ويتصرف فيه الوكيل، وهو عنده أمانة.
(وقوله: بغير إتلاف الموكل فيه) أما به، فينعزل (قوله: ولو أرسل إلى بزاز) هو بائع البز، أي القماش (قوله: ضمنه المرسل لا الرسول) قال ع ش: ويؤخذ منه جواب حادثة وقع السؤال عنها، وهي أن رجلا أرسل إلى آخر جرة ليأخذ فيها عسلا، فملأها ودفعها للرسول ورجع بها، فانكسرت منه في الطريق، وهو أن الضمان على المرسل، ومحله في المسألتين، كما هو واضح، حيث تلف الثوب والجرة بلا تقصير من الرسول، وإلا فقرار الضمان عليه، وينبغي أن يكون المرسل طريقا في الضمان.
اه (قوله: لو اختلفا) أي الموكل والوكيل (قوله: في أصل الوكالة) أي في وجودها (قوله: بعد التصرف) أي أما قبله فتعمد إنكار الوكالة عزل، فلا فائدة للمخاصمة، وتسميته فيها موكلا، بالنظر لزعم الوكيل اه.
نهاية (قوله: أو في صفتها) أي أو اختلفا في صلة الوكالة، أي باعتبار ما اشتملت عليه، وهو الموكل فيه، وذلك لأن ما ذكره اختلاف في صفة الموكل فيه، لا في الوكالة (قوله: فقال) أي الموكل بل نقدا، أي بل وكلتك بالبيع نقدا، أي حالا، وهو راجع للأول.
(وقوله: أو بعشرة) أي أو وكلتك بالشراء بعشرة، وهو راجع للثاني (قوله: صدق الموكل بيمينه في الكل) أي وبعد تصديقه بالنسبة للصورة الأخيرة، أعني قوله أو بالشراء بعشرين، فقال بل بعشرة، فإن كان الوكيل قد اشترى بعين مال الموكل وسماه في العقد، بأن قال اشتريته لفلان بهذا والمال له، أو قال بعد الشراء بعين مال الموكل اشتريته لفلان والمال له، وصدقه البائع فيما ذكره فالبيع باطل، لأنه(3/113)
ثبت بالتسمية أو التصديق أن المال والشراء لغير العاقد، وثبت بيمين ذي المال أنه لم يأذن له في الشراء بذلك القدر، فبطل الشراء، وإن كذبه البائع، بأن قال له: إنما اشتريته لنفسك والمال لك، أو سكت عن المال، حلف على نفي العلم بالوكالة، ووقع الشراء للوكيل.
وكذا يقع الشراء له إن اشترى في الذمة ولم يسم الموكل في العقد، وكذا إن سماه وكذبه البائع في الوكالة، بأن قال سميته ولست وكيلا عنه (قوله: لأن الأصل معه) أي الموكل، وهو تعليل لتصديق الموكل بيمينه (قوله: وينعزل الوكيل الخ) أشار بهذا إلى أن الوكالة جائزة من الجانبين، وذلك لأن لزومها يضرهما، إذ قد يظهر للموكل مصلحة في العزل.
وقد يعرض للوكيل ما يمنعه عن العمل.
(وقوله: بعزل أحدهما) من إضافة المصدر إلى فاعله،
ومفعوله محذوف، ولفظ المضاف إليه، وهو أحدهما، صادق بالموكل وبالوكيل، فعلى الأول، يقدر المفعول الوكيل، وعلى الثاني، يقدر نفسه، أي بعزل الموكل الوكيل، أو بعزل الوكيل نفسه (قوله: بأن يعزل الوكيل نفسه) قال البجيرمي: قياس ما يأتي في الأصل أن لو خيف من العزل ضياع المال، حرم، ولم ينعزل، وإن كان المالك حاضرا فيما يظهر.
ابن حجر.
اه (قوله: أو يعزله الموكل) أي وإن ترتب على عزله للوكيل استيلاء ظالم على مال الموكل، فلا يحرم، وينعزل بذلك، ولا يقال فيه تضييع لماله، لأنه من التروك بل لا يزيد على ما لو استولى على ماله ظالم يحضرته وقدر على دفعه، فلا يجب عليه الدفع عنه، اه.
ع ش.
اه.
بجيرمي (قوله: كفسخت الوكالة أو أبطلتها أو أزلتها) قال في التحفة: ظاهره انعزال الحاضر بمجرد هذا اللفظ، وإن لم ينوه به، ولا ذكر ما يدل عليه.
وأن الغائب في ذلك كالحاضر، وعليه، فلو تعدد له وكلاء ولم ينو أحدهم، فهل ينعزل الكل، لأن حذف المعمول يفيد العموم، أو يلغو، لإيهامه للنظر في ذلك مجال، والذي يتجه في حاضر أو غائب ليس له وكيل غيره، إنعزاله بمجرد هذا اللفظ، وتكون أل للعهد الذهني الموجب لعدم إلغاء اللفظ وأنه في التعدد ولا نية ينعزل الكل كالقرينة حذف المعمول، ولأن الصريح، حيث أمكن استعماله في معناه المطابق له خارجا، لا يجوز إلغاؤه.
اه (قوله: وينعزل أيضا) أي كما ينعزل بعزل نفسه أو بعزل الموكل إياه، ينعزل أيضا بخروجه أو خروج موكله عن أهلية التصرف (قوله: بموت) متعلق بخروج، أي الخروج يكون بموت أو جنون، ومثلهما إغماء وطرو رق، كأن كان حربيا فاسترق وحجر سفه، وكذا حجر فلس فيما لا ينفذ منه، وكذا فسق في نحو نكاح مما يشترط فيه العدالة، قالا في التحفة والنهاية، واللفظ للنهاية: وخالف ابن الرفعة فقال: الصواب أن الموت ليس بعزل، وإنما تنتهي به الوكالة، قال الزركشي: وفائدة عزل الوكيل بموته إنعزال من وكله عن نفسه، إن جعلناه وكيلا عنه.
اه.
وقيل لا فائدة لذلك في غير التعاليق.
اه.
وفي سم ما نصه: (فرع) لو سكر الوكيل، ينبغي أن يقال، إن تعدى بسكره، لم ينعزل، وإلا انعزل أخذا من قولهم.
واللفظ للروض: ويصح توكيل السكران بمحرم.
اه.
قال في شرحه: كسائر تصرفاته، بخلاف السكران بمباح، كدواء، فإنه كالمجنون، اه.
وكلامهما في الوكيل، لا في الموكل، كما هو صريح سياقهما، على أنه لو كان في الموكل، كان الأخذ بحاله - كما لا يخفى.
اه.
(قوله: حصلا) أي الموت والجنون (قوله: لأحدهما) أي الوكيل أو الموكل (قوله: وإن لم يعلم الآخر) أي الذي لم يحصل له ذلك، وهذه غاية، كالتي بعدها، للإنعزال بما ذكر (قوله: ولو قصرت مدة الجنون) أي لأنه لو قارن العقد، لمنع الإنعقاد، فإذا طرأ، أبطله (قوله: وزوال ملك موكل) معطوف على موت، أي وينعزل أيضا
بزوال الخ، قال في النهاية، فلو عاد لملكه، لم تعد الوكالة.
اه.
(قوله: أو منفعته) معطوف على ملك: أي أو زوال منفعة ما وكل فيه، (وقوله: كأن باع أو وقف) تمثيل لزوال الملك.
(وقوله: أو آجر) تمثيل لزوال المنفعة، (وقوله: أو(3/114)
رهن) هو وما بعده لا يصلحان مثالا لزوال الملك ولا لزوال المنفعة، إذ المرهون أو المزوجة لم يزل ملك الموكل عنهما ولا يمنع من الانتفاع بهما، ولو قال، كما في شرح المنهج، ومثله ما لو رهن أو زوج، لكان أولى.
وعبارة النهاية: ولو وكله في بيع، ثم زوج، أو آجر، أو رهن وأقبض، كما قاله ابن كج، أو وصى، أو دبر، أو علق عتقه بصفة أخرى، كما بحثه البلقيني وغيره، أو كاتب: انعزل، لأن مريد البيع، لا يفعل شيئا من ذلك.
اه.
(قوله: في قوله الخ) متعلق بيصدق، وكان الأولى للؤلف، أن يجعل هذا من المتن، (وقوله: كنت عزلته) أي قبل التصرف (قوله: قال الأسنوي وصورته) أي عدم تصديق الموكل في قوله كنت عزلته قبل التصرف إلا ببينة (قوله: إذا أنكر الوكيل العزل) أي من أصله (قوله: فإن وافقه) أي وافق الوكيل الموكل (قوله: لكن ادعى) أي الوكيل أنه بعد التصرف: أي العزل وقع بعد التصرف، أي وادعى الموكل أنه قبله، وكان المناسب ذكره ليرجع إليه الضمير بعده، أعني قوله فهو، إذ المناسب رجوعه لدعوى الموكل العزل قبل التصرف، كما هو ظاهر (قوله: وفيه تفصيل) أي في دعوى الزوج تقدم الرجعة تفصيل معروف أي وهو ما ذكره الشارح في باب الرجعة، وعبارته هناك، ولو ادعى رجعة في العدة وهي منقضية، ولم تنكح، فإن اتفقا على وقت الإنقضاء، كيوم الجمعة، وقال راجعت قبله، فقالت بل بعده، حلفت أنها لا تعلم أنه راجع، فتصدق، لأن الأصل عدم الرجعة قبله.
فلو اتفقا على وقت الرجعة، كيوم الجمعة، وقالت انقضت يوم الخميس، وقال بل انقضت يوم السبت، صدق بيمينه أنها ما انقضت يوم الخميس، لاتفاقهما على وقت الرجعة، والأصل عدم انقضاء العدة قبله.
اه.
أي فيقال هنا أيضا، إذا اتفقا على وقت العزل وقال الوكيل تصرفت قبله، وقال الموكل بعده، حلف الموكل أنه لا يعلمه تصرف قبله، ويصدق، لأن الأصل عدمه لما بعده، أو اتفقا على وقت التصرف، وقال عزلتك قبله، فقال الوكيل بل بعده حلف الوكيل أنه لا يعلم عزله قبله، ويصدق (قوله: أو عامل) أي في القراض (قوله: جاهلا) أي بالعزل (قوله: في عين مال موكله) متعلق بتصرف: أي تصرف في عين مال موكله، وكان المناسب أن يزيد، أو مقارضه، لأنه ذكر العامل، وهو يلائم المقارض.
(قوله: بطل) أي تصرفه (قوله: وضمنها) أي العين.
(وقوله: إن سلمها) أي العين للمتصرف منه، وهو قيد في الضمان (قوله: أو في ذمته) معطوف على في عين الخ: أي أو تصرف الوكيل أو العامل في ذمته، بأن اشترى بمال في
ذمته، لا بعين مال الموكل، أو المقارض.
(قوله: انعقد) أي ذلك التصرف، وقوله له: أي لمن ذكر، من الوكيل، والعامل (قوله: فروع) أي ستة (قوله: لو قال) أي الدائن لمدينه (قوله: ففعل) أي المدين ما أمره به دائنه (قوله: صح) أي الشراء (قوله: وبرئ المدين) أي من الدين الذي عليه (قوله: وإن تلف) أي ما اشتراه المدين، وهو العبد.
(قوله: على الأوجه) متعلق بقوله صح، أي صح للموكل على الأوجه، أي عند شيخه ابن حجر، تبعا لما في في الأنوار، والذي استوجهه غيره، أنه لا يقع للموكل، بل للمدين، وعبارة ع ش.
(فرع) وكل الدائن المدين أن يشتري له شيئا بما في ذمته، لم يصح، خلافا لما في الأنوار، لأن ما في الذمة، لا يتعين إلا بقبض صحيح، ولم يوجد، لأنه لا يكون قابضا مقبضا من نفسه.
اه.
سم.
على منهج، واعتمد ابن حجر ما في الأنوار، ومنع كونه من اتحاد القابض والمقبض، فليراجع.
وقول سم لم يصح: أي وإذا فعل وقع الشراء للمدين، ثم(3/115)
إن دفعه للدائن، رده، إن كان باقيا، وإلا رد بدله.
اه.
(قوله: على ما قاله بعضهم) قال في التحفة بعده أخذا مما يأتي في إذن المؤجر للمستأجر في الصرف في العمارة، وإذن القاضي للمالك في هرب عامل المساقاة والجمال، ومما لو اختلع زوجته بألف وأذن لها في إنفاقه على ولدها، ومما نقله الأذرعي عن الماوردي وغيره عن ابن سريج، أنه لو وكل مدينه في شراء كذا من جملة دينه، صح، وبرئ الوكيل مما دفعه، ثم قال فيها.
ولك أن تقول هذا كله لا دلالة فيه، لما قاله ذلك البعض، لأن القابض في مسألتنا، ليس أهلا للقبض، إذ اليتيم صغير، لا أب له.
الخ.
اه.
(قوله: ويوافقه) أي ما قاله بعضهم (قوله: فتلف في يده) أي تلف الطعام في يد المشتري، الذي هو المدين (قوله: برئ) أي المدين من الدين (قوله: بع هذه) أي العين (قوله: جاز له) أي للوكيل (قوله: عند أمين) متلعق بإيداعها، (وقوله: من حاكم فغيره) بيان له (قوله: إذ العمل غير لازم له) أي للوكيل، وهو علة لجواز إيداعها (قوله: ولا تغرير منه) أي الوكيل (قوله: ومن ثم) أي من أجل العمل غير لازم له (قوله: ولو اشتراه) أي الوكيل القن، (وقوله: لم يلزمه رده) أي إلى الوكيل (قوله: بل له) أي للوكيل.
(وقوله: إيداعه) أي القن، (وقوله: عند من ذكر) أي عند أمين حاكم فغيره.
(قوله: وليس له رد الثمن الخ) أي ليس للوكيل إذا باع العين أن يرد ثمنها للموكل، إلا إذا وجدت قرينة قوية منه تدل على الرد، بأن قال له بع العين واشتر لي بثمنها قنا، وإذا لم تشتره، فلا تبق الثمن عند أحد، فحينئذ يرد، ولا يضمن لو تلف (قوله: حيث لا قرينة قوية) أي موجودة، فخبر لا محذوف، وقوية، بالنصب، صفة لقرينة (قوله: لأن المالك لم يأذن فيه) أي في رد الثمن، وهو علة
لقوله وليس له رد (قوله: فإن فعل) أي رد الثمن، (وقوله: فهو) أي الثمن في ضمانه، أي الوكيل (قوله: لقبض ما على زيد من عين أو دين) استعمال على، في العين، تغليب، وعبارة غيره، لقبض ما عليه من دين، أو عنده من عين.
اه.
(قوله: لم يلزمه) أي زيدا، وهو جواب من.
(وقوله: الدفع إليه) أي إلى مدعي الوكالة، (وقوله: إلا ببينة بوكالته) أي لاحتمال أن الموكل ينكر فيغرمه، تحفة (قوله: ولكن يجوز إلخ) قال في شرح الروض: هذا مسلم في الدين، لأنه يسلم ملكه، وأما في العين، فلا، لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه.
اه.
وقوله وأما في العين فلا، محله إن لم يغلب على ظنه إذن المالك له في قبضها بقرينة قوية، وإلا فيجوز ذلك، كما في النهاية (قوله: أو ادعى أنه محتال به) أي بما على زيد من الدين خاصة، لأن الحوالة مختصة به، ومثل ذلك، ما إذا ادعى أنه وارث له مستغرق، أو وصي، أو موصى له منه.
(قوله: وصدقه) أي صدق المحال عليه المحتال في دعواه الحوالة، (وقوله: وجب الدفع) أي دفع المحال عليه ما عليه، (وقوله: له) أي للمحتال.
(وقوله: لاعترافه) أي المحال عليه، (وقوله: بانتقال المال إليه) أي إلى المحتال.
وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، وبقول الشارح لاعترافه الخ، حصل الفرق بينه وبين الأول، حيث يجوز له الدفع إذا صدقه، ولا يجب.
اه.
(قوله: وإذا دفع) أي زيد الذي عليه الحق (قوله: فأنكر) أي الوكالة، (وقوله: المستحق) أي الذي له الحق على زيد (قوله: فإن كان المدفوع عينا: استردها) أي المستحق، وعبارة الروض(3/116)
وشرحه، فإن كان عينا، وبقيت، أخذها، أو أخذها، الدافع وسلمها إليه.
اه.
(قوله: وإلا غرم) أي وإن لم تبق، بأن تلفت، غرم المستحق من شاء منهما، أي من مدعي الوكالة، والدافع له (قوله: ولا رجوع للغارم على الآخر) محله، إذا تلفت من غير تفريط من القابض، فإن كان بتفريط منه، فإن كان هو الغارم، فلا يرجع على الدافع، وإن كان الدافع هو الغارم، رجع عليه.
وذلك لأن القابض، وكيل في زعم الدافع، والوكيل، يضمن بالتقصير، والمستحق، ظلم الدافع بأخذ القيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه الدافع منه حينئذ، في مقابلة حقه الذي أخذه منه المستحق، ومحله أيضا، ما لم يشترط الضمان على القابض لو أنكر المالك، أو تلف بتفريط القابض، وإلا فيرجع الدافع عليه حينئذ (قوله: لأنه مظلوم بزعمه) أي لأن الغارم مظلوم بزعم نفسه لغير الآخر، بسبب إنكار المستحق الوكالة، والمظلوم لا يرجع إلا على ظالمه، وهو المستحق، فضمير لأنه بزعمه، راجع للغارم، ومتعلق مظلوم، محذوف، وعبارة الروض وشرحه، وإن تلفت طالب بها من شاء، ثم لا يرجع أحدهما على الآخر، لاعترافهما أن الظالم غيرهما، فلا يرجع إلا
على ظالمه.
اه.
وفي البجيرمي على الخطيب ما نصه، (وقوله: لأنه مظلوم) فلا يرجع على غير ظالمه، ويؤخذ منه حكم الشكية المعلومة، وهو، ما لو اشتكى شخص شخصا لذي شوكة، وغرمه مالا، فإنه يرجع به عليه، ولا يرجع على الشاكي، خلافا للأئمة الثلاثة.
اه.
(وقوله: عليه) أي على ذي الشوكة الذي غرمه، وقوله ولا يرجع على الشاكي، أي لأنه غير ظالمه (قوله: أو دينا) أي أو إن كان المدفوع دينا، (وقوله: طالب) أي المستحق، (وقوله: الدافع فقط) أي ولا يطالب القابض، لأنه فضولي بزعم المستحق، والمقبوض ليس حقه، وإنما هو مال المديون.
وإذا غرم الدافع، فإن بقي المدفوع عند القابض، فله استرداده منه، وإن صار للمستحق في زعمه، لأنه مال من ظلمه، وقد ظفر به، فإن تلف، فإن كان بلا تفريط منه، لم يغرمه، وإلا غرمه.
اه.
ملخصا من الروض وشرحه (قوله: أو إلى مدعي الحوالة) معطوف على قوله إلى مدعي الوكالة: أي وإذا دفع المحال عليه المحال به إلى مدعي الحوالة (قوله: أخذ) أي الدائن، وهو جواب إذ المقدرة.
وقوله: ممن كان عليه، وهو المدين المحال عليه (قوله: لا يرجع المؤدي) أي وهو المحال عليه.
(وقوله: على من دفع إليه) وهو مدعي الحوالة (قوله: لأنه) أي المؤدي، (وقوله: اعترف بالملك له) أي لذي الحوالة.
قال البجيرمي، فهو، أي المحال عليه، مظلوم بإنكار المحيل الحوالة، فلا يرجع على غير ظالمه، وهو المحيل.
اه.
(وقوله: وهو) أي ظالمه (قوله: قال الكمال الدميري: لو قال أنا وكيل الخ) عبارة الروض وشرحه: ويجوز عقد البيع والنكاح ونحوهما بالمصادقة على الوكالة به، ثم بعد العقد إن كذب الوكيل نفسه، بأن قال لم أكن مأذونا فيه: لم يؤثر، وإن وافقه المشتري في مسألة البيع على التكذيب، لأن فيه حقا للموكل، إلا إن أقام المشتري بينة بإقراره أنه لم يكن مأذونا له في ذلك العقد، فيؤثر فيه، وكالمشتري، في ذلك، كل من وقع العقد له.
اه.
(قوله: ويصح قراض) شروع في القسم الثاني من الترجمة، والقراض، بكسر القاف، مصدر قارض، كالمقارضة، كما قال ابن مالك: لفاعل الفعال والمفاعلة.
ويقال له المضاربة، من الضرب، بمعنى السفر، قال تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم، لاشتماله عليه غالبا، والقراض والمقارضة، لغة أهل الحجاز، والمضاربة: لغة أهل العراق، والأصل فيه: الإجماع، والحاجة، لأن صاحب المال، قد لا يحسن التصرف، ومن لا مال له يحسنه، فيحتاج الأول إلى الإستعمال، والثاني إلى العمل.
واحتج له أيضا بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * (2) أي ليس عليكم حرج في أن تطلبوا زيادة من ربكم، وهي الربح.
والآية، وإن لم تكن نصا في المدعي، يصح الإحتجاج بها من حيث عمومها، إذ الفصل فيها بمعنى الربح أعم
__________
(1) سورة النساء، الاية: 101.
(2) سورة البقرة، الاية: 198.(3/117)
من أن يكون حاصلا بأموالهم أو بأموال غيرهم، ونظيرها قوله تعالى: * (وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله) * (1) واحتج له أيضا بأنه - صلى الله عليه وسلم - ضارب لخديجة بمالها إلى الشام، وأنفذت معه عبدها ميسرة، بفتح السين، وضمها، واعترض الإستدلال بما ذكر، بأن سفره لخديجة كان على سبيل الإستئجار، لا على سبيل المضاربة، لما قيل من أنها استأجرته بقلوصين، أي ناقتين، وأجيب باحتمال تعدد الواقعة، فمرة سافر على سبيل الإستئجار، ومرة على سبيل المضاربة، أو أن من عبر بالإستئجار، تسمح به، فعبر به عن الهبة، ووجه الدلالة مما ذكره، أنه - صلى الله عليه وسلم - حكاه بعد البعثة مقررا له، فدل على جوازه، وأركانه ستة: مالك، وعامل، وعمل، ومال، وربح، وصيغة.
وحقيقته أن أوله، أي قبل ظهور الربح، وكالة، وآخره، أي بعد ظهور الربح، جعالة (قوله: وهو) أي القراض شرعا، وأما لغة: فهو مشتق من القرض، وهو القطع.
وسمي المعنى الشرعي به، لأن المالك قطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، وقطة من الربح، ويستفاد من التعريف المذكور، أركان القراض الستة، فالمالك والصيغة، مأخوذان من قوله أن يعقد، وقوله: لغيره هو العامل، وقوله ليتجر.
فيه اشارة للعمل، والمال والربح ظاهران (قوله: على مال يدفعه) خرج به، ما لو قارضه على منفعة كسكنى داره يؤجرها مرة بعد أخرى، وما زاد على أجرة لمثل يكون بينهما، أو على دين عليه، أو على غيره يحصل ذلك ويتجر فيه، وما تحصل من الربح يكون بينهما.
وما لو قال بع هذا، وقارضتك على ثمنه، فلا يصح كل ذلك.
نعم: البيع صحيح، وله أجرة مثل العمل إن عمل (قوله: ليتجر فيه) خرج به ما لو عامله على شراء بر يطحنه ويخبزه، أو على غزل ينسجه ويبيعه، فلا يصح، لأن الطحن وما بعده لا يسمى تجارة، بل هي أعمال مضبوطة يستأجر عليها، فلا تحتاج إلى القراض عليها، المشتمل على الجهالة المغتفرة للحاجة (قوله: على أن يكون الربح مشتركا بينهما) خرج به اختصاص أحدهما به فلا يصح (قوله: في نقد الخ) متعلق بيصح، وأسقط من الشروط، كونه معلوما جنسا، وقدرا، وصفة، وكونه معينا، وكونه بيد العامل، فلا يصح على مجهول جنسا، وقدرا، وصفة، وعلى غير معين، كأن قارضه على ما في الذمة من دين أو عين، نعم: لو قارضه على نقد في ذمته، ثم عينه في المجلس، صح.
وكذا لو كان في ذمة العامل، وعينه كذلك، ولا على شرط كون المال بيد غير العامل كالمالك ليوفي من ثمنه ما اشتراه العامل، لأنه قد لا يجده عند الحاجة (قوله: لأنه الخ) علة لمحذوف، أي ولا يصح في غيره لأنه الخ.
(وقوله: عقد غرر) أي عقد مشتمل على غرر، (وقوله:
لعدم انضباط العمل) بيان للغرر، فهو علة العلة (قوله: والوثوق بالربح) أي ولعدم الوثوق بالربح، فهو معطوف على انضباط.
وإنما لم يكن موثوقا به: لأنه قد يحصل، وقد لا يحصل (قوله: وإنما جوز للحاجة) أي وإنما جوز القراض، مع كونه مشتملا على غرر، للحاجة (قوله: فاختص بما يروج غالبا) أي في غالب الأحوال، وعبارة فتح الجواد، وإنما جوز للحاجة، واختص بما يروج بكل حال، أي باعتبار الأصل، إذ الأوجه، جوازه بنقد خالص لا يتعامل به، أو أبطله السلطان، أو مغشوش راج رواج الخالص في كل مكان.
اه.
وعبارة شيخ الإسلام: فاختص بما يروج بكل حال، وتسهل التجارة به.
اه.
وقوله بكل حال، أي بحيث لا يرده أحد، بخلاف التبر، والمغشوش، والفلوس.
وقوله: وتسهل التجارة به.
أي بخلاف العرض، فالعطف مغاير، ويصح أن يكون للتفسير، أو عطف لازم.
اه.
ش ق (قوله: وهو) أي الذي يروج غالبا، (وقوله: النقد المضروب) أي لأنه ثمن الأشياء (قوله: ويجوز) أي القراض.
(وقوله: عليه) أي على النقد.
(وقوله: وإن أبطله) أي ذلك النقد، أي أو كان في ناحية لا يتعامل به فيها (قوله: وخرج بالنقد، والعرض) أي كالنحاس، والقماش.
(وقوله: ولو فلوسا) أي جددا، فهي من العروض، لأنها قطع من النحاس، ومن جعلها من
__________
(1) سورة المزمل، الاية: 20.(3/118)
النقد، أراد كونه يتعامل بها كالنقد.
قال ع ش: وأخذه غاية للخلاف فيه.
اه.
أي فهي للرد (قوله: وبالخالص) أي وخرج بالخالص (قوله: وإن علم قدر غشه) وعلى هذا لا يصح بالريالات الفرانسة ونحوها مما دخله النحاس، والغاية للرد، كالتي بعدها (قوله: وبالمضروب: التبر) أي وخرج بالمضروب: التبر (قوله: وهو) أي التبر.
(وقوله: ذهب أو فضة لم يضرب) سواء في ذلك القراضة وغيرها، هذا باعتبار عرف الفقهاء، وإلا فهو كسارة الذهب والفضة إذا أخذ من معدنهما قبل تنقيتهما (قوله: وقيل يجوز على المغشوش الخ) اعتمده م ر.
وقوله إن استهلك غشه، المراد به، كما استوجهه ع ش، عدم تميز النحاس عن الفضة مثلا في رأي العين، وليس المراد به أن لا يتحصل منه شئ بالعرض على النار، وإلا لما صح قراض أصلا (قوله: وقيل إن راج) أي وإن لم يستهلك.
اه.
ع ش (قوله: وفي وجه ثالث) لعله رابع، أو بالنسبة لما في زوائدها.
وقوله على كل مثلي: أي كالحبوب والثمار، ومقتضاه أنه لا يجوز في المتقوم، كالرقيق (قوله: وإنما يصح القراض) دخول على المتن، فقوله بصيغة، متعلق به، وقدره لطول الكلام على ما مر (قوله: من إيجاب) بيان للصيغة، (وقوله: من جهة إلخ) متعلق بمحذوف صفة لإيجاب، أي إيجاب حاصل من جهة رب المال
(قوله: كقارضتك الخ) أمثلة للإيجاب (قوله: أو بع أو اشتر) أو: بمعنى الواو، المعبر بها في التحفة والنهاية والمغني، وقال في المغني، فلو قال اشتر، ولم يذكر البيع، لم يصح في الأصح اه.
(قوله: على أن الربح بيننا) راجع لجميع الصيغ المتقدمة، كما نص عليه الرشيدي، فلو لم يذكره فيها، فسد القراض، وللعامل أجرة المثل، كما سيصرح به المتن، إلا في الصيغة الأخيرة، فلا شئ له أصلا، كما صرح به في التحفة، فيها، ونصها.
فإن اقتصر على بع أو اشتر، فسد ولا شئ له لأنه لم يذكر له مطمعا.
اه.
وكتب الرشيدي على قول النهاية، فلو اختصر على بع واشتر فسد، ما نصه: أي ولا شئ له، كما في التحفة، وهذا حكمة النص على هذه، دون ما قبلها، وإلا فالفساد قدر مشترك بين الجميع، حيث لم يقل والربح بيننا، فكان على الشارح أن يذكره، وقضية ما في التحفة، استحقاق العامل في مسألة اتجر فيها إذا لم يقل الربح بيننا، وانظر: ما وجهه؟ اه.
(قوله: وقبول فورا من جهة العامل لفظا) أي كالبيع، لأنه عقد معاوضة يختص بمعين، بخلاف الوكالة، لأنها مجرد إذن والحوالة لأنها لا تختص بمعين.
اه.
شرح الروض (قوله: وقيل يكفي في صيغة الأمر) أي فيما إذا صدر من رب المال صيغة الأمر.
وقوله القبول بالفعل، فاعل يكفي، والباء فيه للتصوير، أي القبول المصور بالفعل، أي فعل ما أمر به من غير لفظ، وقوله كما في الوكالة، أي والجعالة، ورد بأنه عقد معاوضة يختص بمعين.
كما تقدم، فلا يشبه ذينك - لكن قد يشكل عليه قوله بعد قريبا.
وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، وقول البهجة: عقد القراض يشبه التوكيلا الخ، إلا أن يقال.
المراد لا يشبه ذينك في هذا الحكم، أو من كل الوجوه، بل من بعضها، أفاده سم (قوله: كالموكل والوكيل) أي لأن القراض توكيل وتوكل بعوض، فيشترط أهلية التوكيل في المالك، وأهلية التوكل في العامل، فلا يصح إذا كان أحدهما محجورا عليه، أو عبدا أذن له في التجارة، أو كان العامل أعمى، (وقوله: صحة مباشرتهما التصرف) خبر بعد خبر، لأن الجار والمجرور قبله خبر، ولا يخفى ما في ذكره من الركاكة، فلو اقتصر عليه أو على الجار والمجرور قبله، كما في المنهاج، أو قال في صحة، بزيادة الجار، ويكون بيانا لوجه الشبه لكان أولى، فتأمل (قوله: مع شرط ربح لهما) متعلق بيصح الذي قدره الشارح، أي وإنما يصح(3/119)
القراض مع شرط ربح لهما، ومحط الشرطية قوله لهما (قوله: فلا يصح) أي القراض.
وقوله على أن لأحدهما الربح، أي أو أن لغيرهما منه شيئا لعدم كونه لهما.
قال في الروض وشرحه، ولو قال قارضتك على أن نصف الربح لي ساكتا عن نصيب العامل، لم يصح، لأن الربح فائدة رأس المال، فهو للمالك، إلا ما ينسب منه للعامل، ولم ينسب له شئ منه،
أو على أن نصف الربح لك، صح، وتناصفاه، لأن ما لم ينسبه للعامل، يكون للمالك بحكم الأصل، سواء سكت عن نصيبه نفسه، أو قدر لنفسه أقل، كأن قال علي أن لك النصف ولي السدس، وسكت عن الباقي، ولو قال قارضتك على النصف، أو على السدس، صح المشروط للعامل، لأن المالك يستحق بالملك، لا بالشرط.
اه.
(قوله: ويشترط كونه، أي الربح معلوما بالجزئية) لو قال وبالجزئية، بزيادة الواو، لكان أولى، لأن أصل العلم شرط، وكونه بالجزئية شرط آخر.
وخرج بالأول، ما لو لم يعلم أصلا، كأن قال قارضتك على أن لك فيه شركة أو نصيبا، وخرج بالثاني، ما إذا علم، لكن بالجزئية كأن قال قارضتك على أن لك عشرة، أو ثمانية مثلا، وسيصرح بمحترز الثاني (قوله: كنصف وثلث) تمثيل للجزئية (قوله: صح مناصفة) أي على الأصح، إذ المتبادر من ذلك عرفا، المناصفة، كما لو قال: هذه الدار بيني وبين فلان، ومقابل الأصح يقول: لا يصح، لاحتمال اللفظ لغير المناصفة، فلا يكون الجزء معلوما (قوله: أو علي أن لك ربع سدس العشر) أي أو قال قارضتك على أن لك ربع سدس العشر، وتعبيره بما ذكر: أولى من تعبير بعضهم بسدس ربع العشر، لأن تقديم أعظم الكسرين، أولى من تأخيره.
(وقوله: وإن لم يعلماه) أي قدر ربع ما ذكر، (وقوله: وهو) أي ربع ما ذكر جزء من مائتين وأربعين جزءا، بيانه أن عشر المائتين وأربعين، أربعة وعشرون، وسدس العشر أربعة، وربع سدسه واحدا، وذلك كله مجرد مثال (قوله: ولو شرط لأحدهما عشرة) بفتحتين، أي والباقي للآخر، أو بينهما (قوله: أو ربح صنف) أي أو شرط له ربح صنف واحد.
(وقوله: كالرقيق) مثال للصنف (قوله: فسد القراض) أي لعدم العلم بالجزئية، ولأنه قد لا يربح غير العشرة، أو غير ذلك الصنف، فيفوز أحدهما بجميع الربح.
اه.
شرح المنهج (قوله: ولعامل) خبر مقدم، وأجرة مثل، مبتدأ مؤخر (قوله: في عقد قراض) الإضافة للبيان، وقوله فاسد، أي بسبب فقده شرطا من الشروط المارة، ككون رأس المال غير نقد، أو شرط أن الربح لأحدهما (قوله: وإن لم يكن ربح) أي يوجد، فهو من كان التامة، وهو غاية في كونه له أجرة المثل (قوله: لأنه) أي العامل، (وقوله: عمل طامعا في المسمى) أي وقد فات، فوجب رد عمله على عامله، وهو متعذر، فرجع إلى أجرة المثل (قوله: ومن القراض الفاسد على ما أفتى به الخ) وإنما كان فاسدا في الصورة المذكورة: لعدم العلم بالجزئية، لأنه قد لا يربح إلا الذي شرط عليه به، فيفوز أحدهما حينئذ بالربح، ولاشتراط أخذ الزيادة منه، ولو مع وجود الخسارة، ولعدم وجود صيغة القراض (قوله: ويده) أي العامل (قوله: فإن قصر) أي في حفظ المال حتى تلف (قوله: بأن جاوز المكان الخ) تصوير لتقصيره، أي بأن تعدي العامل المكان المأذون له في التصرف فيه (قوله: ضمن المال) جواب إن (قوله: ولا أجرة الخ) هذا تقييد للمتن:
أي محل كون العامل له أجرة المثل، إن لم يشرط الربح كله للمالك، وإن لم يعلم الفساد، وأنه لا أجرة له، ولو قدم هذا(3/120)
على قوله، ومن القراض الفاسد، لكان أنسب، وقوله إن شرط، يقرأ بالبناء للمجهول (قوله: لأنه لم يطمع في شئ) أي فهو راض بالعمل مجانا.
قال في التحفة: نعم، إن جهل ذلك، بأن ظن أن هذا لا يقطع حقه من الربح أو الأجرة، وشهد حاله بجهله لذلك استحق أجرة المثل، فيما يظهر.
اه (قوله: ويتجه أنه لا يستحق شيئا إلخ) أي لأنه لم يطمع في شئ أيضا، وفي النهاية يستحق ذلك، وإن علم الفساد، وظن أنه لا أجرة له، (وقوله: وأنه لا أجرة له) قال سم - قضيته، أن مجرد علم الفساد لا يمنع الإستحقاق، ووجهه أنه حينئذ طامع فيما أوجبه الشارع من أجرة المثل.
اه.
(قوله: ويصح تصرف العامل مع فساد القراض) أي نظرا لبقاء الإذن، كالوكالة، هذا إذا كان الفساد لفوات شرط ككونه غير نقد والحال أن المقارض مالك، أما إذا كان لعدم أهلية العاقد أو المقارض ولي أو وكيل، فلا ينفذ تصرفه، كذا في البجيرمي (قوله: لكن لا يحل له) أي للعامل: أي فيأثم بذلك.
(وقوله: الإقدام عليه) أي على التصرف.
وقوله بعد علمه، أي العامل بالفساد (قوله: يتصرف العامل الخ) شروع في بيان بعض أحكام القراض، وقوله ولو بعرض، أي وإن لم يأذن له المالك، إذ الغرض، الربح، وقد يكون فيه، وقوله بمصلحة أي لأنه في الحقيقة وكيل، وهو متعلق بيتصرف (قوله: لا بغبن فاحش) أي لا يتصرف بغبن فاحش في بيع أو شراء، وتقدم بيانه في الوكالة، فلا تغفل، قال ع ش: وظاهره أنه يبيع بغير الغبن الفاحش، ولو كان ثم من يرغب فيه بتمام قيمته، ولعله غير مراد، أخذا مما تقدم في الوكالة، أن محل الصحة، إذا لم يكن ثم راغب يأخذه بهذه الزيادة، اه (قوله: ولا بنسيئة) أي ولا يتصرف بنسيئة، أي بأجل في بيع أو شراء أيضا للغرر، ولأنه قد يتلف رأس المال، فتبقى العهدة متعلقة بالمالك، اه.
تحفة.
وقوله: بلا إذن فيهما، أي في الغبن والنسيئة، أما بالإذن، فيجوز، لأن المنع لحقه، وقد زال بإذنه، ويأتي في البيع نسيئة ما مر في الوكالة، من أنه إن قدر للعامل مدة تعينت، فلا يزيد عليها، ولا ينقص.
وإن أطلق الأجل، حمل على العرف، ومنه وجوب الإشهاد أيضا، فإن تركه، ضمن (قوله: ولا يسافر بالمال بلا إذن) أي لأن فيه خطرا وتعريضا للتلف، قال في المغني، نعم، لو قارضه بمحل لا يصلح للإقامة، كالمفازة، فالظاهر، كما قال الأذرعي: أنه يجوز له السفر به إلى مقصده المعلوم لهما، ثم ليس له بعد ذلك أن يحدث سفرا إلى غير محل إقامته.
اه.
(قوله: فيضمن به) أي فيضمن العامل بالسفر، أي يكون في ضمانه، ولو تلف بعد ذلك بلا تقصير، كما تقدم (قوله: ومع ذلك) أي ومع ما ذكر من الضمان والإثم بسبب السفر.
القراض باق
بحاله، أي لا ينفسخ، سواء سافر بعين المال، أو العروض التي اشتراها به، ثم إذا باع فيما سافر إليه وهو أكثر قيمة مما سافر منه أو استويا، صح البيع للقراض، أو قل قيمة بما لا يتغابن به، لم يصح (قوله: أما بالإذن: فيجوز) أي السفر به (قوله: لكن لا يجوز ركوب في البحر) أي المالح، ومثله الأنهار إذا زاد خطرها على خطر البر.
اه.
ح ل.
(وقوله: إلا بنص) أي من المالك عليخه، أي على ركوب البحر، أي أو على بلد لا يصل لها إلا منه، فإنه يجوز حينئذ ذلك (قوله: ولا يمون) أي العامل (قوله: أي لا ينفق) تفسير بالأخص.
(وقوله: منه) أي من مال القراض، (وقوله: على نفسه) أي العامل، قال في الروض وشرحه، وعليه أن ينفق على مال القراض منه، لأنه من مصالح التجارة.
اه.
(قوله: لأن له) أي للعامل نصيبا من الربح، أي شأنه ذلك، فلا ينافي أنه قد لا يربح، قال سم، وأيضا قد تكون النفقة قدر الربح، فيفوز به العامل، وقد تكون أكثر، فيؤدي إلى أن يأخذ جزءا من رأس المال.
اه.
(قوله: فسد) أي العقد، لأن ذلك مخالف لمقتضاه (قوله: وصدق عامل بيمينه في دعوى تلف) أي على التفصيل الآتي في الوديعة.
وحاصله أنه إن لم يذكر سببا،(3/121)
أو ذكر سببا خفيا، كسرقة، أو ظاهرا، كحريق، عرف هو دون عمومه، أو عرف، هو وعمومه، واتهم صدق بيمينه، فإن لم يتهم في الأخيرة صدق بلا يمين، أو جهل السبب الظاهر، طولب ببينة بوجوده، ثم حلف يمينا أنه تلف، فالصور ست، وقد تقدم هذا التفصيل في الوكالة (قوله: في كل المال) متعلق بمحذوف صفة لتالف.
أي تلف حاصل في كل المال أو في بعضه (قوله: لأنه) أي العامل مأمون، وهو تعليل لتصديقه بيمينه (قوله: نعم نص) أي الشافعي (قوله: واعتمده) أي النص المذكور في البويطي (قوله: أنه الخ) أي على أنه، فإن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بعلى مقدرة متعلقة بنص (قوله: لو أخذ) أي العامل، (وقوله: ما لا يمكنه القيام به) أي العمل فيه كله (قوله: فتلف بعضه) قال سم، أنظر مفهومه، اه.
وكتب الرشيدي ما نصه، قوله فتلف بعضه، أي بعد عمله فيه، كما هو نص البويطي، ولفظه، وإذا أخذ مالا لا يقوى مثله على عمله فيه ببدنه، فعمل فيه، فضاع، فهو ضامن، لأنه مضيع.
اه (قوله: لأنه فرط بأخذه) الأصوب ما علل به الشافعي رضي الله عنه في نصه السابق من قوله لأنه مضيع.
اه.
رشيدي (قوله: ويطرد ذلك) أي ما نص عليه في البويطي، (وقوله: في الوكيل والوديع) أي المودع عنده والوصي، أي فيقال إذا أخذوا ما لا يمكنهم القيام به فتلف، ضمنوه (قوله: ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض) أي ليلزم الآخذ بدله، وخرج ببعد التلف.
ما لو ادعى المالك عليه ذلك قبله، فيصدق هو، لأن العامل يدعي عليه الإذن في التصرف وحصته من الربح والأصل عدمهما (قوله:
والعامل أنه قراض) أي وادعى العامل أنه قراض، لئلا يلزمه بدله (قوله: حلف العامل) أي صدق العامل بيمينه، وكان الأولى، التعبير به وهو جواب لو (قوله: لأن الأصل) علة لتصديق العامل بيمينه (قوله: خلافا لما رجحه الزركشي وغيره من تصديق المالك) جرى على هذا في النهاية، ولفظها، ولو ادعى المالك بعد تلف المال أنه قرض، والعامل أنه قراض، صدق المالك بيمينه، كما جزم به ابن المقري، وجرى عليه القمولي في جواهره، وأفتى به الوالد رحمه الله، خلافا للبغوي، وابن الصلاح، إذ القاعدة أن من كان القول قوله في أصل الشئ، فالقول قوله في صفته، مع أن الأصل عدم الإئتمان الدافع للضمان، وقال في الخادم، إنه الظاهر، لأن القابض يدعي سقوط الضمان عنه، مع اعترافه بأنه قبض، والأصل عدم السقوط، الخ.
اه.
قال في التحفة، وجمع بعضهم بحمل الأول، أي تصديق العامل، على ما إذا كان التلف قبل التصرف، لأنهما حينئذ اتفقا على الإذن، واختلف في شغل الذمة، والأصل براءتها، وحمل الثاني، أي تصديق المالك، على ما إذا كان بعد التصرف، لأن الأصل في التصرف في مالك الغير، أنه يضمن، ما لم يتحقق خلافه، والأصل عدمه (قوله: فإن أقاما بينة) أي أقاما كل واحد بينة، (وقوله: قدمت بينة المالك) وفي النهاية قدمت بينة العامل، وفي التحفة، وقال بعضهم الحق التعارض، أي فيأتي فيه ما مر عند عدم البينة.
اه.
أي من تصديق العامل، إن كان التلف قبل التصرف، وتصديق المالك، إن كان بعده (قوله: لأن معها زيادة علم) أي بانتقال الملك إلى الآخر، فهي أثبت شغل الذمة، بخلاف بينة العامل، فهي مستصحبة لأصل البراءة، والبينة الناقلة مقدمة على المستصحبة، أفاده البجيرمي (قوله: وفي عدم ربح) معطوف على في تلف، أي وصدق في دعوى عدم ربح.
(وقوله: وفي قدره) معطوف أيضا على في تلف، أي وصدق في دعوى قدر ربح كعشرة (قوله: عملا بالأصل) وهو ما يعديه العامل، (وقوله: فيهما) أي في عدم الربح وفي قدره (قوله: وفي خسر) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى خسر (قوله: ممكن) أي محتمل، بأن عرض كساد فيما يتصرف فيه، فإن لم يمكن، لا يصدق (قوله: لأنه أمين) أي وصدق في ذلك، لأنه،(3/122)
أي العامل، أمين، فهو تعليل لتصديقه في دعوى الخسر (قوله: ولو قال) أي العامل، وقوله ربحت كذا، أي قدرا معينا، كألف، (وقوله: ثم قال غلطت في الحساب أو كذبت) أي أن القدر الذي أخبرتكم بأني ربحته وقع مني غلطا، أو كذبت فيه، فأنا ما ربحت القدر المذكور، وقوله لم يقبل، أي قوله إن غلطت أو كذبت، قال في التحفة بعده، نعم، له تحليف المالك، وإن لم يذكر شبهة.
اه.
(قوله: لأنه) أي العامل أقر بحق لغيره، وهو المالك قوله فلم يقبل رجوعه عنه، أي
عن إقراره (قوله: ويقبل قوله بعد) أي بعد قوله ربحت كذا، وقوله خسرت، مقول القول، وقوله إن احتمل، أي قوله المذكور، وقوله كأن عرض كساد، أي نقص في قيمة السلعة (قوله: وفي رد المال) معطوف على في تلف أيضا، أي وصدق في دعوى رد المال على المالك، وقوله لأنه، أي المالك ائتمنه، أي العامل، وقوله كالمودع، هو بفتح الدال، أي فإنه يصدق في دعواه الرد على المودع، بكسرها (قوله: في قدر رأس المال) أي أو في جنسه (قوله: لأن الأصل عدم الزائد) أي عدم دفع زيادة إليه، وهو تعليل لتصديق العامل في قدر رأس المال (قوله: وفي قوله اشتريت هذا لي) أي ويصدق العامل في قوله اشتريت هذا لي، أي وإن كان رابحا، وقوله أو للقراض، أي أو اشتريته للقراض، وإن كان خاسرا، وقوله والعقد في الذمة، أي والحال أنه في الذمة، أي ذمة العامل، والظاهر أنه راجع للصورة الأولى، أعني قوله اشتريت هذا لي، بدليل المحترز (قوله: لأنه أعلم بقصده) أي بقصد نفسه، أي وهو مأمون (قوله: وعليه) أي على ما قاله الإمام، من أنه إذا اشتراه بعين مال القراض، يقع للقراض، وقوله فتسمع بينة المالك، أي فيما إذا اختلفا فيما حصل الشراء به، هل هو مال القراض أو مال العامل؟ قال في التحفة، لما تقرر أنه مع الشراء بالعين لا ينظر إلى قصده وهو أحد وجهين في الرفعي من غير ترجيح، ورجح جمع متقدمون مقابله، لأنه قد يشتري به لنفسه متعديا، فلا يصح البيع، وقد يجمع بحمل ما قاله الإمام على ما إذا نوى نفسه، ولم يفسخ القراض، ومقابله على ما إذا فسخ، وحينئذ فالذي يتجه: سماع بينة المالك، ثم يسأل العامل، فإن قال فسخت، حكم بفساد الشراء، وإلا فلا.
اه.
وقوله ورجح جمع متقدمون الخ.
استوجهه في النهاية.
(قوله: وفي قوله لم تنهني الخ) أي كأن اشترى سلعة، فقال نهيتك عن شرائها، فقال العامل لم تنهني، فيصدق العامل، وتكون للقراض، لأن الأصل، عدم النهي، أما لو قال المالك، لم آذنك في شراء كذا، فقال العامل بل أذنت لي، فالمصدق المالك.
اه.
نهاية.
(قوله: ولو اختلفا) أي المالك والعامل (قوله: في القدر المشروط له) أي للعامل من الربح.
وقوله تحالفا، أي لاختلافهما في عوض العقد مع اتفاقهما على صحته، فأشبه اختلاف المتبايعين.
اه.
تحفة، ولا ينفسخ العقد بالتحالف، وإنما ينفسخ بفسخهما، أو أحدهما، أو الحاكم (قوله: وللعامل الخ) أي لتعذر رجوع عمله إليه، فوجب له قيمته، وهو الأجرة.
(قوله: أو في أنه وكيل أو مقارض) أي أو اختلفا في ذلك، فقال المالك أنت وكيل، وقال العامل أنا مقارض، وقوله صدق المالك بيمينه، نعم.
إن أقاما بينتين، قدمت بينة العامل، لأن معها زيادة علم بوجوب الأجرة.
والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان أحكام الشركة، بكسر الشين، وإسكان الراء، وبفتح الشين مع كسر الراء وإسكانها، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرها بعد الوكالة،(3/123)
لأنها من أفرادها، إذ كل من الشريكين، وكيل عن الآخر، وموكل له، والأصل فيها قبل الإجماع، خبر السائب أنه كان شريك النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل المبعث، وافتخر بشركته بعد المبعث، والخبر الصحيح القدسي: يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين، ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه، خرجت من بينهما أي أنا كالثالث للشريكين في إعانتهما وحفظهما وأنزل البركة في أموالهما مدة عدم الخيانة، فإذا حصلت الخيانة، رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما، وهي لغة: الإختلاط شيوعا، أو مجاورة، بعقد أو غيره.
وشرعا، عقد يقتضي ثبوت الحق في شئ لأكثر من واحد على جهة الشيوع (قوله: الشركة نوعان) أي اللغوية، لأن النوع الأول: ليس فيه عقد، والنوع الثاني: قسمه إلى أربعة أقسام، بعضها صحيح، وبعضها باطل، والمعنى الشرعي، مختص بالصحيح، على ما قاله بعضهم (قوله: أحدهما فيما ملك) أي أحدهما ثابت بسبب ملك اثنين مشتركا.
ففي سببية، وما مصدرية، وقوله مشتركا، أي مالا مشتركا، أي مختلطا بحيث لا يتميز.
وهو مفعول ملك، ويحتمل أن تكون في باقية على معناها، وما، موصول اسمي، وجملة ملك، صلة، والعائد عليها، محذوف، ومشتركا، حال، أي أحدهما ثابت في المال الذي ملكاه حال كونه مشتركا، أي مختلطا، بحث لا يتميز تأمل.
وقوله بإرث أو شراء، متعلق بملك، وهو يشير إلى أنه لا فرق في ثبوت الملك لهما، بين أن يكون على جهة القهر، كالإرث، أو الاختيار، كالشراء (قوله: والثاني أربعة أقسام) لا يحسن مقابلته لما قبله فكان الأولى أن يقول، وثانيهما فيما عقد عليه اثنان الشركة، وعبارة التحرير، هو نوعان، أحدهما في الملك قهرا كان أو اختيار، كإرث وشراء، والثاني بالعقد لها، وهي أنواع أربعة الخ، وهي ظاهرة (والحاصل) أن الشركة لها سببان، السبب الأول، الملك من غير عقد شركة، بأن يملك اثنان مالا موروثا، أو مالا مشترى.
والثاني، العقد، أي أن يعقد اثنان الإشتراك بينهما على مال أو غيره (قوله: منها قسم صحيح) أي بالإجماع، ويسمى شركة العنان، بكسر العين، من عن الشئ، أي ظهر، فهي أظهر الأنواع، لظهورها بصحتها، أو لأنه ظهر لكل من الشريكين مال الآخر، أو من عنان الدابة، لاستواء الشريكين فيها في نحو الولاية والربح والسلامة من الغرر، كاستواء طرفي العنان، أو لمنع كل منهما الآخر لما يشتهي، كمنع العنان الدابة وأركانها خمسة، عاقدان، ومعقود عليه، وذكر عمل، وصيغة، أو شرط في العاقدين ما شرط في الموكل والوكيل، من صحة التصرف، وشرط في المعقود عليه، أن يكون مثليا، كالدراهم والدنانير، والبر، لأنه إذا اختلط بجنسه، لم يتميز، بخلاف المتقوم وقد تصح فيه بأن يكون مشتركا بينهما قبل العقد، كأن
ورثاه، أو اشترياه، أو باع أحدهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر، كنصف بنصف، أو ثلث بثلثين، وأذن كل لصاحبه في لتصرف بعد القبض، وذلك لعدم تميز المالين حينئذ، وأن يتحدا المالان جنسا وصفة، بحيث لو خلطا، لم يتميزا كل منهما عن الآخر، وأن يخلطا قبل العقد، لتحقق معنى الشركة.
وأن يشترطا الربح والخسران على قدر المالين، عملا بقضية العقد، وقد ذكر شرط العمل بقوله، ويتسلط كل واحد منهما الخ، وشرط الصيغة بقوله، وشرط فيها لفظ الخ.
(قوله: وهو) أي القسم الصحيح، وقوله: أن يشترط اثنان، أي يصح التصرف منهما، كما علمت، وقوله من مال لهما، أي مثلي نقد أو غيره، على ما عرفت (قوله: وسائر الأقسام) أي باقيها، وهو ثلاثة، شركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، وقوله باطلة، أي لكثرة الغرر فيها، لا سيما شركة المفاوضة، ولخلوها عن المال المشترك، كما ستعرفه (قوله: كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما) أي مكسوبهما ببدنهما خاصة، وإلا كانت عين شركة المفاوضة الآتية، سواء اتفقا حرفة، كخياطين، أو اختلفا فيها، كخياط ورفاء، وهذه تسمى شركة الأبدان، وهي باطلة، لعدم المال، فمن انفرد بشئ، فهو له، وما اشتركا فيه يوزع عليهما بنسبة أجرة المثل، بحسب الكسب، وجوزها أبو حنيفة رضي الله عنه مطلقا، ومالك وأحمد رضي الله عنهما مع اتحاد الحرفة (قوله: بتساو أو تفاوت) متعلق بمحذوف حال من الضمير في الخبر: أي حال كون الكسب الكائن بينهما حاصلا بتساو أو تفاوت، أي بحسب ما شرطاه (قوله: أو ليكون بينهما الخ)(3/124)
أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما، أي يشتريه وجيهان في ذمتهما، ومثل ذلك، ما إذا اشتراه وجيه في ذمته وفوض بيعه لخامل والربح بينهما، وأعطى خامل ماله لوجيه ليس له مال ليعمل فيه والربح بينهما، وهذه تسمى شركة الوجوه، من الوجاهة، أي العظمة، والصدارة، وهي باطلة، إذ ليس بينهما مال مشترك، فكل من اشترى شيئا، فهو له، عليه خسره، وله ربحه (قوله: أو ليكون بينهما الخ) أي أو يشترك اثنان ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما أو مالهما: أي من غير خلط، أو معه.
وتفارق حينئذ شركة العنان بالشرط المذكور بعد، أو، مانعة خلو، فتجوز الجمع، وقوله وعليهما، أي المشتركين ما يعرض من غرم، قيد في كل من كون الكسب والربح بالبدن، ومن كونهما بالمال، وخرج به، بالنسبة للأول، شركة الأبدان، وبالنسبة للثاني، شركة العنان.
والمراد، غرم لا بسبب الشركة، كغصب وغيره، وإلا فالغرم بسببها موجود في شركة العنان، وفي الكلام اكتفاء، أي ولهما ما يحصل من غنم، وهذه تسمى شركة مفاوضة، من تفاوضا في الحديث، شرعا فيه جميعا، قال م ر: أو من قوم فوضى، بفتح الفاء، أي مستوين
في الأمور، ومنه قول الشاعر: لا يصلح الناس فوضى سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا وهي باطلة أيضا، لاشتمالها على أنواع من الغرر، ولعدم وجود المال في بعض صورها، فيختص حينئذ كل بما كسبه ببدنه، إن لم يكن مال، فإن كان هناك مال من غير خلط، فظاهر أن مال كل له، ومع الخلط يكون الزائد بينهما على قدر المالين، ويرجع كل على الآخر بأجرة عمله (قوله: وشرط فيها) أي الشركة.
وغيره ذكر الأركان المارة، ثم قال: وشرط في الصيغة، فلو صنع كصنعه لكان أولى.
وقوله لفظ: في معناه ما مر، من الكتابة، وإشارة الأخرس.
وقوله يدل على الإذن في التصرف، أي بأن يقولا لا اشتركنا وأذنا في التصرف.
والمراد، الإذن لمن يتصرف من كل منهما أو من أحدهما، وقوله بالبيع والشراء، متعلق بالتصرف (قوله: فلو اقتصر على اشتركنا) أي على قولهما ذلك قال سم: لو وقع هذا القول من أحدهما مع الإذن في التصرف، فينبغي أن لا يكفي، لأنه عقد متعلق بمالهما، فلا يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين، بل لا بد معه من وقوعه من الآخر، أو قبوله، وفاقا للرملي.
اه.
بتصرف (قوله: لم يكف عن الإذن فيه) أي في التصرف لاحتمال أن يكون إخبارا عن حصول الشركة (قوله: ويتسلط كل واحد منهما) أي الشريكين، وهو شروع في شروط العمل (قوله: بلا ضرر) أي في المال المشترك، وهو متعلق بيتسلط (قوله: بأن يكون) تصوير لعدم وجود ضرر أصلا.
ولو قال ويتسلط كل واحد منهما بمصلحة، لكان أخصر.
وعبارة المنهج، وشرط في العمل مصلحة، ثم قال في شرحه، وتعبيري بمصلحة، أولى من قوله بلا ضرر، لاقتضائه جواز البيع بثمن المثل، مع وجود راغب بزيادة.
اه.
(قوله: ولا يسافر به) قال في فتح الجواد: نعم، إن اشتركا بمفازة، سافر به لمقصده، ولو بلا إذن، للقرينة.
اه.
(قوله: حيث لم يضطر إليه) أي السفر به، فإن اضطر إليه، سافر به، بل يلزمه في هذه الحالة، كالوديع، وعبارة التحفة، ولا يسافر به، حيث لم يعطه في السفر، ولا اضطر إليه لنحو قحط أو خوف، ولا كان من أهل النجعة.
اه.
وقوله لنحو قحط، أي في بلده، وقوله أو خوف، أي من حريق، أو نهب (قوله: ولا يبضعه) بضم التحتية فسكون الموحدة، أي يجعله بضاعة يدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو متبرعا، لأنه لم يرض بغير يده.
اه.
تحفة (قوله: بغير إذنه) متعلق بكل من يسافر ومن يبضع، وإن كان ظاهر عبارته تعلقه بالثاني فقط، أي لا يسافر بغير إذنه ولا يبضعه بغير إذنه، فإن كان بإذنه، صح، ولا ضمان، لكن مجرد الإذن في السفر، لا يتناول ركوب البحر، بل لا بد من النص عليه، أو تقوم عليه قرينة(3/125)
(قوله: فإن سافر به) أي من غير إذنه، وقوله صح تصرفه، أي لبقاء الإذن فيه (قوله: أو أبضعه) معطوف على سافر، أي أو إن أبضعه، بدفعه الخ.
تصوير للإبضاع، كما عرفت، وقوله بلا إذن، متعلق بأبضعه.
وقوله ضمن أيضا، جواب أن المقدرة بعد أو (قوله: والربح والخسران بقدر المالين) أي باعتبار القيمة، لا الأجزاء، فلو خلط قفيزا بمائة، وقفيزا بخمسين، فهي أثلاث، لصاحب الأول، ثلثان، ولصاحب الثاني ثلث.
(قوله: فإن شرطا خلافه) أي خلاف ما ذكر، كأن شرطا تساوي الربح والخسران مع تفاوت المالين، أو شرطا تساوي المالين مع التفاوت في الربح والخسران، وقوله فسد العقد، أي لمخالفة ذلك موضوعها (قوله: فلكل على الآخر أجرة عمله له) أي وإذا فسد العقد يكون لكل على الآخر أجرة عمله بحسب ماله، فإذا كان لأحدهما ألفان، وللآخر ألف، وأجرة عمل كل منهما مائة، فثلثا عمل الأول في ماله، وثلثه على الثاني، وعمل الثاني بالعكس، فللأول عليه ثلث المائة، وله على الأول ثلثاها، فيقع التقاص بثلثها، ويرجع على الأول بثلثها، وقد يقع التقاص إن استويا في المال والعمل، قال في التحفة، نعم، إن تساويا مالا، وتفاوتا عملا، وشرط الأقل للأكثر عملا لم يرجع بالزائد، إن علم الفساد، وأنه لا شئ في الفاسد، لأنه عمل غير طامع في شئ، كما لو عمل أحدهما فقط في فاسدة.
اه.
(قوله: ونفذ التصرف منهما) أي من الشريكين.
وقوله مع ذلك، أي مع فساد العقد، أي ويكون الربح والخسران على قدر المالين بعد إخراج أجرة عمل كل منهما وقوله للإذن، أي لوجود الإذن في التصرف، وهو علة لنفوذ التصرف (قوله: وتنفسخ) أي الشركة، وذلك لأنها عقد جائز من الجانبين، فهي كالوكالة.
وقوله بموت أحدهما وجنونه، أي وإغمائه، والحجر عليه بسفه أو فلس (قوله: ويصدق) أي الشريك في دعوى الرد إلى شريكه، وذلك لأن يده أمانة، كالمودع، والوكيل، فيصدق في ذلك، وقوله في الخسران، أي وفي قدر الربح، وقوله والتلف: أي ويصدق في التلف، لكن على التفصيل المتقدم بيانه (قوله: وفي قوله اشتريته لي أو للشركة) أي ويصدق فيما إذا اشترى الشريك شيئا، وقال اشتريته للشركة أو لنفسي، وكذبه الآخر، لأنه أعرف بقصده، قال في التحفة: نعم، لو اشترى شيئا فظهر عيبه، وأراد رد حصته، لم يقبل قوله على البائع أنه اشتراه للشركة، لأن الظاهر، أنه اشتراه لنفسه، فليس له تفريق الصفقة عليه.
اه.
(قوله: لا في قوله اقتسمنا إلخ) أي لا يصدق في ذلك، لأن الأصل عدم القسمة، قال في التحفة: وإنما قبل قوله في الرد، مع أن الأصل عدمه، لأن من شأن الأمين قبول قوله فيه توسعة عليه.
اه.
(قوله: شاركه الآخر) أي لاتحاد الجهة، وهي الإرث (قوله: ولو باع شريكان عبدهما) أي أو وكل أحدهما الآخر فباعه (قوله: لم يشاركه الآخر) فرق في التحفة بين هذه والتي قبلها، بأن المشترك بنحو الشراء يتأتى فيه تعدد
الصفقة المقتضي لتعدد العقد وترتب الملك، فكان كل من الشريكين فيه كالمستقل، ولأن حقه لا يتوقف وجوده على وجود غيره، فإذا قبض قدر حصته، أو بعضها، فاز به، بخلاف نحو الإرث، فإنه حق يثبت في الورثة دفعة واحدة، من غير أن يتصور فيه ترتب ولا توقف، فكان جميعه كالحق الذي لا يمكن تبعيضه، فلم يختص قابض شئ منه به.
اه.
(قوله: أفتى النووي - كابن الصلاح - فيمن غصب نحو نقد الخ) ساق الإفتاء المذكور في التحفة، ثم قال: ويأتي لذلك تتمة قبيل الأضحية، ولا بأس بذكرها، تتميما للفائدة، وهي ما نصه، لو اختلط مثلي حرام، كدرهم أو دهن، أو حب(3/126)
بمثله له، جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة، ويتصرف في الباقي ويسلم الذي عزله لصاحبه إن وجد، وإلا فلناظر بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك للضرورة، إذ الفرض، الجهل بالمالك، فاندفع ما قيل يتعين الرفع للقاضي ليقسمه عن المالك، وفي المجموع، طريقه أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه، ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا، اختلاط أو خلط نحو دراهم لجماعة، ولم يتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم على قدر حقوقهم، وزعم العوام أن اختلاط الحلال بالحرام يحرمه، باطل.
إلخ.
اه.
(قوله: بأن له الخ) متعلق بأفتى.
وقوله إفراز: أي فصل وإخراج.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
فصل في أحكام الشفعة أي في بيان بعض أحكام الشفعة، وهي بإسكان الفاء، وحكي ضمها، لغة من الشفع، ضد الوتر، فكأن الشفيع يجعل نفسه أو نصيبه شفعا، بضم نصيب شريكه إليه، أو من الشفاعة، لأن الأخذ بها كان جاهلية.
وشرعا، حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث بسبب الشركة فيما ملك بعوض.
وشرعت لدفع الضرر: أي ضرر مؤنة القسمة، واستحداث المرافق في الحصة السائرة إليه لو قسم، كالمصعد، والمنور، والبالوعة، وغير ذلك، وهذا الضرر كان يمكن حصوله قبل البيع، وكان من حق الراغب في البيع أن يخلص صاحبه منه بالبيع له، فلما باع لغيره، سلطه الشارع على أخذه منه قهرا، والأصل فيها خبر البخاري: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة أي حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة بالمشترك الذي لم تقع فيه القسمة بالفعل، مع كونه يقبلها لأن الأصل في النفي بلم، أن يكون في الممكن بخلافه بلا، واستعمال أحدهما محل الآخر، تجوز، كما في قوله تعالى: * (لم يلد، ولم يولد) * (1) أي لا يلد، ولا يولد، وكما في قوله تعالى: * (لا يمسه إلا المطهرون) * (2) أي لم يمسه.
وقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة، أي فإذا وقعت حدود القسمة بين الشريكين، وبينت الطرق، فلا شفعة، وهذا كناية عن حصول القسمة، فكأنه قال: فإذا قسم، فلا شفعة، وأركانها ثلاثة: شفيع، وهو الآخذ، ومشفوع، وهو المأخوذ، ومشفوع منه، وهو المأخوذ منه، وشرط في الشفيع، أن يكون شريكا بخلطة الشيوع، لا بالجوار، فلا شفعة لجار الدار، ملاصقا كان أو غيره، خلافا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، فإنه أثبتها للجار فلو قضى بها حنفي للجار، ولو شافعيا، لم ينقض حكمه، وشرط في المشفوع، أن يكون مما ينقسم، أي مما يقبل القسمة إذا طلبها الشريك، دون ما لا ينقسم، كحمام صغير، وطاحون صغيرة، ودار، وحانوت، وساقية كذلك، والضابط في ذلك، أن ما يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بحيث لا يمكن جعل الحمام حمامين، ولا الطاحون طاحونين، وهكذا، لا تثبت فيه الشفعة، وما لا يبطل نفعه المقصود منه لو قسم، بل يكون بحيث ينتفع به بعد القسمة إذا طلبها الشريك من الوجه الذي كان ينتفع به قبلها، كطاحون، وحمام كبيرين، بحيث يمكن جعلهما طاحونين وحمامين، تثبت فيه الشفعة، وشرط فيه أيضا، أن يكون مما لا ينقل من الأرض، فلا شفعة فيما ينقل، وشرط في المشفوع منه، تأخر سبب ملكه عن سبب ملك الآخذ، فيكفي في أخذ الشفيع بالشفعة، تقدم سبب ملكه عن سبب ملك المأخوذ منه، وإن تقدم ملكه على ملك الآخذ، فلو باع أحد الشريكين نصيبه لزيد بشرط الخيار للبائع، أو لهما فباع الآخر نصيبه لعمرو في زمن الخيار بيع بت، فالشفعة للمشتري الأول، وهو زيد، إن لم يشفع بائعه على المشتري الثاني، وهو عمرو، لتقدم سبب ملك الأول عن سبب ملك الثاني.
فلو اشترى اثنان دارا، أو بعضها معا، فلا شفعة لأحدهما على الآخر، لعدم السبق، وليست الصيغة ركنا فيها، لأنها، كما تقدم، حق تملك، أي استحقاقه، وهو لا يتوقف ثبوته على صيغة، نعم تجب في التملك، فلا يملك الشفيع الشقص، إلا بلفظ يشعر به، كتملكت، أو أخذت بالشفعة، وسيذكره الشارح بقوله، ولا يملك الشفيع إلا
__________
(1) سورة الاخلاص، الاية: 3.
(2) سورة الواقعة، الاية: 79.(3/127)
بلفظ الخ (قوله: إنما ثبت الشفعة لشريك) أي ولو كان مكاتبا، أو غير عاقل، كمسجد له شقص لم يوقف باعه شريكه، فإنه يأخذ له الناظر بالشفعة أو ذميا، وقوله لا جار، أي لخبر البخاري المار، وما ورد فيه، محمول على الجار الشريك، جمعا بين الأحاديث.
وقوله في بيع أرض، متعلق بثبت (قوله: مع تابعها) أي إن كان، فلا يقال مفهومه أن الأرض الخالية
عن التابع لا شفعة فيها، والمراد بالتابع، ما يتبعها في مطلق البيع من بناء، وما يتبعه من باب، ورف سمر، ومفتاح غلق مثبت، وكل منفصل توقف عليه نفع متصل (قوله: كبناء) تمثيل للتابع.
وقوله وشجرا، أي رطب على الأوجه.
اه.
فتح الجواد (قوله: وثمر غير مؤبر) أي عند البيع، فيؤخذ بالشفعة، ولو لم يتفق الآخذ حتى أبر، وعبارة م ر، غير مؤبر، أي عند البيع، وإن كان مؤبرا عند الأخذ، وكذا كل ما دخل في البيع ثم انقطعت تبعيته، فإنه يأخذه بالشفعة.
اه.
وما المؤبر عنده، فلا تثبت فيه الشفعة، لانتفاء التبعية (قوله: فلا شفعة في شجر أفرد الخ) عبارة فتح الجواد مع الأصل، فلا تثبت في منقول غير تابع لما ذكر، وإن بيع مع الأرض، كزرع يؤخذ دفعة واحدة، ولا في تابع كبناء، أو غراس بيع دون أرض، وكبناء على سقف، ولو مشتركا، لأن المنقول، لا يدوم، فلا يدوم ضرر الشركة فيه، والتابع إذا أفرد عن متبوعه، يشبه المنقول ومن ثم، لو باعها مع الأس أو المغرس فقط، لم تثبت أيضا لأن المبيع من الأرض هنا، تابع، والمتبوع، وهو البناء والشجر، منقول، ولا في شجر جاف شرط دخوله في بيع أرض لانتفاء التبعية.
اه.
(قوله: ولا في بئر) عبارة الروض: ولو باع نصيبه من أرض تنقسم، وفيها بئر لا تنقسم، ويسقي منها، ثبتت، أي الشفعة في الأرض دونها، أي البئر.
اه.
(قوله: مع بذل الثمن للمشتري) أي أو رضاه بكون الثمن يكون في ذمة الشفيع، أو قضاء القاضي له بها إذا حضر مجلسه وأثبت حقه فيها وطلبه.
تتمة: الشفعة على الفور، لأنها حق ثبت لدفع الضرر، فكانت كالرد بالعيب، بجامع أن كلا شرع لدفع الضرر، وحينئذ فليبادر الشفيع إذا علم بيع الشقص بأخذه، وتكون المبادرة على العادة، فلا يكلف الإسراع على خلاف العادة، بعدو، أو غيره، ولو كان في الصلاة أو في الحمام، أو في قضاء الحاجة، لم يكلف القطع، بل له التأخير إلى فراغ ذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/128)
باب في الإجارة
أي في بيان أحكامها، وشروطها، وهي بكسر الهمزة أشهر من ضمها وفتحها، من آجره، بالمد، يؤجره، إيجارا، ويقال أجره، بالقصر، يأجره، بضم الجيم، وكسرها أجرا، والأصل فيها قبل الإجماع آيات: كقوله تعالى: * (فإن أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن) * ووجه الدلالة منه أن آتوهن أجورهن: أمر، والأمر للوجوب، والإرضاع بلا عقد، تبرع لا يوجب أجرة، وإنما يوجبها، العقد، فتعين الحمل عليه، أي آتوهن أجورهن إذا أرضعن لكم بعقد، وكقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى) * وأخبار: كخبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم -: نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة
وكخبر البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - والصديق استأجرا رجلا من بني الديل يقال له عبد الله بن الأريقط، أي ليدلهما على طريق المدينة لما هاجرا من مكة، لكونهما سلكا طريقا غير الجادة، اختفاء من المشركين، وإسناد الاستئجار للنبي - صلى الله عليه وسلم - مجاز عقلي، لأن المستأجر، أبو بكر، وأقره عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمعنى فيها، أن الحاجة داعية إليها، إذ ليس لكل أحد، مركوب، ومسكن، وخادم، وغير ذلك.
فجوزت لذلك، كما جوز بيع الأعيان وأركانها ثلاثة إجمالا، ستة تفصيلا عاقد مكر ومكتر، ومعقود عليه أجرة ومنفعة وصيغة إيجاب وقبول، ويشترط في العاقدين ما مر في البائع والمشتري، من الرشد، وعدم الإكراه بغير حق، نعم، يصح استئجار كافر لمسلم، ولو إجارة عين، مع الكراهة، لكن لا يمكن من استخدامه مطلقا، لأنه لا يجوز خدمه المسلم للكافر أبدا ويصح إيجار سفيه لما لا يقصد من عمله كالحج لجواز تبرعه، ويشترط في الأجرة والمنفعة ما سيذكره، من كون الأجرة معلومة، ومن كون المنفعة متقومة معلومة، ويشترط في الصيغة جميع ما مر في صيغة البيع، إلا عدم التأقيت، وقد استوفاها الشارح في التعريف، فقوله تمليك منفعة، أي بعقد يستفاد منه الصيغة، ومعلوم أنها تستلزم العاقد، وقوله منفعة مع قوله بعوض، هو المعقود عليه (قوله: هي لغة اسم للأجرة) أي سواء أخذت بعقد أم لا، وقيل لغة، اسم للإثابة، يقال آجرته، بالمد، والقصر، إذا أثبته.
ولا مانع من أن يكون لها معنيان في اللغة.
اه.
ش ق (قوله: وشرعا: تمليك منفعة) أي بعقد، وخرج به، عقد النكاح، لأنه لا تملك به المنفعة، وإنما يملك به الانتفاع، فيستحق الزوج أن ينتفع بالبضع، ولا يستحق منفعة البضع، بدليل أنها لو وطئت بشبهة، كان المهر لها، لا له، فالعقد على منفعة البضع لا يسمى إجارة، بل يسمى نكاحا.
وقوله بعوض: متعلق بتمليك، وخرج به، هبة المنافع والوصية بها وإعارتها، فلا تسمى إجارة، لأنها عقد على منفعة بلا عوض، وقوله بشروط آتية، خرج به المساقاة والجعالة، لأن من الشروط الآتية، كون العوض معلوما، وهما لا يشترط فيهما علم العوض، وإن كان قد يكون معلوما، كمساقاة على ثمرة موجودة، وجعالة على معلوم، فاندفع ما ورد على التعريف المذكور بأنه غير مانع، لصدقه على الجعالة وعلى المساقاة، نعم، يرد عليه بيع حق الممر، فإنه تمليك منفعة بعوض معلوم، وهو بيع، لا إجارة، وأجيب عنه بأنه ليس بيعا محضا، بل فيه شوب إجارة، وإنما سمي بيعا، نظرا لصيغته فقط، فهو إجارة معنى، وعلم من قوله تمليك منفعة، أن مورد الإجارة، المنفعة، سواء وردت على العين، كآجرتك هذه الدابة بدينار، أو على الذمة، كألزمت ذمتك
__________
(1) سورة الطلاق، الاية: 6.
(2) سورة الطلاق، الاية: 6.(3/129)
حملي إلى مكة بدينار، ولا يجب قبض الأجرة في المجلس في الواردة على العين، وتصح الحوالة بها، وعليها، والاستبدال عنها، وأما الواردة على الذمة، فيشترط فيها قبض الأجرة في المجلس، ولا تصح الحوالة بها، ولا عليها، ولا الاستبدال عنها، لأنها سلم في المنافع، فتجري فيها أحكام السلم (قوله: تصح إجارة بإيجاب) شروع في بيان الصيغة، وهي إما صريحة، كآجرتك، أو أكريتك هذا، أو منافعه، أو ملكتكها سنة بكذا، فيقبل المكتري، أو كناية، كجعلت لك منفعته سنة بكذا، أو اسكن داري شهرا بكذا، ومنها، الكتابة، والأصح منع انعقادها بقوله بعتك أو اشتريت منفعتها، لأن لفظ البيع والشراء موضوع لتمليك العين، فلا يستعمل في المنفعة.
وجرى م ر على أنه ليس صريحا ولا كناية، وجرى حجر على أنه كناية، وما ذكره من الصيغ، لإجارة العين وإجارة الذمة، خلافا لمن خصها بإجارة العين، وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك، أو سلمت إليك هذه الدراهم في خياطة هذا، أو في دابة صفتها كذا، أو في حملي إلى مكة (قوله: سنة) ظرف لمقدر، أي وانتفع به سنة، فهو على حد قوله تعالى: * (فأماته الله مائة عام) * (1) أي وألبثه مائة عام، وليس ظرفا لآجر وما بعده، لأنه إنشاء، وهو ينقضي بانقضاء لفظه، فلا يبقى سنة مثلا، قال في التحفة: فإن قلت: يصح جعله ظرفا لمنافعه المذكورة، فلا يحتاج لتقدير، وليس كالآية كما هو واضح.
قلت: المنافع أمر مرهوم الآن، والظرفية تقتضي خلاف ذلك، فكان تقدير ما ذكر، أولى، أو متعينا اه.
ومثله في النهاية.
ونازع في ذلك سم، فليراجع وقوله بكذا: أي بعشرة مثلا، وأفهم كلامه أنه لا بد من التأقيت، وذكر الأجرة، لانتفاء الجهالة حينئذ، ولا يشترط أن يقول من الآن (قوله: إن خلاف المعاطاة يجري في الإجارة الخ) أي فالمعتمد أنها لا تصح فيها، ومقابله تصح، فلو أعطى مالك الدار الأجرة، وسلم له المالك المفاتيح، وسكن فيها من غير صيغة، كانت إجارة صحيحة على هذا، وفاسدة على الأول (قوله: وإنما تصح الإجارة بأجر) قدر متعلق الجار والمجرور، لئلا يلزم تعلق حرفي جر بمعنى واحد بعامل واحد، وقوله بأجر، أي بعوض، وقوله صح كونه ثمنا، أي بأن يكون طاهرا منتفعا به، مقدورا على تسلمه، فلا يصح جعل نجس العين والمتنجس الذي لا يمكن تطهيره، وغير المنتفع به، وغير المقدور على تسلمه، كالمغصوب، أجرا، أي عوضا، لأن لا يصح جعله ثمنا (قوله: معلوم للعاقدين) صفة ثانية لأجر من الوصف بالمفرد بعد الوصف بالجملة.
وقوله قدرا، أي كعشرة، وقوله وجنسا، أي كذهب أو فضة.
وقوله وصفة أي كصحيح أو مكسر، ولا يقال يشكل على اشتراط العلم، صحة الاستئجار للحج بالنفقة، وهي مجهولة، كما جزم به في الروضة، لأنا نقول ليس ذاك
بإجارة، بل نوع جعالة، وهي يغتفر فيها الجهل بالجعل، وقيل إنه مستثنى توسعة في تحصيل العبادة، وقوله إن كان أي ذلك الأجر في الذمة، أي التزم في الذمة، وهو قيد في اشتراط العلم في الأجر (قوله: وإلا كفت معاينته) أي وإن لم يكن في الذمة بأن كان معينا أغنت معاينته، أي رؤيته، عن علم جنسه، وقدره، وصفته (قوله: في إجارة العين أو الذمة) الظاهر أنه متعلق بكل من معلوم ومن كفت معاينته، والمعنى، يشترط في الأجر أي العوض، أن يكون معلوما، إذا كان في الذمة، سواء كانت الإجارة في العين، أو في الذمة، فإن لم يكن الأجر في الذمة، كفت معاينته، سواء كانت الإجارة في العين، أو في الذمة أيضا (قوله: فلا يصح إجارة دار ودابة الخ) أي للجهل في ذلك، قال في شرح المنهج: فإن ذكر معلوما، وأذن له خارج العقد في صرفه في العمارة أو العلف، صحت.
اه.
وقوله خارج العقد، فإن كان في صلبه، فلا يصح، كآجرتكها بدينار على أن تصرفه في عمارتها أو علفها للجهل بالصرف، فتصير الأجرة مجهولة، فإن صرف وقصد
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 259.(3/130)
الرجوع رجع، وإلا فلا.
اه.
بجيرمي، وقوله بعمارة لها: أي للدار، وهو راجع للأول، وقوله علف، بسكون اللام، وفتحها، وهو بالفتح، ما يعلف به، وهو راجع للثاني، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: ولا استئجار لسلخ) أي ولا يصح استئجار لسلخ شاة بأخذ الجلد، ولا استئجار لطحن نحو بر بأخذ بعض الدقيق، وذلك للجهل بثخانة الجلد، وبقدر الدقيق، ولعدم القدرة على الأجرة حالا، وخرج بقوله ببعض الدقيق، ما لو استأجره ببعض البر ليطحن باقيه، فلا يمتنع، كما قاله ع ش (قوله: منفعته) متعلق بتصح: أي إنما تصح الإجارة في منفعة، وذكر لها أربعة شروط: كونها متقومة، وكونها معلومة، وكونها واقعة للمكتري، وكونها غير متضمنة استيفاء عين قصدا، وبقي عليه خامس: وهو كونها مقدورة التسلم حسا وشرعا، فلا يصح اكتراء شخص لما لا يتعب ولا مجهول، كأحد العبدين، ولا آبق ومغصوب وأعمى لحفظ، ولا اكتراء لعبادة تجب فيها نية لها، أو لمتعلقها، كالصلوات، وإمامتها، ولا اكتراء بستان لثمره، لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا، بخلافها تبعا، كما في الاكتراء للإرضاع (قوله: أي لها قيمة) أي ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة، كان بذل المال في مقابلتها سفها، وأفاد بهذا التفسير، أنه ليس المراد بالمتقوم ما قابل المثلي، بل كل ما كان له قيمة، ولو كان مثليا (قوله: معلومة عينا) أي في إجارة العين.
وقوله وقدرا، أي فيهما.
وقوله وصفه، أي في إجارة الذمة.
قال البجيرمي: والمراد بعلم عين المنفعة وقدرها وصفتها، علم
محلها كذلك، بدليل تمثيله بعد، بأحد العبدين اه.
ثم التقدير للمنفعة، إما بالزمان، كسكنى الدار، وتعليم القرآن مثلا سنة، أو بمحل عمل، كركوب الدابة إلى مكة، وكخياطة هذا الثوب، فلو جمعها، كأن استأجره ليخيط الثوب بياض النهار، لم يصح، لأن المدة قد لا تفي بالعمل (قوله: واقعة للمكتري) أي واقعة تلك المنفعة للمكتري أو المستأجر (قوله: غير متضمن) الأولى أن يقول غير متضمنة، بتاء التأنيث، وتكون غير صفة لمنفعة، أو حالا من ضميرها.
وعبارة المنهج: لا تتضمن، بالتاء الفوقية، وهي ظاهرة، وقوله بأن لا يتضمنه العقد، مثله في شرح المنهج، وهو تصوير لعدم تضمن المنفعة، أي استيفائها لاستيفاء العين قصدا (قوله: وخرج بمتقومة إلخ) شروع في بيان المحترزات (قوله: فلا تصح اكتراء بياع) أي دلال، وقوله بمحض كلمة انظر ما فائدة زيادة لفظ محض؟ وفي المنهاج إسقاطه، وهو أولى، قال في فتح الجواد، والفعل الذي لا تعب فيه، كالكلمة التي لا تعب فيها، نعم، في الإحياء يجوز أخذ الأجرة على ضربة من ماهر يصلح بها اعوجاج سيف، أي وإن لم يكن فيها مشقة، لأن من شأن هذه الصنائع، أن يتعب في تحصيلها بالأموال وغيرها، بخلاف الأقوال.
اه.
(قوله: على الأوجه) راجع للكلمات اليسيرة.
وقوله ولو إيجابا، أي ولو كانت تلك الكلمة أو الكلمات إيجابا وقبولا، فلا يصح الاستئجار عليها (قوله: وإن روجت) أي تلك الكلمات أو الكلمات الصادرة من البياع.
وفي القاموس، راج، رواجا، نفق وروجته ترويجا نفقته.
اه.
(قوله: إذ لا قيمة لها) أي الكلمة أو الكلمات اليسيرة، وهو علة لعدم صحة اكتراء من ذكر (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن عدم صحة اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة لانتفاء كونه له قيمة اختص هذا، أي عدم الصحة فيما ذكر، بمبيع مستقر القيمة في البلد، وفي النهاية خلافه، ونصها، وشمل كلام المصنف ما كان مستقر القيمة، وما لم يستقر، خلافا لمحمد بن يحيى، إلا أن يحمل كلامه على ما فيه تعب اه.
وقوله خلافا لمحمد بن يحيى: أي حيث قال محل عدم صحة الإجارة على كلمة لا تتعب، إذا كان المنادي عليه مستقر القيمة.
اه.
ع ش (قوله: بخلاف نحو عبد وثوب) أي بخلاف الإكتراء على التلفظ بكلمة أو كلمات يسيرة، لأجل بيع نحو عبد أو ثوب، فإنه يصح، لأنه ليس مستقر القيمة، وهذا يقتضي الصحة مع عدم التعب في ذلك.
وقال سم: بخلافه، وهو أنه إن كان فيه تعب، صح، وإلا فلا فرق.
اه.
بالمعنى وقوله مما يختلف(3/131)
الخ، بيان لنحو.
وقوله باختلاف متعاطيه، أي مشتريه (قوله: فيصح استئجاره عليه) أي على بيعه.
والمراد على التلفظ بكلمة أو كلمات يسيرة لأجل بيعه، كما علمت، قال ع ش: وكأنهم اغتفروا جهالة العمل هنا للحاجة، فإنه لا يعلم مقدار
الكلمات التي يأتي بها، ولا مقدار الزمان الذي يصرف فيه التردد للنداء، ولا الأمكنة التي يتردد إليها.
اه.
(قوله: وحيث لم يصح) أي اكتراء بياع الخ: بأن كان على كلمة، أو كلمات لا تتعب، مع كون الثمن مستقر القيمة.
وقوله فإن تعب، أي البياع، ولا يخفى أن الصورة مفروضة في الإكتراء على ما لا يتعب حتى لا يصح، فيكون التعب هذا عارضا غير الذي انتفي من أصل العقد وبه يندفع ما يقال إن في كلامه تنافيا، فتأمل (قوله: فله أجرة المثل) أي وإن كان ذلك غير معقود عليه، لأن المعقود لما لم يتم إلا به عادة، نزل منزلته، فلم يكن متبرعا به، لأنه عمل طامعا في عوض، وقوله وإلا فلا، أي وإن لم يتعب بما ذكر، فليس له أجرة المثل (قوله: إذ لا كلفة في ذلك) أي في مجرد تلقين الجواب، أي وما لا كلفة فيه لا يصح الاستئجار عليه (قوله: وسبقه) أي ابن زياد.
وقوله العلامة عمر الفتى، بفتح التاء المخففة، وهو من العلماء المحققين، وله قبر مشهور، يزار في بيد.
وقوله بالإفتاء بالجواز أي جواز أخذ القاضي الأجرة (قوله: إن لم يكن) أي القاضي ولي المرأة (قوله: فقال) أي العلامة عمر، وقوله إذا لقن، أي القاضي، وقوله صيغة النكاح، أي لقن الولي الإيجاب ولقن الزوج القبول (قوله: فله) أي للقاضي، وقوله أن يأخذ ما أنفقا، أي القاضي والمذكور من الولي والزوج، وقوله وإن كثر، أي ما اتفقا عليه (قوله: وإن لم يكن لها) أي للمرأة ولي غيره أي القاضي (قوله: لوجوبه) أي الإيجاب عليه، أي القاضي.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ لم يكن لها ولي غيره (قوله: وفيه نظر) أي في الإفتاء بالجواز بالقيد المذكور نظر، وقوله لما تقرر آنفا، أي من أنه لا كلفة في ذلك حتى يصح أخذ الأجرة عليه (قوله: ولا استئجار دراهم الخ) معطوف على إكتراء بياع: أي ولا يصح استئجار دراهم ودنانير.
(وقوله: غير المعراة) أي المجعول فيها عرا، وسيذكر محترزه.
(وقوله: للتزيين) أي لأجل التزيين بها، أي أو الوزن بها أو الضرب على سكتها، ولو قال لنحو التزيين، كما في العلة بعد، لكان أولى (قوله: لأن منفعة نحو التزيين بها) إضافة منفعة إلى ما بعده للبيان، أي منفعة هي نحو التزيين، والمراد من التزيين، التزين بها، (وقوله: لا تقابل بمال) أي فهي غير متقومة وعبارة المغني، لأن منفعة التزيين بالنقد غير مقومة، فلا تقابل بمال.
اه.
(قوله: وأما المعراة) مثلها المثقوبة، بناء على أنه يحل التزيين بها، أما على أنه لا يحل، فيحرم استئجارها.
قال سم: والمعتمد حل التزيين بالمعراة دون المثقوبة اه.
(قوله: لأنها) أي الدراهم أو الدنانير، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ كانت معراة (قوله: بمعلومة) أي وخرج بمعلومة فهو معطوف على بمتقومه، وكذا يقال فيما بعده، (وقوله: استئجار المجهول) كان الأولى إسقاط المضاف، على وفاق ما قبله وما بعده (قوله: إحدي الدارين) أي أو الثوبين، (وقوله: باطل) خبر آجرتك (قوله: وبواقعة للمكتري) أي وخرج بواقعة
للمكتري، أي المستأجر (قوله: فلا يصح الاستئجار لعبادة الخ) وذلك لأن القصد امتحان المكلف بها بكسر نفسه بالامتثال وغيره لا يقوم مقامه فيه، ولا يستحق الأجير شيئا، وإن عمل طامعا، كما يدل عليه قولهم كل ما لا يصح(3/132)
الاستئجار له، لا أجرة لفاعله، وإن عمل طامعا.
اه.
نهاية.
قال ع ش: ومن ذلك ما يقع لكثير من أرباب البيوت، كالأمراء، أنهم يجعلون لمن يصلي بهم قدرا معلوما في كل شهر من غير عقد إجارة، فلا يستحقون معلوما، لأن هذه إجارة فاسدة، وما كن فاسدا، لكونه ليس محلا للصحة أصلا، لا شئ فيه للأجير، وإن عمل طامعا، فطريق من يصلي أن يطلب من صاحب البيت أو غيره أن ينذر له شيئا معينا، ما دام يصلي، فيستحقه عليه.
اه.
(قوله: تجب فيها نية) أي تجب في تلك العبادة نية، ولا فرق بين أن تكون النية للعبادة نفسها أو لمتعلقها كالإمامة، فإن النية، وإن لم تجب فيها، فهي واجبة في متعلقها، وهو الصلاة (قوله: غير نسك) بجر غير، صفة لعبادة، وبنصبه حال من ضمير فيها، وأما النسك، فيجوز الاستئجار له سواء كان حجا أو عمرة، ويتبعهما صلاة ركعتي نحو الطواف، لوقوعهما عن المستأجر، ومثله، تفرقه زكاة، وكفارة، وذبح، وتفرقه أضحية، وهدى، وصوم عن ميت، فيجوز الاستئجار لها وإن توقفت على النية، لما فيها من شائبة المال (قوله: لأن المنفعة الخ) تعليل لعدم صحة الاستئجار للعبادة المذكورة، (وقوله: في ذلك) أي في العبادة (قوله: والإمامة) معطوف على كالصلاة، أي وكالإمامة، وفي البجيرمي ما نصه: قال ح ل، ولا يبعد أن تكون الخطبة كالإمامة.
اه.
وما يقع من أن الإنسان يستنيب من يصلي عنه إماما بعوض، فذاك من قبيل الجعالة.
اه.
(قوله: كالأذان والإقامة) أي معا، أو الأذان وحده، وتدخل الإقامة تبعا، وعبارة فتح الجواد، وأذان وإقامة أوله فتدخل تبعا، لا لها وحدها قالوا: لعدم الكلفة.
اه.
وفي البجيرمي، ويدخل في الأذان الإقامة، ولا تجوز الإجارة لها، أي الإقامة وحدها، كذا قاله الرافعي، ولا يخلو عن وقفة.
اه.
قال ع ش: وينبغي أن يدخل في مسمى الأذان إذا استؤجر له ما جرت به العادة من الصلاة والسلام بعد ذلك في غير المغرب لأنهما وإن لم يكونا من مسماه شرعا صارا منه بحسب العرف.
اه.
(قوله: فيصح الاستئجار عليه) الضمير يعود على ما: أي فيصح الاستئجار على ما لا يحتاج لنية.
(وقوله: والأجرة) مقابلة لجميعه الضمير يعود على ما أيضا، لكن باعتبار بعض أفراده، وهو الأذان، إذ أفراد ما لا يحتاج لنية كثيرة، ولا يناسب منهما إلا الأذان، بدليل قوله مع رعاية الوقت (وقوله: مع نحو رعاية الوقت) دخل تحت لفظ نحو كل ما له تعلق بالأذان، كرفع الصوت، وكالصلاة والسلام بعده في غير المغرب، كما تقدم، وعبارة الروض وشرحه، والأجرة
تؤخذ عليه بجميع صفاته، لا على رفع الصوت، ولا على رعاية الوقت، ولا على الحيعلتين، كما قيل بكل منها.
اه.
وهي مخالفة لكلام الشارح، إلا أن يكون مراده، لا على رفع الصوت وحده الخ.
(قوله: وتجهيز الميت) معطوف على الأذان، أي وكتجهيز الميت (قوله: تعليم القرآن الخ) معطوف أيضا على الأذان، أي وكتعليم القرآن.
وقوله كله أو بعضه، أي مع تعيين ذلك البعض، وإلا فلا يصح قال في الروض وشرحه: لو استأجره ليعلمه عشر آيات من سورة كذا، لم يصح، حتى يعينها، لتفاوتها في الحفظ والتعليم، صعوبة وسهولة، ولو عين سورة كاملة: أغنى عن ذكر الآيات، وحتى يكون المتعلم مسلما، أو كافرا يرجى إسلامه، إذ غيره: لا يجوز تعليمه القرآن، فلا تجوز الإجارة له، ثم قال: لو كان المتعلم ينسى ما يتعلمه، فهل عليه أي الأجير، إعادة تعليمه، أو لا.
يرجع فيه إلى العرف الغالب، فإن لم يكن عرف غالب، فالأوجه اعتبار ما دون الآية، فإذا علمه بعضها فنسيها قبل أن يفرغ من باقيها، لزم الأجير إعادة تعليمها.
اه.
(قوله: وإن تعين) أي التعليم على المعلم، بأن لم يوجد غيره، وهو غاية المقدر، أي ويصح الاستئجار على تعليم القرآن، وإن تعين عليه، (وقوله: للخبر الصحيح) تعليل لذلك المقدر (قوله: أجرا) أي أجرة (قوله: يصح الاستئجار الخ) حاصل ما ذكره أربع صور، وإن كان قوله الآتي ومع ذكره في القلب صورة مستقلة، وهي القراءة عند القبر، والقراءة لا عنده، لكن مع الدعاء عقبها، والقراءة بحضرة المستأجر والقراءة مع ذكره في القلب، وخرج بذلك، القراءة لا مع أحد(3/133)
هذه الأربعة، فلا يصح الاستئجار لها، ولو استؤجر لها، فقرأ جنبا، ولو ناسيا، لم يستحق شيئا، لأن القصد بالاستئجار لها، حصول ثوابها، لأنه أقرب إلى نزول الرحمة، وقبول الدعاء عقبها، والجنب، لا ثواب له على قراءته، بل على قصده في صورة النسيان، وقوله لقراءة القرآن عند القبر، أي مدة معلومة، أو قدرا معلوما، وإن لم يعقبها بالدعاء للميت، أو لم يجعل أجرها له، لعود منفعتها إليه بنزول الرحمة في محلها.
اه.
فتح الجواد (قوله: أو مع الدعاء) معطوف عند القبر، وكذا قوله أو بحضرة مستأجر، أي أو عند غير القبر مع الدعاء، وقوله بمثل ما حصل له، أي للقارئ وقوله من الأجر، بيان لما.
وقوله له أو لغيره، تعميم في المدعو له، وهو متعلق بالدعاء، أي أو مع الدعاء بمثل ما حصل للقاري من الأجر، سواء كان ذلك الدعاء للميت أو لغير، كالمستأجر، وعبارة التحفة فيها إسقاط له الأولى، وإبدال اللام بالباء من لغيره، ونصها، أو مع الدعاء بمثل ما حصل من الأجر له أو بغيره.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله أو بغيره عطف على بمثل، والغير كالمغفرة.
ش.
اه.
فلعل في عبارة شارحنا تحريفا من النساخ، تأمل (قوله: عقبها) أي القراءة وهو متعلق
بالدعاء (قوله: عين) أي المستأجر زمانا أو مكانا أو لا.
أي أنه يصح الإستئجار للقراءة مع الدعاء عقبها، سواء عين المستأجر للأجير زمانا، أو مكانا للقراءة أو لا (قوله: وفيه الثواب له) أي نية القارئ جعل ثواب القراءة له.
أي للمدعو له وقوله من غير دعاء، أي عقبها.
وقوله لغو: أي لأن ثواب القراءة للقارئ، ولا يمكن نقله للمدعو له (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا إنه ليس بلغو، فعليه تصح الإجارة ويستحق الأجرة (قوله: وإن اختار السبكي ما قالوه) عبارة شرح الروض.
بعد كلام.
قال السبكي تبعا لابن الرفعة، بعد حمله كلامهم على ما إذا نوى القارئ أن يكون ثواب قراءته للميت بغير دعاء، على أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط، أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعه، وأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد، كان نفع الميت بها أولى، لأنه يقع عنه من العبادات بغير إذنه، ما لا يقع عن الحي.
اه.
(قوله: وكذا أهديت الخ) أي وكذلك ما ذكر لغو، لعدم الدعاء (قوله: ومع ذكره في القلب حالتها) أي القراءة، وهو معطوف على بحضرة المستأجر، وهو يفيد أنه لا بد من اجتماع المستأجر، وذكره في القلب، ولا يكفي مجرد كون القراءة بحضرة من ذكر، وقد يقال قياس ما تقدم في القراءة عند القبر: خلافه، فإن كان قوله ومع ذكره الخ وجها مستقلا ليس من تتمة ما قبله، فلا إشكال.
اه.
سم.
بتصرف (قوله: وذلك لأن موضعها) أي وإنما صح الاستئجار لقراءة القرآن مع أمر من هذه الأمور، لأن موضعها أي القراءة، موضع بركة، وهو علة لصحة الاستئجار عند القبر.
وقوله والدعاء بعدها أقرب إجابة، علة لصحته مع الدعاء عقبها، وقوله وإحضار الخ.
علة لصحته بحضرة المستأجر، فهو على اللف والنشر المرتب (قوله: وألحق بها) أي بالقراءة.
وقوله والدعاء عقبه، معطوف على محض الدعاء، والواو بمعنى مع، أي الاستئجار بمحض الذكر مع الدعاء عقبه، أي الذكر (قوله: ولا يلزمه) أي الأجير (قوله: ما بعده) أي المتروك (قوله: وبأن) معطوف على بأنه، أي وأفتى بعضهم بأن من استؤجر الخ (قوله: أن ذلك) أي ما يقرؤه (قوله: بل الشرط عدم الصارف) أي أن لا(3/134)
يصرف القراءة لغير ما استؤجر عنه (قوله: صرحوا في النذر) أي نذر القراءة.
وقوله أن ينوي، أي عند الشروع، وقوله أنها، أي القراءة.
وقوله عنه، أي عما نذره (قوله: قلت هنا) أي في الاستئجار للقراءة على القبر (قوله: قرينة صارفة) أي وهي كونه عند القبر (قوله: لوقوعها) متعلق بصارفه، والضمير يعود على القراءة، (وقوله: عما استؤجر له) متعلق بوقوعها، وعن: بمعنى اللام، أي أن هنا قرينة تصرف القراءة لما استؤجر له.
اه.
رشيدي.
بتصرف (قوله: ولا كذلك
ثم) أي وليس في النذر قرينة تصرف القراءة لما ذكر، وانظر: لو نذر القراءة عند القبر فمقتضاه أنه لا يحتاج لنية لوجود القرينة.
ثم رأيت سم كتب على قول التحفة، قرينة صارفة، ما نصه: إن كانت كونه عند القبر، فقد يرد ما نذر القراءة عنده (قوله: ومن ثم لو استأجر هنا الخ) أي ومن أجل أن عدم وجوب النية لوجود القرينة لو استؤجر لمطلق القراءة على القول بصحته احتاج للنية، فيما يظهر، لفقد القرينة (قوله: وصححناه) أي قلنا بصحة استئجار مطلق القراءة، أي على خلاف ما مر من الحصر في الأربع، والمعتمد عدم الصحة، لأن شرط الإجارة، عود منفعتها للمستأجر، وليس هنا منفعة تعود عليه فيما إذا استؤجر لقراءة مطلقة (قوله: أو لا لمطلقها) أي أو استؤجر لا لمطلق القراءة، (وقوله: كالقراءة بحضرته) أي المقروء له، وقوله لم يحتج لها، أي النية (قوله: فذكر القبر) أي في قول بعضهم، من استؤجر لقراءة على قبر، (وقوله: مثال) أي لا قيد، إذ المدار، على وجود القرينة الصارفة، سواء كانت هي كونه عند القبر، أو كونه بحضرة المقروء له، أو غير ذلك.
تنبيه: قال في التحفة، ما اعتيد في الدعاء بعد القراءة من: اجعل ثواب ذلك، أو مثله مقدما إلى حضرته - صلى الله عليه وسلم -، أو زيادة في شرفه، جائز، كما قاله جماعة من المتأخرين، بل حسن مندوب إليه، خلافا لمن وهم فيه، لانه - صلى الله عليه وسلم - أذن لنا بأمره بنحو سؤال الوسيلة له في كل دعاء له بما فيه زيادة تعظيمه الخ.
اه.
وفي ع ش: فائدة جليلة: وقع السؤال عما يقع من الداعين عقب الختمات من قولهم، إجعل اللهم ثواب ما قرئ زيادة في شرفه - صلى الله عليه وسلم -، ثم يقول، واجعل مثل ثواب ذلك، وأضعاف أمثاله، إلى روح فلان، أو في صحيفته، أو نحو ذلك، هل يجوز ذلك، أم يمتنع، لما فيه من إشعار تعظيم المدعو إليه بذلك، حيث اعتني به فدعا له بأضعاف مثل ما دعا به للرسول - صلى الله عليه وسلم -؟.
أقول: الظاهر أن مثل ذلك لا يمتنع، لأن الداعي لم يقصد بذلك تعظيما لغيره عليه الصلاة والسلام، بل كلامه محمول على إظهار احتياج غيره للرحمة منه سبحانه وتعالى، فاعتناؤه به، للاحتياج المذكور، وللإشارة إلى أنه - صلى الله عليه وسلم -، لقرب مكانته من الله عزوجل، الإجابة بالنسبة له محققة، فغيره، لبعد رتبته عما أعطيه عليه الصلاة والسلام، لا تتحقق الإجابة له، بل قد لا تكون مظنونة - فناسب تأكيد الدعاء له، وتكريره رجاء الإجابة.
اه (قوله: وبغير متضمن الخ) معطوف على بمتقومه، أي وخرج بغير متضمن لاستيفاء عين، ما تضمن استيفاءها: أي استئجار منفعة تضمن استيفاء عين، كاستئجار الشاة للبنها، وبركة لسمكها، وشمعة لوقودها، وبستان لثمرته، فكل ذلك لا يصح.
وهذا مما تعم به
البلوى، ويقع كثيرا (قوله: لأن الأعيان لا تملك بعقد الإجارة قصدا) أي بخلافها تبعا، كما في اكتراء امرأة للإرضاع، فإنه يصح.
لأن استيفاء اللبن تابع للمعقود عليه، وبيان ذلك: ان الإرضاع هو الحضانة الصغرى، وهي وضعه في الحجر وإلقامه الثدي، وعصره له لتوقفه عليها، فهي المعقود عليه، واللبن تابع إذا بالإجارة موضوعة للمنافع، وإنما الأعيان تتبع(3/135)
للضرورة.
ويشترط لصحة ذلك تعيين مدة الرضاع، ومحله، من بيته، أو بيت المرضعة، وتعيين الرضيع بالرؤية، أو بالوصف، لاختلاف الأغراض باختلاف حاله، وكما يصح الاستئجار للإرضاع الذي هو الحضانة الصغرى، يصح للحضانة الكبرى، ولهما معا والحضانة الكبرى: تربية صبي بما يصلحه، كتعهده بغسل جسده، وثيابه، ودهنه، وكحله، وربطه في المهد، وتحريكه لينام، ونحوها مما يحتاجه (قوله: ونقل التاج السبكي الخ) ضعيف (قوله: صحة إجارة الخ) مفعول اختيار المضاف لفاعله (قوله: وصرحوا) أي الفقهاء.
(وقوله: بصحة استئجار قناة) عبارة الروض وشرحه، ويجوز للشخص استئجار القناة، وهي الجدول المحفور للزراعة، بمائها الجاري إليها من النهر، لا إستئجار القرار منها دون الماء، بأن استأجرها ليكون أحق بمائها الذي يحصل فيها بالمطر والثلج في المستقبل، لأنه استئجار لمنفعة مستقبلة.
اه (قوله: ويجب على مكر) يعني يتعين لدفع الخيار الآتي، وليس المراد أنه يأثم بذلك لو تركه، كما سيبينه، (وقوله: تسليم مفتاح دار) أي تسليم مفتاح ضبة دار، أي مع الدار، وقوله لمكتر، أي مستأجر، وهو متعلق بتسليم، ويده على المفتاح يد أمانة، فإذا تلف بتقصيره، ضمنه، أو عدمه، فلا (قوله: ولو ضاع) أي المفتاح.
(وقوله: وجب على المكري تجديده) أي ولو ضاع من المكتري بتقصيره، لكن عليه القيمة في هذه الحالة، فإن أبى، لم يجبر، ولم يأثم، لكن يتخير المكتري (قوله: والمراد بالمفتاح) أي الذي يجب على المكري (قوله: الغلق المثبت) أي كالضبة المسمرة (قوله: أما غيره) أي أما مفتاح غير الغلق المثبت، فلا يجب تسليمه (قوله: بل ولا قفله) بالجر، عطف على ضمير تسليمه، أي ولا يجب تسليم قفله، ويجوز فيه الرفع، على أنه بعد حذف المضاف أقيم مقامه، فارتفع ارتفاعه، وعبارة الفتح مع الأصل، وعلى مكر أيضا مفتاح لغلق مثبت تبعا له، بخلاف قفل منقول ومفتاحه، وإن اعتيد، وهو أمانة بيده، فلا يضمنه بتلفه بلا تفريط، وجدده إذا ضاع أو تلف، ولو بتقصير، لكن له، مع التقصير، قيمته.
اه (قوله: كسائر المنقولات) أي التي في الدار كالأبواب المقلوعة السرر، من كل ما لا يدخل في الدار إذا بيعت، والكاف للتنظير في عدم وجوب تسليمه على المكري (قوله: وعمارتها) بالرفع: معطوف على تسليم، أي ويجب على المكري أيضا عمارة الدار
(قوله: كبناء) أي للخراب الذي في الدار، وهو تمثيل للعمارة (قوله: وتطيين سطح) أي وضع الطين فيه (قوله: ووضع باب) أي انقلع، ومثله، وضع ميزاب، وإعادة رخام، سواء قلعه المكري، أو غيره، قال في التحفة: ولا نظر لكون الفائت به مجرد الزينة، لأنها غرض مقصود (قوله: وإصلاح منكسر) أي من الأخشاب المغلقة، أو غير الأخشاب (قوله: وليس المراد بكون ما ذكر) أي من تسليم مفتاح الدار، ومن عمارتها (قوله: أنه) أي المكري.
(وقوله: يأثم بتركه) أي كما هو تفسير الوجوب شرعا (قوله: أو أنه يجبر عليه) أي على ما ذكر، فالضمير يعود على ما وليس عائدا على الترك، كما هو ظاهر، أي وليس المراد بكون ما ذكر واجبا، أنه يجبر عليه.
قال البجيرمي: ومحل عدم وجوب العمارة في حق من يؤجر مال نفسه، أما الوقف، فيجب على الناظر العمارة، حيث كان فيه ريع - وفي معناه: المتصرف بالاحتياط - كولي المحجور عليه، بحيث لو لم يعمر، فسخ المستأجر الإجارة، وتضرر المحجور عليه.
اه (قوله: بل أنه الخ) أي بل المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري، أنه إن تركه ثبت الخيار للمكتري.
(والحاصل) المراد بالوجوب: التعين بالنسبة لدفع الخيار، كما علمت (قوله: كما بينته) أي هذا المراد (قوله:(3/136)
فإن بادر) أي المكري.
(وقوله: وفعل ما عليه) أي وفعل الأمر الذي وجب عليه، من تسليم المفتاح وعمارة الدار، أي قبل مضي مدة لمثلها أجرة (قوله: فذاك) أي واضح، وهو جواب إن (قوله: وإلا) أي وإن لم يبادر بفعل ما عليه، فللمكتري خيار، أي فإن شاء فسخ عقد الإجارة، وإن شاء أمضاه (قوله: إن نقصته المنفعة) أي بعدم العمارة وإصلاح الخلل، وذلك لتضرره بنقصها.
قال في شرح المنهج: نعم، إن كان الخلل مقارنا للعقد، وعلم به، فلا خيار له.
اه (قوله: وعلى مكتر تنظيف عرصتها) معطوف على قوله على مكر إلخ، من عطف المفردات، أي ويجب على مكتر ذلك، وليس المراد بالوجوب أنه يلزم المكتري نقله، بل المراد أنه لا يلزم المؤجر ذلك، (وقوله: من كناسة وثلج) متعلق بتنظيف، أي يجب تنظيفها من الكناسة ومن الثلج، أما الكناسة، وهي ما تسقط من القشور، والطعام، ونحوهما، فلحصولها بفعله، وأما الثلج، فللتسامح بنقله عرفا.
وفي البجيرمي ما نصه: (والحاصل) أن إزالة الكناسة كالرماد، وتفريغ نحو الحش كالبالوعة، على المؤجر مطلقا، إلا ما حصل منها بفعل المستأجر، فعليه في الدوام، وكذا بعد الفراغ في نحو الكناسة، لجريان العادة بنقلها شيئا فشيئا، وليس المراد بكون شئ من ذلك على المستأجر بمعنى نقله إلى نحو الكيمان، بل المراد جمعه في محل من الدار معتاد له فيها، ويتبع في
ربط الدوات، العادة.
ق ل.
قال م ر: وبعده انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة.
اه (قوله: والعرصة الخ) عبارة المصباح، عرصة الدار، ساحتها، وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء، والجمع عراص، مثل كلبة، وكلاب، وعرصات، مثل سجدة، وسجدات، وفي التهذيب، وسميت ساحة الدار عرصة لأن الصبيان يعرصون فيها، أي يلعبون ويمرحون.
اه بحذف (قوله: وهو) أي المكتري أمين على العين المكتراة، أي سواء انتفع بها أم لا، إذ لا يمكن استيفاء المنفعة بدون وضع يده عليها، ومع ذلك لو ادعى على المؤجر، لم يصدق، إلا ببينة، لأن القاعدة، أن كل أمين ادعى الرد على من ائتمنه، صدق بيمينه، إلا المرتهن، والمستأجر (قوله: وكذا بعدها) أي وكذلك يكون أمينا فيها بعد مدة الاجارة (وقوله: ما لم يستعملها) قيد في كونه أمينا فيها بعد مدة الاجارة وسيأتي محترزه (قوله: استصحابا لما كان) علة لقوله وكذا بعدها، أي وإنما يكون أمينا بعدها أيضا استصحابا لما كان، أي من أمانته قبل انقضائها (قوله: ولأنه لا يلزمه الرد) أي بعد انقضائها، أي وإذا لم يلزمه الرد بعد ذلك، بقي على ما كان عليه من الأمانة، وقوله ولا مؤنته، أي الرد (قوله: بل لو شرط أحدهما) أي الرد أو المؤنة في العقد.
(وقوله: عليه) أي على المكتري، (وقوله: فسد العقد) أي عقد الإجارة، وهو جواب لو (قوله: وإنما الذي عليه الخ) أي وإنما الواجب عليه، أي المكتري، (وقوله: التخلية) أي يخلي بينها وبين مالكها، بأن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها (قوله: كالوديع) أي نظير الوديع، فإنه لا يلزمه الرد، وإنما يلزمه التخلية، وإذا كان المكتري كالوديع لزمه ما يلزمه، من دفع ضرر عن العين المؤجرة، من حريق، ونهب، وغيرهما، إذ قدر على ذلك، من غير خطر (قوله: ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية) الضمير يعود على ما ذكر من العين المكتراة، ويصح رجوعه للمستأجر، ويقدر مضاف بعد الكاف: أي أنه كذي الأمانة، وعبارة النهاية، وما رجحه السبكي، من أنها كالأمانة الشرعية فعليه إعلام مالكها بها أو ردها فورا، وإلا ضمنها، غير معول عليه، لظهور الفرق بأن هذا وضع يده عليه بإذن مالكه ابتداء، بخلاف ذي الأمانة الشرعية.
اه.
ويعلم من الفرق المذكور، ضابط الأمانة الشرعية، والجعلية، وأن الأولى، هي التي لم يأذن المالك في وضع اليد عليها ابتداء، وإنما أذن الشارع في ذلك حفظا(3/137)
لها، والثانية: هي التي أذن المالك في ذلك ابتداء (قوله: فيلزمه) أي المكتري، وهذا مفرع على أنه كالأمانة الشرعية، (وقوله: إعلام مالكها بها) أي بالعين، وانظر ما المراد بإعلامه بذلك؟ ثم ظهر من كلامه بعد، أن المراد إعلامه بتفريغها من أمتعته (قوله: والمعتمد خلافه) أي خلاف ما رجحه السبكي، لما علمت من الفرق (قوله: أنه) أي المكتري،
والمصدر المؤول بدل من الأصح (قوله: ليس عليه) أي بعد انقضاء المدة، وقوله إلا التخلية، أي بين العين ومالكها (قوله: فقضيته) أي قضية كونه ليس عليه إلا التخلية (قوله: لو طلبها) أي المالك (قوله: وحينئذ يلزم من ذلك الخ) أي وحين إذ كان ليس عليه إلا التخلية، يلزم منه أنه لا فرق في التخلية بين أن يغلق باب نحو الحانوت أو لا، ولا تتوقف التخلية على عدم غلقه لبابه، وهذا ما جرى عليه في التحفة (قوله: لكن قال البغوي إلخ) جرى عليه في النهاية، ونصها، وعلى الأول، الأصح لا يلزم المكتري إعلام المكري بتفريغ العين، كما هو مقتضى كلامهم، بل الشرط أن لا يستعملها، ولا يحبسها، وإن لم يطلبها، فلو أغلق الدار، أو الحانوت بعد تفريغة، لزمته الأجرة، فيما يظهر، فقد صرح البغوي بأنه لو استأجر إلخ.
اه (قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج) عبارته بعد عبارة البغوي التي ذكرها الشارح، قال وقد رأيت الشيخ القفال قال: لو أستأجر دابة يوما، فإذا بقيت عنده، ولم ينتفع بها، ولا حبسها عن مالكها، لا تلزمه أجرة المثل لليوم الثاني، لأن الرد ليس واجبا عليه، وإنما عليه التخلية إذا طلب مالكها، بخلاف الحانوت، لأنه في حبه وعلقته، وتسليم الحانوت والدار لا يكون إلا بتسليم المفتاح.
اه.
وما قاله في الدابة، واضح، وفي الحانوت والدار، من توقف التخلية فيهما على عدم غلقه لبابهما، فيه نظر.
ولا نسلم له ما علل به، لأن التسليم لهما هنا يحصل وإن لم يدفع المؤجر له مفتاحهما.
نعم، ما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه لأن التقصير حينئذ من الغائب، لأن غلقه مع غيبته مانع للمالك من فتحه، لاحتمال أن له، أي للغائب، فيه شيئا.
اه.
بحذف (قوله: ولو استعمل العين الخ) هذا محترز قوله ما لم يستعملها.
قال سم: خرج باستعمالها، مجرد بقاء الأمتعة فيها، فلا أجرة، كما قدمته، وكذا مجرد بقاء البناء والغراس فيها، وقد شرط الإبقاء بعد المدة أو أطلق، فلا أجرة، كما قدمته عن الروض.
اه.
(وقوله: بعد المدة) أي بعد انقضاء مدة الإجارة، (وقوله: لزمه أجرة المثل) أي بالنسبة لما بعد المدة، وتكون من نقد البلد الغالب في تلك المدة، وعليه الضمان (قوله: كأجير: فإنه أمين) أي على ما استؤجر لحفظه، أو للعمل فيه - كالراعي، والخياط، والصباغ، شوبرى (قوله: ولو بعد المدة) أي مدة الإجارة إن قدرت بزمن، أي أو بعد تمام العمل إن قدرت بعمل، كخياطة وغيرها، (وقوله: أيضا) أي كالمكتري (قوله: فلا ضمان الخ) تفريع على كون المكتري والأجير أمينين، (وقوله: على واحد منهما) أي من المكتري والأجير (قوله: فلو اكترى الخ) تفريع على عدم تضمين واحد منهما، وهذا هو المكتري (قوله: ولم ينتفع بها) هذا ليس بقيد كما في البجيرمي، بل مثله.
ما إذا انتفع بها، لكن الانتفاع المأذون له فيه (قوله: فتلفت) أي الدابة بآفة سماوية (قوله: أو اكتراه) أي شخص، فالفاعل يعود على معلوم من المقام (قوله:
لخياطة ثوب) أي أو لحراسة (قوله: أو صبغه) بفتح أوله مصدرا، قال في المصباح: وصبغت الثوب صبغا، من بابي، نفع، وقتل، وفي لغة، من باب ضرب.
اه (قوله: فتلف) أي الثواب بآفة سماوية (قوله: فلا يضمن) جواب لو والفاعل يعود على كل من المكتري ومن الأجير المعبر عنه بقوله أو اكتراه، كما علمت، قال البجيرمي: ومع عدم ضمان الأجير هو(3/138)
لا يستحق الأجرة، لأنه لم يسلم العين كما تسلمها، فلو تعجلها، وجب عليه ردها لصاحبها، ومنه ما يقع من دفع كراء المحمول معجلا، ثم تغرق السفينة قبل وصولها مكان التسليم، فإنه يجب على المتعجل ردها، لتبين عدم استحقاقها.
اه.
بتصرف (قوله: سواء انفرد الأجير باليد) أي كأن عمل وحده (قوله: كأن قعد الخ) هو وما بعده مثالان لما إذا لم ينفرد بالعمل.
وقوله أو أحضره منزله: أي وإن لم يقعد معه، أو حمل المتاع ومشي خلفه، لثبوت يد المالك عليه حكما.
اه.
تحفة (قوله: إلا بتقصير) مرتبط بالمتن، أي فلا ضمان على المكتري والأجير إلا إن حصل منهما تقصير حتى تلف ما تحت يدهما (قوله: كأن ترك الخ) تمثيل لما إذا حصل منهما تقصير في ذلك (قوله: كانهدام سقف الخ) تمثيل للسبب في التلف، (وقوله: في وقت لو انتفع الخ) المراد، كما في البجيرمي، ويؤخذ من عبارة سم أنه حصل الانهدام في وقت جرت العادة بالانتفاع بها فيه وتركه، وخرج به، ما لو حصل الانهدام في وقت لم تجر العادة بالانتفاع بها فيه وتركه، فإنه لا يضمن، لأنه لا يعد مقصرا بترك الانتفاع فيه وهذا هو المراد وإن كانت الجملة الشرطية لا تفيده، فتنبه.
قال سم، هذا التفصيل المذكور.
في الدابة ينبغي جريانه في غيرها، كثوب استأجره للبسه، فإذا ترك لبسه وتلف، أو غصب في وقت لو لبسه سلم من ذلك، ضمنه، فليتأمل.
اه.
وقال في فتح الجواد، والضمان بذلك، أي بالانهدام، ضمان جناية، لا يد على الأوجه فلو لم يتلف، لم يضمن.
قال الزركشي، ويضمن لو سافر به في وقت لم يعتد السير فيه فتلف أو غصب اه.
وقوله سلمت، أي من التلف بذلك السبب.
قال البجيرمي: ووجه كونه تعديا أنه لما نشأ الانهدام عليها، من ترك الانتفاع بها فيه، كان كأنه بفعله، اه.
ولو ترك الانتفاع وتلفت بسبب غيره، كما لو لدغتها حية أو نحوها، لم يضمن، عند الرملي (قوله: وكأن ضربها) عطف على كأن ترك، والمراد: ضربها فوق العادة ومثله ما لو نخعها باللجام كذلك، بخلاف ما لو كان مثل العادة فيهما فلا يضمن، وقوله أو أركبها أثقل منه، أي أو حملها مائة رطل شعير بدل مائة رطل بر، أو عكسه، وذلك لاجتماع مائة البر بسبب ثقلها في محل واحد، والشعير لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر، فتتضرر بذلك، وضررهما مختلف (قوله: ولا يضمن أجير الخ) أي لعدم تقصيره، لأنه لم يسلم إليه المتاع،
وإنما هو بمنزلة حارس سكة سرق بعض بيوتها، قال ش ق: ويعلم منه أن خفراء الأسواق بمصر أو الدواب بالأرياف، لا ضمان عليهم، لعدم تقصيرهم، ولا يلزمهم إلا إيقاظ الملاك بالنداء، لا دفع اللصوص، فإن قصروا بنوم أو نحوه، ضمنوا، وإن لم يسلم لهم البهائم، لأن ذلك ليس بشرط، ولو في أول ليلة، خلافا لبعضهم، بل الشرط، أن يعرفوا ما يحرسونه.
اه.
(وقوله: إذا أخذ غيره) أي غير الأجير.
(وقوله: ما فيها) أي الدكان، وعبارة المغني: الأجير لحفظ الدكان مثلا لا ضمان عليه إذا أخذ ما فيه، لأنه لا يدله على المال.
اه.
وقوله ما فيه أي الدكان.
ويعلم من عبارتنا، مع عبارة المغني، أن الدكان يذكر ويؤنث، فانظره.
ثم رأيت البجيرمي كتب على قول المنهج، في آخر مبحث زكاة الماشية، ما نصه، قوله ودكان، بضم الدال المهملة، وهو الحانوت، وفي المصباح، أنه يذكر ويؤنث، وأنه اختلف في نونه: فقيل أصلية، وقيل زائدة، فعلى الأول، وزنه فعلال، وعلى الثاني، فعلان.
اه.
فتفطن (قوله: لا ضمان أيضا) أي كما لا ضمان على الأجير لحفظ دكان.
وقوله على الخفير، أي الحارس مطلقا في الأسواق، أو الأرياف، كما علم مما مر (قوله: وكأن استأجره ليرعى دابته) عطف على قوله كأن ترك المكتري.
قال سم: ظاهره ولو ذمة، ففي الضمان نظر.
اه.
وقوله فيضمنها كل منهما أي من الأجير الأول، والأجير الثاني، وقوله والقرار على من تلفت بيده، أي حيث كان عالما، وإلا فالقرار على الأول.
شرح م ر (قوله: وكأن أسرف خباز في الوقود) أي حتى احترق الخبز، وهو معطوف(3/139)
أيضا على كأن ترك الخ.
والوقود، بفتح الواو، ما يوقد به قال تعالى: * (وقودها الناس والحجارة) * (1) وبالضم: الفعل (قوله: أو مات الخ) معطوف على أسرف، أو على ترك، أي وكأن مات المتعلم من ضرب المعلم.
قال ع ش: وإن كان مثله معتادا للتعليم، لكن يشكل وصفه حينئذ بالتعدي وقد يجاب عنه بما يأتي، من أن التأديب كان ممكنا بالقول، وظن عدم إفادته إنما يفيد الإقدام، وإذا مات تبين أنه متعد به.
اه.
وعبارة الروض وشرحه، ولو ضرب الأجير الصبي للتأديب والتعليم فمات، فمتعد لأن ذلك ممكن بغير الضرب.
اه (قوله: ويصدق الأجير) يعني لو اختلفا في التقصير وعدمه، صدق، الأجير بيمينه في عدمه، لأنه الأصل (قوله: ما لم يشهد خبيران بخلافه) أي بخلاف ما ادعاه الأجير.
قال ع ش، ومفهومه أنه لا يكفي رجل وامرأتان، ولا رجل ويمين، وهو ظاهر، لأن الفعل الذي وقع التنازع فيه، ليس مالا، وإن ترتب عليه الضمان.
اه (قوله: ولو اكتري) أي شخص.
وقوله اليوم، أي يوم الاستئجار، وقوله غدا، أي بعد يوم الاستئجار (قوله: فأقام) أي المكتري للدابة.
وقوله بها: أي بالدابة (قوله: ورجع) أي إلى محله.
وقوله في الثالث، أي اليوم
الثالث (قوله: ضمنها فيه) أي في الثالث، قال ع ش، أي ضمان يد، أخذا من قوله الاستعمال الخ، وعليه أجرة مثل اليوم الثالث، وأما الثاني، فيستقر فيه المسمى، لتمكنه من الانتفاع فيه مع كون الدابة في يده، والكلام فيما إذا تأخر، لا لنحو خوف، وإلا فلا ضمان عليه، ولا أجرة لليوم الثالث، لأن الثاني لا يحسب عليه.
اه.
وقوله فقط، أي غير الأول والثاني (قوله: لأنه استعملها الخ) قال سم: أنظر لو لم يستعملها؟ اه (قوله: ولم يبين موضعه) أي العمل، كمحل العقد، أو غير، وقوله فذهب، أي المكتري، وقوله به، أي بالعبد، وقوله إلى آخر، أي إلى بلد آخر، أي غير بلد العقد (قوله: فأبق) أي العبد، أي هرب (قوله: ضمنه) قال ع ش: هذا قد يشكل على ما مر من جواز السفر بالعين، حيث لا خطر، فإن مقتضاه عدم الضمان بتلفها في السفر، إلا ان يصور ما هنا بما لو استأجر القن لعمل لا يكون السفر طريقا لاستيفائه، كالخياطة، دون الخدمة، وما مر، بما إذ استؤجرت العين لعمل يكون السفر من طرق استيفائه كالركوب والحمل، فليراجع.
اه.
(وقوله: مع الأجرة) أي أجرة العبد، وظاهره، ولو لم يستوف به العمل (قوله: يجوز لنحو القصار) هو المبيض للثياب.
قال في القاموس: وقصرت الثوب قصرا بيضته.
والقصارة، بالكسر، الصناعة.
والفاعل قصار.
اه.
ويندرج تحت لفظ نحو: الخياط، والراعي.
وعبارة التحفة: ومر أوائل المبيع قبل قبضه أن للمستأجر حبس ما استؤجر عليه للعمل فيه ثم لاستيفاء أجرته، ومحله، ما إذا لم يتعدد، وإلا كاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا، فليس له حبس كراس على أجرة آخر، لأن الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة.
اه.
وقوله حبس الثوب، أي عنده وقوله كرهنه أي الثوب، وظاهره أن الكاف للتنظير، وأنه يجوز لنحو القصار أن يرهن الثوب عند غيره بأجرته من غير إذن مالكه، وليس كذلك، فالصواب، التعبير باللام، بدل الكاف، والمعنى: يجوز لنحو القصار حبس الثوب عنده قبل استيفائه الأجرة، لأنه مرهون بأجرته.
ثم رأيت في التحفة، التعبير باللام، في كتاب المساقاة، ونصها: (فرع) أذن لغيره في زرع أرضه فحرثها وهيأها للزراعة، فزادت قيمتها بذلك، فأراد رهنها، أو بيعها مثلا من غير إذن العامل: لم يصح لتعذر الانتفاع بها بدون ذلك العمل المحترم فيها، ولأنها صارت مرهونة في ذلك العمل الزائد به قيمتها، وقد صرحوا بأن لنحو القصار حبس الثوب لرهنه بأجرته حتى يستوفيها.
اه (قوله: حتى يستوفيها) أي نحو القصار الأجرة من المكتري (قوله: ولا أجرة لعمل الخ) في البجيرمي: ومن هذه القاعدة ما لو جلس إنسان عند طباخ،
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 24.(3/140)
وقال أطعمني رطلا من اللحم، ولم يسم ثمنا، فأطعمه، لم يستحق عليه قيمته، لأنه بالتقديم له، مسلط له عليه، وليس هذا من البيوع الفاسدة حتى يضمن بالإتلاف، لأنه لم يذكر فيه الثمن.
والبيع إن صح أو فسد: يعتبر فيه ذكر الثمن.
اه.
من القول التام في آداب دخول الحمام، لابن العماد (قوله: كحلق رأس الخ) تمثيل للعمل (قوله: وقصارته) أي الثوب، وهو بكسر القاف: تبييضه (قوله: وصبغه) بفتح الصاد.
(وقوله: بصبغ) بكسر الصاد، ما يصبغ به.
قال في القاموس.
الصبغ، بكسر الصاد - والصبغة، والصباغ أيضا: كله بمعنى، وهو ما يصبغ به، ومنهم من يقول، الصباغ جمع صبغ، مثل بئر وبئار.
اه.
(وقوله: بصبغ مالكه) أي مالك الثوب، ومفاده إنه إذا كان صبغه بصبغ نفسه، استحق الأجرة، فانظره، فإنه أطلق في التحفة والنهاية مع الأصل والروض وشرحه، ولم يقيدوا بصبغ مالكه، ولا بصبغ نفسه (قوله: بلا شرط الأجرة) وهو يحصل بذكرها، أو بذكر ما يقتضيها.
ولو قال بلا ذكر ما يقتضي الأجرة، لكان أولى، ليوافق التفريع بعد (قوله: فلو دفع الخ) تفريع على المنطوف (قوله: ففعل) أي من ذكر من الخياط والقصار والصباغ المأذون له فيه، وأفرد الضمير، مع أن المرجع جمع، لأن العطف بأو، وهي للأحد الدائر، أو باعتبار تأويله بالمذكور (قوله: لا ما يفهمها) أي لم يذكر أحدهما ما يفهمها، أي الأجرة، كأن قال اعمل وأنا أرضيك، أو لا أخيبك، أو ما ترى مني إلا ما يسرك، أو اعمل وأنا أثيبك، ونحو ذلك، وفي هذه، يستحق أجرة المثل، كما سيذكره بقوله، أما إذا عرض بها الخ (قوله: فلا أجرة له) جواب لو، وضمير له، يعود أيضا على من ذكر.
وفي شرح الروض: قال الأذرعي، والأشبه أن عدم استحقاقه الأجرة، محله إذا كان حرا، مكلفا، مطلق التصرف، فلو كان عبدا، أو محجورا عليه بسفه، أو نحوه، استحقها إذ ليسوا من أهل التبرع بمنافعهم المقابلة بالأعواض.
اه (قوله: لأنه متبرع) أي فهو لم يعمل طامعا (قوله: ولأنه لو قال الخ) عطف على قوله، لأنه متبرع (قوله: لا يستحق عليه) أي على سكناه الدار.
قال ع ش، ومثله ما جرت به العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة ولا ما يقوم مقام التسمية، لكن قول الشارح أسكني دارك شهرا الخ، يفهم وجوب الأجرة في هذه المسألة، وهو ظاهر.
اه (قوله: وإن عرف بذلك العمل بها) غاية لقوله ولا أجرة بلا شرط، واسم الإشارة عائد على عدم الشرط المفهوم من قوله بلا شرط، والباء الداخلة عليه بمعنى مع، والعمل نائب فاعل عرف، والضمير في بها، عائد على الأجرة، أي لا أجرة بلا شرط، وإن عرف أن هذا العمل يكون بالأجرة مع عدم الشرط.
قال البجيرمي: وفي سم، قوله وإن عرف بذلك العمل، لكن أفتى الروياني باللزوم في المعروف بذلك، وقال ابن عبد السلام: هو الأصح، وأفتى به خلق من المتأخرين، وعليه عمل
الناس الآن، ويعلم منها أن الغاية للرد.
اه (قوله: لعدم التزامها) علة لما تضمنته الغاية، أي لا أجرة له إذا كان معروفا عمله بها، لعدم التزام الأجرة في مقابلة عمله، وهي عين الأولى، أعني قوله لأنه متبرع، فلو اقتصر على إحداهما لكان أخصر (قوله: ولا يستثنى وجوبها) أي الأجرة من القاعدة المذكورة، أعني ولا أجرة لعامل بلا شرط - إذ هو ليس من أفرادها، إذ العامل فيها صرف منفعته بنفسه، وداخل الحمام أو راكب السفينة استوفاها من غير أن يصرفها صاحبها إليه (قوله: أو راكب سفينة) في فتح الجواد، وكداخل الحمام، راكب السفينة، لكن بحثه ابن الرفعة أنه متى علم به مالكها حين سيرها، لم يستحق شيئا، كما لو وضع متاعه على دابة غيره فسيرها مالكها، فإنه لا أجرة له (قوله: بخلافه بإذنه) أي بخلاف ما إذا كان دخول الحمام أو ركوب السفينة بإذن صاحبها، فإنه صاحبها، فإنه لا أجرة عليه كالأجير.(3/141)
(تنبيه) قال في المغني: ما يأخذه الحمامي، أجرة الحمام والآلة، من سطل، وإزار، ونحوهما، وحفظ المتاع، لا ثمن الماء، كما مرت الإشارة إليه، لأنه غير مضبوط، فلا يقابل بعوض.
فالحمامي مؤجر، أي للآلة، وأجير مشترك في الأمتعة، فلا يضمنها كسائر الأجراء، والآلة غير مضمونة على الداخل، لأنه مستأجر لها، ولو كان مع الداخل الآلة، ومن يحفظ المتاع، كان ما يأخذه الحمامي أجرة الحمام فقط.
اه (قوله: أما إذا ذكر أجرة) محترز قوله ولم يذكر أحدهما أجرة (قوله: فيستحقها) أي يستحق العامل الأجرة.
وقوله قطعا، أي بلا خوف، وقوله إن صح العقد، أي بأن استكمل الشروط المارة (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم يصح العقد فيستحق أجرة المثل، لا المسمى (قوله: وأما إذا عرض بها) محترز قوله ولا ما يفهمها.
وقوله فيجب أجرة المثل: أي لأنه لم يعمل متبرعا (قوله: وتقررت: أي الأجرة الخ) أي استقرت كلها بمضي مدة الاجارة، وقولهم تملك الأجرة بالعقد معينة كانت أو في الذمة، معناه أنها تملك ملكا مراعى بمعنى أنه كلما مضى زمان على السلامة، بان أن المؤجر استقر ملكه منها على ما يقابل ذلك إن قبض المكتري العين أو عرضت عليه فامتنع فلا تستقر كلها إلا بمضي المدة (قوله: في الإجارة المقدرة الخ) لو قال للإجارة في المقدرة بوقت، لكان أولى لأن المدة للإجارة، ولأنه أنسب بقوله بعد في المقدرة بعمل، فإنه حذف منه لفظ الإجارة (قوله: وإن لم يستوف الخ) غاية لتقرر الأجرة: أي تتقرر الأجرة بذلك على المستأجر، سواء استوفى المنفعة أم لا، كأن لم يسكن الدار، ولم يركب الدابة (قوله: لأن المنافع تلفت تحت يده) أي المستأجر، فهو المقصر بترك الانتفاع (قوله: وإن ترك لنحو مرض) غاية ثانية لما ذكر: أي تستقر الأجرة على المكتري وإن ترك الانتفاع بها لما ذكر (قوله: إذ ليس الخ) علة لما
تضمنته الغاية قبله، أي وإنما استقرت الأجرة إذا ترك الانتفاع لنحو مرض أو خوف طريق، لأنه ليس على المؤجر إلا تمكين المستأجر من الانتفاع من العين المؤجرة (قوله: وليس له بسبب ذلك الخ) أي ليس للمكتري بسبب المرض أو خوف الطريق أو نحوهما: فسخ لعقد الإجارة ولا رد للعين المؤجرة إلى أن يتيسر له العمل فيها فيسترجعها منه.
مبحث انفساخ الإجارة (قوله: وتنفسخ الإجارة الخ) شروع فيما يقتضي الانفساخ للإجارة وما يقتضي الخيار (قوله: بتلف مستوفى منه) أي حسا كان ذلك التلف، كمثال للشارح، أو شرعا، كحيض امرأة اكتريت لخدمة مسجد مدة معينة، وقوله معين في العقد، سيذكر محترزه (قوله: كموت نحو الخ) تمثيل للتلف الحاصل للمستوفى منه، وقوله وأجير، معطوف على نحو، وهو من أفراده، فالعطف من عطف الخاص على العام (قوله: وانهدام دار) أي وكانهدام دار، ومحل كونه موجبا للانفساخ، إذا كان كلها، أما انهدام بعضها، فيثبت الخيار للمستأجر، ما لم يبادر المؤجر، ويصلحها قبل مضي زمن لا أجرة له، ولم يقيد الدار بكونها معينة، لأن إجارة العقار لا تكون إلا إجارة عين (قوله: ولو بفعل المستأجر) أي ولو كان التلف حاصلا بفعل المستأجر، فإنه يكون موجبا للإنفساخ، ويكون هذا مستثنى من قولهم، من استعجل بشئ قبل أوانه، عوقب بحرمانه، ويلزمه بإتلاف نحو الدابة، قيمتها، وبإتلاف نحو الدار، أرش نقصها، لا إعادة بنائها.
قال في المغني:(3/142)
(فإن قيل) لو أتلف المشتري المبيع استقر عليه الثمن، ولا ينفسخ البيع، فهلا كان المستأجر كذلك؟ (أجيب) بأن البيع ورد على العين، فإذا أتلفها، صار قابضا لها، والإجارة واردة على المنافع، ومنافع الزمن المستقبل معدومة، لا يتصور ورود الإتلاف عليها.
اه (قوله: في زمان مستقبل) متعلق بتنفسخ، أي تنفسخ بالنظر للزمان المستقبل وقوله لفوات محل المنفعة، وهو العين، وهو علة لكون الإجارة تنفسخ بالنسبة للمستقبل، وقوله فيه، أي في المستقبل (قوله: لا في ماض) معطوف على في زمان مستقبل، أي لا تنفسخ بالنظر للزمن الماضي، وقوله بعد القبض، قيد في عدم الانفساخ بالنظر لما مضى، أي لا تنفسخ بالنظر لذلك بشرط أن يكون التلف حصل بعد القبض، وخرج به.
ما إذا كان التلف قبل القبض، فإنها تنفسخ في جميع ما مضى وما يأتي، كما في المغني، (وقوله: إذا كان لمثله أجره) أي إذا كان لمثل الماضي، أي لمثل منفعة المستوفى منه في الزمان الماضي أجرة، وهو قيد في القيد
ولو قال، كما في المغنى، وكان لمثله أجرة، لكان أولى.
وخرج به، ما إذا لم يكن لمثله أجرة، فإنها تنفسخ في الجميع، كما في المغنى وعبارته: أما إذا كان قبل القبض، أو بعده ولم يكن لمثله أجرة، فإنه ينفسخ في الجميع.
اه (قوله: لاستقراره) أي الماضي: أي أجرته.
(وقوله: بالقبض) أي قبض المنفعة، أي استيفائها وهو علة لعدم الانفساخ في الماضي (قوله: فيستقر قسطه) أي الماضي، (وقوله: من المسمى) أي في العقد، (وقوله: باعتبار أجرة المثل) أي لكل زمن بما يناسبه فتقوم منفعة المدة الماضية والباقية، ويوزع المسمى على نسبة قيمتها وقت العقد، دون ما بعده، لا على نسبة المدتين، إذ قد تزيد أجرة شهر على شهور، فلو كانت مدة الإجارة مثلا سنة، ومضى نصفها، وكان المسمى ثلاثين، وأجرة مثل الماضي عشرون، وجب من المسمى ثلثاه، وهكذا (قوله: وخرج بالمستوفى منه غيره مما يأتي) وهو المستوفي، والمستوفى به، والمستوفى فيه.
وفي البجيرمي، أنظر صورة المستوفى فيه؟ ولعلها إذا حصل في الطريق خوف يمنع السير فيها.
اه (قوله: وبالمعين الخ) أي وخرج بالمستوفى منه المعين في القعد، المستوفى منه المعين عما في الذمة، بأن كانت الإجارة ذمية، وسلم المؤجر للمستأجر مستوفى منه معينا عما في ذمته (قوله: فإن تلفهما) أي تلف غير المستوفى منه، وتلف المعين عما في الذمة (قوله: بل يبدلان) أي غير المستوفى منه والمعين عما في الذمة، فيجوز إبدال المستوفي إذا تلف بغيره، كراكب بآخر، وساكن بآخر، والمستوفى به بغيره، كمحمول من طعام، وغيره، والمستوفى فيه، كالطريق بغيره، لأنه يجوز مع السلامة كما سيذكره قريبا، فمع التلف أولى، ويجوز إبدال المعين عما في الذمة إذا تلف بغيره، بل يجب، كما ستعرفه (قوله: يثبت الخيار) أي في إجارة العين، كما يدل عليه قوله بعد، ولا خيار في إجارة الذمة الخ، وقوله على التراخي، أي لأن الضرر يتكرر بتكرر الزمان، وجعله في الروض على التراخي، في عيب يتوقع زواله، وإلا فعلى الفور، وعبارته مع شرحه: وإن رضي المستأجر بعيب يتوقع زواله لم ينقطع خياره، لأن الضرر يتجدد ويتعذر قبض المنفعة، فهو كما لو تركت المطالبة بعد مدة الإيلاء والفسخ بعد ثبوت الإعسار، لها العود إليه، وإلا بأن لا يتوقع زواله، انقطع خياره، لأنه عيب واحد، وقد رضي به.
اه (قوله: على المعتمد) مقابله يقول إن الخيار على الفور (قوله: بعيب نحو الدابة) متعلق بيثبت، ونحو الدابة، العبد الأجير، والدار (قوله: المقارن) أي للعقد، وهو صفة لعيب، (وقوله: إذا جهله) أي المكتري، أما إذا علمه، فلا خيار (قوله: والحارث) أي بعد العقد في يد المكتري (قوله: لتضرره) أي المكتري بذلك العيب، وهو علة لثبوت الخيار به (قوله: وهو ما أثر الخ) أي العيب الذي يثبت الخيار وهو ما يؤثر في المنفعة أثرا يظهر له تفاوت في الأجرة، ككونها تعثر، أو تتخلف عن القافلة، لا كخشونة
مشيها، كما جزم به الشيخان، وخالف ابن الرفعة، فجعله عيبا، وصوبه الزركشي، قال: وبه جزم الرافعي في عيب(3/143)
المبيع، قال في المغني، وجمع بين ما هنا وبين ما هناك، بأن المراد هنا خشونة لا يخاف منها السقوط، بخلافه هناك.
اه.
وقوله تفاوت أجرتها، أما القيمة فليس ظهور التفاوت معتبرا فيها، لأن مورد العقد هنا، المنفعة، لا العين، حتى تعتبر القيمة (قوله: ولا خيار في إجارة الذمة الخ) هذا يدل على أن قوله أولا ويثبت الخيار الخ مفروض في إجارة العين، كما علمت، وقول بعيب الدابة، أي ونحوها.
ومثل العيب - بالأولى، التلف (قوله: بل يلزمه) أي المكري الإبدال، أي لأن المعقود عليه في الذمة يثبت فيها بصفة السلامة، وهذا غير سليم، فإذا لم يرض به المكتري، رجع إلى ما في الذمة، فإن عجز المكري عن إبدالها، تخير المكتري، كما قاله الأذرعي (قوله: ويجوز في إجارة عين أو في ذمة استبدال الخ) أي لأنه لا ضرر فيه.
وقوله المستوفي، بكسر الفاء، اسم فاعل.
وقوله كالراكب والساكن، أي واللابس (قوله: والمستوفى به) أي ويجوز إبدال ما تستوفى المنفعة به.
(وقوله: كالمحمول) أي من طعام أو غيره، أي وكالثوب المعين للخياطة، والصبي المعين للتعليم أو الارتضاع، (وقوله: والمستوفى فيه) أي ويجوز إبدال ما تستوفي فيه المنفعة، كالطريق (قوله: بمثلها) أي المذكورات، وهو متعلق باستبدال، أي يجوز استبدال المستوفى بمثله، أي طولا، وقصرا، وضخامة، ونحافة، وغيرها، واستبدال المستوفى به بمثله كذلك، والمستوفى فيه بمثله، كطريق بمثله، لا بأصعب منه، ولا أطول، ولا أخوف، وقوله أو بدون مثلها، هذا مفهوم بالأولى (قوله: ما لو يشترط) أي المكري علي المكتري عدم الإبدال، فإن اشترط عليه، اتبع.
(وقوله: في الآخرين) أي المستوفى به والمستوفى فيه، ولا يجوز اشتراطه في الأول، أي المستوفي، بكسر الفاء.
فإن شرطه، بطل العقد، لما فيه من الحجر عليه من جهة أنه لا يؤجره لغيره، فأشبه منع بيع المبيع (قوله: فرع) الأولى فرعان بصيغة التثنية (قوله: للبس المطلق) أي غير المقيد بليل أو نهار (قوله: وإن اطردت عادتهم بذلك) أي بلبسه وقت النوم، وخالف بعضهم فقال: لا يلبسه وقت النوم إن اعتيد ذلك بذلك المحل، وإلا لم يجب نزعه مطلقا، وعبارة الروض وشرحه، ليس له النوم ليلا في ثوب مستأجر للبلس.
قال الرافعي، عملا بالعادة، نعم.
لا يلزمه نزع الإزار، كذا قاله المصنف في شرح الإرشاد، وقال الأذرعي: الظاهر أن المراد غير التحتاني، كما يفهمه تعليل الرافعي، اه.
وظاهر كلام الأصحاب: الأول، وطريقه، إذا أراد النوم فيه أن يشرطه وينام فيه نهارا، ولو غير القيلولة، ساعة أو ساعتين، لا أكثر النهار، عملا بالعرف، بل لا في القميص الفوقاني، أي لا ينام فيه،
ولا يلبسه كل وقت، بل إنما يلبسه عند التجمل في الأوقات التي جرت العادة فيها بالتجمل، كحال الخروج إلى السوق ونحوه، ودخول الناس عليه اه (قوله: ويجوز لمستأجر الدابة الخ) أي لأنه استحق جميع منفعتها، فله أن يمنع المؤجر من التصرف فيه بما يزاحم حقه، وقوله مثلا: أي أو عبدا (وقوله: من حمل شئ عليها) قال سم: أي كتعليق مخلاة عليها.
اه (قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، ولفظها، اقتضى كلامهم، وصرح به بعضهم، أن الطبيب الماهر، أي بأن كان خطؤه نادرا، وإن لم يكن ماهرا في العلم، فيما يظهر، لأنا نجد بعض الأطباء استفاد من طول التجربة والعلاج ما قل به خطؤه جدا.
وبعضهم لعدم ذلك ما كثر به خطؤه، فتعين الضبط بما ذكرته لو شرطت له، إلى آخر ما ذكره الشارح (قوله: وأعطى ثمن الأدوية) أي زيادة على الأجرة (قوله: فعالجه بها) أي فعالج الطبيب المريض بالأدوية التي أخذ(3/144)
ثمنها (وقوله: فلم يبرأ) أي المريض بمعالجة الطبيب (قوله: استحق المسمى) أي الأجرة التي سميت في العقد (قوله: إن صحت الإجارة) كأن قدرت بزمان معلوم.
ع ش (قوله: وإلا فأجرة المثل) أي وإن لم تصح استحق أجرة المثل (قوله: الرجوع عليه) أي على الطبيب (قوله: لأن المستأجر عليه) بفتح الجيم، أي لان الشئ الذي استؤجر عليه هو المعالجة، لا الشفاء (قوله: بل أن شرط) أي الشفاء في عقد الإجارة (قوله: لأنه) أي الشفاء بيد الله تعالى.
قال في التحفة: نعم إن جاعله عليه، صح، ولم يستحق المسمى إلا بعد وجوده.
اه (قوله: أما غير الماهر) هذا مفهوم قوله الماهر، (وقوله: فلا يستحق أجرة) في سم ما نصه، هل استئجاره صحيح أو لا؟ إن كان الأول: فقد يشكل الحكم الذي ذكره، وإن كان الثاني، فقد يقيد الرجوع بثمن الأدوية بالجهل بحاله.
م ر.
فليحرر.
اه.
قال ع ش: والظاهر الثاني، ولا شئ له في مقابلة عمله، لأنه لا يقابل بأجرة، لعدم الانتفاع به، بل الغالب على عمل مثله الضرر.
اه (قوله: لتقصيره الخ) أي لتقصير غير الماهر بسبب مباشرته للأمر الذي هو لبس بأهل له، فجميع الضمائر تعود على غير الماهر، ما عدا ضمير له، فإنه يعود على ما (قوله: ولو اختلفا إلخ) عقد له في الروض فصلا مستقلا، وما ذكره عين عبارته (قوله: في أجرة) أي في قدرها: هل هي خمسة دراهم، أو عشرة مثلا؟ (قوله: أو مدة) أي قدرها أيضا، هل هي شهر أو سنة؟ (قوله: أو قدر منفعة) أي قدر الانتفاع بالدابة مثلا؟ وقوله هل هي عشرة فراسخ أو خمسة، بيان للاختلاف في قدر المنفعة، أي هل الانتفاع بالدابة يكون في عشرة فراسخ أو خمسة؟ (قوله: أو في قدر المستأجر) بفتح الجيم: أي أو اختلفا في الشئ الذي له استؤجر، هل هو كل الدار أو بعضها؟ (قوله: تحالفا) أي المكري والمكتري، وهو جواب لو:
أي يحلف كل منهما يمينا يجمع نفيا لدعوى صاحبه وإثباتا لدعواه (قوله: أجرة المثل لما استوفاه) أي من منفعة المستأجر، بفتح الجيم (قوله: فرع) الأولى فرعان (قوله: لو وجد الخ) يعني لو وجد المستأجر ما حمله على دابة المؤجر من نحو البر أو الشعير ناقصا عما شرطه عليه، كأن شرط عليه في عقد الإجارة حمل عشرة آصع مثلا، فما حمل إلا تسعة، فإن كان الذي كاله ناقصا عما ذكر هو المؤجر، وكانت الإجارة ذمية: حط قسط من الأجرة قدر النقص، وهو عشرها في الصورة المذكورة، لأنه لم يف بالمشروط.
وإن كان الذي كاله ناقصا هو المستأجر نفسه، وأعطاه للمؤجر ليحمله، أو كانت الإجارة عينية، بأن كان استأجر دابته ليحمل عليها عشرة آصع، فما حمل عليها إلا تسعة، لم يحط شئ من الأجرة، لأنه هو الذي رضي على نفسه بالنقص وكان قادرا على الاستيفاء، ومحله في الإجارة العينية، ما إذا علم المستأجر بالنقص، أما إذا لم يعلم به، بأن أذن للمؤجر في الكيل، فكان ناقصا عن المشروط، فإنه يحط أيضا من أجرته بقدر النقص، وهذا كله مصرح به الروض وشرحه، وعبارته: (فرع) وإن كان المحمول على الدابة ناقصا عن المشروط نقصا يؤثر، بأن كان فوق ما يقع به التفاوت بين الكيلين، أو الوزنين، وقد كاله المؤجر حط قسطه من الأجرة، إن كانت الإجارة في الذمة، لأنه لم يف بالمشروط أولا كذلك، بل كانت إجارة عين، لكن لم يعلم المستأجر النقص، فإن علمه لم يحط شئ من الأجرة، لأن التمكين من الاستيفاء قد حصل، وذلك كاف في تقرير الأجرة، فهو كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص.
أما النقص الذي لا يؤثر، فلا عبرة به، اه.
بقي ما لو كاله المؤجر أو المستأجر تاما، كما شرط في العقد، ثم سرق بعضه، فهل يضمن المؤجر النقص(3/145)
مع حط الأجرة أو لا يضمن؟ قياس ما مر من عدم الضمان إلا بتقصير فيما لو اكتراه لخياطة ثوب فتلف انه هنا كذلك، فتنبه (قوله: ولو استأجر) أي شخص، وقوله سفينة، أي أو نحوها كسنبوك، أو مركب، أو بابور (قوله: فدخلها) أي السفينة (قوله: فهل هو) أي السمك وقوله له، أي للمستأجر (قوله: وجهان) قال في المغني: حكاهما ابن جماعة في فروقه، أوجههما، أنه للمستأجر، لأنه ملك منافع السفينة ويده عليها، فكان أحق به.
اه.
(تتمة) في بيان أحكام الجعالة التي تركها المؤلف وكان حقه أن يذكرها تبعا لغيره من الفقهاء، واختلفوا في موضع ذكرها، فمنهم من ذكرها عقب الإجارة، كالغزالي، وصاحب التنبيه، وتبعهم في الروضة لاشتراكهما في غالب الأحكام، إذ الجعالة لا تخالف الإجارة إلا في خمسة أحكام، أحدها صحتها على عمل مجهول عسر علمه، كرد الضالة والآبق،
فإن لم يعسر علمه، اعتبر ضبطه، كما سيأتي، إذ لا حاجة إلى احتمال الجهل حينئذ.
ثانيها: صحتها مع غير معين، كأن يقول من رد ضالتي فله علي كذا.
ثالثها: كونها جائزة من الطرفين، طرف الجاعل، وطرف العامل.
رابعها: العامل لا يستحق الجعالة إلا بعد تمام العمل.
خامسها: عدم اشتراط القبول، ومنهم من ذكرها عقب اللقطة، وهم الجمهور، وتبعهم النووي في منهاجه، نظرا إلى ما فيها من التقاط الضالة، وهي بتثليث الجيم لغة، ما يجعل للإنسان على فعل شئ، سواء كان بعقد، أو بغيره، وشرعا التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه، وأركانها إجمالا أربعة، وكلها قد تضمنها التعريف المذكور، الركن الأول: العاقد، وهو الملتزم للعوض، ولو غير المالك، والعامل، وشرط في الأول، اختيار، وإطلاق تصرف، فلا تصح التزام مكره، وصبي، ومجنون، ومحجور سفه، وفي الثاني: ولو كان غير معين، علمه بالالتزام، فلو قال إن رد آبقي زيد فله كذا، فرده غير عالم بذلك، لم يستحق شيئا، والمثال الأول للمعين، والثاني لغيره، وشرط فيه أيضا، إذا كان معينا، أهلية العمل، فيصح ممن هو أهل له، ولو عبدا، وصبيا، ومجنونا، ومحجور سفه، بخلاف صغير لا يقدر على العمل، لأن منفعته معدومة، فالجعالة معه كاستئجار أعمى للحفظ، وهو لا يصح، فكذلك هذا الركن الثاني: الصيغة، وهي من طرف الجاعل، لا العامل، فلا يشترط قبول منه لفظا، بل يكفي العمل منه، وشرط فيها عدم التأقيت، لأن التأقيت قد يفوت الغرض، الركن الثالث، الجعل وشرط فيه ما شرط في الثمن، فما لا يصح ثمنا لكونه مجهولا أو نجسا، لا يصح جعله جعلا، ويستحق العامل أجرة المثل في المجهول والنجس المقصود، كخمر، وجلد ميتة، فإن لم يكن مقصودا، كدم، فلا شئ له.
الركن الرابع: العمل وشرط فيه كلفة، وعدم تعينه، فلا جعل فيما لا كلفة فيه، كأن قال من دلني على مالي فله كذا، فدله عليه، وهو بيد غيره، ولا كلفة، ولا فيما تعين، كأن قال من رد مالي فله كذا، فرده من تعين عليه الرد لنحو غصب، لأن ما لا كلفة فيه وما تعين عليه شرعا، لا يقابلان بعوض، ولو حبس ظلما فبذل مالا لمن يخلصه بجاهه أو غيره كعلمه وولايته، جاز، لأن عدم التعين صادق بكون العمل فرض كفاية.
ولا فرق في العمل بين كونه معلوما، وكونه مجهولا عسر علمه للحاجة، كما في القراض، فإن لم يعسر علمه، اشترط ضبطه، ففي بناء حائط، يذكر موضعه، وطوله، وعرضه، وارتفاعه، وما يبنى به، وفي الخياطة، يعتبر وصفها ووصف الثوب، والأصل فيها قبل الإجماع، خبر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو الراقي، وذلك أنه كان مع جماعة من الصحابة في السفر، فمروا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فلم يضيفوهم، فباتوا بالوادي، فلدغ رئيس ذلك الحي، فأتوا له بكل دواء، فلم
ينجع، أي لم ينفع بشئ، فقال بعضهم لبعض، سلوا هذا الحي الذي نزل عندكم، فسألوهم، فقالوا هل فيكم من راق، فإن سيد الحي لدغ؟ فقالوا نعم، ولكن لا يكون ذلك إلا بجعل، لكونهم لم يضيفوهم، فجعلوا لهم قطيعا من الغنم،(3/146)
وكان ثلاثين رأسا، وكانت الصحابة كذلك، فقرأ عليه أبو سعيد، الفاتحة ثلاث مرات فكأنما نشط من عقال وإنما رقاه بالفاتحة، دون غيرها، لانه - صلى الله عليه وسلم - قال: فاتحة الكتاب شفاء لكل داء، ثم توقفوا في ذلك فقالوا، كيف نأخذ أجرا على كتاب الله تعالى؟ فلما قدموا المدينة أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألوه عن ذلك، فقال: إن أحق - وفي رواية إن أحسن - ما أخذتم عليه أجرا، كتاب الله تعالى زاد بعضهم: اضربوا لي معكم بسهم وإنما قال - صلى الله عليه وسلم - ذلك تطييبا لقلوبهم، لا طلبا لنصيب معهم حقيقة، وأيضا، الحاجة قد تدعوا إليها، فجازت كالإجارة، لأن القياس يقتضي جواز كل ما دعت إليه الحاجة، ويستأنس للجعالة بقوله تعالى: * (ولمن جاء به حمل بعير) * وكان الحمل معلوما عندهم، كالوسق، وإنما كان هذا استئناسا، لا دليلا، لأنه في شرع من قبلنا، وهو ليس شرعا لنا، وإن ورد في شرعنا ما يقرره على الراجح، وقد نظم معظم ما مر ابن رسلان في زبده فقال: صحتها من مطلق التصرف بصيغة وهي بأن يشرط في ردود آبق وما قد شاكله معلوم قدر حازه من عمله وفسخها قبل تمام العمل من جاعل عليه أجر المثل والله سبحانه وتعالى أعلم (قوله: تتمة) أي في بيان المساقاة، والمزارعة، والمخابرة، وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل، وذكرت عقب الإجارة، لأن كلا استيفاء منفعة بعوض، ولاشتراط التأقيت فيها، وغير ذلك، والأصل في المساقاة، خبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: عامل أهل خيبر على نخلها وأرضها على ما يخرج منها من ثمر أو زرع لأنه لما فتحها ملك نخلها وزرعها، فصار الزرع من عند المالك، فقام مقام البذر، فكانت مساقاة ومزارعة، وهي تصح، تبعا للمساقاة، كما سيأتي، والحاجة داعية إليها، لأن مالك الأشجار، قد لا يحسن العمل فيها، أو لا يتفرغ له، ومن يحسن ويتفرغ، قد لا يكون له أشجار فيحتاج ذاك إلى الاستعمال، وهذا إلى العمل، وأركانها: مالك، وعامل، وعمل، ومورد، وثمر، وصيغة.
وكلها تعلم مما يأتي (قوله: تجوز المساقاة) أي من جائز التصرف، وهو الرشيد المختار، دون غيره، كالقراض، وتصح لصبي، ومجنون، وسفيه ومن وليهم، عند المصلحة (قوله: وهي الخ) أي شرعا، وأما لغة،
فهي مشتقة من السقي، بفتح السين، وسكون القاف، وتخفيف الياء، وإنما اشتققت منه، لاحتياجها إليه غالبا، لأنه أنفع أعمالها وأكثرها مؤنة، لاسيما في أرض الحجاز، فإنهم يسقون من الآبار، وقيل مشتقة من السقي، بكسر القاف، وتشديد الياء، وهو صغار النخل، وعليه إنما اشتقت منه، لأنه موردها.
والأول أظهر، لأن السقي عليه مصدر، والاشتقاق منه ظاهر (قوله: أن يعامل المالك غيره) أي بصيغة، كما يفيده قوله بعد معين في العقد، إذ هو يفيد أن المعاملة تكون بعقد، أي صيغة، نحو ساقيتك على هذا النخل، أو العنب، أو أسلمته إليك لتتعهده بكذا، وقد اشتمل التعريف المذكور على أركان المساقاة، وهي ستة: مالك، وعامل، وعمل، وثمر، وصيغة، ومورد، فقوله معين في العقد، إشارة إلى الصيغة، وقوله المالك غيره، هما الركنان الأولان، (وقوله: على نخل أو شجر) هو السادس، وقوله لتتعهده، هو الثالث، إذ التعهد عمل.
وقوله على أن الثمرة الخ، هو الرابع (قوله: على نخل أو شجر عنب) ، متعلق بيعامل، وما ذكر، هو المورد، كما مر (قوله: مغروس الخ) صفة لكل من نخل وشجر، وذكر ثلاثة شروط للمورد، وهي، الغرس، والتعيين في العقد، والرؤية.
وبقي عليه شرطان، كونه بيد عامل، وكونه لم يبد صلاح ثمره، سواء ظهر أو لا، فلا تصح على غير مغروس، كودي، ليغرسه، ويتعهده، وتكون الثمرة بينهما، كما لو سلمه بذرا ليزرعه، ولأن الغرس ليس من عمل المساقاة فضمه إليه يفسده، ولا على مبهم، كأحد البساتين، ولا على غير مرئي لهما عند العقد، وذلك للجهل بالمعقود
__________
(1) سورة يوسف، الاية: 72.(3/147)
عليه، ولأنه عقد غرر من حيث أن العوض معدوم في الحال، وهما جاهلان بقدر ما يحصل وبصفاته، فلا يحتمل ضم غرر آخر، ولا كونه بغير يد العامل كيد المالك، ولا على ما بدا صلاح ثمره لفوات معظم الأعمال، وقوله ليتعهده بالسقي والتربية، بيان للعمل المختص بالعامل، وذلك لأن للعمل في المساقاة على ضربين، عمل يعود نفعه إلى الثمرة، كسقي النخل، وتلقيحه بوضع شئ من طلع الذكور في طلع الإناث، وهذا مختصر بالعامل، وعمل يعود نفعه إلى الأرض، كنصب الدولاب، وحفر الأنهار، وبناء حيطان البستان، وهذا مختص بالمالك، ولا يجوز أن يشترط على المالك أو العامل ما ليس عليه، فلو شرط على العامل أن يبني جدار الحديقة، أو على المالك تنقية النهر، لم يصح.
وقوله على أن الثمرة الحادثة، أي بعد العقد، وقوله أو الموجودة، أي عنده، لكن بشرط أن لا يكون قد بدا صلاحها، كما مر، وقوله لهما، أي للمالك والعامل، أي مختصة بهما، فلا يجوز بشرط بعضها لغيرهما، ولا شرط كلها للمالك، ولا يستحق في
هذه العامل أجرة، لأنه عمل غير طامع، كما في القراض، ولا بد أيضا من أن يكون القدر الذي للعامل معلوما بالجزئية: كربع، وثلث، بخلاف ما لو كان معلوما بغير الجزئية: كقنطار، أو قنطارين (قوله: ولا تجوز) أي المساقاة، والأولى التفريع.
(وقوله: في غير نخل وعنب) أي للنص على النخل، وألحق به العنب، بجامع وجوب الزكاة، وإمكان الخرص وغيرهما ليس منصوصا عليه، ولا في معناه، فلم تجز المساقاة عليه إلا تبعا لهما، فتجوز فيه.
وعبارة م ر: فتصح على أشجار مثمرة، تبعا للنخل والعنب، إذا كانت بينهما، وإن كثرت، وإن قيدها الماوردي بالقليلة، وشرط الزركشي، بحثا، تعذر إفرادها بالسقي، نظير المزارعة.
اه.
وعليه حملت معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - على الزرع في الخبر، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فالمراد بمعاملتهم، مساقاتهم، ومزارعتهم، تبعا، فالواقع منه - صلى الله عليه وسلم -، مزارعة تابعة للمساقاة.
(قوله: وجوزها) أي المساقاة وقوله في سائر الأشجار، أي كالخوخ، والتين، والتفاح، وذلك لقوله في الخبر السابق: من ثمر أو زرع ولعموم الحاجة، والجديد: المنع، لأنها رخصة، فتختص بموردها، ولأنه لا زكاة في ثمرها، فأشبهت غير المثمرة، ولأنها تنمو من غير تعهد وفي البجيرمي.
(فائدة) النخل والعنب يخالفان بقية الأشجار في أربعة أمور، الزكاة، والخرص، وبيع العرايا، والمساقاة.
اه.
برماوي.
وأسقط خامسا، وهو: جواز استقراض ثمرتها لإمكان معرفتها بالخرص فيهما، وتعذر خرصها في غيرهما.
اه.
شوبري.
اه (قوله: وبه) أي بجواز المساقاة في غير النخل وشجر العنب (قوله: ولو ساقاه على ودي الخ) محترز قوله مغروس، وهو بفتح الواو، وكسر الدال، وتشديد الياء، صغار النخل (قوله: ويكون الخ) بالنصب: معطوف على يغرسه، أي وليكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر، للمالك وللعامل (قوله: لم تجز) أي المساقاة، وهو جواب لو (قوله: جوازها) أي المساقاة على الودي المذكور (قوله: والشجر لمالكه الخ) راجع للمنع، كما في سم، أي وعلى منع المساقاة في الودي لو عمل العامل فيه يكون الشجر لمالك الودي، وعليه لصاحب الأرض أجرة مثلها، ومحل هذا، إذا كان مالك الودي العامل، فإن كان صاحب الأرض، فالشجر يكون له، وللعامل أجرة عمله عليه، وعبارة الروض وشرحه، وإن دفع ذلك، أي الودي، وعمل العامل وكانت الثمرة متوقعة في المدة، فله الأجرة، أي أجرة عمله، على المالك، وإلا فلا، لا إن كان الغراس للعامل، فلا أجرة له، بل يلزمه للمالك أجرة الأرض، فإن كانت الأرض للعامل، استحق أجرة عمله وأرضه.
اه.
(قوله: والمزارعة) هي لغة: مشتقة من الزرع، وشرعا، ما ذكره بقوله، هي أن يعامل(3/148)
الخ.
والمراد بالعقد كأن يقول له، عاملتك على الأرض لتزرعها، والغلة الحاصلة بيننا نصفان (قوله: ليزرعها) أي الأرض ذلك الغير الذي هو العامل، وقوله بجزء معلوم، أي على جزء معلوم، كربع، ونصف، وقوله مما يخرج منها، متعلق بمحذوف صفة لجزء، أي جزء كائن مما يخرج من الأرض، أي من الزرع الحاصل فيها (قوله: والبذر من المالك) أي والحال أن البذر كائن من المالك، فالجملة حالية (قوله: فهي مخابرة) الضمير يعود على المعاملة المفهومة من أن يعامل، أي فإن كان البذر من المالك فالمعاملة على الأرض، وتسمى مخابرة.
ولا يصح رجوعه للمزارعة، كما هو ظاهر (قوله: وهما) أي المزارعة والمخابرة، وقوله باطلان: أي استقلالا فقط في المزارعة، ومطلقا في المخابرة.
وقد نظم بعضهم ذلك بقوله: مزارعة بطلانها مستقلة مخابرة بطلانها مطلقا نقل وصاحب بذر مالك الأرض في التي بدأنا وبذر في الأخيرة من عمل قال في شرح المنهج، وإنما لم تصح المخابرة تبعا، كالمزارعة، لعدم ورودها كذلك.
اه.
(قوله: للنهي عنهما) أي عن المزارعة والمخابرة في الصحيحين.
قال البجيرمي: صيغة النهي الواردة في المخابرة، كما في الدميري نقلا عن سنن أبي داود، من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله.
اه.
والمعنى في المنع فيهما أن تحصيل منفعة الأرض ممكنة بالإجارة، فلم يجز العمل فيها ببعض ما يخرج منها، كالمواشي، بخلاف الشجر، فإنه لا يمكن عقد الإجارة عليه، فجوزت المساقاة للحاجة (قوله: واختار السبكي الخ) عبارة شرح المنهج، واختار النووي من جهة الدليل صحة كل منهما مطلقا، تبعا لابن المنذر وغيره.
قال: والأحاديث مؤولة على ما إذا شرط لواحد زرع قطعة معينة ولآخر أخرى، والمذهب ما تقرر.
ويجاب عن الدليل المجوز لهما، بحمله في المزارعة على جوازها تبعا أو بالطريق الآتي.
وفي المخابرة: على جوازها بالطريق الآتي.
اه.
(قوله: وعلى المرجح) هو عدم الجواز (قوله: فلو أفردت الأرض بالمزارعة) التقييد بالإفراد لإخراج ما لو لم تفرد، بأن عقد عليها تبعا للمساقاة، فإنه لا يقع المغل فيها للمالك، بل يكون بينهما، وقوله فالمغل للمالك، أي لأن البذر له، والزرع تابع له.
قال م ر: فلو كان البذر لهما فالغلة لهما، ولكل على الآخر أجرة ما صرفه من منافعه على حصة صاحبه (قوله: وعليه للعامل أجرة عمله) أي وعلى المالك للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته لبطلان العقد، ولا يمكن إحباط عمله مجانا، ولا فرق بين أن يسلم الزرع أو يتلف (قوله: وإن أفردت الأرض بالمخابرة) التقييد بالإفراد هنا غير ظاهر، لما مر من أنها باطلة مطلقا، فكان الأولى أن يقول فلو حصلت أو وجدت
المخابرة في الأرض وقوله فالمغل للعامل، أي لأنه مالك البذر، وقوله وعليه، أي العامل، وقوله أجرة مثلها، أي الأرض، وإن زادت الأجرة على الخراج (قوله: وطريق جعل الغلة لهما الخ) أشار بذلك لحيلة تسقط الأجرة، وتجعل الغلة مشتركة بين المالك والعامل في إفراد المزارعة وفي المخابرة وعبارة الروض مع شرحه، فإن أراد صحة ذلك فليستأجر العامل من المالك نصف الأرض بنصف منافعه، ومنافع آلاته، ونصف البذر إن كان منه.
قال في الأصل: أو يستأجره بنصف البذر، ويتبرع بالعمل والمنافع، أو يقرض المالك نصف البذر، ويستأجر منه نصف الأرض بنصف عمله وعمل آلاته.
وإن كان البذر من المالك استأجره، أي المالك، العامل بنصف البذر ليرزع له نصف الأرض، ويعيره نصف الأرض الآخر وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الأرض ليزرع له باقيه في باقيها.
اه.
(قوله:(3/149)
بنصف البذر) أي ويسلمه للمالك، لئلا يتحد القابض والمقبض، وقوله ونصف عمله، هو وما بعده معطوفان على نصف البذر، واغتفر الجهل في الأمور المذكورة، للضرورة (قوله: أو بنصف البذر) أي أو يكتري العامل نصف الأرض بنصف البذر، ويتبرع بالعمل (قوله: إن كان البذر منه) أي من العامل (قوله: فإن كان) أي البذر من المالك: أي مالك الأرض، وهذه طريق جعل الغلة بينهما في المزارعة، والأولى للمخابرة وقوله استأجره، أي استأجر المالك العامل.
وقوله ويعيره نصفها، أي يعير العامل نصف الأرض، فيكون حينئذ لكل منهما نصف المغل شائعا.
(واعلم) أن الطريق المذكورة وغيرها تقلب المزارعة والمخابرة إجارة، فلا بد من رعاية الرؤية وتقدير المدة وغيرهما من شروط الإجارة، كما في التحفة، والمغني، والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/150)
باب في العارية
أي في بيان أحكامها وشرائطها، وذكرها عقب الإجارة لأن كلا منهما استيفاء منفعة، ولاتحاد شرط ما يؤجر وما يعار، ولذا قيل، كل ما جازت إجارته جازت إعارته.
واستثنى من ذلك بعض فروع، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) وفسر جمهور المفسرين، الماعون في قوله تعالى: * (ويمنعون الماعون) * (2) بما يستعيره الجيران بعضهم من بعض، كالفأس، والدلو، والإبرة، وفسره بعضهم بالزكاة، وخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: " استعار فرسه من أبي طلحة فركبه، ودرعا من صفوان بن أمية يوم حنين، فقال أغصب يا محمد أو عارية؟ فقال بل عارية
مضمونة " قال الروياني وغيره: وكانت واجبة أول الإسلام، للآية السابقة، ثم نسخ وجوبها، فصارت مستحبة، أي أصالة، وإلا فقد تجب، كإعارة الثوب لدفع حر أو برد، وإعارة الحبل لإنقاذ غريق، والسكين لذبح حيوان محترم يخشى موته، وقد تحرم: كإعارة الصيد من المحرم، والأمة من الأجنبي، وقد تكره، كإعارة العبد المسلم من كافر، وقد تباح، كالإعارة لغني، كأن استعار من له ثوب مستغن به من صاحب ثياب ثوبا، وقولهم ما كان أصله الاستحباب لا تعتريه الإباحة، أمر أغلبي، وأركانها أربعة: معير، ومستعير، ومعار، وصغية.
وشرط المعير: صحة تبرعه، واختياره، وشرط المستعير: تعينه، فلا يصح لغير معين، كأعرت أحدكما، وإطلاق تصرف، فلا تصح لصبي ومجنون وسفيه إلا بعقد وليهم، إذا لم تكن العارية مضمونة، كأن استعار من مستأجر، وشرط المعار، حل الانتفاع به مع ملك منفعته، وبقاء عينه.
وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالإذن في الانتفاع (قوله: بتشديد الياء وتخفيفها) وفيها لغة ثالثة، وهي: عارة، كناقة (قوله: وهي اسم لما يعار، وللعقد) أي العارية شرعا، تطلق على المعار، وعلى العقد، فهي مشتركة بينهما، كذا في ع ش (قوله: من عار) أي وهي مأخوذة من عار، أي على مذهب الكوفيين، أو من مصدره على مذهب البصريين (قوله: ذهب وجاء بسرعة) أي أن معنى عار في اللغة: ذهب وجاء بسرعة، ومنه قيل للغلام الخفيف، عيار، بتشديد الياء، لكثرة ذهابه ومجيئه، وإنما أخذت العارية الشرعية منه، لذهابها ومجيئها بسرعة لمالكها غالبا.
وقيل مأخوذة من التعاور، وهو التناوب، لأن المستعير والمالك، يتناوبان في الانتفاع بها (قوله: لا من العار) أي ليست مأخوذة من العار، وهو العيب.
وقيل مأخوذة منه، لأن طلبها عار وعيب، ورد بأن عين العارية، واو، وعين العار ياء.
وبأنه - صلى الله عليه وسلم - استعار فرسا ودرعا، كما مر، فلو كانت عيبا لما وجدت منه - صلى الله عليه وسلم - (قوله: وهي) أي العارية.
وقوله مستحبة أصالة، أي أن الأصل فيها الاستحباب، وقد يعرض لها غيره، من الوجوب، والحرمة، والكراهة، (قوله: لشدة الحاجة إليها) أي العارية (قوله: وقد تجب) أي العارية، أي وقد تحرم، وقد تكره، وقد تباح، كما علمت (قوله: كإعارة ثوب) أي كإعارة المالك الثوب، وهو تمثيل للوجوب، (وقوله: توقفت صحة الصلاة عليه) أي على الثوب، والجملة صفة الثوب، أي ثوب توقفت صحة الصلاة عليه
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 2.
(2) سورة الماعون، الاية: 7.(3/151)
بأن لم يوجد غيره، ومحل كون إعارته واجبة، حيث لا أجرة له لقلة الزمن، وإلا لم يجب بذله له بلا أجرة فيما يظهر.
ثم رأيت الأذرعي ذكره.
اه.
تحفة، بتصرف (قوله: وما ينقذ غريقا) معطوف على ثوب: أي وكإعارة ما ينقذ غريقا،
كحبل، فإنها واجبة، وقوله أو يذبح به، معطوف على ينقذ، أي وكإعارة ما يذبح به كسكين، فإنها واجبة أيضا، قال سم: ولا ينافي وجوب الإعارة هنا أن المالك لا يجب عليه ذبحه، وإن كان فيه إضاعة مال، لأنها بالترك هنا، وهو غير ممتنع، لأن عدم الوجوب عليه، لا ينافي وجوب إسعافه إذا أراد حفظ ماله، كما يجب الاستيداع إن تعين وإن جاز للمالك الإعراض عنه إلى التلف، وهذا ظاهر، وإن توهم بعض الطلبة المنافاة.
اه.
(قوله: يخشى موته) الجملة صفة لحيوان محترم، أي يخشى موته لو ترك ذبحه، فإعارة السكين لأجل تذكيته، واجبة، لئلا يصير ميتة، فلا ينتفع به (قوله: صح من ذي تبرع) أي مختار، وهو بيان للمعير، فلا تصح من صبي ومجنون ومكاتب بغير إذن سيده، ومحجور سفه وفلس مكره بغير حق.
أما به، كما لو أكره على إعارة واجبة عليه، فتصح (قوله: إعارة عين) أي لمستعير معين مطلق التصرف.
(وقوله: غير مستعارة) قيد سيأتي محترزه (قوله: لانتفاع) متعلق بإعارة: أي إعارتها لأجل الانتفاع بها (قوله: مع بقاء عينه) أي المعار، فالضير يعود على معلوم من المقام، والظرف متعلق بمحذوف صفة لانتفاع: أي انتفاع للعين كائن مع بقائها، وهو قيد أيضا سيأتي محترزه (قوله: مملوك) أي للمعير، وهو بالجر صفة لانتفاع.
وقوله ذلك الانتفاع، بيان لنائب الفاعل المستتر، لا أنه ظهر، كما هو ظاهر، وعبارته صريحة في أن الانتفاع، هو الذي يوصف بالملكية، وليس كذلك، بل الذي يوصف بذلك، المنفعة، لا الانتفاع، إذ هو وصف المستعير، لا المعير، وعبارة المنهاج، وملكه للمنفعة، وهي ظاهرة (قوله: ولو بوصية إلخ) غاية في حصول ملكيه الانتفاع، أي ولو كان ملك المعير للانتفاع حاصلا بسبب وصية بأن أوصى للمعير بمنفعة الدار.
(وقوله: أو إجارة) أي بأن استأجر الدار، (وقوله: أو وقف) أي بأن وقفت عليه الدار.
ففي الجميع، يملك المنفعة، فيجوز له إعارتها (قوله: وإن لم يملك العين) غاية ثانية: أي المدار على ملك المنفعة، سواء ملك العين معها أم لا، ولو حذف لفظ، ولو من الغاية الأولى، وأخر قوله بوصية الخ عن هذه الغاية، وجعله تمثيلا لملك المنفعة من غير ملك العين، بأن يقول كأن آلت إليه بوصية الخ، لكان أولى وأخصر (قوله: لأن العارية ترد على المنفعة) تعليل لما تضمنته الغاية الثانية مع عدم اشتراط ملك العين، أي وإنما لم يشترط ملك العين، لأن العارية إنما ترد على المنفعة، لا على العين حتى يشرط ملكها.
وقوله فقط، أي لا مع العين (قوله: وقيد ابن الرفعة صحتها) أي العارية (قوله: بما إذا كان ناظرا) محل صحتها منه، كما يؤخذ من النهاية، والتحفة، إذا لم يشرط الواقف استيفاءها بنفسه، وإلا فلا تصح، ومحل عدم صحتها من غير الناظر، إذا لم يأذن الناظر له في الإعارة، فإن أذن له، صحت منه، كما يؤخذ من التحفة (قوله: قال الأسنوي: يجوز للإمام إعارة مال بيت المال) أي لأنه إذا جاز له التمليك،
فالإعارة أولى.
قال في التحفة، ومثله في النهاية، ورد بأنه إن أعاره لمن له حق في بيت المال، فهو إيصال حق لمستحقه، فلا يسمى عارية، أو لمن لا حق له فيه، لم يجز، لأن الإمام فيه كالولي في مال موليه، وهو لا يجوز له إعارة شئ منه مطلقا الخ.
اه.
(قوله: مباح) صفة ثانية لانتفاع، وهو يصح وصفه بالإباحة، فلا اعتراض فيه بالنسبة لهذا الوصف، وأما بالنسبة للوصف الأول، فهو معترض، كما علمته (قوله: فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به) في البجيرمي ما نصه: هذا مسلم عند م ر في آلة اللهو، وأما في السلاح والفرس، فجرى فيهما في شرحه على صحة الإعارة مع الحرمة.
وجمع ع ش: بحمل كلامه على ما إذا لم يعلم أو يظن أن الحربي يستعين بهما على قتالنا، وبحمل كلام شرح المنهج، على ما إذا علم أو ظن ذلك.
ثم نظر في كلام م ر بعد حمله على ما ذكر، بأنه لا وجه للحرمة حينئذ (قوله: كآلة لهو) أي كالمزمار، والطنبور، والدربكة.
قال ع ش: قضية التمثيل بما ذكر للمحرم، أن ما يباح استعماله من الطبول(3/152)
ونحوها، لا يسمى آلة لهو، وهو ظاهر، وعليه، فالشطرنج تباح إعارته، بل إجارته.
اه.
(قوله: وفرس وسلاح لحربي) أي أو لقاطع طريق (قوله: وكأمة) معطوف على كآلة لهو، وانظر: لم أعاد الكاف، ومثل الأمة، الأمرد الجميل، فيحرم إعارته؟ وقوله مشتهاة، قال في شرح المنهج: أما غير مشتهاة، لصغر، أو قبح، فصحح في الروضة، صحة إعارتها، وفي الشرح الصغير، منعها.
وقال الأسنوي: المتجه الصحة في الصغيرة، دون القبيحة.
اه.
وكالقبيحة، الكبيرة غير المشتهاة.
اه.
(وقوله: لخدمة أجنبي) خرج به المحرم، وفي معناه، المرأة، والممسوح، وزوج الجارية، ومالكها، كأن يستعيرها من مستأجرها، أو الموصى له بمنفعتها، إذ لا محذور في ذلك.
اه.
شرح الروض (قوله: وإنما تصح الإعارة من أهل تبرع) دخول على المتن، ولا حاجة إليه، لعدم طول العهد بمتعلقه المذكور، وهو قوله صح الخ (قوله: بلفظ) أي أو ما في معناه، ككتابة، وإشارة أخرى مفهمة، وذلك لأن الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه المتوقف على ذلك اللفظ أو نحوه.
قال في التحفة: وقد تحصل بلا لفظ ضمنا، كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه، كما جرى عليه المتولي واقتضى كلامهما اعتماده، وكأن إذن له في حلب دابته واللبن للحالب، فهي مدة الحلب عارية تحت يده، وكأن سلمه البائع المبيع في ظرف، فهو عارية.
وكأن أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه، وقبل أكلها هو أمانة، وكذا إن كانت الهدية عوضا.
اه.
وفي البجيرمي: ويستثنى من اشتراط اللفظ، ما إذا اشترى شيئا، وسلمه له البائع في ظرف، فالظرف معار، في الأصح، وما لو أكل المهدي إليه الهدية في ظرفها، فإنه يجوز، إن جرت العادة بأكلها منه، كأكل
الطعام من القصعة المبعوث فيها وهو معار، فيضمنه بحكم العارية، إلا إذا كان للهدية عوض، وجرت العادة بالأكل منه، فلا يضمنه بحكم الإجارة الفاسدة، فإن لم تجر العادة بما ذكر ضمنه في الصورتين، بحكم الغصب.
اه.
سلطان.
(والحاصل) أن الظرف أمانة قبل الإستعمال مطلقا، ومغصوب بالإستعمال الغير المعتاد مطلقا، وعارية بالإستعمال المعتاد إن لم يكن عوض، وإلا فمؤجر إجارة فاسدة.
اه.
(قوله: كأعرتك الخ) تمثيل للفظ الذي يشعر بالإذن فيه، وقوله وأبحتك، الواو بمعنى، أو.
وقوله منفعة، تنازعه كل من أعرتك ومن أبحتك، وضميره يعود على المعار.
ومثله، أعرتك هذا (قوله: وكاركب) أي هذا، ومثله: اركبني (قوله: وخذه) أي أو خذه، أي الثوب مثلا لتنتفع به (قوله: ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر) فلو قال أعرني فأعطاه، أو قال له أعرتك فأخذ، صحت العارية، كما في إباحة الطعام، ولا يشترط اللفظ من جانب المعير، بخلافه في الوديعة، لأنها أمانة، فاحتيج إلى لفظ من جانب المالك، ولا يكفي الفعل من الطرفين إلا فيما استثني، ولا سكوت أحدهما من غير فعل، ولا يشترط الفور في القبول، والمعتمد أن العقد يرتد بالرد، وكون العارية من قبيل الإباحة، إنما هو من حيث جواز الإنتفاع (قوله: ولا يجوز لمستعير إعارة عين) أي لأنه لا يملكها، وإنما يملك أن ينتفع بها (قوله: بلا إذن معير) متعلق بإعارة، أي الإعارة بلا إذن معير لا تجوز، أي أما بإذنه، فتجوز.
قال الماوردي: ثم إن لم يسم المالك من يعير له، فالأول على عاريته، وهو المعير للثاني، والضمان باق عليه، وله الرجوع فيها.
وإن ردها الثاني عليه، برئ، أي الثاني، وأما الأول، فباق على الضمان، وإن سماه انعكست هذه الأحكام.
اه.
بجيرمي (قوله: وله) أي للمستعير.
(وقوله: إنابة من يستوفي المنفعة له) أي للمستعير، أي لأجل قضاء حاجته، وإنما جازت الإنابة لذلك، لأن الانتفاع راجع إليه.
وخرج بقوله له: ما لو أناب من يستوفي المنفعة لا له بل للمستوفي فإنه لا يجوز (قوله: كأن يركب) من أركب، فهو بضم الأول وكسر الثالث، (وقوله: من هو مثله) مفعول يركب.
(وقوله: أو دونه) أشار به وبما قبله إلى أن له الإستنابة إذا لم يكن فيها ضرر زائد على(3/153)
استعمال المستعير، وفي النهاية قال في المطلب، وكذا زوجته، أو خادمه، لرجوع الانتفاع إليه أيضا، قال الأذرعي: نعم، يظهر أنه، إذا ذكر له أنه يركبها زوجته زينب، وهي بنت المعير، أو أخته، أو نحوهما، لم يجز له إركاب ضرتها، لأن الظاهر، أن المعير لا يسمح بها لضرتها.
اه.
وكتب ع ش: قوله لرجوع الانتفاع إليه أيضا، يؤخذ منه أن محل جواز ذلك، فيما لو أركب زوجته أو خادمه لقضاء مصالحة، أما لو أركبهما لما لا تعود منفعة إليه، كأن أركب زوجته لسفرها
لحاجتها، لم يجز.
اه (قوله: لحاجته) متعلق بيركب، أي يركبه لأجل قضاء حاجة المستعير، أما لو كان لأجل حاجة الراكب، فلا يجوز، كما مر، ولا يجوز أيضا إذا كان من هو مثله أو دونه عدوا للمعير، كما في سم (قوله: ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه) أي ولا يصح إعارة الشئ الذي لا ينتفع به مع بقاء عينه، بل ينتفع به مع استهلاك عينه.
فالنفي مسلط على القيد، أعني مع بقاء عينه، وهذا محترز قوله، الانتفاع مع بقاء عينه (قوله: كالشمع) بفتح الميم، جمع شمعة بفتحها أيضا، وإن اشتهر على ألسنة المولدين سكانها، وقوله للوقود، متعلق بمحذوف، أي كإعارة الشمع للوقود وهو بضم الواو، لأنه بالفتح، اسم لما يوقد به، وليس مرادا هنا.
وكذلك إعارة المطعوم لأكله، والصابون للغسل به، فلا تصح، لأن الانتفاع بذلك، يحصل باستهلاكه وفي البجيرمي، وهل ينزل الاستقذار منزلة إذهاب العين، فلا تصح إعارة الماء للغسل أو الوضوء، وإن لم يتنجس أو تصح، نظرا لبقاء عينه مع طهارته؟ محل نظر.
وجرى ق ل على صحة إعارة ذلك، لكن تبعا للظرف.
ومشى الرملي في شرحه على جواز إعارة الماء للغسل والوضوء والتبرد، لأنه يبقى في ظرفه، والأجزاء الذاهبة منه بمنزلة ما يذهب من الثوب المعار بالإنمحاق.
اه.
(قوله: لاستهلاكه) علة لعدم صحة إعارة الشمع للوقود - أي وإنما لم تصح: لاستهلاك الشمع بالوقود (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن العلة في عدم صحة إعارة الشمع للوقود استهلاكه: صحت إعارة الشمع للتزين به لعدم استهلاكه (قوله: كالنقد) الكاف للتنظير: أي نظير صحة إعارة النقد للتزين به.
وعبارة الروض وشرحه: ولا يعار النقدان - إذ مننفعة التزين بهما، والضرب على طبعهما: منفعة ضعيفة قلما تقصد، ومعظم منفعتهما في الإنفاق والإخراج - إلا للتزيين، أو للضرب على طبعهما - فيما يظهر: بأن صرح بإعراتهما لذلك، أو نواها فيما يظهر - فتصح: لاتخاذ هذه المنفعة مقصدا - وإن ضعفت.
اه.
(قوله: وحيث لم تصح العارية) أي لفقد شرط من الشروط السابقة، كأن لا يكون مملوكا لمعير، أو لم يكن الانتفاع به مباحا، أو كان ينتفع بالمعقود عليه مع استهلاك عينه (قوله: فجرت) أي العارية: أي صورتها (قوله: ضمنت) أي العارية بمعنى المعار، ففي الكلام استخدام (قوله: لأن للفاسد حكم صحيحه) علة للضمان.
قال في التحفة: ويؤخذ من ذلك أنها مع اختلال شرط أو شروط مما ذكروه: تكون فاسدة مضمونة - بخلاف الباطلة قبل استعمالها والمستعير أهل للتبرع، وهي التي اختل فيها بعض الأركان.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله ويؤخذ من ذلك الخ - كذا في شرح الرملي، وفيه نظر، والوجه الضمان - لأن اليد: يد ضمان.
ثم رأيت م ر توقف فيه بعد أن كان وافقه، ثم ضرب على قوله وحيث لم تصح العارية فجرت إلى هنا من شرحه.
اه (قوله: وقيل لا ضمان: لأن ما جرى بينهما ليس بعارية) أسقط شيئا من جملة التعليل ذكره في التحفة:
وهو من قبض مال غيره بإذنه لا لمنفعة: كان أمانة، وإنما لم يكن عارية أصلا: لأن حقيقتها إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به الخ.
وهذا ليس كذلك، لأنه فقد قيد من القيود، فلم توجد تلك الحقيقة.
(قوله: ولو قال) أي مالك أرض (قوله: فحفر) أي المأمور (قوله: لم يملكها) أي البئر الحافر لعدم شروط البيع.
وانظر: هل تكون عارية أو لا؟ والظاهر الأول.
وإعارة الأرض لحفر بئر فيها: صحيحة - كما في النهاية - ونصها: وفي الروضة - عن البيان - لو أعاره أرضا لحفر بئر فيها: صح، فإذا نبع الماء: جاز للمستعير أخذه، لأنه مباح بالإباحة الخ.
اه.
(قوله: ولا أجرة له) أي للحافر في(3/154)
مقابلة حفره (قوله: فإن قال) أي الحافر للآمر.
(وقوله: أمرتني) أي بالحفر (قوله: فقال) أي الآمر.
(وقوله: مجانا) أي بلا أجرة (قوله: صدق الآمر) أي في أنه أمره بالحفر من غير أجرة (قوله: ولو أرسل) أي شخص (قوله: لم يصح) أي الإعارة له بمعنى العقد، ولذلك ذكر الضمير، لكن الأولى لم تصح، بتاء الغائبة، وإنما لم تصح: لأنه يشترط في المستعير ما اشترط في المعير - من كونه أهل تبرع (قوله: فلو تلف) أي الشئ المعار بآفة.
(وقوله: في يده) أي الصبي (قوله: أو أتلفه) أي أو كان الإتلاف بفعله (قوله: لم يضمنه هو) أي الصبي لتسليط المالك له، فهو مقصر بذلك، وحينئذ يكون هذا مستثنى من قوله: وحيث لم تصح العارية، فجرت: ضمنت.
(وقوله: ولا مرسله) أي ولم يضمن مرسل الصبي.
قال ع ش: أي لأنه لم يدخل في يده (قوله: كذا في الجواهر) قال في التحفة بعده: ونظير غيره في قوله أو أتلفه، والنظر واضح إذ الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الإتلاف، فليحمل ذلك على ما لم يعلم أنه رسول.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله فليحمل ذلك الخ.
(أقول) فيه نظر أيضا، لأن الإعارة لا تقتضي تسليط المستعير على الإتلاف - غاية الأمر أنها تقتضي المسامحة بالتلف بواسطة الاستعمال المأذون فيه.
فليتأمل.
اه.
وقال ع ش: ويمكن الجواب بأنها - وإن لم تقتض التسليط بالإتلاف - لكنها اقتضته بالتسليط على العين المعارة بوجوه الانتفاع المعتاد، فأشبهت المبيع.
وقد صرحوا فيه بأن المقبوض بالشراء الفاسد من السفيه: لا يضمنه إذا أتلفه.
اه.
(قوله: ويجب على مستعير الخ) شروع فيما يترتب على العارية من الأحكام (قوله: ضمان قيمة) هذا في المتقوم أو ضمان مثله في المثلى على الأوجه - كما سيصرح به قريبا (قوله: يوم تلف) متعلق بمحذوف صفة لقيمة.
أي قيمة كائنة له يوم تلفه، لا يوم قبضه - فإذا تلف المعار: قوم يوم تلفه - أي وقته، لا يوم قبض المستعير له من المعير.
وقوله للمعار: متعلق بمحذوف صفة لكل من قيمة ومن تلف (قوله: إن
تلف) لا حاجة إليه بعد قوله تلف، فالأولى حذفه، ويكون قوله بعد كله توكيدا للمعار.
(وقوله: أو بعضه) معطوف عليه (قوله: في يده) هكذا في فتح الجواد، والذي في التحفة والنهاية: عدم اشتراط كونه في يده، وعبارتهما: ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده، بل وإن كانت بيد المالك، كما صرح به الأصحاب انتهت: أي كأن أرسل المستعير مالكها معها (قوله: ولو بآفة) أي ولو كان التلف بآفة (قوله: من غير تقصير) من جملة الغاية، ولو زادوا العطف: لكان أولى أي ولو من غير تقصير، ولا يغني عنه قوله بآفة، لأنه قد يكون بها، لكن مع تقصير منه، بأن سافر بالمعار (قوله: بدلا) حال من قيمة: أي يجب ضمان قيمة حال كونها بدلا من المعار، وهذا إذا تلف كله.
(وقوله: أو أرشا) أي إذا تلف بعضه، وهو مقدار ما نقص من قيمته (قوله: وإن شرطا) أي أنه يضمن بالتلف، وإن شرط العاقدان عدم ضمانه بذلك، ويلغو الشرط المذكور فقط، ولا يفسد العقد به.
قال في فتح الجواد: ولو شرط كونها أمانة: لغا الشرط فقط.
ويوجه بأن فيه زيادة رفق بالمستعير، فهو كشرط فيه رفق بالمقترض، بجامع مع أن كلا المقصود منه إرفاق الآخد.
اه.
واعتمد م ر: فساد العقد بالشرط المذكور (قوله: لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة) هذا ليس لفظ الخبر، ولفظه: روى أبي داود وغيره بإسناد جيد أنه - صلى الله عليه وسلم - استعار درعا من صفوان بن أمية يوم حنين فقال أغصب: يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة (قوله: أي بالقيمة الخ) تفسير مراد للضمان في الخبر من الشارح، ولو قدمه على الخبر وجعله تقييدا لضمان القيمة الذي في المتن - ومحل التقييد قوله في المتقوم - لكان أولى (قوله: يوم التلف) أي وقته (قوله: لا يوم القبض) أي لا وقته، فلا تعتبر بوقت القبض: أي ولا بأقصى القيم - أي أبعدها وأكثر من يوم القبض إلى يوم التلف، وإلا لزم تضمين ما نقص بالاستعمال المأذون فيه (قوله: في المتقوم) أي يضمن بالقيمة في المتقوم.
(وقوله: وبالمثل) معطوف على بالقيمة(3/155)
(قوله: على الأوجه) أي عند شيخه ابن حجر، ووافقه الخطيب في الإقناع، حيث قال: وهذا هو الجاري على القواعد، فهو المعتمد (قوله: وجزم في الأنوار الخ) اعتمده م ر (قوله: كخشب وحجر) تمثيل للمثلي، كما في البجيرمي (قوله: وشرط التلف الخ) دخول على المتن.
(وقوله: المتضمن) بصيغة اسم الفاعل، فهو بكسر الميم المشددة (قوله: أن يحصل) أي التلف وقوله باستعمال: أي مأذون فيه، كما يدل عليه المفهوم (قوله: وإن حصل) أي التلف معه: أي الإستعمال المأذون فيه، كأن استعار دابة لاستعمالها في ساقية، فسقطت في بئرها، فماتت: فيضمنها المستعير، لأنها تلفت في الإستعمال، لا به (قوله: فإن تلف هو إلخ) مفهوم قوله باستعمال، قال البجيرمي: حاصله أن يقال إن تلفت
بالاستعمال المأذون فيه: لا ضمان، ولو بالتعثر من ثقل حمل مأذون فيه، وموت به، وإنمحاق ثوب بلبسه، لا نومة فيه، حيث لم تجر العادة بذلك، بخلاف تعثره بانزعاج، أو عثوره في وهدة، أو ربوة، أو تعثره لا في الاستعمال المأذون فيه: فإنه يضمن في هذه الأمور.
ومثله: سقوطها في بئر حال السير - كما قاله م ر.
اه (قوله: فلا ضمان) جواب إن.
وقوله للإذن فيه أي في الإستعمال (قوله: وكذا لا ضمان على مستعير الخ) أي لا ضمان على مستعير الخ - مثل أنه لا ضمان على من تلف المعار تحت يده بالاستعمال المأذون فيه.
(وقوله: من نحو مستأجر إجارة صحيحة) قال في فتح الجواد - بخلاف المستعير من مستأجر آجارة فاسدة، لأن معيره ضامن - كما جزم به البغوي وعلله بأنه فعل ما ليس له - قال: والقرار على المستعير، ولا يقال حكم الفاسدة حكم الصحيحة في كل ما تقتضيه، بل في سقوط الضمان بما يتناوله الإذن فقط.
اه.
وقوله بما يتناوله الإذن فقط: أي والإذن في الفاسدة لم يتناول الإعارة، لأن المستأجر فيها لا يملك المنفعة (قوله: فلا ضمان عليه) أي على المستعير من المستأجر، ولا حاجة إليه بعد قوله وكذا لا ضمان الخ (قوله: لأنه) أي المستعير.
وقوله نائب عنه: أي المستأجر (قوله: وهو) أي المستأجر لا يضمن.
وقوله فكذا هو: أي المستعير (قوله: وفي معنى المستأجر: الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه) أي فلا ضمان على المستعير منهما (قوله: وكذا مستعار الخ) أي ومثل المستعار من المستأجر والموصى له بالمنفعة والموقوف عليه، المستعار من المالك ليرهنه، فإنه لا ضمان إذا تلف في يد المرتهن، لا على المستعير الذي هو الراهن، ولا على المرتهن، لأن الثاني، أمين، والأول، لم يسقط الحق عن ذمته، كما مر للشارح في مبحث الرهن، أما إذا تلف في يد الراهن قبل الرهن، أو بعد فكاك الرهن، فالضمان عليه، لأنه مستعير الآن (قوله: لا ضمان عليه) أي المرتهن.
وقوله كالراهن، أي كما أنه لا ضمان على الراهن، وقد علمت العلة في ذلك (قوله: وكتاب موقوف) بالرفع معطوف على مستعار، أي وكذا كتاب موقوف، فإنه لا ضمان على من استعاره إذا تلف.
وقوله على المسلمين، أي وهو أحدهم.
وقوله مثلا، اندرج فيه الموقوف على العلماء أو السادة وهو ممنهم (قوله: استعاره فقيه) أي من الناظر (قوله: فتلف في يده من غير تفريط) أي أما به: فيضمن (قوله: لأنه الخ) تعليل لمحذوف: أي فهو لا يضمنه، لأنه من جملة المسلمين الموقوف عليهم (قوله: لو اختلفا) أي المعير والمستعير، صدق المعير، أي بيمينه، وجرى م ر على تصديق المستعير، لأن الأصل براءة ذمته، وعبارته، ولو اختلف في حصول التلف بالاستعمال المأذون فيه أو لا: صدق المستعير بيمينه، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لعسر إقامة البينة عليه،(3/156)
ولأن الأصل براءة ذمته، خلافا لما عزى للجلال البلقيني من تصديق المعير.
اه.
(قوله: لأن الأصل الخ) علة لتصديق المعير.
(وقوله: حتى ينبت مسقطه) أي الضمان، وهو ما مر من كون العارية تكون من مستأجر إجارة صحيحة، أو من المالك للرهن، ونحو ذلك (قوله: ويجب عليه، أي على المستعير مؤنة رد) أي للخبر الصحيح على اليد ما أخذت حتى تؤديه ولأنه قبضها لمنفعة نفسه.
قال في المغني، ويجب على المستعير الرد عند طلب المالك، إلا إذا حجر على المالك المعير، فإنه لا يجوز الرد إليه، بل إلى وليه.
اه.
(قوله: على المالك) متعلق برد، أي رد، على المالك، أي أو نحوه، من مكتر، وما في معناه، كالموصى له بالمنفعة (قوله: وخرج بمؤنة الرد) هي أجرة حمله أو من يوصله إلى المالك (وقوله: مؤنة المعار) أي من نفقة وكسوة ونحوهما (قوله: وخالف القاضي) ضعيف (قوله: وجاز لكل من المعير الخ) شروع في بيان أن العارية جائز من الطرفين، وإنما كانت كذلك لأنها مبرة من المعير، وارتفاق من المستعير، فلا يليق بها الإلزام منهما، أو من أحدهما.
(واعلم) أن العقود التي يعتبر فيها عاقدان تنقسم ثلاثة أقسام: أحدها جائز من الطرفين، فلكل من العاقدين فسخه، وهو العارية، والوكالة، والشركة، والقراض، والوديعة، والجعالة قبل الشروع في العمل، أو بعده وقبل تمامه، والوصية للغير بشئ من الأموال، وغير ذلك، كالرهن قبل القبض، والهبة كذلك، والثاني لازم منهما، فليس لأحدهما فسخه بلا موجب يقتضيه، كعيب وهو البيع، والسلم بعد انقضاء الخيار، والصلح، والحوالة، والإجارة، والمساقاة، والهبة بعد القبض، إلا في حق الفرع والوصية بعد موت، وغير ذلك، كالنكاح والخلع، والثالث، جائز من أحدهما، وهو الرهن بعد القبض بالإذن، فإنه جائز من جهة المرتهن، لازم من جهة الراهن والضمان، فإنه جائز من جهة المضمون له، لازم من جهة الضامن.
والكتابة: فإنها جائزة من جهة المكاتب، لازمة من جهة السيد، وهبة الأصل لرفعه بعد القبض بالإذن، فإنها جائزة من جهة الأصل، لازمة من جهة الفرع، وغير ذلك، كالجزية، فإنها جائزة من جهة الكافر، لازمة من جهة الإمام، وقد نظمها بعضهم في قوله: من العقود جائز ثمانية وكالة، وديعة، وعارية وهبة من قبل قبض، وكذا شركة، جعالة قراضية ثم السباق ختمها، ولازم من العقود مثلها وها هيه: إجارة، خلع، مساقاة، كذا وصية، بيع نكاح الغانية
والصلح أيضا، والحوالة التي تنقل حق ذمة لثانيه وخمسة لازمة من جهة: رهن، ضمان، جزية، أمانيه كتابة، وهي ختام يا فتى فاسمع بأذن للصواب واعية وقوله ثمانية، ليس القصد الحصر، وإلا فهي تزيد على ذلك، ومثله يقال في قوله، ولازم من العقود مثلها، وقوله ثم السباق، أي المسابقة، أي عقدها، وفيه أنها إن كانت من غير عوض من أحدهما، فهي لازمة من الطرفين، وإن كانت بعوض من أحدهما، فهي جائزة في حق الآخر، وقوله أمانيه، بتخفيف الياء، ومراده بها الأمان، فهو جائز من جهة الكافر، لازم من جهتنا، وزاد بعضهم في اللازمة منهما، فقال: وهبة من بعد قبض يا فتى فإنها من بعد قبض لازمه واستثن أصلا أن يهب لفرعه من بعد قبض الفرع فهي جائزة(3/157)
(قوله: حتى في الإعارة لدفن ميت) أي لا يجوز الرجوع، حتى في الإعارة لدفن ميت.
وقوله قبل مواراته، متعلق برجوع، أو بجاز (قوله: ولو بعد وضعه في القبر) غاية لجواز الرجوع قبل المواراة.
قال سم: المتجه عدم الرجوع بمرجد إدلائه، أي وإن لم يصل إلى أرض القبر، لأن في عوده من هواء القبر بعد إدلائه، إذراء به.
اه.
قال ع ش: وقوله بمجرد إدلائه، أي أو بعضه، فيما يظهر.
اه.
(قوله: لا بعد المواراة) أي ليس له الرجوع بعد المواراة، وقوله حتى يبلى، أي يندرس قال سم، قضيته امتناع الرجوع مطلقا فيمن لا يندرس، كالنبي، والشهيد.
اه.
وقوله كالنبي الشهيد، أو ونحوهما من كل من لا تأكل الأرض جسده.
وقد نظمهم بعضهم بقوله: لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم، وشهيد قتل معترك ولا لقارئ قرآن، ومحتسب أدانه، لا له مجرى الفلك ونظمهم الشمس البرلسي بقوله: أبت الأرض أن تمزق لحمالشهيد، وعالم، ونبي وكذا قارئ القرآن، ومن أذن لله حسبة دون شي (قوله: ولا رجوع لمستعير الخ) شروع في ذكر مسائل مستثناة من جواز الرجوع لهما، ومما استثنى أيضا منه غير
الذي ذكره، ما إذا أعار كفنا وكفن فيه ميت، وإن لم يدفن، فلا رجوع له، لأن في أخذه إزراء بالميت بعد الوضع.
قال ع ش: ويتجه عدم الفرق في الإمتناع بين الثوب الواحد والثلاث، بل والخمس، بخلاف ما زاد.
ومنه، ما لو قال أعيروا داري بعد موتي شهرا، لم يكن للوارث الرجوع قبله، إن خرجت أجرته من الثلث ومنه، ما لو أعار دابة أو سلاحا للغزو، فالتقى الصفان، فليس له الرجوع في ذلك، حتى ينكشف القتال ومنه، لو أعاره السترة للصلاة فلا يجوز الرجوع فيها، إذا كانت الصلاة فرضا، وشرع فيها، بل هي لازمة من جهتهما، فإن كانت الصلاة نفلا أو فرضا ولم يحرم بها، جاز للمعير الرجوع فيها.
ومنه، ما لو أعار ما يدفع به عما يجب الدفع عنه، كسلاح أو ما بقي نحو برد مهلك، أو ما ينقذ به غريقا.
ومنه ما لو أعار أرضا للزرع، فيمتنع الرجوع حتى يبلغ أوان قلعه، إن لم يقصر بتأخيره، فإن قصر، فله الرجوع، حتى لو عين مدة، ولم يدرك فيها الزرع، لتقصير من المستعير قلعه المعير مجانا (قوله: حيث تلزمه الإستعارة كإسكان معتدة) أي فلو استعار دارا لسكن معتدة، فليس له الرد، لأنها لازمة من جانبه (قوله: ولا لمعير في سفينة إلخ) أي ولا رجوع لمعير في سفينة أعارها لوضع متاع فيها قبل وصولها للشط (قوله: وبحث ابن الرفعة أن له) أي للمعير الأجرة فيها: أي من حين الرجوع.
وفي البجيرمي: ومقتضى لزوم الأجرة أنه يصح رجوعه.
ومقتضى كلام الشارح إنه لا يصح رجوعه إلا بعد وصولها للشط، إلا أن يراد بالرجوع في كلامه، تفريغ المال منها، لا الرجوع بالقول.
وضعف س ل كلام الشرح، وقال، الصحيح أنه له الرجوع قبل الشط، ويستحق الأجرة اه.
وفي سم ما نصه، وظاهر هذه العبارة المذكورة في هذا المقام أنه حيث قيل بوجوب الأجرة: لا يتوقف وجوبها على عقد، بل حيث رجع: وجب له أجرة مثل كل مدة مضت، ولا يبعد أنه حيث وجبت الأجرة صارت العين أمانة، لأنها وإن كانت عارية صار لها حكم المستأجرة الخ.
اه (قوله: ولا في جذع الخ) أي رجوع لمعير في جذع أعاره لدعم جدار، أي لإسناد جدار مائل بعد استناده به (قوله: وله الأجرة) أي ويستحق الأجرة من حين الرجوع في الجذع.
وفي ع ش ما نصه.
(فائدة) كل مسألة امتنع على المعير الرجوع فيها، تجب له الأجرة إذا رجع، إلا في ثلاث مسائل: إذا أعار أرضا للدفن فيها، فلا رجوع له قبل اندراس الميت، ولا أجرة له إذا رجع، ومثلها: إعارة الثوب للتكفين فيه، لعدم جريان(3/158)
العادة بالمقابل.
وإذا أعار الثوب لصلاة الفرض، فليس له الرجوع بعد الإحرام، ولا أحرة له أيضا، وإذا أعار سيفا للقتال، فإذا التقى الصفان: امتنع الرجوع، ولا أجرة له، لقلة زمنه عادة: كما يفيد ذلك كلام سم على المنهج، ونقل
اعتماد م ر فيه.
اه.
(قوله: ولو استعار) أي أرضا، وكان الأولى إفراد هذه المسألة بتتمة، لعدم ارتباطها بما قبلها، وذكرها في التحفة بعد كلام يناسب ارتباطها به، ونص عبارته مع الأصل، وإذا استعار لبناء أو غراس، فله الزرع، لأنه أخف، ولا عكس، لأن ضررهما أكثر، والصحيح أنه لا يغرس مستعير لبناء، وكذا العكس، لاختلاف الضرر، فإن ضرر البناء في ظاهر الأرض أكثر من باطنها، والغراس بالعكس، لانتشار عروقه، وما يغرس للنقل في عامه، ويسمى الشتل، كالزرع، وإذا استعار لواحد مما ذكر ففعله ثم مات، أو قلعه ولم يكن قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى: لم يجز له فعل نظيره، ولا إعادته مرة ثانية إلا بإذن جديد.
اه.
وقوله: لم يجز له: أي للمستعير، وقوله ذلك، أي البناء، أو الغراس (قوله: فلو قلع الخ) تفريع على المفهوم.
وقوله أو غرسه، معطوف على بناه، أي أو قلع ما غرسه، (وقوله: إلا بإذن جديد) أي من المعير (قوله: إلا إذا صرح) أي المعير له: أي للمستعير، (وقوله: بالتجديد) أي بتجديد البناء أو الزرع مرة أخرى (قوله: فروع) أي خمسة، أحدها قوله لو اختلف الخ، ثانيها، قوله ولو أعطى رجلا الخ، ثالثها، ولو أخذ الخ، رابعها، ولو استعار حليا الخ، خامسها، ومن سكن الخ (قوله: لو اختلف الخ) أي ولم تكن بينة، كما هو ظاهر وقوله مالك عين، أي كدابة أو ثوب، (وقوله والمتصرف فيها) ، أي في تلك العين بركوب أو لبس أو نحوهما (قوله: كأن قال الخ) تمثيل للإختلاف بينهما (وقوله أعرتني) ، أي الدابة أو الثوب أو نحوهما (قوله: صدق المتصرف بيمينه) قال في شرح الروض: أي لأنه لم يتلف شيئا حتى نجعله مدعيا لسقوط بدله ويحلف ما آجرتني لتسقط عنه الأجرة، ويرد العين إلى مالكها، فإن نكل، حلف المالك يمين الرد، واستحق الأجرة.
اه.
(وقوله: إن بقيت العين ولم يمض مدة لها أجرة) قيدان في تصديق المتصرف بيمينه، فلو انتفيا معا، بأن تلفت العين، ومضت مدة لمثلها أجرة، فمدعي العارية مقر بالقيمة لمنكر لها يدعي الأجرة، وهو المالك، فيعطي، الأجرة للمالك بلا يمين، لتوافقهما عليها في ضمن القيمة، هذا إن لم تزد الأجرة على القيمة، فإن زادت عليها، حلف المالك، لأخذ الزائد فقط، فيقول، والله ما أعرتك، بل آجرتك، أو انتفى القيد الأول فقط، بأن تلفت العين ولم تمض مدة لمثلها أجرة، فهو مقر بالقيمة أيضا لمنكرها، وحينئذ تبقى في يده إلى أن يعترف المالك بالعارية، فيدفعها إليه بعد إقراره له بها، قياسا على ما لو أقر شخص لآخر فأنكره، أو انتفى القيد الثاني فقط، بأن مضت مدة لمثلها أجرة وبقيت العين، صدق المالك بيمينه واستحق الأجرة.
وهذه الصورة، هي التي ذكرها بقوله وإلا إلخ (قوله: وإلا حلف المالك) راجع للقيد الثاني فقط، كما عرفت، أي وإلا لم تمض مدة لها أجرة، بأن مضت مدة لها أجرة مع بقاء العين، حلف المالك، واستحق الأجرة.
(وقوله: كما لو أكل طعام غيره الخ)
الكاف للتنظير، أي وما ذكر من تصديق المالك، نظير ما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي الأكل من طعامك وأنكر المالك ذلك، فالمصدق المالك بيمينه، ويستحق بدل الطعام.
قال في شرح الروض، عاطفا على قوله كما لو أكل الخ، ولأنه إنما يؤذن في الإنتفاع غالبا بمقابل، وفرقوا بين هذه وبين ما لو قال الغسال أو الخياط فعلت بالأجرة ومالك الثوب مجانا، حيث لا يصدق مالك المنفعة بل مالك الثوب، بأن العامل فوت منفعة نفسه ثم ادعى عوضا على الغير والمتصرف فوت منفعة مال غيره وطلب إسقاط الضمان عن نفسه فلم يصدق.
اه.
(قوله: أو عكسه) بالجر معطوف على المصدر(3/159)
المؤول من أن وقال: أي وكعكس ذلك، أو بالنصب عطف على مقول القول، أي أو قال كل منهما عكس ما مر.
وقوله بأن قال الخ: تصوير للعكس (قوله: والعين باقية) فلو اختلفا بعد تلفها وبعد مضي، مدة لها أجرة، فالمالك يدعي القيمة، وينكر الأجرة، والآخر بالعكس، فيأخذ المتفق عليه بلا يمين، وهو الأجرة، فإن زادت الأجرة على القيمة، حلف عليه، وأخذه، كما تقدم، فإن لم تمض تلك المدة، حلف المالك، وأخذ القيمة، لأن الأصل، عدم مسقطها.
(وقوله: صدق المالك بيمينه) الأولى فيصدق المالك بيمينه، بفاء التفريع، أي يصدق في نفي الإجارة بيمينه، لأن الآخر يدعي استحقاق المنفعة عليه، والأصل عدمه، ثم يسترد العين، فإن نكل حلف المتصرف، واستوفى المدة، ويكون مقرا له بأجرة ينكرها، فتبقى في يده إلى إقرار المالك كما تقدم قريبا (قوله: ولو أعطى رجلا حانوتا الخ) عبارة الروض مع شرحه.
(فرع) لو أعطاه حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال اتجر بالدراهم فيه، أي الحانوت، أو ازرعه، أي البذر فيها: أي الأرض، لنفسك، فالأرض في الثانية، والحانوت في الأولى عارية.
وهل الدراهم أو البذر قرض أو هبة؟ وجهان، قياس ما مر في الوكالة، من أن لو قال: اشتر لي عبد فلان بكذا، ففعل، ملكه الآمر، ورجع عليه المأمور ببدل ما دفعه ترجيع الأول.
ثم رأيت الشيخ ولي الدين العراقي نبه على ذلك، وزاد في الأنوار بعد قوله فيه وجهان، والقول قوله في القصد.
اه.
(قوله: وقال اتجر) أي بالدراهم في الحانوت، فخذف معمولاه لدلالة ما بعده عليه.
(وقوله: أو ازرعه) أي البذر فيها، أي في الأرض، (وقوله: لنفسك) متعلق بكل من اتجر، أو ازرعه (قوله: فالعقار) أي من الأرض والحانوت (قوله: وغيره) أي غير العقار من الدراهم والبذر، وقوله قرض: أي حكمي (قوله: خلافا لبعضهم) أي في جعله غير العقار هبة (قوله: ويصدق في قصده) يعني إذا اختلفا، فقال المالك قصدت القرض، وقال الآخر قصدت
الهبة، فإنه يصدق المالك فيما قصده (قوله: ولو أخذ كوزا من سقاء الخ) قد أوضح هذه المسألة ابن العماد في أحكام الأواني والظروف وما فيها من المظروف كما نقلها البجيرمي عنه وعبارته.
(فرع) قال المتولي: إذا قال للسقاء اسقني، فناوله الكوز، فوقع من يده، فانكسر قبل أن يشرب الماء، فإن كان قد طلب أن يسقيه بغير عوض، فالماء غير مضمون عليه، لأنه حصل في يده بحكم الإباحة، والكوز مضمون عليه، لأنه عارية في يده وأما إذا شرط عليه عوضا، فالماء مضمون عليه بالشراء الفاسد، والكوز غير مضمون، لأنه مقبوض بالإجارة الفاسدة.
وإن أطلق فالإطلاق يقتضي البدل، لجريان العرف به، فإن انكسر الكوز بعد الشرب، فإن لم يكن قد شرط العوض، فالكوز مضمون، والماء غير مضمون وإن كان قد شرط العوض، لم يضمن الكوز ولا بقية الماء الفاضل في الكوز، لأن المأخوذ على سبيل العوض، القدر الذي يشربه، دون الباقي، فيكون الباقي، أمانة في يده.
اه.
ومثل الكوز، في التفصيل المذكور، فنجان القهوة المأخوذ بها لشربها، وقنينة الفقاع، أي قزازة الزبيب، المأخوذة به لشربه.
(قوله: فإن طلبه) أي طلب الآخذ السقاء، أي أن يسقيه بأن قال له اسقني، فمفعول طلب الثاني محذوف.
وقوله مجانا، أي بغير عوض، (وقوله: ضمنه) أي الكوز، لأنه في حكم العارية.
(وقوله: دون الماء) أي فلا يضمنه، لأنه مأخوذ بطريق الإباحة (قوله: أو بعوض) معطوف على مجانا: أي أو طلبه بعوض بأن قال له اسقني بكذا.
و (وقوله: والماء قدر كفايته) أي والحال أن الماء الذي في الكوز قدر كفايته، وخرج به، ما لو زاد عليها، فإنه يضمن قدر الكفاية دون الزائد لأن(3/160)
المأخوذ بالعوض، هو الأول، دون الثاني، فهو أمانة في يده، كما تقدم آنفا، وقوله فعكسه، أي فالمضمون عكسه، وهو الماء، لأنه مأخوذ بطريق البيع الفاسد دون الكوز، لأنه مأخوذ بطريق الإجارة الفاسدة، وفاسد كل عقد كصحيحه (قوله: ولو استعار) أي شخص من مالك الحلي (قوله: ثم أمر) أي المستعير بعد نزعه من بيته، (وقوله: غيره) أي شخصا آخر غيره، (وقوله: بحفظه) أي الحلى، (وقوله: في بيته) أي ذلك الغير.
(وقوله: ففعل) أي أخذه ذلك الغير وحفظه في بيته.
(وقوله: فسرق) أي ذلك الحلى (قوله: غرم) بتشديد الراء: جواب لو (قوله: ويرجع) أي المستعير، (وقوله: على الثاني) أي المأمور بحفظه، (وقوله: إن علم) أي الثاني، وهو قيد في الرجوع، وإنما رجع عليه حينئذ، لأنه إذا علم بذلك، كان عليه أن يعتني بحفظه، فهو ينسب إلى تقصير إذا سرق من عنده (قوله: وإن لم يكن) أي الثاني تصريح بالمفهوم (قوله: بل ظنه للآمر) أي ملكا له (قوله: لم يضمن) جواب إن (قوله: بإذن مالك أهل) أي للإذن، بأن كان
رشيدا (قوله: ولم يذكر) أي المالك له أي للساكن، أي لم يشرط عليه أجرة (قوله: لم تلزمه) أي لم تلزم الساكن الأجرة، أي لأن المالك متبرع بالسكنى.
قال ع ش: في باب الإجارة، ومثل ذلك، أي في عدم لزوم الأجرة، ما جرت به العادة، من أنه يتفق أن إنسانا يتزوج امرأة، ويسكن بها في بيت أهلها مدة، ولم تجر بينهما تسمية أجرة، ولا ما تقوم مقام التسمية.
اه.
(قوله: قال شيخنا الخ) عبارته.
(فرع) قال العبادي وغيره، واعتمدوه في كتاب مستعار، أي فيه خطأ لا يصلح إلا المصحف، فيجب، ويوافقه إفتاء القاضي، بأنه لا يجوز رد الغلط في كتاب الغير، وقيده الريمي بغلط لا يغير الحكم، وإلا رده، وكتب الوقف أولى، وغيره، بما إذا تحقق ذلك دون ما ظنه، فليكتب، لعله كذا ورد بأن كتابه لعله، إنما هي عند الشك في اللفظ، لا الحكم، والذي يتجه، أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شيئا مطلقا إلا إن ظن رضا مالكه به.
وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، وإن تيقن الخطأ فيه، وكان خطه مستصلحا، سواء المصحف وغيره، وأنه متى تردد في عين لفظ، أو في الحكم، لا يصلح شيئا، وما اعتيد من كتابة، لعله كذا، وإنما يجوز في ملك الكاتب.
اه.
قال ع ش: أقول قول حجر إن لم ينقصه خطه الخ: ينبغي أن يدفعه لمن يصلحه، حيث كان خطه مناسبا للمصحف، وغلب على ظنه إجابة المدفوع إليه، ولم تلحقه مشقة في سؤاله، (وقوله: وكان خطه مستصلحا) أي وخرج بذلك كتابة الحواشي بهامشه، فلا يجوز، وإن احتيج إليها، لما فيه من تغيير الكتاب عن أصله، ولا نظر لزيادة القيمة بفعلها، للعلة المذكورة.
اه.
(قوله: أن المملوك) أي الكتاب المملوك (قوله: إلا إن ظن رضا مالكه) أي فإنه يجوز.
(وقوله: به) أي بالإصلاح (قوله: وأن الوقف) أي الكتاب الموقوف، وهو معطوف على أن المملوك ومقابل له (قوله: إن تيقن الخطأ فيه) أي وكان خطه مستصلحا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/161)
فصل في بيان أحكام الغصب أي في بيان أحكام الغصب، كوجوب رده، ولزوم أرش نقصه، وأجرة مثله، إلى غير ذلك والمعتمد أنه كبيرة مطلقا، وقيل كبيرة إن كان المغصوب مالا بلغ نصاب سرقة، وإلا فصغيرة، كالإختصاص ونحوه.
والأصل في تجريمه قبل الإجماع آيات: كقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل، وقوله تعالى: * (ويل للمطففين) * (2) وأخبار كخبر إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم وخبر من ظلم شبرا من
الأرض طوقه من سبع أرضين رواهما الشيخان، وفي رواية لهما: من غصب قيد شبر من أرض: طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وقيد بكسر القاف وسكون الياء: بمعنى قدر.
وطوقه، بضم أوله، وكسر الواو المشددة، يحتمل أنه على حقيقته، بأن يجعل كالطوق في عنقه، ويطول عنقه جدا حتى يسع ذلك، ويحتمل أنه كناية عن شدة عذابه ونكاله (قوله: الغصب الخ) أي شرعا، أما لغة، فهو أخذ الشئ ظلما مجاهرة وقيل أخذ الشئ ظلما مطلقا، ودخل في الشئ، المال، وإن لم يتمول، كحبة بر، والاختصاص، كالسرجين، والخمر المحترمة، وخرجت السرقة على القول الأول، ودخلت على القول الثاني، فتسمى غصبا لغة (قوله: استيلاء على حق غير) استيلاء، مصدر استولى يقال استولى على كذا إذا صار في يده قال البجيرمي: والمراد به ما يشمل منع الغير من حقه، وإن لم يستول عليه، بدليل قوله: كإقامة من قعد بمسجد فهو استيلاء حكما.
اه.
وتعبيره بقوله على حق، غير أعم من قول غيره على مال الغير، لأنه يدخل في الحق، الاختصاص، والمنافع، بخلاف المال، فلا يدخل فيه ما ذكر وفي شرح الروض، ولا يصح قول من قال هو الإستيلاء على مال الغير، لأنه يخرج، الكلب، والخنزير والسرجين، وجلد الميتة، وخمر الذمي، وسائر الاختصاصات، وحق التحجر.
(قوله: ولو منفعة) أي: ولو كان ذلك الحق منفعة، وقوله كإقامة من قعد بمسجد أو سوق، زاد في التحفة بعده، والجلوس محله، ولم يزده في النهاية.
وكتب البجيرمي: قوله من قعد بمسجد، أي وإن لم يستول على محله.
اه.
وهو يوافق تعريفه السابق للاستيلاء، أي فإذا أقام من قعد في مسجد أو سوق، أي أو موات، أو منعه من سكنى بيت رباط مع استحقاقه له، فهو غاصب (قوله: بلا حق) متعلق باستيلاء، وكان الأولى تقديمه على المثال، لتنضم القيود إلى بعضها، والمثل إلى بعضها، ولأن ظاهر عبارته يقتضي أنه متعلق بإقامة، مع أنه من تتمة التعريف، فهو متعلق باستيلاء.
وخرج به: العارية، والسوم، ونحوهما، كالبيع، فإن في ذلك استيلاء على حق الغير، لكن بحق.
ودخل فيه، ما لو أخذ مال غيره يظنه ماله، فإنه غصب، والتعبير به أولى من قول غيره عدونا، لأنه يخرج به ما ذكر، فيقتضي أن ذلك ليس غصبا، مع أنه غصب حقيقة، على المعتمد خلافا لقول الرافعي، إن الثابت في هذه حكم الغصب، لا حقيقته، وهو ناظر إلى أن الغصب يقتضي الإثم مطلقا، وليس كذلك، بل هو غالب فقط.
(والحاصل) أن الغصب، إما أن يكون فيه الإثم والضمان، كما إذا استولى على مال غيره المتمول عدوانا، أو الإثم دون الضمان، كما إذا استولى على اختصاص غيره، أو ماله الذي لا يتمول عدوانا، أو الضمان دون الإثم، كما إذا استولى على مال غيره المتمول يظنه ماله، فهذه ثلاثة أقسام، وزاد بعضهم قسما رابعا: هو ما انتفى فيه الإثم والضمان،
كأن أخذ اختصاص غيره يظنه اختصاصه.
(تنبيه) لو أخذ مال غيره بالحياء، كان له حكم الغصب، فقد قال الغزالي: من طلب من غيره مالا في الملأ، أي
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 188.
(2) سورة المطففين، الاية: 1.(3/162)
الجماعة من الناس، فدفعه إليه لباعث الحياء، لم يملكه، ولا يحل له التصرف فيه.
وهو من باب أكل أموال الناس بالباطل.
(قوله: كجلوسه على فراش غيره) معطوف على كإقامة، بحذف العاطف، ولعله سقط من النساخ، كما هو ظاهر، أي وكجلوسه على فراش غيره، أي بغير إذنه، فهو غاصب له وإن لم ينقله.
ثم إن كان الفراش صغيرا، ضمنه كله، وإن كان كبيرا، ضمن ما يعد مستوليا عليه منه، لا جميعه، ولو جلس عليه آخر بعد قيام الأول، فهو غاصب له، ويضمنه أيضا.
وقرار الضمان على من تلف تحت يده.
فإن تلف بعد انتقال كل منهما عنه، فعلى كل القرار، بمعنى أن من غرم منهما، لا يرجع على صاحبه، لا أن المالك يغرم كلا منهما بدل كل المغصوب، كما هو ظاهر (قوله: وإزعاجه عن داره) معطوف على جلوسه على فراش غيره: أي وكإزعاجه، أي إخراجه منها، ومثله، منعه من دخولها، وإن لم يدخلها (قوله: وكركوب دابة غيره) أي من غير إذنه، وإن كان مالكها حاضرا وسيرها، بخلاف ما لو وضع عليها متاعا من غير إذنه بحضوره فسيرها المالك، فإنه يضمن المتاع، ولا يضمن مالكه الدابة، إذ لا استيلاء منه عليها.
اه.
تحفة، ونهاية (قوله: واستخدام عبده) أي الغير: أي بغير إذنه وعبارة فتح الجواد، وألحق بها، أي الدابة، ابن كج: استخدام العبد.
اه.
وهذه المثل كلها من قوله كإقامة من قعد الخ للإستيلاء على المنافع (قوله: وعلى الغاصب رد) أي للمغصوب فيما إذا بقي، وهذا شروع فيما يلزم الغاصب بغصبه، فذكر أنه يلزمه الرد والضمان، ويلزمه أيضا التعزير لحق الله تعالى، يستوفيه منه الإمام أو نائبه، وإن أبرأه المالك، والرد على الفور في المتمول وغيره عند التمكن، وإن عظمت المؤنة في رده وله استئجار المالك في رده، (وقوله: وضمان متمول) أي محترم، وهو بفتح الواو، أخذا من قول المصباح، تمول: اتخذ مالا، وموله غيره.
ع ش وخرج بالمتمول: غيره، كحبة بر، وكلب، وزبل، وسائر الاختصاصات، فلا ضمان فيه، حتى لو كان صاحب اليد قد تكلف على نقل الجلود والسرجين أموالا كثيرة.
وبالمحترم، غيره كمرتد، وزان محصن، وقاطع طريق، وتارك صلاة، فلا ضمان فيه أيضا.
(وقوله: تلف) أي بآفة أو بإتلاف (قوله:
بأقصى قيمة) متعلق بضمان، أي وعلى الغاصب ضمان متمول تلف بأقصى قيمة، أي أبعدها وأكثرها من حين غصب إلى حين تلف.
وهذا يفيد أن المتمول هو المتقوم، لأنه هو الذي يضمن بأقصى القيم، وليس كذلك، بل هو شامل له وللمثلي.
وعبارة المنهج، وعلى الغاصب رد وضمان متمول تلف، ثم قال: ويضمن مغصوب متقوم تلف بأقصى قيمة من غصب إلى تلف الخ، فلا بد من تأويل في كلامه بحمل المتمول على خصوص المتقوم، أو بتقدير متعلق: أي ويضمن متقوم بأقصى الخ ومثلي بمثله، ثم إنه يضمنه بذلك، وإن زاد على دية الحر، لتوجه الرد عليه حال الزيادة، فيضمن الزائد (قوله: ويضمن مثلي) أي مغصوب مثلي (قوله: وهو) أي المثلي.
(وقوله: ما حصره كيل أو وزن) أي ما ضبطه شرعا كيل أو وزن، بمعنى أنه يقدر شرعا بالكيل أو الوزن، وليس المراد ما أمكن فيه ذلك، فإن كل شئ يمكن وزنه، حتى الحيوان، فخرج بذلك، ما يعد كالحيوان، أو يذرع كالثياب.
وقوله وجاز السلم فيه، خرج به الغالية والمعجون ونحوهما، لأن المانع من ثبوت ذلك في الذمة بعقد السلم، مانع من ثبوته بالتلف والإتلاف، وشمل التعريف الردئ نوعا.
أما الردئ عيبا، فليس بمثلي، لأنه لا يجوز السلم فيه.
قال في شرح الروض، وأورد الأسنوي عليه القمح المختلط بالشعير، فإنه لا يجوز السلم فيه، مع أن الواجب فيه المثل، فيخرج القدر المحقق منهما، ويجاب بأن إيجاب رد مثله لا يستلزم كونه مثليا، كما في إيجاب رد مثل المتقوم في القرض.
اه.
وقوله فيخرج القدر المحقق منهما، أي من البر والشعير، ويتصور ذلك بإخراج أكثر من الواجب، فإذا كان الواجب أردبا مثلا، وبعضه بر وبعضه شعير، وشك، هل البر نصف أو ثلث؟ فيخرج من البر نصفا، ومن الشعير ثلثين، وقال بعضهم: معناه أنا إن تحققنا قدر كل منهما: أخرجنا، وإلا عدلنا إلى القيمة.
اه.
بجيرمي، (وقوله: ويجاب الخ) حاصل هذا الجواب، منع كونه مثليا، بل هو(3/163)
متقوم وإن وجب رد مثله، فهو جواب بالمنع (قوله: كقطن) أي وإن لم ينزع حبه، وهو تمثيل لما حصره وزن.
(وقوله: ودقيق وماء) مثالان لما حصره كيل وما حصره وزن، لأن كلا منهما يقدر بكيل وبوزن قال البجيرمي: ولا فرق في الماء بين أن يكون عذبا أو ملحا مغلي، أو لا، على المعتمد هنا وفي الربا، ومن المثلي: الخلول مطلقا سواء كان فيها ماء أم لا، على المعتمد، خلافا لمن قيدها بالتي لا ماء فيها، لأن الماء من ضرورياتها، ومثلها سائر المائعات، سواء أغليت أم لا، على المعتمد أيضا.
ع ش.
بنوع تصرف.
(وقوله: على المعتمد) أي عند م ر والخطيب، والذي جرى عليه شيخ الإسلام وابن حجر، أن الماء المغلي متقوم وليس بمثلي (قوله: ومسك) مثال لما حصره وزن فقط وذلك لأن ليسيره
المختلف بالكيل والوزن، مالية كثيرة، ومثل المسك، ما بعده من النحاس، والدراهم، والدنانير: فإنها لما حصره الوزن.
وأما التمر وما بعده، إلى آخر الأمثلة، فهي تقدر بالكيل وبالوزن، فتكون أمثلة لما حصره كيل، ولما حصره وزن (قوله: ولو مغشوشا) أي ولو كان كل من الدراهم والدنانير مغشوشا: أي أو مكسرا (قوله: وحب جاف) هكذا قيد به في شرح الروض، ولم تقيد به في التحفة، وفي فتح الجواد، وحب صاف، بالصاد المهملة، واحترز به عن المختلط بالشعير، فإنه متقوم، وإن وجب رد مثله، كما مر (قوله: بمثله) متعلق بيضمن، أي يضمن مثلي تلف بمثله، وذلك لآية * (فمن اعتدى عليكم) * (1) ولأنه أقرب إلى التالف، ولأن المثل، كالنص، لأنه محسوس، والقيمة: كالإجتهاد، ولا نظر إلى الإجتهاد إلا عند فقد النص، ويشترط لضمانه بالمثل، شروط خمسة.
الأول: أن يكون له قيمة في محل المطالبة، فلو فقدت قيمته فيه كأن أتلف ماء بمفازة، ثم اجتمع بمحل لا قيمة للماء فيه أصلا.
لزمه قيمته بمحل الإتلاف، الثاني: أن لا يكون لنقله من محل المطالبة إلى محل الغصب مؤنة، فإن كان لنقله من ذلك، غرمه قيمته بمحل التلف، الثالث: أن لا يتراضيا على القيمة، الرابع: أن لا يصير المثلي متقوما أو مثليا آخر.
والأول، كجعل الدقيق خبزا، والثاني، كجعل السمسم شيرجا، فإن صار كذلك، فإن كان الذي صار إليه المثلي أكثر قيمة، فيضمن بقيمته في الأولى، ويتخير المالك بمطالبته بأي المثلين في الثانية، وإن لم يكن كذلك، ضمن المثل فيهما مطلقا سواء ساوت قيمته الآخر، أو زادت عليه.
الخامس: وجود المثل، فإن فقد، عدل عنه إلى القيمة.
وقوله في أي مكان حل به المثلي، متعلق بيضمن أيضا، والمراد بالضمان، المطالبة، أي يطالب بمثله في أي مكان نقل الغاصب المغصوب المثلي إليه (قوله: فإن فقد المثل) أي حسا أو شرعا: كأن لم يوجد بمكان الغصب ولا حواليه، أو وجد بأكثر من ثمن مثله (قوله: فيضمن بأقصى قيم) أي قيم المكان الذي حل به المثلي.
(وقوله: من غصب إلى فقد) أي من حين غصب إلى حين فقد للمثل.
وفي التحفة ما نصه: هل المعتبر قيمة المثل أو المغصوب؟ وجهان، رجح السبكي وغيره، الأول، قالوا: لأنه الواجب، وإن كان المغصوب هو الأصل الخ.
اه.
وفي البجيرمي، بعد كلام، وإنما قلنا المضمون هو المثل لا المثلي، لئلا يلزم تقويم التالف، فلو غصب زيتا في رمضان فتلف في شوال، وفقد مثله في المحرم، طولب بأقصى قيمة المثل من رمضان إلى المحرم، فإن كانت قيمته في الحجة أكثر، اعتبرت.
اه.
(قوله: ولو تلف المثلي الخ) صنيعه يقتضي أن المثلي في قوله ويضمن مثلي بمثله الخ لم يكن قد تلف، وأن القيدين الآتيين، أعني قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، (وقوله: وأمن الطريق) ليسا راجعين إليه، وليس كذلك، فكان الأولى والأخصر أن يحذف قوله ولو تلف المثلي، ويقول وله مطالبته به
في غير المكان الذي حل به المثلي.
والمعنى أنه يضمن المثلي بمثله، أي يطالب بمثله في أي مكان حل به المثلي، وله أن يطالب بمثله في غير المكان المذكور، ويكون القيدان راجعين لقوله ويضمن الخ، ولقوله وله أن يطالب الخ، أي
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 194.(3/164)
يضمن في أي مكان حل به المثلي إن لم يكن لنقله من محل المطالبة إلى مكان الغصب مؤنة، وكان الطريق آمنا.
وله أن يطالب في غير المكان المذكور، إن لم يكن كذلك، وكان الطريق كذلك، فتنبه.
وقوله في غير المكان الذي حل به المثلي، سواء كان المكان الذي حل به هو الذي تلف فيه، أو كان مكانا آخر.
بجيرمي (قوله: إن لم يكن لنقله الخ) أي إن لم يكن لنقله، أي من بلد الغصب أو التلف إلى البلد الآخر الذي ظفر به فيه مؤنة، وكان الطريق بين البلدين آمنا، إذ لا ضرر حينئذ على واحد منهما.
قال في التحفة: وقضيته بل صريحه، وصريح ما مر في السلم والقرض، أن ماله مؤنة وتحملها المالك، كما لا مؤنة له، بل هو داخل فيه، لأنه بعد التحمل، يصدق عليه أنه لا مؤنة له، ولا ينافيه قوله لو تراضيا على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل، ولا قول السبكي والقمولي كالبغوي لو قال له الغاصب خذه وخذ مؤنة حمله، لم يجبر، أما الأول: فلأن على الغاصب ضررا في أخذ المثل، ومؤنة النقل منه.
وأما الثاني: فلأن على المالك ضررا في تكليفه حمله إلى بلده، وإن أعطاه الغاصب مؤنة، وأما صورتنا فلا ضرر فيها على واحد منهما، لأن المالك إذا رضي بأخذ المثل، ودفع مؤنة حمله، لم يكن على الغاصب ضرر بوجه.
اه.
وفي البجيرمي، قوله إن لم يكن لنقله مؤنة، أي على المالك، أو الغاصب.
وقوله وأمن، أي كل من المالك والغاصب، وهذان في الحقيقة شرطان لإجبار المالك الغاصب على دفع المثل، ولإجبار الغاصب المالك على أخذه، فقوله فلا يطالب بالمثل، أي لا يجبر الغاصب على دفع المثل إن كان على الغاصب مؤنة في نقل المغصوب إلى هذا المكان، أو خاف الطريق، كأن غصب برا بمصر وتلف بها، ثم طالبه بمكة لا يجب هناك دفع المثل، وقوله ولا للغاصب الخ، أي إن كان على المالك مؤنة في رد المثل إلى مكان الغصب، أو خاف الطريق، كما لو غصب برا بمكة وتلف فيها، ثم لقي المالك بمصر، ليس له تكليفه قبول المثل.
اه.
(قوله: وإلا) أي بأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المالك، أخذا مما تقرر، أو خاف الطريق، (وقوله: فبأقصى قيم المكان) أي فيضمنه بأقصى قيم المكان الذي حل به المثلي، وعبارة المنهاج، وإلا فلا مطالبة بالمثل، بل يغرمه قيمة بلد التلف قال في التحفة، سواء كانت بلد الغصب أم لا، هذا إن كانت أكثر قيمة من المحال التي وصل إليها المغصوب،
وإلا فقيمة الأقصى من سافر البقاع التي حل بها المغصوب، وذلك لأن تعذر الرجوع للمثل كفقده، والقيمة هنا للفيصولة، فإذا غرمها، ثم احتمعا في بلد المغصوب، لم يكن للمالك ردها وطلب المثل، ولا للغاصب استردادها وبذل المثل.
اه (قوله: ويضمن متقوم أتلف) هذا يغني عنه قوله سابقا، وضمان متمول تلف بأقصى قيمة الخ.
إلا أن يحمل ما هنا على غير المغصوب، ويؤيده التصريح به في عبارة المنهج ونصها: ويضمن متقوم أتلف بلا غصب بقيمة وقت تلف.
وكتب البجيرمي: هذا محترز قوله متقوم مغصوب.
اه.
فلو صنع المؤلف كصنيع المنهج، لكان أولى (قوله: كالمنافع والحيوان) تمثيل للمتقوم، وصورة تلف المنافع المغصوبة أن يسكن دار غيره، أو يركب الدابة، فتلزمه القيمة، وهي هنا أجرة المثل، وصورة تلف غير المغصوبة، أن يعير المستعير الدار التي استعارها من غير إذن مالكها، فالمالك يضمن المستعير، وهو يرجع إلى الساكن بالقيمة وهي ما مر (قوله: بالقيمة) متعلق بيضمن، أي يضمن بالقيمة، أي وقت التلف فقط، إن حمل قوله ويضمن متقوم على غير المغصوب، كما علمت، فإن حمل على المغصوب، كما هو ظاهر صنيعه، فيضمن بأقصى القيم من حين الغصب إلى حين التلف (قوله: ويجوز أخذ القيمة الخ) الأولى تقديمه هو وما بعده على قوله ويضمن متقوم الخ (قوله: وإذا أخذ منه) أي من الغاصب، وهو مرتبط بقوله ويجوز أخذ القيمة على المثلي وجعله شرح المنهج مرتبطا بقوله وإلا فبأقصى قيم المكان، والمعنى إذا أخذ منه القيمة في غير المكان الذي حل به المثلي، ثم اجتمعا في بلد الغصب أو التلف: لم يرجعا إلى المثل، فهي للفيصولة (قوله: وحيث وجب مثل الخ) عبارة الروض وشرحه: وحيث وجب المثل، فحدث فيه غلاء أو رخص لم يؤثر في استحقاق المالك له، فلو أتلف مثليا في وقت الرخص فله طلب المثل في وقت الغلاء، ولو أتلفه في وقت الغلاء وأتى به في وقت الرخص لزمه القيمة.
نعم:(3/165)
إن أخرج المثل عن أن يكون له قيمة أصلا، لزمه قيمة المثل.
اه.
بحذف (قوله: فروع) أي خمسة، وكلها استطرادية، ما عدا الرابع، والخامس، وهما قوله ويبرأ الغاصب الخ، وقوله ولو خلط الخ.
ومحلها، في الجنايات، ومناسبتها للغصب، من حيث الضمان (قوله: لو حل رباط سفينة) أي فك رباطها (قوله: فغرقت) أي السفينة، وقوله بسببه: أي الحل (قوله: أو بحادث ريح) أي أو غرقت لا بسبب الحل، بل بسبب ريح حادث أو غيره.
وقوله: فلا، أي فلا يضمنها.
(قوله: وكذا إن لم يظهر سبب) أي وكذلك لا ضمان إن لم يظهر سبب للغرق، أي من ريح أو غيره، عبارة الروض.
(فرع) حل رباط سفينة فغرقت بحله: ضمن، أو بحادث ريح، فلا - فإن لم يظهر حادث: فوجهان قال في شرحه:
أحدهما المنع، أي من الضمان، كالزقاق، قال الزركشي: وهو الأقرب، للشك في الموجب.
والثاني: يضمن، لأن الماء أحد المتلفات.
اه (قوله: ولو حل وثاق بهيمة) أي رباطها (قوله: أو عبد لا يميز) أي أو حل وثاق عبد غير مميز، بأن كان مجنونا، أو صغيرا، أما إذا كان مميزا، فلا ضمان بحل وثاقه، كما يأتي قريبا (قوله: أو فتح الخ) معطوف على حل (قوله: فخرجوا) أي ذهبوا، بأن هربت البهيمة، وأبق العبد، وطار الطير (قوله: ضمن) جواب لو (قوله: إن كان بتهييجه الخ) هذا وما بعده إنما يلائم الأخير، أعني فتح القفص عن الطير، وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) لو فتح قفصا عن طائر، فطار في الحال، وإن لم يهيجه، ضمن، لأن طيرانه في الحال يشعر بتنفيره، وإلا بأن وقف ثم طار، فلا يضمنه، لأن طيرانه بعد الوقوف، يشعر باختياره وإن أخذته هرة بمجرد الفتح وقتلته، وإن لم تدخل القفص، أو لم يعهد ذلك منها، فيما يظهر، أو طار فصدمه جدار فمات، أو كسر في خروجه قارورة، أو القفص، ضمن ذلك، لأنه ناشئ من فعله، ولأن فعله في الأولى، في معنى إغراء الهرة وحل رباط البهيمة، والعبد المجنون، وفتح باب مكانهما كفتح القفص فيما ذكر وفي معنى المجنون: الصبي الذي لا يميز، لا العبد العاقل، ولو كان آبقا، لأنه صحيح الإختيار.
اه.
بحذف (قوله: وكذا إن اقتصر الخ) أي وكذلك يضمن إن اقتصر على الفتح، ولم يهيجه، لكن بشرط خروجه من القفص حالا، وإن فلا ضمان (قوله: لا عبدا عاقلا الخ) أي لا يضمن عبدا عاقلا حل وثاقه فأبق، لأنه صحيح الاختيار، فخروجه عقب ما ذكر، يحال عليه.
وهذا محترز قوله لا يميز، وكان المناسب والأخصر، لا عبد مميز - بالجر - وبإبدال عاقل بمميز، وحذف قوله حل قيده الخ، ولعله إنما غير الأسلوب، لأجل الغاية بعده (قوله: ويبرأ الغاصب برد العين) مرتبط بقوله وعلى الغاصب رد، فكان الأولى، تقديمه هو وما بعدده على الفروع (قوله: ويكفي) أي في الرد وقوله وضعها: أي العين.
وقوله عنده أي المالك (قوله: ولو نسيه) أي نسي الغاصب المالك برئ.
أي الغاصب بالرد إلى القاضي (قوله: ولو خلط) أي الغاصب، أي أو اختلط فنفسه عنده، قال في التحفة: وخرج بخلط، أو اختلط عنده، الاختلاط، حيث لا تعدى، كأن انثال بر على مثله، فيشترط مالكاهما بحبسهما، فإن استويا قيمة فبقدر كيلهما، فإن اختلفا قيمة، بيعا، وقسم الثمن بينهما بحسب قيمتهما.
اه.
(وقوله: مثليا) أي مغصوبا مثليا، وقوله أو متقوما، أي أو اختلط مغصوبا متقوما، وفي البحيرمي ما نصه: قوله كزيت بزيت، وكالزيت كل مثلي، كالحبوب، والدراهم، على المعتمد، بخلاف المتقوم، فلا يأتي فيه ذلك، بدليل وجوب الاجتهاد في اشتباه شاته بشاة غيره، وفي اختلاط حمام البرجين، قاله شيخنا م ر ق ل.
اه.
وقوله بما لا يتميز، متعلق بخلط، والصلة جارية على غير من هي له وعائد
الموصول محذوف، أي خلط المغصوب مثليا أو متقوما بالذي لا يتميز ذلك منه، والمراد بما يتعذر تمييزه منه، بعد خلطه(3/166)
فيه، وعبارة المنهج: ولو خلط مغصوبا بغيره، وأمكن تمييزه منه، لزمه، وإلا فكتالف.
اه (قوله: كدهن الخ) أي كخلط دهن، وقوله بجنسه، متعلق بالمضاف المقدر، وذلك كخلط سمن بسمن، أو زيت بزيت وقوله أو غيره، كسمن بزيت، ومثل لخلط، المثليات، ولم يمثل لخلط المتقومات، وهو يؤيد ما في البجيرمي (قوله: وتعذر التمييز) خرج به: ما إذا أمكن التمييز كبر أبيض بأحمر، أو بشعير، فإنه يلزمه، وإن شق عليه، (قوله: صار هالكا) جواب لو، أي صار المغصوب المختلط بغيره كالهالك، أي التالف (قوله: لا مشتركا) أي لا يصير المال المغصوب المختلط مع مال الغاصب مشتركا بينه وبين المغصوب منه (قوله: فيملكه الغاصب) قال في التحفة: أن قبل التملك، وإلا كتراب أرض موقوفة خلطه بزبل وجعله آجرا، غرم مثله، أي التراب، ورد الآجر للناظر، ولا نظر لما فيه من الزبل، لأنه اضمحل بالتراب.
اه.
وفي البجيرمي ما نصه: (واعلم) أي السبكي اعترض القول بجعله تالفا واستشكله، وقال: كيف يكون التعدي سببا للملك؟ وساق أحاديث جمة، واختار أن ذلك شركة بينهما، كالثوب المصبوغ، قال: وفتح هذا الباب فيه تسلط الظلمة على ملك الأموال بخلطها قهرا على أرباب الأموال زي ومع ذلك، فهو ضعيف، كما في شرح م ر - وعبارته، ولهذا صوب الزركشي قول الهلاك، قال: ويندفع المحذور بمنع الغاصب من التصرف فيه، وعدم نفوذه منه، حتى يدفع البدل.
اه.
(قوله: لكن الأوجه الخ) استدراك على كونه يملكه الغاصب دفع به ما يتوهم من جواز التصرف قبل إعطاء البدل، وقوله أنه، أي الغاصب وقوله محجور عليه الخ، أي ممنوع من التصرف في المال المختلط فيه المغصوب، وقوله حتى يعطى بدله، أي المغصوب، وله أن يعطيه من المخلوط إن خلطه بمثله، أو بأجود، دون الأردأ، إلا أن يرضى به، ولا أرش وله أن يعطيه من غيره، إن لم يرض، لأن الحق انتقل إلى ذمة الغاصب، وانقطع تعلق المالك بعين المخلوط.
قال في التحفة: ويكفي كما في فتاوى المصنف، أن ينعزل من المخلوط: أي بغير الأردإ قدر حق المغصوب منه ويتصرف في الباقي، والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/167)
باب في الهبة
أي في بيان أحكامها: كجوازها، وعدم لزومها إلا بالقبض، وهي لغة مأخوذة من هبوب الريح، أي مروره، لمرورها من يد إلى أخرى، أو من مصدر هب من نومه بمعنى استيقظ، لأن فاعلها استيقظ للإحسان بعد أن كان غافلا عنه.
وشرعا، تطلق على ما يعم الصدقة والهدية والهبة ذات الأركان، أي على معنى عام يشمل الثلاثة، وهو تمليك تطوع في حياة، وتطلق على ما يقابلهما، وهو تمليك تطوع في حياة، لا لإكرام، ولا لأجل ثواب أو احتياج بإيجاب وقبول، وهذا هو معنى الهبة ذات الأركان، وهو المراد عند الإطلاق، فكل صدقة وهدية، هبة، ولا عكس - لانفرادها في ذات الأركان والأصل فيها، بالمعنى الأعم، قبل الإجماع آيات، كقوله تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى) * (1) أي ليعن بعضكم بعضا على ما فيه بر وتقوى، وقوله تعالى: * (وآتى المال على حبه) * (2) أي مع حب المال أو لأجل حب الله، فالضمير عائد على المال، وعلى، بمعنى مع، أو لله.
وعلى بمعنى لام التعليل، وأخبار: كخبر الصحيحين لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة أي لا تحقرن جارة مهدية لجارتها المهدى إليها، أو بالعكس، ولو ظلف شاة مشويا.
وهو مبالغة في القلة، أي ولو شيئا قليلا، ويروى أن عائشة رضي الله عنها أعطت سائلا حبة عنب، فأخذ يقلبها بيده استحقارا لها، فقالت زجرا، كم في هذه من مثقال ذرة؟ والله تعالى يقول: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * (3) .
وأركانها، بالمعنى الخاص، أركان البيع، فهي ثلاثة إجمالا، عاقد، وموهوب، وصيغة، وشرط في العاقد، بمعنى الواهب، أهلية أن يتبرع، وبمعنى الموهوب له أهلية أن يتبرع عليه، فلا تصح من مكاتب بغير إذن سيده، ولا من ولي في مال موليه، ولا لحمل، ولا لبهيمة، ولا لنفس الرقيق، وشرط في الموهوب، صحة جعله عوضا، إلا نحو حبة بر، فتصح هبتها، وإن لم يصح بيعها، فنقل اليد عن الاختصاص، لا يسمى هبة، وإلا هبة موصوف في الذمة، كأن يقول وهبتك كذا في ذمتي، فلا يصح، لأن الهبة إنما ترد على الأعيان، لا على ما في الذمة، بخلاف البيع، فإنه يرد عليهما وشرط في الصيغة ما شرط في صيغة البيع، ومنه توافق الإيجاب والقبول، فلو وهب له شيئين، فقبل أحدهما، أو شيئا واحدا، فقبل بعضه، لم يصح، وقيل بالصحة.
وفرق بين الهبة والبيع، بأنه معاوضة، فضيق فيه، بخلافها (قوله: أي مطلقها الشامل للصدقة والهدية) أي المراد بالهبة في الترجمة، ما يشمل الصدقة والهدية، لا ما يقابلهما، وفيه أن التعريف المذكور خاص بالثاني، فيلزم عليه أنه ترجم لشئ ولم يذكره، وهو معيب (قوله: الهبة تمليك عين) خرج بها المنافع، وسيأتي ما فيها، قال في التحفة: وخرج بالتمليك، العارية والضيافة، فإنها إباحة، والملك إنما يحصل بالازدراد والوقف، فإنه تمليك منفعة لا عين، كذا قيل.
والوجه أنه لا تمليك فيه، وإنما هو بمنزلة الإباحة.
(وقوله: يصح بيعها غالبا) أشار بذلك لقاعدة، وهي
أن كل ما صح بيعه، صحت هبته، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته.
واستثنى من المنطوق، مسائل منها: الجارية المرهونة إذا استولدها الراهن المعسر أو أعتقها، فإنه يجوز بيعها، للضرورة، ولا يجوز هبتها، ومنها المكاتب، يجوز بيع
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 2.
(2) سورة االبقرة، الاية: 177.
(3) سورة الزلزلة، الاية: 7.(3/168)
ما في يده، ولا تصح هبته.
ومنها المنافع، يجوز بيعها بالإجارة، وفي هبتها وجهان: أحدهما لا تصح، لأنها ليست بتمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه عارية، وثانيهما تصح، لأنها تمليك، بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة، وهو ما رجحه ابن الرفعة والسبكي وغيرهما، واستثني من المفهوم أيضا مسائل، منها ما سيذكره الشارح بقوله: وقد تصح الهبة دون البيع كهبة حبتي بر ونحوهما الخ، ومنها.
حق التحجر كأن نصب علامات على موات ولم يحيه، فإنه يثبت له فيه حق التحجر، فيجوز هبته، ولا يجوز بيعه ومنها: صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها وجلدها.
ومنها الثمار قبل بدو الصلاح، فتجوز هبتها من غير شرط القطع، بخلاف البيع ومنها اختلاط حمام أحد البرجين بالآخر، أو بره أو مائعه ببر آخر أو مائعه فانه إذا وهب أحدهما نصيبه للآخر صحت هبته، وإن جهل قدره وصفته دون بيعه، وقد أشار إلى هذه المستثنيات بقوله: غالبا (قوله: أو دين) معطوف على عين، أي أو تمليك دين، أي لغير من هو عليه، وأما لمن هو عليه، فإبراء لا يحتاج إلى قبول، كما سيصرح به المؤلف (قوله: من أهل تبرع) متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه: أي حال كونه كائنا من أهل تبرع، فهو قيد في صحة الهبة.
وتقيد أيضا بأن تكون على من هو أهل لأن يتبرع عليه، كما تقدم (قوله: بلا عوض) أي بلا أخذ عوض من الموهوب له، وهو أيضا متعلق بتمليك، أو بمحذوف حال منه (قوله: واحترز) فعل ماض مبني للمجهول.
ويحتمل أن يكون فعلا مضارعا مبدوء بهمزة المتكلم، وهو الأولى، وقوله عن البيع، أي فهو ليس بهبة، لأنه تمليك عين بعوض، وقوله والهبة بثواب، أي وعن الهبة بثواب، أي عوض، كقوله وهبتك هذا على أن تثيبني عليه، فيقبله.
ومقتضى عبارته أن الهبة بثواب لا يطلق عليها اسم الهبة لوجود العوضية، وبه صرح الزبيري، كما في المغنى (قوله: فإنها) أي الهبة بثواب بيع حقيقة، أي بالنظر للمعنى، وهو وجود العوض، فيجري فيها حينئذ أحكام البيع من الخيارين والشفعة وحصول الملك بالعقد، لا بالقبض، ومنع قبول بعض الموهوب ببعض الثواب أو كله، لاشتراط المطابقة في البيع، بخلاف التي بلا ثواب، فإنه لا يضر فيها قبول بعض الموهوب على ما تقدم (قوله: بإيجاب)
متعلق بتمليك، أو حال منه، على نحو ما مر، والمراد لفظا في حق الناطق، وإشارة في حق الأخرس (وقوله: كوهبتك هذا الخ) دخل تحت الكاف، أكرمتك، وعظمتك ونحلتك، وكذا أطعمتك ولو في غير طعام، كما نص عليه (قوله: وقبول) أي لفظا أو إشارة أيضا، (وقوله: متصل به) أي بالإيجاب، فيضر الفصل بينهما بأجنبي.
قال في النهاية، والأوجه، كما رجحه الأذرعي، اغتفار قوله بعد وهبتك وسلطتك على قبضه، فلا يكون فاصلا مضرا لتعلقه بالعقد، اه (قوله: وتنعقد) أي الهبة.
وقوله بالكناية، أي مع النية، ومنها الكتابة (قوله: كلك هذا) قال ع ش: ومنه ما اشتهر من قولهم في الإعطاء بلا عوض جبي، فيكون هبة حيث نواها به.
اه (قوله: أو كسوتك هذا) ظاهره ولو في غير الثياب، ويكون بمعنى نحلتك.
اه.
ع ش (قوله: وبالمعاطاة على المختار) أي وتنعقد بالمعاطاة على قول اختير، كما عبر به في التحفة، وفي النهاية: وبالمعاطاة على القول بها، اه.
وكان الأولى: التعبير بذلك لما لا يخفى ما في عبارته من الإيهام (قوله: وقد لا تشترط الصيغة) أي التصريح بها، وإلا فهي معتبرة تقديرا، كما قاله المحلي في أول البيع.
اه.
ع ش (قوله: كما لو كانت) أي الهبة، وقوله ضمنية: أي مندرجة في ضمن غيرها (قوله: كأعتق عبدك عني) أي فكأنه قال له هبني عبدك وأعتقه عني، وقوله فأعتقه، أي المالك عنه، فحينئذ يدخل العبد في ملك الآمر هبة، ويعتقق عليه، ولا يحتاج للقول (قوله: وإن لم يقل مجانا) أي تصح الهبة الضمنية من غير صيغة بقوله أعتق الخ: سواء قال له أعتق عبدك عني مجانا، أي بلا عوض، أو لم يقل ذلك، فالغاية المقدر (قوله: وكما لو زين ولده الصغير) أي فإنه يكون ملكا له، ولا يحتاج إلى صيغة، وهو عطف على قوله كما لو كانت ضمنية (قوله: بخلاف زوجته) أي فإن تزيينه لها بحلى لا يكون(3/169)
تمليكا لها (قوله: لأنه قادر على تمليكه) علة لمقدر، أي وإنما كان تزيينه لولده تملكا له، بخلاف تزيين الزوجة، لأنه قادر على تمليك ولده بتولي الطرفين، بخلاف الزوجة.
قال ع ش: ويؤخذ منه، أي من التعليل المذكور، أي غير الأب والجد إذا دفع إلى غيره شيئا، كخادمه، وبنت زوجته، لا يصير ملكا له، بل لا بد من إيجاب وقبول من الخادم إن تأهل للقبول، أو وليه إن لم يتأهل له.
فليتنبه له، فإنه يقع كثيرا بمصرنا.
نعم، إن دفع ذلك لمن ذكر لاحتياجه له أو قصد ثواب الآخرة، كان صدقة، فلا يحتاج إلى إيجاب ولا قبول.
ولا يعلم ذلك إلا منه، وقد تدل القرائن الظاهرة على شئ فيعمل به.
اه.
(قوله: قاله القفال) أي قال ما ذكر: من أن تزيين الأب ولده الصغير بحلى تمليك له (قوله: اعترض) أي اعترض جمع من الفقهاء ما قاله القفال، وأقره عليه جمع، من أن تزيين الأب لولده الصغير تمليك له (قوله: حيث إلخ)
بيان لوجه المخالفة (قوله: بإيجاب وقبول) الباء للتصوير، أي الطرفين المصورين بالإيجاب والقبول، كما هو ظاهر، قال ع ش: أي فلا فرق بين الزوجة والولد وغيرهما في أن التزيين لا يكون تمليكا.
اه (قوله: وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم) أي وحيث اشترطا في هبة ولي غير الأصل قبول الهبة من الحكم أو نائبه فهبة، مجرور معطوف على هبة الأصل، وهو مضاف إلى ما بعده، وولي يقرأ بالتنوين وغيره بدل منه، والضمير فيه يعود على الأصل، والمصدر المؤول من أن ويقبلها منصوب مفعول لاشترطا مقدر (قوله: ونقلوا عن العبادي إلخ) هذا تأييد للاعتراض: أي نقل المعترضون عن العبادي، وأقروه أنه، أي الأصل، لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس اغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا له.
قال ع ش: أي ولا يكون تمليكا للإبن.
وفي التحفة، والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس، لا يجدي، لأن صيرورته في يده بغير لفظ تملك، لا يفيد شيئا، على أن كون هذه الصيرورة تفيد الملك هو محل النزاع، فلا فرق.
اه (قوله: بخلاف الخ) خبر مبتدأ محذوف، أي وهو متلبس بخلاف الخ.
وقوله ما لو قال، أي الأصل (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله المذكور إقرار بالعين لابنه ولو رشيدا أو للأجنبي.
قال ع ش: وذلك لاحتمال أن يكون الأجنبي وكله مثلا في شرائها له ومثله ولده الرشيد، وأن يكون تملكها لغير الرشيد من مال نفسه أو مال المحجور عليه اه (قوله: ولو قال جعلت هذا لابني الخ) عبارة الروض وشرحه، فإن غرس شجرا وقال عنده، أي عند غرسه، اغرسه لطفلي، لم يملكه، ولو قال جعلته له، صار ملكه، لأن هبته له، لا تقتضي قبولا، بخلاف ما لو جعله لبالغ، هذا إن اكتفينا بأحد الشفين من الوالد، فإن لم نكتف به، وهو الأصح، لم يصرح ملكه.
اه.
(وقوله: لم يملكه) أي الإبن.
وينبغي أن يكون كناية.
اه.
ع ش.
(وقوله: إلا إن قبض له) أي بعد القبول له، كأن يقول قبلت له، ثم يقبض.
وعبارة التحفة: إلا إن قبل وقبض له.
اه (قوله: وضعف السبكي الخ) هذا تأييد للاعتراض أيضا، وساقه في التحفة عقب قوله فلا فرق في الفرق الذي نقلته عنها بلفظ ثم رأيت الأذرعي قال إنه لا يتمشى على قواعد المذهب والسبكي والأذرعي وغيرهما ضعفوا قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الخ ثم رأيت آخرين نقلوا عن القفال نفسه أنه لو جهز الخ (قوله: أن إلباس الأب الخ) هو عين التزيين المار، بل أخص منه، فلذلك ساقه تأييدا للإعتراض، كما علمت (قوله: ونقل الخ) تأييد أيضا للاعتراض، كما يشير إليه قوله، وهذا صريح إلخ (قوله: أنه) أي الأصل لو جهز بنته، أي بعثها إلى بيت زوجها مع أمتعة، وقوله بلا تمليك، أي من غير أن يصدر منه صيغة تمليك (قوله: يصدق) أي الأصل، وهو جواب لو (قوله: في أنه الخ) متعلق بيصدق.
(وقوله: إن ادعته)(3/170)
أي التمليك (قوله: وهذا صريح الخ) أي ما نقله جماعة من القفال نفسه: صريح في رد ما سبق منه، من أنه لو زين ولده الصغير، يكون تمليكا، وكتب الرشيدي ما نصه، قوله وهو صريح في رد إلخ، فيه نظر إذ ذاك في الطفل كما مر، بخلاف ما هنا، فإنه في البالغة، كما يرشد إليه قوله، إن ادعته، نعم إن كانت البنت صغيرة، أتى فيها ما مر في الطفل، كما لا يخفى.
اه (قوله: وجهازها) بكسر الجيم وفتحها، أي أمتعتها (قوله: فهو) أي الجهاز ملك لها، أي مؤاخذة بإقراره (قوله: وإلا فهو عارية) أي وإن لم يقل هذا جهاز بنتي، فهو عارية عندها.
وفي ع ش: قال سم كذك يكون عارية فيما يظهر إذا قال جهزت ابنتي بهذا، إذ ليس هذا صيغة إقرار بملك.
م ر.
اه.
والفرق بين هذه ومسألة القاضي، أي التي نقلها المؤلف، أن الإضافة إلى من يملك، تقتضي الملك، فكان ما ذكره في مسألة القاضي: إقرارا بالملك، بخلاف ما هنا.
اه (قوله: ويصدق بيمينه) أي فيما إذا تنازعا في القول المذكور بأن ادعت أنه قال هذا جهاز بنتي، وأنكر هو ذلك، فيصدق بيمينه في أنه ما قال ذلك (قوله: وكخلع الملوك) عطف على قوله السابق: كما لو كانت ضمنية - وهي بكسر الخاء، وفتح اللام، جمع خلعة، الكسوة التي تخلع على الأمراء وغيرهم، من نحو مشايخ البلد، فإنها هبة، ولا تحتاج إلى صيغة، وقال بعضهم، إنها هدية، لا هبة، لأن القصد فيها الإكرام (قوله: لاعتياد الخ) تعليل لصحة هبة خلع الملوك من غير صيغة، أي وإنما صحة الهبة فيها من غير صيغة، لأن العادة جرت بعدم اللفظ فيها (قوله: انتهى) أي ما قاله شيخه في شرح المنهاج، لكن بتصرف وحذف، كما يعلم بالوقوف على عبارته (قوله: ونقل شيخنا إلخ) هذا لا يلائم ما قبله، فإنه في الهبة التي تحتاج إلى صيغة، وهذا في الهدايا التي لا تحتاج إلى صيغة، كما هو صريح قوله إذا أهدى الخ (قوله: بعد العقد) يفيد أنه إذا كان قبل العبد لا تملكه إلا بإيجاب وقبول، لكن قد علمت أن قوله أهدي، يقتضي أنه هدية، وعليه فلا فرق على أنه سيأتي آخر الباب أن من دفع لمخطوبته طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه.
فيقتضي حينئذ أنه إذا لم يرد، لا يرجع فيه، فهي تملك ما دفع لها قبل العقد لأجله من غير صيغة، وقوله بسببه، أي العقد يفيد أيضا أنه إذا كان لا بسببه لا تملكه إلا بإيجاب وقبول.
وقد علمت ما فيه (قوله: ومن ذلك) أي مما لا يحتاج إلى إيجاب وقبول، ما يدفعه الرجل الخ (قوله: فإن ذلك) أي المدفوع إليها.
(وقوله: تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها) أي من غير احتياج إلى صيغة (قوله: ولا يشترط الإيجاب والقبول الخ) شروع في بيان الصدقة.
والهدية (قوله: قطعا) أي بخلاف (قوله: وهي ما أعطاه محتاجا الخ) فإن كان ذلك بلا صيغة، فهي صدقة فقط، وإن كان معها، فهي صدقة وهبة، ومثله، يقال في الهدية.
(والحاصل) أنه إن ملك لأجل الاحتياج أو لقصد الثواب مع صيغة، كان هبة وصدقة، وإن ملك بقصد الإكرام مع صيغة، كان هبة وهدية، وإن ملك لا لأجل الثواب ولا الإكرام بصيغة، كان هبة فقط.
وإن ملك لأجل الاحتياج أو الثواب من غير صيغة، كان صدقة فقط، وإن ملك لأجل الإكرام من غير صيغة، كان هدية فقط، فبين الثلاثة عموم وخصوص من وجه (قوله: أو غنيا لأجل ثواب الآخرة) أي أو أعطاه غنيا لأجل ثواب الآخرة، وهو يفيد أنه إن أعطاه غنيا لا لأجل ثواب الآخرة، لم يكن صدقة وهو ظاهر (قوله: ولا في الهدية) أي ولا يشترط الإيجاب والقبول في الهدية، وظاهره أن ذلك قطعا، لأنه معطوف على قوله في الصدقة المسلط عليه، ولا يشترط الإيجاب والقبول قطعا، وليس كذلك، بل هو على(3/171)
الصحيح، كما صرح به في متن المنهاج، وعبارته: ولا يشترطان، أي الإيجاب والقبول، في الهدية على الصحيح، بل يكفي البعث من هذا والقبض من ذلك، قال في المغني، كما جرى عليه الناس في الأعصار، وقد أهدى الملوك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكسوة والدواب والجواري.
وفي الصحيحين: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها وعن أبويها ولم ينقل إيجاب ولا قبول.
اه.
(لطيفة) : قال بعضهم ست كلمات جوهرية لا يحويها إلا العقول الذكية، أصل المحبة، الهدية، وأصل البغضة، الأسية، وأصل القرب، الأمانة، وأصل البعد، الخيانة.
وأصل زوال النعمة، البطر، وأصل العفة، غض البصر (قوله: ولو غير مأكول) غاية لعدم اشتراط الإيجاب والقبول في الهدية.
ولفظ غير، منصوب بإسقاط الخافض، أي ولو كانت الهدية بغير مأكول، أي من كل ما ينقل، كالثياب، والعبيد، وأما غير المنقول، كالعقار، فلا يقع عليه اسم الهدية، كما يفيده قوله بعد، وهي ما نقله الخ.
قال في شرح الروض، واستشكل ذلك بأنهم صرحوا في باب النذر بما يخالفه، حيث قالوا، لو قال لله علي أن أهدي هذا البيت، أو الأرض، أو نحوهما، مما لا ينقل، صح، وباعه، ونقل ثمنه.
ويجاب بأن الهدي، وإن كان من الهدية، لكنهم تواسعوا فيه بتخصيصه بالإهداء إلى فقراء الحرم، وبتعميمه في المنقول وغيره، ولهذا لو نذر الهدي، انصرف إلى الحرم، ولم يحمل على الهدية إلى فقير.
اه.
(قوله: وهي) أي الهدية، وقوله ما نقله: أي تمليك ما نقله المهدي، ومثله: ما لو بعثه.
وقد عبر به بعضهم (قوله: إلى مكان الموهوب له) المناسب المهدي إليه، كما هو ظاهر (قوله: إكراما) أي لأجل الإكرام، قال السبكي، والظاهر أن الإكرام ليس شرطا، والشرط، هو النقل.
قال الزركشي، وقد يقال احترزوا به عن الرشوة (قوله: بل يكفي الخ) إضراب انتقالي من قوله ولا في الهدية،
أي ولا يشترطان في الهدية بل يكفي فيها الخ.
وقوله البعث.
الأنسب بما قبله النقل بدله، (وقوله: من هذا) أي المهدي، فالبعث منه بمنزلة الإيجاب منه، (وقوله: القبض من ذاك) أي المهدى إليه، أي وهو بمنزلة القبول منه.
قال سم: هل يشترط الوضع بين يديه كما في البيع؟ ثم رأيت في تجريد المزجد ما نصه: في فتاوى البغوي يحصل ملك الهدية بوضع المهدي بين يديه إذا أعلمه به، ولو أهدى إلى صبي ووضعه بين يديه أو أخذه الصبي لا يملكه.
اه.
وهو يفيد ملك البالغ بالوضع بين يديه، وقد جعلوا ذلك قبضا في البيع.
اه.
(قوله: وكلها مسنونة) أي الهبة، والصدقة، والهدية، (وقوله: وأفضلها الصدقة) أي لأنها في الغالب تعطى للمحتاجين.
قال في الروض وشرحه، والكل مستحب، وإن كانت الصدقة أفضل، وصرفه إلى الجيران والأقارب أفضل منه إلى غيرهم.
ولا يحتقر المهدي ولا المهدى إليه القليل، فيمتنع الأول من إهدائه، والثاني من قبوله، لخبر: لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة ويستحب أن يدعو كل منهما للآخر بالبركة ونحوها، بأن يدعو المهدى إليه للمهدي، ثم يدعو له الآخر.
اه.
(قوله: وأما كتاب الرسالة الخ) الأولى حذف أما، لعدم تقدم ما يقابلها، وذكر هذه المسألة في التحفة بعد كلام يلائمها، ونصها مع الأصل، ولو بعث هدية في ظرف، فإن لم تجر العادة برده، كقوصرة تمر، أي وعائه، فهو هدية أيضا، كالذي في الظرف، تحكيما للعرف المطرد، وكتاب الرسالة الخ.
اه.
بتصرف.
فلو صنع الشارح كصنيع شيخه، لكان أولى (قوله: الذي لم تدل قرينة على عوده) قال ع ش: كأن كتب له فيه رد الجواب على ظهره (قوله: فقد قال المتولي إلخ) قال في النهاية، هو أوجه من قول غيره (قوله: وقال غيره) أي غير المتولي (قوله: هو) أي الكتاب المرسل (قوله: وللمكتوب إليه الانتفاع به) أي بأن يتعلم على الخطر الذي فيه أو يحفظ ما فيه ليكتب نظيره إلى صاحبه، وانظر، هل يجوز أن يكتب في ظهره(3/172)
مسائل يتحفظها أم لا؟ مقتضى إطلاقه، جواز الانتفاع الأول (قوله: وتصح الهبة إلخ) دخول على المتن، (وقوله: باللفظ المذكور) أي وهو كوهبتك هذا في الإيجاب، وكقبلت ورضيت في القبول (قوله: بلا تعليق) متعلق بتصح (قوله: فلا تصح مع تعليق) مفرع على المفهوم (قوله: ولا مع تأقيت) زائد على المفهوم، فكان الأولى أن يفرده عما قبله بأن يقول: ولا تصح مع تأقيت أيضا.
(قوله: بغير عمرى ورقبى) أي أما التأقيت بهما، فلا يضر، ولا يخفى أن لفظ العمرى والرقبى من ألفاظ الهبة، لكنه صيغة مخصوصة، فالعمرى: من العمر، لذكر لفظ العمر فيها.
والرقبى، من الرقوب، لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه (قوله: فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب) أي أو أرقبه إياها، كقوله أرقبتك هذه الدار وجعلتها
لك رقبى، أي إن مت قبلي، عادت إلي، وإن مت قبلك، استقرت لك، فقبل وقبض، صحت، وتكون مؤبدة (قوله: أو ما عشت) أي أو وهبت لك هذا ما عشت، بتاء المخاطب (قوله: صحت) أي الهبة (قوله: وإن لم يقل الخ) غاية في الصحة، أي صحت الهبة، وإن لم يقل الواهب بعد قوله وهبت لك هذا عمرك فإذا مت، بفتح التاء، فهي لورثتك (قوله: وكذا إن شرط الخ) أي وكذا تصح الهبة إن شرط عودها إلى الواهب، بأن قال له أعمرتك هذه الدار، فإت مت، عادت إلي أو إلى ورثتي (قوله: فلا تعود إليه الخ) أي وإذا شرط ذلك، فلا تعود إلى الواهب ولا إلى وارثه، فيلغو الشرط المذكور، كما سيصرح به (قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون التأقيت بهما لا يضر، وهو لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر شيئا أو أرقبه، فهو لورثته أي لا تعمروا ولا ترقبوا طمعا في أن يعود إليكم، فإن مصيره الميراث لورثة المعمر والمرقب، بلفظ اسم المفعول فيهما (قوله: وتصح) أي الهبة، يغني عنه قوله صحت (قوله: ويلغو الشرط المذكور) أي في العمرى والرقبى، والمراد المذكور ولو بحسب القوة، ليشمل ما إذا لم يصرح بالشرط فإنه يفهم من اللفظ.
(فائدة) ليس لنا موضع يصح فيه العقد ويلغو فيه الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه، إلا هذا (قوله: فإذا أقت بعمر الواهب الخ) محترز قوله بعمر المتهب، وكان المناسب أن يظهر فاعل أقت، ويضمر المضاف إليه عمر، بأن يقول، فإذا أقت الواهب بعمره، أي عمر نفسه (قوله: لم تصح) أي الهبة، وذلك لأن فيهما تأقيت الملك، لأن الواهب أو زيدا قد يموت أولا، وإنما اغتفر الأول، مع أن فيه تأقيت، لأنه تصريح بالواقع، لأن الإنسان لا يملك إلا مدة حياته (قوله: ولو قال لغيره الخ) انظر، ما مناسبة ذكر هذه المسألة هنا؟ فإن الكلام في الهبة، لا في الإباحة التي تضمنتها هذه المسألة، إلا أن يقال إنها صورة هبة.
وذكر في التحفة والنهاية والمغني في ضمن مستثنيات من مفهوم الشرط الآتي، وهو قوله وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، لكن صنيع الشارح أولى من صنيعه، إذ لا وجه للاستثناء، كما نص عليه سم، وع ش (قوله: فله الأكل فقط) قال سم: ما قدره.
اه.
قال ع ش: أقول ينبغي أن يأكل قدر كفايته، وإن جاوز العادة، حيث علم المالك بحاله، وإلا امتنع أكل ما زاد على ما يعتاده مثله غالبا لمثله، اه.
(قوله: لأنه إباحة) تعليل لأصل حل الأكل، لا لامتناع غيره.
اه.
رشيدي.
وقوله وهي، أي الإباحة دون الهبة، وقوله تصح بمجهول، أي كما في هذه المسألة (قوله: بخلاف الأخذ والإعطاء) محترز قوله فقط، أي له الأكل، لا الأخذ، والإعطاء، لأن الأول، إباحة دونهما (قوله: صحت) أي الهبة.
وقوله إن كان المال: أي كله في الصورة الأولى، وقوله أو نصفه، أي في الصورة الثانية، وقوله معلوما لهما،(3/173)
أي الواهب والمتهب (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن معلوما لهما فلا تصح، لأن هذا لا يصح بيعه، وما لا يصح بيعه، لا تصح هبته (قوله: من العنب) بيان لما الأولى والثانية (قوله: فله أكله) أي ما في الدار أو الكرم (قوله: دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره) أي لأنه إباحة، وهي خاصة بما يأكله هو (قوله: على الموجود) أي على أكل العنب الموجود، (وقوله: أي عندها) أي الإباحة (قوله: في الدار أو الكرم) متعلق بالموجود (قوله: ولو قال أبحت لك جميع ما في داري) أي من عنب وغيره (قوله: أكلا واستعمالا) منصوبان على التمييز المحول عن المضاف، أي أبحت لك أكل جميع ما في داري واستعماله (قوله: ولم يعلم المبيح الجميع) أي جميع ما في الدار (قوله: لم تحصل الإباحة) أي فيمتنع عليه أخذ شئ مما لم يعلمه المبيح.
قال في التحفة: وهذا لا ينافي ما مر من صحة الإباحة بالمجهول، لأن هذا مجهول من كل وجه، بخلاف ذاك.
اه.
وكتب سم ما نصه: في كونه كذلك وكون ما مر ليس كذلك نظر.
اه.
(قوله: وجزم بعضهم أن الإباحة لا ترتد بالرد) يعني أن المباح له لو رد المباح للمبيح: لا يرتد، فله العود بعد الرد.
(واعلم) أن التبرع خمسة أنواع: وصية، وعتق، وهبة، ووقف، وإباحة، وهي كإباحة الشاة لشرب لبنها، والطعام للفقراء، وهي لا يتصرف فيها المباح له تصرف الملاك، بل يقتصر فيها على ما يأكله أو يشربه، ولا يجوز له أن يتصدق أو يبيع منه.
(قوله: وشرط الموهوب، كونه عينا) هذا يفيد أن الموهوب لا بد أن يكون عينا، وقد تقدم في كلامه جواز هبة الدين في التعريف السابق أول الباب، وسيأتي التصريح في كلامه، بأن هبة الدين للمدين إبراء له عنه، ولغيره هبة صحيحة، وقوله يصح بيعها، هذا يغني عنه قوله في التعريف السابق أول الباب يصح بيعها، فكان الأولى والأخصر، أن يقول، كعادته، واحترز بقوله يصح بيعها عما لا يصح بيعه كالمجهول.
وقد علمت ما استثني من منطوق ما ذكر ومفهومه، فلا تغفل (قوله: فلا تصح هبة المجهول) أي كوهبتك أحد العبدين أو الثوبين، وقوله كبيعه، أي كعدم صحة بيعه، أي المجهول (قوله: قد مر آنفا بيانه) أي بيان عدم صحة هبة المجهول في قوله: ولو قال وهبت لك جميع مالي الخ، ومحل البيان قوله وإلا فلا (قوله: بخلاف هديته وصدقته) أي المجهول (قوله: وتصح هبة المشاع) أي كدار أو أرض مشتركة بين اثنين، وقوله كبيعه، أي كصحة بيع المشاع (قوله: ولو قبل القسمة) أي ولو حصلت الهبة قبل قسمة الدار، وهو يفيد أنه بعدها يكون مشاعا.
وفيه نظر.
وعبارة الروض وشرحه، وتجوز هبة مشاع، وإن كان لا ينقسم، كعبد، اه.
وهي ظاهرة (قوله: سواء الخ) تعميم في صحة الهبة، أي تصح مطلقا، سواء وهبه الشريك لشريكه، أم لغيره (قوله: وجلد نجس) أي وكجلد نجس، فتصح هبته دون بيعه، وقوله على تناقض فيه في الروضة، أي مع وجود تناقض في كلام
الروضة في صحة هبة الجلد النجس، أي اختلف كلام الروضة فيها، ففي باب الأواني، قال بالصحة، وفي باب الهبة، قال بعدمها، وجمع بينهما بحمل الصحة على نقل اليد وعدمها على الملك الحقيقي (قوله: وكذا دهن متنجس) أي مثل الجلد النجس في صحة هبته دون بيعه، الدهن المتنجس (قوله: وتلزم الخ) ظاهره أن الهبة تملك بالعقد، ولا تلزم إلا بالقبض، وليس كذلك، بل لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض، وفي البجيرمي عبارة سم، ولا تلزم الهبة الشاملة للهدية والصدقة، ولا يحصل الملك فيها إلا بالقبض من الواهب أو نائبه أو بإذنه فيه، فتلزم، ويحصل الملك الخ.
اه.
ولذلك فسر في الإقناع اللزوم بالملك حيث قال: ولا تلزم، أي لا تملك، اه.
والكلام في الهبة الصحيحة غير الضمنية، وغير(3/174)
ذات الثواب، فخرج بالصحيحية، الفاسدة، فلا تملك أصلا، ولو بالقبض.
وبغير الضمنية الهبة الضمنية، كما لو قال أعتق عبدك عني مجانا، فأعتقه عنه، فإنه يسقط القبض فيها، وبغير ذات الثواب، الهبة ذات الثواب، فإنها تملك وتلزم بالعقد بعد انقضاء الخيار، لأنها بيع.
(وقوله: بأنواعها الثلاثة) أي الصادقة بأنواعها، وهي الصدقة، والهدية، والهبة ذات الأركان (قوله: بقبض) أي كقبض المبيع فيما مر بتفصيله.
نعم، لا يكفي هنا التخلية، ولا الوضع بين يديه، ولا الإتلاف، لأنه غير مستحق للقبض، قال في الروض وشرحه.
(فرع) ليس الإتلاف من المتهب للموهوب قبضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع، إلا أن يأذن له في الأكل أو العتق عنه، فيكون قبضا، وتقدر أنه ملكه قبل الازدراد والعتق.
اه.
بحدف (قوله: فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض) تصريح بما صرح به أولا (قوله: على الجديد) لم يقيد به في المنهاج (قوله: لخبر إلخ) دليل على أنها إنما تلزم بالقبض، ومحل الاستدلال، قوله فقسمه الخ، أي فرده - صلى الله عليه وسلم -، ثم قسمه بين نسائه، لكون النجاشي مات قبل القبض، فيعلم منه أنها لا تلزم قبل القبض، إذ لو لزمت لما ردها - صلى الله عليه وسلم - (قوله: أهدى للنجاشي) بفتح النون، ونقل كسرها، وآخره ياء ساكنة، وهو الأكثر رواية، ونقل ابن الأثير تشديدها، ومنهم من جعله غلطا وهو لقب لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة، ومعناه بالعربية.
عطية، وهو الذي هاجر إليه المسلمون في رجب سنة خمس من النبوة، فآمن وأسلم بكتاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتوفي سنة تسع من الهجرة، ونعاه، أي أخبر بموته، وذكر محاسنه، النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصورة الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ملك الحبشة.
أما بعد: فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام.
وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة
فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده، لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني وترضى بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجندك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، قد بعثت إليكم ابن عمي جعفرا، ومعه نفر من المسلمين، والسلام على من اتبع الهدى.
وبعث الكتاب مع عمرو بن أمية الضمري.
اه.
بجيرمي (قوله: فمات) أي النجاشي.
(وقوله: قبل أن يصل) أي المهدي إلى النجاشي.
وفي بعض النسخ، تصل - بالتاء - والملائم بقوله بعد فقسمه الأول.
وفي المغني بدل قوله فمات الخ، ثم قال لأم سلمة إني لأرى النجاشي قد مات، ولا أرى الهدية التي أهديت إليه إلا سترد، فإذا ردت إلي، فهي لك، فكان كذلك، أي موت النجاشي، ورد الهدية، لكن لما ردت، قسمها - صلى الله عليه وسلم - بين نسائه، ولم يخص بها أم سلمة، (وقوله: بين نسائه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - (قوله: ويقاس بالهدية) أي في الخبر، (وقوله: الباقي) هو الهبة والصدقة (قوله: وإنما يعتد بالقبض) أي في لزوم الهبة (قوله: إن كان) أي القبض.
(وقوله: بإقباض الواهب) أي الموهوب للمتهب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله وحذف معمولاه (قوله: أو بإذنه) أي الواهب، أي أو كان القبض حصل بإذن الواهب (قوله: أو إذن وكيله) أي وكيل الواهب.
وقوله فيه، أي القبض (قوله: يحتاج إلى إذنه) أي الواهب فيه، أي القبض.
وكان الأولى الأخصر، الاقتصار على الغاية بعده، وحذف هذا، وذلك لأن قوله وإنما يعتد بالقبض المسلط على قوله أو بإذنه الخ، يغني عنه.
ولا بد من أن يكون الإذن بعد تمام الصيغة، فلو قال: وهبتك هذا، وأذنت لك في قبضه، فقال: قبلت.
لم يكف (قوله: ولا يكفي هنا) أي في الهبة (قوله: الوضع) أي وضع الموهوب (قوله: بلا إذن فيه) أي في القبض (قوله: لأن قبضه) أي المتهب، أو الموهوب، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله أو مفعوله، (وقوله: غير مستحق له) بصيغة(3/175)
اسم المفعول، وضمير له يعود على المتهب.
وإنما لم يكن مستحقا له، لأن الملك لا يحصل إلا بالقبض، (وقوله: فاعتبر تحققه) أي القبض، ولا يكون إلا بالإذن (قوله: بخلافه في المبيع) محترز قوله هنا، أي بخلاف الوضع المذكور في المبيع، فإنه كاف، لأن قبضه مستحق له.
وعبارة شرح الروض: لأنه غير مستحق القبض، فاعتبر تحققه، بخلاف المبيع، فجعل التمكين منه قبضا (قوله: فلو مات أحدهما) أي الواهب، أو المتهب، (وقوله: قبل القبض) أي بإقباض أو إذن فيه (قوله: قام مقامه) أي الميت، ولا ينفسخ العقد، لأنه آيل إلى اللزوم، وكالموت: الجنون، والإغماء اه.
ش ق (قوله: في القبض) أي إن كان الميت هو المتهب، (وقوله: والإقباض) أي إن كان هو الواهب (قوله: ولو قبضه)
أي بالإذن بدليل ما بعده (قوله: فقال الخ) أي فاختلف الواهب والمتهب في الرجوع عن الإذن قبل القبض فقال الخ.
(وقوله: قبله) أي قبل القبض، فيكون غير صحيح، فلا تلزم الهبة (قوله: وقال المتهب بعد) أي رجعت بعد القبض، فهو صحيح والهبة لازمة (قوله: صدق الواهب) جواب لو (قوله: لكن ميل شيخنا) أي في شرح المنهاج، وعبارته، ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله، وقال المتهب بعده، صدق الواهب، على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك، ولا احتمال بتصديق المتهب، لأن الأصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب، ثم رأيت أن هذا هو المنقول، كما ذكرته في شرح الإرشاد، اه (قوله: لأن الأصل عدم الرجوع) قال ع ش: ظاهره إن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت القبض، ولو قيل بمجئ تفسير الرجعة فيه، لم يبعد، فيقال إن اتفقا على وقت القبض، واختلفا في وقت الرجوع، صدق المتهب.
وفي عكسه، يصدق الواهب وفيما إذا لم يتفقا على شئ، يصدق السابق بالدعوى، وإن ادعيا معا، صدق المتهب.
اه (قوله: وهو قريب) صنيعه يفيد أنه من كلامه، وليس كذلك، بل هو من كلام شيخه، كما يعلم من عبارته المارة (قوله: ويكفي) أي في لزوم الهبة الإقرار بالقبض، بخلاف الإقرار بالهبة فقط (قوله: كأن قيل له) أي للواهب، (وقوله: وهبت كذا) بتاء المخاطب، (وقوله من فلان) أي عليه، فمن: بمعنى على (قوله: فقال) أي الواهب، (وقوله: نعم) أي وهبته، وأقبضته (قوله: وأما الإقرار أو الشهادة الخ) قال في الروض وشرحه: وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بالقبض للموهوب، لجواز أن يعتقد لزومها بالعقد، والإقرار يحمل على اليقين.
اه (قوله: فلا يستلزم القبض) أي ويترتب عليه عدم لزوم الهبة به (قوله: نعم يكفي عنه الخ) لا محل للاستدراك هنا، فكان الأولى أن يقول، ويكفي عنه الخ.
والمراد أنه يقوم مقام إقراره بالقبض فيما إذا قيل له وهبت هذا وأقبضته قد ملكها ملكا لازما، فقوله المذكور، بدل قوله نعم وهبته وأقبضته.
قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثله فيما لو قال لشاهد أشهد أنه ملكه ملكا لازما فيغني ذلك عن قوله وهبه وأقبضه.
اه.
(قوله: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه) قال ع ش: أي عن القبض.
اه.
والمراد أنه إذا شهد عند الحاكم بمجرد الهبة، فليس للحاكم أن يسأل الشاهد ويقول له تشهد أنه أقبضه، وذلك لئلا يتنبه الشاهد لذلك، فيشهد به، بل يحكم بعد لزوم الهبة، لما علم أن الإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة، لا يستلزم القبض (قوله: ولأصل إلخ) أي لخبر لا محل لرجل أن يعطي عطية، أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده واختص بذلك، لانتفاء التهمة فيه، إذ ما طبع عليه من إيثاره لولده على نفسه، يقضي بأنه إنما رجع لحاجة، أو مصلحة (قوله: ذكر أو أنثى الخ) تعميم في الأصل، وهو بدل منه، (وقوله: من جهة الأب أو الأم) الجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف، أو متعلق بمحذوف
صفة لكل من ذكر ومن أنثى.
ولا يصح أن يكون صفة لأصل، لأن البدل لا يتقدم عليها إذا اجتمعا.
(وقوله: وإن علا) أي(3/176)
كل منهما، فالضمير المستتر يعود إلى المذكور، ويصح أن يعود إلى الأصل (قوله: رجوع الخ) أي بشروط ثلاثة: أن يكون الفرع حرا، وأن يبقى الموهوب في سلطنته، وأن يكون عينا لا دينا وقد أشار إلى الأخير بقوله لا فيما أبرأ، وصرح بالثاني بقوله إن بقي الخ، وقال في النهاية: ولا يتعين الفور، أي في الرجوع، بل له ذلك متى شاء.
اه (قوله: لا فيما أبرأ) أي ليس له رجوع فيما أبرأ به ولده، كأن كان له على ولده دين فأبرأه منه، فيمتنع الرجوع جزما، سواء قلنا إنه تمليك، أم إسقاط، إذ لا بقاء للدين، فأشبه ما لو وهبه شيئا فتلف (قوله: لفرع) متعلق بوهب وما بعده، ويكون متعلق رجوع محذوفا، أي عليه (قوله: وإن سفل) أي الفرع كابن ابن ابنه (قوله: إن بقي الموهوب) أي أو المتصدق به أو المهدى به (قوله: في سلطنته) أي الفرع.
قال البجيرمي: هي عبارة عن جواز التصرف، وليس المراد بها الملك، بدليل شمول زوالها لما لو جنى الموهوب أو أفلس المتهب وحجر عليه، أو رهن الموهوب وأقبضه، فإن هذه لا تزيل الملك، لكنها تزيل جواز التصرف، وعبارة م ر على التحرير، (قوله: في سلطنته) أي استيلائه، وهي أولى من التعبير ببقاء الملك، لشمولها ما لو كانت العطية عصيرا فتخمر، ثم تخلل، فإن له الرجوع، لبقاء السلطنة، وإن لم يبق الملك.
اه (قوله: بلا استهلاك) أي بأن تبقى عينه.
وسيأتي محترزه (قوله: وإن غرس الأرض الخ) غاية في جواز رجوع الأصل، أي له الرجوع، وإن غرس، أي الفرع، الأرض الموهوبة، أو بنى فيها الخ.
(وقوله: أو تخلل عصير موهوب) أي بعد تخمره، وعبارة الإرشاد وشرحه، وإن تخمر، ثم تخلل عصير موهوب، لأن المالك الثابت في الخل: سببه ملك العصير، فكأنه الملك الأول بعينه (قوله: أو آجره) عبارة المنهاج: وكذا الإجارة على المذهب، قال م ر: لبقاء العين بحالها، ومورد الإجارة المنفعة، فيستوفيها المستأجر، ومقابل المذهب: قول الإمام إن لم يصح بيع المؤجر، ففي الرجوع تردد،.
اه (قوله: أو علق عتقه) أي العبد الموهوب (قوله: أو رهنه) أي رهن الفرع الموهوب عند غيره بدين أخذه منه، (وقوله: أو وهبه) أي لآخر (قوله: بلا قبض فيهما) أي في الرهن والهبة، بخلافهما بعده، فليس له الرجوع، كما سيصرح به (قوله: لبقائه) أي المذكور من الأرض التي غرسها أو بنى فيها، ومن العصير الذي تخلل الخ هو تعليل لجواز الرجوع في الجميع (قوله: فلا رجوع الخ) مفرع على مفهوم قوله إن بقي الموهوب في سلطنته (قوله: إن زال ملكه) الأنسب بسابقه إن زالت سلطنته (قوله: وإن كانت الهبة من الابن) أي الموهوب له لابنه، وهو غاية لعدم الرجوع، أي لا
يرجع الأصل على فرعه بعد أن وهب الفرع وأقبض، وإن كان الموهوب له فرعا أيضا للأصل بأن وهب الابن لابن أخيه من أبيه لإزالة الملك عن فرعه الذي وهب له ذلك الأصل (قوله: أو لأخيه لأبيه) أي أو الشقيق، وقيد بالأب، لإخراج الأخ للأم، فإنه لا يتوهم فيه الرجوع، لأنه أجنبي بالنسبة لذلك الأصل (قوله: أو ببيع) معطوف علي بهبة، أي ولا رجوع إن زال ملكه ببيع (قوله: ولو من الواهب) أي ولو كان البيع من الواهب نفسه الذي هو الأصل، فإنه لا رجوع له، وعبارة شرح الروض: وقضية كلامهم امتناع الرجوع بالبيع، وإن كان البيع من أبيه الواهب، وهو ظاهر.
اه.
وفي التحفة، يمتنع الرجوع، وإن كان الخيار باقيا للولد، كما اقتضاه إطلاقهم، لكن بحث الأذرعي جوازه إن كان البيع من أبيه الواهب وخياره باق، وهو ظاهر.
اه.
(وقوله: على الأوجه) هكذا في فتح الجواد، وانظر مقابله، فإن كان ما بحثه الأذرعي، فقد استظهره في التحفة، وفي النهاية أيضا.
وإن كان الجواز مطلقا، ولو لم يكن الخيار باقيا، فهو ظاهر، لكن لم أقف عليه في الكتب التي بأيدينا (قوله: أو بوقف) معطوف على بهبة أيضا، أي ولا رجوع أيضا إذا زال الملك عن الفرع بوقفه الموهوب.
قال في التحفة: أي مع القبول من الموقوف عليه إن شرطناه، فيما يظهر، لأنه قبله لم يوجد عقد يفضي إلى خروجه عن ملكه.
اه (قوله: ويمتنع الرجوع الخ) لو حذفه وجعلت الغاية لقوله فلا رجوع لكان أولى (قوله: وإن عاد(3/177)
إليه) غاية في امتناع الرجوع بزوال الملك، وهي للرد، أي يمتنع الرجوع، وإن عاد الموهوب إلى الفرع بعد زوال الملك عنه، فيكون الزوال الزائل العائد هنا كالذي لم يعد، وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: وعائد كزائل لم يعد في فلس مع هبة للولد في في البيع والقرض وفي الصداق بعكس ذاك الحكم باتفاق (قوله: ولو بإقالة) أي ولو كان العود بسبب إقالته للمشتري البيع، أو بسبب رد المبيع عليه بعيب (قوله: لأن الملك الخ) تعليل لإمتناع الرجوع بعد العود، أي وإنما امتنع الرجوع بعد العود، لأن الملك، أي الآن غير مستفاد من الأصل حتى يزيله بالرجوع فيه، (وقوله: حينئذ) أي حين إذ زال الملك وعاد (قوله: ثم رجع) أي الفرع الواهب (وقوله: فيه) أي الموهوب (قوله: ففي رجوع الخ) جواب لو، (وقوله: الأب) لو عبر بالأصل لكان أولى (قوله: والأوجه منهما) أي من الوجهين (وقوله: عدم الرجوع) قال في التحفة: سواء قلنا إن الرجوع، أي من الفرع، إبطال للهبة أم لا، لأن القائل بالإبطال لم يرد به حقيقته، وإلا لرجع في الزيادة المنفصلة.
اه (قوله: لزوال ملكه ثم عوده) أي وهو بمنزلة العدم
(قوله: ويمتنع) أي الرجوع، وقوله أيضا: أي كما يمتنع فيما إذا زال ملكه عنه (قوله: إن تعلق به) أي: بالموهوب (قوله: كأن رهنه لغير أصل) فإن كان له: فله الرجوع، قال الزركشي: لأن المانع منه، أي الرجوع، في صورة الأجنبي، وهو إبطال حقه، منتف هنا.
ولهذا صححوا بيعه من المرتهن دون غيره.
اه.
شرح الروض (قوله: وأقبضه) قيد أول، خرج به ما إذا لم يقبضه، فللأصل الرجوع فيه، ما مر، لبقاء سلطنة الوالد عليه (قوله: ولم ينفك) أي المرهون، وهو قيد ثان، خرج به، ما إذا انفك، فله الرجوع (قوله: وكذا إن استهلك) أي وكذا يمتنع الرجوع إن استهلك الموهوب، بأن لم تبق عينه، وهو محترز قوله بلا استهلاك (قوله: كأن تفرخ البيض) أي صار البيض الموهوب فراخا (قوله: أو نبت الحب) أي بأن زرعه ونبت (قوله: لأن الموهوب صار مستهلكا) علة لمقدر: أي فيمتنع الرجوع في البيض الذي تفرخ، وفي الحب الذي نبت، لأن الموهوب صار مستهلكا.
قال في النهاية: ويفرق بينه وبين نظيره في الغصب حيث يرجع المالك فيه، وإن تفرخ ونبت، بأن استهلاك الموهوب يسقط به حق الواهب بالكلية، واستهلاك المغصوب ونحوه لا يسقط به حق مالكه.
اه (قوله: ويحصل الرجوع بنحو رجعت) أفاد به أنه لا بد من لفظ يدل على الرجوع (قوله: كنقضتها إلخ) تمثيل لنحو رجعت، ومثله ارتجعت الموهوب واسترددته (قوله: وكذا بكناية) أي وكذا يحصل الرجوع بكناية.
(وقوله: مع النية) أي نية الرجوع (قوله: لا بنحو بيع) أي لا يحصل الرجوع بنحو بيع، أي من الأصل مع كونه في يد الفرع، لأن ما هو في ملك الغير لا ينتقل عنه بتصرف غيره فيه، وهذه التصرفات باطلة.
اه.
بجيرمي.
وعبارة الروض وشرحه، فلو باع الوالد أو أتلف أو وهب أو وقف أو أعتق أو وطئ أو استولد الموهوب، لم يكن رجوعا، لأنه ملك للولد بدليل نفوذ تصرفاته فيه، ولا ينفذ فيه تصرف الوالد.
ويخالف المبيع في زمن الخيار، بأن الملك فيه ضعيف، بخلاف ملك الولد للموهوب، فيلزمه بالإتلاف والاستيلاد: القيمة، وبالوطئ، المهر، وتلغو البقية.
اه.
(قوله: وإعتاقه) الأولى كإعتاق، ويكون تمثيلا لنحو البيع.
(وقوله: وهبة لغيره) أي الفرع الموهوب له أولا (قوله: ووقف) أي من الأصل للموهوب، ولا يصح وقفه كإعتاقه (قوله: لكمال ملك الفرع) تعليل لعدم حصول الرجوع بما ذكر، أي لا يحصل الرجوع بما ذكر لكمال ملك الفرع.
قال في التحفة، فلم يقو الفعل على إزالته.
اه (قوله: ولا يصح تعليق الرجوع بشرط) أي بوصف، كإذا(3/178)
جاء رأس الشهر فقد رجعت، وذلك لأن الفسوخ لا تقبل التعليق، كالعقود (قوله: ولو زاد الموهوب) أي عند الفرع (قوله: رجع) أي الأصل، ومتعلق الفعل محذوف: أي فيه (قوله: بزيادته المتصلة) أي مع زيادة الموهوب المتصلة.
فالباء بمعنى مع، وذلك لأنها تتبع الأصل (قوله: كتعلم الصنعة) تمثيل للزيادة المتصلة، والمراد: التعلم الذي لا معالجة للسيد فيه.
قاله زي.
والمراد بالسيد: الولد الموهوب له، ومفهومه أن التعلم إن كان فيه معالجة تقابل بأجرة، دفعها الواهب لابنه إن طلبها.
تأمل.
اه.
بجيرمي (قوله: لا المنفصلة) أي لا الزيادة المنفصلة عن الموهوب، فلا يرجع الأصل فيها (قوله: كالأجرة) تمثيل للزيادة المنفصلة.
وقوله والولد، أي الحادث الحمل به بعد القبض، بخلاف القديم، فيرجع فيه، لأنه من جملة الموهوب، بناء على أن الحمل يعلم (قوله: الحمل الحادث) معطوف على الأجرة، ومقتضاه أنه من الزوائد المنفصلة، وليس كذلك، بل هو من الزوائد المتصلة، وألحق بالزوائد المنفصلة في عدم الرجوع فيه، ولو قال - كما في شرح المنهج - وكذا حمل حادث، لكان أولى، وقوله على ملك فرعه، متعلق بالحادث، أي الذي حدث على ما هو ملك للفرع، وهو الأم، ويلزم منه أن يكون بعد القبض، وعبارة شرح المنهج: لحدوثه على ملك الفرع.
اه.
وهي أولى، لأنها أفادت علة كون الحمل الحادث لا يرجع الأصل فيه، بل إنما يرجع في أمه فقط (قوله: ويكره للأصل: الرجوع في عطية الفرع إلخ) شروع في بيان حكم الرجوع (قوله: إلا لعذر) أي فلا يكره (قوله: كأن الخ) تمثيل للعذر، وعبارة التحفة، كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به، فإن أصر.
لم يكره - كما قالاه - وبحث الأسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه، وندبه، إن أزاله، وإباحته، إن لم يفد شيئا.
والأذرعي عدم كراهته، إن احتاج الأب له لنفقة أو دين، بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه، ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه إلى كفه عن المعصية، والبلقيني: امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وكذا في لحم أضحية تطوع، لأنه إنما يرجع، ليستقل بالتصرف، وهو فيه ممتنع، وبما ذكره، أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر، بكلام الروضة وغيرها.
اه (قوله: وبحث البلقيني امتناعه) أي الرجوع (قوله: كزكاة الخ) تمثيل للصدقة الواجبة.
قال ع ش: لا يقال كيف يأخذ الزكاة أو النذر، مع إنه إذا كان فقيرا فنفقته واجبة على أبيه فهو غني بماله، وإن كان غنيا فليس له أخذ الزكاة من أصلها، لأنا نقول: نختار الأول، ولا يلزم من وجوب نفقته على أبيه، غناه، لجواز أن يكون له عائلة كزوجة، ومستولدة يحتاج للنفقة عليهما، فيأخذ من الزكاة ما يصرفه في ذلك، لأنه إنه يجب على أصله نفقته، لا نفقة عياله، فيأخذ من صدقة أبيه ما زاد على نفقة نفسه.
اه (قوله: وبما ذكره) أي البلقيني من امتناع الرجوع (قوله: ممن سبقه) أي تقدم عليه في الزمن، (وقوله: وتأخر عنه) أي فيه (قوله: وله الرجوع الخ) أي للأصل الرجوع في المال الذي أقر ذلك الأصل بأنه لفرعه (قوله: عن أبيه) أي نقلا عن أبيه (قوله: وفرض ذلك) أي فرض كونه
له الرجوع فيما أقر به إن لفرعه (قوله: فيما إلخ) الجار والمجرور خبر فرض، أي كائن فيما إذا فسر ما أقر به له بهبة.
قال سم، قضيته أنه لا يكفي ترك التفسير مطلقا، وفيه نظر.
اه (قوله: وهو فرض) أي فرض الرجوع في المقر به بما إذا فسره بهبة فرض لا بد منه، أي لا غنى عنه (قوله: لو وهب) أي المالك لغيره شيئا.
(وقوله: وأقبض) أي الموهوب للمتهب.
(وقوله: ومات) أي الواهب بعد الإقباض (قوله: فادعى الوارث كونه) أي ما ذكر من الهبة والإقباض واقعا في المرض: أي لأجل أن يعد من الثلث، لأن التصرفات الكائنة في مرض الموت تحسب منه (قوله: والمتهب) أي وادعى(3/179)
المتهب أن ما ذكر واقع في الصحة، لأجل أن يأخذه بتمامه من رأس المال (قوله: صدق) أي المتهب بيمينه، لأن العين في يده، والأصل دوام الصحة (قوله: ولو أقاما) أي الوارث والمتهب، (وقوله: بينتين) أي تشهد بينة كل بما ادعاه (قوله: قدمت إلخ) جواب لو (قوله: لأن معها) أي بينة الوارث وقوله زيادة علم، أي بالمرض الذي هو خلاف الأصل.
(تنبيه) قال في المغني: لو وهب لولده عينا، وأقبضه إياها في الصحة، فشهدت بينة لباقي الورثة أن أباه رجع فيما وهبه له، ولم تذكر ما رجع فيه: لم تسمع شهادتها، ولم تنزع العين منه، لاحتمال أنها ليست من المرجوع فيه.
اه.
(قوله: وهبة دين) أي أو التصدق به، (وقوله: الدين) متعلق بهبة (قوله: إبراء) أي صريحا، خلافا لما في الذخائر من أنه كناية، نعم، إن كان بلفظ الترك كأن يقول له تركته، أو لا آخذه منك، فهو كناية إبراء، وقوله له، أي للمدين.
وقوله عنه، أي عن الدين.
(قوله: فلا يحتاج إلى قبول) مفرع على كونه إبراء (قوله: نظرا للمعنى) هو كون هذه الهبة إبراء (قوله: ولغيره) معطوف على للمدين أي وهبة دين لغير المدين، كأن كان الدين على زيد، فوهبه لعمرو (قوله: هبة صحيحة) خبر المبتدأ المقدر قبل الجار والمجرور، أعني قوله لغيره (قوله: إن علما) أي الواهب والمتهب قدره، أي الدين، فإن لم يعلما قدره، فهي باطلة، لما مر من أن شرط صحة الهبة علم المتعاقدين بالموهوب (قوله: كما صححه إلخ) مرتبط بقوله هبة صحيحة (قوله: خلافا لما صححه المنهاج) أي من البطلان، وعبارته، وهبة الدين للمدين إبراء، ولغيره باطلة في الأصح.
اه.
قال في النهاية: لأنه غير مقدور على تسليمه، لأن ما يقبض من المدين، عين، لا دين، وظاهر كلام جماعة، واعتمده الوالد رحمة الله تعالى، بطلان ذلك، وإن قلنا بما مر من صحة بيعه لغير من هو عليه بشروطه السابقة، وهو كذلك، ويؤيده ما مر من صحة بيع الموصوف دون هبته، والدين مثله، بل أولى، الخ.
اه.
(قوله: تنبيه الخ) ذكره في المنهاج والمنهج في باب الضمان، ولم يذكره المؤلف هناك، وذكره هنا، لأنه لما بين أن هبة
الدين للمدين إبراء، ناسب أن يذكر ما يتعلق بالإبراء (قوله: لا يصح الإبراء من المجهول) أي الذي لا تسهل معرفته، بخلاف ما تسهل معرفته، كإبرائه من حصته من تركة مورثه، لأنه، وإن جهل قدر حصته، لكن يعلم قدر تركته، فتسهل معرفة الحصة، وعدم صحة ما ذكر، بالنسبة للدنيا.
وأما في الآخرة: فتصح، لأن المبرئ راض بذلك ولا يصح أيضا الإبراء المؤقت، كأن يقول أبرأتك مما لي عليك سنة، والمعلق بغير الموت.
أما المعلق به، كإذا مت فأنت برئ، فهو وصية، فيجري فيه تفصيلها (قوله: للدائن) متعلق بالمجهول (قوله: أو المدين) أي أو المجهول للمدين، (وقوله: لكن فيما فيه معاوضة) راجع للمدين، لا للدائن، كما في البجيرمي، ونص عبارته، فلا بد من علم المبرئ مطلقا وأما المدين، فإن كان الإبراء في معاوضة، كالخلع، بأن أبرأته مما عليه في مقابلة الطلاق، فلا بد من علمه أيضا، لتصح البراءة، وإلا فلا يشترط الخ.
اه (قوله: لا فيما عدا ذلك) أي لا تنتفي الصحة فيما عدا ما فيه معاوضة، فيصح إبراء المجهول للمدين في غير الذي فيه معاوضة، كدين ثبت عليه، وهو جاهل به فأبرأه منه الدائن العالم بقدره، (وقوله: على المعتمد) مرتبط بهذا فقط (قوله: وفي القديم الخ) أفاد به أن الأول، هو القول الجديد، وهو كذلك، كما صرح به في المنهاج، وعبارته: والإبراء من المجهول باطل في الجديد، قال في المغني، لأن البراءة متوقفة على الرضا، ولا يعقل مع الجهالة، والقديم أنه صحيح، لأنه إسقاط محض، كالإعتناق، ومأخذ القولين إنه تمليك أو إسقاط، فعلى الأول، يشترط العلم بالمبرأ، وعلى الثاني، لا يصح.
اه.
(وقوله: يصح) أي الإبراء.
(وقوله: مطلقا) أي فيما فيه معاوضة(3/180)
وفي غيره (قوله: ولو أبرأ) أي الدائن (قوله: ثم ادعى الجهل) أي فيما أبرأه (قوله: لم يقبل) أي ما ادعاه.
وقوله ظاهرا أي بالنسبة للدنيا، وقوله بل باطنا، أي بل يقبل باطنا ويترتب عليه أنه لا يحل للمدين، وأنه في الآخرة يطالب به (قوله: ذكره الرافعي) في التحفة بعده، لكن في الأنوار أنه إن باشر سبب الدين لم يقبل، وإلا كدين ورثه قبل.
وفي الجواهر نحوه، فليخص به كلام الرافعي.
اه (قوله: تصدق الصغيرة الخ) ظاهره أنها تصدق بيمينها في حال صغرها، وليس كذلك، بل بعد بلوغها، ولو قال تصدق المزوجة صغيرة الخ، لأفاد ذلك، إذ يكون المراد عليه تصدق بعد بلوغها، وعبارة التحفة، في باب الخلع، ولو أبرأت، ثم ادعت الجهل بقدره، فإن زوجت صغيرة، صدقت بيمينها، أو بالغة ودل الحال على جهلها به، ككونها مجبرة، لم تستأذن، فكذلك، وإلا صدق بيمينه، وإطلاق الزبيلي تصديقه في البالغة، محمول على ذلك اه.
ومثلها عبارة مؤلفنا هناك، وقوله المزوجة إجبارا، أي بالإجبار لها من أبيها أو جدها وقوله بيمينها، متعلق
بتصدق، وكذلك قوله في جهلها بمهرها (قوله: وكذا الكبيرة إلخ) أي وكذا تصدق الكبيرة المزوجة إجبارا، (وقوله: إن دل الحال على جهلها) أي إن دلت القرينة على جهلها به، ككونها لم تستأذن (قوله: وطريق الإبراء من المجهول) أي الحيلة في صحة الإبراء من المجهول (قوله: أن يبرئه) أي يبرئ الدائن مدينة، (وقوله مما يعلم الخ) أي من قدر يعلم المبرئ أنه لا ينقص عن الدين الذي له، كأن يبرئه من ألف وهو يعلم أن دينه لا يزيد عليها، بل شك، هل يبلغها، أو ينقص عنها؟ (قوله: ولو أبرأ الخ) يعني لو أبرأ شخص شخصا من دين معين كمائة ريال حال كون المبرئ، بكسر الراء، معتقدا أنه لا يستحقها، فتبين بعد ذلك أنه يستحقها وقت الإبراء، بأن مات مورثه وله مائة ريال عند المبرأ، بفتح الراء، فيبرأ منها، لأن العبرة بالواقع.
(فائدة) يكفي في الغيبة التوبة والإستغفار للمغتاب بأن يقول اللهم اغفر له إن لم تبلغه وإلا فلا بد من تعيينها بل وتعيين حاضرها إن اختلف به الغرض ثم ان أبرأه منها مطلقا أو في الدنيا والآخرة أو في الدنيا فقط سقطت وإلا فلا ومحله ما لم تكن كبيرة فإن كانت كبيرة بأن كانت في أهل العلم والقرآن فلا بد من التوبة المعتبرة في الكبائر (قوله: ويكره لمعط الخ) وذلك لخبر البخاري اتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم وخبر أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لمن أراد أن يشهد على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم (وقوله في عطية فروع) أفهم أنه لا يكره التفضيل في غيرها كالتودد بالكلام وغيره لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في التقبيل وله وجه وافهم قوله: فروع أن هذا الحكم لا يحري في الأخوة وغيرهم وهو كذلك، (قوله: وإن سفلوا) أي الفروع أي نزلوا (قوله: ولو الأحفاد) أي ولو كانوا أحفادا فإنه يكره التفضيل بينهم وهم أولادا لأولاد وفي القاموس أحفاد الرجل بناته أو أولاد أولاده.
اه وقوله مع وجود الأولاد ليس بقيد كما هو ظاهر (قوله: على الأوجه) راجع للغاية ومقابله يخصص كراهة ذلك بالأولاد وعبارة التحفة ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد.
اه (قوله: سواء إلخ) تعميم في العطية وقوله أم وقفا أي أم تبرعا آخر كالإباحة (قوله: أو أصول) بالجر عطف على فروع أي ويكره أيضا التفضيل في عطية أصول (قوله: وإن بعدوا) أي الأصول (قوله: سواء الذكر وغيره) أي سواء(3/181)
في كراهة التفضيل الذكر منهم والأنثى (قوله: إلا لتفاوت الخ) راجع لقوله يكره بالنسبة للصنفين الفروع والأصول
أي يكره ما ذكر إلا لتفاوت في الحاجة أو الفضل فلا يكره والحاصل محل الكراهة عند الإستواء في الحاجة وعدمها وفي الدين وقلته وفي البر وعدمه وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة بعض أولادهم كالصديق رضي الله عنه فإنه فضل السيدة عائشة على غيرها من أولاده كسيدنا عمر فإنه فضل ابنه عاصما بشئ وكسيدنا عبد الله بن عمر فإنه فضل بعض أولاده على بعضهم رضي الله عنهم أجمعين (قوله: على الأوجه) متعلق ببكره أيضا أي يكره ذلك على الأوجه ومقابلة ما ذكر بعد قوله قال: جمع يحرم أي التفضيل وعبارة التحفة فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال: جمع يحرم.
اه (قوله: ونقل) بصيغة المبني للمعلوم وفاعله يعود على النووي ومفعوله الجملة بعده فهي المنقولة وساقه في التحفة مستدركا به على كراهة تفضيل الأصول ونصها فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم الخ.
ثم قال: وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه أنه أولى من بعض اه.
وسياق عبارة الشارح يفيد أنه إذ أراد أن يفضل مع ارتكابه للكراهة أو للحرمة على القولين فليفضل الأم مع أنه ليس كذلك فكان الأولى له أن يسلك ما سلكه شيخه ليسلم من ذلك فتنبه (قوله: فإن فضل) أي أراد ذلك وقوله في الأصل أي في أصوله وهذا ليس في عبارة التحفة فهو من زيادته فكان الأولى أن يزيد أي التفسيرية (قوله: بل في شرح مسلم) الاضراب انتقالي (قوله: الاجماع على تفضيلها في البر) قال في التحفة وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة والعاصب أقوى من غيره وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى لأنها أحوج اه.
(واعلم أن أفضل البر، بر الوالدين، بالإحسان إليهما، وفعل ما يسرهما من الطاعات لله تعالى وغيرهما مما ليس بمنهي عنه.
قال تعالى: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحسانا) * (1) الآية، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: كان تحتي امرأة، وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي طلقها، فأبيت، فأتى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: طلقها رواه الترمذي وحسنه، ومن برهما: الإحسان إلى صديقهما، لخبر مسلم: إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ومن الكبائر: عقوق الوالدين، وهو أن يؤذيهما أذى ليس بالهين - ما لم يكن أذاهما به واجبا وصلة الرحم، أي القرابة مأمور بها أيضا، وهي فعلك مع قريبك ما تعد به واصلا، وتكون بالمال، وقضاء الحوائج، والزيارة، والمكاتبة، والمراسلة بالسلام، ونحو ذلك.
روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ثلاثة في
ظل العرش يوم القيامة: واصل الرحم، وامرأة مات زوجها وترك أيتاما فتقوم عليهم حتى يغنيهم الله أو يموتوا، ورجل اتخذ طعاما ودعا إليه اليتامى والمساكين وقال - صلى الله عليه وسلم -: رأيت في الجنة قصورا من در وياقوت وزمرد، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فقلت يا جبريل: لمن هذه المنازل قال: لمن وصل الأرحام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام، ورفق بالأيتام، وصلى بالليل والناس نياهم ويتأكد أيضا استحباب وفاء الوعد، قال تعالى: * (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم) * (2) ، وقال: * (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) * (3) ، وقال: * (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا) * (4) ويتأكد كراهة إخلاف الوعد.
قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) * (5) وروى الشيخان خبر: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان زاد مسلم
__________
(1) سورة الاسراء، الاية: 23.
(2) سورة النحل، الاية: 91.
(3) سورة المائدة، الاية: 1.
(4) سورة الاسراء، الاية: 34.
(5) سورة الصف، الاية: 2، 3.(3/182)
في رواية: وإن صام وصلى اللهم بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، آمين (قوله: فروع) أي خمسة، الأولى: قوله الهدايا الخ الثاني: قوله ولو أهدى الخ، الثالث: قوله ولو قال خذها الخ، الرابع: قوله ومن دفع الخ، الخامس قوله ولو بعث هدية الخ (قوله: الهدايا المحمولة) أي إلى أب المختون (قوله: ملك للأب) خبر المبتدأ، وهو الهدايا.
وصح ذلك، مع أن المبتدأ جمع، والخبر مفرد، لأن لفظ ملك مصدر، وهو يخبر به عن المثنى والجمع والمفرد (قوله: وقال جمع للإبن) أي أنها مالك للإبن، لا للأي (قوله: فعليه) أي على القول الثاني، وهو أنها للإبن، وقوله يلزم الأب قبولها، أي عند انتفاء المحذور، كما لا يخفى، ومنه قصد التقرب للأب وهو نحو قاض، فيمتنع عليه القبول، كما بحثه بعض الشراح، وهو ظاهر.
اه.
نهاية وتحفة (قوله: ومحل الخلاف) أي بين كونها للأب أو للإبن (قوله: إذا أطلق المهدي) بكسر الدال: اسم فاعل.
(وقوله: فلم يقصد الخ) مفرع على الإطلاق، ولو قال: أي لم يقصد، بأداة التفسير، لكان أولى، إذ هو عين الإطلاق، لا مرتب عليه (قوله: وإلا) أي وإن لم يطلق المهدي، بأن وجد منه قصد (قوله: فهي) أي الهدايا، وقوله لمن
قصده، أي من الأب، أو من الإبن، أو منهما (قوله: ويجري ذلك) أي التفصيل بين حالة الإطلاق وحالة القصد.
والمراد يجري بعض ذلك، لأنه في حالة الإطلاق هنا لا خلاف في أنه للخادم، بخلافه هناك، فإن فيه خلافا بين كونه للأب أو للإبن، بدليل التفريع بعده (قوله: فهو) أي ما يعطي للخادم، (وقوله: له) أي ملك له.
(وقوله: فقط) أي لا له معهم، (وقوله: عند الإطلاق) أي إطلاق المعطي، بكسر الطاء، (وقوله: أو قصده) أي أو عند قصده، أي الخادم، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعذ حذف الفاعل، أي عند قصد المعطى إياه (قوله: ولهم) أي وهو ملك لهم، أي الصوفية، (وقوله: عند قصدهم) أي قصد المعطي إياهم فقط (قوله: وله ولهم) أي وهو ملك للخادم والصوفية، (وقوله: عند قصدهما) أي قصد المعطي إياهما معا (قوله: أي يكون له النصف) يعني إذا قصدهما المعطي بالعطية، يكون له هو النصف، ولهم النصف الآخر.
قال في التحفة بعده، أخذا مما يأتي في الوصية لزيد الكاتب والفقراء.
اه.
قال سم: كذا في شرح م ر، وقد يفرق.
اه.
(قوله: وقضية ذلك) أي ما ذكر من جريان التفضيل فيما يعطاه خادم الصوفية (قوله: بين يدي صاحب الفرح) أي ختانا كان أو غيره (قوله: ليضع الناس فيها) أي في الطاسة (قوله: ثم يقسم) أي ما ذكر من الدراهم، والأولى تقسم: بالتاء، كما في التحفة، (وقوله: أو نحوهما) أي كالمعينين لهما (قوله: يجري الخ) الجملة خبر أن.
(وقوله: ذلك التفصيل) أي الكائن فيما يعطاه الخادم، والمراد يجري نظيره (قوله: فإن قصد الخ) بيان للتفصيل، وقوله ذلك، أي المذكور من الحالق أو الخاتم أو نحوهما (قوله: أو مع نظرائه المعاونين له) قال سم: هل يقسم بينه وبين المعاونين له بالسوية، أو بالتفاوت؟ وما ضابطه؟ ولا بد من اعتبار العرف في ذلك.
اه.
(قوله: وبهذا يعلم) أي ويجريان التفصيل في هذه المسائل الثلاث، وقوله هنا، أي في هذه المسائل، وقوله للعرف: أي العادي (قوله: أما مع قصد خلافه) أي العرف.
وقوله فواضح، خبر لمبتدأ محذوف، أي فهو، أي عدم النظر للعرف، واضح (قوله: وأما مع الإطلاق) أي عدم القصد رأسا (قوله: فلأن حمله) أي الإعطاء: أي تخصيصه بمن ذكر، وقوله من(3/183)
الأب، أي بالنسبة للصورة الأولى، (وقوله: والخادم) أي بالنسبة للثانية، (وقوله: وصاحب الفرح) أي بالنسبة للثالثة، (قوله: أن كلا إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بمن مقدرة بيانا للغالب (قوله: هو المقصود) خبر أن الثانية (قوله: هو عرف الشرع) خبر أن الأولى، أي أن الحمل المذكور نظرا للغالب هو عرف الشرع (قوله: فيقدم) أي عرف الشرع، (وقوله: على العرف) أي العادي.
(وقوله: المخالف له) أي لعرف الشرع (قوله: بخلاف الخ) خبر لمبتدأ
محذوف، أو حال مما قبله، كما تقدم غير مرة.
(قوله: فإنه تحكم فيه العادة) أي العرف العادي، والإسناد فيه من قبيل المجاز العقلي، وفي بعض نسخ الخط فإنه يحكم فيه بالعادة (قوله: ومن ثم إلخ) أي من أجل أن ما ليس للشرع فيه عرف تحكم العادة فيه.
(قوله: ولو نذر) أي من ينعقد نذره، وهو والمسلم المكلف (قوله: ميت) صفة لولي (قوله: بمال) متعلق بنذر (قوله: فإن قصد) أي الناذر، وقوله أنه، أي الولي الميت، (وقوله: يملكه) أي المال بنذره له، (وقوله: لغا) أي النذر، لأنه ليس أهلا للملك (قوله: وإن أطلق) أي لم يقصد شيئا (قوله: فإن كان الخ) أي في ذلك تفضيل، فإن كان الخ (قوله: ما يحتاج للصرف في مصالحه) أي شئ يحتاج لأن يصرف المنذور في مصالحه، كقناديل معلقة عليه فيحتاج لشراء زيت للإسراج به فيها، وتقدم، في مبحث النذر، أن الإنتفاع به شرط، فلو لم يوجد هناك من ينتفع به من مصل أو نائم أو نحوهما، لم يصح النذر.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن على قبره ما يحتاج للصرف فيه (قوله: فإن كان عنده) أي عند قبر الولي الميت، (وقوله: اعتيد قصدهم بالنذر) أي اطردت العادة بأنهم يقصدون بالنذر لذلك الولي (قوله: صرف لهم) أي صرف ذلك لهؤلاء القوم الذين اعتيد صرف النذر لهم، عملا بالعادة المطردة، ولم يذكر حكم ما إذا لم يكن هناك شئ يحتاج للصرف فيه ولم يكن قوم هناك يعتاد صرف النذر إليهم.
وقد تقدم في مبحث النذر في صورة ما إذا خرج أحد من ماله للكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة ما نصه: أنه إن اقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به، فإن لم يقتض العرف شيئا، فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها.
اه.
بتصرف.
ويمكن أن يقال هنا كذلك، وهو إنه إذا كان لقبر ذلك الولي ناظر، فيكون الرأي فيه له، ولا يلغو النذر، ويمكن خلافه.
فليراجع (قوله: ولو أهدى لمن خلصه من ظالم الخ) عبارة المغني: ولو خلص شخص آخر من يد ظالم، ثم أنفذ إليه شيئا، هل يكون رشوة أو هدية؟ قال القفال في فتاويه: ينظر، إن كان أهدى إليه مخافة أنه ربما لو لم يبره بشئ لنقض جميع ما فعله، كان رشوة، وإن كان يأمن خيانته، بأن لا ينقض ذلك بحال، كان هبة.
اه.
(قوله: لئلا ينقض) أي المهدى إليه، (وقوله: ما فعله) أي من تخليصه من ظالم (قوله: لم يحل له قبوله) أي لأنه إنما أعطاه خوفا من أن ينقض ما فعله، فهو رشوة، وفي التحفة، ولو شكا إليه أنه لم يعرف أجرته كاذبا، فأعطاه درهما أو أعطاه بظن صفة فيه أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا، لم يحل له قبوله ولم يملكه، ويكتفي في كونه أعطى لأجل تلك الصفة بالقرينة.
اه.
(قوله: وإلا حل) أي وإن لم يهد إليه، لئلا ينقض ما فعله، بل أهدى إليه لا لما ذكر، حل قبوله، وقوله إن تعين عليه تخليصه، بأن لم يكن هناك من يخلصه إلا هو، وهذا مبني على الأصح، أنه يجوز أخذ العوض على الواجب
العيني إذا كان في كلفة (قوله: ولو قال) أي شخص لآخر (قوله: خذ هذا) أي الدرهم أو الدينار (قوله: تعين) أي الشراء المأمور به.
(وقوله: ما لم يرد) أي بقوله واشتر كذا، (وقوله: التبسط) أي التوسع وعدم تعيين ما أمره بشرائه، وقوله أو تدل قرينة حاله، الإضافة للبيان.
وقوله عليه، أي على التبسط.
قال في التحفة: لأن القرينة هنا محكمة، ومن ثم قالوا لو(3/184)
أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه، أي وقد دلت القرينة عليه، تعين له (قوله: ومن دفع لمخطوبته الخ) هذه المسألة سيذكرها الشارح في أواخر باب الصداق، ونصها: لو خطب امرأة، ثم أرسل أو دفع إليها، بلا لفظ مالا قبل العقد، أي ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه، رجع بما وصلها منه.
اه.
قال في التحفة هناك، أي لأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة.
اه (قوله: فرد قبل العقد) أي لم يقبل، وقوله رجع على من أقبضه، أي لأنه إنما دفع إليها ما ذكر لأجل التزويج، ولم يوجد، وفي حاشية الجمل، في باب النكاح، ما نصه.
(سئل م ر) عمن خطب امرأة، ثم أنفق عليها نفقة ليتزوجها، فهل له الرجوع بما أنفقه أم لا؟.
(فأجاب) بأن له الرجوع بما أنفقه على من دفع له، سواء كان مأكولا، أو مشروبا، أم ملبسا، أم حلوا، أم حليا، وسواء رجع هو، أم مجيبه، أم مات أحدهما، لأنه إنما أنفقه لأجل تزوجها، فيرجع به إن بقي، وببدله إن تلف، وظاهر أنه لا حاجة إلى التعرض لعدم قصده الهدية لا لأجل تزوجه بها، لأنه صورة المسألة، إذ لو قصد ذلك، أي الهدية، لا لأجل تزوجه بها، لم يختلف في عدم الرجوع.
اه.
(قوله: ولو بعث) أي شخص (قوله: فمات المهدى إليه) أي الشخص الذي أهدي إليه (قوله: قبل وصولها) أي الهدية (قوله: بقيت على ملك المهدي) أي لما تقدم أن الهبة بأنواعها الثلاثة لا تملك إلا بالقبض بدليل أنه لما مات النجاشي قبل وصول ما أهداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رد له وقسمه بين زوجاته (قوله: فإن مات المهدي) أي قبل وصول ما أهداه للمهدى إليه، (وقوله: لم يكن للرسول الخ) أي لا يجوز له ذلك إلا بإذن الوارث.
وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) وإن مات المهدي أو المهدى إليه قبل القبض: فليس للرسول إيصالها، أي الهدية، إلى المهدى إليه، أو وارثه، إلا بإذن جديد.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/185)
باب في الوقف
(أي في بيان أحكام الوقف) وهو ليس من خصائص هذه الأمة، كما في شرح م ر.
وقال الحافظ، في الفتح، وأشار الشافعي: إلى أن الوقف من خصائص أهل الإسلام: أي وقف الأرض والعقار.
اه.
قال الرشيدي، وعبارة الشافعي رضي الله عنه: ولم يحبس أهل الجاهلية، فيما علمته، دارا ولا أرضا، وإنما حبس أهل الإسلام.
انتهت.
وأركانه أربعة: واقف، وموقوف عليه، وموقوف، وصيغة.
وشرط الواقف أهلية التبرع، فلا يصح وقف المجنون والصبي والمكره والمحجور عليه والمكاتب.
وشرط الموقوف عليه إن كان معينا، إمكان تملكه للموقوف حال الوقف عليه، فلا يصح الوقف على جنين، لعدم صحة تملكه، ولا وقف عبد مسلم أو مصحف على كافر، وشرط الموقوف أن يكون عينا معينة مملوكة، إلى آخر ما سيأتي، وشرط الصيغة، لفظ يشعر بالمراد صريحا: كوقفت، وسبلت، وحبست كذا على كذا، وكناية: كحرمت، وأبدت هذا للفقراء، وكتصدقت به على الفقراء، ويشترط فيها عدم التعليق، فلو قال إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت كذا على الفقراء، لم يصح، وعدم التأقيت: فلو قال وقفت كذا على الفقراء سنة، لم يصح، وسيذكر الشارح معظم ذلك (قوله: هو لغة الحبس) يقال وقفت كذا: أي حبسته.
قال الرشيدي: أنظر ما المراد بالحبس في اللغة؟ اه.
(قوله: وشرعا: حبس الخ) قد اشتمل هذا التعريف على الأركان الأربعة، وعلى معظم الشروط، فقوله حبس، يتضمن حابسا، وهو الواقف، ويتضمن صيغة.
(وقوله: مال) هو الموقوف، (وقوله: يمكن الانتفاع به الخ) بيان لمعظم الشروط، والمراد بالمال، العين المعينة بشرطها الآتي، غير الدراهم والدنانير، لأنها تنعدم بصرفها، فلا يبقى لها عين موجودة، (وقوله: بقطع التصرف) متعلق بحبس.
والمراد بالقطع، المنع والباء للملابسة، أو التصوير، يعني أن الحبس مصور بقطع الخ، أو متلبس به، (وقوله: في رقبته) أي ذاته متعلق بالتصرف، (وقوله: على مصرف) متعلق بحبس أيضا وهو الموقوف عليه.
(وقوله: مباح) خرج به المحرم، فلا يصح الوقف عليه.
(وقوله: وجهة) قال في فتح الجواد: كذا عبر به بعضهم، والأولى حذف آخرين لجهة، لإيهامه وعدم الإحتياج إليه لشمول ما قبله له.
اه.
(قوله: والأصل فيه خبر مسلم الخ) أي وقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ولما سمعها أبو طلحة رضي الله عنه رغب في وقف بيرحاء، وكانت أحب أمواله إليه، وهي حديثة مشهورة، مأخوذة من البراح، وهو الأرض الظاهرة، واستشكل هذا بأن الذي في حديث أبي طلحة: وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وأنها صدقة لله تعالى عزوجل وهذه الصيغة لا تفيد الوقف لشيئين: أحدهما أنها كناية، فتتوقف على العلم بأنه نوى الوقف بها، لكن قد يقال سياق الحديث
دال على أنه نواه بها، ثانيهما، وهو العمدة، أنهم شرطوا في الوقف بيان المصرف، فلا يكفي قوله لله عزوجل عنه، وحينئذ فكيف يقولون إنه وقفها؟ أفاده حجر (قوله: إذا مات المسلم) وفي رواية ابن آدم وقوله انقطع عمله، أي ثواب عمله، وقوله إلا من ثلاث: هذا العدد لا مفهوم له، فقد زيد على ذلك أشياء، نظمها العلامة السيوطي - فقال:
__________
(1) سورة آل عمران: الاية 92.(3/186)
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها، ودعاء نجل، وغرس النخل، والصدقات تجري وراثة مصحف، ورباط ثغر، وحفر البئر، أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه، أو بناء محل ذكر وزاد بعضهم: وتعليم لقرآن كريم فخذها من أحاديث بحصر وقوله علوم بثها، أي بتعليم، أو تأليف، أو تقييد بهوامش (قوله: أو علم ينتفع به) بالبناء للفاعل، أو للمفعول (قوله: أو ولد) فائدة التقييد به، مع أن دعاء الغير ينفعه، تحريض الولد على الدعاء لأصله.
وقوله أي مسلم، أي أن المراد بالصالح: المسلم، فأطلق الخاص وأراد العام.
وعبارة المغني، والولد الصالح هو القائم بحقوق الله وحقوق العباد، ولعل هذا محمول على كمال القبول، وأما أصله فيكفي فيه أن يكون مسلما.
اه.
(وقوله: يدعو له) أي لأبيه بنفسه، أو بتسبب في دعاء الغير لأبيه.
فدعاؤه له مستعمل في حقيقته وفي مجازه، وهو التسبب (قوله: وحمل العلماء) أي العارفون بالكتاب والسنة، وورد في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم -: خطب للناس يوما، فقال: يا أيها الناس اتبعوا العلماء، فإنهم سرج الدنيا، ومصابيح الآخرة، وورد ثلاثة تضئ في الأرض لأهل السماء، كما تضئ النجوم في السماء لأهل الأرض، وهي المساجد، وبيت العالم، وبيت حافظ القرآن (قوله: على الوقف) قال في المغني: والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف، كما قاله الرافعي، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها ناجزا.
وأما الوصية بالمنافع، وإن شملها الحديث، فهي نادرة، فحمل الصدقة في الحديث على الوقف أولى.
اه.
وقال البجيرمي: ما المانع من حمل الصدقة الجارية على بقية العشرة التي ذكروا أنها لا تنقطع بموت ابن
آدم؟ ولعل الشارح تبرأ من حملها على الوقف بخصوصه بقوله محمولة عند العلماء إشارة إلى أنه يمكن حملها على جميعها.
اه.
(قوله: دون نحو الوصية بالمنافع) أي فإنهم لم يحملوا الصدقة الجارية في الحديث عليها وإن كانت مؤبدة، وقد علمت أنه يكون ذلك نادرا، ويندرج تحت نحو النذر: الهبة، بناء على جوازها في المنافع، فيملكها المتهب، وهذا مبني أيضا على أن ما يوهب منافعه أمانة (قوله: وقف عمر الخ) بصيغة الفعل، وهو دليل آخر.
ويصح قراءته بصيغة المصدر عطف على خبر مسلم، أي والأصل فيه أيضا وقف الخ (قوله: أرضا أصابها) أي جزءا مشاعا من أرض أصابها غنيمة.
قال الجلال المحلي: وقف مائة سهم من خيبر.
اه.
(قوله: وشرط) أي عمر رضي الله عنه في صيغة الوقف.
وقوله فيها، أي في الأرض التي وقفها (قوله: منها) أي الشروط.
(وقوله: أصلها) أي رقبتها، أي أصل هو هي، فالإضافة للبيان (قوله: وأن من وليها) أي تولي أمرها، أي الأرض الموقوفة (قوله: يأكل منها بالمعروف) قال النووي في شرح مسلم: معناه يأكل المعتاد ولا يتجاوزه، ويطعم، أي غيره، فهو من الإطعام.
(وقوله: غير متمول) حال من فاعل يطعم.
قال ع ش: لعل المراد غير متصرف فيه تصرف ذي الأموال، ولا يحسن حمله على الفقير، لأنه لو كان مرادا، لم يتقيد بالصديق اه.
(قوله: رواه الشيخان) أي بلفظ: أنبأني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخير، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال يا رسول الله إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمرني به؟ قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف، لا جناح على من وليها أن(3/187)
يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول وقوله في الحديث أنه الخ المصدر المؤول مجرور بعلى مقدرة، والضمير يعود على أصلها، أي فتصدق بها عمر على أن أصلها لا يباع الخ (قوله: وهو) أي عمر رضي الله عنه (قوله: وعن أبي يوسف) أي ونقل عن أبي يوسف (قوله: أنه) أي أبا يوسف (قوله: أنه لا يباع أصلها) بدل من خبر عمر بدل بعض من كل (قوله: ببيع الوقف) أي بصحة بيعه، أي الاستبدال به (قوله: وقال لو سمعه لقال به) أي وقال أبو يوسف لو بلغ هذا الخبر أبا حنيفة لقال به، أي بما تضمنه، من عدم صحة بيع الوقف، قال في التحفة بعده، إنما يتجه الرد به على أبي حنيفة إن كان يقول ببيعه، أي الإستبدال به، وإن شرط الواقف عدمه.
اه.
قال سم: أي لأن عمر رضي الله عنه شرط عدم البيع، فهو إنما يدل على عدم البيع عند شرطه، لا عند عدمه.
ثم قال: وقد يقال إنما شرط عمر ذلك ليبين
عدم جواز بيع الوقف، فليتأمل.
اه.
(قوله: صح الوقف الخ) شروع في بيان شروط الموقوف.
فقوله عين، احترز به عن المنفعة، وقوله معينة، احترز به عما في الذمة عن المبهم، كواحد من عبديه.
وقوله مملوكة، احترز به عن الذي لا يملك، كمكتري، وموصى بمنفعته له، وحر، وكلب.
(وقوله: يقبل النقل) أي من ملك شخص إلى ملك شخص آخر، واخترز به عن أم ولد ومكاتب لأنهما لا يقبلان النقل، لأنهما قد حلهما حرمة العتق، فالتحقا بالحر، (وقوله: تفيد فائدة) أي يحصل منها فائدة، واحترز به: عما لا يفيد، كزمن لا يرجى زوال زمانته، (وقوله: حالا) أي كثمرة بستانه الحاصلة، (وقوله: أو مآلا) أي كعبد وجحش صغيرين، فيصح وقفهما، وإن لم تكن الفائدة موجودة في الحال.
(وقوله: أو منفعة) بالنصب، عطف على فائدة، من عطف الخاص على العام إن أريد بالفائدة ما يشمل الحسية والمعنوية.
وإن خصت بالحسية، كان من عطف المغاير.
(وقوله: يستأجر لها) الجار والمجرور نائب فاعل، والتقدير أو منفعة يستأجر الشخص العين لأجلها.
واحترز به عن ذي منفعة لا يستأجر لها، كآلة لهو، وطعام، (وقوله: غالبا) قال في شرح الروض احترز به عن الرياحين ونحوها فإنه لا يصح وقفها، كما سيأتي مع أنها تستأجر، لأن استئجارها نادر، لا غالب.
اه.
وقوله الرياحين: أي المحصودة، لا المزروعة، كما سيأتي - واحترز به أيضا عن فحل الضراب، فإنه يصح وقفه له، وإن لم تجز إجارته له، إذ يغتفر في القربة ما لا يغتفر في المعاوضة.
(وقوله: وهي باقية) أي تفيد ما ذكر، والحال أنها باقية، واحترز به عما يفيد، لكن باستهلاكه، كالمطعومات، فجميع هذه المحترزات لا يصح وقفها (قوله: لأنه) أي الوقف، وهو علة لاشتراط كون العين تفيد فائدة وهي باقية، أي وإنما اشترط ذلك لكون الوقف إنما شرع ليكون صدقة جارية، ولا يكون كذلك إلا إن حصل الإنتفاع بالعين مع بقائها.
(قوله: وذلك) اسم الإشارة يحتمل عوده على وقف في قوله صح وقف، أي وذلك الوقف الصحيح بسبب استكمال القيود كائن كوقف شحر الخ، ويحتمل عوده على العين المستكملة لما ذكر وتذكير اسم الإشارة على تأويلها بالمذكور، أي وذلك المذكور من العين التي يصح وقفها كائن كوقف الخ.
لكن لا بد عليه من تأويل وقف بموقوف، وتكون الإضافة من إضافة الصفة للموصوف، أي كشجر وقف لريعه الخ.
فتنبه (قوله: لريعه) أي نمائه متعلق بوقف، أي وقفه لأجل تحصيل ريعه (قوله: وحلي للبس) أي وكوقف حلي للبسه (قوله: ونحو مسك) معطوف على شجر: أي وكوقف نحو مسك كعنبر لأجل شمه، وقوله لشم، خرج به ما إذا كان للأكل، فلا يصح وقفه.
قال في شرح الروض، قال الخوارزمي وابن الصلاح يصح وقف المشموم الدائم نفعه، كالعنبر والمسك.
اه.
(قوله: وريحان مزروع) معطوف على نحو مسك، من عطف الخاص على العام، أي وكوقف ريحان مزروع لأجل
شمه، فيصح، لأنه يبقى مدة.
وفيه أيضا نفع آخر، وهو التنزه، ولا بد أن يكون للشم، لا للأكل، وإلا فلا يصح أيضا.
واحترز بالمزروع، عن المحصود، فلا يصح وقفه، لسرعة فساده (قوله: بخلاف عود البخور) أي فلا يصح وقفه.(3/188)
(وقوله: لأنه الخ) علة لمقدر، أي وإنما لم يصح وقفه، لأنه لا ينتفع به إلا باستهلاكه، أي بزوال عينه (قوله: والمطعوم) أي وبخلاف المطعوم، فهو معطوف على عود البخور.
(وقوله: لأن نفعه الخ) علة لمقدر أيضا، أي فلا يصح وقف المطعوم، لأن النفع به إنما يكون في إهلاكه.
وهذه العلة عين العلة المارة، فلو حذف تلك، وجعل هذه علة للمعطوف والمعطوف عليه، لكان أخصر (قوله: وزعم ابن الصلاح الخ) مبتدأ.
وقوله اختيار له، أي لابن الصلاح، خبره: أي وإذا كان مجرد اختيار له فقط، فلا يعترض به على عدم صحة وقف المطعوم (قوله: ويصح وقف المغصوب) أي ويصح للمالك أن يوقف العين التي غصبت عليه، لأنها ليس فيها إلا العجز عن صرف منفعتها إلى جهة الوقف في الحال، وذلك لا يمنع الصحة.
(قوله: وإن عجز) أي الواقف، (وقوله: عن تخليصه) أي المغصوب من الغاصب (قوله: ووقف العلو) أي ويصح وقف العلو فقط من دار أو نحوها، دون سفلها، (وقوله: مسجدا) عبارة الفتح: ولو مسجدا.
اه.
وهي أولى، لإفادتها التعميم (قوله: والأوجه صحة وقف المشاع) أي كجزء من دار أو من أرض.
ويصح وقفه، وإن جهل قدر حصته أو صفتها، لأن وقف عمر السابق، كان مشاعا، ولا يسري للباقي، ولو كان الواقف موسرا، بخلاف العتق.
(وقوله: وإن قل) أي المشاع الموقوف مسجدا، والغاية للرد، كما تفيده عبارة النهاية، ونصها، ولا فرق فيما مر بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أو الأكثر، خلافا للزركشي ومن تبعه اه.
ولو أخرها عن قوله ويحرم المكث الخ، لكان أولى، لأن مراد النهاية بقوله فيما مر، حرمة المكث، (وقوله: مسجدا) مفعول وقف، والأولى أن يأخذه غاية، بأن يقول: ولو مسجدا، كما يفيده إطلاق المنهاج، وعبارته: ويصح وقف عقار ومنقول ومشاع.
اه.
قال في النهاية: وشمل كلامه ما لو وقف المشاع مسجدا.
اه.
(قوله: ويحرم المكث فيه) أي في المشاع الموقوف مسجدا، وفي شرح الروض، وأفتى البارزي بجواز المكث فيه، ما لم يقسم.
اه.
وفي النهاية: وتجب قسمته لتعينها طريقا، وما نوزع به مردود، وتجويز الزركشي المهايأة هنا بعيد، إذ لا نظير لكونه مسجدا في يوم وغير مسجد في آخر.
اه.
وفي البجيرمي: وتصح فيه التحية دون الإعتكاف، لأن الإعتكاف، لا يصح إلا في المسجد الخالص، ولا يجوز فيه التباعد عن الإمام أكثر من ثلاثمائة ذراع بين المصلين.
اه.
(وقوله: تغليبا للمنع) أي منع المكث الذي هو مقتضى الوقف به على جواز المكث
الذي هو مقتضى الملك.
ولو قال تغليبا للوقف على الملك، أي للجزء الموقوف على الجزء المملوك، لكان أولى.
قال في المغني: (فإن قيل) ينبغي عدم حرمة المكث فيما إذا كان الموقوف مسجدا أقل، كما أنه لا يحرم حمل التفسير إذا كان القرآن أقل على المحدث.
(أجيب) بأن المسجدية هنا شائعة في جميع أجزاء الأرض، غير متميزة في شئ منها، فلم يمكن تبعية الأقل للأكثر، إذ لا تبعية إلا مع التمييز، بخلاف القرآن، فإنه متميز عن التفسير، فاعتبر الأكثر، ليكون الباقي تابعا.
اه.
(قوله: ويمتنع اعتكاف إلخ) عبارة التحفة، ومر في مبحث خيار الإجارة أنه يتصور لنا مسجد تملك منفعته، ويمتنع نحو اعتكاف وصلاة فيه من غير إذن مالك المنفعة اه.
(وقوله: ومر الخ) عبارته هناك، ومما يتخير به أيضا ما لو استأجر محلا لدوابه فوقفه المؤجر مسجدا، فيمتنع عليه تنجيسه وكل مقذر له من حينئذ، ويتخير، فإن اختار البقاء، انتفع به إلى مضي المدة، وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر، وحينئذ، يقال لنا مسجد منفعته مملوكة الخ اه.
إذا علمت ذلك، تعلم أن عبارة الشارح سقطا من النساخ (قوله: بوقفت الخ) متعلق بقوله صح وقف عين، وهو شرع في بيان الصيغة، وقد تقدم بيان شروطها، فلا تغفل.
(وقوله: وسبلت وحبست) بتشديد الباء فيهما، وهما من الصرائح، على الصحيح، لاشتهارهما فيه شرعا وعرفا.
أما الأول، وكل ما كان مشتقا من لفظ الوقف فصريح قطعا(3/189)
(قوله: كذا على كذا) متعلقان بكل من وقفت وما بعده.
قال في المغني، فإن لم يقل على كذا، لم يصح.
اه.
(قوله: أو أرضي موقوفه أو وقف عليه) أي أو قال ذلك، وهو من الصريح بلا خلاف، كما علمت (قوله: فصريح في الأصح) تصريحه بالصراحة هنا وعدم تصريحه بها فيما سبق، يفيد أن جميع ما سبق متفق على صراحته، مع أنه ليس كذلك، لأن بعضه متفق عليه وهو ما كان مشتقا من لفظ الوقف، وبعضه مختلف فيه وهو ما عداه، كما تقدم، فكان عليه أن ينص على ذلك، وإنما كان ما ذكر صريحا في الأصح، لأن لفظ التصدق مع هذه القرائن لا يحتمل غير الوقف (قوله: ومن الصرائح الخ) أي على الأصح (قوله: فيصير) أي المكان.
(وقوله: به) أي بقوله جعلت الخ (قوله: وإن الخ) غاية في صيرورته مسجدا بقوله المذكور (قوله: ولا أتي بشئ مما مر) أي: من قوله لا يباع ولا يوهب ولا يورث (قوله: لأن المسجد الخ) علة لصيرورته مسجدا بذلك، أي أنه يصير مسجدا بمجرد قوله جعلته مسجدا، لأن المسجد لا يكون إلا وقفا، فأغنى
لفظه عن لفظ الوقف ونحوه (قوله: ووقفته للصلاة إلخ) أي وإذا قال الواقف وقفت هذا المكان للصلاة فهو صريح في مطلق الوقفية (قوله: وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها) فإن نوى المسجدية، صار مسجدا، وإلا صار وقفا على الصلاة فقط، وإن لم يكن مسجدا، كالمدرسة (قوله: في غير الموات) لا يظهر تعقله بما قبله، فكان الأولى إسقاطه، أو تأخيره وذكره بعد قوله فلو بنى بناء على هيئة مسجد الخ، كما في التحفة، وفتح الجواد، وعبارة الثاني، ووقفته للصلاة صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية، فلا بد من نيتها، بخلاف البناء على هيئة المسجد، فإنه غير كناية، وإن أذن في الصلاة فيه، إلا بموات، فيصير مسجدا بمجرد البناء مع النية، خلافا للفارقي، لأن اللفظ إنما احتيج إليه لإخراج ما كان في ملكه عنه، وهذا لم يدخل في ملك من أحياه مسجدا، فلم يحتج للفظ، وصار للبناء حكم المسجد تبعا، ومن ثم اتجه جريان ذلك في بناء مدرسة أو رباط أو حفر بئر وإحياء مقبرة في الموات بقصد التسبيل.
اه.
ويحتمل على بعد أنه مرتبط بكلام المتن فيكون خبرا لمبتدأ محذوف، أي ما ذكر من كون صحة الوقف بوقفت الخ في غير الموات، أما في الموات، وهو الأرض التي لم تعمر قط، أو عمرت جاهلية، فيصح الوقف من غير ذلك (قوله: من أنه الخ) الصواب إسقاط لفظ من، ولا يصح جعلها زائدة، لأنها لا تزاد في الإثبات إلا على رأي ضعيف، وقوله لو عمر، بتخفيف الميم، من العمارة، أما بالتشديد، فمن التعمير في السن، أي طول الأجل، ومن الأول، قوله تعالى: * (إنما يعمر مساجد الله) * (1) ومن الثاني، قوله تعالى: * (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) * (2) ، * (أو لم نعمركم) * (3) الآية.
اه.
ش ق.
(وقوله: ولم يقف آلاته) أي التي حصلت العمارة بها، من خشب، وحجر، ونحوهما، وضميره يعود على الشخص المعمر، كضمير الفعل قبله (قوله: كانت) أي الآلات، وهو جواب لو.
(وقوله: عارة له) أي للمسجد.
(وقوله: يرجع الخ) بيان لحكم العارية.
وفي النهاية: وقول الروياني لو عمر الخ يمكن حمله على ما إذا لم يبن بقصد المسجد، والقول بخلافه على ما إذا بني بقصد ذلك.
وفي كلام البغوي ما يرد كلام الروياني.
اه.
وقوله وفي كلام البغوي، هو ما سيذكره الشارح قريبا بقوله قال البغوي في فتاويه الخ، كما في التحفة (قوله: لما أضيف) أي للمسجد،
__________
(1) سورة المائدة، الاية: 18.
(2) سورة البقرة، الاية: 96.
(3) سورة الفاطر، الاية: 37.(3/190)
والجار والمجرور متعلق بيثبت.
(وقوله: من الأرض) بيان لما.
(وقوله: حوله) متعلق بأضيف، أي أضيف حول
المسجد (قوله: إذا احتيج إلى توسعه) أي المسجد، أي ولم يوقف ما أضيف له مسجدا أيضا، وإلا ثبت له حكم المسجد، كما هو ظاهر (قوله: وعلم مما مر) أي من قول المصنف صح وقف بوقفت الخ (قوله: ولا يأتي فيه) أي الوقف خلاف المعاطاة، وفارق نحو البيع بأنها عهدت فيه جاهلية، فأمكن تنزيل النص عليها، ولا كذلك الوقف.
اه.
تحفة.
والنص هو قوله: إنما البيع عن تراض، فحمل على البيع المعروف لهم، ولو بالمعاطاة عقد من يقول بها.
اه.
ع ش (قوله: فلو بنى الخ) مفرع على قوله ولا يأتي فيه الخ (قوله: لم يخرج بذلك) أي بما ذكر من البناء على هيئة المسجد والإذن بإقامة الصلاة فيه عن كونه ملكا له، وهذا في غير الموات، أما فيه فلا يحتاج إلى لفظ، كما مر آنفا (قوله: كما إذا إلخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما لو بنى مكانا على هيئة مقبرة وأذن في الدفن، فإنه لا يخرج بذلك عن ملكه (قوله: بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف) أي بخلاف ما لو بنى على هيئة مسجد وأذن في الإعتكاف فيه فإنه يصير مسجدا بذلك، قال في التحفة: ويوجه ما فيه بأن الإعتكاف يستلزم المسجدية، بخلاف نحو الصلاة.
اه.
وكتب سم ما نصه: المتجه أن مجرد الإذن في الإعتكاف فيه ليس إنشاء لوقفه مسجدا، بل متضمن للاعتراف بذلك، فلا يصير مسجدا في نفس الأمر بمجرد ذلك.
م ر.
اه.
(قوله: لو قال) أي مالك أرض (قوله: لقيم المسجد) أي للقائم على عمارته (قوله: صار له) أي اللبن (قوله: وليس له) أي للقائل لقيم المسجد ما ذكر.
(وقوله: نقضه) بفتح النون، أي هدمه وأخذ لبنه، ويحتمل أنه بكسر النون بمعنى المنقوض، أي ليس له إذا خرب المسجد منقوضه، والمراد اللبن الذي قطع من أرضه، بل حكمه حكم بقية آلات المسجد.
قال في القاموس: النقض للبناء، والحبل والعهد ضد الإبرام، كالانتقاض، والتناقض، وبالكسر: المنقوض.
اه.
(قوله: وله) أي للقائل ما مر.
(وقوله: استرداده) أي اللبن، أي الرجوع فيه، (وقوله: قبل أن يبني به) أي قبل أن يبني المسجد بذلك اللبن (قوله: وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك) لم يتقدم لاسم الإشارة مرجع، فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من عبارة التحفة ونصها: نعم بناء المسجد في الموات تكفي فيه النية، ثم قال: وألحق الأسنوي بالمسجد في ذلك نحو المدارس والربط، والبلقيني أخذ منه أيضا البئر المحفورة للسبيل والبقعة المحياة مقبرة الخ.
اه.
ومثله في النهاية ومغني الخطيب.
وكتب ع ش: قوله في ذلك، أي أنه يصير وقفا بنفس البناء.
اه.
(قوله: فيصير كذلك) أي وقفا بمجرد بنائه (قوله: وضعفه بعضهم) أي ضعف ما قاله الشيخ.
وفي التحفة، واعترض بعضهم ما قاله الشيخ بأنه قرعه على طريقة ضعيفة.
اه.
(قوله: ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله، أو ليباع نسلها لمصالحه) قال في الروض وشرحه: وإن أطلق فلا يصح، وإن كنا نعلم أنه يريد ذلك، لأن الاعتبار
باللفظ ذكره في الروضة عن القفال، ونقله عن الرافعي أواخر الباب مع نظيره فيما لو وقف شيئا على مسجد كذا ولم يبين جهة مصرفه لكنه قال عقبهما، ومقتضى إطلاق الجمهور الصحة.
اه.
(قوله: وشرط له إلخ) شروع في ذكر شروط الوقف، وذكر ثلاثة منها، وهي التأبيد، والتنجيز، وإمكان التمليك.
والثاني في الحقيقة من شروط الصيغة، والثالث(3/191)
للموقوف عليه، كما تقدم بيانه أول الباب (قوله: تأبيد) قال البجيرمي، معنى تأبيده أن يقف على ما لا ينقرض عادة، كالفقراء والمساجد، أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض، كأولاد زيد، ثم الفقراء (قوله: فلا يصح تأقيته) أي لفساد الصيغة به، إذ وضعه على التأبيد، وسواء في ذلك طويل المدة وقصيرها.
نعم، ينبغي أن يقال لو وقفه على الفقراء ألف سنة أو نحوها مما يبعد بقاء الدنيا إليه، صح، كما بحثه الزركشي، كالأذرعي، لأن القصد منه التأبيد دون حقيقة التأقيت، ومحل فساد الصيغة به فيما لا يضاهي التحرير، أي يشابهه، في انفكاكه عن اختصاص الآدميين، أما فيما يضاهيه، كالمسجد والرباط والمقبرة: كقوله جعلته مسجدا سنة، فإنه يصح مؤبد ويلغو التأقيت، كما لو ذكر فيه شرطا فاسدا (قوله: كوقفته على زيد سنة) تمثيل للمؤقت.
قال في شرح الروض: نعم إن عقبه بمصرف آخر، كأن وقف على أولاده سنة، ثم على الفقراء، صح.
وروعي فيه شرط الواقف.
نقله الخوارزمي.
اه.
(قوله: وتنجيز) معطوف على تأبيد: أي وشرط له تنجيز (قوله: فلا يصح تعليقه) أي الوقف، لأنه عقد يقتضي إزالة الملك في الحال، ومحله أيضا فيما لا يضاهي التحرير، فلو قال إذا جاء رمضان فقد جعلت هذا المكان مسجدا، صح، كما ذكره ابن الرفعة، ولا يصير مسجدا إلا إذا جاء رمضان.
وأفهم كلامه أنه لو نجز الوقف وعلق الاعطاء، صح، كوقفته على زيد، ولا يصرف إليه إلا أول شهر كذا مثلا، وهو كذلك، كما نقله البجيرمي، عن الزركشي، عن القاضي حسين، (قوله: نعم يصح) تعليقه بالموات استثناء من عدم صحة التعليق، والمراد به مطلق الربط، ولو لم يكن بواسطة أداة الشرط، كمثاله المذكور بعد، ومثال ما كان بواسطة الأداة، إذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها فإنه لا يصح، كما في التحفة ونصها، نعم يصح تعليقه بالموت كإذا مت فداري وقف على كذا أو فقد وقفتها، إذ المعنى فاعلموا أني قد وقفتها، بخلاف إذا مت وقفتها.
والفرق أن الأول إنشاء تعليق، والثاني تعليق إنشاء، وهو باطل، لأنه وعد محض.
ذكره السبكي.
اه.
(قوله: قال الشيخان وكأنه وصية) أي وكأن المعلق بالموت وصية، أي في حكمها.
وفي الرشيدي ما نصه: قال الشارح في شرحه للبهجة.
(والحاصل) أنه يصح ويكون حكمه حكم الوصايا في اعتباره من الثلث، وفي جواز الرجوع عنه، وفي عدم صرفه للوارث، وحكم الأوقاف في تأبيده، وعدم بيعه وهبته وارثه.
اه.
(قوله: لقول القفال الخ) تعليل لكونه في حكم الوصية، أي وإنما كان في حكمها لقول القفال أنه لو عرضها، أي الدار، المعلق وقفها على الموت للبيع، كان عرضه المذكور رجوعا عن الوقف المذكور، كالوصية، فإنه لو عرض الموصي ما أوصى به للبيع، كان رجوعا.
ويفرق بينه وبين المدبر، حيث كان العرض فيه ليس رجوعا، بل لا بد من البيع بالفعل، بأن الحق المتعلق به، وهو العتق، أقوى، فلم يجز الرجوع عنه إلا بنحو البيع دون العرض عليه، كذا في التحفة والنهاية (قوله: وإمكان تمليك) معطوف على تأبيد، أي وشرط له إمكان تمليك الواقف للموقوف عليه العين الموقوفة، ففاعل المصدر محذوف، والعين مفعوله.
والأولى: وإمكان تملكه - كما عبر به في المنهج - وشرط في الموقوف عليه عدم المعصية، فلو قال وقفت على زيد ليقتل من يحرم قتله أو على مرتد أو حربي، لم يصح (قوله: إن وقف على معين) قيد في هذا الشرط، وخرج به، ما إذا وقف على جهة فيصح الوقف بدون هذا الشرط، أعني إمكان تمليكه، نعم، يشترط فيها عدم المعصية.
وعبارة المنهج مع شرحه، وشرط في الموقوف عليه إن لم يتعين، بأن كان جهة عدم كونه معصية فيصح الوقف على فقراء وعلى أغنياء، وإن لم تظهر فيهم قربة، نظرا إلى أن الوقف تمليك، كالوصية، لا على معصية، كعمارة كنيسة للتعبد.
وشرط فيه، إن تعين مع ما مر، إمكان تملكه للموقوف عليه من الواقف، لأن الوقف تمليك للمنفعة.
اه.
(قوله: واحد أو جمع) بدل من معين أو صفة له (قوله: بأن يوجد الخ) تصوير لإمكان التمليك.
أي أنه مصور بوجود الموقوف عليه حال الوقف خارجا متأهلا للملك(3/192)
(قوله: فلا يصح الوقف على معدم) أي لعدم وجوده خارجا حال الوقف، فهو لا يمكن تمليكه (قوله: كعلى مسجد سيبنى) أي كأن يقول: وقفت هذا على مسجد، وهو معدوم (قوله: أو على ولده ولا ولد له) أي أو قال وقفت هذا على أولادي، والحال أنه لا أولاد له، فلا يصح، ومحله إن لم يكن له ولد ولد، وإلا حمل عليه قطعا، صيانة للفظ عن الإلغاء، فلو حدث له ولد بعد ذلك، فالظاهر الصرف إليه، لوجود الحقيقة، وأنه يصرف لولد الولد معه فلا يحجبه، بل يشتركان.
أفاده م ر.
اه.
ش ق (قوله: أو على من سيولد لي) أي أو قال وقفت على من سيولد لي (قوله: ثم الفقراء) راجع للجميع، ويحتمل رجوعه للأخير فقط.
(وقوله: لانقطاع أوله) علة لعدم الصحة في الجميع، أي لا يصح الوقف على مسجد سيبنى، أو على ولده ولا ولد له، أو على من سيولد له، لانقطاع أوله، والوقف المنقطع الأول باطل، لتعذر
الصرف إليه حالا، ومن بعده فرعه، ولو لم يذكر بعد الأول مصرفا، فهو باطل بالأولى، لأنه منقطع الأول والآخر كما سيأتي (قوله: أو علي فقراء أولاده) أي أو قال وقفت هذا على فقراء أولادي (قوله: ولا فقير فيهم) أي والحال أنه لا فقير في أولاده موجود حال الوقف، فإن كان فيهم فقير صح، وصرف للحادث فقره، لصحته على المعدوم تبعا، كما سيأتي، ومثله ما لو وقف على أولاده وليس عنده إلا ولد واحد، فإنه يصح، ويصرف للحادث وجوده (قوله: أو علي أن يطعم) بالبناء للمجهول، وهو يطلب مفعولين: فالمساكين نائب فاعل، وهو مفعوله الأول، وريعه مفعوله الثاني، ويصح العكس، عملا بقول ابن مالك: وباتفاق قد ينوب الثان من باب كسا فيما التباسه أمن (وقوله على رأس قبره) أي قبر نفسه والحال أنه حي.
وإنما لم يصح الوقف على ما ذكر، لأنه حينئذ منقطع الأول، لأنهم لا يطعمون من ريعه على قبره وهو حي، وكتب سم ما نصه: قوله أو علي أن يطعم المساكين ريعه، كيف يصدق هنا المعين حتى يحتاج إلى إخراجه بإمكان تمليكه بدليل جعله في حيز التفريع؟ اه.
(قوله: بخلاف قبر أبيه الميت) أي بخلاف ما لو وقف على أن يطعم المساكين ريعه على قبر أبيه الميت فإنه يصح، وذلك لعدم انقطاع الأول، لبيان المصرف أو لا (قوله: وأفتى ابن الصلاح بأنه) أي الواقف (قوله: على قبره) أي قبر نفسه (قوله: بعد موته) متعلق إما بيقرأ فتكون هذه الصورة الوقف فيها منجز وإلا عطاء معلق على القراء ببعد الموت، أو بوقف فيكون الوقف فيها معلقا ببعد الموت.
وحينئذ فيكون ما أفتى به ابن الصلاح عين الصورتين اللتين سيذكرهما الشارح بقوله بخلاف وقفته الآن أو بعد موتي على من يقرأ على قبري الخ.
فتنبه (قوله: فمات ولم يعرف له قبر) أي والحال أنه لم يعرف قبره، فإن عرف له قبر: لم يبطل، كما سيذكره الشارح، (وقوله: بطل) أي الوقف.
قال في التحفة، وكأن الفرق، أي بين مسألة الإطعام ومسألة القراءة، أن القراءة على القبر مقصودة شرعا، فصحت، بشرط معرفته، ولا كذلك الإطعام عليه، على أنه يأتي تفصيل في مسألة القراءة على القبر، فاعلمه اه.
وذلك التفصيل، هو ما سيذكره الشارح (قوله: ويصح) أي الوقف، وهذا كالتقييد لقوله فلا يصح على معدوم، أي محله ما لم يكن تبعا للموجود الموقوف عليه، وإلا صح (قوله: ولا على أحد هذين) معطوف على قوله معدوم، أي ولا يصح الوقف على أحد هذين، أي لإبهامه، والمبهم غير صالح للملك.
وزاد في التحفة شرط التعيين لإخراج هذا (قوله: ولا على عمارة مسجد) أي ولا يصح على عمارة مسجد مبهم لإبهامه.
(وقوله: إن لم يبينه) أي المسجد في صيغة الوقف، فإن بينه، بأن قال، وقفت هذا على عمارة المسجد الفلاني، صح(3/193)
(قوله: ولا على نفسه) أي ولا يصح الوقف على نفسه، أي في الأصح، ولا يصح أيضا على جنين، ولا على العبد لنفسه، لأنه ليس أهلا للملك.
فإن أطلق الوقف عليه، فهو لسيده، إن كان غير الواقف، وإلا فلا يصح أيضا، ولا على بهيمة مملوكة لأنها ليست أهلا للملك، إلا إن قصد مالكها فهو وقف عليه.
وخرج بالمملوكة: الموقوفة، كالخيل المسبلة في الثغور ونحوها، فيصح الوقف عليها.
وكذلك الوقف على الأرقاء الموقوفين على خدمة الحرم والكعبة المشرفة والروضة المنيفة، فإنه يصح (قوله: لتعذر تمليك الإنسان إلخ) علة لعدم صحة الوقف على نفسه، أي وإنما لم يصح ذلك لتعذر أن يملك الإنسان ملكه أو المنافع لنفسه، وذلك لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل، وعلى مقابل الأصح يصح، لاختلاف الجهة، لأن استحقاقه ملكا غيره وقفا.
ورده في التحفة بأن اختلاف الجهة لا يقوى على دفع ذلك التعذر، ثم إن التردد المستفاد من أو، في قوله أو منافع ملكه، مبني على القولين في كون الوقف تمليك العين للموقوف عليه والمنفعة فقط، والمعتمد الثاني، وأما العين فهي تنتقل لله تعالى، بمعنى أنها تنفك عن اختصاص الآدميين، كما سيأتي، (قوله: ومنه) أي ومن الوقف على نفسه الباطل (قوله: أن يشرط) أي الواقف، ويبطل الوقف بهذا الشرط.
(وقوله: نحو قضاء دينه) دخل تحت نحو أخذه من ريعه مع الفقراء، فهو باطل، كما في المغنى (قوله: أو انتفاعه به) أي أو يشرط انتفاعه به، أي بما وقفه بنحو سكناه فيه.
قال ابن حجر: أي ولو بالصلاة فيما وقفه مسجدا.
اه.
أي فيبطل الوقف بهذا الشرط، قال ع ش: ومثل ذلك في البطلان ما وقع السؤال عنه من أن شخصا وقف نخيلا على مسجد بشرط أن تكون ثمرتها له، والجريد والليف والخشب ونحوهما للمسجد (قوله: لا شرط الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن ويشرط، أي لا من الوقف على نفسه أن يشرط أن يشرب من البئر التي وقفها، أو أن يطالع في الكتاب الذي وقفه، أي فلا يبطل الوقف به (قوله: كذا قاله بعض شراح المنهاج) قال في التحفة بعده، وليس بصحيح، وكأنه توهمه من قول عثمان رضي الله عنه في وقف بئر رومة بالمدينة دلوي فيها كدلاء المسلمين، وليس بصحيح، فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط، بل على سبيل الإخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام، كالصلاة بمسجد وقفه، والشرب من بئر وقفها، ثم رأيت بعضهم جزم بأن شرط نحو ذلك يبطل الوقف.
اه.
(قوله: ولو وقف على الفقراء مثلا) أي أو العلماء، أو الغزاة، أو نحو ذلك (قوله: ثم صار) أي الواقف (قوله: جاز له الأخذ منه) أي من وقفه ويكون كأحد الفقراء، وهذا كالإستثناء من عدم صحة الوقف على نفسه.
وذكر في المغني مسائل كثيرة مستثناة منه، وعبارته، ويستثنى من عدم صحة
الوقف على نفسه مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء ثم افتقر، أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة أو نحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك، فله الانتفاع معهم، لأنه لم يقصد نفسه، ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا، وذكر صفات نفسه، فإنه يصح، كما قاله القاضي الفارقي، وابن يونس، وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة، وإن خالف فيه الماوردي، ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة المثل، لأن استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط النظر بأكثر منها، لم يصح الوقف، ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها ثم يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف، ويتصرف هو في الأجرة، كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته، كما عليه العمل الآن، فإنه لا ينقض حكمه.
اه.
وقد ذكر الشارح بعض هذه المستثنيات (قوله: وكذا لو كان الخ) أي وكذلك يجوز له الأخذ منه لو كان فقيرا حال الوقف (قوله: ويصح شرط النظر لنفسه) أي بأن يقول وقفت داري هذه على الفقراء مثلا بشرط النظر لي (قوله: ولو بمقابل) أي ولشرط النظر بمقابل، أي بأجرة، فإنه يصح، (وقوله: إن كان إلخ) قيد في صحته بمقابل، أي ويصح به إن كان ذلك المقابل بقدر أجرة مثل فأقل، وإلا بطل الوقف، لأنه وقف على نفسه، كما تقدم،(3/194)
وكما في شرح الروض، (قوله: ومن حيل الخ) وهذا من المستثنيات المارة (قوله: ويذكر) أي الواقف في صيغة الوقف صفات نفسه، بأن يقول: علي أعلم أولاد زيد، أو أعقلهم، أو أزهدهم، وكان هو المنفرد بذلك الوصف من بين إخوته (قوله: فيصح) أي الوقف (قوله: كما قاله جمع متأخرون الخ) خالف فيه الإسنوي وغيره تبعا للغزالي وللخوارزمي فأبطلوه إن انحصرت الصفة فيه، والأصح لغيره.
قال السبكي: وهو أقرب، لبعده عن قصد الجهة.
اه.
تحفة.
(وقوله: لبعده إلخ) تعليل لما قبل قوله والأصح (قوله: وكان) أي ابن الرفعة، وقوله يتناوله، أي يأخذ غلة ما وقفه على الأفقه من بني الرفعة (قوله: ويبطل الوقف الخ) الأنسب أن يذكر مقابل قوله سابقا إن وقف على معين: يأن يقول فإن وقف على جهة اشترط فيه عدم كونها معصية فقط، كعلى الفقراء، فإن كانت معصية، بطل (قوله: كعمارة الكنائس) أي كالوقف على عمارة الكنائس إنشاء وترميما، ومحله إذا كان للتعبد فيها، بخلاف كنيسة تنزلها المارة أو موقوفة على قوم يسكنونها، فيصح الوقف على عمارتها (قوله: وكوقف سلاح على قطاع طريق) أي فهو باطل، لأنه إعانة على معصية، والوقف إنما شرع للتقرب، فهما متضادان (قوله: ووقف على عمارة الخ) أي وكوقف على عمارة قبور غير الأنبياء
والعلماء والصالحين فإنه باطل، لأنه معصية للنهي عنها.
أما قبور من ذكر، فالوقف على عمارتها صحيح، لاستثنائها.
وعبارة الروض وشرحه، ويصح الوقف على المؤن التي تقع في البلد من جهة السلطان أو غيره، لا على عمارة القبور، لأن الموتى صائرون إلى البلى، ولا تليق بهم العمارة.
نعم، ينبغي استثناء قبور الأنبياء والعلماء والصالحين، كنظيره في الوصية، ذكره الأسنوي.
وينبغي حمله على ما حمله عليه صاحب الذخائر، ثم من عمارتها ببناء القباب والقناطر عليها على وجه مخصوص يأتي، ثم لا ببنائها نفسها للنهي عنه.
اه.
(قوله: يقفون أموالهم في صحتهم) أي في حال صحتهم، أي أو في حال مرضهم، بل عدم صحة الوقف فيه أولى، بناء على الإفتاء المذكور، وإذا جرينا على صحة الوقف المذكور، كما هو الأوجه، ووقف في حال مرضه، فلا يصح إلا بإجازة الإناث، لأن التبرع في مرض الموت على بعض الورثة يتوقف على رضا الباقين (قوله: على ذكور أولادهم) متعلق بيقفون (قوله: قاصدين بذلك) منصوب على الحال، أي حال كونهم قاصدين بالوقف على ذكور أولادهم حرمان إناثهم من الموقوف (قوله: ببطلان الوقف حينئذ) أي حين إذ قصدوا حرمان أناثهم (قوله: قال شيخنا، كالطنبداوي، فيه نظر ظاهر) أي في بطلان الوقف نظر ظاهر، وعبارة شيخه، وفيه نظر ظاهر، بل الأوجه الصحة، أما أولا، فلا نسلم أن قصد الحرمان معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه، ولو لغير عذر.
وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم، لأنه لازم للتخصيص من غير عذر، وقد صرحوا بحله، كما علمت، وأما ثانيا: فبتسليم حرمته هي معصية خارجة عن ذات الوقف، كشراء عنب بقصد عصره خمرا، فكيف يقتضي إبطاله؟ اه.
(وقوله: بل الوجه الصحة) أي صحة الوقف حينئذ.
قال ع ش، أي مع عدم الإثم أيضا.
اه.
(قوله: لا قبول) معطوف على تأبيد (قوله: ولو من معين) غاية في عدم الاشتراط، أي ولو من موقوف عليه معين (قوله: نظرا الخ) علة لعدم الاشتراط، أي وإنما لم يشترط ذلك نظرا لكون الوقف قربة، وهي لا يشترط فيها ذلك (قوله: بل الشرط عدم الرد) أي(3/195)
عدم رد الموقوف عليه المعين العين الموقوفة (قوله: وما ذكرته في المعين) أي من عدم اشتراط قبوله (قوله: ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي) قال في التحفة بعده وانتصر له جمع، بأنه الذي عليه الأكثرون واعتمدوه، بل قال المتولي محل الخلاف إن قلنا إنه ملك للموقوف عليه، أما إذا قلنا إنه لله تعالى، فهو كالإعتاق.
واعترض بأن الإعتاق لا
يرتد بالرد، ولا يبطله الشرط الفاسد.
ويرد بأن التشبيه به في حكم لا يقتضي لحوقه به في غيره (قوله: وقيل يشترط من المعين القبول) أي فورا، كالبيع، وعليه لا يشترط قبول من بعد البطن الأول، بل الشرط عدم ردهم، وإن كان الأصح أنهم يتلقونهم عن الواقف، فإن ردوا، فمنقطع الوسط.
واستحسن في التحفة اشتراط قبولهم، وفي النهاية يشترط قبوله إن كان أهلا، وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب أو بلوغ الخبر، كالهبة، والوصية، إذ دخول عين أو منفعة في ملكه قهرا بغير الإرث بعيد.
اه.
(قوله: وهو ما رجحه في المنهاج) عبارته: والأصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله.
اه.
واعتمد هذا أيضا في النهاية وفي المغني، وعبارة الأخير: وبالجملة فالأول هو المعتمد، وإلحاق الوقف بالعتقف ممنوع، لأن العتق لا يرتد بالرد، ولا يبطل بالشروط الفاسدة، بخلاف الوقف.
اه.
ولم يرجح واحدا منهما في التحفة، فانظرها.
(وقوله: كأصله) أي المنهاج وهو المحرر للرافعي (قوله: فإن رد المعين) أي الموقوف عليه المعين البطن الأول، أو من بعده جميعهم أو بعضهم.
اه.
تحفة.
(وقوله: بطل حقه) أي من الوقف.
وخرج بحقه: أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الأول، بطل الوقف، أو من بعده فمنقطع الوسط، وفي سم ما نصه: قوله: بطل حقه، قال العراقي في النكت، أي من الوقف، كما صححوه.
وقال الماوردي: من العلة، فعلى الأول إن كان البطن الأول صار منقطع الأول، فيبطل كله على الصحيح، أو الثاني، فمنقطع الوسط.
اه.
(قوله: سواء شرطنا قبوله أم لا) تعميم في بطلان حقه بالرد، أي يبطل حقه على كلا القولين في اشتراط القبول وعدمه (قوله: نعم لو وقف إلخ) استثناء من بطلان حق المعين برده.
قال سم: وكأن وجه الاستثناء أن للإنسان غرضا تاما في دوام نفع ورثته، فوسع له في إلزام الوقف عليهم قهرا ليتم له ذلك الغرض.
اه.
(وقوله: على وارثه الحائز) أي واحدا كان أو أكثر، كولده، أو ولديه، أو ولده وبنته وكان الوقف بحسب نصيبهما، كأن وقف على البنت الثلث، وعلى الولد الثلثين.
وخرج بالحائز، أي للتركة كلها، غيره، كأن وقف على بنته فقط داره، فإنه لا يلزم إذا ردته وإذا لم ترده يلزم، لكن محله إذا كان في مرض الموت أن يجيز باقي الورثة، وإلا فلا يلزم، كما تقدم (قوله: لزم) أي الوقف، (وقوله: وإن رده،) قال في التحفة: أي لأن القصد من الوقف دوام الأجر للواقف، فلم يملك الوارث رده، إد لا ضرر عليه فيه، ولأنه يملك إخراج الثلث عن الوارث بالكلية، فوقفه عليه أولى.
اه.
(قوله: وخرج بالمعين) أي في قوله وقيل يشترط من المعين.
(وقوله: الجهة العامة) أي كالفقراء والمساكين، (وقوله: وجهة التحرير) أي الجهة التي تشبه التحرير، أي العتق في انفكاكه عن اختصاص الآدميين.
(وقوله: كالمسجد) أي والرباط والمدرسة والمقبرة، (وقوله: فلا قبول فيه) أي فيما ذكر من الجهة العامة وجهة التحرير،
أي فلو وقف على نحو مسجد، لم يشترط فيه القبول.
قال في التحفة: ولم ينب الإمام عن المسلمين فيه، بخلافه في نحو القود، لأن هذا لا بد له من مباشر، ولا يشترط قبول ناظر المسجد ما وقف عليه، بخلاف ما وهب له اه.
(قوله: ولو وقف) أي مالك الدار مثلا، (وقوله: على اثنين معينين) أي كزيد وعمرو، (وقوله: ثم الفقراء) أي بأن قال وقفت هذه الدار على زيد وعمرو ثم على الفقراء (قوله: فنصيبه) أي الميت.
وقوله يصرف للآخر.
قال في النهاية: ومحله ما لم يفصل، وإلا بأن قال وقفت على كل منهما نصف هذا، فهما وقفان، كما ذكره السبكي، فلا يكون نصيب الميت منهما للآخر، بل الأقرب انتقاله للفقراء إن قال ثم على الفقراء، فإن قال ثم من بعدهما على الفقراء، فالأقرب انتقاله للأقرب(3/196)
إلى الواقف، ولو وقف عليهم وسكت عمن يصرف له بعدهما، فهل نصيبه للآخر أو لأقرباء الواقف؟ وجهان، أوجههما، كما أفاده الشيخ، الأول، وصححه الأذرعي، ولو رد أحدهما أو بان ميتا، فالقياس، على الأصح، صرفه للآخر.
اه.
(قوله: لأنه شرط) أي ضمنا بتعبيره بثم المفيدة للترتيب لا صراحة، كما هو ظاهر.
(وقوله: انقراضهما) أي الاثنين المعينين، (وقوله: ولم يوجد) أي الشرط، وهو انقراضهما معا (قوله: ولو انقرض إلخ) شروع في بيان الوقف المنقطع الآخر.
(واعلم) أن الوقف باعتبار الانقطاع ثلاثة أقسام: منقطع الأول، كوقفته على من سيولد لي.
ومنقطع الوسط: كوقفته على أولادي ثم رجل ثم الفقراء، ومنقطع الآخر، كوقفته على أولادي ويصح فيما عدا منقطع الأول، ويصرف في منقطع الآخر، لأقرب الناس إليه رحما.
وفي منقطع الوسط يصرف للمصرف الآخر كالفقراء إن لم يكن المتوسط معينا، فإن كان معينا، كالدابة، فمصرفه مدة حياته كمنقطع الأخر (قوله: أي الموقوف عليه المعين) بيان للفاعل المستتر، فهو حل معنى لا حل إعراب، لأنه لا يصح حذف الفاعل، كما مر غير مرة (قوله: في منقطع آخر) أي في وقت منقطع المصرف الآخر، فالتركيب المذكور إضافي.
(قوله: كأن قال الخ) تمثيل لمنقطع الآخر (قوله: ولم يذكر أحدا) أي ممن يصرف إليه.
(وقوله: بعد) أي بعد قوله أولادي، ولو أخر هذا عن قوله أو على زيد ثم نسله، لكان أولى، لأنه لم يزد فيه شيئا بعده أيضا (قوله: أو على زيد ثم نسله) أي أو كأن قال وقفت على زيد ثم نسله.
ويدخل في الوقف على الذرية والنسل والعقب، أولاد البنات، لصدق اللفظ بهم، كما سيأتي.
(قوله: ونحوهما) أي نحو الأولاد في المثال الأول، ونحو زيد ونسله في المثال الثاني، (وقوله: مما لا يدوم) بيان لنحوهما: كأن يقول وقفت على زيد، ثم عمرو، ثم رجل
(قوله: فمصرفه) أي الوقف بمعنى الموقوف، والمراد به ريعه وغلته (قوله: الأقرب رحما لا إرثا) أي الأقرب من جهة الرحم، لا من جهة الإرث، فالمراد بالقرب، قرب الدرجة والرحم، لا قرب الإرث والعصوبة.
فيقدم ابن البنت على ابن العم، ويستوفي العم والخال، لاستوائهما درجة، قال في المغني.
(فإن قيل) الزكاة وسائر المصارف الواجبة عليه شرعا لا يتعين صرفها ولا الصرف منها إلى الأقارب، فهلا كان الوقف كذلك؟ (أجيب) بأن الأقارب مما حث الشارع عليهم في تحبيس الوقف، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: أرى أن تجعلها في الأقربين فجعلها في أقاربه وبني عمه.
وأيضا الزكاة ونحوها من المصارف الواجبة لها، مصرف متعين فلم تتعين الأقارب، وهنا ليس معنا مصرف متعين.
والصرف إلى الأقارب أفضل.
فعيناه.
اه.
قال س ل، ولو كان الفقير متعددا في درجة فهل تجب التسوية؟ الظاهر، نعم.
وهو أحد احتمالين لوالد الروياني.
وثانيهما: الأمر إلى رأي الحاكم.
اه.
(قوله: إلى الواقف) متعلق بالأقرب.
(قوله: يوم انقراضهم) ، أي الموقوف عليهم، والأولى انقراضه، بإفراد الضمير، لأن مرجعه مفرد، وهو الموقوف عليه المعين (قوله: كابن البنت) تمثيل للأقرب رحما لا إرثا (قوله: وإن كان هناك الخ) غاية لمحذوف، أي يعطي ابن البنت، وإن كان هناك ابن أخ فابن البنت مقدم عليه، وإن كان الأول غير وارث، والثاني وارث.
(وقوله: مثلا) أدخل ابن العم (قوله: لأن الصدقة الخ) تعليل لكونه يعطى للأقرب بعد انقراض الموقوف عليه، أي وإنما أعطى للأقرب لأن الصدقة على الأقارب أفضل لما فيه من صلة الرحم (قوله: وأفضل منه) أي من هذا الأفضل.
(وقوله: الصدقة على أقربهم) أي أقرب الأقارب، كأن اجتمع ابن بنت وابن بنت بنت فالصدقة على الأول(3/197)
أفضل منها على الثاني.
(وقوله: أفقرهم) أي أشدهم فقرا واحتياجا.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أنه إنما يصرف على الأقرباء لكون الصدقة عليهم أفضل يجب اختصاص الوقف بالفقير منهم لأن الصدقة غالبا إنما تكون له (قوله: فإن لم يعرف أرباب الوقف) أي جهل أهله المستحقون لريعه وصريح عبارته، أنه في هذه الحالة يصرف لمصالح المسلمين.
وصريح التحفة والنهاية وشرح الروض والمنهج، أنه يصرف للأقرب إلى الواقف كما إذا انقرضوا.
وعبارة المنهاج مع التحفة، فإذا انقرض المذكور، ومثله ما لو لم تعرف أرباب الوقف، فالأظهر أنه يبقى وقفا، وأن مصرفه أقرب الناس رحما.
اه.
(وقوله: أو عرف) الصواب: عرفوا، بواو الجمع لأن المرجع جمع وهو أرباب ومقاد هذا أن أرباب
الوقف إذا عرفوا ولم يكن له أقارب فقراء يصرف للمصالح.
وفيه نظر، لأنهم حينئذ هم المستحقون له مطلقا.
وعبارة التحفة ولو فقدت أقاربه أو كانوا كلهم أغنياء على المنقول صرفه الإمام في مصالح المسلمين الخ اه.
وهي ظاهرة.
ولو قال، فإن لم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء صرفه الإمام في مصالح المسلمين لكان أولى وأخصر (قوله: وهم) أي الأغنياء، (وقوله: من حرمت عليه الزكاة) والغني في باب الزكاة هو من عنده مال يكفيه العمر الغالب أو كسب يليق به (قوله: صرفه الإمام الخ) جواب فإن.
(وقوله: في مصالح المسلمين) أي كسد الثغور وعمارة الحصون وأرزاق القضاة والعلماء والأئمة والمؤذنين (قوله: وقال جمع الخ) مقابل قوله فمصرفه الأقرب رحما إلى الواقف، فهو مرتبط بالمتن.
وعبارة المنهاج، والأظهر أنه يبقى وقفا وأن مصرفه الأقرب.
اه.
وقال في المغني، والثاني: أي مقابل الأظهر، يصرف إلى الفقراء والمساكين لأن الوقف يؤول إليهم في الإنتهاء (قوله: أي ببلد الموقوف) أي أن المراد بالفقراء والمساكين من كانوا ببلد الموقوف، ومثله في شرح الروض وعبارته، وقياس اعتبار بلد المال في الزكاة اعتبار بلد الوقف حتى يختص بفقرائه ومساكينه.
قاله الزركشي.
اه.
وفي الأنوار خلافه، وهو أنه لا يختص بفقراء بلد الموقوف، بخلاف الزكاة، كذا النهاية.
(قوله: ولا يبطل الوقف على كل حال) أي سواء قلنا إن مصرفه الأقرب رحما أو الفقراء والمساكين (قوله: بل يكون مستمرا عليه) يقرأ مستمرا بصيغة اسم المفعول وعليه نائب فاعله والضمير المستتر في يكون وفيه عليه يعود على الوقف، أي بل يكون الوقف مجري عليه دائما (قوله: إلا فيما لم يذكر المصرف) أي إلا في حالة عدم ذكر المصرف رأسا فيبطل.
فما مصدرية وما بعدها مؤول بالمصدر والإستثناء منقطع، إذ الكلام الذي قبل الإستثناء مخصوص بمنقطع الآخر، وهذا ليس كذلك، ويحتمل جعل الإستثناء متصلا لكن يجعل المراد بقوله السابق في كل حال منقطع الأول ومنقطع الوسط ومنقطع الآخر، وما لم يذكر المصرف رأسا فيكون المستثنى منه شاملا للمستثنى ثم أخرج المستثنى عنه بأداة الإستثناء لكن عليه لا يلائم قوله ولا يبطل الوقف إلى آخر ما قبله، فيصير مستأنفا (قوله: وإنما صح أوصيت بثلثي) أي مع عدم ذكر الموصى له، وهذا جواب عن سؤال وارد على بطلان الوقف حين عدم الموقوف عليه، وحاصله أنه كيف يبطل الوقف حينئذ مع أن الوصية تصح بدون ذكر الموصى له؟ فهلا كان الوقف كذلك؟ وحاصل الجواب أنه فرق بينهما: لأن غالب الوصايا للمساكين، فحمل الإطلاق عليه، بخلاف الوقف (قوله: لأن غالب الخ) أي ولبناء الوصية على المساهلة لصحتها حتى بالمجهول والنجس، بخلاف الوصف فيهما (قوله: فحمل الإطلاق) أي فحملت الوصية حال إطلاقها: أي عن ذكر الموصى له.
(وقوله: عليهم) أي على المساكين (قوله: وإلا في منقطع الأول) أي وإلا في حالة عدم ذكر(3/198)
المصرف الأول فيبطل لتعذر الصرف إليه حالا (قوله: كوقفته على من يقرأ على قبري الخ) أي ثم على الفقراء، لأنه تمثيل لمنقطع الأول فقط، وإلا كان منقطع الأول والآخر، ومثله، وقفته على ولدي ثم الفقراء، ولا ولد له، وقوله بعد موتي، الصواب إسقاطه، وإلا لساوت هذه الصورة صورة وقفته الآن على من يقرأ على قبري بعد موتي، إن جعل الظرف متعلقا بيقرأ، وصورة وقفته بعد موتي على من يقرأ على قبري، إن جعل متعلقا بوقفت، مع أن الصورتين صحيحتان، كما سيصرح به قريبا، ثم رأيته ساقطا من عبارة التحفة، فلعله زائد من الناسخ، (وقوله: أو على قبر أبي وهو حي) أي أو قال وقفته على من يقرأ على قبر أبي، والحال أن أباه حي (قوله: فيبطل) أي الوقف لعدم ذكر المصرف أولا، إذ لا قبر لهما حال حياتهما، فضلا عن كونه يقرأ عليه.
(قوله: بخلاف وقفته الآن الخ) ذكر صورتين، صورة فيها تنجيز الوقف وتعليق الإعطاء ببعد الموت، وصورة فيها تعليق الوقف ببعد الموت.
ويصح الوقف في كلا الصورتين، إلا أنه يكون منجزا في الصورة الأولى ومنافعه تكون للواقف مدة حياته، وإذا مات تنتقل الموقوف عليه، ومعلقا في الصورة الثانية بالموت (قوله: فإنه وصية) راجع للصورة الثانية، لأنها هي التي الوقف فيها معلق بالموت، أو المراد، كما تقدم، أنه في حكم الوصية في اعتباره من الثلث، وجواز الرجوع عنه وعدم صرفه للوارث وحكم الأوقاف في تأييده وعدم بيعه وهبته وإرثه بعد موته (قوله: فإن خرج) أي الموقوف من الثلث، أي وفى به الثلث ولم يزد عليه، وهو تفريع على كونه وصية، أي في حكمها، (وقوله: أو أجيز) أي أو لم يخرج من الثلث، أي لم يف به الثلث بل زاد عليه، ولكن أجيز ذلك الزائد، أي أجازه الورثة (قوله: وعرف قبره) أي الواقف، ومثله قبر أبيه.
وقيد به عملا بمفهوم إفتاء ابن الصلاح المار بأنه إذا جهل قبره بطل الوقف (قوله: صحت) أي الوصية.
وعبارة التحفة، صح، أي الوقف، اه.
وهي أولى، لأن الكلام في الوقف وإن كان في حكم الوصية، (وقوله: وإلا) أي بأن لم يخرج من الثلث بل زاد عليه ولم يجز الورثة، وبأن لم يعرف قبره، (وقوله: فلا) أي لا تصح الوصية على عبارته أو الوقف على عبارة التحفة.
ثم إن ظاهره عدم الصحة مطلقا في الصورة الأولى المندرجة تحت وإلا، وهي ما إذا زاد على الثلث ولم تجز الورثة الزائد مع أنه إنما يظهر في الزائد فقط، فتنبه (قوله: وحيث صححنا الوقف أو الوصية) فيه أنه لم يتقدم منه خلاف في كونه وصية أو وقف حتى يصح هذا التردد منه، بل جزم بأنه وقف في حكم الوصية على ما بينته (قوله: كفى) جواب حيث على القول بأنها تتضمن معنى الشرط، ولو لم تدخل ما الزائدة عليها (قوله: بلا تعيين) أي للقراءة، أي لا يشترط ذلك، بل يكفي قراءة أي سورة (قوله: وإن كان
غالب قصد الواقف) أي بقوله وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي مثلا، وهو غاية للإكتفاء بقراءة أي شئ من القرآن (وقوله: ذلك) أي قراءة سورة يس (قوله: هذا) أي ما ذكر من الإكتفاء بقراءة شئ من القرآن بلا تعيين الخ (قوله: في البلد) الذي يظهر أن المراد بلد الواقف.
فانظره (قوله: بقراءة قدر معلوم) أي من القرآن، سواء كان سورة أو بعض سورة يس أو غيرها، فهو أعم مما بعده (قوله: أو سورة معينة) أي أو بقراءة سورة معينة، كيس أو غيرها، وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام (قوله: وعلمه) أي علم ذلك العرف المطرد في البلد (قوله: وإلا) أي بأن اطرد عرف في البلد علمه الواقف.
(وقوله: فلا بد منه) أي مما اطرد به العرف من قراءة قدر معلوم أو سورة معينة (قوله: إذ عرف البلد الخ) تعليل لكونه لا بد من العمل بما اطرد به العرف.
(وقوله: في زمنه) أي الواقف، (وقوله: بمنزلة شرطه) الجار والمجرور خبر عرف (قوله: ولو شرط الخ) شروع في ذكر بعض الشروط التي لا تبطل الوقف، وقوله شئ يقصد، لعل المراد به(3/199)
الذي لا ينافي الوقف، ثم رأيت في فتح الجواد ما يؤيده، وعبارته، وتبع شرطه حيث لم يناف الوقف.
اه.
والشرط الذي ينافيه، كشرط الخيار لنفسه في إبقاء وقفه الرجوع فيه متى شاء أو شرط أن يبيعه وأن يزيد فيه أو ينقص من شاء وغير ذلك مبطل للوقف، إذ وضع الوقف على اللزوم (قوله: كشرط أن لا يؤجر) أي الموقوف، وحيئنذ ينتفع به الموقوف عليه بنفسه ولا يؤجره (قوله: مطلقا) أي عن التقييد بسنة أو غيرها (قوله: أو إلا كذا) أي أو كشرط أن لا يؤجر إلا كذا، كسنة وسنتين (قوله: أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض) أي أو كشرط أن يفضل الخ، كأن يصرف لزيد مائة ولعمرو خمسون، (وقوله: أي يسوي بينهم) كأن يصرف لكل واحد منهم مائة درهم (قوله: أو اختصاص الخ) أي أو كشرط اختصاص نحو مسجد بطائفة، كشافعية، فلا يصلي ولا يعتكف به غيرهم، رعاية لغرضه، وإن كره هذا الشرط.
اه.
تحفة.
وفي سم ما نصه، في فتاوى السيوطي المسجد الموقوف على معينين: هل يجوز لغيرهم دخوله والصلاة فيه والإعتكاف بإذن الموقوف عليهم؟ نقل الأسنوي في الألغاز أن كلام القفال في فتاويه يوهم المنع، ثم قال الإسنوي من عنده: والقياس جوازه، وأقول الذي يترجح: التفصيل، فإن كان موقوفا على أشخاص معينة، كزيد وعمرو وبكر مثلا، أو ذريته أو ذرية فلان، جاز الدخول بإذنهم، وإن كان على أجناس معينة، كالشافعية والحنفية والصوفية لم يجز لغير هذا الجنس الدخول، ولو أذن لهم الموقوف عليهم، فإن صرح الواقف بمنع دخول غيرهم، لم يطرقه خلاف ألبتة، وإذا قلنا بجواز الدخول بالإذن في القسم الأول في المسجد والمدرسة والرباط، كان لهم الانتفاع على نحو ما شرطه الواقف
للمعينين، لأنهم تبع لهم، وهم مقتدون بما شرطه الواقف.
اه (قوله: اتبع شرطه) أي الواقف، وهو جواب لو، وإنما اتبع شرطه، مع خروج الموقوف عن ملكه، نظرا للوفاء بغرضه الذي مكنه الشارع فيه، فلذلك يقولون شرط الواقف كنص الشارع (قوله: في غير حالة الضرورة) متعلق باتبع، وسيذكر محترزه (قوله: كسائر شروطه) أي الواقف، فإنه يجب اتباعها (قوله: وذلك الخ) أي اتباع شرط الواقف ثابت، لما فيه من وجوه المصلحة العائدة على الواقف، وعبارة النهاية: من وجود - بالدال بدل الهاء (قوله: أما ما خالف) أي أما الشرط الذي يخالف الشرع.
(قوله: فلا يصح) أي الشرط المذكور.
قال في التحفة: كما أفتى به البلقيني، وعلله بأنه مخالف للكتاب والسنة والإجماع: أي من الحض على التزوج وذم العزوبة.
ويؤخذ من قوله لا يصح المستلزم لعدم صحة الوقف، عدم صحته أيضا فيما لو وقف كافر على أولاده إلا من يسلم منهم.
اه.
وكتب سم ما نصه، قوله فلار يصح كما أفتى الخ، الوجه الصحة.
م ر.
اه (قوله: وخرج بغير حالة الضرورة الخ) قال ع ش: يؤخذ منه أنه لو وجد من يأخذ بأجرة المثل ويستأجر على ما يوافق شرط الواقف ومن يطلبه بزيادة على أجرة المثل في إجارة تخالف شرط الواقف عدم الجواز، فليتنبه له.
وأنه لو وجد من يأخذ بدون أجرة المثل ويوافق شرط الواقف في المدة، ومن يأخذ بأجرة المثل ويخالف شرط الواقف، عدم الجواز أيضا، رعاية لشرط الواقف فيهما.
اه.
وقوله أولا عدم الجواز، نائب فاعل يؤخذ، والمصدر المؤول من أن والفعل مجرور بحرف جر مقدر، أي يؤخذ منه في هذه الصورة، ومثله يقال في قوله ثانيا عدم الجواز فتنبه (قوله: ما لم الخ) ما مصدرية، والمصدر المؤول منها ومما بعدها فاعل خرج، أي وخرج عدم وجود غير المستأجر الأول الخ، ولو قال وخرج بغير حالة الضرورة حالة الضرورة كأن لم يوجد الخ، لكان أولى وأنسب.
ويوجد في بعض نسخ الخط زيادة لو بعد ما وقبل لم.
وعليه: فهي إما زائدة، وإما مصدرية، أو بالعكس (قوله: وقد الخ) أي والحال أن الواقف قد شرط أن لا يؤجر الموقوف لإنسان أكثر من سنة (قوله: أو إن الطالب الخ) يتعين أن يكون المصدر المؤول نائب فاعل محذوف معطوف على مدخول(3/200)
ما، أي: وخرج ما لو شرط أن الطالب، أي للعلم مثلا، ولا يجوز عطفه على مدخول شرط، وإن كان هو ظاهر صينعه، لأن ذلك في مبحث الإجارة، وهذا في الطالب الساكن في مدرسة أو نحوها.
وقوله لا يقيم، أي في مدرسة ونحوها.
وقوله ولم يوجد غيره، أي والحال أنه لم يوجد غير هذا الطالب الذي سكن في السنة الأولى.
وقوله في السنة الثانية، متعلق بكل من يوجد الأول ويوجد الثاني، أي لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الثانية، أو لم يوجد غير الطالب
الأول في السنة الثانية (قوله: فيهمل شرطه) أي الواقف حينئذ، أي حين إذ لم يوجد غير المستأجر الأول في السنة الأولى وغير الطالب الأول فيها.
ومثل ذلك، ما لو انهدمت الدار المشروط عدم إجارتها إلا مقدار كذا ولم يمكن عمارتها إلا بإجارتها أكثر من ذلك، فيهمل شرطه، وتؤجر بقدر ما يفي بالعمارة فقط، وإنما أهمل الشرط المذكور، لأن الظاهر أن الواقف لا يريد تعطيل وقفه، فيراعي مصلحة الواقف (قوله: فائدة) أي في بيان أحكام الوقف المتعلقة بلفظ الواقف (قوله: الواو العاطفة) أي المذكورة في صيغة الواقف (قوله: للتسوية الخ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو الواو العاطفة: أي الواو العاطفة كائنة للتسوية بين المتعاطفات في الإستحقاق، لأن الواو لمطلق الجمع، لا للترتيب، ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى والخنثى (قوله: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي) أي فيكون الوقف عليهم بالسوية.
قال في شرح الروض: ولا يدخل فيهم من عداهم من الطبقة الثالثة فمن دونها، إلا أن يقول أبدا أو ما تناسلوا أو نحوه (قوله: وثم والفاء للترتيب) أي بين المتعاطفات، وذلك، كوقفت هذا على أودلاي ثم أولاد أولادي أو فأولاد أولادي، فلا يصرف الوقف على الطبقة الثانية إلا بعد انقراض الأولى، للترتيب المستفاد من الأداة.
قال في شرح المنهج: ثم إن ذكر معه، أي مع الإتيان بثم، ما تناسلوا أو نحوه، لم يختص الترتيب بهما، أي بالبطنين، وإلا اختص، وينتقل الوقف بانقراض الثاني لمصرف آخر، إن ذكره، وإلا فمنقطع الآخر.
اه.
واستشكل ذلك بأن ثم أو الفاء أتى بها بين البطن الأول وما بعده فقط، ولم يوجد حرف مرتب بعد ذلك.
وأجيب بأن الترتيب في المذكور أولا قرينة على الترتيب فيما يتناوله ما بعده، وهو ما تناسلوا أو نحوه، أفاده سم (قوله: ويدخل أولاد بنات في ذرية الخ) يعني إذا قال وقفت هذا على ذريتي أو على نسلي أو على عقبي، دخل أولاد البنات فيهم لصدق هذه الألفاظ بهم، أما في الذرية، فلقوله تعالى: * (ومن ذريته داود وسليمان) * (1) إلى أن ذكر عيسى، وليس هو إلا ولد البنت، والنسل والعقب في معنى الذرية.
(وقوله: وأولاد أولاد) بالجر عطف على المجرور قبله، أي ويدخل أولاد بنات في أولاد الأولاد فيما إذا قال وقفت هذا على أولاد أولادي، لصدق اللفظ بهم أيضا، لأن الولد يشمل الذكر والأنثى (قوله: إلا أن قال الخ) مستثنى من دخول من ذكر في الوقف على الذرية أو النسب أو العقب أو أولاد الأولاد، أو يدخلون فيها، إلا أن قال الواقف في صيغة الوقف عقب كل منهما من ينسب إلي منهم، بأن قال وقفت هذا على ذريتي من ينسب إلي منهم، وهكذا، فلا يدخلون، لأن أولاد البنات لا ينسبون إلا لآبائهم، قال تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * (2) وأما خبر إن ابني هذا سيد في حق الحسن بن علي رضي الله عنهما.
فجوابه أن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن تنسب أولاد بناته إليه ومحل عدم الدخول، إن كان الواقف رجلا، فإن كان امرأة،
دخل أولاد بناتها في وقفها، ويجعل الإنتساب في صيغتها لغويا، لا شرعيا، لأنه لا نسب فيها شرعي، للآية السابقة، ويكون تقييدها بقولها على من ينسب إلي منهم، لبيان الواقع، لا للإخراج، لأن كل فروعها ينسبون إليها بالمعنى اللغوي.
__________
(1) سورة الانعام، الاية: 84.
(2) سورة الاحزاب، الاية: 5.(3/201)
(واعلم) أن أولاد الأولاد لا يدخلون في الأولاد، لأنه لا يقع عليهم اسم الأولاد حقيقة، ولهذا صح أن يقال ما هو ولدي، بل ولد ولدي.
نعم، يحمل عليهم الوقف عند عدم الأولاد، صيانة للفظ عن الإلغاء، ثم إذا وجدوا، شاركوهم.
(تنبيه) قال في المغني، يدخل الخنثى في الوقف على البنين والبنات، لأنه لا يخرج عنهم، والاشتباه إنما هو في الظاهر، نعم، إنما يعطي المتيقن إذا فاضل بين البنين والبنات.
ويوقف الباقي إلى البيان، ولا يدخل في الوقف على أحدهما الاحتمال أنه من الصنف الآخر وظاهر هذا، كما قال الأسنوي، أن المال يصرف إلى من عينه من البنين أو البنات، وليس مرادا، لأنا لم نتيقن استحقاقهم لنصيب الخنثى، بل يوقف نصيبه إلى البيان، كما في الميراث، وقد صرح به ابن المسلم ولا يدخل في الواقف على الأولاد المنفي باللعان على الصحيح، لانتفاء نسبه عنه فلو استلحقه بعد نفيه، دخل جزما، والمستحقون في هذه الألفاظ لو كان أحدهم حملا عند الوقف لم يدخل على الأصح، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا، فلا يستحق غلة مدة الحمل.
فلو كان الموقوف نخلة، فخرجت ثمرتها قبل خروج الحمل، لا يكون له من تلك الثمرة شئ.
اه.
وقوله ابن المسلم، ضبطه الشرقاوي، في باب النكاح، بكسر اللام المشددة.
فتنبه.
وقوله مدة الحمل، أفهم أنه بعد انفصاله يستحق من غلة ما بعده، وهو كذلك، كما صرح به في التحفة.
(قوله: والمولى) أي المذكور في صيغة الواقف، كأن قال وقفت هذا على أولادي مثلا ثم على مولاي.
(وقوله: يشمل معتقا وعتيقا) أي فيدخلان فيه فلو اجتمعا، اشتركا سوية، والذكر كالأنثى، فإن وجد أحدهما، اختص به، ولا يشاركه الآخر، ولو وجد بعد، وفارق ما تقدم في أولاد الأولاد، بأن إطلاق المولى على كل منهما على سبيل الاشتراك اللفظي، وقد دلت القرينة على إرادة أحد معنييه، وهي الانحصار في الموجود، فصار المعنى الآخر غير مراد (قوله: حيث أجمل الواقف شرطه) أي جعله مجملا، أي غير واضح الدلالة، كما إذا قال وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي الميت، وأطلق القراءة
ولم يعينها بقدر معلوم ولا بسورة معينة، فيعمل بالعرف المطرد في زمنه، كما تقدم (قوله: اتبع فيه) أي في شرطه المجمل أو في الوقف، فالضمير يصح رجوعه للأول وللثاني، وقوله في زمنه، أي الواقف.
وفي التحفة، وظاهر كلام بعضهم اعتبار العرف المطرد الآن في شئ فيعمل به، لأن الظاهر وجوده في زمن الواقف، وإنما يقرب العمل به، حيث انتفى كل من الأولين.
اه.
والمراد بالأولين، العرف المطرد في زمنه، وما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: لأنه) أي العرف المطرد في زمنه، (وقوله: بمنزلة شرطه) أي الواقف (قوله: ثم ما كان أقرب الخ) أي ثم إذا فقد العرف المطرد، اتبع ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين (قوله: ومن ثم امتنع الخ) أي من أجل أنه يتبع ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين إذا فقد العرف المطرد: امتنع في السقايات، أي التي لم يعلم فيها قصد الواقف غير الشرب، وامتنع نقل الماء منها، ولو للشرب، وذلك لأن الأقرب إلى قصد الواقفين، الشرب فيها فقط (قوله: وبحث بعضهم حرمة الخ) أي لأن العرف اطرد في أن مثل هذا من كل ما يقذر يلقى خارج الماء، لا فيه، لئلا يقع الانتفاع به.
ولعل هذا هو وجه مناسبة ذكر هذا البحث هنا.
(وقوله: في ماء مطهرة المسجد) متعلق بكل من بصاق وغسل وسخ، ومفهومه بالنسبة للثاني أنه لو غسل الوسخ بالماء، لا فيه، وألقى الوسخ خارجا، لا يحرم، وهو محمول على ما إذا اطرد عرف بذلك أيضا، كما سيذكره بعد (قوله: وان كثر) أي الماء.
قال في التحفة بعده: وبحث بعضهم أيضا أن ما وقف للفطر به في رمضان، وجهل مراد الواقف، ولا عرف له، يصرف لصوامه في المسجد، ولو قبل الغروب، ولو أغنياء وأرقاء، ولا يجوز الخروج به منه، وللناظر التفضيل والتخصيص.
اه.
والوجه أنه لا يتقيد بمن في المسجد، لأن القصد حيازة فضل الإفطار، وهو لا يتقيد(3/202)
بمحل.
اه.
(قوله: وسئل العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار) أي عن استعمال ما فيهما من الماء استعمالا عاما للشرب والوضوء وغسل النجاسة ونحو ذلك، هل يجوز أم لا؟ فالمسؤول عنه مقدر يدل عليه سياق الكلام.
والجوابي، حفر يوضع فيها الماء، والجرار، أوان من الخزف (قوله: التي عند المساجد) الأولى اللتين، بصيغة التثنية، إذ الموصوف: الجوابي والجرار، وهما اثنان.
وقوله فيها الماء، الجملة من المبتدأ والخبر حال منهما، والأولى أيضا فيهما بضمير المثنى.
(وقوله: إذا لم يعلم أنها) أي الجوابي والجرار، والأولى أنهما، كما في الذي قبله، (وقوله: موقوفة) أي موقوف ما فيهما من الماء معهما (قوله: فأجاب) أي الطنبداوي (قوله: أنه) أي الحال والشأن.
(وقوله: إذا دلت قرينة) مفهومه أنها إذا لم تدل قرينة على ذلك يمتنع التعميم (قوله: موضوع) أي في الجوابي والجرار، أي وضعه الواقف
فيهما.
(وقوله: لتعميم الإنتفاع) أي للإنتفاع به العام، أي مطلقا من غير تخصيص بوضوء أو غسل أو نحوهما (قوله: جاز جميع ما ذكر) جواب إذا (وقوله: من الشرب الخ) بيان لما.
(وقوله: وغيرها) أي كغسل الوسخ الظاهر (قوله: جريان الناس) أي ذهابها واستمرارهم.
(وقوله: على تعميم الانتفاع) أي بالماء المذكور.
(وقوله: من غير نكير) أي انكار.
(وقوله: من فقيه) متعلق بنكير.
وقوله انهم الخ، ظاهر صنيعه أن الضمير يعود على الناس، وهو لا يصح، لأنه يلزم عليه تعليل الشئ بنفسه، إذ المعنى عليه، ومثال القرينة جريان الناس الخ، لأن الناس أقدموا الخ.
ولا فائدة في ذلك، فيتعين إرجاعه إلى معلوم من السياق، وهو الواقفون.
وقوله أقدموا، أي رضوا، كما في المصباح، وعبارته، وأقدم على العيب إقداما، كناية عن الرضا به.
اه.
والمراد أن جريان الناس على عموم الانتفاع به قرينة دالة على أن الواقف راض به.
فتنبه (قوله: فمثل هذا) أي الذي جرى الناس على عميم الانتفاع به.
وقوله إيقاع: أي وقوع وحصول بالفعل، وفي بعض نسخ الخط، فمثل هذا يقال بالجواز فيه، بإسقاط لفظ إيقاع، وقوله يقال بالجواز، أي يحكم عليه بالجواز (قوله: وقال) أي العلامة الطنبداوي، وقوله يوافق ما ذكره، أي العلامة المذكور، وكان المناسب توافق، بالتاء، لأن فاعله عائد على الفتوى (قوله: وتبعوه) أي تبع القفال الفقهاء فيما قاله (قوله: ويجوز شرط رهن الخ) أي يجوز لواقف كتاب أن يشترط رهنا على من يستعيره ليرده، ومثله شرط ضامن.
قال في التحفة: وليس المراد منهما حقيقتهما.
اه.
وقوله من مستعير، متعلق برهن، وهو مضاف إلى كتاب المضاف إلى وقف.
وقوله يأخذه، أي الرهن.
وقوله منه، أي المستعير.
وقوله ليحمله: الفاعل يعود على الرهن، والمفعول يعود على المستعير، وهو تعليل لجواز شرط الرهن (قوله: وألحق به) أي شرط الرهن في الجواز (قوله: وأفتى بعضهم في الوقف على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو النذر له، بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط) قد تقدمت هذه المسألة للشارح في مبحث النذر بأبسط مما هنا، ولنسق عبارته هنا، تكميلا للفائدة، فنصها: ويصح النذر للجنين كالوصية له، لا للميت، إلا لقبر الشيخ الفلاني وأراد به قربة، ثم كإسراج ينتفع به(3/203)
أو اطرد عرففيحمل النذر له على ذلك، ويقع لبعض العوام، جعلت هذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيصح، كما بحث لأنه اشتهر في عرفهم للنذر، ويصرف لمصالح الحجرة الشريفة.
قال السبكي: والأقرب عندي، في الكعبة والحجرة الشريفة والمساجد الثلاثة، أن من خرج من ماله عن شئ لها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها، صرف إليها واختصت به.
اه.
قال شيخنا: فإن لم يقتض العرف شيئا فالذي يتجه أنه يرجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها، وظاهر أن الحكم
كذلك في النذر إلى مسجد غيرها، خلافا لما يوهمه كلامه.
اه.
(قوله: أو على أهل بلد) معطوف على قوله على النبي، أي وأفتى بعضهم في الوقف على أهل بلد.
وقوله أعطي الخ: المناسب في التعبير أن يزيد لفظ بأنه، ويعبر بصيغة المضارع، بأن يقول بأنه يعطي، أي أفتى في الوقف عليهم بأنه يعطي، فتنبه.
وقوله مقيم بها، أي بالبلد، أي حاضر فيها بدليل المقابلة.
(وقوله: أو غائب عنها) أي عن البلد، (وقوله: غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا) أي لا تقطع تلك الغيبة نسبة ذلك الغائب إلى تلك البلد في العرف، بأن سافر وترك ماله وأمتعته فيها ولم يستوطن غيرها، وخرج بذلك ما لو كانت الغيبة تقطع نسبته إليها فيه بأن استوطن بلدا غيرها فإنه تنقطع نسبته بالإستيطان، ولو كان يتردد إلى بلدته التي كان فيها.
وما ذكرته، من ضبط انقطاع النسبة وعدمه بما تقرر، يستفاد من فتاوي ابن حجر في باب الجمعة (قوله: فروع) أي سبعة، وهي قوله قال التاج الخ، وقوله ولو قال ليتصدق الخ، وقوله وأفتى غير واحد الخ، وقوله ولو قال الواقف، وقوله ولو وقف أو أوصى للضيف الخ، وقوله وسئل الخ، وقوله وقال ابن عبد السلام الخ.
وكلها، ما عدا السادس، في التحفة لشيخة (قوله: من شرط قراءة جزء من القرآن إلخ) أي بأن قال مثلا وقفت هذا على فلان بشرط أن يقرأ كل يوم جزءا من القرآن، ولم يقيده بكونه غير مفرق أو بكونه عن ظهر غيب (قوله: كفاه الخ) جواب من.
وقوله قدر جزء، أي قراءة قدر جزء.
وقوله ولو مفرقا، أي ولو كان ذلك القدر مفرقا، بأن كان من سور متعددة، فإنه يكفيه.
وقوله ونظرا، أي ولو كان نظرا، أي يقرؤه نظرا، أي لا عن ظهر غيب.
فإنه يكفيه (قوله: وفي المفرق نظر) أي وفي الإكتفاء بقراءة المفرق، نظر.
ولعل وجهه أن الأقرب إلى قصد الواقفين غير المفرق، لجريان العادة بإطلاق الجزء على ما كان على نسق واحد (قوله: ولو قال ليتصدق الخ) أي ولو قال الواقف وقفت كذا ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء.
وقوله ففات، أي مضى المذكور من رمضان أو عاشوراء ولم يتصدق فيه، وقوله تصدق بعده أي بعد ذلك الفائت، وهو ما بعد شهر رمضان أو بعد يوم عاشوراء (قوله: ولا ينتظر مثله) أي ولا ينتظر مجئ رمضان آخر مثله أو عاشوراء مثله من السنة الآتية ويتصدق فيه (قوله: نعم إن قال إلخ) أي نعم إن قيد الواقف التصدق فيما ذكر، بقوله فطرا لصوامه، انتظر مجئ المثل، عملا بشرط الواقف (قوله: بأنه) أي الواقف، وهو متعلق بأفتى (قوله: لو قال على من يقرأ على قبر أبي) أي لو قال وقفت هذا على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس (قوله: بأنه إلخ) متعلق بأفتى، وفيه أنه يلزم عليه تعلق حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى بعامل واحد، وهو لا يجوز، ويمكن أن يقال أن الباء الأولى بمعنى في، فلا اتحاد (قوله: إن حد القراءة بمدة معينة) أي خصها بمدة معينة، كسنة (قوله: أو عين لكل سنة غلة) أي بأن قال مثلا: وقفت هذا المصحف على من يقرأ على قبر أبي
كل جمعة سورة يس وله في كل سنة من غلة أرضى أو نحوها عشرة دراهم مثلا (قوله: اتبع) أي شرطه (قوله: وإلا) أي بأن لم يحد القراءة أو لم يعين لكل سنة غلة.
وقوله بطل، أي الوقف (قوله: نظير ما قالوه) أي وما ذكر من بطلان الوقف هو نظير ما قالوه الخ (قوله: من بطلان الوصية) بيان لما، ووجه بطلانها فيما ذكر، أنها لا تنفذ إلا في الثلث ومعرفة مساواة هذه الوصية له وعدمها، أي المساواة متعذرة.
اه.
تحفة (قوله: وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية) أي في البطلان(3/204)
(قوله: إن علق) أي الوقف بالموت (قوله: لأنه) أي الوقف.
وقوله حينئذ، أي حين إذ علق بالموت (قوله: وأما الوقف الذي ليس كالوصية) وهو غير المعلق بالموت (قوله: فالذي يتجه صحته) أي الوقف.
قال في التحفة: وعجبت توهم أن هذه الصورة كالوصية.
اه.
(قوله: إذ لا إلخ) علة لاتجاه صحته.
(وقوله: عليه) أي على الوقف، أي على صحته (قوله: لأن الناظر الخ) علة لعدم ترتب محذور على صحته، (وقوله: من يقرأ كذلك) أي كل جمعة يس (قوله: استحق) أي القارئ.
وقوله ما شرط: أي له (قوله: ما دام يقرأ) متعلق باستحق، أي استحق ذلك مدة دوام قراءته (قوله: فإذا مات مثلا) أي أو غاب (قوله: قرر الناظر غيره) أي غير القارئ الأول الذي مات أو غاب (قوله: وهكذا) أي إذا مات الثاني أيضا قرر غيره، فالمدار على حصول القراءة على القبر من أي شخص كان (قوله: ولو قال الواقف: وقفت هذا على فلان ليعمل كذا) أي ليتعلم، أو يقرأ، أو نحوهما (قوله: احتمل أن يكون) أي قوله ليعمل كذا، (وقوله: شرطا للإستحقاق) أي لاستحقاق الموقوف، أي لكون الموقوف عليه يستحقه، فلو لم يوجد لا يستحقه (قوله: وأن يكون توصية) أي ويحتمل أن يكون قوله المذكور توصية له للعمل، أي عليه.
(وقوله: لأجل وقفه) أي لأجل صلاح وقفه (قوله: فإن علم مراده) أي الواقف من كونه أتى به على وجه أنه شرط أو توصية (قوله: اتبع) أي مراده (قوله: وإن شك) أي في مراده.
(وقوله: لم يمنع) أي الموقوف عليه من الاستحقاق، أي فلا يحمل على الشرطية، وإنما يحمل على التوصية (قوله: وإنما يتجه) أي ما قاله ابن الصلاح من التفصيل المذكور.
(وقوله: فيما لا يقصد إلخ) أي في العمل الذي لا يقصد صرف الغلة في مقابلته، كنحو كلمة أو كلمتين من كل ما لا يتعب (قوله: وإلا) أي بأن كان يقصد فيه ما ذكر.
(وقوله: كلتقرأ أو تتعلم) أي بأن قال وقفت عليك كذا لتقرأ أو لتتعلم، (وقوله: فهو شرط للإستحقاق) أي فقوله المذكور شرط للإستحقاق، ولا يحمل على الوصية (قوله: ولو وقف أو أوصى) أي وقف ثمرة شجرة مثلا أو أوصى بها.
(وقوله: للضيف) أي لإكرامه (قوله: صرف) أي الموقوف أو الموصى به وقوله للوارد، أي في محل الموقوف أو
الموصى به، قال ع ش: سواء جاء قاصدا لمن نزل عليه أو اتفق نزوله عنده لمجرد مروره على المحل واحتياجه لمن يأمن فيه على نفسه.
(قوله: ولا يزاد على ثلاثة أيام) أي لا يزاد في ضيافته من الموقوف أو الموصى به فوق ثلاثة أيام.
(وقوله: مطلقا) أي سواء عرض له ما يمنعه من السفر، كمرض أو خوف، أو لا.
اه.
ع ش (قوله: ولا يدفع له) أي للضيف.
(وقوله: إلا إن شرطه الواقف) أي شرط إعطاءه حبا، أي فيتبع شرطه ويعطى حبا (قوله: وهل يشترط فيه) أي الضيف (قوله: الظاهر لا) أي لا يشترط فيه الفقر.
قال ع ش: ويجب على الناظر رعاية المصلحة لغرض الواقف، فلو كان البعض فقراء والبعض أغنياء ولم تف الغلة الحاصلة بهما قدم الفقير.
اه (قوله: وسئل شيخنا الزمزي عما وقف) أي من أشجار أو عقار أو نحوهما (قوله: ليصرف الخ) اللام بمعنى على، أي وقف على أن تصرف غلة الموقوف.
(وقوله: للإطعام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) أي في إطعام من ينزل في محل الموقوف بقصد جعل ثوابه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،(3/205)
والمراد في شهر المولد، كما سيأتي، (قوله: فهل يجوز للناظر الخ) هذا محل السؤال (قوله: من نزل به) أي بالناظر: أي بمحله (قوله: في غير شهر المولد) متعلق بنزل، وهذا يدل على أن المراد في صدر السؤال بقوله للإطعام إلخ، أي في شهر المولد (قوله: بذلك القصد) أي قصد الإطعام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو متعلق بيطعم (قوله: أو لا) أي أو لا يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به في غير شهر المولد، وهو يفيد أنه يجوز ذلك في شهر المولد (قوله: وهل يجوز للقاضي الخ) معطوف على جملة فهل يجوز الخ.
(وقوله: أن يأكل من ذلك) أي من ذلك الطعام المشتري من غلة الوقف المذكور، أو الذي هو عين الغلة.
وقوله إذا لم يكن له، أي للقاضي (قوله: في إطعام من ذكر) أي من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد (قوله: ويجوز للقاضي الخ) أي بالتفصيل الآتي قريبا، وقوله الأكل منها، أي من الغلة.
وقوله لأنها، أي الغلة (قوله: والقاضي الخ) قصده بهذا بيان ما اتفقوا عليه في جواز أخذ القاضي للصدقة وما اختلفوا فيه.
وحاصله أن المتصدق إذا لم يعرف أن المتصدق عليه هو القاضي وهو أيضا لم يعرف المتصدق، يجوز له الأخذ اتفاقا، وإلا كان فيه خلاف (قوله: وبقوله) أي السبكي (قوله: لانتفاء المعنى المانع) أي من جواز الأخذ وهو ميل قلبه إلى من يتصدق عليه (قوله: وإلا) أي بأن عرفه المتصدق وكان القاضي عارفا به (قوله: كالهدية) أي وهي يحرم على القاضي أخذها، للأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال، ولحرمة قبوله الهدية شروط: أن يكون المهدي ممن لا عادة له بها قبل ولايته، وأن يكون في محل ولايته، أو يكون له خصومة عنده (قوله: ويحتمل الفرق) أي بين الصدقة والهدية،
والأوجه عدم الفرق، كما تدل عليه عبارة الشارح في باب القضاء ونصها، وكالهدية والهبة والضيافة، وكذا الصدقة، على الأوجه، وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة.
اه.
(قوله: بأن المتصدق الخ) متعلق بالفرق، والباء للتصوير، أي الفرق المصور بأن المتصدق إنما ينوي بصدقته ثواب الآخرة، وهذا القصد لا يختلف بإعطائها للقاضي أو غيره، بخلاف الهدية.
(قوله: وقال ابن عبد السلام الخ) في سم ما نصه: (فرع) في فتاوي السيوطي مسألة رجل وقف مصحفا على من يقرأ فيه كل يوم حزبا ويدعو له، وجعل له على ذلك معلوما من عقار وقفه لذلك، فأقام القارئ مدة يتناول المعلوم ولم يقرأ شيئا، ثم أراد التوبة: فما طريقه؟ الجواب طريقه أن يحسب الأيام التي لم يقرأ فيها، ويقرأ عن كل يوم حزبا، ويدعو عقب كل حزب للواقف حتى يوفي ذلك.
اه.
وظاهره أنه إذا فعل هذا الطريق، استحق ما تناوله في الأيام التي عطلها، وظاهر ما نقله الشارح عن ابن عبد السلام وعن المصنف خلاف ذلك.
فليحرر.
اه.
(قوله: ولا يستحق ذو وظيفة) أي من غلة الموقوف على من يقرأ كل يوم مثلا جزء من القرآن (قوله: كقراءة) تمثيل للوظيفة (قوله: أخل بها) أي بالوظيفة، والجملة في محل جر لوظيفة (قوله: وقال النووي) حاصله التفصيل، وهو أنه إن أخل لغير عذر، لم يستحق شيئا مدة الإخلال فقط ويستحق فيما عداها وإن أخل لعذر واستناب، فيستحق مدة الإخلال وغيرها، بخلاف ما قاله ابن عبد السلام، فإنه عنده لا يستحق مطلقا شيئا، سواء كان الإخلال لعذر أو لغيره (قوله: لعذر) متعلق بأخل (قوله: كمرض أو حبس) تمثيل للعذر (قوله: بقي استحقاقه) أي مطلقا في مدة الإخلال وغيرها، وهو جواب إن (قوله: وإلا لم يستحق) صادق بما إذا أخل لغيره عذر واستناب، وبما إذا(3/206)
أخل لعذر ولم يستنب، (وقوله: لمدة الإستنابة) الأولى أن يقول لمدة الإخلال سواء استناب أم لا، ويمكن أن يقال المراد لمدة إمكانها.
سواء استناب بالفعل أو لا.
(قوله: فأفهم) أي قوله لم يستحق لمدة الإستنابة.
(وقوله: أثر استحقاقه) الإضافة للبيان، أي أثر هو استحقاقه.
وقوله لغير مدة الإخلال، هذا يؤيد ما قلنا سابقا من أولوية التعبير هناك بمدة الإخلال فتنبه (قوله: وهو) أي ما قاله النووي، (وقوله: ما اعتمده السبكي) في ع ش وما قاله ابن عبد السلام قال السبكي إنه في غاية الضيق ويؤدي إلى محذور، فإن أحدا لا يمكنه أن لا يخل بيوم ولا بصلاة إلا نادرا، ولا يقصد الواقفون ذلك.
اه (قوله: في كل وظيفة) متعلق باعتمد.
(وقوله: تقبل الإنابة) خرج به ما لا تقبل الإنابة، كالتعلم، (قوله: كالتدريس والإمامة) تمثيل للتي تقبل الإنابة، قال في التحفة: قيل ظاهر كلام الأكثر جواز استنابة الأدون لكن
صرح بعضهم بأنه لا بد من المثل (قوله: ولموقوف عليه إلخ) شروع في بيان أحكام الوقف المعنوية.
وقوله عين نائب فاعل موقوف.
وقوله مطلقا، أو وقفا مطلقا، أي عن التقييد بكونه لاستغلال أو غيره، وقوله أو لاستغلال ريعها، الجار والمجرور متعلق بمحذوف معطوف على اسم المفعول، أي أو موقوف عليه عين لاستغلال ريعها، كأن قال وقفت هذه الدار لتستغل ويعطي غلتها لفلان.
(واعلم) إنه إذا كان الوقف للإستغلال لم يتصرف فيه سوى ناظره الخاص أو العام، وإذا كان لينتفع به الموقوف عليه وأطلق أو قال كيف شاء، فللموقوف عليه استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره (قوله: لغير نفع خاص منها) أي من العين، وهو متعلق بقوله موقوف عليه، وسيأتي محترزه (قوله: ريع) مبتدأ، خبره الجار والمجرور قبله، أي ريع الموقوف ملك للموقوف عليه، وأما ملك رقبته، فهو ما سيذكره بقوله واعلم الخ (قوله: وهو) أي الريع (قوله: كأجرة) أي للموقوف، وهو تمثيل للفوائد.
قال في المعني: (تنبيه) قد يفهم هذا أن الناظر لو أجر الوقف سنين بأجرة معجلة أن له صرفها إليه في الحال (قوله: ودر) هو بفتح الدال اللبن (قوله: وولد حادث بعد الوقف) أي حدث حمل أمه به بعد الوقف، وليس المراد به انفصاله بعد الوقف سواء حملت أمه به قبل الوقف أو حالته أو بعده، كما هو ظاهر، وخرج به، ما إذا حدث الحمل به قبل الوقف فهو ملك للواقف، وما إذا قارن الوقف فهو وقف، كما سيصرح بهذا قريبا، (قوله: وثمر) أي حدث بعد الوقف، أما الثمر الموجود حال الوقف فهو للواقف إن تأبر، وإلا شمله الوقف، كذا في التحفة والنهاية، وقال الخطيب في مغنيه، ينبغي أن يكون للموقوف عليه.
اه.
(قوله: وغصن يعتاد قطعه) خرج به ما لا يعتاد قطعه، فلا يكون للموقوف عليه.
وعبارة الروض وشرحه، وهي كالدر والصوف والثمرة، لا الأغصان، فليست له إلا الأغصان من شجر خلاف ونحوه مما يعتاد قطعه، لأنها كالثمرة.
اه.
وقوله أو شرط، أي قطعه.
(وقوله: لم يؤد الخ) قيد في الصورتين، كما في سم، وعبارته: وقوله ولم يؤد الخ: ظاهره رجوعه إلى أو شرط أيضا.
اه.
قال ع ش: وهو ظاهر، لأن العمل بالشرط إنما يجب حيث لم يمنع منه مانع.
اه.
(قوله: فيتصرف) أي الموقوف عليه، وهو تفريع على قوله ولموقوف عليه ريع (قوله: بنفسه) أي كأن يركب الدابة (قوله: وبغيره) أي بإجارة أو إعارة إن كان له النظر، وإلا لم يتعاط ذلك إلى الناظر أو نائبه (قوله: ما لم يخالف شرط الواقف) أي أن محل كونه يتصرف فيه كما ذكر: إذا لم يخالف تصرفه شرط الواقف، وإلا فليس له ذلك.
فإذا وقف داره على أن يسكنها معلم الصبيان، أو الموقوف عليهم، أو على أن يعطي أجرتها، فيمتنع في الأولى غير سكناه.
وما نقل
عن الإمام النووي، أنه لما ولي دار الحديث وبها قاعة للشيخ أسكنها غيره، اختيار له، ولعله لم يثبت عنده أن الواقف(3/207)
نص على سكنى الشيخ، ويمتنع في الثانية غير استغلالها (قوله: لأن ذلك) أي كون الريع للموقوف عليه هو المقصود من الوقف، وهو تعليل للمتن، أي وإنما كان الريع للموقوف عليه لأن الريع هو المقصود من الوقف، (قوله: وأما الحمل المقارن) أي للوقف، وهو مقابل قوله وولده حادث، ولكن المقابلة لا تحسن إلا أن قال فيما سبق وحمل حادث، وكان الأولى أن يسقط لفظ أما، إذ لا بد لها من مقابل، ويقول والحمل المقارن الخ، أو يقول وخرج بالحادث المقارن، وعبارة الروض وشرحه، والحمل المقارن للوقف كالأم في كونه وقفا مثلها بناء على أن الحمل يعلم، والحمل الحادث كالدر فيكون للموقوف عليه.
اه.
بحذف (قوله: فوقف تبعا لأمه) أي فيكون ريعه أيضا للموقوف عليه (قوله: أما إذا وقفت إلخ) محترز قوله لغير نفع خاص منها، وكان الأولى أن يقول، كعادته، وخرج بقولي لغير نفع خاص، ما إذا الخ.
وقوله لنفع خاص، أي كركوب وسكنى وتعليم (قوله: كدابة للركوب) أي كوقف دابة ليركبها فلان (قوله: ففوائدها) أي العين الموقوفة لنفع خاص (قوله: للواقف) أي ملك له ومؤنها عليه أيضا، لأنه لم يجعل منها للمستحق إلا الركوب، فكأنها باقية على ملكه اه.
ع ش (قوله: ولا يجوز وطئ أمة الخ) عبارة الروض وشرحه: ووطؤها من الواقف والموقوف عليه والأجنبي حرام لعدم ملكهم، أو لأن ملك الأولين ناقص.
اه (قوله: بل يحدان) أي الواقف والموقوف عليه.
قال في فتح الجواد: وكأنهم لم ينظروا للقول بملكهما لضعفه، ولا يخلو عن نظر ولا مهر على الموقوف عليه، إذ لو وجب، وجب له ولا قيمة ولدها الحادث، لأنه ملكه.
اه.
ومحل حدهما، حيث لا شبهة، وإلا فلا (قوله: ويزوجها قاض) أي بالولاية العامة، لأن الملك فيها لله تعالى.
وخرج بالقاضي، الناظر، فلا يزوجها، وإن شرط نظيره حال الوقف.
وإذا زوجها القاضي، يستحق المهر الموقوف عليه، لأنه من جملة الفوائد.
ومثله في استحقاقه المهر، ما إذا وطئت بشبهة منها، كأن أكرهت أو طاوعته وهي نحو صغيرة أو معتقدة الحل وعذرت (قوله: بإذن الموقوف عليه) متعلق بيزوجها، أي يزوجها القاضي بشرط أن يأذن الموقوف عليه فيه لتعلق حقه بها.
وعبارة الروض وشرحه: وإذن الموقوف عليه له شرط في صحة تزويجها لتعلق حقه بها، ولا يلزمه الإذن في تزويجها وإن طلبته منه، لأن الحق له، فلا يجبر عليه.
وليس لأحد إجبارها عليه أيضا، كالعتيقة، اه.
ومحل اشتراط ما ذكر، إذا تأتى إذنه، فإن كان الموقوف عليه جهة، فينبغي أن يستقل الحاكم بالتزويج ح ل.
وقال البرماوي: يزوجها الناظر حينئذ (قوله: لا له الخ) أي لا يزوجها للموقوف عليه ولا للواقف،
مراعاة للقولين الضعيفين، وهما: أنها ملك للموقوف عليه أو للواقف، وعبارة فتح الجواد: وإنما لم يجز لهما احتياطا، ومن ثم لو وقفت عليه زوجته، انفسخ نكاحه إن قبل وشرطنا القبول.
اه.
(قوله: واعلم أن الملك في رقبة الموقوف) أي ذاته، وهذا كالمقابل لما في المتن، فكأنه قال: وأما ملك الرقبة الخ (قوله: ينتقل إلى الله تعالى) أي فلا يكون للواقف، وفي قول يكون له، كما هو مذهب الإمام مالك، ولا للموقوف عليه، وفي قول يكون له، كالصدقة، كما هو مذهب الإمام أحمد، ومحل الخلاف فيما يقصد به تملك ريعه، بخلاف ما هو مثل التحرير نصا، كالمسجد والمقبرة والرباط والمدرسة، فإنه ينتقل لله تعالى باتفاق (قوله: أي ينفك الخ) تفسير مراد لمعنى انتقاله إلى الله، وهو دفع لما استشكل من أن الموجودات بأسرها ملك لله تعالى في جميع الحالات بطريق الحقيقة وغيره، وإن سمي ملكا، فإنما هو بطريق التوسع، فلا معنى لتخصيص الموقوف من بين سائر الموجودات بذلك.
وحاصل الدفع أن المراد بالانتقال إلى الله تعالى، انفكاك الموقوف عن اختصاص الآدمي، بخلاف غيره، فإنه لم ينفك عن ذلك (قوله: فلو شغل المسجد الخ) لا(3/208)
يظهر تفريعه على ما قبله.
وعبارة الروض وشرحه: وينتقل ملك الموقوف إلى الله تعالى وجعل البقعة مسجدا أو مقبرة تحريرا لها كتحرير الرقبة في أن كلا منهما ينتقل إلى الله تعالى، وفي أنهما يملكان كالحر، وفي أنهما لو منع أحد المسلمين منهما بغلق أو غيره ولم ينتفع بهما لا أجرة عليه.
اه.
باختصار.
وعبارة المنهاج وشرحه لابن حجر، والأصح أنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة، كالشافعية، اختص بهم، فلا يصلي ولا يعتكف فيه غيرهم.
وبحث بعضهم أن من شغله بمتاعه لزمه أجرته لهم، وفيه نظر، إذ الذي ملكوه هو أن ينتفعوا به لا المنفعة، كما هو واضح، فالأوجه صرفها لمصالح الموقوف.
اه.
إذا علمت ذلك فكان الأولى للمؤلف أن يذكر قبل التفريع ما يتفرع عليه بأن يقول، وجعل البقعة مسجدا تحرير لها كتحرير الرقبة فيملك كالرقبة المحررة، ثم يفرع عليه ويقول: فلو شغل المسجد الخ (قوله: وجبت الأجرة له) أي للمسجد، لأنه يملك.
وقوله فتصرف لمصالحه، هذا معنى وجوب الأجرة له.
(وقوله: على الأوجه) متعلق بوجبت، ومقابله يقول تجب الأجرة لمن خصه الواقف بالمسجد، كما يعلم من عبارة ابن حجر المارة آنفا (قوله: فائدة الخ) هذه الفائدة ذكرها الفقهاء في باب إحياء الموات، والمؤلف، بسبب عدم ذكره هذا الباب، ذكرها هنا، لما بينها وبين ما هنا من المناسبة، وهي أن المسجد موقوف، فلما ذكر ناسب أن يذكر ما هو متعلق به (قوله: ومن سبق إلى محل من مسجد الخ) يجري هذا التفصيل فيمن سبق إلى مكان من الشارع للإرتفاق بالجلوس فيه لنحو معاملة
(قوله: لإقراء قرآن) منه تعليم القرآن لحفظه في الألواح، وخرج به: ما إذا جلس لقراءة ما يحفظه من القرآن، فسيأتي أنه كالجلوس للصلاة (قوله: أو حديث) أي أو لإقراء حديث (قوله: أو علم شرعي) عطفه على حديث من عطف العام على الخاص، إذ هو صادق بالحديث وبغيره، كالفقه والتفسير (قوله: أو آلة له) أي للعلم الشرعي، كالنحو والصرف (قوله: أو لتعلم ما ذكر) أي من القرآن وما بعده (قوله: بين يدي مدرس) أي إن أفاد أو استفاد، كما في التحفة، (قوله: وفارقه) أي محل جلوسه، ولو بلا عذر، وبه فارق مسألة الصلاة الآتية (قوله: ليعود إليه) قال في التحفة: وألحق به ما لو فارقه بلا قصد عود وعدمه.
اه.
وخرج بذلك: ما لو فارقه لا ليعود إليه، فإنه يبطل حقه بمفارقته (قوله: ولم تطل مفارقته) أي ولو لعذر، وإن ترك فيه نحو متاعه.
(وقوله: بحيث انقطع الخ) تصوير للطول المنفي.
والألفة جمع آلف، كبررة جمع بار، وكملة جمع كامل.
وفي بعض نسخ الخط، ألافه، وهو أيضا جمع آلف، كعذل جمع عاذل.
قال سم: ينبغي أن يكون المراد أن تمضي مدة من شأنها أن تنقطع ألافه فيها، وإن لم ينقطعوا بالفعل.
اه.
وفي البجيرمي ما نصه: وليس من الغيبة ترك الجلوس فيه في الأيام التي جرت العادة ببطلانها ولو شهرا، كما هو العادة في قراءة الفقه في الجامع الأزهر، ومما لا ينقطع به حقه أيضا، ما لو اعتاد المدرس قراءة الكتاب في سنتين وتعلق غرض بعض الطلبة بحضور النصف الأول في سنة، فلا ينقطع حقه بغيبته في الثاني.
اه.
ع ش على م ر.
وقرره ح ف.
اه.
(قوله: فحقه باق) جواب من، وذلك لخبر مسلم: من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به لكن لغيره الجلوس فيه ما دام غائبا، لئلا تتعطل منفعة الموضع في الحال، قال م ر: وكذا حال جلوسه لغير الإقراء والإفتاء، فيما يظهر، لأنه إنما استحق الجلوس فيه لذلك، لا مطلقا.
اه.
(قوله: لأن له غرضا الخ) علة لبقاء حقه عند مفارقته، أي وإنما بقي حق من سبق إلى محل الخ، لأن له قصدا في ملازمة ذلك الموضع، لأجل أن يألفه الناس ويترددون إليه لأجل دوام النفع به والانتفاع، وهذه العلة إنما تظهر بالنسبة لمن سبق، لإقراء قرآن أو للتعليم، أما بالنسبة للتعلم أو سماع درس، فلا تظهر، لأنه لا معنى لكون هذا يألفه الناس (قوله: وقيل يبطل حقه) أي من سبق إلى محل من المسجد ثم فارقه (قوله: وأطالوا الخ) أي أطال الفقهاء في ترجيح هذا القيل من جهة أنه هو المنقول عن المذهب ومن جهة المعنى، وعبارة شرح الروض: فلا يبطل حقه بمفارقته الموضع، وهذا ما نقله الأصل عن أبي عاصم العبادي والغزالي ونقل عن الماوري أنه يبطل حقه بذلك: لقوله(3/209)
تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * (1) زاد النووي: قلت وهو ما حكاه في الأحكام السلطانية عن جمهور الفقهاء، وعن
مالك أنه، أي من سبق ثم فارق، أحق، فمقضتى كلامه أن الشافعي وأصحابه من الجمهور، زاد الأذرعي وقال: يعني الماوردي، أن القول بأنه أحق ليس بصحيح، وقال في البحر إنه غلط، والظاهر أن ما حكاه الماوردي هو المذهب المنقول، وهو ما ارتضاه الإمام كأبيه، قال: وقول النووي في شرح مسلم، إن أصحابنا قالوا إنه أحق به، وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه الظاهر أنه أخذه من كلام الرافعي مسلما، والمنقول ما قدمناه.
وما قاله العبادي والغزالي تفقه، لا نقل.
اه.
والماوردي مخالف في مجالس الأسواق أيضا، كما نبه عليه الأسنوي، والأوجه خلاف قوله في الموضعين وهو ما جزم به المنهاج كأصله، اه.
بحذف، وعبارة فتح الجواد، وما ذكره في المسجد هو المعتمد، وإن انتصر الأذرعي وغيره لمقابله بأنه المنقول، وأن الأول غلط.
اه.
(قوله: أو للصلاة) معطوف على لإقراء قرآن، أي أو سبق إلى محل من المسجد للصلاة.
وإنما فصل هذه المسألة عن التي قبلها، لأن بينهما فرقا.
وحاصله أن تلك شرط في بقاء حقه فيها أن ينوي العود عند المفارقة ولو لغير عذر، وهذه يشترط فيها العذر ولو لم ينو المفارقة (قوله: ولو قبل دخول وقتها) في البجيرمي، وشمل الجلوس للصلاة من لم يكن أهلا لذلك المحل لعدم صحة استخلافه، وهو كذلك، وما لو جلس قبل دخول وقتها وهو كذلك إن عد منتظرا لها عرفا، لا نحو بعد صبح لانتظار ظهر، وهو ظاهر، إلا إن استمر جالسا.
اه.
(قوله: أو قراءة أو ذكر) معطوف على للصلاة، أي أو سبق إلى محل من المسجد لقراءة أو ذكر أو نحوهما من كل عبادة قاصر نفعها عليه وعبارة المغني، ويلحق بالصلاة الجلوس في المسجد لسماع وعظ أو حديث، أي أو قراءة في لوح مثلا، وكذا من يطالع منفردا، بخلاف من يطالع لغيره، ولم أر من تعرض لذلك.
وهو ظاهر.
اه.
(قوله: وفارقه بعذر) أي وفارق ذلك المحل الذي جلس فيه للصلاة أو القراءة أو الذكر بعذر ولو لم ينو العود.
قال في فتح الجواد: فإن فارقه لغير عذر بطل حقه، وإن نوى العود أو فارقه بعذر لا ليعود، بطل حقه، لأن الصلاة ببقاع المسجد لا تختلف، ولا نظر لزيادة ثوابها في الصف الأول، لأنه لو ترك له موضعه منه وأقيمت الصلاة لزم إدخال نقص على أهل الصف بعدم اتصاله، فإنه مكروه ومجيئه أثناءها لا يجبر خلل أولها.
اه.
(قوله: كقضاء حاجة الخ) تمثيل للعذر (قوله: فحقه باق) جواب الشرط المقدر قبل قوله للصلاة، أي أو من سبق للصلاة وما بعدها وفارقه بعذر فحقه باق للحديث المار (قوله: ولو صبيا في الصف الأول) غاية في بقاء حقه أي يبقى حق من سبق للصلاة ولو كان صبيا وجلس في الصف الأول، وهي للرد، كما يدل عليها عبارة المغني ونصها، وشمل ما لو كان الجالس صبيا، وهو الأصح.
اه.
(قوله: في تلك الصلاة) متعلق بباق، أي حقه باق بالنسبة لتلك الصلاة، أي وما ألحق بها مما اعتيد فعله بعد الصلاة من الاشتغال بالأذكار، أما
بالنسبة لغير تلك الصلاة فلا حق له فيه (قوله: وإن لم يترك رداءه فيه) غاية ثانية لبقاء حقه، أي يبقى حقه وإن لم يترك رداءه في ذلك المحل الذي قام منه (قوله: فيحرم الخ) مفرع على ثبوت بقاء حق من سبق إلى مسجد بالنسبة للصور كلها، أي وإذا كان حقه باقيا فيحرم على شخص غيره عالم ببقاء الحق لمن سبق الجلوس في محله إن كان بغير إذنه أو ظن رضاه.
قال سم: وينبغي أن المراد الجلوس على وجه منعه منه إذا جاء، أما إذا جلس على وجه إذا جاء له قام عنه فلا وجه لمنعه من ذلك.
اه.
(قوله: نعم إلخ) استدراك على حرمة الجلوس في مكان من سبق بالنسبة لبعض الصور، وهو من سبق للصلاة.
(وقوله: في غيبته) أي من سبق (قوله: واتصلت الصفوف) أي إلا الصف الذي فارقه من سبق إلى موضع منه، كما هو ظاهر، (قوله: فالوجه إلخ) جواب أن (قوله: مكانه) بالجر بدل من الصف بدل بعض من كل، ولو قال سد مكانه من الصف، لكان أولى (قوله: لحاجة إتمام) الإضافة للبيان، أي لحاجة هي إتمام الصفوف، وهو تعليل
__________
(1) سورة الحج، الاية: 25.(3/210)
لكون الأوجه سد ذلك (قوله: فلو كان له) أي لمن سبق ثم فارق الصف.
(وقوله: سجادة) بفتح السين.
وقوله فيه، أي في الصف (قوله: فينحيها برجله) أي يزيلها من أراد سد الصف برجله (قوله: من غير أن يرفعها) أي السجادة.
وقوله بها، أي برجله (قوله: لئلا تدخل في ضمانه) علة لكونه لا يرفعها برجله.
وعبارة فتح الجواد، ولغيره تنحيتها بما لم يدخلها في ضمانه بأن لم تنفصل على بعض أعضائه، كما هو ظاهر، ويتجه في فرشها خلف المقام بمكة وفي الروضة المكرمة حرمته، لأن فيه تحجر المحل الفاضل، إذ الناس يهابون تنحيتها وإن جازت لغلبة وقوع الخصام فيه حينئذ، وفي الجلوس خلف المقام لغير دعاء مطلوب وصلاة أكثر من سنة الطواف حرمتهما أيضا إن كان وقت احتياج الناس للصلاة، ثم لأن فيه ضررا لهم لمنعهم من المحل الفاضل لغير عذر.
اه.
وفي مناسك البطاح.
ويحرم بسط السجادة والجلوس في المحل الذي كثر طروق الطائفين له، ويزعج من جلس في ذلك على وجه يمنع غيره من الصلاة خلفه، حيث كان عالما عامدا، وينحي السجادة بنحو رجله.
ومثل المقام، تحت الميزاب، والصف الأول، والمحراب عند إقامة الصلاة وحضور الإمام.
ومثل ذلك، الروضة الشريفة، لأن فيه تحجيرا للبقعة الفاضلة المطلوب فيها الصلاة.
اه.
(قوله: أما جلوسه لاعتكاف) مقابل الأمور المارة من الإقراء والصلاة والقراءة والذكر (قوله: فإن لم ينو مدة إلخ) أي بأن نوى الإعتكاف مطلقا.
قال سم: قد يؤخذ من هذا التفصيل في الاعتكاف أنه لو جلس لقراءة مثلا، فإن لم ينو قدرا بطل حقه
بمفارقته، وإلا لم يبطل بذلك، بل يبقى حقه إلى الإتيان بما قصده، وإن خرج لحاحة وعاد.
اه.
وكتب ع ش: أقول وقد يمنع الأخذ بأن المسجد شرط للإعتكاف، بخلاف القراءة، إلا أن يقال: الاعتكاف كما يصح في المحل الذي فارقه يصح في غيره، فبقاع المسجد بالنسبة للاعتكاف مستوية.
اه.
(قوله: وإلا) أي بأن نوى مدة لم يبطل حقه بخروجه، وعبارة الروض وشرحه: ولو نوي اعتكاف أيام في المسجد فخرج لما يجوز الخروج له في الاعتكاف عاد لموضعه.
والمراد أنه أحق به، والظاهر أن خروجه لغير ذلك ناسيا كذلك، وإن نوى اعتكافا مطلقا فهو أحق بموضعه ما لم يخرج من المسجد صرح به في الروضة.
اه.
(قوله: وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان) قال في التحفة: لأن الغالب إضرارهم به، وكأنه في غير كاملي التمييز إذا صانهم المعلم عما لا يليق بالمسجد.
اه.
(تنبيه) قال في المغني: ويندب منع من يجلس في المسجد لمبايعة وحرفة، إذ حرمته تأبى اتخاذه حانوتا، وتقدم في باب الاعتكاف أن تعاطي ذلك فيه مكروه، ولا يجوز الارتفاق بحريم المسجد إذا أضر بأهله، ولا يجوز للإمام الإذن فيه حينئذ، وإلا جاز، ويندب منع الناس من استطراق حلق القراء والفقهاء في الجوامع وغيرها توقيرا لهم.
اه.
(قوله: ولا يباع موقوف) أي ولا يوهب للخبر المار أول الباب، وكما يمتنع بيعه وهبته، يمتنع تغيير هيئته جعل البستان دارا.
وقال السبكي يجوز بثلاثة شروط: أن يكون يسيرا لا يغيره مسماه، وعدم إزالة شئ من عينه بل ينقله من جانب إلى آخر، وأن يكون فيه مصلحة للوقف.
أفاده م ر (قوله: وإن خرب) أي الموقوف وخالف في هذا الإمام أبو حنيفة فأجاز بيع المحل الخراب بشرط أن يكون قد آل إلى السقوط ويبدل بمحل آخر أحسن منه، وأن يكون بعد حكم حاكم يرى صحته (قوله: فلو الخ) تفريع على عدم جواز بيع الموقوف الخراب.
(وقوله: انهدم مسجد) أي أو تعطل بخراب البلد مثلا (قوله: وتعذرت إعادته) أي لم يمكن إعادته حالا لعدم وجود ما يصرف في عمارته (قوله: لم يبع) جواب لو.
(وقوله: ولا يعود) أي هذا المسجد المنهدم ملكا بحال، أي أصلا، والمراد لا يعود ملكا، ولا في حال من الأحوال.
وعطفه على قوله لم يبع: من عطف الملزوم على لازمه، إذ يلزم من عدم عوده ملكا، عدم صحة بيعه، أي وهبته، إذ لا يباع ويوهب إلا الذي دخل في الملك (قوله: لإمكان الصلاة إلخ) تعليل لعدم صحة بيعه وعدم عوده ملكا، أي لا يصح ذلك لإمكان الانتفاع(3/211)
به حالا بالصلاة والإعتكاف في أرضه، وبه فارق ما لو وقف فرس على الغزو فكبر ولم يصلح حيث جاز بيعه لعدم إمكان الانتفاع به حالا (قوله: أو جف الشجر) معطوف على انهدم، فهو داخل في حيز التفريع (قوله: أو قلعه ريح) أي وإن لم
يمكن إعادته إلى مغرسه قبل جفافه (قوله: ولم يبطل الوقف) أي وإن امتنع وقفه ابتداء لقوة الدوام، وذلك لبقاء عين الموقوف (قوله: فلا يباع ولا يوهب) تفريع على عدم بطلان الوقف (قوله: بل ينتفع الموقوف عليه) أي بالشجر الجاف أو المقلوع بريح (قوله: ولو بجعله أبوابا) غاية للانتفاع، أي ينتفع به انتفاعا عاما، ولو بتقطيعه وجعله أبوابا (قوله: إن لم يمكنه إجارته الخ) قيد في الغاية، أي محل الانتفاع بجعله أبوابا إن لم يمكن إجارته حال كونه خشبا باقيا بحاله، فإن أمكن ذلك لا يجوز الانتفاع بغيره (قوله: فإن تعذر الانتفاع به) أي مع بقاء عينه، (وقوله: إلا باستهلاكه) أي إلا بزوال عينه فلا يتعذر الانتفاع به.
وفي سم ما نصه: لو أمكن والحالة هذه بيعها وأن يشتري بثمنها واحدة من جنسها أو شقصا، اتجه وجوب ذلك، لا يقال الفرض تعذر الانتفاع فلا يصح بيعها، لأنا نقول هي منتفع بها باستهلاكها، فيصح بيعها.
اه.
(قوله: كأن صار) أي الشجر، وهو تمثيل لتعذر الانتفاع إلا باستهلاكه، (وقوله: إلا بالإحراق) أي إحراق الشجر، أي للإيقاد به أو جعله فحما (قوله: انقطع الوقف) جواب أن (قوله: أي ويملكه الخ) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر غير مرة، وما ذكره الشارع من انقطاع الوقف وعوده إلى ملكه، تبع فيه شيخه ابن حجر، ولم يذكر في شرح الروض الانقطاع، بل اقتصر على صيرورته ملكا، واستشكل ذلك مع عدم بطلان الوقف، ونص عبارته مع المتن، وإلا بأن لم يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها بإحراق أو نحوه صارت ملكا للموقوف عليه، لكنها لا تباع ولا توهب، بل ينتفع بعينها كأم الولد ولحم الأضحية، وهذا التفصيل صححه ابن الرفعة والقمولي، ونقله الأصل عن اختيار المتولي وغيره، لكن اقتصر المنهاج كأصله، والحاوي الصغير، على قوله وإن جفت الشجرة لم ينقطع الوقف.
وقضيته أنه لا يصير ملكا بحال، وهو المعتمد الموافق للدليل، وكلام الجمهور على أن عوده ملكا مع القول بأنه لا يبطل الوقف، مشكل.
اه.
وأجاب في النهاية عن إشكاله المذكور بما حاصله: أن معنى عود ملكا أنه ينفتع به ولو باستهلاك عينه كالإحراق، ومعنى عدم بطلان الوقف أنه ما دام باقيا لا يفعل به ما يفعل بسائر الأملاك من بيع ونحوه كما مر.
اه.
والذي يظهر من كلامهم أن الخلف لفظي فمن عبر ببطلان الوقف وعوده ملكا.
مراده به جواز الإنتفاع به بأي شئ، ولو باستهلاك عينه إلا بالبيع والهبة فلا يجوز.
ومن عبر بعدم بطلانه مراده به أنه لا يتصرف فيه تصرف الأملاك مطلقا حتى بالبيع والهبة، بل يتصرف فيه بغير ذلك من إحراق ونحوه (قوله: فينتفع بعينه) أي بأي انتفاع، ولو بالاستهلاك، كما علمت (قوله: ولا يبيعه) هذا لا يظهر تفريعه على ما قبله، فكان الأولى أن يدخل عليه أداة الاستدراك بأن يقول، كما في شرح الروض، ولكن لا يبعيه، أي ولا يوهبه (قوله: ويجوز بيع حصر المسجد الخ) قال في التحفة، أي لئلا تضيع
فتحصيل يسير من ثمنها يعود على الوقف أولى من ضياعها، واستثنيت من بيع الوقف، لأنها صارت كالمعدومة.
اه.
(قوله: بأن ذهب جمالها ونفعها) أي مع بقاء عينها، وهو تصوير لبلائها (قوله: وكانت المصلحة) أي للوقف.
(وقوله: في بيعها) أي الحصر (قوله: وكذا جذوعه الخ) أي ومثل الحصر، الجذوع، فيجوز بيعها إذا انكسرت.
وجذع النخلة ما بين أصلها الذي في الأرض ورأسها، كما في تفسير الخطيب، (وقوله: المنكسرة) أي أو المشرفة على الانكسار.
وزاد في متن المنهاج، ولم تصلح إلا للإحراق.
قال في التحفة، وخرج بقوله ولم تصلح الخ: ما إذا أمكن أن يتخذ منه نحو ألواح، فلا تباع قطعا، بل يجتهد الحاكم ويستعمله فيما هو أقرب لمقصود الواقف.
قال السبكي: حتى لو أمكن استعماله بإدراجه في آلات العمارة، امتنع بيعه فيما يظهر.
اه.
(قوله: خلافا لجمع فيهما) أي في الحصر والجذوع صححوا(3/212)
عدم جواز بيعهما بصفتهما المذكور وإدامة للوقف في عينهما، ولأنه يمكن الانتفاع بهما في طبخ جص أو آجر.
قال السبكي، وقد تقوم قطعة من الجذوع مقام أجرة، كذا في المغني، وفيه أيضا، وأجاب الأول، أي القائل بصحة البيع، بأنه لا نظر إلى إمكان الانتفاع في هذه الأمور، لأن ذلك نادر لندرة اصطناع هذه الأشياء لبعض المساجد.
اه.
وعبارة شرح المنهج، وما ذكرته فيها، أي من عدم جواز البيع بصفتهما المذكورة، هو ما اقتضاه كلام الجمهور وصرح به الجرجاني والبغوي والروياني وغيرهم، وبه أفتيت، وصحح الشيخان تبعا للإمام أنه يجوز بيعهما لئلا يضيعا ويشتري بثمنهما مثلهما، والقول به يؤدي إلى موافقه القائلين بالاستبدال.
اه.
(قوله: ويصرف ثمنهما) أي الحصر والجذوع إذا بيعا (قوله: إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به) أي بالثمن، فإن أمكن اشتري به ولا يصرف لمصالح المسجد (قوله: والخلاف) أي بين جواز البيع وعدمه، (وقوله: في الموقوفة) أي في الحصر الموقوفة أو الجذوع كذلك (قوله: ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها) غاية في الموقوفة، أي ولو كانت الموقوفة اشتراها الناظر من غلة الوقف ووقفها على المسجد، فإن الخلاف يجري فيها أيضا (قوله: بخلاف الموهوبة الخ) أي بخلاف المملوكة للمسجد بهبة أو شراء.
وهذا محترز قوله الموقوفة (قوله: والمشتراة) أي ولو من غلة الوقف حيث لم يقفها الناظر.
وقوله للمسجد، متعلق بالوصفين قبله (قوله: فتباع جزما) أي بلا خلاف، وتصرف على مصالح المسجد، ولا يتعين صرفها في شراء حصر بدلها.
اه.
ع ش (قوله: وإن لم تبل) أي الموهوبة أو المشتراة، وهذا بالنسبة للحصر، وقياسه، بالنسبة للجذوع، أن يقال، وإن لم تنكسر (قوله: وكذا نحو القناديل) أي مثل الحصر والجذوع في التفصيل المذكور، نحو القناديل، أي فإذا كانت موقوفا على
المسجد وانكسرت، جرى الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه، أو مملوكة، جاز بيعها جزما لمجرد المصلحة، وإن لم تنكسر، (قوله: ولو اشترى الناظر) أي من غلة الموقوف على المسجد، (وقوله: أخشابا للمسجد) أي أخشابا تحفظ وتهيأ لما يحدث في المسجد من خراب (قوله: أو وهبت) أي الأخشاب، وقوله له أي للمسجد (قوله: وقبلها الناظر) قيد في الهبة، فإن لم يقبلها الناظر لا تصح الهبة له، بخلاف الوقف له، فإنه يصح، ولو لم يقبل الناظر، كما مر (قوله: جاز بيعها) أي الأخشاب التي اشتراها الناظر أو وهبت له (قوله: لمصلحة) أي تعود للمسجد (قوله: كأن خاف الخ) تمثيل للمصلحة (قوله: لا إن كانت موقوفة) أي فلا يجوز بيعها.
(وقوله: من أجزاء المسجد) أي من جملة أجزائه الموقوفة (قوله: بل تحفظ) إضراب من مقدر، أي فلا يجوز بيعها بل تحفظ له وجوبا، وهذا مفروض في أخشاب سليمة لم يسقف بها المسجد، بل وقفت لتسقيف المسجد بها إذا خرب أو زادت من عمارة المسجد، فلا ينافي ما مر في الجذوع المنكسرة من جريان الخلاف فيها بين جواز البيع وعدمه (قوله: ولا ينقض المسجد) أي المنهدم المتقدم ذكره في قوله فلو انهدم مسجد.
ومثل المنهدم: المتعطل.
(والحاصل) أن هذا المسجد الذي قد انهدم، أي أو تعطل بتعطيل أهل البلد له، كما مر، لا ينقض، أي لا يبطل بناؤه بحيث يتمم هدمه في صورة المسجد المنهدم، أو يهدم من أصله في صورة المتعطل، بل يبقى على حاله من الانهدام أو التعطيل، وذلك لإمكان الصلاة فيه وهو بهذه الحالة ولإمكان عوده كما كان (قوله: إلا إذا خيف على نقضه) هو بكسر النون أو ضمها بمعنى منقوضه من الحجارة والأخشاب، وعبارة المصباح، نقضت البناء نقضا من باب قتل،(3/213)
والنقض مثل قفل وحمل بمعنى المنقوض واقتصر الأزهري على الضم، قال: النقض اسم البناء المنقوض إذا هدم، وبعضهم يتقصر على الكسر ويمنع الضم، والجمع نقوض.
اه.
وقوله فينقض، أي يبطل بناؤه بالحيثية السابقة.
وقوله ويحفظ، أي نقضه.
وقوله أو يعمر به، أي بالنقض.
وقوله إن رآه الحاكم، أي رأى تعمير مسجد آخر به أصلح (قوله: والأقرب إليه أولى) أي وعمارة المسجد الأقرب إلى المنهدم أولى من غير الأقرب.
قال ع ش: وبقي ما لو كان ثم مساجد متعددة واستوى قربه من الجميع، هل يوزع على الجميع أو يقدم الأحوج؟ فيه نظر.
والأقرب الثاني، فلو استوت الحاجة والقرب، جاز صرفه لواحد منها.
اه.
(قوله: ولا يعمر به غير جنسه) أي ولا يعمر بالنقض ما هو من غير جنس المسجد.
وقوله كرباط وبئر، تمثيل لغير جنس المسجد، وقوله كالعكس: هو أن لا يعمر بنقض الرباط والبئر غير الجنس
كالمسجد (قوله: إلا إذا تعذر جنسه) أي فإنه يعمر به غير الجنس (قوله: والذي يتجه ترجيحه الخ) في سم ما نصه، الذي اعتمده شيخنا الشهاب الرملي أنه إن توقع عوده حفظ، وإلا صرفه لأقرب المساجد، وإلا فللأقرب إلى الواقف، وإلا فللفقراء والمساكين أو مصالح المسلمين.
وحمل اختلافهم على ذلك.
اه.
(واعلم) أن الوقف على المسجد إذا لم يذكر له مصرف آخر بعد المسجد من منقطع الآخر، كما قال في الروض، وإن وقفها، أي الدار على المسجد صح، ولو لم يبين المصرف وكان منقطع الآخر إن اقتصر عليه ويصرف في مصالحه اه.
وقد تقرر في منقطع الآخر أنه يصرف إلى أقرب الناس إلى الواقف، فقولهم هنا إنه إذا لم يتوقع عوده يصرف إلى مسجد آخر أو أقرب المساجد، يكون مستثنى من ذلك.
فليتأمل.
اه.
(وقوله: وقف المنهدم) أي في الموقوف على المسجد المنهدم.
قال في التحفة: أما غير المنهدم فما فضل من غلة الموقوف على مصالحه فيشتري له بها عقار ويوقف عليه، بخلاف الموقوف على عمارته يجب ادخاره لأجلها، أي إن توقعت عن قرب.
اه.
وقوله أنه، أي المنهدم.
وقوله إن توقع عوده، أي ترجى أنه يعود ويعمر كما كان.
وقوله حفظ، أي الريع، وهو جواب إن.
وقوله له، أي للمنهدم بعد عوده (قوله: وإلا) أي وإن لم يتوقع عوده، وقوله صرف، أي ذلك الريع.
وقوله لمسجد آخر، والأقرب أولى، كما علمت، (قوله: فإن تعذر) أي صرفه لمسجد آخر (قوله: صرف للفقراء) أي فقراء محل المسجد المنهدم (قوله: كما يصرف النقض لنحو رباط) أي كما يصرف نقض المسجد إذا تعذر تعمير مسجد آخر لنحو رباط كبئر، والتشبيه في كون الريع صرف لغير الجنس عند تعذر صرفه للجنس (قوله: وسئل شيخنا عما إذا عمر مسجد) ما واقعة على مسجد، وحينئذ فكان الأولى حذف قوله مسجد، لأنه على ثبوته يصير المعنى سئل عن المسجد الذي إذا عمر مسجد، وفيه ركاكة لا تخفى.
وفي بعض النسخ عما إذا عمر مسجدا، بنصب مسجدا، وعليه فيلزم وقوع ما، على من يعقل، ويلزم جعل السؤال عن الشخص، لا عن المسجد، فلو قال عن مسجد عمر بآلات الخ، لكان أولى وأخصر.
وتقدم أن عمر، في مثل هذا المحل، يقرأ بالتخفيف من العمارة، بخلافه في مثل عمر فلان، فهو بالتشديد، من التعمير في السن، بمعنى طول الأجل، فلا تغفل (قوله: بآلات جدد) أي لعمارة المسجد، وهي كالخشب والحجر والحديد (قوله: وبقيت آلاته القديمة) أي لم يعمر بها (قوله: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها) أي بآلات المسجد الأول القديمة (قوله: أو تباع) أي تلك الآلات (قوله: ويحفظ ثمنها) أي للمسجد الذي كانت تلك الآلات فيه (قوله: فأجاب) أي شيخه (قوله: بأنه) أي الحال والشأن، (وقوله: يجوز عمارة مسجد قديم) أي قد خرب، (وقوله: وحادث) أي بأن(3/214)
ينشأ بتلك الآلات مسجد (وقوله: بها) أي بآلات المسجد الذي كانت فيه (قوله: حيث الخ) قيد في الجواز، فإذا فقد، بأن احتيج إلى تلك الآلات قبل فنائها لعمارة المسجد الذي كانت فيه لا يجوز عمارة مسجد آخر بها (قوله: بعدم احتياج ما هي منه) أي بعدم احتياج المسجد الذي هي، أي تلك الآلات، منه.
وقوله إليها، أي إلى الآلات، وهو متعلق باحتياج.
وقوله قبل فنائها أي الآلات وهو متعلق أيضا باحتياج (قوله: ولا يجوز بيعه) الأولى بيعها بتأنيث الضمير العائد إلى الآلات (قوله: ونقل) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده.
(وقوله: نحو حصير المسجد) أي كفرشه غير الحصير.
(وقوله: كنقل آلاته) أي في أنه إن لم يحتج المسجد إليه جاز نقله إلى مسجد آخر، وإلا فلا يجوز.
وتقدم آنفا أنه يجوز بيع نحو الحصر الموقوفة إذا بليت وكانت المصلحة في بيعها.
وخالف جمع في ذلك، وأن المملوكة يجوز بيعها لمصلحة مطلقا (قوله: ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا) أي وقفا مطلقا، أي من غير تقييد بكونه لعمارته (قوله: أو علي عمارته) معطوف على قوله على المسجد، أي ويصرف ريع الموقوف على عمارته (قوله: في البناء) متعلق بيصرف.
(وقوله: ولو لمنارته) أي ولو كان البناء لمنارته.
(وقوله: وفي التجصيص) معطوف على قوله في البناء، أي ويصرف في التجصيص، ومنه البياض المعروف (قوله: والسلم) أي وفي السلم، أي الذي يحتاج إليه في المسجد (وقوله: وفي أجرة القيم) أي لأنه يحفظ العمارة (قوله: لا المؤذن الخ) أي لا يصرف لهذه المذكورات (قوله: إلا إن كان الوقف لمصالحه) أي إلا إن كان الوقف كائنا على مصالح المسجد، والاستثناء منقطع، إذ المستثنى منه ريع الموقوف على المسجد مطلقا، أو مقيدا بالعمارة، والمسنثنى الوقف على المصالح (قوله: فيصرف) أي ريعه، (وقوله: في ذلك) أي المذكورة من المؤذن والإمام والحصر والدهن، وذلك لأنها من المصال (قوله: لا في التزويق والنقش) أي لا يصرف فيهما، بل لو وقف عليهما ما يصح، لأنه منهي عنه (قوله: وما ذكرته) مبتدأ، خبره قوله هو مقتضى إلخ.
(وقوله: من أنه) بيان لما، وضمير أنه يعود على الربيع (قوله: لكنه) أي النووي (قوله: نقل بعده) أي بعد نقله عن البغوي (قوله: إنه يصرف لهما) أي المؤذن والإمام.
قال في النهاية: ويتجه إلحاق الحصر والدهن بهما.
اه.
(قوله: كما في الوقف على مصالحه) أي وكما في نظيره من الوصية للمسجد.
(قوله: ولو وقف على دهن إلخ) مثله في الروض وشرحه ونصهما، فلو وقف على دهن لإسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا بأن ينتفع به من مصل ونائم وغيرهما، لأنه أنيط له، فإن كان مغلقا مهجورا لم يسرج، لأنه إضاعة مال.
اه.
(وقوله: لم يسرج) أي رأسا ولا
في جزء من الليل، بدليل العلة بعده (قوله: وأفتى الخ) مخالف لما قبله (قوله: فيه) أي المسجد.
وقوله ليلا أما نهارا فيحرم مطلقا للإسراف ولما فيه من التشبه بالنصارى (قوله: احتراما) أي تعظيما للمسجد (قوله: مع خلوه) متعلق بجواز (قوله: وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي) أي مطلقا، فهو مؤيد لما قبل إفتاء ابن عبد السلام، وعبارة التحفة، وفي الروضة يحرم إسراج الخالي، وجمع بحمل هذا على ما إذا أسرج من وقف المسجد أو ملكه، والأول على ما إذا تبرع به من يصح تبرعه، وفيه نظر، لأنه إضاعة مال، بل الذي يتجه الجمع بحمل الأول على ما إذا توقع ولو على ندور احتياج(3/215)
أحد لما فيه من النور، والثاني على ما إذا لم يتوقع ذلك.
اه (قوله: يحرم أخذ شئ من زيته وشمعه) أي للمسجد، أي المختص به، بأن يكون موقوفا عليه أو مملوكا له بهبة أو شراء من ريع موقوف على مصالحه وإذا أخذ منه ذلك وجب رده.
(وقوله: كحصاة وترابه) أي كما يحرم أخذ حصي المسجد وترابه.
قال النووي في إيضاحه: ولا يجوز أخذ شئ من طيب الكعبة لا للتبرك ولا لغيره، ومن أخذ شيئا من ذلك لزمه رده إليها، فإن أراد التبرك أتى بطيب من عنده فمسحها به ثم أخذه.
اه (قوله: ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة) أي لدفن المسلمين فيها بأن كانت موقوفة أو مسبلة لذلك.
وخرج بها: المملوكة، فإن ثمر الشجر النابت فيها مملوك أيضا، وقوله مباح، خبر ثمر، أي فيجوز لكل أحد الأكل منه (قوله: وصرفه) أي الثمر.
(وقوله: لمصالحها) أي المقبرة كتعميرها.
(وقوله: أولى) أي من تبقيته للناس، وعبارة الروض وشرحه، ولو نبتت شجرة بمقبرة فثمرتها مباحة للناس تبعا للمقبرة، وصرفها إلى مصالح المقبرة أولى من تبقيتها للناس، لا ثمرة شجرة غرست للمسجد فيه، فليست مباحة بلا عوض، بل يصرف الإمام عوضها لمصالحه، أي للمسجد، وتقييده بالإمام من زيادته، وظاهر أن محله إذا لم يكن ناظر خاص، وإنما خرجت الشجرة عن ملك غارسها هنا بلا لفظ، كما اقتضاه كلامهم، للقرينة الظاهرة.
وخرج بغرسها للمسجد، غرسها مسبلة للأكل، فيجوز أكلها بلا عوض، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به.
اه (قوله: وثمر المغروس) أي الشجر المغروس في المسجد.
وقوله ملكه، أي المسجد بمعنى أنه يصرف في مصالحه، كما يفيده التفريع بعده، وليس مباحا للناس (قوله: إن غرس له) أي للمسجد بقصده لا للناس (قوله: فيصرف) أي الثمر، وهو تفريع على كونه ملكه (قوله: وإن غرس) أي الشجر.
وقوله ليؤكل، أي الشجر، وهو على حذف مضاف، أي ثمره.
والمراد غرس بقصد إباحته للناس (قوله: أو جهل الحال) أي لم يدر، هل هو غرس للمسجد أو ليؤكل؟ (قوله: فمباح) أي فثمره مباح، لأنه الظاهر في الصورة الجهل، أنه إنما غرس لعموم
المسلمين (قوله: ليس للإمام الخ) أي فيحرم عليه ذلك.
(وقوله: إذا اندرست مقبرة) أي بليت وخفيت آثارها.
قال في المصباح: درس المنزل دروسا، عفا وخفيت آثاره، اه.
وحنيئذ فقوله بعد ولم يبق بها أثر، تفسير له (قوله: إجارتها) اسم ليس مؤخر.
وقوله أي مثلا، راجع للزراعة، أي أو للبناء فيها (قوله: وصرف غلتها) عطف على إجارتها، أي وليس له صرف غلتها.
(وقوله: للمصالح) : أي مصالح المسلمين (قوله: وحمل) أي ما في الأنوار، (وقوله: على الموقوفة) أي على المقبرة الموقوفة لدفن الأموات فيها (قوله: فالمملوكة لمالكها) أي فأما المقبرة المملوكة فأمرها مفوض لمالكها إن عرف، فيجوز له أن يتصرف فيها بإجارة وبإعارة وبغير ذلك، لأنها ملكه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرف (قوله: فمال ضائع) أي فهي كالمال الضائع.
(وقوله: أي إن أيس من معرفته) الأولى حذف أي التفسيرية، كما مر في مثل هذا، (قوله: يعمل فيه الإمام بالمصلحة) بيان لحكم المال الضائع، أي أن حكم المال الضائع أن الإمام يعمل فيه بالمصلحة (قوله: وكذا المجهولة) أي مثل المملوكة التي أيس من معرفة مالكها المقبرة المجهولة، أي التي لا يدري أنها مملوكة أو موقوفة، فإنها كالمال الضائع (قوله: وسئل العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة الخ) لم يتعرض للشجرة النابتة في المسجد، وفي ع ش ما نصه: وقع السؤال في الدرس عما يوجد من الأشجار في المساجد ولم يعرف، هل هو وقف أو لا؟ ماذا يفعل فيه إذا جف؟ والجواب أن الظاهر من غرسه في المسجد أنه موقوف، لما صرحوا به في الصلح من أن محل(3/216)
جواز غرس الشجر في المسجد إذا غرسه لعموم المسلمين، وانه لو غرسه لنفسه لم يجز، وإن لم يضر بالمسجد، وحيث عمل على أنه لعموم المسلمين فيحتمل جواز بيعه وصرف ثمنه على مصالح المسلمين، وإن لم يمكن الانتفاع به جافا، ويحتمل وجوب صرف ثمنه لمصالح المسجد خاصة، ولعل هذا الثاني أقرب، لأن واقفه إن وقفه مطلقا وقلنا بصرف ثمنه لمصالح المسلمين، فالمسجد منها، وإن كان وقفه على خصوص المسجد، امتنع صرفه لغيره.
فعلى التقديرين جواز صرفه لمصالح المسجد محقق، بخلاف صرفه لمصالح غيره مشكوك في جوازه، فيترك لأجل المحقق.
اه (قوله: نبتت بمقبرة مسبلة) أي غير مملوكة (قوله: ولم يكن لها ثمر ينتفع به) خرج به ما إذا كان لها ذلك فإنه لا يجوز قطعها وبيعها (قوله: إلا أن بها) أي بالشجرة.
(وقوله: أخشابا كثيرة) أي فروعا كثيرة، (وقوله: تصلح) أي تلك الأخشاب.
(وقوله: للبناء) أي بتلك الأخشاب بأن توضع سقفا للبنيان (قوله: ولم يكن لها) أي للمقبرة (قوله: أي القاضي) تفسير للناظر العام، وكان الأولى أن يقول، أي الإمام أو نائبه وهو القاضي (قوله: فأجاب) أي العلامة الطنبداوي (قوله: نعم للقاضي
في المقبرة العامة) أي في شجرتها النابتة فيها.
وقوله بيعها، أي تلك الشجرة (قوله: وصرف ثمنها في مصالح المسلمين) في بعض نسخ الخط في مصالح المقبرة، وعليه يكون مكررا مع قوله بعد فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى، فما في النسخ التي بأيدينا أولى (قوله: كثمرة الشجرة التي لها ثمر) أي فإن للقاضي بيعه وصرف ثمنه في مصالح المسلمين على ما في النسخة التي بأيدينا، أو في مصالح المقبرة على ما في بعض النسخ (قوله: فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى) الظاهر أن إن شرطية، وأولى خبر لمبتدأ محذوف، والجملة من المبتدأ المحذوف والخبر جواب الشرط، والأولى تذكير الضمير من صرفها، لأن مرجعه مذكر، وهو الثمن، ويوجد في بعض نسخ الخط، وإن صرفها، بواو العطف، وعليه تكون إن هي الناصبة للإسم، الرافعة للخبر، والجملة معطوفة على جملة وصرف ثمنها في مصالح المسلمين (قوله: هذا) أي ما ذكر من جواز بيعها، وصرف ثمنها، (وقوله: عند سقوطها) أي الشجرة النابتة في المقبرة.
(وقوله: بنحو ريح) أي كسيل (قوله: وأما قطعها الخ) محترز قوله عند سقوطها بنحو ريح، وهو في الحقيقة جواب الطرف الثاني من قول السائل، وما قبله جواب الطرف الأول منه وقوله مع سلامتها، أي الشجرة أي عدم سقوطها (قوله: فيظهر إبقاؤها) أي الشجرة، وهو جواب أما (قوله: للرفق الخ) أي لنفع الزائر للقبور والمشيع للجنازة بظلها (قوله: ولو شرط واقف إلخ) شروع في بيان النظر على الوقف وشروط الناظر (قوله: نظرا له) مفعول شرط، أي شرط في صيغة الوقف النظر لنفسه أو لغيره (قوله: اتبع) أي شرطه، أي عمل به، وذلك لخبر البيهقي المسلمون عند شروطهم ولما روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه ولي أمر صدقته، ثم جعله لحفصة ما عاشت، ثم لأولى الرأي من أهلها (قوله: كسائر شروطه) أي الواقف، فإنها تتبع ويعمل بها، كما تقدم ذلك (قوله: وقبول) مبتدأ خبره الجار والمجرور، أي وقبول الناظر الذي شرط الواقف له النظر كائن كقبول الوكيل، أي في أنه لا يشترط فيه التلفظ، بل عدم الرد فقط.
وعبارة الروض وشرحه: ولقبوله، أي المشروط له النظر، حكم قبول الوكيل بجامع اشتراكهما في التصرف، وفي جواز الامتناع منهما بعد قبولهما ولا يشترط قبوله لفظا.
اه.
قال سم: وظاهر أن من لم يشرط له النظر، بل فوضه إليه الواقف حيث كان له النظر أو الحاكم حكم قوله كقبول الوكيل أيضا، وإنما خص من شرط له النظر، لئلا يتوهم أنه كالموقوف عليه المعين، كما أشار(3/217)
له بقوله بعد، لا الموقوف عليه.
اه (قوله: على الأوجه) مقابله يقول إنه كقبول الموقوف عليه المعين، فيشترط القبول لفظا فورا.
وعبارة التحفة، كقبول الوكيل على الأوجه، لا الموقوف عليه، إلا أن يشرط له شئ من مال الوقف على ما
بحث.
اه.
(قوله: وليس له عزل الخ) أي ليس للواقف أن يعزل من شرط النظر له حالة الوقف.
ومثل شرط النظر، شرط التدريس حالة الوقف.
قال في التحفة، بأن يقول وقفت هذا مدرسة، بشرط أن فلانا ناظرها أو مدرسها، وإن نازع فيه الأسنوي، فليس له كغيره عزله من غير سبب يخل بنظره، لأنه لا نظر له بعد شرطه لغيره، ومن ثم لو عزل المشروط له نفسه لم ينصب له بدله إلا الحاكم.
اه (قوله: ولو لمصلحة) غاية في عدم جواز عزله، أي لا يجوز عزله، ولو كان لمصلحة (قوله: وإلا يشترط لأحد) أي وإن لا يشترط الواقف النظر لأحد.
قال ع ش: بأن لم يعلم شرطه لأحد، سواء علم عدم شرطه أو جهل الحال.
اه (قوله: فهو) أي النظر لقاض، والجملة جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية (قوله: بالنسبة لحفظه وإجارته) قال البجيرمي: أي ونحوهما.
اه.
وانظر ما هو هذا النحو؟ ولعله العمارة والترميم، وقوله لما عدا ذلك، أي الحفظ والإجارة، وذلك كتحصيل الغلة وقسمتها على مستحقيها وتنميته، كما في مال اليتيم، قال البيجيرمي: وليس لأحد القاضيين فعل ما ليس له.
قاله شيخنا.
اه.
(قوله: على المذهب) مرتبط بالمتن، أي فهو لقاض على المذهب، ومقابل المذهب يقول إن النظر مرتب على أقوال الملك، أي فإن قيل إن الملك في الموقوف للواقف، كان النظر له، أو للموقوف عليه كان النظر له، وإن قيل لله تعالى، كان النظر للقاضي (قوله: لأنه الخ) تعليل لكونه للقاضي على المذهب، أي وإنما كان النظر للقاضي على المذهب إذا لم يشرط لأحد، لأنه صاحب النظر العام، (وقوله: فكان) أي القاضي، (وقوله: أولى من غيره) أي أحق بالنظر من غيره (قوله: ولو واقفا) أي ولو كان ذلك الغير واقفا (قوله: وجزم الخوارزمي) مبتدأ خبره ضعيف، وعبارة التحفة: وجزم الماوردي بثبوته للواقف بلا شرط في مسجد المحلة، والخوارزمي في سائر المساجد.
وزاد أن ذريته مثله ضعيف.
اه (قوله: قال السبكي ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر) أي ليس للقاضي أن يأخذ ما شرطه الواقف للناظر من الغلة فيما إذا فسق الناظر مثلا وانتقل النظر للقاضي (قوله: إلا أن صرح الواقف بنظره) أي إلا أن صرح الواقف في حال الوقف بأن النظر يكون للقاضي، فإنه يصح له أخذ ما شرط للنظر (قوله: كما أنه ليس الخ) الكاف للتنظير، أي نظير أنه ليس للقاضي أخذ شئ من سهم عامل الزكاة، وذلك لأن رزق القاضي في سهم المصالح (قوله: قال ابنه) أي السبكي.
وقوله ومحله، أي محل عدم جواز أخذ ما شرط للناظر إذا لم يصرح الواقف بالنظر له.
وقوله في قاض له قدر كفايته: أي من بيت مال المسلمين (قوله: ويحث بعضهم أنه) أي الحال والشأن.
وقوله لو خشي، بالبناء للمجهول، أي خيف وقوله أكل الوقف، أي غلته، وقوله لجوره، أي القاضي، أي خيف منه ذلك لكونه جائرا، أي ظالما (قوله: جاز الخ) جواب لو.
وقوله لمن هو بيده، أي للشخص الذي ذلك الوقف
تحت يده، وقوله صرفه، أي الوقف، وهو فاعل جاز، وقوله في مصارفه، أي الوقف كالفقراء (قوله: إن عرفها) أي إن عرف من هو تحت يده مصارفه (قوله: وإلا) أي وإن لم يعرفها (قوله: فوضه) أي الصرف.
وقوله الفقيه عارف بها، أي بالمصارف (قوله: أو سأله) أي سأل الفقيه العارف بها عن المصارف.
وقوله وصرفها، الأولى وصرفه، لأن الضمير عائد على الوقف، ويحتمل أن المراد وصرفها، أي غلته المعلومة من المقام (قوله: وشرط الناظر الخ) لم يبين وظيفته، وكان حقه أن يبينها كما بين الشروط.(3/218)
(والحاصل) أن وظيفته عمارة وإجارة وحفظ أصل وهو الموقوف وغلة وهي الأجرة التي تستغل منه وجمعها وقسمتها على مستحقيها، فإن فوض له بعض هذه الأمور، لم يتجاوزه.
ونفقة الموقوف ومؤنة تجهيزه إذا كان عبدا وعمارته من حيث شرطها الواقف من ماله أو مال الوقف، وإلا فمن منافع الموقوف، ككسب العبد، وغلة العقار، فإذا انقطعت منافعه، فالنفقة ومؤنة التجهيز من بيت المال، صيانة لروحه في الأولى، ولحرمته في الثانية.
أما العمارة: فلا تجب في بيت المال (قوله: واقفا كان) أي الناظر.
وقوله أو غيره، أي غير واقف، وفي حاشية الجمل ما نصه: إطلاق المصنف يتناول الأعمى والبصير.
اه.
زي.
ويتناول المرأة أيضا.
اه (قوله: العدالة) قال البجيرمي نقلا عن شيخه: محل اشتراطها ما لم يكن الناظر القاضي، وإلا فلا يشترط عدالته، لأن تصرفه بالولاية العامة.
وأما منصوبه فلا بد فيه من العدالة.
اه.
وبحث بعضهم اشتراط العدالة الباطنة في منصوب القاضي والإكتفاء بالظاهرية فيمن شرطه الواقف أو استنابه.
اه.
واعتمد م ر وابن حجر اعتبار العدالة الباطنية في الجميع، حتى الواقف إذا شرط النظر لنفسه.
اه.
والعدالة الباطنة هي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، والظاهرة هي التي لم يعرف لصاحبها مفسق (قوله: والاهتداء إلى التصرف) أي القوة والقدرة على التصرف فيما هو ناظر فيه.
(تنبيه) عبر في المنهج بالكفاية بدل الاهتداء وجمع في المنهاج بينهما فقال: وشرطه الكفاية والاهتداء إلى التصرف.
وكتب الخطيب في مغنيه الكفاية فسرها في الذخائر بقوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر فيه، ثم قال: وفي ذكر الكفاية كفاية عن قوله والاهتداء إلى التصرف، ولذلك حذفه من الروضة كأصلها، وحينئذ فعطف الاهتداء على الكفاية من عطف التفسير.
اه.
(وقوله: المفوض إليه) صفة للتصرف، والضمير يعود على الناظر، أي التصرف الذي فوضه الواقف إلى الناظر (قوله: ويجوز للناظر ما شرط له) أي أخذ ما شرط له، (وقوله: من الأجرة) بيان لما
(قوله: وإن زاد) أي ما شرط له، وهو غاية للجواز (قوله: ما لم يكن الواقف) أي ما لم يكن الناظر هو الوقف، وهو قيد في الغاية أي أن جواز أخذ الزائد ما لم يكن الناظر هو الواقف، فإن كان هو فلا يجوز أن يأخذ إلا أجرة المثل أو أقل، وفي الروض وشرحه، وللناظر من غلة الوقف ما شرطه الواقف وإن زاد على أجرة المثل وكان ذلك أجرة عمله.
نعم، إن شرطه لنفسه تقيد ذلك بأجرة المثل، كما مر، فإن عمل بلا شرط فلا شئ له.
اه (فإن لم يشرط له) أي للناطر، (وقوله: فلا أجرة له) أي لأنه إنما عمل مجانا (قوله: نعم الخ) استثناء من عدم ثبوت أجرة له إذا لم يشرط له شئ: أي لا يثبت له أجرة إلا إن رفع الأمر إلى الحاكم وطلب منه أن يقرر له الأقل من نفقته أو أجرة مثله، فإنه إذا قرره فيه يستحقه ويثبت له (قوله: كولي اليتيم) أي فإنه إذا تبرع بحفظ مال الطفل ورفع الأمر إلى القاضي ليثبت له أجرة فإنه يستحقها إذا قررها له (قوله: وأفتى ابن الصباغ بأن له) أي للناظر، (وقوله: الاستقلال بذلك) أي بأخذ الأقل من نفقته وأجرة مثله (قوله: وينعزل الناظر بالفسق) عبارة النهاية: وعند زوال الأهلية يكون النظر للحاكم، كما رجحه السبكي، لا لمن بعده من الأهل بشرط الواقف، خلافا لابن الرفعة، لأنه لم يجعل للمتأخر نظر إلا بعد فقد المتقدم، فلا سبب لنظره بغير فقده، وبهذا فارق انتقال ولاية النكاح للأبعد بفسق الأقرب لوجود السبب فيه، وهو القرابة.
اه (قوله: وللواقف) أي يجوز للواقف عزل الناظر الذي ولاه النظر كالموكل، فإنه يجوز له عزل وكيله.
(تنبيه) قال في المغني: قد يقتضي كلامه أن له العزل بلا سبب، وبه صرح السبكي في فتاويه، فقال إنه يجوز للواقف وللناظر الذي من جهته عزل المدرس ونحوه إذا لم يكن مشروطا في الوقف لمصلحة ولغير مصلحة، لأنه كالوكيل(3/219)
المأذون له في إسكان هذه الدار لفقير، فله أن يسكنها من شاء من الفقير، وإذا سكنها الفقير مدة فله أن يخرجه ويسكن غيره لمصلحة ولغير مصلحة، وليس تعينه لذلك يصير كأنه مراد الواقف حتى يمتنع تغييره.
اه (قوله: إلا إن شرط نظره حال الوقف) أي فلا يعزله، وقد تقدم الكلام عليه (قوله: كتاب الوقف) أي الكتاب المكتوب فيه وقفية الشئ المكتوب، وهو المسمى عند أهل الحجاز بالحجة.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
في الدميري في آخر كتاب الوقف ما نصه: قال الشيخ السكبي قال لي ابن الرفعة أفتيت ببطلان وقف خزانة كتب وقفها واقفها لتكون في مكان معين في مدرسة الصلاحية، لأن ذلك المكان مستحق لغير تلك المنفعة.
قال الشيخ: ونظيره إحداث منبر في مسجد لم يكن فيه جمعة فلا يجوز، وكذا إحداث كرسي مصحف مؤبد يقرأ فيه، كما يفعل بالجامع الأزهر، فلا يصح وقفه، ويجب إخراجه من المسجد، لما تقرر من استحقاق تلك
المنفعة لغير هذه الجهة.
والعجب من قضاة يثبتون وقف ذلك شرعا * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * (1) .
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة الكهف، الاية: 104.(3/220)
باب في الإقرار
أي في بيان أحكام الإقرار، من كونه لا يصح الرجوع عنه إذا كان لحق آدمي.
والأصل فيه قبل الإجماع، قوله تعالى: * (أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري؟) * أي عهدي، * (قالوا أقررنا) * (1) وقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم) * (2) وفسرت شهادة المرء على نفسه بالإقرار، وقوله تعالى: * (وليملل الذي عليه الحق) * إلى قوله * (فليملل وليه بالعدل) * (3) أي فليقر بالحق، دل أوله على صحة إقرار الرشيد على نفسه، وآخره على صحة إقرار الولي على موليه، وخبر الصحيحين اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فذهب إليها، فاعترفت، فرجمها وأجمعت الأمة على المؤاخذة به.
وأركانه أربعة: مقر، ومقر له، ومقر به، وصيغة.
وشرط فيها لفظ يشعر بالالتزام، وفي معناه الكتابة مع النية وإشارة الأخرس المفهمة، كلزيد علي أو عندي كذا، فلو حذف علي أو عندي لم يكن إقرارا، كما سيأتي، وشرط في المقر له أن يكون معينا نوع تعيين، بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب، حتى لو قال لأحد هؤلاء الثلاثة علي كذا، صح إقراره، بخلاف ما لو قال لواحد من أهل البلد علي كذا، وأن يكون أهلا لاستحقاق في المقر به ولصحة إسناده إليه.
فلو قال لهذه الدابة علي كذا لم يصح، لأنها ليست أهلا لذلك، إلا إن قال علي بسببها لفلان كذا حملا على أنه جنى عليها أو استعملها تعديا أو اكتراها من مالكها.
ومحل البطلان في الدابة المملوكة، بخلاف غيرها، كالخيل المسبلة، فالأشبه، كما قاله الأذرعي، الصحة.
ويحمل على أنه من غلة وقف عليها أو وصية لها.
وأن يكون غير مكذب للمقر، فلو كذبه في إقراره له بمال ترك في يد المقر، لأنها تشعر بالملك، وسقط الإقرار بمعارضة الإنكار، فلو رجع عن التكذيب لم يعد له إلا بإقرار جديد، وشرط في المقر إطلاق تصرف واختيار.
وشرط في المقر به أن لا يكون ملكا للمقر حين يقر.
فقوله ديني أو داري لعمرو لغو، لأن الإضافة إليه تقتضي ملكه، فتنافي الإقرار لغيره في جملة واحدة، وأن يكون بيد المقر، ولو مآلا، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها عمل بمقتضى إقراره، وغالب ما ذكر يستفاد من كلام المؤلف (قوله: هو) أي الإقرار.
(وقوله: لغة الإثبات) أي فهو مأخوذ من أقر بمعنى أثبت يقر إقرارا، فهو مقر، فقولهم مأخوذ من
قر، بمعنى ثبت فيه تجوز (قوله: وشرعا الخ) قال ع ش: بين المعنى اللغوي والشرعي التباين، لأن إخبار الشخص الخ غير الإثبات، وبينهما التناسب بحسب الأول.
اه.
(وقوله: بحق عليه) أي بحق على المقر لغيره، فخرجت الشهادة، لأنها إخبار يحق للغير على الغير، والدعوى أيضا لأنها إخبار بحق له على غيره، وهذا كله في الأمور الخاصة، وأما الأمور العامة، أي التي تقتضي أمرا عاما لكل أحد، فإن أخبر فيها عن محسوس كإخبار الصحابي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إنما الأعمال بالنيات فرواية، وإن أخبر عن أمر شرعي، فإن كان فيه إلزام فحكم، وإلا ففتوى.
فتحصل ان الأقسام ستة (قوله: أيضا بحق عليه) كان ينبغي أن يزيد أو عنده، ليشمل الإقرار بالعين.
اه.
ش ق (قوله: ويسمى) أي مذلول الإقرار لغة، أو شرعا، (وقوله: اعترافا) أي كما يسمى إقرارا (قوله: يؤخذ بإقرار مكلف) يصح في إعراب هذا التركيب
__________
(1) سورة آل عمران، الاية: 81.
(2) سورة النساء، الاية: 135.
(3) سورة البقرة، الاية: 282.(3/221)
أن يكون الجار والمجرور نائب فاعل يؤاخذ، ومكلف مجرور بالإضافة، وأن يكون مكلف نائب فاعل، ويفسر الفعل على الأول بيعمل، وعلى الثاني بيلزم.
والأول هو الأقرب إلى كلامه، والمراد بالمكلف، البالغ بإمناء أو حيض أو سن العاقل، ولا بد أيضا أن يكون رشيدا، ولو حكما، كالسفيه المهمل إن كان المقر به مالا أو اختصاصا أو نكاحا ولو عبر بمطلق التصرف، كما عبر به في المنهاج، لكان أولى (قوله: فلا يؤاخذ الخ) الأولان مفرعان على مفهوم التكليف، والثالث مفرع على مفهوم الاختيار.
وقوله بإقرار صبي: أي ولو كان مراهقا أو بإذن وليه، وقوله ومجنون، ومثله المغمي عليه وزائل العقل بما يعذر فيه، فإن لم يعذر به، بأن تعدى به، فإقراره صحيح، كبقية تصرفاته، (قوله: ومكره) أي فلا يصح إقراره بما أكره عليه، وذلك لقوله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (1) جعل سبحانه وتعالى الإكراه مسقطا لحكم الكفر، فبالأولى ما عداه.
(وقوله: بغير حق) خرج به المكري بحق، فيصح إقراره، وفي البجيرمي، قال سم انظر ما صورة الإكراه بحق؟ قال شيخنا: ويمكن تصويره بما إذا أقر بمبهم وطولب بالبيان فامتنع، فللقاضي إكراهه على البيان، وهو إكراه بحق.
اه.
أج.
اه.
وفيه أن هذا إكراه على التفسير، لا عليه الإقرار.
وقوله على الإقرار، متعلق بمكره، أي مكره على الإقرار (قوله: بأن ضرب ليقر) تصوير للإكراه بغير حق، والضرب في هذا وفيما بعده
حرام، خلافا لمن توهم حله في الثاني.
أفاده سم (قوله: أما مكره على الصدق) أي على أن يصدق، إما بنفي أو إثبات (قوله: كأن ضرب ليصدق إلخ) أي بأن يسئل عن قضية فلا يجيب بشئ لا نفيا ولا إثباتا، فيضرب حينئذ ليتكلم بالصدق (قوله: فيصح) أي إقراره (قوله: على إشكال قوي فيه) أي في صحة إقراره حال الضرب أو بعده، وعبارة الروض وشرحه: فلو ضرب ليصدق في القضية فأقر حال الضرب أو بعده لزمه ما أقر به، لأنه ليس مكرها، إذ المكره، من أكره على شئ واحد، وهذا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الإقرار، ولكن يكره إلزامه حتى يراجع ويقر ثانيا.
نقل في الروضة ذلك عن الماوردي، ثم قال: وقبول إقراره حال الضرب مشكل، لأنه قريب من المكره، ولكنه ليس مكرها، وعلله بما قدمته، ثم قال وقبول إقراره بعد الضرب فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر.
قال الزركشي: والظاهر ما اختاره النووي من عدم قبول إقراره في الحالين، وهو الذي يجب اعتماده في هذه الأعصار مع ظلم الولاة وشدة جرأتهم على العقوبات، وسبقه إليه الأذرعي وبالغ، وقال الصواب إنه إكراه.
اه.
وقوله وسبقه إليه الأذرعي الخ: نقل لفظه في المغني ونصه، قال الأذرعي والولاة في زماننا يأتيهم من يتهم بسرقة أو قتل أو نحوهما فيضربونه ليقر بالحق، ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه، والصواب أن هذا إكراه سواء أقر في حال ضربه أم بعده.
وعلم أنه إن لم يقر لضرب ثانيا.
اه.
وهذا متعين.
اه (قوله: سيما) أي خصوصا، وهي تدل على إثبات ما بعدها وأوليته بحكم ما قبلها.
وقوله إن علم، أي المكره الذي يضرب، وقوله لا يرفعون الضرب إلا بأخذت، أي إلا بإقراره بقوله أخذت (قوله: ولو ادعى صبا الخ) أي وقت الإقرار لأجل أن لا يصح.
وقوله أمكن أي الصبا بأن لا يكذبه الحس بأن كان الكبر ظاهرا فيه وادعى الصغر (قوله: أو نحو جنون) أي كإغماء.
وقوله عهد، أي نحو الجنون قبل إقراره.
قال ع ش: ولو عهد منه مرة.
اه.
(قوله: أو إكراها) أي أو ادعى إكراها (قوله: وثم أمارة) أي وكان هناك قرينة على الإكراه (قوله: كحبس الخ) تمثيل للأمارة عى الإكراه (قوله: أو ترسيم) أي تضييق عليه من الحاكم كأن يوكل الحاكم من يلازمه حتى يأمن من هربه قبل فصل لخصومة (قوله: وثبت ببينة) أي ثبت ما ذكر من الحبس أو الترسيم، ولو قال ثبتت: أي الأمارة، كما في
__________
(1) سورة النحل، الاية: 106(3/222)
البجيرمي، لكان أولى وعبارته، ولا تجوز الشهادة على إقرار نحو محبوس وذي ترسيم لوجود أمارة الإكراه، وثبت الأمارة بإقرار المقر له، وبالبينة بها وباليمين المردودة اه.
(قوله: أو بيمين مردودة) أي من المقر له بأن طلب منه مدعي الإكراه
يمينا على أنه ما حبسه أو ما ضيق عليه، فأبى أن يحلف، فحلف المقر بذلك اليمين المردودة (قوله: صدق بيمينه) جواب لو.
قال البجيرمي: لكن تؤخر يمين الصبي لبلوغه فيما يظهر.
اه.
وفصل في الباجوري بين ما إذا ادعاه قبل ثبوت بلوغه فيصدق بلا يمين، وبين ما إذا ادعاه بعد ثبوته فيصدق بيمين، وعبارته: ولو ادعى صباه صدق، ولا يحلف، ولو بعد بلوغه إن ادعاه قبل ثبوت بلوغه، وإلا حلف إن أمكن.
اه.
(قوله: ما لم تقم بينة بخلافه) قيد في تصديقه بيمينه، أي محل تصديقه بها بالنسبة للصور الثلاث إذا لم تقم بينة، بخلاف ما ادعاه، فإن قامت البينة بذلك، كأن شهدت بكونه وقت إقراره بالغا أو عاقلا أو مختارا فلا يصدق، لما فيه من تكذيب البينة (قوله: وأما إذا ادعى الصبي بلوغا الخ) قال ع ش: أي ليصح إقراره أو ليتصرف في أمواله.
اه.
وهذه المسألة ذكرها الشارح مقابلة لقوله ولو ادعى صبا أمكن الخ، وذكرها في المنهاج والمنهج مفرعة على قولهما إن إقرار الصبي والمجنون لاغ.
والمناسبة ظاهرة في الكل، ومثل الصبي الصبية إذا ادعت البلوغ بالحيض (قوله: بإمناء ممكن) أي بأن بلغ تسع سنين قمرية (قوله: فيصدق في ذلك) أي فيما ادعاه من البلوغ بالإمناء، لأنه لا يعرف إلا من جهته، وقوله ولا يحلف عليه، أي على ادعاه من البلوغ بالإمناء وإن فرضت خصومة، لأنه إن كان صادقا فلا حاجة إلى يمين، وإلا فلا فائدة فيها، لأن يمين الصبي غير منعقدة (قوله: أو بسن) معطوف على بإمناء، أي أو ادعى بلوغا بسن بأن قال استكملت خمس عشر سنة.
وفي البجيرمي: ولو ادعى بلوغا وأطلق حمل على الاحتلام، ولا يحتاج إلى استفسار، خلافا للأذرعي حيث قال: يحتاج إليه، ووافقه ابن حجر وقال، فإن تعذر استفساره بأن مات لغا إقراره، لأن الأصل الصبا.
اه (قوله: كلف الخ) أي طولب ببينة تخبر بسنه، وذلك لإمكانها.
قال في التحفة: ويشترط فيه إذا تعرضت البينة للسن أن تبينه للاختلاف فيه.
نعم، لا يبعد الإطلاق من فقيه موافق للحاكم في مذهبه، لأن هذا ظاهر لا اشتباه فيه ولا خلاف فيه عندنا.
اه.
وكتب سم ما نصه.
قوله للاختلاف فيه، لا يقال إنما يظهر هذا إن كان ذهب أحد إلى أنه أقل من خمسة عشر، ويحتمل أن الأمر كذلك على أنه يكفي في التعليل أن الشاهد قد يظن كفاية دون الخمسة عشر، لأنا نقول منهم من ذهب إلى أنه أكثر من خمسة عشر.
اه (قوله: وان كان غريبا لا يعرف) غاية لتكليفه الإتيان ببينة على السن، أي يكلف من ادعى البلوغ بالسن الإتيان بالبينة وإن كان غريبا لا يعرفه أحد في البلد لإمكانه.
وقال في التحفة: لسهولة إقامتها في الجملة (قوله: وهي) أي البينة هنا.
وقوله رجلان، أي فقط، فلا يكفي رجل وامرأتان، وذلك لأن ما يظهر للرجال غالبا وليس بمال ولا المقصود منه مال، يشترط فيه رجلان (قوله: نعم إن إلخ) استدراك على ما يقتضيه قوله وهي رجلان من أن البلوغ بالسن لا يثبت بغيرهما.
وقوله أربع نسوة،
أي أو رجل وامرأتان، لأن ما ذكر يكفي في إثبات الولادة ونحوها مما يظهر للنساء غالبا، كالحيض والنكارة، وقوله بولادته: أي الصبي الذي ادعى البلوغ بالسن وليس عنده بينة عليه.
وقوله يوم كذا، أي وشهر كذا، أي وسنة كذا، حتى يعلم قدر سنه أنه خمس عشر سنة.
وقوله أقبلن، أي النسوة التي شهدن بولادته، لأنهن يقبلن فيما يظهر للنساء، كما علمت (قوله: ويثتت بهن) أي بالنسوة الأربع اللاتي شهدن بالولادة.
وقوله تبعا، أي للولادة (قوله: كما قاله شيخنا) أي في التحقة ومثله في النهاية (قوله: وشرط فيه الخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان الأربعة.
وقوله أي الإقرار، أي صحته.
وقوله لفظ، مثله الكتابة مع النية أو إشارة أخرس، كما تقدم.
وقوله بالتزام بحق، أي على المقر (قوله: كعلي أو عندي.
كذا لزيد) تمثيل للفظ الذي يشعر بالالتزام بحق (قوله: ولو زاد) أي في الصيغة المذكورة، بأن قال علي لزيد كذا فيما أظن أو أحسب، أو عندي كذا لزيد فيما أظن أو أحسب، وقوله لغا، أي قوله المذكور، ولا يكون(3/223)
إقرارا، وذلك لعدم إشعاره بالالتزام، بخلاف ما لو قال له علي ألف فيما أعلم، أو أشهد، أو علمي، أو شهادتي، فإنه إقرار، لأنه التزام (قوله: ثم إن كان الخ) مستأنف، لأنه لا يظهر ترتيبه على ما قبله، وذكره في التحفة بعد قول المنهاج لزيد كذا صيغة إقرار وترتبه عليه ظاهر.
(وقوله: كلزيد هذا الثوب) تمثيل للمقر به المعين.
وقوله أو خذ به، أي ألزم به، فيلزم تسليمه للمقر له إن كان في يده حال الإقرار أو انتقل إليه (قوله: أو غيره) معطوف على معينا، أي أو كان المقر به غير معين.
وقوله كله ثوب أو ألف، تمثيل للمقر به الغير المعين (قوله: اشترط أن يضم إليه الخ) قال في النهاية: لأنه مجرد خبر لا يقتضي لزوم شئ للمخبر.
اه.
وقوله شئ مما يأتي كعندي أو علي، فيه أن هذا ذكره متقدما أيضا، كما أنه ذكره متأخرا بقوله علي أو في ذمتي الخ، فالأخصر والأولى أن يقول، أن يضم إليه لفظ عندي أو علي أو نحوهما، كفي ذمتي ومعي، (قوله: وقوله علي أو في ذمتي للدين) أي يأتي بهما للإقرار بالدين، لأنه المتبادر منهما عرفا، فإن ادعى إرادته العين قبل في علي فقط لإمكانه، أي علي حفظها (قوله: ومعي.
أو عندي) مثلهما لدي، بتشديد الياء، وقوله للعين، أي يؤتى بهما للإقرار بالعين، وأما قبلي، بكسر ففتح، فهو صالح للإقرار بهما.
وقد نظم ذلك بعضهم بقوله: علي أو في ذمتي للدين معي وعندي يا فتي للعين وقبلي إن قلته فمحتمل للدين مع عين كما عنهم نقل (قوله: ويحمل العين الخ) يعني أنه عند إطلاق العين المقر بها بأن قال عندي ثوب لزيد ولم يذكر أنه وديعة أو
مغصوب تحمل على أدنى المراتب في جعلها عنده وهو كونها مودعة عنده لا مغصوبه ولا معارة.
قال في شرح الروض: وقول الزركشي لا معنى لاقتصاره على التفسير بالوديعة، بل التفسير بالمغصوبة كذلك لم يقع في محله: إذ ليس الكلام في التفسير، بل في أن ذلك عند الإطلاق يحمل على ما إذا.
اه.
(قوله: فيقبل قوله إلخ) مفرع على محذوف، أي فلو ادعى أدنى المراتب وهو الوديعة قبل قوله في ردها على مالكها أو في أنها تلفت بيمينه لأنه أمين.
قال البجيرمي: فإن غلظ على نفسه كأن ادعى أنها مغصوبة أو فسره بالدين قبل من غير يمين.
اه.
(قوله: وكنعم الخ) عطف على قوله كعلي أو عندي كذا، ومثل نعم: جير، وأجل، وإي (قوله: وأبرأتني منه) لو حذف لفظ منه لم يكن إقرار لاحتمال البراءة من الدعوى (قوله: أو أبرئني منه) بصيغة الأمر (قوله: وقضيته) أي أديته لك (قوله: لجواب إلخ) متعلق بمحذوف حال من جميع ما قبله من لفظ نعم وما بعده، أي حال كونها مقولة لجواب الخ.
ولولا زيادة الشارح كاف الجر قبل نعم، لكانت نعم وما عطف عليها مبدأ ويكون الجار والمجرور خبره.
والمعنى أنه إذا أتى المقر بنعم، أو ما بعده جوابا لقول المدعي أليس لي عليك كذا، بأداة الاستفهام، كان ذلك إقرارا.
قال البجيرمي: فلو حذف أداة الاستفهام وقال ليس لي عليك ألف، فإن قال بلى، كان مقرا، لأن بلى: لرد النفي، ونفي النفي إثبات.
وإن قال نعم، لم يكن إقرارا، لأن نعم، لتقرير النفي.
اه.
وقد نظم الأجهوري معنى ذلك في قوله: نعم: جواب للذي قبله إثباتا أو نفيا كذا قرروا بلى: جواب النفي، لكنه يصير إثباتا، كذا حروروا (قوله: أو قال له الخ) الأولى حذف قال ومتعلقه لعدم وجود ما يعطف عليه وزيادة الجواب بعد أو العاطفة، بأن يقول أو لجواب لي عليك كذا.
وعبارة فتح الجواد، لجواب من قال له أليس لي عليك ألف مثلا أو قال له لي عليك ألف، وهي ظاهرة لوجود ما يعطف عليه فيها (قوله: لأن المفهوم من ذلك) أي من قوله نعم وما بعده، وهو علة لمقدر، أي وإنما(3/224)
كانت هذه المذكورات إقرارا لأن المفهوم، أي المتبادر منها عرفا، ذلك، لكن هذه العلة لا تظهر إلا في الثلاثة الأول، أعني نعم وبلى وصدقت، لا فيما عداها، أعني أبرأتني وما بعده، فكان عليه أن يزيد بعد هذه العلة ولأن دعوى الإبراء أو القضاء اعتراف بالأصل، وعبارة المغني: أما الثلاثة الأول فلأنها ألفاظ موضوعة للتصديق، وفي معناها ما ذكر معها، وأما دعوى الإبراء والقضاء، فلأنه قد اعترف بالشغل وادعى الإسقاط والأصل عدمه.
اه.
وفي النهاية ما نصه: وفي نعم،
بالنسبة لقوله أليس لي عليك ألف، وجه أنها ليست بإقرار، لأنها في اللغة تصديق للنفي المستفهم عنه، بخلاف بلى، فإنها رد له، ونفي النفي إثبات، ولهذا جاء عن ابن عباس في آية: * (ألست بربكم) * (1) لو قالوا نعم لكفروا ورد هذا الوجه بأن الأقارير ونحوها مبنية على العرف المتبادر من اللفظ، لا على دقائق العربية، وعلم منه عدم الفرق بين النحوي وغيره خلافا للغزالي ومن تبعه.
اه.
بتصرف (قوله: ولو قال) أي المدعي، وقوله اقض الألف الذي لي عليك، أي أد الألف التي أستحقها في ذمتك (قوله: أو أخبرت الخ) أي أو قال أخبرت أن لي عليك ألفا، والفعل يقرأ بصيغة المجهول (قوله: فقال) أي المدعى عليه جوابا لقول المدعي ما مر.
وقوله نعم.
أو أمهلني، أي أو أقضي غدا، كما في المنهاج، قال في التحفة.
(تنبيه) ظاهر كلامهم، أو صريحه، أنه لا يشترط نحو ضمير أو خطاب في أقضي أو أمهلني.
ويشكل عليه اشتراطه في أبرأتني وأبرئني أو أنا مقر.
ومن ثم قال الأسنوي في أقضي: لا بد من نحو ضمير، لاحتماله للمذكور وغيره على السواء.
اه.
(قوله: أو لا أنكر ما تدعيه) أي أو قال جوابا له لا أنكر ما تدعيه (قوله: أو حتى أفتح الخ) أو داخله عن مقدر، أي أو قال أمهلني حتى أفتح الكيس أو أجد المفتاح أو الدراهم (قوله: فإقرار) أي فهو إقرار، والجملة جواب لو.
وإنما كانت إقرارا لأنه هو المفهوم من هذه الألفاظ عرفا، وهذا هو الأصح.
ومقابله يقول ليست بإقرار، لأنها ليست صريحة في الالتزام (قوله: حيث لا استهزاء) أي مقترن بواحد من هذه الألفاظ، والأحسن جعل الظرف متعلقا بمحذوف، لا بلفظ إقرار الواقع قبله، وإن كان هو ظاهر صنيعه، وتقدير ذلك المحذوف، ومحل كون الجواب بجميع هذه الألفاظ نعم وما بعده إقرارا، حيث لا استهزاء موجود، وإلا فلا يكون إقرارا (قوله: فإن اقترن الخ) مفهوم القيد المذكور.
وقوله بواحد مما ذكر، أي قوله نعم وما بعده على ما ذكرته، وقوله قرينة استهزاء، أي قرينة تدل على الاستهزاء (قوله: كإيراد كلامه) أي كلام نفسه، وهو تمثيل للقرينة الدالة على الاستهزاء (قوله: مما يدل الخ) بيان لنحو الضحك (قوله: أي وثبت ذلك) أي قرينة الاستهزاء المذكور، أي ببينة أو بإقرار المقر له أو يمين مردودة (قوله: لم يكن به مقرا على المعتمد) أي عند الرافعي من احتمالين له، وجزم به الرملي، ورجح ابن حجر والخطيب مقابله، وهو صحة الإقرار، وعبارة فتح الجواد لابن حجر، وإنما يتضمن كل من هذه الألفاظ الإقرار إن صدر بلا قرينة استهزاء، وإلا كتحريك الرأس تعجبا أو إنكارا لم يكن إقرارا لكن على أحد احتمالين، ذكرهما الرافعي وميله إليه، لكن الأوجه، كما قاله الأسنوي وغيره مقابله لضعف القرينة.
اه.
(قوله: وطلب البيع) أي كأن قال المدعى عليه للمدعي يعني ما تدعيه
علي.
وقوله إقرار بالملك، أي متضمن للإقرار له بأنه ملكه، وإلا لما طلب شراءه منه (قوله: والعارية والإجارة) أي وطلبهما كأن يقول المدعى عليه له أعرني ما تدعيه أو أجرني إياه، وقوله بملك المنفعة، أي إقرار بملكها، أي لا العين (قوله: لكن تعينها) أي المنفعة في صورة طلب العارية وصورة طلب الإجارة.
قال العلامة الرشيدي: وظاهر أن المراد
__________
(1) سورة الاعراف، الاية: 172(3/225)
تعيين جهة المنفعة من وصية أو إجارة أو غيرهما حتى لو عينها بإجارة يوم مثلا قبل، وهذا ظاهر.
فليراجع.
اه.
وقوله إلى المقر، أي موجه إليه (قوله: وأما قوله ليس لك الخ) في التحفة لو قال لزيد علي أكثر مما لك، بفتح اللام، لم يكن إقرارا لواحد منهما، بخلاف ما لو كسرها فإنه إقرار لزيد.
اه.
قال سم: ويقبل تفسيره بما قل.
اه.
(قوله: أو نتحاسب) معطوف على الجملة الأولى: أي أو قوله نتحاسب، جوابا لقوله لي عليك ألف، ولو قدم هذا وما بعده على قوله جوابا، لكان أولى (قوله: فليس بإقرار) جواب أما، وذلك لأن نفي الزائد في الصورة الأولى على المدعى به لا يوجب إثباته ولا إثبات ما دونه، ولأنه في الصورة الثانية لم يعترف له بشئ وفي الصورة الثالثة إنما أمر بالكتابة فقط، وهي ليست إقرارا بلا لفظ، ومحله إن لم ينو الإقرار بها، وإلا فهي إقرار، وفي الصورة الرابعة إنما أذن بالشهادة عليه، وهو ليس بإقرار (قوله: بخلاف أشهدكم مضافا لنفسه) أي بخلاف أشهدكم بأن لزيد علي ألف درهم مثلا فإنه إقرار.
قال في التحفة، وفي الفرق بين أشهدكم واشهدوا علي، نظر ظاهر.
ثم رأيت كلام الغزالي صريحا في أن اشهدوا علي بكذا، إقرار أيضا.
اه.
(قوله: وقوله) مبتدأ خبره إقرار.
وجملة هو عدل فيما شهد به مقول القول (قوله: كإذا شهد الخ) أي كقوله إذا شهد علي فلان كزيد بمائة أو قا ذلك، أي قال فلان إن علي مائة (قوله: فهو) أي فلان الذي شهد علي بمائة لزيد أو الذي قال ذلك، وقوله صادق، أي فيما شهد به أو قاله.
ولو قال بدل فهو صادق صدقته لا يكون إقرارا لأن ذلك وعد وغير الصادق قد يصدق (قوله: فإنه إقرار) أي فإن قوله إذا شهد الخ إقرار.
قال في فتح الجواد: ويوجه بأن فهو صادق كالصريح في أن الألف لا زمة له، فلذا لم ينظر للتعليق في قوله إذا أو إن شهد.
اه.
وقوله وإن لم يشهد، أي فلان بما ذكر، وهو غاية لكون القول المذكور يثبت به الإقرار (قوله: وشرط في مقر به الخ) شروع في بيان شرط المقر به الذي هو أحد الأركان أيضا (قوله: أن لا يكون ملكا الخ) قال ع ش: لعل المراد من هذا أن لا يأتي في لفظه، أي الإقرار، بما يدل على أنه ملك للمقر، وليست صحة الإقرار وبطلانه دائرين على ما في نفس الأمر، لأنه لا إطلاع لنا عليه حتى نرتب الحكم عليه.
نعم، في الباطن العبرة بما في نفس الأمر.
اه.
قال البجيرمي: وحين إذ كان هذا هو المراد فحق هذا الشرط أن يكون من شروط الصيغة، أي من شروط صراحتها، كما يشير له قول الشارح، قال البغوي: فإن أراد به الإقرار قبل منه.
اه.
بتصرف.
وقوله حين يقر، ظرف للنفي أو ظرف للمكان، أي الشرط انتفاء ملكه في حالة الإقرار.
اه.
بجيرمي (قوله: لأن الإقرار الخ) علة للشرط المذكور، أي وإنما اشترط ما ذكر لأن الإقرار ليس نقل ملك شخص لشخص آخر حتى يصح أن يكون المقر به ملكا للمقر ثم ينقله لغيره، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للغير، فلا بد من تقديم المخبر عنه على الخبر، وقوله إذا لم يكذبه: هو ساقط من عبارة التحفة والمغني وغيرهما، وهو الأولى، لأن الإقرار، الإخبار المذكور مطلقا سواء كذبه المقر له أم لا.
نعم، هو شرط ثبوت الملك بالإقرار للمقر له، كما تقدم (قوله: فقوله إلخ) مبتدأ خبره لغو، وهو مفرع على مفهوم الشرط.
وقال ع ش: محل كونه لغوا ما لم يرد به الإقرار بمعنى أن الدار التي كانت ملكي قبل هي لزيد الآن، غايته أنه أضافها لنفسه باعتبار ما كان مجازا.
اه.
(قوله: أو داري التي اشتريتها لنفسي) قال ع ش: قياسه أن مثل ذلك ما لو قال مالي الذي ورثته من أبي لزيد.
اه.
(قوله: لزيد) مرتبط بجميع ما قبله، أي داري لزيد أو ثوبي لزيد، أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، وهو خبر عن واحد منها مع حذف خبر غيره لدلالته عليه.
وقوله أو ديني الخ، الجملة معطوفة على جملة قوله داري الخ، فهي مسلط عليها القول، أي وقوله ديني الذي على زيد لعمرو (قوله:(3/226)
لأن الإضافة الخ) أي إضافة المقر به لنفسه، وهو علة لكونه لغوا، وقوله تقتضي الملك، أي حيث لم يكن المضاف مشتقا ولا في حكمه، فإن كان كذلك اقتضى الاختصاص بالنظر لما دل عليه مبدأ الاشتقاق.
فمن ثم كان قوله داري أو ديني لعمرو، لغوا، لأن المضاف فيه غير مشتق، فأفادت الإضافة الاختصاص مطلقا ومن لازمه الملك، بخلاف مسكني وملبوسي، فإن إضافته إنما تفيد الاختصاص من حيث السكنى واللبس، لا مطلقا، لاشتقاقه.
اه.
ع ش: وهذا التفصيل مستفاد من كلام المؤلف، لأنه ذكر أن من قال داري الخ لعمرو يكون لغوا، وسيذكر أن من قال مسكني أو ملبوسي لعمرو يكون إقرارا، وفي البجيرمي.
(والحاصل) أن المضاف إلى المقر تارة يكون جامدا وتارة يكون مشتقا، فإن كان جامدا، كما في مثاله، اقتضى عدم الصحة لأنه يقتضي الاختصاص من جميع الوجوه، وهو يفيد الملك.
وأما إذا كان مشتقا، كان إقرارا، كمسكني أو ملبوسي، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق وهو السكنى واللبس والاختصاص من بعض الوجوه لا يستلزم
الملك.
اه.
(قوله: فتنافي) أي الإضافة.
وقوله به، أي بالملك (قوله: إذ هو) أي الإقرار، وهو علة المنافاة، أي وإنما حصلت المنافاة بالإضافة المذكورة لأن الإضافة تقتضي ثبوت الملك له، والإقرار يفيد ثبوته للغير، وهما متنافيان، فألغى الإقرار، وقوله إقرار بحق سابق، المناسب أن يقول إخبار بحق سابق، كما عبر به في شرح المنهج والمغني، (قوله: ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد فهو إقرار) أي أنه لا منافاة، إذ هو يقتضي الاختصاص بما منه الاشتقاق الذي هو السكنى أو اللبس كما تقدم (قوله: لأنه قد يسكن الخ) أي فلا منافاة بالإضافة المذكورة (قوله: ولو قال الدين الذي كتبته) أي لنفسي (قوله: أو بإسمي) متعلق بمحذوف معطوف على الجملة الفعلية، أي أو الدين الذي أثبته باسمي.
وقوله على زيد، متعلق بكل من الفعلين الظاهر والمقدر.
وقوله لعمرو، خبر المبتدأ، أي الدين الذي في ذمة زيد هو لعمرو، لا لي، وإن كان مكتوبا باسمي، وقوله صح، أي لعدم المنافاة بين كون كتبه له أو كونه باسمه وبين إقراره بأنه لغيره لاحتمال أن يكون وكيلا عنه، كما في شرح الروض، وعبارته: ولعله كان وكيلا عنه، أي عن عمرو، في المعاملة التي أوجبت الدين.
اه.
وفي المغني، فلو طالب عمرو زيدا فأنكر، فإن شاء عمرو أقام بينة بإقرار المقر أن الدين الذي كتبه على زيد له ثم يقيم بينته عليه بالمقر به، وإن شاء أقام بينته بالمقر به ثم بينة بالإقرار.
اه.
(قوله: أو الدين الخ) أي أو قال الدين الذي لي على زيد لعمرو (قوله: لم يصح) أي لما مر في قوله داري أو ثوبي لزيد من الإضافة تقتضي الملك.
وقوله إلا إن قال واسمي في الكتاب عارية، أي فإنه يصح، ويحمل حينئذ قوله لي، على التجوز، وإن المراد الذي باسمي.
قال في النهاية، عقب قوله إلا أن قال الخ، وكذا يصح إن أراد الإقرار فيما يظهر.
اه.
(قوله: ولو أقر بحرية الخ) مرتب على شرط للمقر به لم يذكره المؤلف، وذكره في متن المنهاج وغيره، وهو أن يكون المقر به بيد المقر وتصرفه ولو مآلا، فلو لم يكن بيده حالا ثم صار بها، عمل بمقتضى إقراره.
فلو أقر بحرية عبد غيره ثم اشتراه، حكم بها عليه، وكان شراؤه افتداء له من جهته، وبيعا من جهة البائع، فله الخيار، دون المشتري (قوله: عبد معين) خرج به ما لو أقر بحرية عبد مبهم، ثم اشترى عبدا، فلا يحكم بحريته، لاحتمال أن الذي اشتراه غير الذي أقر به (قوله: أو شهد بها) أي بالحرية والشهادة بها إقرار بها (قوله: ثم اشتراه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها، وهذا الشراء صوري، والقصد منه الافتداء، لأن الاعتراف بالحرية، يوجب بطلان الشراء وقوله لنفسه، قال في النهاية: فلو اشتراه لموكله لم يحكم بحريته، لأن الملك يقع ابتداء للموكل، وكما لو اشترى أباه بالوكالة.
اه.
(قوله: أو ملكه) أي العبد الذي أقر بحريته أو شهد بها.
وقوله(3/227)
بوجه آخر، أي غير الشراء، كهبة أو وصية، (قوله: حكم بحريته) أي بعد انقضاء مدة خيار البائع، وإذا حكم بها بعد ذلك فترفع يد المشتري عنه.
قال ع ش: وينبغي أن يأتي مثل ذلك في كتب الوقف، فإذا علم بوقفيتها ثم اشتراها، كان شراؤه اقتداء، فيجب عليه ردها لمن له ولاية حفظها، إن عرف، وإلا سلمها لمن يعرف المصلحة، فإن عرفها هو وأبقاها في يده، وجب عليه الإعارة، كما جرت به العادة، وليس من العلم بوقفيتها، ما يكتب بهوامشها من لفظ، وقف.
اه.
بزيادة (قوله: ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه) أي سيقر لغيره بما ليس عليه (قوله: فأقر) أي بعد أن أشهد (قوله: لزمه) أي ما أقر به مؤاخذة بإقراره (قوله: ولم ينفعه ذلك الإشهاد) أي الواقع قبل الإقرار (قوله: وصح إقرار من مريض) أي كما يصح من غير المريض.
وقوله مرض موت، أي مرضا يتولد الموت من جنسه، كإسهال دائم، ودق، بكسر أوله، وهو داء يصيب القلب، ونحوهما (قوله: ولو لوارث) غاية في الصحة، أي صح إقراره ولو كان لوارث: أي على المذهب.
ومقابله طريقان، الطريق الأول عدم الصحة، وهو ما سيصرح به الشارح بقوله واختار الخ.
والطريق الثاني، القطع بالقبول، والغاية للرد على الطريق الأول وعلى الأئمة الثلاثة، لأنهم يقولون بعدم الصحة، كما في ق ل، والاعتبار في كونه وارثا بحال الموت، فلو أقر لزوجته ثم أبانها ومات، لم يعمل بإقراره، ولو أقر لأجنبية ثم تزوجها، عمل بإقراره (قوله: بدين أو عين) متعلق بإقرار، أي صح إقرار المريض بدين أو عين (قوله: فيخرج من رأس المال) مفرع على صحة الإقرار من المريض، أي فيحسب ما أقر به من رأس المال، لا من الثلث (قوله: وإن كذبه) أي كذب المريض المقر بقية الورثة.
وهو غاية بالنسبة لإقراره لوارث (قوله: لأنه انتهى إلى حالة الخ) علة لصحة إقرار المريض ولو لوارث (قوله: فالظاهر صدقه) أي صدق المريض فيما أقر به (قوله: لكن للوارث الخ) هذا الاستدراك يظهر بالنسبة لإقراره لأجنبي، لأنه هو الذي خالف فيه القفال وغيره، كابن الملقن، وأما بالنسبة لإقراره لوارث، فبلا خلاف تحلف بقية الورثة الوارث المقر له، فإن نكل، حلفوا، وقاسموه، وبدل عليه صنيع شيخه، فإنه ذكر هذا الاستدراك بعينه بعد قول المنهاج ويصح إقرار المريض مرض الموت لأجنبي، وذكر بعد قوله أيضا وكذا يصح إقراره لوارث ما نصه، ولبقية الورثة تحليفه أنه أقر له بحق لازم يلزمه الإقرار به الخ.
اه.
ومثله في النهاية، وحينئذ فكان الأولى للشارح أن يذكر لكل من إقرار لأجنبي والإقرار لوارث ما يناسبه، لأن صنيعه يقتضي أن الاستدراك الذي ذكره راجع لكل من الإقرار لأجنبي والإقرار لوارث، وليس كذلك، كما علمت، (قوله: خلافا للقفال) أي فإنه قال ليس للوارث تحليف المقر له الأجنبي على الاستحقاق، ووافقه في المغني حيث قال: ولو أراد الوارث تحليف المقر له على الاستحقاق لم يكن له ذلك، كما حكاه
ابن الملقن وأقره، ثم فرق بين هذا وبين ما لو أراد بقية الورثة أن تحلف الوارث المقر له، فإن لهم ذلك، ويجب على المقر له أن يحلف بأن التهمة في الوارث أشد منها في الأجنبي (قوله: ولو أقر بنحو هبة) أي أقر المريض للوارث بنحو هبة، كهدية وصدقة وإبراء.
وقوله مع قبض، متعلق بمحذوف صفة لنحو هبة، أي نحو هبة مصحوب بقبضه للمقر له وقوله في الصحة، متعلق بقبض، أو بمحذوف صفة، أي قبض كائن في حال صحته.
وخرج به، ما لو أقر بأنه أقبضه في حال مرضه، فإنه لا يصح إلا بإجازة بقية الورثة، كما سيصرح به، وقوله قبل، أي إقراره.
قال في شرح الروض: فتحصل البراءة بتقدير صدقه.
اه.
(قوله: وان أطلق) أي لم يقيد القبض بكونه في الصحة بأن قال في حال مرضه وهبت لوارثي كذا وكذا وأقبضته إياه، ولم يقل في حال صحتي (قوله: أو قال) أي المريض، ومقوله جملة هذه ملك لوارثي (قوله: نزل(3/228)
إلخ) جواب أن، أي حمل ما ذكر من الهبة مع القبض.
وقوله على حالة المرض، أي على أنه صدر منه حالة المرض (قوله: فيتوقف على إجازة بقية الورثة) أي يتوقف نفوذ ما أقر به على إجازة بقية الورثة (قوله: كما لو قال إلخ) الكاف للتنظير، وهو مفهوم قوله مع قبض في الصحة، أي نظير ما لو قال المريض وهبته، أي وأقبضته في حال مرضي، فإنه يتوقف نفوذه على إجازة بقية الورثة (قوله: واختار جمع الخ) هذا مقابل ما في المتن من صحة إقرار المريض، لكن بالنسبة لما إذا كان للوارث، فهو مرتبط به.
وفي المغني ما نصه.
(تنبيه) الخلاف في الصحة، وأما التحريم، فعند قصد الحرمان لا شك فيه، كما صرح به جمع، منهم القفال في فتاويه وقال لا يحل للمقر له أخذه.
اه.
وقوله عدم قبوله، أي الإقرار للوارث، في حال مرضه.
وقوله إن اتهم، أي المقر بأن قصده حرمان بقية الورثة.
وقوله لفساد الزمان، علة لمحذوف، أي والتهمة حاصلة الآن لفساد الزمان (قوله: بل قد تقطع الخ) إضراب إبطالي، أي بل قد تفيد القرائن كذب المقر في إقراره قطعا، أي يقينا (قوله: فلا ينبغي) مفرع على ما إذا قطعت القرائن بكذبه، أي وإذا قطعت القرائن بذلك، فلا يليق بمن يخشى الله، من القاضي أو المفتي، أن يقضي أو يفتي بصحة إقراره (قوله: بالصحة) أي صحة الإقرار (قوله: ولا شك فيه) في عبارة النهاية والتحفة قبل قوله فلا ينبغي زيادة لفظ قال الأذرعي، ثم قالا ولا شك فيه.
قال ع ش: أي في قول الأذرعي.
وحينئذ فيؤخذ منه أن ضمير فيه، في عبارتنا، عائد على عدم انبغاء ما ذكر، وكان المناسب للشارح أن يريد تلك الزيادة مثلهما، وذلك لأنه إذا كان قوله فلا ينبغي الخ من كلامه، فلا فائدة في قوله ولا شك فيه، لأن ذاك مجزوم به، ولا يقال إن قوله فلا ينبغي مما اختاره جمع،
فهو من كلامهم، وقوله ولا شك من كلام نفسه، لأنا نقول لا يصح ذلك، لأن مختار الجمع انتهى بقوله لفساد الزمان، كما يدل عليه اعتراض الرشيدي على صاحب النهاية في تأخيره لفظ، قال الأذرعي، عن قوله بل قد تقطع الخ، قال: كان الأولى تقديمه، لأنه من كلام الأذرعي.
فتنبه.
وقوله إذا علم، أي من يخشى الله من القاضي أو المفتي إن قصد المقر حرمان بقية الورثة (قوله: وقد صرح جمع بالحرمة) أي حرمة إقراره.
وقوله حينئذ، أي حين إذ قصد الحرمان.
وعبارة فتح الجواد: وصرح جمع بتأثيمه أن قصد الحرمان، وليس بقيد إلا لمزيد الإثم، لإثمه بالكذب، وإن لم يقصد حرمانا.
اه.
(قوله: وأنه لا يحل للمقر له أخذه) في الرشيدي: لا يخفى أن حل الأخذ وعدمه منوط بما في نفس الأمر.
اه.
(قوله: ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض) يعني لو أقر في حال صحته بدين لإنسان وفي مرضه بدين لآخر، لم يقدم الأول، بل يتساويان، كما لو ثبتا بالبينة، ولو أقر المريض لإنسان بدين، ولو متفرقا، ثم أقر لآخر بعين أو عكسه، قدم صاحبها، لأن الإقرار بالدين لا يتضمن حجرا في العين (قوله: وصح إقرار بمجهول) قال في النهاية: إجماعا، ابتداء كان أو جوابا لدعوى، لأنه إخبار عن حق سابق، فيقع مجملا ومفصلا.
وأراد به ما يعم المبهم، كأحد العبدين.
اه.
(قوله: كشئ أو كذا) تمثيل للمجهول (قوله: فيطلب من المقر تفسيره) أي للمجهول المقر به، فإن امتنع منه فالصحيح أنه يحبس، لامتناعه من واجب عليه، فإن مات قبل التفسير، طولب وارثه به، ووقف جميع التركة (قوله: فلو قال إلخ) مفرع على محذوف، أي ويقبل تفسيره بما يقرب فهمه من اللفظ في معرض الإقرار فلو قال الخ (قوله: على شئ إلخ) خرج به، ما لو قال له عندي شئ، فإنه يقبل تفسيره بنجس لا يقتنى، لأنه لا يشعر بالوجوب.
وقوله أو كذا، أي أو قال له علي كذا، وهي مركبة من اسم الإشارة وكاف التشبيه، ثم نقلت عن ذلك وصار يكنى بها عن المبهم وغيره من العدد.
وقوله قبل تفسيره بغير عبادة الخ، أي مما هو مال وإن لم يتمول، كفلس وحبة بر، أو غير مال، كقود، وحق شفعة، وحد قذف، ونجس يقتنى، ككلب معلم، وزبل، وذلك لصدق اسم الشئ على ما ذكر.
وخرج(3/229)
بذلك، تفسيره بشئ من الثلاثة المذكورة، فلا يقبل، لبعد فهمها في معرض الإقرار، إذ لا يطالب بها أحد، مع أن شرط المقر به أن يكون مما تجوز به المطالبة (قوله: ولو قال له علي مال) أفاد به وبالمثال السابق أن المجهول تارة يكون مجهولا من كل الوجوه، أي جنسا وقدرا وصفة، كالمثال السابق، أو من بعضها، أي قدرا وصفة، كهذا المثال، وقوله قبل تفسيره بمتمول، أي مما يقابل بمال يسد مسدا ويقع موقعا، وضد غير المتمول وإن كان يسمى مالا فكل متمول مال،
ولا عكس، كحبة بر، وقوله وإن قل، أي ذلك المتمول كفلس فإنه يقبل تفسير المال به، ولا فرق في قبول تفسير المال بما قل بين أن يطلق المال أو يصفه بنحو عظيم، كقوله مال عظيم أو كبير أو كثير، ويكون وصفه بالعظيم من حيث إثم غاضبه وكفر مستحله.
قال الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أصل ما أبني عليه الإقرار، أن ألزم اليقين وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة، أي لا أعول على الغالب، أي لا أبني عليها الأحكام الشرعية، كالمثال السابق، فإن الغالب فيه أنه مال له وقع، فقبول تفسيره بما قل فيه عدم التعويل على الغالب.
وقوله لا بنجس، أي لا يقبل تفسيره به، سواء كان يقتنى، كزبل وكلب معلم، أو لا، كخنزير، وذلك لانتفاء صدق المال عليه (قوله: ولو قال) أي المقر، وقوله وما فيها، أي في الدار من أثاث ونحوه.
وقوله لفلان، خبر المبتدأ (قوله: صح) أي إقراره (قوله: واستحق) أي فلان المقر له.
وقوله جميع ما فيها، في العبارة حذف، أي الدار وجميع ما فيها.
وقوله وقت الإقرار، الظرف متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله، أي استحق جميع ما كان فيها وقت الإقرار (قوله: فإن اختلفا) أي المقر والمقر له.
وقوله في شئ أهو بها وقته، أي وذلك الشئ بالدار وقت الإقرار أو لا؟ فالمقابل محذوف، والأول دعوى المقر له، والثاني دعوى المقر (قوله: صدق المقر) أي حيث لا بينة.
(وقوله: وعلى المقر له البينة) أي فإذا أتى بها صدق (قوله: وصح إقرار بنسب) وهو مع الصدق واجب، ومع الكذب في ثبوته أو نفيه حرام من الكبائر، وما صح في الخبر من أنه كفر، محمول على مستحله، أو على كفر النعمة، فإن حصول الولد له نعمة من الله، فإنكارها جحد لنعمته تعالى.
وشرط في المقر أن يكون بالغا عاقلا، ولو سكران، ذكرا مختارا، ولو سفيها، أو كافرا أو قنا، (قوله: ألحقه بنفسه) أي من غير واسطة.
وإن ألحقه بغيره ممن يتعدى النسب منه إليه، كهذا أخي أو عمي، شرط فيه، زيادة على ما ذكره من شروط الإلحاق بنفسه، كون الملحق به رجلا، كالأب والجد، بخلاف المرأة، لأن استلحاقها لا يقبل، فبالأولى استلحاق وارثها.
وكونه ميتا، بخلاف الحي، ولو مجنونا، لاستحالة ثبوت نسب الأصل مع وجوده بإقرار غيره وكون المقر لا ولاء عليه، فلو أقر من عليه ولاء بأب أو أخ، لم يقبل، لتضرر من له الولائ بذلك، لأن عصبة النسب مقدمة على عصبة الولاء.
وكونه وارثا، بخلاف غيره، كقاتل ورقيق، وكونه حائزا لتركة الملحق به، واحدا كان أو أكثر، كابنين أقر بثالث، فيثبت نسبه، ويرث منهما ويرثان منه.
(قوله: كأن قال هذا ابني) ومثله أنا أبوه، لكن الأولى أولى، إذ الإضافة فيه إلى المقر (قوله: بشرط إمكان فيه) أي في إلحاقه به (قوله: بأن لا يكذبه الخ) تصوير للإمكان المذكور (قوله: بأن يكون) أي المستلحق بالفتح دونه، أي المستلحق بالكسر، وبأن يكون أيضا غير ممسوح، وإلا لم يلحقه، لأن الحس يكذبه (قوله: وبأن لا يكون الخ) تصوير
للشرعي، وما قبله للحسي، فهو على اللف والنشر والمشوش، فإن كان معروف النسب بغير المقر، فلا يثبت الاستلحاق، وإن صدقه المقر به، لأن النسب الثابت من شخص لا ينتقل لغيره.
قال في النهاية.
(واعلم) أن اشتراط عدم تكذيب المقر الحس والشرع، غير مختص بما هنا، بل هو شامل لسائر الأقارير.
كما علم مما مر أنه يشترط في المقر له أهلية استحقاق المقر به حسا وشرع، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
اه.
(قوله: ومع تصديق) الأولى إسقاط لفظ مع.
وقوله مستلحق، بفتح الحاء، أي غير منفي بلعان عن فراش، نكاح صحيح، فإن(3/230)
كان كذلك، لم يصح لغير النافي استلحاقه.
وقوله أهل له، أي للتصديق، بأن كان بالغا عاقلا حيا، وخرج به غيره، كصبي ومجنون وميت، فلا يشترط تصديقه، بل لو بلغ الصبي بعد استلحاقه فكذب المستلحق له لم يبطل نسبه، لأن النسب يحتاط له، فلا يبطل بعد ثبوته (قوله: فإن لم يصدقه) أي بأن كذبه.
وقوله أو سكت، أي لم يصدقه ولم يكذبه (قوله: لم يثبت نسبه) أي المستلحق، بفتح الحاء، وقوله إلا ببينة، فإن لم توجد حلف المستلحق، بالكسر، المستلحق، بالفتح، فإن حلف: سقطت دعواه، وإن نكل، حلف الأول وثبت نسبه، ولو تصادقا ثم رجعا لم يسقط النسب (قوله: ولو أقر ببيع) أي بأن قال قد بعت عبدي من فلان (قوله: أو هبة وقبض) أي مع قبض، أي بأن قال وهبت عبدي لفلان وقد قبضه بإذني.
وقوله وإقباض، الواو بمعنى أو، ولو اقتصر على الأول لكان أخصر، إذ القبض إما بالإذن من الواهب، أو بإقباضه له (قوله: بعدها) أي الهبة، ولا يشترط الإقرار بالقبض أو الإقباض بعد البيع، إذ حكمه باعتبار اللزوم وعدمه لا يختلف بالنسبة إليه، بخلاف الهبة، فإنه يختلف، ولذا اشترط فيها الإقرار بذلك بعدها (قوله: فادعى فساده) أي ما أقر به من البيع أو الهبة، وقال أقررت لظني صحة ذلك (قوله: لم يقبل) أي المدعي.
وقوله في دعواه فساد، متعلق بيقبل (قوله: لأن الاسم) أي اسم المقر به من البيع أو الهبة، أي لفظه، وهو علة لعدم قبول الفساد منه.
وقوله عند الإطلاق، أي عند التقيد بكونه فاسدا.
وقوله يحمل على الصحيح، أي على العقد الصحيح (قوله: نعم: إن قطع الخ) استدراك على عدم قبول ذلك منه.
وقوله ظاهر الحال، أي حال المدعي لذلك (قوله: كبدوي جلف) تمثيل للذي قطع ظاهر الحال بصدقه.
وفي المصباح: الجلف العربي الجافي.
ونقل ابن الأنباري أن الجلف: جلد الشاة والبعير، وكأن المعنى العربي بجلده لم يتزي بزي الحضر في رقتهم ولين أخلاقهم، فإنه إذا تزيى بزيهم وتخلق بأخلاقهم، كأنه نزع جلده ولبس غيره.
اه.
والذي يظهر، أن المراد به هنا الجاهل الذي لا يميز بين الصحيح والفاسد، فظن الصحة أولا
فيما أقر به، ثم أخبره بأنه فاسد، فادعى فساده (قوله: فينبغي قبول قوله) جواب إن.
وقوله كما قاله شيخنا: مثله في النهاية (قوله: وخرج بإقباض) كان الأولى أن يقول وخرج بقبض وإقباض، لأنه ذكرهما في المتن.
(وقوله: ما لو اقتصر على الهبة) أي بأن قال وهبته كذا ولم يقل وأقبضته (قوله: فلا يكون الخ) تفريع على ما لو اقتصر على ذلك.
وقوله مقرا بإقباض يقال فيه، وفيما سيأتي، مثل ما قيل فيما مر آنفا (قوله: فإن قال) أي المقتصر على الهبة.
(وقوله: ملكها ملكا لازما) أي بأن قال وهبت دابتي له وملكها ملكا لازما (قوله: وهو يعرف معنى ذلك) أي معنى قوله ملكها ملكا لازما: أي ما يترتب على ذلك، وهو أن المتهب له أن يتصرف كيف شاء في الموهوب، وليس للواهب الرجوع فيه، وذلك لا يكون إلا بعد القبض، فلذلك كان قوله المذكور، بمنزلة قوله وأقبضته إياه (قوله: كان) أي القائل ذلك في صيغة الإقرار (قوله: وله تحليف المقر له) أي ومع عدم قبول دعوى الفساد منه له أن يحلف المقر له بأن ما أقر به من البيع والهبة ليس فاسدا.
(وقوله: لإمكان ما يدعيه) أي لاحتمال ما يدعيه، أي وقد يخفى المفسد أو يغفل عنه (قوله: ولا تقبل ببينته) أي مدعي الفساد.
(وقوله: لأنه كذبها) أي البينة.
(وقوله: بإقراره) أي المقتضي لصحة ما أقر به (قوله: فإن نكل) أي امتنع المقر له من الحلف على عدم الفساد (قوله: حلف المقر أنه) أي ما ذكر من البيع والهبة (قوله: وبطل) أي حكم ببطلانه.
وقوله البيع أو الهبة، المحل للإضمار (قوله: لأن اليمين المردودة الخ) علة للبطلان.
وقوله كالإقرار، أي من المقر له، أي كأنه(3/231)
أقر بالفساد.
اه.
بجيرمي (قوله: ولو قال) أي المقر.
وقوله هذا، أي الثوب أو البيت أو نحوه (قوله: بل لعمرو) أي أو ثم لعمرو (قوله: أو غصبت إلخ) أي أو قال غصبت هذا الشي من زيد بل من عمرو (قوله: سلم) أي المقر به لزيد لسبق الإصرار له (قوله: سواء قال ذلك) أي ما ذكر من قوله بل لعمرو في الصورة الأولى، ومن قوله بل من عمرو في الصورة الثانية، وهو تعميم في تسليمه لزيد (قوله: وإن طال الزمن) غاية في المنفصل (قوله: لامتناع الرجوع الخ) علة لتسليمه لزيد، أي وإنما سلم لزيد ولم يسلم لعمرو لامتناع الخ (قوله: وغرم بدله) أي بدل ما سلم لزيد، أي من مثل في المثلي وقيمة في المتقوم عند ابن حجر، أو من القيمة مطلقا عند الرملي، وذلك لحيلولته بينه وبين ملكه بإقراره الأول (قوله: ولو أقر بشئ ثم أقر ببعضه) كأن أقر بألف ثم بخمسائة.
(وقوله: دخل الأقل في الأكثر) أي لأنه يحتمل أنه ذكر بعض ما أقر به، ولو أقر بألف ثم أقر له بألف، ولو في يوم آخر، لزمه ألف فقط، وإن كتب بكل وثيقة محكوما بها، لأنه لا يلزم من تعدد الخبر تعدد المخبر عنه.
ولو وصفها بصفتين، كألف صحاح وألف مكسرة، أو أسندهما إلى جهتين، كثمن مبيع مرة وبدل
قرض أخرى، لزم القدران لتعذر اتحادهما حينئذ.
ومثل ذلك، ما لو قال قبضت منه يوم السبت عشرة، ثم قال قبضت منه يوم الأحد عشرة، فيلزمه القدران (قوله: ولو أقر بدين) أي بأن قال في ذمتي لفلان كذا (قوله: ثم ادعى) أي المقر.
وقوله أداء، أي الدين إليه.
وقوله وإنه نسي ذلك حالة الإقرار، أي نسي أنه أدى الدين فأقر به ظانا أنه لم يؤده (قوله: سمعت دعواه للتحليف) أي بالنسبة لتحليف المقر له على نفي الأداء رجاء أن ترد اليمين عليه فيحلف المقر ولا يلزمه شئ، فإن حلف المقر له على نفي الأداء، لزمه المقر به، ما لم تقم بينة على الأداء فلا يلزمه، وقوله فقط، أي لا بالنسبة لسقوط المقر به عنه بنحو دعواه (قوله: فإن أقام) أي مدعي الأداء (قوله: قبلت) أي البينة، ولو حلف المقر له (قوله: على ما أفتى به بعضهم) مثله في التحفة، وظاهره التبري منه، ولكن كتب سم عليه ما نصه: اعتمده م ر.
اه.
(قوله: لاحتمال ما قاله) أي من ادعاء الأداء.
قال في التحفة بعده: فلا تناقض (قوله: كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع) أي فإنها تقبل.
قال في التحفة عقبه: وفيه، أي في القياس على ما ذكر، نظر، والفرق ظاهر، إذ كثيرا ما يكون للإنسان بينة ولا يعلم بها، فلا ينسب لتقصير، بخلاف مسألتنا اه.
(قوله: ولو قال لا حق لي الخ) في الروض وشرحه، وإن قال زيد لا حق لي فيما في يد عمرو، ثم قال زيد، وقد ادعى عينا في يد عمرو، لم أعلم كون هذه العين في يده حين الإقرار صدق بيمينه، لاحتمال ما قاله.
اه.
وهي لا تفيد التفصيل الذي ذكره الشارح (قوله: ففيه خلاف) في عبارته حذف قبل هذا، وهو ثم ادعى أن له حقا عنده، وكان الأولى ذكره (قوله: والراجح منه) أي من الخلاف.
وقوله أنه إن قال، أي بعد قوله أولا لا حق لي.
وقوله ثم أقام، أي المقر أولا بأنه لا حق له على فلان (قوله: قبلت) أي البينة، وهو جواب إن (قوله: وإن لم يقل ذلك) أي المذكور من قوله فيما أظن أو فيما أعلم (قوله: لم تقبل بينته) أي لأنها تناقض إقراره، وإنما لم يوجد التناقض فيما إذا قال ذلك، لأنه لا يلزم من نفي علمه أو ظنه بأن له عند فلان كذا أنه ليس له ذلك في الواقع، فقد يكون له في الواقع شئ، مثلا، وهو لم يعلم به، فيقر بأنه ليس له كذا عند فلان ثم يعلم به ويدعيه ويقيم بينة عليه (قوله: إلا إن اعتذر بنحو نسيان) أي نسيان لما ادعى به أنه عند فلان وقوله أو غلط ظاهر، أي في قوله لا حق لي، بأن قال مثلا أردت أن أقول لي عنده كذا فغلطت وقلت لا حق لي عنده.(3/232)
(تتمة) يصح الاستثناء بإلا أو إحدى أخواتها في الإقرار كغيره بشروط، الأول وصل المستثني بالمستثنى منه عرفا، فلا يضر سكتة تنفس وعي وانقطاع صوت، بخلاف الفصل بسكوت طويل وكلام أجنبي، ولو يسيرا، الثاني أن ينويه قبل
فراغه من المستثنى منه، وإلا لزم رفع الإقرار بعد لزومه.
الثالث عدم استغراق المستثني للمستثنى منه، فإن استغرقه، نحو له علي عشرة إلا عشرة، لم يصح، ما لم يتبعه باستثناء آخر غير مستغرق نحو له علي عشرة إلا عشرة إلا خمسة، فيصح، ويلزمه خمسة.
ثم أنه لا فرق في صحة الاستثناء بين أن يكون متصلا، نحو له علي عشرة إلا خمسة، أو منقطعا، نحو له علي ألف إلا ثوبا، ولا فرق أيضا بين تأخير المستثني عن المستثنى منه أو تقديمه عليه، نحو له علي إلا عشرة مائة، ولا فرق أيضا بين الإثبات والنفي.
فلو قال ليس له علي شئ إلا عشرة، لزمه عشرة.
ولو قال ليس له علي عشرة إلا خمسة، لم يلزمه شئ، لأن العشرة إلا خمسة، عبارة عن خمسة، فكأنه قال ليس له علي خمسة.
وإذا تكرر الاستثناء بعطف، فالكل من الأول، نحو له علي عشرة إلا ثلاثة وإلا ألاربعة، فمجموع المستثنى سبعة، وهو مستثنى من العشرة، فيلزمه ثلاثة أو بغير عطف، فكل واحد مستثنى مما قبله، فلو قال على عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين إلا واحدا، لزمه خمسة.
وطريق معرفة ذلك، أن تخرج المستثنى الأخير مما قبله، ثم تخرج ما بقي مما قبله، وهكذا، ففي هذا المثال تخرج الواحد من الاثنثن وما بقي من الثلاثة وما بقي من الأربعة، وهكذا حتى تنتهي إلى الأول، فما بقي، فهو المقر به.
ولك أن تخرج الواحد من الثلاثة، وما بقي من الخمسة، وهكذا مقتصرا على الأوتار.
وهذا أسهل من الأول ومحصل للمطلوب.
ولك طريق أخرى، وهي أن الاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات، فالمعنى له علي عشرة تلزم إلا تسعة لا تلزم إلا ثمانية تلزم، وهكذا.
فتجمع الأعداد المثبتة، وكذلك المنفية، ثم تسقط مجموع المنفية من مجموع المثبتة، فالأعداد المثبتة، في المثال المذكور، ثلاثون، والمنفية خمسة وعشرون، فإذا أسقطت المجموع من المجموع، بقي خمسة، وهي المقر به.
(ظريفة) : قال السيوطي: دخل أبو يوسف على الخليفة هارون الرشيد وعنده الكسائي فقال أبو يوسف له: لو تفقهت لكان أنبل لك.
فقال يا أبا يوسف: ما تقول في رجل أقر لفلان بلفظ علي مائة درهم إلا عشرة دراهم إلا درهما واحدا، كم ثبت عليه من الإقرار؟ فقال: تسعة وثمانون.
فقال الكسائي له، أخطأت.
فقال ولم؟ قال: لأن الله تعالى يقول: * (قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين) * فهل كانت المرأة مستثناة من الآل أو من القوم؟ قال من الآل.
قال كم ثبت حينئذ عليه من الإقرار؟ فقال: أحد وتسعون.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) سورة الحجر، الاية: 58(3/233)
باب في الوصية
أي في بيان أحكامها.
وقدمها على الفرائض لأنه هو الأنسب، إذ الإنسان يوصي ثم يموت ثم تقسم تركته.
وأكثرهم أخرها عنها لأن قبولها وردها ومعرفة قدر الثلث ومن يكون وارثا متأخر عن الموت، ولأن الفرائض أقوى وأهم منها، إذ هي ثابتة بحكم الشرع لا تصرف للميت فيها، وهذه عارضة فقد توجد وقد لا توجد، والأصل فيها قبل الإجماع، قوله تعالى، في أربعة مواضع، * (من بعد وصية يوصي بها أو دين) * (1) وتقديمها على الدين للاهتمام بشأنها، ولأن النفس قد لا تسمح بها لكونها تبرعا، وإلا فهو مقدم عليها شرعا بعد مؤن التجهيز.
وأخبار، كخبر ابن ماجه: المحروم من حرم الوصية، من مات على وصية مات على سبيل وسنة وتقى وشهادة ومات مغفورا له وكالخبر الذي ساقه الشارح.
وكانت أول الإسلام واجبة بكل المال للوالدين والأقربين، لقوله تعالى: * (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) * (2) ثم نسخ بوجوبها بآية المواريث، وبقي استحبابها في الثلث فأقل لغير الوارث، وإن قل المال وكثر العيال، قال الدميري، رأيت بخط ابن الصلاح أبي عمرو، أن من مات بغير وصية لا يتكلم في مدة البرزخ، وأن الأموات يتزاورون في قبورهم سواه، فيقول بعضهم لبعض، ما بال هذا؟ فيقال مات من غير وصية اه.
قال ع ش: ويمكن حمل ذلك على ما إذا مات من غير وصية واجبة، بأن نذرها، أو خرج مخرج الزجر.
اه.
وأركانها أربعة: موص، وموصى له، وموصى به، وصيغة.
وكلها بشرائطها تعلم من كلامه (قوله: هي لغة الإيصال) أي أنه الوصية في اللغة معناها الإيصال (قوله: من وصى) أي أن الوصية مأخوذة من وصى، وهو بالتخفيف، كوعى، ومن قرأه بالتشديد فقد صحفه (قوله: لأن الموصي الخ) كان الأنسب تأخيره عن المعنى الشرعي، لأنه توجيه لتسميته وصية.
اه.
بجيرمي (قوله: وصل خير دنياه بخير عقباه) الإضافة فيهما على معنى في: أي وصل الخير المنجز الواقع منه في الدنيا، وهو الطاعات الواقعة منه حال حياته التي من جملتها الإتيان بصيغة الوصية بالخير الواقع في آخرته المسبب عما قبله في حال حياته، فإذا قال أوصيت له بكذا، أو أوصيت بعتق هذا العبد، فهذا خير واقع منه في دنياه، وإعطاء الموصى له الوصية بعد الموت أو إعتاق الوارث بعده خير عقباه، لا يقال القربة الصادرة من الموصي ليست إلا الوصية وهي في حياته، والواقع بعد موته إنما هو أثر ذلك، وهو وصول الموصي به للموصى له أو إعتاق العبد، وهذا الأثر ليس فعل الموصي، لأنا نقول إنما نسب ذلك إليه لتسببه فيه، كما أشرنا إليه، فقد حصل له بإيصائه خير بعد موته، وصدر
منه في حياته خير، وقد وصل أحدهما بالآخر، ويحتمل أن المراد أنه وصل خير دنياه، أي تمتعه في الدنيا بالمال، بخير عقباه، أي انتفاعه بالثواب الحاصل بالوصية بالمال، وعلى كل، ففي العبارة قلب، والأصل وصل خير عقباه بخير دنياه، لأن الوصلة تقع بعده فالذي يوصل هو المتأخر، وقد يقال لا حاجة لذلك لأن الإيصال أمر نسبي، فكل منهما متصل بالآخر.
اه.
ش ق (قوله: وشرعا) عطف على لغة (قوله: مضاف) بالرفع صفة لتبرع، وبالجر صفة لحق، وهو
__________
(1) سورة النساء، الاية: 11.
(2) سورة البقرة، الاية: 180(3/234)
الأولى، لأن التبرع في الحال، والحق إنما يعطى للموصى له بعد الموت، فهو المضاف لما بعد الموت، لا التبرع، ثم إن إضافته لما بعد الموت: إما حقيقة: كأعطوه كذا بعد موتي، أو تقديرا: كأوصيت له بكذا، فكأنه قال: بعد موتي، لأن الوصية لا تكون إلا بعد الموت.
وزاد شيخ الإسلام وغيره في التعريف: ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة، لأن كلا منهما ليس بوصية وإن التحقا بها حكما من حيث الاعتبار من الثلث بدليل أنهما لا يتوقفان على القبول، ولا يقبلان الرجوع بالقول، وإن قبلا الرجوع بالفعل، كبيع ونحوه ولو كانا من قبيل الوصية لصح الرجوع عنهما بالقول (قوله: وهي سنة مؤكدة إجماعا) وقد تباح، كالوصية للأغنياء وللكافر والوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، وعليه حمل قول الرافعي إنها ليست عقد قربة.
وقد تجب، كما إذا نذرها، أو ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده.
وقد تحرم كما إذا غلب على ظنه أن الموصى له يصرف الموصى به في معصية، وكما إذا قصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث.
وقد تكره، كما إذا لم يقصد حرمان ورثته بالزائد على الثلث، وسيذكرهما، فتعتريها الأحكام الخمسة (قوله: وإن كانت الخ) غاية في تأكد الوصية، أي هي مؤكدة، وإن كانت الصدقة المنجزة في حال صحته ثم في حال مرضه أفضل من الوصية.
وقوله فمرض، أفاد بالفاء الترتيب في الفضل، فهي في حال الصحة أفضل منها في حال المرض، لخبر الصحيحين: أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا (قوله: فينبغي أن لا يغفل عنها) أي الوصية.
وقوله ساعة: أي وقتا ما (قوله: كما صرح به) أي بالانبغاء المذكور (قوله: ما حق امرئ الخ) ما نافية، وحق مبتدأ خبره ما بعد إلا، وجملة له شئ، صفة لامرئ، وجملة يوصي فيه، صفة لشئ، وجملة ببيت، صفة ثانية لامرئ، وهي من بات التامة.
ويحتمل أنها هي خبر المبتدأ، وما بعد إلا
حال، وهو الأولى، لأن الخبر لا يقترن بالواو، وإن كان الأول هو مقتضى حل الشارح.
والمعنى عليه: ما الحزم والرأي حقه أن يبيت ليلة أو ليلتين إلا في هذه الحالة المذكورة لا في غيرها والليلة والليلتان ليستا للتقييد، فالمراد أنه لا يمضي عليه زمن إلا في هذه الحالة، وقوله مكتوبة عند رأسه، أي مع الإشهاد عليها لأن الكتابة بلا إشهاد لا عبرة بها، لما ذكروه في الوديعة أنه لا عبرة بخط ميت على شئ أن هذا وديعة فلان أو في دفتره أن لفلان عندي كذا وديعة، لاحتمال التلبيس.
ولو اقتصر على الإشهاد كفى، ولكن السنة الجمع بين الكتابة والشهادة (قوله: أي ما الحزم الخ) تفسير لحاصل معنى الخبر.
والحزم هو الرأي السديد.
(وقوله: أو المعروف) أي المطلوب.
(وقوله: إلا ذلك) أي أن يبيت ووصيته مكتوبة عند رأسه (قوله: لأن الإنسان الخ) علة لكون الحزم والمعروف شرعا ذلك، أي وإنما كان الحزم والمعروف شرعا للإنسان ذلك، لأنه لا يدري متى يفجؤه الموت، ولا يخلو غالبا من أن يكون له أو عليه حقوق فتضيع ورثته أو يضيع أرباب الحقوق من حقهم الذي عنده إذا لم يكن بينة.
وينبغي له أن يعدل في وصيته لما روى الإمام أحمد والدارقطني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، فإذا جار في وصيته، فيختم له بسوء عمله فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار سبعين سنة فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة (قوله: وتكره الزيادة الخ) المناسب تأخير هذه المسألة وذكرها بعد قوله وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على الثلث الخ، وإذا كرهت الزيادة على الثلث.
قال سم: فلا يقال فلتبطل الوصية حينئذ، لأن الوصية بالمكروه هنا وقعت تابعة للوصية بالأصل التي هي غير مكروهة، بل مطلوبة، ويغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره.
اه.
(قوله: وإلا حرمت) أي وإن قصد حرمان ورثته حرمت، وضعف الحرمة في التحفة، واعتمد الكراهة مطلقا، وعبارتها، بعد قول المنهاج ينبغي أن لا يوصي بأكثر من ثلث، ومن ثم صرح جمع بكراهة الزيادة عليه، وأما تصريح آخرين بحرمتها فهو ضعيف وإن قصد بذلك حرمان ورثته، كما علم مما قدمته في شرح قوله في الوقف كعمارة الكنائس فباطل، وأيضا فهو لا حرمان منه أصلا، أما(3/235)
الثلث، فلأن الشارع وسع له في ثلثه ليتدارك به ما فرط منه، فلم يؤثر قصده به ذلك.
وأما الزائد عليه، فهو إنما ينفذ إن أجازوه، ومع إجازتهم لا ينسب إليه حرمان، فهو لا يؤثر قصده.
اه.
وقوله كما علم مما قدمته الخ: عبارته هناك.
(فرع) يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، من غير واحد، الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه، الصحة.
أما أولا فلم نسلم أن قصد الحرمان
معصية، كيف وقد اتفق أئمتنا، كأكثر العلماء، على أن تخصيص بعض الأولاد بماله كله أو بعضه هبة أو وقفا أو غيرهما لا حرمة فيه ولو لغير عذر؟ وهذا صريح في أن قصد الحرمان لا يحرم الخ.
اه.
(قوله: تصح وصية الخ) شروع في بيان شروط الموصي الذي هو أحد الأركان الأربعة (قوله: مكلف حر مختار) أي وإن كان مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو حجر عليه على المذهب لصحة عبارته أو كان كافرا ولو حربيا (قوله: عند الوصية) قيد في الكل، فالعبرة باستكمال الشروط عند الوصية (قوله: فلا تصح من صبي الخ) شروع في محترزات القيود، وإنما تصح منهم لعدم صحة عبارتهم ولعدم ملك الرقيق أو ضعفه.
وقوله ورقيق، أي كله، وأما المبعض فتصح منه بما ملكه ببعضه الحر لوجود أهليته والقول بعدمها، لأنه يستعقب الولاء وهو من غير أهله ممنوع، لأنه إن عتق قبل موته فذاك، وإلا فقد زال رقه بموته.
أفاده م ر.
وقوله ولو مكاتبا، أي ولو كان الرقيق مكاتبا.
وقوله لم يأذن له السيد، أما إذا أذن له فتصح منه (قوله: ولا من مكره) أي ولا تصح من مكره كسائر العقود (قوله: والسكران) أي المتعدي.
اه.
سم.
وقوله كالمكلف، أي فتصح وصيته (قوله: وفي قول تصح من صبي مميز) أي لأنها لا تزيل الملك حالا، ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير المال.
اه.
تحفة (قوله: لجهة حل) متعلق بوصية، وهو شروع في بيان الموصى له.
وأفاد بالإضافة اشتراط عدم معصية في الوصية له إذا كان جهة، ومثلها ما إذا كان غير جهة، وإن كان ظاهر صنيعه يوهم خلافه، فيتشرط فيه عدم المعصية أيضا.
وشرط فيه أيضا كونه موجودا معينا أهلا للملك حين الوصية، فلا تصح لكافر بنحو مسلم أو مصحف، ولا لحمل سيحدث لعدم وجوده، ولا لميت لأنه ليس أهلا للملك، ولا لأحد هذين الرجلين لإبهامه، كما سيذكره، ولا فرق في جهة الحل بين أن تكون قربة، كالفقراء وبناء المساجد وعمارة قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وألحق الشيخ أبو محمد بها قبور العلماء والصالحين لما فيه من إحياء الزيارة أو التبرك بها، أو مباحة لا تظهر فيها القربة كالوصية للأغنياء، وفك أسارى الكفار من المسلمين (قوله: كعمارة مسجد الخ) تمثيل لجهة الحل، أي كأن قال أوصيت بمالي هذا ليعمر به المسجد الفلاني (قوله: ومصالحه) أي المسجد، وهو عطف عام على خاص (قوله: وتحمل) أي الوصية.
وقوله عليهما، أي على العمارة وعلى المصالح (قوله: عند الإطلاق) أي إطلاق الوصية وعدم تقييدها بعمارة أو مصالح.
وقوله بأن قال الخ: تصوير للإطلاق (قوله: ولو غير ضرورية) أي ولو كانت المصالح الشاملة للعمارة غير ضرورية: أي لازمة لنحو المسجد (قوله: عملا بالعرف) علة للحمل عليهما عند الإطلاق (قوله: ويصرفه الناظر) أي يصرف الموصى به للمسجد للأهم والأصلح من المصالح.
قال ع ش: فليس للوصي الصرف بنفسه، بل يدفعه للناظر أو لمن قام مقام
الناظر.
ومنه ما يقع الآن من النذر لإمامنا الشافعي رضي الله عنه أو غيره من ذوي الأضرحة المشهورة، فيجب على الناظر صرفه لمتولي القيام بمصالحه، وهو يفعل ما يراه فيه.
ومنه أن يصنع بذلك طعاما أو خبزا لمن يكون بالمحل المنذور عليه التصدق من خدمته الذين جرت العادة بالإنفاق عليهم لقيامهم بمصالحه اه.
(قوله: وهي) أي الوصية.
وقوله للكعبة، أي بأن قال أوصيت بمالي للكعبة.
وقوله وللضريح النبوي، أي القبر النبوي.
وقوله تصرف لمصالحهما، أي الكعبة والضريح النبوي.
وفي ع ش: لو أوصى بدراهم لكسوة الكعبة أو الضريح النبوي وكانا غير محتاجين لذلك حالا وفيما شرط من وقفه لكسوتهما ما يفي بذلك، فينبغي أن يقال بصحة الوصية، ويدخر ما أوصى به أو تجدد به كسوة أخرى، لما(3/236)
في ذلك من التعظيم.
اه.
(قوله: كترميم ما وهى من الكعبة) أي سقط منها، وهو تمثيل للمصالح الخاصة بالكعبة.
وكان المناسب أن يزيد، ومن البناء الكائن على الضريح النبوي، حتى يصير تمثيلا للمصالح الخاصة بالضريح النبوي أيضا (قوله: دون بقية الحرم) أي أرض الحرم، فلا يصرف في مصالحه.
ويقال بالنسبة للضريح النبوي دون الأستار الخارجة عنه.
ولو أوصى للحرم ويصرف في مصالح الكعبة وبقية الحرم (قوله: وقيل في الأولى) هي الوصية للكعبة.
وقوله لمساكين مكة، أي يصرف لهم (قوله: قال شيخنا) عبارته.
ويظهر أخذا مما تقرر، أي من صحة الوصية للضريح النبوي وللكعبة، ومما قالوه في النذر للقبر المعروف بجريان صحتها كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، ويصرف في مصالح قبره، والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرؤون عليه.
ويؤيد ذلك ما مر آنفا من صحتها ببناء قبة على قبر ولي.
اه.
(قوله: صحة الوصية) فاعل يظهر.
وقوله كالوقف، أي كصتحه (قوله: لضريح الشيخ الفلاني) متعلق بكل من الوصية ومن الوقف (قوله: وتصرف) أي الوصية بمعنى الموصى به.
ولو قال ويصرف، بالياء، كما في التحفة، لكان أولى.
(وقوله: في مصالح قبره) أي كترميم وإسراج ونحوهما (قوله: والبناء الجائز عليه) أي على القبر، كقبة، والعطف من عطف المغاير، إن لم تجعل المصالح شاملة له، وإلا كان من عطف الخاص، والبناء الجائز هو أن يكون في غير مسبلة، كما سيأتي (قوله: ومن يخدمونه) أي وتصرف لمن يخدمون الضريح بكنسه وخدمة الزوار وإسراج المصابيح فيه المحتاج إليها.
وفي سم، هل يجري هذا في الوصية للكعبة والضريح النبوي كما هو قياسه؟ اه.
(قوله: أو يقرؤون عليه) أي ولمن يقرؤون على الضريح.
قال ع ش: هل المراد من اعتاد القراءة عليه كالاسباع التي اعتيد قراءتها في أوقات مخصوصة، أو لكل من اتفقت قراءته عليه وإن لم يكن له عادة بها؟ فيه نظر.
ولا يبعد الأول.
اه.
(قوله: أما إذا
قال للشيخ الفلاني) أي أوصيت به للشيخ الفلاني أو أوقفته عليه (قوله: ولم ينو ضريحه) أي صرفه لمصالح ضريحه، وتعلم النية بإخباره.
قال ع ش: وشمل قوله ولم ينو، ما لو أطلق وقياس الصحة عند الأطلاق في الوقف على المسجد الصحة هنا، ويحل على عمارته ونحوها.
اه.
وقوله ونحوه، أي ولم ينو نحو الضريح، أي صرفه لنحوه، كالبناء عليه، أو من يخدمونه، أو يقرؤون عليه (قوله: فهي) أي الوصية لما ذكر.
وقوله باطلة، أي لأنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: ولو أوصى لمسجد سيبنى) أي بأن قال أوصيت بهذا المال ليصرف في مصالح المسجد الذي سيبنى (قوله: لم تصح) أي الوصية، لما مر آنفا من أنها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع (قوله: إلا تبعا) أي للموجود، فإنها تصح: كأوصيت لمسجد فلان وما سيبنى من المساجد (قوله: وقيل تبطل الخ) مرتبط بقوله وتحمل عليهما عند الأطلاق، بأن قال أوصيت به للمسجد، فكان الأولى ذكره عقبه، وليس مرتبطا بقوله ولو أوصى لمسجد سيبنى، كما هو ظاهر، وعبارة المنهج وشرحه، وتحمل عند الإطلاق عليهما عملا بالعرف.
فإن قال أردت تمليكه، فقيل تبطل الوصية.
وبحث الرافعي صحتها بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا.
قال النووي: هذا هو الأفقه الأرجح.
اه.
ومثلها عبارة المغني ونصها بعد قول المنهاج وكذا إن أطلقت على الأصح، ويحمل على عمارته ومصالحه.
(تنبيه) سكت المصنف عما إذا قال أردت تمليك المسجد، ونقل الرافعي عن بعضهم أن الوصية باطلة، ثم قال ولك أن تقول سبق أن للمسجد ملكا وعليه وقفا، وذلك يقتضي صحة الوصية.
قال المصنف، وهو الأفقه الأرجح.
وقال ابن الرفعة: في كلام الرافعي في اللقطة ما يفهم جواز الهبة للمسجد.
وقال ابن الملقن، وبه صرح القاضي في تعليقه،(3/237)
والكعبة في ذلك كالمسجد، كما صرح في البيان نقلا عن الشيخ أبي علي.
اه.
وقوله بأن للمسجد ملكا وعليه وقفا، أي بأن اللفظ المشتمل على قوله للمسجد يكون ملكا والمشتمل على قوله عليه يكون وقفا، فالتعبير باللام يفيد الملك، وبعلى يفيد الوقف (قوله: وكعمارة) عطف على كعمارة مسجد.
وقوله نحو قبة، أي كقنطرة.
وقوله على قبر نحو عالم، كنبي وولي.
وعبارة النهاية: وشمل عدم المعصية القربة كعمارة المساجد ولو من كافر، وقبور الأنبياء والعلماء والصالحين لما في ذلك من إحياء الزيارة والتبرك بها.
ولعل المراد به، أي بتعمير القبور، أن تبنى على قبورهم القباب والقناطر، كما يفعل في المشاهد، لا بناء القبور نفسها، للنهي عنه.
اه.
باختصار.
وقوله في غير مسبلة، متعلق بعمارة، أي عمارة ذلك في غير مقبرة مسبلة، بأن كانت مملوكة لنحو ذلك الولي أو لمن دفنه فيها، فإن كانت مسبلة أو
موقوفة، حرم ذلك لما فيه من التضييق (قوله: ووقع) أي وجد.
وقوله ولو أوصى الخ: فاعل الفعل (قوله: بطلت الوصية) قال في التحفة: ولعله بناه على أن الدفن في البيت مكروه، وليس كذلك ومثله في النهاية (قوله: وخرج بجهة حل جهة المعصية) أي فالوصية لها باطلة، وذلك لأن القصد منها تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان، فلا يجوز أن يكون معصية (قوله: كعمارة كنيسة) أي كالوصية لعمارة كنيسة، أي لأجل التعبد فيها فلا يجوز، لأنها معصية.
أما كنيسة تنزلها المارة، أو موقوفة على قوم يسكنونها، أو تحمل أجرتها للنصارى، فتجوز.
وحكى الماوردي وجها إنه إن خص نزولها بأهل الذمة حرم، واختاره السبكي.
ولو وصي ببنائها لنزول المارة والتعبد معا، لم يصح في أحد وجهين.
ويظهر ترجيحه تغليبا للحرمة، وسواء أوصى لما ذكر مسلم أو كافر، بل قيل إن الوصية ببناء الكنيسة من المسلم ردة، ولا تصح أيضا الوصية ببناء موضع لبعض المعاصي كالخمارة، وقوله وإسراج فيها، أي وكالوصية لإسراج في الكنيسة فلا تجوز، ومحله إذا كان ذلك بقصد تعظيمها، أما إذا قصد انتفاع المقيمين والمجاورين بضوئها فهي جائزة، وإن خالف في ذلك الأذرعي.
أفاد ذلك كله في المغني (قوله: وكتابة نحو توراة) أي وكالوصية لكتابة نحو توراة كإنجيل فلا يجوز، ومثل الكتابة القراءة.
قال ع ش: أي ولو غير مبدلين، لأن فيه تعظيما لهم.
اه (قوله: وعلم محرم) أي وكتابة علم محرم كأحكام شريعة اليهود والنصارى وكتب النجوم والفلسفة، ومثل الكتابة القراءة، فالوصية لها باطلة أيضا (قوله: وتصح لحمل الخ) هذا مرتب على ما إذا كان الموصى له غير جهة الذي هو عديل قوله لجهة، فكان الأولى والأخصر أن يأتي به وشرطه، ثم يفرع عليه ما ذكر، كأن يقول مثلا ولغير جهة بشرط أن يكون موجودا حال الوصية يقينا فتصح لحمل الخ، كما صنع في المنهاج، وعبارته، وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط أن لا تكون معصية، أو لشخص فالشرط أن يتصور له الملك، فتصح لحمل، وتنفذ إن انفصل حيا وعلم وجوده عندها.
اه (قوله: موجود) أي معين، وسيبين محترزه (قوله: فتصح لحمل) أي حرا كان أو رقيقا من زوج أو شبهة أو زنا، وهو مفرع على وجوده حال الوصية يقينا، وكان الأولى، والأخصر أن يحذف هذه الجملة ويقتصر على ما بعدها ويذكر بعنوان التصوير، كأن يقول بأن انفصل الخ ويكون عليه قوله الآتي لا لحمل سيحدث معطوفا على قوله لحمل في المتن.
فتنبه.
وقوله انفصل، أي وتنفذ إن انفصل، كما يعلم من عبارة المنهاج المارة آنفا، وقوله وبه حياة مستقرة، أي والحال أن فيه حياة مستقرة، فإن انفصل وليست فيه، لم يستحق شيئا (قوله: لدون ستة أشهر) أي وإن كانت فراشا لزوج أو سيد، لأنها أقل مدة الحمل، فيعلم أنه كان موجودا عندها.
اه.
تحفة (قوله: أو لأربع سنين) أي أو انفصل لأربع سنين، فإن انفصل لأكثر من أربع سنين لا يستحق شيئا، للعلم بحدوثه
بعدها.
وقوله فأقل، أي من أربع سنين صادق بما إذا انفصل لدون ستة أشهر، وليس مرادا، لأنه قد صرح به فيما قبله، بل المراد ما انفصل لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين (قوله: ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد) قيد في المعطوف، أعني قوله انفصل لأربع سنين فأقل فقط، لما علمت من التحفة أنه إذا انفصل لدون ستة أشهر لا فرق فيه بين أن تكون(3/238)
فراشا وبين أن لا تكون كذلك.
وخرج به ما إذا كانت فراشا لمن ذكر فإنه لا يستحق شيئا، لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية.
وفي البجيرمي نقلا عن ق ل، المراد بالفراش وجود وطئ يمكن كون الحمل منه بعد وقت الوصية، وإن لم يكن من زوج أو سيد بل الوطئ ليس قيدا إذ المدار على ما يحال عليه وجود الحمل.
اه.
(قوله: وأمكن كون الحمل منه) الجملة حال من فراشا أي فراشا حال كونه يمكن أن يكون ذلك الحمل المنفصل لأربع سنين فأقل منه.
وعبارة شرح المنهج أمكن، بإسقاط الواو وهو الأولى، وعليها فالجملة صفة لفراشا، أي فراشا موصوفا بإمكان كون الحمل منه، فإن كانت فراشا له لكن لا يمكن أن يكون ذلك الحمل منه، بأن يكون ذو الفراش ممسوحا، كان كالعدم واستحق الموصى به (قوله: لأن الظاهر الخ) علة لصحة الوصية للحمل بالنسبة لما إذا انفصل لأربع سنين فأقل.
وقوله وجوده أي الحمل عندها أي الوصية (قوله: لندرة وطئ الشبهة) علة للعلة.
قال البجيرمي: أي من غير ضرورة تدعو إلى ذلك فلا يرد ما إذا ولدته لدون ستة أشهر ولم تكن فراشا فيتعين حمله على وطئ الشبهة أو الزنا.
اه.
(قوله: نعم: لو لم تكن فراشا قط) أي لا قبل الوصية ولا بعدها.
وفي البجيرمي ما نصه: هذا الإستدراك خرج مخرج التقييد لما سبق كأنه قال هذا إذا عرف لها فراش سابق ثم انقطع، فإن لم يكن لها فراش أصلا لم تصح الوصية لانتفاء الظهور وانحصار الطريق في وطئ الشبهة أو الزنا.
ح ل.
اه.
وقوله لم تصح الوصية قطعا، أي لاحتمال وجوده معها أو بعدها من وطئ شبهة أو زنا، ولا يرد ما تقدم من أن وطئ الشبهة نادر وفي تقدير الزنا إساءة ظن، لأن محل ذلك ما لم يضطر إليه، كما تقدم آنفا عن البجيرمي - (قوله: لا لحمل سيحدث) معطوف على الحمل، أي لا تصح الوصية للحمل الذي سيوجد، وهذا محترز قوله موجود (قوله: وإن حدث الخ) غاية في عدم صحة الوصية للذي سيحدث (قوله: لأنها) أي الوصية، وهو علة لعدم صحتها للحمل الذي سيحدث.
وقوله وتمليك المعدوم ممتنع، من جملة العلة (قوله: فأشبهت) أي الوصية.
(وقوله: الوقف على من سيولد له) أي فإنه لا يصح عليه لأنه معدوم (قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم صحة الوصية للمعدوم.
(وقوله: إن جعل المعدوم تبعا للموجود) أي في الوصية.
وقوله كأن أوصى الخ تمثيل لجعل المعدوم تبعا له (قوله:
صحت) أي الوصية قال في التحفة: كما هو قياس الوقف، إلا أن يفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد بها معين موجود، بخلاف الوقف، لأنه للدوام المقتضي لشموله للمعدوم ابتداء.
ثم رأيت بعضهم اعتمد القياس وأيده إلخ.
اه.
(قوله: ولا لغير معين) أي ولا تصح لغير معين، أي لمبهم، وهذا محترز قيد ملحوظ في كلامه وهو كونه معينا، كما علمت.
(قوله: فلا تصح لأحد هذين) الأخصر أن يجعله تمثيلا بأن يقول: كأحد هذين (قوله: هذا إلخ) أي ما ذكر من عدم صحتها لأحد هذين.
وقوله إذا كان بلفظ الوصية، اسم كان يعود على الموصي، والجارو المجرور خبرها، إلا أنه يقدر المتعلق خاصا بدلالة المقام، أي إذا كان الموصى معبرا عما ذكر بلفظ الوصية، بأن قال أوصيت لأحد هذين (قوله: فإن كان بلفظ أعطوا) أي فإن كان الموصي معبرا عنه بلفظ أعطوا أحد هذين: صح (قوله: لأنه وصية بالتمليك من الموصى إليه) علة للصحة إذا كان التعبير بلفظ الإعطاء، أي وإنما صح حينئذ لأنه وصية بالتمليك الصادر من الموصى إليه وتمليكه لا يكون إلا لمعين، بخلاف ما إذا كان بلفظ الوصية فإنه تمليك من الموصى وهو لغير معين فلا يصح.
(والحاصل) أن قصده بهذه العلة بيان الفرق بين ما إذا عبر بلفظ الوصية وما إذا عبر بلفظ الإعطاء وحاصله أنه في الأولى تمليك لغير معين وهو لا يصح، وفي الثانية فوض التمليك للموصى إليه والتمليك منه لا يكون إلا لمعين منهما فصح ذلك كما إذا قال الموكل للوكيل بعه لأحد هذين فإنه يصح، والوكيل يعين أحدهما (قوله: وتصح للوارث للموصي(3/239)
مع إجازة الخ) قيده شيخ الإسلام، وتبعه الخطيب في مغنيه بالخاص واحترز به عن العام كما لو أوصى لإنسان من المسلمين معين بالثلث فأقل وكان وارثه بيت المال فإنها تصح ولا تتوقف على إجازة الإمام، ورده في التحفة والنهاية بأن الوارث جهة الإسلام لا خصوص الموصى له فلا يحتاج للإحتراز عنه لأنه ليس بوارث فالوصية وصية لغير وارث، وهي إذا خرجت من الثلث لا تتوقف على إجازة.
والعبرة بكونه وارثا وقت الموت دون وقت الوصية.
فلو أوصى لأخيه ولا ابن له فحدث له ابن قبل موته تبين أنها وصية لغير وارث، أو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي.
فهي وصية لوارث.
وقوله بقية ورثته، أي المطلقين التصرف، فلو لم يجيزوا بطلت.
وكذلك تبطل فيما إذا لم يكن له وارث غير الموصى له، لتعذر إجازته لنفسه.
وإذا كان فيهم محجور عليه بسفه أو صغر أو جنون فلا تصح إجازته، بل إن توقعت أهليته انتظرت، وإلا بطلت.
قال في فتح الجواد.
وإجازتهم هنا وفيما يأتي تنفيذ لصحة الوصية لكونها غير لازمة رعاية لهم، لا ابتداء تمليك، فلا رجوع لهم.
اه.
(قوله: بعد موت الموصي) متعلق بإجازة: أي وإنما تعتبر الإجازة، أي أو
الرد، بعد موت الموصي، وسيأتي محترزه (قوله: وإن كانت الوصية ببعض الثلث إلخ) غاية في اشتراط إجازة بقية الورثة، أي لا بد من إجازتهم ولو كانت الوصية ببعض الثلث، وإن قل جدا، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لا وصية لوارث إلا أن تجيز الورثة رواه البيهقي (قوله: ولا أثر لإجازتهم في حياة الموصي) هو محترز قوله بعد موت الموصي (قوله: إذ لا حق لهم حينئذ) علة لكونه لا أثر لإجازتهم قبل موته، أي وإنما كان لا أثر لذلك لأنهم لاحق لهم حين إذ كان الموصى حيا، وذلك لاحتمال برئه وموته (قوله: والحيلة في أخذه الخ) يعني إذا أراد المورث أن يخص أحد أولاده بشئ بعد موته ويأخذه من غير توقف على إجازة بقية الورثة، فليوص لأجنبي ويعلق الوصية على تبرعه لولده بشئ فإذا مات الموصي وقبل الأجنبي الوصية وتبرع لولده، صحت الوصية، وأخذ الولد ما تبرع به عليه من غير توقف على الإجازة، فهذه حيلة وطريق لأخذ الولد الوارث المال من غير توقف على الإجازة، لأنه في الظاهر ليس من مال المورث، وإنما هو من مال الأجنبي.
وفي الحقيقة هو من مال مورثه، لأنه لو لم يوص للأجنبي لما تبرع ذلك الأجنبي على ولد الموصي (قوله: أن يوصي لفلان) أي الأجنبي (قوله: أي وهو) أي الألف ثلثه أي ثلث مال الموصى فأقل، أي أو أكثر، لكنه يتوقف على الإجازة في الزائد (قوله: إن تبرع) أي فلان الأجنبي، وقوله لولده: أي ولد الموصي (قوله: كما هو ظاهر) راجع لقوله أو بألفين، أي لا فرق في الذي يتبرع به فلان بين أن يكون أقل من الموصى به له أو أكثر (قوله: أخذ الوصية) أي الموصى به ولم يشارك بقية الورثة الابن.
قال في التحفة بعده: ويوجه بأنه لم يحصل له من مال الميت شئ تميز به حتى يحتاج لإجازة بقية الورثة.
اه.
قال البجيرمي، بعد نقله ما ذكر: وعليه فلا يكون من الوصية لوارث إلا أن يقال أنه لما علق وصيته لزيد على ما ذكر جعل كأنه وصية لوارث.
تأمل.
اه.
(قوله: ومن الوصية له الخ) أي ومن معنى الوصية للوارث إبراؤه من دين له عليه وهبته شيئا والوقف عليه، فيتوقف صحة ذلك على إجازة بقية الورثة.
قال ع ش: والكلام في التبرعات المنجزة في مرض الموت أو المعلقة به.
أما ما وقع منه في الصحة فينفذ مطلقا، ولا حرمة، وإن قصد به حرمان الورثة، اه.
(قوله: نعم، لو وقف الخ) هذه الصورة مستثناة من الوقف.
وقوله عليهم، أي على الورثة، وقوله على قدر نصيبهم، متعلق بوقف أي وقف ذلك على قدر نصيبهم، وذلك كمن له ابن وبنت وله دار تخرج من ثلثه فوقف ثلثيها على الابن وثلثها على البنت (قوله: نفذ) أي الوقف.
وقوله من غير إجازة، أي من غير احتياج إلى إجازة بعض الورثة لبعضهم، لأنه لما لم يضر أحد الورثة لم تتوقف الصحة على الإجازة، ولأنه لو وقفها على أجنبي لم تتوقف على إجازتهم، فكذا عليهم (قوله:(3/240)
فليس لهم) أي للورثة الموقوف عليهم.
وقوله نقضه: أي إبطاله، أي الوقف، ولا إبطال شئ منه، لأنه تصرفه في ثلث ماله نافذ (قوله: والوصية) مبتدأ خبره لغو.
وقوله لكل وارث، يخرج به البعض، كما لو كان له ثلاثة بنين فأوصى لواحد منهم معين بثلث ماله فتصح الوصية، لكن تتوقف على إجازة الباقين، فإن أجازها قاسمها في الثلثين الباقيين كما هو ظاهر اه.
سم وقوله بقدر حصته، أي مشاعا.
وقوله كنصف أو ثلث، كأن مات عن أخت وأم فالأولى لها النصف والثانية لها الثلث، فلو وقف داره عليهما بقدر حصتهما صح ذلك (قوله: ولا يأثم بذلك) أي بالوصية المذكورة.
قال في التحفة: لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له، بخلاف تعاطي العقد الفاسد.
اه.
(قوله: وبعين) معطوف على بقدر حصته، أي والوصية لكل وارث بعين هي قدر حصته.
قال سم: فخرج بعض الورثة، لكن حكمه كالكل بالأولى.
اه.
وفي المغني: والدين كالعين فيما ذكر، كما بحثه بعضهم، اه (قوله: صحيحة) خبر المبتدأ المقدر.
وقوله إن أجازا، أي أجاز كل منهما صاحبه، وإنما توقفت صحتها على الإجازة لاختلاف الأغراض في الأعيان (قوله: ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي الخ) وإنما جاز أخذ الواقف الفقير مما وقفه على الفقراء لأن الملك ثم لله فلم ينظر إلا لمن وجد فيه الشرط، وهنا ألحق لبقية الورثة وللميث فلم يعط وارثه.
اه.
تحفة (قوله: كما نص عليه في الأم) أي حيث قال في قول الموصى ثلث مالي لفلان يضعه حيث يراه الله تعالى، أي أو حيث يراه هو أنه لا يأحذ منه لنفسه شيئا ولا يعطي منه وارثا للميث، لأنه إنما يجوز له ما كان يجوز للميث بل يصرفه في القرب التي ينتفع بها الميت، وليس له حبسه عنده ولا إيداعه لغيره، ولا يبقى منه في يده شيئا يمكنه أن يخرجه ساعة من نهار، وفقراء أقاربه أولى، ثم أحفاده، ثم جيرانه، والأشد تعففا وفقرا أولى.
اه.
ملخصا.
وكأنه أراد بأحفاده محارمه من الرضاع لينتظم الترتيب.
اه.
تحفة (قوله: وإنما تصح الوصية إلخ) شروع في بيان الصيغة التي هي أحد الأركان، وهي كل لفظ أشعر بالوصية، وهي تنقسم إلى صريح، وهو ما ذكره بقوله أعطوه كذا الخ، وإلى كناية، وهي ما ذكره بقوله وتنعقد بالكناية، كقوله عينت هذا له الخ (قوله: بأعطوه كذا) أي أو ادفعوا إليه كذا.
(قوله: وإن لم يقل من مالي) غاية في صحة الوصية بأعطوه كذا، أي تصح الوصية بقوله أعطوه كذا، وإن لم يضف إليه من مالي (قوله: أو وهبته الخ) معطوف على أعطوه كذا.
ومثله حبوته أو ملكته أو تصدقت عليه (قوله: أو هو) أي هذا المال مثلا له، أي لزيد مثلا (قوله: بعد موتي في الأربعة) أي هو قيد في الألفاظ الأربعة، أعني قوله أعطوه كذا الخ، ومثل قوله بعد موتي، قوله بعد عيني، أو إن قضى الله علي، وأراد الموت، (قوله: وذلك لأن إضافة كل منها الخ) أي وإنما صحت بهذه الألفاظ المذكورة، مع أنها ليست من مادة الوصية، لأن إضافة كل منها للموت
صيرتها بمعنى الوصية، فاسم الإشارة عائد على كونها صحت بهذه الألفاظ.
ولو زاد قبل إسم الإشارة وهذه الأربعة من الصريح في الوصية وجعل اسم الإشارة عائدا إليه لكان أولى (قوله: وبأوصيت الخ) معطوف على قوله بأعطوه، أي وتصح الوصية بأوصيت له بكذا، وإن لم يضم إليه بعد موتي، (قوله: لوضعها شرعا لذلك) أي لما كان بعد الموت، أي للتمليك الحاصل بعد الموت، وهو تعليل للغاية، أي وإنما صحت بأوصيت مع عدم انضمام بعد موتي إليه لأن هذه الصيغة موضوعة في الشرع لما ذكر (قوله: فلو اقتصر الخ) محترز تقييد الأربعة الألفاظ الأول ببعد الموت.
وقوله على نحو وهبته، أي كحبوته وملكته.
وقوله فهو هبة ناجزة، أي وليست وصية، وإن نواها، وذلك لأنه وجد نفاذا في موضوعه، وهو التمليك المنجز في حال الحياة، فلا يكون كناية في غيره، وهو الوصية.
ثم إن كان في مرض الموت حسب من الثلث، كالوصية، وإن كان في الصحة أو مرض لم يمت فيه فمن رأس المال (قوله: أو نحو على ادفعوا) أي أو اقتصر(3/241)
على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا والمناسب أن يحذف هذا ويقتصر على نحو أعطوه كذا، لأنه هو المذكور في كلامه.
وأما نحو ادفعوا فلم يذكره رأسا، ولعله سرى له من عبارة شيخه في التحفة (قوله: فتوكيل) أي فهو توكيل، والفاء واقعة في جواب لو مقدرة قبل قوله أو على نحو ادفعوا الخ: أي أو لو اقتصر على الخ فهو توكيل.
وقوله يرتفع: أي التوكيل بنحو الموت، كالجنون، فإذا أعطى الوكيل قبل موته صح، وإن كان بعد موته لا يصح، لأنه ينعزل بموت الموكل (قوله: وليست الخ) أي وليست هذه الألفاظ الثلاث، أعني وهبته له، وادفعوا له، وأعطوه كذا، من غير تقييدها ببعد الموت، كناية وصية، وذلك لأنها من الصرائح في بابها، أعني باب الهبة، ووجدت طريقا في استعمالها في موضوعها، فلا تحمل على أنها كناية في غيره، نظير ما سيأتي في قوله، أو على قوله فإقرار، (قوله: أو علي جعلته له) أي أو اقتصر على جعلته له.
(وقوله: احتمل الوصية والهبة) أي فهو صالح لأن يكون وصية وأن يكون هبة.
وجعل الحاوي له من صرائح الوصية غلط (قوله: فإن علمت نيته لأحدهما) أي الوصية أو الهبة، وجواب إن محذوف، أي فيعمل به (قوله: وإلا بطل) أي وإن لم تعلم نيته لواحد منهما بطل اللفظ المذكور (قوله: أو على ثلث مالي للفقراء) أي أو لو اقتصر على قوله ثلث مالي للفقراء.
والمناسب حذف هذا أيضا، لأنه لم يذكر في كلامه سابقا مقيدا حتى يصح قوله فإن اقتصر عليه، أي ذكره من غير تقييد بقوله بعد موتي، ولعله سرى له من عبارة شيخه أيضا (قوله: لم يكن إقرارا) أي للفقراء بثلث ماله.
قال في التحفة.
(فإن قلت) لم لم يكن إقرارا بنذر سابق؟ (قلت) لأن قوله مالي الصريح في بقائه كله على ملكه ينفي ذلك، وإن أمكن تأويله، إذ لا إلزام بالشك.
ومن ثم لو قال ثلث هذا المال للفقراء لم يبعد حمله على ذلك ليصح، لأن كلام المكلف متى أمكن حمله على وجه صحيح من غير مانع فيه لذلك حمل عليه.
اه.
(قوله: ولا وصية) أي ولم يكن وصية، أي لأنه ليس من ألفاظها الصريحة ولا الكناية (قوله: ولا وصية للفقراء) أي صريحة (قوله: قال شيخنا ويظهر أنه كناية وصية) مثله في النهاية (قوله: أو على هو له) أي أو لو اقتصر على قوله هو، أي العبد مثلا، له.
وقوله فإقرار، أي لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه، أي طريقا في استعماله في موضوعه، فلا يحمل على أنه كناية وصية.
ومثله ما لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ، وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص، لأن وقوعه كذلك لا يفيد في صرفه عن كونه صدقة أو وقفا (قوله: فإن زاد من مالي) أي بأن قال هو له من مالي (قوله: فكناية وصية) أي لاحتمال الوصية والهبة الناجزة فافتقر للنية، فلو مات ولم تعلم نيته بطلت، لأن الأصل عدمها.
قال في التحفة: والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي، نظير ما مر، اه (قوله: وصرح جمع متأخرون بصحة قوله) أي الدائن، وهو حينئذ وصية، لأنه علقه بالموت (قوله: ولا يقبل قوله) أي المدين.
وقوله في ذلك، أي أن الدائن قال له أعط الدين لفلان أو فرقة للفقراء.
(وقوله: بل لا بد من بينة به) أي بقول الدائن له ما ذكر نظير ما لو اعترف أن عنده مالا لفلان الميت، وادعى أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا، فإنه لا يصدق إلا ببينة - كما رجحه الغزي وغيره -.
(تنبيه) قال في الأسني: لو قال كل من ادعى بعد موتي شيئا فأعطوه له ولا تطالبوه بالحجة، فادعى اثنان بعد موته بحقين مختلفي القدر ولا حجة، كان كالوصية تعتبر من الثلث، وإن ضاق على الوفاء قسم بينهما على قدر حقيهما.
قاله(3/242)
الروياني.
وفي الأشراف: لو قال المريض ما يدعيه فلان فصدقوه فمات، قال الجرجاني هذا إقرار بمجهول وتعيينه للورثة.
اه.
وقوله إقرار بمجهول، قال في التحفة: فيه نظر، لأن قوله يدعيه تبرؤ منه، ولأن أمره لغيره بتصديقه لا يقتضي أنه هو مصدقه، فلو قيل إنه وصية أيضا لم يبعد.
اه.
وفي سم ما نصه: في فتاوى السيوطي رجل له مساطير على غرماء من عشرين سنة وأكثر وأقل، وأوصى أن من أنكر شيئا مما عليه أو ادعى وفاءه يحلف ويترك، فهل يعمل بذلك والحال أن في الورثة أطفالا؟
(الجواب) نعم، يعمل به خصوصا إذا لم تكن بينة تشهد بما في المساطير فإنها لا تقوم بها حجة الخ.
اه (قوله: وتنعقد) أي الوصية.
وقوله بالكناية، هي التي تحتمل الوصية وغيرها، ومعلوم أن الكناية تفتقر إلى النية.
قال ع ش: وهل يكتفي في النية باقترانها بجزء من اللفظ أو لا بد من اقترانها بجميع اللفظ كما في البيع؟ فيه نظر، والأقرب الأول.
ويفرق بينهما بأن البيع لما كان في مقابلة عوض احتيط له، بخلاف ما هنا.
اه (قوله: كقوله الخ) تمثيل للكناية.
وقوله عينت هذا له أو ميزته له، إنما كان ما ذكر كناية في الوصية لشمول التمييز والتعيين للتمليك بالوصية ولغيره كالإعارة (قوله: أو عبدي هذا له) إنما كان كذلك لاحتمال أن يكون المراد موصى به له أو عارية له (قوله: والكتابة كناية) أي الوصية بالكتابة كناية، وإن كان المكتوب صريحا (قوله: فتنعقد) أي الوصية.
وقوله بها، أي الكتابة.
وقوله مع النية، أي نية الوصية، فإذا كتب لزيد كذا ونوى به الوصية صح ذلك وكان وصية (قوله: ولو من ناطق) غاية للانعقاد بالكتابة مع النية (قوله: إن اعترف الخ) قيد للانعقاد بها من الناطق، أي لا تنعقد بها منه إلا إن اعترف بالنية نطقا، بأن قال نويت بها الوصية لفلان، وخرج بالناطق، غيره، كمن اعتقل لسانه، فلا يشترط الاعتراف منه بذلك، لتعذه، بل يكفي منه - في صحة الوصية - الكتابة مع النية الإشارة أيضا كالبيع.
وروي أن أمامة بنت أبي العاصي أصمتت، فقيل لها لفلان كذا ولفلان كذا؟ فاشارت أن نعم.
فجعل ذلك وصية (قوله: ولا يكفي) أي عن الاعتراف بالنية نطقا هذا خطي وما فيه وصيتي، إذ مجرد الكتابة لا يلزم منه النية.
وفي الروض وشرحه، فلو كتب أوصيت لفلان بكذا وهو ناطق وأشهد جماعة أن الكتابة خطه وما فيه وصية ولم يطلعهم عليه، أي على ما فيه، لم تنعقد وصيته، كما لو قيل له أوصيت لفلان بكذا؟ فأشار أن نعم.
اه (قوله: وتصح) أي الوصية، وهو دخول على المتن.
(وقوله: بالألفاظ المذكورة) أي الصريحة والكناية.
(وقوله: من الموصي) متعلق بمحذوف صفة للألفاظ المذكورة، أي الألفاظ الصادرة من الموصي (قوله: مع قبول موصى له) أي باللفظ، ولا يكفي الفعل، وقيل يكفي.
وعبارة التحفة، قال الزركشي ظاهر كلامهم أن المراد القبول اللفظي، ويشبه الاكتفاء بالفعل، وهو الأخذ، كالهداية.
اه.
وسبقه إليه القمولي فقال في الرهن يكفي التصرف بالرهن ونحوه، وكلاهما ضعيف.
والفرق بين هذا والهداية ونحو الوكيل واضح، إذ النقل للإكرام الذي استلزمته الهدية عادة يقتضي عدم الاحتياج للفظ في القبول، ولا كذلك هنا.
ونحو الوكالة لا يقتضي تملك شئ فلا يشبه ما هنا، وإنما يشبهه، أي ما هنا، الهبة، وهي لا بد فيها من القبول لفظا.
اه (قوله: معين) خرج به الجهة، كالفقراء والمساكين.
(وقوله: محصور) خرج به المعين غير المحصور، كالعلويين، فلا يشترط القبول منهم فيما إذا أوصى لهم (قوله: إن تأهل) أي إن كان أهلا للقبول
(قوله: وإلا فنحو وليه) أي وإن لم يتأهل بأن كان صبيا أو مجنونا، فالمعتبر قبول نحو وليه كسيده أو ناظر المسجد على الأوجه، بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول لأنها تشبه الجهة العامة.
ولو كانت الوصية للمعين بالعتق، كاعتقوا هذا بعد موتي، سواء قال عني أم لا، لم يشترط قبوله، لأن فيه حق مؤكدا لله تعالى، فكان كالجهة العامة، وكذا المدبر، بخلاف أوصيت له برقبته، لاقتضاء هذه الصفة القبول.
اه.
تحفة (قوله: بعد موت موص) متعلق بمحذوف(3/243)
صفة لقبول، أي قبول كائن بعد موت الموصي، فالمعتبر في القبول أن يكون بعد الموت فلا عبرة به قبله، كما سيذكره، قال في المنهج وشرحه، فإن مات الموصى له لا بعد موت الموصي، بأن مات قبله أو معه، بطلت الوصية، لأنها ليست لازمة ولا آيلة إلى اللزوم.
ولو مات بعده وقبل القبول أو الرد خلفه الوارث في ذلك.
اه (قوله: ولو بتراخ) غاية في اشتراط القبول بعد موت الموصي: أي يشترط القبول بعده ولو مع تراخ، وإنما لم يشترط الفور، لأنه إنما يشترط في العقود التي يشترط فيها ارتباط القبول بالإيجاب.
قال في التحفة: نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة، فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل، أو متأولا قام القاضي مقامه.
اه.
وقال سم: حاصل ما في شرح البهجة وغيره عن الرافعي، وهو المعتمد عند م ر، فيما لو أوصي لصبي أو وهب له فلم يقبل الولي أن للصبي إذا بلغ قبوله الوصية دون الهبة.
اه (قوله: فلا يصح القبول الخ) محترز قوله بعد موت موص.
وقوله كالرد، الكاف للتنظير (قوله: قبل موت الموصي) أي ولا معه (قوله: لأن للموصي إلخ) علة لعدم صحة القبول كالرد قبل موت الموصي، أي وإنما لم يصح حينئذ لأن للموصي الرجوع في وصيته ما دام حيا فلا يكون للموصى له حق حينئذ (قوله: فلمن رد قبل الموت القبول بعده) ومثله العكس، فلمن قبل قبل الموت الرد بعده (قوله: ولا يصح الرد بعد القبول) عبارة التحفة: نعم القبول بعد الرد لا يفيد، وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده على المعتمد.
اه (قوله: ومن صريح الرد الخ) مرتب على محذوف، وهو أنه لا بد في الرد من لفظ يدل عليه صريح أو كناية ومن الصريح كذا الخ.
(وقوله: رددتها أو لا أقبلها) أي أو أبطلتها أو ألغيتها (قوله: ومن كنايته لا حاجة لي بها) أي أو هذه لا تليق بي، فإن نوى الركد بها ثبت وإلا فلا.
(قوله: ولا يشترط القبول في غير معين) أي بأن كان جهة، أي أو معين لكنه غير محصور كالعلويين كما تقدم، وذلك لتعذره منهم.
ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا، بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجب التسوية بينهم (قوله: بل تلزم بالموت) أي بل تلزم الوصية بموت الموصي، والإضراب انتقالي، وهو يفهم أن غير المحصورين لو ردوا لم ترد
للزومها بالموت (قوله: ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم) أي من الفقراء، أي لكونهم غير محصورين.
قال ع ش: أما المحصورون فيجب استيعابهم والتسوية بينهم.
ومنه ما وقع السؤال عنه في الوصية لمجاوري الجامع الأزهر فتجب التسوية بينهم لانحصارهم لسهولة عدهم، لأن أسماءهم مكتوبة مضمونة، فيما يظهر، ويحتمل خلافه.
اه (قوله: وإذا قبل الوصي له بعد الموت بأن الخ) أي وإن رد بان أنه ملك للوارث، فإن لم يقبل ولم يرد خيره الحاكم بينهما، فإن أبى حكم عليه بالإبطال: كمتحجر امتنع من الأحياء.
وعبارة متن المنهاج مع شرح الرملي: وهل يملك الموصى له المعين الموصى به الذي ليس بإعتاق بموت الموصي أم بقبوله أم الملك موقوف.
ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه عقب الموت بشئ.
(فإن قيل) بان أنه ملك بالموت، وإلا بأن لم يقبل بأن رد بان أنه ملك للوارث من حين الموت؟ أقوال، أظهرها الثالث، لأنه لا يمكن جعله للميت فإنه لا يملك، ولا للوارث فإنه لا يملك إلا بعد الوصية والدين، ولا للموصى له، وإلا لما صح رده، كالإرث، فتعين وقفه.
وعليها، أي على الأقوال الثلاثة، تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول، وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ ونفقته وفطرته وغيرهما من المؤن، فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران، وعلى الثاني لا، ولا قبل القبول، بل للوارث، وعليه وعلى المعتمد هي موقوفة، فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران، وإلا فلا، وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث، وليست من التركة، فلا يتعلق بها دين، ويطالب الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده.
اه.
بتصرف.
وقوله أي بالقبول، تفسير للضمير، ولو قال بان بالقبول لكان أخصر.
وقوله الملك، فاعل بان.
وقوله له، أي للموصى له.
وقوله في الموصى به، ظرف لغو متعلق بالملك أو مستقر متعلق بمحذوف صفة له، أي(3/244)
الملك الثابت في الموصى به.
وقوله من الموت متعلق بالملك (قوله: فيحكم الخ) مرتب على تبين الملك من الموت، أي وإذا تبين ملكه للموصى به فيتبعه الفوائد الحاصلة منه كالثمرة والكسب فيملكها الموصى له، وعليه المؤن والفطرة.
(قوله: بترتب أحكام الملك) أي عليه، فالمتعلق محذوف.
وقوله حينئذ، أي حين إذ بان الملك له (قوله: من وجوب نفقة الخ) بيان لأحكام الملك (قوله: والفوز إلخ) أي ومن الفوز بالفوائد الحاصلة من الموصى به حين الموت، ككسب وثمرة (قوله: وغير ذلك) أي من بقية المؤن ككسوة وثمن دواء (قوله: لا تصح الوصية إلخ) شروع في بيان حكم الوصية بالزائد على الثلث وحكم التبرعات في المرض (قوله: في وصية) الأولى الاقتصار على ما قبله وحذف هذا، لأن ذكره
يورث ركاكة، إذ المعنى عليه لا تصح الوصية في وصية الخ (قوله: وقعت في مرض مخوف) التقييد به يقتضي صحة الوصية في الزائد على الثلث في غير المرض المخوف وإن رده وارث خاص، وليس كذلك، إذ لا فرق في عدم الصحة حينئذ بين أن يوصي في حالة الصحة أو في حالة المرض المخوف وغيره.
وعبارة المنهج والمنهاج، ليس فيها التقييد بما ذكر، فالصواب إسقاطه (قوله: لتولد الموت) بيان لضابط كونه مخوفا، وسيبين أفراده.
وقوله عن جنسه، أي ذلك المرض.
وقوله كثيرا، أي بأن لا يندر تولد الموت عنه، وإن لم يغلب الموت به.
اه.
ع ش (قوله: إن رده) أي الزائد، وهو قيد في عدم الصحة.
وقوله وارث خاص، أي حائز، فان لم يكن الوارث خاصا، بل كان عاما، كبيت المال، بطلت ابتداء في الزائد لعدم تأتي الإجازة منه لأن الحق فيه لجميع المسلمين، أو كان خاصا لكنه غير حائز، كأخوين رد أحدهما وأجاز الآخر، بطلت في قدر حصته من الزائد، كما سيصرح به في قوله ولو أجاز بعض الورثة الخ.
(قوله: مطلق التصرف) أي بأن لا يكون محجورا عليه بسفه أو صغر أو جنون (قوله: لأنه حقه) أي لأن الزائد حق الوارث، وهو علة لعدم الصحة عند الرد، أي وإنما لم تصح الوصية في الزائد إن رده وارث خاص، لأن ذلك الزائد حقه، أي مستحق له، فله أن يرد وله أن يجيز (قوله: فإن كان) أي ذلك الوارث الخاص.
(وقوله: غير مطلق التصرف) أي بأن كان صغيرا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه.
(وقوله: فإن توقعت أهليته) أي بالبلوغ أو الإفاقة أو الرشد.
(وقوله: عن قرب) قيد به في فتح الجواد ولم يقيد به في التحفة والنهاية والمغني وغيرها من الكتب التي بأيدينا، بل اقتصرروا على توقع الأهلية.
وعبارة المغني: ومقتضى إطلاقهم أن الأمر يوقف على تأهل الوارث، وهو كذلك إن توقعت أهليته، وإن خالف في ذلك بعض المتأخرين.
قال شيخي رحمه الله: لأن يد الوارث عليه، فلا ضرر عليه في ذلك.
اه.
وقوله وقف، أي ذلك الزائد، أي الحكم فيه.
وقوله إليها أي إلى الأهلية (قوله: وإلا) أي وإن لم تتوقع أهليته عن قرب، بأن لم تتوقع أهليته رأسا كمن به جنون مستحكم أيس من برئه بغلبة الظن بأن شهد بها خبيران، أو توقعت لا عن قرب.
وقوله بطلت، أي الوصية في الزائد فقط، فإن برئ وأجاز بان نفوذها (قوله: ولو أجاز بعض الورثة الخ) محترز قيد ملحوظ في المتن، وهو كونه حائزا، كما أشرت إليه، (قوله: صح) أي المذكور من الوصية، ولو قال صحت، بالتاء، لكان أولى (قوله: وإن أجاز الخ) مقابل قوله في المتن إن رده وارث، والأنسب التفريع وتقديمه على قوله ولو أجاز بعض الورثة.
(وقوله: الوارث الأهل) أي للتصرف، والمقام للإضمار، إلا أنه أظهر لئلا يعود الضمير لو أضمر على أقرب مذكور، وهو بعض الورثة، (قوله: فإجازته الخ) الأنسب بالمقابلة أن يقول فتصح الوصية في الزائد ثم يقول وإجازته الخ.
(وقوله: تنفيد
للوصية بالزائد) أي إمضاء للزائد الذي تصرف فيه الموصي بالوصية، إذ تصرفه صحيح بشرط الإجازة.
فإذا وجدت كانت إمضاء فقط، نظير بيع الشخص المشفوع فإنه صحيح بشرط إجازة الشفيع، فإذا أجاز كانت إجازته إمضاء لتصرف(3/245)
الشريك في الشخص وهذا هو الأصح.
ومقابله يقول إنها عطية مبتدأة من الوارث، والوصية بالزائد لغو، لنهيه - صلى الله عليه وسلم - سعد بن أبي وقاص عن الوصية بالنصف وبالثلثين.
رواه الشيخان.
ويترتب على الخلاف المذكور أنه إن قلنا بالأول فليس للمجيز الرجوع قبل القبض ولا يحتاج إلى لفظ هبة ولا تجديد قبول وقبض وتنفذ من المفلس، وإن قلنا بالثاني كان له الرجوع في الزائد قبل القبض ويحتاج إلى ما ذكر من لفظ الهبة وتجديد وقبول وقبض ولا تنفذ من المفلس، ويترتب على ذلك أيضا أن الزوائد الحاصلة بعد الموت تكون للموصى له على الأول لا للوارث، وعلى الثاني بالعكس.
ويترتب عليهما أنه لا بد من معرفة الوارث قدر الزائد على الثلث وقدر التركة إن كانت الوصية بمشاع، لا معين فلو جهل أحدهما لم يصح - كالإبراء من المجهول - ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حلف أنه لا يعلم ونفذت فيما ظنه فقط، أو بمعني لم يقبل: أفاده ابن حجر (قوله: والمخوف الخ) إن كان مراده بهذا تعداد أفراد المرض المخوف المذكور آنفا في كلامه فلا يناسب ذلك ذكره من جملة ذلك طلق الحامل والتحام القتال وما بعده، لأن ما ذكر ليس من المرض المخوف.
وإن كان مراده تعداد أفراد المخوف مطلقا كان سواء مرضا أو غيره، فلا يناسب تقييده المرض فيما سبق بالمخوف، إذ علمت ذلك فكان الأولى أن يعد أفراد المرض المخوف ثم يقول ويلحق بذلك ترك الحامل وحالة التحام القتال ونحوهما، كما في المنهاج، فتنبه (قوله: كإسهال الخ) لم يذكر حد المخوف لطول الاختلاف فيه بين الفقهاء، فقيل هو كل ما يستعد بسببه للموت بالاقبال على العمل الصالح، وقيل كل ما اتصل به الموت، وقال الماوردي وتبعاه كل ما لا يتطاول بصاحبه معه الحياة، وقالا عن الإمام وأقراه ولا يشترط في كونه مخوفا غلبة حصول الموت به بل عدم ندرته، كالبرسام الذي هو ورم في حجاب القلب أو الكبد يصعد أثره إلى الدماغ، وهو المعتمد، وإن نازع فيه ابن الرقعة، فعلم أنه ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء.
اه.
تحفة.
وقوله متتابع، أي أياما، لأنه حينئذ ينشف رطوبات البدن، وكذا نحو يومين وانضم إليه إعجال ومنع نوم أو عدم استمساك أو خروج طعام غير مستحيل أو معه وجع وشدة، ويسمى الزحير أو دم من عضو شريف ككبد.
اه.
فتح الجواد.
(قوله: وخروج طعام الخ) معطوف على إسهال، أي وكخروج طعام بشدة ووجع أو مع دم فهو من المخوف ولو لم يصحبه
إسهال، كما صرح به الأطباء، لكن بشرط أن يتكرر تكرارا يفيد سقوط القوة.
وذهب بعضهم إلى أنه يشترط أن يصحبه إسهال ولو غير متواتر، ونظر فيه في التحفة والنهاية (قوله: من عضو شريف) متعلق بمحذوف صفة لدم، أي دم كائن من عضو شريف.
وقوله كالكبد تمثيل للعضو الشريف (قوله: دون البواسير) أي دون خروجه من البواسير، أي فلا يكون مخوفا (قوله: أو بلا استحالة) معطوف على قوله بشدة، أي أو خروج الطعام بلا استحالة، أي غير مستحيل لزوال القوة الماسكة، فيكون مخوفا (قوله: وحمى) عطف على إسهال، أي وكحمى مطبقة، بكسر الباء أشهر من فتحها، وهي الملازمة التي لا تبرح لأن إطباقها يذهب القوة التي هي قوام الحياة.
قال في شرح الروض، ومحل كونها مخوفة إذا زادت على يوم أو يومين.
اه.
وكالحمي المطبقة حمى الورد، بكسر الواو، وهي التي تأتي كل يوم، وحمى الثلث، بكسر الثاء، وهي التي تأتي يومين وتقلع يوما، لا حمى الربع، بكسر الراء، وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين، لأن المحمول يأخذ قوة في يومي الإقلاع (قوله: وكطلق حامل) عطف على كإسهال، وأعاد العامل إشارة إلى أنه نوع آخر من المخوف غير الذي تقدم.
وخرج بالطلق، نفس الحمل، فليس بمخوف ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه، لأنه ليس بمرض.
قال في الروض وشرحه: ويمتد خوفه، أي الطلق، إلى انفصال المشيمة، وهي التي تسميها النساء الخلاص، أو إلى زوال ما حصل بالولادة فيما لو انفصلت، أي المشيمة، وحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد أو ورم.
اه.
(قوله: وان تكررت ولادتها) غاية المقدر، أي هو من المخوف، وإن تكررت ولادة صاحبة الطلق (قوله: لعظم خطره) أي الطلق، وهو علة لذلك المقدر المار آنفا (قوله: ومن ثم) أي من أجل عظم خظره كان موتها من الطلق يعد شهادة (قوله: وبقاء(3/246)
مشيمة) معطوف على طلق، أي وكبقاء مشيمة - وهي المسماة بالخلاص - إلى الوضع، فإذا انفصلت زال الخوف ما لم يبق بعده جرح أو ضربان شديد أو ورم، وإلا فلا يزول الخوف إلا بعد زواله.
ومثله موت الجنين في جوفها (قوله: والتحام قتال) معطوف على طلق، أي وكالتحام قتال، فهو من المخوف، وعبارة المنهاج، والمذهب، أنه يلحق بالمخوف أسر كفار اعتادوا قتل الأسرى والتحام قتال بين متكافئين وتقديم لقصاص أو رجم واضطراب وهيجان موج في راكب سفينة.
اه.
وخرج بالتحام، قتال ليس فيه التحام، وإن تراميا بالنشاب، فهو ليس من المخوف.
(وقوله: بين متكافئين) أي بين اثنين أو حزبين متكافئين، أي أو حزبي التكافؤ.
وخرج به ما إذا عدم التكافؤ، كمسلمين وكافر، فلا يكون التحام القتال فيه من المخوف (قوله: واضطراب ريح) يلزم منه هيجان الموج، فمن جمع بينهما، كالمنهاج، أراد
التأكيد.
وعبارة الروض وشرحه، وهيجان البحر بالريح، بخلاف هيجانه بلا ريح.
اه (قوله: وإن أحسن الخ) غاية المقدر: أي أن اضطراب الريح من المخوف في حق راكب السفينة وإن أحسن السباحة وقرب من البر.
ومحله حيث لم يغلب على ظنه السلامة والنجاة من ذلك.
كما في النهاية (قوله: وأما زمن الخ) الأولى حذف أما وعطف ما بعدها على طلق حامل، إذ ليس لها مقابل ومحمل في كلامه، وعبارة النهاية، ويلحق بالمخوف أشياء كالوباء والطاعون، أي زمنهما، فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث، لكن قيده في الكافي بما إذا وقع في أمثاله.
وهو حسن، كما قاله الأذرعي، وهل يقيد به إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء أو الخروج منها لغير حاجة، أو يفرق؟ فيه نظر، وعدم الفرق أقرب، وعموم النهي يشمل التحريم مطلقا اه.
وقوله وعدم الفرق، أي بين تقييد حرمة الخروج بمن وقع في أمثاله وبين تقييد إلحاق المخوف بمن وقع في أمثاله.
وقوله أقرب، أي فيقيد بما إذا وقع في أمثاله.
(وقوله: يشمل التحريم مطلقا) أي فيشمل أمثاله وغيرهم، لكن التقييد أقرب كما قدمه، اه.
ع ش.
وفي شرح الروض، قال ابن الأثير: الطاعون المرض العام، والوباء يحصل بفساد الهواء فتفسد منه الأمزجة فجعل الوباء قسما من الطاعون، وبعضهم فسر الطاعون بغير ذلك، ولعله أنواع، وقيل الوباء المرض العام، وقيل الموت الذريع، أي السريع، اه (قوله: وينبغي لمن ورثته الخ) أي يطلب ذلك على سبيل الندب على المعتمد من كراهة الوصية بالزائد، وعلى سبيل الوجوب على مقابله، وإنما طلب ذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين عاده في مرضه وقال له أوصي بمالي كله؟ قال.
لا.
قال بثلثيه؟ قال: لا.
قال: بثلثه؟ قال: الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ويجوز في الثلث الأول الرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف، أي كافيك، أو على أنه فاعل لفعل محذوف، أي يكفيك، والنصب على أنه مفعول لفعل محذوف، أي أعط الثلث.
وأما الثلث الثاني فيتعين رفعه، لأنه مبتدأ خبره كثير.
وأن تذر، بفتح الهمزة، على أنه مؤول بمصدر من معناه مبتدأ خبره خير، والجملة خبر إن، والتقدير إنك تركك ورثتك أغنياء خير من تركك إياهم عالة، أي فقراء لأن العالة جمع عائل، وهو الفقير، ومعنى يتكففون الناس يمدون أكفهم لسؤال الناس.
ولقوله عليه الصلاة والسلام: أن الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم رواه ابن ماجة.
ثم إن الاعتبار في كون الموصى به ثلث المال بيوم الموت لا بيوم الوصية، فلو أوصى بثلث ماله وتلف ثم كسب مالا أو لم يكن له مال ثم كسبه لزم الوارث إخراج الثلث، ولا تنفذ الوصية إلا في الثلث الفاضل بعد وفاء الدين أو سقوطه عنه، فلو كان عليه دين مستغرق لم تنفذ الوصية في شئ، لكنها تنعقد حتى لو أبرأه
الغريم أو قضى عنه الدين من أجنبي أو من وارث نفذت الوصية في الثلث، كما جزم به الرافعي وغيره، ولو أوصى بالثلث وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين، وكلما نص من الدين شئ دفع له ثلثه.
ولو أوصى بشئ هو ثلث ماله وباقيه غائب لم يتسلط الموصى له على شئ منه حالا لاحتمال تلف الغائب لا يقال كان يتسلط على ثلث الحاضر، لأنه يستحقه، سواء تلف الغائب أم لا، لأنا نقول تسلط الموصى له على شئ من الوصية متوقف على تسلط الوارث على(3/247)
مثليه، والوارث لا يتسلط على ثلثي الحاضر، لاحتمال سلامة الغائب (قوله: والأحسن أن ينقص منه شيئا) أي خروجا من خلاف من أوجب ذلك ولأنه - صلى الله عليه وسلم - اسكثر الثلث، وهذا كالاستدراك على مفهوم مقابله، إذ مفهومه استواء الوصية لثلث فأقل في الحسن، فدفعه بقوله والأحسن الخ.
قال زي قوله والأحسن، هذا ما رجحه في الروضة لكن قال في الأم إذا ترك ورثته أغنياء اخترت أن يستوعب الثلث، وإذا لم يدعهم أغنياء كرهت له أن يستوعب الثلث.
ونقله في شرح مسلم عن الأصحاب.
اه.
اسعاد.
اه (قوله: ويعتبر منه أي الثلث أيضا) أي كما تعتبر الوصية منه، وفيه أنه لم يتقدم منه أن الوصية تعتبر من الثلث حتى يحيل عليه ما هنا بقوله أيضا ويمكن أن يقال أنه تقدم منه ذلك بطريق المفهوم: إذ قوله لا تصح الوصية في زائد على ثلث يفهم أنها تصح في الثلث وتعتبر منه.
تأمل.
(واعلم) أنه إذا اجتمعت تبرعات متعلقة بالثلث وضاق عنها الثلث، فإن تمحضت عتقا، سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت، فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى أعتقت سالما فغانما فبكرا، أو قال في الثانية إذا مت فسالم حر ثم غانم ثم بكر، أو قال اعتقوا بعد موتي سالما ثم غانما ثم بكرا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، وما زاد يتوقف على إجازة الورثة، وإن لم تكن مرتبة، كأن قال في المنجزة أعتقتكم أو أنتم أحرار أو قال في المعلقة إذا مت فأنتم أحرارا أو فسالم وغانم وبكر أحرار أقرع بينهم، فمن خرجت قرعته عتق منه ما يفي بالثلث ولا يعتق من كل بعضه حذرا من التشقيص، لأن المقصود من العتق تخليص الرقبة من الرق.
وإن كان منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق، لأن المنجز لازم لا يمكن الرجوع فيه، بخلاف المعلق وإن تمحضت غير عتق سواء كانت منجزة أو معلقة بالموت أيضا.
فإن كانت مرتبة فيهما، كأن قال في الأولى تبرعت لزيد بكذا ثم تبرعت لعمرو بكذا وهكذا، أو قال في الثانية اعطوا لزيد كذا بعد موتي ثم اعطوا عمرا كذا بعد موتي وهكذا قدم أول فأول إلى تمام الثلث، ويتوقف ما زاد على إجازة الورثة، وإن وجدت دفعة منه أو من وكلائه كأن قال في المنجزة لجمع عليهم ديون له أبرأتكم أو تصدق أحد وكلائه ووهب آخر ووقف آخر كلهم معا،
وكأن قال في المعلقة أوصيت لزيد بكذا ولعمرو بكذا ولبكر بكذا، أو إن مت فأعطوا زيدا كذا وعمرا كذا وبكرا كذا قسط الثلث على الجميع كما تقسط التركة بين أرباب الديون عند ضيقها عن الوفاء بها كلها، فإذا أوصى لزيد بمائة ولعمرو بخمسين ولبكر بخمسين وثلث المال مائة فقط فلزيد خمسون ولكل من عمرو وبكر خمسة وعشرن وإن كان البعض منجزا والبعض معلقا قدم المنجز على المعلق (قوله: عتق علق بالموت) أي ولو مع غيره، كأن قال إن مت ودخلت الدار فأنت حر فيشترط دخوله بعد الموت، إلا أن يريد الدخول قبله فيتبع، وقيل لا فرق بين تقدم الدخول وتأخره، والأول أصح، كما في شرح م ر في كتاب التدبير (قوله: في الصحة أو المرض) متعلق بعلق، وهو تعميم في التعليق، أي لا فرق فيه بين أن يقع في حال الصحة أو المرض (قوله: وتبرع الخ) معطوف على عتق، أو ويعتبر من الثلاث تبرع نجز في مرضه، أي الموت، ثم إن الموجود في النسخ الواو من قوله وتبرع من المتن، وقوله تبرع، أي كوقف من الشرح، وهو لا يصح، فإما أن يكون كله من المتن، كما في المنهج، أو كله من الشرح ويكون دخولا على المتن (قوله: كوقف الخ) أي وعتق لغير مستولدته، أما لها فهو من رأس المال، كما سيذكره، وكعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك، فيعتبر من الثلث أجرة الأولى وثمن الثانية وإن باعها بأضعاف ثمن مثلها، لأن تفويت يدهم كتفويت ملكهم.
أفاده في التحفة والنهاية (قوله: وهبة) أي كأن وهب عينا عنده لآخر في مرض موته فتعتبر من الثلث (قوله: وإبراء) أي كأن أبرأ الدائن في مرض موته المدين من الدين الذي عليه فيعتبر من الثلث (قوله: ولو اختلف الوارث الخ) هذا مندرج في قوله الآتي ولو اختلف في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض الخ، فالمناسب والأولى أن يؤخره عن قوله ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض، ويزيد لفظ أقبض بعد أداة الاستفهام، بأن يقول هل أقبض في الصحة أو في المرض؟ كما هو صريح في فتح(3/248)
الجواد، وعبارته مع الأصل، وإقباض هبة، أي موهوب في المرض وإن وهب في الصحة اعتبارا بحالة القبض لتوقف الملك عليه، ولو اختلف الوارث والمتهب، هل أقبض في الصحة أو المرض؟ صدق المتهب بيمينه، لأن العين في يده.
وقضيته أنها لو كانت في يد الوارث صدق، وهو محتمل.
اه.
ومثله في التحفة إلا أن فيها زيادة قوله الآتي ولو اختلفا في وقوع التصرف الخ، ونصها، وهبة في صحة وإقباض في مرض باتفاق المتهب والوارث وإلا حلف المتهب، لأن العين في يده الخ (قوله: هل الهبة) أي المقبوضة بدليل ما بعده (وقوله: في الصحة) أي وقعت في حال الصحة، وهذه دعوى المتهب لأجل حسبانها من رأس المال.
(وقوله: أو في المرض) أي أو وقعت في حال المرض، وهذه دعوى الوارث
لأجل حسبانها من الثلث (قوله: وصدق المتهب) أي في أنها وقعت الهبة في حال الصحة (قوله: لأن العين في يده) أي المتهب، وهو تعليل لتصديق المتهب.
قال في التحفة، ومثله في النهاية، وقضيته أنها لو كانت بيد الوارث وادعى المتهب أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية صدق الوارث، وهو محتمل.
اه (قوله: ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض) هذه الصورة غير صورة المتن، لأن تلك وقع فيها الهبة والقبض في حال المرض (قوله: اعتبر من الثلث) أي اعتبر ما أقبضه في حال المرض من الثلث كصورة المتن، لأن الهبة لا تملك إلا بالقبض، فلا أثر لتقدم الهبة (قوله: أما المنجز في صحته الخ) محترز قوله نجز في مرضه.
(وقوله: فيحسب من رأس المال) أي لا من الثلث فقط (قوله: كحجة الإسلام) الكاف للتنظير، أي نظير حجة الإسلام، فإنها تحسب من رأس المال.
سواء أوصى بها أم لا، إلا إن قيد بالثلث فمنه عملا بتقييده وفائدته مزاحمة الوصايا (قوله: وعتق المستولدة) أي وكعتق المستولدة فإنه يحسب من رأس المال لو نجز في مرض الموت ويكون حينئذ مستثنى من التبرع المنجز في المرض.
وفي المغني بعد قول المنهاج ويعتبر من الثلث تبرع نجز في مرضه ما نصه، وخرج بتبرع ما لو استولد في مرض موته، فإنه ليس تبرعا، بل إتلاف واستمتاع، فهو من رأس المال، وبمرضه تبرع نجز في صحته، فيحسب من رأس المال، لكن يستثنى من العتق في مرض الموت عتق أم الولد إذا أعتقها في مرض موته فإنه ينفذ من رأس المال، كما سيأتي في محله، مع أنه تبرع نجز في المرض.
اه.
(قوله: ولو ادعى الوارث إلخ) أي لو اختلف الوارث والمتبرع عليه في أنه مات المتبرع في المرض الذي تبرع فيه أو في غيره مع اتفاقهما على أن التبرع واقع في حال مرض، فقال الوارث إنه مات في مرض التبرع، وقال المتبرع عليه إنه شفي من مرضه الذي تبرع فيه ومات من مرض آخر أو فجأة، ففيه تفصيل، فإن كان المرض الذي تبرع فيه مخوفا صدق الوارث، وإلا فالثاني (قوله: أو فجأة) عطف على قوله من مرض آخر (قوله: وإلا فالآخر) أي وإن لم يكن مخوفا صدق المتبرع عليه، وذلك لأن غير المخوف بمنزلة الصحة (قوله: ولو اختلفا) أي الوارث والمتبرع عليه، وعبارة التحفة، عقب قوله وإلا فالآخر، أي لأن غير المخوف بمنزلة الصحة، وهما لو اختلفا في وقوع التصرف فيها أو في المرض صدق المتبرع عليه، لأن الأصل دوام الصحة.
اه.
فلو صنع المؤلف مثل صنعها لكان أولى (قوله: لأن الأصل دوام الصحة) أي استمرار الصحة، فالتصرف واقع فيها (قوله: فإن أقاما) أي الوارث والمتبرع عليه.
(وقوله: بينتين) أي تشهد كل بينة بمدعى من أقامها (قوله: قدمت بينة المرض) أي لأنها ناقلة وبينة الصحة مستصحبة، وتلك مقدمة عليها (قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو أوصى لجيرانه) أي أو لجيران المسجد (قوله: فلأربعين دارا من كل جانب) أي
فتعطى الوصية لأربعين دارا من كل جانب من الجهات الأربع، وذلك لخبر حق الجوار أربعون دارا هكذا وهكذا(3/249)
وهكذا وهكذا - وأشار قداما وخلفا، ويمينا وشمالا رواه أبو داود وغيره مرسلا، وله طرق تقويه فجملة ذلك مائة وستون دارا وفي سم ما نصه: الوجه الوجيه الذي لا يتجه غيره أن هذا جرى على الغالب من أن للدار جوانب أربعا، وأن ملاصق كل جانب دار واحدة، فلو كانت الدار مثمنة مثلا ولاصق كل ثمن دار اعتبر أربعون من كل ثمن، ولو لم يلاصق إلا داران فقط، بأن اتسعت مسافة الملاصق فعمت إحدى الدارين جهتين من جهاتها الأربع، والأخرى الجهتين الباقيتين، اعتبر أربعون من أحد الملاصقتين وأربعون أخرى من الملاصقة الأخرى فتكون الجملة ثمانين فقط، كما ذكر، لكن لو لاصق كل دار من هاتين الدارين دور كثيرة، بأن اتسعت مسافة الدارين وضاقت مسافة ملاصقهما من الدور فهل يعتبر مع كل واحدة من الدارين تسعة وثلاثون على الامتداد من كل ملاصقة لها، أو لا يعتبر إلا تسعة وثلاثون فقط مما بعد كل من المتبعتين على الامتداد؟ فيه نظر.
والمتجه الأول.
اه.
ملخصا.
وقال في التحفة: ويجب استيعاب المائة والستين إن وفى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول، وإلا قدم الأقرب.
اه (قوله: فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها) في العبارة حذف، وهو، فيقسم المال على عدد الدور، ثم يقسم حصة كل دار على عدد سكانها.
وعبارة التحفة: ويقسم المال على عدد الدور، ثم ما خص كل دار على عدد سكانها، أي يحق عند الموت فيما يظهر فيهما، سواء في ذلك المسلم والغني والحر والمكلف وضدهم اه.
(قوله: أو للعلماء) عطف على قوله لجيرانه، أي أو أوصى للعلماء وهم الموصوفون بأنهم أصحاب علوم الشرع يوم الموت، لا وقت الوصية، وهي ثلاثة: الحديث، والتفسير، والفقه.
فلو عين علماء بلدة مثلا ولا عالم فيهم يوم الموت بطلت الوصية، لكن قال سم: قد يتجه أن محله ما لم يوجد بتلك البلد علماء بغير العلوم الثلاثة، وإلا حمل عليهم، كما لو أوصى بشاة ولا شاة له وعنده ظباء تحمل الوصية عليها.
اه.
(قوله: فلمحدث) أي فيصرف الموصى به لمحدث وقوله يعرف الخ، بيان لضابط المحدث.
قال في المغني، والمراد به أي بعلم الحديث، معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وعليله وسقيمه وما يحتاج إليه، وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد.
اه.
وقوله قوة: منصوب على التمييز: أي من جهة القوة.
وقوله أو ضدها أي ضد القوة وهو الضعف.
وقوله والمروي، معطوف على الراوي أي ويعرف حال المروي من جهة الصحة وضدها (قوله: ومفسر) معطوف على محدث، أي ويصرف أيضا لمفسر.
قال في المغني:
التفسير لغة بيان معنى اللفظ الغريب، وشرعا معرفة الكتاب العزيز وما أريد به، وهذا بحر لا ساحل له، وكل عالم يأخذ منه على قدره.
اه.
(قوله: يعرف معنى كل آية) قال اسم: ظاهره اعتبار معرفة الجميع، وقد يتوقف فيه.
اه.
(قوله: وما أريد بها) أي بالآية من الأحكام نقلا في التوقيفي، واستنباطا في غيره، ومن ثم قال الفارقي: لا يصرف لمن علم تفسير القرآن دون أحكامه، لأنه كناقل الحديث.
اه.
تحفة (قوله: وفقيه) معطوف على محدث، أي ويصرف الموصى به أيضا الفقيه.
وقوله يعرف الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، هذا بيان لضابط الفقيه المبحوث عنه في فن أصول الفقه، وهو المجتهد، وهذا ليس مرادا هنا، أي في الوصية، بل المراد به ما أفاده الشارح بقوله بعد والمراد به الخ.
(وقوله: من حصل شيئا من الفقه الخ) المراد من عرف من كل باب من أبواب الفقه طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقية، دون من عرف طرفا أو طرفين منه فقط، كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض فقط، وإن سماها الشارع نصف العلم.
وقال ع ش: المراد به في زماننا العارف بما اشتهر الإفتاء به، فهو يعد فقيها، وإن لم يستحضر من كل باب ما يهتدي به إلى باقيه.
اه.
بالمعنى.
وفي المغني ما نصه: قال الماوردي: لو أوصي لأعلم الناس صرف للفقهاء، لتعلق الفقه بأكثر العلوم.
وقال شارح التعجيز: أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيئته في القلب، أي من قدف في قلبه ذلك، وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم، بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان، فذلك صناعة.(3/250)
(وسئل) الحسن البصري عن مسألة.
(فأجاب) فقيل إن فقهاءنا لا يقولون ذلك، فقال وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله، الصائم نهاره، الزاهد في الدنيا، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه، وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذلك هو العالم الذي قيل فيه من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين.
واختلف في الراسخ في العلم، فقيل هو من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه، والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام، وموارد الأحكام، ومواقع المواعط، لأن الرسوخ الثبوت في الشئ.
اه.
ملخصا.
(قوله: وليس منهم الخ) أي ليس من العلماء الذين تصرف الوصية لهم نحوي وصرفي ولغوي، أي عارف بعلم النحو أو الصرف أو اللغة أي أو المعاني والبيان
والبديع أو العروض أو القوافي وغيرها من بقية علوم الأدب الإثني عشر علما عملا بالعرف المطرد عليه غالب الوصايا، فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أصحاب علوم الشرع الثلاثة: أعني الحديث، والتفسير، والفقه.
وقوله ومتكلم، عبارة المنهاج وكذا متكلم عند الأكثرين.
قال في المغني، أي فهو ليس منهم، لما ذكر.
ونقله العبادي في زيادته عن النص.
وقيل يدخل، وبه قال المتولي، ومال إليه الرافعي، وقال السبكي: إن أريد به العلم بالله وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة ويميز بين الإعتقاد الصحيح والفساد فذاك من أجل العلوم الشرعية، وقد جعلوه في كتب السير من فروض الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهه والخوض فيه على طريق الفلسفة فلا.
وهذا القسم هو الذي أنكره الشافعي، وقال: لأن يأتي العبد ربه بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بعلم الكلام.
اه.
بتصرف (قوله: ويكفي ثلاثة من أصحاب الخ) أي من كل صنف من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها، ولا يجزئ واحد من كل صنف، كما في فتح الجواد، ونص عبارته: والمراد بمحدث وما بعده الجنس، فيكفي ثلاثة فقهاء، ولا يجزئ واحد من كل صنف.
اه.
وعبارة الروض وشرحه، وإن أوصى للفقراء والمساكين وجب لكل منهما النصف، ولا يقسم ذلك على عدد رؤوسهم، أو أوصى لأحدهما دخل فيه الآخر، فيجوز الصرف إليهما، أو أوصى للرقاب أو غيرهم من الأصناف أو العلماء لم يجب الإستيعاب، بل يستحب عند الإمكان، كما في الزكاة، إذا فرقها المالك ويكفي ثلاثة من كل صنف، أي الإقتصار عليها، لأنها أول الجمع، ولا تجب التسوية بينهم اه.
ومحل الإكتفاء بثلاثة من كل صنف، حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا وهم غير محصورين، فإن قيدوا بمحل، كأن قال لعلماء بلد كذا وهم محصورون وجب التعميم والتسوية، بل والقبول.
فإن لم يكن بها عالم بطلت الوصية (قوله: اختص بالفقهاء الخ) أي لتعلق الفقه بكثير من العلوم، كما مر (قوله: أو للقراء) أي أو أوصى للقراء (قوله: عن ظهر قلب) أي عرفا، فلا يضر غلط يسير ولا لحن كذلك فيما يظهر.
اه.
ع ش (قوله: أو لأجهل الناس) أي أو أوصى لأجهل الناس.
وقوله صرف لعباد الوثن، قال في شرح الروض، قال الزركشي: وقضية كلامهم صحة الوصية وهو لا يلائم قولهم إنه يشترط للوصية للجهة عدم المعصية وقد تفطن لذلك صاحب الإستقصاء فقال: وينبغي عدم صحتها لما فيها من المعصية، كما لا تصح لقاطع الطريق.
اه.
وأجاب في التحفة عن ذلك ولفظها.
واستشكلت صحة الوصية بأنها معصية، ويجاب بأن الضار ذكر المعصية، لا ما قد يستلزمها أو
__________
(1) قوله الإثني عشر علما: أي المنظومة في قول بعضهم: صرف بيان معاني النحو قافية شعر عروض اشتقاق الخط انشاء
محاضرات وثاني عشرها لغة تلك العلوم لها الاداب أسماء(3/251)
يقارنها، كما هنا، ومن ثم ينبغي، بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة.
اه (قوله: فإن قال من المسلمين) أي وإن أوصى لأجهل الناس، وقيدهم بالمسلمين.
(وقوله: فمن يسب الصحابة) أي فتصرف لمن يسبهم، لأنهم أجهل المسلمين، وقيل للمجسمة.
وقيل لمرتكبي الكبائر من المسلمين، إذ لا شبهة لهم (قوله: ويدخل في وصية الفقراء الخ) وذلك لانطلاق كل على ما يشمل الآخر عند الإنفراد، وأما عند الإجتماع فيطلق كل على ما يقابل الآخر، كما مر في قسم الصدقات، (قوله: وعكسه) هو أن يدخل في وصية المساكين والفقراء (قوله: ويدخل في أقارب زيد الخ) أي في الوصية لأقارب زيد.
(وقوله: كل قريب) أي مسلما كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى أو خنثى، فقيرا، أو غنيا، ويدخل أيضا الأجداد والجدات والأحفاد، وذلك لأن هذا اللفظ يذكر عرفا شائعا لإرادة جهة الغرابة فعمم (قوله: لا أصل) أي لا يدخل أصل فقط.
وقوله وفرع، أي ولد فقط، وإنما لم يقل أصول وفروع لما علمت من دخول الأجداد والجدات والأحفاد، وإنما لم يدخل الأصل والفرع لأنهما لا يسميان أقارب عرفا بالنسبة للوصية، وإن كانا يسميان أقارب بالنسبة لغيرها (قوله: ولا تدخل في أقارب نفسه) أي ولا تدخل في الوصية لأقارب نفسه وورثته اعتبارا بعرف الشرع، لا بعموم اللفظ، ولأن الوارث لا يوصى له عادة، وقيل يدخلون لوقوع الإسم عليهم ثم يبطل نصيبهم لتعذر إجازتهم لأنفسهم، ويصح الباقي لغيرهم.
أفاده في شرح الروض.
(قوله: وتبطل الوصية الخ) شروع في بيان حكم الرجوع عن الوصية وما يحصل به (قوله: المعلقة بالموت) أي المضافة لما بعد الموت لفظا، كما إذا كانت الصيغة من غير مادة الوصية، ومعنى كما إذا كانت من مادتها لما تقدم أن التقييد بقوله بعد موتي لازم في غير أوصيت من الصيغ كأعطوا أو ادفعوا، وأما في أوصيت فلا يلزم لوضعه شرعا لذلك (قوله: ومثلها تبرع علق بالموت) فيه أن هذا وصية لا مثلها، فهو مما يندرج تحت قوله المعلقة بالموت، إلا أن يحمل قوله المعلقة بالموت على ما إذا كان اللفظ المشتمل على التعليق من مادة الوصية.
وقوله تبرع علق بالموت، على ما إذا كان من غيرها فلا يكون مندرجا، بل يكون قسيما، لكن يبقى الإيراد في الحكم عليه بالمثلية مع أنه نوع منها، فلو اقتصر المؤلف على قوله وتبطل الوصية برجوع بنحو نقضتها كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها الخ، وأسقط ما بعد قوله وتبطل مما ذكره في الشرح لكان أولى وأخصر وأسلم من الركاكة الحاصلة في عبارته، وعبارة المنهاج له الرجوع عن الوصية وعن بعضها
بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها.
اه.
قال في التحفة، إجماعا، وكالهبة قبل القبض بل أولى، ومن ثم لم يرجع في تبرع نجز في مرضه، وإن اعتبر من الثلث، لأنه عقد تام.
اه.
(قوله: فللموصي الرجوع فيها) أي يجوز له، وينبغي أن يأتي فيه ما تقدم في الوصية من الأحكام، فيقال هنا بعد حصول الوصية وإن كانت مطلوبة حين فعلها إذ عرض للموصى له ما يقتضي أنه صرفها في محرم وجب الرجوع، أو في مكروه ندب الرجوع، أو في طاعة كره الرجوع (قوله: كالهبة قبل القبض) الكاف للتنظير في جواز الرجوع في الهبة قبل قبضها، لأنها حينئذ غير لازمة (قوله: بل أولى) أي بل الرجوع عن الوصية أولى من الرجوع عن الهبة لعدم تنجيزها، بخلاف الهبة (قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن الرجوع جائز في الوصية لكونها كالهبة غير المقبوضة، بل أولى، لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، كوقف وعتق وهبة مقبوضة، لأنه حينئذ ليس كالهبة غير المقبوضة.
وفي شرح الروض، وإنما يرجع في المنجز، وإن كان معتبرا من الثلث، حيث جرى في المرض كالمعلق بالموت، لأن المقتضي للرجوع في الوصية كون التمليك لم يتم لتوقفه على القبول بعد الموت، والتبرع المنجز عقد تام بإيجاب وقبول، فأشبه البيع من وجه.
وقوله وإن اعتبر من الثلث، غاية في عدم الرجوع (قوله: برجوع عن الوصية) متعلق بتبطل، ولو ادعى الوارث رجوع الموروث عنها فلا تقبل بينته، إلا إن تعرضت(3/252)
لصدوره منه بعد الوصية.
ولا يكفي عن التعرض قولها رجع عن جميع وصاياه.
(قوله: بنحو نقضتها) أي ويحصل الرجوع بنحو نقضتها كأبطلتها الخ: أي وكفسختها، ورفعتها، ورجعت فيها.
وهذه كلها صرائح: كهو حرام على الموصى له (قوله: والأوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط) أي كإذا قدم فلان فقد رجعت في وصيتي (قوله: لجواز التعليق فيها) أي في الوصية نفسها (قوله: فأولى في الرجوع عنها) أي فجواز التعليق في الرجوع عنها أولى من جوازه في نفسها (قوله: وبنحو هذا لوارثي) معطوف على بنحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع عن الوصية بقول الموصي هذا لوارثي أو ميراث عني حال كونه مشيرا إلى الموصى به، وذلك لأنه لا يكون لوارثه إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها.
قال في التحفة: ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشئ لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرك بينهما لاحتمال نسيانه للأولى، بأن الثاني هنا لما ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه، فأثر فيه احتمال النسيان وشركنا، إذ لا مرجح، بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي، فكان ضمه إليه رافعا لقوته.
اه (قوله: سواء أنسي الخ) تعميم في حصول الرجوع بقوله المذكور (قوله: وسئل شيخنا الخ) السؤال والجواب في التحفة (قوله:
عما لو أوصي له بثلث ماله إلا كتبه) أي بأن قال أوصيت لزيد بثلث مالي إلا كتبي، فاستثنى الكتب من دخولها في الوصية (قوله: ثم بعد مدة) أي من الوصية الأولى.
(وقوله: أوصى له) أي للموصى له أولا (قوله: ولم يستثن) أي الكتب (قوله: هل يعمل بالأولى) أي بالوصية الأولى، وهي التي استثنى فيها الكتب.
وقوله أو بالثانية: أي بالوصية الثانية، وهي التي لم يستثن فيها شيئا (قوله: فأجاب بأن الذي يظهر العمل بالأولى) وهي التي استثنى فيها الكتب، قال سم: ويحتمل العمل بالثانية، كما لو أوصى له بخمسين ثم بمائة (قوله: لأنها) أي الأولى، وقوله نص، أي صريح في إخراج الكتب (قوله: والثانية محتملة إلخ) أي وأما الوصية الثانية فهي محتملة لكونه ترك الإستثناء فيها لتصريحه بالإستثناء في الأولى، فتكون الكتب مستثناة تقديرا، ولا تدخل في الثلث (قوله: وأنه تركه الخ) أي ومحتملة أنه ترك الإستثناء إبطالا له، فلا تكون الكتب مستثناة وتدخل في الثلث (قوله: والنص مقدم على المحتمل) قال في التحفة بعده، وأيضا فقاعدة حمل المطلق على المقيد، تقدم المقيد أو تأخر، تصرح بذلك، (قوله: وبنحو بيع) أي ويحصل الرجوع بنحو بيع الموصى به.
واندرج تحت نحو: إعتاقه، وإيلاده وكتابته، وإصداقه، وكل تصرف لازم ناجز: كهبة مقبوضة (قوله: ورهن) معطوف على نحو بيع، أي ويحصل الرجوع برهن للموصى به لتعريضة للبيع (قوله: ولو بلا قبول) راجع للبيع والرهن، وذلك لدلالتهما على الإعراض (قوله: وعرض عليه) أي ويحصل الرجوع بعرض الموصى به على ما ذكر من نحو البيع والرهن.
(وقوله: وتوكيل فيه) أي فيما ذكر أيضا، وذلك لأن كلا من العرض والتوكيل وسيلة إلى ما يحصل به الرجوع (قوله: ونحو غراس) معطوف على نحو نقضتها، أي ويحصل الرجوع بنحو غراس كبناء (وقوله: بخلاف زرعه بها) أي بالأرض الموصى بها، فلا يحصل الرجوع به والفرق بينه وبين نحو الغراس أن كلا من الغراس ونحوه كالبناء يراد للدوام، بخلاف زرعه، لأنه ليس للدوام، فأشبه لبس الثوب ومما يحصل به الرجوع أيضا خلطه برا معينا أوصى به ببر مثله أو أجود أو أراد منه لأنه أخرجه بذلك عن إمكان التسليم، وخلطه صبرة أوصى بصاع منها بأجود منها، لأنه أحدث بالخلط زيادة(3/253)
لم يرض تسليمها، ولا يمكن بدونها، بخلاف ما لو خلطها بمثلها فلا يحصل الرجوع به، لأنه لم يحدث تعييب، إذ لا فرق بين المثلين.
وكذا لو خلطها بأردأ منها في الأصح، قياسا على تعييب الموصى به، وهو لا يؤثر.
ومما يحصل به الرجوع طحنه البر الموصى به، وعجن الدقيق الموصى به، وغزل القطن الموصى به.
لإشعار ذلك كله بالإعراض عن الوصية.
(تنبيه) قال في المغني: هذا كله في وصية بمعين، فإن أوصى بثلث ماله ثم هلك أو تصرف في جميعه ببيع أو غيره لم يكن رجوعا، لأن الثلث مطلق لا يختص بما ملكه وقت الوصية، بل العبرة بما ملكه عند الموت - زاد أو نقص أو تبدل - كما جزم به في الروضة وأصلها وغيرهما.
اه.
(قوله: ولو اختص نحو الغراس) أي كالبناء.
(وقوله: ببعض الأرض) أي الموصى بكلها (قوله: اختص الرجوع بمحله) أي محل الغراس فقط ولا يحصل الرجوع في جميعها (قوله: وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية) ظاهره وإن لم يكن الإنكار جواب سؤال، وهو ظاهر، لأن الموصي قد يكون له غرض في إنكارها مطلقا، ولكن قيده م ر وحجر في شرحيهما بذلك، ولم يذكرا مفهومه.
اه.
بجيرمي (قوله: أن كان لغرض) كخوف من نحو ظالم عليه، وإلا فيكون رجوعا.
وهذا التفصيل هو المعتمد.
وقيل إنه رجوع مطلقا.
وقيل إنه ليس برجوع مطلقا، كما في المغنى، وعبارته: ولو سئل عن الوصية فأنكرها قال الرافعي فهو على ما مر في جحد الوكالة، أي فيفرق فيه بين أن يكون لغرض، فلا يكون رجوعا، أو لا لغرض فيكون رجوعا، وهذا هو المعتمد.
ووقع في أصل الروضة أنه رجوع، وفي التدبير أنه ليس برجوع، ويمكن حمل ذلك على ما مر.
اه.
(قوله: ولو أوصى بشئ) أي معين من ماله (قوله: ثم أوصى به) أي بذلك الشئ الذي أوصى به لزيد (قوله: فليس رجوعا) لاحتمال إرادة التشريك فيشرك بينهما، كما لو قال دفعة واحدة أوصيت بها لكما لكن لو رد أحدهما الوصية في الأولى كان الكل للآخر، بخلافه في الثانية، فإنه يكون له النصف فقط، لأنه الذي أوجبه له الموصي صريحا، بخلافه في الأولى.
اه.
مغني.
وقد تقدم عن حجر الفرق بينه وبين قول الموصي في الموصى به هذا الوارثي، فلا تغفل (قوله: بل يكون بينهما نصفين) إلا إذا كان الموصي عالما بالوصية الأولى أو قال أوصيت لزيد بما أوصيت به لعمرو فيكون رجوعا اه.
بجيرمي (قوله: ولو أوصى به) أي بهذا الشئ الذي أوصى به أولا لزيد وثانيا لعمرو.
وقوله لثالث، أي لشخص ثالث كبكر.
وقوله كان، أي الموصى به.
وقوله بينهم، أي بين الثلاثة الموصى له أولا، والموصى له ثانيا، والموصى له ثالثا.
وقوله وهكذا، أي فلو أوصى به لرابع غير الثلاثة كان بينهم أرباعا (قوله: قاله الشيخ زكريا) أي قال ما ذكر من قوله ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو الخ (قوله: ثم بخمسين) أي ثم بعد الوصية الأولى أوصى له بخمسين (قوله: فليس له إلا خمسون الخ) فرق في التحفة بينه وبين ما تقدم فيما لو أوصي بثلث ماله إلا كتبه ثم أوصى بثلث ماله ولم يستثن شيئا، حيث عمل بالأولى هناك وعمل بالثانية هنا، بأنها هنا صريحة في مناقضة الأولى وإن قلنا إن مفهوم العدد ليس بحجة، لأن محله حيث لا قرينة كما هو معلوم من محله، وهنا القرينة المناقضة فعمل بالثانية لأنها المتيقنة، بخلاف الثانية هناك فإنها ليست
صريحة في مناقضة الأولى، بل هي محتملة لأن يراد فيها ما أريد في الأولى من الإستثناء.
ومحتملة لإبطال ما أريد في الأولى، فلم يعمل هناك بالثانية، بل عمل بالأولى المتيقنة، بعكس ما هنا.
ولا يتأتى هنا اعتبارهم احتمال نسيان الأولى، لأنهم إنما اعتبروه في الوصية لاثنين، فقالوا فيها بالتشريك، بخلاف الوصيتين لواحد، فإن الثانية مبطلة للأولى، فاحتيط لها باشتراط تحقق مناقضتها للأولى اه.
بتصرف.
مطلب في الإيصاء وهو قول المحشي(3/254)
(تتمة) تعرض للوصية ولم يتعرض للإيصاء، وقد ترجم له الفقهاء بفصل مستقل، ولا بد من التعرض له تكميلا للفائدة - فأقول: حاصل الكلام عليه أن الإيصاء لغة الإيصال، كالوصية.
وشرعا إثبات تصرف مضاف لما بعد الموت ولو تقديرا وإن لم يكن فيه تبرع، كالإيصاء بالقيام على أمر أطفاله، ورد ودائعه، وقضاء ديونه، فإنه لا تبرع في شئ من ذلك بخلاف الوصية فإنه لا بد فيها من التبرع وأركانه أربعة: موصي، ووصي، وموصى فيه، وصيغة.
وشرط في الموصي بقضاء الحقوق التي عليه وتنفيذ الوصايا ورد الودائع ونحوها ما تقدم في الموصي بمال، من كونه مالكا بالغا عاقلا حرا مختارا.
وشرط في الموصي بنحو أمر طفل ومجنون ومحجور عليه بسفه، مع ما مر من الشروط، أن يكون له ولاية عليه ابتداء من الشرع، لا بتفويض، فلا يصح الإيصاء من صبي ومجنون ورقيق ومكره، ولا من أم وعم، لعدم الولاية عليهما، ولا من الوصي، لأن ولايته ليست شرعية ابتداء، بل جعلية بتفويض الأب أو الجد إليه إلا إن أذن له فيه، كأن قال أوص عني، فأوصى عن الولي، لا عن نفسه، ولا يصح الإيصاء من أب على ولده والجد بصفة الولاية، لأن ولايته ثابتة شرعا ابتداء، بخلاف الوصي، كما علمت، وشرط في الوصي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والعدالة والاهتداء إلى التصرف وعدم عداوة منه للمولى عليه وعدم جهالة، فلا يصح الإيصاء إلى من فقد شيئا من ذلك، كصبي ومجنون وفاسق ومن به رق أو عداوة وكافر على مسلم، ومن لا يكفي في التصرف لهرم أو سفه.
وتعتبر الشروط المذكورة عند الموت، لا عند الإيصاء، ولا بينهما، لأنه وقت التسلط على القبول حتى لو أوصى لمن خلا عن الشروط أو بعضها كصبي ورقيق ثم استكلمها عند الموت صح، ولا يضر عمى، لأن الأعمى متمكن من التوكيل فيما لا يتمكن منه، ولا أنوثة، لما في سنن أبي داود أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها، وإذا جمعت أم الطفل الشروط المذكورة فهي أولى من غيرها، لوفور شفقتها.
واستجماعها للشروط معتبر عند الإيصاء.
قال في التحفة: وقول غير واحد عند الموت عجيب، لأن الأولوية إنما يخاطب بها الموصي، وهو لا علم بما عند الموت.
اه.
ويشترط في الموصى فيه كونه تصرفا ماليا
مباحا، فلا يصح الإيصاء في تزويج نحو بنته أو ابنه، لأن هذا لا يسمى تصرفا ماليا، وأيضا غير الأب والجد لا يزوح الصغيرة والصغير، ولا في معصية، كبناء كنيسة للتعبد، لكون الإيصاء قربة، وهو تنافي المعصية.
ويشترط في الصيغة، لفظ يشعر بالإيصاء، كأوصيت إليك، أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي بعد موتي، فيما عدا أوصيت، على قياس ما مر في الوصية، ولا بد من بيان ما يوصى فيه.
فلو اقتصر على نحو أوصيت إليك كان لغوا، ويجوز فيه التأقيت والتعليق: كأوصيت إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد، وكإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك.
ويشترط القبول بعد الموت، ولو بتراخ، ويكتفي فيه بالعمل كالوكالة، ولكل من الموصي والوصي رجوع متى شاء لأنه عقد جائز إلا إن تعين الوصي وغلب على ظنه استيلاء ظالم من قاض وغيره عليه فليس له الرجوع.
ولو خاف الوصي على مال اليتيم ونحوه من استيلاء الظالم عليه فله تخليصه بشئ منه فيبذل شيئا القاضي السوء الذي لو لم يبذل له شيئا لانتزع المال منه وسلمه لبعض خونته وأدى ذلك إلى استئصاله.
وكذا يجوز للوصي تعييب مال اليتيم ونحوه.
كما قاله ابن عبد السلام، إذا خاف عليه الغصب لأجل حفظه، كما في قصة الخضر عليه السلام، وقد حكاها الله تعالى بقوله: * (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) * (1) وقد نظم ابن رسلان في زبده معظم ما يتعلق بالإيصاء بقوله: سن لتنفيذ الوصا ووفاديونه إيصاء حر كلفا ومن ولي ووصي أذنافيه على الطفل ومن تجننا إلى مكلف يكون عدلاوأم الأطفال بهذا أولى
__________
(1) سورة الكهف، الاية: 79(3/255)
وقوله من ولي، أي وسن الإيصاء من ولي وقول ووصي، أي ومن وصي لكن يقيدنا بإذن الولي له في الإيصاء عن نفسه أن عن الموصي، وإلا فلا يصح إيصاء الوصي.
وقوله أذنا، يقرأ بالبناء للمجهول، وألفه للإطلاق، أي أذن الولي للوصي في الإيصاء.
(وقوله: إلى مكلف) متعلق بإيصاء، أي سن إيصاء من ذلك إلى مكلف - والأحسن جعل إلى زائدة، إذ فعل الإيصاء يتعدى بنفسه.
فتنبه.
مطلب ما ينفع الميت (قوله: وتنفع ميتا الخ) جرت عادة الفقهاء يذكرون هذه المسألة في باب الوصية، ولها ارتباط به، إذ الوصية صدقة
معلقة بالموت، كما يؤخذ من حدها المار.
(قوله: من وارث وغيره) متعلق بمحذوف حال مما بعده، أي حال كون الصدقة أو الدعاء كائنين من وارث وغيره، وهو تعميم فيه (قوله: صدقة عنه) أي عن الميت، سواء كان المتصدق هو في حياته أو غيره، فقوله الآتي منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته راجع لهذا وما بعده.
اه.
رشيدي (قوله: ومنها) أي الصدقة.
(وقوله وقف لمصحف) أي عن الميت.
(وقوله وغيره) بالجر عطف على مصحف، أو وقف لغير المصحف كدار (قوله: وبناء مسجد الخ) أي وإجراء نهر وبيت بناه للغريب ليأوي فيه، أو بناه للذكر، وقد تقدم، في باب الوقف، بيان العشرة التي يبقى ثوابها له بعد موته، ولا ينقطع منها ما ذكر ومنها ما هو غير صدقة، كدعاء ولد له، وكعلم ينتفع به.
وقد تقدم هناك أيضا نظمها للجلال السيوطي، ولا بأس بإعادته هنا وهو هذا: إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر علوم بثها ودعاء نجل وغرس لنخل والصدقات تجري وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكر وتعليم لقرآن كريم فخدها من أحاديث بحصر (قوله: منه في حياته الخ) متعلق بمحذوف صفة لصدقة ولما بعدها من قوله وقف وبناء وحفر وغرس، أو حال منها كلها، أي الصادارت منه حال كونه حيا، أو حال كونها صادرة منه في حال كونه حيا.
وقوله أو من غيره، معطوف على منه، أي أو الصادرات من غيره.
وقوله عنه، متعلق بمحذوف حال من متعلق الجار والمجرور: أي حال كون هذه الأمور الصادرة من غيره مجعولة عنه.
والمراد أن من صدرت منه جعل ثوابها لذلك الميت.
وقوله بعد موته، متعلق بما تعلق به الجار والمجرور، أي الصادرات بعد موته (قوله: ودعاء) معطوف على صدقة، أي وينفعه أيضا دعاء له من وارث وغيره، ولو أخر قوله أولا من وراث وغيره عنه لكان أولى.
(قوله: إجماعا) دليل لكل من الصدقة ومن الدعاء (قوله: وصح في الخبر الخ) دليل للدعاء، ومما يدل له أيضا قوله تعالى: * (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان) * (2) فأثنى عليهم بالدعاء للسابقين.
ومما يدل للصدقة، خبر سعد بن عبادة: قال: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال نعم: قال أي الصدقة أفضل؟ قال سقي الماء رواهما مسلم وغيره: ومما يدل لهما خبر: إذا مات ابن آدم الخ (قوله: باستغفار ولده له) أي بأن يقول: أستغفر الله لوالدي، أو اللهم اغفر له.
وفي المغني بعد قوله
في الجنة، فيقول يا رب أني لي هذا؟ فيقال باستغفار ولدك لك (قوله: وقوله تعالى) مبتدأ خبره عام، والقصد بإيراد هذه الآية دفع إيراد من تمسك بظاهرها، وقال لا ينفع الإنسان إلا ما حصله بنفسه، ولا ينفعه دعاء الغير له، ولا الصدقة عنه * (الهامش) (2) سورة الحشر، الاية: 10(3/256)
وحاصل الدفع أن مفهوم الآية مخصوص بغير الصدقة والدعاء.
وفي البجيرمي العموم في مفهومه وهو أنه ليس له شئ في غير سعيه فيخص بغير الصدقة والدعاء.
(وقوله: مخصوص بذلك) أي بما ذكر من الإجماع وغيره.
وعبارة التحفة: وهما مخصصان، وقيل ناسخان لقوله تعالى: * (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) * إن أريد ظاهره، وإلا فقد أكثروا في تأويله، ومنه أنه محمول على الكافر، أو أن معناه لا حق له إلا فيما سعى، وأما ما فعل عنه فهو محض فضل لا حق له فيه.
وظاهر مما هو مقرر في محله أن المراد بالحق هنا نوع تعلق ونسبة إذ لا يستحق أحد على الله ثوابا مطلقا، خلافا للمعتزلة.
اه.
(قوله: ومعنى نفعه) أي الميت بالصدقة.
(وقوله: أنه يصير كأنه تصدق) قال في التحفة: واستبعاد الإمام له بأنه لم يأمر به ثم تأويله بأنه يقع عن المتصدق وينال الميت بركته، رده ابن عبد السلام بأن ما ذكروه من وقوع الصدقة نفسها عن الميت حتى يكتب له ثوابها هو ظاهر السنة.
اه.
(قوله: وواسع فضل الله) الأنسب نصب واسع بإسقاط الخافض، وإضافته لما بعده من إضافة الصفة للموصوف، أي ومن فضل الله الواسع إثابة الله المتصدق أيضا كما يثيب الميت المتصدق عنه (قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل أن المتصدق يثاب أيضا، كما قال الإمام، قال أصحابنا: يسن لمن أراد أن يتصدق أن ينوي الصدقة عن أبويه ولا يقتصر على نية نفسه بها.
وقوله مثلا، راجع للأبوين، أي الأبوين، أي أو غيرهما: كالأخوين (قوله: فإنه تعالى الخ) لا حاجة إليه بعد قوله ومن ثم (قوله: يثيبهما) أي الأبوين مثلا.
(وقوله: ولا ينقص من أجره) أي المتصدق (قوله: ومعنى نفعه) أي الميت.
(وقوله: بالدعاء) أي دعاء الغير له.
(وقوله: حصول المدعو به له) أي حصول الشئ الذي دعي به للميت، كالمغفرة والرحمة، (وقوله: إذا استجيب) أي الدعاء (قوله: واستجابته) أي الدعاء.
(وقوله: محض فضل من الله تعالى، أي ليس بواجب عليه، خلافا للمعتزلة (قوله: أما نفس الدعاء) وهو الطلب الصادر منه، كقوله مثلا اللهم اغفر لوالدي وللمسلمين.
(وقوله: ونوابه) أي الدعاء لا معنى لكون الدعاء نفسه للداعي إلا كون ثوابه له، فيكون عطفه على ما قبله من قبيل عطف التفسير (قوله: لأنه) أي الدعاء للميت شفاعة.
(وقوله: ومقصودها) أي الشفاعة، وهو المدعو به.
(وقوله: للمشفوع له) هو الميت.
(والحاصل) إذا طلب لوالديه المغفرة مثلا فنفس الطالب يثاب عليه الداعي لأنه شفاعة الخ، ونفس المطلوب، وهو المغفرة، يكون للميت، وهذا هو المراد من انتفاع الميت بالدعاء (قوله: نعم، دعاء الولد الخ) استدراك على قوله أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي.
(وقوله: يحصل ثوابه) أي الدعاء.
(وقوله: نفسه) بالرفع، توكيد لثواب.
وقوله للولد الميت، قال ع ش: ومثله الحي، للعلة المذكورة، اه.
وانظر، هل يحصل للولد ثواب أيضا أو لا؟ والظاهر أنه لا مانع من حصول الثواب له أيضا، إذ فضل الله واسع، وإن كان ظاهر العبارة يقتضي خلافه.
(قوله: لأن عمل ولده الخ) تعليل لحصول الثواب للوالد.
وقوله لتسببه، أي الوالد في وجوده، أي الولد، وهو علة لكونه من جملة عمله، فهو علة تقدمت على معلولها.
وقوله من (وقوله: جملة عمله) أي الوالد، وهو خبر أن (قوله: كما صرح به) أي بما ذكر من أن عمل الولد من جملة عمل الوالد (قوله: ينقطع عمل ابن آدم الخ) أي ثوابه، كما تقدم في باب الوقف، وقوله ثم قال الخ، عطف
__________
(1) سورة النجم، الاية: 39(3/257)
على مقدر، أي وعد الأولى والثانية من الثلاث، ثم قال في بيان الثالثة أو ولد صالح، والمراد مسلم، لأن الإسلام يستلزم قبول أصل الدعاء، والصلاح إنما هو شرط كماله، كما تقدم.
(قوله: جعل) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاءه: أي الولد من عمل الوالد، وذلك لأن معنى الحديث ينقطع عمله إذا مات إلا من ثلاث، فلا ينقطع عمله منها، ومن جملة الثلاثة دعاء الولد له.
قال في التحفة بعده: وإنما يكون منه، ويستثنى من انقطاع العمل إن أريد نفس الدعاء، لا المدعو به.
اه.
(قوله: أما القراءة الخ) لم يذكر في سابقه مجملا ولا مقابلا لأما، فكان المناسب أن يذكرهما أولا كأن يقول وينفع الميت أشياء، أما الصدقة والدعاء فبالإجماع، ثم يقول: وأما القراءة ففيها خلاف.
أو يعدل عن تعبيره هذا ويقول وما ذكرته، من أنه ينفع الميت الصدقة والدعاء فقط، هو ما ذكره في المنهاج، وأفهم أنه لا ينفعه غيرهما من سائر العبادات، ولو قراءة وفيها خلاف فقد قال النووي الخ.
وعبارة المغني: (تنبيه) كلام المصنف قد يفهم أنه لا ينفعه ثواب غير ذلك، أي الصدقة والدعاء كالصلاة عنه قضاء أو غيره وقراءة القرآن وهو المشهور عندنا، ونقله المصنف في شرح مسلم والفتاوى عن الشافعي رضي الله عنه والأكثرين، واستثنى صاحب التلخيص من الصلاة ركعتي الطواف وقال: يأتي بهما الأجير عن المحجور عنه تبعا للطواف، وصححاه، وقال ابن عبد السلام في بعض فتاويه: لا يجوز أن يجعل ثواب القراءة للميت، لأنه تصرف في الثواب من غير إذن الشارع
فيه.
وحكى القرطبي في التذكرة أنه رؤي في المنام بعد وفاته، فسئل عن ذلك، فقال كنت أقول ذلك في الدنيا، والآن بأن لي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت.
وحكى المصنف في شرح مسلم والأذكار وجها أن ثواب القراءة يصل إلى الميت، كمذهب الأئمة الثلاثة، واختاره جماعة من الأصحاب، منهم ابن الصلاح، والمحب الطبري، وابن أبي الدم، وصاحب الذخائر، وابن أبي عصرون.
وعليه عمل الناس.
وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.
وقال السبكي.
الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه، نفعه، إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه.
(قوله: لا يصل ثوابها إلى الميت) ضعيف.
(وقوله: وقال بعض أصحابنا يصل) معتمد.
اه.
بجيرمي (قوله: بمجرد قصده) أي الميت بها: أي بالقراءة.
وقوله ولو بعدها، أي ولو وقع القصد بعد القراءة (قوله: وعليه) أي على وصول ثوابها للميت، الأئمة الثلاثة، وفي التحفة بعده على اختلاف فيه عن مالك.
اه.
(قوله: واختاره) أي اختار القول بوصول ثواب القراءة للميث كثيرون من أئمتنا، ولا حاجة إلى هذا بعد قوله وقال بعض أصحابنا الخ.
وفي التحفة الاقتصار على الثاني، ولم يذكر الأول، أعني قوله وقال بعض أصحابنا ونصها، وفي القراءة وجه، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، واختاره كثيرون من أئمتنا الخ.
وفي فتح الجواد: الاقتصار على الأول، وعبارته، وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت مطلقا، واعتمده السبكي وغيره وبين أن الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه، على أن جماعات من العلماء ذهبوا إلى أنه يصل إليه ثواب جميع العبادات من صلاة، وصوم، وقراءة، وغيرها.
اه.
فأنت تراه لفق بين العبارتين، فكان الأولى الاقتصار على أحدهما فتنبه (قوله: فقال) أي السبكي، والذي دل عليه الخبر، أي خبر الملدوغ.
وقوله أن بعض القرآن، مثله كله بالأولى (قوله: وبين ذلك) أي بين السبكي ذلك، أي دلالة الخبر بالإستنباط على ما ذكر، فقال إذ قد ثبت أن القارئ لما قصد بقراءته نفع الملدوغ نفعته، وأقر ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى اه.
ولك رده بأن الكلام ليس في مطلق النفع، بل في حصول ثوابها له، وهذا لا يدل عليه حديث الملدوغ.
اه.
تحفة (قوله: وحمل جمع عدم(3/258)
الوصول الخ) أي وحملوا الوصول على القراءة بحضرة الميت، أو على نية القراءة له أو على الدعاء عقبها، كما في سم، وعبارته.
(والحاصل) أنه إذا نوى ثواب قراءة له أو دعا عقبها بحصول ثوابها له أو قرأ عند قبره حصل له مثل ثواب قراءته، وحصل للقارئ أيضا الثواب.
فلو سقط ثواب القارئ لمسقط، كأن غلب الباعث الدنيوي، بقراءته بأجرة، فينبغي أن لا يسقط مثله بالنسبة للميت.
ولو استأجر للقراءة للميت ولم ينوه ولا دعا له بعدها ولا قرأ عند قبره علم يبرأ من واجب الإجارة.
وهل تكفي نية القراءة في أولها وإن تخلل فيها سكوت؟ ينبغي نعم، إذا عد ما بعد الأول من توابعه.
م ر.
اه.
لكن ظاهر كلام الشارح، كالتحفة وشرح المنهج، يفيد أن القراءة بحضرة الميت من غير نية ثواب القراءة له أو القراءة لا بحضرة الميت مع النية فقط من غير دعاء عقبها لا يحصل ثوابها لميت، فلا بد في الأولى من النية وفي الثانية من الجمع بين النية والدعاء (قوله: أو نواه) أي ثواب القراءة للميت.
وقوله ولم يدع قضيته، كما علمت، أنه لا بد من الجمع بين النية والدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر.
وقال سم، واعتمد م ر: الإكتفاء بنية جعل الثواب له، وإن لم يدع، (قوله: وقد نص الشافعي الخ) هذا ذكره في التحفة تأييد الكلام ساقط من عبارة الشارح ونصها بعد وحمل جمع عدم الوصول على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت إلى آخر ما ذكره المؤلف، أما الحاضر ففيه خلاف منشؤه الخلاف في أن الإستئجار للقراءة على القبر يحمل على ماذا؟ فالذي اختاره في الروضة أنه كالحاضر في شمول الروضة النازلة عند القراءة له، وقيل محملها أن يعقبها بالدعاء له، وقيل أن يجعل أجره الحاصل بقراءته للميت، وحمل الرافعي على هذا الأخير الذي دخل عليه عمل الناس.
وفي الأذكار أنه الإختيار قول الشالوشي إن قرأ ثم جعل الثواب للميت لحقه.
وأنت خبير أن هذا كالثاني صريح في أن مجرد نية وصول الثواب للميت لا يفيد ولو في الحاضر، ولا ينافيه ما ذكره الأول، وهو أنه كالحاضر، لأن كون مثله فيما ذكر إنما يفيده مجرد نفع، لا حصول ثواب القراءة الذي الكلام فيه، وقد نص الشافعي والأصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها الخ، فكان المناسب للمؤلف أن يذكر ما قبل قوله وقد نص الشافعي أو يحذف الكل.
فتنبه (قوله: لأنه) أي الدعاء.
وقوله حينئذ، أي حين إذ كان الدعاء عقب القراءة.
وقوله أرجى للإجابة، أي أقرب إليها، لأن موضع القراء موضع بركة.
وقوله ولأن الميت تناله بركة القراءة.
أي لا ثوابها، وهذا هو محط التأييد الذي ساق في التحفة قوله وقد نص الشافعي الخ، لأجله، وبيان ذلك أنه ادعى أن مجرد النية من غير دعاء لا يفيد، أي لا يحصل ثواب القراءة للميت، وإن كان يحصل له منها نفع مجرد، وأيد ذلك بما نص عليه الشافعي وأصحابه من أن الميت يناله بركة القراءة، وهي غير ثوابها.
فتنبه.
وقوله كالحي الحاضر، أي في محل القراءة فإنه تناله بركة القراءة قال في التحفة بعده: لا المستمع، لأن الإستماع يستلزم القصد، فهو عمل، وهو منقطع بالموت.
اه.
(قوله: قال ابن
الصلاح الخ) عبارة المغني، وقال ابن الصلاح وينبغي أن يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأنا لفلان، فيجعله دعاء، ولا يختلف في ذلك القريب والبعيد.
وينبغي الجزم بنفع هذا لأنه إذا نفع الدعاء وجاز بما ليس للداعي فلأن يجوز بماله أولى، وهذا لا يختص بالقراءة، بل يجري في سائر الأعمال.
وكان الشيخ برهان الدين الفزاري ينكر قولهم اللهم أوصل ثواب ما تلوته إلى فلان خاصة وإلى المسلمين عامة، لأن ما اختص بشخص لا يتصور التعميم فيه، كما لو قال خصصتك بهذه الدراهم لا يصح أن تقول وهي عاملة للمسلمين.
قال الزركشي: والظاهر خلاف ما قاله، فإن الثواب قد يتفاوت، فأعلاه ما خص زيدا مثلا، وأدناه ما كان عاما، والله تعالى يتصرف فيما يعطيه من الثواب بما يشاء.
وقد أشار الروياني في أول الحلية إلى هذا فقال صلاة الله على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة وعلى النبيين عامة.
اه.
وأما ثواب القراءة إلى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنع الشيخ تاج الدين الفزاري منه وعلله بأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع إلا بما أذن فيه، ولم يأذن إلا في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وسؤال الوسيلة.
قال الزركشي، ولهذا اختلفوا في جواز الدعاء بالرحمة، وإن كانت بمعنى الصلاة لما(3/259)
في الصلاة من معنى التعظيم، بخلاف الرحمة المجردة، وجوزه بعضهم، واختاره السبكي، واحتج بأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يعتمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر بعد موته من غير وصية.
وحكى الغزالي في الإحياء عن علي ابن الموفق.
وكان من طبقة الجنيد.
أنه حج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حججا وعدها القاضي ستين حجة، وعن محمد بن إسحاق النيسابوري أنه ختم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرة آلاف ختمة، وضحى عنه مثل ذلك.
اه.
ولكن هؤلاء أئمة مجتهدون، فإن مذهب الشافعي، أن التضحية عن الغير بغير إذنه لا تجوز، كما صرح به المصنف في باب الأضحية.
اه.
ومثلها الحج والعمرة، كما هو ظاهر، وقد تقدم في باب الإجارة، كلام يتعلق بما هنا، فارجع إليه إن شئت (قوله: فهو) أي المثل المراد.
وقوله وإن لم يصرح به، أي بالمثل في العبارة، وهو غاية لكونه هو المراد (قوله: لفلان) متعلق بأوصل (قوله: لأنه الخ) تعليل لانبغاء الجزم بنفع الميت بما ذكر (قوله: بما ليس للداعي) أي بالشئ الذي لم يجعله الداعي لنفسه، أي لم ينوه به نفسه كالقراءة بقصد الميت.
وقوله فماله أولى، أي فنفعه بما قصد به الداعي نفسه، كأن قرأ القرآن بقصد الثواب له أولى من ذلك (قوله: ويجري هذا في سائر الأعمال) ظاهره أن الإشارة راجعة لقول ابن الصلاح وينبغي الجزم الخ، ويحتمل أنه من كلام ابن الصلاح أيضا، وحينئذ فهو صريح أن الإنسان إذا صلى أو صام مثلا وقال اللهم أوصل ثواب هذا لفلان يصل إليه ثواب ما فعله من الصلاة أو الصوم مثلا.
فتنبه وراجع.
اه.
رشيدي.
وقوله فتنبه
وراجع، قد تقدم لشارحنا في باب الصوم ما نصه: قال المحب الطبري يصل للميت كل عبادة تفعل عنه واجبة أو مندوبة.
وفي شرح المختار لمؤلفه مذهب أهل السنة، إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره ويصله.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(3/260)
باب الفرائض
أخره عن العبادات والمعاملات لاضطرار الإنسان إليهما، أو إلى أحدهما، من حين ولادته دائما، أو غالبا، إلى موته، ولأنهما معلقان بإدامة الحياة السابقة على الموت.
ولما كان نصف العلم ناسب ذكره في نصب الكتاب والأصل فيها آيات المواريث، وأخبار، كخبر الصحيحين: ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر وورد في الحث على تعلمها وتعليمها من الأخبار والآثار أشياء كثيرة، فمن الأول خبر تعلموا الفرائض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض، وتظهر الفتن حتى يختلف اثنان في الفريضة، فلا يجدان من يقضي بينهما رواه الحاكم وصحح إسناده، وخبر من علم فريضة كان كمن عتق عشر رقاب، ومن قطع ميراثا قطع الله ميراثه من الجنة، وخبر تعلموا الفرائض فإنها من دينكم، وإنه نصف العلم، وإنه أول علم ينزع من أمتي رواه ابن ماجه وغيره.
وسمي نصفا لتعلقه بالموت المقابل للحياة، وقيل النصف بمعنى الصنف كقول الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان: شامت، وآخر مثن بالذي كنت أصنع فإن المراد بالنصفين الصنفان، أي النوعان، وقيل غير ذلك.
ومن الثاني ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذ تحدثتم فتحدثوا بالفرائض، وإذا لهوتم فالهوا بالرمي واعلموا أن علم الفرائض يعرف بأنه فقه المواريث، وعلم الحساب الموصل إلى معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة.
فحقيقته مركبة من فقه المواريث وعلم الحساب الموصل إلى ما ذكر.
والمراد بفقه المواريث فهم مسائل قسمة التركات، وبعلم الحساب إدراك مسائل الحساب، وموضوعه التركات، وغايته معرفة ما يخص كل ذي حق من التركة، والتركة ما خلفه الميت من مال أو حق، ويتعلق بها خمسة حقوق مرتبة، أولها الحق المتعلق بعين التركة، كالزكاة، والجناية، والرهن.
ثانيها: مؤن التجهيز بالمعروف.
ثالثها: الديون المرسلة في الذمة.
رابعها: الوصايا بالثلث فما دونه لأجنبي.
خامسها: الإرث.
وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده بقوله:
يبدأ من تركة الميت بحق كالرهن والزكاة بالعين اعتلق فمؤن التجهيز بالمعروف فدينه ثم الوصايا توفى من ثلث باقي الإرث الخ.
وصورة الرهن أن تكون التركة مرهونة بدين على الميت فيقتضي بها دينه مقدما على مؤن التجهيز وسائر الحقوق، وصورة الزكاة أن تتعلق الزكاة، فالنصاب ويكون النصاب باقيا، فتقدم الزكاة على سائر الحقوق والديون، فإن كان النصاب تالفا كانت من جملة الديون المرسلة في الذمة، وللإرث أركان، وشروط، وأسباب، وموانع.
فأركانه ثلاثة: وارث، ومورث، وحق موروث، وشروطه ثلاثة: تحقق حياة الوارث، وتحقق موت المورث، والعلم بجهة الإرث.
وأسبابه ثلاثة: وهي نكاح، وولاء، ونسب، كما قال في الرحبية: أسباب ميراث الورى ثلاثة كل يفيد ربه الوراثة وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب فالنكاح عقد الزوجية الصحيح وإن لم يحصل وطئ ولا خلوة.
والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه.(3/261)
والنسب وهو القرابة، وهي الأبوة، والبنوة، والإدلاء بأحدهما.
وموانعه ثلاثة: قتل، ورق، واختلاف دين، كما قال في الرحبية: ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث رق وقتل واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين فلا يرث القاتل من مقتوله ولو بحق، والقاتل من له دخل في القتل، ولو بوجه، والرق مانع من الجانبين: أي جانب الرقيق وجانب قريبه، فلا يرث ولا يورث.
واختلاف الدين بالإسلام والكفر، فلا توارث بين مسلم وكافر، لخبر الصحيحين: لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم.
(فائدة) كان في الجاهلية يورثون الرجال الكبار دون النساء والصغار، ثم كان في أول الإسلام بالتحالف والنصرة، ثم نسخ إلى التوارث بالإسلام والهجرة، ثم نسخ إلى وجوب الوصية، ثم نسخ بآيات المواريث.
(فائدة أخرى) الناس في الإرث وعدمه على أربعة أقسام: قسم يرث ويورث، وقسم يرث ولا يورث، وقسم يورث ولا يرث، وقسم لا يرث ولا يورث.
فالأول كثير، كالأخوين والأصل مع فرعه والزوجين.
والثاني: كالأنبياء عليهم الصلاة
والسلام، فإنهم لا يورثون لقوله - صلى الله عليه وسلم -: نحن معاشر الأنبياء نرث ولا نورث، ما تركناه صدقة.
والثالث: المبعض فإنه لا يرث عندنا ويورث عنه جميع ما مكله ببعضه الحر، لأنه تام الملك.
والرابع: كالرقيق والمرتد، فلا يرثان ولا يورثان (قوله: أي مسائل قسمة المواريث) تفسير مراد، أي أن المراد بالفرائض في الترجمة مسائل قسمة المواريث، أي التركات، سواء كانت بالفرض أو بالتعصيب، وليس المراد بها الأنصباء المقدرة فقط، فلا يرد أنه كان حقه أن يقول باب الفرائض والتعصيب.
(وقوله: جمع فريضة الخ) بيان لمعناه الأصلي (قوله: والفرض لغة التقدير) قال تعالى: * (فنصف ما فرضتم) * (1) (قوله: وشرعا هنا) أي في هذا الباب بخصوصه، فلا ينافي أن الفرض شرعا يطلق على ما قابل الحرام والمندوب ونحوهما.
وهو المطلوب فعله طلبا جازما وإن شئت قلت هو ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه (وقوله: نصيب مقدر للوارث) أي كنصف وربع وثمن.
وخرج بالمقدر، التعصيب فإنه ليس مقدرا، بل يأخذ العاصب جميع التركة إن انفرد، وما أبقت الفروض إن لم تستغرق التركة (قوله: وهو) أي الوارث.
(وقوله: من الرجال) أي حال كونه من الرجال، وسيذكر مقابله بقوله ومن النساء.
وقوله عشرة، أي بطريق الاختصار، أما بطريق البسط فخمسة عشر: الابن، وابن الابن، وإن سفل، والأب، والجد، وإن علا، والأخ الشقيق، والأخ للأب، والأخ للأم، وابن الأخ الشقيق، وابن الأخ للأب، والعم الشقيق، والعم للأب، وابن العم الشقيق، وابن العم للأب، والزوج، والمعتق، وقد نظمها بالطريق الأول صاحب الرحبية في قوله: والوارثون من الرجال عشرة أسماؤهم معروفة مشتهره الابن، وابن الابن، مهما نزلا والأب، والجد له، وإن علا والأخ من أي الجهات كانا قد أنزل الله به القرآنا وابن الأخ المدلي إليه بالأب فاسمع مقالا ليس بالمكذب والعم، وابن العم من أبيه فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه والزوج، والمعتق ذو الولاء فجملة الذكور هؤلاء
__________
(1) سورة البقرة، الاية: 237(3/262)
(واعلم) أنه لو اجتمع جميع الرجال فقط ورث منهم ثلاثة: الأب، والابن والزوج، لأنهم لا يحجبون والباقي
محجوب، فابن الابن بالابن والجد بالأب، والباقي من الأخوة والأعمام محجوب بهما، ولا يكون الميت في هذه الصورة إلا امرأة، وهي الزوجة، ومسألتهم من اثني عشر، لأن فيها ربعا للزوج وسدسا للأب، وكل مسألة فيها ربع وسدس، فهي من اثني عشر، للأب السدس اثنان، وللزوج الربع ثلاثة، وللابن الباقي وهو سبعة (قوله: ومن النساء) معطوف على قوله من الرجال، أي وللوارث من النساء.
(وقوله: سبع) أي بطريق الاختصار أيضا، أما بطريق البسط فعشر، البنت، وبنت الابن، وإن نزل، الأم، والجدة من جهة الأم، والجدة من جهة الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمعتقة.
وقد نظم ذلك بالطريق الأول أيضا صاحب الرحبية بقوله: والوارثات من النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع بنت، وبنت ابن، وأم مشفقة وزوجة، وجدة، ومعتقة والأخت من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت وقوله وجدة، لا فرق فيها بين أن تكون من جهة الأم، كأم الأم، أو من جهة الأب، كأم الأب، بشرط أن لا تدلي بذكر بين أنثيين، بأن تدلي بمحض الإناث، أو بمحض الذكور، أو بمحض الإناث إلى مخص الذكور، فإن أدلت بذكريين أنثيين، كأم أبي الأم، فلا ترث، لأنها من ذوي الأرحام، وتسمى الجدة الفاسدة.
(واعلم) أيضا أنه لو اجتمع جميع الإناث فقط ورث منهن خمس: البنت، وبنت الابن، والأم، والزوجة، والأخت الشقيقة، والباقي منهن محجوب الجدة بالأم والأخت للأم بالبنت، وكل من الأخت للأب والمعتقة بالشقيقة لكونها مع البنت، وبنت الابن عصبة تأخذ الفاضل عن الفروض، ولا يكون الميت في هذه إلا رجلا، وهو الزوج، ومسألتهن من أربعة وعشرين، لأن فيها سدسا وثمنا، والسدس من ستة، والثمن من ثمانية، وهما متوافقان بالنصف، فيضرب نصف أحدهما في كامل الآخر، فيتحصل أربعة وعشرون، للبنت النصف إثنا عشر، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين أربعة، وللأم السدس أربعة أيضا، وللزوجة الثمن ثلاثة، وللأخت الباقي، وهو واحد، ولو اجتمع كل الذكور وكل الإناث إلا الزوجة فإنها الميتة، أو كل الإناث وكل الذكور إلا الزوج فإنه الميت ورث في المسألتين خمسة الأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين وهو الزوج حيث كان الميت الزوجة، أو الزوجة حيث كان الميت الزوج، والباقي محجوبون بهم، ومسألة الزوج من اثني عشر، للأبوين السدسان أربعة، وللزوج الربع ثلاثة، والباقي، وهو خمسة، بين الابن والبنت أثلاثا، لأن الابن برأسين، والبنت برأس ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة،
وهو اثنا عشر، بستة وثلاثين، ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة، فللأبوين أربعة في ثلاثة باثني عشر لكل منهما ستة وللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى خمسة عشر، للإبن منها عشرة وللبنت خمسة.
ومسألة الزوجة من أربعة وعشرين، للأبوين السدسان ثمانية وللزوجة الثمن ثلاثة، والباقي، وهو ثلاثة عشر، بين الإبن والبنت أثلاثا، لما علمت، ولا ثلث لها صحيح، فحصل الكسر على ثلاثة رؤوس، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة، وهو أربعة وعشرون، باثنين وسبعين.
ومنها تصح فتقول من له شئ من أصلها أخذه مضروبا في جزء سهمها وهو ثلاثة فللأبوين ثمانية في ثلاثة بأربعة وعشرين لكل منهما اثنا عشر، وللزوجة ثلاثة في ثلاثة بتسعة يبقى تسعة وثلاثون للإبن ستة وعشرون وللبنت ثلاثة عشر (قوله: ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم -: لما استفتى فيمن ترك عمته وخالته لا غير، رفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما، ثم قال أين السائل؟ قال: ها أنا ذا.
قال لا ميراث لهما (قوله: ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا(3/263)
وجد بعضهم) أي ولم يستغرق، كبنت أو أخت (قوله: بل المال) وهو الكل فيما إذا فقدوا كلهم، أو البعض فيما إذا فقد البعض لبيت المال (قوله: ثم إن لم ينتظم الخ) عبارته غير منتظمة لاقتضائها أن ما تقدم من كون أصل المذهب ما ذكر مقيد بما إذا انتظم، وليس كذلك، بل أصل المذهب ما تقدم مطلقا، انتظم أو لا، وإنما اختار المتأخرون عند عدم الانتظام أن يرد لذوي الفروض فإن فقدوا فلذوي الأرحام.
ويدل على ذلك عبارة المنهاج ونصها: ولو فقدوا كلهم فأصل المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام ولا يرد على أهل الفرض، بل المال لبيت المال، وإن لم ينتظم، وأفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال بالرد على أهل الفرض، غير الزوجين، ما فضل عن فروضهم بالنسبة، فإن لم يكونوا صرف إلى ذوي الأرحام.
اه.
بزيادة يسيرة من التحفة.
وقوله رد ما فضل عنهم، أي زاد على فروضهم المقدرة.
وقوله عليهم، متعلق برد، أي رد عليهم.
وقوله غير الزوجين، أما هما فلا يرد عليهما (قوله: بنسبة الفروض) متعلق برد، أي رد بنسبة فرض كل من يرد عليه إلى مجموع ما أخذ من فرضه وفرض رفقته، ففي أم وأخت منها يبقى بعد إخراج فرضيهما ثلاثة من ستة، فيرد بالنسبة لمجموع ما أخذ، وهو ثلاثة، فنسبة السهمين نصيب الأم لذلك ثلثان فلها ثلثا الباقي، وهو سهمان، ونسبة نصيب الأخت لذلك ثلث فلها ثلث، وهو سهم، فللأم أربعة وللأخت اثنان، وترجع بالإختصار إلى ثلاثة.
اه.
ش ق (قوله: ثم ذوي الأرحام) أي ثم إن لم يوجد أصحاب الفروض الذين يرد عليهم بأن لم يكن أحد من الورثة أصلا،
أو كان هناك أحد من أهل الفروض الذين لا يرد عليهم كأحد الزوجين، صرف المال كله في الأولى أو الفاضل في الثانية لذوي الأرحام.
هكذا يتعين حل العبارة، لا كما يقتضيه ظاهرها، لأنه فاسد.
وذوو الأرحام كل قريب غير من تقدم من المجمع على إرثهم، فإن لم يوجد أحد من ذوي الأرحام فحكمه، كما قال العز بن عبد السلام، إنه إذا جارت الملوك في مال المصالح وظفر بالمال الذي لم يوجد له وارث ولو من ذوي الأرحام أحد يعرف المصالح أخذه وصرفه فيها كما يصرفه الإمام العادل وهو مأجور على ذلك قال: والظاهر وجوبه بشرط سلامة العاقبة، وإن كان يستحقه في بيت المال جاز له أن يأخذ منه لنفسه وعياله ما يحتاجه، والعبرة بالعمر الغالب (قوله: وهم أحد عشر) أي صنفا، وترجع بالإختصار إلى أربعة أصناف: الأول من ينتمي إلى الميت، أي ينتسب إليه لكونه أصله، وهم أولاد البنات وأولاد بنات الابن وإن نزلوا.
الثاني: من ينتمي إليهم الميت لكونهم أصوله، وهم الأجداد والجدات الساقطون وإن علوا.
الثالث: من ينتمي إلى أبو الميت: وهم أولاد الأخوات وبنات الإخوة وبنو الإخوة للأم ومن يدلي إلى الميت بهم.
الرابع: من ينتمي إلى أجداد الميت وجداته، وهم الأعمام من جهة الأم والعمات مطلقا وبنات الأعمام مطلقا وإن تباعدوا وأولادهم وإن نزلوا، ثم إنه لا خلاف عند من ورث ذوي الأرحام أن من انفرد منهم حاز جميع المال، وإنما الخلاف عند الاجتماع في كيفية إرثهم، وفي ذلك مذهبان، أصحهما مذهب أهل التنزيل، ومحصله أنه ينزل كل منهم منزلة من يدلي به إلى الميت، فكل فرع ينزل منزلة أصله، وينزل أصله منزلة أصله.
وهكذا درجة درجة إلى أن يصل إلى أصل وارث بالفرض أو التعصيب، وكل من نزل منزلة شخص يأخذ ما كان يأخذه ذلك الشخص فيفرض موت ذلك الشخص، وإن هذا المنزل منزلته وارثه، وهذا في غير الأخوال والخالات.
أما هم فينزلون منزلة الأم لا منزلة من أدلوا به وهم الأجداد، وفي غير الأعمام من جهة الأم والعمات وبنات الأعمام.
أما هم فينزلون منزلة الأب، لا منزلة من أدلوا به، وهم الأجداد، والثاني مذهب أهل القرابة ومحصلة تقديم الأقرب منهم إلى الميت فيقدم الصنف الأول على الثاني، وهو على الثالث، وهكذا، ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال على المذهب الثاني لبنت البنت لقربها إلى الميت، وعلى الأول بينهما أرباعا.
ووجهه أن بنت البنت تنزل منزلة البنت فلها النصف وبنت بنت الابن تنزل منزلة بنت الابن فلها السدس تكملة الثلثين، فمسألتهما من ستة لدخول النصف في السدس، يبقى اثنان يقسمان عليهما ردا باعتبار نصيبهما، فلبنت البنت واحد ونصف، ولبنت بنت الابن نصف، فحصل الكسر على مخرج النصف، وهو اثنان، فيضرب في أصل المسألة، وهو ستة، يخرج اثنا(3/264)
عشر، لبنت البنت تسعة فرضا وردا، ولبنت بنت الابن ثلاثة فرضا وردا.
وترجع بالإختصار إلى أربعة.
فأصل المسألة من ستة، وتصح من اثني عشر، وترجع بالإختصار إلى أربعة (قوله: الفروض الخ) شرع في بيان الفروض وأصحابها، وبيان قدر ما يستحقه كل منهم (قوله: المقدرة) اعترض بأن في ذكره بعد الفروض تكرارا لأن معنى الفروض: الأنصباء المقدرة، فكأنه قال: الانصباء المقدرة المقدرة.
وأجيب بارتكاب التجريد فيها بأن يراد منها الأنصباء فقط وقوله في كتاب الله، أي المنصوص عليها في كتاب الله، وهو القرآن العظيم.
وقيد به لأجل قوله بعد ستة لأنها هي الثابتة في كتاب الله وإلا ورد عليه أنها سبعة لا ستة فقط والسابع ثبت بالإجتهاد، وهو ثلث الباقي في مسائل الجد والإخوة حيث كان مع الجد ذو فرض وزادت الأخوة على مثليه.
وذلك كأم وجد وخمسة إخوة أصلها من ستة، وتصح من ثمانية، وقيل من ثمانية عشر تأصيلا، لأن فيها سدسا، وثلث الباقي ثلاثة وللجد ثلث الباقي خمسة، ولكل أخ اثنان من العشرة الباقية.
ومثله ثلث ما يبقي في الغرار سميا بذلك لشهرتهما، فهما كالكوكب الأغر: أي النير المضئ، وكما يسميان بالغواوين يسميان أيضا بالعمريتين: لقضاء سيدنا عمر فيهما بذلك، وبالغريبتين: لغرابتهما ومخالفتهما للقواعد، وهما أب وأم وزوج أو زوجة بأن ماتت الزوجة في المسألة الأولى عن أبيها وأمها وزوجها فللزوج النصف واحد لأنها من اثنين مخرج النصف وللأم ثلث الباقي وهو واحد، فانكسرت على مخرج الثلث: تضرب ثلاثة في اثنين بستة، فهي من ستة تصحيحا، وقيل تأصيلا، لأن فيها نصفا وثلث الباقي فللزوج النصف ثلاثة وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، أو مات الزوج في المسألة الثانية عن أبيه وأمه زوجته فللزوجة الربع واحد لأنها من أربعة مخرج الربع وللأم ثلث الباقي واحد وللأب اثنان، وأما السبع والتسع في مسائل العول فمذكوران في كتاب الله تعالى: لأن الأول سدس عائل، والثاني ثمن عائل، كما سيأتي بيانه (قوله: ستة) أي مقدارا وعددا، وخمسة مخرجا: لأن مخرج الثلث والثلثين من ثلاثة (قوله: ثلثان الخ) أعلم أن لهم في عد الفروض طرقا ثلاثا: الأولى طريقة التدلي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأعلى، ثم تنزل إلى ما تحته وهكذا: كأن تقول الثلثان والنصف ونصف كل ونصف نصفه، وعبارة الشارح قريبة من هذا، أو تقول الثلثان ونصفهما وربعهما والنصف ونصفه وربعه.
والثانية طريقة الترقي، وهي أن تذكر أولا الكسر الأدق ثم ما فوقه وهكذا، كأن تقول الثمن والسدس وضعفهما وضعف ضعفهما، أو تقول الثمن وضعفه وضعف ضعفه والسدس وضعفه وضعف ضعفه.
والثالثة طريقة التوسط، وهي أن تذكر أولا الكسر الوسط ثم تنزل درجة وتصعد درجة، كأن تقول الربع والثلث ونصف كل وضعف كل، أو تقول الربع ونصفه وضعفه والثلث ونصفه وضعفه.
والمقصود من العبارات واحد، فهو تفنن في التعبير
(قوله: فالثلثان) بدأ بهما اقتداء بالقرآن، ولأنه نهاية ما ضوعف (قوله: فرض أربعة) أي من الأصناف.
ولو قال لأربعة لكان أولى، لأجل أن يناسب قوله بعد لاثنين، ومثله يقال فيما يأتي (قوله: لاثنين فأكثر) خبر لمبتدأ محذوف: أي وهما لاثنين فأكثر، ولو عبر بما جعلته أولى لكان بدلا منه، وقوله من بنت: بيان لاسم العدد، أعني الاثنين، أي حالة كون الاثنين فأكثر من صنف البنات، وقوله وبنت ابن، الواو بمعنى أو، ومثله يقال فيما بعده، أي أن الثلثين فرض اثنين فأكثر من البنات، وفرض اثنين فأكثر من بنات الابن، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأبوين، وفرض اثنين فأكثر من الأخوات لأب، قال تعالى في البنات * (فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * (1) وبنات الابن كالبنات والبنتان وبنتا الابن مقيستان على الأختين.
وقال تعالى في الأختين فأكثر: * (فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك) * (2) إنزلت في سبع أخوات لجابر رضي الله عنه حين مرض وسأل عن إرثهن منه، فدل على أن المراد منها الأختان فأكثر.
ويشترط لاستحقاق البنات الثلثين أن لا يكون لهن معصب، ولاستحقاق بنات الإبن لهما عدم أولاد الصلب، وأن لا يكون معصب، ولاستحقاق
__________
(1) سورة النساء، الاية: 11.
(2) سورة النساء، الاية: 176.(3/265)
الأخوات لأبوين أن لا يكون ولد صلب.
ولا ولد ابن ولا معصب، ولاستحقاق الأخوات لأب أن لا يكون ولد صلب ولا ولد ابن ولا أحد من الأشقاء ولا معصب (قوله: وعصب كلا الخ) .
(اعلم) أن العصبة ثلاثة أقسام: عصبة بالنفس: وهم الذين سيذكرهم المؤلف بقوله وهي ابن وابنة الخ، ومعنى ذلك أن من انفرد منهم يأخذ جميع المال ويسقط إذا استغرقت أصحاب الفروض التركة إلا في المسألة المشركة، وهي زوج وأم وإخوة لأم وأخ شقيق فللزوج النصف وللأم السدس وللأخوة للأم الثلث، ويشاركهم الأخ الشقيق.
وعصبة بالغير: كالبنات بالبنين والأخوات بالإخوة، وهم الذين ذكرهم بقوله هنا وعصب كلا أخ الخ، ومعنى ذلك أنه يكون للذكر مثل حظ الأنثيين إجماعا لقوله تعالى: * (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) * (1) .
وعصبة مع الغير: كالأخوات مع البنات أو بنات الإبن، وهم الذين ذكرهم بقوله وعصب الأخريين الأوليان، ومعنى ذلك أن للبنت أو بنت الابن النصف فرضا وللبنات أو لبنات الابن الثلثين كذلك، وما فضل فهو للأخت أو للأخوات المتساويات بالعصوبة (قوله: أخ ساوى له) اللام زائدة والضمير يعود على كلا من البنت الخ.
وقوله في الرتبة، أي في الدرجة، متعلق بساوي، أي
ساوى ذلك الأخ كلا من البنت وما بعدها.
وخرج به من هو أعلى في الدرجة فلا يعصب من هي تحته فيها، بل يسقطها كالإبن مع بنت الإبن، ومن هو أنزل فيها فلا يعصب من هي أعلى منه، بل تأخذ فرضها وهو يأخذ الباقي كالبنت مع ابن الابن.
نعم: بنت الإبن يعصبها الذكر النازل عنها درجة من أولاد الإبن إن لم يكن لها شئ من الثلثين، كبنتي صلب وبنت ابن وابن ابن ابن، فإن كان لها شئ من الثلثين لم يعصبها: كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن، بل لبنت الصلب النصف، ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين والباقي له، لأن لها فرضا استغنت عن تعصيبه.
قال ابن رسلان في زبده: وعصب الأخت أخ يماثل وبنت الإبن مثلها والنازل وقوله والإدلاء هو معطوف على الرتبة، أي وساواه في الإدلاء أي الانتماء والقرب للميت (قوله: فلا يعصب الخ) تفريع على مفهوم قوله ساوي له بالنسبة للرتبة.
وقوله الآتي ولا يعصب الأخ الخ، تفريع على مفهومه بالنسبة للإدلاء.
وقوله إبن الإبن البنت: وإنما لم يعصبها لأنه أنزل منها درجة، كما علمت (قوله: ولا ابن ابن الابن بنت ابن) أي ولا يعصب ابن ابن الابن بنت ابن لأنه أنزل منها أيضا.
هذا إن كان لها شئ من الثلثين، وإلا عصبها، كما علمت (قوله: لعدم المساواة في الرتبة) علة لعدم تعصيب ابن الابن البنت وابن ابن ابن بنت ابن (قوله: ولا يعصب الأخ لأبوين الأخت لأب) أي بل يحجبها (قوله: ولا الأخ لأب الأخت لأبوين) أي ولا يعصب الأخ لأب الأخت لأبوين، بل يفرض لها معه ويأخذ الباقي بالتعصيب (قوله: لعدم المساواة في الإدلاء) هو علة لعدم تعصيب الأخ لأبوين الأخت لأب، وعدم تعصيب الأخ لأب الأخت لأبوين: أي وإنما لم يعصبها في الصورة الأولى لعدم مساواتها له في الإدلاء إلى الميت، إذ هي تدلي بالأب فقط، وهو يدلي بالأب والأم، بل تسقط، ولم يعصبها في الصورة الثانية لعدم المساواة أيضا في الإدلاء لأنها أدلت إلى الميت بالأبوين وهو بالأب فقط، بل تأخذ نصف التركة فرضا، وهو يأخذ الباقي تعصيبا (قوله: وإن تساويا في الرتبة) غاية في عدم تعصيب الأخ الخ (قوله: وعصب الأخريين الخ) قال في الرحبية: والأخوات إن تكن بنات فهن معهن معصبات
__________
(1) سورة النساء، الاية: 11.(3/266)