(قوله: ثم ما يليه) أي ثم يندب الوقوف فيما يلي الصف الأول.
(واعلم) أن أفضلية الأول فالأول تكون للرجال والصبيان، وإن كان ثم غيرهم، وللخناثى الخلص، أو مع النساء وللنساء الخلص، بخلاف النساء مع الذكور أو الخناثى، فالأفضل لهن التأخر، وكذا الخناثى مع الذكور.
وأصل ذلك خبر مسلم: خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها.
وخير صفوف النساء - أي مع غيرهن - آخرها، وشرها أولها.
(قوله: وأفضل كل صف يمينه) أي ما كان على يمينه، وذلك لما روي عن أبي هريرة: الرحمة تنزل على الإمام،
ثم من على يمينه الأول، فالأول.
وكتب سم ما نصه: قوله وأفضل كل صف يمينه: لعله بالنسبة ليساره، لا لمن خلف الإمام.
وعبارة العباب وشرحه: والوقوف بقرب الإمام في صف أفضل من البعد عنه فيه، وعن يمين الإمام وإن بعد عنه، أفضل من الوقوف عن يساره وإن قرب منه.
ومحاذاته، بأن يتوسطوه ويكتنفوه من جانبيه أفضل.
اه.
(قوله: ولو ترادف) أي تعارض.
(وقوله: يمين الإمام) أي الوقوف عن يمين الإمام في غير الصف الأول.
(وقوله: والصف الأول) أي الوقوف فيه في غير يمين الإمام.
(وقوله: قدم) أي الصف الأول.
(قوله: ويمينه الخ) أي فلو تعارض الوقوف في يمين الإمام مع البعد عنه، والوقوف في يساره مع القرب منه، قدم الأول، وإن كان من باليسار يسمع الإمام ويرى أفعاله.
(قوله: وإدراك الصف الأول الخ) يعني لو تعارض عليه إدراك الصف الأول وإدراك ركوع غير الركعة الأخيرة، فإن ذهب للصف الأول يفوته ركوع ذلك، وإن وقف في غير الصف الأول أدركه، فالأولى له الذهاب إلى الصف الأول ليحوز فضله.
(قوله: فإن فوتها إلخ) أي فوت الركعة الأخيرة قصد الصف الأول، بأن كان لو ذهب إلى الصف الأول رفع الإمام رأسه من الركوع، ولو لم يذهب إليه، أدرك ركوع الإمام في الركعة الأخيرة.
(قوله: فإدراكها) أي الركعة الأخيرة.
(وقوله: أولى من الصف الأول) تقدم عن الرملي الكبير أن إدراك الصف أولى.
(قوله: وكره لمأموم انفراد إلخ) أي ابتداء ودواما - كما في ح ل - وتفوت به فضيلة الجماعة.
قال م ر في شرحه، وحجر وسم: إن الصفوف المتقطعة تفوت عليهم فضيلة الجماعة.
اه.
وقال م ر في الفتاوي، تبعا للشرف المناوي، إن الفائت عليهم: فضيلة الصفوف، لا فضيلة الجماعة.
ومال ع ش إلى ما في شرح الرملي، لأنه إذا تعارض ما فيه وغيره قدم ما في الشرح اه.
بجيرمي.
(قوله: الذي من جنسه) أي المأموم، كأن كان رجلا وأهل الصف كلهم رجال، أو أنثى وأهل الصف كلهم إناث، أو خنثى وأهل الصف كلهم خناثى.
وخرج بالجنس غيره.
كامرأة وليس هناك نساء، أو خنثى وليس هناك خناثى، فلا كراهة بل يندب.
(قوله: إن وجد فيه) - أي الصف - سعة، بأن كان لو دخل في الصف وسعه، من غير إلحاق مشقة لغيره، وإن لم تكن فيه فرجة فإن لم يجد السعة أحرم، ثم بعده جر إليه شخصا من الصف ليصطف معه، خروجا من الخلاف، ولما رواه الطبراني عن وابصة: أيها المصلي وحده، ألا وصلت إلى الصف فدخلت معهم؟ أو جررت إليك رجلا إن ضاق بك المكان فقام معك؟ أعد صلاتك فإنه لا صلاة لك.
(وقوله: أعد إلخ) محمول على الندب، وسن لمجروره مساعدته بموافقته، فيقف معه صفا لينال فضل المعاونة على البر والتقوى.
وظاهر أنه لا يجر أحدا من الصف إذا كان اثنين، لأنه يصير أحدهما منفردا.
(والحاصل) شروط الجر أربعة: أن يكون الجر بعد إحرامه.
وأن يجوز موافقته، وإلا
امتنع خوف الفتنة، وأن يكون حرا، لئلا يدخل غيره في ضمانه بالاستيلاء عليه.
وأن لا يكون الصف اثنين.
وقد نظمها (1) بعضهم بقوله: لقد سن جر الحر من صف عدة * * يري الوفق فاعلم في قيام قد احرما
__________
لقد وقد نظمها أي مع زيادة شرط وهو أن يكون في القيام اه مؤلف(2/30)
وقوله قد أحرما: بنقل همزة أحرم للدال.
(قوله: بل يدخله) أي الصف الذي فيه سعة.
ولو وجدها وبينه وبينها صفوف كثيرة خرق جميعها ليدخل تلك الفرجة، لأنهم مقصرون بتركها، ولكراهة الصلاة لكل من تأخر عن صفها.
وبهذا يعلم ضعف ما قيل من عدم فوت الفضيلة هنا على المتأخرين.
نعم، إن كان تأخرهم لعذر، كوقت الحر بالمسجد الحرام، فلا كراهة، ولا تقصير كما هو ظاهر.
كذا في التحفة والنهاية.
(قوله: وشروع في صف إلخ) أي وكره شروع في صف قبل إتمام الصف الذي أمامه.
(وسئل) الشهاب ابن حجر عما عم الابتلاء به في المسجد الحرام.
وهو أنه لا يتم فيه غير صف الحاشية - أي حاشية المطاف - على أنه إنما يتم في بعض الفروض لا كلها، وأكثر الناس يتخلفون عن الصف الأول أو الثاني مع نقصه فهل يكره ذلك وتفوت به فضيلة الجماعة أو لا؟.
(فأجاب) رضي الله عنه: نعم، يكره ذلك للأحاديث الآتية فيه، وتفوت به فضيلة الجماعة، لا بركتها المانعة لتسلط الشيطان ووسوسته، ولا صورتها المسقطة لفرض الكفاية أو العين في الجمعة.
فعلم أنه لا يلزم من سقوط فضيلتها سقوط صورتها، خلافا لكثيرين وهموا فيه.
وقد صرح في شرح المهذب بكراهة ذلك، لأنه خالف فيه فاعله المتابعة المندوبة في المكان ونحوه.
وسبقه الأصحاب إلى ذلك حيث قالوا: يكره إنشاء صف من قبل إتمام ما قبله، وصرحوا بأن كل مكروه من حيث الجماعة يكون مبطلا لفضيلتها، أي التي هي سبع وعشرون درجة.
وقد ورد خبر: من وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله تعالى.
أي عن الخير والكمال.
وأخذ منه ابن حزم: بطلان الصلاة.
والبخاري أن فاعل ذلك يأثم.
ورد بأن غيرهما حكى الإجماع على عدم الوجوب.
اه.
ملخصا من هامش على شرح المنهج بخط العلامة الشيخ محمد صالح الرئيس المكي، رحمه الله تعالى.
(قوله: ووقوف الذكر الفرد عن يساره) أي ويكره وقوف الذكر الفرد عن يسار الإمام.
وهذا محترز قوله عن يمين الإمام، وكذا قوله ووراءه ومحاذيا له.
(قوله: ومحاذيا له) أي مساويا.
(قوله: ومتأخرا كثيرا) أي بأن يكون زائدا على ثلاثة أذرع.
وهذا محترز قوله متأخرا قليلا.
(قوله: وكل هذه) أي وكل واحدة من هذه الصور، وهي الانفراد عن الصف، والشروع في صف قبل إتمام ما قبله، ووقوف الذكر الفرد عن يساره أو وراءه أو محاذيا له أو متأخرا كثيرا.
(قوله: تفوت فضيلة الجماعة) أي التي هي سبع وعشرون درجة، أو خمس وعشرون.
ولا تغفل عما سبق لك من أن المراد فوات ذلك الجزء الذي حصل فيه ذلك المكروه، لا في كل الصلاة.
(قوله: ويسن أن لا يزيد إلخ) فلو زيد على ذلك كره للداخلين أن يصطفوا مع المتأخرين، فإن فعلوا لم يحصلوا فضيلة الجماعة، أخذا من قول القاضي: لو كان بين الإمام ومن خلفه أكثر من ثلاثة أذرع فقد ضيعوا حقوقهم، فللداخلين الاصطفاف بينهما، وإلا كره لهم.
أفاده في التحفة.
(قوله: والأول والإمام) أي ويسن أن لا يزيد ما بين الصف الأول والإمام.
(قوله: ويقف الخ) أي ويسن إذا تعددت أصناف المأمومين أن يقف خلفه الرجال، ولو أرقاء، ثم بعده - إن كمل صفهم - الصبيان، ثم بعدهم - وإن لم يكمل صفهم - النساء.
وذلك للخبر الصحيح: ليليني منكم أولو الأحلام والنهي - أي البالغون العاقلون - ثم الذين يلونهم.
ثلاثا.
ومتى خولف الترتيب المذكور كره.
(تنبيه) النسوة إذا صلين جماعة تقف ندبا إمامتهن وسطهن، لأنه أستر لها.
ومثلهن العراة البصراء، فيقف إمامهم غير المستور وسطهم، ويقفون صفا واحدا إن أمكن، لئلا ينظر بعضهم إلى عورة أحد.(2/31)
(قوله: ولا يؤخر الصبيان للبالغين) أي إذا حضر الصبيان أولا وسبقوا إلى الصف الأول، ثم حضر البالغون، فلا ينحى الصبيان لأجلهم، لأنهم حينئذ أحق به منهم.
(وقوله: لاتحاد جنسهم) أي أن جنس الصبيان والبالغين واحد، وهو الذكورية.
وأفهم التعليل المذكور أن النساء لو سبقن للصف الأول ثم حضر غيرهن يؤخرن لأجله، وذلك لعدم اتحاد الجنس.
وانظر إذا أحرمن ثم بعده حضر غيرهن، هل يؤخرن بعد الإحرام أو لا؟.
ثم رأيت ع ش استقرب الأول وقال: حيث لم يترب على تأخرهن أفعال مبطلة.
(قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة.
(قوله: علم بانتقال إمام) أي علم المأموم بانتقال إمامه.
وأراد بالعلم ما يشمل الظن، بدليل قوله أو صوت مبلغ.
(قوله: برؤية له) متعلق بعلم، أي أن علمه بذلك يحصل برؤية إمامه.
(قوله: أو لبعض صف) أي أو رؤية لبعض صف من يمينه أو يساره أو أمامه.
(قوله: أو
سماع لصوته) معطوف على رؤية، أي أو يحصل علمه بسماع لصوت إمامه.
(قوله: أو صوت مبلغ) أي أو سماع صوت مبلغ، أي وإن لم يكن مصليا.
(وقوله: ثقة) قال في النهاية: المراد بالثقة هنا عدل الرواية، إذ غيره لا يقبل إخباره.
ثم قال: ولو ذهب المبلغ في أثناء صلاته لزمته نية المفارقة، أي إن لم يرج عوده قبل مضي ما يسع ركنين في ظنه فيما يظهر.
فلو لم يكن ثم ثقة وجهل المأموم أفعال إمامه الظاهرة، كالركوع والسجود، لم تصح صلاته، فيقضي لتعذر المتابعة حينئذ.
اه.
(قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة.
(وقوله: اجتماعهما) حاصل الكلام على ما يتعلق بهذا الشرط، أن لاجتماعهما أربع حالات.
الحالة الأولى: أن يجتمعا في مسجد.
الحالة الثانية: أن يجتمعا في غيره، وهذه تحتها أربع صور، وذلك لأنهما إما أن يجتمعا في فضاء، أو في بناء، أو يكون الإمام في بناء والمأموم في فضاء، أو بالعكس.
الحالة الثالثة: أن يكون الإمام في المسجد، والمأموم خارجه.
الحالة الرابعة: بعكس هذه.
ففي الأولى يصح الاقتداء مطلقا وإن بعدت المسافة بينهما، وحالت أبنية واختلفت، كأن كان الإمام في سطح أو بئر، والمأموم في غير ذلك.
لكن يشترط فيها أن تكون نافذة إلى المسجد نفوذا لا يمنع الاستطراق عادة، كأن كان في البئر مرقى يتوصل به إلى الإمام من غير مشقة.
ولا يشترط هنا عدم الازورار والانعطاف، ولا يكفي الاستطراق من فرجة في أعلى البناء، لأن المدار على الاستطراق العادي.
ولا يضر غلق أبوابها، ولو ضاع مفتاح الغلق، بخلاف التسمير، فيضر.
وعلم أنه يضر الشباك الكائن في جدار المسجد، فلا تصح الصلاة من خلفه، لأنه يمنع الاستطراق عادة.
وخالف الأسنوي فقال: لا يضر، لأن جدار المسجد منه.
وهو ضعيف، لكن محل الضرر في الشباك، إذا لم يكن الجدار الذي هو فيه متصلا بباب المسجد، ويمكن الوصول منه إلى الإمام من غير ازورار وانعطاف.
فإن كان كذلك فلا يضر.
وقال ح ل: متى كان متصلا بما ذكر لا يضر، سواء وجد ازورار وانعطاف أو لا.
وفي الصورة الأولى من الحالة الثانية يشترط لصحة القدوة قرب المسافة بأن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع.
وفي الصور الثلاث منها يشترط - زيادة على ذلك - عدم حائل يمنع مرورا أو رؤية أو وقوف واحد حذاء منفذ في الحائل إن وجد.
ويشترط - في الواقف - أن يرى الإمام أو بعض من يقتدي به.
وحكم هذا الوقف حكم الإمام بالنسبة
لمن خلفه، فلا يحرمون قبله، ولا يسلمون قبله.
وعند م ر: يشترط أن يكون ممن يصح الاقتداء به، فإن حال ما يمنع ذلك أو لم يقف واحد حذاء منفذ فيه بطلت القدوة.(2/32)
وفي الحالة الثالثة والرابعة يشترط فيهما أيضا ما ذكر، من قرب المسافة، وعدم الحائل، أو وقوف واحد حذاء المنفذ.
وقد أشار إلى هذه الأحوال وشروطها بعضهم في قوله: والشرط في الإمام والمأموم: * * الاجتماع، فاحفظن مفهومي وأن يكونا في محل الموقف * * مجتمعين يا أخي فاعرف وإن يكن بمسجد فأطلقا، * * ولا تقيده بشرط مطلقا وإن يكن كل بغير المسجد * * أو فيه شخص منهما فقيد بشرط قرب، وانتفاء الحائل * * فاعلم تكن بالعلم خير فاضل وذرع حد القرب حيث يعتبر * * هنا ثلاث من مئين تختبر وقوله وإن يكن بمسجد: اسم يكن يعود على كل من الإمام والمأموم، بدليل ما بعده.
(قوله: بمكان) أي في مكان.
فالباء بمعنى في.
والمراد ما يشمل المسجد وغيره، كما علمت.
(قوله: كما عهد إلخ) الكاف للتعليل، وما واقعة على الاجتماع المذكور، أي لما عهد عليه الجماعات في العصر الماضية من اجتماع الإمام والمأموم في مكان واحد، أي ومبنى العبادات على رعاية الاتباع.
(قوله: فإن كانا الخ) شروع فيما يتعلق بالشرط المذكور من الأحوال التي ذكرتها سابقا، فالفاء تفريعية.
(وقوله: بمسجد) أي أو مساجد متلاصقة تنافذت أبوابها وإن كانت مغلقة غير مسمرة، أو انفرد كل مسجد بإمام ومؤذن وجماعة.
(قوله: ومنه) أي ومن المسجد.
(قوله: وهي) أي الرحبة.
(وقوله: ما خرج عنه) أي المسجد.
قال العلامة الكردي: اختلف فيها ابن عبد السلام وابن الصلاح، فقال الأول: هي ما كان خارجه محجرا عليه لأجله.
وقال ابن الصلاح: هي صحن المسجد.
وطال النزاع بينهما، وصنف كل منهما تصنيفا.
والصواب ما قاله ابن عبد السلام.
اه.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه: ما حقيقة رحبة المسجد؟ وما الفرق بينها وبين حريمه؟ وهل
لكل حكم المسجد؟ (فأجاب) بقوله: قال في المجموع: ومن المهم بيان حقيقة هذه الرحبة.
ثم نقل عن صاحب الشامل والبيان أنها ما كان مضافا إلى المسجد محجرا عليه لأجله، وأنها منه، وأن صاحب البيان وغيره نقلوا عن نص الشافعي - رضي الله عنه - وغيره صحة الاعتكاف فيها.
قال النووي: واتفق الأصحاب على أن المأموم لو صلى فيها مقتديا بإمام المسجد صح، وإن حال بينهما حائل يمنع الاستطراق، لأنها منه، وليست توجد لكل مسجد.
وصورتها: أن يقف الإنسان بقعة محدودة مسجدا، ثم يترك منها قطعة أمام الباب، فإن لم يترك شيئا لم يكن له رحبة، وكان له حريم.
أما لو وقف دارا محفوفة بالدور مسجدا فهذا لا رحبة له ولا حريم، بخلاف ما إذا كان بجانبها موات، فإنه يتصور أن يكون له رحبة وحريم، ويجب على الناظر تمييزها منه، فإن لها حكم المسجد دونه، وهو ما يحتاج إليه لطرح القمامات والزبل اه.
بحذف.
(قوله: لكن حجر) أي حوط عليه.
(وقوله: لأجله) أي لأجل المسجد، أي اتساعه.
(قوله: سواء أعلم الخ) تعميم في كون الرحبة من المسجد، أي لا فرق في كونها منه بين أن يعلم وقفيتها أو يجهل.
(وقوله: عملا بالظاهر) علة(2/33)
في إثبات كونها منه مع جهل وقفيتها.
(قوله: وهو) أي الظاهر التحويط، أي عليها.
(قوله: لكن ما لم يتيقن الخ) مرتبط بقوله ورحبته، أي من المسجد رحبته إذا لم يتيقن حدوثها بعد المسجد وأنها غير مسجد، فإن تيقن ذلك فهي ليست من المسجد.
(قوله: وأنها غير مسجد) قال السيد عمر البصري في حاشية التحفة: التعبير بأو أولى.
فتأمل.
اه.
ولعل وجهه أن الواو لكونها موضوعة للجمع تقتضي أنه لا بد في عد الرحبة من المسجد من عدم مجموع شيئين، وهما تيقن الحدوث بعده، وتيقن أنها غير مسجد، مع أنه يكفي في ذلك عدم أحدهما.
فمتى لم يتيقن الحدوث بعده، أو لم يتيقن أنها غير مسجد، فهي من المسجد.
ومتى ما تيقن أحدهما، فهي ليست منه.
وعدم تيقن غير المسجدية صادق بما إذا تيقنت المسجدية وبما إذا جهل الحال، وكذلك عدم تيقن الحدوث صادق بما إذا تيقن غيره وبما إذا جهل الحال.
تأمل.
(قوله: لا حريمه) معطوف على جداره، أي وليس من المسجد حريم المسجد.
(قوله: وهو) أي الحريم.
(وقوله: اتصل به) أي بالمسجد.
(قوله: كانصباب الخ) تمثيل للمصلحة العائد على المسجد.
(قوله: ووضع نعال) أي في الحريم.
(قوله: صح الاقتداء) جواب فإن كانا.
(قوله: وإن زادت إلخ) غاية لصحة الاقتداء.
(وقوله: بينهما) أي الإمام والمأموم.
(قوله: أو اختلفت الأبنية) أي كبئر وسطح ومنارة.
وهنا قيد ساقط يعلم من قوله بعد بخلاف إلخ وهو: وكانت
نافذة إلى المسجد نفوذا يمكن الاستطراق منه عادة.
وقد صرح به في المنهج، وعبارته: فإن كانا بمسجد صح الاقتداء، وإن حالت أبنية نافذة.
اه.
وكان على الشارح التصريح به، كغيره.
(قوله: بخلاف من ببناء فيه) أي المسجد.
(وقوله: لا ينفذ بابه) أي البناء.
(وقوله: إليه) أي المسجد.
(قوله: بأن سمر) أي الباب.
وهو تصوير لعدم النفوذ، وإنما صور به ليخرج ما لو أغلق فإنه لا يضركما علمت.
قال السيد عمر البصري في فتاويه: الفرق بين التسمير والإغلاق في القدوة: أن التسمير أن يضرب مسمار على باب المقصورة.
والإغلاق منع المرور بقفل أو نحوه.
فالتسمير يخرج الموقفين عن كونهما مكانا واحدا، وهو مدار صحة القدوة، بخلاف الإغلاق.
اه.
(قوله: أو كان سطحا) انظر هو معطوف على أي شئ قبله؟ فإن كان على متعلق الجار والمجرور الواقع صلة الموصول انحل المعنى، وبخلاف من كان سطحا، ولا معنى له، إلا أن يجعل سطحا منصوبا بإسقاط الخافض، أي بسطح.
وإن كان معطوفا على الموصول وصلته انحل المعنى، وبخلاف كان إلخ، ولا معنى له أيضا.
وإن كان معطوفا على سمر الواقع تصويرا للبناء الذي لا ينفذ بابه إليه، صح ذلك، إلا أنه يرد عليه أن سطح المسجد ليس من جملة البناء الكائن فيه.
إذا علمت ذلك، فكان الأولى والأخصر أن يقول: أو بسطح، ويكون معطوفا على ببناء.
فتنبه.
(قوله: لا مرقى له) أي للسطح منه.
أي المسجد، وإن كان له مرقى من خارجه.
ولو كان له مرقى من المسجد وزال في أثناء الصلاة ضر، كما قاله القليوبي.
(قوله: حينئذ) أي حين إذ كان ببناء لا منفذ له إليه، أو كان بسطح لا مرقى له إليه.
(قوله: كما لو وقف الخ) الكاف للتنظير في عدم صحة القدوة لعدم الاجتماع.
قال العلامة الكردي: هذا هو المعتمد في ذلك.
وقد أفرد الكلام عليه السيد السمهودي بالتأليف وأطال في بيانه.
وفي فتاوي السيد عمر البصري كلام طويل فيه.
حاصله: أنه يجوز تقليد القائل بالجواز مع ضعفه: فيصلي في الشبابيك التي بجوار المسجد الحرام، وكذلك مسجد المدينة وغيره.
اه.
وقال في التحفة: وبحث الأسنوي إن هذا في غير شباك بجدار المسجد.
وإلا كالمدارس التي بجدار المساجد الثلاثة صحت صلاة الواقف فيها، لأن جدار المسجد منه، والحيلولة فيه لا تضر.
رده جمع، وإن انتصر له آخرون بأن شرط الأبنية في المسجد تنافذ أبوابها - على ما مر - فغاية جداره أن يكون كبناء فيه، فالصواب أنه لا بد من وجود باب أو خوخة فيه يستطرق منه إليه من غير أن يزور.
اه.
(قوله: ولا يصل إليه) أي الإمام.
(وقوله: إلا بازورار أو انعطاف) أو بمعنى الواو، ولو عبر بها لكان أولى.
والعطف من عطف(2/34)
أحد المترادفين على الآخر، فإن وصل إليه لا بذلك صحت صلاته، لكن بشرط أن يكون في الجدار باب أو خوخة
يتوصل منه للإمام، كما يعلم ذلك من عبارة التحفة المتقدمة.
(قوله: بأن الخ) تصوير للازورار أو الانعطاف.
(وقوله: ينحرف عن جهة القبلة) أي بحيث تكون خلف ظهره، بخلاف ما إذا كانت عن يمينه أو يساره فإنه لا يضر.
(قوله: ولو كان أحدهما) أي إماما أو مأموما.
(وقوله: والآخر) أي إماما أو مأموما أيضا.
(وقوله: خارجه) أي المسجد.
(قوله: بأن لا يزيد إلخ) تصوير لقرب المسافة.
(وقوله: ما بينهما) أي بين الذي في المسجد وبين الآخر الذي خارجه.
(وقوله: على ثلثمائة ذراع) هي معتبرة من طرف المسجد الذي يلي من هو خارجه إن كان الإمام فيه والمأموم خارجه، أو من طرفه الذي يلي الإمام إن كان المأموم فيه والإمام خارجه.
(وقوله: تقريبا) أي لا تحديدا.
فلا تضر زيادة غير متفاحشة كثلاثة أذرع وما قاربها.
(قوله: عدم حائل) نائب فاعل شرط.
والمراد أن يعدم ابتداء، فلو طرأ في أثنائها وعلم بانتقالات الإمام ولم يكن بفعله لم يضر.
أفاده م ر، ونقله ابن قاسم عن شرح العباب.
ونص الثاني: قال في شرح العباب، ورجح الأذرعي: أنه لو بني بين الإمام والمأموم حائل في أثناء الصلاة يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يضر، وإن اقتضى إطلاق المنهاج وغيره خلافه.
وظاهر مما مر أن محله ما إذا لم يكن البناء بأمره.
اه.
(قوله: يمنع مرور أو رؤية) سيذكر محترزه.
(قوله: أو وقوف واحد) معطوف على عدم حائل، أي فإن وجد حائل شرط وقوف واحد حذاء المنفذ، ولا يتصور هذا إلا في أحد قسمي الحائل، وهو ما يمنع الرؤية فقط.
وأما لو كان يمنع المرور فلا يكون فيه منفذ.
(وقوله: في الحائل) متعلق بمحذوف صفة لمنفذ، أي كائن في الحائل.
(وقوله: إن كان) أي إن وجد ذلك المنفذ، ولا يوجد إلا فيما يمنع الرؤية كما علمت.
(قوله: كما إذا كانا) أي الإمام والمأموم.
والكاف للتنظير.
(قوله: كصحن) قال في المصباح: صحن الدار وسطها اه.
ولعله هو المسمى بالمجلس عند أهل الحرمين.
(وقوله: وصفة) وهي خلاف الصحن، وتكون أمامه، أو عن يمينه أو شماله.
(قوله: أو كان أحدهما) أي المأموم أو الإمام.
(وقوله: والآخر) أي المأموم أو الإمام أيضا.
(وقوله: بفضاء) هو ما ليس بناء.
(قوله: فيشترط أيضا) أي كما يشترط فيما إذا كان أحدهما بمسجد والآخر خارجه.
(وقوله: هنا) أي فيما إذا كان ببناءين أو أحدهما به والآخر في فضاء.
(وقوله: ما مر) أي من قرب المسافة وعدم الحائل، أو وقوف واحد حذاء منفذ فيه.
(قوله: فإن حال ما يمنع) أي حائل يمنع مرورا.
(وقوله: كشباك) تمثيل لما يمنع المرور.
(قوله: أو رؤية) أي أو حال ما يمنع رؤية.
(وقوله: كباب مردود) تمثيل له.
(قوله: وإن لم تغلق ضبته) غاية في تأثير الباب المردود، أي أنه يؤثر في صحة القدوة مطلقا، سواء أغلقت ضبته أم لا، فالمضر هنا مجرد الرد، سواء وجد غلق أو تسمير أم لا، بخلاف الأبنية الكائنة في المساجد فإنه لا يضر فيها إلا التسمير، والفرق أنها
فيه كبناء واحد، كما مر.
(قوله: لمنعه) أي الباب المردود المشاهدة، أي مشاهدة الإمام.
وهو تعليل لكون الباب المردود يؤثر في صحة القدوة.
(وقوله: وإن لم يمنع الاستطراق) أي الوصول للإمام، وهذا إذا لم يغلق الباب.
(قوله: ومثله) أي الباب المردود، في الضرر.
(وقوله: الستر) بكسر السين، اسم للشئ الذي يستر به، وبالفتح، اسم للفعل.
(وقوله: المرخى) أي بين الإمام والمأموم.
(قوله: أو لم يقف أحد) معطوف على جملة حال ما يمنع الخ، أي أو لم يحل ما يمنع المرور أو الرؤية، بأن حال ما لا يمنع ذلك ولكن لم يقف أحد حذاء منفذ في ذلك الحائل.
(قوله: لم يصح الاقتداء) جواب إن.
(قوله: فيهما) أي في صورة ما إذا حال ما يمنع ما ذكر، وصورة ما إذا لم يقف واحد حذاء المنفذ.
(قوله: وإذا وقف واحد إلخ) قال الكردي: قال الحلبي: لا بد أن يكون هذا الواقف يصل إلى الإمام من غير ازورار(2/35)
وانعطاف، أي بحيث لا يستدبر القبلة بأن تكون خلف ظهره، بخلاف ما إذا كانت عن يمينه أو يساره فإنه لا يضر.
اه.
وقال أيضا: بقي الكلام في المراد من وقوف الرابطة في المسجد حذاء المنفذ، أي مقابله، هل المراد منه أن يكون المنفذ أمامه أو عن يمينه أو يساره أو لا فرق؟ ظاهر التحفة والنهاية وغيرهما: الثالث.
وظاهر كلام غير واحد يفيد أن محل كلامهم فيما إذا كان المنفذ أمام الواقف.
اه.
(قوله: حتى يرى الإمام) أي ليرى الإمام، فحتى تعليلية بمعنى اللام، وقضيته: أنه لو علم بانتقالات الإمام ولم يره ولا أحدا ممن معه، كأن سمع صوت المبلغ، لا يكفي، وهو كذلك.
وعبارة شرح العباب: ويشترط في هذا الواقف قبالة المنفذ أن يكون يرى الإمام أو واحدا ممن معه في بنائه.
اه.
أفاده سم.
قال البجيرمي: قال شيخنا ح ف: ومقتضاه اشتراط كون الرابطة بصيرا، وأنه إذا كان في ظلمة بحيث تمنعه من رؤية الإمام أو أحد ممن معه في مكانه، لم يصح.
اه.
(قوله: أو بعض من معه في بنائه) أي أو يرى بعض من يصلي مع الإمام من المأمومين، حالة كون ذلك البعض كائنا في البناء الذي يصلي فيه الإمام.
فالظرف متعلق بمحذوف صلة من، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من بعض.
(قوله: فحينئذ الخ) جواب إذا، والصواب حذف حينئذ والاقتصار على ما بعده، لأن إثباته يورث ركاكة في العبارة، إذ التقدير عليه: تصح صلاة من بالمكان الآخر إذا وقف واحد حذاء منفذ حين إذ وقف واحد الخ، وإنما كان التقدير ما ذكر لأن إذا منصوبة بجوابها.
فتنبه.
(قوله: تبعا لهذا المشاهد) أي للإمام أو بعض من معه، فهو بصيغة اسم الفاعل، ويحتمل أن يكون بصيغة اسم المفعول.
وعلى كل فالمراد به الواقف حذاء المنفذ.
فالأول: باعتبار أنه هو مشاهد للإمام أو من معه.
والثاني: باعتبار أن المأمومين الذين في بنائه يشاهدونه.
(قوله:
فهو) أي هذا المشاهد.
(وقوله: في حقهم) أي من بالمكان الآخر.
(قوله: حتى لا يجوز الخ) حتى تفريعية والفعل بعدها مرفوع، أي وإذا كان كالإمام فلا يجوز التقدم الخ.
(قوله: ولا بأس بالتقدم عليه في الأفعال) علل ذلك في التحفة بكونه ليس بإمام حقيقة، قال: ومن ثم اتجه جواز كونه امرأة، وإن كان من خلفه رجالا.
اه.
وقياسه: جواز كونه أميا، أو ممن يلزمه القضاء كمقيم، ومتيمم.
وخالف الجمال الرملي: فاعتمد أنه يضر التقدم بالأفعال كالإمام، وعدم جواز كونه امرأة لغير النساء.
وقياسه عدم الاكتفاء بالأمي ومن يلزمه القضاء.
(قوله: ولا يضرهم بطلان صلاته) أي لا يضر المأمومين الذين بالمكان الآخر بطلان صلاة هذا المشاهد الواقف حذاء المنفذ.
قال في التحفة: فيتمونها خلف الإمام إن علموا بانتقالاته.
اه.
(قوله: كرد الريح الباب) الكاف للتنظير في عدم الضرر.
وخرج بالريح ما لو رده هو، فإنه يضر.
وفي ع ش ما نصه: (فرع) المعتمد أنه إذا رد الباب في الأثناء بواسطة ريح أو غيره امتنع الاقتداء وإن علم انتقالات الإمام، لتقصيره بعدم إحكام فتحه، بخلاف ما لو زالت الرابطة في الأثناء بحدث أو غيره لا يمنع بقاء الاقتداء، بشرط العلم بالانتقالات.
اه سم على منهج وقوله: أو غيره ظاهره ولو كان عاقلا.
اه.
(وقوله: أثناءها) أي الصلاة وخرج به ما لو رده ابتداء، فإنه يضر.
وهذا مؤيد لما مر.
(قوله: لأنه يغتفر الخ) تعليل لعدم الضرر في صورة بطلان صلاة المشاهد ورد الريح الباب.
(قوله: لو وقف أحدهما) أي الإمام أو المأموم.
(وقوله: في علو) بضم العين وكسرها، مع سكون اللام.
(قوله: والآخر) أي وقف الآخر إماما أو مأموما.
(وقوله: في سفل) بضم السين وكسرها، مع سكون الفاء.
(قوله: اشتراط عدم الحيلولة) أي اشتراط أن لا يوجد حائل بينهما يمنع الاستطراق إلى الإمام عادة.
ويشترط أيضا القرب، بأن لا يزيد ما بينهما على ثلثمائة ذراع إن كانا - أو أحدهما - في غير المسجد، وإلا فلا يشترط.
قال في المغنى:(2/36)
وينبغي أن تعتبر المسافة من السافل إلى قدم العالي.
اه.
(وقوله: لا محاذاة الخ) معطوف على عدم الحيلولة، أي لا يشترط محاذاة قدم الأعلى رأس الأسفل.
وهذا هو طريقة العراقيين، وهي المعتمدة.
وطريقة المراوزة الاشتراط، وهي ضعيفة ومعنى المحاذاة عليها: أنه لو مشى الأسفل جهة الأعلى مع فرض اعتدال قامته أصاب رأس الأسفل قدميه مثلا، وليس المراد كونه لو سقط الأعلى سقط على الأسفل.
والخلاف في غير المسجد، أما هو فليست المحاذاة بشرط فيه، باتفاق الطريقتين، فقوله وإن كانا في غير المسجد: الغاية للرد على من شرط المحاذاة في غيره.
(وقوله: خلافا لجمع متأخرين) أي شرطوا ذلك في غير المسجد، كما علمت.
(قوله: ويكره الخ) أي للنهي عن ارتفاع الإمام عن
المأموم.
أخرجه أبو داود والحاكم، وللقياس عليه في العكس.
(وقوله: ارتفاع أحدهما على الآخر) أي ارتفاعا يظهر حسا، وإن قل، حيث عده العرف ارتفاعا، وما نقل عن الشيخ أبي حامد أن قلة الارتفاع لا تؤثر يظهر حمله على ما تقرر.
اه.
نهاية.
ومثله في التحفة.
ومحل الكراهة..إذا أمكن وقوفهما على مستو، وإلا بأن كان موضع الصلاة موضوعا على هيئة فيها ارتفاع وانخفاض فلا كراهة.
قال الكردي: وفي فتاوي الجمال الرملي: إذا ضاق الصف الأول عن الاستواء يكون الصف الثاني الخالي عن الارتفاع أولى مع الصف الأول من الارتفاع.
اه.
(قوله: بلا حاجة) متعلق بارتفاع، أي يكره الارتفاع إذا لم توجد حاجة، فإن وجدت حاجة كتعليم الإمام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأموم تكبير الإمام، فلا يكره، بل يندب.
(قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة.
(وقوله: موافقة في سنن) أي أن يوافق المأموم الإمام في فعل أو ترك سنن تفحش مخالفة المأموم فيها له، فإن فعلها الإمام وافقه في فعلها، وإن تركها وافقه فيه.
(وقوله: فعلا أو تركا) تمييز لكل من موافقة ومخالفة، أو منصوب بنزع الخافض، أي الموافقة أو المخالفة في السنن من جهة الفعل أو الترك، أو بالفعل أو الترك.
(قوله: فتبطل الخ) مفرع على مفهوم الشرط المذكور.
(وقوله: مخالفة في سنة) أي تفحش المخالفة بها.
(قوله: كسجدة إلخ) تمثيل للسنة التي تفحش المخالفة بها.
(قوله: فعلها الإمام وتركها المأموم) أي أو فعلها المأموم عامدا عالما وتركها الإمام.
(قوله: عامدا عالما) أي تركها حال كونه عامدا عالما بالتحريم، فإن كان ناسيا أو جاهلا فلا تبطل، لعذره.
(قوله: وتشهد أول فعله الإمام وتركه المأموم) أي على تفصيل فيه مر في سجود السهو.
وحاصله: أن المأموم إن تركه سهوا أو جهلا، ثم تذكر أو علم قبل انتصاب الإمام ولم يعد تبطل صلاته، وإن تركه عامدا عالما لا تبطل صلاته، بل يسن له العود.
(قوله: أو تركه الإمام) أي تركه كله وفعله المأموم.
فإن ترك بعضه فللمأموم أن يتخلف لإتمامه - كما سيذكره - قال في النهاية: وقول جماعة: إن تخلفه لإتمام التشهد مطلوب فيكون كالموافق هو الأوجه الخ.
اه.
قال الأجهوري: وحينئذ إذا كمل تشهده وأدرك زمنا خلف الإمام لا يسع الفاتحة، أو أدركه راكعا، وجب عليه إن يقرأ الفاتحة، ويغتفر له التخلف بثلاثة أركان طويلة.
اه.
وشرط ابن حجر في شرح الإرشاد، لجواز التخلف لإتمامه، أن لا يتخلف عن الإمام بركنين فعليين متواليين، بأن يفرغ الإمام منهما وهو فيما قبلهما.
(قوله: عامدا عالما) راجع للصورة الثانية فقط.
أي فعله المأموم حال كونه عامدا عالما بالتحريم، فإن فعله ناسيا أو جاهلا فلا تبطل.
(قوله: وإن لحقه على القرب) غاية في البطلان، أي تبطل بفعله وإن لحق إمامه على القرب.
وهي للرد على يمن يقول لا تبطل حينئذ.
(قوله: حيث لم يجلس الإمام للاستراحة) متعلق بمقدر، أي تبطل بفعل المأموم له حيث لم يجلس
الإمام لذلك، وسيذكر قريبا مفهومه.
(قوله: لعدو له عن إلخ) تعليل لبطلانها في جميع الصور.
(قوله: أما إذا لم(2/37)
تفحش المخالفة) محترز قوله تفحش مخالفة فيها.
(قوله: كقنوت إلخ) تمثيل للسنة التي لا تفحش المخالفة فيها، ومثله جلسة الاستراحة، فلا يضر الإتيان بها.
(قوله: في سجدته الأولى) قد تقدم أنه إن علم أنه يدرك الإمام فيها سن له التخلف للإتيان به، وإن علم أنه لا يتم قنوته إلا بعد جلوس الإمام بين السجدتين كره له التخلف، وإن علم أنه لا يتمه إلا بعد هويه للسجدة الثانية حرم عليه التخلف، فإن تخلف لذلك ولم يهو للأولى إلا بعد هوى الإمام للسجدة الثانية بطلت صلاته.
(قوله: وفارق) أي القنوت التشهد الأول، أي حيث قلنا ببطلان صلاة المأموم بالتخلف له وإن أدرك الإمام في القيام.
(وقوله: بأنه) أي المأموم فيه، أي التشهد.
(وقوله: وهذا) أي المتخلف للقنوت.
(قوله: ما كان فيه الإمام) أي وهو الاعتدال.
(قوله: فلا فحش) أي بتخلفه للقنوت.
(قوله: وكذا لا يضر الخ) لو قال - كما في التحفة - ومن ثم لا يضر إلخ لكان أسبك.
(قوله: إن جلس إمامه للاستراحة) خالف في ذلك الرملي والخطيب، فقالا: إن تخلف الإمام لجلسة الاستراحة لا يبيح للمأموم التخلف للتشهد الأول.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يجلس الإمام للاستراحة لم يجز الإتيان بالتشهد، وأبطل ذلك الإتيان صلاة العالم العامد، لا الجاهل ولا الناسي.
وهذا قد علم من قوله أو تركه الإمام وفعله المأموم عامدا عالما.
إلا أن يقال ذكره لأجل تقييده بالقيد بعده.
(قوله: ما لم ينو مفارقته) قيد في البطلان.
(وقوله: وهو فراق) أي المفارقة لأجل إتيانه بالتشهد الذي تركه الإمام فراق أي مفارقة بعذر فلا تفوته فضيلة الجماعة.
(وقوله: فيكون) أي الفراق لذلك.
(وقوله: أولى) أي من المتابعة مع تركه التشهد.
(قوله: وإذا لم يفرغ المأموم منه) أي التشهد.
(وقوله: جاز له) أي للمأموم.
(وقوله: بل ندب) أي التخلف.
(قوله: إن علم الخ) قيد في الندبية.
وخرج به ما إذا لم يعلم ذلك، فلا يندب له، بل يباح له، ويغتفر له ثلاثة أركان على مر.
(قوله: لا التخلف لإتمام سورة) أي لا يندب التخلف له، بل يكره.
(قوله: إذا لم يلحق الخ) أي إذا لم يعلم أنه يلحق الإمام في الركوع إذا تخلف للإتيان بالسورة، فإن علم ذلك فلا كراهة.
(قوله: ومنها) أي ومن شروط صحة القدوة.
(قوله: عدم تخلف الخ) أي إن لا يتخلف المأموم عن إمامه بركنين إلخ.
(وقوله: فعليين) سيذكر محترزهما.
(قوله: متواليين) خرج به ما إذا تخلف بركنين غير متواليين كركوع وسجود فلا يضر.
(وقوله: تامين) تمام الركن يكون بشروعه فيما بعده.
وخرج به ما إذا تخلف بركنين غير تامين، بأن يكون لم ينتقل الإمام من الركن الثاني فإنه لا يضر.
وعلم من هذا أن المأموم لو طول الاعتدال بما
لا يبطله حتى سجد الإمام وجلس بين السجدتين ثم لحقه لا يضر، لأنه لم يتخلف عنه بركنين تامين.
ولا يشكل على هذا ما لو سجد الإمام للتلاوة وفرغ منه والمأموم قائم فإن صلاته تبطل وإن أتى به، مع أنه لم يتخلف عنه بركنين تامين، لأن سجود التلاوة لما كان يوجد خارج الصلاة كان كالفعل الأجنبي، ففحشت المخالفة، بخلاف ما هو من أجزاء الصلاة فإنه لا تفحش المخالفة به إلا إن تعدد.
أفاده في التحفة: (قوله: بلا عذر) متعلق بتخلف.
وخرج به ما إذا وجد عذر، فإنه لا يضر تخلفه بركنين، بل يغتفر له ثلاثة أركان طويلة، كما سيصرح به.
(قوله: مع تعمد وعلم) لا حاجة إليه بعد قوله بلا عذر، لأن العذر صادق بالنسيان والجهل وغيرهما من الأعذار الآتية، إلا أن يخص العذر بغير النسيان والجهل من بقية الأعذار.
(قوله: وإن لم يكونا طويلين) صاد بما إذا كانا قصيرين، أو طويلا وقصيرا.
والأول غير مراد، لعدم تصوره(2/38)
والغاية لبطلان التخلف بهما، ولو أخرها عن المفهوم لكان أولى.
(قوله: فإن تخلف بهما الخ) مفهوم قوله عدم تخلف إلخ.
(وقوله: بطلت صلاته) أي إن كان التخلف بلا عذر، كما يعلم مما قبله.
(قوله: لفحش المخالفة) علة البطلان.
(قوله: كأن ركع إلخ) تمثيل للتخلف بركنين فعليين تامين.
(قوله: أي زال من حد القيام) تفسير مراد للهوي إلى السجود، فإن لم يزل من حد القيام بأن كان أقرب للقيام من أقل الركوع، أو كان إليهما على حد سواء، فلا يضر، لأنه لم يخرج من حد القيام.
(قوله: وخرج بالفعليين القوليان) أي كالتشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.
(وقوله: أو القولي والفعلي) أي كالفاتحة والركوع.
(قوله: وعدم تخلف الخ) معطوف على عدم تخلف السابق.
أي ومن الشروط أيضا: عدم تخلف المأموم عن إمامه إلخ.
(وقوله: معهما) أي مع التعمد والعلم.
ويقال فيه ما مر أيضا.
(قوله: بأكثر من ثلاثة أركان طويلة) قال في النهاية: المراد بالأكثر أن يكون السبق بثلاثة والإمام في الرابع، كأن تخلف بالركوع أو السجدتين والقيام، والإمام في القيام، فهذه ثلاثة أركان طويلة.
فلو كان السبق بأربعة أركان والإمام في الخامس، كأن تخلف بالركوع والسجدتين والقيام، والإمام حينئذ في الركوع، بطلت صلاته.
اه.
ويوافقه تصوير شارحنا الآتي.
(قوله: فلا يحسب منها الخ) أي لا يعد الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الأركان الطويلة، لأنهما ركنان قصيران.
(قوله: بعذر أوجبه) متعلق بتخلف.
(واعلم) أن الأعذار التي توجب التخلف كثيرة: منها أن يكون المأموم بطئ القراءة لعجز خلقي لا لوسوسة، والإمام معتدلها، وأن يعلم أو يشك قبل ركوعه وبعد ركوع إمامه أنه ترك الفاتحة، وأن يكون المأموم لم يقرأها منتظرا
سكتة إمامه عقبها فركع الإمام عقب قراءته الفاتحة، وأن يكون المأموم موافقا واشتغل بسنه كدعاء الافتتاح والتعوذ، وأن يطول السجدة الأخيرة عمدا أو سهوا، وأن يتخلف لإكمال التشهد الأول أو يكون قد نام فيه متمكنا، وأن يشك هل هو مسبوق أو موافق؟ فيعطى حكم الموافق المعذور ويتخلف لقراءة الفاتحة، وأن يكون نسي أنه في الصلاة ولم يتذكر إلا والإمام راكع أو قريب منه، أو يكون سمع تكبيرة الإمام بعد الركعة الثانية فظنها تكبيرة التشهد فإذا هي تكبيرة قيام فجلس وتشهد، ثم قام فرأى الإمام راكعا.
وقد ذكر الشارح بعضها.
ومما ينسب للشيخ العزيزي: إن رمت ضبطا للذي شرعا عذر * * حتى له ثلاث أركان غفر: من في قراءة لعجزه بطئ * * أو شك إن قرا ومن لها نسي وصف موافقا لسنة عدل * * ومن لسكتة انتظاره حصل من نام في تشهد أو اختلط * * عليه تكبير الإمام ما انضبط كذا الذي يكمل التشهدا * * بعد إمام قام منه قاصدا والخلف في أواخر المسائل * * محقق فلا تكن بغافل وقوله: والخلف في أواخر المسائل، وهي ثلاثة: من نام في تشهده الأول ممكنا مقعده بمقره فما انتبه من نومه إلا وإمامه راكع، ومن سمع تكبير إمامه للقيام فظنه لجلوس التشهد فجلس له وكبر إمامه للركوع فظنه للقيام من التشهد الأول ثم على أنه للركوع.
ففي هاتين المسألتين جرى الخلاف بين العلامتين ابن حجر، والشمس الرملي، فقال الأول: هو مسبوق، فيلزمه أن يقرأ من الفاتحة ما تمكن منها.
وقال الثاني: هو موافق، يغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
والمسألة الثالثة: من مكث بعد قيام إمامه لإكمال التشهد الأول، فلا انتصب وجد إمامه راكعا أو قارب أن يركع.
فقال الرملي: هو موافق، يغتفر له ما مر من الأركان.
وقال حجر: هو كالموافق المتخلف لغير عذر، فإن أتم فاتحته قبل هوى(2/39)
الإمام للسجدة أدرك الركعة، وإن لم يتمها قبل الهوي نوى المفارقة، وجرى على نظم صلاة نفسه، فإن خالف بطلت صلاته.
وزيد مسألة رابعة جرى فيها الخلاف، وهي: ما لو نسي كونه مقتديا وهو في السجود مثلا، ثم تذكر فلم يقم من
سجدته إلا والإمام راكع أو قارب أن يركع، فقال الرملي: هو كموافق.
وعند حجر: كالمسبوق.
ومسألة خامسة، وهي: ما لو شك هل أدرك زمنا يسع الفاتحة أم؟ فجرى في التحفة على أنه يلزمه الاحتياط فيتخلف لا تمامها ولا يدرك الركعة إلا إن أدركه في الركوع، فلو أتمها والإمام آخذ في الهوي للسجود لزمه المتابعة ويأتي بعد سلام الإمام بركعة، ولو لم يتم حتى هوي الإمام للسجود لزمه نية المفارقة، وإلا بطلت صلاته.
والذي جرى عليه الرملي ومثله الخطيب، أنه كالموافق، فيجري على ترتيب صلاة نفسه ويدرك الركعة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة.
وبه أفتى الشهاب الرملي، وظاهر الإمداد يميل إليه.
(قوله: كإسراع إمام قراءة) تمثيل للعذر.
والمراد بالإسراع: الاعتدال، فإطلاق الإسراع عليه لأنه في مقابلة البطء الحاصل للمأموم.
وأما لو أسرع الإمام حقيقة بأن لم يدرك معه المأموم زمنا يسع الفاتحة للمعتدل فإنه يجب على المأموم أن يركع مع الإمام ويتركها لتحمل الإمام لها، ولو في جميع الركعات.
اه.
ع.
ش.
(قوله: أو الحركات) انظر على أي شئ يعطف؟ فإن يعطف على قوله - في الشرح - القراءة، ويكون المعنى: والمأموم بطئ في القراءة أو في الحركات، فلا يناسب أن يكون مقابلا لإسراع الإمام في القراءة.
وإن يعطف على قوله - في المتن - قراءة، ويكون المعنى: وكإسراع إمام قراءة، أو الحركات، فلا يناسب أن يكون مقابلا له بطء المأموم في القراءة.
ثم ظهر صحة العطف على كل منهما، لكن بتقدير مقابل يناسبه، فإن عطف على القراءة في الشرح قدر في المتن أو حركة، وإن عطف على قراءة في المتن قدر في الشرح أو الحركة.
والمعنى على الأول: وكإسراع إمام قراءة أو حركة والمأموم بطئ في القراءة أو في الحركات.
وعلى الثاني: وكإسراع إمام قراءة أو الحركات والمأموم بطئ في القراءة أو الحركات، وإنما احتيج إلى ذلك لأن إسراع الإمام في الحركة مع بطء المأموم فيها عذر مستقل.
وبالجملة فلو أسقطه الشارح لكان أولى، بل إن نظرت إلى قوله بعد: فيلزم المأموم في الصور المذكورة إلخ، كان متعينا كما ستقف عليه.
(قوله: وانتظار الخ) معطوف على إسراع، أي وكانتظار مأموم سكتة إمامه، فهو عذر مستقل.
(قوله: ليقرأ) أي المأموم.
(وقوله: فيها) أي السكتة.
(قوله: فركع) أي الإمام عقبها، أي عقب قراءته الفاتحة.
(قوله: وسهوه) أي وكسهوه - أي المأموم - عن الفاتحة، فهو معطوف على إسراع.
(قوله: وشكه) أي وكشكه - أي المأموم - هل قرأها أم لا؟ (وقوله: قبل ركوعه) أي المأموم.
(قوله: أما التخلف لوسوسة الخ) مفهوم قوله لا لوسوسة.
(قوله: فليس بعذر) أي فيجب عليه حينئذ أن يقرأ الفاتحة ولا يسقط منها شئ، فإذا تخلف لإكمالها فله ذلك إلى قرب فراق الإمام من الركن الثاني، فحينئذ يلزمه نية المفارقة إن بقي عليه شئ
منها، لبطلان صلاته بشروع الإمام فيما بعده.
(قوله: أن يأتي فيه) أي ذي الوسوسة.
(قوله: ما في بطئ الحركة) أي ما ذكروه في بطئ الحركة، ولا بد من تقدير مضاف في كلامه، أي نظير ما ذكروه فيه، وذلك أن بطئ الحركة لا يتخلف لإتمام الفاتحة، وإنما يتخلف لإتمام ما عليه من الأفعال، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
وأما ذو الوسوسة فيتخلف لإتمام الفاتحة، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، فهو يأتي فيه نظير ما ذكروه في بطئ الحركة في مطلق التخلف والاغتفار المذكور، ولا يأتي فيه عينه.
(قوله: فيلزم المأموم في الصور المذكورة) أي غير بطئ الحركة.
وذلك لما علمت أن(2/40)
بطئ الحركة لا يلزمه التخلف لإتمام الفاتحة، بل هو كالمزحوم عن السجود يتخلف لإتمام ما عليه من الأفعال، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
فإذا أتى بما عليه ووجد الإمام راكعا سقطت عنه الفاتحة، لأنه في حكم المسبوق.
(وقوله: إتمام الفاتحة) أي والمشي على ترتيب صلاة نفسه.
(والحاصل) يلزم المأموم في الصور المذكورة وغيرها مما يشبهها، تمام الفاتحة، ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، فإن فرغ من الفاتحة قبل أن يتلبس الإمام بالرابع - ولو صورة: كالتشهد الأول - مشى على نظم صلاة نفسه، فيركع، ويعتدل، ويسجد السجودين.
فإذا فرغ من ذلك وقام: فإن وجد الإمام راكعا ركع معه، وسقطت عنه الفاتحة.
وإن وجده في القيام قبل أن يركع وقف معه، فإن أدرك معه زمنا يسع الفاتحة، فهو موافق، فيجب عليه إتمام الفاتحة.
وإن لم يدرك زمنا يسع الفاتحة فهو مسبوق يقرأ ما أمكنه من الفاتحة.
وإن وجده فيما بعد الركوع وافقه فيما هو فيه، وتدارك بعد سلام الإمام ما فاته.
وإن فرغ المأموم من فاتحته بعد تلبس الإمام بالرابع بأن وصل إلى حد تجزئ فيه القراءة، بأن انتصب قائما أو استقر جالسا، فهو مخير بين المتابعة للإمام وبعد السلام يأتي بركعة، وبين نية المفارقة ويمشي على نظم صلاة نفسه.
فإن انتقل الإمام للخامس ولم يتابع ولم ينو المفارقة بطلت صلاته.
وكذا تبطل أيضا فيما إذا مشى على نظم صلاة نفسه من غير نية المفارقة بعد تلبس الإمام بالرابع.
(قوله: وإن تخلف مع عذر) مقابل قوله: وعدم تخلف إلخ.
ويوجد في بعض نسخ الخط (وإلا) بأن تخلف مع عذر إلخ، وهو أولى، لأن قوله فليوافق عليه جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية، وعلى ما في غالب النسخ لا يكون بينه وبين ما قبله ارتباط.
(قوله: بأن لا يفرغ من الفاتحة) تصوير للتخلف بأكثر من ثلاثة أركان.
(وقوله: إلا والإمام قائم إلخ) فلا عبرة بشروعه في الانتصاب للقيام أو الجلوس، بل لا بد من أن يستقر في أحدهما، إذ لا يصدق عليه أنه سبق
بالأكثر إلا حينئذ، لأن ما قبله مقدمة للركن، لا منه.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فليوافق) جواب إن الشرطية المدغمة في لا النافية - على ما في بعض نسخ الخط - أو جواب إن الشرطية التي قدرها الشارح - على ما في غالب النسخ - كما علمت.
(قوله: في الركن الرابع) متعلق بيوافق، أي يوافقه في الركن الرابع الذي هو القيام أو الجلوس للتشهد.
والموافقة تكون بالقصد إن كان في القيام وبالفعل إن كان في التشهد.
ويعتد له بما قرأه من الفاتحة في الأولى، ويلغي ما قرأه منها في الثانية بسبب فراقه حد القائم.
هكذا يستفاد من سم.
وعبارته: أقول: إذا قعد وهو في القيام فقعد معه كما هو الواجب عليه ثم قام للركعة الأخرى: فهل يبني على ما قرأه من الفاتحة في الركعة السابقة؟ الوجه أنه لا يجوز البناء، لانقطاع قراءته بمفارقة ذلك القيام إلى قيام آخر من ركعة أخرى، بخلاف ما لو سجد لتلاوة في أثناء الفاتحة،، كأن تابع إمامه فيها لرجوعه بعد السجود إلى قيام تلك الركعة بعينه.
وأما مسألة ما لو قام وهو في القيام: فلا يبعد حينئذ بناؤه على قراءته لعدم مفارقته حين قيامه.
فليتأمل.
اه.
(قوله: ويترك ترتيب نفسه) أي وجوبا.
وإذا تركه وتابع إمامه فيما هو فيه، ثم ركع الإمام قبل أن يكمل هو الفاتحة، تخلف لإكمالها، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان أيضا.
(قوله: ثم يتدارك الخ) أي فهو كالمسبوق.
(قوله: فإن لم يوافقه الخ) مفهوم قوله فليوافق.
(قوله: ولم ينو المفارقة) هذا يفيد أن عند قول المصنف فليوافق، سقطا من النساخ، وهو أو ينو المفارقة.
(قوله: بطلت صلاته) أي لفحش المخالفة بسعيه على نظم صلاة نفسه.
(قوله: إن علم) أي وجوب المتابعة.
وهذا مكرر مع قوله أولا مع علمه بوجوب المتابعة.
فالصواب الاقتصار على أحدهما.
(وقوله: وتعمد) أي عدم المتابعة، فإن تركها جاهلا أو ناسيا وجرى على نظم صلاة نفسه(2/41)
لا تبطل صلاته، لكن لا يعتد بما أتى به على ترتيب نفسه، فلا يعتد له بتلك الركعة، كما في فتح الجواد، وعبارته: فإن خالفه جهلا منه بوجوب المتابعة لغا ما يأتي به على ترتيب نفسه، فلا يعتد له بتلك الركعة.
اه.
(قوله: وإن ركع المأموم الخ) هذا مقابل قوله وشكه فيها قبل ركوعه.
(وقوله: مع الإمام) خرج به ما إذا ركع قبله فشك، فإنه يلزمه العود، كما في التحفة.
(وقوله: فشك هل قرأ الفاتحة) أي أو لم يقرأها؟ فالمقابل محذوف.
(قوله: أو تذكر) أي تيقن.
(قوله: لم يجز له العود) أي لقراءتها، لفوات محلها بالركوع.
(قوله: وتدارك بعد سلام الإمام ركعة) قال الزركشي: فلو تذكر في قيام الثانية أنه كان قد قرأها حسبت له تلك الركعة.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يعد عالما عامدا بأن عاد جاهلا أو ناسيا فلا تبطل صلاته، لكن لا يدرك هذه الركعة، وإن قرأ الفاتحة بعد عوده.
كذا في سم.
(قوله: فلو تيقن القراءة) هذا محترز
قوله فشك هل قرأ إلخ.
وعبارة فتح الجواد: وخرج بهل قرأ ما لو تيقن القراءة وشك في إكمالها، فإنه لا يؤثر.
اه.
(قوله: ولو اشتغل مسبوق) (اعلم) أن حاصل مسألة المسبوق أنه إذا ركع الإمام وهو في الفاتحة، فإن لم يكن اشتغل بافتتاح أو تعوذ، وجب عليه إن يركع معه، فإن ركع معه أدرك الركعة، وإن فاته ركوع الإمام فاتته الركعة، ولا تبطل صلاته إلا إذا تخلف بركنين من غير عذر.
وأما إذا اشتغل بافتتاح أو تعوذ فيجب عليه إذا ركع الإمام أن يتخلف ويقرأ بقدر ما فوته، فإن خالف وركع معه عمدا بطلت صلاته وإن لم يركع معه، بل تخلف، فإن أتى بما يجب عليه وأدرك الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام من الركوع قبل ركوعه فاتته الركعة، فإن هوى الإمام للسجود وكمل ما فوته وافقه فيه، وإلا فارقه وجوبا.
(قوله: وهو من لم يدرك من قيام الإمام إلخ) أي سواء كان قيام الركعة الأولى أو غيرها، ويتصور كونه مسبوقا في كل الركعات لنحو زحمة أو بطء حركة.
ومنه بالنسبة للركعة الثانية مثلا الموافق المنذور إذا مشى على نظم صلاته فما انتصب إلا وإمامه راكع أو قارب الركوع كما مر.
ويقع لكثير من الأئمة أنهم يسرعون القراءة فلا يمكن المأموم بعد قيامه من السجود قراءة الفاتحة بتمامها قبل ركوع الإمام، فيركع معه، وتحسب له الركعة، ولو وقع له ذلك في جميع الركعات، لأنه مسبوق.
فلو تخلف لأتمام الفاتحة حتى رفع الإمام رأسه من الركوع، أو ركع معه ولم يطمئن قبل ارتفاع إمامه عن أقل الركوع فاتته الركعة، فيتبع الإمام فيما هو فيه، ويأتي بركعة بعد سلام الإمام، كما تقدم.
(قوله: بالنسبة إلى القراءة المعتدلة) أي لا بالنسبة لقراءته ولا لقراءة إمامه.
اه.
تحفة.
ونحوها النهاية، وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رحمه الله تعالى عن تعريف المسبوق بمن لم يدرك زمنا يسع الفاتحة: هل ذلك بقراءة نفسه؟ أم بقراءة معتدلة إذا كان هو بطئ القراءة؟ (فأجاب) بقوله: الذي اعتمده الزركشي في المسبوق، والموافق، أن العبرة بحال الشخص نفسه في السرعة والبطء.
والذي رجحته في شرح الإرشاد، وبينته في غيره، أن العبرة بالوسط المعتدل، لأنه الذي يتصور عليه قولهم: أن الموافق بطئ القراءة يتخلف لإتمام الفاتحة، ما لم يسبق بأكثر من ثلاثة أركان طويلة، ولو اعتبروا قراءة نفسه لكان مسبوقا، وهو لا يجوز له التخلف.
اه.
(قوله: وهو) أي المسبوق.
(وقوله: ضد الموافق) أي فهو الذي يدرك قدرا يسع الفاتحة بالنسبة إلى القراءة المعتدلة.
(قوله: ولو شك هل أدرك الخ) قد تقدم أن هذه المسألة جرى الخلف فيها بين حجر وم ر، فلا تغفل.
وشارحنا جار على ما جرى عليه الأول.
(وقوله: ولا يدرك) أي الشاك في ذلك.
(وقوله: ولا يدرك) أي الشاك في ذلك.
(وقوله: ما لم يدركه في الركوع) ما مصدرية ظرفية، أي لا يدرك الركعة مدة عدم إدراك إمامه في الركوع، فإن أدركه فيه أدرك الركعة.
(قوله: بسنة) متعلق باشتغل، والسنة في حقه أن لا يشتغل
بسنة، بل يشتغل بالفاتحة، إلا أن يظن إدراكها مع اشتغاله بالسنة فيأتي بها ثم بالفاتحة.
(قوله: كتعوذ إلخ) تمثيل للسنة.(2/42)
(قوله: أو لم يشتغل بشئ) معطوف على جملة ولو اشتغل.
(قوله: بأن سكت الخ) تصوير لعدم اشتغاله بشئ.
(قوله: وهو عالم إلخ) الجملة واقعة حالا من كل فاعل اشتغل وفاعل لم يشتغل بشئ، أي اشتغل مسبوق بسنة والحال أنه عالم أن واجبه الاشتغال بالفاتحة، أو لم يشتغل والحال أنه عالم أن واجبه ذلك، وسيذكر محترزه بقوله: أما إذا جهل أن واجبه ذلك الخ.
(قوله: أو استمع قراءة الإمام) يحتمل عطفه على اشتغل فيكون قسما ثالثا، ويحتمل عطفه على سكت فيكون من أفراد القسم الثاني، وهو ساقط من التحفة والنهاية والمغني، وهو أولى، لأن السكوت يشمله، إذ هو تارة يكون مع استماع، وتارة يكون بدونه.
(قوله: قرأ وجوبا الخ) جواب لو.
(قوله: قبل رفعه من سجوده) الذي في التحفة: قبل سجوده، وهو المتعين، كما يستفاد من مقابل الأوجه الآتي قريب.
ولعل لفظ (رفعه ومن) زيد من النساخ.
(قوله: على الأوجه) أي خلافا لما في شرح الرملي عن الفارقي أن صورة تخلفه للقراءة أن يظن أنه يظن أنه يدرك الإمام قبل سجوده، وإلا فيتابعه قطعا، ولا يقرأ.
وذكر مثله الروياني في حليته، والغزالي في إحيائه، ولكنه مخالف لنص الأم، على أن صورتها أن يظن أنه يدرك الإمام في ركوعه وإلا فيفارقه، ويتم صلاته.
نبه على ذلك الأذرعي، وهو المعتمد.
لكن يتجه لزوم المفارقة له عند عدم ظنه ذلك، فإن لم يفعل أثم، ولكن لا تبطل صلاته حتى يصير متخلفا بركنين.
اه.
ومثله في شرح الروض والمغني.
(قوله: قدرها) أي السنة، وهو مفعول قرأ.
(قوله: حروفا) تمييز.
(قوله: في ظنه) متعلق بقدرها، أي قدرها بحسب ظنه، وهذا هو ما جرى عليه في التحفة والنهاية، والذي في فتح الجواد أنه يجب أن يعد أو يحتاط اه.
وعليه: لا بد من اليقين في القدر المذكور.
(قوله: أو قدر زمن) بالنصب معطوف على قدرها، أي أو قرأ قدر زمن، (وقوله: من سكوته) من بمعنى اللام، أي لسكوته.
ولو حذف لفظ (من) لكان أولى.
والمناسب لقوله أو استمع: أن يزيد هنا: أو استماعه لقراءة إمامه.
(قوله: لتقصيره الخ) تعليل لوجوب قراءة القدر المذكور.
قال في شرح الروض: قال الأذرعي: وقضية التعليل بما ذكر، أنه إذا ظن إدراكه في الركوع فأتى بالافتتاح والتعوذ فركع الإمام على خلاف العادة بأن قرأ الفاتحة وأعرض عن السنة التي قبلها والتي بعدها يركع معه وإن لم يكن قرأ من الفاتحة شيئا.
ومقتضى إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا فرق.
اه.
وهذا المقتضى هو المعتمد، لبقاء محل القراءة، ولا نسلم أن تقصيره بما ذكر منتف في ذلك، ولا عبرة بالظن البين خطؤه.
اه.
(وقوله: لا فرق) أي بين ظنه إدراك الفاتحة وعدمه.
قال سم: أقول ينبغي
أن المراد بالمقتضى المذكور، أي مقتضى كلام الشيخين، أنه إذا كان الزمن الذي أدركه يسع جميع الفاتحة تخلف لها، كبطء القراءة، أو بعضها لزمه التخلف لقراءة قدره.
اه.
(قوله: وعذر) معطوف على قرأ.
(قوله: من تخلف لسنة) أي لقراءة قدر السنة من الفاتحة.
وإنما قدرت ما ذكر لأن التخلف لا للسنة، وإنما هو للقراءة المذكورة.
وكان المناسب في الحل أن يقول: وعذر المسبوق المتخلف لقراءة قدر ما ذكر من السنة التي اشتغل بها ومن السكوت ومن استماع قراءة الإمام.
(قوله: كبطء القراءة) متعلق بمحذوف صفة لمصدر عذر، أي عذر عذرا كالعذر ببطء القراءة.
والكاف للتنظير، أي فيغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
(قوله: على ما قاله الشيخان) أي عذر من ذكر على ما قاله الشيخان.
فالجار والمجرور متعلق بعذر.
(قوله، لوجوب التخلف) علة للعذر.
(قوله: فيتخلف إلخ) هذا مقتضى العذر.
(قوله: ما لم يسبق إلخ) أي يتخلف للقراءة، ثم يجري على نظم صلاة نفسه، ما لم يسبق بذلك، فإن سبق وافق الإمام وجوبا فيما هو فيه، وأتى بعد السلام بركعة أو نوى المفارقة، كما مر.
(قوله: خلافا لما اعتمده جمع محققون) منهم: المتولي، والقاضي.
(وقوله: من كونه) بيان لما، وضميره يعود على المتخلف للقراءة التي عليه.
(وقوله: غير معذور) أي فلا يغتفر له ثلاثة(2/43)
أركان طويلة.
(قوله: لتقصيره الخ) عله لما اعتمده جمع.
(وقوله: بالعدول المذكور) أي وهو العدول عن فرض إلى سنة.
(قوله: وجزم به) أي بما اعتمده الجمع المحققون.
(وقوله: في شرح المنهاج) عبارته: وعلى الأول - يعني وعلى لزوم قراءة قدر السنة - متى ركع قبل وفاء ما لزمه بطلت صلاته، إن علم وتعمد كما هو ظاهر.
وإلا لم يعتد بما فعله، ومتى ركع الإمام وهو متخلف لما لزمه وقام من الركوع فاتته الركعة، بناء على أنه متخلف بغير عذر.
ومن عبر بعذره فعبارته مؤولة.
ثم إذا فرغ قبل هوي الإمام للسجود وافقه ولا يركع، وإلا بطلت إن علم وتعمد، وإن لم يفرغ وقد أراد الإمام الهوي للسجود فقد تعارض في حقه وجوب وفاء ما لزمه، وبطلان صلاته بهوي الإمام للسجود، لما تقرر أنه متخلف بغير عذر، فلا مخلص له عن هذين إلا نية المفارقة، فتتعين عليه، حذرا من بطلان صلاته عند عدمها.
اه.
ببعض حذف.
وإذا تأملت العبارة المذكورة تعلم أن شيخه لم يجزم بأنه غير معذور، وإنما رتب حكما ذكره على القول بأنه غير معذور بقوله: ومتى ركع الإمام وهو متخلف ... إلى أن قال: بناء على أنه متخلف بغير عذر.
وهذا لا يفيد جزمه بذلك.
نعم، ظاهر العبارة يقتضي ترجيحه على ما سواه.
فتنبه (قوله: ثم قال) أي شيخه، أي في شرح المنهاج.
(قوله: فعبارته مؤولة) أي بأن المراد بعذره: عدم الكراهة
وعدم البطلان بتخلفه أقل من ركنين قطعا.
بخلاف غيره، فإن تخلفه بركن: قيل مبطل، وقيل مكروه، وليس المراد به أنه يعذر في سائر الأحوال، حتى أنه لو تخلف عن الإمام بثلاثة أركان طويلة سعى خلفه ولم تبطل صلاته.
(والحاصل) من قال بعذره أراد ما ذكر، ومن قال بعدمه أراد أنه لا يغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
(قوله: وعليه) أي على ما اعتمده جمع محققون من كون المتخلف لقراءة قدر السنة التي اشتغل بها غير معذور.
ولا يخفى أن عبارته توهم أن من هنا إلى قوله قال شيخنا في شرح الإرشاد كلام شيخه في شرح المنهاج، وليس كذلك، كما يعلم من عبارته السابقة، بل هي عبارة شيخه في شرح الإرشاد، فكان عليه أن ينص على ذلك.
(والحاصل) من تأمل عبارته المذكورة وجدها غير حسنة السبك، بل هي موهمة خلاف المراد.
والسبب في ذلك أنه أدخل بعض العبارات في بعض.
فتنبه.
(قوله: إن لم يدرك الإمام في الركوع إلخ) مقابله محذوف، وهو إن أدركه فيه أدرك الركعة.
(قوله: ولا يركع الخ) يعني إذا قرأ القدر الواجب عليه من الفاتحة بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع فلا يمشي على نظم صلاة نفسه ويركع ويعتدل، لعدم الاعتداد بذلك، فلا فائدة فيه، بل يتابع الإمام في الهوي للسجود، ويأتي بعد سلام الإمام بركعة، فإن لم يفعل ذلك، بطلت صلاته.
(قوله: وإلا بطلت صلاته) أي وإن لم يتابع إمامه في الهوي للسجود بل ركع بطلت صلاته.
(قوله: إن علم وتعمد) قيدان، فإن لم يعلم ويتعمد ذلك لا تبطل صلاته، لكن لا يعتد بما فعله، فيأتي بركعة بعد سلام الإمام.
(قوله: ثم قال) أي شيخه في فتح الجواد، كما علمت.
(قوله: والذي يتجه إلخ) أنظره مع قوله وعليه أنه إلخ.
هل مفادهما واحد، أو بينهما فرق؟ فإن كان الأول - وهو الظاهر - لزم التكرار، وإن كان الثاني: فلا يظهر الفرق، إلا إذا حمل قوله بل يتابعه في هويه على الإطلاق، أي أنه يتابعه مطلقا، سواء فرغ من قراءة القدر الذي عليه، أم لم يفرغ منه.
ثم رأيت الشارح أسقط من عبارة فتح الجواد - قبل قوله والذي يتجه إلخ - كلاما يترتب ذلك عليه.
وعبارته - بعد كلام - وعليه: فإذا لم يدركه إلا في هويه للسجود وجبت متابعته ولا يركع، وإلا بطلت صلاته إن علم وتعمد.
وإنما يتخلف المتدارك إن ظن أنه يدركه قبل سجوده، وإلا تابعه، وهو ما قاله جمع.
وإن ظن أنه يدركه في ركوعه وإلا فارقه، وهو ما في الأم.
والذي يتجه: أنه يتخلف لقراءة ما لزمه حتى يريد الإمام الهوي للسجود، فإن كمله وافقه فيه، وإلا فارقه.
اه.(2/44)
فقوله: والذي يتجه أنه يتخلف: أي مطلقا، سواء ظن أنه يدركه قبل سجوده أو قبل ركوعه، أم لم يظن ذلك.
فتأمل
(قوله: فإن كمل) أي ما لزمه من القراءة (قوله: وافقه فيه) أي وافق المأموم إمامه في الهوي للسجود (قوله: ولا يركع) أي ويترك الموافقة (قوله: وإلا) أي وإن لم يوافقه فيه، بل ركع (قوله: بطلت صلاته إن علم وتعمد) فإن لم يعلم ذلك ولم يتعمده لا تبطل صلاته، ولكن لا يعتد بما أتى به، كما مر.
(قوله: وإلا فارقه بالنية) أي وإن لم يكمل ما لزمه من القراءة نوى المفارقة وجوبا، لما مر عن ابن حجر من أنه تعارض عليه وجوب وفاء ما لزمه، وبطلان صلاته بهوي إمامه للسجود، فلا مخلص له إلا نية المفارقة، فإن لم ينوها بطلت صلاته.
(قوله: الأول) وهو ما عليه الشيخان من أنه يعذر.
(قوله: أما إذا ركع بدون قراءة قدرها) مقابل قوله: قرأ قدرها.
(قوله: فتبطل صلاته) أي إن كان عامدا عالما، وإلا لم يعتد بما فعله، أي فيأتي بركعة بعد سلام الإمام.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وفي شرح المنهاج له) أي لشيخه.
وهذا قول مقابل لقوله: قرأ وجوبا.
(والحاصل) أن هناك قولين - فيمن اشتغل بسنة - أحدهما: أنه يجب عليه أن يقرأ من الفاتحة بقدر ما قرأه من السنة، واختلف فيه، فقيل أنه يعذر في تخلفه لذلك ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة، وقيل لا يعذر، وهو المعتمد.
وثانيهما: أنه لا يلزمه أن يقرأ بقدر السنة، بل إذا ركع الإمام ركع معه، لحديث: إذا ركع الإمام فاركعوا.
فتسقط عنه الفاتحة عنه أو بقيتها، كالمسبوق.
(قوله: واختير) أي ما نقل عن معظم الأصحاب.
(قوله: أما إذا جهل أن واجبه ذلك) أي الاشتغال بالفاتحة.
وهذا محترز قوله: وهو عالم بأن واجبه الفاتحة.
(قوله: فهو) أي الجاهل بما ذكر.
(وقوله: بتخلفه إلخ) الظاهر أن الباء للملابسة متعلقة بمحذوف حال من المبتدأ - على رأي سيبويه - أي فهو حال كونه متلبسا بتخلفه لما لزمه من قراءة قدر السنة من الفاتحة: متخلف بعذر، وذلك العذر هو جهله بأن الواجب عليه أن يشتغل بالفاتحة.
قال سم: قضية هذا أنه كبطئ القراءة، مع أنه فرضه في المسبوق والمسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام.
اه.
وقال الرشيدي: أقول يحتمل أن يكون هذا - أي ما ذكر من أنه كبطئ القراءة - هو مراد القاضي، فيكون مخصصا لقولهم: إن المسبوق لا يدرك الركعة إلا بالركوع مع الإمام، فيكون محله - في العالم - بأن واجبه القراءة.
ويحتمل - وهو الأقرب واقتصر عليه شيخنا في الحاشية -: أن مراد القاضي أن صلاته لا تبطل بتخلفه إلى ما ذكر فيكون محل بطلانها بهوي الإمام للسجود، إذ لم يفارقه في غير هذه الصورة، لكن تفوته الركعة.
وليس معنى كونه متخلفا بعذر أنه يعطى حكم المعذور من كل وجه.
اه.
(قوله: قاله القاضي) أي قال ما ذكر من أنه إن جهل ذلك إلخ (قوله: وخرج بالمسبوق الموافق) هو من أدرك مع الإمام زمنا يسع الفاتحة، كما تقدم.
(قوله: فإنه) أي الموافق.
(قوله: لاشتغاله بسنة) علة لعدم التمام، أي لم يتم الفاتحة لأجل كونه اشتغل بسنة ثم ركع إمامه.
(قوله: كدعاء افتتاح) أي أو تعوذ.
(قوله: وإن لم يظن إدراك الفاتحة) غاية لعذره بذلك، أي أنه يعذر إذا ركع إمامه قبل أن يتم الفاتحة لكونه قد اشتغل بالسنة، وإن كان اشتغل بها وهو لم يظن(2/45)
إدراك الفاتحة.
ولو أخر الغاية عن قوله يكون كبطئ القراءة لكان أولى.
وعبارة التحفة: وظاهر كلامهم هنا عذره وإن لم يندب له دعاء الافتتاح، بأن ظن أنه لا يدرك الفاتحة لو اشتغل به، وحينئذ يشكل بما مر في تارك الفاتحة متعمدا حيث أنه لا يعذر بذلك، إلا إن يفرق بأن له هنا نوع شبهة لاشتغاله بصورة سنة، بخلاف ما مر.
ويشكل أيضا بما يأتي في المسبوق أن سبب عدم عذره كونه اشتغل بالسنة عن الفرض، إلا أن يفرق بأن المسبوق يتحمل عنه الإمام، فاحتيط له بأن لا يكون صرف شيئا لغير الفرض، والموافق لا يتحمل عنه، فعذر للتخلف لإكمال الفاتحة، وإن قصر بصرفه بعض الزمن لغيرها.
اه.
بتصرف (قوله: يكون الخ) جواب إذا.
(قوله: فيما مر) أي من أنه يعذر ويغتفر له ثلاثة أركان طويلة.
(قوله: وسبقه الخ) لما أنهى الكلام على بيان حكم من يتخلف عن الإمام شرع يتكلم على بيان حكم من تقدم عليه، فذكر أنه إن تقدم عليه بركنين فعليين عامدا عالما بطلت صلاته، وإن تقدم عليه بركن فعلي فقط حرم، ولا تبطل صلاته.
ثم إن سبق: مصدر مضاف لفاعله واقع مبتدأ، خبره مبطل، وكان الأولى والملائم لما قبله أن يقول وعدم سبقه الخ، ويحذف لفظ مبطل، وذلك ليفيد صراحة أن من شروط صحة القدوة عدم ذلك أيضا.
(قوله: على إمام) متعلق بسبقه، وعداه بعلى لكونه بمعنى التقدم، وهو يتعدى بنفسه، وبعلى.
(قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل المصدر.
وسيذكر محترزهما.
(قوله: بتمام ركنين) متعلق بسبق، أي عدم سبقه بركنين فعليين تامين.
ولا بد أن يكونا متواليين.
فخرج بالفعليين القوليان، كالتشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه.
والقولي والفعلي: كالفاتحة، والركوع.
وخرج بالتامين التقدم بركن وبعض ركن، وبالمتواليين غيرهما، فلا ضرر في جميع ذلك.
(قوله: وإن لم يكونا طويلين) أي أنه يضر التقدم بركنين فعليين، سواء كانا طويلين كالسجدة الثانية والقيام، أو طويلا وقصيرا كالركوع، والاعتدال.
والغاية تشمل القصيرين، لكنه غير مراد، لعدم تصورهما.
(قوله: لفحش المخالفة) علة للبطلان بالتقدم بهما.
(قوله: وصورة الخ) هذه الصورة المعتمدة عند شيخ الإسلام والخطيب وم ر، قياسا على التخلف عن الإمام بهما، فإن صورته - كما تقدم -
أن يركع الإمام قبله ويعتدل ويهوي للسجود، وهو متلبس بالقيام.
(قوله: وأن يركع الخ) هذه صورة ثانية للتقدم على الإمام بهما.
قال الكردي: رجح هذه الصورة ابن حجر في شرحه على الإرشاد والعباب، وفي الأسنى هو الأولى (1) وأوردهما - أي الصورتين - معا في التحفة ولم يرجح منهما شيئا.
اه.
ويفارق التقدم حينئذ ما تقدم في التخلف بأن التقدم أفحش، فأبطل بركنين ولو على التعاقب.
(قوله: فلم يجتمع) أي المأموم.
(وقوله معه) أي الإمام (قوله: ولو سبق) أي المأموم الإمام بهما، أي بركنين.
(قوله: سهوا أو جهلا) أي حال كونه ساهيا أي ناسيا أنه مقتد، أو حال كونه جاهلا بالتحريم.
وكتب سم ما نصه: قوله سهوا أو جهلا: فيه إشارة إلى أنه يجب العود إلى الإمام عند زوال السهو والجهل، وهو قريب، ويوجه بأن في السبق بهما فحش المخالفة، ولهذا عللوا به البطلان عند التعمد.
اه.
(قوله: لم يضر) أي لا يبطل الصلاة.
(قوله، لكن لا يعتد له) أي للمأموم.
(وقوله بهما) أي بالركنين اللذين سبق الإمام بهما سهوا أو جهلا.
(قوله: فإذا لم يعد الخ) تفريع على عدم الاعتداد له بهما، وكان المناسب في التفريع أن يقول فيجب عليه
__________
(1) (وقوله: وفي الأسنى هو الأولى) أي أن هذا التصوير هو الاولى، بفتح الهمزة وسكون الواو ز وعباراته مع الروض: ومثله العراقيون بأن يركع قبله، فلما أراد أن يركع رفع، فلما أراد أن يرفع سجد، وهو مخالف لما سبق في التخلف، فيجوز أن يستويا، وأن يختص هذا بالتقدم لفحش المخالفة، وهو الأولى، لأنه أفحش اه.
وهذا لا ينافي ما تقدم من أن الصورة الاولى المعتدة عن شيخ الإسلام، لأن ما جرى عليه في الاسنى ضعيف.
فتنبه، اه.
مولف(2/46)
العود، ثم يرتب عليه قوله فإذا لم يعد إلخ.
فتنبه.
(وقوله للإتيان بهما) أي عند زوال سهوه أو جهله.
(وقوله سهوا أو جهلا) حالان من فاعل يعد.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن عدم العود لسهوه أو جهله، بل كان من عمد أو علم، بطلت صلاته، فتجب عليه إعادتها.
(قوله: وسبقه) أي المأموم.
وهو مصدر مضاف لفاعله، كالذي قبله.
وكان الملائم لما قبله أن يقول: بخلاف سبقه بركن، فإنه غير مبطل، إلا أنه حرام.
وذلك لأنه مفهوم قوله بركنين.
(وقوله عليه) أي على الإمام.
(قوله: عامدا عالما) حالان من فاعل المصدر.
(قوله: بتمام ركن) يفهم منه أن التقدم ببعض ركن كأن ركع قبل الإمام ولحقه الإمام في الركوع، لا يحرم، وإنما يكره.
وهو كذلك عند ابن حجر.
والذي في المغني والنهاية أن السبق ببعض ركن كالسبق به تاما، أخذا من الحديث الآتي.
(وقوله فعلي) خرج القولي، ففيه تفصيل.
فإن كان تكبيرة الإحرام أو السلام أبطل الصلاة، وإن كان الفاتحة أو التشهد فلا يبطل ولا يحرم.
(قوله: كأن ركع إلخ) تمثيل للسبق بتمام ركن فعلي.
(قوله: حرام) أي لخبر السلم: لا تبادروا الإمام إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعو.
وفي رواية صحيحة رواها
الشيخان: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل رأس الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار؟.
ومعنى ذلك أن يجعل الله رأسه على صورة رأس الحمار، ويبقى بدنه بدن إنسان أو يمسخ صورته كلها فيجعل جميع بدنه بدن حمار.
وفيه دليل على جواز المسخ - أعاذنا الله منه - وهو لا يكون إلا من شدة الغضب.
قال الكردي: وقد وقع ذلك في الدنيا.
(قوله: بخلاف التخلف به) أي بتمام ركن.
(وقوله: فإنه مكروه) أي على الأصح.
ومقابله أنها تبطل بالتخلف بركن أيضا.
وعبارة المنهاج مع شرح م ر: وإن تخلف بركن، بأن فرغ الإمام منه والمأموم فيما قبله، لم تبطل في الأصح.
والثاني تبطل، لما فيه من المخالفة من غير عذر.
اه.
(قوله: ومن تقدم) أي على إمامه.
(وقوله: سن له العود) أي إلى إمامه.
(وقوله إن تعمد) أي التقدم بركن (قوله: وإلا تخير) أي وإن لم يكن تقدمه عمدا، بأن كان سهوا، تخير بين العود للركن الذي سبق الإمام منه، كما قبل الركوع في المثال الذي ذكره وبين الدوام - أي البقاء - في الركن الذي هو فيه، كاعتدال في المثال المذكور، ولا ينتقل عنه حتى يلحقه الإمام فيه.
وإنما سن العود للعامد جبرا لما فاته، وخير غيره لعدم تقصيره.
قال سم في حواشي التحفة: فإذا عاد إليه، هل يلغو الركن الذي أتى به أو لا، بل هو محسوب له، وركوعه مع الإمام لمحض المتابعة، حتى لو رفع منه قبل أن يطمئن المأموم لم يلزم الطمأنينة؟ فيه نظر.
(فإن قلت) : إذا عاد إلى الإمام صار هذا اعتدالا، ويلزمه تطويله.
(قلت) : لا نسلم أنه اعتدال له، بل هو موافقة للإمام في قيامه.
اه.
(قوله: ومقارنته) هو مبتدأ.
والمناسب أن يكون من إضافة المصدر لفاعله، وإن كانت المقارنة مفاعلة فهي من الجانبين.
(قوله: في أفعال) متعلق بمقارنته.
(قوله: وكذا أقوال) أي ومثل الأفعال الأقوال، في كراهة المقارنة.
وفي ع ش: قال بعضهم: إن المقارنة في الأفعال مكروهة تفوت فضيلة الجماعة لفحش المخالفة، بخلاف المقارنة في الأقوال.
فليراجع.
اه.
(قوله: غير تحرم) سيأتي محترزه (قوله: مكروهة) قال البجيرمي: وقيل خلاف الأولى ومحل الخلاف: إذا قصد ذلك، دون ما إذا وقع اتفاقا - كما هو ظاهر - وهل الجاهل بكراهتها كمن لم يقصدها لعذره؟ قياس كلامهم - في غير هذا المحل - أنه مثله.
اه.
(قوله: كتخلف عنه) أي ككراهة التخلف عنه بركن (قوله: وتقدم عليه) أي وكتقدم عليه، فهو معطوف على تخلف.
(وقوله: بابتدائه) أي الركن (قوله: وعند تعمد أحد هذه الثلاثة) هي: المقارنة.
والتخلف عنه بركن.
والتقدم عليه بابتداء الركن، بأن يشرع فيه قبل شروع الإمام (قوله: تفوته فضيلة الجماعة) أي في الجزء الذي قارنته الكراهة فقط، فإذا قارنته في الركوع مثلا فاته سبعة وعشرون ركوعا.
قال في فتح الجواد: والأوجه اختصاص الفوات بما صحبته الكراهة فقط، وأن الفائت أصل الثواب لأن الكراهة لذات الجماعة، لا لأمر(2/47)
خارج.
ا.
هـ.
(قوله: فيسقط إثم تركها) أي على القول بأن الجماعة واجبة، إما على العين أو الكفاية.
(وقوله: أو كراهته) معطوف على إثم، أي أو يسقط كراهة تركها، أي على القول بأنها سنة مؤكدة.
(قوله: فقول جمع) مبتدأ، خبره وهم.
(قوله: حتى يصير) أي من انتقى عنه فضيلة الجماعة.
(قوله: لا تصح له الجمعة) عطفه على ما قبله من عطف اللازم على الملزوم، وذلك لأن الجماعة شرط في الجمعة، فإذا صار كالمنفرد بطلت الجمعة لانتفاء شرطها.
(قوله: ويجري ذلك) أي ما ذكر من تفويت فضيلة الجماعة فقط.
(وقوله: في كل مكروه من حيث الجماعة) أي متعلق بذات الجماعة، وخرج به المكروه لا من حيث الجماعة، وهو الذي يتصور وجوده مع غيرها، كالصلاة حاقنا أو حازقا أو رافعا بصره إلى السماء، فلا يفوت فضيلتها.
(قوله: بأن لم يتصور وجوده) أي المكروه في غيرها، أي الجماعة.
وهو تصوير لكون الكراهة من حيث الجماعة.
(قوله: فالسنة للمأموم الخ) مفرع على كون المقارنة والتخلف بركن والتقدم بابتدائه: مكروهات.
(قوله: ويتقدم) أي ابتداء فعل المأموم.
(وقوله: على فراغه) أي الإمام منه، أي الفعل.
(قوله: والأكمل من هذا) أي مما ذكر من أن السنة تأخر ابتداء فعله عن ابتداء فعل الإمام وتقدمه على فراغه منه.
(قوله: ولا يشرع) أي المأموم.
وهذا عين ما قبله.
تأمل.
ثم رأيته في التحفة عبر بالفاء التي للتفريع بدل الواو.
وهو أولى.
(قوله: حتى يصل الإمام لحقيقة المنتقل إليه) أي لحقيقة الركن الذي انتقل إليه.
قال سم: قضيته أنه يطلب من المأموم أن لا يخرج عن الاعتدال حتى يتلبس الإمام بالسجود وقد يتوقف فيه.
اه.
قال الكردي: وأقول لا توقف، فقد بينت في الأصل ما يصرح بذلك من الأحاديث الصحيحة، نعم، رأيت في شرح مسلم استثناء ما إذا علم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإمام قبل سجوده.
اه.
وهو ظاهر.
ولعله وجه توقف سم فيما ذكر.
اه.
(قوله: فلا يهوي) أي المأموم، وهو مفرع على الأكمل المذكور.
(قوله: إلى المسجد) أي مكان السجود، فهو مصدر ميمي (1) أريد منه المكان.
(قوله: ولو قارنه بالتحرم) هذا محترز قوله غير تحرم، ومثل المقارنة: ما لو شك هل قارنه فيه أو لا؟ وطال زمن الشك، ومضى ركن مع الشك.
أما إذا لم يطل ولم يمض ركن معه بل زال عن قرب فلا يضر.
(وقوله: أو تبين الخ) أي أو اعتقد أن تحرمه متأخر عنه ثم تبين له خلاف ذلك (وقوله: لم تنعقد صلاته) أي إن نوى الاقتداء مع تحرمه.
أما لو أحرم منفردا ثم اقتدى به في خلال صلاته صحت قدوته، وإن كانت تكبيرته متقدمة على تكبيرة الإمام أو مقارنة له.
(قوله: ولا بأس بإعادته) أي الإمام - التكبير - يعني إذا أعاد الإمام التكبير سرا بعد إحرام المأمومين، لكونه تبين له فقد شرط من شروطه مثلا، فلا ضرر
عليهم بذلك، لكن إذا أعاده وهم لم يشعروا به، وإلا بطلت صلاتهم لتبين تقدم تحرمهم على تحرمه.
وعبارة البجيرمي - بعد كلام -: وكذا لو كبر عقب تكبير إمامه ثم كبر إمامه ثانيا خفية لشكه في تكبيره مثلا ولم يعلم المأموم به لم يضر على أصح الوجهين، وهو المعتمد، كما في ق ل على الجلال، وح ل وش م ر اه.
(قوله: ولا بالمقارنة في السلام) أي ولا بأس بالمقارنة فيه، لكنها تكره وتفوت فضيلة الجماعة.
(قوله: وأن سبقه) أي وإن سبق المأموم الإمام (قوله: بأن فرغ)
__________
(1) قوله: فهو مصدر ميمي) أي وتكسر عينه سماعا، والقياس فتحها.
وعند سيبويه هو بفتح الجيم لاغير، إذا اريد منه موضع السجود ز اه.
مولف(2/48)
أي المأموم، وهو تصوير لسبقه بأحدهما.
(وقوله: فيه) أي في أحدهما من التشهد أو الفاتحة.
(قوله: لم يضر) جواب إن، وذلك لإتيانه به في محله من غير فحش مخالفة.
(قوله: وقيل تجب الإعادة) أي إعادة ما قرأه من الفاتحة أو التشهد قبل الإمام.
(قوله: وهو أولى) أي إعادته بعد فعل الإمام أولى منها مع فعله.
قال سم: كذا قال ر م.
وهو يفيد سن تأخر جميع تشهد المأموم عن جميع تشهد الإمام، ولعله خاص بالأخير وإلا أشكل.
إذ كيف يطلب التأخير بالأول المقتضي للتخلف عن قيام الإمام الخ؟ اه.
(قوله: فعليه) أي على القول بوجوب الإعادة.
(قوله: إن لم يعده) أي ما سبق به من الفاتحة أو التشهد.
(قوله: بطلت) أي لأن فعله مترتب على فعل الإمام، فلا يعتد بما سبقه به.
(قوله: ويسن مرعاة هذا الخلاف) أي فيسن له إعادته.
قال في التحفة: (فإن قلت) .
لم قدمتم رعاية هذا الخلاف على خلاف البطلان بتكرير القولي؟ (قلت) : لأن هذا الخلاف أقوى.
والقاعدة - أخذا من كلامهم - أنه إذا تعارض خلافان قدم أقواهما، وهذا كذلك لأن حديث فلا تختلفوا عليه يؤيده.
وتكرير القولي لا نعلم له حديثا يؤيده.
اه.
(قوله: كما يسن الخ) الكاف للتنظير.
وعبارة التحفة: بل يسن، بالإضراب الانتقالي.
(قوله: تأخير جميع فاتحته) قال ع ش: أي وجميع تشهده أيضا، فلو قارنه فقضية قولهم إن ترك المستحب مكروه كراهة هذا وإنه مفوت لفضيلة الجماعة - فيما قارن فيه.
اه.
(قوله: ولو في أوليي السرية) أي يسن التأخير، ولو كان في أوليي الصلاة السرية كالظهر.
(قوله: إن ظن) أي المأموم، أنه، أي إمامه.
وهو قيد في سنية تأخير الفاتحة مطلقا في الجهرية والسرية.
(قوله: ولو علم الخ) مفهوم قوله إن ظن، وكان المناسب أن يقول: وإلا بأن علم أن إمامه الخ.
(قوله: لزمه أن يقرأها) قال في التحفة: وفيه نظر ظاهر، إلا أن يكون المراد أنه متى أراد البقاء على متابعته، وعلم من نفسه أنه بعد ركوعه لا يمكنه قراءتها إلا وقد سبقه بأكثر من ركنين،
يتحتم عليه قراءتها معه، لأنه لو سكت عنها إلى أن ركع يكون متخلفا بغير عذره لتقصيره، بخلاف نحو منتظر سكتة الإمام، لأنه لم يعلم من حال الإمام شيئا، فعلم أن محل ندب تأخير فاتحته إن رجا أن إمامه يسكت بعد الفاتحة قدرا يسعها أو يقرأ سورة تسعها، وأن محل ندب سكوت الإمام إذا لم يعلم أن المأموم قرأها معه ولا يرى قراءتها.
اه.
(قوله: ولا يصح قدوة الخ) شروع في بيان ما يقتضي بطلان القدوة.
(قوله: بمن اعتقد بطلان صلاته) المراد بالاعتقاد: الظن القوي، وليس المراد ما اصطلح عليه الأصوليون، وهو الجزم المطابق للواقع، ولم يبرز الضمير مع أن الصلة جرت على غير من هي له، لأن فاعل اعتقد يعود على المأموم، جريا على طريقة الكوفيين المجوزين ذلك عند أمن اللبس.
(قوله: بأن ارتكب) أي الإمام، وهو تصوير للبطلان.
(قوله: كشافعي اقتدى بحنفي) تمثيل لمن ارتكب مبطلا في اعتقاد المأموم.
(فإن قيل) فكيف صح اقتداء الشافعي المتم بالحنفي القاصر في محل لا يجوز للشافعي القصر فيه؟ وذلك فيما لو كانا مسافرين - أي الشافعي والحنفي - ونويا إقامة أربعة أيام بموضع يصلح للإقامة وقصر الحنفي مع أن الشافعي يرى بطلان صلاة الحنفي أيضا؟ (أجيب) بأن الشافعي يجوز القصر في الجملة، أي بخلاف الحدث، فإنه لا يجوز الصلاة معه أصلا، ويرد على هذا فاقد الطهورين، ويجاب بأن هذا حالة ضرورة.
(قوله: دون ما إذا اقتصد) أي الحنفي، فإنه لا يضر اقتداء الشافعي به.
قال في النهاية: صور المسألة صاحب الخواطر السريعة بما إذا نسي الإمام كونه مقتصدا، أي وعلم المأموم بذلك، لتكون نيته جازمة في اعتقاده، بخلاف ما إذا علمه - أي الإمام - لأنه متلاعب عندنا أيضا لعدم جزمه بالنية.
اه.
ورد ذلك في التحفة بما حاصله: إن كونه متلاعبا عندنا ممنوع، إذ غاية أمره أنه حال النية عالم بمبطل عنده، وعلمه به مؤثر في جزمه عنده، لا عندنا، فتأمله.
وأيضا فالمدار هنا على وجود صورة صلاة صحيحة عندنا، وإلا لم يصح الاقتداء بمخالف مطلقا اه.
(قوله: نظرا لاعتقاد المقتدي) أي في المس وفي الفصد، فهو تعليل لمحذوف مرتبط بكل(2/49)
منهما، أي لا يصح اقتداء الشافعي بحنفي مس فرجه نظرا لاعتقاد المقتدي، ويصح اقتداؤه بمن افتصد نظرا لذلك أيضا.
(قوله: لأن الإمام الخ) علة للعلة مع المعلل.
أي وإنما إذا نظر لاعتقاد المقتدي تبطل في صورة المس وتصح في صورة الفصد، لأن الإمام محدث عنده بالمس دون الفصد.
(وقوله: فيتعذر الخ) مفرع على كون الإمام محدثا عنده.
(وقوله: لأنه) أي الإمام، وهو علة للتعذر.
(وقوله: عنده) أي المقتدي.
(قوله: ولو شك شافعي إلخ) خرج بالشك ما
إذا تيقن تركه لبعض الواجبات كالبسملة بأن سمعه يصل تكبيرة التحرم أو القيام بالحمد لله، فإنه يؤثر في صحة الاقتداء به.
وعبارة النهاية: ولو ترك الإمام البسملة لم تصح قدوة الشافعي به، ولو كان المقتدى به الإمام الأعظم أو نائبه.
كما نقلاه عن تصحيح الأكثرين، وقطع به جماعة، وهو المعتمد.
وإن نقلا عن الحليمي والأدوني الصحة خلفه واستحسناه.
وتعليل الجواز بخوف الفتنة ممنوع، فقد لا يعلم الإمام بعدم اقتدائه أو مفارقته، كأن يكون في الصف الأخير مثلا.
اه.
وقوله: الصحة خلفه أو خلف الإمام الأعظم، وبها قال في التحفة أيضا.
(قوله: لم يؤثر في صحة الاقتداء به) قال سم: ظاهره وإن علم الشافعي أنه لا يطلب عند ذلك المخالف توقي ذلك الخلاف، وليس بعيدا لاحتمال أن يأتي بها احتياطا، وإن لم يطلب عنده توقي الخلاف فيها.
اه.
وقال ع ش: لو أخبره بعد الصلاة بترك شئ من الواجبات فهل يؤثر ذلك وتجب الإعادة أو لا؟ للحكم بمضي الصلاة على الصحة؟ فيه نظر.
والأقرب الأول.
اه.
(قوله: تحسينا للظن به) أي بالإمام: قال في الروض وشرحه: ومحافظة على الكمال عنده.
اه.
(وقوله: في توقي الخلاف) متعلق بتحسينا، أي يحسن الشافعي الظن بالمخالف في توقي الخلاف، أي مراعاته، بأن يأتي بما هو واجب عند المخالف لتصح صلاته وصلاة المأمومين على مذهبه ومذهب المخالف.
وفي البجيرمي ما نصه: (سئل) الشهاب الرملي عن إمام مسجد يصلي بعموم الناس بأن كان راتبا هل يجب عليه أن يراعي الخلاف أو لا ويقتصر على مذهبه؟ (فأجاب) بأنه يجب عليه رعاية الخلاف اه.
قال شيخنا: أما لو قرر إمام للحنفية مثلا فلا يلزمه ذلك.
وهو قضية إفتاء م ر.
ثم قال شيخنا بعد ذلك: إذا كان يصلي خلفه شافعي، ينبغي وجوب رعاية الخلاف.
قلت: وفيه ما فيه، إذ هو مقيد بإمامة على مذهب معين ولا يلزم الإمام تصحيح صلاة الغير اهـ.
أج.
اهـ.
(قوله: فلا يضر عدم الخ) الأولى التعبير بالواو.
لأن الفاء ليس لها محل هنا، إذ المقام لا يقتضي التفريع.
وعبارة ع ش: بقي أن يقال سلمنا أنه أتى به لكن على اعتقاد السنية ومن اعتقد بفرض معين نفلا كان ضارا، كما تقدم.
وأشار الشيخ في شرح الروض إلى دفعه بقوله: ولا يضر عدم اعتقاد الوجوب إلخ (وحاصله) أن اعتقاد عدم الوجوب إنما يؤثر إذا لم يكن مذهبا للمعتقد، وإلا بأن كان مذهبا له لم يؤثر، ويكتفي منه بمجرد الإتيان به.
اه.
ملخصا.
(قوله: لو قام إمامه لزيادة) أي على صلاته.
(قوله: كخامسة) تمثيل للزيادة.
(قوله: ولو سهوا) أي ولو قام حال كونه ساهيا بأن صلاته قد كملت.
(قوله: لم يجز له متابعته) أي لم يجز للمأموم أن يتابعه في الركعة الزائدة، فإن تابعه بطلت صلاته لتلاعبه، ومحله إن كان المأموم عالما بالزيادة، فإن كان جاهلا بها وتابعه فيها لم تبطل صلاته، وحسبت له تلك الركعة إذا كان مسبوقا لعذره، وإن لم تحسب للإمام.
(قوله: ولو مسبوقا أو شاكا) غاية
في عدم جواز المتابعة له، أي ولو كان المأموم مسبوقا أو شاكا في ركعة، فإنه لا تجوز له المتابعة.
(قوله: بل يفارقه) أي ينوي المفارقة.
(وقوله: ويسلم) أي بعد أن يتشهد.
ومحل هذا إذا لم يكن مسبوقا.
أو شاكا في الركعة ركعة، فإن كان كذلك: قام بعد نيته المفارقة للإتيان بما عليه، كما هو ظاهر.
(قوله: أو ينتظره) أي أو ينتظر الإمام في التشهد.
(قوله: على المعتمد) متعلق بينتظر.
ومقابله يقول: لا يجوز له الانتظار، كما نص عليه ابن حجر في فتاويه.
وعبارتها بعد كلام:(2/50)
قال الزركشي كالأسنوي نقلا عن المجموع في الجنائز: ولا يجوز له انتظاره، بل يسلم، فإنه في انتظاره مقيم على متابعته فيما يعتقده مخطئا فيه.
والمعتمد خلاف ما قاله الخ اه.
(قوله: ولا قدوة بمقتد) أي ولا يصح قدوة بمقتد حال قدوته لاستحالة اجتماع كونه تابعا متبوعا، وما في الصحيحين من أن الناس اقتدوا بأبي بكر خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، محمول على أنهم كانوا مقتدين به - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يسمعهم التكبير، كما في الصحيحين أيضا.
(قوله: ولو احتمالا) أي شكا، وهو منصوب على أنه خبر لكان محذوفا بتأويله باسم الفاعل، أي ولا يصح قدوته بمقتديا، ولو كان مريد القدوة شاكا في كونه مقتديا بأن تردد في كونه إماما أو مأموما، كأن رأى رجلين يصليان جماعة، وشك أيهما الإمام؟ قال ح ل: فإن ظنه أحدهما بالاجتهاد عمل باجتهاده.
واعترض بأن شرط الاجتهاد أن يكون للعلامة فيه مجال، ولا مجال لها هنا، لأن مدار المأمومية على النية لا غير، وهي لا يطلع عليها.
وأجيب بأن للقرائن مدخلا في النية.
ا.
هـ.
(قوله: وإن بان إماما) أي لا تصح القدوة فيما إذا شك في أنه مقتد أو لا؟ ولو تبين له بعد ذلك أنه إمام.
وصورة ذلك، فيما إذا اقتدى بأحد شخصين متساويين في الموقف معتقدا أن من اقتدى به هو الإمام، ثم بعد ذلك طرأ له شك في كونه إماما أو مأموما، فلا تصح القدوة به، ولو تبين له بعد ذلك أنه إمام.
لكن محله - كما في سم - ما إذا طال زمن التردد، أو مضى معه ركن (قوله: كأن سلم الإمام الخ) تمثيل لمن انقطعت قدوته.
(وقوله: فقام مسبوق) أي ليأتي بما بقي عليه.
(وقوله: فاقتدى به) أي بالمسبوق بعد قيامه للإتيان بما عليه.
(قوله: صحت) محل الصحة في هذه الصورة وفي الثانية التي بعدها في غير الجمعة، أما فيها فلا تصح القدوة في الصورتين عند الجمال الرملي، وفي الصورة الثانية عند ابن حجر.
أما في الصورة الأولى فتصح عنده، لكن مع الكراهة، أفاده الكردي (قوله: لكن مع الكراهة) ظاهره أنه مرتبط بالصورة الثانية، وهو أيضا ظاهر عبارة شيخه في التحفة، وظاهر عبارة النهاية أنه مرتبط بالصورتين، كما نبه عليه ع ش، وعبارته: قوله لكن مع الكراهة، ظاهر في الصورتين، وعليه: فلا ثواب فيها من حيث الجماعة.
وفي ابن حجر التصريح برجوعه للثانية فقط
والكراهة، خروجا من خلاف من أبطلها.
ا.
هـ.
(قوله: ولا قدوة قارئ) أي ولا تصح قدوة قارئ.
(قوله: بأمي) نسبة للأم، كأنه على حالته التي ولد عليها، وهو لغة من لا يقرأ ولا يكتب، ثم استعمل فيما ذكره الشارح مجازا.
(قوله: وهو) أي الأمي.
(وقوله: من يخل بالفاتحة) أي لا يحسن حروف الفاتحة.
قال سم: وخرج نحو التشهد فلمن لا يخل بذلك فيه الاقتداء بمن يخل بذلك فيه.
م ر.
ويفرق بأن من شأن الإمام أن يتحمل الفاتحة، والمخل لا يصلح للتحمل، وليس من شأنه تحمل التشهد.
ومما يدل على التشهد أوسع: أنه لا يشترط فيه الترتيب.
ا.
هـ.
وفي حاشية البرماوي أن هذا غير مستقيم، لما تقدم أن الإخلال ببعض الشدات في التشهد مخل أيضا، أي فلا تصح صلاته حينئذ، ولا إمامته.
ا.
هـ.
(قوله: أو بعضها) بالجر، عطف على الفاتحة.
أو يخل ببعض الفاتحة.
(قوله: ولو بحرف منها) .
غاية في البعض.
أي ولو كان ذلك البعض الذي يخل به حرفا واحدا.
(قوله: بأن يعجز إلخ) تصوير للإخلال بحرف منها.
(وقوله: أو عن إخراجه عن مخرجه) أي أو يعجز عن إخراج الحرف من مخرجه.
وانظر ما الفرق بينه وبين ما قبله؟ فإنه إذا عجز عنه بالكلية فقد عجز عن إخراجه من مخرجه، ومثله العكس، فحينئذ يغني أحدهما عن الآخر.
وفي النهاية: الاقتصار على الثاني.
ويمكن أن يفرق بينهما بأن المراد بعجزه عنه بالكلية أن لا يستطيع النطق به ولا ببدله في محله.
والمراد بعجزه عن إخراجه من مخرجه: أن لا يستطيع النطق به من مخرجه مع إتيانه ببدله في محله، كأن يقول المتقيم.
(قوله: أو عن أصل تشديدة) أي أو يعجز عن أصل تشديده، وعطفه على ما قبله من عطف المغاير، لأن التشديدة هيئة للحرف، وليست بحرف، فليس العطف هنا من عطف الخاص على العام، وذلك كتخفيف إياك ولو أحسن أصل التشديدة وتعذرت عليه المبالغة صحت القدوة به مع الكراهة.
(قوله: وإن لم يمكنه التعلم) غاية في عدم(2/51)
صحة اقتداء القارئ به، أي لا تصح القدوة به مطلقا سواء أمكنه التعلم أم لا.
(قوله: ولا علم بحاله) أي وإن لم يعلم القارئ بحاله، فهي غاية ثانية.
قال سم: فلا تنعقد للجاهل بحاله.
فلا بد من القضاء، وإن لم يبن الحال إلا بعد.
ا.
هـ.
ويرد على هذه الغاية: أن عدم العلم بحاله صادق بما إذا كان مترددا في كونه أميا أو لا؟ فيفيد عدم صحة القدوة به في هذه الحالة، فينافي حينئذ ما سيصرح به من صحة القدوة في هذه الحالة.
(قوله: لأنه) أي الأمي، وهو علة لعدم صحة الاقتداء بالأمي، أي وإنما لم تصح القدوة به، لأنه لا يصلح لتحمل القراءة عنه إذا كان مسبقا، أي ومن شأن الإمام تحملها.
وعبارة شرح المنهج: لأن الإمام بصدد تحمل القراءة عن المسبوق، فإذا لم يحسنها لم يصلح للتحمل.
ا.
هـ.
(قوله: عنه) أي المأموم (وقوله: لو أدركه راكعا) أي لو أدرك المأموم الإمام حال كونه راكعا.
(قوله: ويصح الاقتداء بمن يجوز) من واقعة على إمام، ويجوز يحتمل قراءته بتشديد الواو مع ضم الياء، ويحتمل قراءته بتخفيفها مع فتح الياء، والمعنى على الأول: ويصح الاقتداء بإمام يجوز المأموم القارئ كونه أميا.
وعلى الثاني بإمام يحتمل كونه أميا.
(قوله: إلا إذا لم يجهر في جهريه) أي فلا يصح الاقتداء به.
فجواب إذا محذوف.
(وقوله: فيلزم مفارقته) تفريع على الجواب المحذوف، ويحتمل أن يكون هو الجواب ولا حذف، والأول أنسب.
وإنما لزمت مفارقته حينئذ لأن الظاهر من حاله أنه لو كان قارئا لجهر بها، وهذا ما في التحفة.
والذي يستفاد من النهاية أنه لا تلزمه المفارقة، بل يتابعه إلى أن يسلم، ثم بعده إن أخبر الإمام أنه أسر ناسي، أو لجواز الإسرار، وصدقه المأموم، فلا تلزمه الإعادة بل تستحب، ويلزمه البحث عن حاله أما في السرية فلا إعادة عليه عملا بالظاهر، ولا يلزمه البحث عن حاله، كما لا يلزمه البحث عن طهارة الإمام، واعتمد ذلك سم.
وعبارته.
قوله فتلزمه مفارقته إلخ: المعتمد أنه لا تلزم مفارقته، وأنه إذا استمر - ولو مع العلم: خلافا لتقييد السبكي بالجهل: حتى سلم - لزمه الإعادة، ما لم يبن أنه قارئ.
ا.
هـ.
(قوله: فإن استمر جاهلا الخ) مفرع على ما قبل الاستثناء، يعني إذا اقتدى بمن جوز كونه أميا، فإن استمر جاهلا بحال إمامه حتى سلم بأن كانت الصلاة سرية، لزمته الإعادة، ما لم يتبين للمأموم أن الامام قارئ، فإن تبين له ذلك لم تلزمه الإعادة.
(قوله: ومحل عدم صحة إلخ) الأولى تأخير هذا وذكره قبيل قوله وكره اقتداء بنحو تأتاء الخ.
فتنبه.
(قوله: إن لم يستو الإمام إلخ) فإن استويا في ذلك صحت القدوة ولو في الجمعة، إذ كلاهما حينئذ أمي، فاستويا في النقص، كالمرأتين.
قال في الإمداد: ولو اتفق أربعون أميا في المعجوز عنه فتصح إمامة أحدهم، بل تلزمهم الجمعة حينئذ.
ا.
هـ.
(وقوله: في الحرف المعجوز عنه) أي في عينه.
ولا فرق بين أن يتفقا في كيفية العجز بذلك الحرف، كما لو أبدل الإمام والمقتدي به الراء غينا، ويختلفا فيها، كما لو أبدلها أحدهما عينا والآخر لاما.
(قوله: بأن أحسنه الخ) تصوير لعدم استوائهما في الحرف المعجوز عنه.
(وقوله: أو أحسن كل منهما) أي من الإمام والمأموم (وقوله: غير ما أحسنه الآخر) أي كأن أحسن الإمام الراء ولم يحسن السين، والمأموم بالعكس (قوله: ومنه أرت) أي ومن الأمي أرت، وهو بالتاء المثناة.
(وقوله: يدغم الخ) بيان لمعنى الأرت: أي الأرت هو الذي يدغم الخ.
(وقوله: في غير محله) أي الإدغام المفهوم من يدغم.
(وقوله: بإبدال) متعلق بيدغم، أي يدغم مع إبدال الحرف المدغم بآخر، كأن يقول المتقيم بإبدال السين تاء وإدغامها في
التاء.
وخرج به ما إذا كان يدغم فقط، كتشديد لام أو كاف مالك فلا يضر ولا يسمى هذا أرت.
(قوله: وألثغ) معطوف على أرت، أي ومن الأمي، ألثغ، وهو بالثاء المثلثة.
(وقوله: يبدل الخ) بيان لمعنى الألثغ.
ولا فرق في الإبدال المذكور بين أن يكون مع إدغام أو لا، فهو أعم مما قبله.
وقيل هو الذي يبدل من غير إدغام.
فعليه يكون مغايرا.
وخرج بقوله يبدل الخ: ما إذا لم يبدل حرفا بآخر، بأن كانت لثغته يسيرة لم تمنع أصل مخرجه، وإن كان غير صاف، فلا يؤثر.(2/52)
وحكى الروياني عن ابن غانم مقرئ ابن سريج قال: انتهى ابن سريج إلى هذه المسألة فقال: لا تصح إمامة الألثغ، وكان لثغته يسيرة، وفي مثلها، فاستحييت أن أقول له: هل تصح إمامتك؟ فقلت له: هل تصح إمامتي؟ قال: وإمامتي أيضا.
(قوله: فإن أمكنه التعلم) لا يظهر له ارتباط بما قبله إلا بتكلف.
أي وإذا لم تصح القدوة بالأمي، فهل تصح صلاة نفسه أو لا؟ في ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن أمكنه الخ.
وكان الأولى والأسبك أن يقول: وكما لا تصح القدوة به لا تصح صلاته، إن أمكنه التعلم ولم يتعلم، وإلا صحت.
تفطن (قوله: وكره اقتداء بنحو تأتاء) أي في الفاتحة وغيرها.
(وقوله: وفأفاء) أي في غير الفاتحة، إذ لا فاء فيها.
والتأتاء: هو الذي يكرر التاء.
والفأفاء: هو الذي يكرر الفاء.
ومثلهما: الوأواء، وهو الذي يكرر الواو.
وإنما كره الاقتداء بمن ذكر لزيادته حرفا، ونفرة الطبع عن سماعه.
وإنما صحت القدوة بهم، لعذرهم في تلك الزيادة.
(قوله: ولاحن بما لا يغير معنى) أي وكره اقتداء بلاحن بما لا يغير المعنى.
ويحرم تعمده مع صحة الصلاة والقدوة.
(والحاصل) أن اللحن حرام على العامد العالم القادر مطلقا، وأن ما لا يغير المعنى لا يضر في صحة الصلاة والقدوة مطلقا، وأما ما يغير المعنى ففي غير الفاتحة لا يضر فيهما إلا أن كان عامدا عالما قادرا، وأما في الفاتحة فإن قدر وأمكنه التعلم ضر فيهما، وإلا فكأمي.
ا.
هـ.
بجيرمي.
(قوله: كضم هاء لله) أي وكضم صاد الصراط وهاء اهدنا، وإن لم تسمه النحاة لحنا (قوله: فإن لحن لحنا يغير المعنى الخ) مقابل قوله بما لا يغير معنى.
والمراد بتغيير المعنى أن ينقل معنى الكلمة إلى معنى آخر، كضم تاء أنعمت وكسرها، أو يصيرها لا معنى لها أصلا كالزين بالزاي.
أفاده البجيرمي.
(وقوله: في الفاتحة) أي أو بدلها.
وسيذكر مقابله بقوله أو في غيرها.
(قوله: أبطل) أي لحنه المغير للمعنى.
(وقوله: صلاة إلخ) أي والقدوة به بالأولى، (وقوله: من أمكنه التعلم) وزمن الإمكان من وقت إسلامه فيمن طرأ إسلامه كما قاله البغوي، ومن التمييز في غيره على الأوجه.
ا.
هـ.
تحفة، وقال م ر: الأوجه خلافه، لما يلزم عليه من تكليفه بها قبل بلوغه.
(قوله: لأنه ليس بقرآن) أي لأن الحرف الملحون لحنا
يغير المعنى ليس بقرآن، أي والتكلم بما ليس بقرآن يبطل الصلاة مع العلم والتعمد، كما مر.
(قوله: نعم إن ضاق الوقت) أي على من أمكنه التعلم وتركه.
قال ع ش: ومفهومه أنه لا يصلي ما دام الوقت واسعا، وظاهره وإن أيس ممن يعلمه، وقياس ما في التيمم من أن فاقد الطهورين إن لم يرج الماء صلى في أول الوقت أنه هنا بقرآن، أي التعلم وتركه.
قال ع ش: ومفهومه أنه لا يصلي ما دام الوقت واسعا، وظاهره وإن أيس ممن يعلمه، وقياس ما في التيمم من أن فاقد الطهورين إن لم يرج الماء صلى في أول الوقت أنه هنا كذلك، إلا أن يفرق بأن فقد الطهورين من أصله لا اختيار للمكلف فيه، بخلاف ترك التعلم، فإن المكلف منسوب فيه إلى تقصير لحصول التفويت من جهته.
ا.
هـ.
(قوله: وأعاد) أي الصلاة (وقوله: لتقصيره) أي بتركه التعلم (قوله: ويظهر أنه) أي اللاحن الذي ضاق عليه الوقت وصلى لحرمته.
(قوله: لا يأتي بتلك الكلمة) أي التي يلحن فيها لحنا بغير المعنى (قوله: لأنه) أي تلك الكلمة، وذكر الضمير مراعاة للخبر.
(قوله: فلم تتوقف الخ) تفريع على العلة.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ كانت غير قرآن.
(وقوله: عليها) أي على تلك الكلمة، أي على الإتيان بها.
(قوله: بل تعمدها) أي تلك الكلمة، أي تعمد الإتيان بها.
(وقوله: ولو من مثل هذا) أي اللاحن الذي ضاق عليه الوقت وصلى لحرمته.
(قوله: أو في غيرها) عطف على قوله في الفاتحة، أي أو(2/53)
إن لحن لحنا يغير المعنى في غير الفاتحة.
أي وغير بدلها.
(قوله: صحت صلاته) جواب أن المقدرة.
(قوله: إلا إذا قدر) أي على النطق به على الصواب وعلم - أي التحريم - وتعمد - أي اللحن - أي فلا تصح حينئذ صلاته ولا القدوة به.
ومثل تعمده اللحن: ما إذا سبق إليه لسانه ولم يعده على الصواب.
(قوله: لأنه) أي الملحون، وهو تعليل لمحذوف، أي فلا تصح صلاة اللاحن في غير الفاتحة، لأنه كلام أجنبي.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ قدر وعلم وتعمد.
ومفاده أنه إذا لم يقدر ولم يعلم ولم يتعمد ليس كلاما أجنبيا، وليس كذلك، بل هو كلام أجنبي مطلقا، قدر وعلم وتعمد أو لا.
فالأولى أن يقول بدل هذه العلة لأنه حينئذ غير مغتفر، بخلاف ما إذا لم يقدر ولم يعلم ولم يتعمد، فإنه مغتفر، لأن الكلام اليسير يغتفر في الصلاة مع الجهل والنسيان.
فتنبه.
(قوله: وحيث بطلت صلاته هنا) أي في غير الفاتحة، كأن قرأ ورسوله من قوله تعالى * (إن الله برئ من المشركين ورسوله) * بالجر، (وقوله: يبطل الاقتداء به) يرد عليه أن بطلان الاقتداء به قد علم من قوله إلا إذا قدر إلخ، إذ المراد فلا تصح صلاته ولا القدوة به، إلا إن يقال صرح بما هو معلوم للتقييد بقوله: لكن للعالم بحاله، ومع ذلك فالأخصر والأنسب أن يقول: وحيث بطلت القدوة هنا، فهو للعالم بحاله.
(قوله: لكن للعالم بحاله) أما إذا لم يعلم بحاله فتصح قدوته به، ويفرق بينه وبين الأمي - حيث بطل اقتداء الجاهل به - بأن هذا يعسر الاطلاع على حاله قبل القدوة.
(قوله: واختار السبكي) ضعيف.
ع ش.
وهذا مقابل قوله صحت صلاته والقدوة به إلا إذا قدر الخ.
(قوله: ليس الخ) مقول قول الإمام، (وقوله: لهذا) أي اللاحن في غير الفاتحة.
(قوله: لأنه) أي اللاحن المذكور، وهو تعليل لقوله ليس لهذا إلخ.
(وقوله: بلا ضرورة) أي بلا حاجة إلى التكلم به.
(قوله: من البطلان) بيان لما.
(وقوله: مطلقا) أي سواء قدر على النطق به على الصواب أو عجز عنه.
وأما النسيان أو الجهل فلا يقتضي البطلان عنده أيضا إلا مع الكثرة، أفاده سم (قوله: ولو اقتدى بمن ظنه أهلا للإمامة) خرج به ما إذا ظنه ليس أهلا لها، فلا تنعقد صلاته، وإن تبين أن لا خلل، لعدم صحة القدوة في الظاهر، للتردد عندها.
(قوله: فبان خلافه) أي ظهر له خلاف ما ظنه.
(قوله: كأن ظنه الخ) تمثيل لمن ظنه أهلا فبان خلافه.
(وقوله: قارئا) أي أو مسلما أو ليس زنديقا، أو كبر للإحرام، أو لم يسجد على كمه الذي يتحرك بحركته.
(قوله: فبان أميا) أي أو كافرا أو زنديقا، أو لم يكبر للإحرام أو لم يسجد ساجدا على كمه الذي يتحرك بحركته.
(تنبيه) وقع خلاف في بان - فقيل هي من أخوات كان، والمنصوب بعدها خبرها.
وقيل أنها ليست من أخوات كان، والمنصوب بعدها إما تمييز محول عن الفاعل، أي بان أميته أو كفره أو زندقته مثلا، أو منصوب على الحال.
ورد السيوطي كونها من أخوات كان بأن أخوات كان محصورة معدودة، ولم يذكر أحد أن بان منها.
وقال: المتجه أن المنصوب بعدها تميز محول عن الفاعل، كطاب زيد نفسا.
(قوله: أعاد) أي المقتدي، وهو جواب لو، ومحل الإعادة إن بان بعد الفراغ من الصلاة، فإن بان في أثنائها وجب استئنافها.
وفي البجيرمي ما نصه: (قاعدة) كل ما يوجب الإعادة إذا طرأ في الأثناء أو ظهر أوجب الاستئناف، ولا يجوز الاستمرار مع نية المفارقة.
وكل ما لا يوجب الإعادة مما يمنع صحة الاقتداء ابتداء عند العلم إذا طرأ في الأثناء أو ظهر لا يوجب الاستئناف، ويجوز الاستمرار مع نية المفارقة.
ا.
هـ.
(قوله: لتقصيره بترك البحث) صريحه أنه يجب البحث(2/54)
على المأموم عن حال الإمام قبل اقتدائه، وليس كذلك على الأصح، فلو قال لكون الإمام ليس من أهل الإمامه لذاته لكان أولى.
اه.
بجيرمي (وقوله: في ذلك) أي في كونه أهلا أو لا؟ (قوله: لا إن اقتدى) أي لا يعيدها إن اقتدى إلخ، وهو استدراك من وجوب الإعادة إذا ظنه أهلا ثم بان خلافه.
(وقوله: بمن ظنه متطهرا) أي أو ناويا أو عاجزا عن ستر العورة.
(قوله: فبان ذا حدث) أي أو أنه لم ينو، أو أنه كان قادرا على ستر العورة.
(قوله: أو ذا خبث خفي) أي أو بان ذا خبث خفي، وسيذكر ضابط الخفي وضده.
(قوله: ولو في جمعة) أي ولو بإن كذلك في جمعه فلا تجب الإعادة.
(وقوله: إن زاد) أي الإمام، وهو قيد في عدم وجوب الإعادة بالنسبة للجمعة.
وخرج به ما إذا كان تمام الأربعين، فتجب الإعادة، لتبين بطلان صلاته ببطلان صلاة الإمام، لعدم استكمال العدد.
(قوله: وإن كان الإمام عالما) أي بحدث نفسه أو بالخبث الذي فيه، وهي غاية ثانية لعدم وجوب الإعادة.
(قوله: لانتقاء الخ) تعليل لعدم وجوب الإعادة.
(قوله: إذ لا أمارة الخ) علة للعلة، والأمارة هنا، بفتح الهمزة، وهي العلامة، وأما بكسرها: فهي الولاية كما في المصباح.
(وقوله: عليهما) أي الحدث والخبث الخفي.
(قوله: ومن ثم) أي من أجل انتفاء التقصير منه.
(وقوله: حصل له) أي للمقتدي.
(وقوله: فضل الجماعة) هو سبع وعشرون أو خمس وعشرون درجة.
(قوله: أما إذ أبان) أي الإمام.
(وقوله: ذا خبث ظاهر) هو محترز قوله خفي.
(فائدة) يجب على الإمام إذا كانت النجاسة ظاهرة إخبار المأموم بذلك ليعيد صلاته، أخذا من قولهم: لو رأى على ثوب مصل نجاسة وجب إخباره بها، وإن لم يكن آثما.
ومن قولهم: لو رأى صبيا يزني بصبية وجب منعه من ذلك، لأن النهي عن المنكر لا يتوقف على علم من أريد نهيه.
ا.
هـ.
ع ش.
(قوله: فيلزمه الإعادة) أي فيلزم المأموم الإعادة، ولو لم ير ذلك الخبث الظاهر، لوجود حائل بين الإمام والمأموم، أو ظلمه، أو بعد عن الإمام، أو اشتغال بالصلاة، أو كون الإمام صلى قائما والمأموم صلى جالسا لعجزه، ففي جميع هذه الصور تلزمه الإعادة عند ابن حجر والرملي، وخالف الروياني في الصورة الأخيرة، فقال: لا تلزمه الإعادة فيها لعدم تقصيره، لكون فرضه الجلوس.
(قوله: على غير الأعمى) المناسب أن يقول إن كان غير أعمى - كما هو ظاهر.
وخرج به الأعمى، فلا تجب عليه الإعادة، لعدم تقصيره.
قال الكردي: وفي الإيعاب للشارح مثل الأعمى - فيما يظهر - ما لو كان في ظلمة شديدة لمنعها أهلية التأمل والتخرق في ستر العورة، كالخبث فيما ذكر من التفصيل فيما يظهر.
اهـ.
(قوله: وهو) أي الخبث الظاهر.
(وقوله: ما بظاهر الثوب) أي الذي يكون بظاهر الثوب.
(وقوله: وإن حال بين الإمام والمأموم حائل) أي أن الخبث الظاهر هو ما كان بظاهر الثوب ولم يره المأموم، بأن حال حائل بينهما كجدار.
ومثل الحائل ما مر آنفا.
(قوله: والأوجه في ضبطه) أي الخبث الظاهر.
وهذا الضبط للأنوار، ولعل وجه أوجهية هذا الضبط: شمول الخفي عليه للخبث الحكمي الكائن على ظهر الثوب، وذلك لأنه لو تأمله المأموم لا يراه، بخلافه على الضبط الأول، فإنه لا يشمله، بل يدخله في الظاهر مع أنه ليس منه، بل هو من الخفي.
(وقوله: أن يكون) أي الخبث الظاهر.
(وقوله: بحيث لو تأمله)
الباء للملابسة، أي يكون متلبسا بحالة، وهي لو تأمله الخ.
(واعلم) أن هذا الضبط لا ينافي الضبط الذي نقله القليوبي عن شيخه الزيادي والرملي، ونقله البجيرمي عن الشوبري من أن الظاهرة هي العينية، والخفية هي الحكمية، بل هو متبادر منه.
(وقوله: رآه) أي أدركه بإحدى الحواس، ولو بالشم، ليشمل الأعمى، وإن حال بينهما حائل.
اهـ.
بجيرمي.
(قوله: والخفي بخلافه) وهو الذي لو تأمله المأموم لم يره.
(قوله: مطلقا) أي سواء كان الخبث الذي تبين في الإمام ظاهرا أو خفيا.
(قوله: وصح اقتداء إلخ) وذلك لصحة صلاتهم من غير إعادة.
(وقوله: بسلس) هو بكسر اللام.(2/55)
(قوله: وقائم بقاعد) أي وصح اقتداء قائم بقاعد، لخبر البخاري: عن عائشة رضي الله عنها: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرض موته قاعدا، وأبو بكر والناس قياما.
(قوله: متوضئ بمتيمم) أي وصح اقتداء متوضئ بمتيمم.
(وقوله: لا تلزمه إعادة) قيد في صحة القدوة بمتيمم.
وخرج به من تلزمه الإعادة كمتيمم في محل يغلب وجود الماء فيه، فلا تصح القدوة به، لعدم كمال حاله.
(تنبيه) تصح أيضا قدوة الكامل بالصبي، لأن عمرو بن سلمة - بكسر اللام - كان يؤم قومه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ست أو سبع سنين - كما رواه البخاري.
وبالعبد، وإن كان صبيا، لأن صلاته معتد بها، ولأن ذكوان - مولى عائشة - كان يؤمها.
وتصح أيضا قدوة البصير بالأعمى، كعكسه، لتعارض فضيلتهما، لأن الأعمى لا ينظر ما يشغله فهو أخشع، والبصير ينظر الخبث فهو أحفظ.
(قوله: وكره اقتداء إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: وصح اقتداء بفاسق ومبتدع، لكن مع الكراهة.
(وقوله: ومبتدع) أي لا نكفره ببدعته، كالمعتزلي، وهو القائل بخلق القرآن أو عدم الرؤية.
والقدري، وهو القائل بخلق العبد أفعاله الاختيارية.
والجهمي، وهو القائل بمذهب جهم بن صفوان الترمذي، وهو أنه لا قدرة للعبد بالكلية.
والمرجئ، وهو القائل بالإرجاء، وهو أنه لا يضر مع الإيمان معصية.
والرافضي، وهو القائل بأن عليا - كرم الله وجهه - أسر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخلافة، وأنه أولى من غيره.
أما الذي نكفره ببدعته فلا تصح القدوة به أصلا، وذلك كالمجسمة، وهم القائلون بأن الله جسم كالأجسام تعالى الله عن ذلك كالفلاسفة، وهم منكرو حدوث العالم، وعلمه تعالى بالجزئيات، والبعث للأجسام.
وهذه الثلاثة هي أصل كفرهم.
ونظمها بعضهم في قوله: بثلاثة: كفر الفلاسفة العدا * * إذ أنكروها وهي قطعا مثبته علم بجزئي، حدوث عوالم، * * حشر لأجساد وكانت ميته (قوله: كرافضي) تمثيل للمبتدع، لا تنظير.
(قوله: وإن لم يوجد أحد سواهما) أي يكره الاقتداء بهما وإن لم
يوجد إلخ، وذلك للخلاف في صحة الاقتداء بهما لعدم أمانتهما، فقد لا يحصل منهما محافظة على بعض الواجبات، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم.
وإنما صحت الصلاة خلفهما - على المعتمد - لما روى الشيخان: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي خلف الحجاج.
قال الشافعي - رضي الله عنه -: وكفى به فاسقا.
(وقوله: ما لم يخش فتنة) أي ما لم يخش المأموم إن لم يأتم بهما فتنة، كأن يكون الإمام الفاسق، أو المبتدع واليا ظالما.
(قوله: وقيل لا يصح الاقتداء بهما) أي الفاسق والمبتدع.
(قوله: وكره أيضا اقتداء بموسوس) هو الذي يقدر ما لم يكن كائنا ثم يحكم بحصوله من غير دليل ظاهر، كأن يتوهم وقوع نجاسة بثوبه ثم يحكم بوجودها من غير ذلك، وإنما كره الاقتداء خلفه لأنه يشك في أفعال نفسه.
(وسئل) ابن حجر عن الاقتداء بالموسوس هل يصح أم لا؟ وعن الفرق بين الوسوسة والشك؟ (فأجاب) بأن الصلاة خلفه صحيحة إلا أنها مكروهة، لأنه يشك في أفعال نفسه.
والفرق بين الوسوسة والشك، أن الشك يكون بعلامة، كترك ثياب من عادته مباشرة النجاسة، والاحتياط هنا مطلوب، بخلاف الوسوسة، فإنها الحكم بالنجاسة من غير علامة، بأن لم يعارض الأصل شئ، كإرادة غسل ثوب جديد اشتراه احتياطا، وذلك من البدع.
كما صرح به النووي في شرح المهذب.
فالاحتياط حينئذ ترك هذا الاحتياط.
اهـ.
من الفتاوي ملخصا.
(قوله: وأقلف) أي وكره أيضا اقتداء بأقلف، وهو الذي لم يختن، سواء ما قبل البلوغ وما بعده، لأنه قد لا يحافظ على ما يشترط لصحة صلاته، فضلا عن إمامته، وهو غسل جميع ما يصل إليه البول مما تحت قلفته، لأنها لما كانت واجبة الإزالة كان ما تحتها في حكم الظاهر.
(قوله: لا بولد الزنا) أي لا يكره الاقتداء بولد الزنا.
قال شيخ الإسلام في شرح التحرير: وإن عده الأصل في المكروه.
وكتب محشيه ما نصه: كلام الأصل هو المعتمد في ولد الزنا ومن لا يعرف له أب، لكن بشرط أن يكون الاقتداء به من ابتداء الصلاة، ولم يكن المقتدي مثله.
وعبارة الرملي: وأطلق جماعة كراهة ولد الزنا ومن لا يعرف أبوه، وهي مصورة بكون ذلك في ابتداء الصلاة ولم تساوي(2/56)
المأموم، فإن ساواه أو وجده قد أحرم واقتدى به فلا بأس.
اه.
لكن بحث في التفصيل المذكور بأن من كره الاقتداء به لا فرق بين أن يقتدي به من هو مثله أو غيره، ولا بين الابتداء والانتهاء.
اه.
(قوله: لكنه) ألاقتداء بولد الزنا، ومثله ولد الملاعنة، ومن لا يعرف له أب كاللقيط.
(وقوله: خلاف الأولى) أي لغير مثله وغير من وجده قد أحرم، أما لمثله أو لمن وجده قد أحرم فلا بأس بذلك.
اه.
ش ق.
(قوله: واختار السبكي ومن تبعه انتفاء الكراهة) أي كراهة الاقتداء
بمن ذكر من الفاسق ومن بعده.
(قوله: إذا تعذرت الجماعة) أي إقامتها.
وقوله: إلا خلف من تكره خلفه أي فإنها حينئذ لا تتعذر.
(قوله: بل هي) أي الجماعة خلف من تكره خلفه، والإضراب انتقالي.
وقوله: أفضل قال سم: بذلك أفتى شيخنا الشهاب الرملي.
اه.
(قوله: وجزم شيخنا) عبارته: ولو تعذرت إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة، كما شمله كلامهم، ولا نظر لإدامة تعطلها لسقوط فرضها حينئذ.
وبما تقرر علم ضعف اختيار السبكي ومن تبعه: أن الصلاة خلف هؤلاء، ومنهم المخالف، أفضل من الانفراد.
اه.
(قوله: بأنها) أي الكراهة.
(وقوله: لا تزول حينئذ) أي حين إذ تعذرت الجماعة إلا خلف من تكره خلفه.
(قوله: ما قاله السبكي) أي من انتفاء الكراهة حينئذ.
(قوله: تتمة) أي في بيان الأعذار المرخصة لترك الجماعة حتى تنتفي الكراهة، حيث سنت، والإثم: حيث وجبت، والأصل فيها خبر ابن حيان والحاكم في صحيحيهما: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له - أي كاملة - إلا من عذر وهي على قسمين: عامة: كالمطر، والريح، وشدة الحر، وشدة البرد.
وخاصة: كشدة نعاس، ومرض يشق، وتمريض قريب.
قوله: وعذر الجماعة هو مفرد مضاف لمعرفة، فيعم جميع الأعذار التي ذكرها.
وقوله: كالجمعة ومتعلق بمحذوف حال من الجماعة أي حال كونها كالجمعة.
أي فأعذارهما متحدة.
وكان الأولى أن يعد أولا أعذار الجماعة ثم يقول: وأعذار الجمعة هي أعذار الجماعة، أي مما يمكن مجيئه في الجمعة كما سيأتي التنبيه عليه في بابها.
(قوله: مطر) هو وما عطف عليه خبر عذر، ولا فرق فيه بين أن يكون ليلا أو نهارا.
ومثل المطر الثلج، والبرد.
وقوله: يبل ثوبه قال في الإيعاب ولو كان عنده ما يمنع بلله كلباد لم ينتف عنه كونه عذرا فيما يظهر، لأن المشقة مع ذلك موجودة، ويحتمل خلافه.
اه.
كردي.
(قوله: للخبر الصحيح) دليل لكون المطر عذرا، ولفظ الخبر: روى أبو داود والنسائي وابن ماجة عن ابن أبي المليح عن أبيه قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية، فأصابنا مطر لم يبل أسفل نعالنا، فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا في رحالكم.
(قوله: بخلاف الخ) محترز قوله يبل ثوبه.
(قوله: ما لا يبله) أي الثوب، بأن كان خفيفا أو كان يمشي في ركن.
(قوله: نعم، قطر الماء الخ) إستدراك من عدم عدما لا يبل الثوب عذرا.
يعني أن تقاطر الماء من السقوف بعد فراغ المطر يعد عذرا، وإن كان لا يبل الثوب، وذلك لغلبة نجاسته أو استقذاره.
(وقوله: من سقوف الطريق) أي من السقوف التي في طريق مريد الجماعة، فالإضافة لأدنى ملابسة.
(قوله: ووحل) معطوف على مطر، وهو بفتح الحاء، وإسكانها لغة رديئة، وإنما كان عذرا لأنه أشق من المطر.
(وقوله: لم يأمن إلخ) يفيد أنه يشترط فيه أن يكون شديدا.
فعليه: غير الشديد لا يكون عذرا.
وقد صرح بالقيد المذكور في المنهاج - وهو المعتمد عند شيخ
الإسلام والرملي والخطيب - وعبارة الأخير مع الأصل: وكذا وحل شديد على الصحيح، ليلا كان أو نهارا، لأنه أشق من المطر، بخلاف الخفيف منه.
والشديد هو الذي لا يأمن معه التلويث، كما جزم به في الكفاية، لكن ترك في المجموع(2/57)
والتحقيق التقييد بالشديد، ومقتضاه أنه لا فرق بينه وبين الخفيف.
قال الأذرعي: وهو الصحيح، والأحاديث دالة عليه.
وجرى على التقييد ابن المقري في روضه تبعا لأصله.
وينبغي اعتماده.
(فإن قيل) حديث ابن حبان المتقدم أصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم، ونادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صلوا في رحالكم (أجيب) بأن النداء في الحديث كان للمطر كما مر، والكلام في الوحل بلا مطر.
اه.
(وقوله: معه) أي الوحل.
(وقوله: التلوث) أي لأسفل الرجل.
قال ش ق: وكالرجل: الثوب، لا النعل، لأن أقل شئ يلوثه.
اه.
(وقوله: بالمشي) الباء سببية متعلقة بتلوث.
(وقوله: فيه) أي في الوحل.
(وقوله: أو الزلق) معطوف على التلوث، أي أو لم يأمن من الزلق بالمشي فيه.
(قوله: وحر شديد) معطوف على مطر أيضا.
وقيده في التحفة وغيرها بكون الوقت ظهرا.
والذي اعتمده الجمال الرملي - في النهاية وغيرها - عدم التقييد به، فهو عنده عذر مطلقا.
(قوله: وإن وجد ظلا يمشي فيه) غاية لعد الحر عذرا.
وكتب عليها سم ما نصه: أقول لا يخفى على متأمل أن هذا الكلام مما لا وجه فيه، وذلك لأن من البديهي أن الحر إنما يكون عذرا إذا حصل به التأذي، فإذا وجد ظلا يمشي فيه، فإن كان ذلك الظل دافعا للتأذي بالحر فلا وجه حينئذ، لكون الحر عذرا.
اه.
(قوله: وبرد شديد) معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة برد شديد.
ولا فرق فيه بين أن يكون ليلا أو نهارا، وأن يكون مألوفا في ذلك المحل أو غير مألوف إذ المدار على ما يحصل به التأذي والمشقة.
(قوله: وظلمة شديدة بالليل) أي أو وقت الصبح كما في التحفة والنهاية - وإنما كانت عذرا فيه - دون النهار - لعظم مشقتها فيه.
(قوله: ومشقة مرض) من إضافة الصفة إلى الموصوف.
أي والمرض الذي يشق معه الحضور مشقة تسلبه كمال الخشوع.
(قوله: وإن لم تبح الجلوس في الفرض) غاية في كون مشقة المرض عذرا، أي أنها تعد عذرا، وإن كانت لا تبيح له الجلوس في صلاة الفرض.
(وقوله: لا صداع يسير) بالرفع، معطوف على مشقة، وهو محترزها.
وعبارة النهاية: أما الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر، لأنه لا يسمى مرضا.
(قوله: ومدافعة حدث) بالرفع، معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة مدافعة حدث - أي غلبته -.
ومحل كون المدافعة عذرا في ترك الجماعة: إن لم يتمكن من تفريغ نفسه والتطهر قبل فوت الجماعة، فإن تمكن من ذلك ولم يفعله لا تكون عذرا في ذلك.
ومثلها: مدافعة كل خارج من الجوف، كغلبة القئ،
ودم القروح، وكل مشوش للخشوع.
(قوله: من بول إلخ) بيان للحدث.
فالمراد بالحدث هنا: ما يخرج من أحد السبيلين.
(قوله: فتكره الصلاة معها) أي المدافعة، أي وإذا كرهت الصلاة فالجماعة أولى.
والأصل في ذلك خبر مسلم: لا صلاة بحضرة طعام، ولا صلاة وهو يدافعه الأخبثان أي البول والغائط.
(قوله: وإن خاف الخ) غاية في الكراهة، أي تكره الصلاة مع المدافعة المذكورة.
وإن خاف أن الجماعة تفوته لو فرغ نفسه من الحدث، فالسنة في حقه أن يتخلف عن الجماعة ليفرغ نفسه.
(قوله: وحدوثها) أي المدافعة.
(وقوله: في الفرض) أي في أثناء الصلاة المفروضة.
(وقوله: لا يجوز قطعه) أي الفرض، أي فيحرم عليه ذلك.
نعم، إن اشتد الحال وخاف ضررا يبيح التيمم بكتمه إلى تمام الصلاة فله القطع، بل قد يجب.
(قوله: ومحل ما ذكر في هذه) انظر على أي شئ، ما واقعة؟ وعلى أي شئ يعود اسم الإشارة؟ والذي يظهر من سياقه أن ما واقعة على كون مدافعة الحدث عذرا في ترك الجماعة، واسم الإشارة يعود على المدافعة المذكورة، أو على البول والغائط والريح.
والتقدير: ومحل كون مدافعة الحدث من البول والغائط والريح عذرا في هذه، أي المدافعة المذكورة، أو البول، والغائط والريح.
وفي ذلك ركاكة لا تخفى.
ولو جعلت ما واقعة على العذر من حيث هو، واسم الإشارة يعود على المدافعة صح ذلك، والتقدير: ومحل العذر، أي كونه يعذر في هذه المدافعة: أي بها.
لصح ذلك، إلا أنه بعيد.
فكان الأولى والأخصر أن يحذف قوله في هذه وعبارة الفتح مع الأصل وإنما يكون ذلك - أي الحقن وما عطف عليه - عذرا بسعة أي مع سعة وقت لتفريغ نفسه من ذلك وللصلاة كاملة(2/58)
فيه، وإلا لزمته الصلاة معه، ولا كراهة إلا أن يخشى من كتمه مبيح تيمم.
ويجري التقييد بسعة في أكثر الأعذار.
ويسن أن يتخلف عن الجماعة ليفرغ نفسه، بل يكره له الصلاة مع الحقن، وإن خاف فوت الجماعة لو فرغ، كما صرح به جمع.
وما اقتضاه صنيعه أن الجماعة عند ضيق الوقت لا تسقط، اقتضاه كلام الشيخين وغيرهما، لانتفاء كراهة الصلاة معه.
اه.
بتصرف.
(قوله: إن اتسع الوقت) أي وقت الصلاة.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لاتساع الوقت.
(وقوله: لو فرغ نفسه) أي من البول أو الغائط أو الريح.
(قوله: وإلا حرم التأخير لذلك) أي وإن لم يتسع الوقت حرم تأخير الصلاة لذلك، أي لتفريغ نفسه، بل يصلي معها من غير كراهة، محافظة على حرمة الوقت.
لكن محل الحرمة ما لم يخش من كتم ذلك ضررا، وإلا فرغ نفسه، وإن خشي خروج الوقت.
(قوله: وفقد لباس لائق به) معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة فقد لباس يليق به، بأن لم يجد لباسا أصلا، أو وجده لكنه غير لائق به لبسه.
وإنما كان ذلك عذرا في ترك
الجماعة لأن عليه مشقة في خروجه كذلك.
قال الكردي في الإمداد والنهاية: يظهر أن العجز عن مركوب لمن لا يليق به المشي كالعجز عن لباس لائق: اه.
زاد في العباب: ويؤخذ من ذلك أنه لو كان بمحل الجماعة من لا تليق به مجالسته أو من يتأذى بحضوره كان عذرا، وهو محتمل.
ويحتمل أنه غير عذر هنا مطلقا.
ويفرق بينه وبين فقد اللباس اللائق.
بأن فقده يخل بالمروءة.
اه.
وهذا الاحتمال أوجه من الأول.
اه.
(قوله: وإن وجد ساتر العورة) غاية في كون فقد اللائق عذرا، أي يعذر بفقد اللائق به، وإن وجد ما يستر عورته، أي أو وجد ما يستر بدنه إلا رأسه مثلا، لأن عليه مشقة في خروجه كذلك، كما مر.
(قوله: وسير رفقة) معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة سير رفقة، أي يريد السفر معهم ويخاف من التخلف للجماعة على نفسه أو ماله أو يستوحش فقط للمشقة في التخلف عنهم.
(قوله: لمريد سفر مباح) أي وإن قصر، ولو سفر نزهة، لا السفر لمجرد رؤية البلاد.
(قوله: وإن أمن) أي في السفر وحده على نفسه أو ماله، وهو غاية لكون سير الرفقة عذرا في ترك الجماعة.
(وقوله: لمشقة استيحاشه) أي فيما إذا أمن.
والإضافة للبيان، أي لمشقة وهي استيحاشه.
أي حصول وحشة تحصل له بسبب سيره وحده.
(قوله: وخوف ظالم) بالرفع، معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة خوف ظالم، أي خوف منه.
فالإضافة على معنى من، وذكر ظالم مثال، لا قيد، إذ الخوف على خبزه في التنور، وطبيخه في القدر على النار، ولا متعهد يخلفه عذر.
قال الزركشي: هذا إذا لم يقصد بذلك إسقاط الجماعة، وإلا فليس بعذر.
(وقوله: على معصوم) خرج به الحربي، والمرتدي، والزاني المحصن، وتارك الصلاة أموالهم، فالخوف عليهم ليس عذرا.
(وقوله: من عرض) بيان للمعصوم، وهو بكسر العين، محل المدح والذم، ويصور الخوف عليه من ظالم، بما إذا كان يقذفه لو خرج للجماعة.
(قوله: وخوف من حبس الخ) معطوف على مطر أيضا.
أي وعذر الجماعة خوف من حبس إلخ.
(وقوله: غريم معسر) بتنوين غريم وجعل ما بعده وصفا له إن أريد منه المدين.
وبترك تنوينه مضافا إلى ما بعده إن أريد منه الدائن.
وعلى الأول يكون إضافة حبس إليه من إضافة المصدر لمفعوله.
والمعنى عليه: وخوف من أن يحبس الدائن غريمه المعسر.
وعلى الثاني تكون الإضافة من إضافة المصدر لفاعله، والمعنى عليه: وخوف من أن يحبس الغريم مدينه المعسر.
ويوجد في بعض نسخ الخط: وخوف من حبس غريم لمعسر، بزيادة لام الجر.
وهو يؤيد الثاني.
ولو قال وخوف من حبس غريم له وهو معسر.
لكان أنسب بما قبله وأولى.
إذ عبارته فيها إظهار في مقام الإضمار، وذلك لأن فاعل الخوف مقدر، أي وخوفه، أي مريد الجماعة، من حبس غريم.
فالمناسب لذلك أن يأتي بالضمير، بأن يقول بعده له، ثم يأتي بالقيد وهو قوله وهو معسر.
وعبارة المنهج مع
شرحه: وخوف من ملازمة أو حبس غريم له، وبه - أي بالخائف - إعسار يعسر عليه إثباته.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: وحضور مريض) بالرفع معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة حضور مريض، ولا فرق فيه بين أن يكون فاسقا أو(2/59)
لا، فيسن القيام بخدمته من حيث المرض، لا من حيث الفسق.
كما قيل في إيناس الضيف أنه يسن من حيث كونه ضيفا، لا من حيث كونه فاسقا.
(قوله: وإن لم يكن نحو قريب) أي أن حضور المريض الذي لا متعهد له عذر مطلقا سواء كان نحو قريب كزوج، وصديق، وصهر، ومملوك، وأستاذ، وعتق، ومعتق أم لا كأجنبي.
(قوله: بلا متعهد له) الجار، والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمريض، ولو قدمه على الغاية لكان أولى.
إذ الغاية إنما هي بالنسبة له.
(قوله: أو كان إلخ) المناسب أو وكان، بزيادة واو العطف - كما صرح بها في المنهج - أي أو بمتعهد وكان نحو قريب محتضرا أو لم يكن محتضرا ولكن يأنس المريض بحضوره.
(والحاصل) أن هذا المريض إذا لم يكن له متعهد يطعمه ويسقيه ويقوم بما يحتاجه فحضور الشخص عنده عذر في ترك الجماعة مطلقا، سواء كان نحو قريب أم لا.
وإذا كان له متعهد: فإن كان المريض نحو قريب محتضرا أو يأنس به يكون عذرا أيضا، وإن لم يكن كذلك بأن كان غير نحو قريب، أو كان ولم يكن محتضرا ولا يأنس بالحاضر فلا يكون عذرا.
(قوله: لكن يأنس) أي نحو القريب غير المحتضر.
(وقوله به) أي بالحاضر.
(قوله: وغلبة نعاس) بالرفع معطوف أيضا على مطر، أي وعذر الجماعة غلبة نعاس، ومثلها بالأولى غلبة النوم، والمراد بها أن يعجز عن دفع ما ذكر من النعاس والنوم من الصلاة.
وخرج بالغلبة مجرد النعاس والسنة - بكسر السين - وهما ما يتقدم النوم من الفتور، فليسا بعذر.
(وقوله: عند انتظاره للجماعة) الظرف متعلق بمحذوف صفة لغلبة، أي غلبة حاصلة له عند انتظاره للجماعة.
قال في فتح الجواد: وعند عزمه على الذهاب إليها.
اه.
(قوله: وشدة الخ) بالرفع معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة شدة جوع وعطش، لكن بحضرة مأكول أو مشروب يشتاقه وقد اتسع الوقت، للخبر الصحيح: لا صلاة بحضرة طعام.
وقريب الحضور كالحاضر، فيبدأ بالأكل أو الشرب، فيأكل لقما يكسر بها شدة الجوع، إلا أن يكون الطعام مما يتناول مرة واحدة، كسويق ولبن.
(قوله: وعمى) بالرفع معطوف على مطر أيضا، أي وعذر الجماعة عمى.
(قوله: حيث الخ) قيد في كون العمى عذرا، أي محل كونه عذرا إذا لم يجد قائدا بأجرة المثل، أي وكان قادرا عليها، وهي فاضلة عما يعتبر في الفطرة.
فإن وجد قائدا بما ذكر فلا يكون العمى عذرا في ترك الجماعة.
(قوله: وإن أحسن) أي الأعمى، وهي غاية في كون العمى عذرا.
أي أنه يعد عذرا وإن كان يحسن
المشي بالعصا، وذلك لأنه قد تحدث له وهدة يقع فيها فيتضرر بذلك.
(تتمة) بقي من الأعذار أكل منتن كبصل، أو ثوم، أو كراث، وكذا فجل في حق من يتجشأ منه، نئ أو مطبوخ بقي له ريح يؤذي، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: من أكل بصلا أو ثوما أو كراثا فلا يقربن المساجد وليقعد في بيته، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم قال جابر - رضي الله عنه - ما أراه يعني إلا نيئه.
زاد الطبراني: أو فجلا.
ومثل ذلك كل من ببدنه أو ثوبه ريح خبيث.
وإن عذر كذي بخر، أو صنان مستحكم، وحرفة خبيثة.
وإنما يكون ما ذكر عذرا إذا لم يسهل إزالته بغسل أو معالجة، فإن سهلت لم يكن عذرا.
وزلزلة، وسمن مفرط، واشتغال بتجهيز ميت، وحمله، ودفنه، ووجود من يؤذيه في طريقه - ولو بنحو شتم - ما لم يمكن دفعه من غير مشقة، وتطويل الإمام على المشروع، وتركه سنة مقصودة، وكونه سريع القراءة والمأموم بطيئها، أو من يكره الاقتداء به، وكونه يخشى الافتتان به لفرط جماله، وهو أمرد، أو يخشى هو افتتانا ممن هو كذلك.
وقد نظم ابن رسلان معظم الأعذار في قوله: وعذر تركها وجمعة مطر * * ووحل وشدة البرد وحر ومرض وعطش وجوع * * قد ظهرا أو غلب الهجوع مع اتساع وقتها وعري * * وأكل ذي الريح الكريه ني(2/60)
(قوله تنبيه) أي في بيان حكم هذه الأعذار.
(قوله: إن هذه الأعذار) أي ونحوها مما مر.
(قوله: تمنع إلخ) محل كونها تمنع ما ذكر إذا لم يتأت له إقامة الجماعة في بيته، وإلا فلا يسقط عنه طلبها، لكراهة انفراده، وإن حصل بغيره شعارها.
اه.
نهاية.
(وقوله: كراهة تركها) أي الجماعة.
(وقوله: حيث سنت) أي حيث قلنا إن الجماعة سنة.
(قوله: وإثمه) بالنصب، معطوف على كراهة، أي وتمنع إثم الترك.
(وقوله: حيث وجبت) أي حيث قلنا إن الجماعة واجبة.
(والحاصل) الأعذار المذكورة تسقط الحرمة على القول بالفرضية، والكراهة على القول بالسنية.
(قوله: ولا تحصل فضيلة الجماعة) أي لمن تركها بعذر.
(قوله: واختار غيره) أي غير النووي.
(قوله: ما عليه إلخ) مفعول اختار.
(وقوله: من حصولها) أي فضيلة الجماعة، وهو بيان لما.
(وقوله: إن قصدها لولا العذر) قيد في حصول الفضيلة له، أي أنها تحصل له إن قصد فعلها لولا العذر موجود.
وظاهره أنها
تحصل له الفضيلة كفضيلة من صلى جماعة.
وفي البجيرمي أن الذي يحصل له دون فضل من يفعلها.
وفيه أيضا الجمع بين القولين.
وعبارته: وقيل بل يحصل له فضل الجماعة، لكن دون فضل من فعلها، أي حيث قصد فعلها لولا العذر.
وقرر شيخنا زي اعتماده، ونقل شيخنا م ر أن بعضهم حمل القول بعدم حصول فضلها على من تعاطى سبب العذر، كأكل البصل، ووضع الخبز في التنور.
والقول بحصول فضلها على غيره كالمطر والمرض.
قال: وهو جمع لا بأس به.
اه.
(والحاصل) أن من رخص له ترك الجماعة حصلت له فضيلتها، وحينئذ يقال: لنا منفرد يحصل له فضيلة الجماعة.
وحينئذ تقبل شهادة من داوم على تركها لعذر، وإذا أمر الإمام الناس بالجماعة لا تجب على من ذكر لقيام العذر.
اه ح ل.
اه.
(قوله: قال في المجموع: يستحب إلخ) الأولى ذكره في باب الجمعة، وإن كان له مناسبة هنا من جهة أن أعذار الجمعة كأعذار الجماعة.
(وقوله: لخبر أبي داود وغيره) قال في الزواجر: أخرج أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم: من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار وفي رواية للبيهقي: بدرهم، أو نصف درهم، أو صاع، أو مد.
وفي أخرى لابن ماجه مرسله: أو صاع حنطة، أو نصف صاع.
اه.
والله سبحانه تعالى أعلم.(2/61)
(فصل في صلاة الجمعة) أي في بيان شرائط وجوبها، وشرائط صحتها، وبيان آدبها.
وهي من خصائص هذه الأمة، وليست ظهرا مقصورا وإن كان وقتها وقته وتتدارك به، بل صلاة مستقلة لأنه لا يغني عنها، ولقول سيدنا عمر - رضي الله عنه -: الجمعة ركعتان تمام غير قصر، على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - - وقد خاب من افترى.
رواه الإمام أحمد وغيره.
وميم الجمعة: تضم، وتسكن، وتفتح، وحكي كسرها.
وجمعها: جمعات.
وهذه اللغات في اسم اليوم.
وأما اسم الأسبوع، فهو بالسكون، لا غير.
(قوله: هي فرض عين) أي لقول الله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) *.
وجه الدلالة أن المراد بالذكر فيها الصلاة مجازا، وقيل: الخطبة، فأمر بالسعي.
وظاهره الوجوب، وإذا
وجب السعي وجب ما يسعى إليه.
ونهى عن البيع، وهو مباح، ولا ينهى عن فعل المباح إلا لفعل واجب، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: رواح الجمعة واجب على كل محتلم.
وقوله عليه السلام: الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض.
(قوله: عند اجتماع شرائطها) أي شرائط وجوبها، من الذكورة، والحرية، والصحة، والاستيطان.
وشرائط صحتها، من كونها تقام في البلد، ووقوعها بأربعين، وغير ذلك مما يأتي.
(قوله: وفرضت بمكة) أي ليلة الإسراء، وعورض هذا بقول الحافظ ابن حجر: دلت الأحاديث الصحيحة على أن الجمعة فرضت بالمدينة.
ويمكن حمل قوله فرضت بالمدينة على معنى أنه استقدر وجوبها عليهم فيها، لزوال العذر الذي كان قائما بهم.
(والحاصل) أنها طلب فعلها بمكة لكن لم يوجد فيها شرائط الوجوب.
ووجدت في المدينة، فكأنهم لم يخاطبوا بها إلا فيها.
أفاده ع ش.
(قوله: ولم تقم) أي الجمعة.
(وقوله: بها) أي بمكة.
(وقوله: لفقد العدد) أي استكمال العدد الذي هو شرط في وجوبها.
(قوله: أو لأن شعارها الإظهار) فيه نظر، لأن هذا ألا يسقط الجمعة ا.
هـ.
بجيرمي.
(قوله: وكان إلخ) الجملة حالية، وهي من تتمة التعليل.
(وقوله: مستخفيا فيها) أي في مكة.
(قوله: بالمدينة) أي بجهة المدينة، أو أن المدينة تطلق على ما قرب منها، وإلا نافى في قوله بقرية على ميل من المدينة.
(قوله: بقرية) بدل من قوله بالمدينة،.
ويقال لهذه القرية نقيع الخضمات لبني بياضة بطن من الأنصار، وكانوا(2/62)
أربعين.
وعبارة الدميري: وأول جمعة صليت بالمدينة جمعة أقامها أسعد بن زرارة في بني بياضة بنقيع الخضمات، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أنفذ مصعب بن عمير أميرا على المدينة، وأمره أن يقيم الجمعة، فنزل على أسعد، وكان - صلى الله عليه وسلم - جعله من النقباء الاثني عشر، فأخبره بأمر الجمعة، وأمره أن يتولى الصلاة بنفسه.
وفي البخاري عن ابن عباس: أن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جمعة بجواثي قرية من قرى البحرين.
اه.
وفي القسطلاني على البخاري في باب الجمعة في القرى والمدن ما نصه: جمعت - بضم الجيم وتشديد الميم المكسورة - في الإسلام بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - أي في المدينة - في مسجد عبد القيس بجواثي - بضم الجيم، وتخفيف الواو، وقد تهمز، ثم مثلثه خفيفة مفتوحة مقصورة.
اه.
(قوله: وصلاتها أفضل الصلوات) ويومها أيضا أفضل أيام الأسبوع، وخير يوم طلعت فيه الشمس، يعتق الله فيه ستمائة ألف عتيق من النار.
من مات فيه كتب له أجر شهيد، ووقي فتنة النار.
قال سيدنا القطب الغوث سيدي الحبيب عبد الله بن علوي الحداد: (واعلم) أسعدك الله أن يوم الجمعة سيد
الأيام، وله شرف عند الله العظيم، وفيه خلق الله آدم عليه السلام، وفيه يقيم الساعة، وفيه يأذن لأهل الجنة في زيارته، والملائكة تسمي يوم الجمعة يوم المزيد لكثرة ما يفتح الله فيه من أبواب الرحمة، ويفيض من الفضل، ويبسط من الخير.
وفي هذا اليوم ساعة شريفة يستجاب فيها الدعاء مطلقا، وهي مبهمة في جميع اليوم، كما قاله الإمام الغزالي - رحمه الله - وغيره.
فعليك في هذا اليوم بملازمة الأعمال الصالحة، والوظائف الدينية، ولا تجعل لك شغلا بغيرها إلا أن يكون شغلا ضروريا لا بد منه، فإن هذا اليوم للآخرة خصوصا، وكفى بشغل بقية الأيام بأمر الدنيا غبنا وإضاعة.
وكان ينبغي للمؤمن أن يجعل جميع أيامه ولياليه مستغرقة بالعمل لآخرته، فإذا لم يتيسر ذلك وعوقته عنه أشغال دنياه فلا أقل له من التفرغ في هذا اليوم لأمور الآخرة.
اه.
(قوله: وسميت بذلك) أي سميت الصلاة بذلك، أي الجمعة.
(قوله: أو لأن آدم اجتمع فيها) أي الجمعة، أي يومها.
وهذه العلة لتسمية اليوم بالجمعة، لا لتسمية الصلاة بذلك، مع أن الكلام فيها، إلا أن يقال أن المراد من الصلاة - بالنسبة لهذه العلة - اليوم، على سبيل المجاز المرسل من إطلاق الحال وإرادة المحل.
(قوله: من مزدلفة) أي فيها، فمن بمعنى في، والجار والمجرور بدل من قوله فيها.
وفي البجيرمي: في عرفة بدل من مزدلفة.
(قوله: فلذلك سميت جمعا) أي فلسكون آدم اجتمع مع حواء في مزدلفة سميت مزدلفة جمعا بفتح فسكون.
(قوله: تجب جمعة) أي عينا، وقيل كفاية.
(قوله: على كل مكلف) ومثله - كما تقدم أول باب الصلاة - متعد بمزيل عقله، فتلزمه الجمعة كغيرها، فيقضيها ظهرا، وإن كان غير مكلف.
(وقوله: أي بالغ عاقل) بيان للمكلف.
وخرج بهما الصبي، والمجنون، فلا تجب عليهما كغيرها من الصلوات.
(قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، بدليل المحترز.
(وقوله: حر) أي كامل الحرية، بدليل المحترز أيضا.
(قوله: فلا تلزم على أنثى وخنثى) على زائدة، وما بعدها مفعول الفعل، أو أصلية، ويضمن تلزم معنى فعل يتعدى بعلى: كتجب.
ثم رأيت في بعض نسخ الخط: فلا تجب على أنثى وخنثى، وهو أولى.
(قوله: ومن به رق) أي ولا تلزم من به رق، وإن قل، ولا فرق فيه بين أن يكون بينه وبين سيده مهايأة ووقعت الجمعة في نوبته أو لا، لكن يستحب لمالك القن أن يأذن له في حضورها.
(قوله: وإن كوتب) أي لا تلزم من به رق وإن كان مكاتبا لأنه قن ما بقي عليه درهم.
والغاية للرد على من أوجبها عليه.
(قوله: لنقصه) أي من ذكر من الأنثى والخنثى، ومن به رق، فهو تعليل لقوله فلا تلزم المسلط على من ذكر.
(قوله: متوطن) فيه أن الإستيطان من شروط الصحة، لا من شروط الوجوب الذي الكلام فيه، فكان الأولى إسقاطه، والاقتصار على المقيم، ثم يذكر قيد الاستيطان في شروط الصحة.
(وقوله: بمحل
الجمعة) أي محل إقامتها.
(وقوله: لا يسافر الخ) بيان لمعنى المتوطن، يعني أن المتوطن هو الذي لا يسافر صيفا ولا(2/63)
شتاء من محل إقامتها إلا لحاجة.
وسيذكر الشارح حكم من له مسكنان ببلدين.
(وقوله: كتجارة وزيارة) تمثيل للحاجة.
(قوله: غير معذور) صفة لمكلف.
(قوله: بنحو مرض) متعلق بمعذور.
(قوله: من الأعذار الخ) بيان لنحو مرض.
(وقوله: التي مرت في الجماعة) أي مما يمكن مجيئه في الجمعة، فإن الريح بالليل لا يمكن أن يكون عذرا هنا.
والجوع فإنه يبعد أن يكون عذرا في تركها.
وتوقف السبكي في قياس الجمعة على غيرها وقال: كيف يلحق فرض العين بما هو سنة أو فرض كفاية؟ بل ينبغي أن كل ما ساوت مشقته مشقة المرض يكون عذرا قياسا على المرض المنصوص، وما لا فلا، إلا بدليل.
لكن قال ابن عباس: الجمعة كالجماعة، وهو مستند الأصحاب.
(قوله: فلا تلزم الخ) مفرع على مفهوم قوله غير معذور.
(وقوله: على مريض) أي ونحوه من كل معذور، ويقال فيه ما تقدم.
(قوله: إن لم يحضر بعد الزوال) أي بأن لم يحضر أصلا محل إقامتها، أو حصر قبل الزوال، فله الانصراف من محل إقامتها، فإن حضر بعد الزوال يحرم انصرافه، لأن المانع في حقه مشقة الحضور، وبه زال المانع، إلا أن يريد ضرره بانتظاره لفعلها ولم تقم الصلاة، فيجوز انصرافه حينئذ.
(قوله: وتنعقد بمعذور) يعني إذا تكلف الحضور وصلى الجمعة تنعقد به، لكن إن استكمل شروط الانعقاد.
(واعلم) أن الناس في الجمعة ستة أقسام: أولها: من تجب عليه، وتنعقد به، وتصح منه، وهو من توفرت فيه الشروط كلها.
وثانيها: من تجب عليه، ولا تنعقد به، وتصح منه، وهو المقيم غير المستوطن، ومن سمع نداء الجمعة، وهو ليس بمحلها.
وثالثها: من تجب عليه، ولا تنعقد به، ولا تصح منه، وهو المرتد، فتجب عليه، بمعنى أننا نقول له أسلم وصل الجمعة، وإلا فلا تصح منه، ولا تنعقد به، وهو باق بحاله.
ورابعها: من لا تجب عليه، ولا تنعقد به، ولا تصح منه، وهو الكافر الأصلي، وغير المميز من صغير، ومجنون ومغمى عليه، وسكران عند عدم التعدي.
وخامسها: من لا تجب عليه، ولا تنعقد به وتصح منه، وهو الصبي المميز، والرقيق، وغير الذكر من نساء
وخناثى، والمسافر.
وسادسها: من لا تجب عليه وتنعقد به، وتصح منه، وهو المريض ونحوه ممن له عذر من الأعذار المرخصة في ترك الجماعة.
(قوله: وتجب على مقيم بمحل إقامتها) أي ناو الإقامة فيه مدة مطلقة أو أربعة أيام بلياليها، ولو أقيمت الجمعة قبل تمام الأربعة أيام، أو ماكث أربعة أيام بلياليها وأقيمت الجمعة بعدها ولو من غير نية الإقامة، فقوله بعد: كمن أقام بمحل جمعة إلخ: تمثيل للمقيم بالنسبة للثاني.
(قوله: وهو على عزم العود إلى وطنه) خرج به ما لو عزم عدم العود إلى وطنه، فإنه يصير متوطنا.
(قوله: لو بعد مدة طويلة) أي ولو كان عزمه بعد مدة طويلة، كعشرين سنة أو أكثر، فإنه يكون مقيما، ولا يكون متوطنا بذلك.
(قوله: وعلى مقيم إلخ) أي وتجب على مقيم إلخ لخبر أبي داود: الجمعة على من سمع النداء.
(وقوله: متوطن) الأولى حذفه، لأن التوطن ليس بشرط، فمتى أقام بمحل يسمع منه نداء الجمعة وجبت عليه،(2/64)
سواء توطن فيه أم لا.
وعبارة التحفة: مقيم بمحلها، أو بما يسمع منه النداء.
اه.
ومثلها النهاية.
ويمكن أن يقال إنه قيد به لأجل الإستدراك الآتي.
(قوله: يسمع منه) أي من المحل الذي أقام فيه.
والمراد من طرفه الذي يليه.
(وقوله: النداء) أي الأذان الكائن من الواقف بطرف بلد الجمعة، والمعتبر سماع واحد فأكثر من ذلك المحل بالقوة، مع اعتدال الصوت، واستواء المكان، وعدم المانع من هواء أو شجر، مثلا.
(قوله: ولا يبلغ أهله) أي ذلك المحل الذي يسمع منه النداء، فإن بلغوا ذلك لا يجب عليهم الذهاب إلى محل النداء، بل يحرم عليهم، فيلزمهم إقامتها في محلهم، لئلا يتعطل عن الجمعة.
(قوله: فتلزمهما) أي المقيم غير المتوطن بمحل الجمعة، والمقيم المتوطن في محل يسمع منه النداء.
ولا حاجة إلى هذا التفريع لأنه عين قوله وتجب على مقيم الخ.
تأمل.
(قوله: ولكن لا تنعقد الجمعة) استدراك على المتن أو على قوله فتلزمهما.
(قوله: أي بمقيم إلخ) تفسير لضمير به.
(قوله: ولا بمتوطن) أي ولا تنعقد بمتوطن في محل خارج محل إقامة الجمعة، وهذا هو الحامل له على التقييد فيما سبق بمتوطن، كما مر التنبيه عليه.
(قوله: وإن وجبت) أي الجمعة.
وهذه الغاية تورث ركاكة في العبارة، إذ قوله ولكن لا تنعقد: استدراك من وجوبها عليهما.
فيكون التقدير: تجب الجمعة على المقيم المتوطن بمحل يسمع منه النداء، ولكن لا تنعقد به، وإن وجبت عليه بسماعه النداء، فالأولى إسقاطها.
فتنبه.
(وقوله: منها) متعلق بمحذوف حال من النداء، أي حال كون النداء كائنا من بلد الإقامة.
(قوله: ولا بمن به رق) معطوف على الجار والمجرور قبله، أي ولا تنعقد الجمعة بمن به رق، ومقتضى العطف أن ما ذكر داخل في حيز الإستدراك من وجوبها على المقيم والمتوطن السابقين، وهو لا يصح، كما هو ظاهر.
ولو حذف أداة الاستدراك فيما مر أو قال هنا ومن به رق كذلك لكان أولى.
فتأمل: (وقوله: وصبا) معطوف على رق، أي ولا تنعقد بمن به صبا، ومثل الرقيق والصبي، الأنثى والخنثى، والمسافر، والمقيم بمحل لا يسمع منه النداء، فلا تنعقد بهم الجمعة، وتصح منهم.
(قوله: بل تصح) أي الجمعة.
والإضراب انتقالي.
(وقوله: منهم) الصواب منهما، أي ممن به رق ومن به صبا، ولا يقال إن ضمير الجمع عائد على جميع من مر من المقيم، والمتوطن، ومن به رق، ومن به صبا لأن الأولين قد صرح بوجوبها عليهما، ويعلم منه صحتها منهما.
(قوله: لكن ينبغي الخ) أي يجب وهو استدراك صوري من كونها تصح منهم.
(وقوله: تأخر إحرامهم) ضمير الجمع هنا في محله، لأنه عائد على المقيم، والمتوطن، ومن به رق ومن به صبا.
(قوله: على ما اشترطه الخ) أي إن انبغاء تأخر إحرامهم مبني على ما اشترطه جمع محققون، كابن الرفعة، والأسنوي، وشيخ الإسلام، من تقدم إحرام من تنعقد به على من لا تنعقد به.
(قوله: وإن خالف فيه) أي فيما اشترطه بعضهم كثيرون، وهذا هو الراجح عند ابن حجر والخطيب والرملي.
وعبارة الفتح: قال جمع: ولا بد من تقدم إحرام من تنعقد بهم لتصح لغيرهم، لأنهم تبع، ورده آخرون، وأطالوا فيه.
وهو الأوجه: اه.
وعبارة المغني: وهل يشترط تقدم إحرام من تنعقد بهم الجمعة لتصح لغيرهم لأنه تبع أو لا؟ اشترط البغوي ذلك.
ونقله في الكفاية عن القاضي.
والراجح صحة تقدم إحرامهم، كما اقتضاه إطلاق كلام الأصحاب، ورجحه جماعة من المتأخرين كالبلقيني والزركشي، بل صوبه وأفتى به شيخي.
اه.
وعبارة النهاية: ولا يشترط لصحتها تقدم إحرام أربعين ممن تنعقد بهم على إحرام الناقصين، كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، واقتضاه كلام الأصحاب، ورجحه جماعة من المتأخرين كالبلقيني والزركشي، بل صوبه.
اه.
(قوله: وشرط لصحة الجمعة) أي انعقادها.
والشروط المارة إنما هي للوجوب.
(قوله: مع شروط غيرها) أي غير الجمعة من بقية الصلوات، كالطهارة، وستر العورة.
واستقبال القبلة، ودخول الوقت.
(قوله: ستة) نائب فاعل شرط، وفيه أن المعدود خمسة، إلا أن يكون عد قوله: ومن شروطها أن لا يسبقها بتحرم إلخ.
سادسا، لكن كان ينبغي له(2/65)
أن يقول: وسادسها أن إلخ.
وفي نسخة: خمسة، وهي موافقة للعد، لا الواقع.
(قوله: أحدها) أي الشروط الستة.
(وقوله: وقوعها جماعة) أي لأنها لم تقع في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين إلا كذلك.
(قوله: بنية إمامة) متعلق
بمحذوف صفة لجماعة.
أي جماعة مصحوبة بنية الإمام الإمامة، لأن نية الإمامة في الجمعة واجبة على الإمام لتحصل له الجماعة، فإن لم ينوها بطلت جمعته، وكذا تبطل جمعة المأمومين خلفه إن لم يكن الإمام زائدا على الأربعين، لعدم تمام العدد ببطلان صلاته، فإن كان زائدا على الأربعين لم تبطل جمعتهم، كما لو بان أنه لم ينو أصلا، وأنه محدث، كما مر التنبيه عليه في مبحث القدوة.
(قوله: واقتداء) أي ونية اقتداء من المأمومين.
(قوله: مقترنة) بالنصب، حال من نية: أي حال كون النية مقترنة بالتحرم.
وبالجر، صفة لها.
(قوله: في الركعة الأولى) أي للمأموم، والجار والمجرور متعلق بوقوعها.
(قوله: فلا تصح الخ) مفهوم قوله جماعة.
(وقوله: بالعدد) أي مع استكمال العدد.
(وقوله: فرادى) حال من العدد.
أي فلا تصح الجمعة بالعدد، أي بأربعين حال كونهم منفردين، أي لم يصلو جماعة.
(قوله: ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية) تصريح بمفهوم قوله في الركعة الأولى، وهذا بخلاف العدد، فإنه شرط في جميعها كما سيذكره.
(قوله: فلو صلى الإمام) مفرع على عدم اشتراط الجماعة في الركعة الثانية.
(وقوله: بالأربعين) أفاد أن الإمام زائد على الأربعين، وهو متعين بالنسبة لما إذا أحدث، لما سيذكره أنه يشترط بقاء العدد إلى السلام.
(قوله: ثم أحدث) أي الإمام.
(قوله: بل فارقوه) أي ولو بلا عذر.
(قوله: أجزأتهم الجمعة) جواب لو.
(قوله: نعم، يشترط الخ) إستدراك من قوله ولا تشترط الجماعة في الركعة الثانية، أو من قوله أجزأتهم الجمعة.
(وقوله: بقاء العدد) المراد بقاؤه مستكملا لشروط الصحة، بحيث لا تبطل صلاة واحد من الأربعين بحدث أو غيره.
(وقوله: حتى لو أحدث الخ) تفريع على أنه يشترط بقاء العدد.
(قوله: قبل سلامه) أي قبل سلام نفسه.
وانظر: هل هذا القيد له مفهوم أولا؟ والظاهر الثاني، لأنه إذا أحدث بعد سلامه وقبل سلام من عداه، صدق عليه أن العدد لم يبق.
ثم رأيت هذا القيد ساقطا من عبارة الفتح، وهو الأولى، ونصها: ومتى أحدث منهم واحد لم تصح جمعة الباقين.
وبه يلغز فيقال: جمع بطلت صلاتهم بحدث غيرهم، مع أنه ليس بإمام لهم، ولا مؤتم بأحدهم.
اه.
(قوله: بطلت جمعة الكل) أي وإن كان المحدث هو الآخر، وإن ذهب الأولون إلى أماكنهم، فيلزمهم إعادتها جمعة إن أمكن، وإلا فظهرا، - كما في البجيرمي - ولا يشكل على ذلك أنه لو بان الأربعون أو بعضهم محدثين صحت جمعة الإمام، والمتطهر منهم تبعا، لأنه هناك لم يتبين إلا بعد السلام، فوجدت صورة العدد إلى السلام، فلم يؤثر تبين الحدث الرافع له، بخلاف ما هنا، فإن خروج أحد الأربعين قبل سلام الكل بطل صورة العدد قبل السلام، فاستحال القول بالصحة هنا.
(قوله: ولو أدرك المسبوق ركوع الثانية) أي ركوع الإمام في الركعة الثانية.
(قوله: واستمر معه إلى أن سلم) أي واستمر المأموم مع الإمام إلى أن سلم، فلو فارقه أو بطلت صلاة
الإمام لم يدرك الجمعة.
وهذا معتمد ابن حجر تبعا لظاهر تعبير الشيخين.
والذي اعتمده الجمال الرملي والخطيب وسم وغيرهم: أنه لا يشترط استمراره معه إلى السلام، بل متى أدرك ركوع الإمام أدرك الجمعة، ولو نوى المفارقة وبطلت صلاة الإمام.
(قوله: أتى) أي المأموم، وهو جواب لو.
(وقوله: جهرا) منصوب بإسقاط الخافض، أي بالجهر في قراءتها، أو على الحالية من فاعل أتى بتأويله باسم الفاعل، أي حال كونه جاهرا في قراءته.
وبه يلغز ويقال: لنا منفرد يصلي بعد الزوال الصلاة المفروضة يجهر فيها.
(قوله: وتمت جمعته) أي للخبر الصحيح: من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى.
وفي رواية صحيحة: من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة.
قال في التحفة:(2/66)
وتحصل الجمعة أيضا بإدراك ركعة أولى معه، وإن فارقه بعدها، لما مر أن الجماعة لا تجب إلا في الركعة الأولى، وبإدراك ركعة معه، وإن لم تكن أولى الإمام ولا ثانيته، بأن قام لزائده، ولو عامدا.
اه.
(قوله: إن صحت جمعة الإمام) أي بأن كان متطهرا.
وخرج به ما إذا لم تصح بأن محدثا أو ذا خبث، فلا تتم له جمعته.
(قوله: وكذا من اقتدى به) أي وكذلك تتم جمعة من اقتدى بالمسبوق بعد انقطاع قدوته في ركوع ركعته الثانية إن صحت جمعته.
وفي التحفة ما نصه: لو أراد آخر أن يقتدي به في ركعته الثانية ليدرك الجمعة جاز.
كما في البيان عن أبي حامد، وجرى عليه الريمي وابن كبن وغيرهما.
قال بعضهم: وعليه، لو أحرم خلف الثاني عند قيامه لثانيته آخر وخلف الثالث آخر وهكذا، حصلت الجمعة للكل، ونازع بعضهم أولئك بأن الذي اقتضاه كلام الشيخين وصرح به غيرهما أنه لا يجوز الاقتداء بالمسبوق المذكور.
اه.
وفيه نظر.
وليس هنا فوات العدد في الثانية، وإلا لم تصح للمسبوق نفسه، بل العدد موجود حكما، لأن صلاته كمن اقتدى به، وهكذا تابعة للأولى.
اه.
وفي الكردي: وخالف الجمال الرملى فأفتى بانقلابها ظهرا.
قال القليوبي: إن كانوا جاهلين، وإلا لم ينعقد إحرامهم من أصله.
وهو الوجه الوجيه.
قال: بل أوجه منه عدم انعقاد إحرامهم مطلقا.
فتأمله.
اه.
(قوله: وتجب على من جاء الخ) أي إن كان ممن تجب عليه الجمعة، وإلا بأن كان مسافرا أو عبدا أو نحوهما ممن لا تلزمه الجمعة، فينوي ذلك استحبابا.
وعليه يحمل كلام الروض والأنوار، حيث عبر الأول بالاستحباب، والثاني بالوجوب.
شويري.
بجيرمي.
وإنما وجبت نية الجمعة موافقة للإمام، ولأن اليأس منها لا يحصل إلا بالسلام، إذ قد يتذكر الإمام ترك ركن فيتداركه بالإتيان بركعة فيدرك المسبوق الجمعة.
وبذلك يلغز ويقال: نوى ولا صلى، وصلى ولا نوى.
وجوابه ما ذكر، فإنه نوى الجمعة ولم يصلها، وصلى ظهرا ولم ينوها.
(قوله: وإن كانت الخ)
الواو للحال، وإن زائدة، أي والحال أن الظهر هي التي تلزمه.
ولا يصح جعل ذلك غاية، إذ لا معنى لها.
ولو صلاها ظهرا، ثم أدرك جماعة يصلون الجمعة لزمه أن يصليها معهم.
كما في النهاية.
(قوله: وقيل تجوز نية الظهر) هذا مقابل الأصح.
(قوله: وأفتى به) أي بجواز نية الظهر.
(قوله: وأطال) أي البلقيني.
(وقوله: الكلام فيه) أي في الاستدلال على الجواز.
قال في النهاية: ومحل الخلاف فيمن علم حال الإمام.
وإلا بأن رآه قائما ولم يعلم هل هو معتدل أو في القيام؟ فينوي الجمعة جزما.
(قوله: وثانيها) أي ثاني شروط صحة الجمعة.
(قوله: وقوعها بأربعين) أي لخبر ابن مسعود رضي الله عنه: أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة وكانوا أربعين رجلا.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اجتمع أربعون فعليهم الجمعة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا جمعة إلا في أربعين.
وحكمة هذا العدد أنه مقدار زمن بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه مقدار زمن ميقات موسى عليه السلام، وأنه - كما قيل - مقدار عدد لم يجتمع مثله إلا وفيهم ولي الله تعالى.
واشتراط وقوعها بهذا العدد قول من أربعة عشر قولا في العدد الذي تنعقد به الجمعة.
ثانيها: أنها تصح من الواحد، رواه ابن حزم: ثالثها: اثنان كالجماعة، وهو قول النخعي، وأهل الظاهر.
رابعها: ثلاثة مع الإمام، عند أبي حنيفة، وسفيان الثوري - رضي الله عنهما -.
خامسها: اثنان مع الإمام عند أبي يوسف، ومحمد، والليث.
سادسها: سبعة عند عكرمة.
سابعها: ستة عند ربيعة.
ثامنها: اثنا عشر عند ربيعة أيضا في رواية، ومالك رضي الله عنه.
تاسعها: مثله غير الإمام عند إسحاق، عاشرها: عشرون في رواية ابن حبيب عن مالك.
حادي عشرها: ثلاثون كذلك.(2/67)
ثاني عشرها: خمسون عند أحمد، في رواية، وحكيت عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ثالث عشرها: ثمانون، حكاه المازري.
رابع عشرها: جمع كثير بغير حصر.
(قوله: تنعقد بهم الجمعة) أي حال كون الأربعين ممن تنعقد بهم الجمعة، بأن كانوا مكلفين ذكورا أحرارا مستوطنين.
(قوله: ولو مرضى) هذه الغاية كالتي بعدها، للرد على القائل بعدم انعقادها من المرضى، وبأنه لا بد أن يكون الإمام غير الأربعين.
وعبارة المنهاج مع المغني: والصحيح من قولين: انعقادها بالمرضى، لأنهم كاملون، وعدم الوجوب عليهم تخفيف.
والثاني لا، كالمسافرين.
والصحيح، من قولين أيضا، أن الإمام لا يشترط كونه فوق أربعين إذا كان بصفة الكمال، لإطلاق الحديث المتقدم اه.
(قوله: ولو كانوا) أي الحاضرون لإقامة الجمعة.
(قوله: قصر في التعلم) أي بأن أمكنه وتركه.
(قوله: فينقصون) أي وإذا بطلت صلاته نقص العدد الذي هو شرط لصحة الجمعة.
(قوله:
أما إذا لم يقصر الأمي في التعلم) أي بأن لم يجد من يعلمه أو عجز عنه لبلادته.
(قوله: فتصح الجمعة به) أي لعدم بطلان صلاته حينئذ.
(قوله: كما جزم به شيخنا) عبارة شرح الإرشاد له ولو كانوا أربعين فقط وفيهم أمي قصر في التعلم لم تصح جمعتهم، لبطلان صلاته، فينقصون، فإن لم يقصر والامام قارئ صحت جمعتهم، كما لو كانوا أميين في درجة واحدة.
اه.
(قوله: تبعا لما جزم به شيخه في شرح الروض) عبارته مع الأصل: لا بأربعين وفيهم أمي واحد أو أكثر، لارتباط صحة صلاة بعضهم ببعض.
فصار كاقتداء القارئ بالأمي.
نقله الأذرعي عن فتاوى البغوي.
وظاهر أن محله، إذا قصر الأمي في التعلم، وإلا فتصح الجمعة إن كان الإمام قارئا.
اه.
(قوله: ثم قال) أي شيخه.
وقوله في شرح المنهاج، عبارته: فلو كانوا قراء إلا واحدا منهم فإنه أمي، لم تنعقد بهم الجمعة، كما أفتى به البغوي، لأن الجماعة المشروطة هنا للصحة صيرت بينهما ارتباطا كالارتباط بين صلاة الإمام والمأموم، فصار كاقتداء قارئ بأمي.
وبه يعلم أنه لا فرق هنا بين أن يقصر الأمي في التعلم وأن لا، وأن الفرق بينهما غير قوي، لما تقرر من الارتباط المذكور على أن المقصر لا يحسب من العدد، لأنه إن أمكنه التعلم قبل خروج الوقت فصلاته باطلة، وإلا فالإعادة لازمة له، ومن لزمته لا يحسب من العدد، كما مر آنفا، فلا تصح إرادته هنا.
اه.
(قوله: لا فرق هنا) أي في عدم صحة الجمعة إذا كان فيهم أمي، واحترز به عن غير الجمعة من الصلوات فإنه يفصل فيه بين أن يقصر فلا يصح منه، وبين أن لا يقصر فيصح منه.
(قوله: الفرق بينهما) أي بين المقصر وغيره.
(قوله: ولو نقصوا) أي نقص الأربعون، بأن نوى أحدهم المفارقة، أو بطلت صلاته بخروج حدث منه.
هذا إذا كان النقص في الركعة الأولى، وأما إذا كان في الركعة الثانية فلا بد أن يكون بالبطلان، أما بنية المفارقة فلا يضر لما مر أن الجماعة شرط في الركعة الأولى فقط.
(قوله: بطلت) أي الجمعة فقط إن تعذر استئناف جمعة أخرى فيجب الظهر بناء على ما صلوه منها، وبطلت الصلاة من أصلها إن أمكن استئناف جمعة أخرى.
ومحل بطلانها: حيث لم يكمل العدد قبل النقص، وإلا فلا تبطل، وإن لم يكن المكمل له سمع الخطبة، وحيث كان النقص بعد الرفع من الركوع.
أما لو كان قبله فإن عاد واقتدى بالإمام قبل ركوعه، أو فيه وقد قرأ الفاتحة واطمأن مع الإمام استمرت جمعتهم.
وعبارة زي: قوله ولو نقصوا فيها إلخ: شامل لما لو نقصوا في الركعة الأولى أو الثانية، وشامل لما إذا عادوا فورا أو لا، وهو كذلك، إلا في الركعة الأولى، فإنهم إذا عادوا فورا وكان قبل الركوع وأدركوا الفاتحة واطمأنوا قبل رفع الإمام رأسه عن أقل الركوع صحت جمعتهم اه.
ملخصا.
(قوله: أو في خطبة) أي أو نقصوا في خطبة، فالجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله.
(قوله: لم يحسب الخ) جواب لو المقدرة.
(وقوله:(2/68)
ركن) أي من الخطبة.
(وقوله: فعل) أي ذلك الركن.
(وقوله: حال بعضهم) أي نقص الذين نقصوا.
(قوله: لعدم سماعهم) أي الذين نقصوا.
والسماع واجب، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * إذ المراد به الخطبة، كما قاله أكثر المفسرين.
(وقوله: له) أي للركن المفعول حال غيبتهم.
(قوله: فإن عادوا) أي عاد الذين نقصوا إلى الخطبة، وهو تفريع على عدم حسبان الركن المفعول حال نقصهم.
(وقوله: قريبا عرفا) أي أن المعتبر في القرب العرف.
قال البجيرمي: وضبطه الرافعي بما بين صلاتي الجمع، وهو دون ركعتين بأخف ممكن.
(قوله: جاز البناء على ما مضى) أي قبل نقصهم، ولا بد من إعادة ما فعل حال نقصهم.
(قوله: وإلا وجب الاستئناف) أي وإن لم يعودوا عن قرب، بل بعد طول الفصل عرفا، وجب استئناف الخطبة، وإن حصل النقص بعذر.
وضبطوا طول الفصل بما يسع ركعتين بأخف ممكن.
(وقوله: كنقصهم بين الخطبة والصلاة) أي فإنهم إن لم يعودوا قريبا عرفا وجب الاستئناف.
(وقوله: لانتفاء الموالاة) علة لوجوب الاستئناف.
(وقوله: فيهما) أي في الصورتين، هما نقصهم في أثناء الخطبة ونقصهم بينها وبين الصلاة.
(قوله: فرع الخ) هذا الفرع مرتب على اشتراط التوطن.
ولو قدمه وذكره في مبحث قوله متوطن لكان أنسب.
(قوله: من له مسكنان ببلدين) أي كأهل القاهرة الذين يسكنون تارة بها، وأخرى بمصر القديم، أو ببولاق.
وفي فتاوى شيخنا الشهاب الرملي: لو كان له زوجتان، كل واحدة منهما في بلدة يقيم عند كل يوما مثلا، انعقدت به في البلدة التي إقامته بها أكثر دون الأخرى.
فإن استويا فيها انعقدت في البلدة التي ماله فيها أكثر، دون الأخرى.
فإن استويا فيها اعتبرت نيته في المستقبل.
فإن لم يكن له نية اعتبر الموضع الذي هو فيه.
اه.
وفيها أيضا فيمن سكن بزوجته في مصر مثلا، وبأخرى في الخانكاه مثلا، وله زراعة بينهما، ويقيم في الزراعة غالب نهاره، ويبيت عند كل منهما ليلة في غالب أحواله، أنه يصدق عليه أنه متوطن في كل منهما، حتى يحرم عليه سفره يوم الجمعة بعد الفجر لمكان تفوته به، إلا لخوف ضرر.
اه.
سم.
(قوله: فالعبرة بما كثرعت فيه إقامته) ما هنا وفي جميع ما يأتي، يصح وقوعها على المسكن وعلى البلد، أي فالعبرة في انعقاد الجمعة بالشخص بالبلد أو المسكن الذي كثر إقامته فيه.
(وقوله: فيما فيه أهله وماله) أي فإن استوت إقامته فيهما فالعبرة بالذي فيه أهله وماله.
(قوله: وإن كان بواحد أهل) أي وإن كان له في بلد.
(وقوله: وبآخر مال) أي وكان له في بلد آخر مال.
(وقوله: فيما فيه أهله) أي فالعبرة بالبلد الذي فيه أهله.
(قوله: فإن استويا) أي البلدان، أو المسكنان.
(وقوله: في الكل) أي في كل ما مر، بأن استوت الإقامة فيهما، أو
كان له في كل واحد منهما أهل ومال، أو في كل واحد أهل فقط أو مال فقط.
(وقوله: فبالمحل إلخ) أي فالعبرة بالمحل الذي هو فيه حال إقامة الجمعة فتنعقد الجمعة به.
(قوله: ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين) محترز قوله بأربعين.
(قوله: خلافا لأبي حنيفة) أي في عدم اشتراط الأربعين.
(قوله: فتنعقد) أي الجمعة.
(وقوله: عنده) أي أبي حنيفة.
(وقوله: بأربعة) أي مع الإمام.
(وقوله: ولو عبيدا أو مسافرين) أي ولو كانت الأربعة عبيدا أو مسافرين فإنها تنعقد عنده بهم، فلا يشترط عنده الحرية ولا الاستطيان.
نعم، يشترط عنده إذن السلطان في إقامتها، وأن يكون محلها مصرا، كما سيصرح به.
(قوله: ولا يشترط عندنا إذن السلطان) عبارة الروض وشرحه: ولا يشترط حضور السلطان الجمعة ولا إذنه فيها - كسائر العبادات - لكن يستحب استئذانه فيها.
اه.
وعبارة ش ق: (واعلم) أن إقامة الجمعة لا تتوقف على إذن(2/69)
الإمام أو نائبه - باتفاق الأئمة الثلاثة خلافا لأبي حنيفة - وعن الشافعي والأصحاب، أنه يندب استئذانه فيها خشية الفتنة، وخروجا من الخلاف.
أما تعددها: فلا بد فيه من الإذن، لأنه محل اجتهاد.
اه.
(قوله: ولا كون محلها مصرا) أي ولا يشترط كون محلها مصرا.
وسيأتى محل اجتهاده.
اه.
(قوله: ولا كون محلها مصرا) أي ولا يشترط كون محلها مصرا.
وسيأتي بيانه: (قوله: خلافا له فيهما) أي خلافا للإمام أبي حينفة في إذن السلطان لإقامتها وكون محلها مصرا، فيشترطهما.
(قوله: وقد أجاز جمع من العلماء) أي غير الإمام الشافعي (1) .
وقد علمت اختلافهم في تعيين العدد الذي تنعقد به الجمعة.
(قوله: وهو قوي) أي القول بالجواز قوي.
(قوله: فإذا قلدوا) أي فلو لم يقلدوا لا تنعقد الجمعة.
وقال بعضهم: اعلم أن أمر الجمعة عظيم، وهي نعمة جسيمة امتن الله بها على عباده.
فهي من خصائصنا، جعلها الله محط رحمته، ومطهرة لآثام الأسبوع.
ولشدة اعتناء السلف الصالح بها كانوا يبكرون لها على السرج.
فاحذر أن تتهاون بها مسافرا أو مقيما، ولو مع دوهن أربعين بتقليد، والله يهدي من يشاء إلى صرط مستقيم.
(قوله: أي جميعهم) بيان للواو، والذي يظهر عدم اشتراط تقليد جميعهم إذا كان المقلد - بفتح اللام - يقول باكتفائه في الجمعة.
(قوله: من قال) مفعول قلدوا.
(وقوله: هذه المقالة) وهي أنها تنعقد بدون الأربعين.
(قوله: فإنهم يصلون الجمعة) المناسب أن يقول: يجوز تقليدهم إياه وتصح جمعتهم.
(قوله: وإن احتاطوا) أي هؤلاء المقلدون (قوله: فصلوا إلخ) بيان للاحتياط.
(وقوله: الجمعة) أي تقليدا.
(وقوله: ثم الظهر) أي ثم بعد الجمعة صلوا الظهر على مذهبهم.
(قوله: كان حسنا) جواب إن، واسم كان يعود على الاحتياط المفهوم من احتاطوا.
(قوله: وثالثها) أي ثالث شروط صحة الجمعة.
(وقوله:
وقوعها) أي الجمعة.
(وقوله: بمحل معدود من البلد) المراد بالبلد: أبنية أوطان المجمعين، سواء كانت بلدا أو قرية أو مصرا، وهو ما فيه حاكم شرعي، وحاكم شرطي، وأسواق للمعاملة.
والبلد: ما فيه بعض ذلك.
والقرية ما خلت عن ذلك كله.
ولا فرق في الأبنية بين أن تكون بحجر، أو خشب، أو قصب، أو نحو ذلك.
ومثل الأبنية: الغيران والسراديب في نحو الجبل، ولا فرق في المحل الذي تقام فيه الجمعة بين أن يكون مسجدا، أو ساحة مسقفة، أو فضاء معدودا من البلد، ولو انهدمت الأبنية وأقام أهلها عازمين على عمارتها صحت الجمعة استصحابا للأصل ولا تنعقد في غير بناء إلا في هذه الصورة، بخلاف ما لو نزلوا مكانا وأقاموا فيه ليعمروه قرية، فلا تصح جمعتهم فيه قبل البناء، استصحابا للأصل أيضا.
ولا تصح من أهل خيام بمحلهم، لأنهم على هيئة المستوفزين، ولأن قبائل العرب كانوا حول المدينة، ولم يأمرهم - صلى الله عليه وسلم - بحضورها.
نعم، لو كانوا يسمعون النداء من محلها لزمتهم فيه، تبعا لأهله.
(قوله: ولو بفضاء) أي ولو كان
__________
(1) (قوله: أي غير الأمام الشافعي) أي باعتبار مذهبه الجديد، فلا ينافي أن له قولين قديمين في العدد أيضا، أحگهما أقلهم أربعة، حكاه عنه صاحب التلخيص، وحكاه شرح المهذب واختاره من أصحابه المزني، كما نقله الأذرعي في القوت، وكفى به سلفا في ترجيحه، فإنه من كبار أصحاب الشافعي ورواة كتبه الجديدة.
وقد رجحه أيضا أبو بكر بن المنذر في الاشراف، كما نقله النووي في شرح المهذب.
ثانى القولين اثنا عشر.
وهل يجوز تقليد أحد هذين القولين الجواب: نعم.
فانه قول للامام، نصره بعض أصحابه ورجحه، وقولهم القديم لا يعمل به: محله ما لم يعضده الاصحاب ويرجحوه، وإلا صار راجحا من هذه الحيثية،، وان كان مرجوحا من حيث نسبته للامام.
وقال السيوطي: كثيرا ما يقول أصحابنا بتقليد أبي حنيفة في هذه المسألة، إذ هو قول للشافعي قام الدليل على رجحانه.
اه ز وحينئذ تقليد أحد هذين القولين أولى من تقليد أبي حنيفة.
فتنبه.
وقد ألفت رسالة تتعلق بجواز العمل القديم للإمام الشافعي - رضي الله عنه - في صحة الجمعة بأربعة، وبغير ذلك.
فانظرها إن شئت.
اه.
مولف(2/70)
وقوعها بفضاء، وهو من ذكر الخاص بعد العام، ولو حذف الباء وجعله غاية للمحل لكان أولى، أي ولو كان ذلك المحل فضاء.
(قوله: بأن كان الخ) تصوير لعد المحل الذي تقام فيه الجمعة من البلد، أي ويتصور عده منها بأن يكون في محل لا تقصر فيه الصلاة، ويحتمل أن يكون تصويرا لعد الفضاء منها، أي ويتصور عده منها بأن يكون إلخ.
واسم كان على الأول يعود على المحل، وعلى الثاني يعود على الفضاء.
ويرد على الثاني: أنه لا معنى لكون الفضاء في محل، إذ هو عينه.
وكذلك يرد على الأول إن فسر المحل العائد عليه اسم كان بالفضاء.
فلو حذف قوله في محل، وقال بأن كان
لا تقصر فيه الصلاة لكان أولى وأخصر.
(قوله: وإن لم يتصل بالأبنية) أي فالضابط في المحل المعدود من البلد ما ذكر، وهو أن لا يكون بحيث تقصر فيه الصلاة قبل مجاوزته، سواء اتصل بالأبنية وانفصل عنها.
وفي المغني ما نصه: قال الأذرعي: وأكثر أهل القرى يؤخرون المسجد عن جدار القرية قليلا، صيانة له عن نجاسة البهائم، وعدم انعقاد الجمعة فيه بعيد.
وقول القاضي أبي الطيب: قال أصحابنا: لو بنى أهل البلد مسجدهم خارجها لم يجز لهم إقامة لجمعة فيه لانفصاله عن البناء، محمول على انفصال لا يعد به من القرية.
اه.
(قوله: بخلاف محل غير معدود منها) أي فإنه لا يصح وقوع الجمعة فيه، وهذا محترز قوله: بمحل معدود منها.
(قوله: وهو) أي غير المعدود.
وقوله ما يجوز السفر القصر منه: ما واقعة على المحل، والفعل مبني للفاعل، وواوه مشددة مكسورة، والسفر فاعله، والقصر مفعول أي أن المحل غير المعدود من البلد، ضابطه أنه لو سافر يجوز للمسافر أن يقصر منه.
(قوله: فرع، لو كان في قرية إلخ) سئل ابن حجر - رحمه الله تعالى - عن بيت واحد فيه أربعون متوطنون بصفة من تلزمهم الجمعة، فهل يلزمهم إقامتها أولا؟ فأجاب بقوله: أفتى جمع يمنيون بعدم الوجوب أخذا من قولهم: الشرط أن تقام بين الأبنية، ولا أبنية هنا، وقياسا على أهل الخيام.
وأفتى آخرون بوجوبها عليهم، وهذا هو الأوجه.
اه.
من الفتاوي.
(وقوله: أربعون كاملون) بأن كانوا أحرارا ذكورا بالغين عاقلين متوطنين.
(قوله: لزمتهم الجمعة) أي لإطلاق الأدلة.
قال في التحفة: خلافا لأبي حنيفة.
(قوله: بل يحرم إلخ) إضراب انتقالي.
قال ع ش: ويجب على الحاكم منعهم من ذلك، ولا يكون قصدهم البيع والشراء في المصر عذرا في تركهم الجمعة في بلدتهم، إلا إذا ترتب عليه فساد شئ من أموالهم، أو احتاجوا إلى ما يصرفونه في نفقة ذلك اليوم الضرورية، ولا يكلفون الاقتراض.
ا.
هـ.
(قوله: والذهاب) بالرفع، معطوف على تعطيل، أي ويحرم عليهم الذهاب إلى الجمعة.
قال سم: ظاهره وإن كان الذهاب قبل الفجر، ثم قال: وقد يستدل على جواز الذهاب قبل الفجر - وإن تعطلت الجمعة - بعدم الخطاب قبل الفجر.
ويجاب: بأن المراد أنه ليس لهم الذهاب والاستمرار إلى فواتها، بل يلزمهم العود في وقتها لفعلها.
وقد مال م ر بعد البحث معه إلى امتناع الذهاب قبل الفجر بالمعنى المذكور (قوله وإن سمعوا) غاية في الحرمة.
(وقوله: النداء) أي نداء البلد الأخرى.
(قوله: قال ابن الرفعة) هذا مقابل المعتمد، وعلى القولين تسقط عنهم الجمعة لو فعلوا ذلك.
إذ الإساءة على القول الأول لا تنافي الصحة.
(قوله: من مصر) يفيد أنهم إذا سمعوه من بلد أو قرية لا يخيرون عنده.
(وقوله: فهم مخيرون بين أن يحضروا البلد) يفيد أن المصر ليس بقيد، إلا أن يراد بالبلد خصوص المصر.
فانظره.
(قوله: وإذا حضروا) أي أهل القرية.
(قوله: لا يكمل بهم العدد) أي إذا نقص عدد أهل البلد.
وذلك لعدم استيطانهم، وهذا مبني على القولين.
(قوله: وإذا لم يكن في القرية جمع تنعقد بهم الجمعة) النفي مسلط على القيد وهو تنعقد، أي وإذا كان في القرية جمع لا تنعقد(2/71)
بهم، بأن يكونوا أقل من أربعين، أو كانوا أربعين لكن بعضهم ليس مستوطنا، أو امتنع من حضورها، كما يفيد هذا الغاية بعده.
(وقوله: ولو بامتناع بعضهم منها) أي ولو انتفى انعقاد الجمعة بالجمع الذي في القرية بسبب امتناع بعض من تنعقد به من الجمعة، بأن يكون العدد المعتبر لا يكمل إلا به.
قال سم: وتوقف في ذلك م ر وجوز ما هو الإطلاق من أنه حيث كان فيهم جمع تصح به الجمعة ثم تركوا إقامتها: لم يلزم من أرادها السعي إلى القرية التي يسمع نداءها، لأنه معذور في هذه الحالة لأنه ببلد الجمعة، والمانع من غيره.
بخلاف ما إذا لم يكن فيهم جمع تصح به الجمعة، لأن كل أحد في هذه الحالة مطالب بالسعي إلى ما يسمع نداءه، وهو محل جمعته.
اه.
(قوله: يلزمهم السعي الخ) جواب إذا، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له، إلا من عذر.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: الجمعة على من سمع النداء.
(وقوله: يسمعون) أي ولو بالقوة.
(وقوله: من جانبه) أي من طرف البلد الذي يلي السامع.
(وقوله: النداء) أي نداء شخص صيت عرفا يؤذن كعادته في علو الصوت وهو واقف بمستو، ولو تقديرا مع سكون الريح، لأنها تارة تعين على السمع، وتارة تمنعه، وسكون الصوت لأنه يمنع وصول النداء، واعتبر ما ذكر من الشروط، لأنه عند وجودها لا مشقة عليه في الحضور، بخلافه عند فقدها، أو فقد بعضها.
وأفهم قولنا بمستو ولو تقديرا: أنه لو علمت قرية سمعوا النداء، ولو استوت لم يسمعوا، أو انخفضت فلم يسمعوا ولو استوت لسمعوا: وجبت في الثانية، دون الأولى لتقدير الاستواء.
(قوله: مواضع متقاربة) أي قرى متقاربة.
(قوله: وتميز كل باسم) أي بأن يكون لكل موضع اسم مخصوص.
(قوله: فلكل حكمه) أي فلكل موضع من هذه المواضع حكم مختص به، فإن كان كل موضع مشتملا على أربعين كاملين لزمتهم الجمعة وإلا فلا تلزمهم، وإن كان لو اجتمعوا كلهم في موضع واحد يبلغون أربعين، وإن سمع أهل كل موضع نداء الآخر.
(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.
(قوله: إنما يتجه ذلك) أي كون كل موضع له حكم مستقل.
(قوله: إن عد كل مع ذلك) أي مع تميز كل باسم قرية مستقلة، فإن لم يعد كل مع ذلك قرية مستقلة كالمواضع، المتعددة بمكة المسماة بالحواير، فإن كل موضع له اسم مخصوص كالشبيكة والشامية، فليس لكل حكم مخصوص، بل الكل حكمه حكم موضع واحد وعيارة فتاوي.
ولم يقيد ابن حجر في فتاويه بهذا القيد، ونص عبارته.
(سئل) رحمه الله تعالى عن بلد تسمى
راون بها ثلاث قرى مفصولة مختصة كل قرية باسم وصفة بين كل قرية أقل من خمسين ذراعا فبنوا مسجد لإقامة الجمعة في خطة أبنية أوطان المجمعين فصلوا فيه مدة طويلة، فحصل بينهم مقاتلة فانفردت قرية من الثلاثة بجمعة، وأهل القريتين بنوا مسجدا ثانيا بجمعة أخرى.
فهل يلزمهم أن يجتمعوا بجمعة واحدة وتبطل الأخرى بوجود الأمان بينهم أو لا؟ (فأجاب) نفع الله به: حيث كانت القرى المذكورة يتمايز بعضها عن بعض، وكان في كل قرية أربعون من أهل الجمعة، خرجوا عن عهدة الواجب، وصحت جمعتهم، سواء المتقدمة والمتأخرة الخ.
(قوله: لو أكره السلطان) مثله نائبه.
(قوله: أهل قرية) أي أو أهل بلد.
(قوله: أن ينتقلوا) المصدر المؤول مجرور بعلى مقدرة متعلقة بأكره، أي أكرههم على الانتقال.
(وقوله: منها) أي من قريتهم.
(قوله: ويبنوا) معطوف على ينتقلوا، أي وأكرههم على أن يبنوا.
(قوله: فسكنوا فيه) مرتب على محذوف، أي فامتثلوا أمره وانتقلوا إلى الموضع الآخر وبنوا فيه وسكنوا وهم مكرهون.
(قوله: وقصدهم العود) أي والحال أن قصدهم العود، فالجملة حال من واو سكنوا.
(قوله: إلى البلد الأول) المناسب أن يقول إلى قريتهم، كما هو ظاهر.
(قوله: إذا إلخ) متعلق بالعود.
(قوله: لا تلزمهم الجمعة) أي في الموضع المنقول(2/72)
إليه.
وهذا جواب لو.
قال ع ش: لو سمعوا النداء من قرية أخرى وجب عليهم السعي إليها.
اه.
(قوله: بل لا تصح منهم) أي لا تنعقد منهم لو أقاموها في الموضع الذي انتقلوا إليه.
والإضراب انتقالي.
(قوله: لعدم الاستطيان) أي في الموضع الذي انتقلوا إليه، وهذا تعليل لعدم الصحة بمعنى الانعقاد، (قوله: ورابعها) أي شروط صحة الجمعة.
(وقوله: وقوعها في وقت ظهر) أي بأن يبقى منه ما يسعها مع الخطبتين، وذلك للاتباع.
رواه البخاري، وعليه جرى الخلفاء الراشدون فمن بعدهم.
قال في المغنى: وقال الإمام أحمد بجوازها قبل الزوال، ويدل لنا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة حين تزول الشمس رواه البخاري.
اه.
(قوله: فلو ضاق الوقت عنها وعن خطبتيها) أي عن أقل مجزئ من خطبتيها وركعتيها، بأن لم يبق منه ما يسع ذلك.
(وقوله: أو شك) أي قبل الاحرام.
(وقوله: في ذلك) أي في ضيق الوقت أي شك هل بقي وقت يسعهما أم لا؟ (قوله: صلوا ظهرا) أي وأحرموا بها، فلا يصح إحرامهم بالجمعة لفوات الوقت، ولو علق في صورة الشك فتوى الجمعة إن بقي الوقت، وإلا فالظهر فبان بقاؤه صحت نيته، ولا يضر هذا التعليق، لاستناده إلى أصل بقاء الوقت، كما لو نوى صوم غد ليلة الثلاثين من رمضان إن كان منه.
وخالف فيه ابن حجر.
(قوله: ولو خرج الوقت يقينا أو ظنا) قافل البجيرمي: عبارة ابن شرف: فإن خرج الوقت، أي يقينا لا ظنا، حتى لو ظن
أن الوقت لا يسعها لم تنقلب ظهرا إلا بعد خروجه.
اه.
(قوله: وهم فيها) الجملة حال من فاعل خرج، أي خرج وقتها، والحال أنهم في أثناء الصلاة.
(قوله: ولو قبيل السلام) أي ولو كان خروج الوقت حصل قبيل السلام، أي التسليمة الأولى، أي أو عندها.
(قوله: وإن كان ذلك) أي الخروج أي العلم به.
(وقوله: بإخبار عدل) أي وألحق بالعدل الفاسق إذا وقع في القلب صدقة.
(قوله: وجب الظهر بناء على ما مضى) أي وجب أن يتموها ظهرا حال كونهم باقين على ما فعلوا منها، ولا يعيدونها من أولها.
وإتمامها ظهرا بناء متحتم لأنهما صلاتا وقت واحد، فوجب بناء أطولهما على أقصرهما، كصلاة الحضر مع السفر، ولا يجوز الاستئناف، لأنه يؤدي إلى إخراج بعض الصلاة عن الوقت مع القدرة على إيقاعها فيه.
وكتب سم ما نصه: قوله: وجب الظهر بناء.
ينبغي تصوير المسألة بما إذا أحرم بها في وقت يسعها، لكنه طول حتى خرج الوقت، أما لو أحرم بها في وقت لا يسعها جاهلا بأنه لا يسعها: فالوجه عدم انعقادها جمعة.
وهل تنعقد ظهرا أو نفلا مطلقا؟ فيه نظر.
والثاني أوجه، لأنه أحرم بها في وقت لا يقبلها، فهو كما لو أحرم قبل الوقت جاهلا.
فليتأمل.
اه.
(قوله: وفاتت الجمعة) أي لامتناع الابتداء بها بعد خروج وقتها، ففاتت بفواته كالحج.
اه.
تحفة.
(قوله: بخلاف ما لو شك) أي وهم في أثناء الصلاة.
وهذا محترز قوله يقينا أو ظنا.
(وقوله: في خروجه) أي الوقت.
(وقوله: لأن الأصل بقاؤه) تعليل المحذوف، أي فلا يضر، لأن الأصل بقاء الوقت.
أي ولأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء.
وبه فارق الشك قبل الإحرام، فإنه يضر، كما مر.
(قوله: ومن شروطها) أي صحة الجمعة.
وهذا هو الشرط السادس كما مر التنبيه عليه.
(وقوله: أن لا يسبقها بتحرم ولا يقارنها) الفعلان تنازعا قوله جمعة.
والعبرة بتمام التحرم وهو الراء من أكبر.
فلو سبقها به جمعة.
صحت الجمعة السابقة لاجتماع شرائطها، واللاحقة باطلة، فيجب أن تصلى ظهرا.
أو قارنها جمعة أخرى يقينا أو شكا بطلت الجمعتان، لأن إبطال إحداهما ليس بأولى من الأخرى، فوجب إبطالهما.
ولأن الأصل في صورة الشك عدم جمعة مجزئة.
ويجب حينئذ استئنافها جمعة إن وسع الوقت، وإلا وجب أن يصلوا ظهرا، فإن سبقت إحداهما والتبست بالأخرى، كأن سمع مريضان أو مسافران خارج المسجد تكبيرتين مثلا فأخبرا بذلك ولم يعرفا المتقدمة ممن وقعت، صلوا كلهم ظهرا.
(والحاصل) لهذه المسألة خمسة أحوال(2/73)
الحالة الأولى: أن يقعا معا، فيبطلان، فيجب أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت.
الحالة الثانية: أن يقعا مرتبا، فالسابقة هي الصحيحة، واللاحقة باطلة، فيجب على أهلها صلاة الظهر.
الحالة الثالثة: أن يشك في السبق والمعية، فيجب عليهم أن يجتمعوا أو يعيدوها جمعة عند اتساع الوقت، لأن الأصل عدم وقوع جمعة مجزئة في حق كل منهم.
الحالة الرابعة: أن يعلم السبق ولم تعلم عين السابقة، فيجب عليهم الظهر، لأنه لا سبيل إلى إعادة الجمعة مع تيقن وقوع جمعة صحيحة في نفس الأمر.
لكن لما كانت الطائفة التي صحت جمعتها غير معلومة وجب عليهم الظهر.
الحالة الخامسة: أن يعلم السبق، وتعلم عين السابقة، لكن نسيت، وهي كالحالة الرابعة.
(وقوله: بمحلها) متعلق بمحذوف صفة جمعة أي جمعة تقام في محل الجمعة الأخرى.
ولا فرق في المحل المذكور بين أن يكون بلدة أو مصرا أو قرية.
(لطيفة) سئل الشيخ الرملي - رحمه الله - عن رجل قال: أنتم يا شافعية خالفتم الله ورسوله، لأن الله تعالى فرض خمس صلوات، وأنتم تصلون ستا بإعادتكم الجمعة ظهرا، فماذا يترتب عليه في ذلك؟ (فأجاب) بأن هذا الرجل كاذب فاجر جاهل.
فإن اعتقد في الشافعية أنهم يوجبون ست صلوات بأصل الشرع كفر، وأجري عليه أحكام المرتدين، وإلا استحق التعزير اللائق بحاله، الرادع له ولأمثاله عن ارتكاب مثل قبيح أفعاله.
ونحن لا نقول بوجوب ست صلوات بأصل الشرع، وإنما تجب إعادة الظهر إذا لم يعلم تقدم جمعة صحيحة، إذ الشرط عندنا أن لا تتعدد في البلد إلا بحسب الحاجة، ومعلوم لكل أحد أن هناك فوق الحاجة، وحينئذ من لم يعلم وقوع جمعته من العدد المعتبر وجبت عليه الظهر، وكان كأنه لم يصل جمعة، وما انتقد أحد على أحد من الأئمة إلا مقته الله تعالى - رضوان الله عليهم أجمعين -.
(قوله: إلا إن كثر أهله) أي أهل ذلك المحل.
(قوله: وعسر اجتماعهم إلخ) هذا ضابط الكثرة، أي كثروا بحيث يعسر اجتماعهم، أي اجتماع من يحضرون بالفعل عند سم، ولو كانوا أرقاء وصبيانا ونساء، حتى لو كانوا ثمانين مثلا وعسر اجتماعهم في مكان واحد بسبب واحد منهم فقط، بأن سهل اجتماع ما عدا واحد جاز التعدد.
والذي استوجهه ابن حجر: أن العبرة في العسر بمن يغلب فعلهم لها، سواء لزمتهم أم لا، حضروا بالفعل أم لا.
وقيل: العبرة بأهل البلد كلهم.
وهذا هو ظاهر عبارة الشارح.
وقيل: العبرة بالذين تنعقد بهم الجمعة.
وكلاهما بعيد، كما نص عليه في التحفة.
(قوله: بمكان واحد منه) أي من محل الجمعة.
(قوله: ولو غير مسجد) أي ولو كان ذلك المكان غير مسجد.
وأفاد بهذه الغاية أنه لا يشترط في المكان الذي يعسر اجتماعهم فيه أن يكون مسجدا، بل الشرط أنه لا يكون في البلد محل يسعهم
للصلاة فيه ولو كان فضاء، فمتى كان في البلد محل يسعهم امتنع التعدد.
قال البجيرمي: ويعلم من هذا أن غالب ما يقع من التعدد غير محتاج إليه، إذ كل بلد لا يخلو غالبا عن محل يسع الناس، ولو نحو خرابة، وحريم البلد.
اه.
(قوله: من غير لحوق مؤذ) متعلق باجتماعهم، أي اجتماعهم من غير لحوق مؤذ متعسر.
وعبارة غيره: وعسر اجتماعهم بأن لم يكن في محل الجمعة موضع يسعهم بلا مشقة.
اه.
(وقوله: فيه) أي ذلك المكان الذي يجتمعون فيه.
(قوله: كحر وبرد شديدين) تمثيل للمؤذي.
(قوله: فيجوز الخ) جواب إن الشرطية، وإنما جاز ذلك حين إذ عسر الاجتماع في مكان واحد، لأن الشافعي - رضي الله تعالى عنه - دخل بغداد وأهلها يقيمون بها جمعتين، وقيل ثلاثا، فلم ينكر عليهم، فحمله الأكثرون على عسر الاجتماع.
وقال الروياني: ولا يحتمل مذهب الشافعي غيره.
وقال الصيمري، وبه أفتى المزني بمصر: ولكن ظاهر النص منع التعدد مطلقا.
وعليه اقتصر الشيخ أبو حامد ومتابعوه.
(وقوله: تعددها للحاجة) فإن كان التعدد زائدا على الحاجة فتصح السابقات إلى أن تنتهي الحاجة ثم تبطل الزائدات.
ومن شك أنه من الأولين، أو من الآخرين، أو في أن التعدد لحاجة أولا، لزمته إعادة الجمعة.
(وقوله: بحسبها) أي بقدرها، أي الحاجة.
(قوله:(2/74)
لا يصح ظهر من لا عذر قبل سلام الإمام) أي من الجمعة.
ولو بعد رفعه من ركوع الثانية لتوجه فرضها عليه بناء على الأصح أنها الفرض الأصلي، وليست بدلا عن الظهر.
وبعد سلام الإمام يلزمه فعل الظهر على الفور، وإن كانت أداء لعصيانه بتفويت الجمعة، فأشبه عصيانه بخروج الوقت.
وخرج بقوله من لا عذر له، من له عذر، فيصح له ذلك قبل سلام الإمام.
وتسن الجماعة في ظهره مع الإخفاء إن خفي العذر، لئلا يتهم بالرغبة عن صلاة الإمام أو صلاة الجمعة.
أما ظاهر العذر كالمرأة، فيسن لها الإظهار، لانتفاء التهمة، ولو صلى الظهر ثم زال عذره وأمكنته الجمعة لم تلزمه، بل تسن له، إلا أن كان خنثى واتضح بالذكورة، فتلزمه.
(قوله: فإن صلاها جاهلا) أي بعدم صحتها قبل سلام الإمام.
(قوله: انعقدت نفلا) أي ووجب عليه فعلها ظهرا فورا.
كما مر.
(قوله: ولو تركها أهل بلد) أي ترك الجمعة أهل بلد، والحال أنها تلزمهم لاستكمالهم شروطها.
(قوله: لم يصح) أي ظهرهم لتوجه فرض الجمعة عليهم، كما مر.
(قوله: ما لم يضق الوقت إلخ) فإن ضاق عن ذلك صح ظهرهم، ليأسهم من الجمعة حينئذ.
(قوله: وإن علم من عادتهم الخ) لا يظهر ارتباطه بما قبله.
وعبارة التحفة: (تنبيه) أربعون كاملون ببلد علم من عادتهم أنهم لا يقيمون الجمعة.
فهل لمن تلزمه إذا علم ذلك أن يصلي الظهر وإن لم ييأس من الجمعة؟ قال بعضهم: نعم، إذ لا أثر للمتوقع.
وفيه نظر.
بل الذي يتجه لا، لأنها الواجب أصالة المخاطب بها يقنيا فلا يخرج عنه إلا باليأس يقينا، الخ.
اه.
إذا علمت ذلك تعلم إن قوله وإن علم إلخ، كلام مستأنف، وأن في العبارة سقطا، ولو أسقطها من أصلها - كما في الفتح - لكان أولى.
وعبارته: ولو تركها أهل بلد وصلوا الظهر لم يصح، إلا إن ضاق الوقت عن أقل واجب الخطبتين والركعتين.
اه.
(قوله: وخامسها) أي شروط صحة الجمعة.
(قوله: بعد خطبتين) متعلق بوقوعها.
(قوله: بعد زوال) متعلق بمحذوف صفة لخطبتين، أي واقعتين بعد زوال.
(قوله: لما في الصحيحين إلخ) دليل لاشتراط وقوعها بعدهما.
وورد أيضا عن ابن عمر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة خطبتين، يجلس بينهما وكونهما قبل الصلاة بالإجماع مع خبر: صلوا كما رأيتموني أصلي.
ولم يصل - صلى الله عليه وسلم - إلا بعدهما.
قال في المجموع: ثبتت صلاته - صلى الله عليه وسلم - بعد خطبتين، وكانتا في صدر الإسلام بعد الصلاة، فقدم دحية الكلبي بتجارة من الشام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب للجمعة، وكانوا يستقبلون العير بالطبل والتصفيق، فانفضوا إلى ذلك وتركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائما، ولم يبق منهم إلا اثنا عشر - وقيل ثمانية، وقيل أربعون - فقال: والذي نفسي بيده لو انصرفوا جميعا لأضرم الله عليهم الوادي نارا.
ونزلت الآية: * (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) * (1) الآية: وخص مرجع الضمير بالتجارة لأنها المقصودة، وقيل في الآية حذف، والتقدير: أو لهوا انفضوا إليه.
وحولت الخطبة حينئذ.
(فائدة) جملة الخطب المشروعة عشرة: خطبة الجمعة، وخطبة عيد الفطر، وخطبة عيد الأضحى، وخطبة الكسوف للشمس، وخطبة الخسوف للقمر، وخطبة الاستسقاء.
وأربع في الحج: إحداهما بمكة في يوم السابع من ذي الحجة المسمى يوم الزينة ثانيتها بنمرة في يوم التاسع المسمى يوم عرفة ثالثتها بمنى في اليوم العاشر المسمى يوم النحر،
__________
الجمعة: 11(2/75)
رابعتها بمنى في الثاني عشر المسمى يوم النفر الأول.
وكلها بعد الصلاة، إلا خطبتي الجمعة وعرفة فقبلها.
وما عدا خطبة الاستسقاء، فتجوز قبل الصلاة وبعدها، وكلها ثنتان، إلا الثلاثة الباقية في الحج، ففرادى.
وقد نظمها بعضهم في قوله:
يا سائلي عن خطب مشروعة * * فتلك عشرة أتت مجموعة لجمعة حتما وللكسوف * * سنت، وللعيدين كالخسوف كذاك لاستسقائهم من جدب * * وأربع في الحج إذ تلبي ووقت أولاهن من ذي الحجة * * بسابع وفعلها بمكة وتلوها خطبتهم بنمره * * في التاسع الموسوم يوم عرفه وفي منى في عاشر الأيام * * وذاك يوم النحر والإطعام وفي منى تزاد في الثاني عشر * * في يوم نفر أول لمن نفر وكلها بعد الصلاة تفعل * * إلا التي لجمعة تحصل فقبلها كذا التي بعرفه * * في تاسع الحجة يا من عرفه وما عدا خطبة الاستسقاء * * فقبل أو بعد على السواء وكلها ثنتان تأتي غير ما * * في الحج فالإفراد فيها التزما واستثن منها خطبة المعرف: * * فهي تثنى مثل تلك فاعرف ويسن في الخطبتين كونهما على منبر، فإن لم يكن فعلى مرتفع.
ويسن للخطيب أن يسلم على من عند المنبر أو المرتفع، وأن يقبل عليهم، إذا صعد المنبر أو نحوه وانتهى إلى الدرجة التي تسمى بالمستراح، وأن يسلم عليهم، ثم يجلس، فيؤذن واحد - للاتباع - في الجميع.
ويسن أن تكون الخطبة فصيحة، جزلة، قريبة للفهم، لا مبتذلة، ركيكة، ولا غريبة وحشية إذ لا ينتفع بها أكثر الناس، متوسطة، لأن الطول يمل، والقصر يخل.
ولا ينافي ذلك خبر مسلم أطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة لأن المراد قصرها بالنسبة للصلاة، مع كونا متوسطة في نفسها، وأن لا يلتفت في شئ منها بل يستمر مقبلا عليهم إلى فراغها.
(قوله: بأركانهما) متعلق بمحذوف صفة لخطبتين أيضا، والباء بمعنى مع، كما يستفاد من تفسيره الآتي.
والمصاحبة من مصاحبة الكل لبعض أجزائه، إذ الخطبتان اسم للأركان، وما زاد عليها من الآداب والمواعظ.
(قوله: أي يشترط الخ) أفاد بهذا التفسير أن باء بأركانهما بمعنى مع، ولو قال أي مع الإتيان بأركانهما لكان أخصر.
(قوله: وهي خمسة) أي أركانها خمسة أي إجمالا، وإلا فهي ثمانية تفصيلا، لتكرر الثلاثة الأول فيهما.
وقد نظمها بعضهم في قوله:
وخطبة أركانها قد تعلم * * خمس تعد - يا أخي - وتفهم حمد الإله، والصلاة الثاني * * على نبي جاء بالقرآن وصية، ثم الدعا للمؤمنين * * وآية من الكتاب المستبين (قوله: أحدها) أي الخمسة.
(وقوله: حمد الله) أي ولو في ضمن آية، كما في قوله تعالى: * (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) * (1) حيث قصد الحمد فقط، فإن قصد قراءة الآية، أو قصدهما معا، أو أطلق، كفت عن قراءة الآية، ولا تكفي عنها وعن الحمد فيما لو قصدهما معا، لأن الشئ لا يؤدي به فرضان مقصودان.
__________
: الانعام 1(2/76)
ويجري هذا التفصيل فيما لو أتى بآية تتضمن الوصية بالتقوى.
(قوله: وثانيها) أي أركان الخطبتين.
(وقوله: صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي لأن الخطبة عبادة افتقرت إلى ذكر الله تعالى، فافتقرت إلى ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما في دلائل النبوة للبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: جعلت أمتك لا تجوز عليهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي.
(قوله: بلفظهما) وهو متعين، لكن من حيث المادة، وإن لم تكن مصدرا، فشمل المشتق، نحو أنا حامد لله، وأحمد الله، وأنا مصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أصلي علي رسول الله.
ولفظ الجلالة متعين ولا يتعين لفظ محمد، كما يستفاد من كلامه.
وإنما تعين لفظ الجلالة دون لفظ محمد، لأن لفظ الجلالة له مزية على سائر أسمائه تعالى، لاختصاصه به تعالى اختصاصا تاما.
ويفهم منه عند ذكره سائر صفات الكمال، ولا كذلك لفظ محمد.
(قوله: كالحمد لله الخ) تمثيل للفظ الحمد، لكن باعتبار المادة، وإلا لم يصح المثال الثاني.
(قوله: فلا يكفي: الشكر لله) أي لعدم الإتيان بلفظ الحمد، وإن كان مرادفا له.
(وقوله: ولا الحمد للرحمن) أي من غير إضافته للفظ الجلالة المشروطة، كما علمت.
(قوله: وكاللهم صل الخ) تمثيل للفظ الصلاة، لكن باعتبار المادة أيضا، كما علمت.
(قوله: أو نحوه) أي ما ذكر من بقية أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -: كالبشير، والنذير.
وتقدم أنه يتعين في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأخير لفظ محمد، ولا يجزئ غيره من بقية أسمائه - صلى الله عليه وسلم -.
والفرق أن الخطبة أوسع بابا من الصلاة.
(قوله: فلا يكفي اللهم سلم الخ) أي لعدم الإتيان بلفظ الصلاة.
(قوله: ولا صلى الله عليه - بالضمير -) أي ولا يكفي صلى الله عليه، بالإتيان بالضمير بدل الاسم الظاهر، قياسا على التشهد.
(قوله: وإن تقدم الخ) غاية في عدم الاكتفاء بالضمير.
أي لا يكفي ذلك، وإن تقدم للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الكلام ذكر، أي اسم يرجع إليه الضمير.
(قوله: كما صرح به) أي بعدم الاكتفاء
بالضمير.
(قوله: في ذلك) أي في الإتيان بالضمير في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة.
(قوله: فلا تغتر بما تجده مسطورا) أي من الإتيان بالضمير.
(قوله: على خلاف إلخ) أي حال كون الذي تجده مسطورا كائنا على خلاف ما عليه محققو المتأخرين من عدم الإكتفاء بالضمير.
(قوله: وثالثها) أي أركان الخطبتين.
(قوله: وصية بتقوى الله) فلا يكفي التحذير من الدنيا وغرورها، بل لا بد من الحث على الطاعة، والزجر عن المعصية.
كما سيذكره.
(قوله: ولا يتعين لفظها) أي الوصية بالتقوى، لأن الغرض الوعظ، والحمل على طاعة الله، فيكفي ما دل على الموعظة، طويلا كان أو قصيرا، كأطيعوا الله، وراقبوه.
وفي المغني ما نصه: (تنبيه) قوله: ولا يتعين لفظها: يحتمل أن مراده لا يتعين لفظ الوصية، وهو عبارة الروضة، فيكون لفظ التقوى لا بد منه، وهذا أقرب إلى لفظه.
ويحتمل أن مراده ولا يتعين واحد من اللفظين، لا الوصية ولا التقوى، وهو ما قررت به كلامه، تبعا للشارح.
وجزم الأسنوي باحتمال الأول، ففسر به لفظ المصنف.
قال بعض المتأخرين: ويمكن أن يكون مراده ما في الروضة: أن الخلاف في لفظ الوصية، ولا يجب لفظ التقوى قطعا.
ويؤيده ما نقلاه عن الإمام وأقراه، أنه يكفي أن يقول أطيعوا الله.
اه.
(قوله: ولا تطويلها) أي ولا يتعين طول الكلام في الوصية، بل يكفي ما يدل على الموعظة، طويلا كان أو قصيرا، كما علمت.
(قوله: بل يكفي الخ) الإضراب انتقالي، والمناسب أن يقول فيكفي إلخ، لأن المقام للتفريع.
(قوله: مما فيه حث الخ) بيان لنحو أطيعوا الله.(2/77)
(وقوله: أو زجز إلخ) التعبير يفيد أنه لا يشترط الجمع بين الحث على الطاعة والزجر عن المعصية، بل يكفي أحدهما، وهو كذلك.
كما صرح به في التحفة، وعلله بلزوم أحدهما للآخر.
(قوله: لأنها المقصود من الخطبة) علة لإيجاب الوصية بالتقوى، وكان الأولى أن يقدمها على قوله: ولا يتعين لفظها، كما في التحفة.
(قوله: فلا يكفي الخ) مفرع على اشتراط الوصية بالتقوى، وإنما لم يكف ذلك لأنه معلوم حتى عند الكافر.
(وقوله: وذكر الموت) بالجر معطوف على التحذير، أي ولا يكفي مجرد ذكر الموت.
(وقوله: وما فيه) معطوف على الموت، وضمير فيه يعود عليه.
(قوله: قال ابن الرفعة يكفي فيها) أي الوصية بالتقوى.
(وقوله: ما إلخ) أي صيغت اشتملت على الأمر بالاستعداد للموت، بأن يقال: استعدوا أو تأهبوا للموت.
وذلك لأن الاستعداد له إنما يكون بفعل الطاعات وترك المحرمات، فالأمر به يستلزم الحث على طاعة الله والزجر عن معصية الله، بخلاف ذكر الموت، وما فيه من الفظاعة والألم، فإنه لا يكفي فيها، لأنه لا يفيد حثا على الطاعة، ولا زجرا عن المعصية.
(واعلم) أن التقوى عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه، ظاهرا وباطنا، مع استشعار التعظيم لله، والهيبة والخشية والرهبة من الله، وهي وصية الله رب العالمين للأولين والآخرين.
قال الله تعالى: * (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) * (1) فما من خير عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن، إلا والتقوى سبيل موصل إليه ووسيلة مبلغة له.
وما من شر عاجل ولا آجل، ظاهر ولا باطن إلا والتقوى حرز حريز وحصن حصين للسلامة منه، والنجاة من ضرره.
وكم علق الله العظيم في كتابه العزيز على التقوى من خيرات عظيمة وسعادات جسيمة، رزقنا الله التقوى والاستقامة، وأعاذنا من موجبات الندامة، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المظلل بالغمامة.
(قوله: ويشترط أن يأتي الخ) أي لأن كل خطبة مستقلة ومنفصلة.
(وقوله: بكل من الأركان الثلاثة) وهي الحمدلة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والوصية بالتقوى.
(وقوله: فيهما) متعلق بيأتي.
(ويندب أن يرتب الخطيب الخ) وإنما لم يجب لحصول المقصود بدونه وقال بالوجوب الرافعي والماوردي وقوله وما بعدها أي وما بعد الأركان الثلاثة من القراءة والدعاء (قوله بأن يأتي إلخ) تصوير للترتيب (قوله أو لا) لو حذفه ما ضره (قوله: فبالقراءة) أي فيأتي بالقراءة، ولو حذف الباء هنا وفيما بعد لكان أخصر.
(قوله: ورابعها) أي أركان الخطبتين.
(قوله: قراءة آية) أي سواء كانت وعدا، أم وعيدا، أم حكما، أم قصة.
ومثلها بعض آية طويلة - على ما قاله الإمام واعتمده م ر - وخالف في التحفة - فقال: لا يكتفي ببعض آية وإن طال.
(وقوله: مفهمة) أي معنى مقصودا كالوعد والوعيد.
وخرج به ثم نظر أو ثم عبس لعدم الإفهام، وإنما اشترط الإفهام هنا، لأن المقصود الوعظ، بخلاف العاجز عن الفاتحة: لا يشترط في الإتيان ببدلها الإفهام، بل إذا حفظ آية غير مفهمة - ولو منسوخة الحكم فقط دون التلاوة - كفت قراءتها.
وفي سم: هل تجزئ الآية مع لحن يغير المعنى؟ فيه نظر.
وقد يتجه عدم الإجزاء، والتفصيل بين عاجز انحصر الأمر فيه وغيره اه.
(قوله: في إحداهما) أي لثبوت أصل القراءة من غير تعيين محلها، فدل على الاكتفاء بها في إحداهما.
اه.
تحفة.
(قوله: وفي الأولى أولى) أي وكون قراءة الآية في الخطبة الأولى، أي بعد فراغها، أولى من كونها في الخطبة الثانية، لتكون في
__________
(1) النساء: 131(2/78)
مقابلة الدعاء للمؤمنين في الثانية.
(قوله: وتسن بعد فراغها إلخ) أي وتسن بعد فراغ الخطبة قراءة سورة ق وصنيعه يقتضي أن قراءة ق تسن زيادة على الآية، وليس كذلك، بل هي بدل عن الآية، كما نص عليه ع ش.
وعبارة الروض وشرحه: ويستحب قراءة ق في الخطبة الأولى، للاتباع.
رواه مسلم.
ولاشتمالها على أنواع المواعظ.
قال
البندنيجي: فإن أبى قرأ: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا) * (1) الآية.
قال الأذرعي: وتكون القراءة بعد فراغ الأولى.
اه.
(قوله: للاتباع) رواه مسلم.
قال في شرحه: فيه دليل على ندب قراءتها أو بعضها في خطبة كل جمعة، ولا يشترط رضا الحاضرين، كما لم يشترطوه في قراءة الجمعة، والمنافقين في الصلاة، وإن كانت السنة التخفيف.
اه.
نهاية.
(قوله: وخامسها) أي أركان الخطبتين.
(قوله: دعاء أخروي) فلا يكفي الدنيوي، ولو لم يحفظ الأخروي، وقال الأطفيحي: إن الدنيوي يكفي، حيث لم يحفظ الأخروي، قياسا على ما تقدم في العجز عن الفاتحة، بل ما هنا أولى.
(قوله: للمؤمنين) أي خصوصا كالحاضرين، أو عموما ولو لجميع المسلمين، ما لم يرد جميع ذنوبهم، وإلا امتنع لوجوب اعتقاد دخول طائفة من عصاة المؤمنين النار، وما ذكر ينافيه.
(قوله: وإن لم يتعرض للمؤمنات) أي يكفي الدعاء للمؤمنين، وإن لم يصرح بالمؤمنات، وذلك لأن المراد بهم الجنس الشامل لهن.
وكتب ابن قاسم ما نصه: قوله لأن المراد الجنس.
الظاهر أن المراد بيان الأكمل، وأنه يجوز إرادة الذكور فقط، وإن حضر الإناث.
ثم رأيت ما في الحاشية الأخرى وهو وجوب الدعاء للمؤمنات أيضا، لكن إن كان شرطا لصحة الخطبة خالف قولهم يكفي تخصيصه بالسامعين، فإنه شامل لما إذا تمحضوا ذكورا.
فليحرر.
اه.
(قوله: خلافا للأذرعي) أي في قوله يجب التعرض لهن أيضا.
وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: قال الأذرعي: وظاهر نص المختصر يفهم إيجابه لهما، أي إيجاب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
وجرى عليه كثيرون وعددهم.
ثم أخذ من بعض العبارات أنه يجب التعرض للمؤمنات، وإن لم يحضرن.
اه.
(قوله: ولو بقوله رحمهم الله) أي أن الدعاء الواجب يكتفي فيه بأي صيغة كانت، ولو بقوله رحمكم الله، إذ القصد ما يقع عليه اسم الدعاء.
وعبارة التحفة: ويكفي تخصيصه بالسامعين.
كرحمكم الله وظاهر أنه لا يكفي تخصيصه بالغائبين.
اه.
أي كرحمهم الله تعالى.
(قوله: وكذا) هو وما بعده متعلق بمحذوف، أي وكذا يكفي الدعاء بنحو: اللهم أجرنا من النار.
(وقوله: إن قصد تخصيص الحاضرين) أي بقوله اللهم أجرنا من النار.
فهو قيد له، وإنما أتى به لان لفظ نا فية مشترك، يطلق على الواحد المعظم نفسه، وعلى المتعدد، فإذا لاحظ به الحاضرين أجزأ، وإن لاحظ به نفسه فقط لا يجزئ، لأنه لا بد من أن يقصد بدعائه أربعين فأكثر، فلو قصد به دون أربعين: لا يكفي كما لو قصد به الغائبين، كأن قال: رحمهم الله، كما مر.
وفي سم: لو خص بالدعاء أربعين من الحاضرين فينبغي الإجزاء.
وعليه: فلو انصرفوا من غير صلاة وهناك أربعون سامعون، فهل تصح إقامة الجمعة بهم؟ ينبغي الصحة، لأن الخطبة صحت، ولا يضر انصراف المخصوصين بالدعاء من غير صلاة.
اه.
(قوله: في خطبة ثانية) متعلق بمحذوف صفة لدعاء.
(قوله: لاتباع
السلف والخلف) دليل لوجوب الدعاء في الخطبة الثانية.
قال ش ق: والمراد بالسلف: الصحابة، وبالخلف: من بعدهم من التابعين، وتابعيهم.
اه.
(قوله: والدعاء للسلطان) مبتدأ، خبره لا يسن.
(وقوله: بخصوصه) أي بعينه، كاللهم ارحم مولانا السلطان عبد الحميد.
وخرج بخصوصه ما إذا دعا له بخصوصه، بل مع غيره، كالدعاء لأئمة المسلمين، وولاة أمورهم وهو منهم، فإنه يسن كما سيصرح به.
(قوله: إلا مع خشية فتنة) أي خوفها، ولا يشترط فيه غلبة الظن، بل يكفي أصله.
(قوله: فيجب) أي الدعاء له بخصوصه.
والمناسب أن يقول: فيسن.
ثم يضرب عنه
__________
(1) الاحزاب 70(2/79)
إضرابا انتقاليا ويقول: بل يجب.
(قوله: ومع عدمها) أي الفتنة.
(وقوله: لا بأس به) يستفاد منه أنه مباح.
كذا في البجيرمي، وش ق.
وقال سم: أنه مع ذلك مكروه.
(قوله: حيث لا مجارفة) أي مبالغة وخروجا عن الحد، كالعادل المعطى كل ذي حق حقه، الذي لا يظلم، فإن وجدت المجازفة يكون مكروها، إن كان أصل الوصف فيه، وإلا حرم، كما يستفاد من قوله بعد: ولا يجوز إلخ.
(قوله: وصفه بصفة كاذبة) أي كالسلطان الغازي، والحال أنه لم يغز أصلا.
(قوله: إلا لضرورة) أي إلا إذا لم يصفه بتلك الصفة الكاذبة يحصل به ضرر، أي أو تحدث فتنة، فيكون لا بأس به.
(والحاصل) لا بأس بالدعاء للسلطان بعينه، بلا مجازفة.
أما معها فيكره، إذا كان أصل الوصف فيه، وإلا حرم إن لم يترتب على عدم الإتيان به محذور، وإلا فلا بأس به.
لكن يستعمل التورية فيه.
(قوله: ويسن الدعاء لولاة الصحابة قطعا) أي على التعيين أو على الإجمال.
وقول الشافعي - رضي الله عنه - لا يدعو الخطيب في الخطبة لأحد بعينه، يخص بغير الصحابة.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: وأما حكم الترضي عن الصحابة في الخطبة فلا بأس به، سواء أذكر أفاضلهم بأسمائهم - كما هو المعروف الآن - أم أجملهم.
وأما قول الشافعي لا يدعو في الخطبة لأحد بعينه فإن فعل ذلك كرهته فيحمل على ذكر من لا فائدة في ذكره، كالدعاء للسلطان مع المجازفة في وصفه بلا ضرورة، بخلاف ما إذا لم يجازف، لأن أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - دعا في خطبته لعمر رضي الله عنه، فأنكر عليه البداءة بعمر قبل البداءة بأبي بكر، ورفع ذلك إلى عمر، فقال للمنكر: أنت أزكى منه وأرشد.
وأخرج أبو نعيم وابن عباس - رضي الله عنهما - كأن يقول على منبر البصرة: اللهم أصلح عبدك وخليفتك عليا أهل الحق أمير المؤمنين.
وأما التأمين على ذلك جهرا فالأولى تركه لأنه يمنع الاستماع، ويشوش على الحاضرين من غير ضرورة ولا حاجة إليه.
وأما ما أطبق الناس عليه من التأمين جهرا - سيما مع المبالغة - فهو من البدع القبيحة المذمومة، فينبغي تركه اه.
بجذف.
(قوله: وكذا لولاة
المسلمين) أي وكذا يسن الدعاء لهم، أي لبقيتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تشغلوا قلوبكم بسب الملوك، ولكن تقربوا إلى الله تعالى بالدعاء لهم، يعطف الله قلوبهم عليكم.
رواه البخاري عن عائشة.
وقال الحسن البصري - رضي الله عنه -: لو علمت لي دعوة مستجابة لخصصت بها السلطان، فإن خيره عام، وخير غيره خاص.
(قوله: وذكر المناقب) أي ذكر مناقب الولاة، أي صفاتهم الحسنة.
(وقوله: لا يقطع الولاء) أي الذي يشترط بين الأركان، وبينها وبين الصلاة.
(قوله: ما لم يعد به) أي بذكر المناقب معرضا، فإن عد به معرضا عنها يكون قاطعا للولاء.
(قوله: وفي التوسط يشترط أن لا يطيله) أي الدعاء المعلوم من المقام، وصرح به في التحفة وعبارتها.
وصرح القاضي - في الدعاء لولاة الأمر - بأن محله ما لم يقطع نظم الخطبة عرفا، وفي التوسط يشترط أن لا يطيله إطالة تقطع الموالاة، كما يفعله كثير من الخطباء الجهال.
اه.
(وقوله: إطالة تقطع الموالاة) وهي التي تكون بمقدار ركعتين بأقل مجزئ - كما سيأتي - وحينئذ يستأنف أركانها.
(قوله: ولا شك في ترك فرض من الخطبة) أي الأولى أو الثانية.
(وقوله: بعد إلخ) متعلق بشك.
(وقوله: فراغها) أي الخطبة.
والمراد الثانية، فلو شك في الجلوس بينهما أو في أثناء الثانية بأنه ترك ركنا من الأولى أثر.
قال ع ش: لو علم ترك ركن ولم يدر هل هو من الأولى أو من الثانية، هل يجب إعادتها أم إعادة الثانية فقط؟ فيه نظر.
والأقرب أنه يجلس، ثم يأتي بالخطبة الثانية الخ.
اه.
(قوله: لم يؤثر كما لا يؤثر الشك الخ) قال سم: قياس ما ذكر أيضا تأثير الشك في أثنائها، وأنه لا يرجح لقول غيره، وإن كثر إلا إن بلغ حد التواتر، وهذا ظاهر في الخطيب.
فلو شك الأربعون - أو بعضهم - في ترك الخطيب شيئا من فروضها في أثنائها فهل يؤثر؟ فيه نظر.
وظاهر صنيعهم أنه لا يؤثر الخ.
اه.
((2/80)
قوله: وشرط فيهما الخ) لما فرغ من بيان أركان الخطبتين شرع في بيان شروطهما، وهي اثنا عشر، ذكر منها سبعة: الإسماع، وكونها عربية، وقيام قادر، وطهر وستر، وجلوس بينهما، وولاء.
وبقي منها خمسة لم يذكرها، وهي: السماع، وكون الخطيب ذكرا، ووقوعها في خطة أبنية، وكونها بعد الزوال، وقبل صلاة.
ويمكن أن يقال أن الشرطين الأخيرين يعلمان ضمنا من قوله وقوعها بعد خطبتين بعد زوال، وأن الشرط الأول - وهو السماع - لازم للإسماع، إذ المراد منه الإسماع بالفعل، ولا حاجة لعدة شرطا مستقلا.
ولكن يبقى عليه عدم عده الشرطين الباقيين، إلا أن يقال أنه يلزم من جعهلما شرطين لصحة الجمعة أن يكونا شرطين للخطبة.
(قوله: إسماع أربعين) أي بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون، فلا بد من الإسماع والسماع بالفعل، لا بالقوة، عند ابن حجر.
وخالف الجمال الرملي - تبعا لوالده - فقال: يكفي الإسماع والسماع بالقوة لا بالفعل، قال إذ لو كان سماعهم واجبا لكان الإنصات متحتما.
اه.
ومعنى قوله بالقوة: أن يكون الخطيب يرفع صوته بحيث لو أصغوا إليه لسمعوا فعليه، لو وجد عارض لغط، أو اشتغل بعضهم عن السماع بتحدث مع جليسه لا يؤثر، وعلى الأول يؤثر.
(قوله: أي تسعة وثلاثين سواه) تفسير للأربعين، أي أن المراد من الأربعين الذي يجب إسماعهم تسعة وثلاثون غير نفسه، فيكون هو متمم الأربعين، لا زائدا عليهم.
ومفهوم ذلك أنه يجب إسماعه نفسه أيضا كالتسعة والثلاثين.
وهذا قول ضعيف.
والمعتمد أنه لا يجب إسماع نفسه.
وجزم به في التحفة، وعبارتها مع الأصل: وإسماع أربعين - أي تسعة وثلاثين - وهو لا يشترط إسماعه ولا سماعه، لأنه وإن كان أصم يفهم ما يقول.
اه.
ولو حذف لفظ سواه لكان أولى، ليكون جاريا على ما جرى عليه شيخه، وعليه يكون التفسير تفسير مراد للأربعين، ويكون في تعبيره بالأربعين تسمح الجمعة قوله فمن تنعقد بهم الجمعة) بيان للأربعين.
(قوله: الأركان) مفعول ثان لإسماع.
(قوله: لا جميع الخطبة) أي لا يشترط إسماعهم جميع الخطبة، فلو أسر في غير الأركان صحت الخطبة، فالإسماع ليس شرطا، إلا في الأركان.
ومثله سائر الشروط، فهي إنما تعتبر في الأركان خاصة.
فلو انكشفت عورته، أو جلس في غير الأركان لم يؤثر.
(قوله: قال شيخنا) عبارته: ويعتبر على الأصح عند الشيخين وغيرهما سماعهم لها بالفعل، لا بالقوة، فلا تجب الجمعة على أربعين الخ.
اه.
إذا علمت ذلك تعلم أن الشارح أسقط من العبارة المذكورة فاء التفريع وما يتفرع عليه.
(قوله: لا تجب الجمعة على أربعين إلخ) أي لفقدهم شرطا من شروط الخطبة، وهو السماع.
وكما لا تجب عليهم لا تنعقد بهم، لما ذكر.
(وقوله: بعضهم أصم) أي غير الخطيب، لما علمت أن المعتمد أنه لا يشترط إسماع نفسه، لأنه يفهم ما يقول.
(قوله: ولا تصح) فاعله يعود على الجمعة، وإنما لم تصح لعدم صحة الخطبة، لفقد شرط من شروطها، وهو السماع بالفعل.
ويحتمل عود الفاعل على الخطبة.
ويلزم عن عدم صحتها عدم صحة الجمعة، لكن عليه يلزم الإظهار في مقام الإضمار في قوله بعد: يمنع سماع ركن الخطبة.
(قوله: مع وجود لغط) هو بفتحتين، اختلاط الأصوات مع رفعها.
(وقوله: يمنع) أي ذلك اللغط.
(وقوله: مع سماع ركن الخطبة) أي سماعهم ركنا من أركانها.
(قوله: على المعتمد فيهما) أي في الصورتين، وهما عدم وجوبها على أربعين بعضهم أصم، لكن غير الخطيب، كما علمت.
وعدم صحتها مع وجود لغط يمنع سماع ركن من أركان الخطبة.
(قوله: وإن خالف فيه) أي في اعتبار السماع بالفعل المعلوم من عبارة التحفة المارة آنفا.
(وقوله: فلم يشترطوا إلا الحضور) أي حضورهم موضع الخطبة، أي وإن لم يسمعوا بالفعل لبعد، أو نوم، أو لغط.
(قوله:
وعليه) أي على اشتراط الحضور فقط.
(قوله: ولا يشترط الخ) مرتبط بالمتن.
(وقوله: كونهم) أي الأربعين الذين يسمعون الخطبة.
(وقوله: بمحل الصلاة) فلو كانوا خارج المسجد والخطيب فيه وسمعوا الخطبة من خارجة كفى.(2/81)
(قوله: ولا فهمهم لما يسمعونه) أي ولا يشترط ذلك، كما لا يشترط فهم الفاتحة في الصلاة، ولا يشترط أيضا طهرهم، ولا سترهم.
(قوله: وشرط فيهما) أي في الخطبتين.
والمراد أركانهما، كما في التحفة، وعبارتها مع الأصل: ويشترط كونها - أي الأركان - دون ما عداها عربية الخ.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله دون ما عداها: يفيد أن كون ما عدا الأركان من توابعها بغير العربية لا يكون مانعا من الموالاة.
اه.
قال ع ش: ويفرق بينه وبين السكوت بأن في السكوت إعراضا عن الخطبة بالكلية، بخلاف غير العربي، فإن فيه وعظا في الجملة، فلا يخرج بذلك عن كونه في الخطبة.
اه.
(قوله: لاتباع السلف والخلف) تعليل لاشتراط كونهما بالعربية، أي شرط ذلك لاتباع السلف والخلف، أي لوجوب اتباعهم أو المراد لفعل السلف والخلف المتبع، فهو على تقدير مضاف فقط على الأول، ومع تأويل المصدر بمعنى اسم المفعول على الثاني.
وإنما احتيج إلى ذلك لأجل أن تصح العلة.
ومر أن السلف هم الصحابة، وعم الخلف من عداهم.
وذكر في النهاية العلة المذكورة، وزاد: ولأنها ذكر مفروض، فاشترط فيها ذلك، كتكبيرة الإحرام.
(قوله: وفائدتها الخ) مرتبط بمحذوف ملاحظ بعد قوله عربية.
أي وشرط فيها عربية، وإن كانوا كلهم عجما.
وفائدتها حينئذ مع عدم معرفتهم لها علمهم بأن ما يقوله الخطيب وعظا.
(وقوله: في الجملة) أي بالإجمال، وإن لم يعلم عين الموعوظ به.
(قوله: قاله القاضي) عبارة النهاية وأجاب القاضي عن سؤال: ما فائدة الخطبة بالعربية إذا لم يعرفها القوم؟ بأن فائدتها العلم بالوعظ من حيث الجملة.
اه.
(قوله: وإن لم يمكن الخ) هذا استدراك من اشتراط العربية.
وصرح في التحفة - قبل إن الشرطية - بأداة الاستدراك.
(قوله: قبل ضيق الوقت) متعلق بتعلم، وذلك بأن لم يمكن تعلمها أصلا لبلادتهم، أو أمكن لكن بعد ضيق الوقت بأن لم يبق منه إلا مقدار ما يسع الصلاة والخطبة، فالنفي راجع للمقيد مع قيده، أو إلى القيد فقط.
(قوله: خطب إلخ) هذا ظاهر بالنسبة لما عدا الآية من الأركان.
أما هي ففيه نظر، لما تقرر في باب الصلاة من أن القرآن لا يترجم عنه.
فلينظر ماذا يفعل حينئذ؟.
اه.
سم.
(وقوله: بلسانهم) أي بلغتهم، ومفاده أنه لا يخطب بلغته، وهو خلاف ما في النهاية، ونصها: خطب واحد منهم بلغته وإن لم يعرفها القوم.
اه.
ومثلها المغني.
(قوله: وإن أمكن تعلمها) أي تعلم الخطبة بالعربية قبل ضيق الوقت.
قال ع ش: أي ولو بالسفر إلى ما فوق مسافة القصر - كما يعلم مما
تقدم في تكبيرة الإحرام -.
اه.
(قوله: وجب) أي تعلمها.
(وقوله: على كل على الكفاية) أي على سبيل فرض الكفاية، فيكفي في تعلمها واحد، فإن مضت مدة إمكان تعلم واحد منهم ولم يتعلم عصوا كلهم، ولا جمعة عليهم، بل يصلون ظهرا.
(قوله: وقيام قادر) معطوف على إسماع أربعين، أي وشرط فيهما قيام قادر.
(وقوله: عليه) متعلق بقادر، أي قادر على القيام، فإن عجز عنه خطب قاعدا، ثم مضطجعا - كالصلاة - ويصح الاقتداء به، وإن لم يقل لا أستطيع، لان الظاهر أنه فعل ذلك لعجزه، والأولى له أن يستنيب، فإن بان أنه كان قادرا فلا يؤثر، كإمام بان محدثا.
(قوله: وطهر) معطوف على إسماع أيضا.
أي وشرط فيهما طهر، فلو أحدث في الخطبة استأنفها، وإن سبقه الحدث وقصر الفصل، لأنها عبادة واحدة، فلا تؤدى بطهارتين كالصلاة، ومن ثم لو أحدث بعد الخطبة وقبل الصلاة وتطهر عن قرب لم يضر، لأنها مع الصلاة عبادتان مستقلتان كما في الجمع بين الصلاتين ولو أحدث في أثناء الخطبة واستخلف من حضر، جاز للثاني البناء على خطبة الأول.
(وقوله: من حدث) متعلق بطهر.
(قوله: وعن نجس غير معفو عنه) معطوف على من حدث.
وعن بمعنى من.
أي وطهر من نجاسة غير معفو عنها.
أما المعفو عنها، كقليل دم أجنبي، وكدم براغيث، وغير ذلك - مما مر في مبحث النجاسات - فلا تضر.
(قوله: في ثوبه الخ) متعلق بمحذوف، صفة ثانية لنجس، أي نجس كائن في ثوبه إلخ.
(وقوله: وبدنه ومكانه) الواو فيهما بمعنى أو - مانعه الخلو - والمراد بالمكان: المنبر مثلا، فلا تصح(2/82)
الخطبة مع قبض حرفه وعليه نجاسة تحت يده - كذرق الطير، وكالعاج الملصوق على المنابر - قال البجيرمي: والمعتمد الصحة إذا كان في جانب المنبر نجاسة ليست تحت يد القابض، سواء كان المنبر ينجر بجره أم لا، لأن علوه عليه مانع من جره عادة.
اه.
وكذا يشترط طهارة كل ما يتصل به كسيف وعكازة.
(قوله: وستر للعورة) أي وشرط فيهما ستر للعورة للاتباع، وكما في الصلاة.
قال في التحفة: وإن قلنا بالأصح أنها - أي الخطبة - ليست بدلا عن ركعتين لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي عقب الخطبة.
فالظاهر أنه كان يخطب وهو متطهر مستور.
اه.
قال ع ش: وهل يعتبر ذلك في الأركان وغيرها، حتى لو انكشفت عورته في غير الأركان بطلت خطبته أولا؟ فيه نظر.
والأقرب الثاني.
ومثله: ما لو أحدث بين الأركان وأتى مع حدثه بشئ من توابع الخطبة، ثم استخلف عن قرب، فلا يضر في خطبته ما أتى به من غير الأركان مع الحدث، فجميع الشروط التي ذكرها إنما تعتبر في الأركان خاصة.
اه.
(قوله: وشرط جلوس إلخ) المناسب فيه وفي قوله المار وشرط فيهما عربية: أن لا يظهر العامل، أو يظهره في جميع المعاطيف.
(وقوله: بينهما) أي الخطبتين، وذلك للاتباع.
رواه مسلم.
فلو تركه لم تصح خطبته، ولو سهوا، إذ الشروط يضر الإخلال بها، ولو مع السهو.
قال سم: وظاهر أنه لا يكفي عنه نحو الاضطجاع، ويؤيده الاتباع.
(فإن قيل) ما الحكمة في جعل القيام والجلوس هنا شرطين، وفي الصلاة ركنين؟ (أجيب) بأن الخطبة ليست إلا الذكر والوعظ، ولا ريب أن القيام والجلوس ليسا بجزأين منها، بخلاف الصلاة فإنها جملة أعمال، وهي كما تكون أذكارا تكون غير أذكار.
وخالف الأئمة الثلاثة - رضي الله عنهم - في عد الجلوس شرطا، وقالوا أنه ليس بشرط.
(قوله: بطمأنيته) أي مع طمأنينة.
(وقوله: فيه) أي الجلوس.
(قوله: وسن أن يكون) أي الجلوس.
(قوله: وأن يقرأها فيه) أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص في الجلوس المذكور.
(قوله: ومن خطب قاعدا لعذر) أي أو قائما لم يقدر على الجلوس.
(قوله: فصل الخ) جواب من الشرطية.
(وقوله: بينهما) أي الخطبتين.
(وقوله: بسكتة) أي فوق سكتة التنفس والعي.
وعبارة سم: قوله بسكته: قال في شرح العباب: ليحصل الفصل.
ويؤخذ منه أنه يشترط أدنى زيادة في السكوت على سكتة التنفس والعي.
اه.
(قوله: وفي الجواهر: لو لم يجلس) أي الخطيب بين الخطبتين.
وعبارة شرح العباب: ولو وصلهما حسبتا واحدة.
وهي أولى، لصدقها بما إذا خطب قاعدا لعذر ولم يفصل بينهما بسكتة فإنها تحسب واحدة.
(قوله: ويأتي بثالثة) أي باعتبار الصورة، وإلا فهي الثانية، لأن التي كانت ثانية صارت بعضا من الأولى.
اه.
تحفة.
(قوله: وولاء) أي وشرط ولاء للاتباع، ولأن له أثرا ظاهرا في استمالة القلوب.
(وقوله: بينهما) أي بين الخطبة الأولى والخطبة الثانية.
(وقوله: وبين أركانهما) أي وشرط ولاء بين أركان كل من الخطبتين.
(وقوله: وبينهما وبين الصلاة) أي وشرط ولاء بين مجموع الخطبتين والصلاة.
(والحاصل) الولاء معتبر في ثلاثة مواضع: الأول بين الخطبتين، فلا يطيل الفصل بينهما.
والثاني بين أركانهما.
والثالث بينهما وبين الصلاة.
فلا يطيل الفصل بين الثانية منهما وبين الصلاة.
(قوله: أن لا يفصل) أي الخطيب، وهو تصوير للولاء.
(وقوله: طويلا) صفة لموصوف محذوف منصوب على المفعولية المطلقة، أو على أنه بإسقاط الخافض، أي فصلا طويلا، أو بفاصل طويل.
ولا بد أن يكون لا تعلق له بالخطبة، فإن فصل بما له تعلق بها لم يضر، فلا يقطع الموالاة الوعظ وإن طال، وكذا قراءة وإن طالت حيث تضمنت وعظا، خلافا لمن أطلق القطع بها فإنه غفلة عن كونه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في خطبته ق كما تقدم.
(وقوله: عرفا) أي في العرف، أي أن المعتبر في ضابط الطول العرف.
(قوله: وسيأتي) أي في تتمة يجوز لمسافر إلخ، وفيه أنه لم يصرح بما ذكر فيما يأتي، كما يعلم بالوقوف على عبارته ونصها: وولاء عرفا، فلا يضر فصل يسير بأن كان دون قدر ركعتين إلا أن يقال إن المراد بطريق المفهوم، فلا إشكال، لأنه يفهم أنه يضر الفصل بقدر ركعتين.
(قوله:
بين المجموعتين) أي الصلاتين المجموعتين جمع تقديم.
(وقوله: بفعل ركعتين) خبر أن.
أي كائن بفعل ركعتين.(2/83)
(وقوله: بل بأقل مجزئ) إضراب انتقالي، أي بل يحصل اختلال الموالاة بركعتين بأقل مجزئ، بأن يقتصر فيهما على الأركان.
ويوجد في بعض نسخ الخط إسقاط بل، وهو الموافق لما في التحفة، فهو أولى.
(قوله: فلا يبعد الضبط بهذا) أي بما سيأتي من أن الموالاة تختل - أي تنقطع - بفعل ركعتين.
(قوله: هنا) أي في الخطبة.
(والحاصل) الذي يخل في المجوعتين يخل هنا، والذي لا يخل هناك لا يخل هنا، وذلك لأنهم صرحوا بأن الخطبة والصلاة مشبهتان بصلاتي الجمع.
(قوله: ويكون بيانا للعرف) أي ويكون الضبط بهذا بيانا للعرف في عبارة من عبر به، أي فالمراد بالطول في العرف، أن يكون بمقدار ركعتين.
(قوله: وسن الخ) لما فرغ من بيان ما لا بد منه في الجمعة شرع في بيان ما يطلب لها من الآداب.
(وقوله: لمريدها) أي لمريد حضورها، وإن لم تلزمه، بأن كان امرأة، أو رقيقا، أو مسافرا.
وقيل يسن الغسل لكل أحد، وإن لم يرد الحضور.
(قوله: غسل) أي لخبر: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل وخبر: من أتى الجمعة - من الرجال والنساء - فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل.
وخبر غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وحق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما.
زاد النسائي: هو يوم الجمعة.
وصرف هذه الأحاديث من الوجوب خبر: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل.
رواه الترمذي وحسنه وقوله فيها: أي فبالسنة أخذ.
أي بما جوزته من الوضوء مقتصرا عليه.
ونعمت الخصلة أو الفعلة، والغسل معها أفضل.
وخبر: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فدنا، واستمع، وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام.
وفي الصحيحين: أن عثمان دخل وعمر يخطب فقال: ما بال رجال يتأخرون عن النداء؟ فقال عثمان: يا أمير المؤمنين، ما زدت حين سمعت النداء أن توضأت ثم جئت.
فقال عمر: والوضوء أيضا؟ ألم تسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل.
(فائدة) عن ابن عمر وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن تحت العرش مدينة - وقال القرطبي في تفسيره سبعين مدينة - مثل الدنيا سبعين مرة، مملوءة من الملائكة كلهم يقولون: اللهم اغفر لمن اغتسل يوم الجمعة وأتى الجمعة.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الغسل يوم الجمعة ليسل الخطايا من أصول الشعر استلالا.
رواه الطبراني.
(قوله: بتعميم إلخ) تصوير للغسل بأقل مجزئ، وأكمله ما مر بيانه في مبحث الغسل، وينوي به غسل الجمعة،
فيضيفه إلى سببه كسائر الأغسال المسنونة، ويندب الوضوء له كسائرها، ويطلب التيمم بدلا عن هذا الوضوء، إن عجز عن مائه.
(قوله: فإن عجز) أي عن الماء، حسا أو شرعا.
(وقوله: سن تيمم) أي بدل الغسل.
ويكفي تيمم واحد عنه وعن الوضوء المطلوب قبل الغسل إن نواهما به.
وإنما قام التيمم مقام الغسل لأن المقصود منه العبادة والنظافة، فإذا فاتت هذه بقيت العبادة.
وتوقف حجر في كراهة تركه.
لكن قال ع ش: الأقرب الكراهة، إعطاء للبدل حكم المبدل منه.
(قوله: بنية الغسل) ظاهر صنيعه انه متعلق بتيمم.
أي سن تيمم بنية الغسل، أي أنه بدل عن غسل، فيقول: نويت التيمم بدلا عن غسل الجمعة، ولا يكفي نويت التيمم عن الغسل لعدم ذكر السبب - كسائر الأغسال المسنونة -.
ويكفي: نويت التيمم لطهر الجمعة، أو للجمعة، أو للصلاة، أو عن غسل الجمعة - وإن لم يلاحظ البدلية - ويحتمل تعلقه به وبقوله وسن غسل، أي وسن غسل للجمعة بنيته، وهذا هو الأقرب.
(قوله: بعد طلوع فجر) الظرف متعلق بغسل، وهو بيان لوقت الغسل.
أي وقت الغسل كائن بعد طلوع فجر، أي صادق، فلا يجزئ قبله، لأن الأخبار علقته باليوم، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى.
الحديث.
وقيل وقته من نصف الليل، كالعيد، والفرق ظاهر، لبقاء أثره إلى صلاة العيد، لقرب الزمن، ولا كذلك الجمعة.
ويخرج الوقت المذكور باليأس من فعلها، ويحصل بالفراغ من الصلاة، لا قبله، لاحتمال نسيان الإمام ركنا منها، فيتداركه، فيدرك معه الجمعة بإدراك ركعة منها.
(قوله: وينبغي الخ) الأولى تأخيره عن قوله وآكدها غسل الجمعة ويستغني عن قوله بعد وكذا إلخ.
والظاهر أن المراد بالانبغاء الوجوب.(2/84)
(قوله: خشي منه مفطرا) أي خاف من الغسل مفطرا، بأن يسبق الماء إلى جوفه فيفطر به.
(وقوله: تركه) أي الغسل، وهو فاعل ينبغي.
(قوله: وكذا سائر الأغسال المسنونة) أي وكذلك ينبغي تركها للصائم إذا خشي منها مفطرا.
وخرج بالأغسال المسنونة الأغسال الواجبة، فلا يتركها إذا خشي منها ذلك.
فلو اغتسل وسبقه الماء إلى جوفه، لا يفطر، بخلافه في الأغسال المسنونة، فإنه يفطر، كما سيصرح به في باب الصوم.
(قوله: وقربه من ذهابه إليها أفضل) أي إن قرب الغسل من الذهاب إلى الجمعة أفضل، أي من الغسل بعد طلوع الفجر، وإن كان يحصل به أصل السنة، لأنه أبلغ في المقصود من انتفاء الرائحة الكريهة.
(قوله: ولو تعارض الغسل والتبكير) أي إلى الجمعة، بأن كان لو اغتسل فات التبكير، ولو بكر فات الغسل.
(قوله: فمراعاة الغسل أولى) أي من التبكير، لكن محله حيث من الفوات، وقيل: إن كان بجسده ريح كريهة اغتسل، وإلا بكر.
(قوله: للخلاف في وجوبه) أي الغسل، ولتعدي نفعه للغير، بخلاف التبكير، ولا
يبطله حدث ولا جنابة.
سم.
(قوله: ومن ثم، كره تركه) أي ومن أجل أن في وجوبه خلافا كره تركه، مراعاة له.
(قوله: ومن الأغسال المسنونة إلخ) ذكرها هنا استطرادا، وأفاد التعبير بمن أنه قد بقيت عليه أغسال أخر مسنونة وهي غسل المجنون، والمغمى عليه، إذا أفاقا ولم يتحقق منهما نحو إنزال مما يوجب الغسل، وإلا وجب عليهما.
والغسل لدخول الحرم، ولحلق العانة، ولبلوغ الصبي بالسن، وينوي المغتسل في جميعها أسبابها، إلا الغسل من جنون أو إغماء فينوي به رفع الجنابة، لقول الشافعي - رضي الله عنه -: قل من جن أو أغمي عليه إلا وأنزل.
فينوي ذلك احتياطا، ويغتفر عدم جزمه بالنية.
(وقوله: إلا وأنزل) هو ظاهر في البالغين، فإن كانا صبيين، فنقل عن الرملي أنهما كذلك لاحتمال أنه أولج فيهما، وقيل إنهما ينويان السبب.
(قوله: غسل العيدين) أي عيد الفطر، وعيد الأضحى.
وهو سنة لكل أحد، سواء أراد الحضور أم لا، وسواء كان حرا أو عبدا، بالغا أو صبيا، وذلك لأنه يراد للزينة.
ويدخل وقته بنصف الليل.
والأفضل فعله بعد الفجر.
ويخرج بالغروب، لأنه للزينة، وهي في اليوم كله، لا للصلاة، وإلا لانتهى بالزوال.
(قوله: والكسوفين) معطوف على العيدين، أي وغسل الكسوفين، أي لصلاة الكسوفين: كسوف الشمس، وخسوف القمر.
ولا يتقيد بحضور الجماعة، بل إذا صلى منفردا سن له.
ويدخل وقته بأول التغير، ويخرج بالانجلاء.
(قوله: والاستسقاء) معطوف أيضا على العيدين، أي وغسل الاستسقاء، أي لصلاة الاستسقاء.
ولا يتقيد بحضور الجماعة أيضا.
ويدخل وقته لمن يريد الصلاة منفردا بإرادة الصلاة ولمن يريدها جماعة باجتماع الناس لها.
(قوله: وأغسال الحج) أي ومن الأغسال المسنونة أغسال الحج، وهي الغسل للإحرام، وللوقوف بعرفة، وللوقوف بمزدلفة، ولرمي الجمار الثلاث في أيام التشريق الثلاث.
ولا يسن الغسل لرمي جمرة العقبة لقربه من غسل الوقوف بمزدلفة، ولهذا لا يسن لكل جمرة.
(قوله: وغسل غاسل الميت) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل لمن غسل ميتا، سواء كان الميت مسلما أم كافرا، وسواء كان الغاسل طاهرا أم لا، كحائض، وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من غسل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ.
رواه الترمذي وحسنه.
ومثل الغسل: التيمم، فيسن لمن يممه الغسل، لأنه مس جسدا خاليا عن الروح، فيحصل له ضعف، والماء يقويه.
ويدخل وقته بالفراغ من غسل الميت، ويخرج بالإعراض عنه.
(قوله: والغسل للاعتكاف) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي من الأغسال المسنونة: الغسل للاعتكاف في المسجد.
(قوله: ولكل ليلة من رمضان) معطوف على الاعتكاف، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل لكل ليلة من رمضان.
قال في النهاية: وقيده الأذرعي بمن يحضر الجماعة، والأوجه الأخذ بإطلاقهم اه.
قال ع ش: ويدخل وقت الغسل
بالغروب، ويخرج بطلوع الفجر.
اه.
ومن الأغسال المسنونة أيضا: الغسل لكل مجمع من مجامع الخير، كمجالس الوعظ، والذكر، والتعليم، والتعلم.
ولا يسن للاجتماع للصلوات الخمس، وإن كان من مجامع الخير، لشدة الحرج(2/85)
والمشقة - كما في النهاية.
(قوله: ولحجامة) معطوف على للاعتكاف أيضا، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل للحجامة، أي بعدها.
ومثلها الفصد.
ولو قال ولنحو حجامة لكان أولى.
والحكمة في سن الغسل لذلك أنه يضعف البدن، والغسل يشده ويقويه.
(قوله: ولتغير الجسد) معطوف أيضا على للاعتكاف، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل عند تغير الجسد، إزالة للرائحة الكريهة.
(قوله: وغسل الخ) معطوف أيضا على غسل العيدين، أي ومن الأغسال المسنونة: الغسل للكافر بعد إسلامه.
وتسميته كافرا بعده باعتبار ما كان.
ولو قال والغسل لإسلام كافر لسلم من ارتكاب التجوز.
ووقته يدخل بالإسلام، ويفوت بطول الزمن أو بالإعراض عنه.
وشمل الكافر إذا أسلم: المرتد.
ولا فرق بين من أسلم استقلالا، ومن أسلم تبعا لأحد أصوله.
أو للسابي، فيأمره الولي بالغسل إن كان مميزا، وإلا غسله.
وكذا السابي المسلم، يأمر مسبيه بذلك.
ويسن له - ولو أنثى - إزالة شعره قبل الغسل إن لم يحدث في كفره حدثا أكبر، وإلا فبعده.
ويستثنى من ذلك نحو لحية رجل - كحاجب - فلا يسن إزالته.
ولا يسن حلق الرأس إلا في الكافر إذا أسلم، وفي المولود، وفي النسك.
وقد حلق - صلى الله عليه وسلم - رأسه أربع مرات في النسك، الأولى في عمرة الحديبية.
والثانية في عمرة القضاء.
والثالثة في الجعرانة.
والرابعة في حجة الوداع.
كما نقل عن الحافظ السخاوي.
وحلق الرأس في غير ذلك مباح، وقيل: بدعة حسنة.
(قوله: للأمر به) أي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قيس بن عاصم بالغسل لما أسلم.
رواه الترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه.
(قوله: ولم يجب) أي الغسل.
فالأمر به محمول على الندب.
(قوله: لأن كثيرين أسلموا) أي ولأن الإسلام ترك معصية، فلم يجب معه غسل، كالتوبة من سائر المعاصي، فإنه لا يجب لها غسل، بل يسن.
(قوله: وهذا الخ) أي ما ذكر من سنية الغسل للإسلام، محله إذا لم يعرض له في حال كفره ما يوجب الغسل كالجنابة، والحيض، والنفاس، كأن بلغ بالسن وأسلم عقب بلوغه.
(وقوله: وإلا) أي بأن عرض له ذلك في حال كفره وجب الغسل.
وظاهر صنيعه أنه لا يطلب الغسل المندوب مع الغسل الواجب عند الجنابة أو الحيض، وليس كذلك، فيجتمع عليه غسلان: أحدهما مندوب، والآخر واجب.
ويحصلان بغسل واحد إن نواهما به، فإن نوى أحدهما حصل فقط، فلا تكفي نية الواجب عن المندوب، ولا عكسه، وإنما لم يسقط عنه غسل نحو الجنابة بالإسلام كالصلاة لقلة المشقة فيه بعدم تعدده،
بخلافها، فإن شأنها ذلك، حتى لو أسلم وعليه نحو صلاة واحدة لم يؤمر بقضائها.
فقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (1) محمول على ما يشق قضاؤه، ولأن إيجاب الغسل عليه ليس مؤاخذة له بما وجب في كفره، بل بما هو حاصل في الإسلام، وهو كونه جنبا.
(قوله: إن اغتسل في الكفر) غاية في وجوب الغسل.
(وقوله: لبطلان نيته) أي الواقعة حال كفره، إذ شرط الاعتداد بها الإسلام.
(قوله: وآكدها غسل الجمعة) أي وآكد الأغسال غسل الجمعة، وذلك لأنه قيل بوجوبه، مع كثرة أحاديثه الصحيحة.
(قوله: ثم من غسل الميت) أي ثم يلي غسل الجمعة، الغسل من غسل الميت.
وتقديم غسل الجمعة عليه هو القول القديم، والجديد بالعكس، ولكن رجح الأول، كما نص عليه في المنهاج، وعبارته: وآكدها غسل غاسل الميت، ثم الجمعة، وعكسه القديم، قلت: القديم هنا أظهر، ورجحه الأكثرون، وأحاديثه صحيحة كثيرة، وليس للجديد حديث صحيح.
والله أعلم.
اه.
ثم يلي غسل الميت ما كثرت أحاديثه، فما اختلف في وجوبه، فما صح حديثه، فما كان نفعه متعديا أو أكثر.
وكذا يقال في مسنونين دليلهما ضعيف، فيقدم منهما ما نفعه أكثر، وهذا الترتيب هو المعتمد.
ومن فوائد ذلك أنه لو أوصى بماء لأولى الناس به قدم من يستعمله للآكد، فالآكد.
(قوله: يسن قضاء غسل الجمعة كسائر الأغسال المسنونة) أي إذا فاتت عليه.
قال ع ش: وانظر بم
__________
(1) الانفال: 38(2/86)
يحصل الفوات للغسل من غسل الميت ونحوه؟ ثم رأيت بهامش نسخة صحيحة من الزيادي ما نصه: نقل شيخنا الزيادي أن شخصا من أهل العلم سأل شيخه الطندتائي عما يخرج به غسل العيد؟ فأجاب بأنه يخرج باليوم، وأما غسل الجمعة فبفوات الجمعة.
ونقل شيخنا المذكور عن بعض مشايخه أن غسل غاسل الميت ينقضي بنية الإعراض عنه، أو بطول الفصل.
اه.
وقد يقال في المجنون والمغمى عليه إنما يفوت الغسل في حقهما بعروض ما يوجب الغسل كجنابة، فإن حكمة طلب غسلهما احتمال الجنابة، وهو موجود، وإن طال زمنه اه.
وما تقرر من قضاء ما ذكر هو ما جرى عليه شيخه حجر.
وقال م ر: لا يقضى، وعبارته: ولو فاتت هذه الأغسال لم تقض، وسئل السبكي - رحمه الله تعالى - هل تقضى الأغسال المسنونة؟ فقال: لم أر فيها نقلا، والظاهر لا، لأنها إن كانت للوقت فقد فات، أو للسبب فقد زال.
اه.
(قوله: وإنما طلب قضاؤه) أي الغسل من حيث هو غسل الجمعة أو غيرها.
ولو قال قضاؤها بتأنيث الضمير العائد إلى الأغسال كلها لكان أولى.
(قوله: لأنه) أي من طلب منه الغسل.
(قوله: أنه يقضي) أي أن الغسل يطلب قضاؤه إذا فاته.
(قوله: دوام) أي من طلب منه، وهو جواب إذا.
(قوله: على أدائه) أي الغسل.
(قوله: وبكور) معطوف على غسل، أي وسن
بكور، وهو مصدر بكر بالتخفيف: كعقد.
قال ابن مالك: وفعل اللازم مثل قعد * * اله فعول باطراد كغدا ومعناه الإسراع إلى المصلى من أول النهار، ويطلق أيضا على الإسراع إلى الشئ في أي وقت كأن.
قال في المصباح: بكر إلى الشئ بكورا، من باب قعد أسرع أي وقت كان، وبكر تبكيرا مثله، وأبكر بكورا فعل ذلك بكرة.
قال ابن فارس.
وقال أبو زيد في كتاب المصادر: بكر بكورا، وغدا غدوا هذان من أول النهار.
اه.
ملخصا.
وفي سم: لو بكر أحد مكرها على التبكير لم يحصل له فضل التبكير فيما يظهر، فلو زال الإكراه حسب له من حينئذ إن قصد الإقامة لأجل الجمعة فيما يظهر.
اه.
(قوله: لغير خطيب) أما هو: فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة، كما سيذكره.
قال في النهاية: ويلحق به سلس البول ونحوه، فلا يندب له التبكير، وإطلاقه يقتضي استحباب التبكير للعجوز إذا استحببنا حضورها، وكذا الخنثى الذي هو في معنى العجوز.
وهو متجه.
اه.
(قوله: إلى المصلى) متعلق ببكور.
ولا فرق فيه بين أن يكون مسجدا أو غيره.
(قوله: من طلوع الفجر) متعلق ببكور أيضا.
قال سم: فلو جاء قبل الفجر لم يثب على ما قبله ثواب التبكير للجمعة فيما يظهر.
اه.
(قوله: لما في الخبر الصحيح الخ) دليل لسنية البكور، والخبر المذكور مروي بالمعنى، وهو في المغني وشرح الروض، ولفظه: على باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، ومن اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة.
فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يسمعون الذكر.
وفي رواية صحيحة: وفي الرابعة دجاجة، وفي الخامسة عصفورا، في السادسة بيضة.
وفي أخرى صحيحة أيضا: وفي الرابعة بطة، وفي الخامسة دجاجة، وفي السادسة بيضة والمراد من ذلك: أن له ثواب بدنة يتقرب بها إلى الله تعالى، وهكذا يقال فيما بعده.
(قوله: أن للجائي الخ) بدل من الخبر الصحيح، بدل كل من كل.
(قوله: بعد اغتساله) متعلق بالجائي.
قال سم: قضية هذا التقييد الوارد في الحديث: توقف حصول البدنة أو غيرها على كون المجئ مسبوقا بالاغتسال، والثواب أمر توقيفي، فيتوقف على الوجه الذي ورد عليه.
(فرع) دخل المسجد في الساعة الأولى، ثم خرج وعاد إليه في الساعة الثانية مثلا فهل له بدنة وبقرة؟ الوجه: لا بل خروجه ينافي استحقاق البدنة بكمالها، بل ينبغي عدم حصولها لمن خرج بلا عذر، لأن المتبادر أنها لمن دخل واستمر.(2/87)
ولو حصلا له لزم أن يكون من غاب ثم رجع، أكمل ممن لم يغب، ولا يقوله أحد، خصوصا إن طالت غيبته، كأن دخل في أول الساعة الأولى، وعاد في آخر الساعة الثانية.
اه.
(قوله: غسل الجنانة) مفعول مطلق لاغتسال.
(قوله: أي كغسلها) أي فهو تشبيه بليغ، ويدل عليه عدوله إليه عن قوله ومن اغتسل من الجنابة.
(قوله: وقيل حقيقة) أي أنه اغتسل من الجنابة حقيقة.
وحكاه بقيل لضعفه، لاقتضائه تخصيص الثواب بمن جامع، وهو خلاف المقصود.
(قوله: بأن يكون جامع) تصوير لكون الغسل من الجنابة حقيقة في الخبر.
(قوله: لأنه يسن) أي الجماع.
قال في الإمداد: لتسكن نفسه.
اه.
وهو تعليل لكونه حقيقة.
(وقوله: ليلة الجمعة أو يومها) قال البجيرمي: ظاهرة استواؤهما، لكن ظاهر الحديث أنه يومها أفضل.
ويوجه بأن القصد منه أصالة: كف بصره عما يراه فيشتغل قلبه.
كما في حجر.
اه.
(قوله: في الساعة الأولى) متعلق بالجائي.
(وقوله: بدنة) إسم أن مؤخر.
(قوله: وفي الثانية بقرة) أي وأن للجائي في الساعة الثانية بقرة، وهي تطلق على الذكر والأنثى، وتاؤها للوحدة.
(قوله: وفي الثالثة كبشا أقرن) أي وأن للجائي في الساعة الثالثة كبشا أقرن، أي عظيم القرون.
(قوله: والرابعة دجاجة) أي وأن للجائي في الساعة الرابعة دجاجة، وهي بتثليث الدال، والفتح أفصح.
(قوله: والخامسة عصفورا) أي وأن للجائي في الساعة الخامسة عصفورا.
(واعلم) أن المعتبر في أسنان تلك الحيوانات الكمال عرفا.
كما في البرماوي.
(قوله: والسادسة بيضة) أي وأن للجائي في الساعة السادسة بيضة.
وهذا على ما في بعض الروايات ان الأقسام ستة، وفي بعضها الأقسام خمسة، كرواية: من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنه، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة.
(قوله: والمراد إلخ) يعني أن المراد بالساعات المذكورة أن ما بين طلوع الفجر وخروج الخطيب ينقسم ستة أجزاء متساوية على ما في بعض الروايات أو خمسة أجزاء على ما في البعض الآخر.
ويؤيد ما ذكر الخبر الصحيح، وهو: يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة.
إذ مقتضاه أن يومها لا يختلف، فلتحمل كل ساعة على مقدار سدس ما بين الفجر والزوال، ومن جاء أول ساعة أو وسطها أو آخرها يشتركون في أصل البدنة مثلا، لكنهم يتفاوتون في كمالها.
وهذا هو المعتمد.
قال في النهاية وفي أصل الروضة ليس المراد من الساعات الفلكية وهي الأربع والعشرون بل ترتيب درجات السابقين على من يليهم في الفضيلة، لئلا يستوي فيها رجلان جاءآ في طرفي ساعة، ولئلا
يختلف في اليوم الشاتي والصائف، إذ لا يبلغ ما بين الفجر والزوال في كثير من أيام الشتاء ست ساعات.
فعليه: كل داخل بالنسبة لما بعده كالمقرب بدنة، وإلى من قبله بدرجة كالمقرب بقرة، وبدرجتين كالمقرب كبشا، وبثلاث كالمقرب دجاجة، وبأربع كالمقرب بيضة.
لكن قال في شرحي المهذب ومسلم: بل المراد الفلكية، لكن بدنة الأول أكمل من بدنة الأخير، وبدنة المتوسط متوسطة، كما في درجات صلاة الجماعة القليلة والكثيرة.
فعليه: المراد بساعات النهار الفلكية اثنتا عشرة ساعة زمانية صيفا أو شتاء، وإن لم تساو الفلكية، فالعبرة بخمس ساعات منها أو ست، وهو المعول عليه، طال الزمان أو قصر.
كما أشار إليه القاضي.
وهو أحسن من قول الغزالي: اخر الأولى إلى طلوع الشمس، والثانية ارتفاعها، والثالثة انبساطها حتى ترمض الأقدام، والرابعة والخامسة الزوال.
اه.
(قوله: أما الإمام) المناسب: أما الخطيب، لأنه محترز قوله لغير خطيب.
(وقوله: فيسن له التأخير إلى وقت الخطبة) قال ويسن الذهاب إلخ، أي للخبر الصحيح: من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها.
ومعنى غسل: قيل: جامع حليلته، فألجأها إلى الغسل، وقيل غسل ثيابه وغسل رأسه.
ومعنى بكر بالتخفيف: خرج من بيته باكرا.
وبالتشديد: أتى الصلاة أول وقتها.
ومعنى ابتكر: أدرك أول(2/88)
الخطبة.
(وقوله: إلى المصلى) بفتح اللام المشددة، أي موضع الصلاة، مسجدا أو غيره.
(وقوله: في طريق طويل) متعلق بالذهاب، ومحله إن أمن الفوات، وإلا فيذهب في طريق قصير.
(وقوله: ماشيا) حال من فاعل الذهاب المقدر، أي يسن ذهابه حال كونه ماشيا، ومحله إن قدر عليه وإلا ركب.
(وقوله: بسكينة) هي التأني في المشي والحركات واجتناب العبث، وحسن الهيئة، كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات.
ويطلب ذلك أيضا للراكب على دابته، وإنما سنت لخبر الشيخين: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة فإن قيل: قال تعالى: * (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) * (1) فظاهره أن السعي مطلوب.
أجيب بأن معناه: امضوا.
لأن السعي يطلق على المضي وعلى العدو، فبينت السنة المراد به.
(قوله: والرجوع في طريق آخر قصير) أي ويسن الرجوع في طريق آخر قصير.
قال في التحفة: ويتخير فيه بين الركوب والمشي - كما يأتي في العيد -.
اه.
(قوله: وكذا في كل عبادة) أي وكذا يسن الذهاب في طريق طويل ماشيا بسكينة والرجوع في طريق آخر قصير، في كل عبادة، كالعيد، والجنازة، وعيادة المريض.
ويستثنى منها النسك، فإن الركوب فيه أفضل، كما يأتي في بابه.
(قوله: ويكره
عدو) بفتح فسكون، وهو المشي بسرعة، وهو محترز قوله بسكينة.
(قوله: إلا لضيق وقت) بحيث لو مشى بسكينة لم يدرك الصلاة كلها في الوقت.
(وقوله: فيجب) أي العدو.
والمناسب أن يقول فلا يكره، بل يجب.
ومحل الوجوب إذا أطاق العدو.
وقال سم: بقي ما إذا لم يدرك جماعة بقية الصلوات إلا بالسعي.
وفي شرح الروض في باب الجماعة، بعد أن قرر أنه يمشي بسكينة وإن خشي فوات تكبيرة الإحرام، ما نصه: أما لو خاف فوات الجماعة.
فقضية كلام الرافعي وغيره: أنه يسرع.
وبه صرح الفارقي بحثا، وتبعه ابن أبي عصرون.
والمنقول خلافه.
اه.
وما ذكره في شرح الروض قد مر عن شارحنا أيضا في الجماعة - في مبحث إدراك فضيلة التحرم - وعبارته: ويندب ترك الإسراع، وإن خاف فوت التحرم.
وكذا الجماعة - على الأصح - إلا في الجمعة فيجب طاقته إن رجا إدراك التحرم قبل سلام الإمام.
اه.
(وقوله: إذا لم يدركها إلا به) قيد في الوجوب، أي يجب إذا لم يدرك الجمعة، ومثلها بقية الصلوات، إلا بالعدو.
ولا حاجة إلى ذكر القيد المذكور، إذ الوجوب مفرع على ضيق الوقت فتنبه.
وفي ع ش: ولو توقف إدراك الجمعة على السعي قبل الفجر لم يجب، كما هو ظاهر وصريح كلامهم، اه.
(قوله: وتزين بأحسن ثيابه) أي وسن تزين بما ذكر، لخبر ابن حبان: من اغتسل يوم الجمعة ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب كان عنده، ثم أتى الجمعة ولم يتخط أعناق الناس ثم صلى ما كتبه الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها.
ومما يعزى الإمام الشافعي - رضي الله عنه: حسن ثيابك ما استطعت فإنها * * زين الرجال بها تعز وتكرم ودع التخشن في الثياب تواضعا * * فالله يعلم ما تسر وتكتم فجديد ثوبك لا يضرك بعد أن * * تخشى الإله، وتتقي ما يحرم ورثيت ثوبك لا يزيدك رفعة * * عند الإله، وأنت عبد مجرم (قوله: وأفضلها الأبيض) أي أفضل الثياب الأبيض، لخبر الترمذي: البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم.
ويسن أن تكون جديدة، فإن لم تكن جديدة فقريبة منها.
ويسن أن يزيد الإمام في حسن الهيئة، للاتباع ولأنه منظور إليه.
والأكمل أن تكون ثيابه كلها - حتى العمامة - بيضاء، فإن لم تكن كلها فأعلاها.
ويطلب ذلك - حتى في غير يوم الجمعة - لإطلاق الخبر المذكور.
نعم، المعتبر في العيد الأغلى في الثمن، لأنه يوم زينة.
__________
(1) الجمعة 9(2/89)
قال سم: بقي ما لو كان يوم الجمعة يوم عيد، فهل يراعى الجمعة فيقدم الأبيض، أو العيد فالأغلى، أو يراعي الجمعة وقت إقامتها فيقدم الأبيض حينئذ، والعيد في بقية اليوم فيقدم الأغلى فيها؟ لكن قد يشكل على هذا الآخر أن قضية قوله في كل زمن أنه إن روعيت الجمعة روعيت في جميع اليوم، وقد يرجح مراعاة العيد مطلقا أن الزينة فيه آكد منها في الجمعة، ولهذا سن الغسل وغيره فيه لكل أحد وإن لم يحضر.
فليتأمل.
اه.
(فائدة) قال في شرح الروض: وينبغي طي الثياب، فقد روى الطبراني بأسانيد ضعاف خبر: أطووا ثيابكم ترجع إليها أرواحها فإن الشيطان إذا وجد الثوب مطويا لم يلبسه، وإذا وجده منشورا لبسه.
وخبر: إذا طويتم ثيابكم فاذكروا اسم الله لا يلبسها الجن بالليل وأنتم بالنهار فتبلى سريعا.
اه.
(قوله: ويلي الأبيض) أي في الفضيلة.
(وقوله: ما صبغ قبل نسجه) أي بأن صبغ أول غزله، ثم نسج بعده.
(قوله: قال شيخنا) عبارة التحفة: ويلي الأبيض ما صبغ قبل نسجه، ويكره ما صبغ بعده، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يلبسه.
كذا ذكره جمع متقدمون، واعتمده المتأخرون.
وفيه نظر.
فإن إطلاق الصحابة للبسه - صلى الله عليه وسلم - المصبوغ على اختلاف ألوانه يدل على أنه لا فرق، وفي حديث - اختلف في ضعفه - أنه - صلى الله عليه وسلم - أتي له - بعد غسله - بملحفة مصبوغة بالورس، فالتحف بها.
قال راوية قيس بن سعد - رضي الله عنهما -: وكأني أنظر أثر الورس على عكنه.
وهذا ظاهر في أنها مصبوغة بعد النسج.
بل يأتي قبيل العيد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبغ ثيابه بالورس، حتى عمامته.
وهذا صريح فيما ذكرته.
اه.
وإذا تأملتها تعلم أن شيخه لم يجزم بالكراهة، بل نقلها عن قوم، وهو لم يرتضها، لأنه نظر فيها، إلا أن يقال إنه جزم بها في غير التحفة، ثم رأيته في الفتح جزم بها.
وعبارته: وما صبغ غزله قبل النسج أولى مما صبغ بعده، بل هذا مكروه اه.
وعليه: فلا إشكال، إلا أنه يبقى عليه أن ما غيابه وهو ولو بغير الحمرة ليس ثابتا في العبارة المذكورة.
(قوله: ويحرم التزين الخ) أي على الذكر البالغ والخنثى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تلبسوا الحرير ولا الديباج.
وقول حذيفة - رضي الله عنه - نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه ويروي أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ في يمينه قطعة حرير، وفي شماله قطعة ذهب، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثهم.
وحكمة التحريم أنه مع ما فيه من معنى الخيلاء، يورث رفاهية، وزينة، وإبداء زي يليق بالنساء دون شهامة الرجال والتشبه بالنساء حرام كعكسه.
قال ع ش: وهو من الكبائر.
(واعلم) أن الفقهاء ترجموا للباس بباب مستقل، ومعظمهم ذكره عقب صلاة شدة الخوف، اقتداء بالشافعي -
رضي الله عنه - وبعضهم ذكره عقب الجمعة وبعضهم ذكره في العيد.
لكل وجهه، والمؤلف - رحمه الله - اختار ذكره في باب الجمعة، لأن المناسبة في ذكره فيه أتم من ذكره في غيره، إلا أنه فاتته الترجمة له ولعله للاختصار.
(قوله: بالحرير) أي باستعماله، ولو بنحو افتراش وتستر وغيرهما، مما يعد استعمالا عرفا، لا مشية عليه، فلا يحرم، لأنه لمفارقته له حالا لا يعد مستعملا له عرفا.
ومثله - كما في سم -: ما لو أدخل يده تحت ناموسية مفتوحة مثلا، وأخرج كوزا من داخلها فشرب منه، ثم أدخل يده فوضعه تحتها.
ويحرم لبس ما ظهارته وبطانته غير حرير وفي وسطه حرير - كاللحاف - إلا أن خيطا عليه فلا يحرم لأنه بالخياطة عليه صار كالحشو وحشو الحرير جائز.
ويحرم الجلوس تحت سحابة أو خيمة أو ناموسية من حرير، ويحرم على الرجل النوم في ناموسية الحرير، ولو مع المرأة، وكذلك دخوله معها في الثوب الحرير الذي تلبسه، بخلاف ما إذا علا عليها من غير دخول فلا يحرم.
ويحرم كتابة الرجل عليه، ولو لصداق امرأة، ونقش عليه، وستر جدار به كما يقع في أيام الزينة والفرح.
نعم، إن أكرههم الحاكم على الزينة فلا يحرم لعذرهم، ويحرم التفرج عليها، ويحرم إلباسه للدواب، لأنه لمحض الزينة، بخلاف إلباسه للصبي والمجنون، فيجوز، فإنه لغرض الانتفاع.(2/90)
(قوله: ولو قزا) الغاية للرد على القول بأنه يحل، لأنه لا يقصد للزينة.
(قوله: وهو نوع منه) أي القز نوع من الحرير، فهو أعم منه ومن الإبريسم.
وذلك لأن القز ما قطعته الدودة وخرجت منه حية، والإبريسم ما ماتت فيه، والحرير يعمهما، خلافا لما وقع في بعض الحواشي، من أن الحرير اسم لما ماتت في الدودة وحل عنها بعد الموت، لأنه عليه يصير القز مباينا له، لا نوعا منه.
(وقوله: كمد اللون) أي متغير اللون، ليس بصاف.
(قوله: وما أكثره الخ) معطوف على الحرير، أي ويحرم التزين بما أكثره من الحرير.
(وقوله: وزنا لا ظهورا) منصوبان على التمييز، أي أن العبرة في الكثرة بالوزن لا بالظهور، فالثوب الذي أكثره حرير بالوزن لا يحرم استعماله، وإن لم يظهر الحرير فيه، والذي حريره أقل بالوزن لا يحرم استعماله، ولو ظهر الحرير فيه.
(قوله: لا ما أقله منه) أي لا يحرم ما أقله من الحرير وأكثره من غيره، والمراد وزنا، كالذي قبله.
(قوله: ولا ما استوى فيه الأمران) أي ولا يحرم استعمال ما استوى فيه الحرير وغيره، أي وزنا لأنه لا يسمى ثوب حرير.
والأصل الحل.
وصح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الثوب المصمت.
أي الخالص، فأما العلم - أي الطراز - ونحوه وسدي الثوب، فلا بأس به.
(قوله: ولو شك في الأكثر) أي
في أن الأكثر الحرير أو غيره؟ ومثله ما لو شك في استوائهما.
(وقوله: فالأصل الحل) خالف فيه م ر، عبارته: ولو شك في كثرة الحرير أو غيره أو استوائهما حرم جزم به في الأنوار.
ويفرق بينه وبين عدم تحريم المضبب إذا شك في كثرة الضبة بالعمل بالأصل فيهما، إذ الأصل حل استعمال الإناء قبل تضبيبه، والأصل تحريم الحرير لغير المرأة.
(قوله: فرع) أي في بيان صور مستثناة من حرمة استعمال الحرير.
(قوله: يحل الحرير لقتال) أي جائز، سواء فاجأه القتال أم لا.
وعبارة سم: قال في التنبيه: ويجوز للمحارب لبس الديباج الثخين الذي لا يقوم غيره مقامه في دفع السلاح، ولبس المنسوج بالذهب إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره.
اه.
قال ابن النقيب في شرحه: قوله: إذا فاجأته الحرب ولم يجد غيره: شرط في المنسوج بالذهب، وهل هو شرط في الديباج الثخين؟ قيل: نعم: والأصح أنه لا يشترط فيه ذلك.
اه (قوله: إن لم يجد غيره) أي الحرير.
(وقوله: أو لم يقم مقامه) أي أو وجد غيره ولكنه لم يقم مقام الحرير في دفع السلاح، وخرج به ما إذا وجد ما يقوم مقامه في ذلك، فيحرم عليه لبسه.
(قوله: وصحح في الكفاية إلخ) قال الجمال الرملي: والأوجه خلافه، أخذا بظاهر كلامهم.
وفرق ع ش بينه وبين تحلية السيف، بأن التحلية مستهلكة غير مستقلة، وفي الآلة المنفصلة عن البدن، بخلاف التزين بالحرير فيهما.
(وقوله: يجوز القباء) مقول قول جمع.
(وقوله: وغيره) أي غير القباء من الحرير، كما هو الفرض.
والقباء: الثوب المشقوق من أمام، كالجبة المعهودة.
(وقوله: مما يصلح للقتال) بيان لغير القباء.
(وقوله: وإن وجد غيره) أي غير الحرير، وهو غاية ليجوز.
(وقوله: إرهابا للكفار) علة الجواز.
(قوله: كتحلية السيف بفضة) أي فإنها جائزة.
ومثل السيف، سائر آلات الحرب.
وعبارة الفتح مع الأصل: وجاز للرجل تحلية آلة حرب بلا سرف، بأن لا يجاوز المعتاد، كسيف، ورمح، وطرف سهم، ومنطقة، وخف، ودرع، وجوشن، وبيضة، بفضة للاتباع، لا بذهب، والخبر المبيح له، ضعفه ابن القطان، وإن حسنه الترمذي، لا تحلية نحو سرج، ولجام، وركاب، وبرة ناقة، وقلادة دابة، وسكين خدمة، ومقلمة، ومقراض، ولو بفضة، لأنها غير ملبوسة للراكب، كالأواني.
اه.
(قوله: ولحاجة) معطوف على القتال، من عطف العام على الخاص، إذ من جملة الحاجة القتال.
وعبارة الإرشاد: وجاز لحاجة كقتال، وحكة، وقمل.
اه.
والمراد بالحاجة: ما يعدم الضرورة، كحر وبرد مضرين، فيجوز استعماله فيهما بلبس وغيره، بحسب الضرورة.
(قوله: كجرب) بفتح الجيم والراء، ومما جرب له أن يطلى بالحناء(2/91)
والسمن القديم.
اه.
برماوي.
(قوله: إن آذاه غيره) أي غير لبس الحرير، وهو قيد لجواز لبسه للجرب.
(قوله: أو كان
فيه نفع) أي أو لم يؤذه غيره إلا أن في الحرير نفعا لا يوجد في غيره.
(قوله: وقمل) معطوف على جرب.
أي وكقمل، فهو مثال ثان للحاجة.
(وقوله: لم يندفع بغيره) قيد في حل لبس الحرير للقمل، أي يحل لبسه إذا كان فيه قمل لا يندفع إلا به، والأصل فيه وفيما قبله ما رواه الشيخان من أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص لعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام في لبس الحرير لحكة كانت بهما، وأنه رخص لهما لما شكوا إليه القمل في قمص الحرير.
وذلك لأن الحرير خاصيته أن لا يقمل.
ومما جرب لدفع القمل أن يطلى خيط من الصوف بالزئبق، ويجعل في عنقه كالسبحة.
(قوله: ولا مرأة) معطوف على القتال، أي ويحل استعماله لامرأة باللبس والفرش وغيرهما، لما مر في الحديث: حل لإناثهم ولأن تزيين المرأة بذلك يدعو إلى الميل إليها ووطئها، فيؤدي إلى ما طلبه الشارع من كثرة النسل.
وقوله: ولو بافتراش الغاية للرد على المخالف القائل بحرمة افتراشها إياه للسرف والخيلاء، بخلاف اللبس فإنه يزينها للحليل.
(قوله: لا له) الضمير يعود على الرجل المعلوم من المقام، أي ولا يحل للرجل.
وفيه أن التصريح بهذا لا حاجة إليه، لأن الحرمة المذكورة بقوله ويحرم التزين، إنما هي عليه وعلى الخنثى كما علمت فكان المناسب حذفه، والتصريح بما زدته هناك من قولي: أي الذكر البالغ والخنثى.
(قوله: بلا حائل) يحتمل ارتباطه بالغاية فيكون متعلقا بمحذوف صفة لافتراش.
ويحتمل ارتباطه بالنفي بالنسبة للافتراش، وهو الأقرب من صنيعه، أي لا يحل الحرير للرجل بلا حائل فيما إذا فرشه تحته.
أما مع وجود الحائل فيحل له، فلو فرش رجل - ومثله الخنثى - على الفراش الحرير شيئا غير حرير - ولو خفيفا مهلهل النسج - وجلس فوقه جاز، كما يجوز جلوسه على مخدة محشوة بحرير، وعلى نجاسة بينه وبينها حائل، حيث لم تلاق شيئا من بدن المصلي وثيابه، وكما يجوز الجلوس عليه مع الحائل يجوز الاستناد إليه معه.
(قوله: ويحل منه) أي الحرير.
(وقوله: حتى للرجل غاية في الحل) أي ويحل مطلقا للرجل وغيره.
(وقوله: خيط السبحة) قال الزيادي: وينبغي أن يلحق به خيط السكين، وخيط المفتاح.
وقال القليوبي: يحل خيط مصحف، وخيط ميزان وقنديل، ونحو تكة لباس.
ونقل عن شيخنا الزيادي حل منديل فراش الزوجة للرجل.
قال: وفيه نظر.
اه.
كردي: (قوله: والدراهم) أي وكيس الدراهم.
وقوله: وغطاء العمامة أي ويحل غطاء العمامة.
واعتمد م ر وأتباعه فيه وفي كيس الدراهم الحرمة.
وقال ع ش: محل الحرمة في استعمال غطاء العمامة.
إذا كان هو المستعمل له، أما لو كانت زوجته مثلا هي التي تباشر ذلك، فهل يحرم لأنها مستعملة له فيما ليس لبسا لها ولا افتراشا أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب الأول، لأنها إنما استعملته لخدمة الرجل، لا لنفسها.
(قوله: وعلم الرمح) قال في القاموس: العلم محركة: الحبل الطويل، والراية، وما يعقد على الرمح، وسيد القوم.
اه.
والثالث هو المراد هنا.
(قوله: لا الشرابة التي برأس السبحة) أي لا تحل الشرابة.
وعبارة بعضهم: وفي شراريبها تردد، فقيل تحل مطلقا، وقيل تحرم مطلقا، والمعتمد التفصيل، فإن كانت من أصل خيطها جازت، وإلا فلا.
(قوله: ويجب لرجل لبسه الخ) أي يجب على الرجل أن يلبس الحرير، حيث لم يجد ساترا للعورة غيره للحاجة، فإن وجده حرم لبسه.
وفي ع ش ما نصه: (فرع) إذا اتزر ولم يجد ما يرتدي به ويتعمم من غير الحرير؟ قال أبو شكيل: الجواب أنه لا يبعد أن يرخص له في الارتداء أو التعمم به إذا لم يجد غيره وكان تركه يزري بمنصبه، فإن خرج متزرا مقتصرا على ذلك نظر: فإن قصد بذلك الاقتداء بالسلف وترك الالتفات إلى ما يزري بالمنصب لم تسقط بذلك مروءته، بل يكون فاعلا للأفضل، وإن لم يقصد ذلك بل فعل ذلك انخلاعا وتهاونا بالمروءة سقطت مروءته.
كذا في الناشري بأبسط من هذا.
اه.
سم على منهج.
ومن ذلك يؤخذ أن لبس الفقيه القادر على التجمل بالثياب التي جرت بها عادة أمثاله ثيابا دونها في الصفة والهيئة، إن كان لهضم النفس والاقتداء بالسلف الصالحين لم يخل بمروءته، وإن كان لغير ذلك أخل بها.
اه.
ومنه: ما لو ترك ذلك معللا بأن حاله معروف، وأنه لا يزيد مقامه عند الناس باللبس ولا ينقص.
بعدمه، وإنما كان هذا مخلا لمنافاته منصب الفقهاء، فكأنه استهزأ بنفس الفقه.
اه.
(وقوله: ساتر العورة)(2/92)
مفعول ليجد، وهو يطلب مفعولا واحدا، لأنه من وجد بمعنى أصاب.
(وقوله: غيره) أي الحرير، وهو بدل من ساتر.
(وقوله: حتى في الخلوة) غاية لوجوب اللبس.
(قوله: إلا المزعفر) أي المصبوغ بالزعفران فيحرم، لأن حكمه حكم الحرير، حتى لو صبغ به أكثر الثوب حرم.
قال الكردي: وفي الإمداد: والأقرب تحريم ما زاد على أربع أصابع.
قال: نعم، إن صبغ السدي أو اللحمة بنحو زعفران اتجه أن يأتي فيه تفصيل المركب السابق في الحرير.
وفي النهاية: الأوجه أن المرجع في ذلك العرف، فإن صح إطلاق المزعفر عليه حرم، وإلا فلا.
اه.
ومثل المزعفر في الحرمة: المعصفر، للأخبار الدالة على ذلك، ولأنه من زي النساء.
قال في شرح الروض: وقول الشافعي يحرم على الرجل المزعفر دون المعصفر.
قال البيهقي فيه: الصواب تحريم المعصفر عليه أيضا، للأخبار الصحيحة التي لو بلغت الشافعي لقال بها، وقد أوصى بالعمل بالحديث الصحيح.
ذكر ذلك في الروضة وغيرها.
اه.
وفي التحفة: قال الزركشي عن البيهقي: وللشافعي نص بحرمته، فيحمل على ما بعد النسج، والأول على ما قبله، وبه تجتمع الأحاديث الدالة على حله، والدالة على حرمته، ويرد بمخالفته لإطلاقهم الصريح في الحرمة مطلقا، وله وجه وجيه، وهو أن المصبوغ بالعصفر من لباس النساء المخصوص بهن فحرم
للتشبه بهن، كما أن المزعفر كذلك، وإنما جرى الخلاف في المعصفر دون المزعفر، لأن الخيلاء والتشبه فيه أكثر منهما في المعصفر.
واختلف في الورس، فألحقه جمع متقدمون بالزعفران، واعترض بأن قضية كلام الأكثرين حله.
اه.
(قوله: ولبس الثوب المتنجس) معطوف على لبس الثوب المصبوغ، أي ويجوز لبس الثوب المتنجس، أي ولو بغير معفو عنه، لأن تكليف استدامة طهارة الملبوس مما يشق، خصوصا على الفقير، وبالليل، لأن نجاسته عارضة سهلة الإزالة.
ومع حل لبسه يحرم المكث به في المسجد من غير حاجة إليه - كما بحثه الأذرعي - لأنه يجب تنزيه المسجد عن النجس.
قال في النهاية: ويستثنى من ذلك - أي من حل لبسه - ما لو كان الوقت صائفا بحيث يعرق فيتنجس بدنه ويحتاج إلى غسله للصلاة مع تعذر الماء.
اه.
وقوله: مع تعذر الماء.
قال سم: الفرق بين ما أفهمه من الجواز حيث لم يتعذر الماء والمنع، إذا كان بدنه مترطبا بغير العرق شدة الابتلاء بالعرق.
اه.
(قوله: في غير نحو الصلاة) متعلق بيجوز المقدر.
أي يجوز لبس ذلك في غير نحو الصلاة كالطواف والخطبة، أما لبسه في نحو ذلك فيحرم.
وهذا إن كانت الصلاة مفروضة، ومثلها الطواف، ولبسه بعد الشروع فيه.
فإن كان ما ذكر نفلا فلا يحرم لجواز قطعه، أو لبسه قبل الشروع فيه سواء كان فرضا أو نفلا واستمر فيه فلا حرمه من جهة لبسه، وإنما الحرمة من جهة تلبسه بعبادة فاسدة، أو استمراره فيها.
أفاده في النهاية.
(قوله: حيث لا رطوبة) قيد في الجواز، أي يجوز حيث لم توجد رطوبة، أي في الثوب أو البدن، فإن وجدت حرم لحرمة التلطيخ بالنجاسة.
(قوله: لا جلد ميتة) بالجر معطوف على الثوب المتنجس، أي لا يجوز لبس جلد ميتة، سواء كانت ميتة كلب، أو خنزير، أو غير ذلك.
وعبارة التحفة مع الأصل: لا جلد كلب وخنزير.
وفرع أحدهما فلا يحل لبسه لغلظ نجاسته إلا لضرورة كفجأة قتال، أو خوف نحو برد ولم يجد غيره، نظير ما مر في الحرير.
وخرج بلبسه استعماله في غيره، كافتراشه، فيحل قطعا - كما في الأنوار - وإن قال الزركشي المذهب المنصوص أنه لا ينتفع بشئ منهما.
وكذا جلد الميتة غيرهما فيحرم لبسه في حال الاختيار - في الأصح - لنجاسة عينه، مع ما عليه من التعبد باجتناب النجس لإقامة العبادة.
اه.
(وقوله: بلا ضرورة) متعلق بيجوز المقدر، واحترز به عما إذا وجدت ضرورة، كخوف على نحو عضو من نحو شدة برد، وكفجأة حرب ولم يجد ما يقوم مقامه، فيجوز لبسه وإلباسه، كأكل الميتة للمضطر.
(قوله: كافتراش جلد سبع) الكاف للتنظير في عدم الجواز، لكن قيده في التحفة بما إذا كان به شعر.
وعبارتها: ويحرم نحو جلوس على جلد سبع كنمر وفهد به شعر، وإن جعل إلى الأرض - على الأوجه - لأنه من شأن المتكبرين.
اه.
ويؤخذ من العلة أن الحرمة لا من جهة النجاسة، فلا ينافي حينئذ ما مر عنه قريبا من أن افتراش
جلد الكلب والخنزير لا يحرم.
(قوله: وله إطعام ميتة) أي يجوز للشخص إطعام ميتة.
(وقوله: لنحو طير) أي من كل حيوان طاهر أو نجس، ككلب، وخنزير.
(قوله: لا كافر) أي لا يجوز(2/93)
إطعامها لكافر، أي وصبي غير مميز، كما لا يجوز إطعامها للمسلم وللصبي المميز.
ولو قال لآدمي ولو كافرا لكان أولى.
(قوله: ومتنجس لدابة) أي ويجوز إطعام طعام متنجس ولو بمغلظ لدابة.
ولو جمع بين هذا وما قبله وقال: وله إطعام ميتة ومتنجس لدابة لكان أخصر وأولى، لإيهام عبارته أن نحو الطير ليس من الدواب، وليس كذلك، ويدل له قوله تعالى: * (والله خلق كل دابة من ماء) * قال المفسرون: الدابة كل ما دب على الأرض من الحيوان، وكما يجوز إطعام الدواب ذلك يجوز إسقاؤها الماء المتنجس.
(قوله: ويحل مع الكراهة استعمال العاج) عبارة الروض وشرحه: ولو كان النجس مشط عاج جافا فإنه يحرم استعماله.
والتصريح بهذا من زيادته على الروض أخذه من كلام الرافعي في الكلام على وصل الشعر، ومن كلام الأسنوي هنا، فإنه رد به قول النووي في مجموعه المشهور للأصحاب أن استعمال العاج في الرأس واللحية حيث لا رطوبة يكره، ولا يحرم، فقال: وما قاله غريب ووهم عجيب، فإن هذا التفصيل إنما ذكره الأصحاب في وضع الشئ في الإناء منه - أي العاج - فالتبس عليه ذلك بالاستعمال في البدن.
اه.
وما قال هو الغريب، والوهم العجيب، فقد نص على التفصيل المذكور في المشط والإناء: الشافعي في البويطي، وجزم به جمع منهم القاضي أبو الطيب، والشيخ أبو علي الطبري، والماوردي، وكأنهم استثنوا العاج لشدة جفافه مع ظهور رونقه.
اه.
قال ع ش: وينبغي جواز حمله لقصد استعماله عند الاحتياج إليه، ومعلوم أن محل ذلك في غير الصلاة ونحوها، أما فيهما فلا يجوز، لوجوب اجتناب النجاسة فيهما في الثوب والبدن والمكان.
اه.
وفي المصباح: والعاج أنياب الفيل، قال الليث: ولا يسمى غير الناب عاجا، والعاج ظهر السلحفاة البحرية.
وعليه يحمل أنه كان لفاطمة - رضي الله عنها - سوار من عاج.
ولا يجوز حمله على أنياب الفيلة، لأن أنيابها ميتة، بخلاف السلحفاة.
والحديث حجة لمن يقول بالطهارة.
اه.
(قوله: في الرأس واللحية) يفيد أنه لو استعمله في غيرهما من بقية البدن حرم.
(قوله: حيث لا رطوبة) ظرف متعلق بيحل، أي يحل ذلك حيث لا رطوبة موجودة، أي في الرأس واللحية أو في العاج.
فإن وجدت الرطوبة حرم، لتلطخ الرأس واللحية حينئذ بالنجاسة، وهو حرام.
(قوله: وإسراج بمتنجس) معطوف على استعمال العاج، أي ويحل مع الكراهة إسراج بمتنجس، لأنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الفأرة تقع في السمن الذائب، فقال: استصبحوا به أو قال: انتفعوا به.
رواه الطحاوي ووثق رواته.
وحينئذ يجوز إصلاح
الفتيلة بإصبعه، ويعفى عما أصابه منه لقتله.
(قوله: بغير مغلظ) متعلق بمتنجس، أي بدهن متنجس بنجاسة غير مغلظة، وهي نجاسة الكلب والخنزير.
فإن كان متنجسا به لا يحل الإسراج به لغلظ نجاسته، ويحل الإسراج أيضا بدهن نجس، كدهن الميتة - غير دهن الكلب والخنزير - أما هو فلا يحل لغلظه.
(قوله: إلا في مسجد) أي إلا الإسراج به في مسجد، فإنه يحرم مطلقا، انفصل منه دخان مؤثر في نحو حيطانه ولو قليلا أم لا، لحرمة إدخال النجاسة فيه لشرفه.
نعم، إن لم يوجد ما يوقد به غيره، واضطر إليه.
اتجه جوازه للضرورة بشرط من تلويث المسجد به.
ومثل المسجد الموقوف، فيحرم الإسراج فيه بالنجس، بشرط تلويثه به، فإن لم يحصل منه تلويث جاز، وأما ملك الغير، كالدار المستأجرة والمعارة، إن أدى الإسراج به إلى تنجس شئ منه بما لا يعفى عنه، أو بما ينقص قيمته أو أجرته بأن طال زمنه بحيث يعلق الدخان بالسقف أو الجدران حرم، وإلا فلا يحرم.
ويجوز تنجيسه بما جرت العادة به كتربية الدجاج، والحمام، ونحو ذلك، وكذا الموقوف.
(قوله: وإن قل دخانه) غاية في حرمة الإسراج بالمتنجس في المسجد.
(قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بعدم حرمة الإسراج به في المسجد، وعللوا ذلك بقلة الدخان.
(قوله: وتسميد أرض) بالرفع.
معطوف على استعمال العاج أيضا، أي ويحل مع الكراهة تسميد أرض، أي جعل سماد أي سرجين بها، للحاجة إليه.
(وقوله: بنجس) متعلق بتسميد، ولا حاجة إليه، لأنه مستفاد من لفظ تسميد، هكذا في شرح الروض والفتح.
ثم رأيت في المصباح: أن السماد ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين، وعليه: فيكون قوله بنجس قيدا لإخراج التراب، فإنه لا كراهة فيه.
وعبارته: السماد، وزان سلام، ما يصلح به الزرع من تراب وسرجين.
وسمدت الأرض تسميدا: أصلحتها بالسماد.
اه.
(قوله:(2/94)
لا اقتناء كلب) أي لا يحل اقتناؤه.
(وقوله: إلا لصيد أو حفظ مال) أي فيحل، وذلك لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من اقتنى كلبا، إلا كلب ماشية أو ضاربا، نقص من أجره كل يوم قيراطان.
وفي رواية عن ابن عمر أنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: من اتخذ كلبا، إلا كلب زرع، أو غنم، أو صيد، ينقص من أجره كل يوم قيراط.
(قوله: ويكره ولو لامرأة الخ) المناسب تقديم هذا على قوله: ويجوز لبس الثوب المصبوغ.
إلخ.
(قوله: غير الكعبة) أما هي، فيحل تزيينها حتى بالحرير إن خلا عن نقد، ومثلها قبره - صلى الله عليه وسلم - وسائر الأنبياء، لفعل السلف والخلف.
(قوله: كمشهد صالح) أي كقبره، وهو تمثيل لغير الكعبة.
وفي ع ش ما نصه: قال سم على منهج: اعتمد م ر أن ستر توابيت الصبيان والنساء والمجانين وقبورهم بالحرير جائز كالتكفين، بل أولى، بخلاف توابيت الصالحين من الذكور البالغين العاقلين، فإنه يحرم سترها بالحرير.
ثم قال: ثم وقع
منه الميل لحرمة ستر قبور النساء بالحرير، ووافق على جواز تغطية محارة المرأة.
(فرع) هل يجوز الدخول بين ستر الكعبة وجدارها لنحو الدعاء؟ لا يبعد جواز ذلك، لأنه ليس استعمالا، وهو دخول لحاجة.
وهل يجوز الالتصاق لسترها من خارج في نحو الملتزم؟ فيه نظر، فليحرر.
اه.
وقوله: وهو دخول لحاجة (أقول) : قد تمنع الحاجة فيما ذكر، ويقال بالحرمة، لأن الدعاء ليس خاصا بدخوله تحت سترها، ويفرق بين هذا وبين جواز الالتصاق لسترها من خارج في نحو الملتزم، بأن الملتزم ونحوه مطلوب فيه أدعية مخصوصة.
وقوله: فيه نظر فليحرر - الظاهر الجواز.
اه.
بتصرف.
(قوله: بغير حرير) متعلق بتزيين.
(قوله: ويحرم) أي التزيين.
(وقوله: به) أي بالحرير.
زاد في النهاية: والصور، وعلل الحرمة بعموم الأخبار.
(قوله: وتعمم) معطوف على غسل، أي وسن لمريدها تعمم.
(قوله: لخبر: إن الله وملائكته إلخ) أي ولخبر: صلاة بعمامة أفضل من خمس وعشرين بغير عمامة، وجمعة بعمامة أفضل من سبعين بغير عمامة وعن علي - رضي الله عنه -: العمائم تيجان العرب.
وكانت عمائم الملائكة يوم بدر بيضاء، ويوم حنين حمراء.
(قوله: ويسن) أي التعميم.
وعبارة التحفة: وتسن العمامة للصلاة، ولقصد التجمل، للأحاديث الكثيرة فيها، واشتداد ضعف كثير منها يجبره كثرة طرقها، وزعم وضع كثير منها تساهل، كما هو عادة ابن الجوزي هنا، والحاكم في التصحيح - ألا ترى إلى حديث: اعتموا تزدادوا حلما.
حيث حكم ابن الجوزي بوضعه، والحاكم بصحته، استرواحا منهما على عادتهما؟ وتحصل السنة بكونها على الرأس أو نحو قلنسوة تحتها.
اه.
(قوله: وورد في حديث ضعيف الخ) قال في التحفة: لكنه شديد الضعف، وهو وحده لا يحتج به ولا في فضائل الأعمال.
اه.
(قوله: وينبغي ضبط طولها وعرضها الخ) هذا تقييد لما يدل عليه الحديث الصحيح من أفضلية كبرها، فكأنه قال: محله إن كان الكبر يليق به، وإلا فليفعل اللائق به.
قال ابن القيم: لم تكن عمامته - صلى الله عليه وسلم - كبيرة يؤذي الرأس حملها، ولا صغيرة تقصر عن وقاية الرأس من نحو حر أو برد، بل كانت وسطا بين ذلك، وخير الأمور الوسط.
اه.
(قوله: فإن زاد فيها) أي العمامة على ذلك، أي على ما يليق به.
(قوله: كره) أي الزائد.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) هل العمامة الكبيرة والتي بلا عذبة مكروهة أو لا؟ (فأجاب) : إن كان كبرها لعذر، كبرد ونحوه، أو لكون كبرها من شعار علماء تلك الناحية وهو منهم، ولا يعرف ويقتدى بقوله ويمتثل أمره إلا إن كان عليه شعارهم، فلا كراهة في كبرها، بل هو حينئذ بقصد العذر سنة أو واجب، لأن التوقي عن الآفات والمهالك مندوب، بل واجب إن انحصر ذلك التوقي في شئ بعينه، ولأن اتخاذ شعار العلماء لمن هو منهم وتوقفت معرفة كونه منهم على ذلك سنة مؤكدة، لأنا مأمورون بنشر العلم، وهداية الضالين، وإرشاد المسترشدين الخ.
اه.
(قوله: وتنحرم مروءة فقيه بلبس عمامة سوقي لا تليق إلخ) ومثل العمامة غيرها من سائر الثياب، فتنخرم مروءة فقيه يلبس ثياب سوقي، وكذا عكسه.
وكتب ع ش على قول م ر: نعم، ما صار شعارا للعلماء يندب لهم لبسه ليعرفوا ما(2/95)
نصه، أي ويحرم على غيرهم التشبيه بهم فيه ليلحقوا بهم.
وعبارة طب في ليلة النصف.
وبحث الزركشي أنه يحرم على غير الصالح التزيي به إن غر به غيره حتى يظن صلاحه فيعطيه، قال بعضهم: وهو ظاهر، إن قصد به هذا التغرير.
فليتأمل.
ومثله من تزيا بزي العالم، وقد كثر في زماننا.
اه.
(قوله: قال الحفاظ: لم يتحرر إلخ) قال حجر: وما وقع للطبري من أن طولها نحو سبعة أذرع، ولغيره أن طولها سبعة أذرع في عرض ذراع، لا أصل له، لكن ذكر النووي أنه كان له - صلى الله عليه وسلم - عمامة قصيرة، وكانت ستة أذرع، وعمامة طويلة وكانت اثني عشر ذراعا.
ولا يسن تحنيك العمامة عند الشافعية، وهو تحديق الرقبة وما تحت الحنك واللحية ببعض العمامة.
واختار بعض الحفاظ ما عليه كثيرون، أنه يسن.
وأطالوا في الاستدلال له بما رد عليهم.
(قوله: فعل العذبة) هي اسم لقطعة من القماش تغرز في مؤخر العمامة.
وينبغي أن يقوم مقامها إرخاء جزء من طرف العمامة من محلها.
اه.
ع ش.
(قوله: وتركها) أي وله ترك العذبة.
(قوله: لا كراهة في واحد منهما) أي الفعل والترك.
(قوله: زاد النووي) أي علة عدم الكراهة، وهي لأنه الخ.
(قوله: لكن قد ورد الخ) استدراك مما يفيده قول الشيخين فله فعل.
إلخ.
من أن ذلك جائز جوازا مستوي الطرفين.
وأفاد به أن المراد بالجواز ما يشمل الندب.
وعبارة التحفة: وجاء في العذبة أحاديث كثيرة، منها صحيح، ومنها حسن، ناصة على فعله - صلى الله عليه وسلم - لها لنفسه ولجماعة من أصحابه وعلى أمره بها، ولأجل هذا تعين تأويل قول الشيخين وغيرهما من تعمم فله إلخ: بأن المراد من فعل العذبة الجواز الشامل للندب.
وتركه - صلى الله عليه وسلم - لها في بعض الأحيان إنما يدل على عدم وجوبها، أو عدم تأكد ندبها.
اه.
(وقوله: أحاديث صحيحة) منها ما روي عن نافع ابن عمر: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه.
أي إذا لف عمامته على رأسه أرخى طرفها بين كتفيه.
قال بعضهم: وكأن حكمة سنها: ما فيها من تحسين الهيئة.
(قوله: وقد صرحوا) أي الفقهاء.
(وقوله: بأن أصلها) أي العذبة، بقطع النظر عن كيفية إرسالها، هل من جهة اليمين أو اليسار أو بين الكتفين؟ وهذا يفيد أنه لم يرد في كيفية إرسالها شئ.
وفي التحفة خلافه، وعبارتها: وقد استدلوا بكونه - صلى الله عليه وسلم - أرسلها بين الكتفين تارة، وإلى الجانب الأيمن أخرى، على أن كلا منهما سنة، وهذا تصريح منهم بأن أصلها سنة، لأن السنية في إرسالها إذا أخذت من فعله - صلى الله عليه وسلم - له، فأولى أن تؤخذ سنية أصلها من فعله لها، وأمره بهذا متكررا.
اه.
(قوله:
وإرسالها) أي العذبة.
(وقوله: أفضل) أي لأن حديث الأول أصح.
(وقوله: منه) أي من إرسالها.
(وقوله: على الأيمن) أي الجانب الأيمن.
(قوله: ولا أصل في اختيار الخ) أي ولا دليل على اختيار إرسال العذبة على الشق الأيسر.
قال في التحفة: وأما إرسال الصوفية لها من الجانب الأيسر لكونه جانب القلب، فتذكر تفريغه مما سوى ربه، فهو شئ استحسنوه والظن بهم أنهم لم يبلغهم في ذلك سنة، فكانوا معذورين.
وأما بعد أن بلغتهم السنة فلا عذر لهم في مخالفتها.
اه.
(قوله: وأقل ما ورد في طولها) أي العذبة.
قال في النهاية: ويحرم إطالتها طولا فاحشا.
اه.
وقيد في التحفة حرمة إفحاش الطول بما إذا قصد الخيلاء، وقال: فإن لم يقصد كره.
(قوله: عليك إلخ) هو إسم فعل بمعنى الزم، والمصدر المؤول مفعوله، أي الزم التعمم قائما، والتسرول قاعدا.
ومما ينسب لسيدنا علي - رضي الله عنه -: ما تسبتسمكت قط، ولا تر بعلبنت قط، ولا تعمقعددت قط، ولا تسرولقمت قط.
أي ما أكلت السمك يوم السبت قط، ولا شربت اللبن يوم الأربعاء قط، ولا تعممت قاعدا قط، ولا تسرولت قائما قط.
(قوله: ويكره أن يمشي في نعل واحدة) أي أو نحوها، كخف واحد.
وذلك لخبر الصحيحين: لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة، لينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا.
وفي رواية لمسلم: إذا انقطع شسع نعل أحدكم فلا يمشي في الأخرى حتى يصلحها.
والمعنى فيه(2/96)
أن مشيه يختل بذلك، وقيل: لما فيه من ترك العدل بين الرجلين، والعدل مأمور به.
وقيس بالنعل نحوها.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولبسها قائما) أي ويكره لبسها قائما للنهي الصحيح عنه، خوف انقلابه.
ويؤخذ منه أن المداس المعروفة الآن ونحوها لا يكره فيها ذلك، إذ لا يخاف منه انقلاب.
ويسن أن يبدأ بيمينه لبسا.
ويساره خلعا، وأن يخلع نحو نعليه إذا جلس، وأن يجعلهما وراءه أو بجنبه، إلا لعذر، كخوف عليهما، وذلك لخبر ابن عباس - رضي الله عنهما -: من السنة إذا جلس الرجل أن يخلع نعليه فيجعلهما لجنبه.
رواه أبو داود بإسناد حسن.
(قوله: وتعليق جرس فيها) أي ويكره تعليق جرس في النعل، أي ولو كان النعل لدفع الهوام.
كما يكره استصحابه مطلقا، لما ورد إن ملائكة الرحمة لا تصحب من كان معه ذلك، فإن كان مع غيره، وعجز عن إزالته، وقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء، فلا تحرمني صحبة ملائكتك، وبركتهم.
لم يحرمهما.
وكذا من أنكر بقلبه عند عدم تمكنه من القول.
كما استظهره العلامة ابن حجر.
(قوله: ولمن قعد في مكان إلخ) أي ويكره لمن قعد في مكان أن يفارقه قبل أن يذكر الله فيه، لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا
قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة.
وعنه أيضا، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: من قعد مقعدا لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله ترة.
وهي بكسر التاء وتخفيف الراء.
ومعناه نقص، وقيل: تبعة، وقيل: حسرة.
وعنه أيضا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله تعالى ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم.
وعنه أيضا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك.
وفي حلية الأولياء، عن علي - رضي الله عنه - قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى، فليقل في آخر مجلسه، أو حين يقوم: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
(قوله: وتطيب) معطوف على غسل، أي وسن لمريد الجمعة تطيب، أي استعمال الطيب.
(قوله: لغير صائم) أي غير محرم.
أما الأول فيكره له استعمال الطيب.
وأما الثاني فيحرم.
وهذا التفصيل في حق الذكر.
وأما المرأة والخنثى فيكره لهما الطيب عند إرادتهما حضور الجمعة مطلقا، كما يكره لهما الزينة ومفاخر الثياب عندما ذكر.
نعم، يسن لهما قطع الرائحة الكريهة.
(قوله: لما في الخبر الصحيح) أي ولقول الشافعي - رضي الله عنه - الآتي: (قوله: والتطيب بالمسك أفضل) قال في الفتح: وأفضل منه المخلوط بماء الورد.
(قوله: وندب تزين بإزالة ظفر إلخ) للأخبار الآتية.
(قوله: لا إحداهما) أي لا يندب التزين بإزالة ظفر من إحداهما.
(قوله: فيكره) جواب شرط مقدر، أي أما التزين بإزالة الظفر من إحداهما فيكره، إن لم يكن هناك عذر.
(قوله: وشعر نحو إبطه) معطوف على ظفر، أي وندب تزين بإزالة شعر نحو إبطه.
والمراد بنحو ذلك: ما عدا الرأس - كأنفه - أما هو فلا يندب إزالة شعرة إلا في النسك، وفي المولود في سابع ولادته، وفي الكافر إذا أسلم وأما في غير ذلك فهو مباح، إلا إن تأذى ببقاء شعره، أو شق عليه تعهده، فيندب.
قال ع ش: وكذا يندب إذا صار تركه مخلا بالمروءة.
وينبغي له إذا أراد الجمع بين الحلق والغسل يوم الجمعة، أن يؤخر الحلق عن الغسل إذا كان عليه جنابة ليزيل الغسل أثرها عن الشعر.
اه.
(قوله: وعانته) إن جعلت اسما للنابت - كما هو الأشهر - فهي معطوفة على شعر، وإن جعلت اسما للمنبت فهي معطوفة على نحو إبطه.
وعلى كل، هو من عطف الخاص على العام.
(قوله: لغير مريد التضحية) متعلق بندب، أي ندب التزين لغير مريد التضحية.
(وقوله: في عشر ذي(2/97)
الحجة) ظاهر صنيعه انه متعلق بمريد، وهو لا يصح، كما هو ظاهر، فيتعين أن يكون متعلقا بمحذوف، هو مفهوم قوله
لغير مريد التضحية أي أما هو، فيكره له التزين بذلك في عشر ذي الحجة.
ويدل على ذلك تصريحه به في مبحث الأضحية، وعبارته هناك: وكره لمريدها إزالة نحو شعره في عشر ذي الحجة، وأيام التشريق حتى يضحي.
اه.
ولو صرح به هنا لكان أولى.
(قوله: وذلك) أي ندب التزين بما ذكر، للاتباع، والأولى تأخيره عن قوله بعده وبقص إلخ، ليكون دليلا له أيضا.
(قوله: وبقص شاربه) معطوف على بإزالة، أي وندب تزين بقص شاربه، وهو المراد بالإحفاء المأمور به في خبر الصحيحين، ويكره استئصاله وحلقه.
(قوله: وإزالة ريح كريه) بالرفع معطوف على تزين، أي وندب إزالة إلخ.
وبالجر، معطوف على إزالة، أي وندب تزين بإزالة ريح كريه، أي بالماء أو غيره.
(قوله: والمعتمد في كيفية تقليم إلخ) يعني أن المعتمد في إزالة الأظفار مخالفتها، لما روي: من قص أظفاره مخالفا لم ير في عينه رمدا.
(وقوله: أن يبتدئ بمسبحة يمينه إلخ) وقيل يبدأ بخنصر اليمنى، ثم الوسطى، ثم الإبهام، ثم البنصر، ثم السبابة، ثم إبهام اليسرى، ثم الوسطى، ثم الخنصر، ثم السبابة، ثم البنصر.
(قوله: والرجلين) معطوف على اليدين، أي والمعتمد في كيفية تقليم الرجلين.
(قوله: وينبغي البدار بغسل محل القلم) وذلك لأن الحك به قبل الغسل يخشى منه البرص.
(قوله: ويسن فعل ذلك) أي التزين بما ذكر.
والأولى، ويسن ذلك، بحذف لفظ: فعل.
(وقوله: يوم الخميس أو بكرة الجمعة) أي لورود كل.
قال السيوطي في رسالته المسماة (بالإسفار عن قلم الأظفار) ما نصه: أخرج البزار والطبراني في الأوسط، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة.
وأخرج الطبراني عن عائشة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قلم أظفاره يوم الجمعة وقي من السوء في مثلها وأخرج البيهقي في سننه، عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقلم أظفاره، ويقص شاربه في كل جمعة.
وأخرج عبد الرازق عن سفيان الثوري أنه كان يقلم أظفاره يوم الخميس، فقيل له غدا يوم الجمعة.
فقال: السنة لا تؤخر.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس، عن أبي هريرة مرفوعا: من أراد أن يأمن الفقر، وشكاية العمى، والبرص، والجنون، فليقلم أظفاره يوم الخميس بعد العصر.
اه.
وفي النهاية: قال في الأنوار: ويستحب قلم الأظفار في كل عشرة أيام، وحلق العانة كل أربعين يوما.
وهذا جري على الغالب.
والمعتبر في ذلك أنه مؤقت بطولها عادة.
ويختلف حينئذ باختلاف الأشخاص والأحوال.
اه.
قال ابن حجر: وقد اشتهر على ألسنة الناس في ذلك وأيامه أشعار منسوبة لبعض الأئمة، وكلها زور وكذب.
اه.
وقوله: أشعار، منها قول بعضهم: في قص الأظفار يوم السبت آكلة * * تبدو، وفيما يليه تذهب البركه
وعالم فاضل يبدو بتلوهما * * وإن يكن بالثلاثا فاحذر الهلكه ويورث السوء في الأخلاق رابعها * * وفي الخميس غنى يأتي لمن سلكه والعلم والحلم زيدا في عروبتها * * عن النبي روينا فاقتفوا نسكه (قوله: وكره المحب الطبري نتف إلخ) عبارة ع ش: وكره المحب الطبري نتف الأنف.
قال: بل يقصه، لحديث فيه، قيل: بل في حديث: إن في بقائه أمانا من الجذام.
اه.
وينبغي أن محله: ما لم يحصل منه تشويه، وإلا فيندب قصه.
اه.
(قوله: قال الشافعي الخ) المناسب تقديم هذا وذكره بعد قوله وتطيب، أو بعد قوله كإزالة ريح كريه ووسخ، أو تأخير قوله وإزالة إلخ وتقديم قوله والمعتمد في كيفية تقليم إلى قوله لحديث فيه عليه.
(وقوله: قل همه) الفرق بين(2/98)
الهم والغم، كما قاله الحليمي: أن الهم ينشأ عنه النوم، والغم ينشأ عنه عدمه.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وسن إنصات) أي على الجديد، والقديم يوجبه، ويحرم الكلام.
ومحل الخلاف: في كلام لا يتعلق به غرض مهدم ناجز، فإن تعلق به ذلك - كما لو رأى أعمى يقع في بئر - لم يكن حراما قطعا، بل قد يجب عليه ذلك، لكن يستحب أن يقتصر على الإشارة إن أغنت عن الكلام.
(قوله: أي سكوت مع إصغاء) تفسير للإنصات، والإصغاء هو إلقاء السمع إلى الخطيب، فإذا انفك السكوت عن الإصغاء فلا يسمى إنصاتا.
(قوله: الخطبة) متعلق بإنصات، أي وسن إنصات لخطبة، لقوله تعالى: * (وإذا قرئ القرآن) * أي الخطبة * (فاستمعوا له وأنصتوا) *.
(قوله: ويسن ذلك) أي الإنصات.
والأولى والأخصر حذف هذا، والاقتصار على الغاية بعده.
(قوله: وإن لم يسمع الخطبة) غاية في السنية، وأفهمت أن ندب الإنصات لا يختص بالأربعين، بل سائر الحاضرين فيه سواء.
قال الكردي: قال في الإيعاب تجويز الكلام هنا لا ينافي ما مر من وجوب استماع أربعين للخطبة، وأن ذلك شرط لصحة الصلاة، وبيانه: أن الواجب إنما هو استماع الأركان فقط، فلو تكلم الكل إلا في الأركان جاز عندنا، وإن تكلم واحد من الأربعين بحيث انتفى سماعه لبعض الأركان أثم، لا من حيث الكلام، بل من حيث تفويته الشرط الذي هو سماع كل الأركان إلخ.
وسبق عن م ر إن الشرط إنما هو السماع بالقوة، لا بالفعل.
اه.
(قوله: نعم، إلخ) إلخ.
وسبق عن م ر أن الشرط إنما هو السماع بالقوة، لا بالفعل.
اه.
(قوله: نعم، الخ) إستدراك من سنية الإنصات بالنسبة لأحد شقي الغاية المفهمة أن غير الإنصات لا يسن، وأفاد به أن هذا المفهوم ليس مرادا، بل الأولى له في هذه الحالة ما ذكره.
(قوله: أن يشتغل بالتلاوة والذكر) قال ع ش: بل ينبغي أن يقال أن الأفضل له
اشتغاله بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدما على التلاوة، لغير سورة الكهف، والذكر، لأنها شعار اليوم.
اه.
(قوله: سرا) أي بحيث لا يشوش على الحاضرين.
(قوله: ويكره الكلام) أي الظاهر الآية السابقة، وخبر مسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت - يوم الجمعة - والإمام يخطب، فقد لغوت.
(قوله: ولا يحرم) أي الكلام، للأخبار الدالة على جوازه، كخبر الصحيحين.
عن أنس - رضي الله عنه -: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم جمعة قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا.
فرفع يديه ودعا.
وخبر البيهقي بسند صحيح، عن أنس - رضي الله عنه - أن رجلا دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة، فقال: متى الساعة؟ فأومأ الناس إليه بالسكوت، فلم يقبل، وأعاد الكلام، فقاله له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما أعددت لها؟ قال: حب الله ورسوله.
قال: إنك مع من أحببت.
وجه الدلالة أنه عليه السلام لم ينكر عليه الكلام، ولم يبين له وجوب السكوت.
وبه يعلم أن الأمر للندب في: * (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) * (1) بناء على أنه الخطبة، وأن المراد باللغو في خبر مسلم: إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب، فقد لغوت، مخالفة السنة.
(قوله: خلافا للأئمة الثلاثة) أي حيث قالوا بحرمته.
(فائدة) لو كلم شافعي مالكيا وقت الخطبة، فهل يحرم عليه، كما لو لعب الشافعي مع الحنفي الشطرنج لإعانته له على المعصية أو لا؟ الأقرب عدم الحرمة.
ويفرق بينهما بأن لعب الشطرنج لما لم يتأت إلا منهما كان الشافعي كالملجئ له، بخلافه في مسألتنا، فإنه حيث أجابه المالكي وتكلم معه كان باختياره لتمكنه من أنه لا يجيبه.
ويؤخذ منه أنه لو كان إذا لم يجبه لحصل له منه ضرر، لكون الشافعي المكلم أميرا أو ذا سطوة، يحرم عليه، لكن لا من جهة الكلام، بل من جهة الإكراه على المعصية.
اه.
ع ش.
(قوله: حالة الخطبة) متعلق بيكره.
والمراد حال ذكر أركانها، بدليل قوله بعد: ولا حال الدعاء للملوك.
(قوله:
__________
(1) الاعراف: 204(2/99)
لا قبلها الخ) أي لا يكره الكلام قبل الخطبة.
قال في النهاية: لأنه قبل ذلك يحتاج إلى الكلام غالبا.
(قوله: ولو بعد الجلوس على المنبر) غاية في عدم الكراهة قبلها.
قال البجيرمي: وهذا بخلاف الصلاة، فإنها تحرم بمجرد جلوسه على المنبر، وإن لم يشرع في الخطبة، وإن علم أنه يفرغ من الصلاة ويدرك أول الخطبة.
كما اعتمده م ر.
اه.
والفرق أن قطع الكلام هين، بخلاف الصلاة.
(قوله: ولا بعدها) أي ولا يكره الكلام بعدها، أي بعد تمام الخطبة.
(قوله: ولا بين الخطبتين) أي ولا يكره بين الخطبتين.
(قوله: ولا حال الدعاء للملوك) أي ولا يكره حال الدعاء للملوك، أي لأنه ليس
من الأركان.
ومثل الدعاء لهم: الترضي عن الصحابة.
(قوله: ولا لداخل مسجد الخ) أي ولا يكره الكلام لداخل المسجد في أثناء الخطبة إلا إن اتخذ له مكانا واستقر فيه جلس أولا فإنه يكره.
وعبارة الروض وشرحه: ويباح الكلام للداخل في أثنائها ما لم يجلس، يعني ما لم يتخذ له مكانا ويستقر فيه، والتقييد بالجلوس جري على الغالب.
اه.
(قوله: ويكره للداخل السلام) أي على المستمع.
قال ع ش: ومثله الخطيب.
وينبغي أن لا يعد نسيانه لما هو فيه عذرا في وجوب الرد عليه.
اه.
ويستثنى الخطيب، فلا يكره له السلام.
(قوله: وإن لم يأخذ لنفسه مكانا) غاية في الكراهة.
(قوله: لاشتغال إلخ) علة للكراهة، والاشتغال يكون بالاستماع للخطبة إن كان المسلم عليه من السامعين، وبقراءة الخطبة إن كان هو الخطيب.
(وقوله: المسلم عليهم) يقرأ بصيغة المبني للمفعول، والجار والمجرور نائب فاعله.
(قوله: فإن سلم) أي الداخل.
(قوله: لزمهم الرد) أي وإن كره السلام، لأن كراهته ليست ذاتية، بخلافه على نحو قاضي الحاجة، فإن الكراهة فيه ذاتية.
ولذلك لا يلزمه الرد.
وعبارة النهاية: وإنما لم يجب الرد على نحو قاضي الحاجة، لأن الخطاب منه ومعه سفه وقلة مروءة، فلا يلائمه الرد، بخلافه هنا، فإنه يلائمة، لأن عدم مشروعيته لعارض، لا لذاته، بخلافه ثم، فلا إشكال.
اه.
وخالف الغزالي في وجوب الرد، وعبارته: ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب، فإن سلم لم يستحق جوابا.
اه.
(قوله: ويسن تشميت العاطس) أي إذا عطس حال الخطبة.
ولسنية التشميت شروط، أن يحمد الله تعالى العاطس، وأن لا يزيد على الثلاث، وأن لا يكون بسبب.
ففي صحيح مسلم: عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا عطس أحدكم فحمد الله تعالى فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه.
وروي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث.
قال النووي في الأذكار: واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل يقال له في الثالثة إنك مزكوم.
قال: والمعنى فيه أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض، لا خفة العطاس.
اه.
وإنما لم يكره التشميت - كسائر الكلام - لأن سببه قهري.
(قوله: والرد عليه) الضمير يعود على المشمت بصيغة اسم الفاعل المفهوم من تشميت، وإن كان ظاهر صنيعه أنه يعود على العاطس، أي ويسن الرد من العاطس على المشمت بأن يقول العاطس للمشمت - بعد قوله له يرحمك الله -، يهديكم الله ويصلح بالكم.
قال النووي في الأذكار: وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح
بالكم.
أي شأنكم.
اه.
(قوله: ورفع الصوت) أي ويسن رفع الصوت حال الخطبة.
(وقوله: من غير مبالغة) أما معها فيكره.
(قوله: بالصلاة إلخ) متعلق برفع الصوت.
(قوله: عند ذكر إلخ) متعلق بيسن المقدر.
(وقوله: اسمه) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وسئل) ابن حجر: هل يجوز للحاضرين والمؤذنين إذا سمعوا اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يصلوا عليه جهرا أو لا؟ (فأجاب) بقوله: أما حكم الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -، عند سماع ذكره برفع الصوت من غير مبالغة، فهو أنه جائز بلا كراهة، بل هو(2/100)
سنة.
وعبارة العباب وشرحي له: قال النووي وغيره: ولا يكره أيضا رفع الصوت بلا مبالغة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ الخطيب: * (إن الله وملائكته يصلون على النبي) * (1) الآية.
ونقل الروياني ذلك عن الأصحاب، فقال: إنه يكون كالتشميت، لأنه كلا سنة.
فقول القاضي أبي الطيب يكره لأنه يقطع الإستماع، ضعيف.
بل صوب الزركشي خلافه.
اه.
(قوله: قال شيخنا) لعله في غير التحفة وفتح الجواد والفتاوي من بقية كتبه.
نعم، العبارة التي نقلتها عن الفتاوي - عند قول الشارح: ويسن الدعاء لولاة الصحابة - فيها حكم التأمين من السامعين، وفيها حكم ترضي الخطيب عنهم.
وأما ترضي السامعين المراد هنا فلم يذكر فيها.
(قوله: ولا يبعد ندب الترضي عن الصحابة) أي ترضي السامعين عنهم عند ذكر الخطيب أسماءهم.
(قوله: بلا رفع صوت) متعلفق بندب.
أما مع رفع الصوت فلا يندب، لأن فيه تشويشا (قوله: وكذا التأمين الخ) أي وكذا لا يبعد ندب التأمين بلا رفع صوت لدعاء الخطيب.
(قوله: وتكره تحريما) أي كراهة تحريم، فهو منصوب على المفعولية المطلقة على حذف مضاف، وفيه أنه عبر في التحفة بالحرمة، ونصها: ويحرم إجماعا صلاة فرض إلخ.
اه.
وبين كراهة التحريم والحرمة فرق، وإن كان كل منهما يقتضي الإثم، وذلك الفرق هو أن كراهة التحريم: ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل، والحرمة: ما ثبتت بدليل قطعي.
فتنبه.
(قوله: ولو لمن لم تلزمه الجمعة) أي تكره تحريما مطلقا على من لزمته الجمعة وعلى من لم تلزمه، بأن يكون عبدا أو مسافرا، أو امرأة.
لكن الكراهة محصورة فيمن لم تطلب منه تحية المسجد.
بأن كان جالسا وأراد أن يصلي: (قوله: بعد جلوس الخطيب) أما قبله - ولو بعد صعوده على المنبر - فلا يحرم.
(قوله: وإن لم يسمع الخطبة) غاية في كراهة التحريم.
وإنما كرهت تحريما على من لم يسمع لاشتغاله بصورة عبادة، ومن ثم فارقت الصلاة الكلام بأن الاشتغال به لا يعد إعراضا عنه بالكلية، وأيضا فمن شأن المصلي الإعراض عما سوى صلاته، فإنه قد يفوته بها سماع أول الخطبة، بل لو أمن فوات ذلك كان ممتنعا أيضا.
وقد يؤخذ من ذلك أن الطواف ليس كالصلاة هنا.
ويمنع من سجدة التلاوة والشكر.
اه.
نهاية.
وقوله: أن الطواف ليس كالصلاة: جزم به في التحفة.
(وقوله: ويمنع إلخ) جعلهما في التحفة كالطواف، فلا يمنع منهما، وعبارتها: لا طواف وسجدة تلاوة وشكر.
(قوله: صلاة فرض) نائب فاعل تكره.
(قوله: ولو فائتة الخ) غاية في الكراهة، أي تكره تحريما صلاة الفرض، ولو كانت فائتة تذكرها حال جلوس الخطيب على المنبر.
(قوله: وإن لزمته فورا) غاية في الفائتة، أي ولو كانت الفائتة لزمته فورا، أي لزمه قضاؤها فورا، بأن فاتته من غير عذر، فإنه يكره تحريما قضاؤها حينئذ.
قال ع ش: فلا يفعله، وإن خرج من المسجد عاد إليه بسبب فعله فيما يظهر - أخذا مما قالوه فيما لو دخل المسجد في الأوقات المكروهة بقصد التحية.
اه.
(قوله: أو نفل) بالجر، معطوف على فرض.
(قوله: ولو في حال الدعاء) غاية في الكراهة أيضا.
(والحاصل) أنها تستمر إلى فراغ الخطبة وتوابعها.
(قوله: والأوجه أنها لا تنعقد) عبارة المغنى: وإذا حرمت لم تنعقد - كما قاله البلقيني - لأن الوقت ليس لها، وكالصلاة في الأوقات الخمسة المكروهة، بل أولى، للإجماع على تحريمها هنا، كما مر بخلافها ثم.
اه.
والفرق حينئذ بينها وبين الصلاة في المكان المغصوب - حيث انعقدت مع أنها تحرم -: أن النهي هنا لذات الصلاة، وهناك لأمر خارج، وهو شغل ملك الغير من غير إذنه.
(قوله: كالصلاة بالوقت المكروه) أي فإنها لا تنعقد فيه.
(وقوله: بل أولى) أي بل عدم انعقادها بعد جلوس الخطيب على المنبر أولى من عدم انعقادها فيه، وذلك لإعراضه عما هو مأمور به، وهو الإنصات للخطيب.
(قوله: يقتصر الخ) تصوير للتخفيف.
(وقوله: على أقل مجزئ) هو الإتيان بالواجبات فقط، كما سيصرح به قريبا.
واعتمد في النهاية أن
__________
(1) الاحزاب: 56(2/101)
المراد بالتخفيف ترك التطويل عرفا، وعبارتها: والمراد بالتخفيف فيما ذكر، الاقتصار على الواجبات.
قال الزركشي: لا الإسراع.
قال: ويدل له ما ذكروه أنه إذا ضاق الوقت وأراد الوضوء، اقتصر على الواجبات.
اه.
وفيه نظر.
والفرق بينه وبين ما استدل به واضح، وحينئذ فالأوجه أن المراد به ترك التطويل عرفا.
اه.
فعليه إن طول عرفا بطلت وإلا فلا.
وعلى الأول إن زاد على الواجبات بطلت، وإلا فلا.
(قوله: عند جلوسه) متعلق بتخفيفها، أو متعلق بصلة من.
(فرع) قال سم: ينبغي فيما لو ابتدأ فريضة قبل جلوس الإمام فجلس في أثنائها، أنه إن كان الباقي ركعتين جاز له فعلهما، ولزمه تخفيفهما.
أو أكثر، امتنع فعله، وعليه قطعها، أو قلبها نفلا، والاقتصار على ركعتين، مع لزوم تخفيفها.
ولو أراد بعض الجالسين فريضة ثنائية، فخرج من المسجد ثم دخله بقصد التوصل لفعل تلك الفريضة، فينبغي امتناع ذلك، كما لو
دخل المسجد وقت الكراهة بقصد التحية فقط.
اه.
(وقوله: ولو أراد الخ) تقدم عن ع ش ما يؤيده.
(قوله: وكره) أي تنزيها.
(وقوله: لداخل) أي محل الصلاة.
(وقوله: تحية) نائب فاعل كره.
(وقوله: فوتت تكبيرة الإحرام) أي غلب على ظنه ذلك، بأن دخل والصلاة قد أقيمت أو قرب قيامها، فحينئذ يتركها، ويقف حتى تقام الصلاة، ولا يقعد لئلا يجلس في المسجد قبل التحية.
(قوله: وإلا فلا تكره) أي وإن لم تفوت عليه ذلك، أي لم يغلب على ظنه ذلك، لم تكره.
(قوله: بل تسن) أي التحية بنيتها، وهو الأولى.
أو راتبة الجمعة القبلية إن لم يكن صلاها.
وحينئذ الأولى نية التحية معها، فإن أراد الاقتصار فالأولى - فيما يظهر - نية التحية، لأنها تفوت بفواتها بالكلية إذا لم تنو، بخلاف الراتبة القبلية للداخل.
فإن نوى أكثر منهما أو صلاة أخرى بقدرهما لم تنعقد.
اه.
تحفة.
(قوله: لكن يلزمه تخفيفها) وذلك لخبر مسلم: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فجلس، فقال يا سليك، قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما.
ثم قال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما.
وقوله: قم فاركع: إنما أمره بذلك لأنه جلس جاهلا بطلب التحية منه، فلم تفت بذلك.
(قوله: وكره احتباء) قال الكردي هو - كما في الإيعاب - أن يجمع الرجل ظهره وساقيه بثوب أو يديه أو غيرهما.
اه.
قال ابن زياد اليمني: إذا كان يعلم من نفسه عادة أن الاحتباء يزيد في نشاطه فلا بأس به.
اه.
وهو وجيه، وإن لم أره في كلامهم.
ويحمل النهي عنه والقول بكراهته على من يجلب له الفتور والنوم.
اه.
(وقوله: للنهي عنه) أي في خبر أبي داود والترمذي، عن معاذ بن أنس، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب.
قال في شرح الروض: وحكمته - أي النهي عنها - أنه يجلب النوم، فيعرض طهارته للنقض، ويمنع الاستماع.
اه.
(قوله: وكتب أوراق حالتها) أي وكره كتب أوراق حالة الخطبة، وتسمى الحفائظ.
قال في التحفة: كتابة الحفائظ آخر جمعة من رمضان بدعة منكرة - كما قاله القمولي - لما فيها من تفويت سماع الخطبة، والوقت الشريف فيما لم يحفظ عمن يقتدي به، ومن اللفظ المجهول، وهو كعسلهون، أي وقدم جزم أئمتنا وغيرهم بحرمة كتابة وقراءة الكلمات الأعجمية التي لا يعرف معناها.
وقول بعضهم أنها حية محيطة بالعرش رأسها على ذنبها، لا يعول عليه، لأن مثل ذلك لا مدخل للرأي فيه، فلا يقبل منه إلا ما ثبت عن معصوم على أنها بهذا المعنى، لا تلائم ما قبلها في الحفيظة، وهو لا آلاء إلا آلاؤك يا الله كعسلهون، بل هذا اللفظ في غاية الإيهام.
ومن ثم قيل أنها اسم صنم أدخلها ملحد على جهلة العوام، وكأن بعضهم أراد دفع ذلك الإيهام، فزاد بعد الجلالة: محيط به علمك كعسلهون، أي كإحاطة تلك الحية بالعرش، وهو غفلة عما تقرر أن هذا لا يقبل فيه إلا ما صح عن معصوم، وأقبح من
ذلك: ما اعتيد في بعض البلاد من صلاة الخميس في هذه الجمعة عقب صلاتها، زاعمين أنها تكفر صلوات العام أو العمر المتروكة، وذلك حرام، أو كفر، لوجوه لا تخفى اه.
(قوله: بل وإن كتب فيها) أي في الأوراق.
والإضراب انتقالي.
(وقوله: نحو أسماء سريانية) اندرج تحت نحو الأسماء العبرانية ونحوها من كل ما يجهل معناه.
(وقوله: حرم)(2/102)
أي كتب ذلك، والفعل جواب إن.
(قوله: وسن قراءة سورة كهف) حكمة تخصيصها من بين سور القرآن، أن الله تعالى ذكر فيها يوم القيامة، ويوم الجمعة يشبهها، لما فيه من اجتماع الخلق، ولأن القيامة تقوم يوم الجمعة.
(قوله: يوم الجمعة وليلتها) (سئل) الشمس الرملي عمن قرأ نصف الكهف ليلا ونصفها نهارا، هل يحصل له الثواب المخصوص أو لا؟ (فأجاب) بأنه لا يحصل له الثواب المخصوص، وإنما يحصل له أصل الثواب.
اه.
من الفتاوى: (قوله: لأحاديث فيها) دليل لسنية قراءة سورة الكهف، أي وسن قراءتها لورود أحاديث فيها.
منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأها يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين.
ومنها: من قرأها ليلتها أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق.
قال الغزالي في الإحياء: وليقرأ سورة الكهف خاصة، فقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة - رضي الله عنهم - أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة، أو يوم الجمعة، أعطي نورا من حيث يقرأها إلى مكة، وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح.
وعوفي من الداء، والدبيلة، وذات الجنب، والبرص والجذام، وفتنة الدجال.
(قوله: وقراءتها) أي سورة الكهف.
(وقوله: آكد) أي من قراءتها ليلا.
(قوله: وأولاه) أي النهار.
(وقوله: بعد الصبح) متعلق بمحذوف خبر أولاه.
والمعنى: أن قراءة سورة الكهف بعد الصبح أفضل من قراءتها بقية النهار، مسارعة للخير ما أمكن.
وفي المغني: والظاهر أن المبادرة إلى قراءتها أول النهار أولى، مسارعة وأمنا من الإهمال.
وقيل: قبل طلوع الشمس.
وقيل: بعد العصر.
اه.
(قوله: وإن يكثر منها) أي ويسن أن يكثر من قراءة سورة الكهف، وأقل الإكثار ثلاث مرات، كما في حواشي المحلي، وحواشي المنهج.
(قوله: ومن سائر القرآن) أي وسن أن يكثر من سائر القرآن قال المؤلف في (إرشاد العباد) أخرج الدارمي عن مكحول: من قرأ سورة آل عمران يوم الجمعة صلت عليه الملائكة إلى الليل.
وهو عن كعب: اقرؤا سورة هود يوم الجمعة والطبراني عن أبي أمامة: من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة أو يوم جمعة بنى الله له بيتا في الجنة.
اه.
(وقوله: فيهما) أي في ليلة الجمعة ويومها.
(قوله: ويكره الجهر بقراءة الكهف) لم يعبر هنا بالسورة للإرشاد للرد على من شذ فكره ذكر ذلك من غير سورة.
(قوله: وغيره) الأولى
وغيرها، لأن المراد من الكهف السورة.
(قوله: إن حصل به) أي بالجهر.
وهو قيد في الكراهة.
(قوله: أو نائم) قال سم: ظاهره ولو في المسجد وقت إقامة المفروضة.
وفيه نظر، لأنه مقصر بالنوم.
اه.
(قوله: ينبغي حرمة الجهر بالقراءة في المسجد) أي بحضرة المصلين فيه.
وعبارة الشارح في (باب الصلاة) : وبحث بعضهم المنع من الجهر بقرآن أو غيره بحضرة المصلي مطلقا، أي شوش عليه أولا، لأن المسجد وقف على المصلي، أي أصالة - دون الوعاظ والقراء.
اه.
(قوله: وحمل) بالبناء للفاعل، وفاعله يعود على شيخه، إن كان هذا الحمل موجودا في شرح العباب، وبالبناء للمجهول ونائب فاعله كلام النووي، إن لم يكن موجودا فيه.
فانظره.
(وقوله: بالكراهة) متعلق بكلام معنى تكلم، أي حمل تكلمه بالكراهة أي قوله بها.
(قوله: على ما إذا خف التأذى) متعلق بحمل، وهذا يخالف الإطلاق المار في العبارة المارة آنفا إن كانت الواو في قوله بعد: وعلى كون إلخ بمعنى أو - كما هو ظاهر صنيعه - فإن كانت باقية على معناها فلا مخالفة، لأنه يصير المحمول عليه مجموع شيئين: خفة التأذي، وكون القراءة في غير المسجد.
(قوله: وإكثار صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) قال الحلبي في حواشي المنهج: قال أبو طالب المكي: أقل إكثار الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - ثلثمائة مرة.
اه.
(قوله: للأخبار الصحيحة الآمرة بذلك) منها: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي.
وخبر: أكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة ويوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة ليلة الجمعة، ويوم الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.
وفي الإحياء ما نصه: يستحب أن يكثر الصلاة على(2/103)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة.
قيل: يا رسول الله، كيف الصلاة عليك؟ قال: تقول: اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي.
وتعقد واحدة.
وإن قلت: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء، وأعطه الوسيلة، وابعثه المقام الذي وعدته، واجزه عنا ما هو أهله، واجزه أفضل ما جزيت نبيا عن أمته، وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين، يا أرحم الراحمين.
تقول هذا سبع مرات.
فقد قيل: من قالها في سبع جمع، في كل جمعة سبع مرات، وجبت له شفاعته - صلى الله عليه وسلم -.
وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة، فقال: اللهم اجعل فضائل صلواتك، ونوامي بركاتك، وشرائف زكواتك، ورأفتك، ورحمتك، وتحيتك، على محمد سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، ورسول رب العالمين، قائد الخير، وفاتح البر، ونبي الرحمة، وسيد الأمة.
اللهم ابعثه مقاما محمودا تزلف به قربه،
وتقربه عينه، يغبطه به الأولون والآخرون.
اللهم اعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة، والدرجة الرفيعة، والمنزلة الشامخة المنيفة.
اللهم أعط محمدا سؤاله، وبلغه مأموله واجعله أول شافع، وأول مشفع، اللهم عظم برهانه، وثقل ميزانه، وأبلج حجته، وارفع في أعلى المقربين درجته.
اللهم احشرنا في زمرته، واجعلنا من أهل شفاعته، وأحينا على سنته، وتوفنا على ملته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه، غير خزايا ولا نادمين، ولا شاكين ولا مبدلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، آمين يا رب العالمين.
وعلى الجملة، فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة، ولو بالمشهورة في التشهد، كان مصليا.
وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار، فإن ذلك أيضا مستحب في هذا اليوم.
اه.
ملخصا.
(قوله: فالإكثار منها أفضل من إكثار ذكر أو قرآن) يعني أن الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة الجمعة ويومها أفضل من الإكثار بغيرها من الذكر والقراءة.
(وقوله: لم يرد بخصوصه) فاعل الفعل يعود على الأحد الدائر من الذكر أو القرآن، أو يعود على المذكور منهما، أي لم يرد كل من الذكر والقرآن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخصوصه، فإن ورد فيه ذلك بخصوصه، كقراءة الكهف، والتسبيح عقب الصلوات، فالاشتغال به أفضل من الاشتغال بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: ودعاء) بالجر معطوف على صلاة، أي وسن إكثار دعاء إلخ.
(قوله: رجاء الخ) علة لسنية الإكثار من الدعاء.
(وقوله: ساعة الإجابة) أي أن الدعاء فيها يستجاب ويقع ما دعا به حالا يقينا، فلا ينافي أن كل دعاء مستجاب.
وهي من خصائص هذه الأمة.
اه.
برماوي.
(قوله: وأرجاها) أي ساعة الإجابة، أي أقربها رجاء، أي حصولا.
(وقوله: من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة) قال سم: لا يخفى أنه من حين جلوس الخطيب إلى فراغ الصلاة يتفاوت باختلاف الخطباء، إذ يتقدم بعضهم، ويتأخر بعضهم، بل يتفاوت في حق الخطيب الواحد، إذ يتقدم في بعض الجمع ويتأخر في بعض، فهل تلك الساعة متعددة فهي في حق كل خطيب ما بين جلوسه إلى آخر الصلاة، وتختلف في حق الخطيب الواحد أيضا باعتبار تقدم جلوسه وتأخره؟ فيه نظر.
وظاهر الخبر التعدد، ولا مانع منه.
ثم رأيت الشارح سئل عن ذلك، فأجاب بقوله: لم يزل في نفسي ذلك منذ سنين، حتى رأيت الناشري نقل عن بعضهم أنه قال: يلزم على ذلك أن تكون ساعة الإجابة في حق جماعة غيرها في حق آخرين، وهو غلط ظاهر، وسكت عليه.
وفيه نظر.
ومن ثم قال بعض المتأخرين ساعة الإجابة في حق كل خطيب وسامعيه ما بين أن يجلس إلى أن تنقضي الصلاة، كما صح في الحديث، فلا دخل للعقل في ذلك بعد صحة النقل.
اه.
قال الشارح في شرح العباب: وقد سئل البلقيني: كيف يدعو حال الخطبة وهو مأمور بالإنصات؟ (فأجاب) بأنه ليس من شروط الدعاء التلفظ، بل استحضاره بقلبه كاف.
اه.
وقد يقال ليس المقصود من الإنصات إلا ملاحظة
معنى الخطبة، والاشتغال بالدعاء بالقلب بما يفوت ذلك.
اه.
(قوله: وهي لحظة لطيفة) أي أن ساعة الإجابة لحظة لطيفة، وأفاد بهذا أنه ليس المراد بقولهم فيها وأرجاها من جلوس إلخ، أن ساعة الإجابة مستغرقة لما بين الجلوس وآخر الصلاة، بل المراد أنها لا تخرج عن هذا الوقت، فإنها لحظة لطيفة.
ففي الصحيحين، عند ذكره إياها وأشار بيده يقللها.(2/104)
(قوله: وصح أنها آخر ساعة بعد العصر) هذا لا يعارض ما تقدم من أنها من جلوس الخطيب إلى آخر الصلاة لأنه يحتمل أنها منتقلة، تكون يوما في وقت ويوما في وقت آخر.
وعبارة شرح المنهج: وأما خبر: يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، فيه ساعة لا يوجد فيها مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر.
فيحتمل أن هذه الساعة منتقلة تكون يوما في وقت، ويوما في آخر، كما هو المختار في ليلة القدر.
اه.
قال البجيرمي: وقوله منتقلة: ضعيف، والمعتمد أنها تلزم وقتا بعينه.
كما أن المعتمد في ليلة القدر أنها تلزم ليلة بعينها.
فقوله: كما هو المختار، ضعيف.
اه.
(قوله: وفي ليلتها) معطوف على في يومها أي وسن إكثار دعاء في ليلتها.
(قوله: لما جاء) أي ورد.
(وقوله: أنه) أي الشافعي.
(وقوله: بلغه) أي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فهو مرفوع.
اه.
ع ش (قوله: وسن إكثار فعل الخير فيهما) أي في يوم الجمعة وليلتها، لما أخرجه ابن زنجوية عن ابن المسيب بن رافع قال: من عمل خيرا في يوم الجمعة ضعف له بعشرة أضعاف في سائر الأيام، ومن عمل شرا فمثل ذلك اه.
إرشاد العباد.
ويقاس باليوم: الليلة، إذ لا فرق.
(قوله: كالصدقة) تمثيل لفعل الخير.
قال في الإحياء: الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة، فإنها تتضاعف، إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه.
قال كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة، ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما، ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك باسم الله الرحمن الرحيم، وباسمك الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم.
لم يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه.
وقال بعض السلف: من أطعم مسكينا يوم الجمعة، ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحدا ثم قال حين يسلم الإمام: بسم الله الرحمان الحي القيوم.
أسألك أن تغفر لي، وترحمني، وتعافيني من النار.
ثم دعا بما بدا له، استجيب له.
(وقوله: وغيرها) أي غير الصدقة، كالوقف وإماطة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،.
وزيارة مريض.
(قوله: وأن يشتغل) المصدر المؤول معطوف على إكثار، أي وسن الاشتغال إلخ، ولا حاجة إلى ذكر هذا، لأنه يعلم مما قبله، إذ فعل الخير شامل للقراءة والذكر ونحوهما.
وقد صرح أولا بأن الإكثار من
الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل من إكثار ذكر أو قرآن لم يرد بخصوصه.
(قوله: في طريقه) أي إلى المسجد.
قال في المغنى: والمختار كما قال المصنف في تبيانه - أن القراءة في الطريق جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها، فإن التهى عنها كرهت.
قال الأذرعي: ولعل الأحوط ترك القراءة فيها، فقد كرهها بعض السلف فيه.
ولا سيما في مواضع الرحمة الغفلة.
اه.
(وقوله: وحضوره) أي وفي حضوره.
والمراد أن يشتغل في وقت انتظار الصلاة.
(وقوله: محل الصلاة) ظرف متعلق بحضوره.
(قوله: بقراءة) متعلق بيشتغل.
(قوله: وأفضله) أي الذكر.
(قوله: قبل الخطبة) متعلق بحضور، فكان الأولى أن يذكره بعده - كما في المغنى والنهاية - قال في الروض وشرحه: وليشتغل - ندبا - من حضر قبل الخطبة بالذكر، والتلاوة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اه.
(قوله: وكذا حالة الخطبة) أي وكذا يسن أن يشتغل بما ذكر إذا حضر حالة الخطبة ولم يسمعها.
(قوله: كما مر) أي قريبا في قوله: نعم، الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر سرا.
(قوله: للأخبار المرغبة) تعليل لسنية الإكثار من فعل الخير وسنية الاشتغال.
(وقوله: في ذلك) أي المذكور من إكثار فعل الخير والاشتغال بما ذكر من القراءة، والذكر والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد علمت بعضا من الأخبار الواردة في ذلك.
فلا تغفل.
(والحاصل) ينبغي أن يجعل يوم الجمعة للآخرة، فكيف فيه عن جميع أشغال الدنيا، ويكثر فيه الأوراد فعل الخير، كما هو عادة السلف.
(قوله: وأن يقرأ الخ) معطوف على إكثار أيضا.
أي وسن أن يقرأ.
(قوله: قبل أن يثني رجليه) أي قبل أن يصرفهما عن الهيئة التي سلم عليها ويردهما إلى هيئة أخرى.
فهو بفتح الياء من ثنى: كرمى.
قال في(2/105)
المصباح: ثنيت الشئ أثنيه ثنيا، من باب رمى: إذا عطفته، ورددته.
وثنيته عن مراده: إذا صرفته عنه.
اه.
بتصرف.
(قوله: الفاتحة إلخ) مفعول يقرأ.
(قوله: سبعا سبعا) حال من القراءة المأخوذة من يقرأ، أو نائب عن المفعول المطلق.
أي يقرأ ذلك حال كون قراءة كل واحدة من السور المذكورة مكررة سبعا سبعا، أو يقرأ ذلك قراءة سبعا سبعا.
(قوله: لما ورد إن من قرأها) أي الفاتحة وما بعدها.
وورد أيضا أن من قرأها حفظ الله له دينه ودنياه وأهله وولده.
وورد أيضا (1) عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من قرأ بعد صلاة الجمعة * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * سبع مرات أعاذه الله بها من السوء إلى الجمعة الأخرى.
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: من قال بعد قراءة ما تقدم: اللهم يا غني يا حميد، يا مبدئ يا معيد، يا رحيم يا ودود، اغنني بفضلك عمن سواك، وبحلالك عن حرامك.
أغناه الله، ورزقه من حيث لا يحتسب.
وقال أنس - رضي الله عنه -: من قال يوم الجمعة
سبعين مرة: اللهم اغنني بفضلك عمن سواك، وبحلالك عن حرامك.
لم يمر عليه جمعتان حتى يغنيه الله تعالى.
(فوائد) الأولى: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من قال بعدما تقضى الجمعة سبحان الله العظيم وبحمده.
مائة مرة، غفر الله له مائة ألف ذنب، ولوالديه أربعة وعشرين ألف ذنب.
الثانية: عن سيدي عبد الوهاب الشعراني - نفعنا الله به - أن من واظب على قراءة هذين البيتين في كل يوم جمعة، توفاه الله على الإسلام من غير شك، وهما: إلهي لست للفردوس أهلا * * ولا أقوى على نار الجحيم فهب لي توبة، واغفر ذنوبي * * فإنك غافر الذنب العظيم ونقل عن بعضهم أنها تقرأ خمس مرات بعد الجمعة..الثالثة: عن عراك بن مالك، أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، وقال: اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين، وقد قلت وقولك الحق * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) *.
(تنبيه) وجدت في هامش حاشية الكردي ما نصه: ذكر ع ش في حاشيته على م ر أنه ينبغي تقديم المسبعات المذكورة على الذكر الوارد عقب الصلاة، لحث الشارع على طلب الفور فيها، ولكن في ظني أن في (شرح المناوي على الأربعين) أنه يقدم التسبيح وما معه عليها، وينبغي أيضا أن يقدم المسبعات على تكبير العيد.
اه.
وقوله: على تكبير العيد: أي التكبير المقيد في عيد الأضحى.
(قوله: مهمة، يسن أن يقرأها) أي الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين.
(وقوله: وآية الكرسي) بالنصب، معطوف على مفعول يقرأ.
(قوله: وشهد الله) أي ويقرأ آية شهد الله، وهي: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم (2) *.
(قوله: بعد كل مكتوبة) متعلق بيقرأ.
(قوله: وحين يأوى) معطوف على الظرف قبله، فهو متعلق بما تعلق به، أي ويسن أن يقرأ ما ذكر حين يأوي على فراشه، أي يستقر لأجل النوم.
(قوله: مع
__________
(1) (قوله: ورود أيضا) هذه الرواية بإسقاط الفاتحة الرواية ذكرها الشارح، فإنها بإثباتها.
اه.
مولف (2) الجمعة: 9 - 10(2/106)
أواخر إلخ) متعلق بيقرأ المقدر، أي يقرؤها مع قراءة أواخر البقرة.
(وقوله: والكافرون) معطوف على أواخر، أي ومع قراءة الكافرون، وأثبت الواو فيه للحكاية.
(قوله: ويقرأ خواتيم الحشر) أي ويسن أن يقرأ خواتيم الحشر، وهي: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم، يتفكرون، هو الله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، هو الرحمن الرحيم.
هو الله الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون.
هو الله الخالق البارئ المصور، له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات والأرض، وهو الغزيز الحكيم) * (1) (وقوله: وأول غافر، إلخ) هو: * (حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو، إليه المصير) (2) * (وقوله: أفحسبتم) أي ويقرأ آية أفحسبتم، وهي: * (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) * (3) .
(قوله: صباحا ومساء) متعلق بقوله ويقرأ خواتيم إلخ.
أي ويقرأ خواتيم إلخ.
أي ويقرأ ذلك في الصباح والمساء.
(وقوله: مع أذكارهما) أي الصباح والمساء.
أي ويقرأ ما ذكر زيادة على أذكارهما، وقد عقد لها المؤلف في (إرشاد العباد) بابا مسقلا، فانظره إن شئت.
(قوله: وأن يواظب كل يوم الخ) أي ويسن أن يواظب كل يوم.
(قوله: وعلى الإخلاص الخ) أي ويسن أن يواظب - مع ما ذكر - على الإخلاص كل يوم مائتي مرة.
(وقوله: والفجر) أي ويواظب على الإخلاص مع * (والفجر وليال عشر) * (4) في عشر ذي الحجة.
(قوله: ويس) أي ويسن أن يقرأ يس، لخبر: اقرؤا على موتاكم يس.
رواه أبو داود، وصححه ابن حبان.
وقال: المراد به من حضره الموت، يعني مقدماته، لأن الميت لا يقرأ عليه.
وفي رباعيات أبي بكر الشافعي: ما من مريض يقرأ عند يس إلا مات ريانا، وأدخل قبره ريانا، وحشر يوم القيامة ريانا.
قال الجاربردي: ولعل الحكمة في قراءتها أن أحوال القيامة والبعث مذكورة فيها، فإذا قرئت عليه تجدد له ذكر تلك الأحوال.
(وقوله: والرعد) أي ويسن أن يقرأ عنده الرعد أي لقول جابر بن زيد: فإنها تهون عليه خروج الروح.
(وقوله: عند المحتضر) متعلق بيقرأ المقدر.
(قوله: ووردت في كلها أحاديث غير موضوعة) قد استوعبها الإمام النووي في أذكاره، فليراجعها من شاء.
(تنبيه) ينبغي للعاقل أن يواظب على الأذكار النبوبة الواردة عن خير البرية، المشروعة بعد المكتوبة وغيرها من
جميع الأحوال، فإن من أفضل حال العبد حال ذكره رب العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد المرسلين، فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه (بالمسلك القريب لكل سالك منيب) تأليف العالم النحرير الماهر، الجامع بين علمي الباطن والظاهر، سيدنا الحبيب طاهر بن حسين بن طاهر باعلوى، فإنه كتاب حوي من نفائس الأذكار، وجلائل الأدعية والأوراد ما يشرق به قلب القارئ، ويسلك به سبيل الرشاد.
كيف لا وقد استوعب جملة من الأوراد وأحزاب السادة الأبرار ما يستوعب به السالك آناء الليل وأطراف النهار؟ فبادر أيها السالك، الطالب طريق الآخرة، إلى تحصيله، وشمر عن ساعد الاجتهاد بالعمل بما فيه وسلوك سبيله، تفز إن شاء الله تعالى بما ترجو، ومن غوائل النفس والشيطان وظلمات غيهما بنوره تنجو.
وفقنا الله للعمل بما فيه.
وأعاذنا من العجز والكسل عن مواظبته، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه.
__________
(1) الحشر، 21 - 22 - 23 - 24.
(2) غافر: 1 - 2 - 3.
(3) المؤمنون: 115 - 116 - 117 - 118.
(4) الفجر: 1(2/107)
(قوله: وحرم تخط) قال في الإحياء لما ورد فيه من الوعيد الشديد، وهو أنه يجعل جسرا يوم القيامة يتخطاه الناس.
وروى ابن جريج مرسلا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم -، عارض الرجل حتى لقيه، فقال: يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا؟ قال: يا نبي الله قد جمعت معكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ألم نرك تتخطى رقاب الناس؟ أشار به إلى أنه أحبط عمله.
وفي حديث مسند أنه قال: ما منعك أن تصلي معنا؟ قال: أو لم ترني يا رسول الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: رأيتك تأنيت وآذيت - أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور -.
ومهما كان الصف الأول متروكا خاليا فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم، وتركوا موضع الفضيلة.
قال الحسن: تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم، وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم، لأنه تكليف جواب في غير محله.
اه.
(وقوله: رقاب الناس) أي قريبا منها، وهو المناكب.
والمراد بالرقاب الجنس، فيشمل تخطي رقبة أو رقبتين.
قال ع ش: ويؤخذ من التعبير
بالرقاب أن المراد بالتخطي: أن يرفع رجله بحيث يحاذي في تخطيه أعلى منكب الجالس.
وعليه: فما يقع من المرور بين الناس ليصل إلى نحو الصف الأول ليس من التخطي، بل من خرق الصفوف، إن لم يكن ثم فرج في الصفوف يمشي فيها.
اه.
ومن التخطي المحرم ما جرت به العادة من التخطي لتفرقة الأجزاء، أو تبخير المسجد، أو سقي الماء، أو السؤال لمن يقرأ في المسجد.
(قوله: للأحاديث الصحيحة فيه) أي في حرمة التخطي، أي الدالة على حرمته، لما فيها من الوعيد الشديد.
(قوله: والجزم بالحرمة إلخ) ضعيف.
(قوله: واختارها) أي الحرمة.
(قوله: لكن قضية إلخ) معتمد.
(وقوله: الكراهة) أي التنزيهية.
قال ع ش: قال سم: على منهج (فإن قلت) : ما وجه ترجيح الكراهة على الحرمة، مع أن الإيذاء حرام، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: اجلس فقد آذيت ... (قلت) : ليس كل إيذاء حراما، وللمتخطي هنا غرض، فإن التقدم أفضل.
اه.
(قوله: لا لمن الخ) أي لا يحرم التخطي لمن وجد إلخ.
(وقوله: فرجة) بضم الفاء وفتحها، قال البرماوي: وهي خلاء ظاهر، أقله ما يسع واقفا.
وخرج بها السعة، فلا يتخطى إليها مطلقا.
اه.
(قوله: فله) أي لمن وجد فرجة.
(وقوله: تخطي صف واحد أو اثنين) أي رجل أو رجلين، ولو من صف واحد، لا أكثر منهما.
ومثال تخطي الرجل فقط، ما إذا كان في آخر الصف بجنب الحائط فإن زاد على الصفين ورجا أن يتقدموا إليها إذا أقيمت الصلاة، كره لكثرة الأذى، فإن لم يرج ذلك فلا كراهة، وإن كثرت الصفوف.
وكذلك إذا قامت الصلاة ولم يسدوها فيخرقها وإن كثرت.
وفي البجيرمي: وحاصل المعتمد أنه إذا وجد فرجة لا يكره التخطي مطلقا أي سواء كانت قريبة أو بعيدة رجا تقدم أحد إليها أم لا.
وأما اسحباب تركه فإذا وجد موضعا اسحب ذلك، وإلا فإن رجا انسدادها فكذلك، وإلا فلا يستحب تركها.
اه.
(قوله: ولا لإمام) معطوف على لمن وجد فرجة، أي ولا يحرم التخطي لإمام لاضطراره إليه.
(وقوله: لم يجد طريقا إلى المحراب) أي أو المنبر، فإن وجد طريقا يبلغ بها بدون التخطي كره.
(قوله: ولا لغيره) معطوف أيضا على لمن وجد، أي ولا يحرم التخطي لغير الإمام.
(وقوله: إذا أذنوا) أي الحاضرون.
قال في المغنى: ولا يكره لهم الإذن والرضا بإدخالهم الضرر على أنفسهم، لكن يلزمهم من جهة أخرى، وهو أن الإيثار بالقرب مكروه.
اه.
(وقوله: فيه) أي في التخطي.
(وقوله: لا حياء) خرج به ما إذا أذنوا له حياء منه، فيحرم التخطي، أو يكره.
(قوله: ولا لمعظم) معطوف أيضا على لمن وجد.
أي ولا يحرم التخطي لمعظم، أي في النفوس.
قال في التحفة: وقيده الأذرعي بمن ظهر صلاحه وولايته ليتبرك الناس به.
(قوله: ألف موضعا) قال ع ش: أي أو لم يألف.
اه.(2/108)
(واعلم) أن الذي ذكره الشارح من الصور المستثناة من حرمة التخطي أو كراهته على القولين أربع صور، وبقي منها: إذا سبق الصبيان أو العبيد أو غير المستوطنين إلى الجامع، فإنه يجب على الكاملين إذا حضروا التخطي لسماع الخطبة إذا كانوا لا يسمعونها مع البعد.
ومنها: ما إذا كان الجالسون عبيدا لذلك المتخطي أو أولادا له، ولهذا، يجوز أن يبعث عبده ليأخذ له موضعا في الصف الأول، فإذا حضر السيد تأخر العبد.
قاله ابن العماد.
ومنها: ما إذا جلس الشخص في طريق الناس.
(قوله: ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة) الظاهر أن كراهة ذلك مبنية على القول بكراهة تخطي المجتمعين للصلاة.
أما على القول بالحرمة فيحرم.
ويؤيده التصريح بلفظ أيضا بعد قوله لغير الصلاة في عبارة الفتح، ونصها: ويكره تخطي المجتمعين لغير الصلاة أيضا.
اه.
فقوله أيضا: أي ككراهة ذلك للصلاة.
(قوله: ويحرم أن يقيم إلخ) لخبر الصحيحين: لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن يقول تفسحوا وتوسعوا، فإن قام الجالس باختياره وأجلس غيره فلا كراهة على الغير.
ومحل الحرمة في الأول - كما في ع ش - حيث كانوا كلهم ينتظرون الصلاة - كما هو الفرض - أما ما جرت به العادة من إقامة الجالسين في موضع الصف الذين قد صلوا جماعة إذا حضرت جماعة بعدهم وأرادوا فعلها: فالظاهر أنه لا كراهة فيه ولا حرمة، لأن الجالس ثم مقصر باستمرار الجلوس المؤدي لتفويت الفضيلة على غيره.
(قوله: ويكره إيثار غيره) أي ويكره لمن سبق في مكان من الصف الأول مثلا أن يقوم منه ويجلس غيره فيه.
(قوله: إلا إن انتقل لمثله) أي إلا إن انتقل المؤثر لمكان مثل المكان الذي آثر به، فلا يكره الإيثار.
(وقوله: أو أقرب منه إلى الإمام) أي أو إلا أن انتقل لمكان أقرب إلى الإمام من المكان الذي آثر به، فلا يكره.
فإن انتقل لمكان أبعد من الذي آثر به كره.
(قوله: وكذا الإيثار بسائر القرب) أي وكذلك يكره الإيثار بها، وأما قوله تعالى: * (ويؤثرون على أنفسهم) * (1) فالمراد الإيثار في حظوظ النفس.
نعم، إن أثر قارئا أو عالما ليعلم الإمام أو يرد عليه إذا غلط، فالمتجه أنه لا كراهة، لكونه مصلحة عامة: (قوله: وله تنحية الخ) مرتبط بقوله فله بلا كراهة تخطي إلخ.
يعني أن من وجد فرجة أمامه، له تخطي صف أو صفين لأجل سدها، وله تنحية سجادة في تلك الفرجة لغيره، لتعديه بفرش سجادته مع غيبته.
وفي البجيرمي ما نصه: وما جرت به العادة من فرش السجادات بالروضة ونحوها - من الفجر، أو طلوع الشمس - قبل حضور أصحابها مع تأخيرهم إلى الخطبة أو ما يقاربها: لا بعد في كراهته، بل قد يقال بتحريمه، لما فيه من تحجير المسجد من غير فائدة - كما في شرح م ر -.
وعبارة البرماوي: ويكره بعث سجادة ونحوها، لما فيه من التحجير مع عدم إحياء البقعة،
خصوصا في الروضة الشريفة.
اه.
وظاهر عبارة ح ل أن البعث المذكور حرام.
ونصها: ولا يجوز أن يبعث من يفرش له نحو سجادة لما فيه إلخ.
وقول م ر: بل قد يقال بتحريمه، أي تحريم الفرش في الروضة.
قال ع ش عليه: هذا هو المعتمد اه.
(قوله: بنحو رجله) متعلق بتنحية أي وله تنحيتها - أي دفعها - بنحو رجله من غير رفع لها، واندرج تحت نحو يده وعصاه.
(قوله: والصلاة) بالرفع، عطفا على تنحية.
(وقوله: في محلها) أي السجادة، فلو صلى عليها حرم بغير رضا صاحبها.
(قوله: ولا يرفعها) أي يحملها ثم يلقيها في مكان آخر (قوله: ولو بغير يده) كرجله (وقوله: لدخولها في ضمانه) أي لو رفعها ولو قال لئلا تدخل في ضمانه لكان أولى.
وسيذكر الشارح في (باب الوقف) هذه المسألة بأبسط مما هنا.
(قوله: وحرم على من تلزمه الجمعة نحو مبايعة) أي لقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم
__________
(1) الحشر: 9(2/109)
الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) *.
(1) فورد النص في البيع، وقيس عليه غيره.
ومحل الحرمة، في حق من جلس له: في غير الجامع، أما من سمع النداء فقام قاصدا الجمعة، فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع، فإنه لا يحرم عليه.
لكن البيع في المسجد مكروه، ومحلها أيضا، إن كان عالما بالنهي، ولا ضرورة كبيعه للمضطر ما يأكله، وبيع كفن لميت خيف تغيره بالتأخير، وإلا فلا حرمة، وإن فاتت الجمعة.
وخرج بقوله من تلزمه الجمعة: من لا تلزمه، فلا حرمة عليه، ولا كراهة.
لكن إذا تبايع مع من هو مثله.
أما إذا تبايع مع من تلزمه حرم عليه أيضا، لإعانته على الحرام.
وقيل: كره له ذلك.
(قوله: كاشتغال بصنعة) تمثيل لنحو مبايعة.
قال في النهاية: وهل الاشتغال بالعبادة - كالكتابة - كالاشتغال بنحو البيع؟ مقتضى كلامهم: نعم.
اه.
قال ع ش: أي فيحرم خارج المسجد، ويكره فيه.
(قوله: بعد شروع) متعلق بحرم.
(وقوله: في أذان خطبة) أي الأذان الذي بين يدي الخطيب، وقيد الأذان بما ذكر لأنه الذي كان في عهده - صلى الله عليه وسلم -، فانصرف النداء في الآية إليه.
(قوله: فإن عقد) أي من حرم عليه العقد.
بيعا كان أو غيره.
وعبارة المغني مع الأصل: فإن باع من حرم عليه البيع صح بيعه، وكذا سائر عقوده، لأن النهي لمعنى خارج عن العقد، أي وهو التشاغل عن صلاتها، فلم يمنع الصحة، كالصلاة في الدار المغصوبة.
اه.
(قوله: ويكره) أي نحو مبايعة.
(وقوله: قبل الأذان) أي الذي بين يدي الخطيب، وإن كان بعد الأذان الأول.
(وقوله: بعد الزوال) متعلق بيكره، أو متعلق بمحذوف حال من نائب فاعله.
وإنما كره ذلك بعده لدخول وقت الوجوب.
نعم، إن فحش تأخير الجمعة عن الزوال فلا كراهة، وخرج ببعد الزوال ما إذا وقع ذلك قبله، فلا يكره، وهذا محمول على من لم يلزمه السعي قبله، وإلا فيحرم عليه من وقت
وجوبه عليه.
(قوله: وحرم على من تلزمه الخ) أي لما صح أن من سافر يوم الجمعة بعد الفجر دعا عليه ملكاه، فيقولان: لا نجاه الله من سفره، ولا أعانه على قضاء حاجته.
(حكي) ابن أبي شيبة عن مجاهد: أن قوما خرجوا في سفر حين حضرت الجمعة، فاضطرم عليهم خباؤهم نارا، من غير نار يرونها.
(قوله: سفر) فاعل حرم.
قال البجيرمي: وخرج به النوم قبل الزوال، فلا يحرم، وأن علم فوات الجمعة به.
كما اعتمده شيخنا م ر لأنه ليس من شأن النوم الفوات.
وخالفه غيره اه.
وقوله: وخالفه غيره.
أي فيما إذا علم فوات الجمعة به.
(قوله: تفوت به الجمعة) أي بحسب ظنه، وخرج به ما إذا لم تفت به، بأن غلب على ظنه إدراكها في مقصده أو طريقه، فلا يحرم لحصول المقصود، وهو إدراكها.
قال سم: ولو تبين خلاف ظنه بعد سفره فلا إثم، والسفر غير معصية، كما هو ظاهر.
اه.
وفي التحفة: وقيده - أي عدم الحرمة - فيما إذا لم تفت عليه صاحب التعجيز بحثا بما إذا لم تبطل بسفره جمعة بلده، بأن كان تمام الأربعين.
وكأنه أخذه مما مر آنفا من حرمة تعطيل بلدهم عنها.
لكن الفرق واضح، فإن هؤلاء معطلون بغير حاجة، بخلاف المسافر، فإن فرض أن سفره لغير حاجة اتجه ما قاله، وإن تمكن منها في طريقه.
اه.
(قوله: كان ظن إلخ) تمثيل للسفر الذي تفوت به الجمعة، والأولى بأن ظن بباء التصوير.
(وقوله: لا يدركها) أي الجمعة.
(وقوله: في طريقه) أي بأن لم يكن فيه محل تقام فيه الجمعة.
(وقوله: أو مقصده) أي وطنه أو غيره، بأن ظن أنه إذا وصله يجد الجمعة قد صليت.
(قوله: ولو كان السفر طاعة) غاية في الحرمة، وهي للرد على القديم الذي يخص حرمة السفر قبل الزوال بالمباح، ويجعل سفر الطاعة قبل الزوال جائزا.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: مندوبا أو واجبا) المناسب مندوبة أو واجبة، ليكون تعميما في الطاعة.
والمندوبة: كزيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والواجبة: كالحج.
(قوله: بعد فجرها) متعلق بحرم، أو بمحذوف صفة لسفر، وإنما حرم من بعد الفجر، مع أن وقت الوجوب إنما يدخل بالزوال، لأن الجمعة مرتبطة باليوم، ولذا وجب السعي إليها قبل الزوال على بعيد الدار.
(قوله: أي فجر يوم الجمعة) أفاد بهذا التفسير أن إضافة فجر لضمير الجمعة لأدنى ملابسة، إذ الفجر ليومها، لا لها، لكن لما كانت تقع في اليوم نسب إليها ما ينسب إليه.
(قوله: إلا إن خشي إلخ)
__________
(1) الجمعة: 9(2/110)
استثناء من حرمة السفر بعد الفجر أي وحرم بعده، إلا إذا خاف من عدم سفره حصول ضرر له، فلا يحرم حينئذ.
(وقوله: كانقطاعه إلخ) تمثيل للضرر.
(وقوله: عن الرفقة) أي الذي يخشى الضرر بمفارقتهم.
قال ع ش: وليس من التضرر ما جرت به العادة من أن الإنسان قد يقصد السفر في وقت مخصوص لأمر لا يفوت بفوات ذلك الوقت.
اه.
قال البجيرمي:
كالذين يريدون السفر لزيارة سيدي أحمد البدوي في أيام مولده في يوم الجمعة مع رفقة، وكانوا يجدون رفقة أخر مسافرين في غيره.
اه.
ويستثنى من الحرمة أيضا ما لو احتاج إلى السفر لإدراك وقوف عرفة، أو لإنقاذ نحو مال أو أسير، فيجوز له السفر ولو بعد الزوال، بل يجب لإنقاذ أسير أو نحوه، كقطع الفرض لذلك.
(قوله: إن كان غير سفر معصية) قيد في عدم الحرمة، وسيذكر قريبا محترزه.
(قوله: ويكره السفر ليلة الجمعة) في فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه - هل يكره السفر ليلة الجمعة؟ (فأجاب) بقوله: مقتضى قول الغزالي في الخلاصة: من سافر ليلتها دعا عليه ملكاه.
الكراهة، وهو متجه إن قصد بذلك الفرار عن الجمعة، قياسا على بيع النصاب الزكوي قبل الحول، إلا أن يفرق بأن الحول ثم سبب للوجوب، وانعقد في حقه، بخلافه هنا.
وكأن هذا مدرك قوله بعضهم: لم أر لأحد من الأصحاب ما يقتضي الكراهة.
اه.
(قوله: دعا عليه ملكاه) أي قالا: لا نجاه الله من سفره، ولا أعانه على قضاء حاجته.
اه.
(قوله: أما المسافر لمعصية) محترز قوله إن كان غير سفر معصية.
والمناسب تقديمه على قوله ويكره ليلتها.
والتعبير بقوله: أما سفر المعصية.
(قوله: فلا تسقط عنه الجمعة) المناسب فيحرم عليه السفر، ولا تسقط عنه الجمعة.
(قوله: مطلقا) أي سواء خشي من عدم سفره ضررا أم لا، وذلك لأنه في حكم المقيم.
(قوله: وحيث حرم عليه السفر هنا) أي بأن سافر بعد فجر يوم الجمعة ولم تمكنه في طريقه ولم يتضرر بتخلفه.
(وقوله: لم يترخص) أي برخص السفر من القصر والجمع والتنقل إلى جهة مقصدة.
(وقوله: ما لم تفت الجمعة) قيد في عدم الترخص، أي لم يترخص مدة عدم فوات الجمعة بأن يبقى وقت يسعها وخطبتها.
فإن فاتت الجمعة بخروج وقتها أو باليأس منها، ترخص من حين الفوات.
(قوله: فيحسب ابتداء سفره الخ) مفرع على مفهوم القيد، أي فإن فاتت فيحسب ابتداء سفره من وقت فوتها، لانتهاء سبب المعصية.
قال سم: ينبغي إذا وصل لمحل لو رجع منه لم يدركها أن ينعقد سفره من الآن، وإن كانت إلى ذلك الوقت لم تفعل في محلها.
اه.
(تتمة) لم يتعرض المؤلف لمسألة الاستخلاف، ولا بد من التعرض لها تتميما للفائدة، فأقول: (اعلم) أن الإمام إذا خرج من الإمامة بنحو تأخر عن المقتدين، أو من الصلاة بحدث أو غيره فخلفه غيره جاز، سواء استخلف نفسه أو استخلفه الإمام، أو القوم، أو بعضهم، لأن الصلاة بإمامين بالتعاقب جائزة.
كما في قصة أبي بكر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، حيث كان يصلي أبو بكر إماما بالناس في مرض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأحس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخفة في بدنه يوما، فدخل يصلي وأبو بكر محرم بالناس، فتأخر أبو بكر وقدمه، واقتدى به بعد خروجه من الإمامة.
وحاصل ما يتعلق بهذه المسألة أن الاستخلاف إما أن يكون في الجمعة، وإما أن يكون في غيرها.
فالأول: إما أن يكون في أثناء الخطبة، أو بينها وبين الصلاة، أو في الصلاة.
فإن كان الأول: اشترط سماع الخليفة ما مضى من أركانها، وإن كان الثاني: اشترط سماع الخليفة جميع أركانها، إذ من لم يسمع ليس من أهل الجمعة، وإنما يصير من أهلها إذا دخل في الصلاة.
وإن كان الثالث: فهو على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يقع الإستخلاف قبل أن يقتدي الخليفة به، وهذا لا يصح مطلقا، لاحتياج المقتدين إلى تجديد نية(2/111)
القدوة به المؤدي إلى إنشاء جمعة بعد أخرى.
ثانيها: أن يقع بعد القدوة أو في ركوعها وهنا يصبح وتحصل الجمعة له ولهم ثالثها: أن يقع بعد ركوع الركعة الأولى، ولو في اعتداله، وهذا يحرم عليه، لأنه يفوت بذلك الجمعة على نفسه، فيجب أن يتقدم غيره ممن أدركه في الركوع أو قبله.
ومع ذلك لو تقدم هو صحت الجمعة لهم، لا له.
ووقع خلاف بين المتأخرين: فيما إذا أدرك الخليفة ركوع الثانية وسجدتيها، أو استخلف في التشهد؟ فقال ابن حجر: لا يدرك الجمعة، بل يتمها ظهرا، وقال شيخ الإسلام والخطيب والرملي: يدرك الجمعة، فيأتي بركعة ثم يسلم.
والثاني: وهو ما إذا وقع الاستخلاف في غير الجمعة، يجوز مطلقا، سواء كان الخليفة مقتديا بالإمام قبل أن تبطل صلاته أم لا، لكنهم يحتاجون لنية الاقتداء به في الثانية إن خالف الإمام في ترتيب صلاته، بأن استخلف في الثانية أو في الأخيرة، فإن لم يخالفه في ذلك، بأن استخلف في الأولى أو في ثالثة الرباعية، فلا يحتاجون لنية الاقتداء، أما في الأولى، وهي ما إذا كان مقتديا به قبل أن تبطل صلاته، فلا يحتاجون لنية الاقتداء مطلقا، لأنه تلزمه مراعاة نظم صلاة الإمام باقتدائه به.
ثم إن كان عالما بنظم صلاة الإمام فذاك، وإلا فيراقب من خلفه.
فإذا هموا بالقيام قام، وإلا قعد.
وفي الرباعية إذا هموا بالقعود قعد، وتشهد معهم، ثم يقوم، فإذا قاموا معه علم أنها ثانيتهم، وإلا علم أنها آخرتهم.
ثم إنه إنما يجوز الاستخلاف إن وقع عن قرب بعد بطلان صلاة الإمام، بأن لم ينفردوا بعده بركن قولي، أو فعلي، أو يمض زمن يمكن وقوع ذلك فيه، وإلا امتنع في الجمعة مطلقا وامتنع في غيرها بغير تجديد نية الاقتداء منهم به.
ولو انفرد بعض المقتدين بركن دون بعض احتاج الأول لتجديد نية الاقتداء، دون الثاني.
هذا في غير الجمعة.
فإن كان فيها وكان غير المنفردين بالركن أربعين، بقيت الجمعة، وإلا بطلت إن كان الانفراد بالركن في الركعة
الأولى.
فإن كان في الثانية بقيت الجمعة أيضا.
(فروع) لو أراد الإمام أن يستخلف قبل خروجه من الإمامة أو من الصلاة: لا يجوز، ولو بطلت صلاة الخليفة، فتقدم ثالث فأخرج نفسه مما مر فتقدم رابع وهكذا، جاز.
ويشترط في كل منهم ما يشترط في الخليفة الأول.
ويراعي الكل نظم صلاة الإمام الأول.
ولو توضأ الأول، ثم اقتدى بخليفته، فأحدث الخليفة، ثم تقدم هو: جاز.
والكلام على مسألة الاستخلاف مما أفرد بالتأليف.
وفي هذا القدر كفاية.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(قوله: تتمة) أي في بيان كيفية صلاة المسافر، من حيث القصر والجمع.
وقد أفردها الفقهاء بباب مستقل.
ويذكرونه عقب الجماعة وقبل الجمعة.
(واعلم) أي الأصل في القصر قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض) * (1) أي سافرتم فيها، ومثلها البحر: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * (1) قال يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قلت لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إنما قال تعالى: * (إن خفتم) * (1) وقد أمن الناس.
فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته.
رواه مسلم.
وروى ابن أبي شيبة: إن خيار أمتي من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، وإذا سافروا قصروا.
والأصل في الجمع ما رواه الشيخان، عن ابن عمر، أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا عجل السير جمع بين المغرب والعشاء ورويا أيضا عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك، وكان يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.
ورويا أيضا عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام كان يجمع بين الظهر والعصر في السفر.
وشرع القصر في السنة الرابعة من الهجرة - كما قاله ابن الأثير - وقيل في السنة الثانية في ربيع الثاني منها.
__________
(1) النساء: 101.(2/112)
وشرع الجمع في السنة التاسعة من الهجرة في غزوة تبوك - اسم مكان في طرف الشام - وهي آخر غزواته عليه الصلاة والسلام.
(قوله: يجوز لمسافر) أي تخفيفا عليه لما يلحقه من مشقة السفر الحاصلة فيه من الركوب والمشي مع الألم الناشئ من ترك المألوف من الوطن وغيره.
وأشعر تعبيره بالجواز أن الأفضل الإتمام.
نعم، إن بلغ سفره ثلاث مراحل ولم يختلف في جواز قصره فالأفضل القصر للاتباع، وخروجا من خلاف أبي حنيفة - رضي الله عنه - فإنه
يوجب القصر حينئذ.
وخرج بقولنا ولم يختلف في جواز قصره: من اختلف في جواز قصره، كملاح يسافر في البحر ومعه عياله في سفينة، ومن يديم السفر مطلقا كالساعي فإن الإتمام أفضل له، خروجا من خلاف من أوجبه، كالإمام أحمد رضي الله عنه.
وروعي مذهبه دون مذهب أبي حنيفة في ذلك لموافقته الأصل، وهو الإتمام.
ثم إنه أورد على التعبير بالجواز أنه قد يجب القصر فيما لو أخر الصلاة إلى أن بقي من وقتها ما لا يسعها إلا مقصورة لأنه لو أتمها للزم إخرا بعض الصلاة عن وقتها مع تمكنه من إيقاعها في الوقت.
وقد يجب القصر والجمع معا فيما لو أخر الظهر إلى وقت العصر بنية الجمع، ولم يصل حتى بقي من وقت العصر ما يسع أربع ركعات.
وأجيب بأن المراد بالجواز.
ما قابل الإمتناع فيشمل الوجوب.
(قوله: سفرا طويلا) هذا أحد شروط القصر والجمع، وهو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية.
وذلك لأن ابني عمر وعباس - رضي الله عنهم - كانا يقصران ويفطران في أربعة برد، ولا يعرف مخالف لهما.
ومثله لا يكون إلا عن توقيف.
والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف خطوة، والخطوة ثلاثة أقدام، والقدمان ذراع، والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضات، والإصبع ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون.
وهذا تحديد لمسافة القصر بالمساحة.
وأما تحديدها بالزمان فهو سير يومين معتدلين، أو ليلتين معتدلتين، أو يوم وليلة وإن لم يعتدلا، بسير الأثقال، وهي الإبل المحملة، مع اعتبار النزول المعتاد للأكل، والشرب، والصلاة، والاستراحة.
وقد نظم بعضهم ضابط مسافة القصر بالتحديد الأول في قوله: مسافة القصر احفظوها واسمعوا * * هي أربع من قيس برد تذرع ثم البريد من الفراسخ أربع * * ولفرسخ فثلاث أميال ضعوا والميل ألف أي من الباعات قل * * والباع أربع أذرع فتتبعوا ثم الذراع من الأصابع أربع * * من بعدها العشرون ثم الإصبع ست شعيرات فبطن شعيرة * * منها إلى ظهر لأخرى توضع
ثم الشعيرة ست شعرات كذا * * من شعر بغل ليس من ذا مدفع (قوله: قصر رباعية) هي الظهر والعصر والعشاء، وخرج بها الثنائية والثلاثية فلا يقصران.
قال في النهاية: وأما خبر مسلم: فرضت الصلاة في الخوف ركعة فمحمول على أنه يصليها فيه مع الإمام، وينفرد بالأخرى.
إذ الصبح لو قصرت لم تكن شفعا، وخرجت عن موضوعها.
والمغرب لا يمكن قصرها إلى ركعتين، لأنها لا تكون إلا وترا، ولا إلى ركعة، لخروجها بذلك عن باقي الصلوات.
اه.
ولا بد أن تكون الرباعية مكتوبة أصالة، فلو كانت نافلة أو منذورة لا يصح قصرها.
وأما المعادة، فله قصرها إن قصر أصلها وصلاها خلف من يصليها مقصورة، أو صلاها إماما، سواء صلى الأولى جماعة أو فرادى.
(قوله: مؤداة) دخل فيها ما لو سافر وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة، فإنه(2/113)
يقصرها، سواء شرع فيها في الوقت وهو ظاهر، لكونها مؤداة، أم صلاها بعد خروج الوقت لأنها فائتة سفر.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وفائتة سفر) الواو بمعنى أو، ومدخولها معطوف على مؤادة مضاف إلى لفظ سفر المضاف إلى قصر.
وفيه متعلق بمقدر داخل على فائتة، وضميره يعود على سفر القصر.
والمعنى: أن قصر الصلاة الرباعية التي فاتتة في سفر القصر جائز في سفر القصر.
أما فائتة الحضر فلا يجوز قصرها في السفر.
وكذلك فائتة السفر لا يجوز قصرها في الحضر.
ولو شك في أنها فائتة سفر أو حضر قضاها تامة احتياطا، ولأن الأصل الإتمام.
(قوله: وجمع الخ) معطوف على قصر، أي ويجوز لمسافر سفرا طويلا جمع العصرين والمغربين - أي ضم إحدى الصلاتين للأخرى في وقت واحدة منهما - سواء كانتا تامتين، أو مقصورتين، أو إحداهما تامة والأخرى مقصورة.
وفي البجيرمي: وعند المالكية يجوز الجمع في السفر القصير.
أما عندنا فلا جمع في قصير، وجمعه - صلى الله عليه وسلم - في عرفة ومزدلفة لأنه كان مستديما في سفره الطويل إذ لم يقم قبلهما ولا بعدهما أربعة أيام، فالجمع للسفر، وعند الإمام أبي حنيفة للنسك.
اه.
(وقوله: تقديما) أي في وقت الأولى لغير المتحيرة، لأن شرطه ظن صحة الأولى - كما يأتي - وهو منتف فيها.
وألحق بها كل من تلزمه الإعادة.
وفيه نظر ظاهر، لأن الأولى مع ذلك صحيحة فلا مانع، وكالظهر: الجمعة في هذا، فيمتنع على المتحيرة أن تجمع بينها وبين العصر جمع تقديم.
اه.
تحفة بزيادة.
(وقوله: وتأخيرا) أي في وقت الثانية.
ولو للمتحيرة، فيجوز جمعها جمع تأخير.
قال ع ش: والفرق بين الجمعين: أنه يشترط لجمع التقديم ظن صحة الأولى، وهو منتف في المتحيرة، بخلاف التأخير، فإنه لا يشترط ظنه ذلك فجاز، وإن أمكن وقوع الأولى مع التأخير في زمن
الحيض، مع احتمال أن تقع في الطهر: لو فعلتها في وقتها.
اه.
ويستثنى الجمعة، فلا يجوز جمعها تأخيرا، لأنها لا يتأتى تأخرها عن وقتها.
(قوله: بفراق سور) متعلق بيجوز: يعني أنه لا يجوز ما ذكر من القصر والجمع إلا بفراق سور خاص بتلك البلدة التي سافر منها إن كان، لأن ابتداء السفر إنما يكون بمجاوزته، فإن لم يكن لها سور أصلا، أو كان لكن ليس خاصا بها، كقرى متفاصلة جمعها سور واحد، فابتداؤه بمجاوزة الخندق إن كان، فإن لم يكن فالقنطرة إن كانت، فإن لم تكن فالعمران.
(قوله: وإن احتوى الخ) غاية في اشتراط فراق السور، لجواز ما ذكر، أي لا بد من فراق السور إن احتوى - أي أحاط - ذلك السور بخراب ومزارع، بأن تكون داخلة.
وذلك لأن ما في داخل السور معدود من نفس البلد، محسوب من موضع الإقامة.
وعبارة الروض وشرحه: ويحصل ابتداء السفر من بلد له سور بمفارقة سور البلد المختص به، ولو لاصقة من خارجه بنيان - أي عمران - أو مقابر أو احتوى على خراب ومزارع فتكفي مفارقة ما ذكر، لأن ما كان خارجه - كالأولين - لا يعد من البلد، بخلاف ما كان داخله، كالآخرين.
اه.
بحذف.
(قوله: ولو جمع قريتين إلخ) المناسب لتعبيرة أولا بالبلد أن يقول: ولو جمع بلدين.
وهذا مفهوم قوله خاص ببلد سفر.
وعبارة الروض وشرحه: وإن جمع السور بلدين متقاربين فلكل منهما حكمه، فلا يشترط مجاوزة السور كما فهم أيضا من قوله فيما مر سور البلد المختص به - كما مرت الإشارة إليه - والقريتان في ذلك كالبلدين.
اه.
(قوله: فبنيان) معطوف على قوله سور، أي ويجوز لمسافر ما ذكر من القصر والجمع بفراق بنيان - أي عمران - إن لم يكن للبلد التي سافر منها سور، فإن لم يكن هناك بنيان فبفراق حلة - بكسر الحاء - إن سافر من خيام حي، وهي بيوت مجتمعة أو متفرقة، بحيث يجتمع أهلها للسمر في ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض.
ويدخل في الحلة عرفا: مرافقها، كمعاطن إبل، وملعب صبيان ومطرح رماد، فلا بد من مجاوزتها.
ولا بد أيضا من مجاوزة عرض واد إن سافر في عرضه، ومجاوزة مهبط إن كان في ربوة، ومجاوزة مصعد إن كان في وهدة، إن اعتدلت الثلاثة، فإن أفرطت سعتها اكتفى بمجاوزة الحلة عرفا.
وما تقرر من أنه لا بد من مجاوزة السور، أو العمران، أو الحلة، هو في سفر البر، ومثله سفر البحر المنفصل ساحله عن العمران.
أما المتصل ساحله بالعمران عرفا.
فإذا سافر فيه وأراد أن يترخص(2/114)
بالقصر والجمع ونحوهما، فلا يجوز إلا بخروجه من البلد، وجري السفينة أو جري زورقها إليها آخر مرة، وإلا فمتى ما كان الزورق يذهب ويعود فلا يترخص من به، وإذا جرى الزورق آخر مرة إلى السفينة جاز الترخص لمن به، ولو
قبل وصوله إلى السفينة ولمن بها أيضا.
وقيد في التحفة وفي شرح بأفضل: اعتبار جري السفينة أو الزورق ببلد لا سور لها.
قال الكردي: وهو احتمال للأسنى.
وقال الخطيب: هو أوجه.
وعلى هذا فالساحل الذي له سور: العبرة بمجاوزة سوره.
والذي فيه عمران من غير سور: العبرة فيه بجري السفينة أو الزورق.
وفي شرحي الإرشاد: أنه لا فرق في ذلك بين السور والعمران، فلا بد من ركوب السفينة.
اه.
(قوله: وإن تخلله) أي البنيان.
وهو غاية في اشتراط فراق البينان، أي يشترط فراقه.
وإن وجد في خلاله - أي وسطه - خراب أو نهر أو ميدان: فالعبرة في أول السفر بمجاوزة البنيان، لا بمجاوزة ما ذكر، لأنه معدود من البنيان محسوب من موضع الإقامة.
(قوله: ولا يشترط مجاوزة بساتين) أي ولا مزارع ولا خراب هجر بالتحويط على العامر أو زرع أو اندرس بأن ذهبت أصول حيطانه، وذلك لأن ما ذكر ليس محل إقامة.
(وقوله: وإن حوطت) أي البساتين، أي حوط عليها بسور مثلا.
(وقوله: واتصلت) أي البساتين.
قال في الروض وشرحه: ولو كانت متصلة بالبلد وفيها دور يسكنها ملاكها، ولو أحيانا - أي في بعض فصول السنة - اشترط مجاوزتها.
هذا ما في الروضة، كالشرحين.
وأطلق المنهاج - كأصله - عدم اشتراطها.
وقال في المجموع بعد نقله الأول عن الرافعي: وفيه نظر.
ولم يتعرض له الجمهور.
والظاهر أنه لا يشترط مجاوزتها، لأنها ليست من البلد.
قال في المهمات: وبه الفتوى.
اه.
(قوله: والقريتان إن اتصلتا) أي ولو بعد أن كانتا منفصلتين.
(وقوله: كقرية) أي فيشترط مجاوزتهما معا، لكن إن لم يكن بينهما سور، وإلا اعتبر مجاوزته فقط.
قال سم: والحاصل من مسألة القريتين أنهما إن اتصل بنيانهما ولم يكن بينهما سور، اشترط مجاوزتهما.
وإن كان بينهما سور، اشترط مجاوزته فقط، وإن اتصل البنيان.
اه.
(قوله: وإن اختلفتا) أي القريتان.
وهو غاية في كون حكمهما حكم القرية الواحدة.
(قوله: فلو انفصلتا) أي القريتان.
(قوله: ولو يسيرا) أي ولو كان ذراعا.
كما في الإيعاب نقلا عن المجموع عن صاحب الحاوي.
واعتمد في التحفة والنهاية الضبط بالعرف، وأن قول الماوردي جري على الغالب اه.
كردي.
(قوله: كفى إلخ) جواب فلو (وقوله: مجاوزة قرية المسافر) أي فقط ولا يشترط مجاوزته القريتين (قوله: لا المسافر الخ) معطوف على المسافر سفرا طويلا، ومحترزه أنه لا يجوز القصر والجمع لمسافر سفرا قصيرا.
وهو ما بينة بقوله: لم يبلغ سفره إلخ.
(وقوله: مسيرة يوم وليلة) أي أربعة وعشرين ساعة ذهابا فقط.
(وقوله: بسير الأثقال) المراد بالأثقال: الإبل المحملة بالأثقال، أي الأحمال، على سبيل المجاز المرسل.
والعلاقة المجاورة.
(قوله: مع النزول المعتاد) متعلق بمحذوف حال من سير، أي حال كونه مصاحبا للنزول المعتاد.
(قوله: ولا لآبق الخ) هو وما بعده من أفراد محرز قيد محذوف كان الأولى التصريح به وهو أن يكون سفره غير معصية فاحترز به عما إذا كان معصية بأن يكون أنشأه معصية من أوله، ويسمى حينئذ عاصيا بالسفر.
وذلك كعبد آبق من سيده، وكمدين موسر حل الدين الذي عليه قبل سفره ولم يف به، وكمسافر لقطع الطريق.
أو يكون قلبه معصية بعد أن أنشأه طاعة، بأن قطع الطريق، أو آبق من سيده، ويسمى حينئذ عاصيا بالسفر في السفر.
فإن تاب الأول - وهو العاصي بالسفر - فأول سفره محل توبته، فإن كان الباقي طويلا في الرخصة التي يشترط فيها طول السفر - كالقصر والجمع - أو قصيرا في الرخصة التي لا يشترط فيها ذلك - كأكل الميتة للمضطر - ترخص، وإن كان الباقي قصيرا في الرخصة التي يشترط فيها طول السفر، لم يترخص.
وأما الثاني - وهو العاصي بالسفر في السفر - فإن تاب ترخص مطلقا، وإن كان الباقي قصيرا اعتبارا بأوله وآخره.
وألحق بسفر المعصية سفر من أتعب نفسه أو دابته بالركض بلا غرض شرعي، وإن كان(2/115)
سفره لطاعة.
وبقي قسم ثالث، وهو العاصي في السفر، وهو من سافر لطاعة بقصد الحج مثلا، فارتكب معصية في طريقه - كأن زنى، أو شرب الخمر - مع بقاء قصده الشئ الذي أنشأ السفر لأجله.
وهذا لا يمنع من الترخص مطلقا.
(والحاصل) أن العاصي ثلاثة أقسام الأول: العاصي بالسفر، وهو الذي أنشأ معصية.
والثاني: العاصي بالسفر في السفر، وهو الذي قلبه معصية بعد أن أنشأه طاعة، كأن جعله لقطع الطريق ونأى عن الطاعة التي قصدها.
والثالث: العاصي في السفر، وهو الذي يسافر بقصد الطاعة وعصى في أثنائه مع استمرار الطاعة التي قصدها.
(قوله: ومسافر الخ) معطوف على آبق، وسفره هذا معصية، كما علمت.
(قوله: قادر عليه) أي على وفائه.
(قوله: ولا لمن سافر لمجرد رؤية البلاد) هذا أيضا محترز قيد محذوف كان الأولى ذكره، وهو أن يكون سفره لغرض صحيح كزيارة، وتجارة، وحج.
(قوله: وينتهي السفر إلخ) لما بين المحل الذي يصير مسافرا إذا وصل إليه وهو خارج السور أو البنيان، شرع يبين المحل الذي إذا وصل إليه ينقطع سفره.
وحاصل ما يقال فيه أنه رجع بعد سفره من مسافة القصر إلى وطنه انتهى سفره بمجرد وصول السور إن كان، سواء نوى الإقامة به أم لا، كأن له فيه حاجة أم لا.
وأما إذا رجع إلى غير وطنه، ولم يكن له حاجة، ونوى قبل الوصول إليه إقامة مطلقا أو أربعة أيام صحاح، وكان وقت النية ماكثا مستقلا، انتهى سفره بمجرد وصول السور أيضا.
أما إذا لم ينو أصلا، أو نوى إقامة أقل من أربعة أيام، فلا ينتهي سفره بوصول السور، وإنما ينتهي بإقامة أربعة أيام صحاح،
غير يومي الدخول والخروج.
وأما إذا كان له حاجة، فإن لم يتوقع انقضاءها قبل أربعة أيام، بل جزم بأنها لا تقضى إلا بعد الأربعة، انتهى سفره بمجرد المكث والاستقرار، سواء نوى الإقامة بعد الوصول أم لا.
فإن توقع انقضاءها كل يوم، لم ينته سفره إلا بعد ثمانية عشر يوما صحاحا.
هذا كله إذا رجع بعد وصوله إلى مسافة القصر، فإن رجع قبل وصوله إلى مسافة القصر لحاجة كتطهر وأخذ متاع، أو نوى الرجوع وهو مستقل ماكث، فإن كان إلى وطنه: انتهى سفره بابتداء رجوعه أو نيته.
وإن كان إلى غير وطنه: لا ينتهي سفره، بل يترخص وإن دخل البلد، فإن رجع قبل ذلك لا لحاجة، بل للإقامة: انقطع سفره برجوعه مطلقا إلى وطنه، أو إلى غيره.
وقد حرر العلامة الكردي مسألة ما ينتهي به السفر بتحرير لم يسبق إلى مثله، ولا بأس بذكره هنا تتميما للفائدة، فنص عبارته: ظهر للفقير في ضبط أطراف هذه المسألة أن تقول أن السفر ينقطع بعد استجماع شروطه بأحد خمسة أشياء: الأول: بوصوله إلى مبدأ سفره من سور أو غيره وإن لم يدخله، وفيه مسألتان: إحداهما أن يرجع من مسافة القصر إلى وطنه، وقيده في التحفة بالمستقبل، ولم يقيده بذلك في النهاية وغيرها.
الثانية: أن يرجع من مسافة القصر إلى غير وطنه، فينقطع بذلك أيضا، لكن بشرط قصد إقامة مطلقة أو أربعة أيام كوامل.
الثاني: انقطاعه بمجرد شروعه في الرجوع إلى ما سافر منه، وفيه مسألتان: إحداهما رجوعه إلى وطنه من دون مسافة القصر.
الثانية: إلى غير وطنه من دون مسافة القصر بزيادة شرط، وهو نية الإقامة السابقة.
الثالث: بمجرد نية الرجوع وإن لم يرجع وفيه مسألتان: إحداهما: إلى وطنه، ولو من سفر طويل، بشرط أن يكون مستقلا ماكثا.
الثانية: إلى غير وطنه، فينقطع بزيادة شرط، وهو نية الإقامة السابقة فيما نوى الرجوع إليه.
فإن سافر من محل نيته فسفر جديد، والتردد في الرجوع كالجزم به.
الرابع: انقطاعه بنية إقامة المدة السابقة بموضع غير الذي سافر منه، وفيه مسألتان: إحداهما: أن ينوي الإقامة المؤثرة بموضع قبل وصوله إليه، فينقطع سفره بوصوله إليه بشرط أن يكون مستقلا، الثانية: نيتها بموضع عند أو بعد وصوله إليه، فينقطع بزيادة شرط، وهو كونه ماكثا عند النية.(2/116)
الخامس: انقطاعه بالإقامة دون غيرها، وفيه مسألتان: إحداهما: انقطاعه بنية إقامة أربعة أيام كوامل غير يومي
الدخول والخروج.
ثانيهما: انقطاعه بإقامة ثمانية عشر يوما صحاحا، وذلك فيما إذا توقع قضاء وطره قبل مضي أربعة أيام كوامل، ثم توقع ذلك قبل مضيها، وهكذا إلى أن مضت المدة المذكورة.
فتلخص أن إنقضاء السفر بواحد من الخمسة المذكورة، وفي كل واحد منها مسألتان، فهي عشر مسائل، وكل ثانية من مسألتين تزيد على أولاهما بشرط واحد، وهذا لم أقف على من ضبطه كذلك.
والله أعلم.
اه.
(قوله: وإن كان مارا به) أي بوطنه في سفره، كأن خرج منه ثم رجع من بعيد قاصدا المرور به من غير إقامة.
(قوله: وإلى موضع آخر) معطوف على إلى وطنه، أي وينتهي سفره بعوده إلى موضع آخر غير وطنه.
(قوله: ونوى إقامته به) أي وكان مستقلا، فلا بد في انتهاء سفره بعوده إلى الموضع الآخر من هذين القيدين نية الإقامة به، سواء نواها قبل بلوغه ذلك الموضع أو بعده.
وكونه مستقلا، وهو غير الزوجة والقن.
فإن لم ينو الإقامة به لا ينتهي سفره بمجرد وصوله ذلك الموضع الآخر، بل ينتهي بإقامة أربعة أيام بالفعل، أو نوى الإقامة ولكنه غير مستقل كقن وزوجة، فلا أثر لنيته المخالفة لنية متبوعه.
قال سم: لكن يبعد أنه لو نوى الإقامة ماكثا، وهو قادر على المخالفة وصمم على قصد المخالفة أثرت نيته.
(وقوله: مطلقا) أي من غير تقييد بزمن، لا بأربعة أيام، ولا بأكثر.
(قوله: أو أربعة أيام) أي أو نوى الإقامة أربعة أيام صحاح، أي غير يومي الدخول والخروج، لأن في الأول الحط، وفي الثاني الترحال، وهما من أشغال السفر فلا يعتبران.
قال في التحفة: تنبيه: يقع لكثير من الحجاج أنهم يدخلون مكة قبل الوقوف بنحو يوم ناوين الإقامة بمكة بعد رجوعهم من منى أربعة أيام فأكثر، فهل ينقطع سفرهم بمجرد وصولهم لمكة نظرا لنية الإقامة بها - ولو في الأثناء - أو يستمر سفرهم إلى عودهم إليها من منى، لأنه من جملة مقصدهم؟ فلم تؤثر نيتهم الإقامة القصيرة قبله ولا الطويلة إلا عند الشروع فيها وهي إنما تكون بعد رجوعهم من منى ووصولهم مكة؟ للنظر فيه مجال، وكلامهم محتمل، والثاني أقرب.
اه.
(قوله: أو علم) معطوف على ونوى إقامته به، فهو راجع للموضع الآخر، أي وينتهي سفره بوصوله إلى موضع آخر، وقد علم أن إربه - بكسر أوله وسكون ثانيه وبفتحهما - أي حاجته.
(وقوله: لا ينقضي فيها) أي الأربعة الأيام بأن علم بقاءه مدة تزيد على أربعة أيام صحاح، وذلك لبعده عن هيئة المسافرين.
(قوله: ثم إن كان إلخ) لا محل لثم هنا، بل الأولى والمناسب التفريع، بأن يقول: فإن كان إلخ.
(وقوله: يرجو حصوله) أي الإرب من حين وصوله ذلك الموضع الآخر.
(وقوله: كل وقت) مراده مدة لا تقطع السفر كيوم ويومين.
(وقوله: قصر ثمانية عشر يوما) أي غير يومي الدخول والخروج، لانه - صلى الله عليه وسلم - أقامها بعد فتح مكة لحرب هوازن يقصر الصلاة، ومثل القصر - عل المنقول المعتمد - سائر رخص
السفر.
(قوله: وشرط الخ) ذكر للقصر أربعة شروط، وذكر فيما تقدم شرطين له وللجمع، لكن لا بعنوان الشرطية، وهما: كونه طويلا، ومجاوزة السور أو البنيان.
وبقي عليه أربعة شروط: كون السفر مباحا، وكونه لغرض صحيح، وكون المسافر قاصدا محلا معلوما من حيث المسافة بأن يعلم أن مسافته مرحلتان فأكثر سواء كان معينا - كمكة - أو غير معين - كالحجاز، وكونه عالما بجواز القصر، فلو قصر جاهلا بذلك لم يصح لتلاعبه.
وقد ذكر محترز الشرطين الأولين من هذه الأربعة، كما سبق التنبيه عليه.
(قوله: نية قصر) أي كأن يقول: نويت أصلي الظهر مقصورة، ومثل ذلك ما لو نوى الظهر مثلا ركعتين، وإن لم ينو ترخصا، وما لو قال أؤدي صلاة السفر، فلو لم ينو ما ذكر، بأن نوى الإتمام أو أطلق: أتم لأونه المنوي في الأولى، والأصل في الثانية.
وكذا لو شك هل نوى القصر أو الإتمام؟ فيجب عليه الإتمام، وإن تذكر عن قرب، لتأدي جزء من الصلاة حال التردد.
(وقوله: في تحرم) أي مع التحرم، كأصل النية، فلو نواه بعد الإحرام لم ينفعه، فيجب الإتمام.
(قوله: وعدم اقتداء ولو لحظة بمتم) فإن اقتدى به في جزء من صلاته - كأن أدركه آخر صلاته - لزمه الإتمام، لخبر الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - سئل ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد، وأربعا إذا ائتم بمقيم؟(2/117)
فقال: تلك السنة، ولو اقتدى بمسافر وشك في نيته القصر فنوى هو القصر، جاز له القصر إن بان الإمام قاصرا لأن الظاهر من حال المسافر القصر.
فإن بان أنه متم أو لم يتبين حاله لزمه الإتمام ولو علق نية القصر على نية الإمام، كأن قال إن قصر قصرت وإلا أتممت، جاز له القصر إن قصر الإمام، لأن هذا تصريح بالواقع، ولزمه الإتمام إن أتم الإمام، أو لم يظهر ما نواه الإمام، فيلزمه الإتمام احتياطا.
(قوله: تحرز عن منافيها) أي نية القصر كنية الإتمام والتردد في أنه يقصر أو يتم؟ فلو نوى الإتمام بعد نية القصر، أو تردد في أنه يقتصر أو يتم بعد نية القصر مع الإحرام، أتم.
(وقوله: دواما) ظرف متعلق بتحرز، أي التحرز عن منافيها في دوام الصلاة.
(قوله: ودوام سفره إلخ) فلو انتهت به سفينته إلى ما يقطع ترخصه، أو شك هل بلغته، أو نوى الإقامة المنافية للترخص، أو شك في نيتها، أتم، لزوال تحقق الرخصة.
(قوله: ولجمع الخ) معطوف على القصر، أي وشرط لجمع التقديم نية جمع إلخ.
وذكر له ثلاثة شروط، وبقي عليه شرط رابع، وهو: دوام السفر إلى عقد الثانية فقط، بأن يحرم بها، فلا يشترط دوامه إلى إتمامها.
فلو أقام في أثناء الثانية لم يضر، أو قيل عقدها ضر.
وخامس: وهو كون السفر لغرض صحيح.
وسادس: وهو كون المسافر قاصدا محلا معلوما.
وسابع: وهو كونه عالما بجواز الجمع.
وهذه الثلاثة تشترط أيضا في جمع التأخير.
وثامن: وهو ظنه صحة الأولى لتخرج صلاة المتحيرة
كما مر.
وتاسع: وهو بقاء وقت الأولى يقينا إلى تمام الثانية، فإن خرج أثناء الثانية، أو شك في خروجه بطلت لبطلان الجمع.
قال الكردي: ولم يرتض ابن حجر هذا الشرط.
وقوله: في الأولى: أي في الصلاة الأولى.
(فإن قلت) : كان المناسب أن تكون نية الجمع في أول الثانية لكونها في غير وقتها، ويؤيده تعليلهم اشتراط نية الجمع بقولهم ليتميز التقدير المشروع عن التقديم، سهوا أو عبثا، لأن التقديم إنما هو للثانية.
(أجيب) بأن الجمع ضم الثانية للأولى، ولا يحصل الضم المذكور إلا بنية الجمع في الأولى، ليصير الصلاتان كصلاة واحدة.
فتدبر.
(وقوله: ولو مع التحلل منها) أي تكفي نية الجمع ولو مع السلام من الأولى، لحصول الغرض، وهو تمييز التقديم المشروع عن التقديم سهوا أو عبثا، بذلك.
والغاية المذكورة للرد على الضعيف القائل بأنه يتعين وقوع النية في تحرم الأولى.
(قوله: وترتيب) معطوف على نية، أي وشرط لجمع تقديم ترتيب، بأن يبدأ بالأولى، لأن الوقت لها والثانية تابعة، فلا تتقدم على متبوعها، ولو قدم الأولى وبان فسادها فسدت الثانية.
(قوله: وولاء) معطوف على نية أيضا، أي وشرط لجمع تقديم ولاء بين الصلاتين، لما روى الشيخان: أنه أ - صلى الله عليه وسلم - لما جمع بنمرة بين الصلاتين وإلى بينهما وترك الرواتب بينهما، وأقام للصلاة بينهما.
ولأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، فوجبت الموالاة كركعات الصلاة.
(وقوله: عرفا) أي المعتبر في الولاء العرف.
وضبطوه بأن لا يفصل بينهما بما يسع ركعتين بأخف ممكن، فإن فصل بينهما بما يسع ذلك ضر ووجب تأخير الثانية إلى وقتها المعتاد، فتضر الصلاة بينهما، ولو راتبة.
فإذا أراد أن يصلي رواتب الصلوات صلى القبلية ثم الفرضين، ثم بعدية الأولى ثم قبلية الثانية ثم بعديتها، ولو جمعهما ثم علم بعد فراغهما ترك ركن من الأولى، أعادهما وجوبا، لبطلان الأولى بترك الركن منها مع تعذر التدارك بطول الفصل، وبطلان الثانية لفقد الترتيب.
أو علم بعد ذلك ترك ركن من الثانية ولم يطل الفصل بين سلامه منها وتذكره تداركه، وصحت الصلاتان.
وإن طال الفصل بطلت الثانية أعادها في وقتها الأصلي لامتناع الجمع بفقد الولاء بتخلل الباطلة، ولو لم يعلم أن الترك من الأولى أو من الثانية أعادهما وجوبا بلا جمع تقديم بأن يصلي كل واحدة في وقتها، أو يجمعهما جمع تأخير.
أما وجوب إعادتهما فلاحتمال أن الترك من الأولى فتكونان باطلتين، وأما امتناع جمع التقديم فلاحتمال أن الترك من الثانية، فتكون الأولى صحيحة والثانية باطلة، فيطول الفصل بالثانية الباطلة وبالأولى المعادة بين الأولى الصحيحة والثانية المعادة.
فتنبه.
(قوله: فلا يضر الخ) مفرع على الولاء في العرف.
(وقوله: فصل يسير) أي ولو لغير مصلحة الصلاة، وخرج به الطويل فيضر ولو بعذر كسهو، وإغماء.
(قوله: بأن كان دون قدر ركعتين) تصوير للفصل اليسير، فهو أن ينقص عما يسع ركعتين بأخف ممكن على الوجه المعتاد، فلا يضر(2/118)
الفصل بوضوء ولو مجددا، وتيمم، وطلب للماء خفيف، وزمن أذان وإن لم يكن مطلوبا، وزمن إقامة على الوسط المعتدل في ذلك، حتى لو فصل بمجموع ذلك لم يضر حيث لم يطل الفصل.
(قوله: ولتأخير الخ) معطوف أيضا على القصر، أي وشرط لجمع تأخير إلخ.
وذكر له شرطين، وتقدم التنبيه على أن شروطا ثلاثة من شروط جمع التقديم تجري فيه أيضا، ولا يشترط فيه الولاء ولا الترتيب ولا نية الجمع في الصلاة الأولى كما تشترط في جمع التقديم، ولكن تسن.
(وقوله: نية جمع) أي نية إيقاعها مجموعة جمع تأخير.
واشترط ذلك ليتميز التأخير المشروع عن التأخير تعديا، ولا يكفي نية التأخير فقط من غير أن يقصد إيقاعها مع الصلاة الثانية كما يؤخذ ذلك من إضافة نية إلى جمع.
(وقول: في وقت الأولى) متعلق بمحذوف صفة لنية، أي نية جمع كائنة في وقت الصلاة الأولى التي يريد تأخيرها.
فلو نوى ذلك قبل دخول وقتها أو لم ينو أصلا، عصى، وكانت قضاء.
(قوله: ما بقي قدر ركعة) ما مصدرية ظرفية متعلقة بنية، أي ينوي ذلك مدة بقاء زمن يسع قدر ركعة، أي يكفي وقوع النية في وقت الأولى إذا بقي من الوقت ما يسع ركعة، لكن هذا بالنسبة لوقوعها أداء، لا للجواز، فإذا نوى في وقت الأولى تأخيرها إلى وقت الثانية، وكان الباقي من وقت الأولى ما يسع ركعة أو أكثر ولكن لا يسع جميعها، تكون الأولى أداء، لكنه يأثم بتأخير النية إلى ذلك.
(قوله: وبقاء سفر الخ) معطوف على نية جمع.
أي وشرط لجمع تأخير دوام السفر إلى تمام الثانية سواء كانت صاحبة الوقت - بأن رتب بين الصلاتين، كأن قدم الظهر على العصر - أو لم تكن صاحبة الوقت - بأن لم يرتب بينهما، كأن قدم العصر التي هي صاحبة الوقت على الظهر -.
فلو لم يدم سفره إلى ذلك: كأن نوى الإقامة في أثناء الثانية صارت التابعة - وهي المؤخرة عن وقتها - قضاء لا إثم فيه، لأنها تابعة لصاحبة الوقت في الأداء للعذر، وقد زال العذر، وهذا هو المعتمد.
والفرق بين جمع التقديم حيث اكتفى فيه بدوام السفر إلى عقد الثانية، وجمع التأخير حيث لم يكتف فيه بذلك، بل اشترط فيه دوامه إلى تمام الثانية، أن وقت الأولى ليس وقتا للثانية، إلا في السفر فتنصرف للسفر بأدنى صارف.
وأما وقت الثانية فتصح فيه الأولى لعذر السفر وغيره.
فلا تنصرف إلى السفر إلا إذا وجد السفر فيهما.
وخالف في المجموع في صورة الترتيب، فقال: إذا أقام في أثناء الثانية، أي صاحبة الوقت، ينبغي أن تكون الأولى، أي المؤخرة، أداء بلا خلاف، وهذا ضعيف مخالف لإطلاقهم.
وخالف السبكي وتبعه الأسنوي في صورة عدم الترتيب حيث قال: وتعليلهم وقوع الأولى قضاء، بكونها تابعة للثانية في الأداء للعذر، وقد زال العذر قبل إتمامها منطبق على تقديم الأولى، فلو عكس وأقام في أثناء التابعة كانت أداء،
لأنه لم يزل العذر قبل تمام الثانية التي هي صاحبة الوقت، بل وجد العذر في جميعها وفي أول التابعة، وهذا ضعيف أيضا.
(قوله: فرع الخ) شروع في جواز الجمع بالمرض بعد أن تمم الكلام على جواز الجمع بالسفر.
(قوله: يجوز الجمع بالمرض) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر.
(قوله: تقديما وتأخيرا) أي جمع تقديم وجمع تأخير.
(قوله: على المختار) أي عند النووي وغيره، وهو مذهب الإمام أحمد، قال ابن رسلان في زبده: في مرض قول جلي وقوي * * اختاره أحمد ويحيى النووي قال الفشني في شر حه: ولكن المشهور - أي في المذهب - أنه لا يجمع بمرض، ولا ريح، ولا ظلمة، ولا خوف، ولا وحل، ولا نحوها، لأنه لم ينقل، ولخبر المواقيت فلا يخالف إلا بصريح.
اه.
(وحكى) في المجموع عن جماعة من أصحابنا جوازه بالمذكورات، وقال: وهو قوي جدا في المرض والوحل.
واختاره في الروضة، لكن فرضه في المرض.
وجرى عليه إبن المقري.
وفي الكردي ما نصه: ولا يجوز الجمع بنحو وحل ومرض على المشهور في المذهب، لكن المختار من حيث(2/119)
الدليل جوازه بالمرض عند النووي وغيره، وهو مذهب الإمام أحمد.
قال الأذرعي: ورأيته في غاية الاختصار من قول الشافعي للمزني، وذكر عبارته.
وقال الأسنوي: قد ظفرت بنقله عن الشافعي.
قال الزركشي: فإن ثبت له نص بالمنع كان له في المسألة قولان، وإلا فهذا مذهبه، ويؤيده أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة وحمنة بالجمع لأجل الاستحاضة، وهي نوع مرض.
قال القليوبي - بعد نقله عن الأذرعي، أنه المفتى به - ما نصه: وبه يعلم جواز عمل الشخص به لنفسه.
وعليه فلا بد من وجود المرض حالة الإحرام بهما، وعند سلامه من الأولى وبينهما، كما في المطر.
اه.
وهو واضح، خلافا لما وقع للعناني من عدم جواز تقليده، لأن ذاك اختيار ما هو خارج عن المذهب.
وأما هذا فهو منصوص للشافعي، كما صرحوا به.
والقول الضعيف في المذهب: يجوز تقليده للعمل به، لا للفتوى مع الإطلاق.
اه.
وقوله: من عدم جواز تقليده.
جزم به في فتح الجواد، وعبارته: وواضح أنه يتعين على من أراد فعله تقليد أحمد دون المختارين، لأنهم لا يقلدون، ودون القول الغير المشهور، لأن ما ضعفه المجتهد من أقواله لا يقلد فيه.
اه.
(قوله: ويراعي) أي المريض.
(وقوله: الأرفق) أي الأسهل على نفسه، من التقديم أو التأخير.
(قوله: فإن كان
الخ) تفريع على مراعاة الأرفق.
(قوله: كأن كان يحم) تمثيل لزيادة المرض، فأصل المرض موجود في وقت الأولى ووقت الثانية، لكن يحم - زيادة على المرض الكائن به - في وقت الثانية.
(قوله: وقت الثانية) متعلق بكل من يزداد، ومن يحم.
(قوله: قدمها) أي الثانية، أي جمعها مع الأولى جمع تقديم.
(وقوله: بشروط جمع التقديم) هي: الترتيب، والولاء، ونية الجمع في الأولى.
ويشترط أيضا وجود المرض إلى عقد الثانية، كما يشترط في السفر دوامه، إلى ذلك.
(قوله: أو وقت الأولى) معطوف على وقت الثانية، أي أو كان يزداد مرضه وقت الثانية، كأن كان يحم فيه.
(قوله: أخرها) أي الأولى، وهو جواب إن المقدرة.
(قوله: بنية الجمع) متعلق بأخرها، أي أخرها بنية إيقاعها مجموعة جمع تأخير.
(وقوله: في وقت الأولى) متعلق بنية.
أي ينوي ذلك في وقت الأولى، ولو بقى منه قدر ركعة، كما مر في التأخير للسفر.
ويشترط هنا بدل الشرط الثاني في التأخير للسفر دوام المرض إلى تمامهما.
ولو قال بشروط جمع التأخير بدل قوله بنية الجمع لكان أولى.
(قوله: وضبط جمع متأخرون المرض هنا) أي في مبحث الجمع.
ولعله احترز به عن ضبطه في غير ذلك، فهو ما أباح التيمم.
(قوله: ما يشق معه فعل كل فرض) أما ما لا يشق معه ذلك، كصداع يسير وحمى خفيفة، فلا يجوز الجمع معه.
(قوله: كمشقة المشي في المطر) أي يشق معه ذلك مشقة كمشقة المشي في المطر، وهي التي يذهب معها الخشوع في الصلاة، وإن لم تبح له الجلوس في الفرض.
(قوله: بحيث الخ) تصوير لمشقة المشي في المطر، أي وتتصور المشقة التي تحصل له من المشي في المطر بابتلال ثوبه منها.
(قوله: وقال آخرون) أي في ضبط المرض هنا.
(قوله: لا بد من مشقة الخ) أي لا بد في المرض المجوز للجمع من أن يحصل منه مشقة ظاهرة.
(وقوله: زيادة على ذلك) أي على كونه يحصل له مشقة عند فعل كل فرض، كمشقة المطر وهي التي تذهب الخشوع كما علمت.
(وقوله: بحيث تبيح الجلوس في الفرض) تصوير للمشقة الظاهرة، أي أن المشقة الظاهرة مصورة بإباحة الجلوس معها في الفرض.
(قوله: وهو) أي قول الآخرين في ضبط المرض الأوجه.
قال الكردي: ونحوه في الإيعاب.(2/120)
قال: ولو ضبط المرض بالمبيح للفطر لكان له وجه ظاهر.
اه.
وجرى في شرحي الإرشاد على الأول، بل قال في الإمداد: ولا يصح ضبطه بغير ذلك.
اه.
(تتمة) كما يجوز الجمع بالمرض يجوز بالمطر، لكن تقديما فقط، ولو للمقيم، وذلك لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - جمع بالمدينة الظهر والعصر، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر.
قال الشافعي ومالك - رضي الله عنهما - أرى ذلك
بالمطر.
ويؤيده جمع ابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - به.
ويشترط له شروط جمع التقديم السابقة، ويزاد عليها وجود المطر عند الإحرام بالأولى وعند التحلل منها، ودوامه إلى الإحرام بالثانية، وأن يصلي مريد الجمع جماعة في مكان مسجد أو غيره، بعيد عن باب دارد، بحيث يتأذى بالمطر في طريقه، بحيث يبل الثوب.
أما إذا صلى ولو جماعة ببيته أو بمحل الجماعة القريب، بحيث لا يتأذى في طريقه بالمطر، أو مشى في كن، أو صلى منفردا ولو في محل الجماعة، فلا يجوز له أن يجمع، لانتفاء التأذي: نعم، للإمام إذا كان راتبا أو يلزم من عدم إمامته تعطيل الجماعة، أن يجمع بالمأمومين وإن لم يتأذ به.
وقد نظم ذلك ابن رسلان في زبده في قوله: وجاز أن يجمع بين العصرين * * في وقت إحدى ذين كالعشاءين كما يجوز الجمع للمقيم * * لمطر لكن مع التقديم إن مطرت عند ابتداء البادية * * وختمها وفي ابتداء الثانية لمن يصلي مع جماعة إذا * * جامن بعيد مسجدا نال الأذى (قوله: خاتمة إلخ) ذكرها هنا مع أنها تتعلق بجميع أبواب الفقه، تعجيلا للفائدة.
(قوله: قال شيخنا) أي في باب القضاء.
ولو أخر هذه الخاتمة وذكرها - كشيخه - في باب القضاء مع بيان شروط التقليد لكان أنسب.
وعبارة شيخه هناك: ومن أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها لزمه إعادتها، لأن إقدامه على فعلها عبث.
وبه يعلم أنه حال تلبسه بها عالم بفسادها، إذ لا يكون عابثا إلا حينئذ.
فخرج من مس فرجه فنسى وصلى، فله تقليد أبي حنيفة في إسقاط القضاء، إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده عندها، وإلا فهو عابث عنده أيضا.
وكذا لمن أقدم معتقدا صحتها على مذهبه جهلا وقد عذر به.
اه.
وقوله: فله تقليد أبي حنيفة، قال سم: وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل.
وقوله: إن كان مذهبه.
الخ.
قال سم: أيضا فيه نظر.
وقوله: وإلا فهو عابث، قال سم: هذا ممنوع.
(قوله: عبادة مختلفا في صحتها) أي كالجمع للنسك بالنسبة لمن سفره قصير، كالمكي، فهو مختلف فيه، فالإمام أبو حنيفة: يجوزه، والإمام الشافعي: يمنعه، فإذا جمع الشافعي من غير تقليد للإمام أبي حنيفة في ذلك، لزمه إعادتها.
(قوله: من غير تقليد للقائل بها) متعلق بأدى، أي أدى عبادة من غير أن يقلد القائل بصحتها، فإن قلده ولو بعد الفعل، كما تقدم آنفا عن سم، صحت، ولا يلزمه إعادتها.
(قوله: لأن إقدامه) أي المؤدي للعبادة مع علمه بعدم صحتها في مذهبه، وعدم
تقليده من يقول بها.
(وقوله: عبث) أي لعب وعمل ما لا فائدة فيه.
كما في المصباح، والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/121)
فصل (في الصلاة على الميت) (فصل في الصلاة على الميت) هذا الفصل معقود لبيان ما يتعلق بالميت، من غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.
فقوله: (في الصلاة على الميت) أي وغيرها أيضا مما ذكر، وكان عليه أن يذكره بين الفروض والمعاملات، أو عند الجهاد، لأنه من فروض الكفاية.
لكن لما كان أهم ما يفعل بالميت: الصلاة، ذكر عقبها.
(واعلم) أنه يتأكد على كل مكلف أن يكثر من ذكر الموت، وذلك لأنه أزجر عن المعصية، وأدعى إلى الطاعة، ولخبر: أكثروا من ذكر هادم اللذات.
يعني الموت.
صححه ابن حبان والحاكم، وقال إنه على شرط مسلم، وزاد النسائي: فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا كثره.
أي كثير من الدنيا، وقليل من العمل.
وهادم اللذات - بالذال المعجمة - ومعناه: القاطع، وأما بالمهملة: فمعناه المزيل للشئ من أصله.
وروى الترمذي بإسناد حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء.
قالوا إنا نستحيي - يا نبي الله - والحمد لله قال: ليس كذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى.
ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا.
ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.
والمراد من قوله: وما وعى أي ما اشتمل عليه من السمع والبصر واللسان.
ومن قوله: وليحفظ البطن وما حوى ما يشمل القلب والفرج.
والمراد بحفظ البطن أن يصونه عن الحرام من المطعم والمشرب.
ويستحب الإكثار من ذكر هذا الحديث، كما قاله الشيخ أبو حامد الغزالي، ويندب له أن يستعد للموت بالتوبة، وهي ترك الذنب، والندم عليه، وتصميمه على أن لا يعود إليه، وخروج عن مظلمة قدر عليها بنحو تحلله ممن اغتابه أو سبه.
وصح: أنه - صلى الله عليه وسلم - أبصر جماعة يحفرون قبرا، فبكى حتى بل الثرى بدموعه، وقال: إخواني، لمثل هذا فأعدوا.
أي تأهبوا للموت واتخذوه عدة.
ومحل ندب التوبة إذا لم يعلم أن ما عليه مقتض للتوبة، أما إذا علم أن ما عليه ذلك فهي واجبة فورا - بالإجماع - والموت مفارقة الروح للبدن.
واختلف في حقيقة الروح، فقال أكثر أهل السنة والجماعة الأولى أن نمسك المقال عنها ونكف عن البحث فيها، وأنها مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه.
وإليه أشار ابن رسلان في زبده بقوله: والروح ما أخبر عنها المجتبى * * فنمسك المقال عنها أدبا أي أن حقيقة الروح - وهي النفس - لم يخبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه سئل عنها، لعدم نزول الأمر ببيانها.
قال تعالى: * (ويسألونك عن الروح.
قل الروح من أمر ربي) * (1) فنمسك المقال عنها أدبا مع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعبر عنها بأكثر من موجود يحيا به الإنسان.
كما قال الجنيد: الروح شئ استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه.
والخائضون فيها اختلفوا على أكثر من ألف قول.
فقال جمهور المتكلمين: هي جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء
__________
(1) الاسراء: 85(2/122)
بالعود الأخضر، وهو باق لا يفنى عند أهل السنة.
وقوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها) * تقديره حين موت أجسادها.
وعند جمع منهم: عرض، وهو الحياة التي صار البدن بوجودها حيا.
وأما الصوفية والفلاسفة فليست عندهم جسما ولا عرضا، بل هو جوهر مجرد غير متحيز، يتعلق بالبدن تعلق التدبير، وليس داخلا فيه ولا خارجا عنه.
(واعلم) أن الأرواح على خمسة أقسام: أرواح الأنبياء، وأرواح الشهداء، وأرواح المطيعين، وأرواح العصاة من المؤمنين، وأرواح الكفار.
فأما أرواح الأنبياء: فتخرج عن أجسادها، وتصير على صورتها مثل المسك والكافور، وتكون في الجنة، تأكل، وتتنعم، وتأوي بالليل إلى قناديل معلقة تحت العرش.
وأرواح الشهداء: إذا خرجت من أجسادها فإن الله يجعلها في أجواف طيور خضر تدور بها في أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، هكذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وأما أرواح المطيعين من المؤمنين: فهي في رياض الجنة، لا تأكل ولا تتنعم، لكن تنظر في الجنة فقط.
وأما أرواح العصاة من المؤمنين: فبين السماء والأرض في الهواء.
وأما أرواح الكفار: فهي في أجواف طيور سود في سجين، وسجين تحت الأرض السابعة، وهي متصلة بأجسادها، فتعذب أرواحها، فيتألم بذلك الجسد.
كالشمس: في السماء الرابعة، ونورها في الأرض، كما أن أرواح المؤمنين في عليين، متنعمة ونورها متصل بالجثة.
(قوله: وشرعت بالمدينة) عبارة التحفة: تنبيه.
هل شرعت صلاة الجنازة بمكة أو لم تشرع إلا بالمدينة؟ لم أر في ذلك تصريحا.
وظاهر حديث أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر البراء بن معرور لما قدم المدينة وكان مات قبل قدومه لها بشهر، كما قاله ابن إسحق وغيره.
وما في الإصابة عن الواقدي وأقره أن الصلاة لم تكن شرعت يوم موت خديجة - رضي الله عنها - وموتها بعد النبوة بعشر سنين على الأصح - أنها لم تشرع بمكة، بل بالمدينة.
اه.
(وقوله: وما في الإصابة) معطوف على لفظ حديث.
وقوله: أنها لم تشرع: خبر المبتدإ الذي هو لفظ: ظاهر.
(قوله: وقيل هي من خصائص هذه الأمة) نظر فيه في التحفة ونصها: وفيه ما بينته في شرح العباب، ومن جملته الحديث الذي رواه جماعة من طرق تفيد حسنه، وصححه الحاكم: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: كان آدم رجلا أشعر طوالا كأنه نخلة سحوق، فلما حضره الموت نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة، فلما مات عليه السلام غسلوه بالماء والسدر ثلاثا، وجعلوا في الثالثة كافورا وكفنوه في وتر من الثياب، وحفروا له لحدا، وصلوا عليه، وقالوا لولده: هذه سنة ولد آدم من بعده.
وفي رواية، أنهم قالوا: يا بني آدم، هذه سنتكم من بعده، فكذاكم فافعلوا.
وبهذا يتبين أن الغسل، والتكفين، والصلاة، والدفن، والسدر، والحنوط، والكافور، والوتر، واللحد، من الشرائع القديمة، وأنه لا خصوصية لشرعنا بشئ من ذلك.
فإن صح ما يدل على الخصوصية تعين حمله على أنه بالنسبة لنحو التكبير والكيفية.
اه.
(قوله: صلاة الميت) أي الصلاة على الميت.
(قوله: أي الميت المسلم) خرج به الكافر، فتحرم الصلاة عليه مطلقا.
وأما غسله فيجوز مطلقا.
وأما تكفينه ودفنه فيجبان إن كان ذميا، أو مؤمنا، أو معاهدا، بخلاف الحربي، والمرتد.
(قوله: غير الشهيد) أي وغير السقط في بعض أحواله.
أما الشهيد: فتحرم الصلاة عليه، كغسله.
وأما تكفينه ودفنه فيجبان.
وأما السقط فله أحوال: فتارة تعلم حياته فيجب فيه الأربعة: الغسل، والتكفين، والصلاة عليه، والدفن.
وتارة يظهر خلقه: فيجب فيه ما عدا الصلاة.
وتارة(2/123)
لا يظهر خلقه: فلا يجب فيه شئ.
لكن يسن ستره بخرقة ودفنه.
والمراد بالشهيد - فيما تقدم - شهيد المعركة، سواء كان شهيدا في الدنيا والآخرة، وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله.
أو كان شهيدا في الدنيا فقط، وهو من قاتل للغنيمة مثلا.
وأما شهيد الآخرة فقط: فهو كغير الشهيد، فيغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن.
وأقسامه كثيرة، فمنها الميتة طلقا، ولو كانت حاملا من زنا، والميت غريقا وإن عصى بركوب البحر، والميت هديما، أو حريقا أو غريبا وإن عصى بالغربة، والمقتول ظلما ولو هيئة، كأن استحق شخص حز رقبته فقده نصفين، والميت بالبطن، أو في زمن الطاعون، ولو بغير،
لكن كان صابرا محتسبا، أو بعده: وكان في زمنه كذلك.
والميت في طلب العلم ولو على فراشه، والميت عشقا ولو لمن لم يبح وطؤه كأمرد، بشرط العفة، حتى عن النظر، بحيث لو اختلى بمحبوبه لم يتجاوز الشرع.
وبشرط الكتمان حتى عن معشوقه.
وأما خبر: إذا أحب أحدكم أخاه فليخبره، فمحمول على غير العشق.
وما أحسن قول بعضهم: كفى المحبين في الدنيا عذابهم * * تالله لا عذبتهم بعدها سقر بل جنة الخلد مأوام مزخرفة * * ينعمون بها حقا بما صبروا فكيف لا، وهم حبوا وقد كتموا * * مع العفاف؟ بهذا يشهد الخبر يأووا قصورا، وما وفوا منازلهم * * حتى يروا الله، في ذا جاءنا الأثر (قوله: فرض كفاية) أي على من علم بموته من قريب أو غيره، أو لم يعلم به لكنه قصر في البحث عنه بحيث ينسب إلى تقصير، كأن يكون الميت جاره، فإن فعله أحد منا ولو غير مكلف سقط الحرج، وإلا أثم الجميع.
(قوله: للإجماع) دليل عليه أنه (1) فرض كفاية.
وظاهره أنه دليل لذلك حتى بالنسبة للغسل، ويرد عليه أن الخلاف مشهور جدا عند المالكية بالنسبة له، حتى أن القرطبي رجح في شرح مسلم أنه سنة، ولكن الجمهور على وجوبه.
(قوله: كغسله) أي فهو فرض كفاية.
(قوله: ولو غريقا) غاية في كون الغسل فرض كفاية، أي هو فرض كفاية، ولو كان الميت غريقا في البحر أو غيره.
وهي للرد على القائل بأن الغريق لا يجب غسله (قوله: لأنا) أي معاشر المكلفين، وهو علة لكون غسل الغريق فرض كفاية.
وحاصلها أننا لا نكتفي باغتسال الغريق في البحر أو غيره، لأنا مخاطبون بغسل الميت مطلقا، ولا يسقط عنا الطلب إلا بفعلنا.
(قوله: وإن شاهدنا الملائكة تغسله) غاية لمفهوم ما قبله، أي فلا يسقط عنا الطلب بفعل غيرنا، وإن شاهدنا الملائكة تغسله فلا بد من إعادة غسله.
قال سم: وينبغي في صلاة الملائكة ما قيل في غسلهم إياه، بخلاف التكفين والدفن، فيجزئ من الملائكة.
قال: وظاهر أن الحمل كالدفن، بل أولى كما هو ظاهر.
اه.
وإنما اكتفى بذلك منهم لأن المقصود الستر والمواراة، وقد حصلا.
بخلاف الغسل والصلاة، فإن المقصود منهما التعبد بفعلنا مع النظافة في الغسل.
واختلف في تغسيل الجن، فذهب ابن حجر إلى عدم الاكتفاء بتغسيلهم.
وذهب الرملي إلى الاكتفاء بذلك.
قال سم: (فرع) لو غسل الميت نفسه كرامة، فهل يكفي؟ لا يبعد أن يكفي.
ولا يقال المخاطب بالفرض غيره،
لجواز أنه إنما خوطب بذلك غيره لعجزه، فإذا أتى به كرامة كفى.
(فرع آخر) لو مات إنسان موتا حقيقيا، وجهز، ثم أحيي حياة حقيقية، ثم مات، فالوجه الذي لا شك فيه أنه يحب له تجهيز آخر، خلافا لمن توهمه.
اه.
وفي ع ش ما نصه: وفي فتاوى حجر الحديثية ما حاصله إن ما من أحيي بعد الموت الحقيقي، بأن أخبر به معصوم، تثبت له جميع أحكام الموتى، من قسمة تركته، ونكاح زوجته، ونحو ذلك، وأن الحياة الثانية لا يعول عليها،
__________
(1) (قوله: على أنه) أي المذكور من الصلاة والغسل.
اه.
مولف(2/124)
لأن ذلك تشريع لما لم يرد هو ولا نظيره، بل ولا ما يقاربه، وتشريع ما هو كذلك ممتنع بلا شك.
اه.
أي وعليه: فمن مات بعد الحياة الثانية لا يغسل ولا يصلى عليه، وإنما تجب مواراته فقط.
وأما إذا لم يتحقق موته حكمنا بأنه إنما كان به غشي أو نحوه.
اه.
(قوله: ويكفي غسل كافر) أي للميت.
وذلك لحصول المقصود من غسله، وهو النظافة، وإن لم يكن أهلا للنية، لأن نية الغاسل لا تشترط على الأصح.
(قوله: ويحصل أقله) أي الغسل، ولو لنحو جنب.
(قوله: بتعميم بدنه بالماء) أي لأنه هو الواجب في الحي، فالميت أولى به.
(قوله: حتى ما تحت قلفة الأقلف) غاية في البدن الذي يجب تعميمه بالماء، أي فيجب إيصال الماء إلى إلى ما تحت قلفة الأقلف فلا بد من فسخها ليمكن غسل ما تحتها ويجب أيضا إيصال الماء إلى ما يظهر من فرج الثيب عند جلوسها على قدميها لقضاء حاجتها، كالحي في ذلك.
(قوله: على الأصح) لم أر هذا الخلاف في المنهاج والمنهج وشروحهما وحواشيهما، فلعله في غير الكتب التي بأيدينا.
(قوله: قال العبادي إلخ) لعل هذا بيان لمقابل الأصح.
(وقوله: وبعض الحنفية) معطوف على العبادي.
(وقوله: لا يجب الخ) مقول القول.
(قوله: فعلى المرجح) المناسب: فعلى الأصح.
(قوله: بأنها الخ) الباء سببية متعلقة بتعذر، أي لو تعذر غسل ما تحت القلفة بسبب أنها لا تتقلص، أي لا تنكشف ولا تنفسخ إلا بجرح، يمم عما تحتها.
أي وصلى عليه، وإن كان ما تحتها نجسا، للضرورة.
وهذا ما قاله ابن حجر.
وقال الرملي: إن كان ما تحتها طاهرا ييمم عنه، وإن كان نجسا فلا ييمم، ويدفن بلا صلاة عليه، لأن شرط التيمم إزالة النجاسة، وينبغي تقليد الأول، لأن في دفنه بلا صلاة عدم احترام الميت.
وعلى كل من القولين يحرم قطع قلفة الميت، وإن عصي بتأخيره.
(قوله: وأكمله تثليثه) هذا مقابل قوله ويحصل أقله
الخ.
(واعلم) أن المؤلف لم يستوف بيان الأكمل.
وحاصله أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه، وولي الميت - وهو أقرب الورثة - وأن يكون في قميص بال لأنه أستر له، وعلى مرتفع - كلوح - وهو المسمى بالدكة، لئلا يصيبه الرشاش، وأن يكون بماء مالح، لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء.
بارد، لأنه يشد البدن، إلا لحاجة كبرد ووسخ، فيسخن قليلا.
وأن يجلسه الغاسل على المرتفع برفق مائلا قليلا إلى ورائه، ويضع يمينه على كتفه، وإبهامه في نقره قفاه، لئلا تميل رأسه، ويسند ظهره بركبته اليمنى، ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير، مع التكرار - ليخرج ما فيه من الفضلة - ثم يضجعه على قفاه، ويغسل بخرقة ملفوفة على يساره - سوأتيه ثم يلقيها ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء ونحو أشنان، وينظف أسنانه ومنخريه، ثم يوضؤه - كالحي - بنية ثم يغسل رأسه فلحيته بنحو سدر، ويسرح شعرهما - إن تلبد - بمشط واسع الأسنان، برفق، ويرد المنتتف من شعرهما إليه - ندبا - في الكفن، أو القبر.
وأما دفنه - ولو في غير القبر - فواجب: كالساقط من الحي إذا مات عقبه، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم الأيسر، ثم يحرفه إلى شقه الأيسر، فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه، ثم يحرفه إلى شقه الأيمن، فيغسل الأيسر كذلك، مستعينا في ذلك كله بنحو سدر، ثم يزيله بماء من فرقه - بفتح الفاء، وسكون الراء - وهو كما فسره في القاموس: الطريق في شعر الرأس، والمراد بتلك الطريق: المحل الأبيض في وسط الرأس المنحدر عنه الشعر في كل من الجانبين.
ويصح قراءته من فوقه - بفاء وواو - إلى قدمه، ثم يعمه كذلك بماء قراح - أي خالص - لكن فيه قليل كافور.
فهذه الغسلات الثلاث غسلة واحدة، لأن العبرة إنما هي بالتي بالماء القراح.
ويسن ثانية وثالثة كذلك، فالمجموع تسع - قائمة من ضرب ثلاث في ثلاث، لأن الغسلات الثلاث مشتملة على ثلاث، لكن العبرة بالثلاث التي بالماء القراح.
ويندب أن لا ينظر الغاسل - من غير عورته - إلا قدر الحاجة.
أما عورته فيحرم النظر إليها، ويندب أن يغطي وجهه بخرقة.(2/125)
(قوله: وإن يكون) أي غسل الميت.
(وقوله: في خلوة) أي في موضع حال عن غير الغاسل، معينه، والولي.
والأولى أن يكون تحت سقف ليس فيه نحو كوة يطلع عليه منها، وذلك لأن الحي إذا أراد أن يغتسل يحرص على ذلك، ولأنه قد يكون ببدنه ما يكره الاطلاع عليه.
(قوله: وقميص) أي وأن يكون في قميص، لأنه أستر له، وأليق، والأولى أن يكون القميص باليا بحيث لا يمنع وصول الماء إليه.
ويدخل الغاسل يده في كمه إن كان واسعا ويغسله من تحته، وإن
كان ضيقا فتق رؤوس الدخاريص وأدخل يده في موضع الفتق، فإن لم يوجد القميص أو لم يتأت غسله فيه ستر منه ما بين السرة والركبة.
(قوله: وعلى مرتفع) معطوف على في خلوة، أي وأن يكون غسله على مرتفع - كلوح - لئلا يصيبه رشاش، وليكن مستلقيا عليه كاستلقاء المحتضر، لكونه أمكن لغسله.
ومحل رأسه أعلى لينحدر الماء عنه.
(قوله: بماء بارد) متعلق بمحذوف خبر ليكون بعد خبر، أي والأكمل في الغسل أن يكون حاصلا بماء بارد.
ويصح جعله حالا من اسم يكون، وإنما كان الأكمل أن يكون بذلك لأنه يشد البدن، بخلاف المسخن فإنه يرخيه.
(قوله: إلا لحاجة) أي فلا يكون أكمل عند وجودها.
(وقوله: كوسخ وبرد) تمثيل للحاجة.
(قوله: فالمسخن الخ) تفريع على مفهوم الاستثناء.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ وجدت الحاجة إلى المسخن.
(وقوله: أولى) أي من الماء البارد.
والأولى أن لا يبالغ في تسخينه لئلا يسرع إليه الفساد.
(قوله: والمالح أولى من العذب) أي وغسله بالماء المالح أولى من غسله بالماء العذب، أي الحالي.
وفي شرح الروض: قال الصيمري: والمالح البارد أحب من الحار العذب، قال - أعني الزركشي -: ولا ينبغي أن يغسل الميت بماء زمزم، للخلاف في نجاسته بالموت.
اه.
(قوله: ويبادر بغسله) أي ندبا إن لم يخش من تأخير الغسل انفجار للميت، وإلا فوجوبا كما هو ظاهر.
وذلك لامره - صلى الله عليه وسلم - بالتعجيل بالميت، وعلله بأنه: لا ينبغي لجيفة مؤمن أن تحبس بين ظهراني أهله.
رواه أبو داود.
اه.
تحفة.
(قوله: ومتى شك) المناسب: فإن لم يتقين موته.
(قوله: وجب تأخيره) أي الغسل.
وقال ع ش: ينبغي أن الذي يجب تأخيره هو الدفن، دون الغسل والتكفين، فإنهما بتقدير حياته لا ضرورة فيهما.
نعم، إن خيف منهما ضرر بتقدير حياته امتنع فعلهما.
اه.
(وقوله: إلى اليقين) أي إلى أن يتقين موته.
(قوله: بتغير ريح) الباء سببية متعلقة باليقين، أي اليقين الحاصل بسبب تغير ريح الميت.
(وقوله: ونحوه) أي نحو التغير، كتهري لحمه.
(قوله: فذكرهم) أي الفقهاء، تفريع على مفهوم اشتراط ظهور التغير، ونحوه في التيقن.
(وقوله: العلامات الكثيرة) أي كاسترخاء قدم، وامتداد جلدة وجه، وميل أنف، وانخلاع كف.
(وقوله: له) أي للموت.
(قوله: إنما تفيد) أي العلامات الكثيرة.
والأولى يفيد - بياء الغيبة - ويكون الفاعل ضميرا يعود على ذكر، ويكون هو الرابط بين المبتدأ والخبر.
(قوله: حيث لم يكن هناك) أي في الموت شك، فإن كان فلا تنفع تلك العلامات، بل لا بد مما يزيل ذلك الشك كظهور التغير.
قال في التحفة، تأييدا لكون العلامات لا تفيد إذا كان شك، وقد قال الأطباء إن كثيرين ممن يموتون بالسكتة ظاهرا، يدفنون أحياء، لأنه يعز إدراك الموت الحقيقي بها، إلا على أفاضل الأطباء، وحينئذ فيتعين فيها التأخير إلى اليقين بظهور نحو التغير.
اه.
(قوله: ولو خرج منه) أي من الميت، ولو من السبيلين.
(قوله:
ولم ينقض الطهر) أي لم يبطله.
(قوله: بل تجب إزالته) أي النجس الخارج.
(وقوله: فقط) أي من غير إعادة غسله، وذلك لسقوط الفرض بما وجد، وحصول النظافة بإزالة الخارج.
(قوله: إن خرج قبل التكفين لا بعده) هكذا عبارة شيخه في فتح الجواد، إلا أنه أحالها فيه على إفتاء البغوي، وجزم في التحفة بوجوبها أيضا بعد التكفين، ونصها مع الأصل: ولو خرج بعده - أي الغسل - أي وقبل الإدراج في الكفن - نجس - ولو من الفرج - وجب إزالته تنظيفا له فقط، لأن الفرض(2/126)
قد سقط بما وجد.
وعليه لا يجب بخروج منيه الطاهر شئ.
وقيل: يجب ذلك مع الغسل إن خرج من الفرج القبل أو الدبر، لأنه يتضمن الطهر، وطهر الميت غسل كل بدنه.
وقيل: يجب مع ذلك الوضوء، كالحي، أما ما خرج من غير الفرج أو بعد الإدراج في الكفن فلا يجب غير إزالته من بدنه وكفنه قطعا.
اه.
ومثله في النهاية، ونصها: أما بعد التكفين فيجزم بغسل النجاسة فقط.
وما في المهمات عن فتاوى البغوي أنه لا يجب غسلها أيضا إذا كانت بعد التكفين، مردود.
اه.
وكتب سم ما نصه: قوله وجب إزالته.
هذا واضح قبل الصلاة لتوقفها على الطهارة من النجس، فلو خرج بعد الصلاة، هل تجب إزالته أو لا؟ فيه نظر.
اه.
وكتب البجيرمي قوله: وجب إزالته.
أي إن كان قبل الصلاة، وإلا فتندب، لأنه آيل إلى الانفجار.
وعند م ر وجوبه بعد الصلاة أيضا.
ولم يرتضه شيخنا زي.
اه.
ق ل.
ولو لم يمكن قطع الخارج منه صح غسله، وصحت الصلاة عليه، لأن غايته أنه كالحي السلس، وهو تصح صلاته، وكذا الصلاة عليه.
اه.
(قوله: ومن تعذر غسله لفقد ماء) أي حسا أو شرعا.
(قوله: أو لغيره) أي فقد ماء.
(قوله: كاحتراق) تمثيل للغير.
(قوله: ولو غسل) أي فيما إذا احترق.
(قوله: يمم وجوبا) وتندب النية في التيمم كالغسل، وقيل تجب، لأنه طهارة ضعيفة فيتقوى بها.
ويشترط أن لا يكون على بدنه نجاسة، لأن شرطه تقدم إزالتها، فإن كان عليه نجاسة وتعذرت إزالتها - كالأقلف - دفن بلا صلاة عليه - على ما اعتمده م ر -.
ويصح أن ييمم ويصلى عليه في هذه الحالة - على معتمد ابن حجر - ويجب غسل باقي بدنه، ما عدا محل القلفة، إن لم يمكن فسخها.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فرع) أي في بيان من يغسل الميت.
(قوله: الرجل) أي الذكر، ولو كان غير بالغ.
(قوله: أولى بغسل الرجل) أي أحق بغسل الرجل، فيقدم وجوبا على المرأة الأجنبية، وندبا على المحرم.
وفي سم ما نصه في الناشري تنبيه آخر: إذا حرمنا النظر إلى الأمرد إلحاقا له بالمرأة، فالقياس امتناع تغسيل الرجل له.
اه.
(قوله: والمرأة أولى بغسل المرأة) أي فتقدم المرأة وجوبا على الرجال الأجانب، وندبا على الرجال المحارم.
(قوله: وله غسل حليلة) أي من تحل له من زوجة أو أمه، ولكن رتبته بعد
المرأة الأجنبية.
وهذا كالاستدراك على قوله والمرأة أولى بالمرأة وما بعده، أعني قوله ولزوجه إلخ، كالاستدراك على قوله والرجل أولى بالرجل.
(قوله: ولزوجه) أي غير رجعية وغير معتدة عن شبهة وأن حل نظرها التعلق الحق فيها باجنبي.
(وقوله: لا أمه) أن الزوجة الأمة لا يجوز لها أن تغسل زوجها، وليس كذلك.
نعم، هي لا حق لها في ولاية الغسل يقتضي تقديمها على غيرها، وكونها لا حق لها لا ينافي جوازه لها، وهو ساقط من عبارة التحفة والنهاية، ونصها: وهي - أي الزوجة - تغسل زوجها.
قال ع ش: ظاهره ولو كانت أمة، وهو ظاهر، ولا ينافي هذا ما يأتي له من أنها لا حق لها في ولاية الغسل.
لأن الكلام هنا في الجواز.
اه.
نعم، ليس للأمة أن تغسل سيدها، ولو كانت مكاتبة أو أم ولد، وذلك لانتقالها للورثة أو عتقها، بخلاف الزوجة، لبقاء آثار الزوجية بعد الموت.
(وقوله: ولو نكحت غيره) غاية في جواز غسل الزوجة، أي يجوز لها ولو تزوجت غير زوجها الذي مات.
ويتصور ذلك بما إذا وضعت الحمل عقب موت زوجها فتزوجت آخر قبل غسل زوجها الميت، وإنما جاز لها ذلك لبقاء حقوق الزوجية.
(قوله: بلا مس) متعلق بغسل الأول والثاني، أي له غسلها من غير أن يمسها، ولها غسله من غير أن تمسه.
وذلك لئلا ينتقض وضوء الغاسل المطلوب له.
(وقوله: بل يلف خرقة) أي بل يغسل كل الآخر مع لف خرقة على يده.
(قوله: فإن خالف) أي كل منهما ولم يلف على يده خرقة صح الغسل، وذلك لأن اللف وعدم المس مندوبان.
(قوله: فإن لم يحضر) أي لم يوجد أحد يغسل الميتة الأجنبية إلا رجل أجنبي.
قال ع ش: ضابط فقد الغاسل أن يكون في محل لا يجب طلب الماء منه.
اه.
وقيد ابن حجر الرجل بكونه واضحا.
قال سم: ومفهومه أن الخنثى - ولو كبيرا - إذا لم يوجد إلا هو، يغسل الرجل والمرأة الأجنبيين، ولم يصرح به.
وقد يوجه بالقياس على عكسه.
اه.
(قوله: أو أجنبية في الرجل) أي أو لم يحضر إلا امرأة أجنبية،(2/127)
والميت رجل (قوله: يمم الميت) أي الذي هو المرأة في الصورة الأولى، والرجل في الصورة الثانية، إلحاقا لفقد الغاسل بفقد الماء.
إذ الغسل متعذر شرعا لتوقفه على النظر أو المس المحرم.
ويؤخذ منه أنه لو كان في ثياب سابغة، وبحضرة نهر مثلا، وأمكن غمسه به ليصل الماء لكل بدنه من غير مس ولا نظر، وجب، وهو ظاهر.
والأوجه - كما أفاده الشيخ - أنه يزيل النجاسة، لأن إزالتها لا بدل لها، بخلاف الغسل، ولأن التيمم لا يصح قبل إزالتها.
اه.
نهاية.
بزيادة.
وخالفه ابن حجر في إزالة النجاسة فقال: ييمم وإن كان على بدنه خبث، ويوجه بتعذر إزالته.
ومحل توقف صحة التيمم، أي والصلاة الآتي في المسائل المنثورة، على إزالة النجس إن أمكنت.
(قوله: نعم، الخ) استدراك من وجوب تيمم الميت
إذا كان الغاسل أجنبيا منه أو أجنبية، والقصد به التقييد، فكأنه قال: ومحل وجوب التيمم: إذا حضر أجنبي أو أجنبية، إن كان الميت كبيرا، وإلا غسلاه.
(وقوله: لهما غسل الخ) أي يجوز لكل من الأجنبي والأجنبية تغسيل من لا يشتهي لحل النظر والمس له.
قال الخطيب في مغنيه: والحنثى الكبير المشكل يغسله المحارم منهما، فإن؟ فقدوا، غسله الرجال والنساء، للحاجة واستصحابا بالحكم الصغر.
كما صححه في المجموع، ونقله عن اتفاق الأصحاب، خلافا لما جرى عليه ابن المقري تبعا لمقتضى أصله من أنه ييمم ويغسل فوق ثوب، ويحتاط الغاسل في غض البصر والمس.
اه.
(قوله: وأولى الرجال إلخ) هذا تفصيل للأولوية السابقة في قوله الرجل أولى بغسل الرجل، يعني أن أولى الرجال بالرجل إذا اجتمع في غسله من أقاربه من يصلح لغسله أولاهم بالصلاة عليه، أي فيقدم عصبة النسب، ويقدم منهم أب، فنائبه، فأبوه، ثم ابن، فابنه، ثم أخ لأبوين، فلأب، ثم ابنهما، ثم العم كذلك، ثم سائر العصبات، فبعد عصبة النسب يقدم عصبة الولاء، فالوالي، فذوو الأرحام.
ومن قدمهم على الوالي: حمل على ما إذا لم ينتظم بين المال، فالرجال الأجانب فالزوجة، فالنساء المحارم.
وما ذكر من الترتيب أغلبي.
فلا يرد أن الأفقه بباب الغسل أولى من الأقرب، والأسن والفقيه - ولو أجنبيا - أولى من غير فقيه - ولو قريبا عكس الصلاة على ما يأتي فيها، لأن القصد هنا إحسان الغسل، والأفقه والفقيه أولى به.
وثم الدعاء ونحو الأسن، والأقرب أرق، فدعاؤه أقرب للإجابة ولم يبين من الأولى بغسل المرأة.
وحاصله أن الأولى بذلك إذا اجتمع من يصلح له النساء، لكن الأولى منهن ذات المحرمية، وهي من لو فرضت ذكرا حرم تناكحهما، وتقدم نحو العمة على نحو الخالة، فإن لم تكن ذات محرمية قدمت القربى فالقربى، ثم ذات الولاء، ثم محارم الرضاع، ثم محارم المصاهرة، ثم الأجنبيات ثم الزوج، ثم رجال المحارم بترتيبهم الآتي في الصلاة.
وشرط المقدم الحرية، والاتحاد في الدين، وعدم القتل المانع للإرث، وعدم العداوة، والصبا، والفسق.
قال في التحفة: وقضية كلامهما - بل صريحه - وجوب الترتيب المذكور.
ثم قال: لكن أطال جمع متأخرون في ندبه، وأنه المذهب.
اه.
(قوله: وتكفينه) بالجر معطوف على غسله، أي وكتكفينه، فهو فرض كفاية أيضا.
(قوله: بساتر عورة) قال ش ق: هذا ضعيف.
والمعتمد أنه لا بد من ستر جميع البدن، سواء كفن من ماله أو من مال غيره، وسواء كان ذكرا أو أنثى، حرا أو رقيقا، لانقطاع الرق بالموت.
فلا يختلف بالذكورة والأنوثة.
وأما قوله في شرح المنهج: فيختلف قدره بالذكورة والأنوثة، أي فيكون للذكر ساتر ما بين سرته وركبته، وللأنثى ساتر جميع بدنها،
فمبني على الضعيف الذي مشى عليه هنا أيضا، لكن إن كفن من تركته ولم يوص بإسقاط ما زاد على ثوب واحد وجب ثلاث لفائف تعم كل واحدة جميع البدن، وإن كان عليه دين مستغرق، حيث لم يمنع الغرماء ما زاد على الواحد.
اه.
(قوله: مختلفة) صفة لعورة.
(وقوله: بالذكورة والأنوثة) أي فيجب ستر ما بين السرة والركبة في الذكر، وستر جميع البدن في الأنثى.
(قوله: دون الرق والحرية) أي لا تختلف العورة بالرق والحرية، ولو اختلفت بهما لألحقت الأمة بالرجل، فتكون عورتها ما بين سرتها وركبتها، وليس كذلك، لانقطاع الرق بالموت، فتكون في حكم الحرة.
(قوله:(2/128)
فيجب الخ) تفريع على الاختلاف بالذكورة والأنوثة.
(وقوله: ما يستر غير الوجه والكفين) أي وهو جميع بدنها.
(قوله: لأن حق لله تعالى) أي لأن ساتر العورة حق لله تعالى، قياسا على الحي.
قال الكردي: حاصل ما اعتمده الشارح في كتبه أن الكفن ينقسم على أربعة أقسام: حق الله تعالى: وهو ساتر العورة، وهذا لا يجوز لأحد إسقاطه مطلقا.
وحق الميت: وهو ساتر بقية البدن، فهذا للميت أن يوصي بإسقاطه دون غيره.
وحق الغرماء: وهو الثاني والثالث، فهذا للغرماء عند الاستغراق إسقاطه ولمنع منه دون الورثة.
وحق الورثة: وهو الزائد على الثلاث، فللورثة إسقاطه والمنع منه.
ووافق الجمال الرملي على هذه الأقسام إلا الثاني منها، فاعتمد أن فيه حقين، حقا لله تعالى، وحقا للميت.
فإذا أسقط الميت حقه بقي حق الله تعالى، فليس لأحد عنده إسقاط شئ من سابغ جميع البدن.
اه.
(قوله: وقال آخرون إلخ) معتمد.
وعبارة التحفة: وقال آخرون: يجب ستر جميع البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة، لحق الله تعالى، كما يأتي عن المجموع، ويصرح به قول المهذب: إن ساتر العورة فقط لا يسمى كفنا، أي والواجب التكفين فوجب الكل للخروج عن هذا الواجب الذي هو لحق الله تعالى.
وأطال جمع متأخرون في الإنتصار له.
وعلى الأول: يؤخذ من قول المجموع عن الماوردي وغيره، ولو قال الغرماء يكفن بساترها، والورثة بسابع، كفن في السابع اتفاقا: أن الزائد على ساترها من السابع حق مؤكد للميت لم يسقطه، فقدم به على الغرماء كالورثة، فيأثمون بمنعه، وإن لم يكن واجبا في التكفين، وهذا مستثنى لما تقرر من تأكد أمره لقوة الخلاف في وجوبه، وإلا فقد جزم الماوردي بأن للغرماء منع ما يصرف في المستحب.
اه.
(قوله: ولو رجلا) أي ولو كان الميت رجلا.
(قوله: وللغريم إلخ) أي الذي دينه مستغرق للتركة.
وعبارة المغني: ولو كان عليه دين مستغرق فقال الغرماء: يكفن في ثوب.
والورثة: في ثلاثة.
أجيب الغرماء في الأصح لأنه إلى براءة ذمته أحوج منه إلى زيادة الستر.
قال في المجموع: ولو قال الغرماء يكفن بساتر العورة، والورثة بساتر جميع
البدن، نقل صاحب الحاوي وغيره، الاتفاق على ساتر جميع البدن.
ولو اتفقت الغرماء والورثة على ثلاثة، جاز بلا خلاف.
اه.
(وقوله: منع الزائد على ساتر كل البدن) أي سواء قلنا أن الواجب ستر العورة فقط، أم قلنا الواجب ستر جميع البدن.
وذلك لأن الميت أحوج إلى براءة ذمته من التجمل الذي منه الزيادة على ثوب يعم جميع البدن - كما علمت - وخرج بالغريم، الوارث.
فليس له المنع من ذلك، حيث لم يوص الميت بثوب، لأنه ليس في الصرف للوارث منفعة تعود للميت، بخلاف الغريم.
(قوله: لا الزائد على ساتر العورة) أي ليس للغريم أن يمنع الزائد على ساتر العورة.
وهذا ظاهر على القول بأن الواجب ستر جميع البدن.
أم على القول بأن الواجب ستر العورة فقط: فيكون مستثنى من قولهم للغرماء منع ما يصرف للمستحب.
(وقوله: لتأكد أمره) أي الزائد بسبب قوة الخلاف في وجوبه.
(وقوله: وكونه إلخ) أي ولكون الزائد حقا للميت بالنسبة للغرماء، أي وأما بالنسبة لله تعالى، فحقه ساتر العورة فقط.
وما ذكر من التعليلين مبني على القول الأول، وهو أن الواجب ستر العورة أما على القول الثاني وهو أن الواجب ستر جميع البدن فعدم صحة منع الغريم لذلك الزائد ظاهر كما علمت، لكونه منع الواجب وهو لا يجوز.
(قوله: وأكمله) أي الكفن، أي الأفضل فيه.
(قوله: للذكر) أي ولو صبيا أو محرما.
(قوله: ثلاثة) أي لخبر عائشة - رضي الله عنها -: كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة.
رواه الشيخان.
(وقوله: يعم كل منها البدن) أي ما عدا رأس المحرم، ووجه المحرمة.
(قوله: وجاز) أي من غير كراهة.
(وقوله: أن يزاد تحتها) أي الثلاثة، وذلك لأن عبد الله بن عمر كفن ابنا له في خمسة أثواب: قميص، وعمامة، وثلاث لفائف.
قال في النهاية: نعم، هي - أي الزيادة على الثلاث - خلاف الأولى - كما في المجموع - لانه - صلى الله عليه وسلم - كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا عمامة.(2/129)
ومحل جواز الزيادة على ذلك: إذا كان الورثة أهلا للتبرع ورضوا به، فإن كان فيهم صغير أو مجنون أو محجور عليه بسفه أو غائب: فلا.
اه.
بتصرف.
(وقوله: قميص) أي ساتر لجميع البدن.
قال في بشرى الكريم: وإطلاقهم يقتضى أنه كقميص الحي، بل صرح به الشرقاوي وغيره، فما اعتيد في جهتنا من جعله إلى نصف الساق وبلا أكمام: منكر شديد التحريم.
اه.
(قوله: وللأثنى) معطوف على الذكر، أي وأكمله للأنثى - ومثلها الخنثى - إزار، فقميص، فخمار، فلفافتان، لأنه عليه الصلاة والسلام كفن فيها ابنته أم كلثوم.
وفي ع ش: قال الشافعي - رضي الله عنه - ويشد على صدر المرأة ثوب، لئلا تضطرب ثدياها عند الحمل فتنتشر الأكفان.
قال الأئمة: وهذا ثوب سادس ليس من الأكفان، يشد
فوقها، ويحل عنها في القبر.
اه.
قال في التحفة: هذا كله - أي ما ذكر من أن الأفضل للرجل ثلاثة، ويجوز رابع وخامس، وللأنثى خمسة، حيث لا دين وكفن من ماله، وإلا وجب الاقتصار على ثوب ساتر لكل البدن إن طلبه غريم مستغرق، أو كفن ممن تلزمه نفقته ولم يتبرع بالزائد، أو من بيت المال، أو وقف الأكفان، أو من مال الموسرين.
اه.
(قوله ويكفن الميت) أي ذكرا كان أو أنثى.
(وقوله: بما له لبسه حيا) أي بما يجوز له لبسه في حال الحياة من غير حاجة، فلا يكفن بالحرير من لبسه لحكة أو قمل ومات فيه.
نعم، لو استشهد فيه من لبسه لذلك أو غيره من أنواع الحاجة المبيحة للبسه كفن فيه، لأن السنة تكفينه في ثيابه التي استشهد فيها، لا سيما إذا تلطخت بدمه.
قال في النهاية، كما أفتى به الوالد، تبعا للأذرعي: ويقدم المتنجس على الطاهر الحرير عند ابن حجر، تبعا لشيخ الإسلام، واعتمد في المغني والنهاية وسم تقديم الحرير على المتنجس.
وانظر على الأول بالنسبة للصلاة، هل يصلي عليه مكشوف العورة ثم يكفن بالمتنجس، أو يستر بالحرير عند الصلاة عليه ثم ينزع منه ويكفن في المتنجس؟ والقياس على الحي الثاني: إن قلنا يشترط في الميت ما يشترط في المصلي الحي من الطهارة وستر العورة وغير ذلك، وإن قلنا لا يشترط ذلك، فله كل من الثاني والأول.
وفرض المسألة أنه وجد طاهر حرير، ومتنجس غير حرير، فإن لم يوجد إلا المتنجس، فيصلى عليه عاريا، ثم يكفن، إذ لا تصح مع النجاسة.
(قوله: فيجوز حرير ومزعفر الخ) تفريع على بما له لبسه.
(وقوله: للمرأة والصبي) أي والمجنون، وذلك لأنه يجوز لهم لبسه وهم أحياء فبعد الموت كذلك.
وخرج بذلك: الرجل والخنثى، فلا يدفنان فيهما إذا وجد غيرهما.
(قوله: مع الكراهة) متعلق بيجوز.
(قوله: ومحل تجهيزه) أي الميت.
والمراد بالتجهيز: المؤن، كأجرة التغسيل، وثمن الماء والكفن، وأجرة الحفر، والحمل.
(وقوله: التركة) أي إذا لم يتعلق بعينها حق لازم، كرهن، وزكاة.
وإلا قدم على التجهيز.
كما سيأتي في الفرائض.
(قوله: إلا زوجة) أي غير ناشزة.
(وقوله: وخادمها) أي المملوك لها أو المستأجر بالنفقة، فإن كان مستأجرا بالأجرة لم يجب تجهيزه على الزوج، لأنه ليس له إلا الأجرة.
(قوله: فعلى زوج غني) خبر لمبتدأ محذوف، أي فتجهيزهما على زوج غني، فإن كان معسرا جهزت من أصل تركتها، لا من خصوص نصيبه منها، كما اقتضاه كلامهم.
وقال بعضهم: بل من نصيبه منها إن ورث، لأنه صار موسرا به، وإلا فمن أصل تركتها مقدما على الدين، وهو متجه من حيث المعنى.
وإذا كفنت منها أو من غيرها لم يبق دينا عليه، للسقوط عنه بإعساره.
ويظهر ضبط المعسر بمن ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس.
اه.
تحفة.
قال سم: ويحتمل الضبط بالفطرة.
اه.
فعليه.
ويكون الموسر: هو من ملك زيادة على كفاية يوم وليلة ما يصرفه في التجهيز.
والمعسر:
هو الذي لا يملك ذلك.
(قوله: عليه نفقتهما) الجملة من المبتدإ أو الخبر صفة لزوج، أي زوج واجب عليه نفقتهما.
وخرج به: ما إذا لم تجب عليه نفقتهما، كأن كانت الزوجة صغيرة أو ناشزة، وكان الخادم مكترى بأجرة، فلا يلزم الزوج تجهيزهما.
(قوله: فإن لم يكن له تركة) مقابل لمحذوف، أي هذا إن كان له تركة، فإن لم يكن إلخ.
(وقوله: فعلى من عليه نفقته) أي فالتجهيز واجب على من وجب عليه نفقة ذلك الميت في حال حياته.
وهذا باعتبار الغالب، وإلا فقد يجب التجهيز على من لا تلزمه نفقته، كتجهيز الولد الكبير المعسر، فإنه واجب على أبيه، وكتجهيز المكاتب، فإنه واجب على سيده، مع أنهما لا يلزمهما نفقتهما حيين.
وقد لا يجب على من عليه نفقته حيا، كزوجة الأب، فإنه لا يلزم الإبن(2/130)
تجهيزها وإن لزمته نفقتها.
(قوله: من قريب) بيان لمن، والمراد به الأصل أو الفرع.
وفي البجيرمي: ولو مات من لزمه تجهيز غيره بعد موته وقبل تجهيزه وتركته لا تفي إلا بتجهيز أحدهما فقط، قدم الثاني على الأوجه، لتبين عجزه عن تجهيز غيره.
وأفتى به الشهاب م ر، كما ذكر ذلك ولده في شرحه.
اه.
(قوله: وسيد) أي فيما إذا مات رقيقة، ولو مكاتبا، وأم ولد.
وأما البعض فإن لم تكن بينه وبين سيده مهايأه، فمؤن التجهيز يكون منها على سيده بقدر ما فيه من الرق، والباقي من تركة المبعض.
وقال ع ش: على السيد نصف لفافة فقط، لأن الواجب عليه - بقطع النظر عن التبعيض - لفافة واحدة.
وفي مال المبعض لفافة ونصف، فيكمل له لفافتان، فيكفن فيهما، ولا يزاد ثالثة من ماله.
اه.
وإن كان بينه وبين سيده مهايأه، فمؤن التجهيز على ذي النوبة.
فلو لم يعلم موته في أي نوبة، فينبغي أن يكون كلا مهايأة.
فعلى سيده بقدر ما فيه من الرق، والباقي من تركته.
(قوله: فعلى بيت المال) أي فإن لم يكن للميت من تلزمه نفقته فتجهيزه على بيت المال، كنفقته في حال الحياة.
قال في الروض وشرحه: ولا يلزم بيت المال ولا القريب إلا ثوب واحد، لتأدى الواجب به، بل لا تجوز الزيادة عليه من بيت المال، وكذا إن كفن بما وقف للتكفين، أو كان من مياسير المسلمين، اه.
ومر نظيره عن ابن حجر.
(قوله: فعلى مياسير المسلمين) أي فإن لم يكن بيت مال، فتجهيزه على مياسير المسلمين.
قال سم: ظاهره ول محجورين فعلى أوليائهم الإخراج.
اه.
والمراد بالموسر: من يملك كفاية سنة لممونه، وإن طلب واحد منهم تعين عليه، لئلا يتواكلوا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ويحرم التكفين في جلد) أي لأنه مرد به.
(وقوله: إن وجد غيره) أي ولو كان حريرا فيقدم على الجلد.
(قوله: وكذا الطين إلخ) إي يحرم التكفين به مع وجود غيره.
(قوله: فإن لم يوجد ثوب) المناسب: فإن لم يوجد غيره، لأنه مقابل قوله: إن وجد غيره.
(قوله: فيما استظهره شيخنا) عبارته: ويحرم
في جلد وجد غيره، لأنه مزر به، وكذا الطين، والحشيش، فإن لم يوجد ثوب وجب جلد، ثم حشيش، ثم طين، فيما يظهر.
اه.
وكتب سم: قوله فيما يظهر: هو ظاهر، وقضيته وجوب تعميمه بنحو الطين لوجوب التعميم في الكفن.
ولو لم يوجد إلا حب، فهل يجب التكفين فيه بإدخال الميت فيه لأنه ساتر؟ فيه نظر، ولا يبعد الوجوب.
قال م ر: ويتجه تقديم نحو الحناء المعجون على الطين، لأن التطيين مع وجوده إزراء به.
(قوله: ويحرم كتابة شئ من القرآن الخ) في فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه عن كتابة العهد على الكفن، وهو لا إله إلا الله والله أكبر.
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد.
لا إله إلا الله.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقيل إنه اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك - صلى الله عليه وسلم -، فلا تكلني إلى نفسي، فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر، وتبعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عهدا عندك توفنيه يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.
هل يجوز؟ ولذلك أصل أم لا؟ (فأجاب) بقوله: نقل بعضهم عن نوادر الأصول للترمذي ما يقتضي أن هذا الدعاء له أصل، وأن الفقيه ابن عجيل كان يأمر به، ثم أفتى بجواز كتابته قياسا على كتابة الله في نعم الزكاة.
وأقره بعضهم بأنه قيل بطلب فعله لغرض صحيح مقصود، فأبيح، وإن علم أنه يصيبه نجاسة.
وفيه نظر.
وقد أفتى ابن الصلاح بأنه لا يجوز أن يكتب على الكفن يس والكهف ونحوهما، خوفا من صديد الميت، وسيلان ما فيه.
وقياسه على ما في نعم الصدقة ممنوع، لأن القصد ثم التمييز لا التبرك، وهنا القصد التبرك، فالأسماء المعظمة باقية على حالها، فلا يجوز تعريضها للنجاسة.
والقول بأنه قيل بطلب فعله إلخ، مردود، لأن مثل ذلك لا يحتج به، وإنما كانت تظهر الحجة لو صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - طلب ذلك، وليس كذلك.
اه.
(وقوله: أسماء الله تعالى) أي وكل اسم معظم كأسماء الملائكة والأنبياء.
(وقوله: على الكفن) متعلق بكتابه.
(قوله: ولا بأس) أي لا إثم.
(وقوله: بكتابة) أي شئ من القرآن ونحوه.
(قوله: لأنه) أي الريق لا يثبت، فلا تثبت النقوش المكتوبة به.
(قوله: وأفتى ابن الصلاح بحرمة ستر الجنازة بحرير) ومثله كل(2/131)
ما المقصود به الزينة.
(قوله: وخالفه الجلال البلقيني) قال ابن قاسم: هو الذي اعتمده م ر.
اه.
(وقوله: فجوز الحرير فيها) أي لأن ستر سريرها يعد استعمالا متعلقا ببدنها، وهو جائز لها، فمهما جاز لها فعله في حياتها جاز فعله لها بعد موتها، حتى يجوز تحليتها بنحو حلي الذهب ودفنه معها، حيث رضي الورثة، وكانوا كاملين، ولا يقال إنه تضييع مال
لأنه تضييع لغرض، وهو إكرام الميت وتعظيمه، وتضييع المال وإتلافه لغرض جائز.
م ر.
سم.
(قوله: مع أن القياس) أي على حرمة تزيين بيتها الأول، وهو الحرمة.
(تنبيه) يسن كون الكفن أبيض، لخبر: البسوا من ثيابكم البياض، فإنهم من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم.
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وكونه مغسولا: لأنه للصديد، والحي أحق بالجديد، كما قاله أبو بكر رضي الله عنه.
رواه البخاري.
وتكره المغالاة فيه، لخبر: لا تغالوا في الكفن، فإنه يبلى سريعا.
ومحل كراهة المغالاة إذا لم يكن بعض الورثة محجور عليه أو غائبا، أو الميت مفلسا، وإلا حرمت.
قاله م ر.
وانظر هذا من قوله عليه الصلاة والسلام: أحسنوا أكفان موتاكم فإن الموتى تتباهى بأكفانهم.
فإنه يقتضي أنه لا يبلى.
وأجيب بأن المباهاة: إما قبل البلاء، أو بعد إعادتها.
أفاده البجيرمي.
(قوله: ودفنه) بالجر معطوف على غسله، أي وكدفنه.
فهو فرض كفاية.
(وقوله: في حفرة تمنع الخ) وذلك لأن حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه، وانتشار رائحته المستلزم للتأذي بها، واستقذار جيفته، فاشترطت حفرة تمنعهما.
قال سم: الحفرة المذكورة صادقة مع بنائها، فحيث منعت ما ذكر كفت، فالفساقي إن كانت بناء في حفر كفت إن منعت ما ذكر، وإلا فلا.
اه.
(قوله: بعد طمها) متعلق بتمنع.
والطم: رد التراب إليها.
قال في المصباح: طممت البئر وغيرها بالتراب طما، من باب قتل، ملأتها حتى استوت مع الأرض.
وطمها التراب: فعل بها ذلك.
اه.
(قوله: أي ظهورها) أفاد بتقدير المضاف أن نفس الرائحة لا سبيل إلى منعها، وأن الممنوع ظهورها فقط.
(قوله: وسبعا) معطوف على رائحة، أي وتمنع سبعا.
(قوله: أي نبشه لها) أفاد بتقدير المضاف أن المراد بمنع الحفرة للسبع منعها نبش السبع لها.
(وقوله: فيأكل) بالنصب بأن مضمرة، معطوف على نبشه على حد: ولبس عباءة وتقر عيني وهو من عطف المسبب على سببه، أي تمنع النبش الذي يتسبب عنه أكله للميت.
(قوله: وخرج بحفرة وضعه بوجه الأرض) أي فلا يكفي، لأنه ليس بدفن.
قال ع ش: وفي حكمه حفرة لا تمنع ما مر إذا وضع فيها ثم بني عليه ما يمنع ذينك، أي الرائحة والسبع.
اه.
(قوله: ويبنى عليه) أي على الميت، أي حواليه.
والفعل منصوب بأن مضمرة معطوف على وضع، على حد ما مر آنفا.
ومثل البناء عليه - بالأولى - ما لو ستر بكثير نحو تراب أو حجارة.
(وقوله: ما يمنع ذينك) أي الرائحة والسبع.
(قوله: حيث لم يتعذر الحفر) متعلق بمحذوف، أي فلا يكفي ذلك، حيث لم يتعذر
الحفر، بأن أمكن، فإن تعذر، كأن كانت الأرض خوارة أو ينبع منها ماء يفسد الميت وأكفانه، جاز ذلك.
(قوله: نعم، من مات إلخ) انظر هو مرتبط بأي شئ؟ وظاهر صنيعه أنه مرتبط بالقيد، أعني حيث لم يتعذر الحفر، ولا معنى له.
فكان الأولى أن يبدل ذلك بقوله فإن تعذر الحفر كفى، كما لو مات بسفينة إلخ، وتكون الكاف للتنظير وعبارة ابن حجر على بافضل - وخرج بالحفرة: ما وضع على وجه: الأرض وبنى عليه ما يمنعهما، فإنه لا يكفي، إلا إن تعذر الحفر، كما لو مات بسفينة الخ.
اه وهي نص فيما ذكرناه ثم ظهر صحة جعله مرتبطا بقول المتن(2/132)
ودفنه في حفرة أي أن محل اشتراط الحفرة ما لم يمت في سفينة، وإلا فإن تعذر دفنه في البر لبعده عن الساحل أو قربه منه، ولكن به مانع كسبع، ألقي في البحر، بعد غسله، وتكفينه، والصلاة عليه.
لكن كان عليه أن يؤخره عن قوله وبتمنع ذينك إلخ.
(قوله: جاز إلقاؤه في البحر) فيه نظر، لأنه إذا تعذر البر يجب إلقاؤه فيه.
وعبارة البجيرمي: يجب فيمن مات في سفينة وتعذر دفنه في البر أن يوضع بعد الصلاة عليه بين لوحين مثلا، ويرمى في البحر.
وإن ثقل بحجر ليصل إلى القرار فهو أولى.
اه.
ويمكن أن يجاب بأن المراد بالجواز ما قابل الإمتناع، فيصدق بالوجوب.
(قوله: ليرسب) بضم السين، أي ينزل في قعر البحر.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتعذر فلا يجوز إلقاؤه في البحر.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يتعذر فلا يجوز إلقاؤه في البحر.
(قوله: وبتمنع ذينك) معطوف على بحفرة، أي وخرج بقوله تمنع الرائحة والسبع.
(وقوله: ما يمنع) فاعل خرج المقدر.
(وقوله: أحدهما) أي السبع أو الرائحة.
(قوله: كأن اعتادت إلخ) مثال لما يمنع الرائحة فقط، ولم يمثل لما يمنع السبع فقط.
وذلك كالفساقي: فإنها لا تمنع الرائحة، وإن كانت تمنع السبع.
قال في التحفة: وهي بيوت تحت الأرض.
وقد قطع ابن الصلاح والسبكي وغيرهما بحرمة الدفن فيها، مع ما فيها من اختلاط الرجال بالنساء، وإدخال ميت على ميت قبل بلاء الأول.
ومنعها للسبع واضح وعدمه للرائحة مشاهد.
اه.
(قوله: الحفر) مفعول اعتادت.
(وقوله: عن موتاه) متعلق بالحفر، وضميره يعود على المحل.
(قوله: فيجب الخ) مفرع على ما إذا اعتادت السباع الحفر.
(قوله: بحيث الخ) الباء للتصوير.
أي بناء مصورا بحالة وهي منعه وصول السباع إلى الميت.
قال في التحفة: فإن لم يمنعها البناء - كبعض النواحي - وجب صندوق.
كما يعلم مما يأتي.
اه.
(قوله: وأكمله الخ) أفاد به أن ما مر أقله، وكان الأولى التصريح به هناك، يعني أن الأكمل في القبر أن يكون واسعا، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في قتلى أحد: أحفروا، وأوسعوا وأعمقوا.
والتوسعة هي أن يزاد في طوله وعرضه.
قال ع ش: وينبغي أن يكون ذلك
مقدار ما يسع من ينزل القبر ومن يدفنه، لا أزيد من ذلك، لأن فيه تحجيرا على الناس.
اه.
(قوله: في عمق الخ) الذي يظهر أن في بمعنى مع، وإضافة عمق لما بعده لأدنى ملابسة، أي والأكمل أن يكون واسعا، مع عمق قدره أربعة أذرع ونصف.
وعبارة التحفة مع الأصل: ويندب أن يوسع بأن يزاد في طوله وعرضه، ويعمق، للخبر الصحيح في قتلى أحد إلخ، وأن يكون التعميق قامة لرجل معتدل وبسطه بأن يقوم فيه ويبسط يده مرتفعة.
اه.
(تنبيه) الأكمل أيضا في القبر أن يكون لحدا، وهو أن يحفر في جانب القبر من أسفل قدر ما يسع الميت، لكن هذا إن صلبت الأرض، أما لو كانت رخوة فالأفضل الشق، وهو أن يحفر قعر القبر كالنهر، ويبنى جانباه بلبن وغيره، ويجعل الميت بينهما.
(قوله: ويجب إضجاعه) أي الميت في القبر على شقه الأيمن.
(وقوله: للقبلة) أي تنزيلا له منزلة المصلي، فإن دفن مستدبرا أو مستلقيا نبش حتما، إن لم يتغير، وإلا فلا ينبش.
ويؤخذ من التعليل المذكور عدم وجوب الاستقبال في الكافر، فيجوز استقباله واستدباره.
نعم، الكافرة التي في بطنها جنين مسلم، نفخت فيه الروح، ولم ترج حياته، يجب استدبارها للقبلة، ليكون الجنين مستقبل القبلة، لأن وجه الجنين إلى ظهر أمه.
وتدفن هذه المرأة بين مقابر المسلمين والكفار، لئلا يدفن المسلم في مقابر الكفار، وعكسه.
فإن لم تنفخ فيه الروح: لم يجب الاستدبار في أمه، لأنه لا يجب استقباله حينئذ.
نعم، استقباله أولى.
فإن رجيت حياته لم يجز دفنه معها، بل يجب شق جوفها وإخراجه منه - ولو مسلمة - ومن الغلط أن يقال: يوضع نحو حجر على بطنها ليموت، فإن فيه قتلا للجنين.
(قوله: ويندب الإفضاء إلخ) أي يندب إلصاق خده الأيمن بالتراب.
(وقوله: بعد تنحية الكفن عنه) أي بعد إزالة(2/133)
الكفن عن خده.
(وقوله: إلى نحو تراب) متعلق بإفضاء ودخل تحت نحو الحجر واللبن.
(وقوله: مبالغة إلخ) تعليل لندب الإفضاء المذكور.
وما أحسن قول بعضهم: فكيف يلهو بعيش أو يلذ به * * من التراب على خديه مجعول؟ (قوله: ورفع رأسه إلخ) أي ويندب رفع رأسه.
(وقوله: بنحو لبنة) أي طاهرة.
واللبنة - كسر الباء - واحدة اللبن - بكسرها أيضا - ما يعمل من الطين، ويبنى به.
ودخل تحت نحو كوم تراب وحجر.
(قوله: وكره صندوق) أي جعل الميت فيه، لأنه ينافي الاستكانة والذل المقصودين من وضعه في التراب، ولأن في إضاعة مال.
وعبارة الروض وشرحه:
ويكره صندوق - أي جعل الميت فيه - ولا تنفذ وصيته بذلك، فإن احتيج إلى الصندوق لنداوة ونحوها - كرخاوة في الأرض - فلا كراهة، وهو - أي الصندوق المحتاج إليه من رأس المال - كالكفن، ولأنه من مصالح دفنه الواجب.
اه.
ملخصا.
(قوله: فيجب) أي الصندوق.
وهو مفرع على الاستثناء.
(قوله: ويحرم دفنه بلا شئ يمنع وقوع التراب عليه) أي فيجب سد القبر بما يمنع وقوع التراب عليه من نحو لبن.
وما ذكر من وجوب السد وحرمة عدمه هو ما عليه جمع.
وظاهر عبارة المنهاج: ندب السد، وجواز إهالة التراب عليه من غير سد.
كما نبه عليه في التحفة، وعبارتها مع الأصل: ويسد فتح اللحد بلبن، بأن يبنى به ثم يسد ما بينه من الفرج بنحو كسر لبن اتباعا لما فعل به - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه أبلغ في صيانة الميت عن النبش، ومنع التراب والهوام.
وكاللبن في ذلك غيره.
وآثره لأنه المأثور كما تقرر، وظاهر صنيع المتن: أن أصل سد اللحد مندوب، كسابقه ولاحقه، فتجوز إهالة التراب عليه من غير سد، وبه صرح غير واحد.
لكن بحث غير واحد وجوب السد عليه، كما عليه الإجماع الفعلي من زمنه - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن، فتحرم تلك الإهالة، لما فيها من الإزراء وهتك الحرمة، وإذا حرموا ما دون ذلك، ككبه على وجهه، وحمله على هيئة مزرية، فهذا أولى.
اه.
(قوله: يحرم دفن اثنين من جنسين بقبر) المراد بالجنس هنا وفيما بعده، الجنس العرفي، وهو ما يشمل النوع والصنف.
وحاصل ما يتعلق بهذه المسألة أن الذي جرى عليه المؤلف - تبعا لشيخه ابن حجر، التابع لشيخه شيخ الإسلام - أن الاثنين إذا اتحدا نوعا كرجلين أو امرأتين، أو اختلفا فيه وكان بينهما محرمية أو زوجية أو سيدية، كره دفنهما معا.
فإن اختلفا ولم يكن بينهما ما مر حرم ذلك.
والذي جرى عليه م ر: الحرمة مطلقا، اتحد الجنس أو اختلف، كان بينهما محرمية أو لا.
وذلك لأن العلة في منع الجمع التأذى، لا الشهوة.
فإنها قد انقطعت بالموت.
(قوله: إن لم يكن بينهما) أي الاثنين.
(قوله: ومع أحدهما: كره) أي ومع وجود المحرمية أو الزوجية يكره دفنهما في قبر واحد.
(قوله: كجمع متحدي جنس فيه) أي كما أنه يكره دفن جمع متحدي جنس في قبر واحد.
(قوله: بلا حاجة) متعلق بكل من يحرم وكره، أي محل الحرمة أو الكراهة إن لم يكن حاجة، وإلا فلا حرمة ولا كراهة، كأن كثر الموتى وعسر إفراد كل بقبر، أو لم يوجد إلا كفن واحد، لانه - صلى الله عليه وسلم - كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب، ويقدم أقرأهما للقبلة، ويجعل بينهما حاجز تراب.
(قوله: ويحرم أيضا) أي كما يحرم دفن اثنين معا ابتداء.
قال في النهاية: عللوه - أي حرمة الإدخال - بهتك حرمته.
ويؤخذ منه عدم حرمة نبش قبر له لحدان مثلا لدفن شخص في اللحد الثاني، إن لم تظهر له رائحة، إذ لا هتك للأول فيه.
وهو ظاهر، وإن لم يتعرضوا له، فيما أعلم.
اه.
(قوله: وإن اتحدا) أي الميت الذي في القبر، والميت المدخل عليه.
(قوله: قبل بلاء
جميعه) متعلق بيحرم، أي يحرم الإدخال المذكور قبل بلاء جميع الميت الذي في القبر.
قال سم: وأفهم جواز النبش، بعد بلاء جميعه.
ويستثنى قبر عالم مشهور، أو ولي مشهور، فيمتنع نبشه.
اه.
(قوله: ويرجع فيه) أي في البلاء، أي مدته.
(وقوله: لأهل الخبرة بالأرض) أي لأهل المعرفة بقدر المدة التي يبلى فيها الميت في أرضهم.
(قوله: ولو وجد(2/134)
بعض عظمه) أي الميت الذي في القبر.
(وقوله: قبل تمام الحفر) أي قبل أن يكمل حفر القبر.
(قوله: وجب رد ترابه) أي ويحرم تكميل الحفر والدفن فيه لما يلزم عليه من الإدخال المحرم.
وهذا إذا لم يحتج إلى الدفن في ذلك القبر، بأن كثر الموتى، وإلا فلا بأس بذلك.
(قوله: أو بعده) أي أو وجد عظمه، بعد تمام الحفر، فلا يجب رد التراب.
(قوله: ويجوز الدفن معه) أي مع العظم لكن بعد تنحيته عن محله.
وعبارة التحفة: أو بعده نحاه ودفن الآخر.
فإن ضاق بأن لم يمكن دفنه إلا عليه، فظاهر قولهم نحاه حرمة الدفن هنا، حيث لا حاجة، ليس ببعيد، لأن الإيذاء هنا أشد.
اه.
(قوله: ولا يكره الدفن ليلا) أي سواء تحرى الدفن فيه أم لا، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله، وكذا الخلفاء الراشدون.
(قوله: خلافا للحسن البصري) أي فإن الدفن ليلا عنده مكروه تنزيها متمسكا بظاهر خبر ابن ماجه: لا تدفنوا موتاكم بالليل، إلا أن تضطروا.
وفي البجيرمي ما نصه: وفي الخصائص ودفن بالليل، وذلك - أي الدفن ليلا - في حق غيره مكروه تنزيها عند الحسن البصري، تمسكا بظاهر خبر ابن ماجه بسند فيه ضعف لا تدفنوا موتاكم بالليل، إلا أن تضطروا أي بالدفن ليلا، لخوف انفجار الميت وتغيره.
وخلاف الأولى عند سائر العلماء، وتأولوا الخبر بأن النهي كان أولا، ثم رخص.
اه.
مناوي.
(قوله: والنهار أفضل) أفعل التفضيل على غير بابه، أي فاضل، وذلك لأنه هو المندوب، بخلاف الدفن ليلا، فليس بمندوب، حتى أنه يكون فاضلا.
ومحل كون الدفن فيه فاضلا إذا لم يخش بالتأخير إليه تغير، وإلا حرم.
(قوله: ويرفع القبر قدر شبر) أي ليعرف فيزار ويحترم.
وصح أن قبر - صلى الله عليه وسلم - رفع نحو شبر.
(قوله: وتسطيحه أولى من تسنيمه) لما صح من القاسم بن محمد: أن عمته عائشة - رضي الله عنهم - كشفت له عن قبره - صلى الله عليه وسلم - وقبر صاحبيه، فإذا هي مسطحة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
ورواية البخاري: أنه مسنم.
حملها البيهقي على أن تسنيمه حادث، لما سقط جداره، وأصلح زمن الوليد.
اه.
تحفة.
والتسطيح: جعل القبر مسطحا، أي مستويا له سطح.
قال في المصباح: سطحت القبر تسطيحا: جعلت أعلاه كالسطح.
وأصل السطح: البسط.
اه.
والتسنيم: جعله مسنما، أي مرتفعا على هيئة سنام البعير.
قال في المصباح: سنمت القبر تسنيما: إذا رفعته عن الأرض كالسنام.
اه.
(قوله:
ويندب لمن على شفير القبر) أي لمن هو واقف على طرف القبر.
(قوله: أن يحثي) أي بعد سد اللحد، وإن كانت المقبرة منبوشة وهناك رطوبة، لأنه مطلوب.
(قوله: ثلاث حثيات) أي من تراب، ويكون الحثي بيديه من قبل رأس الميت، لأنه - صلى الله عليه وسلم - حثى من قبل رأس الميت ثلاثا.
رواه البيهقي وغيره بإسناد جيد.
قال ع ش: وينبغي الاكتفاء بذلك مرة واحدة، وإن تعدد المدفنون.
(قوله: قائلا) حال من فاعل يحثي.
(قوله: منها خلقناكم) ويزيد على ذلك: اللهم لقنه عند المسألة حجته.
(وقوله: ومع الثانية وفيها نعيدكم) ويزيد عليه: اللهم افتح أبواب السماء لروحه.
(وقوله: ومع الثالثة ومنها نخرجكم تارة أخرى) ويزيد عليه: اللهم جاف الأرض عن جنبيه.
(فائدة) عن الإمام تقي الدين، عن والده، عن الفقيه أبي عبد الله محمد الحافظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من أخذ من تراب القبر حال الدفن بيده - أي حال إرادته - وقرأ عليه * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * سبع مرات، وجعله مع الميت في كفنه أو قبره، لم يعذب ذلك الميت في القبر.
(قوله: مهمة: يسن وضع جريدة إلخ) ويسن أيضا وضع حجر أو خشبة عند رأس الميت، لانه - صلى الله عليه وسلم - وضع عند رأس(2/135)
عثمان بن مظعون صخرة، وقال: أتعلم بها قبر أخي لأدفن فيه من مات من أهلي.
ورش القبر بالماء لئلا ينسفه الريح، ولانه - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك بقبر ابنه إبراهيم.
رواه الشافعي، وبقبر سعد رواه ابن ماجة، وأمر به في قبر عثمان بن مظعون رواه الترمذي.
وسعد هذا هو ابن معاذ.
ويستحب أن يكون الماء طاهرا طهورا باردا، تفاؤلا بأن الله تعالى يبرد مضجعه.
ويكره رشه بماء ورد ونحوه، لأنه إسراف وإضاعة مال.
قال الأذرعي: والظاهر كراة رشه بالنجس، أو تحريمه.
اه.
من شرح الروض.
(قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن حبان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنا نمشي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمررنا على قبرين، فقام، فقمنا معه، فجعل لونه يتغير حتى رعد كم قميصه، فقلنا: مالك يا رسول الله؟ فقال: أما تسمعون ما أسمع؟ فقلنا: وما ذاك يا نبي الله؟ قال: هذان رجلان يعذبان في قبورهما عذابا شديدا في ذنب هين - أي في ظنهما، أو هين عليهما اجتنابه - قلنا: فبم ذاك؟ قال: كان أحدهما لا يتنزه من البول، وكان الآخر يؤذي الناس بلسانه، ويمشي بينهم بالنميمة.
فدعا بجريدتين - من جرائد النخل - فجعل في كل قبر واحدة.
قلنا يا رسول الله: وهل ينفعهم ذلك؟ قال: نعم يخفف عنهما ما دامتا رطبتين.
(قوله: ولأنه الخ) معطوف على للاتباع.
(وقوله: يخفف عنه) أي عن الميت.
(وقوله: ببركة تسبيحها) أي الجريدة الخضراء، وفيه أن اليابسة لها تسبيح أيضا، بنص: * (وإن من شئ
إلا يسبح بحمده) * فلا معنى لتخصيص ذلك بالخضراء، إلا أن يقال إن تسبيح الخضراء أكمل من تسبيح اليابسة، لما في تلك من نوع حياة.
(قوله: وقيس بها) أي بالجريدة الخضراء.
(وقوله: ما اعتيد من طرح نحو الريحان الرطب) اندرج تحت نحو كل شئ رطب، كعروق الجزر، وورق الخس واللفت.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: استنبط العلماء من غرس الجريدتين على القبر: غرس الأشجار والرياحين، ولم يبينوا كيفيته.
لكن في الصحيح أنه غرس في كل قبر واحدة، فشمل القبر كله، فيحصل المقصود بأي محل منه.
نعم، أخرج عبد بن حميد في مسنده أنه - صلى الله عليه وسلم - وضع الجريدة على القبر عند رأس الميت.
اه.
وينبغي إبدال ما ذكر - من الجريدة الخضراء، ومن الرياحين - كلما يبس: لتحصل له بركة مزيد تسبيحه، وذكره كما في الحديث.
(قوله: ويحرم أخذ شئ منهما) أي من الجريدة الخضراء، ومن نحو الريحان الرطب.
وظاهره أنه يحرم ذلك مطلقا، أي على مالكه وغيره.
وفي النهاية: ويمتنع على غير مالكه أخذه من على القبر قبل يبسه، فقيد ذلك بغير مالكه.
وفصل ابن قاسم بين أن يكون قليلا كخوصة أو خوصتين، فلا يجوز لمالكه أخذه، لتعلق حق الميت به، وأن يكون كثيرا فيجوز له أخذه.
(قوله: لما في أخذ الأولى) وهي الجريدة الخضراء.
(وقوله: من تفويت حظ الميت) أي منفعته، وهو التخفيف عنه ببركة تسبيحها.
(قوله: وفي الثانية) أي ولما في أخذ الثانية.
والأولى حذف لفظ في، أو زيادة لفظ أخذ، بعدها، ومراده بالثانية: خصوص الريحان، لأن الملائكة إنما ترتاح به فقط، لا الريحان ونحوه: وإن كان ظاهر صنيعه - لما علمت - أن نحو الريحان الرطب صادق بكل شئ رطب.
(وقوله: من تفويت حق الميت) بيان المقدرة.
(وقوله: بارتياح الملائكة) الباء سببية متعلقة بمحذوف صفة لحق، أي الحق الحاصل للميت بسبب ارتياح الملائكة.
ولو أبدل لفظ الارتياح بالارتفاع لكان أنسب بقوله بعد النازلين لذلك، أي للارتياح بالريحان الرطب.
ولكن عليه يكون الجار والمجرور متعلقا بتفويت.
ثم رأيت في هامش فتح الجواد التصريح بما قررته، ولفظه: هل يجوز أخذ الريحان الذي يوضع على كثير من القبور أم لا؟ سئل العلامة تقي الدين عمر بن محمد الفتى - تلميذ المقري رحمهما الله تعالى - فلم ينكره.
اه.
وقال شيخ الإسلام العلامة ابن زياد - نفع الله به - الذي أراه المنع، لما فيه من تفويت حق الميت بارتفاع الملائكة النازلين لذلك.
ومثله فيما يظهر من وجد جريدة خضراء على قبر معروف، لتفويت حظ الميت، لما تقرر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه.
اه.
(قوله: وكره بناء له) أي في باطن الأرض.
(قوله: أو عليه)(2/136)
أي وكره بناء على القبر، أي فوقه.
والمراد: في حريمه أو خارجه.
ولا فرق فيه بين قبة أو بيت، أو مسجد، أو غير ذلك.
(قوله: لصحة النهي عنه) أي عن البناء.
وهو ما رواه مسلم، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر وأن يبنى عليه.
زاد وأن يقعد عليه الترمذي: وأن يكتب عليه، وأن يوطأ عليه.
وقال: حديث حسن صحيح.
اه.
شرح البهجة.
(قوله: بلا حاجة) متعلق ببناء، وخرج به ما إذا كانت حاجة فلا يكره.
(قوله: كخوف نبش الخ) تمثيل للحاجة.
(قوله: ومحل كراهة البناء) أي لنفس القبر أو عليه.
(قوله: إذا كان) أي البناء.
(وقوله: بملكه) أي الباني.
(قوله: فإن كان بناء نفس القبر الخ) الأولى والأخصر أن يقول: وإلا بأن كان في مسبلة إلخ.
(قوله: بغير حاجة مما مر) وهو خوف نبش، أو حفر سبع، أو هدم سيل.
(قوله: أو نحو قبة) معطوف على نفس القبر، أي أو بناء نحو قبة على القبر، كتحويط عليه، وبناء المسجد أو دار.
قال في التحفة: وهل من البناء ما اعتيد من جعل أربعة أحجار مربعة محيطة بالقبر مع لصق رأس كل منها برأس الآخر بجص محكم أو لا، لأنه لا يسمى بناء عرفا؟ والذي يتجه الأول، لأن العلة السابقة من التأبيد موجودة فيه.
اه.
وقال سم: لا يبعد أن يستثنى عليه ما لو كان جعل الأحجار المذكورة لحفظه من النبش والدفن.
اه.
وقال البجيرمي: واستثنى بعضهم قبور الأنبياء والشهداء والصالحين ونحوهم.
برماوي.
وعبارة الرحماني.
نعم، قبور الصالحين يجوز بناؤها ولو بقية لإحياء الزيارة والتبرك.
قال الحلبي: ولو في مسبلة، وأفتى به، وقد أمر به الشيخ الزيادي مع ولايته، وكل ذلك لم يرتضه شيخنا الشوبري، وقال: الحق خلافه.
وقد أفتى العز بن عبد السلام بهدم ما في القرافة.
اه.
(قوله: بمسبلة) خبر كان، أي كائنا بمقبرة مسبلة للدفن فيها.
(قوله: وهي) أي المسبلة.
(قوله: عرف أصلها) من كونها كانت مملوكة فسبلت، أو مواتا وجعلوها مقبرة.
(قوله: ومسبلها) أي واقفها.
(قوله: أم لا) أي أم لم يعرف أصلها ومسبلها، بأن جهل ذلك.
(قوله: أو موقوفة) معطوف على مسبلة، واعترض بأن الموقوفة هي المسبلة وعكسه.
ويرد بأن تعريفها - أي المسبلة - يدخل مواتا اعتادوا الدفن فيه، فهذا يسمى مسبلا لا موقوفا.
والعطف من عطف الخاص على العام.
(قوله: حرم) جواب الشرط.
قال سم: لا يبعد أن مثل البناء ما لو جعل عليه دارة خشب - كمقصورة - لوجود العلة أيضا.
فليتأمل.
اه.
(قوله: وهدم جوبا) أي والهادم له الحاكم أي يجب على الحاكم هدمه دون الآحاد.
وقال ابن حجر: ويبنغي أن لكل أحد هدم ذلك، ما لم يخش منه مفسدة، فيتعين الرفع للإمام.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لأنه يتأبد) أي لأن البناء يستمر بعد بلاء الميت، فيحرم الناس تلك البقعة.
(قوله: ففيه) أي البناء بسبب تأبيده.
(قوله: بما لا غرض) أي شرعي.
(وقوله: فيه) ضميره يعود على ما الواقعة على بناء.
(قوله: وإذا هدم) أي البناء.
(قوله: أو يخلى بينهما) أي بين الحجارة وأهلها.
(قوله: وإلا فمال ضائع) أي وإن لم يعرفوا، فهو مال ضائع.
(وقوله: وحكمه معروف)
وهو أن الأمر فيه لبيت المال إن انتظم، فإن لم ينتظم، فهو لصلحاء المسلمين، يصرفونه في وجوه الخير.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رضي الله عنه - هل يجوز لأحد الأخذ من حجارة القبور لسد فتح ولبناء قبر أم لا؟ (فأجاب) بقوله: إن علم مالك تلك الأحجار فواضح أنه لا يجوز الأخذ منها إلا برضاه إن كان رشيدا، وإن جهل، فإن رجى ظهوره لم يجز أخذ شئ منها، وإن أيس من ظهوره فهي من جملة أموال بيت المال، فلمن له فيه حق الأخذ منها بقدر حقه.
اه.
(قوله: إذا بلي) هو بفتح فكسر، بمعنى أفنته الأرض.
(قوله: وأعرض ورثته عن الحجارة) أي المبني بها قبر مورثهم.
(قوله: جاز(2/137)
الدفن) جواب إذا.
(وقوله: مع بقائها) أي الحجارة.
(قوله: إذا جرت العادة بالإعراض عنها) فإن لم تجر العادة به لا يجوز الدفن مع بقائها.
(قوله: كما في السنابل) أي سنابل الحصادين، فإنه يجوز أخذها إذا اعتاد أهلها الإعراض عنها.
ومثلها برادة الحدادين، كما سيأتي توضيحه في فصل اللقطة.
(قوله: كره وطئ عليه) أي مشى عليه برجله.
(قال في المصباح: وطئته برجلي أطؤه، وطأ: علوته.
اه.
ومثله بالأولى الجلوس، وفي معناهما الاستناد إليه، والاتكاء عليه.
والحكمة في ذلك توقير الميت واحترامه.
وخرج بقوله عليه الوطئ: على ما بين المقابر - ولو بالنعل - فلا يكره.
كما نص عليه في المغنى وعبارته: ولا يكره المشي بين المقابر بالنعل على المشهور، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنه يسمع خفق نعالهم.
وما ورد من الأمر بإلقاء السبتيتين في أبي داود والنسائي بإسناد حسن، يحتمل أن يكون لأنه من لباس المترفهين، أو أنه كان فيهما نجاسة.
والنعال السبتية - بكسر السين - المدبوغة بالقرط.
اه.
(وقوله: أي على قبر مسلم) خرج به قبر الكافر، فلا كراهة فيه لعدم احترامه.
قال م ر: والظاهر أنه لا حرمة لقبر الذمي في نفسه، لكن ينبغي اجتنابه لأجل كف الأذى عن أحيائهم إذا وجدوا.
ولا شك في كراهة المكث في مقابرهم.
(وقوله: ولو مهدرا) أي كتارك الصلاة، وزان محصن.
(قوله: قبل بلاء) متعلق بوطئ، أي يكره الوطئ عليه إن كان قبل بلاء الميت، أما بعده، بأن مضت مدة يتيقن فيها أنه لم يبق من الميت شئ في القبر، فلا يكره.
(قوله: إلا لضرورة) أي يكره ذلك عند عدم الحاجة، فإن وجدت فلا كراهة.
(قوله: كأن لم يصل إلخ) تمثيل للضرورة.
(وقوله: بدونه) أي الوطئ.
(قوله: وكذا ما يريد زيارته) أي وكذلك لا يكره ما ذكر إذا لم يمكنه الوصول إلى قبر ميت يريد زيارته إلا به، ولو كان ذلك الميت غير قريب له.
ومثله ما إذا لم يتمكن من الدفن إلا به، فلا يكره.
(قوله: وجزم شرح مسلم) مبتدأ خبره جملة يرده.
(وقوله:
لخبر فيه) أي لخبر يدل على التحريم، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر.
(قوله: كما بينته) أي هذا المراد.
(وقوله: رواية أخرى) أي رواها ابن وهب في مسنده بلفظ: ومن جلس على قبر يبول عليه أو يتغوط.
(قوله: ونبش وجوبا الخ) شروع في بيان حكم النبش بعد الدفن.
(قوله: لغسل) متعلق بنبش، أي يجب لأجل غسل تداركا للواجب.
(قوله: أو التيمم) أي أو لتيمم، لكن بشرطه.
وهو فقد الماء أو الغاسل.
(قوله: نعم، إن تغير) أي الميت، وهو استدراك من وجوب النبش بعد الدفن.
(قوله: ولو بنتن) أي ولو كان التغير بنتن، ولا يشترط التقطع.
(قوله: حرم) أي نبشه لذلك لما فيه من هتك الحرمة.
(قوله: ولأجل الخ) معطوف على الغسل.
(وقوله: مال غير) بالإضافة، أي ونبش أيضا وجوبا لأجل تحصيل مال الغير ليصل لحقه، وإن تغير وإن غرم الورثة مثله أو قيمته.
(قوله: كأن دفن في ثوب إلخ) تمثيل لنبشه لأجل مال الغير.
(قوله: إن طلب المالك) أي ذلك الثوب أو الأرض.
فالمفعول محذوف.
ويكره له ذلك - كما نقل عن النص - ويسن في حقه الترك.
(قوله: ووجد ما يكفن أو يدفن فيه) أي ووجد ثوب يكفن فيه غير الثوب المغصوب، أو أرض يدفن فيها غير الأرض المغصوبة.
(قوله: وإلا لم يجز) أو وإن لم يطلب المالك ذلك ولم يوجد ما يكفن فيه، أو يدفن فيه غير ذلك الثوب أو الأرض المغصوبين لم يجز النبش.
قال ع ش: وعدم طلب المالك ذلك شامل لما لو سكت عن الطلب ولم يصرح بالمسامحة، فيحرم إخراجه.
اه.
بالمعنى.
(قوله: أو سقط فيه) معطوف على دفن، أي وكأن سقط في القبر.
(وقوله: متمول) قال في(2/138)
التحفة: ولو من التركة وإن قل، وتغير الميت، ما لم يسامح مالكه أيضا.
اه.
(قوله: وإن لم يطلبه مالكه) غاية في وجوب النبش عند سقوط متمول، أي يجب النبش لأجل إخراج المتمول، وإن لم يطلبه مالكه، لأن في إبقائه في القبر إضاعة مال.
قال في النهاية: وقيده - أي وجوب النبش - في المهذب: بطلبه له.
قال في المجموع: ولم يوافقوه عليه.
ولو بلع مال غيره وطلبه مالكه ولم يضمن بدله أحد من ورثته أو غيرهم - كما نقله في الروضة عن صاحب العدة، وهو المعتمد - نبش، وشدق جوفه، وأخرج منه، ودفع لمالكه.
فإن ابتلع مال نفسه فلا ينبش، ولا يشق، لاستهلاكه له حال حياته.
اه.
بحذف.
(قوله: لا للتكفين) معطوف على الغسل، أي لا ينبش لأجل التكفين.
وذلك لأن الغرض منه الستر.
وقد حصل بالتراب مع ما في نبشه من هتك الحرمة.
(وقوله: ولا للصلاة) أي ولا ينبش لأجل الصلاة عليه إن دفن بغير صلاة، لأنها تسقط بالصسلاة على القبر.
(قوله: بعد إهالة التراب عليه) راجع للصورتين، فهو متعلق بالفعل
المقدر، أي لا ينبش لما ذكر من التكفين والصلاة بعد إهالة التراب عليه، أي جعل التراب عليه، فإن لم يهل التراب عليه جاز إخراجه لما ذكر، لعدم انتهاك الحرمة حينئذ.
(والحاصل) يحرم نبش الميت بعد دفنه إلا لضرورة، وهي كالصور المارة.
وبقي صور للضرورة المجوزة للنبش غير ما ذكره المؤلف، منها: ما لو بشر إنسان بمولود، فقال إن كان ذكرا فعبدي حر، أو أنثى، فأمتي حرة، ودفن المولود قبل العلم بحاله، فينبش، ليعلم من وجدت صفته.
أو قال: إن ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، أو أنثى فطلقتين، فولدت ميتا، ودفن، وجهل حاله فالأصح - في الزوائد - نبشه.
أو ادعى شخص على ميت بعد دفنه أته امرأته، وأن هذا الولد ولده منها، وطلب إرثه منها.
وادعت امرأة أنه زوجها، وأن هذا ولدها منه، وطلبت إرثها منه، وأقام كل بينه، فإنه ينبش، فإن وجد خنثى: قدمت بينة الرجل.
أو لحق الميت سيل أو نداوة، فينبش لنقله.
وقد نظم بعض تلك الصور الفقيه محمد بن عبد الولي بن جعمان في قوله: يحرم نبش الميت إلا في صور * * فهاكها منظومة ثنتي عشر من لم يغسل والذي قد بليا * * أي صار تربا وكذا إن ووريا في أرض أو ثوب كلاهما غصب * * أو بالع مال سواه وطلب أو خاتم ونحوه قد وقعا * * في القبر أو لقبلة ما أضجعا أو يدفن الكافر في أرض الحرم * * أو يتداعى اثنان ميتا يطم أو يلحق الميت سيل أو ندى * * أو من على صورته قد شهدا أو جوفها فيه جنين يرتجى * * حياته فواجب أن يخرجا أو قال إن كان جنينها ذكر * * فطلقة والضعف للأنثى استقر فيدفن المولود قبل العلم * * بحاله هذا تمام النظم والحمد لله وصلى دائما * * على النبي أحمد وسلما والآل والصحب جميعا ما همى * * غيث ولاح البرق في جوالسما (قوله: في بطنها جنين) أي لم ترج حياته، بأن لم يبلغ ستة أشهر.
وإنما قيدنا بذلك لأجل الغاية بعده، لأنه لا يترك الدفن.
وهو في بطن أمه إلى أن يتحقق موته إلا في هذه الحالة.
أما إذا رجي حياته بقول القوابل لبلوغه ستة أشهر
فأكثر، فيجب شق جوفها قبل الدفن ولا يؤخر الدفن، ويترك في بطن أمه حتى يموت، فإن دفنت قبل الشق وجب النبش والشق.
(قوله: ويجب شق جوفها الخ) أي لأن مصلحة إخراجه أعظم من مفسدة انتهاك حرمتها.
(قوله: والنبش له) أي للشق.
(قوله: إن رجى حياته) أي الجنين، وهو قيد لوجوب الشق والنبش له.
(وقوله: بقول القوابل) متعلق برجي.(2/139)
(وقوله: لبلوغه إلخ) متعلق برجى أيضا.
(قوله: فإن لم يرج حياته) أي لعدم بلوغه ستة أشهر.
(قوله: حرم الشق) أي النبش لأجله إذا دفنت قبل تحقق موته.
(قوله: لكن يؤخر الدفن حتى يموت) قال ع ش: أي ولو تغيرت، لئلا يدفن الحمل حيا.
اه.
(قوله: كما ذكر) أي في المتن بقوله: حتى يتحقق موته.
(قوله: وما قيل) متبدأ، خبره غلط فاحش.
وعبارة النهاية: وقول التنبيه ترك عليه شئ حتى يموت، ضعيف، بل غلط فاحش.
فليحذر.
اه.
وكتب ع ش قوله: غلط فاحش، ومع ذلك لا ضمان فيه مطلقا، بلغ ستة أشهر أو لا لعدم تيقن حياته.
اه.
(قوله: وووري الخ) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بالميت الكبير، شرع في بيان حكم السقط.
(قوله: أي ستر) تفسير لو ووري.
(قوله: سقط) نائب فاعل ووري، وهو بتثليث السين، الولد النازل قبل تمام أشهره، فهو مأخوذ من السقوط بمعنى النزول.
قال في المصباح: السقط: الولد - ذكرا كان أو أنثى - يسقط قبل تمامه وهو مستبين الخلق.
يقال: سقط الولد من بطن أمه سقوطا، فهو سقط.
والتثليث لغة.
ولا يقال وقع.
اه.
(قوله: ودفن) معطوف على ووري.
(قوله: وجوبا) مرتبط بكل من ووري ودفن، أي ووري وجوبا ودفن وجوبا.
وحاصل ما أفاده كلامه فيه: أنه إذا انفصل قبل أربعة أشهر يكفن ويدفن وجوبا، وإن انفصل بعد أربعة أشهر فإن لم يختلج ولم يصح بعد انفصاله غسل، وكفن ودفن وجوبا، من غير صلاة عليه.
وإن اختلج أو استهل بعد ذلك يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن وجوبا.
والذي ذكره غيره أنه في الحالة الأولى لا يجب شئ، وإنما يندب الستر والدفن.
وعبارة فتح الجواد مع الأصل: ووري أي ستر بخرقة سقط، بتثليث أوله.
ودفن وجوبا فيهما إن وجب غسله، وإلا فندبا خلافا لما يوهمه كلامه.
وخرج به العلقة والمضغة، فيدفنان ندبا من غير ستر.
وعلم من قولي وإلا فندبا أن محل ندب ذينك ما إذا انفصل لدون أربعة أشهر، لأنه حينئذ لا يجب غسله.
كما أفاده قوله.
وإذا انفصل لأربعة أشهر أي مائة وعشرين يوما، حد نفخ الروح فيه، غسل، وكفن، ودفن وجوبا مطلقا.
ثم له حالان: فإن لم تظهر أمارة الحياة بنحو اختلاج، لم تجز الصلاة، أو ظهرت كأن اختلج أو تحرك بعد انفصاله صلى عليه،
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: السقط يصلى عليه.
وإناطة ما مر بالأربعة ودونها جري على الغالب من ظهور خلق الآدمي عندها، وإلا فالعبرة إنما هي بظهور خلقه وعدم ظهوره.
فعلم أنه إن علمت حياته أو ظهرت أمارتها وجب الجميع، وإلا وجب ما عدا الصلاة إن ظهر خلقه، وإلا سن ستره ودفنه.
اه.
وعبارة النهاية: واعلم أن للسقط أحوالا: حاصلها أنه إن لم يظهر فيه خلق آدمي لا يجب شئ.
نعم، يسن ستره بخرقة ودفنه.
وإن ظهر فيه خلقه ولم تظهر فيه أمارة الحياة وجب فيه ما سوى الصلاة، أما هي فممتنعة - كما مر - فإن ظهر فيه أمارة الحياة فكالكبير.
اه.
ومثله في التحفة والمغنى.
إذا علمت ذلك تعلم أن ما جرى عليه المؤلف في الحالة الأولى طريقة ضعيفة.
(قوله: كطفل كافر) أي تبعا لأبويه: أي فيجب ستره ودفنه.
(قوله: ولا يجب غسلهما) أي السقط والطفل الكافر الذي نطق بالشهادتين.
(قوله: وخرج بالسقط العلقة والمضغة) أي لأنهما لا يسميان ولدا.
والسقط هو الولد إلخ - كما مر - (قوله: فيدفنان) أي العلقة والمضغة.
(قوله: ولو انفصل بعد أربعة أشهر) أي ولم يختلج أو يستهل بقرينة ما بعده سواء نزل بعد تمام أشهره أو قبله، على ما ذهب إليه ابن حجر، وذهب الجمال الرملي وأتباعه وكذلك الخطيب الشربيني، إلى أن النازل بعد تمام ستة أشهر ليس بسقط، فيجب فيه ما يجب في الكبير، سواء علمت حياته أم لا.
ونقله في النهاية عن(2/140)
إفتاء والده، وعليه تعريف السقط المار.
(قوله: غسل، وكفن، ودفن وجوبا) أي ولا يصلى عليه.
قال في التحفة: وفارقت الصلاة غيرها بأنها أضيق منه، لما مر أن الذمي يغسل ويكفن ويدفن ولا يصلى عليه.
(قوله: فإن اختلج) أي المنفصل بعد أربعة أشهر.
والاختلاج: التحرك.
(وقوله: أو استهل) الاستهلال: رفع الصوت، الذي هو الصياح عند أهل اللغة.
والاختلاج والاستهلال ليسا بقيد، بل المدار على العلم بحياته بأمارة مطلقا، سواء كانت مما ذكر من الاختلاج، أو الاستهلال، أو غيرهما كالتنفس.
(قوله: بعد انفصاله) قال الكردي: قيد في الاختلاج فقط، وأما نحو الصياح: فهو يفيد يقين الحياة، وإن كان قبل تمام الانفصال بالنسبة لنحو الصلاة عليه، لأنه أمارة ظهورها.
اه.
(قوله: صلى عليه) أي زيادة على ما مر من الغسل والتكفين والدفن.
(وقوله: وجوبا) أي لاحتمال حياته بهذه الأمارة الدالة عليها، وللاحتياط.
(قوله: وأركانها إلخ) قد نظمها بعضهم في قوله: إذا رمت أركان الصلاة لميت * * فسبعة تأتي في النظام بلا امترا:
فنيته، ثم القيام لقادر، * * وأربع تكبيرات، فاسمع وقررا وفاتحة، ثم الصلاة على النبي * * كذاك دعا للميت حقا كما ترى وسابعها التسليم يا خير سامع * * وذا نظم عبد الله يا عالم الورى هو ابن المناوي، وهو نجل لأحمد * * فيرجو الدعا ممن لذلك قد قرا (قوله: أحدها) أي السبعة.
(قوله: نية كغيرها) أي كنية غير صلاة الجنازة، من الصلوات المفروضة، لا مطلقا لئلا شمل النفل المطلق، وهو يكفي فيه مطلق القصد للفعل فلا يصح التشبيه.
(قوله: ومن ثم وجب الخ) أي ومن أجل أن نيتها كغيرها وجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض.
(قوله: من نحو اقترانها الخ) بيان لما يجب في نية سائر الفروض.
واندرج تحت نحو القصد والتعيين.
(والحاصل) شروط نية الفرض الثلاثة تشترط في نية صلاة الجنازة، وهي: القصد، والتعيين لصلاة الجنازة، ونية الفرضية.
ويسن أيضا فيها ما يسن في غيرها: كالإضافة إلى الله تعالى، وذكر الاستقبال، والعدد.
(قوله: وإن لم يقل فرض كفاية) غاية لمقدر مرتبط بالتعرض للفرضية، أي يكفي مطلق التعرض للفرضية، وإن لم يقل فرض كفاية.
كما يكفي نية الفرض في إحدى الخمس، وإن لم يقل فرض عين.
وقيل: يشترط نية فرض الكفاية، تعرضا لكمال وصفها.
(قوله: ولا يجب تعيين الميت) أي مطلقا، غائبا أو حاضرا، فإن عين الميت وأخطأ كأن صلى على زيد، أو على الكبير، أو الذكر من أولاده، فبان عمرا، أو الصغير أو الأنثى، بطلت صلاته، هذا إن لم يشر، فإن أشار إليه صحت صلاته تغليبا للإشارة، ويلغو تعيينه.
(قوله: بل الواجب أدنى مميز) أي بل الواجب في تعيينه أن يميز عن غيره بأدنى مميز.
(قوله: فيكفي الخ) تفريع على أدنى مميز.
(قوله: على هذا الميت) أي أو على من صلى عليه الإمام، أو على من حضر من أموات المسلمين.
(قوله: قال جمع يجب تعيين الميت إلخ) ووجهه الأصبحي بأنه لا بد في كل يوم من الموت في أقطار الأرض وهم غائبون فلا بد من تعيين الذي يصلي عليه منهم.
ورده في التحفة فقال: واستثناء جمع الغائب فلا بد من تعيينه بالقلب.
أي باسمه ونسبه، وإلا كان استثناؤهم فاسدا يرده تصريح البغوي الذي جزم به الأنوار وغيره، بأنه يكفي فيه أن يقول: على من صلى عليه الإمام، وإن لم يعرفه.
ويؤيده - بل يصرح به - قول جمع، واعتمده في المجموع، وتبعه أكثر المتأخرين، بأنه لو صلى على من مات اليوم في أقطار الأرض ممن تصح الصلاة عليه، جاز، بل ندب.
قال في المجموع: لأن معرفة أعيان الموتى وعددهم ليست شرطا،(2/141)
ومن ثم عبر الزركشي بقوله: وإن لم يعرف عددهم، ولا أشخاصهم، ولا أسماءهم.
فالوجه أنه لا فرق بينه وبين الحاضر.
(وقوله: بنحو اسمه) يفيد أنه يكفي التعيين باسمه فقط، أو نسبه فقط.
وصريح عبارة التحفة المارة آنفا يقضي أنه يجمع بينهما.
(قوله: وثانيها) أي السبعة الأركان.
(قوله: قيام) إنما وجب فيها لأنها فرض كالخمس، وإلحاقها بالنفل في التيمم لا يلزم منه ذلك هنا، لأن القيام هو المقوم لصورتها، ففي عدمه محو لصورتها بالكلية.
(قوله: لقادر عليه) أي على القيام.
وفي المغني: وقيل: يجوز القعود مع القدرة - كالنوافل - لأنها ليست من الفرائض الأعيان.
وقيل: إن تعينت وجب القيام، وإلا فلا.
اه.
(قوله: فالعاجز الخ) محترز قوله لقادر عليه.
(وقوله: يقعد) أي إن قدر على القعود.
(وقوله: ثم يضطجع) أي إن لم يقدر على القعود والاضطجاع يكون على جنبه الأيمن، ثم الأيسر، فإن عجز عن الاضطجاع استلقى على ظهره، فإن عجز أومأ برأسه إلى الأركان، فإن عجز أجرى الأركان على قلبه، كما مر في مبحث القيام في باب الصلاة.
(قوله: وثالثها) أي السبعة الأركان.
(قوله: مع تكبيرة التحرم) أي فهي أحد الأربع.
(قوله: للاتباع) هو ما رواه الشيخان عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر بعدما دفن، فكبر عليه أربعا.
(قوله: فإن خمس) أي أتى بخمس تكبيرات.
وعبارة التحفة مع الأصل: فإن خمس أو سدس مثلا عمدا ولم يعتقد البطلان، لم تبطل صلاته في الأصح، وإن نوى بتكبيرة الركنية، وذلك لثبوته في صحيح مسلم، ولأنه ذكر وزيادته ولو ركنا لا تضر، كتكرير الفاتحة بقصد الركنية.
اه.
ولو خمس مثلا إمامه يندب للمأموم أن لا يتابعه، لأن ما فعله غير مشروع عند من يعتد به، بل يسلم، أو ينتظره ليسلم معه، وهو الأفضل، لتأكد المتابعة.
وفي ع ش ما نصه: لو زاد الإمام وكان المأموم مسبوقا فأتى بالأذكار الواجبة في التكبيرات الزائدة، كأن أدرك الإمام بعد الخامسة فقرأ، ثم لما كبر الإمام السادسة كبرها معه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم لما كبر السابعة كبرها معه ثم دعا للميت، ثم لما كبر الثامنة كبرها معه وسلم معه، هل يحسب له ذلك وتصح صلاته، سواء علم أنها زائدة أو جهل ذلك، ويفرق بينها وبين بقية الصلوات حيث تحسب الركعة الزائدة للمسبوق إذا أدرك القراءة فيها وكان جاهلا، بخلاف ما إذا كان عالما بزيادتها بأن هذه الزيادة هنا جائزة للإمام مع علمه وتعمده، بخلافها هناك، أو يتقيد الجواز هنا بالجهل كما هناك؟ فيه نظر.
فليحرر.
ومال م ر للأول.
فليحرر.
اه.
سم على منهج.
(قوله: ويسن رفع يديه الخ) أي وإن اقتدى بمن لا يرى الرفع، كالحنفي فيما يظهر، لأن ما كان مسنونا عندنا لا يترك، للخروج من الخلاف وكذا لو اقتدى به الحنفي، أي للعلة المذكورة.
فلو ترك الرفع كان خلاف الأولى، على ما هو الأصل في ترك السنة، إلا ما نصو فيه على الكراهة.
اه.
ع ش: (قوله: ووضعها
الخ) أي ويسن وضع يديه تحت صدره كغيرها من الصلوات.
(قوله: ورابعها) أي السبعة الأركان.
(قوله: فاتحة) أي قراءتها، لخبر: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
ولخبر البخاري: أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قرأ بها في صلاة الجنازة، وقال: لتعلموا أنها سنة - أي طريقة شرعية - وهي واجبة.
(قوله: فبدلها) أي فإن عجز عن الفاتحة قرأ بدلها من القرآن، ثم الذكر.
(قوله: فوقوف بقدرها) أي فإن عجز عن البدل وقف بقدر الفاتحة.
قال سم: أنظر هل يجري نظير ذلك في الدعاء للميت، حتى إذا لم يحسنه وجب بدله، فالوقوف بقدره، وعلى هذا فالمراد ببدله قراءة أو ذكر من غير ترتيب بينهما أو معية؟ فيه نظر، والمتجه الجريان.
اه.
وقال ع ش: والمراد بالدعاء المعجوز عنه ما يصدق عليه اسم الدعاء، ومنه: اللهم اغفر له أو ارحمه، فحيث قدر على ذلك أتى به.
اه.
(قوله: والمعتمد أنها) أي الفاتحة.
(وقوله: تجزئ بعد غير الأولى) أي بعد غير التكبيرة الأولى من الثانية وما بعدها.
قال سم: فيه أمران: الأول: أنه شامل لما إذا أتى بها بعد الرابعة أو بعد زيادة تكبيرات كثيرة، وهو ظاهر الثاني: أنه لا فرق في أجزائها بعد غير الأولى بين المسبوق والموافق، فللمسبوق الذي لم يدرك إلا ما يسع بعضها، سواء شرع فيه أو لا، تأخيرها لما بعد الأولى، ويحتمل(2/142)
أنه لا يجب إلا قدر ما أدركه لأنه الذي خوطب به أصالة ولعل هذا أوجه.
ولكن إذا أخرها يتجه أن تجب بكمالها، لأنها في غير محلها لا تكون إلا كاملة، بخلاف ما لو أراد فعلها في محلها فكبر الإمام الثانية قبل أن يأتي بقدر ما أدركه.
لا يلزمه زيادة عليه، كما لو ركع إمام بقية الصلوات لا يلزم المسبوق إلا قدر ما أدركه.
اه.
(قوله: خلافا للحاوي) اسم كتاب للماوردي.
(قوله: كالمحرر) هو للرافعي، وهو أصل المنهاج.
(قوله: وإن لزم عليه الخ) غاية في الاجزاء أي تجزئ القراءة بعد غير التكبيرة الأولى، وإن لزم على إجزائها بعده جمع ركنين، الفاتحة ونحو الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تكبيرة واحدة.
(قوله: وخلو الأولى عن ذكر) أي ولزم عليه خلو التكبيرة الأولى عن ذكر، أي قراءة.
(قوله: ويسن إسرار) أي ولو ليلا، لما صح عن أبي أمامة أنه من السنة.
(قوله: بغير التكبيرات والسلام) أي من الفاتحة، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء للميت.
(قوله: وتعوذ) بالرفع، معطوف على إسرار.
أي ويسن تعوذ، لكونه سنة للقراءة فاستحب، كالتأمين.
ويسر به قياسا على سائر الصلوات.
(قوله: وترك افتتاح وسورة) أي ويسن تركهما لطولهما.
وفي البجيرمي: ينبغي أن المأموم إذا فرغ من الفاتحة قبل إمامه تسن له السورة لأنها أولى من وقوفه ساكنا، قاله فى الإيعاب.
قال الشيخ: أي ومن الدعاء للميت، إذ الأولى ليست محل طلب الدعاء له.
تأمل.
اه.
(قوله: إلا على غائب أو قبر) أي إلا في
الصلاة على ميت غائب عن البلد أو ميت في قبر فيأتي بهما فيها، لانتفاء المعنى الذي شرع له التخفيف، وهو خوف نحو التغير.
والمعتمد عند الجمال الرملي - تبعا لوالده والخطيب - عدم الاستثناء، فلا يسن الإتيان بهما مطلقا عندهما.
واضطرب كلام ابن حجر في التحفة، ففي هذا الباب ذكر الاستثناء المذكور، وفي باب الصلاة لم يذكر، بل صرح بالتعميم، وعبارته هناك مع الأصل: ويسن - وقيل يجب بعدم التحرم بفرض أو نفل ما عدا صلاة الجنازة، ولو على غائب أو قبر، على الأوجه - دعاء الافتتاح.
اه.
(قوله: وخامسها) أي السبعة الأركان.
(قوله: صلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -) وذلك لفعل السلف والخلف، ولقوله عليه الصلاة والسلام: لا صلاة لمن لم يصل علي فيها، ولأنه أرجى للإجابة.
(قوله: بعد تكبيرة ثانية) متعلق بمحذوف صفة لصلاة.
(قوله: أي عقبها) أفاد به أن المراد بالبعدية: العقبية.
(قوله: فلا تجزئ) أي الصلاة في غير الثانية، بل تتعين، لما مر فيها، وإنما لم تتعيبن الفاتحة في الأولى وتعينت الصلاة في الثانية والدعاء في الثالثة، لأن القصد بالصلاة الشفاعة والدعاء للميت، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيلة لقبوله، ومن ثم: سن، الحمد قبلها - كما يأتي - فتعين محلهما الواردان فيه عن السلف والخلف إشعارا بذلك، بخلاف الفاتحة فلم يتعين لها محل، بل يجوز خلو الأولى عنها وانضمامها إلى واحدة من الثلاث إشعارا أيضا بأن القراءة دخيلة في هذه الصلاة، ومن ثم لم تسن فيها لسورة، أفاده في التحفة: (قوله: ويندب ضم السلام الخ) عبارة التحفة مع الأصل: والصحيح أن الصلاة على الآل لا تجب كغيرها، بل أولى، لبنائها على التخفيف.
نعم تسن، وظاهر أن كيفية صلاة التشهد السابقة أفضل هنا أيضا، وأنه يندب ضم السلام للصلاة - كما أفهمه قولهم.
ثم إنما لم يحتج إليه لتقدمه في التشهد، وهنا لم يتقدم، فليسن خروجا من الكراهة.
ويفارق السورة بأنه لا حد لكمالها، فلو ندبت لأدت إلى ترك المبادرة المتأكدة، بخلاف هذا.
اه.
وقوله: ثم أي في مبحث الصلاة على الآل في أركان الصلاة.
وقوله لتقدمه: أي السلام.
وقوله: في التشهد: أي في قوله السلام عليك أيها النبي.
(قوله: والدعاء) بالرفع معطوف على ضم أي ويندب الدعاء لمن ذكر.
(وقوله: عقبها) أي الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، (وقوله: والحمد قبلها) بالرفع أيضا.
عطف على ضم.
أي ويندب الحمد قبل الصلاة.
(قوله: وسادسها) أي السبعة الأركان.
(قوله: دعاء لميت) أي لأنه المقصود الأعظم من الصلاة، وما قبله مقدمة له.
ويكفي في الدعاء ما ينطلق عليه الاسم، ولا بد أن يكون بأخروي، كاللهم اغفر له، أو اللهم ارحمه، أو اللهم الطف(2/143)
به.
فلا يكفي الدعاء بدنيوي، إلا أن يؤل إلى أخروي: كاللهم اقض دينه.
(قوله: بخصوصه) أي الميت، لقوله عليه
الصلاة والسلام: إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء.
فلا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، وإن كان يندرج فيهم، وقيل: يكفي ويندرج فيهم.
وقيل: لا يجب الدعاء مطلقا.
(قوله: ولو طفلا) أي فإنه لا يدعى له بخصوصه.
قال في التحفة: لأنه وإن قطع له بالجنة تزيد مرتبته فيها بالدعاء له - كالأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين -.
ثم رأيت الأذرعي قال: يستثنى غير المكلف، فالأشبه عدم الدعاء له.
وهو عجيب منه ثم رأيت الغزي نقله عنه وتعقبه بأنه باطل، وهو كما قال.
اه.
وكتب البجيرمي: قوله باطل إن حمل على إخلاء التكبيرة الثالثة من الدعاء له أو لوالديه فهو باطل، لأن الصلاة تبطل بذلك.
وإن حمل على أنه لا يتعين الدعاء للصغير، بل يجوز أن يدعى له أو لوالديه، فليس بباطل.
اه.
(قوله: بعد ثالثة) متعلق بدعاء، أي الدعاء يكون بعد التكبيرة الثالثة.
(قوله: فلا يجزئ) أي الدعاء.
(وقوله: بعد غيرها) أي الثالثة.
(وقوله: قطعا) أي بلا خلاف.
قال في المجموع: وليس لتخصيص ذلك إلا مجرد الاتباع.
اه.
(قوله: ويسن أن يكثر من الدعاء له) أي للميت.
ومحله حيث لم يخش تغير الميت، وإلا وجب الاقتصار على الواجب.
(قوله: ومأثوره) أي الدعاء، أي الوارد منه.
(وقوله: أفضل) أي من غير المأثور.
(وقوله: وأولاه) أي المأثور.
(قوله: وهو) أي ما رواه مسلم.
(قوله: اللهم اغفر له) (واعلم) أن الدعاء بالمغفرة لا يستلزم وجود ذنب، بل قد يكون بزيادة درجات القرب، كما يشير إليه استغفاره - صلى الله عليه وسلم - في اليوم والليلة مائة مرة.
اه.
ابن حجر.
(قوله: واعف عنه) أي ما صدر منه.
(فإن قلت) : ما الفرق بين العفو والمغفرة؟ (فالجواب) أن بين مفهوميهما بحسب الوضع عموما وخصوصا، فإن المغفرة من الغفر، وهو الستر.
والعفو المحو، ولا يلزم من الستر المحو، وعكسه.
كأن يحاسبه بذنب على رؤس الأشهاد، ثم يعفو عنه، أو يستره، ويجازيه عليه.
أما بالنظر لكرم الله فهو إذا ستر عفا.
فبينهما عموم وخصوص مطلق.
اه.
بجيرمي.
(وقوله: عافه) أي اعطه من النعم ما يصير به كالصحيح في الدنيا.
(وقوله: وأكرم نزله) أي أعظم ما يهيأ له في الآخرة من النعيم.
وفي المختار: والنزل بوزن القفل.
ما يهيأ للنزيل.
والجمع: الأنزال.
اه.
وفي المصباح: والنزل، بضمتين: طعام النزيل الذي يهيأ له.
وفي التنزيل: هذا نزلهم يوم الدين اه ع ش.
(قوله: ووسع مدخله) مصدر ميمي بمعنى المكان، أي قبره، ويوسع له بقدر مد البصر إن لم يكن غريبا، وإلا فمن محل دفنه إلى وطنه.
والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
(قوله: واغسله) أي الميت.
(قوله: والثلج والبرد) ذكرهما تأكيدا ومبالغة في الطهارة لانهما ما أن مقطوران على أصل خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولا خاضتهما الأرجل، كسائر المياه التي خالطها التراب، وجرت في الأنهار، وجمعت في الحياض.
(قوله: ونقه) أي طهره.
وهذه الجملة
كالتفسير لما قبلها، إذ المراد من غسله بالماء تطهيره من الخطايا والذنوب.
(قوله: وأبدله دارا خيرا من داره) وهي الجنة.
قال تعالى: * (وللدار الآخرة خير للذين يتقون) * وقال تعالى: * (والآخرة خير وأبقى) *.
(وقوله: وأهلا إلخ) سيذكر المراد بإبدال من ذكر.
(قوله: وأعذه من عذاب القبر) أي احفظه وآمنه منه.
(قوله: وفتنته) أي القبر.
وهي في الأصل الامتحان والاختبار، والمراد بها هنا سؤال الملكين الفتانين.
والحفظ منها يكون بإعانته على التثبيت في الجواب.
(قوله: ويز يد عليه) أي على الدعاء المار.
ومحله حيث لم يخش تغير الميت بالإتيان به، وإلا اقتصر على الأول.
(قوله: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلخ) أي وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا.
اللهم من أحييته منا(2/144)
فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.
اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده.
(قوله: ويقول في الطفل) أي الذي أبواه مسلمان.
(وقوله: مع هذا) أي الثاني، وهو: اللهم اغفر لحينا وميتنا إلخ.
وظاهر صنيعه يقتضي أنه لا يأتي بالأول - أعني اللهم اغفر له وارحمه - وحينئذ يعارضه قوله أولا دعاء لميت بخصوصه ولو طفلا مع قوله الآتي قال شيخنا الخ، فإنهما صريحان في أنه لا يكفي ذلك.
ويمكن أن يقال أن المراد بقوله مع هذا، أي زيادة على الدعاء له بخصوصه.
كأن يقول قبيل قوله اللهم اجعله فرطا إلخ: اللهم اغفر له وارحمه.
وهذا كله بناء على ما جرى عليه المؤلف تبعا لشيخه ابن حجر.
أما على ما جرى عليه الخطيب والرملي فيكفي: اللهم اجعله فرطا الخ.
ولا يشترط عندهما الدعاء له بخصوصه صراحة.
فتنبه.
(قوله: فرطا لأبويه) أي سابقا مهيئا لمصالحهما في الآخرة، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا فرطكم على الحوض وسواء مات في حياتهما، أم بعدهما، أم بينهما.
اه.
تحفة.
(قوله: وسلفا وذخرا) أي سابقا عليهما مذخرا لهما.
فشبه تقدمه لهما بشئ نفيس يكون أمامهما مذخرا إلى وقت حاجتهما له بشفاعته لهما - كما صح ذلك.
(فائدة) يقرأ الذخر هنا بالذال المعجمة، لأن الأفصح أن ما كان مؤخرا في الآخرة يقرأ بالذال المعجمة، وما كان في الدنيا يقرأ بالدال المهملة.
ومن الثاني قوله تعالى: * (وما تدخرون في بيوتكم) * ومن الأول قول الشاعر: وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * * ذخرا يكون كصالح الأعمال (قوله: وعظة واعتبارا) أي واعظا ومعتبرا يتعظان ويعتبران به حتى يحملهما ذلك على صالح الأعمال.
(قوله: وثقل به) أي بالطفل.
والمراد بثواب الصبر على فقده أو الرضا عليه.
(قوله: وأفرغ الصبر على قلوبهما) أي أبويه.
وهذا
كاللذين قبله لا يتأتى إلا في الحيين.
وقد ورد في الصبر بموت الولد فضل كثير.
منه ما ذكره ابن حبان في صحيحه: إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم.
فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم.
فيقول: ماذا قال؟ فيقولون: حمدك واسترجع.
فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد والاسترجاع.
وورد: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم.
أي * (وإن منكم إلا واردها) * الآية.
والمختار أنه المرور على الصراط.
وقد ورد أن الولد يشفع لأبويه، ويوجه بأنه لما لم يكن عليه ذنب أشبه العلماء والشهداء، فإن لهم حظا في الشفاعة، فليكن هذا أولى.
لكن صح: كل غلام مرتهن بعقيقته.
الحديث.
وفسره أحمد وغيره بأن من لم يعق عليه لم يشفع لوالديه.
واستحسنه الخطابي فقال: لمن يرجو شفاعة ولده أن يعق عنه ولو بعد موته.
اه.
ملخصا.
من شرح العباب.
اه.
بيجرمي.
(قوله: ولا تفتنهما بعده، ولا تحرمهما أجرة) قال في التحفة: وإتيان هذا في الميتين صحيح، إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب.
وذلك لورود الأمر بالدعاء لأبويه بالعافية والرحمة، ولا يضر ضعف سنده، لأنه في الفضائل.
اه.
وقوله: إذ الفتنة يكنى بها عن العذاب.
قال سم: لينظر حينئذ معنى بعده.
اه.
(قوله: مغنيا عن الدعاء له) أي للطفل.
(قوله: لأنه) أي قوله: اللهم اجعله فرطا إلخ.
(قوله: دعاء باللازم) أي دعاء للطفل باللازم.
وذلك لأنه يلزم من الدعاء بجعله فرطا إلخ، أي سابقا مهيئا لمصالحهما الدعاء بأن الله يرفع قدر هذا الطفل ويشرفه ويرحمه، وذلك لأنه لا يكون الطفل كذلك إلا إن كان شريفا عند الله، عظيم القدر.
(قوله: وهو لا يكفي) أي الدعاء باللازم، لا بالصراحة، لا يغني عن(2/145)
الدعاء له بالخصوص.
وخالف م ر فقال: يكفي الطفل هذا الدعاء، ولا يعارضه قولهم لا بد من الدعاء للميت بخصوصه - كما مر - لثبوت هذا بالنص بخصوصه.
اه.
ومثله الخطيب.
(قوله: لأنه الخ) علة لعدم الإكتفاء بالدعاء باللازم.
(قوله: إذا لم يكف الدعاء له) أي للطفل.
(وقوله: بالعموم) أي كقوله اللهم اغفر لحينا وميتنا، أو كقوله اللهم اغفر لجميع أموات المسلمين.
(وقوله: الشامل كل فرد) أي الصادق بالطفل وغيره.
(قوله: فأولى هذا) أي عدم الاكتفاء بالدعاء باللازم.
قال سم: قد تمنع الأولوية، بل المساواة، لأن العموم لم يتعين لتناوله، لاحتمال التخصيص، بخلاف
هذا.
فليتأمل.
ولا يخفى أن قول المصنف الآتي: ويقول في الطفل مع هذا الثاني.
الخ إن لم يكن صريحا، كان ظاهرا في الاكتفاء بذلك.
فتأمله.
اه.
(قوله: ويؤنث الضمائر في الأنثى) كأن يقول: اللهم اغفر لها وارحمها إلخ، اللهم اجعلها فرطا لأبويها.
إلخ.
(قوله: ويجوز تذكيرها) أي الضمائر في الأنثى.
(وقوله: بإرادة الميت أو الشخص) يعني أنه إذا ذكر الضمير وكان الميت أنثى، جاز ذلك بتأويلها بالشخص أو بالميت.
أي اللهم اغفر له، أي هذا الميت، أو الشخص، أي أو الحاضر.
(قوله: ويقول في ولد الزنا الخ) أي لأنه لا ينسب إلى أب، وإنما ينسب إلى أمه.
(قوله: والمراد بالإبدال الخ) أي في قوله وأبدله.
وعبارة التحفة: وظاهر أن المراد بالإبدال في الأهل والزوجة، إبدال الأوصاف لا الذوات، لقوله تعالى: * (ألحقنا بهم ذرياتهم) * (1) ولخبر الطبراني وغيره: إن نساء الجنة من نساء الدنيا أفضل من الحور العين.
ثم رأيت شيخنا، قال: وقوله وزوجا خيرا من زوجة: لمن لا زوجة له - يصدق بتقديرها له أن لو كانت له.
وكذا في المزوجة، إذ قيل إنها لزوجها في الدنيا يراد بإبدالها زوجا خيرا من زوجها ما يعم إبدال الذوات وإبدال الصفات.
اه.
وإرادة إبدال الذات مع فرض إنها لزوجها في الدنيا فيه نظر.
وكذا قوله إذ قيل كيف وقد صح الخبر به.
وهو: أن المرأة لآخر أزواجها روته أم الدرداء لمعاوية لما خطبها بعد موت أبي الدرداء.
ويؤخذ منه أنه فيمن مات وهي في عصمته ولم تتزوج بعده، فإن لم تكن في عصمة أحدهم عند موته احتمل القول بأنها تخير، وأنها للثاني.
ولو مات أحدهم وهي في عصمته، ثم تزوجت وطلقت ثم ماتت، فهل هي للأول أو الثاني؟ ظاهر الحديث أنها للثاني.
وقضية المدرك أنها للأول، وأن الحديث محمول على ما إذا مات الآخر وهي في عصمته.
وفي حديث رواه جمع لكنه ضعيف: المرأة منا ربما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت ويموتان ويدخلان الجنة، لأيهما هي؟ قال: لأحسنهما خلقا كان عندها في الدنيا.
اه.
وكتب السيد عمر البصري ما نصه: قوله وظاهر أن المراد بالإبدال إلخ: قد يقال ما يأتي في إلحاق الذرية والزوجة إنما هو في الجنة، والغرض الآن الدعاء له بما يزيل الوحشة عنه عقب الموت في عالم البرزخ بالتمتع بنحو الحور ومصاحبة الملك، كما ورد ثبوت ذلك للأخبار.
فلا مانع أن يراد بالإبدال الإبدال في الذوات فقط، ويحمل على ما تقرر فيها وفي الصفات، فيشمل ما في الجنة أيضا.
فليتأمل.
اه.
(قوله: وسابعها) أي السبعة.
الأركان.
(قوله: سلام كغيرها) أي كسلام غير صلاة الجنازة من الصلوات في
الكيفية، كالالتفات في التسليمة الأولى على يمينه، وفي الثانية على اليسار.
وفي العدد، ككونه تسليمتين.
(قوله: بعد
__________
(1) الطور: 21.(2/146)
رابعة) أي بعد التكبيرة الرابعة.
والظرف متعلق بمحذوف صفة السلام.
(قوله: ولا يجب في هذه) أي التكبيرة الرابعة، أي بعدها.
(قوله: ذكر) فاعل يجب.
(قوله: غير السلام) صفة لذكر.
(قوله: لكن يسن الخ) إستدراك من نفي وجوب ذكر غيره الموهم عدم سنيته أيضا.
(قوله: اللهم لا تحرمنا) بفتح التاء وضمها، من حرمه وأحرمه، والأولى أفصح.
(قوله: أي أجر الصلاة عليه) أفاد به أن بين أجر وما أضيف إليه - وهو ضمير الميت - مضافا محذوفا ومتعلقة (قوله: واغفر لنا وله) أي ولو كان طفلا لأن المغفرة لا تستدعي سبق ذنب، ولا بأس بزيادة، وللمسلمين.
(قوله: ولو تخلف) أي المقتدي.
(قوله: بلا عذر) يفيد أن التخلف بتكبيرة مع العذر - كنسيان، وبطء قراءة، وعدم سماع تكبير، وجهل - يعذر به لا يبطل، بخلاف التخلف بتكبيرتين، ولا يتحقق التخلف بذلك إلا إذا شرع في الرابعة وهو في الأولى، فإنه يبطل، وهذا ما جرى عليه الجمال الرملي.
وجرى شيخ المؤلف حجر على عدم البطلان مطلقا، قال: لأنه لو تخلف بجميع الركعات ناسيا لم يضر، فهذا أولى.
وعبارته: أما إذا تخلف بعذر كنسيان، وبطء قراءة، وعدم سماع تكبير، وكذا جهل عذر به - فيما يظهر - فلا بطلان، فيراعي نظم صلاة نفسه.
اه.
(قوله: حتى شرع إمامه في أخرى) في تكبيرة أخرى، بأن شرع الإمام في الثالثة والمأموم في الأولى، أو شرع في الرابعة والمأموم في الثانية.
وأفهم قوله في أخرى عدم بطلانها، فيما لو لم يكبر الرابعة حتى سلم الإمام.
وهو كذلك عند م ر.
وعبارة التحفة: وخرج بحتى كبر: ما لو تخلف بالرابعة حتى سلم.
لكن قال البارزي: تبطل أيضا.
وأقره الأسنوي وغيره لتصريح التعليل المذكور بأن الرابعة كركعة، ودعوى المهمات أن عدم وجوب ذكر فيها ينفي كونها كركعة ممنوعة الخ.
اه.
وقوله التعليل المذكور.
هو ما سأصرح به قريبا.
(وقوله: بطلت صلاته) جواب لو، وذلك لأن المتابعة لا تظهر في هذه الصلاة إلا بالتكبيرات، فيكون التخلف بها فاحشا، كالتخلف بركعة (قوله: ولو كبر إمامه) أي المسبوق.
والأولى إظهاره هنا، وإضماره فيما بعد.
(قوله: قبل قراءة المسبوق الفاتحة) أي كلها أو بعضها.
(قوله: تابعه) أي تابع المسبوق الإمام.
(وقوله: في تكبيره) أي في التكبير الذي تلبس به الإمام.
(قوله: سقطت القراءة عنه) أي كلها أو بعضها أيضا.
قال في التحفة: وهذا إنما يأتي على تعين الفاتحة عقب الأولى، كذا قيل.
وقد يقال: بل يأتي على ما صححه المصنف أيضا، لأنها وإن لم تتعين لها هي منصرفة إليها، إلا أن يصرفها عنها بتأخيرها إلى غيرها، فجرى السقوط نظرا لذلك الأصل.
اه.
وفي سم: لو أحرم قاصدا تأخير الفاتحة
إلى ما بعد الأولى، فكبر الإمام أخرى قبل مضي زمن يمكن فيه قراءة شئ من الفاتحة، فهل تسقط عنه الفاتحة لأنه مسبوق حقيقة ولا اعتبار بقصده تأخيرها بعد عدم تمكنه من شئ منها؟ أو لا، لأن قصد تأخيرها، صرفها عن هذا المحل؟ فيه نظر.
وكذا يقال: لو تمكن بعد إحرامه من قراءة بعضها فقط، فهل يؤثر قصد تأخيرها سواء قرأ ما تمكن منه أو لا؟ أو كيف الحال؟ فيه نظر.
فليتأمل فيه، فإنه لا يبعد السقوط في الأولى، ولا اعتبار بقصده المذكور.
وكذا في الثانية حيث قرأ ما تمكن.
اه.
(قوله: وإذا سلم الإمام تدارك المسبوق) قال البجيرمي: المراد به من لم يوافق الإمام من أول الصلاة.
اه.
(وقوله: ما بقي عليه) أي من التكبيرات.
(وقوله: مع الأذكار) أي أذكار تلك التكبيرات، وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب.
وفي قول: لا تشترط الأذكار، فيأتي بها نسقا، لأن الجنازة ترفع حينئذ.
قال في التحفة: وجوابه - أي التعليل - أنه يسن إبقاؤها حتى يتم المقتدون، وأنه لا يضر رفعها والمشي بها.
قبل إحرام المصلى وبعده، وإن حولت عن القبلة، ما لم يزد ما بينهما على ثلثمائة ذراع، أو يحل بينهما حائل مضر في غير المسجد.
اه.
(قوله: ويقدم في الإمامة) لما أنهى الكلام على أركان الصلاة شرع يتكلم على من هو الأولى والأحق بالإمامة من الأقارب.
(قوله: ولو امرأة) أي ولو كان الميت امرأة.
(قوله: أب الخ) (واعلم) أن من ذكر يقدم على غيره، ولو السلطان أو إمام(2/147)
المسجد، ولو أوصى الميت بتقديمه، وذلك لأنها حقه.
وما ورد من أن أبا بكر وصى أن يصلي عليه عمر فصلى، وأن عمر وصى أن يصلي عليه صهيب فصلى، وأن عائشة وصت أن يصلي عليها أبو هريرة فصلى، وأن ابن مسعود وصى أن يصلي عليه الزبير فصلى.
ووقع لجماعة من الصحابة ذلك، محمول على أن أولياءهم أجازوا الوصية، وهذا هو الجديد عندنا.
أما القديم: فيقدم الوالي، ثم إمام المسجد، ثم الولي - كسائر الصلوات - وهو مذهب الأئمة الثلاثة.
والفرق - على الجديد - أن المقصود من الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت، ودعاء القريب أقرب إلى الإجابة لتألمه وانكسار قلبه.
ومحل الخلاف: إذا لم يخش الفتنة من الوالي، وإلا قدم قطعا.
ولو غاب الولي الأقرب قدم الولي الأبعد، سواء كانت غيبته قريبة أو بعيدة.
(قوله: أو نائبه) أي نائب الأب، فيقدم على غيره من الأقارب، وكذلك نائب كل ممن بعد الأب يقدم على غيره ممن له الاستحقاق.
(قوله: فأبوه) أي الأب، أي فإن فقد الأب ونائبه، قدم أبو الأب، أي وإن علا.
(قوله: ثم ابن فابنه) أي فإن فقد ممن ذكر قدم ابن الميت، ثم ابنه وإن سفل.
(قوله: ثم أخ لأبوين) أي ثم إذا فقد من ذكر يقدم الأخ الشقيق.
(قوله: فلأب) أي فإذا فقد الأخ الشقيق قدم الأخ الأب، وأما الأخ للأم فهو هنا من ذوي الأرحام، فلا يقدم
هنا على من بعد الأخ.
(قوله: ثم ابنهما) أي ابن الأخ لأبوين، وابن الأخ لأب، ويقدم الأول على الثاني لأن كلا في مرتبة أبيه.
(قوله: ثم العم كذلك) أي لأبوين أو لأب، ويقدم الأول على الثاني: (قوله: ثم سائر العصبات) أي من النسب، ويرتبن أيضا، فيقدم ابن العم لأبوين، ثم لأب، ثم عم الأب، ثم ابن عمه، ثم عم الجد، ثم ابن عمه.
وهكذا.
(قوله: ثم معتق) أي ذكر، لأن المرأة لا حق لها في الإمامة.
وأسقط الشارح مرتبة قبل ذوي الأرحام، وهم عصبة المعتق.
ويقدم منها عصبته النسبية، ثم معتق المعتق، ثم عصبته النسبية.
وهكذا.
(قوله: ثم ذو رحم) ويقدم الأقرب فالأقرب منه، فيقدم أبو الأم، فالخال، فالعم للأم.
نعم، الأخ للأم يقدم على الخال ويتأخر عن أبي الأم.
ويوجه بأنه وإن كان وارثا لكنه يدلي بالأم فقط، فقدم عليه من هو أقوى في الإدلاء بها، وهو أبو الأم.
ولو اجتمع اثنان في درجة، كابنين، أو أخوين، أو ابني عم وليس أحدهما أخا لأم، وكل أهل للإمامة.
فالأسن في الإسلام: العدل أولى من الأفقه، ونحوه، لأن القصد الدعاء، ودعاء الأسن أقرب للإجابة.
وأسقط مرتبة السلطان، وفيها خلاف، فجرى ابن حجر والرملي والخطيب وغيرهم على أنها قبل ذوي الأرحام، لكن إن انتظم بيت المال.
وجرى غيرهم على أنها بعد ذوي الأرحام.
وفي سم ما نصه: ما ذكره من تقديم السلطان على ذوي الأرحام جزم به في الروض من زيادته.
قال في شرحه وبه صرح الصيمري والمتولي.
اه.
وجزم بذلك في شرح المنهج.
لكن ذكر الأذرعي في القوت أن تقديم السلطان على ذوي الأرحام طريقة المراوزة، وتبعهم الشيخان، وأن طريقة العراقيين عكسه.
وذكر منهم الصيمري والمتولي.
واختارها - أعني - الأذرعي.
اه.
(قوله: ثم زوج) أي فهو مقدم على الأجانب.
وعبارة النهاية: وأشعر سكوت المصنف عن الزوج أنه لا مدخل له في الصلاة على المرأة، وهو كذلك، بخلاف الغسل والتكفين والدفن، ولا للمرأة أيضا.
ومحل ذلك: إذا وجد مع الزوج غير الأجانب.
ومع المرأة ذكر، وإلا فالزوج مقدم على الأجانب، والمرأة تصلي وتقدم بترتيب الذكر.
اه.
(قوله: وشرط لها) أي لصحتها.
(قوله: مع شروط سائر الصلوات) أي مما يتأتى مجيئه هنا، كستر وطهارة واستقبال، بخلاف دخول الوقت، أي ومع شروط القدوة أيضا: من نية القدوة، وعدم تقدمه على الإمام في الموقف، وعدم حائل بينهما يمنع مرورا أو رؤية.
قال في التحفة: وظاهر أنه يكره، ويسن كل ما مر لهما - أي للصلاة وللقدرة - مما يتأتى مجيئه هنا أيضا.
نعم، بحث بعضهم إنه يسن هنا النظر للجنازة.
وبعضهم النظر لمحل السجود.
ولو فرض - أخذا من بحث البلقيني - ذلك في الأعمى والمصلي في ظلمة، وهذا هو الأوجه، وذلك لأنها صلاة.
اه.
(قوله: تقدم طهره) نائب فاعل شرط.
وذلك لأنه المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
أي ولأن الصلاة على الميت كصلاة نفسه.
وقول ابن جرير - كالشعبي -
تصح بلا طهارة رد بأنه خارق للإجماع.
وكما يشترط تقدم طهره، يشترط أيضا تقدم طهر ما اتصل به، كصلاة الحي، فيضر نجاسة ببدنه أو كفنه أو برجل نعشه وهو مربوط به ولا يضر نجاسة القبر ونحو دم - من مقتول مثلا - لم ينقطع.
(قوله:(2/148)
بماء) متعلق بطهر.
(وقوله: فتراب) أي إن لم يجد الماء.
قال سم: أنظر فاقد الطهورين.
اه.
(قوله: فإن وقع) أي الشخص الحي، وهو تفريع على اشتراط تقدم طهره.
(قوله: بحفرة) أي فيها.
(قوله: أو بحر) أي أو وقع في بحر.
(قوله: وتعذر إخراجه) أي بعد أن مات في الحفرة أو البحر.
(قوله: لم يصل عليه) أي لفوات الشرط.
قال سم: ويؤخذ منه أنه لا يصلي على فاقد الطهورين الميت.
(قوله: على المعتمد) مقابله يقول: لا وجه لترك الصلاة عليه، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، لما صح: وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، ولأن المقصود من هذه الصلاة الدعاء أو الشفاعة للميت.
وجزم الدارمي وغيره أن من تعذر غسله صلي عليه.
قال الدارمي: وإلا لزم أن من أحرق فصار رمادا، أو أكله سبع، لم يصل عليه، ولا أعلم أحدا من أصحابنا قال بذلك: وبسط الأذرعي الكلام في المسألة.
والقلب إلى هذا أميل.
لكن الذي تلقيناه عن مشايخنا ما في المتن.
اه.
مغني ببعض تصرف.
(قوله: وأن لا يتقدم الخ) معطوف على تقدم طهره، أي وشرط عدم تقدم المصلي على الميت اتباعا لما جرى عليه الأولون، ولأن الميت كالإمام.
وهذا هو المذهب.
ومقابله يقول: يجوز تقدم المصلي على الميت، لأن الميت ليس بإمام متبوع حتى يتعين تقديمه، بل هو كعبد جاء معه جماعة ليستغفروا له عند مولاه.
(قوله: وإن كان حاضرا) أي عند المصلي، لا في البلد، لما سيذكره من أنها لا تصح على ميت في البلد غائب عن مجلس المصلي.
(قوله: ولو في قبر) أي ولو كان الميت الحاضر كائنا في قبر، فيشترط عدم تقدم المصلي عليه.
وعبارة المنهاج مع المغني: ويشترط أن لا يتقدم على الجنازة الحاضرة إذا صلي عليها، وأن لا يتقدم على القبر إذا صلي عليه على المذهب فيهما.
اه.
(قوله: أما الميت الغائب) أي عن البلد.
(قوله: فلا يضر فيه) أي الغائب عن البلد.
(وقوله: كونه وراء المصلي) أي خلف ظهره.
(قوله: ويسن جعل صفوفهم) أي المصلين على الميت.
(وقوله: ثلاثة) قال في التحفة: أي حيث كان المصلون ستة فأكثر.
قال ع ش: ومفهومه أن ما دون الستة لا يطلب منه ذلك، فلو حضر مع الإمام اثنان أو ثلاثة وقفوا خلفه.
اه.
وقال سم بعد كلام: فإن كانوا خمسة فقط، فهل يقف الزائد على الإمام - وهو الأربعة - صفين، لأنه أقرب إلى العدد الذي طلبه الشارع وهو الثلاثة الصفوف، ولأنهم يصيرون ثلاثة صفوف بالإمام؟ أو صفا واحدا لعدم ما طلبه الشارع من الصفوف الثلاثة؟ فيه نظر.
والأول غير
بعيد، بل هو وجيه.
وفي البجيرمي: بقي ما لو كان الحاضرون ثلاثة فقط بالإمام.
وينبغي أن يقف واحد خلف الإمام، والآخر وراء من هو خلف الإمام.
ويحتمل أن يقف اثنان خلف الإمام، فيكون الإمام صفا، والاثنان صفا، وسقط الصف الثالث لتعذره.
اه.
وفي المغني ما نصه: وهنا - أي في صلاة الميت - فضيلة الصف الأول وفضيلة غيره سواء بخلاف بقية الصلوات.
النص على كثرة الصفوف هنا.
اه.
(قوله: للخبر الصحيح الخ) دليل لسنية جعل الصفوف ثلاثة.
(قوله: من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب) أي استحق المغفرة، والمراد: قد غفر له بالفعل، كما في رواية.
قال في التحفة: والمقصود منع النقص عن الثلاثة لا الزيادة عليها.
اه.
(قوله: أي غفر له تفسير مراد لا وجب.
(قوله: ولا يندب تأخيرها) أي الصلاة على الميت.
(وقوله: لزيادة المصلين) أي كثرتهم، وذلك لخبر: أسرعوا بالجنازة.
(وقوله: إلا لولي) أي إلا لأجل حضور ولي الميت ليصلي عليه، فإنه تؤخر الصلاة له، لكونه هو المستحق للإمامة.
لكن محله إذا رجي حضوره عن قرب وأمن من التغير.
قال في التحفة: وعبر في الروضة بلا بأس بذلك، أي بالتأخير له.(2/149)
وقضيته أن التأخير له ليس بواجب.
اه.
(قوله: واختار بعض المحققين إلخ) مقابل لقوله: ولا يندب تأخيرها الخ.
وعبارة التحفة مع الأصل: ولا تؤخر - أي ولا يندب التأخير - لزيادة مصلين - أي كثرتهم - وإن نازع فيه السبكي، واختار - وتبعه الأذرعي والزركشي وغيرهما - أنه إذا لم يخش تغيره: ينبغي انتظار مائة أو أربعين رجي حضورهم قريبا، للحديث.
اه.
وفي ع ش: جرت العادة الآن بأنهم لا يصلون على الميت بعد دفنه، فلا يبعد أن يقال: يسن انتظارهم، لما فيه من المصلحة للميت، حيث غلب على الظن أنهم لا يصلون على القبر، ويمكن حمل كلام الزركشي عليه.
اه.
(قوله: للحديث وفي مسلم الخ) صنيعه يقتضي أن المراد بالحديث غير الحديث الذي ذكره بعده.
وصنيع التحفة يقتضي أنه هو، لأنه ذكر أولا ما في مسلم، ثم بعد ذلك أحال عليه وقال للحديث، يعني المتقدم ذكره.
ولعل في العبارة سقطا من النساخ، وهو لفظ وهو ما، أو أن المراد بالحديث حديث آخر غير حديث مسلم.
فلينظر.
(قوله: ما من مسلم يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة الخ) قال في التحفة: وفيه - أي مسلم - مثل ذلك في الأربعين.
اه.
وعبارة المغني: وفي مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يؤخر الصلاة للأربعين.
قيل: وحكمته: أنه لم يجتمع أربعون إلا كان لله فيهم ولي.
وحكمة المائة كالأربعين - كما يؤخذ من الحديث المتقدم.
اه.
(قوله: ولو صلي عليه) أي على الميت.
(قوله: فحضر من لم يصل) أي فحضر شخص لم يصل على الميت.
(قوله: ندب له الصلاة عليه) أي يندب لمن حضر
أن يصلي على الميت.
(قوله: وتقع فرضا) أي وتقع صلاته فرضا، ولو على القبر، كمن صلى أولا.
إذ ليس فعل بعضهم أولى بوصف الفرضية من بعض، وإن أسقط الأول الحرج.
ولا يقال: كيف تقع صلاة الثاني فرضا، مع أنه لو تركها لم يأثم، لأنه قد يكون الشئ غير فرض، فإذا دخل فيه صار فرضا - كالحج ممن قد حج، وإحدى خصال كفارة اليمين -.
وقولهم فرض الكفاية يسقط بفعل واحد: معناه يسقط الإثم به.
ولو فعله غيره: وقع فرضا أيضا.
(قوله: فينويه) أي الفرض.
(قوله: ويثاب ثوابه) أي ويثاب كما يثاب على الفرض.
(قوله: والأفضل له) أي لمن حضر.
(قوله: فعلها) أي الصلاة.
(وقوله: بعد الدفن) أي وبعد وجوب الصلاة عليه من الذين حضروا أولا، كما هو ظاهر.
(قوله: للاتباع) وهو ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبور جماعة.
ومعلوم أنهم إنما دفنوا بعد الصلاة عليهم.
ومن هذا أخذ جمع أنه يسن تأخيرها عليه إلى بعد الدفن.
اه.
تحفة.
(قوله: ولا يندب الخ) قال ع ش: فتكون مباحة.
اه.
(قوله: إعادتها مع جماعة) وبالأولى عدم ندب إعادتها منفردا.
وإنما لم تندب إعادتها لأن المعاد نفل، وهذه لا يتنفل بها، لعدم ورود ذلك شرعا.
وقيل: تندب له الإعادة، كغيرها.
(قوله: فإن أعادها وقعت نفلا) أي ووجب لها نية الفرضية.
قال في النهاية: وهذه خارجة عن القياس، إذ الصلاة لا تنعقد حيث لم تكن مطلوبة، ويوجه انعقادها بأن المقصود من الصلاة على الميت الشفاعة والدعاء، وقد لا تقبل الأولى وتقبل الثانية.
اه.
(وقوله: وقال بعضهم الخ) مقابل لما يفهم من التعبير بعدم الندب، وهو الإباحة - كما مر آنفا عن ع ش - وصنيعه يقتضي أن قول بعضهم المذكور ضعيف.
وعبارة شرح الروض تفهم أنه معتمد، ونصها: قال في المهمات: وفي التعبير بقوله ولا تستحب إعادتها: قصور، فإن الإعادة خلاف الأولى.
ولا يلزم من نفي الاستحباب أولوية الترك، لجواز التساوي.
ولهذا عبر في المجموع بقوله لا يستحب له الإعادة، بل يستحب له تركها.
اه.
(قوله: وتصح الصلاة على ميت غائب) أي وإن قربت المسافة ولم يكن في جهة القبلة، خلافا لأبي حنيفة ومالك.
قال الزركشي: لانه - صلى الله عليه وسلم - أخبر الناس وهو بالمدينة.
بموت النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة، وصلى عليه هو وأصحابه.
رواه الشيخان.
وذلك في رجب سنة تسع.
قال ابن القطان: لكنها(2/150)
لا تسقط الفرض عن الحاضرين.
قال الزركشي: ووجهه أن فيه ازدراء وتهاونا بالميت، لكن الأقرب السقوط، لحصول الفرض.
وظاهر أن محله - أي السقوط - إذا علم بها الحاضرون، ولا بد - في صحة الصلاة على الغائب - إن يعلم - أو يظن - أنه قد غسل، وإلا لم تصح.
نعم: إن علق النية على غسله، بأن نوى الصلاة إن كان غسل، فينبغي أن تصح - كما
هو أحد احتمالين للأذرعي.
اه.
مغني بزيادة.
(قوله: عن بلد) ليس بقيد، على ما سننقله عن سم قريبا.
(قوله: بأن يكون إلخ) تصوير لغيبته عن البلد.
وقوله بحيث الخ: تصوير للبعيد عن البلد.
أي أن البعيد مصور بأنه هو الذي لا ينسب إلى البلد عرفا، بأن يكون فوق حد القرب - كما يؤخذ من ضبط القرب الآتي.
(قوله: أخذا من قول الزركشي الخ) قال في النهاية: وعبارته من كان خارج السور إن كان أهله يستعير بعضهم من بعض.
لم تجز الصلاة على من هو داخل السور للخارج، ولا العكس.
اه.
(وقوله: القريب منه) أي السور.
قال في التحفة: ويؤخذ من كلام الأسنوي ضبط القرب هنا بما يجب الطلب منه في التيمم.
وهو متجه إن أريد به حد الغوث، لا القرب.
اه.
(قوله: لا على غائب عن مجلسه فيها) أي لا تصح الصلاة على ميت غائب عن مجلس من يريد الصلاة عليه، وهو حاضر في البلد، وإن كبرت البلد، لتيسر حضوره.
وشبهوه بالقضاء على من بالبلد مع إمكان حضوره.
وفي سم خلافه، ونص عبارته: المتجه أن المعتبر المشقة وعدمها.
فحيث شق الحضور - ولو في البلد لكبرها ونحو - صحت، وحيث لا - ولو خارج السور - لم تصح.
م ر.
والأوجه في القرى المتقاربة جدرانها أنها كالقرية الواحدة.
اه.
(قوله: نعم، الخ) إستدراك من عدم صحة الصلاة على غائب عن المجلس في البلد.
(قوله: جازت) أي الصلاة.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذ تعذر الحضور لها.
(وقوله: على الأوجه) أي عند الرملي.
وفي التحفة خلافه، وعبارتها: فلا يصلى عليه وإن كبرت.
وعذر: بنحو مرض، أو حبس، كما شمله إطلاقهم.
اه.
(قوله: وتصح على حاضر مدفون) أي بشرط أن لا يتقدم المصلي على القبر - كما مر -.
قال ع ش: ويسقط بها الفرض على المعتمد.
وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين المنبوشة وغيرها، وهو في المنبوشة مشكل، للعلم بنجاسة ما تحت الميت.
فلعل المراد غير المنبوشة.
اه.
وذكر ق ل خلافه، حيث قال: نعم، لا يضر اتصال نجاسة به في القبر، لأنه كانفجاره، وهو لا يمنع صحة الصلاة عليه.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ولو بعد بلائه) غاية للصحة، وهي للرد على القائل بأنه يشترط بقاء شئ من الميت.
ونظر فيه في التحفة بأن عجب الذنب لا يفنى، أي فبقاء شئ منه أمر ضروري.
(قوله: فلا تصح على قبر نبي) أي لخبر: لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
أي بصلاتهم إليها.
قال البجيرمي: ودلالة هذا على المدعى إنما هي بطريق القياس، لأن اليهود والنصارى كانوا يصلون المكتوبة لقبور الأنبياء، والمدعى هنا صلاة الجنازة.
فتقاس على المكتوبة التي ورد اللعن فيها.
اه.
ونظر في التحفة في دلالة الحديث على المدعى، ووجهه الكردي بأن الدليل في الصلاة إليه - كما فسروا به الحديث - والمدعى هو الصلاة عليه، أي بأن صلى عليه صلاة الجنازة.
وفي قياس الصلاة عليه على الصلاة إليه نظر.
إذ في الصلاة إليه التعظيم
الذي لا يوجد في الصلاة عليه، بدليل أنه يصلى على الفسقة وغيرهم ممن يلاحظ فيه التعظيم.
وأما المنع من الصلاة إليه، فهو خاص بالأنبياء.
والتعليل المطابق للمدعى أنا لم نكن أهلا للفرض وقت موتهم.
اه.
ملخصا.
وتقدم - في مبحث مكروهات الصلاة - أن الصلاة لقبر نبي محرمة، لكن بقصد التبرك أو الإعظام لذلك القبر.
فلو لم يقصد ذلك، بل وافق في صلاته أن أمامه قبر نبي - كمن يصلي خلف قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأغاوات وغيرهم - فلا حرمة ولا كراهة.
(قوله: لخبر الشيخين) ظاهره أنه دليل لعدم صحتها على قبر نبي.
ويحتمل أنه دليل له وللأول أيضا الذي هو صحتها على قبر غير نبي.
وذلك لأنه ثبت في الصحيحين الدليل لكل منهما، وهو في الثاني الخبر المار: لعن الله اليهود الخ، وفي(2/151)
الاول أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبر امرأة أو رجل كان يقم المسجد، لكن على هذا الاحتمال يراد من لفظ خبر، متعدد، وهو جائز، لأنه هنا منفرد مضاف فيعم.
ولو قال لخبري الشيخين، لكان أولى.
(قوله: من أهل فرضها وقت موته) متعلق بكل من قوله: تصح على ميت غائب، وقوله: تصح على حاضر مدفون.
أي تصح الصلاة على الميت الغائب وعلى الحاضر المدفون، إن كان من يريد الصلاة من أهل أداء فرضها وقت الموت بأن يكون حينئذ مسلما مكلفا طاهرا، لأنه يؤدي فرضا خوطب به.
اه.
تحفة وفي سم ما نصه: عبارة المنهج وشرحه: وإنما تصح الصلاة على القبر والغائب عن البلد ممن كان من أهل فرضها وقت موته.
اه.
وتلخص منه أن صلاة الصبي المميز صحيحة مسقطة للفرض، ولو مع وجود الرجال في الميت الحاضر دون الغائب، والقبر وهو مشكل.
فليحرر، فرق واضح.
اه.
(قوله: فلا تصح الخ) مفرع على مفهوم قوله من أهل فرضها وقت موته.
أي فلا تصح صلاة من كان كافرا عند الموت ثم أسلم بعده، أو كانت حائضا عند الموت ثم طهرت بعده.
(وقوله: يومئذ) أي يوم الموت.
(قوله: كمن بلغ أو أفاق بعد الموت) الكاف للتنظير، أي كما لا تصح ممن كان صغيرا عند الموت ثم بلغ بعده، أو كان مجنونا عنده ثم أفاق من جنونه بعده.
(وقوله: ولو قبل الغسل) غاية لعدم صحتها ممن أبلغ أو أفاق بعد الموت.
أي لا تصح الصلاة ممن ذكر، ولو كان البلوغ أو الإفاقة قبل غسل الميت.
وما جرى عليه المؤلف - من عدم الصحة بالنسبة لما إذا بلغ أو أفاق قبل الغسل - ضعيف.
والمعتمد أنه تصح الصلاة في هذه الحالة.
كما نص عليه في النهاية، وعبارتها: واعتبار الموت يقتضي أنه لو بلغ أو أفاق بعد الموت وقبل الغسل لم يعتبر ذلك، والصواب خلافه، لأنه لو لم يكن ثم غيره، لزمته الصلاة - اتفاقا - وكذا لو كان ثم غيره فترك الجميع فإنهم يأثمون.
بل لو زال المانع بعد الغسل أو بعد الصلاة عليه وأدرك زمنا تمكن فيه الصلاة.
كان كذلك.
وحينئذ فينبغي الضبط بمن كان من أهل فرضها وقت الدفن لئلا يرد ما قيل.
اه.
ومثله في الأسنى والمغني.
(قوله: كما اقتضاه) أي ما ذكر من عدم صحتها ممن ذكر ولو قبل الغسل.
(قوله: وسقط الفرض فيها) أي صلاة الجنازة.
(وقوله: بذكر) أي واحد.
وإنما سقطت به لحصول الفرض بصلاته، ولأن الجماعة لا تشترط فيها فكذا العدد كغيرها.
(وقوله: ولو صبيا مميزا) غاية في سقوط الفرض بالذكر، أي تسقط به ولو كان صبيا مميزا، لأنه من جنس الرجال، ولأنه يصلح أن يكون إماما لهم.
وكون صلاة الصبي تقع نفلا لا يؤثر، لأنه قد يجزئ عن الفرض - كما لو بلغ فيها أو بعدها في الوقت - ولحصول المقصود بصلاته مع رجاء القبول فيها أكثر.
قال البجيرمي: واعلم أن الصبي لا يكفي في أربعة من فروض الكفاية، وهي: رد السلام، والجماعة، وإحياء الكعبة بالحج، وإحياؤها بالعمرة.
وما عدا ذلك يكفي فيه الصبي - كالجنازة، والجهاد، والأمر بالمعروف، وسائر فروض الكفاية - ولو مع وجود الكاملين.
اه.
(قوله: ولو مع وجود بالغ) غاية ثانية لسقوط الفرض، لكن بالصبي المميز.
ولو حذف لفظ ولو - كما في التحفة - بأن قال ولو صبيا مميزا مع وجود بالغ، لكان أولى.
(قوله: وإن لم يحفظ الفاتحة) غاية ثالثة لسقوط الفرض بالذكر أي يسقط الفرض به ولو لم يحفظ الفاتحة ولا بدلها.
(وقوله: بل وقف يقدرها) أي الفاتحة.
(قوله: ولو مع وجود من يحفظها) غاية في سقوط الفرض بمن لا يحفظها.
أي يسقط الفرض به ولو مع وجود من يحفظها.
فهي غاية للغاية الثالثة.
قال ع ش: لو كان لا يحسن إلا الفاتحة فقط، بل الأولى أن يكررها أو لا؟ فيه نظر.
والأقرب - بل المتعين - الأول، لقيامها مقام الأدعية.
اه.
(قوله: لا بأنثى مع وجوده) أي لا يسقط الفرض بأنثى - ومثلها الخنثى - مع وجود ذكر.
أي ولو صبيا مميزا، وذلك لأنه أكمل منهما، ودعاؤه أقرب إلى الإجابة، ولأن في ذلك استهانة بالميت.
قال في النهاية: والأوجه أن المراد بوجوده حضوره في محل الصلاة على الميت، لا وجوده مطلقا، ولا في دون مسافة القصر.
لا يقال كيف لا يسقط بالمرأة وهناك صبي مميز، مع أنها المخاطبة به دونه؟ لأنا نقول قد يخاطب الشخص بشئ ويتوقف فعله على فعل شئ آخر، لا سيما(2/152)
فيما يسقط عنه الشئ بفعل غيره.
اه.
بحذف.
وخرج بقوله مع وجوده، ما إذا لم يوجد ذكر، فإنها تجب عليها ويسقط الفرض بها.
(قوله: وتجوز على جنائز صلاة واحدة) أي برضا أوليائهم - اتحدوا أو اختلفوا - وذلك لأن أم كلثوم بنت سيدنا على بن أبي طالب ماتت هي وولدها زيد بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - فصلي عليهما دفعة واحدة، وجعل الغلام مما يلي الإمام، وفي القول جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم، فقالوا: هذا هو السنة.
رواه أبو داود
والنسائي بإسناد صحيح، كما قاله البيهقي.
وصلى ابن عمر رضي الله عنهما على تسع جنائز رجال ونساء، فجعل الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة.
ولأن الغرض من الصلاة الدعاء والجمع فيه ممكن.
وإذا حضرت الجنائز دفعة واحدة، واتحد نوعهم، وفضلهم، أقرع بين الأولياء - إن تنازعوا فيمن يقرب للإمام - وإلا قدم من قدموه.
فإن اختلف النوع قدم إليه الرجل، فالصبي، فالخنثى، فالمرأة.
أو اختلف الفضل، قدم الأفضل.
والمعتبر فيه الورع، والخصال التي ترغب في الصلاة عليه، ويغلب على الظن، قربه من رحمة الله، لا بالحرية والرق، لانقطاع الرق بالموت.
(قوله: فينوي) أي مريد الصلاة عليهم.
(وقوله: إجمالا) أي بأن يقول: أصلي على من حضر من أموات المسلمين، أو: على من يصلي عليهم الإمام.
فلو عين وأخطأ، كأن صلى على عشرة، فبانوا أحد عشر.
لم تصح، بخلاف ما لو صلى على أحد عشر، فبانوا عشرة، فإنها تصح.
(قوله: وحرم تأخيرها) أي الصلاة عن الدفن، فيأثم الدافنون الراضون بذلك لوجوب تقديمها عليه.
(قوله: بل يسقط الخ) الاضراب انتقالي، والأولى إسقاط لفظ بل، ويأتي بواو العطف بدلها، بأن يقول ويسقط الفرض بالصلاة على قبره إذا ارتكبت الحرمة ودفن قبل الصلاة عليه.
وعبارة التحفة: فإن دفن قبلها أثم كل من علم به ولو بعذر، وتسقط بالصلاة على القبر.
اه.
(قوله: وتحرم صلاة على كافر) أي بسائر أنواعه، حربيا كان أو ذميا، أو معاهدا، أو مستأمنا.
(قوله: لحرمة الدعاء له) أي للكافر.
(وقوله: بالمغفرة) أي والصلاة تتضمن الدعاء له بها.
(قوله: قال تعالى الخ) استدلال على حرمة الصلاة عليه.
أما دليل حرمة الدعاء له بالمغفرة فقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) *.
والسبب في نزول الآية الأولى ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنه - عبد الله - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام عمر فأخذ ثوبه، فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: إن الله خيرني وقال: * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) * وسأزيد على السبعين.
فقال إنه منافق.
فصلى عليه، فأنزل الله: * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا) * الآية، فترك الصلاة عليهم.
(قوله: ومنهم) أي من الكفار المعلومين من السياق.
والأولى والأخصر أن يقول: وطفل الكافر مثله، سواء وصف بالإسلام أم لا.
(قوله: سواء نطقوا بالشهادتين) أي لأنه لا يحكم بإسلامهم بالنطق بهما إلا بعد البلوغ.
(قوله: فتحرم الصلاة عليهم) أي وإن قلنا إنهم من أهل الجنة، لأنهم مع ذلك يعاملون في أحكام الدنيا - من الإرث وغيره - معاملة الكفار، والصلاة من أحكام الدنيا، خلافا لمن وهم فيه.
ويظهر حل الدعاء لهم بالمغفرة، لأنه من
أحكام الآخرة، بخلاف صورة الصلاة.
اه.
تحفة بالمعنى.
(واعلم) أنه اختلف في أطفال الكفار على أربعة أقوال.
أحدها: أنهم في الجنة، وعليه المحققون.
الثاني: أنهم في النار تبعا لآبائهم.
الثالث: الوقوف، ويعبر عنه بأنهم تحت المشيئة.
الرابع: أنهم يجمعون يوم القيامة وتؤجج لهم نار ويقال لهم ادخلوها، فيدخلها من كان في علم الله شقيا.
اه.
بجيرمي.(2/153)
(قوله: على شهيد) أي وتحرم الصلاة على الشهيد، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر في قتلى أحد بدفنهم بدمائهم، ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم.
وأما خبر: أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت زاد البخاري بعد ثمان سنين فالمراد - كما في المجموع - دعا لهم كدعائه للميت، والإجماع يدل له.
(قوله: وهو) أي لفظ شهيد.
(قوله: لأنه مشهود له بالجنة) بيان الحكمة كون شهيد بمعنى مشهود.
أي وإنما كان كذلك لأنه مشهود له بالجنة.
وقيل لأنه يبعث، وله شاهد بقتله إذ يبعث، وجرحه يتفجر دما.
وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه فيقبضون روحه.
(قوله: أو فاعل) معطوف على مفعول، أي أو هو بوزن فعيل بمعنى فاعل فهو شهيد بمعنى شاهد.
وقوله لأن روحه إلخ.
بيان الحكمة كونه بمعنى فاعل، أي وإنما كان كذلك لأنه شاهد أي روحه تشهد الجنة قبل غيره.
(قوله: ويطلق لفظ الشهيد إلخ) الملائم والأخصر أن يعمم عند تعريف المتن للشهيد بأن يقول بعد قول المتن: وهو من مات في قتال كفار، سواء كان شهيدا في الدنيا والآخرة - وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى - وشهيدا في الدنيا فقط - وهو من قاتل لنحو حمية - ثم يقول: وخرج بذلك شهيد الآخرة فقط - وهو من مات مقتولا ظلما - إلخ.
وقد تقدم الكلام على أقسام الشهيد أول الباب، فلا تغفل.
(قوله: لتكون كلمة الله إلخ) المراد بها كلمة التوحيد والدعوة إلى الإسلام.
(وقوله: هي العليا) أي الظاهرة الغالبة، ولا بد أن لا يصاحب ذلك رياء ولا غلول من غنيمة وغير ذلك.
(قوله: وعلى من قاتل لنحو حمية) أي لقومه، ودخل تحت لنحو: من قاتل للرياء، أو للغنيمة، أو نحو ذلك.
(قوله: فهو شهيد الدنيا) أي فتجري عليه أحكام الشهادة الدنيوية، من كونه لا يغسل ولا يصلى عليه.
(قوله: وعلى مقتول) معطوف على من قاتل الأولى، أي ويطلق لفظ الشهيد على مقتول.
(وقوله: ظلما) خرج به ما إذا كان مقتولا بحق - كأن كان لقصاص - فلا يكون شهيدا.
(قوله: وغريق) معطوف على مقتول، أي ويطلق لفظ الشهيد على غريق، أي مات غرقا في بحر أو ماء كثير.
(لطيفة) حكي أن شخصا نزل هو ومحبوبه يسبحان في البحر، فغرق محبوبه، فأشار إلى البحر وأنشد وقال:
ياماء: لك قد أتيت بضد ما * * قد قيل فيك مخبرا بعجيب؟ الله أخبر أن فيك حياتنا * * فلاي شئ مات فيك حبيبي؟ فلما قال ذلك أحياه الله تعالى، وطلع له من البحر (قوله: وحريق) أي ويطلق لفظ الشهيد على حريق، أي محروق بالنار.
(قوله: ومبطون) أي ويطلق لفظ الشهيد على مبطون.
(قوله: أي من قتله بطنه) أي داء في بطنه، وبينه بقوله: كاستسقاء أو إسهال، فإنهما دآن في البطن يكونان سببا في الهلاك غالبا.
(قوله: فهم) أي المقتول ظلما والغريق والحريق إلخ.
(وقوله: الشهداء في الآخرة فقط) أي لا في الدنيا، فتجرى عليهم أحكام غير الشهيد، من الغسل، والصلاة، وغير ذلك.
(قوله: كغسله) أي كتحريم غسله.
(وقوله: أي الشهيد) بيان لمرجع الضمير في غسله.
وإنما أرجعه للشهيد ولم يرجعه للمذكور من الكافر والشهيد، لأن غسل الأول ليس بحرام، بل هو جائز.
(قوله: ولو جنبا) أي يحرم غسله ولو كان جنبا، لأن حنظلة بن الراهب قتل يوم أحد وهو جنب، ولم يغلسه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: رأيت الملائكة تغسله.
رواه بن حبان والحاكم في صحيحهما.
(قوله: لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يغسل قتلى أحد) ولما رواه الإمام أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا تغسلوهم، فإن كل جرح أو كلم أو دم يفوح مسكا يوم القيامة.
وحكمة ذلك أيضا: إبقاء أثر الشهادة عليهم، والتعظيم لهم باستغنائهم عن التطهير.
وفي ذلك حث على الجهاد الذي جبلت النفوس على الكراهة له والنفرة عنه لحبها البقاء في الدنيا.
(فإن قيل) الأنبياء والمرسلون أفضل من(2/154)
الشهداء، مع أنهم يغسلون، ويصلى عليهم؟ (أجيب) بأن الشهادة فضيلة تنال بالاكتساب، فرغب الشارع فيها، ولا كذلك النبوة والرسالة، فإنما ليستا بمكتسبتين.
قال الأبوصيري: تبارك الله ما وحي بمكتسب * * ولا نبي على غيب بمتهم وقال اللقاني: ولم تكن نبوة مكتسبة * * ولو رقى في الخير أعلى عقبه (قوله: ويحرم إزالة دم شهيد) أي لأنا نهينا عن غسله، ولأنه أثر عبادة.
وإنما لم تحرم إزالة الخلوف من الصائم - مع أنه أثر عبادة - لأنه هو المفوت على نفسه، بخلافه هنا، حتى لو فرض أن غيره أزاله بغير إذنه حرم عليه ذلك.
والمراد بالدم الذي يحرم إزالته: الخارج من المقتول نفسه، بخلاف ما لو طرأ عليه من غيره، فإنه يزال - كالنجاسة - ولو أدى إلى
زوال دم الشهادة معه.
(قوله: وهو من مات الخ) أي الشهيد الذي يحرم غسله والصلاة عليه هو من مات الخ.
(قوله: في قتال كفار) أي في حال مقاتلتهم.
(واعلم) أنه ذكر قيدين للشهيد، وهما: كون الموت حال المقاتلة، وكونه بسبب القتال، وبقي قيد ثالث، وهو: أن يكون القتال حلله العلماء.
وخرج بالقيد الأول من مات بعد المقاتلة، فإن فيه تفصيلا سيذكره في قوله: ولا من مات بعد انقضائه إلخ.
وبالقيد الثاني من مات لا بسبب القتال - كأن مات في حال المقاتلة بمرض أو فجأة - أي بغتة.
وبالقيد الثالث: من مات في قتال محرم، كقتال المسلم ذميا، فلا يسمى شهيدا.
وقد ذكر المؤلف بعض أفراد هذه المحترزات، كما ستعرفه.
(قوله: قبل انقضائه) أي القتال، ولا حاجة إلى هذا القيد، لأنه يغني عنه القيد الأول.
فتنبه.
(قوله: وإن قتل مدبرا) أي إن مات في المقاتلة يسمى شهيدا، وإن قتل حال كونه مدبرا عن القتال.
(قوله: بسببه) متعلق بمات، أي مات بسبب القتال، أي بسبب يحال عليه القتل، ولو احتمالا - كالمثال الأخير -.
قال ع ش: ومنه ما قيل إن الكفار يتخذون خديعة يتوصلون بها إلى قتل المسلمين، فيتخذون سردابا تحت الأرض يملؤنه بالبارود، فإذا مر به المسلمون أطلقوا النار فيه فخرجت من محلها وأهلكت المسلمين.
اه.
(قوله: كان أصابه الخ) تمثيل لمن مات في القتال بسببه، والأولى التعميم بأن يقول: سواء قتله كافر أو أصابه إلخ.
(وقوله: سلاح مسلم آخر) ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين أن يقصد كافرا فيصيبه، أولا، ولا مانع منه.
اه.
ع ش.
(وقوله: خطأ) خرج به ما لو كان عمدا، فإنه لا يسمى المقتول به شهيدا، إلا إن كان المسلم استعان به الكفار - كما سيذكره -.
(قوله: أو قتله مسلم) معطوف على أصابه، أي وكأن قتله.
وقوله: استعانوا أي الكفار.
وقوله به.
أي بالمسلم فمقتول المستعان به شهيد، لأن هذا قتال كفار، ولا نظر إلى خصوص القاتل، فإن لم يستعينوا به ولم يكن خطأ فليس بشهيد.
(قوله: أو تردي ببئر) معطوف على أصابه أيضا.
أي وكأن تردى - أي سقط - المقاتل ببئر.
(قوله: أو جهل ما مات به) معطوف أيضا على أصابه.
أي وكأن جهل السبب الذي مات به.
ولا يرد أن الممثل له من مات بسبب القتال، وهذا فيه الجهل بالسبب، فلا يصلح مثالا، لما علمت أن المراد بالسبب لو احتمالا.
ويتصور الجهل به بأن يصيبه سهم وشك في الرامي: هل هو من المسلمين أو من الكفار؟ وعبارة التحفة: أو انكشف عنه الحرب وشك أمات بسببها وغيره؟ لأن الظاهر موته بسببها.
اه.
(قوله: وإن لم يكن به أثر دم) راجع لجميع الأمثلة، يعني أن من أصابه سلاح مسلم خطأ فمات، أو قتله مسلم استعانوا به فمات، أو تردى ببئر فمات، أو
جهل سبب موته، يحكم عليه بالشهادة - سواء كان به أثر دم أم لا - وذلك لأن الظاهر موته بسبب الحرب.
(فإن قيل) ينبغي(2/155)
أن يخرج ذلك على قولي الأصل والغالب، إذ الأصل عدم الشهادة، والغالب أن من يموت بالمعترك أنه مات بسبب من أسباب القتل.
والقاعدة أنه يقدم الأصل على الغالب.
(أجيب) بأن السبب الظاهر يعمل به ويترك الأصل، كما إذا رأينا ظبية تبول في الماء ورأيناه متغيرا، فإنا نحكم بنجاسته، مع أن الأصل طهارة الماء: (قوله: لا أسير قتل صبرا) هذا خرج بقوله في قتال.
(قوله: فإنه) أي الأسير.
(وقوله: ليس بشهيد على الأصح) أي الشهادة المخصوصة المرادة هنا.
(قوله: لأن قتله الخ) تعليل لكونه ليس بشهيد.
(وقوله: بمقاتلة) أي في حال مقاتلة.
(قوله: ولا من مات بعد انقضائه) هذا خرج بقوله قبل انقضائه، ولو حذفه لخرج بقوله في قتال أيضا - كما علمت.
(قوله: وقد بقي فيه حياة مستقرة) الجملة حالية: أي مات بعد انقضاء القتال، ولكن حال الانقضاء كانت فيه حياة مستقرة.
والمراد بها: ما يوجد معها الحركة الاختيارية بقرائن وأمارات.
(قوله: وإن قطع بموته بعد) غاية لمقدر، أي فليس من مات بعد انقضائه إلخ بشهيد، وإن جزم بأنه يموت بعد انقضاء القتال.
قال الشوبري: وينبغي أن يكون شهيدا في حكم الآخرة، لأنه لا يتقاعد عن المبطون والغريق ونحوهما.
اه.
(وقوله: من جرح) من، تعليلية، فهي بمعنى اللام، أي قطع بموته لأجل جرح.
(وقوله: به) أي بمن مات بعد انقضائه.
والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لجرح.
(قوله: أما من الخ) مفهوم قوله وقد بقي فيه حياة مستقرة.
وقوله: حركة مذبوح هي التي لا يبقى معها سمع، ولا إبصار، ولا حركة اختيار.
(قوله: فشهيد جزما) أي في الدنيا، فلا يغسل ولا يصلى عليه.
وأما في الآخرة فبحسب قصده، فإن كان قصده إعلا كلمة الله، فكذلك، وإلا فلا.
كما مر.
(قوله: والحياة المستقرة ما تجوز إلخ) يعني أن الحياة المستقرة هي حركة اختيارية تجوز أن يبقى معها يوما أو يومين ثم يموت.
(وقوله: على ما قاله النووي والعمراني) كالتبري من هذا الضابط، والمعتمد ما ذكرته آنفا: من أنها حركة اختيارية توجد فيه عند انقضاء القتال، سواء قطع بموته بعد يوم أو يومين، أم لا، (قوله: ولا من وقع بين كفار) أي وليس بشهيد من دخل بين كفار فهرب منهم ولم يقاتلهم، وهذا أيضا خرج بقوله: في قتال كفار.
(وقوله: لأن ذلك الخ) .
تعليل لمقدر - أي فليس بشهيد، لأن قتله لم يقع في قتال.
(قوله: ولا من قتله اغتيالا الخ) أي وليس بشهيد مسلم قتله كافر حربي على سبيل الاغتيال والخديعة، لأنه ليس في قتال.
وهذا أيضا خرج بقوله: في قتال.
(وقوله: دخل بيننا) أي بين المسلمين.
(قوله: إن نعم الخ) إستدراك من الأخير، ولو قال: فإن قتله الخ، لكان أولى، لأنه محترز
قوله اغتيالا، فلا معنى للاستدراك منه.
(وقوله: قتله عن مقاتلة) أي قتله الحربي مع مقاتلة المسلم له.
(قوله: كما نقله السيد السمهودي عن الخادم) نقله ع ش أيضا عن سم، وعبارته: (فرع) قال في تجريد العباب: لو دخل حربي بلاد الإسلام فقاتل مسلما فقتله، فهو شهيد قطعا.
ولو رمى مسلم إلى صيد فأصاب مسلما في حال القتال، فليس بشهيد.
قاله القاضي حسين.
اه.
سم على منهج.
اه.
(قوله: وكفن ندبا شهيد في ثيابه) أي إذا اعتيد لبسها غالبا، أما ما لا يعتاد لبسها كذلك - كدرع، وخف، وفروة، وجبة محشوة - فيندب نزعها منه - كسائر الموتى -.
وهل تنزع ثيابه التي مات فيها عند الموت ثم ترجع إليه ويكفن فيها كسائر الموتى أو لا؟، ذهب ابن حجر إلى الثاني.
ونقل ع ش، عن الزيادي أن المعتمد الأول.
(قوله: والملطخة بالدم أولى) الأولى أن يأتي بصيغة التعميم بأن يقول: سواء كانت ملطخة بالدم أم لا.
ثم يقول: والملطخة بالدم أولى، أي إذا مات في ثياب متعددة بعضها ملطخ بالدم، وبعضها غير ملطخ به، وأراد الوارث أن ينزع منه بعض الثياب ويكفنه في بعضها، فالأولى تكفينه بالملطخة.
قال في شرح البهجة: وليس(2/156)
بواجب، فللوارث إبدالها - كسائر الموتى -، وفارق الغسل بإبقاء أثر الشهادة على البدن.
اه.
(قوله: للاتباع) تعليل لكونه يكفن ندبا في ثيابه، وهو من رواه أبو داود بإسناد حسن عن جابر، قال: رمى رجل بسهم في صدره - أو حلقه - فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: ولو لم تكفه) أي لو لم تكفه ثيابه التي مات فيها.
(قوله: بأن لم تستر كل بدنه) تصوير لما إذا لم تكفه.
والتصوير المذكور مبني على المعتمد من أن الواجب ستر كل البدن.
أما على الضعيف القائل بأن الواجب ستر العورة، فيصور عليه عدم الإكتفاء بما إذا لم يستر العورة.
وهو ما جرى عليه في الروض وشرحه، ونصهما: فإن لم تكف ثيابه تمم عليها ندبا إن سترت العورة، وإلا فوجوبا.
اه.
(قوله: لا في حرير لبسه) أي لا يكفن الشهيد في حرير لبسه.
(وقوله: لضرورة الحرب) أي لضرورة هي الحرب، فالإضافة للبيان.
ومثلها: ما لو لبسه للحكة أو للقمل.
وهذا ما جرى عليه ابن حجر، وتقدم عند قوله ويكفن الميت بما له لبسه حيا: التفصيل بين كونه لبسه لحاجة فيكفن فيه، ولغير حاجة فلا يكفن.
ووافق عليه ابن قاسم، وعبارته: والمتجه أن من استشهد وهو لابسه لمسوغ، لم يجب نزعه، بل يدفن فيه، لأن دفن الشهيد في أثوابه التي قتل فيها مطلوب شرعا، بخلاف من استشهد، وهو معتد بلبسه، فلا عبرة بهذا اللبس، فينزع منه.
اه.
(قوله: فينزع) أي الحرير، وهو مفرع على كونه لا يكفن فيه.
(قوله: ويندب أن يلقن محتضر) أي بلا إلحاح عليه، لئلا يضجر، ولا يقال له: قل.
بل تذكر بين
يديه ليتدبر، أو يقال ذكر الله مبارك فنذكر الله جميعا.
ويسن أن يكون الملقن غير متهم بإرث أو عداوة أو حسد أو نحو ذلك، فإن يحضر غيره لقنه أشفق الورثة ثم غيره، ولا يترك التلقين حينئذ.
(قوله: ولو مميزا) أي ليحصل له الثواب الآتي.
وإنما لم يلقن في القبر لأمنه من السؤال.
وعبارة شرح البهجة: وكلامهم يشمل الصبي والمجنون، فيسن تلقينهما، وهو قريب في المميز.
اه.
قال سم: وانظر: لو كان نبيا؟ والأوجه أنه لا محذور من جهة المعنى.
اه.
(قوله: على الأوجه) متعلق بالغاية.
(قوله: الشهادة) مفعول ثان ليلقن.
(قوله: أي لا إله إلا الله) تفسير للشهادة.
(وقوله: فقط) أي من غير زيادة محمد رسول الله.
وسيذكر مقابله بقوله: وقول جمع الخ.
(قوله: لخبر الخ) دليل لندب تلقينه ما ذكر.
(قوله: أي من حضره الموت) تفسير مراد للأموات أي أن المراد بهم من قرب موته، فهو من باب تسمية الشئ بما يؤول إليه، كقوله تعالى: * (إني أراني أعصر خمرا) * (1) .
(وقوله: مع الخبر الصحيح) رواه أبودواد بإسناد حسن.
(قوله: من كان آخر) يصح فيه الرفع على أنه اسم كان.
(وقوله: لا إله إلا الله) خبرها، ويصح العكس.
(قوله: أي مع الفائزين) أي من الله بالرتب العلية.
والفوز هو النجاة والظفر مع حصول السلامة.
(قوله: وإلا الخ) أي وإن لم يكن المراد بدخول الجنة مع الفائزين فلا يصح، لأن كل مسلم يدخل الجنة ولو لم يأت بالشهادة عند الموت.
(وقوله: يدخلها) أي الجنة.
(وقوله: وبعد عذاب) أي إذا استحقه، بأن كان فاسقا.
(وقوله: وإن طال) أي العذاب.
(قوله: وقول جمع) مبتدأ، خبره مردود.
(قوله: يلقن محمد رسول الله) مقول قول جمع.
(وقوله: أيضا) أي كما يلقن لا إله إلا الله.
(قوله: لأن القصد إلخ) تعليل لتلقينه محمد رسول الله.
(قوله: إلا بهما) أي بالكلمتين، وهما: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
(قوله: بأنه) أي من حضره الموت مسلم.
(قوله: وإنما القصد) أي من تلقينه.
(قوله: ليحصل له
__________
(1) يوسف: 36(2/157)
ذلك الثواب) أي هو دخول الجنة مع الفائزين.
(قوله: وبحث تلقينه) مبتدأ، خبره مردود.
(قوله: الرفيق الأعلى) قال حجر في فتاويه الحديثية.
قيل هو أعلى المنازل - كالوسيلة التي هي أعلى الجنة - فمعناه: أسألك يا الله أن تسكنني أعلى مراتب الجنة.
وقيل معناه: أريد لقاءك يا الله يا رفيق يا أعلى.
والرفيق من أسمائه تعالى، للحديث الصحيح: إن الله رفيق.
فكأنه طلب لقاء الله.
اه.
ع ش.
(قوله: لأنه آخر ما تكلم الخ) أي لأن لفظ الرفيق الأعلى آخر كلامه - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: مردود) أي فلو أتى به لم يحصل سنة التلقين، ويظهر أنه لا كراهة فيه.
اه.
ع ش.
(قوله: بأن ذلك) أي تكلمه - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى.
(وقوله: لم يوجد) أي السبب.
(وقوله: في غيره) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: وهو إلخ) أي ذلك
السبب أن الله خير النبي - صلى الله عليه وسلم - بين بقائه في الدنيا وبين لحوقه بالرفيق الأعلى، فاختار الرفيق الأعلى.
(قوله: وأما الكافر إلخ) مقابل لقوله بأنه مسلم.
ولو قدمه عنده وقال: ومن ثم يلقنها الكافر الخ لكان أنسب وأولى.
وعبارة شرح الرملي: وقول الطبري - كجمع - أن زيادتها أولى، لأن المقصود موته على الإسلام، مردود بأن هذا مسلم.
ومن ثم بحث الأسنوي أنه لو كان كافرا لقن الشهادتين وأمر بهما، لخبر الغلام اليهودي، ويكون ذلك وجوبا - كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى - إن رجي إسلامه، وإلا فندبا.
اه.
وقوله: لخبر الغلام اليهودي: وهو ما رواه البخاري عن أنس.
قال: كان غلام يهودي يخدم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم.
فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم.
فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.
(قوله: فليلقنهما) أي كلمتي التوحيد.
(وقوله: مع لفظ أشهد) أي مع تلقينه لفظ أشهد.
(وقوله: لوجوبه) أي لفظ أشهد.
(وقوله: أيضا) أي كوجوب كلمتي التوحيد.
(وقوله: على ما سيأتي فيه) أي على ما سيأتي في باب الردة من الخلاف في لفظ أشهد، هل يجب تكريره أو لا؟ وعبارته في باب الردة - أعاذنا الله منها - بعد كلام: ويؤخذ من تكريره - أي الشافعي رضي الله عنه - لفظ أشهد: أنه لا بد منه في صحة الإسلام، وهو ما يدل عليه كلام الشيخين في الكفارة وغيرها، لكن خالف فيه جمع.
وفي الأحاديث ما يدل لكل.
اه.
(قوله: إذ لا يصير الخ) تعليل لوجوب تلقينهما مع لفظ أشهد.
(وقوله: إلا بهما) أي بكلمتي التوحيد.
أي النطق بهما.
(قوله: وأن يقف جماعة الخ) معطوف على أن يلقن، أي ويندب أن يقف جماعة إلخ.
والمناسب تأخير هذا وذكره بعد قوله.
وتلقين بالغ إلخ، وإنما ندب وقوف جماعة بعد الدفن، لانه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن ميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم، وأسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسئل.
(واعلم) أن السؤال عام لكل مكلف، ويكون بحسب لغته - على الصحيح - وقيل بالسرياني.
وهو - على القول به - أربع كلمات، الأولى: اتره.
الثانية: اترح.
الثالثة: كاره.
الرابعة: سالحين.
فمعنى الأولى: قم يا عبد الله إلى سؤال الملكين.
ومعنى الثانية: فيم كنت؟ ومعنى الثالثة: من ربك وما دينك؟ ومعنى الرابعة: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين؟ وقد ورد أن حفظ هذه الكلمات دليل على حسن الخاتمة.
(قوله: ساعة) أي بقدر ذبح جزور وتفرقة لحمها.
(وقوله: يسألون له التثبيت) كأن يقولوا اللهم ثبته.
فلو أتوا بغير ذلك - كالذكر على القبر - لم يكونوا آتين بالسنة وإن حصل لهم ثواب على ذكرهم.
والسؤال المذكور غير التلقين الآتي، وذلك لما روي عن عمرو بن العاص أنه قال: إذا دفنتموني فأقيموا بعد ذلك حول قبري ساعة، قدر ما تنحر جزور ويفرق لحمها، حتى أستأنس بكم
وأعلم ماذا أراجع به رسل ربي.
(قوله: وتلقين بالغ) معطوف على أن يلقن أيضا.
أي ويندب تلقين بالغ الخ، وذلك لقوله تعالى: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * (1) وأحوج ما يكون العبد إلى التذكير في هذه الحالة.
وخرج بالبالغ
__________
(1) الذاريات: 55(2/158)
الطفل، فلا يسن تلقينه لأنه لا يفتن في قبره.
ومثله المجنون - إن لم يسبق له تكليف وإلا لقن - وعبارة النهاية: ولا يلقن طفل - ولو مراهقا - ومجنون لم يتقدمه تكليف - كما قيد به الأذرعي - لعدم افتتانهما.
اه.
(قوله: ولو شهيدا) الغاية للرد، ولا فرق بين شهيد المعركة وغيره.
وقال م ر: استثنى بعضهم شهيد المعركة، كما لا يصلى عليه.
وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى.
والأصح أن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يسألون، لأن غير النبي يسئل عن النبي، فكيف يسأل هو عن نفسه؟.
اه.
وقوله: شهيد المعركة: قال ع ش: أي لأنه لا يسأل.
وأفاد اقتصاره عليه أن غيره من الشهداء يسأل.
وعبارة الزيادي: والسؤال في القبر عام لكن مكلف، ولو شهيدا إلا شهيد المعركة.
ويحمل القول بعدم سؤال الشهداء ونحوهم، ممن ورد الخبر بأنهم لا يسألون: على عدم الفتنة في القبر، خلافا للجلال السيوطي.
اه.
واستدل القرطبي لعدم سؤال شهيد المعركة بخبر مسلم هل يفتن الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة.
قال: ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه.
(قوله: خلافا للزركشي) أي في قوله إن الشهيد لا يلقن لعدم سؤاله.
وانظر: هل الزركشي يخالف في الشهيد مطلقا أو في شهيد المعركة؟.
(قوله: بعد إلخ) متعلق بتلقين، أي يندب التلقين بعد تمام دفنه، لخبر: العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان.
الحديث.
فتأخير تلقينه لما بعد إهالة التراب، أقرب إلى حالة سؤاله.
(قوله: فيقعد رجل الخ) بيان لكيفية التلقين.
(قوله: يقول: يا عبد الله إلخ) رواه الطبراني بلفظ: إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره، فليقم أحدكم على رأس قبره، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة، فإنه يسمعه.
ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا.
ثم يقول: يا فلان ابن فلانة، فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله - ولكن لا تشعرون - فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا، وبالقرآن إماما.
فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه
ويقول: انطلق بنا، ما يقعدنا عند من لقن حجته؟ فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال فينسبه إلى أمه حواء، يقول يا فلان ابن حواء.
اه.
شرح الروض.
ورأيت في حاشية البرماوي على سم صيغة تلقين بأبسط مما هنا، ولا بأس بذكرها هنا تتميما للفائدة، وهي: ويسن تلقينه بعد الدفن وتسوية القبر، فيجلس عند رأسه إنسان يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، كل شئ هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون.
كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة، فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.
منها خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى.
منها خلقناكم للأجر والثواب، وفيها نعيدكم للدود والتراب، ومنها نخرجكم للعرض والحساب.
باسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون.
يا فلان ابن فلانة، أو يا عبد الله، يا ابن أمة الله: يرحمك الله - ذهبت عنك الدنيا وزينتها، وصرت الآن في برزخ من برزخ الآخرة، فلا تنس العهد الذي فارقتنا عليه في دار الدنيا وقدمت به إلى دار الآخرة، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
فإذا جاءك الملكان الموكلان بك وبأمثالك من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فلا يزعجاك ولا يرعباك، واعلم أنهما خلق من خلق الله تعالى - كما أنت خلق من خلقه - فإذا أتياك وأجلساك وسألاك وقالا لك: ما ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ وما اعتقادك؟ وما الذي مت عليه؟ فقل لهما: الله ربي.
فإذا سألاك الثانية، فقل لهما: الله ربي.
فإذا سألاك الثالثة وهي الخاتمة الحسنى فقل لهما بلسان طلق بلا خوف ولا فزع: الله ربي، والإسلام ديني، ومحمد نبيي، والقرآن(2/159)
إمامي، والكعبة قبلتي، والصلوات فريضتي، والمسلمون إخواني، وإبراهيم الخليل أبي، وأنا عشت ومت على قول لا إله إلا الله محمد رسول الله.
تمسك يا عبد الله بهذه الحجة، واعلم أنك مقيم بهذا البرزخ إلى يوم يبعثون.
فإذا قيل لك ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم وفي الخلق أجمعين؟ فقل: هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
جاءنا بالبينات من ربه فاتبعناه وآمنا به وصدقنا برسالته.
فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم.
واعلم يا عبد الله أن الموت حق، وأن نزول القبر حق، وأن سؤال منكر ونكير فيه حق، وإن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الميزان حق، وأن الصراط حق، وأن النار حق، وأن الجنة حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور.
ونستودعك الله.
اللهم يا أنيس كل وحيد، ويا حاضرا ليس يغيب، آنس وحدتنا ووحدته وارحم غربتنا وغربته، ولقنه
حجته ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله يا رب العالمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
(قوله: ويسن تكراره) أي التلقين.
وعبارة شرح الروض: قال الزركشي: قال صاحب الاستقصاء: ويسن إعادة التلقين ثلاثا.
قلت: وهو قياس التلقين عند الموت.
اه.
قال القمولي: قال العلماء ولا يعارض التلقين قوله تعالى: * (وما أنت بمسمع من في القبور) * وقوله: تعالى: * (إنك لا تسمع الموتى) * لانه - صلى الله عليه وسلم - نادى أهل القليب وأسمعهم، وقال: ما أنتم بأسمع منهم لكنهم لا يستطيعون جوابا.
وقال في الميت إنه يسمع قرع نعالكم.
وهذا يكون في وقت دون وقت.
اه.
(قوله: والأولى للحاضرين) أي تلقين الميت.
(وقوله: الوقوف) أي للحديث المار، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه إلخ.
(قوله: وللملقن القعود) أي والأولى للملقن أن يقعد أي لأنه أقرب إلى إسماع الميت التلقين.
(قوله: ونداؤه بالأم فيه) أي نداء الميت بأمه في التلقين.
وهو مبتدأ، خبره جملة لا ينافي.
ولا يقال إنه لم يناد بها فيه، بل نودي بيا عبد الله.
وأما قوله ابن أمة الله، فليس بنداء، بل بدل، لأنا نقول: البدل على نية تكرار العامل، والتقدير يا ابن أمة الله.
(قوله: أي إن عرفت) أي التفسيرية ساقطة من عبارة شيخه، وهو الأولى.
ثم إن هذا يفيد أن الملقن يعين الأم باسمها - كفاطمة، وصالحة - وإلا فلا فائدة في التقييد به، لأنه معلوم أن لكل ميت أما.
وقوله: في صدر العبارة: ويقول عبد الله ابن أمة الله: يفيد عدم ذلك، ويؤيد الأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث الطبراني المار، ثم يقول يا فلان بن فلانة، فإنهما كنايتان عن العلم، كزيد، وهند.
وقول الرجل فيه: يا رسول، فإن لم يعرف أمه.
الخ.
(قوله: وإلا فبحواء) أي وإن لم تعرف، فيناديه بحواء بأن يقول: يا عبد الله ابن حواء.
(قوله: لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم) أي لقوله تعالى: * (ادعوهم لآبائهم) * أي للصلب، وانسبوهم إليهم، ولا تدعوهم إلى غيرهم.
(قوله: لأن كليهما) أي دعاء الميت بأمه في التلقين، ودعاء الناس بآبائهم يوم القيامة.
وقوله: توقيف.
أي وارد من الشارع.
وقوله:
__________
(1) فاطر: 22.
(2) النمل: 80.
(3) الاحزاب: 5(2/160)
لا مجال للرأي فيه: أي لا دخل للعقل فيما هو توقيف.
(قوله: والظاهر أنه يبدل العبد بالأمة) بأن يقول: يا أمة الله.
(قوله: ويؤنث الضمائر) أي في اذكر، بأن يقول: اذكري.
وفي خرجت، بأن يكسر تاء المخاطب.
وفي رضيت كذلك.
(قوله: انتهى) أي قول شيخه في فتح الجواد لكن بتصرف.
وعبارته: وسن تلقين مكلف بعد تمام الدفن المأثور، وهو مشهور، ونداؤه بالأم فيه إن عرفت، وإلا فبحواء - كما دل الحديث الذي استدلوا به لأصل سنة التلقين ردا على من زعم أنه بدعة، ثم النداء بالأم لا ينافي دعاء الناس يوم القيامة بآبائهم، لأن كليهما توقيف لا مجال للرأي فيه.
وحكمته أن هذه دار ستر، وتلك دار هتك، لظهور آثار الأعمال على عاملها إلا على من وقي الله.
اه.
بحذف.
(قوله: ويندب زيارة قبور، لرجل) أي لخبر: كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة.
وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما من أحد يمر بقبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه.
ويتأكد ندب الزيارة في حق الأقارب، خصوصا الأبوين، ولو كانوا ببلد آخر غير البلد الذي هو فيه، فقد روى الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له، وكان بارا بوالديه.
وفي رواية: من زار قبر والديه كل جمعة أو أحدهما، فقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، غفر له بعدد ذلك آية أو حرفا.
وفي رواية: من زار قبر والديه أو أحدهما كأن كحجة.
وروي إن الرجل لا يموت والداه وهو عاق لهما فيدعو الله لهما من بعدهما فيكتبه الله من البارين.
فأفادت هذه الأخبار أن من زار قبر أبويه كان بارا لهما غير عاق ولا مضيع حقهما.
وكان ابن واسع يزور القبور يوم الجمعة ويقول: بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما بعده.
وورد أيضا: أن أرواح المؤمنين تأتي في كل ليلة إلى سماء الدنيا وتقف بحذاء بيوتها، وينادي كل واحد منها بصوت حزين ألف مرة.
يا أهلي، وأقاربي، وولدي.
يا من سكنوا بيوتنا، ولبسوا ثيابنا، واقتسموا أموالنا.
هل منكم من أحد يذكرنا ويتفكرنا في غربتنا ونحن في سجن طويل وحصن شديد؟ فارحمونا يرحمكم الله، ولا تبخلوا علينا قبل أن تصيروا مثلنا.
يا عباد الله: إن الفضل الذي في أيديكم كان في أيدينا، وكنا لا ننفق منه في سبيل الله، وحسابه ووباله علينا، والمنفعة لغيرنا.
فإن لم تنصرف - أي الأرواح - بشئ، فتنصرف بالحسرة والحرمان.
وورد أيضا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ما الميت في قبره إلا كالغريق المغوث.
ينتظر دعوة تلحقه من ابنه أو أخيه أو صديق له، فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها.
ويسن أن يكون الزائر على طهارة، وفي سم ما نصه: قال في شرح العباب: ولا يسن السفر لقصد زيارة غير نبي أو
عالم أو صالح، خروجا من خلاف من منعه كالجويني فإنه قال أن ذلك لا يجوز.
اه.
ولم يبينوا أن الزائر يزور قائما أو قاعدا؟ ويحتمل أن يقال يفعل ما يليق لو كان الميت حيا، وقد يستدل للقيام مطلقا أو للأكابر بالقيام في زيارة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اه.
(قوله: لا لأنثى) تصريح بالمفهوم، ومثلها الخنثى.
(قوله: فتكره) أي الزيارة، لأنها مظنة لطلب بكائهن، ورفع أصواتهن، لما فيهن من رقة القلب، وكثرة الجزع، وقلة احتمال المصائب.
وإنما لم تحرم لانه - صلى الله عليه وسلم - مر بامرأة تبكي على قبر صبي لها، فقال لها: اتقي الله واصبري متفق عليه.
فلو كانت الزيارة حراما لنهي عنها.
ولخبر عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: كيف أقول يا رسول الله؟ - تعني إذا زرت القبور -.
قال: قولي: السلام على أهل الدار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.
ومحل ذلك حيث لم يترتب على خروجها فتنة، وإلا فلا شك في التحريم.
ويحمل على ذلك الخبر الصحيح.
لعن الله زوارات القبور.(2/161)
(قوله: نعم، يسن لها زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي لأنها من أعظم القربات للرجال والنساء.
(قوله: قال بعضهم) هو ابن الرفعة والقمولي وغيرهما.
(وقوله: وكذا الخ) أي مثل زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، زيارة سائر قبور الأنبياء والعلماء والأولياء، فتسن لها.
وفي التحفة ما نصه: قال الأذرعي إن صح - أي ما قاله بعضهم - فأقاربها أولى بالصلة من الصالحين.
اه.
وظاهره أنه لا يرتضيه.
لكن ارتضاه غير واحد، بل جزموا به.
والحق في ذلك أن يفصل بين أن تذهب لمشهد كذهابها للمسجد، فيشترط هنا ما مر، ثم من كونها عجوز ليست متزينة بطيب ولا حلي ولا ثوب زينة - كما في الجماعة - بل أولى، وإن تذهب في نحو هودج مما يستر شخصها عن الأجانب، فيسن لها - ولو شابة - إذ لا خشية فتنة هنا.
ويفرق بين نحو العلماء والأقارب بأن القصد إظهار تعظيم نحو العلماء بإحياء مشاهدهم، وأيضا فزوارهم يعود عليهم منهم مدد أخروي، لا ينكره إلا المحرومون، بخلاف الأكابر، فاندفع قول الأذرعي إن صح الخ.
اه.
وفي النهاية: والأوجه عدم إلحاق قبر أبويها وأخواتها وبقية أقاربها بذلك، أخذا من العلة، وإن بحث ابن قاضي شهبة الإلحاق.
اه.
(قوله: ويسن كما نص عليه أن يقرأ الخ) أي لما ورد إن فمن زار قبر والديه أو أحدهما فقرأ عنده يس والقرآن الحكيم، غفر له بعدد ذلك آية أو حرفا.
وعن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرأوا بفاتحة الكتاب والإخلاص والمعوذتين، واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر، فإنه يصل إليهم.
فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان.
(وحكى) بعض أهل العلم أن رجلا رأى في المنام أهل القبور في بعض المقابر قد خرجوا من قبورهم إلى ظاهر المقبرة، وإذا بهم يلتقطون شيئا ما يدري ما هو.
قال: فتعجبت من ذلك، ورأيت رجلا منهم جالسا لا يلتقط معهم شيئا، فدنوت منه وسألته: ما الذي يلتقط هؤلاء؟ فقال يلتقطون ما يهدي إليهم المسلمون من قراءة القرآن والصدقة والدعاء.
فقال: فقلت له: فلم لا تلتقط أنت معهم؟ قال أنا غني عن ذلك.
فقلت: بأي شئ أنت غني؟ قال بختمة يقرؤها ويهديها إلى كل يوم ولدي يبيع الزلابية في السوق الفلاني.
فلما استيقظت ذهبت إلى السوق حيث ذكر، فإذا شاب يبيع الزلابية، ويحرك شفتيه.
فقلت: بأي شئ تحرك شفتيك؟ قال أقرأ القرآن وأهديه إلى والدي في قبره.
قال: فلبثت مدة من الزمان، ثم رأيت الموتى قد خرجوا من القبور، وإذا بالرجل الذي كان يلتقط صار يلتقط، فاستيقظت وتعجبت من ذلك، ثم ذهبت إلى السوق لا تعرف خبر ولده فوجدته قد مات.
(قوله: من القرآن) بيان لما، مقدم عليه.
(قوله: فيدعو له) أي فعقب القراءة يسن أن يدعو للميت رجاء الإجابة، لأن الدعاء ينفع الميت، وهو عقب القراءة أقرب إلى الإجابة.
وسيأتي - في باب الوصية - كلام في حصول ثواب الدعاء والقراءة للميت - إن شاء الله تعالى - (وقوله: مستقبلا للقبلة) حال من فاعل يدعو، أي يدعو حال كون الداعي مستقبلا للقبلة.
وعبارة المغني: وعند الدعاء يستقبل القبلة وإن قال الخراسانيون باستحباب استقبال وجه الميت.
اه.
(قوله: وسلام لزائر إلخ) أي ويندب سلام لزائر على أهل المقبرة، أي لما روى عن أبي هريرة: قال أبو رزين: يا رسول الله، إن طريقي على الموتى، فهل لي كلام أتكلم به إذا مررت عليهم؟ قال: قل السلام عليكم يا أهل القبور من المسلمين والمؤمنين.
أنتم لنا سلف، ونحن لكم تبع، وإنا شاء الله بكم لاحقون.
قال أبو رزين: هل يسمعون؟ قال: يسمعون ولا يستطيعون أن يجيبوا - أي جوابا يسمعه الحي -.
وقال: يا أبا رزين: ألا ترضى أن ترد عليك بعددهم الملائكة؟.
(قوله: عموما) أي لجميع من في المقبرة.
(وقوله: ثم خصوصا) أي لمن قصد زيارته من أقاربه.
(قوله: فيقول الخ)(2/162)
تفريغ على الإتيان بالسلام عموما، وما بعده على الإتيان به خصوصا (قوله: ويقول عند قبر أبيه الخ) قال سم: عبارة العباب: ويقول وهو قائم أو قاعد مقابل وجه الميت: السلام عليكم إلخ.
وفي شرحه عقب وهو قائم أو قاعد - كما في المجموع عن الحافظ أبي موسى الأصبهاني - قال: كما أن الزائر في الحياة ربما زار قائما أو قاعدا أو مارا.
وروي القيام من حديث جماعة.
اه.
(واعلم) أنهم صرحوا في باب الحديث وغيره بأن قراءة القرآن جالسا أفضل.
وصرح به المصنف في التبيان، وقضيته أن من أراد القراءة عند القبر سن له الجلوس.
اه.
(قوله: فإن أراد الإقتصار على أحدهما) أي صيغة العموم، أو صيغة الخصوص.
(قوله: أتى بالثانية) أي الصيغة الثانية، وهي: السلام عليك يا والدي مثلا.
(قوله: لأنه) أي الثانية.
والأولى لأنها بضمير المؤنث.
(وقوله: أخص بمقصوده) أي أكثر دلالة على مقصوده الذي.
هو زيارة نحو أبيه، بخلاف الأولى، فإنها تشمله وغيره، فهي ليست أدل على مقصوده.
(قوله: وذلك) أي ما ذكر من سنية السلام على أهل المقبرة من حيث هو، لخبر مسلم الخ.
(قوله: السلام عليكم إلخ) زاد ابن السني عن عائشة رضي الله عنها: اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: من دخل المقابر فقال: اللهم رب الأجساد البالية، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، أدخل عليها روحا من عندك، وسلاما مني.
استغفر له كل مؤمن مذ خلق الله آدم.
وأخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ.
كتب الله له بعدد من مات من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.
وأخرج البيهقي عن بشير بن منصور قال: كان رجل يختلف إلى الجبانة فيشهد الصلاة على الجنائز، فإذا أمسى وقف على باب المقابر فقال: آنس الله وحشتكم، ورحم الله غربتكم، وتجاوز الله عن سيئاتكم، وقبل الله حسناتكم - لا يزيد على هؤلاء الكلمات -.
قال ذلك الرجل: فأمسيت ذات ليلة فانصرفت إلى أهلي ولم آت المقابر، فبينما أنا نائم إذا أنا بخلق كثير جاؤني، قلت: من أنتم؟ وما حاجتكم؟ قالوا: نحن أهل المقابر.
وقد عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك.
قلت: وما هي؟ قالوا: الدعوات التي كنت تدعو بها.
قلت: فأنا أعود لذلك.
قال: فما تركتها بعد.
(قوله: والاستثناء للتبرك إلخ) جواب عما يقال إن اللحوق بهم محقق، فلا معنى للاستثناء.
وحاصل الجواب أنه أتى به للتبرك أو باعتبار الدفن في تلك البقعة، أو باعتبار الموت على الإسلام، أي نلحقكم في هذه البقعة إن شاء الله تعالى، أو نلحقكم ونموت على الإسلام إن شاء الله.
قال في شرح الروض: والصحيح أنه للتبرك، امتثالا لقوله تعالى: * (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) *.
اه.
(قوله: فائدة) الأولى أن يقول فوائد، بصيغة الجمع.
(قوله: أمن من عذاب القبر وفتنته) قال في التحفة: وأخذ منه أنه لا يسئل، وإنما يتجه ذلك إن صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي، إذ مثله لا يقال من قبل الرأي.
ومن ثم قال شيخنا: يسأل من مات برمضان أو ليلة الجمعة - لعموم الأدلة الصحيحة.
اه.
والفرق بين فتنة القبر وعذابه، أن الأولى تكون بامتحان الميت بالسؤال.
وأما العذاب فعام يكون ناشئا عن عدم جواب السؤال، ويكون عن غير ذلك.
(قوله: وأمن من ضغطه القبر) أي ضمته للميت، وهي أول ما يلقاه الميت من أهوال القبر، فهي قبل السؤال.(2/163)
وقد صرحت الروايات والآثار بأن ضمة القبر عامة، للصالح وغيره.
وقد قال الشهاب ابن حجر: قد جاءت الأحاديث الكثيرة بضمة القبر، وأنه لا ينجو منها صالح ولا غيره، بل أخبر - صلى الله عليه وسلم - في سعد بن معاذ سيد الأوس من الأنصار أنه اهتز لموته عرش الرحمن استبشارا لقدوم روحه، وإعلاما بعظيم مرتبته، وأنه لم ينج منها، وأنه شيع جنازته سبعون ألف ملك، وأنه لو كان أحد بنحو منها لنجا منها هذا العبد الصالح.
لكن الناس مختلفون فيها، قيل ضمة القبر: التقاء جانبيه على جسد الميت.
قال الحكيم الترمذي: لا نعلم أن للأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - في القبر ضمة ولا سؤالا، لعصمتهم.
قيل هي للمطيع حنو، ولغيره ضمة سخط.
ويرده ما ورد في سعد بن معاذ أنه ضغط في قبره ضغطة شديدة بحيث اختلفت أضلاعه فيها، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن ذلك، فقال إنه كان يقصر في بعض الطهور من البول.
وأن الضمة المذكورة تكون لكل أحد، حتى الأطفال.
لكن ذكر إن فاطمة بنت أسد رضي الله عنها سلمت من هذه الضمة، وأن من قرأ قل هو الله أحد في مرضه الذي يموت فيه كذلك - أي يسلم منها، وكذا الأنبياء.
وحكمتها: أن الأرض أمهم، ومنها خلقوا، فغابوا عنها الغيبة الطويلة، فلما ردوا إليها ضمتهم ضمة الوالدة التي غاب ولدها ثم قدم عليها، فمن كان مطيعا لله ضمته برفق ورأفة، ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها لله عليه.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وجاوز الصراط على أكف الملائكة) في رواية.
وحمله الملائكة بأجنحتها حتى يجيزونه من الصراط إلى الجنة.
(قوله: ورود أيضا من قال الخ) في إرشاد العباد للمؤلف، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ألا أخبرك بأمر حق من تكلم به في أول مضجعه عن مرضه نجاه الله من النار؟ قلت: بلى قال: لا إله
إلا الله يحيي ويميت وهو حي لا يموت، وسبحان الله رب العباد والبلاد، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال.
الله أكبر.
كبرياء ربنا وجلاله وقدرته بكل مكان.
اللهم إن كنت أمرضتني لقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت لهم الحسنى، وأعذني كما أعذت أولئك الذي سبقت لهم منك الحسنى.
إن مت في مرضك ذلك، فإلى رضوان الله والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوبا تاب الله عليك.
وروي.
ما من ميت يقرأ عنده يس إلا هون الله عليه.
ويستحب - إذا احتضر الميت - أن يقرأ عنده أيضا سورة الرعد فإن ذلك يخفف عن الميت سكرة الموت، وإنه أهون لقبضه، وأيسر لشأنه.
وذكر جماعة أن السواك يسهل خروج الروح، لاستياكه - صلى الله عليه وسلم - عند موته.
وروى أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: من أتاه ملك الموت وهو على وضوء، أعطي الشهادة.
نسأل الله أن يمن علينا بالشهادة، ويمنحنا الحسنى وزيادة، ويرزقنا التقوى والاستقامة، بجاه سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - المظلل بالغمامة.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام - تسن تعزية المصاب، لما أخرجه الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال(2/164)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من عزى مصابا فله مثل أجره.
وأخرج الترمذي أيضا عن أبي برزة: من عزى ثكلى كسي بردا.
وأخرج ابن ماجه والبيهقي عن عمرو بن حزم: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عزوجل من حلل الكرامة يوم القيامة.
وقد أرسل الإمام الشافعي - رضي الله عنه - إلى بعض أصحابه يعزيه في ابن له قد مات بقوله: إني معزيك لا إني على ثقة * * من الخلود، ولكن سنة الدين فما المعزى بباق بعد ميته * * ولا المعزي ولو عاشا إلى حين والتعزية: هي الأمر بالصبر، والحمل عليه بوعد الأجر، والتحذير من الوزر بالجزع، والدعاء للميت بالمغفرة وللحي بجبر المصيبة، فيقال فيها: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، وجبر معصيتك، أو أخلف عليك، أو نحو ذلك.
وهذا في تعزية المسلم بالمسلم.
وأما تعزية المسلم بالكافر فلا يقال فيها: وغفر لميتك، لأن الله لا يغفر الكفر.
وهي مستحبة قبل مضي ثلاثة أيام من الموت، وتكره بعد مضيها.
ويسن أن يعم بها جميع أهل الميت من صغير
وكبير، ورجل وامرأة، إلا شابة وأمرد حسنا، فلا يعزيهما إلا محارمهما، وزوجهما.
ويكره ابتداء أجنبي لهما بالتعزية، بل الحرمة أقرب.
ويكره لأهل الميت الجلوس للتعزية، وصنع طعام يجمعون الناس عليه، لما روى أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة، ويستحب لجيران أهل الميت - ولو أجانب - ومعارفهم - وإن لم يكونوا جيرانا - وأقاربه الأباعد - وإن كانوا بغير بلد الميت - أن يصنعوا لأهله طعاما يكفيهم يوما وليلة، وأن يلحوا عليهم في الأكل.
ويحرم صنعه للنائحة، لأنه إعانة على معصية.
وقد اطلعت على سؤال رفع لمفاتي مكة المشرفة فيما يفعله أهل الميت من الطعام.
وجواب منهم لذلك.
(وصورتهما) .
ما قول المفاتي الكرام بالبلد الحرام دام نفعهم للأنام مدى الأيام، في العرف الخاص في بلدة لمن بها من الأشخاص أن الشخص إذا انتقل إلى دار الجزاء، وحضر معارفه وجيرانه العزاء، جرى العرف بأنهم ينتظرون الطعام، ومن غلبة الحياء على أهل الميت يتكلفون التكلف التام، ويهيئون لهم أطعمة عديدة، ويحضرونها لهم بالمشقة الشديدة.
فهل لو أراد رئيس الحكام - بما له من الرفق بالرعية، والشفقة على الأهالي - بمنع هذه القضية بالكلية ليعودوا إلى التمسك بالسنة السنية، المأثورة عن خير البرية وإلى عليه ربه صلاة وسلاما، حيث قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما يثاب على هذا المنع المذكور؟ أفيدوا بالجواب بما هو منقول ومسطور.
(الحمد لله وحده) وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والسالكين نهجهم بعده.
اللهم أسألك الهداية للصواب.
نعم، ما يفعله الناس من الاجتماع عند أهل الميت وصنع الطعام، من البدع المنكرة التي يثاب على منعها والي الأمر، ثبت الله به قواعد الدين وأيد به الإسلام والمسلمين.
قال العلامة أحمد بن حجر في (تحفة المحتاج لشرحك المنهاج) : ويسن لجيران أهله - أي الميت - تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم، للخبر الصحيح.
اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم.
ويلح عليهم في الأكل ندبا، لأنهم قد يتركونه حياء، أو لفرط جزع.
ويحرم تهيئه للنائحات لأنه إعانة على معصية، وما اعتيد من جعل أهل الميت طعاما ليدعوا الناس إليه، بدعة مكروهة - كإجابتهم لذلك، لما صح عن جرير رضي الله عنه.
كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام بعد دفنه من النياحة.
ووجه عده من النياحة ما فيه من شدة الاهتمام بأمر الحزن.
ومن ثم كره اجتماع أهل الميت ليقصدوا بالعزاء، بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم، فمن صادفهم عزاهم.
اه.
وفي حاشية العلامة الجمل على شرح المنهج: ومن البدع المنكرة والمكروه فعلها: ما يفعله الناس من الوحشة(2/165)
والجمع والأربعين، بل كل ذلك حرام إن كان من مال محجور، أو من ميت عليه دين، أو يترتب عليه ضرر، أو نحو ذلك.
اه.
وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال بن الحرث رضي الله عنه: يا بلال من أحيا سنة من سنتي قد أميتت من بعدي، كان له من الأجر مثل من عمل بها، لا ينقص من أجورهم شيئا.
ومن ابتدع بدعة ضلالة لا يرضاها الله ورسوله، كان عليه مثل من عمل بها، لا ينقص من أوزارهم شيئا.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: إن هذا الخير خزائن، لتلك الخزائن مفاتيح، فطوبى لعبد جعله الله مفتاحا للخير، مغلاقا للشر.
وويل لعبد جعله الله مفتاحا للشر، مغلاقا للخير.
ولا شك أن منع الناس من هذه البدعة المنكرة فيه إحياء للسنة، وإماته للبدعة، وفتح لكثير من أبواب الخير، وغلق لكثير من أبواب الشر، فإن الناس يتكلفون تكلفا كثيرا، يؤدي إلى أن يكون ذلك الصنع محرما.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كتبه المرتجي من ربه الغفران: أحمد بن زيني دحلان - مفتي الشافعية بمكة المحمية - غفر الله له، ولوالديه، ومشايخه، والمسلمين.
(الحمد لله) من ممد الكون أستمد التوفيق والعون.
نعم، يثاب والي الأمر - ضاعف الله له الأجر، وأيده بتأييده - على منعهم عن تلك الأمور التي هي من البدع المستقبحة عند الجمهور.
قال في (رد المحتار تحت قول الدار المختار) ما نصه: قال في الفتح: ويستحب لجيران أهل الميت، والأقرباء الأباعد، تهيئة طعام لهم يشبعهم يومهم وليلتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم.
حسنه الترمذي، وصححه الحاكم.
ولأنه بر ومعروف، ويلح عليهم في الأكل، لأن الحزن يمنعهم من ذلك، فيضعفون حينئذ.
وقال أيضا: ويكره الضيافة من الطعام من أهل الميت، لأنه شرع في السرور، وهي بدعة.
روى الإمام أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح، عن جرير بن عبد الله، قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة.
اه.
وفي البزاز: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث وبعد الأسبوع، ونقل الطعام إلى القبر في المواسم إلخ.
وتمامه فيه، فمن شاء فليراجع.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
كتبه خادم الشريعة والمنهاج: عبد الرحمن بن عبد الله سراج، الحنفي، مفتي مكة المكرمة - كان الله لهما حامدا مصليا مسلما.
وقد أجاب بنظير هذين الجوابين مفتي السادة المالكية، ومفتي السادة الحنابلة.
(واعلم) أنه يندب الصبر على المصائب، لما أخرجه الشيخان أن بنتا له - صلى الله عليه وسلم - أرسلت إليه تدعوه وتخبره أن ابنها في الموت.
فقال - صلى الله عليه وسلم - للرسول: ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شئ عنده بأجل مسمى.
فمرها: فلتصبر، ولتحتسب.
وأخرج البخاري: ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.
وفي حديث: من أصيب بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب.
ولذلك قال بعضهم: اصبر لكل مصيبة وتجلد * * واعلم بأن المرء غير مخلد واصبر كما صبر الكرام فإنها * * نوب تنوب اليوم تكشف في غد وإذا أتتك مصيبة تشجى بها * * فاذكر مصابك بالنبي محمد وقال آخر: تذكرت لما فرق الدهر بيننا * * فعزيت نفسي بالنبي محمد وقلت لها: إن المنايا سبيلنا * * فمن لم يمت في يومه مات في غد وقال آخر: مات خير الخلق من قد خصه * * ربه بالصحب من خير صحاب كل حي ذائق كأس الفنا * * هكذا المسطور في أم الكتاب(2/166)
أيها الناس لكم بالمصطفى * * أسوة، فالموت يدني للذهاب فثقوا بالله، وارضوا، وخذوا * * ما قضى الله بصبر واحتساب قال المؤلف في (إرشاد العباد) : وكأن القاضي حسينا - من أكابر أئمتنا - أخذ من هذا قوله الذي أقروه عليه: يجب على كل مؤمن أن يكون حزنه على فراق النبي - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا أكثر منه على فراق أبويه، كما يجب عليه أن يكون - صلى الله عليه وسلم - أحب إليه من نفسه، وأهله، وماله.
اه.
وفي حديث آخر: إنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي إنما يحمد الصبر عند مفاجأة المصيبة، وأما فيما بعد فيقع السلو طبعا.
ومن ثم قال بعضهم: ينبغي للعاقل أن يفعل بنفسه أول أيام المصيبة ما يفعله الأحمق بعد خمسة أيام.
وفي حديث آخر: إن الضرب على الفخذ عند المصيبة يحبط الأجر.
وورد: من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الخنث، كانوا له حصنا من النار.
فقال أبو الدرداء - رضي الله عنه -.
قدمت اثنين.
قال: واثنين.
قال آخر: إني قدمت واحدا.
قال: وواحدا، ولكن ذلك في أول صدمة.
وفي حديث مسلم إن الأطفال دعاميص الجنة - أي حجاب أبوابها - يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبويه - فيأخذه بثوبه - أو قال بيده - فلا ينتهي حتى يدخله الجنة.
وفي خبر مسلم: أنه مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت: لا يحدثه إلا أنا.
فلما جاء قربت إليه عشاءه، فأكل، وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كان تتصنع قبل ذلك، فوقع بها، فلما رأته أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم، ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا.
قالت أم سليم: فاحتسب ابنك.
فغضب، ثم انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: بارك الله لكما في ليلتكما.
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما، ضحك عند دفن ابنه، فقيل له: أتضحك؟ فقال: أردت أن أرغم الشيطان.
وقال أبو علي الرازي: صحبت الفضيل ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكا، ولا مبتسما، ولا مستبشرا، إلا يوم مات ابنه علي، فقلت له في ذلك، فقال: إن الله أحب أمرا فأحببته.
والأخبار والحكايات الدالة على تأكد الصبر كثيرة شهيرة، ويتأكد لمن ابتلي بمصيبة - بميت، أو في نفسه، أو أهله، أو ماله، وإن خفت - أن يكثر * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * (1) اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف علي خيرا منها.
لأن الله تعالى وعد من قال ذلك * (عليهم صلوات من ربهم ورحمة) * (2) وأنهم * (هم المهتدون) * ولخبر مسلم أن من قال ذلك آجره الله وأخلف له خيرا.
وقال ابن جبير: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة ما لم يعطه غيرهم: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * ولو أوتوه لقاله يعقوب عليه السلام.
ولم يقل يا أسفى على يوسف.
جعلنا الله من الصابرين في الضراء، الشاكرين في السراء.
آمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) البقرة: 156.
(2) البقرة: 157.(2/167)
باب الزكاة
لما أنهى الكلام على الركن الأعظم من أركان الإسلام - وهو الصلاة - شرع يتكلم على الركن الثاني منها، وهو
الزكاة.
والأصل في وجوبها - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *.
وأخبار كخبر بني الإسلام على خمس.
(قوله: هي لغة: التطهير والنماء) يعني أن الزكاة في اللغة جاءت بمعنى التطهير، وبمعنى النمو.
قال تعالى: * (قد أفلح من زكاها) * (1) أي طهرها.
ويقال: زكا الزرع إذا نما.
وجاءت أيضا فيها بمعنى المدح، قال تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم) * أي تمدحوها.
وبمعنى البركة، ويقال: زكت النفقة: إذا بورك فيها.
وبمعنى كثير الخير، يقال: فلان زاك، أي كثير الخير.
(قوله: وشرعا: اسم لما يخرج) أي لقدر يخرج إلخ، وسمي بذلك للمناسبة بينه وبين المعاني اللغوية المذكورة، وذلك لأن المال ينمو ببركة إخراجها ودعاء الآخذ لها، ولأنها تطهر مخرجها من الإثم، وتمدحه حين تشهد له بصحة الإيمان.
والقدر المخرج عن المال هو العشر فيما سقي بما لا مؤنة فيه، أو نصفه فيما فيه مؤنة، أو ربعه في الذهب والفضة والخمس في الركاز.
أو ما ورد عن الشارع في الحيوان، كبنت مخاض عن خمس وعشرين.
والقدر المخرج عن البدن، وهو صاع.
(وقوله: عن مال) هو ما سيذكره بعد بقوله النقدين إلخ.
وزكاة التجارة ترجع للنقد لأنها تقوم به، ثم إن المال المذكور بعضه حولي وبعضه غير حولي - كما ستعرفه.
(وقوله: أو بدن) أي أو ما يخرج عن البدن، وهو صاع زكاة الفطر.
ولا يشترط حول لوجوبها عمن ولد قبل الغروب.
(وقوله: على الوجه الآتي) أي من وجود الشروط، وانتفاء الموانع، ونية الدافع.
(قوله: وفرضت زكاة المال في السنة الثانية) اختلف في أي شهر منها.
والذي قال شيخنا البابلي أن المشهور عن المحدثين أنها فرضت في شوال من السنة المذكورة.
اه.
بجيرمي.
(قوله: بعد صدقة الفطر) أي بعد فرض صدقة الفطر، لأنها فرضت قبل العيد بيومين في السنة الثانية أيضا - كما في المواهب اللدنية.
(قوله: ووجبت) أي زكاة المال.
(قوله: في ثمانية أصناف من المال) أي بعد النقدين صنفين، والأنعام ثلاثة، وعروض التجارة داخلة في النقدين، لأنها تقوم بهما - كما علمت - وترجع هذه الثمانية إلى ضربين: ما يتعلق بالقيمة - وهو زكاة التجارة - وما يتعلق
__________
(1) الشمس: 9.
(1) الزكاة فريضة وركن من أركان الدين قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) التوبة الاية 103.
وقوله عزوجل: (وآتوا الزكاة) النساء الاية 76.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم " أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم " متفق عليه.
وللحديث: " بني الإسلام على خمس، ومنها وإيتاء الزكاة " متفق عليه(2/168)
بالعين: وهو ثلاثة أنواع: نبات، وجوهر النقدين، وحيوان.
(قوله: النقدين الخ) بدل من ثمانية أصناف.
(وقوله: والأنعام) أي الإبل، والبقر، والغنم.
(قوله: والقوت) أي من الحبوب، كبر، وشعير، وأرز.
(قوله: والتمر، والعنب) عبر بعضهم عن هذين وعن القوت بالنابت، فإنه يشمل الزرع والنخل والكرم.
(قوله: لثمانية إلخ) متعلق بوجبت، أي وجبت في ثمانية أصناف من المال، لثمانية أصناف من الناس، وهم المذكورون في آية * (إنما الصدقات للفقراء) * إلخ.
(قوله: ويكفر جاحد وجوبها) أي الزكاة.
ومحله أن أنكر وجوبها على الإطلاق، بأن أنكر أصلها من غير نظر لأفرادها، أو أنكر بعض أفرادها الجزئية المجمع عليه، بخلاف المختلف فيه - كوجوبها في مال الصبي والركاز - فلا يكفر جاحده.
(قوله: ويقاتل الممتنع عن أدائها) أي الزكاة - كما فعل الصديق رضي الله عنه - وكما يقاتل الممتنع من الأداء يقاتل الممتنع من أخذها.
وعبارة ش ق: ولو امتنع المستحقون من أخذها قاتلهم الإمام، لأن قبولها فرض كفاية، فيقاتلون على ذلك، لتعطيلهم هذا الشعار العظيم، كتعطيل الجماعة، بناء على أنها فرض كفاية، بل أولى.
أفاده الرملي.
اه.
(قوله: وتؤخذ) أي الزكاة.
(وقوله: منه) أي من الممتنع.
(وقوله: وإن لم يقاتل) الأولى تأخيره عن قوله قهرا.
(وقوله: قهرا) صفة لمصدر محذوف، أي تؤخذ أخذا قهرا، سواء قاتل الممتنع الإمام أم لا.
وفي البجيرمي ما نصه: والحاصل أن الناس فيها على ثلاثة أقسام: قسم يعتقد وجوبها ويؤديها، فيستحق الحمد، وفيه نزل قوله تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) * (1) .
وقسم يعتقد وجوبها ويمتنع من إخراجها، فإن كان في قبضة الإمام أخذها من ماله قهرا، وإلا قاتله، كما فعلت الصحابة رضوان الله عليهم بمانع الزكاة.
وقسم لا يعتقد وجوبها، فإن كان ممن يخفى عليه - لكونه قريب عهد بالإسلام - عرفه أي الوجوب وينهى عن العود، وإلا حكم بكفره.
اه.
(قوله: تجب الخ) شروع في بيان شروط من تجب عليه زكاة الأموال التي هي: النقدان، والأنعام، والقوت، والتمر، والعنب.
وبدأ ببيان شروط من تجب عليه زكاة النقدين - لأنهما أشرف من بقية الأموال - إذ بهما قوام الدنيا، ونظام أحوال الخلق، لأن حاجات الناس كثيرة، وكلها تقضى بهما، بخلاف غيرهما من الأموال.
وذكر لمن تجب عليه زكاتهما خمسة شروط - متنا وشرحا - وهي: إسلام، وحرية، وتعين مالك، ونصاب وحول.
وبقي من الشروط: قوة الملك، ويعبر عنه بالملك التام، ليخرج به ما ملكه المكاتب، فلا زكاة فيه عليه، لضعف ملكه عن احتمال المواساة.
وتيقن وجود المالك: فلا زكاة في مال الحمل الموقوف له بإرث أو وصية، لعدم الثقة بحياته.
ومعظم هذه الشروط يأتي في غيره ممن تجب
عليه زكاة بقية الأموال - كما ستقف عليه.
(قوله: على كل مسلم) أي لقول الصديق رضي الله عنه في كتابه: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين.
رواه البخاري.
(قوله: ولو غير مكلف) غاية في المسلم، وهو الصبي والمجنون.
(قوله: فعلى الولي الخ) هذا بيان للمراد بلزومها على غير المكلف، يعني أن المراد بذلك أنها تلزم في ماله، ويلزم الولي إخراجها منه، فالمخاطب بالإخراج الولي.
قال في النهاية: ومحل وجوب ذلك عليه في مال الصبي والمجنون، حيث كان ممن يعتقد وجوبها على المولى عليه، فإن كان لا يراه - كحنفي - فلا وجوب.
والاحتياط له أن يحسب زكاته، فإذا كملا أخبرهما بذلك، ولا يخرجها، فيغرمه الحاكم.
قاله القفال.
وفرضه في الطفل ومثله المجنون - كما مر - والسفيه.
اه.
(فائدة) أجاب السبكي عن سؤال صورته: كيف تخرج الزكاة من أموال الأيتام من الدراهم المغشوشة والغش فيها ملكهم؟ بأن الغش إن كان يماثل أجرة الضرب والتخليص فيسامح به، وعمل الناس على الإخراج منها.
اه.
مغنى.
__________
(1) التوبة: 60(2/169)
(ظريفة) للفخر الرازي: طلبت من المليح زكاة حسن * * على صغر من السن البهي فقال: وهل على مثلي زكاة * * على رأي العراقي الكمي؟ فقلت: الشافعي لنا إمام * * يرى أن الزكاة على الصبي فقال: اذهب إذا واقبض زكاتي * * بقول الشافعي - من الولي وتممه التقي السبكي فقال: فقلت له فديتك من فقيه * * أيطلب بالوفاء سوى الملي نصاب الحسن عندك ذو امتناع * * بخدك والقوام السمهري فإن أعطيتنا طوعا، وإلا * * أخذناه - بقول الشافعي (قوله: وخرج بالمسلم الكافر الأصلي) احترز بالأصلي عن المرتد، فإن فيه تفصيلا، وهو أنه إن ارتد بعد أن وجبت الزكاة عليه، أخذت منه مطلقا، سواء أسلم أم لا.
وإن وجبت عليه بعد أن ارتد فتوقف كبقية أمواله، إن عاد إلى الإسلام لزمه أداؤها، لتبين ملكه.
وإن مات مرتدا بان أن لا مال له من حين الردة ويكون فيئا.
(قوله: فلا يلزمه إخراجها)
بمعنى أنه لا يطالب بها في الدنيا، فلا ينافي أنها تلزمه من حيث أنه يعاقب على تركها في الآخرة، كبقية الفروع المتفق عليها.
(قوله: ولو بعد الإسلام) أي فلا يلزمه أن يخرجها لقوله تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * (1) .
وإنما لم تسقط الكفارة بالإسلام لأنها محض مواساة، فينبغي أن لا يتركها بعد الإسلام، بخلاف الزكاة، فإنها وإن كان فيها مواساة، لكن فيها شائبة معاوضة في مقابلة ما نما من المال.
وأيضا: فالكفارة شأنها ندرة الوقوع، فلا يشق إخراجها لعدم كثرتها، بخلاف الزكاة فإنها كثيرة الوقوع، فيشق إخراج ما استقر عليه حال كفره.
(قوله: حر) أي كله أو بعضه، فتجب الزكاة عليه، ولو كان مبعضا ملك ببعضه الحر نصابا.
(وقوله: معين) أي غير مبهم، فلا زكاة في ريع موقوف على جهة عامة، ولا في مال بيت المال.
ومن الأول: الموقوف على إمام المسجد أو مؤذنه، لأنه لم يرد به شخص معين، وإنما أريد به كل من اتصف بهذا الوصف - كما سيذكره: (قوله: فلا تجب على رقيق) محترز حر.
(وقوله: لعدم ملكه) تعليل لعدم الوجوب، فلو ملكه سيده مالا لم يملكه، فيكون باقيا على ملك سيده، فتلزمه زكاته.
(قوله: وكذا المكاتب) أي وكذا لا تجب على المكاتب، ولو كانت الكتابة فاسدة.
(قوله: لضعف ملكه) أي عن احتمال المواساة، ولذا لا تلزمه نفقة قريبة، ولا يرث ولا يورث.
(قوله: ولا تلزم) أي الزكاة، في مال المكاتب.
(وقوله: سيده) أي المكاتب.
(قوله: لأنه) أي السيد.
(وقوله: غير مالك) أي لمال المكاتب.
قال في الروض وشرحه: فإن زالت الكتابة لعجز أو عتق أو غيره، انعقد حوله من حين زوالها.
(قوله: في ذهب إلخ) متعلق بتجب.
أي تجب في ذهب وما عطف عليه.
(والأصل) في وجوبها فيهما - قبل الإجماع - قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * (1) والكنز: هو الذي لم تؤد زكاته.
ووجه دلالة الآية على وجوب الزكاة أنه توعد على عدم الزكاة بالعذاب، والوعيد على الشئ يقتضي النهي عنه، فكأنه قال لا تتركوا الزكاة.
والنهي عن الشئ أمر بضده، فكأنه قال: أدوا الزكاة وهو أمر والأمر للوجوب ولا تجب الزكاة في سائر الجواهر - كاللؤلؤ والياقوت والفيروزج - لعدم ورود الزكاة فيها.
ولأنها معدة للاستعمال - كالماشية العاملة.
(قوله: ولو غير مضروب) أي ولو كان الذهب غير مضروب، كسبيكة ذهب، فإنه تجب الزكاة فيه.
(قوله:
__________
(1) الانفال: 38.
(2) التوبة: 34(2/170)
خلافا لمن زعم اختصاصها) أي الزكاة.
(قوله: بلغ قدر خالصه) أي الذهب، فلا زكاة في مغشوش حتى يبلغ خالصه ما ذكر، فتخرج زكاته خالصا أو مغشوشا خالصه قدرها، لكن يتعين على الوالي إخراج الخالص، حفظا للنحاس مثلا على
المولى.
وتقدم عن السبكي سؤال في ذلك.
(قوله: عشرين مثقالا) أي لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار.
رواه أبو داود بإسناد صحيح.
(قوله: بوزن مكة) أي ويعتبر ذلك بوزن مكة، للخبر الصحيح: المكيال مكيال المدينة، والوزن وزن مكة.
(قوله: فلو نقص الخ) تفريع على قوله تحديدا.
(قوله: فلا زكاة) أي واجبة فيه.
(وقوله: للشك أي في النصاب.
(قوله: والمثقال هو لم يتغير، جاهلية وإسلاما.
(قوله: متوسطة) أي معتدلة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما كان دقيقا رفيعا.
(قوله: ووزن نصاب الذهب بالأشرفي) نسبة للسلطان الأشرف قايتباي، وليس المراد به من بنى جامع الأشرفية، وهو خليل البرسبائي - بضم الباء والراء، وسكون السين، وبموحدة بعدها مدة -.
(قوله: خمسة وعشرون) أي أشرفيا، وهو أقل وزنا من الدينار المعروف الآن.
(قوله: والمراد بالأشرفي: القايتبايي) أي لأنه الذي كان في زمن الشيخ زكريا، وبه يعلم نصاب ما زاد على وزنه من المعاملة الحادثة الآن، على أنه حدث أيضا تغيير في المثقال لا يوافق شيئا مما مر.
فليتنبه لذلك.
شرح م ر مع زيادة من الشوبري.
بجيرمي.
وقال في حواشي الإقناع: واعلم أن الذي تحرر أن النصاب في البنادقة والفنادقة سبعة وعشرون من كل منهما إلا ثلثا لأن البندقي ثمانية عشر قيراطا، والمثقال أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط ثلاث شعيرات، فكل ثلاثة مثاقيل أربعة بنادقة.
والفندقي كالبندقي في الوزن، لكنه - أي الفندقي - ليس سالما من الغش، وفي المحابيب خمسة وثلاثون محبوبا كاملة.
والدراهم المعروفة الآن كل عشرة منها سبعة مثاقيل، فتكون الأواقي الخمس مائتي درهم.
وقد كان في السابق درهم يقال له البغلي، وكان ثمانية دوانق.
ودرهم يقال له الطبري، أربعة دوانق.
فالدراهم مختلفة في الجاهلية، ثم أخذ نصف كل منهما وهو ستة دوانق، وجعل درهما في زمن عمر وعبد الملك بن مروان، وأجمع عليه المسلمون.
قال الأذرعي - كالسبكي - ويجب اعتقاد أنها كانت في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وزمن الخلفاء الراشدين، ويجب تأويل خلاف ذلك.
اه.
م ر.
(قوله: وفي فضة) معطوف على ذهب، أي وتجب في فضة.
وسمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى.
وسميت الفضة بذلك لأنها تنفض ولا تبقى، وسمي المضروب من الذهب دينارا، ومن الفضة درهما، لأن الدينار آخره نار، والدرهم آخره هم، والمرء إن أحبهما قلبه معذب بين الهم في الدنيا، والنار في الآخرة، بسبب اكتسابهما من حرام أو عدم أداء زكاتهما.
وأنشد بعضهم في ذلك فقال: النار آخر دينار نطقت به * * والهم آخر هذا الدرهم الجاري والمرء بينهما - ما لم يكن ورعا - معذب القلب بين الهم والنار
(قوله: بلغت مائتي درهم) وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
والأوقية أربعون درهما بالنصوص المشهورة والإجماع.
قال البجيرمي: وقد حدث للناس عرف آخر، فجعلوها عبارة عن اثني عشر درهما، وعند الطيبي عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وبعضهم سمى هذه الأوقية: أوقية الطيبي.
اه.
وفي ش ق: وهي - أي المائتا درهم - ثمانية وعشرون ريالا ونصف تقريبا، هذا إن كان في كل ريال درهمان من النحاس، فإن كان فيه درهم فقط كانت خمسة وعشرين ريالا.
اه.
(قوله: بوزن مكة) أي لما تقدم تقريبا.
(قوله: وهو) أي الدرهم.
وعبارة التحفة: والمثقال لم يتغير جاهلية ولا إسلاما: ثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة لم تقشر، وقطع من طرفيها ما دق وطال.(2/171)
والدرهم اختلف وزنه جاهلية وإسلاما، ثم استقر على أنه ستة دوانق، والدانق: ثمان حبات وخمسا حبة، فالدرهم خمسون حبة وخمسا حبة، والمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم.
فعلم أنه متى زيد على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان.
اه.
(قوله: وخمسا حبة) أي حبة شعير متوسطة - كما تقدم.
(قوله: فالعشرة دراهم) الأولى فعشرة الدراهم - بإدخال أل على الثاني - وذلك لأن القاعدة أن العدد المضاف إذا أريد تعريف الجزء الأخير، وهو المضاف إليه، فيصير الأول مضافا إلى معرفة، فيقال: ثلاثة الأثواب، ومائة الدرهم، وألف الدينار.
والعدد المركب إذا أريد تعريفه: يعرف الجزء الأول فقط، فيقال: الأحد عشر درهما.
والعدد المعطوف إذا أريد تعريفه: يعرف هو مع المعطوف عليه، فيقال: الأحد والعشرون درهما.
وقد نظم هذه القاعدة العلامة الأجهوري في قوله: وعددا تريد أن تعرفا * * فأن بجزأيه صلن إن عطفا وإن يكن مركبا فالأول * * وفي مضاف عكس هذا يفعل وخالف الكوفي في الأخير * * فعرف الجزأين - يا سميري نعم، ذكر العلامة الصبان في حاشية الأشموني عن شيخه أن منهم في التركيب الأول من لا يضيف بل يعرف الأول فقط، فيقول: هذه الخمسة أثوابا، وخذ المائة درهما، ودع الألف دينارا.
اه.
فلعل المؤلف جرى على ما ذكر.
فتنبه.
(قوله: ولا وقص فيهما) أي لا عفو في الذهب والفضة، فالزائد على النصاب بحسابه، ولو يسيرا، وذلك لإمكان التجزي في ذلك بلا ضرر، بخلافه في المواشي، فإنه لو حسب الزائد على النصاب فيها لتضرر هو والفقراء بالمشاركة فيه.
(قوله: كالمعشرات) الكاف للتنظير في عدم العفو عن الزائد.
(قوله: فيجب) دخول على المتن.
(وقوله: في العشرين) أي مثقالا بالنسبة للذهب.
(وقوله: والمائتين) أي درهما بالنسبة للفضة.
(قوله: وفيما زاد على ذلك) الأولى تأخيره عن فاعل الفعل وزيادة فبحسابه، بأن يقول: وفيما زاد على ذلك فبحسابه.
(وقوله: ربع عشر) فاعل يجب.
والمراد ربع عشر العشرين في الأول، وربع عشر المائتين في الثاني.
وإذا كان هناك زائد فبحسابه.
فإذا كان عنده خمسة وعشرون مثقالا، ففي العشرين نصف مثقال، وفي الخمسة ثمن مثقال، فالجملة خمسة أثمان مثقال، لخبر أبي داود وغيره بإسناد صحيح أو حسن، كما في المجموع: ليس في أقل من عشرين دينارا شئ، وفي عشرين نصف دينار.
ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: وفي الرقة ربع العشر.
(قوله: ولا يكمل أحد النقدين بالآخر) أي لا يكمل نصاب أحد النقدين إذا نقص عنه من النقد الآخر، لاختلاف الجنس، كما في الحبوب.
فلو كانت عنده مائة درهم فضة وعشرة مثاقيل من الذهب لا زكاة عليه فيهما، ولا يكمل نقص أحدهما بالآخر.
وعبارة الروض وشرحه: فإن نقص النصاب - ولو بعض حبة، ولو في بعض الموازين - أوراج رواج التام، لم تجب فيه الزكاة، لعموم الأخبار، ولا يكمل نصاب أحدهما بالآخر لاختلاف الجنس، كما لا يكمل التمر بالزبيب.
(قوله: ويكمل كل نوع الخ) يعني أنه يكمل نوع بنوع آخر من جنس واحد، فإذا كان عنده من جنس الذهب مثلا نوعان - كجيد وردئ، أو متوسط - وكل منهما ينقص عن نصاب، كمل أحدهما بالآخر، ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل بأن قلت الأنواع، وإن شق - بأن كثرت - أخذ من الوسط، كما في المعشرات.
(قوله: ويجزئ جيد إلخ) أي يجزئ إخراج نوع جيد عن نوع ردئ بلغ نصابا.
والمراد بالجودة: النعومة ونحوها - كاللين - وبالرداءة: الخشونة ونحوها - كاليبوسة - وإخراج نوع صحيح عن نوع مكسر.
(قوله: بل هو) أي إخراج الجيد عن الردئ، والصحيح عن المكسر، أفضل.
أي لأنه زاد خيرا.
(قوله: لا عكسهما) أي لا يجزئ عكسهما، وهو إخراج(2/172)
الردئ عن الجيد، والمكسر عن الصحيح.
وإذا لم يجزئ ذلك، استرده المالك إن بين عند الدفع أنه عن ذلك المال، وإلا فلا يسترده - كما لو عجل الزكاة فتلف ماله قبل الحول وإذا جاز الاسترداد.
فإن بقي أخذه، وإلا أخذ التفاوت.
فيقوم المخرج بجنس آخر ليأخذ التفاوت منه.
ومحل عدم إجزاء المكسر عن الصحيح إن نقصت قيمته عنه - كما هو الغالب - وإلا اتجه الإجزاء.
كما بحثه في الإيعاب: (قوله: وخرج بالخالص المغشوش) هو المخلوط بما هو أدون منه.
(قوله: فلا زكاة فيه) أي المغشوش.
(قوله: حتى يبلغ خالصه نصابا) أي فحينئذ يخرج قدر الزكاة خالصا أو مغشوشا خالصه قدر
الزكاة، ويكون متطوعا بالنحاس.
(قوله: كما يجب ربع عشر الخ) شروع في بيان زكاة عروض التجارة.
والأصل فيها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم) * قال مجاهد: نزلت في التجارة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته.
والبز بباء موحدة مفتوحة وزاي معجمة مشددة - يطلق على الثياب المعدة للبيع، وعلى السلاح.
قاله الجوهري.
وزكاة العين غير واجبة في الثياب والسلاح، فتعين الحمل على التجارة.
(واعلم) أن لزكاة التجارة شروطا ستة - زيادة على ما مر في زكاة النقدين -.
أحدهما: أن يكون ملك ذلك المال بمعاوضة ولو غير محضة، وذلك لأن المعاوضة قسمان: محضة، وهي ما تفسد بفساد مقابلها، كالبيع والشراء.
وغير محضة، وهي ما لا تفسد بفساد مقابلها كالنكاح.
ثانيها: أن تقترن نية التجارة بحال المعاوضة في صلب العقد أو في مجلسه، وذلك لأن المملوك بالمعاوضة قد يقصد به التجارة، وقد يقصد به غيرها، فلا بد من نية مميزة، إن لم يجددها في كل تصرف بعد الشراء بجميع رأس المال.
ثالثها: أن لا يقصد بالمال القنية، وهي الإمساك للانتفاع.
رابعها: مضي حول من الملك.
خامسها: أن لا ينض جميعه، أي مال التجارة من الجنس، ناقصا عن النصاب في أثناء الحول، فإن نض كذلك ثم اشترى به سلعة للتجارة، فابتداء الحول يكون من الشراء.
سادسها: أن تبلغ قيمته آخر الحول نصابا، وكذا إن بلغته دون نصاب ومعه ما يكمل به، كما لو كان معه مائة درهم فابتاع بخمسين منها وبلغ مال التجارة آخر الحول مائة وخمسين - فيضم لما عنده، وتجب زكاة الجميع.
اه.
ملخصا من البجيرمي.
(وقوله: قيمة العرض) - بفتح العين، وسكون الراء - اسم لكل ما قابل النقدين من صنوف الأموال.
ويطلق أيضا على ما قابل الطول.
وبضم العين ما قابل النصل في السهام.
وبكسرها: محل الذم والمدح من الإنسان.
وبفتح العين والراء معا.
ما قابل الجوهر.
واحترز بقوله قيمة: عن نفس العرض، فلا يجوز إخراج زكاته منه.
(واعلم) أن مال التجارة يقوم آخر الحول بما ملك به إن ملك بنقد ولو في ذمته، فإن ملك بغير نقد - كعرض،
ونكاح، وخلع - فبغالب نقد البلد.
(وقوله: في مال تجارة) متعلق بيجب.
ولا يخفى ما في عبارته من الركاكة.
إذ العرض الذي يجب ربع عشر قيمته هو مال التجارة.
ولو حذف لفظ العرض ولفظة: في - لكان أولى وأخصر.
والتجارة: هي تقليب المال المملوك بالمعاوضة بالنية - كشراء - سواء كان بعرض أم نقد أم دين - حال، أم مؤجل -.
وخرج بذلك ما ملك بغير معاوضة كإرث، فإذا ترك لورثته عروض تجارة لم تجب عليهم زكاتها، وكهبة بلا ثواب.
(قوله: بلغ النصاب في آخر الحول) هذا(2/173)
مكرر مع قوله الآتي: أما زكاة التجارة إلخ، فالأولى: الإقتصار على أحدهما: إما هذا، وحذف ما سيأتي - وهو الأولى - أو حذف هذا، وإثبات ما يأتي.
(قوله: وإن ملكه الخ) غاية في وجوب ربع عشر قيمة العرض.
أي يجب ذلك، وإن اشتراه بأقل من نصاب.
(قوله: ويضم الخ) أي قياسا على النتاج مع الأمهات، ولعسر المحافظة على حول كل زيادة مع اضطراب الأسواق في كل لحظة ارتفاعا وانخفاضا.
وقوله: الربح الحاصل في أثناء الحول، أي بزيادة في نفس العرض كسمن الحيوان، أو بارتفاع الأسواق.
(قوله: إلى الأصل) أي أصل مال التجارة، وهو متعلق بيضم.
(وقوله: في الحول) متعلق بيضم أيضا، أي يضم إليه في الحول، فيكون حول الربح والأصل واحدا، ولا يفرد الربح بحول جديد.
(قوله: إن لم ينض الخ) قيد في الضم.
أي يضم إليه إن لم ينض بما يقوم به بأن لم ينض أصلا، أو نض بغير ما يقوم به.
ومعنى النض: أن يصير ناضا دراهم أو دنانير.
ويفسر بالبيع بالنقد الذي اشترى به تفسيرا باللازم.
قال أبو عبيدة: إنما يسمون النقد ناضا إذا تحول بعد أن كان متاعا، لأنه يقال ما نض منه شئ: أي ما حصل - كما في المصباح.
فلو اشترى عرضا بمائتي درهم، فصارت قيمته في الحول - ولو قبل آخره بلحظة - ثلثمائة، زكاة آخره.
(قوله: أما إذا نض) أي بما يقوم به: بأن اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم، وباعه بعد ستة أشهر بثلثمائة.
(قوله: بأن صار ذهبا أو فضة) تصوير للنض.
وعبارة التحفة مع الأصل: لا إن نض - أي صار ناضا ذهبا أو فضة - من جنس رأس المال النصاب (1) ، وأمسكه إلى آخر الحول، أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل، بل يزكى الأصل بحوله، ويفرد الربح بحول - في الأظهر - ومثله أصله (2) بأن يشتري عرضا بمائتي درهم، ويبيعه بعد ستة أشهر بثلاثمائة ويمسكها إلى تمام الحول، أو يشتري به عرضا يساوي ثلثمائة آخر الحول، فيخرج آخره زكاة مائتين، فإذا مضت ستة أشهر أخرى، أخرج عن المائة، لأن الربح متميز، فاعتبر بنفسه.
فعلم أنه لو نض بغير جنس المال: فكبيع عرض بعرض، فيضم الربح للأصل، وكذا لو كان (3)
رأس المال دون نصاب ثم نض بنصاب وأمسكه تمام حول الشراء.
اه.
بحذف.
(قوله: وأمسكه إلى آخر الحول) أي أو اشترى به عرضا قبل تمامه، فلا يضم إلى الأصل.
(قوله: ويفرد الربح بحول) أي فإذا تم حوله زكاة، ولا يقال إن شرط وجوب الزكاة النصاب، والربح ليس نصابا كاملا.
لأنا نقول إن الإخراج ليس عنه وحده، بقطع النظر عما بيده، بل المعتبر في وجوب الإخراج أن يضمه لما عنده.
اه.
بجيرمي.
(قوله: ويصير عرض التجارة) أي كله أو بعضه إن عينه، وإلا لم يؤثر - على الأوجه اه.
حجر وفي المغني: قال الماوردي: ولو نوى ببعض عرض التجارة ولم يعينه، ففي تأثيره وجهان -: أقربهما - كما قال شيخي - إنه يؤثر، ويرجع في التعيين إليه، وإن قال بعض المتأخرين: أقربهما المنع.
اه.
(وقوله: للقنية) - بكسر القاف، وضمها - الحبس للانتفاع.
قال ع ش: ويصدق في دعواه ذلك - وإن دلت القرينة - على خلاف ما ادعاه.
اه.
وفي التحفة: لو نوى القنية لاستعمال المحرم - كلبس الحرير - فهل تؤثر هذه النية؟ قال المتولي: فيه وجهان: أصلهما أن من عزم على معصية وأصر: هل يأثم أو لا؟ اه.
والظاهر أن مراده بأصر: صمم، لأن التصميم: هو الذي اختلف في أنه هل يوجب الإثم أو لا؟ والذي عليه المحققون أنه يوجبه.
ومع ذلك، الذي يتجه ترجيحه أنه لا أثر لنيته هنا، وإن أثرت ثم.
اه.
(وقوله: بنيتها) أي القنية.
(قوله: فينقطع الخ) مفرع على صيرورة عرض التجارة
__________
(1) (قوله: النصاب) يأتي محترزه.
اه.
سم.
(2) (قوله: ومثله أصله) أي الربح، وهو رأس المال، فلا يضم إلى، بل يفرد بحول والربح بحول آخر، وهذا يغني عنه ما قبله، أه.
مولف.
(3) (قوله: وكذا لو كان الخ) .
قال سم: انظر هذا مع ما في الروض وشرحه - كغيرهما - مما نصه وإذا اشترى عرضا بعشرة من الدنانير وباعه في أثناء الحول بعشرين منها ولم يشتر بها عرضا، زكى كلا من العشرتين لحوله بحكم الخلط إلخ، فإنه دل على أنه لا ضم هنا.
فليراجع.
اه.
مولف(2/174)
للقنية، أي وإذا انقطع احتاج إلى تجديد قصد مقارن للتصرف.
اه.
تحفة.
(قوله: لا عكسه) معطوف على عرض التجارة، أي لا يصير عرض القنية للتجارة بنية التجارة، لأن القنية: الحبس للانتفاع، والنية محصلة له.
والتجارة: التقليب بقصد الأرباح، والنية لا تحصله.
(قوله: لا يكفر منكر وجوب زكاة التجارة) أي كما لا يكفر منكر زكاة الثمار والزروع في الأرض الخراجية، والزكاة في مال غير المكلف، وذلك لاختلاف العلماء في وجوبها، ولا يكفر إلا منكر الزكاة المجمع عليها - كما مر.
(قوله: للخلاف فيه) أي في وجوب زكاة مال التجارة، أي لأن الإمام أبا حنيفة لا يقول
بوجوب زكاة مال التجارة.
(قوله: وشرط لوجوب الزكاة إلخ) أي زيادة على ما مر من الشروط، وهذا الشرط متضمن لأمرين: الحول، والنصاب.
ولو قال: وشرط حول، ووجود نصاب من أول الحول إلى آخره.
لكان أولى.
(قوله: لا التجارة) أي لا مال التجارة، وإن ملك بأحد النقدين وكان التقويم به.
(قوله: تمام نصاب) أي نصاب تام، فالإضافة من إضافة الصفة للموصوف.
(وقوله: لهما) أي الذهب والفضة.
(وقوله: كل الحول) ظرف متعلق بتمام.
(قوله: بأن لا ينقص إلخ) تصوير لتمام النصاب في كل الحول.
(وقوله: المال) المراد به الذهب والفضة.
ولو قال بان لا ينقصا - بألف التثنية العائدة إليهما - لكان أولى، إذ المقام للإضمار.
(وقوله: عنه) أي النصاب.
(قوله: أما زكاة التجارة) محترز قوله لا التجارة.
(قوله: فلا يشترط فيها) أي في زكاة التجارة.
(وقوله: تمامه) أي النصاب.
(وقوله: لا آخره) أي الحول - أي لا جميعه، ولا طرفيه.
وذلك لأن الاعتبار فيها بالقيمة، ويعسر مراعاة القيمة كل وقت، لاضطراب الأسعار انخفاضا وارتفاعا.
(وقوله: لأنه حالة الوجوب) تعليل لاعتباره آخر الحول، أي وإنما اعتبر آخر الحول لأنه وقت الوجوب.
فلو تم الحول وقيمة العرض دون النصاب وليس معه يكمله به من جنس ما يقوم به، فلا تجب الزكاة فيه.
ومحل اعتبار آخر الحول: إن لم ترد عروض التجارة في أثناء الحول إلى نقد تقوم به، بأن بقيت عنده، أو بيعت بعرض آخر، أو بيعت بنقد لا تقوم به، فإن ردت في أثنائه إلى النقد المذكور - فإن كان نصابا دام الحول، وإن نقص عن النصاب انقطع الحول، لتحقق نقص النصاب حينئذ.
فلو اشترى عرضا آخر بعد ذلك ابتدئ حول جديد من حين شرائه.
(قوله: وينقطع الحول) أي حول زكاة الذهب والفضة، لا التجارة، بدليل قوله بمعاوضة، فإن هذا لا يأتي فيها - كما ستعرفه.
وأما زكاة التجارة فقد بين أنها ينقطع حولها بنية القنية، ويعلم بالأولى انقطاعه بزوال الملك بغير المعاوضة.
ولو أخر هذا وذكره بعد بيان زكاة الماشية، لكان أولى.
إذ ما ذكره له تعلق بكل ما سيأتي.
وعبارة الإرشاد مع شرحه: وينقطع حول تجارة بنية قنية وينقطع حول غيرها - وهو زكاة العين - يتخلل زوال ملك في أثناء الحول بمعاوضة أو غيرها.
اه.
(قوله: بتخلل زوال ملك أثناءه) أي الحول.
(وقوله: بمعاوضة) أي في غير التجارة، أما هي: فلا تضر فيها المعاوضة أثناء الحول.
(وقوله: أو غيرها) أي غير المعاوضة - كهبة بلا ثواب، أو موت فلو زال ملكه كله أو بعضه في الحول ببيع أو غيره انقطع الحول، فلو عاد بشراء أو غيره استأنف الحول، لانقطاع الأول بما فعله، فصار ملكا جديدا، فلا بد له من حول جديد.
ولو مات المالك في أثناء الحول استأنف الوارث حوله من وقت الموت.
(قوله: نعم، لو ملك نصابا الخ) استدراك على انقطاع الحول بتخلل زوال الملك، وهو استدراك صوري - كما تفيده العلة.
(قوله: لم ينقطع الحول) أي
بل يبني على ما مضى من الستة أشهر.
قال في فتح الجواد: صرح به الشيخ أبو حامد وجعله أصلا مقيسا عليه.
وجزم به الرافعي في زكاة التجارة أثناء تعليل، وتبعوه.
ونظر فيه البلقيني ثم أجاب بأنا لما بنينا مع حصول بدل مخالف - وهو العرض - فلأن نبني مع حصول بدل موافق - وهو بدل العرض - أولى.
قال: ولا يخرج هذا على مبادلة النقود لعدم القصد إليها في القرض، وإنما القصد به الإرفاق.
اه.
وبه يتضح الرد على من زعم أن ذلك مفرع على الضعيف أن الزكاة تجب(2/175)
على الصيارفة.
اه.
بحذفه.
(وقوله: الرد على من زعم إلخ) في حاشية ش ق ما يوافق من زعم ذلك، ونص عبارته: قوله: نعم الخ - هذا استدراك مبني على ضعيف، والمعتمد وجوب الاستئناف في حق كل من المقترض والمقرض، أما الأول فظاهر، لأن النصاب لم يدخله في ملكه إلا بقبضه، وإن لم يتصرف فيه.
وأما الثاني، فلأنه خرج عن ملكه بالقرض.
فتجب عليه الزكاة إذا تم الحول من القرض، بمعنى أنها تستقر في ذمته، ولا يجب الإخراج إلا إذا وجب له النصاب.
اه.
بتصرف.
(قوله: فإن كان) أي المقترض مليا، أي موسرا.
(وقوله: أو عاد) أي النصاب إليه، أي المقرض، فإن لم يكن مليا ولم يعد إليه النصاب استقرت الزكاة في ذمته حتى يعود.
(قوله: أخرج الزكاة آخر الحول) فاعل الفعل يعود على القرض، فالزكاة في المال الذي أقرضه واجبة عليه، لأن ملكه لم يزل بالقرض رأسا، لأنه بقي بدله في ذمة المقترض، وكذلك تجب على المقترض إذا بقي ما اقترضه عنده حولا كاملا من القرض.
(قوله: لأن الملك الخ) تعليل لعدم انقطاع الحول.
(وقوله: لثبوت بدله) أي النصاب المقرض.
(قوله: وكره أن يزيل ملكه) أي تنزيها، وقيل تحريما، وأطالوا في الإنتصار له.
اه.
فتح الجواد.
(قوله: ببيع) متعلق بيزيل.
(قوله: أو مبادلة) أي من جنس واحد كذهب بذهب، أو من جنس آخر كذهب بفضة.
(قوله: عما تجب فيه الزكاة) متعلق بيزيل، أي يزيل ملكه عن المال الذي تجب فيه الزكاة.
(قوله: لحيلة) متعلق بكره، واللام للتعليل، أي وكره ذلك إذا كان لأجل الحيلة.
(قوله: بأن يقصد) تصوير لزوال الملك للحيلة.
(قوله: لأنه) أي زوال الملك بهذا القصد، وهو تعليل للكراهة.
(قوله: وفي الوجيز يحرم) أي زوال الملك بقصد الفرار.
(قوله: ولا يبرئ الذمة) أي زوال ملكه عنه لحيلة لا يبرئ ذمته عن الزكاة باطنا، فتتعلق بذمته فيه.
وعبارة المغنى: وقال في الوجيز: يحرم إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة، وزاد في الإحياء: أنه لا تبرأ الذمة في الباطن، وأن أبا يوسف كان يفعله.
ثم قال: والعلم علمان: ضار ونافع.
قال: وهذا من العلم الضار.
اه.
(قوله: بقصده) أي قصده بزوال الملك دفع وجوب الزكاة - يعني إذا قصد بزوال الملك عما تعلقت به الزكاة الدفع المذكور: أثم -
أي من جهة قصده ذلك، وأما نفس الفعل: فهو جائز، لا يتعلق به إثم.
(قوله: أما لو قصده الخ) محترز قوله لحيلة.
(قوله: بل لحاجة) أي قصد زوال الملك لحاجة، أي ضرورة، كاحيتاجه إلى بيع ما تعلقت به الزكاة لينتفع بثمنه.
(قوله: أولها وللفرار) أي أو قصد ذلك للحاجة وللفرار معا.
قال في المغنى.
فإن قيل يشكل عدم الكراهة فيما إذا كان للحاجة، وللفرار بما إذا اتخذ ضبة صغيرة لزينة وحاجة فإنه يكره.
أجيب بأن الضبة فيها اتخاذ، فقوى المنع، بخلاف إزالة الملك، فإن فيها ترك اتخاذ.
اه.
بتصرف.
(قوله: تنبيه إلخ) هو مما شمله قوله وينقطع بتخلل زوال ملك.
(قوله: لا زكاة على صيرفي) أي لتخلل زوال الملك أثناء الحول.
(قوله: بادل إلخ) وكلما بادل استأنف الحول، ولذلك قال ابن سريج بشر الصيارفة أن لا زكاة عليهم.
(قوله: ولو للتجارة) أي ولو كانت المبادلة - أي المعاوضة - بقصد التجارة فإنه لا زكاة عليه.
قال في التحفة: لأن التجارة في النقدين ضعيفة نادرة بالنسبة لغيرهما، والزكاة الواجبة زكاة عين، فغلبت وأثر فيها انقطاع الحول.
اه.
(وقوله: بما في يده) هو وما قبله متعلقان ببادل.
(قوله: من النقد) بيان لما.
(وقوله: غيره) مفعول بادل، أي بادل شخصا غيره.
(وقوله: من جنسه) أي كذهب بذهب، أو فضة بفضة.
(وقوله: أو غيره) أي غير جنسه، بأن لا يكون كذلك، كذهب بفضة، أو عكسه.
(قوله: وكذا لا زكاة على وارث إلخ) أي لتخلل زوال الملك(2/176)
أيضا، وانتقاله من المورث للوارث فلا بد من نية من الوارث مقرونة بتصرف، كبيع وغيره.
(قوله: فحينئذ إلخ) أي فحين إذ تصرف الوارث فيها بنية التجارة يستأنف الحول، فابتداؤه من حين التصرف المقرون بالنية، لا من الموت، بخلاف غير عروض التجارة، فإنه يستأنف الحول فيها من الموت، لأنها غير محتاجة إلى نية.
(قوله: ولا زكاة في حلي مباح) أي إن علمه.
فإن لم يعلمه، بأن ورثه ولم يعلمه حتى مضى حول، فتجب زكاته، لأنه لم ينو إمساكه لاستعمال مباح.
وخرج بقوله مباح: غيره، وهو المحرم: كحلي النساء اتخذه الرجل ليلبسه، وبالعكس - كما في السيف والمنطقة - فتجب الزكاة فيه.
ومنه الميل للمرأة وغيرها، إلا إن اتخذه شخص من ذهب أو فضة لجلاء عينه، فهو مباح فلا زكاة فيه.
والمكروه: كضبة فضة كبيرة لحاجة، وصغيرة لزينة.
قال في النهاية: ولو اتخذه لاستعمال محرم فاستعمله في المباح في وقت، وجبت فيه الزكاة، وإن عكس، ففي الوجوب احتمالان، أو جههما عدمه، نظرا لقصد الابتداء.
فإن طرأ قصد محرم ابتدأ لها حولا من وقته، ولو اتخذه لهما وجبت قطعا.
اه.
وعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح مذهبنا، وكذا عند مالك، ورواية مختارة عن أحمد.
وأما عند أبي حنيفة فتجب الزكاة في الحلي مطلقا، أي سواء كان لرجل أو امرأة.
(قوله: ولو
اتخذه الرجل الخ) غاية في عدم وجوب الزكاة في الحلي يعني لا زكاة في؟ حلي مباح، سواء اتخذه امرأة أو رجل لم يقصد شيئا، لا لبسا ولا غيره.
ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه، أن الزكاة إنما تجب في مال نام، والنقد غير نام، وإنما ألحق بالنامي لتهيئه للإخراج، وبالصياغة بطل تهيؤه له.
(وقوله: أو غيره) معطوف على لبس.
أي أو بلا قصد غير اللبس.
(قوله: واتخذه لإجارة الخ) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا ثانية، أي ولا زكاة فيه، ولو اتخذه لإجارة أو إعارة لمن يجوز له استعماله، وهو المرأة.
ووجه عدم وجوب الزكاة في هذه أنه صار معدا لاستعمال مباح، فأشبه العوامل من النعم.
(قوله: إلا إذا اتخذه بنية كنز) أي بأن اتخذه ليدخره ولا يستعمله، لا في محرم ولا غيره، كما لو دخره ليبيعه عند الاحتياج إلى ثمنه.
ولا فرق في هذه الصورة بين الرجل والمرأة.
والفرق بينها وبين صورة ما لو لم يقصد شيئا أصلا - لم تجب فيها الزكاة - أن قصد الكنز صارف لهيئة الصياغة عن الاستعمال، فصار مستغنى عنه - كالدراهم المضروبة.
(قوله: فتجب الزكاة فيه) مفرع على ما بعد إلا.
(قوله: (فرع) الأولى: فروع - بالجمع.
(قوله: يجوز للرجل) ومثله الخنثى، بل أولى.
(قوله: بخاتم فضة) وهو الذي يلبس في الإصبع، سواء ختم به الكتب أو لا، وأما ما يتخذ لختم الكتب من غير أن يصلح لأن يلبس فلا يجوز اتخاذه من ذهب ولا فضة.
ومثل خاتم الفضة: خاتم حديد، أو نحاس، أو رصاص، لخبر الصحيحين: التمس ولو خاتما من حديد.
وفي سنن أبي داود: كان خاتمه - صلى الله عليه وسلم - من حديد، عليه فضة.
وأما خبر: مالي أرى عليك حلية أهل النار لرجل وجده لابسا خاتم حديد، فهو ضعيف.
(قوله: بل يسن) إضراب انتقالي، ولو قال من أول الأمر: سن للرجل تختم الخ.
لكان أخصر.
(قوله: في خنصر يمينه) متعلق بيسن، ويصح تعلقه بيجوز.
وخرج بالخنصر: غيره، فيكره وضع الخاتم فيه.
وقيل يحرم.
وعبارة شرح الروض بعد كلام: لو تختم في غير الخنصر - ففي حله وجهان قال الأذرعي قلت: أصحهما التحريم، للنهي عنه، ولما فيه من التشبيه بالنساء.
اه.
والذي في شرح مسلم عدم التحريم، فعنه: والسنة للرجل جعل خاتمه في الخنصر، لأنه أبعد من الامتهان فيما يتعاطى باليد، لكونه طرف، ولأنه لا يشغل اليد عما تتناوله من أشغالها، بخلاف غير الخنصر.
ويكره له جعله في الوسطى والسبابة، للحديث، وهي كراهة تنزيه.
اه.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية التختم بخاتم الفضة، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من فضة.
(قوله: ولبسه في اليمين أفضل) أي ولبس الخاتم في خنصر اليمين أفضل من لبسه في خنصره اليسار.
(وسئل) ابن حجر: هل الأفضل لبس الخاتم باليمين أو اليسار؟ (فأجاب) بقوله: ورد في أحاديث إيثار اليمين، وفي أخرى إيثار اليسار، وقد بينتها وما يتعلق بها في شرح الشمايل للترمذي.(2/177)
(والحاصل) أن الأفضل عندنا لبسه في اليمين، للحديث الصحيح: كان يحب التيامن في شأنه كله أي مما هو من باب التكريم.
ولا شك أن في التختم تكريما أي تكريم، فيكون في اليمين.
واعترض بعض الناس قول مالك - رضي الله عنه - يكره في اليمين ويكون في اليسار فإنه يلزم (1) عليه الاستنجاء بالخاتم، مع أن أكثر الخواتيم فيا نقش القرآن والأذكار إلخ.
اه.
من الفتاوي.
(قوله: من وجوب نقصه) أي الخاتم، وهو بيان لما.
(قوله: للنهي عن اتخاذه مثقالا) أي في صحيح ابن حبان وسنن أبي داود، عن أبي هريرة، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للابس الخاتم الحديد: ما لي أرى عليك حلية أهل النار؟ فطرحه، فقال: يا رسول الله: من أي شئ أتخذه؟ قال: اتخذه من ورق، ولا تتمه مثقالا.
(قوله: وسنده) أي الحديث المتضمن للنهي.
(وقوله: حسن) عبارة النهاية: والخبر المذكور ضعفه المصنف في شرحي المهذب ومسلم.
وقال النيسابوري: إنه منكر.
واستغر به الترمذي، وإن صححه ابن حبان وحسنه ابن حجر.
اه.
(قوله: فالأوجه أنه) الضمير يعود على الخاتم المباح.
أي مقداره بدليل الاستدراك بعده، ولولاه لصح رجوعه للمنهي عنه.
(وقوله: لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بمثقال) المناسب أن يقول لا يضبط بأقل من مثقال ولا بأكثر.
(قوله: بل بما لا يعد إسرافا عرفا) أي بل يضبط مقداره بما لا يعد إسرافا في العرف، فما عده العرف إسرافا حرم سواء كان مثقالا، أو أقل، أو أكثر، وإلا فلا.
(قوله: قال شيخنا وعليه) أي على الضبط المذكور.
(وقوله: فالعبرة بعرف أمثال اللابس) أي في البلد التي هو فيها.
وعبارة المغنى: وهو - أي العرف - عرف تلك البلد، وعادة أمثاله فيها، فما خرج عن ذلك كان إسرافا - كما قالوه في خلخال المرأة -.
اه.
قال الكردي وفي الإمداد: ينبغي أن العرف لو اختلف باختلاف المحال أو الحرف ونحوهما، يقيد أهل كل محل أو حرفة بعرفة، وحينئذ لو انتقل بعض أهل بلد اعتيد أن خاتمهم مثقالان إلى بلد اعتيد فيها مثقال فقط، فهل العبرة ببلد المنتقل أو بلد المنتقل إليه؟ ثم ذكر ما يفيد أنه متردد في ذلك.
اه.
(قوله: ولا يجوز تعدده) أي الخاتم لبسا، أما اتخاذا ليلبس واحدا بعد واحد فجائز.
كما صرح به في التحفة، وعبارتها: وأل في الخاتم للجنس، فيصدق بقوله في الروضة وأصلها: لو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة ليلبس الواحد منها بعد الواحد جاز.
وظاهره جواز الاتخاذ، لا اللبس.
واعتمده المحب الطبري، لكن صوب الأسنوي جواز اتخاذ خاتمين فأكثر ليلبسها كلها معا.
ونقله عن الدرامي وغيره، ومنع الصيدلاني أن يتخذ في كل يد زوجا.
وقضيته: حل زوج بيد، وفرد بأخرى.
وبه صرح
الخوارزمي.
والذي يتجه اعتماده كلام الروضة الظاهرة في حرمة التعدد مطلقا، لأن الأصل في الفضة التحريم على الرجل، إلا ما صح الإذن فيه، ولم يصح في الأكثر من الواحد.
ثم رأيت المحب علل بذلك، وهو ظاهر جلي، على أن التعدد صار شعارا للحمقاء والنساء، فليحرم من هذه الجهة، حتى عند الدارمي وغيره.
اه.
(وقوله: خلافا لجمع، حيث لم يعد إسرافا) أي خلافا لجمع جوزوا التعدد حيث لم يعد إسرافا.
فحيث: متعلقة بمحذوف، ويجوز تعلقها بخلافا.
وممن اعتمد جواز التعدد حينئذ: الخطيب في مغنيه، وعبارته: وتوحيد المصنف - رحمه الله - الخاتم وجمع ما بعده: قد يشعر بامتناع التعدد، اتخاذا ولبسا، وهو خلاف ما في المحرر.
والذي ينبغي اعتماده: ما أفاده شيخي من أنه جائز، ما لم يؤد إلى سرف.
اه.
بحذف.
ومثله في النهاية.
(قوله: وتحليته) مصدر مضاف إلى فاعله العائد على الرجل، معطوف على تختم، أي ويجوز للرجل أن يحلي آلة حرب، أي وإن كانت عند من لم يحارب، لأن إغاظة الكفار -
__________
(1) (قوله: يلزم إلخ) ممنوع للتصريح بندب تحويله إلى اليمين عند إرادة الاستنجاء.
انتهى.(2/178)
ولو ممن بدارنا - حاصلة مطلقا.
وخرج بالرجل: غيره - من امرأة وخنثى - فلا يجوز له تحليلته آلة حرب بذهب ولا فضة، وإن جاز له المحاربة بآلتها وبآلة حرب أوعيتها: كالقراب، وغمد السيف، فلا يجوز تحليتها.
وقال سم: يحتمل أن غلاف السيف كهو، والتحلية جعل عين النقد في محال متفرقة مع الإحكام حتى تصير كالجزء، ولا مكان فصلها مع عدم ذهاب شئ من عينها فارقت التمويه الآتي أنه حرام.
(قوله: كسيف إلخ) أمثلة لألة الحرب.
(قوله: وترس) بضم فسكون، المسمى بالدرقة، وتتخذ من حديد وجلد ونحوهما، ليتقى بها المحارب سهام العدو.
(قوله: ومنطقة) بكسر الميم.
(قوله: وهي) أي المنطقة.
(وقوله: ما يشد بها الوسط) أي كالسبتة، وتسمى الآن بالحياصة، وجعلها من آلة الحرب لأنها تنفع فيه من حيث كونها تمنع وصول السهم للبدن، فالمراد بالآلة - فيما مر - كل ما ينفع في الحرب - كذا في البجيرمي.
(قوله: وسكين الحرب) أي التي تتخذ للحرب، كالجردة.
(قوله: دون سكين المهنة) أي دون السكين التي تتخذ للمهنة - أي الخدمة - كقطع اللحم وغيره.
فلا يجوز تحليتها.
(قوله: والمقلمة) هي بكسر الميم، وعاء الأقلام، ثم إنه يحتمل أنه معطوف على سكين المهنة أي ودون المقلمة.
ويحتمل عطفه على المهنة فيصير لفظ سكين مسلطا عليه، أي ودون سكين المقلمة، وهو المقشط - كما نص عليه البجيرمي -.
ويرد على هذا أن ع ش جعل من سكين المهنة المقشط، إلا أن يكون من ذكر الخاص بعد العام.
وعبارة المغني: وأما سكين المهنة والمقلمة فيحرم تحليتهما
على الرجل وغيره، كما يحرم عليهما تحلية المرآة والدواة.
اه.
وهي تؤيد الاحتمال الأول.
(قوله: بفضة) متعلق بتحلية.
(قوله: بلا سرف) متعلق بيجوز المقدر، أو بتحلية.
أما التحلية مع السرف فتحرم، لما فيه من زيادة الخيلاء.
(فائدة) السرف مجاوزة الحد، ويقال في النفقة: التبذير، وهو الإنفاق في غير حق.
فالمسرف: المنفق في معصية، وإن قل إنفاقه.
وغيره: المنفق في الطاعة، وإن أفرط.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في الحلال إسراف، وإنما السرف في ارتكاب المعاصي.
قال الحسن بن سهل: لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف.
وقال سفيان الثوري: الحلال لا يحتمل السرف.
وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته: ما نفقتك؟ قال الحسنة بين السيئتين ثم تلا قوله تعالى: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا) (1) * الآية.
اه.
(قوله: لأن في ذلك) أي ما ذكر من تحلية آلة الحرب، وهو تعليل للجواز.
(وقوله: إرهابا للكفار) أي وإغاظة لهم.
(قوله: لا بذهب) معطوف على بفضة، وهو تصريحك بالمفهوم، أي لا يجوز له التحلية بذهب.
(قوله: والخبر المبيح له) أي للذهب، أي التحلية به.
وذلك الخبر هو أن سيفه - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح كان عليه ذهب وفضة.
(وقوله: ضعفه ابن القطان الخ) عبارة التحفة: وخبر أن سيفه - صلى الله عليه وسلم - الخ: يحتمل أنه تمويه يسير بغير فعله - صلى الله عليه وسلم - قبل ملكه له، ووقائع الأحوال الفعلية تسقط بمثل هذا، على أن تحسين الترمذي له معارض بتضعيف ابن القطان.
اه.
(قوله: وتحليته مصحفا) معطوف على تختم أيضا، أي ويجوز تحلية الرجل - وكذا غيره - مصحفا.
قال سم: وينبغي كما قاله الزركشي: إلحاق اللوح المعد لكتابة القرآن بالمصحف في ذلك.
اه.
شرح الرملي.
أقول: ينبغي إلحاق التفسير - حيث حرم مسه - بالمصحف، بل على قول الشارح - يعني ما فيه قرآن - لا فرق.
اه.
(قوله: أي ما فيه القرآن) تفسير مراد للمصحف، أي أن المراد به كل ما فيه قرآن، سواء كان كله أو بعضه.
(وقوله: ولو للتبرك) أي ولو كانت كتابة القرآن بقصد التبرك، كالتمائم، فإنه يجوز تحليته، فلا يشترط أن تكون للدراسة.
(قوله: كغلافه) أي كتحلية غلاف المصحف، أي ظرفه المعد له، فإنها جائزة.
وفي البجيرمي: وكذا كيسه، وعلاقته، وخيطه، لا كرسيه.
اه.
(قوله: بفضة) متعلق بتحلية.
__________
(1) الفرقان: 67(2/179)
(قوله: وللمرأة تحليته بذهب) يعني أنه يجوز للمرأة تحلية المصحف بذهب، لعموم خبر أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها.
والطفل كالمرأة.
وأما الخنثى فليس هنا مثلها.
بل مثل الرجل، فيحرم عليه ذلك.
(قوله: إكراما فيهما) أي في التحلية بفضة من الرجل، وفي التحلية بذهب من المرأة، وهو علة الجواز.
(قوله: وكتبه بالذهب
حسن) المناسب ذكره بعد قوله: والتمويه حرام مطلقا، ويجعله كالاستثناء منه، وذلك لأنه الكتابة بالذهب إنما تكون بالتمويه، وإنما جازت كتابة حروف القرآن به، وحرم في المكتوب عليه القرآن ونحوه كجلده، للفرق بينهما، بأنه يغتفر في إكرام حروف القرآن ما لا يغتفر في نحو ورقه وجلده، على أنه لا يتأتى إكرامها إلا بذلك، فكان مضطرا إليه، بخلاف غيرها، فإنه يمكن إكرامه بالتحلية، فلم يحتج للتمويه فيه رأسا.
(قوله: لا تحلية الخ) معطوف على وتحليته مصحفا، وهو مفهومه، أي لا يجوز تحلية كتاب غير المصحف.
وعبارة المغني: واخترز المصنف بتحلية المصحف على تحلية الكتب، فلا يجوز تحليتها على المشهور.
قال في الذخائر: سواء فيه كتب الحديث وغيرها.
ولو حلي المسجد أو الكعبة أو قناديلها بذهب أو فضة حرم، لأنها ليست في معنى المصحف، ولأن ذلك لم ينقل عن السلف، فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، إلا ما استثنى.
اه.
(وقوله: ولو بفضة) غاية في عدم الجواز، أي لا تجوز تحلية كتاب غيره، ولو كانت بفضة.
(قوله: والتمويه حرام) أي فعل التمويه حرام.
(وقوله: مطلقا) أي سواء كان في آلة الحرب أو المصحف أو غيرهما، وسواء كان للمرأة أو للرجل بذهب أو فضة، وسواء حصل منه شئ بالعرض على النار أم لا.
(فإن قلت) لم حرم بالنسبة للمصحف ونحو غلافه، مع أن العلة في جواز التحلية الإكرام وهو حاصل بكل؟ (قلت) لكنه في التحلية لم يخلفه محظور، بخلافه في التمويه، لما في من إضاعة المال، وإن حصل منه شئ.
(قوله: ثم إن حصل منه) أي التمويه بمعنى المموه، وأفاد كلامه أن حرمة التمويه مطلقا بالنسبة لأصل الفعل، وأما بالنظر للاستدامة فإن حصل منه شئ بالعرض على النار حرمت، وإلا فلا، وعبارة سم - في مبحث الآنية - قال في شرح العباب: وبما تقرر - من أن التفصيل إنما هو في الاستدامة، وأن الفعل حرام مطلقا - يجمع بين ما قاله الشيخان هنا من حل المموه بما لا يحصل منه شئ وما قاله النووي في الزكاة واللباس واقتضاه كلام الرافعي من تحريمه.
اه.
(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يحصل منه شئ بالعرض فلا تحرم استدامته.
(قوله: وإن اتصل بالبدن) أي لا تحرم استدامته، وإن اتصل المموه بالبدن.
(قوله: خلافا لجمع) مرتبط بقوله والتمويه حرام.
أي خلافا لجمع نازعوا في حرمة التمويه مطلقا وجوزوه في نحو المصحف.
وعبارة سم: قوله حرمة التمويه هنا: الوجه عدم الحرمة، وإضاعة المال لغرض، جائزة.
م ر.
اه.
وقوله: هنا: أي بالنسبة للمصحف.
(قوله: ويحل الذهب والفضة) أي لبسهما، للحديث المار بالنسبة للمرأة، ولأن الصبي ليس له شهامة تنافي خنوثة الذهب والفضة، بخلاف الرجل.
اه.
شرح الروض.
(قوله: إجماعا) أي يحل ذلك بالإجماع.
(قوله: في نحو السوار) متعلق بمحذوف حال من فاعل يحل، أي ويحلان حال كونهما متخذين في نحو السوار كالخاتم بالإجماع.
(واعلم) أن هذه الظرفية - كالتي بعدها - لا تخلو عن شئ، فكان الأولى والأخصر أن يقول: ويحل نحو سوار من الذهب والفضة، إجماعا، والمنسوج بهما على الأصح.
فتنبه.
(قوله: والخلخال) بفتح فسكون، كبلبال: حلي يلبس في الساق.
(قوله: والنعل) مثله القبقاب.
(قوله: والطوق) هو الذي يلبس في العنق.
(قوله: وعلى الأصح) معطوف على قوله إجماعا.
أي ويحلان حال كونهما متخذين في المنسوج.
بهما من الثياب على الأصح، لأن ذلك من جنس الحلي.
وخرج بقولي من الثياب: الفرش - كالسجادة المنسوجة بهما - فتحرم، لأنها لا تدعو للجماع، كالملبوس.
(قوله: ويحل لهن) أي للنسوة، والأولى لهما - أي للمرأة والصبي - لتقدم ذكرهما.
(وقوله: التاج) هو ما يلبس على الرأس، وكان من(2/180)
الذهب أو الفضة.
(قوله: وإن لم يعتدنه) أي وإن لم تعتد النسوة لبسه، فإنه يحل لهن.
وعبارة الروض وشرحه.
وكذا يحل لهن التاج إن تعودنه، وإلا فهو لباس عظماء الفرس، فيحرم.
وكأن معناه أنه يختلف بعادة أهل النواحي، فحيث اعتدنه جاز، وحيث لم يعتدنه لا يجوز، حذرا من التشبه بالرجال.
وذكر مثله في المجموع هنا وقال فيه - في باب ما يجوز لبسه - والمختار، بل الصواب، حله مطلقا، بلا ترديد، لعموم الخبر، ولدخوله في اسم الحلي.
اه.
(قوله: وقلادة) معطوف على التاج، أي ويحل لهن قلادة.
(قوله: فيها دنانير معراة) هي التي تجعل لها عرى من ذهب أو فضة، وتعلق بها في خيط كالسبحة، فإنها لا زكاة فيها - كما سيذكره - لأنها صرفت بذلك عن جهة النقد إلى جهة أخرى.
(وقوله: قطعا) أي بلا خلاف.
(قوله: وكذا مثقوبة) أي ومثل المعراة في الحل: المثقوبة.
قال في التحفة بعده على الأصح في المجموع لدخولها في اسم الحلي، وبه رد الأسنوي وغيره ما في الروضة وغيرها من التحريم، بل زعم الأسنوي أنه غلط، لكنه غلط فيه.
ومما يؤيد غلطه قوله: تجب زكاتها لبقاء نقديتها، لأنها لم تخرج بالثقب، عنها.
اه.
والوجه أنه لا زكاة فيها، لما تقرر أنها من جملة الحلي، إلا إن قيل بكراهتها، وهو القياس، لقوة الخلاف في تحريمها.
اه.
وقال سم: اعتمد م ر ما في الروضة - أي من التحريم - اه.
(قوله: ولا تجب الزكاة فيها) أي في المذكورات من السوار والخلخال وغيرهما.
وفي بعض نسخ الخط فيهما - بالتثنيه - فيكون راجعا للدنانير المعراة والمثقوبة.
(قوله: أما مع السرف الخ) محترز قوله بلا سرف.
وقال ع ش: المراد بالسرف في حق المرأة أن تفعله على مقدار لا يعد مثله زينة.
اه.
والفرق بين الإسراف والتبذير.
أن الأول هو صرف الشئ فيما ينبغي زائدا على ما ينبغي، والثاني: صرف الشئ فيما لا ينبغي - كما قاله الكرماني على البخاري.
اه.
وقد تقدم في فائدة كلام أبسط مما هنا.
(قوله: فلا يحل شئ من
ذلك) أي مما ذكر من نحو السوار وما بعده.
(قوله: كخلخال إلخ) تمثيل للسرف.
(وقوله: وزن مجموع فرديته) أي لاحداهما فقط، خلافا لمن وهم فيه.
(قوله: مائتا مثقال) قال في التحفة: لم يرتض الأذرعي التقييد بالمائتين، بل اعتبر العادة، فقد تزيد وقد تنقص.
وبحث غيره أن السرف في خلخال الفضة أن يبلغ ألفي مثقال، وهو بعيد، بل ينبغي الاكتفاء فيه بمائتي مثقال كالذهب.
اه.
(قوله: فتجب الزكاة فيه) أي في الخلخال جميعه، لا قدر السرف فقط.
(تتمة) لم يتعرض لبيان زكاة المعدن والركاز.
وحاصل ذلك أن ما استخرج من معادن الذهب أو الفضة يخرج منه إن بلغ نصابا بأربع العشر، لعموم خبر وفي الرقة ربع العشر.
ولخبر الحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ من المعادن القبلية الصدقة.
ولا يعتبر فيه االحول، بل يخرج حالا، لأنه إنما يعتبر للتمكن من تنمية المال، والمستخرج من معدن نماء في نفسه، وإنما اعتبر النصاب لأن ما دونه لا يحتمل المواساة - كما في سائر الأموال الزكوية - وما يوجد من الركاز - وهو دفين الجاهلية - ففيه الخمس إن بلغ نصابا، ولا يعتبر الحول فيه، بل يخرج حالا، كزكاة المعدن، ويصرف الخمس وربع العشر في القسمين مصرف الزكاة - على المعتمد.
(قوله: وتجب الخ) لما أنهى الكلام على ما يتعلق بزكاة النقدين والتجارة، شرع يتكلم على ما يتعلق بزكاة القوت، والأصل فيها قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (1) وقوله تعالى: * (أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض) * (2) فأوجب الإنفاق مما أخرجته الأرض، وهو الزكاة، لأنه لا حق فيما أخرجته غيرها.
(قوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين.
(قوله: في قوت) أي مقتات، وهو ما يقوم به البدن غالبا، لأن الاقتيات ضروري للحياة، فأوجب الشارع منه شيئا لأرباب الضرورات.
وخرج به ما يؤكل تداويا، أو تنعما، أو تأدما كالزيتون، والزعفران، والورس، والخوخ، والمشمش، والتين، والجوز، واللوز، والتفاح - فلا تجب الزكاة في شئ منها، لأنها لا تستعمل للاقتيات.
(وقوله: اختياري) أي يقتات في حالة الاختيار.
وخرج به ما يقتات في حالة الاضطرار - كحب حنظل،
__________
(1) الانعام: 141.
(2) البقرة: 267(2/181)
وغاسول، وترمس - فلا تجب الزكاة في شئ منها.
(قوله: من حبوب) بيان لقوت.
(قوله: كبير إلخ) تمثيل للقوت من الحبوب، وذكر ثمانية أمثلة.
والبر - بضم الموحدة - ويقال له قمح.
وحنظلة: كانت الحبة منه - حين نزل من الجنة - قدر بيضة النعامة، وألين من الزبد، وأطيب من رائحة المسك، ثم صغرت في زمن فرعون، فصارت الحبة قدر بيضة
الدجاجة، ثم صغرت حين قتل يحيى بن زكريا، فصارت قدر بيضة الحمامة، ثم صغرت فصارت قدر البندقة، ثم قدر الحمصة، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن.
فنسأل الله أن لا تصغر عنه.
نقله ش ق عن الأجهوري.
ومثل البر: اللوبياء، والجلبان، والماش - وهو نوع من الجلبان - وإنما وجبت الزكاة في جميع ذلك لورود بعضها في الأخبار، وألحق به الباقي.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حين بعثهما إلى اليمن: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والتمر، والزبيب.
فالحصر فيه إضافي، أي بالنسبة إلى ما كان موجود عندهم، لخبر الحاكم، وقال صحيح الإسناد عن معاذ أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: فيما سقت السماء والسيل والبعل، العشر.
وفيما سقي بالنضح نصف العشر.
وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القناء والبطيخ والرمان والقصب فعفو - عفا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: وأرز) بفتح الهمزة، وضم الراء، وتشديد الزاي - وهو أشهر لغاته.
والشائع على الألسنة رز - بلا همزة - وتسن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند أكله، لأنه خلق من نوره.
(فإن قيل) إن الأشياء كلها خلقت من نوره.
(أجيب) بأنه خلق من نوره بلا واسطة، وكل الأشياء التي تنبت من الأرض فيها داء ودواء، إلا الرز: فإن فيه دواء، ولا داء فيه.
(قوله: وحمص) بكسر الحاء مع فتح الميم المشددة أو كسرها وما اشتهر على الألسنة من ضم الحاء وتشديد الميم المضمومة فليس بلغة.
(قوله: ودخن) بضم الدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة: نوع من الذرة، إلا أنه أصغر منها.
(قوله: وباقلا) بالتشديد مع القصر، أو بالتخفيف مع المد: وهي الفول.
(قوله: ودقسة) قال في القاموس: وهي حب كالجاورش.
(قوله: وفي تمر، وعنب) معطوف على في قوت، وصنيعه يقتضي أنهما ليسا من القوت، وليس كذلك، فلو قال أولا وهو من الحبوب كبر الخ، ثم قال ومن الثمار كتمر وعنب، لكان أولى.
ويحتمل إن قول الشارح من ثمار مؤخر من النساخ، وأن الأصل ومن ثمار في تمر وعنب.
وعبارة المنهاج تختص بالقوت - وهو من الثمار: الرطب، والعنب.
ومن الحب: الحنطة، والشعير، والأرز، والعدس.
وسائر المقتات اختيارا.
اه.
(قوله: منهما) أي من المذكورين: القوت، والتمر والعنب.
(وقوله: خمسة أوسق) أي أقله ذلك، وما زاد فبحسابه، فلا وقص فيها.
والمراد أنها لا تجب فيما دون خمسة أوسق، لخبر الشيخين: ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة.
والأوسق: جمع وسق - بالفتح على الأشهر - مصدر بمعنى الجمع، قال الله تعالى: * (والليل وما وسق) * (1) أي جمع.
(قوله: وهي) أي خمسة الأوسق.
(وقوله: ثلمائة صاع) أي لأن الوسق ستون صاعا فإذا ضربت خمسة الأوسق في الستين صاعا كانت الجملة ثلثمائة صاع.
(قوله: والصاع أربعة أمداد) وإذا ضربت أربعة الأمداد في ثلثمائة الصاع صارت الجملة ألفا ومائتي مد.
(قوله:
والمد رطل وثلث) أي بالبغدادي، وجملة خمسة الأوسق بالأرطال: ألف وستمائة رطل.
وضبطت بالكيل المصري: ستة أرادب وربع أردب.
وقال بعض المحققين: النصاب الآن بالكيل المصري أربعة أرادب وويبة، لأن الكيل الآن نقص عدده عما كان، بسبب ما يكال به الآن، حتى صارت الأرادب وويبة مقدار ستة الأرادب وربع الأردب المقدرة نصابا سابقا، فالتفاوت بينهما إردبان وكيلة.
(قوله: منفي) حال من فاعل بلغ بالنسبة للقوت فقط، وإن كان صنيعه يقتضي رجوعه له ولقسيمه، أي يعتبر في القوت بلوغه خمسة أوسق حال كونه منقى، أي مصفى من تبنه لأنه لا يدخر فيه، ولا يؤكل معه، ويغتفر قليل لا يؤثر في الكيل، وحال كونه منقى من قشره الذي لا يؤكل معه
__________
(1) الانشقاق: 17(2/182)
في الغالب، فإن كان يؤكل معه في الغالب - كذرة - فلا يعتبر تنقيته منه فيدخل قشره في الحساب وأما غير القوت فيعتبر بلوغه خمسة أوسق حال كونه تمرا إن تتمر الرطب، أو حال كونه زبيبا إن تزبب العنب، وإن لم يتتمر الأول أو لم يتزبب الثاني: فيعتبر ذلك حال كونه رطبا أو عنبا، وتخرج الزكاة منهما في الحال.
(قوله: واعلم أن الأرز) ومثله العلس بفتحتين، وهو نوع من الحنطة.
قال في التحفة: وهو قوت نحو أهل صنعاء في كل كمام حبتان وأكثر.
اه.
(قوله: فتجب) أي الزكاة.
(وقوله: فيه) أي في الأرز، ومثله ما مر.
(قوله: وإن بلغ عشرة أوسق) أي اعتبارا لقشرة الذي ادخاره فيه أصلح له وأبقى بالنصف، وبعد ذلك له أن يخرج الواجب عليه حال كونه في قشره، وله أن يخرجه خالصا لا قشر عليه.
(قوله: عشر للزكاة) انظر موقعه من الإعراب؟ وظاهر صنيعه أنه مبتدأ، والجار والمجرور بعده خبر.
أي عشر يخرج للزكاة.
ويرد عليه أن عشر نكرة، ولا يجوز الابتداء بها، ويمكن على بعد جعل الجار والمجرور صفة له، ويكون هو المسوغ وجملة الشرط بعده خبر المبتدأ، ولو قال - كسابقه - ويجب فيما ذكر عشر إلخ، أو أبقى المتن على ظاهره، ولم يقدر عند قوله وفي قوت المتعلق وهو تجب، لكان أولى وأخصر.
وعليه: يكون الجار والمجرور خبرا مقدما.
وقوله عشر: مبتدأ مؤخرا، ويكون المعنى عليه: والعشر واجب في القوت إن سقي بلا مؤنة.
ثم ظهر صحة جعل بدلا من الضمير المستتر في تجب العائد على الزكاة، بناء على أنه لا يشترط في البدل صحة إحلاله محل المبدل منه، أما على اشتراط ذلك فلا يصح، لأنه يلزمه عليه إسناد المبدوء بتاء الغيبة للاسم الظاهر المذكر، وهو لا يجوز.
ومنع العلامة الصبان - في حاشية الأشموني - إبدال الظاهر من ضمير الغيبة المستتر، وقال: فلا يقال هند أعجبتني جمالها - على الإبدال.
فتنبه.
(قوله: إن سقي) أي ما ذكر من القوت وما عطف عليه.
(قوله: بلا مؤنة) أي بلا مؤنة كثيرة، بأن لم يكن هناك مؤنة أصلا، أو مؤنة قليلة.
ولو سقي بما فيه مؤنة
وغيره وجب القسط من كل، باعتبار عيش الزرع والثمر ونمائها، لا بأكثر المدتين، ولا بعدد السقيات.
فلو كانت المدة من وقت الزرع إلى وقت الإدراك ثمانية أشهر، واحتيج في أربعة منها إلى سقيتين فسقي بالمطر، وفي الأربعة الأخرى إلى سقيتين فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، أو احتاج في ستة منها إلى سقيتين فسقي بماء السماء، وفي شهرين إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح، وجب ثلاثة أرباع العشر، وربع نصف العشر.
(قوله: كمطر) تمثيل لما كان بغير مؤنة، ومثله ماء انصب إليه من جبل، أو نهر، أو عين.
(قوله: أي وإن سقي) الأولى بأن سقي، بباء التصوير.
(قوله: كنضح) أي نقل الماء من محله إلى الزرع بحيوان أو غيره.
(قوله: فنصفه) أي فالواجب نصف العشر.
والأصل فيه - وفيما قبله - خبر البخاري: فيما سقت السماء أو العيون أو كان عثريا، العشر.
وفيما سقي بالنضح، نصف العشر.
(قوله: وسبب التفرقة) أي بين ما سقي بلا مؤنة حيث كان واجبه العشر، وما سقي بمؤنة حيث كان واجبه نصف العشر.
(قوله: ثقل المؤنة في هذا) أي فيما سقي بمؤنة.
(وقوله: وخفتها في الأول) أي فيما سقي بلا مؤنة، ولا يقال إن بين خفتها وبين بلا مؤنة تنافيا، لأن خفتها تثبت أصل المؤنة، وبلا مؤنة ينفيه، لأنا نقول المراد من المؤنة المنفية الكثيرة، وهو يصدق بوجودها مع خفتها - كما علمت - ثم إن المراد بخفتها أن شأنها ذلك، وإلا فقد لا تكون هناك مؤنة أصلا - كما علمت أيضا -.
(قوله: سواء الخ) تعميم في وجوب الزكاة في القوت، وما عطف عليه، ولو قدمه على قوله عشر الخ لكان أولى.
(وقوله: أزرع ذلك قصدا) أي زرعه مالكه أو نائبه عمدا.
(وقوله: أم نبت اتفاقا) أي كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير في أرضه، فنبت.
(قوله: كما في المجموع) أي كما ذكره فيه، وهو راجع للتعميم.
(وقوله: حاكيا) أي الإمام النووي، وهو حال من الضمير المستتر في متعلق الجار والمجرور.
(وقوله: فيه) أي في المجموع أو في التعميم.
(قوله: وبه يعلم الخ) أي بما حكاه في المجموع من الاتفاق على التعميم المذكور(2/183)
يعلم إلخ.
(قوله: ويشترط الخ) مقول قول الشيخ زكريا، لكن بنوع تصرف في عبارته، ونصها: وشرط وجوبها أن يبلغ خمسة أوسق، وأن يزرعه مالكه أو نائبه، فلا زكاة فيما انزرع بنفسه أو زرعه غيره بغير إذنه، كنظيره في سوم الماشية.
انتهت.
قال في التحفة - بعد أن ساق العبارة المذكورة وضعفها -: وفي الروضة وأصلها - ما حاصله - إن ما تناثر من حب مملوك بنحو ريح أو طير، زكي.
وجرى عليه شراح التنبيه وغيرهم، فقالوا: ما نبت من زرع مملوك بنفسه.
زكي.
وعليه، يفرق بين هذا والماشية بأن لها نوع اختيار، فاحتيج لصارف عنه، وهو قصد إسامتها، بخلافه هنا.
وأيضا فنبات القوت
بنفسه نادر، فألحق بالغالب، ولا كذلك في سوم الماشية، فاحتيج لقصد مخصص، ويظهر أن يلحق بالمملوك ما حمله سيل إلى أرضه مما يعرض عنه فنبت، وقصد تملكه بعد النبت أو قبله.
اه.
وكتب ش ق على قول التحرير المار ما نصه: هو قول مرجوح، والمعتمد خلافه، بل المعتبر تمام الملك وإن لم يباشر المالك - ولا نائبه - زراعته، كأن وقع الحب بنفسه من يد مالكه عند حمل الغلة مثلا، أو بإلقاء نحو طير.
كأن وقعت العصافير على السنابل فتناثر الحب ونبت، فتجب الزكاة في ذلك أن بلغ نصابا.
وخرج بالملك المذكور ما نبت من حب حمله السيل من دار الحرب إلى أرضنا غير المملوكة لأحد فلا زكاة فيه، لأنه فئ، والمالك غير معين.
أما لو كانت مملوكة فيملكه من نبت بأرضه.
ومثل ما حمله السيل إلى الأرض غير المملوكة: ثمار النخل المباح بالصحراء، وما وقف من ثمار بستان أو حب قرية على المساجد والربط والقناطر والفقراء والمساكين، فلا زكاة في شئ من ذلك.
ولو حمل الهواء أو الماء حبا مملوكا فنبت بأرض - فإن أعرض عنه مالكه فهو لصاحب الأرض، وعليه زكاته، وإن لم يعرض عنه فهو له، وعليه زكاته، وأجره مثل الأرض لصاحبها.
اه.
(قوله: ولا يضم جنس إلى آخر) أي كضم الحنطة إلى الأرز، أو التمر إلى العنب.
وهذا مجمع عليه في التمر والزبيب.
ومقيس في نحو البر والشعير.
قال في التحفة: يقع كثيرا أن البر يختلط بالشعير، والذي يظهر أن الشعير إن قل - بحيث لو ميز لم يؤثر في النقص - لم يعتبر، فلا يجزئ إخراج شعير، ولا يدخل في الحساب، وإلا لم يكمل أحدهما بالآخر.
فما كمل نصابه أخرج عنه من غير المختلط.
اه.
(قوله: بخلاف أنواع الجنس فتضم) أي فيضم نوع منه إلى نوع آخر منه، وذلك كتمر معقلي فيضم إلى برني، وكبر مصري فيضم إلى شامي، لاتحاد الاسم، ويخرج من كل بقسطه، لأنه لا مشقة فيه، فإن عسر التقسيط - لكثرة الأنواع - أخرج الوسط.
لا أعلاها، ولا أدناها - رعاية للجانبين - فإن تكلف وأخرج من كل بقسطه فهو أفضل.
(قوله: وزرعا العام يضمان) العام ليس بقيد، بل المدار على حصادهما في عام واحد، ولو كانا زرعي عامين.
ولو قال والزرعان يضمان إن وقع الخ، لكان أولى وأخصر.
(قوله: إن وقع حصادهما في عام) أي بأن يكون بين حصادي الأول والثاني دون اثني عشر شهرا عربية، ولا عبرة بابتداء الزرع، لأن الحصاد هو المقصود، وعنده يستقر الوجوب.
قال في المغنى: وهل المراد بالحصاد أن يكون بالفعل أو بالقوة؟ قال الكمال ابن أبي شريف: تعليلهم يرشد إلى الثاني.
اه.
(تتمة) لم يتعرض لوقت وجوب الزكاة في القوت وما عطف عليه، وحاصله أن وقته إذا بدا صلاح الثمر - ولو في بعضه - لأنه حينئذ ثمرة كاملة.
وقبله بلح أو حصرم.
والمراد ببدو الصلاح: بلوغه صفة يطلب فيها غالبا، فعلامته في
الثمر المتلون أخذه في حمرة أو سواد أو صفرة، وفي غير المتلون - كالعنب الأبيض - لينه وتمويهه، وهو صفاؤه، وجريان الماء فيه.
وإذا اشتد الحب ولو في البعض أيضا لأنه حينئذ قوت، وقبله بقل.
ومع وجوبها بما ذكر لا يجب الإخراج إلا بعد التصفية والجفاف فيما يجف، بل لا يجزئ قبلهما.
(قوله: فرع الخ) هذا الفرع له تعلق بجميع الأصناف التي تتعلق بها الزكاة، وهو محترز قول الشارح فيما مر معين، فكان الأولى أن يقدمه هناك، أو يؤخره عن بيان زكاة النعم.
فتنبه.(2/184)
(قوله: في مال بيت المال) إضافة مال إلى بيت لأدنى ملابسة، أي مال المسلمين المحفوظ في بيت المال.
(قوله: ولا في ريع موقوف) هذا التركيب إضافي، أي لا تجب الزكاة في ريع الشئ الموقوف.
والمراد بالريع: ما يستخرج منه من الفوائد.
(وقوله: من نخل أو أرض) بيان لموقوف.
(قوله: على جهة عامة) متعلق بموقوف.
(قوله: كالفقراء إلخ) تمثيل للجهة العامة.
(قوله: لعدم تعين المالك) تعليل لعدم وجوب الزكاة فيما ذكر.
(قوله: وتجب) أي الزكاة.
(قوله: في موقوف) أي ريع موقوف.
(قوله: على معين واحد) أي كزيد.
(قوله: في موقوف) أي شئ موقوف من أرض أو نخل أو غيرهما.
(قوله: على إمام المسجد) أي من يصلي في هذا المسجد إماما.
(قوله: أو المدرس) أي في هذا المسجد مثلا.
(قوله: بأنه) متعلق بأفتى، وضميره يعود على من ذكر من الإمام والمدرس.
(قوله: يلزمه زكاته) أي الموقوف، أي ريعه.
(قوله: قال شيخنا) عبارته: وأفتى بعضهم في موقوف على إمام المسجد أو المدرس بأنه يلزمه زكاته كالمعين، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه خلافه، لأن المقصود بذلك الجهة، دون شخص معين.
كما يدل عليه كلامهم في الوقف.
اه.
(وقوله: لأن المقصود بذلك: الجهة) أي كل من اتصف بهذا الوصف، لا شخص معين.
(قوله: إن غلة الأرض الخ) مقول القول، والغلة هي الريع المار، وقد علمته.
(قوله: المملوكة) بالجر، صفة للأرض.
(قوله: أو الموقوفة على معين) احترز به عن الموقوفة على غير معين، فإنه لا تجب فيه الزكاة - كما مر آنفا.
(قوله: من مال مالكها) أي الأرض، وهذا بالنسبة لما إذا كانت مملوكة.
(وقوله: أو الموقوف عليه) أي أو من مال الموقوف عليه، وهذا بالنسبة لما إذا كانت موقوفة، فكلامه على اللف والنشر المرتب.
(قوله: فتجب عليه) أي من ذكر من المالك، أو الموقوف عليه المعين.
(قوله: فإن كان البذر من مال العامل) أي الذي يعمل في الأرض ويزرعها.
(قوله: وجوزنا المخابرة) أي وجرينا على أنها جائزة، أي صحيحة.
وهذا ليس بقيد، بل لو جرينا على أنها فاسدة يكون الحكم كذلك، لأن فاسد
الإجارة كصحيحها، فتكون الزكاة واجبة على العامل، لأن الزرع ملك له، وعليه لمالك الأرض أجرتها فقط.
وعبارة الروض وشرحه: وتجب الزكاة على مالك الثمار والحبوب.
وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج.
اه.
والمخابرة: هي معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل - كما سيأتي - والمعتمد فيها عدم الصحة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: من لم يذر المخابرة، فليؤذن بحرب من الله ورسوله.
(قوله: ولا شئ على صاحب الأرض) أي لا زكاة عليه، سواء كان مالكا أو موقوفا عليه.
(قوله: لأن الحاصل له الخ) أي لان الشئ الذي يحصل لصاحب الأرض يأخذه مما استخرجته الأرض أجرة أرضه، وهي لا زكاة فيها.
وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) عمن أكرى مزرعة لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة، فهل يجب عليه - إذا أخذ تلك الأجرة - أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا؟ وإذا كانت الأجرة نقدا، ماذا حكمها؟ (فأجاب) بقوله: لا تلزمه زكاة الأجرة إن كانت حبا إلا إذا كان للتجارة ووجدت فيه شروطها، ولا تلزمه زكاتها إذا كانت نقدا إلا إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب.
اه.
بتصرف.
(قوله: وحيث كان البذر من صاحب الأرض إلخ) هذه هي المزارعة، لأنها معاملة على أرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من المالك - كما سيأتي - والمعتمد فيها أيضا عدم الصحة.
(قوله: وأعطي منه شئ للعامل) الفعل مبني للمجهول، وأسند إلى مفعوله الثاني ومفعوله الأول(2/185)
للعامل، واللام زائدة.
أي وأعطى المالك العامل في مقابلة عمله شيئا من البذر، والمراد مما تخرجه الأرض بعد بذرها ببذر المالك.
(قوله: لا شئ على العامل) أي لا زكاة عليه.
(قوله: لأنه أجرة عمله) أي لأن ما يأخذه مما استخرجته الأرض إنما هو أجرة عمله، وهي لا زكاة فيها.
(قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة) مثلها الأرض الخراجية، فتجب الزكاة فيها مع الخراج.
وعبارة الروض: وتجب وإن كانت الأرض مستأجرة أو ذات خراج.
وقال في شرحه: فتجب الزكاة مع الأجرة أو الخراج.
ثم قال: وأما خبر: لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم فضعيف، قاله في المجموع، وعبارة التحفة: لو أجر الخراجية، فالخراج على المالك، ولا يحل لمؤجر أرض أخذ أجرتها من حبها قبل أداء زكاته، فإن فعل لم يملك قدر الزكاة، فيؤخذ منه عشر ما بيده، أو نصفه، كما لو اشترى زكوبا لم تخرج زكاته، ولو أخذ الإمام أو نائبه - كالقاضي - الخراج على أنه بدل من العشر، فهو كأخذ القيمة بالاجتهاد أو التقليد، والأصح إجزاؤه - أو ظلما.
لم يجز عنها، وإن نواها المالك وعلم الإمام بذلك.
وقول بعضهم يحتمل الإجزاء.
يرد بأن الفرض أنه قاصد الظلم، وهذا صارف عنها، وقولهم يجوز دفعها لمن لا يعلم أنها زكاة، لأن العبرة بنية المالك: محله عند عدم الصارف
من الآخذ، أما معه - كأن قصد بالأخذ جهة أخرى - فلا، وبهذا يعلم أن المكس لا يجزئ عن الزكاة إلا إن أخذه الإمام أو نائبه، على أنه بدل عنها باجتهاد أو تقليد صحيح، لا مطلقا، خلافا لمن وهم فيه.
اه.
وقوله: بدل من العشر: أي في الزكاة، وقوله: كأخذ القيمة: أي في الزكاة في غير عروض التجارة.
(وسئل) ابن حجر عن أخذ السلطان الجائر العشور المعهودة في ذا الزمن باسم الزكاة ونوي به المأخوذ منه الزكاة، فهل يسقط به الغرض أولا فأجاب بقوله: نعم يسقط بأخذه على الوجه المذكور فرض الزكاة عن المأخوذ منه، لأن الإمام الجائر كالعادل في الزكاة وغيرها، ويقع لبعض التجار - الذين ليس لهم كبير تقوى، ويغلب عليهم البخل والخزي - أنهم يكثرون الأسئلة عما يأخذه منهم أعوان السلاطين من الملوك: هل يقع عنهم من الزكاة إذا نووها؟ فنجيبهم بما هو المعروف المقرر.
وبسط الكلام فيه بعض شراح الإرشاد من أن ذلك لا يحسب من زكواتهم.
لأن الإمام لم يأخذه باسم الزكاة، بل باسم الذب عنهم وعن أموالهم، فهو وأعوانه يعتقدون أن ذلك حق له في أموال التجار يستحق أخذه قهرا عليهم، ولو سمع هو أو بعض أعوانه عن بعض التجار أنه يدفع ذلك لهم باسم الزكاة: لما قبلوا منه ذلك، وأخذوه قهرا عليه على غير هذا الوجه، بل ربما آذوه وسبوه، والدفع للإمام أو نائبه العام إنما يجزئ عن الزكاة حيث لم يمتنع الإمام أو نائبه من أخذه على هذا الوجه، أو يأخذه بقصد مغاير له، فحينئذ لا يمكن حسبان ما أخذه عن الزكاة.
وبقي مانع آخر من ذلك، وهو أن الدفع إلى السلطان غير ممكن، وإنما يقع الدفع لنائبه العام أو الخاص، والدفع للنائب العام ... وهو الوزير الأعظم، أو نحوه - متعسرا أيضا، وإنما الواقع والمتيسر الدفع إلى النائب الخاص، وهذا النائب الخاص لا يولونه على أخذه زكاة بوجه، وإنما يولونه على أخذ العشور، ومرادهم بها المكوس - كما هو معلوم من أحوالهم، وعباراتهم، وعاداتهم - فمن أراد الدفع إليهم باسم الزكاة ولم يدفعها لإمام ولا لنائبه فيها فكيف تجزئ عنه؟ فليتأمل ذلك، وليشع لهم، فإن بعض فسقة المتفقهة والتجار ربما حسبوا ما يؤخذ منهم من المكوس من الزكوات الواجبة عليهم، وما دروا أنها * (يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباهم، وجنوبهم، وظهورهم) * وتقول لهم ملائكة العذاب * (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) *.
أعاذنا الله من ذلك وأمثاله بمنه وكرمه.
اه.
(قوله: ومؤنة الحصاد والدياس على المالك) هذه المسألة مستقلة، وليست مرتبطة بما قبلها - أعني قوله: وتجب الزكاة لنبات الأرض المستأجرة وإن كان هو ظاهر منعه ووجه عدم ارتباطها به أنه إن أريد بالمالك مالك الأرض الذي هو المؤجر فلا يصح لأنه ليس عليه شئ أصلا لأنه مؤجر يستلم أجره أرضه فقط وإن أريد به مالك -، د،، الزرع الذي هو المستأجر، فلا يصح اختصاص الحكم المذكور به.
وأيضا لو كان هذا هو المراد، لقال
عليه بالضمير العائد على الزراع.
إذا علمت ذلك، فكان الأولى للشارح أن يقدم هذه المسألة قبيل
__________
(1) التوبة: 35(2/186)
الفرع، أو يفصلها عما قبلها بترجمة مستقلة، كأن يقول: فرع إلخ.
دفعا لما يوهمه صنيعه.
ومعنى ما ذكر: إن مؤنة الحصاد والدياسة - ومثلهما مؤنة جذاذ الثمر وتجفيفه - تكون من خالص مال المالك للزرع، سواء كان مالكا للأرض أيضا أم لا - بأن كان مستأجرا لها - لا من مال الزكاة.
وكثيرا ما يخرجون ذلك من التمر أو الحب، ثم يزكون الباقي، وهو خطأ، ويدل لما ذكرته عبارة الروض وشرحه، ونصها: (فرع) مؤنة الجفاف، والتصفية، والجذاذ، والدياس والحمل، وغير ذلك - مما يحتاج إلى مؤنة - على المالك، لا من مال الزكاة.
اه.
ومثلها عبارة شرح المنهج، والتحفة، والنهاية، والمغنى.
فتنبه.
(قوله: وتجب الخ) شروع في بيان مقدار نصاب النعم.
ما يجب إخراجه منه.
(وقوله: على من مر) أي المسلم الحر المعين.
وتضمن من الشروط ثلاثة، وبقي منها أن تبلغ نصابا وأسامة مالك لها كل الحول، ومضى حول في ملكه، وأن لا تكون عوامل.
(قوله: للزكاة) متعلق بتجب.
(قوله: في كل خمس إبل: شاة إلخ) بدأ بالإبل لأنها أشرف أموال العرب.
والأصل فيما ذكره فيها ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين على الزكاة: بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: في أربع وعشرين من الإبل، فما دونها الغنم في كل خمس: شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين: ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر.
فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين: ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين: ففيها حقه طروقة الجمل.
فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين: ففيها جذعة.
فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين، ففيها بنتا لبون.
فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة، ففي كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين حقه وقوله: في الحديث لا يعطه أي الزائد، بل يعطى الواجب.
(واعلم) أن هذا العدد تعبدي، لا يسأل عن حكمته، بل يتلقى عن الشارع بالقبول.
(قوله: جذعة ضأن) بدل من شاة.
(وقوله: لها سنة) أي تحديدية، لكن لو أجذعت مقدم أسنانها - أي أسقطته - بعد ستة أشهر، أجزأت.
فالأول منزل منزلة البلوغ بالسن، والثاني منزل منزلة البلوغ بالاحتلام.
(وقوله: أو ثنية معز) أو: للتخيير، فهو مخير بين الجذعة والثنية.
(وقوله: لها سنتان) أي تحديدا.
(قوله: ويجزئ الذكر إلخ) أي لصدق اسم الشاة عليه، فإنها تطلق على الذكر والأنثى، إذ تاؤها للوحدة لا للتأنيث،
ولأنها من غير الجنس، وبه فارق منع إخراج الذكر عن الإناث في الغنم.
(قوله: لا المريض الخ) أي لا يجزئ المريض إن كانت إبله صحاحا، أي سليمة.
ومقتضى التقييد بما ذكر أنه يجزئ المريض إن كانت إبله غير صحاح، وهو ضعيف، والمعتمد عدم إجزاء المريض مطلقا - كما صرح به في التحفة - ونصها: ويشترط - كما صححه في المجموع، خلافا لما قد يقتضي تصحيحه كلام الروضة وأصلها - صحة الشاة وكمالها، وإن كانت الإبل مريضة أو معيبة، لأن الواجب هنا في الذمة، فلم يعتبر فيه صفة المخرج عنه، بخلافه فيما يأتي بعد الفصل.
فإن لم يجد صحيحة فرق قيمتها دراهم - كمن فقد بنت المخاض مثلا فلم يجدها، ولا ابن لبون ولا بالثمن، فيفرق قيمتها للضرورة.
اه.
(وقوله: بخلافه فيما يأتي) أي وهو أنه لا تؤخذ مريضة ولا معيبة من الغنم إلا من مثلها.
(قوله: إلى خمس وعشرين) متعلق بمحذوف، أي ويستمر وجوب الشاة في كل خمس إبل إلى أن يبلغ عددها خمسا وعشرين، فإذا بلغ عددها ذلك وجب فيها بنت مخاض.
(وقوله: منها) أي الإبل.
(قوله: ففي عشر الخ) تفريع على ما قبله.
(قوله: وخمسة عشر: ثلاث) أي وفي خمسة عشر: ثلاث شياه.
(قوله: وعشرين إلخ) أي وفي عشرين إلى الخمس والعشرين أربع شياه، والغاية ليست داخلة.
(قوله: فإذا كملت) أي استكملت.
(قوله: فينت مخاض) أي بنت ناقة مخاض.
فإن عدمها فابن لبون، أو(2/187)
حق وإن كان أقل قيمة منها.
(قوله: لها سنه) أي إن بنت المخاض ما كان لها سنة، أي وطعنت في الثانية.
وكذا يقال فيما بعد، لأن الأسنان المذكورة تحديدية.
(قوله: هي) أي بنت المخاض.
(وقوله: واجبها) أي الخمس والعشرين.
(وقوله: إلى ست وثلاثين) أي ويستمر هذا الواجب فيها إلى أن يبلغ عددها ستا وثلاثين.
والغاية ليست بداخلة.
(قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الخمس والعشرين.
(وقوله: بذلك) أي بنت مخاض.
(قوله: لأن أمها آن) هو بمد الهمزة: من الأوان، بمعنى الوقت، أي قرب.
(وقوله: أن تصير من المخاض) وعبارة الرملي لأن لها أمها بعد سنة من ولادتها أن لها أن تحمل مرة أخرى، فتصير من المخاض.
اه.
ولا يخالف كلام الشرح، لأنها تسمى بهذا الاسم إلا بعد بلوغ السنة.
(قوله: وفي ست وثلاثين) أي وتجب في ست وثلاثين من الإبل.
(وقوله: إلى ست وأربعين) أي ويستمر هذا الواجب - أعني بنت اللبون - إلى أن تبلغ ستا وأربعين (قوله: بنت لبون) أي بنت ناقة لبون، ولا يؤخذ ابن اللبون، وألحق عنها عند فقدها.
والفرق بينها وبين بنت المخاض: أن كلا منهما يزيد على بنت المخاض بقوته على ورود الماء والشجر، وامتناعه من صغار السباع بنفسه، ولم يزد بذلك على بنت اللبون لوجود تلك القوة فيها أيضا، فلم يجزئ
عنها.
(قوله: سميت) أي الناقة التي تخرج عن الست والثلاثين.
(وقوله: بذلك) أي بنت اللبون.
(قوله: وفي ست وأربعين) أي وتجب في ست وأربعين.
(وقوله: حقه) - بكسر الحاء - ويجزئ عنها بنتا لبون.
(قوله: وفي إحدى وستين) أي وتجب في إحدى وستين من الإبل.
(وقوله: جذعة) - بفتحتين -: ما قبل الثني، ويجزئ عنها حقتان، أو بنتا لبون، لإجزائهما عما زاد.
(قوله: سميت) أي الناقة التي تجزئ عن الإحدى والستين.
(وقوله: بذلك) أي بالجذعة.
(قوله: وفي ست وسبعين بنتا لبون) وهذا تعبدي، لا بالحساب، وإلا فمقتضى الحساب أن يجب في اثنين وسبعين بنتا لبون، لأن بنت اللبون وجبت في ست وثلاثين، فلو اعتبر الحساب لوجب في اثنتين وسبعين: بنتا لبون.
(قوله: في إحدى وتسعين: حقتان) أي تعبدا، لا بالحساب، كما في الذي قبله، وإلا بأن اعتبر الحساب، لما وجبت الحقتان إلا في اثنتين وتسعين، ومثله يقال فيما بعد.
(قوله: وفي مائة وإحدى وعشرين: ثلاث بنات لبون) فإن نقصت الواحدة لم يحسب سوى الحقتين.
(قوله: ثم الواجب في كل أربعين إلخ) ظاهره يقتضي أنه متى زاد على مائة وإحدى وعشرين - ولو واحدة - يتغير الواجب، ويكون في كل أربعين إلخ.
ويستقيم الحساب.
وليس كذلك، بل إنما يتغير الواجب بزيادة تسع على المائة والإحدى والعشرين، ثم بزيادة عشر عشر، ويستقيم الحساب.
ففي مائة وثلاثين: حقة وبنتا لبون، وفي مائة وأربعين: حقتان وبنت لبون.
وهكذا.
(قوله: ويجب في ثلاثين بقرة الخ) شروع في بيان نصاب البقر.
وأول النصاب فيه ثلاثون.
والبقر شامل للعراب والجواميس من الذكور والإناث.
والثور خاص بالذكر.
والأصل فيما ذكره فيه: ما رواه الترمذي وغيره، عن معاذ رضي الله عنه، قال: بعثتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وأمرني إن أخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين: تبيعا.
وصححه الحاكم وغيره.
(قوله: تبيع) لو أخرج تبيعة أجزأت - بطريق الأولى - لأنها أنفع من الذكر، لما فيها من الدر والنسل.
وتبيع بمعنى تابع، كما يؤخذ من قوله لأنه يتبع أمه.
(قوله: له سنة) أي وطعن في الثانية.
(قوله: سمي) أي ما يخرج عن الثلاثين من البقر.
(وقوله: بذلك) أي بتبيع.
(قوله: لأنه يتبع(2/188)
أمه) أي في المرعى.
ويجمع على أتبعة كرغيف وأرغفة.
(قوله: وفي أربعين: مسنة) لو أخرج عن أربعين، تبيعين، أجزأ على الصحيح.
(قوله: سميت) أي البقرة.
(قوله: بذلك) أي بمسنة.
(قوله: وفي ستين: تبيعان) أي يجب في ستين بقرة: تبيعان.
(قوله: ثم في كل ثلاثين: تبيع) أي ثم بعد الستين بزيادة عشرة عشرة يتغير الواجب، ويكون في كل ثلاثين: تبيع، وفي كل أربعين: مسنة.
(قوله: ويجب في أربعين غنما الخ) شروع في بيان نصاب الغنم، وأول نصابها
أربعون، فلا زكاة في أقل من ذلك، ويصدق مخرجها في عددها إن كان ثقة، وإلا عدت، والأسهل عند مضيق تمر به واحدة واحدة، وبيد كل من المالك والساعي - أو نائبهما - قضيب، يشيران به إلى كل واحدة، أو يصيبان به ظهرها، لأن ذلك أبعد عن الغلط.
(واعلم) أنه يجزئ في الغنم نوع آخر: كضأن عن معز، وعكسه، كما يجزئ أرحبية عن مهرية، وعكسه في الإبل وعراب عن جواميس وعكسه في البقر.
(قوله: وفي مائتين وواحدة إلى ثلثمائة) صوابه إلى أربعمائة، إذ ما بين المائتين والواحدة والأربعمائة: وقص لا يتغير فيه الواجب.
تأمل.
(قوله: ثم في كل مائة: شاة) أي لحديث أنس في ذلك، رواه البخاري.
ونقل الشافعي أن أهل العلم لا يختلفون في ذلك، ولو تفرقت ماشية المالك في أماكن: فهي كالتي في مكان واحد، حتى لو ملك أربعين شاة في بلدين لزمته الزكاة، ولو ملك ثمانين في بلدين.
وفي كل أربعون لا يلزمه إلا شاة واحدة، وإن بعدت المسافة بينهما، خلافا للإمام أحمد، فإنه يلزمه عنده عند التباعد شاتان.
اه.
مغنى.
(قوله: وما بين النصابين) أي في الإبل والبقر والغنم يسمى وقصا.
قال في التحفة: أكثر ما يتصور من الوقص في الإبل تسعة وعشرون ما بين إحدى وتسعين ومائة وإحدى وعشرين.
وفي البقر: تسع عشرة ما بين أربعين وستين.
وفي الغنم: مائة وثمانية وتسعون ما بين مائتين وواحدة وأربعمائة.
اه.
(قوله: ولا يؤخذ خيار) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إياك وكرائم أموالهم ولقول عمر - رضي الله عنه -: ولا تؤخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض - أي الحامل - ولا فحل الغنم.
نعم: ما كانت ماشيته كلها كذلك أخذ منها، إلا الحوامل، فلا يطالب بحامل منها.
(قوله: كحامل) تمثيل لخيار.
(وقوله: ومسمنة) - بالجر - عطف على حامل.
(وقوله: للأكل) اللام تعليلية، متعلقة بمسمنة.
(قوله: وربى) بضم الراء وتشديد الباء الموحدة والقصر، ووزنها فعلى: بضم الأول والقصر، وجمعها: ربات، ومكسرها: رباب - بالكسر.
(قوله: وتجب الفطرة) لما أنهى الكلام على بيان زكاة الأموال وشرائطها، شرع في بيان زكاة الأبدان وشرائطها، فقال: وتجب الفطرة، وهي بكسر الفاء: الخلقة، قال الله تعالى: * (فطرة الله التي فطر الناس عليها) *.
وتطلق في اصطلاح الفقهاء على القدر المخرج عن البدن، ولذلك فسرها المؤلف به، فقال - أي زكاة الفطرة - والإضافة فيه من إضافة الشئ إلى أحد سببيه، وهما إدراك جزء من شوال، وإدراك آخر جزء من رمضان.
والأصل في وجوبها: خبر ابن عمر رضي الله عنهما: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان على الناس: صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين.
وخبر أبي سعيد رضي الله عنه قال: كنا نخرج زكاة الفطر إذا كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا
__________
(1) الروم: 30(2/189)
من طعام، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، أو صاعا من زبيب.
فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت.
رواهما الشيخان.
(قوله: سميت) أي الفطرة، بمعنى القدر المخرج عن البدن.
(وقوله: بذلك) أي بزكاة الفطر.
(قوله: لأن وجوبها) أي الفطرة بالمعنى المذكور.
(وقوله: به) أي بالفطر.
قال ابن قاسم: وجوبها به صادق مع كون الوجوب بغيره أيضا معه، فهو لا ينافي كون الوجوب بالجزءين.
اه.
وتسمى أيضا صدقة البدن، وزكاة الأبدان وزكاة الفطر - بمعنى القدر المخرج - فالإضافة بيانية، أو بمعنى الخلقة - فهي على معنى اللام - أي أنها تزكية للنفس، أو تنمية لعملها.
(قوله: وفرضت) أي زكاة الفطر.
(قوله: كرمضان) أي كصيام رمضان.
(قوله: في ثاني سني الهجرة) لم يبين في أي يوم في الشهر.
وعبارة المواهب اللدنية: وفرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين.
اه.
ع ش.
(قوله: وقول ابن اللبان الخ) عبارة التحفة: ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها، ومخالفة ابن اللبان فيه غلط صريح - كما في الروضة.
(قوله: قال وكيع) هو شيخ الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن كلام الشافعي - رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي * * فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور * * ونور الله لا يهدى لعاصي (قوله: زكاة الفطر لشهر رمضان) أي بالنسبة لشهر رمضان.
(قوله: كسجدة السهو للصلاة) أي بالنسبة للصلاة.
(قوله: تجبر إلخ) بيان لوجه الشبه، فالجامع بينهما مطلق الجبر.
(وقوله: نقص الصوم) أي بالنسبة لمن يصوم.
(قوله: ويؤيده) أي يؤيد جبرها لنقص الصوم الذي قال به وكيع ما صلح إلخ، ويؤيده أيضا خبر: إن صوم رمضان معلق بين السماء والأرض، لا يرفع إلا بزكاة الفطر.
وهو كناية عن توقف تمام ثوابه، حتى تؤدى الزكاة، فلا ينافي حصول أصل الثواب بدونها.
(قوله: على حر) متعلق بتجب، أي تجب على حر، وهذا بيان للمخرج - بكسر الراء - فتجب عليه ولو كان كافرا، لا عن نفسه، إذ لا طهرة له، بل عن ممونه المسلم كزوجته بأن أسلمت وتخلف، وتجزئ هنا بلا نية لتعذرها من المؤدى عنه دائما، ومن المؤدي هنا، فغلب فيها سد الحاجة.
اه.
فتح الجواد.
(قوله: فلا تلزم) أي لا تجب.
(وقوله: على رقيق) أي كله، فإن كان مبعضا ففيه تفصيل، وهو أنه إن لم تكن مهايأة يلزمه من الفطرة عن نفسه قسطه بقدر ما فيه من الحرية، وإن كانت مهايأة لزمت من وقع زمن الوجوب في نوبته، إما هو وإما سيده.
(قوله: بل تلزم) أي زكاة الفطرة.
(وقوله: سيده) أي الرقيق.
(وقوله: عنه) أي ويخرجها عنه، أي الرقيق، فهو متعلق بمقدر.
(قوله: ولا عن زوجته) معطوف على قوله عن نفسه، وضمير زوجته يعود على الرقيق.
(قوله: بل إن كانت) أي زوجة الرقيق،
والإضراب انتقالي.
(قوله: فعلى سيدها) أي فالزكاة واجبة على سيدها.
(قوله: وإلا فعليها) وإن لم تكن أمة بأن كانت حرة، فالزكاة واجبة عليها.
(وقوله: كما يأتي) أي في قوله: وعلى الحرة الغنية المزوجة لعبد، لا عليه.
(قوله: ولا على مكاتب) معطوف على رقيق من عطف الخاص على العام، لأن المكاتب قن ما بقي عليه درهم، أي ولا تلزم على مكاتب: لا عن نفسه، ولا عن زوجته.
(قوله: لضعف ملكه) أي فهو لا يحتمل المواساة.
(قوله: ومن ثم) أي من أجل ضعف ملكه لم تلزمه زكاة ماله.
(قوله: ولاستقلاله) أي بالتصرف.
(وقوله: لم تلزمهم) أي الفطرة، سيده، ومحله إذا كانت الكتابة صحيحة، فإن كانت فاسدة لزمته قطعا.
(وقوله: عنه) أي المكاتب.
(قوله: بغروب شمس ليلة فطر) لفظ غروب مضاف إلى شمس، وهي مضافة لليلة، من إضافة الشئ إلى ملابسه، إذ الشمس إنما تضاف للنهار، لا لليل.(2/190)
ويصح تنوين شمس ونصب ليلة على الظرفية المتعلقة بغروب، أي تجب بغروب لشمس ليلة الفطر من رمضان، وذلك لإضافتها إلى الفطر من رمضان في خبر الشيخين السابق: فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان.
إلخ.
ولما تقرر أنها طهرة للصائم، فكانت عند تمام صومه.
(قوله: أي بإدراك الخ) تفسير مراد لوجوبها بغروبها ليلة فطر من رمضان، أي أن المراد بذلك إدراك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال، لأن الوجوب نشأ من الصوم والفطر، فأسند إليهما لئلا يلزم التحكم، وهذا بيان لأقل ما يتحقق به السبب الأول، وإلا فالسبب الأول هو رمضان - كلا أو بعضا - أي القدر المشترك بين كله وبعضه، بدليل قولهم: له تعجيل الفطرة من أول رمضان لأنه لو لم يكن كذلك لكان تقديمها أول رمضان تقديما على السببين، وهو ممتنع.
(قوله: فلا تجب الخ) مفرع على مفهوم قوله بغروب ليلة فطر، المفسر بإدراك الجزأين.
(قوله: بما حدث) أي عما حدث، فالباء بمعنى عن.
(قوله: بعد الغروب) أي أو معه.
(قوله: من ولد الخ) بيان لما، وذلك بأن وضعت زوجته بعد الغروب أو معه، فلا زكاة على أبيه، لعدم إدراك الابن الجزأين.
(وقوله: نكاح) أي بأن عقد عليها بعد الغروب، أو معه، فلا تجب زكاتها عليه، لعدم إدراكها الجزأين عنده.
(قوله: وملك قن) بأن اشترى عبدا بعدما ذكر، أو معه، فلا زكاة عليه - لما ذكر.
(قوله: وغنى) أي بأن طرأ الغنى له، أو لقريب تلزمه نفقته بعد ما ذكر أو معه.
(قوله: ولا تسقط الخ) معطوف على فلا تجب، فهو تفريع أيضا، لكن على منطوق ما مر.
(وقوله: بعده) أي الغروب، وإنما لم تسقط لإدراكه الجزأين.
(قوله: من موت الخ) بيان لما.
(وقوله: وعتق) أي لعبده بعد الغروب، فلا تسقط عن السيد زكاته لإدراك العبد الجزأين وهو في ملكه.
ولو قال لعبده أنت حر مع آخر جزء من رمضان، وجبت
على العبد، لإدراكه الجزأين وهو حر، بخلاف ما لو قال أنت حر مع أول جزء من ليلة شوال: فلا تجب على أحد.
(قوله: وطلاق) أي بأن طلق زوجته بعد الغروب، فلا تسقط عنه فطرتها، لإدراكها الجزأين وهي في ذمته.
(قوله: ومزيل ملك) أي ببيع لعبده أو عتق له أو موته، فهو من ذكر العام بعد الخاص.
(قوله: وقت أدائها إلخ) فإن أخرها عن هذا الوقت كانت قضاء - كما سيذكره.
(قوله: فيلزم الخ) دخول على المتن.
(وقوله: الحر المذكور) أي في قوله آنفا على حر.
(وقوله: أن يؤديها) أي الفطرة.
(وقوله: قبل غروب شمسه) أي يوم الفطر.
(قوله عمن) متعلق بيؤديها، وهذا بيان للمؤدى عنه، ولا يقال إن كلام المصنف قاصر على ما إذا اختلف المؤدى والمؤدي عنه، ولم يستفد منه ما إذا أراد أن يخرج عن نفسه، لأنا نقول إن من: صادقة بنفس المؤدى وبغيره.
نعم، يكون في العبارة إظهار في مقام الإضمار بالنسبة إليه على تفسير الشارح من بكل مسلم، إذا التقدير عليه: فيلزم الحر أن يؤديها عن المسلم الذي هو نفسه.
ولا يخفى ما فيه.
ويوجد في بعض نسخ الخط: وعمن تلزمه - بزيادة واو العطف - وعليه: فهو معطوف على مقدر، أي تجب الزكاة على حر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته.
(وقوله: أي عن كل مسلم) أي ولو كان المخرج كافرا، لأنها تجب على الكافر عن رقيقه، وقريبه المسلمين، وزوجته بأن أسلمت وتخلف هو، لا عن نفسه - كما تقدم - إذ لا طهرة له - وهذا في أصلي.
أما المرتد، فإن أسلم: لزمته عن نفسه وممونه، وإلا فلا.
(وقوله: يلزمه نفقته) أشار بذلك إلى ضابط من تلزم فطرته، وهو أن يقال كل من لزمته نفقته لزمته فطرته، واستثنى من منطوق هذا الضابط مسائل.
منها: العبد لا يلزمه فطرة زوجته - حرة كانت أو أمة - وإن وجبت عليه نفقتهما في كسبه ونحوه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فلا يكون أهلا لفطرة غيره.
ومنها الابن - لا يلزمه فطرة زوجة أبيه، أو مستولدته، وإن وجبت نفقتهما على الابن لإعسار الأب، لأن النفقة لازمة للأب مع إعساره، فيتحملها عنه ابنه، بخلاف الفطرة: فليست لازمة له مع إعساره، فلا يتحملها عنه ابنه.
ويستثنى من مفهومه: المكاتب كتابة فاسدة، فلا تلزم السيد نفقته، وتلزمه فطرته.
والأمة المزوجة المسلمة لزوجها ليلا ونهارا مع كونه عبدا ومعمرا، فلا يلزم سيدها نفقتها، ويلزمه فطرتها.
(قوله: بزوجته) الباء سببية متعلقة بتلزمه، فمدخول الباء وما عطف(2/191)
عليه، بيان لسبب لزوم النفقة.
(قوله: أو قرابة) المراد بها قرابة الأبوة أو النبوة.
قال ع ش: وهل يثاب المخرج عنه أو لا؟ فيه نظر.
والأقرب الثاني.
فليراجع - كما قيل به في الأضحية من أن ثواب الأضحية للمضحي، ويسقط بفعله الطلب عن أهل البيت.
اه.
(قوله: حيين الغروب) متعلق بتلزمه، أو بمحذوف صفة لكل من زوجية وما بعدها.
(قوله: ولو
رجعية) غاية لمن تلزمه نفقته، أي تجب الفطرة عمن تلزمه نفقته، ولو كان من تلزمه نفقته زوجة رجعية، أي طلقها طلاقا رجعيا ولم تنقض عدتها قبل غروب ليلة العيد.
(قوله: أو حاملا بائنا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا لمن ذكر، أي تجب الفطرة عنه ولو كان حاملا، وقد طلقها طلاقا بائنا.
والمناسب تقديم بائنا وجعل حاملا قيدا له، بأن يقول أو بائنا حاملا، وخرج به: ما إذا كانت بائنا غير حامل، فلا تجب فطرتها عليه، لسقوط نفقتها.
وعبارة البجيرمي: والبائن الحامل دون الحائل، أي لأن النفقة واجبة لها دونها، إذ وجود الحمل اقتضى وجوب النفقة، فيقتضي وجوب الفطرة أيضا.
وقد يفرق بأن النفقة لها مدخل في نحو الحمل وزيادته، ولا كذلك الفطرة، إلا أن يقال على بعد لو لم يجب إخراج فطرة الحامل على الغير لوجبت عليها، وقد تخرج ما تحتاج إليه في اليوم الذي يلي يوم الفطرة، ولا تجد ما تقتات به في ذلك اليوم، فيحصل لها وهن في بدنها، فيتعدى لحملها، فأوجبنا الفطرة خلوصا من ذلك.
اه.
(قوله: ولو أمة) غاية في الرجعية، وفي الحامل البائن، والمراد أنها أمة للغير وتزوجها، ثم طلقها طلاقا رجعيا أو بائنا وهي حامل منه، ففطرتها على زوجها، للزوم نفقتها عليه، لا على سيدها.
(قوله: فيلزم) أي الزوج، فمفعوله محذوف.
(وقوله: فطرتهما) أي الرجعية، والحامل البائن فاعله.
(وقوله: كنفقتهما) أي كوجوب نفقتهما عليه.
(قوله: ولا تجب عن زوجة ناشزة) في الكردي ما نصه: قال في الإيعاب: ومثلها كل من لا نفقة لها - كغائبة ومحبوسة بدين وغير ممكنة، ولو لنحو صغر، ومعتدة عن شبهة - بخلاف نحو مريضة، لأن المرض عذر عام.
اه.
(قوله: لسقوط نفقتها) أي بسبب نشوزها.
(وقوله: عنه) أي عن زوجها.
(قوله: بل تجب عليها) أي بل تجب فطرتها عليها، لا عليه.
قال ش ق: نعم، لو نشزت الزوجة وعادت قبل الغروب، وجبت لها فطرتها عليه.
وإن لم تجب نفقتها، لأنها حينئذ في طاعته.
وكذا لو حيل بينها وبين زوجها، فيجب عليه فطرتها، دون نفقتها.
اه.
(قوله: إن كانت غنية) خرج به ما إذا كانت معسرة، فلا يجب عليها شئ.
(قوله: ولا عن حرة) أي ولا تجب الفطرة عن زوجة حرة.
وخرج بها: الأمة المزوجة، ففطرتها على سيدها - كما سيذكره - لأن له أن يسافر بها ويستخدمها، ولأنه اجتمع فيها شيئان: الملك والزوجية، والملك أقوى، ونقض ذلك بما إذا سلمها ليلا ونهارا والزوج موسر، فإن الفطرة واجبة على الزوج، قولا واحدا.
قال السبكي: ويمكن الجواب عنه بأنها عند اليسار لم تسقط عن السيد، بل تحملها الزوج عنه.
(وقوله: غنية) مثلها الفقيرة بالأولى.
(وقوله: غير ناشزة) خرج به الناشزة، ففطرتها عليها - كما تقدم آنفا.
(قوله: تحت معسر) أي زوج حر معسر وإنما قيدت بالحر - وإن كان الرقيق من المعسرين - لأن المؤلف جرى على أنها إذا كانت تحت رقيق يلزمها فطرة نفسها - كما سيذكره بقوله: وعلى الحرة الغنية
المزوجة لعبد إلخ - وهو ضعيف، كما ستعرفه.
(قوله: فلا تلزم عليه) أي لا تجب الفطرة على زوجها المعسر.
(قوله: ولا عليها) أي ولا تجب فطرة نفسها عليها، لكن يسن لها أن تخرجها عن نفسها، وكذا كل من سقطت فطرته لتحمل الغير لها - يسن له أن يخرج عن نفسه، إن لم يخرجها المتحمل.
وخرج بفطرتها فطرة غيرها - كأمتها وبعضها - فإنها تلزمه.
ولو كان الزوج حنيفا يري وجوب فطرتها على نفسها وهي شافعية ترى الوجوب على الزوج، فلا وجوب على واحد منهما، لعدم اعتقاد كل أنها عليه.
قال الكردي: وفي عكس ذلك يتوجه الطلب عليه عملا بعقيدته، وعليها عملا بعقيدتها، فأي واحد منهما أخرج عنها كفى، وسقط الطلب عن الآخر، لكن الشافعي يوجب الإخراج من غالب قوت البلد، والحنفي لا يوجب ذلك، فإن كان الغالب البر، وأخرج الزوج الشافعي عنها بمقتضى مذهبه كفى، حتى عندها.
وإن أخرجت عن(2/192)
نفسها على مقتضى مذهبها.
فينظر في الذي أخرجته، فإن كان من التمر، أو الزبيب، أو الشعير، أو القيمة، أو غير ذلك - ما عدا البر - فلا يكفي ذلك في عقيدة الشافعي، فيلزمه أن يخرج عنها بحسب عقيدته صاعا من البر.
وإن أخرجت الزوجة عن نفسها من البر، فالواجب منه - عند الحنفية - نصف صاع، بخلاف بقية الأقوات الواجب منها عندهم صاع، لكن نصف الصاع عندهم أربعة أرطال بالبغدادي، والواجب عند الشافعية صاع كامل من غالب قوت البلد، والصاع عندهم خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، فإذا أخرجت الزوجة عن نفسا نصف صاع من البر لزم الزوج الشافعي إخراج رطل وثلث بالبغدادي عنها، حتى يكمل الصاع عنده، وهذا لم أقف على من نقحه، وقد أوضحته في الأصل.
اه.
(قوله: ولا عن ولد صغير غني) معطوف على عن زوجة ناشزة، أي لا تجب عن ولد صغير على أبيه.
وخرج بالغني: الفقير، ففطرته على أبيه، كما علم من قوله: أو قرابة.
(قوله: فتجب) أي الزكاة من ماله، أي الولد الصغير.
(قوله: فإن أخرج الأب عنه) أي الولد.
(وقوله: من ماله) أي من مال نفسه، لا من مال الصغير.
(وقوله: جاز) أي إخراجه، ووقع عن زكاته.
وعبارة الروض وشرحه: وتسقط عن ولده الصغير الغني بإخراجه لها عنه من مال نفسه، لأن له ولاية عليه، ويستقل بتمليكه، فيقدر كأنه ملكه ذلك، ثم تولى الأداء عنه.
أما الوصي والقيم فلا يخرجان عنه من مالهما إلا بإذن القاضي.
اه.
(وقوله: ورجع) أي الأب على مال الولد الصغير.
(وقوله: إن نوى الرجوع) أي عند الإخراج.
(قوله: وفطرة ولد الزنا على أمة) أي لأنها يلزمها نفقته.
ومثله ولد الملاعنة، ففطرته عليها، لوجوب نفقته عليها.
ولو اعترف الزوج بعد إخراجها لم ترجع عليه بها، كما لا ترجع عليه بالنفقة لكونه منفيا عنه حال الإخراج ظاهرا، ولم يثبت نسبه إلا
من حين استلحاقه، ولأن ذلك منها على سبيل المواساة.
وقضية هذا أنه لو كان بإجبار حاكم رجعت.
أفاده ش ق.
(قوله: ولا عن ولد كبير) معطوف أيضا على عن زوجة ناشزة، أي ولا تجب عن ولد كبير على أبيه، بل تجب عليه، فلو أخرجها عنه أبوه من ماله لا تسقط عنه إلا بإذنه، لعدم استقلاله.
(قوله: قادر على كسب) أي أو عنده مال، ولو قال غني - كالذي قبله - لكان أولى.
(قوله: ولا تجب الفطرة عن قن كافر) أي ولا عن زوجة كافرة، ولا عن قريب كافر.
وعبارة المنهاج مع التحفة: لكن لا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار، وإن لزمه نفقتهم، لما مر.
ويظهر في قن سبي - ولم يعلم إسلامه سابيه - أنه لا فطرة عنه في حال صغره، وكذا بعد بلوغه - إن لم يسلم - عملا بالأصل.
بخلاف من في دارنا وشككنا في إسلامه، عملا بأن الغالب فيمن بدارنا الإسلام.
اه.
(قوله: ولا عن مرتد الخ) أي ولا تجب عن مرتد، قنا كان أو زوجة، أو قريبا، إلا إن عاد إلى الإسلام.
فزكاته قبله موقوفة.
(قوله: وتلزم على الزوج) أي تجب عليه.
(وقوله: فطرة خادمة الزوجة الخ) أي لأنها حينئذ تلزمه نفقتها، فلزمته فطرتها.
(وقوله: وأخدمها) أي الزوجة.
(وقوله: إياها) أي الأمة.
ويجوز العكس، فيجعل الضمير الأول للأمة، والثاني للزوجة.
والمراد أنه جعل أمتها تخدمها.
وفي سم ما نصه: (فرع) حيث وجبت فطرة الخادمة، فينبغي أن محله ما لم يكن لها زوج موسر، وإلا ففطرتها على زوجها، لأنه الأصل في وجوب فطرتها، فحيث أيسر ففطرتها عليه، وإلا فعلى زوج المخدومة، وإن وجبت نفقتها على زوجها، لأن النفقة تجب على المعسر، بخلاف الفطرة، وفي هذه الحالة لها نفقتان: واحدة على زوجها بالزوجية، والأخرى على زوج المخدومة بالإخدام، ولها فطرة، لأن الفطرة لا تتعدد.
اه.
(قوله: لا مؤجرة) أي لا تلزمه فطرة الخادمة إن كانت أجنبية مؤجرة، أي ولو كانت الإجارة فاسدة لعدم وجوب نفقتها عليه.
قال ع ش: ومثل هذا ما يكثر وقوعه في مصرنا وقراها من استئجار شخص لرعي دوابه مثلا بشئ معين، فإنه لا فطرة له، لكونه مؤجرا إجارة إما صحيحة، أو فاسدة، بخلاف ما لو استخدمه بالنفقة أو الكسوة - أي غير المقدرة - فتجب فطرته كخادم الزوجة.
اه.
(وقوله: ومن صحبتها الخ) أي ولا من صحبت زوجته لتخدمها بنفقتها، لأنها في معنى المؤجرة، فلا يلزمه فطرتها، كما(2/193)
أن المؤجرة لا يلزمه فطرتها.
(قوله: ولو بإذنه) في النهاية إسقاط ولو، وهو الأولى، إذ الخلاف إنما هو فيما إذا كان ذلك بإذنه.
(وقوله: على المعتمد) أي عند النووي.
واعتمد الرافعي في النفقات وجوب فطرتها، وجزم به المتولي، وقال في النهاية: والأوجه حمل الأول - أعني عدم الوجوب - على ما إذا كان لها مقدر من النفقة لا تتعداه، والثاني - أعني
الوجوب - على ما إذا لم يكن لها مقدر وتأكل كفايتها كالإماء.
اه.
بتصرف.
(قوله: وعلى السيد فطرة إلخ) أي وتجب على السيد فطرة أمته المزوجة، لما مر أنه اجتمع فيها شيآن الزوجية والملك، وهو أقوى منها.
(وقوله: لمعسر) خرج به الموسر، ففطرتها عليه، لا على السيد، قولا واحدا.
وتقدم عن السبكي أنها لم تسقط عن السيد بل تحملها الزوج عنه.
(قوله: وعلى الحرة إلخ) أي وتجب الفطرة على الحرة الغنية المزوجة لعبد.
وما جرى عليه المؤلف من أنها تلزمها، ضعيف.
والمعتمد - الذي صرح به النووي في منهاجه - أنها لا تلزمها.
ونص عبارته: ولو أعسر الزوج - أو كان عبدا - فالأظهر أنه يلزم زوجته الحرة فطرتها، وكذا سيد الأمة.
(قلت) : الأصح المنصوص، لا تلزم الحرة.
والله أعلم.
اه.
ثم رأيته في شرح الروض نبه على ما نبهت عليه، وعبارته: وما ذكره كأصله من إنها تلزم زوجته الحرة ذكره في موضوع من المجموع مثله، وذكر في آخر منه كالمنهاج أنها لا تلزمها وهو ما جرى عليه في الإرشاد وشرحه، وهو المعتمد.
ومشيت عليه في شرح البهجة، وإن كان قد يفرق بين المعسر والعبد: بأن الأول أهل للتحمل في الجملة، بخلاف الثاني: فوجبت فطرة زوجته عليها، دون فطرة زوجة الأول.
اه.
(قوله: لا عليه) أي لا تجب على العبد، وإن أوجبنا نفقتها في كسبه، لأنه ليس أهلا لفطرة نفسه، فكيف يتحمل عن غيره؟ (وقوله: ولو غنيا) محل تأمل إذ مفاده أن العبد بملك ويوصف بالغنى، وليس كذلك.
نعم، على القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، فلعل المؤلف جرى عليه.
وفي المغنى ما نصه: وعلى القديم يملك بتمليك سيده ملكا ضعيفا، ومع ذلك لا زكاة عليه، ولا على سيده، على الأصح.
فإن قلنا يملك بتمليك غير سيده، فلا زكاة أيضا عليه، لضعف ملكه - كما مر - ولا على سيده لأنه ليس له.
اه.
(قوله: ولو غاب الزوج) أي ولم يترك لزوجته نفقة.
(قوله: فللزوجة اقتراض نفقتها) أي بإذن القاضي.
فإذا حضر طالبته بوفاء ما اقترضته لأنه دين عليه.
(قوله: للضرورة) أي لتضررها بترك النفقة بخلاف الفطرة.
(وقوله: لا فطرتها) أي لا يجوز اقتراض فطرتها.
(وقوله: لأنه المطالب) أي لأن الزوج هو المخاطب بإخراجها.
(وقوله: وكذا بعضه) أي ومثل الزوجة - في جواز الاقتراض للنفقة: لا للفطرة - بعضه: أي بعض الغائب أصله أو فرعه، فيجوز له أن يقترض عليه للنفقة، لا للفطرة.
(قوله: وتجب الفطرة الخ) دخول على المتن.
(قوله: على من مر) أي على الحر.
(وقوله: عمن ذكر) أي عن كل مسلم تلزمه نفقته.
(قوله: إن فضل) أي زاد.
والمراد حال الوجوب.
فوجود الفاضل بعده لا يوجبها إتفاقا.
لكن يندب أن يخرجها باقتراض أو نحوه وتقع واجبة، لأن ندب الإقدام لا ينافي الوقوع واجبا، كما يشهد له نظائره.
وعبارة المنهج وشرحه: ولا فطرة على معسر وقت الوجوب، وإن أيسر بعده، وهو من لم يفضل عن قوته وقوت ممونه يومه وليلته
إلخ.
اه.
والفرق بين ما هنا وبين الكفارة - حيث تستقر في ذمته إذا عجز عنها - أن اليسار هنا شرط للوجوب، وثم للأداء، وكأن حكمته أن هذه مواساة فخفف فيها، بخلاف تلك.
(قوله: عن قوت ممون) لو عبر بالمؤنة - كما عبر بها فيما بعد - لكان أولى، لشمولها الملبس والمسكن وغيرهما.
ويستغنى بها حينئذ عن قوله الآتي وعن ملبس الخ.
(وقوله: له) أي لمن، وهو الحر.
(قوله: تلزمه مؤنته) الجملة صفة لممون.
(وقوله: من نفسه) بيان لممون.
(وقوله: وغيره) أي من زوج، وقريب، ورقيق، وحيوان مملوك له.
(قوله: يوم عيد) متعلق بقوت، أي قوت في يوم عيد.
(وقوله: وليلته) المراد بها المتأخرة عن يومه - كما في النفقات - وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما.(2/194)
(قوله: وعن ملبس الخ) معطوف على عن قوت، أي وإن فضل عن ملبس إلخ.
(وقوله: ومسكن) بفتح الكاف وكسرها.
(قوله: يحتاج إليهما) في شرح المنهج: يحتاجها - بضمير المؤنث العائد على الثلاثة - وهو الصواب.
فشرط في الملبس أن يكون هو أو ممونه محتاجا إليه، وكذلك المسكن والخادم.
والمراد أنه يحتاجها مطلقا، لا في خصوص اليوم والليلة - كالقوت - بدليل إنه قيد به فيه، وأطلق هنا.
ويشترط في الثلاثة المذكورة أن تكون لائقة به، فلو كانت نفيسة لا تليق به فيلزمه إبدالها بلائق - أن أمكن - وإخراج التفاوت.
(قوله: وعن دين على المعتمد) أي عند شيخ الإسلام وابن حجر.
والمعتمد عند الرملي والخطيب: أن الدين لا يمنع وجوب الفطرة.
وعبارة المغني: ولا يشترط كونه فاضلا عن دينه ولو لآدمي.
كما رجحه في المجموع، كالرافعي في الشرح الصغير، وجزم به ابن المقري في روضه: واقتضاه قول الشافعي رضي الله عنه والأصحاب - لو مات بعد أن هل شوال، فالفطرة في ماله مقدمة على الديون، وبأن الدين لا يمنع الزكاة، وبأنه لا يمنع نفقة الزوجة والقريب فلا يمنع إيجاب الفطرة، وما فرق به من أن زكاة المال متعلقة بعينه والنفقة ضرورية، بخلاف الفطرة فيهما لا يجدي، فالمعتمد ما تقرر، وإن رجح في الحاوي الصغير خلافه، وجزم به المصنف في نكته، ونقله عن الأصحاب.
اه.
(قوله: ولو مؤجلا) غاية في الدين الذي يشترط فضل ما يخرجه عنه.
(قوله: وإن رضي الخ) غاية ثانية له، وهي تناسب الدين الحال.
أي ولو رضي صاحب الدين الحال بالتأخير، أي تأخير قبضه - وكان عليه أن يعبر بدل إن - بلو - لأن تعبيره يوهم أنه غاية في الغاية، وليس كذلك.
(قوله: ما يخرجه فيها) فاعل فضل، ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، ومن ظرفية الشئ في نفسه، وذلك لأن الفطرة في اصطلاحهم عين ما يخرجه، فيكون التقدير: وتجب الفطرة - أي القدر المخرج - إن فضل ما يخرجه وهذا موجب للركاكة.
فلو قال وتجب الفطرة إن فضلت إلخ، وحذف قوله ما يخرجه فيها، لكان أخصر وأولى.
(قوله: وهي الخ) المناسب وهو، بضمير المذكر العائد على ما يخرجه الذي هو أقرب مذكور.
(وقوله: صاع) أي نبوي.
ومعياره موجود، وهو قد حان بالكيل المصري، وينبغي أن يزيد شيئا يسير الاحتمال اشتماله على طين أو تبن أو نحو ذلك.
وقد ذكر القفال الشاشي في محاسن الشريعة معنى لطيفا في إيجاب الصاع، وهو أن الناس تمتنع غالبا من الكسب في العيد وثلاثة أيام بعده، ولا يجد الفقير من يستعمله فيها، لأنها أيام سرور وراحة عقب الصوم.
والذي يتحصل من الصاع عند جعله خبزا ثمانية أرطال من الخبر، فإنه خمسة أرطال وثلث - كما سيأتي - ويضاف إليه نحو الثلث من الماء، فيكفي المجموع الفقير في أربعة الأيام، كل يوم رطلان.
وفي هذه الحكمة نظر، لأن الصاع لا يختص به شخص واحد، بل يجب دفعه للأصناف الثمانية.
اللهم إلا أن يقال إنه نظر لقول من يجوز دفعها الواحد، ولأن ما ذكره - من كونه يضاف إليه نحو الثلث من الماء - لا يظهر في نحو التمر واللبن.
اللهم إلا أن يجاب بأن ذلك بالنظر للغالب.
(قوله: وهو) أي صاع.
(قوله: والمد رطل وثلث) أي بغدادي، وهو عند الرافعي: مائة وثلاثون درهما، وعند النووي: مائة وثمانية وعشرون وأربعة أسباع درهم.
والأصل في ذلك: الكيل.
وإنما قدر بالوزن استظهارا، وهذا فيما شأنه الكيل، ومنه اللبن.
أما ما لا يكال أصلا - كالأقط والجبن إذا كان قطعا كبارا - فمعياره الوزن لا غير - كما في الربا - (قوله: وقدره) أي المد.
(وقوله: بحفنه) بفتح الحاء، وسكون الفاء - قال في المصباح: وهي ملء الكفين والجمع حفنات.
مثل سجدة وسجدات.
اه.
(وقوله: بكفين الخ) متعلق بمحذوف صفة لحفنة - أي حفنة كائنة بكفي رجل معتدلين - فلا يعتبر صغرهما جدا، ولا كبرهما كذلك.
(قوله: عن كل واحد) متعلق بمحذوف صفة لصاع، أي صاع واجب عن كل واحد.
وذكر هذا - مع أن قوله المار عمن تلزمه نفقته يغني عنه - ليفيد تخصيص الصاع بواحد، ولا يجزئ عن أكثر من واحد.
(قوله: من غالب قوت بلده) متعلق بمحذوف صفة لصاع أيضا.
والمراد بالغالب: غالب قوت السنة، لا غالب قوت وقت الوجوب، فأهل الأرياف الذين يقتاتون الذرة في غالب(2/195)
السنة، والقمح ليلة العيد - مثلا - يجب عليهم الذرة.
وأهل مصر يجب عليهم القمح، فإن غلب في بعض البلد جنس، وفي بعضها جنس آخر، أجزأ أدناهما في ذلك الوقت.
(قوله: أي بلد المؤدى عنه) أي نفسه أو ممونه، ومحل اعتبار بلده: إن كان قوته مجزئا، فإن لم يكن مجزئا اعتبر أقرب المحال إليه، ويدفع زكاته لأهله، فإن كان بقربه محلان متساويان قربا، تخير بينهما.
(قوله: فلا تجزئ) أي الزكاة.
(قوله: من غير غالب قوته) أي بلد المودى عنه، وهذا
محترز قوله غالب.
وفي بعض النسخ: من غالب قوته - بحذف لفظ غير - وعليه، يكون محترز بلده، ويكون ضمير قوته عائدا على المؤدى عنه، وهذا هو الموافق لعبارة فتح الجواد، وشرح الروض.
ونص الأولى: فلا تجزئ من غالب قوته أو قوت مؤد أو بلده.
اه.
ونص الثانية مع الأصل فالواجب غالب قوت بلد المؤدى عنه لا غالب قوت المؤدى عنه، أو المؤدي، أو بلده، كثمن المبيع.
اه.
(قوله: أو قوت مؤد) معطوف على لفظ غير على النسخ التي بأيدينا وعلى قوته على ما في بعض النسخ، والمعنى على الأول: ولا تجزئ من قوت المؤدي - بكسر الدال -.
والمعنى على الثاني: ولا تجزئ من غالب قوت المؤدي - بكسرها أيضا -.
(وقوله: أو بلده) أي المؤدي، وهذا ما قبله محترز الضمير في قوت بلده العائد على المؤدى عنه.
(قوله: لتشوف النفوس) أي نفوس المستحقين، وهو علة لوجوب كون الصاع من غالب قوت بلد المؤدى عنه، وعدم إجزاء غيره، أي وإنما وجب ما ذكر ولم يجزئ غيره، لتشوف نفوس المستحقين - أي انتظارها، وتطلعها لذلك - أي غالب قوت ما ذكر، لا لغيره.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل تشوف النفوس لذلك.
(قوله: وجب صرفها لفقراء بلد مؤدى عنه) أي إذا اختلف بلد المؤدى عنه - بفتح الدال - وبلد المؤدي - بكسرها - بأن كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد، والسيد أو الزوج ببلد آخر، صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما، لا بلد السيد أو الزوج، لتشوف نفوسهم لذلك.
قال ع ش: وهل يجب عليه التوكيل في زمن - بحيث يصل الخبر إلى الوكيل فيه قبل مجئ وقت الوجوب - أم لا؟ فيه نظر.
والأقرب: الثاني.
اه.
(قوله: فإن لم يعرف) أي المؤدى عنه: أي بلده.
وهذا مقابل لمحذوف قيد لقوله وجب صرفها إلخ، وهو أن عرف.
(قوله: كآبق) أي لم يعلم محله الذي هو فيه، أما إذا علم تعين قولا واحدا - كما تقدم -.
ودخل تحت الكاف: منقطع الخبر - الذي لم يدر محله - من قريب أو زوجة.
(قوله: ففيه آراء) أي ففي وجوب صرف فطرته أقوال.
(واعلم) أنه في المنهاج أجرى الآراء المذكورة فيمن انقطع خبره، وشارحنا أجراها فيمن لم يعرف محله.
والظاهر أنهما متلازمان، فلا خلف بين العبارتين، وذلك لأنه يلزم من عدم معرفة محله انقطاع خبره، وبالعكس.
(قوله: منها) أي من تلك الآراء، وهذا هو المعتمد.
(قوله: إخراجها حالا) أي ليلة العيد ويومه.
قال في التحفة: واستشكل وجوبها حالا بأنها تجب لفقراء بلد المؤدى عنه، وذلك متعذر.
وتردد الأسنوي وغيره بين استثنائها، أي من اعتبار فقراء بلد المؤدى عنه وإخراجها في آخر بلد عهد وصوله إليه، لأن الأصل بقاؤها فيها وإعطاؤها للقاضي، لأن له نقلها وتفرقتها، أي ما لم يفوض قبضها لغيره.
والذي يتجه في ذلك أنه يدفع البر للقاضي ليخرجه في أي محال ولايته شاء، وتعين البر لإجزائه هنا على كل تقدير، لما يأتي أنه يجزئ عن
غيره، وغيره لا يجزئ عنه، فإن تحقق خروجه - أي المؤدي عنه - عن محل ولاية القاضي فالإمام.
فإن تحقق خروجه عن محل ولايته أيضا بأن تعدد المتغلبون ولم ينفذ في كل قطر إلا أمر المتغلب فيه - فالذي يظهر أنه يتعين الاستثناء للضرورة حينئذ.
اه.
بتصرف.
(قوله: منها) أي الآراء.
(وقوله: لا تجب إلا إذا عاد) أي المؤدي عنه إلى بلد المؤدي - كزكاة المال الغائب - وأجاب صاحب الرأي الأول بأن التأخير إنما جوز هناك للنماء، وهو غير معتبر في زكاة الفطر.
(قوله: وفي قول إلخ) المناسب لما قبله أن يقول: ومنها أنه الخ.
(قوله: لا شئ) أي يجب مدة غيابه، لأن الأصل براءة الذمة.
نعم، يلزمه إذا عاد الإخراج لما مضى - كذا قبل - تفريعا على الثالث، وفيه نظر، لأنه يلزمه عليه اتحاده مع(2/196)
الثاني، إلا أن يقال ظاهر كلامهم - بل صريحه - أنها على الثاني وجبت.
وإنما جاز له التأخير إلى عوده رفقا به لاحتمال موته، فعليه - لو أخرجها عنه في غيبته أجزأه لو عاد، وأما على الثالث: فلا يخاطب بالوجوب أصلا، ما دام غائبا، فلا يجزئ الإخراج حينئذ.
فإن عاد خوطب بالوجوب الآن - للحال، ولما مضى - وحينئذ فالفرق بين القولين ظاهر.
اه.
تحفة.
(قوله: لا تجزئ قيمة) أي لصاع الفطرة بالاتفاق عندنا، فيتعين إخراج الصاع من الحب أو غيره من القوت الغالب.
(قوله: ولا معيب) أي ولا يجزئ إخراج صاع معيب - بنحو غش، أو سوس - أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه، فيتعين إخراج صاع سليم من العيب.
(قوله: ومسوس) بكسر الواو المشددة، وهو معطوف على معيب، من عطف الخاص على العام.
وعبارة التحفة: ومعيب ومنه مسوس.
اه.
(قوله: ومبلول) أي ولا يجزئ حب مبلول بماء أو غيره.
(قوله: أي إلا إن جف) أي المبلول ولا حاجة لذكر أي التفسيرية (قوله: وعاد) أي بعد جفافه.
(وقوله: لصلاحية الادخار) الإضافة للبيان، أي صلاحية هي الادخار والاقتيات، فلو لم يعد لذلك لا يجزئ إخراجه.
(قوله: ولا اعتبار لاقتياتهم المبلول) مثله غيره من كل معيب.
(وقوله: إلا إن فقدوا غيره فيجوز) الذي في التحفة والنهاية والمغنى: أنه إذا لم يوجد في البلد قوت مجزئ، أخرج المجزئ من غالب قوت أقرب البلاد إليه.
وعبارة التحفة: والذي يوافق كلامهم أنه يلزمه إخراج السليم من غالب قوت أقرب المحال إليهم، وقد صرحوا بأن ما لا يجزئ لا فرق بين أن يقتاتوه، وأن لا، ولا نظر إلى ما هو من جنس ما يقتات وغيره كالمخيض، لأن قيام مانع الإجزاء به صيره كأنه من غير الجنس.
اه.
وكتب سم: قوله إخراج السليم: لو فقد السليم من الدنيا، فهل يخرج من الموجود، أو ينتظر وجود السليم، أو يخرج القيمة؟ فيه نظر.
والثاني قريب.
اه.
وقال ع ش: توقف فيه - أي في
كلام سم - شيخنا، وقال: الأقرب الثالث، أخذا مما تقدم فيما لو فقد الواجب من أسنان الزكاة من أنه يخرج القيمة، ولا يكلف الصعود عنه، ولا النزول مع الجيران.
اه.
(قوله: وحرم تأخيرها) أي الفطرة، أي إخراجها.
وذلك لأن القصد إغناء المستحقين في يوم العيد، لكونه يوم سرور.
(قوله: بلا عذر) فإن وجد لم يحرم التأخير.
قال ع ش: ليس من العذر هنا انتظار الأحوج.
(قوله: كغيبة مال الخ) تمثيل للعذر، وظاهر كلامه أنه لا فرق في غيبة ماله بين أن تكون لمرحلتين أو دونها.
وعبارة التحفة: (تنبيه) ظاهر قولهم هنا كغيبة مال: أن غيبته مطلقا لا تمنع وجوبها، وفيه نظر - كإفتاء بعضهم أنها تمنعه مطلقا، أخذا مما في المجموع أن زكاة الفطر إذا عجز عنها وقت الوجوب لا تثبت في الذمة.
والذي يتجه في ذلك تفصيل يجتمع به أطراف كلامهم، وهو أن الغيبة إن كانت لدون مرحلتين لزمته، لأنه حينئذ كالحاضر، لكن لا يلزمه الاقتراض، بل له التأخير إلى حضور المال.
وعلى هذا يحمل قولهم كغيبة مال أو لمرحلتين، فإن قلنا بما رجحه جمع متأخرون - أنه يمنع أخذ الزكاة، لأنه غني - كان كالقسم الأول، أو بما عليه الشيخان - أنه كالمعدوم فيأخذها - لم تلزمه الفطرة، لأنه وقت وجوبها فقير معدم، ولا نظر لقدرته على الاقتراض لمشقته - كما صرحوا به.
اه.
(قوله: أو مستحق) معطوف على مال، أي وكغيبة مستحق.
(قوله: ويجب القضاء فورا) أي فيما إذا أخرها بلا عذر.
(وقوله: لعصيانه) أي بتأخيرها.
قال في التحفة: ومنه يؤخذ أنه لو لم يعص به - لنحو نسيان - لا يلزمه الفور، - وهو ظاهر - كنظائره.
اه.
قال سم: نعم، إن انحصر المستحقون وطالبوه وجب الفور.
كما لو طولب الموسر بالدين الحال.
اه.
(قوله: ويجوز تعجيلها من أول رمضان) أي لأن السبب الأول - وهو جزء من رمضان - غير معين، فجاز تعجيلها من أوله.
(قوله: ويسن أن لا تؤخر) أي الفطرة - أي إخراجها - عن صلاة العيد، فالسنة إخراجها قبل صلاة العيد للاتباع.
وهذا جري على الغالب من فعل الصلاة أول النهار، فإن أخرت استحب الأداء أول النهار.
(قوله: بل يكره ذلك) أي تأخيرها عن صلاة(2/197)
العيد.
قال في التحفة: للخلاف القوي في الحرمة حينئذ.
وقد صرحوا بأن الخلاف في الوجوب يقتضي كراهة الترك، فهو في الحرمة يقتضي كراهة الفعل.
اهـ (قوله: نعم، يسن الخ) استدراك على كراهة التأخير.
(والحاصل) أن للفطرة خمسة أوقات: وقت جواز، ووقت وجوب، ووقت فضيلة، ووقت كراهة، ووقت حرمة.
فوقت الجواز أول الشهر.
ووقت الوجوب إذا غربت الشمس.
ووقت فضيلة قبل الخروج إلى الصلاة.
ووقت كراهة إذا أخرها عن صلاة العيد - إلا لعذر من انتظار قريب، أو أحوج - ووقت حرمة إذا أخرها عن يوم العيد - بلا عذر - (وقوله: لانتظار نحو قريب أو جار) دخل
تحت نحو الصديق، والصالح، والأحوج.
(قوله: ما لم تغرب الشمس) أي يسن تأخيرها مدة عدم إخراج وقتها، وهو بغروب الشمس.
فإن خرج وقتها أثم بذلك.
وفي سم ما نصه: عبارة الناشري لو أخر الأداء إلى قريب الغروب - بحيث يتضيق الوقت - فالقياس أنه يأثم بذلك.
لأنه لم يحصل الإغناء عن الطلب في ذلك اليوم، إلا أن يؤخرها لانتظار قريب أو جار، فقياس الزكاة أنه لا يأثم ما لم يخرج الوقت.
اه.
(تتمة) من وجد بعض الواجب عليه قدم نفسه، لخبر الشيخين: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول.
وخبر مسلم: إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل شئ فلذي قرابتك.
ثم زوجته - لأن نفقتها آكد - ثم ولده الصغير - لأنه أعجز ونفقته منصوصة مجمع عليها - ثم الأب وإن علا - لشرفه - ثم الأم كذلك - لولادتها - ثم الولد الكبير الفقير، ثم الأرقاء.
وفي ع ش ما نصه (فرع) خادم الزوجة - حيث وجبت فطرتها - يكون في أي مرتبة ينبغي أن يكون بعد الزوجة، وقبل سائر من عداها، حتى ولده الصغير وما بعده، لأنها وجبت بسبب الزوجية المقدمة على سائر من عداها.
اه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/198)
فصل في أداء الزكاة أي في بيان حكم الأداء من كونه فوريا أو لا، والمراد بالأداء: دفع الزكاة لمستحقيها.
وبالزكاة: زكاة المال - كما قيد به في المنهج وغيره - لأن غالب ما يأتي في هذا الفصل من الأحكام يتعلق بها.
(قوله: يجب أداؤها) أي على من وجدت فيه الشروط السابقة.
(قوله: وإن كان الخ) غاية في الوجوب.
(وقوله: عليه) أي على من بيده نصاب، وهو مستكمل للشروط المارة.
فالضمير يعود على معلوم من السياق.
(وقوله: دين مستغرق) أي للنصاب الذي بيده.
(وقوله: حال) ومثله المؤجل بالأولى.
(وقوله: لله) متعلق بمحذوف صفة لدين، أي دين حال ثابت لله تعالى: ككفارة ونذر.
(وقوله: أو لآدمي) أي كالقرض.
(قوله: فلا يمنع الدين وجوب الزكاة) أي لإطلاق النصوص الموجبة لها، ولأن مالك النصاب نافذ التصرف فيه.
والفرق بين زكاة المال - حيث أن الدين لا يمنعها - وزكاة الفطر - حيث إن الدين يمنعها على المعتمد عند ابن حجر، وشيخ الإسلام كما مر - أن الأولى متعلقة بعين المال فلم يصح الدين مانعا لها لقوتها.
بخلاف الثانية، فإنها طهرة للبدن، والدين يقتضي حبسه بعد الموت.
ولا شك أن رعاية
المخلص عن الحبس مقدمة على رعاية المطهر.
(وقوله: في الأظهر) أي أظهر الأقوال: ثانيها يمنع مطلقا.
ثانيها يمنع في المال الباطن، وهو النقد والعرض، دون الظاهر، وهو المواشي والزروع والثمار.
(قوله: فورا) أي لأنه حق لزمه، وقدر على أدائه، ودلت القرينة على طلبه، وهي حاجة الأصناف.
نهاية.
(قوله: ولو في مال صبي ومجنون) غاية للفورية، لا لأصل الوجوب.
أي يجب إخراجها على الفور، ولو كانت في مال صبي ومجنون.
وبه يندفع ما يقال أن هذا مكرر مع قوله في أول الباب: تجب على كل مسلم ولو غير مكلف.
وحاصل الدفع أن ما هنا مأخوذ غاية للفورية، وما هناك مأخوذ غاية للوجوب.
والمخاطب بإخراجها الولي، فإن أخر أثم، ويلزم المولى إخراجها إذا كمل - كما نص عليه في التحفة - وعبارتها: ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم، ولزم المولى - ولو حنفيا فيما يظهر - إخراجها إذا كمل.
اه.
(قوله: لحاجة المستحقين إليها) علة للفورية: أي إنما وجبت على الفور لاحتياج المستحقين إليها: أي فورا.
وكان الأولى زيادته، وإن كان معلوما.
وعبارة شرح المنهج: لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة.
اه.
(قوله: يتمكن من الأداء) متعلق بيجب، وهو شرط في أدائها على الفور.
أي إنما يجب على الفور إذا تمكن منه، وذلك لأن التكليف بدون التمكن تكليف بما لا يطاق، أو بما يشق.
نعم، أداء زكاة الفطر موسع بليلة العيد ويومه - كما مر.
(قوله: فإن أخر) أي الأداء، وهو مفهوم قوله فورا.
(قوله: أثم) أي بتأخيره.
(قوله: وضمن) أي حق المستحقين، بأن يدفع ما كان يدفعه عند وجود المال.
(قوله: أن تلف) أي المال.
(قوله: بعده) أي التمكن، وهو متعلق بكل من أخر وتلف، أي أخر بعد(2/199)
التمكن، وتلف بعده.
واحترز به عما إذا أخر لكونه غير متمكن: فلا يأثم به، أو تلف المال وهو غير متمكن فلا يضمن حق المستحقين.
(قوله: نعم، الخ) استدراك من قوله أثم.
(قوله: لانتظار قريب) أي لا تلزمه نفقته.
(قوله: لم يأثم) محله ما لم يشتد ضرر الحاضرين، وإلا أثم بالتأخير، لأن دفع ضررهم فرض، فلا يجوز تركه لحيازة الفضيلة.
(قوله: لكنه لضمنه إن تلف) أي بآفة سماوية.
(قوله: كمن أتلفه) الكاف للتنظير، أي نظير من أتلف المال الذي وجبت فيه الزكاة، فإنه يضمن حق المستحقين، سواء كان المتلف له المالك أم غيره، لكنه يلزم غيره بدل قدر الزكاة.
(وقوله: أو قصر الخ) أي أو تلف بنفسه، لكنه قصر في دفع المتلف عنه فيضمن حق المستحقين أيضا.
وخرج بذلك ما إذا لم يقصر، فلا يضمن ذلك سواء كان التلف بعد الحول وقبل التمكن، أم قبله.
(وقوله: عنه) متعلق بدفع.
(قوله: كأن وضعه في غير حرزه) تمثيل لتقصيره في دفع المتلف.
(قوله: بعد الحول) متعلق بكل من أتلف ومن قصر.
(قوله:
ويحصل التمكن) أي من الأداء، وهو دخول على المتن.
(قوله: بحضور مال) متعلق بيحصل.
(قوله: سائر) صفة ثانية لمال.
وإسناد السير إليه على سبيل المجاز العقلي.
ومحل اشتراط حضوره ما لم يكن المال أو وكيله مسافرا معه، وإلا وجب الإخراج في الحال.
(قوله: أو قار بمحل) أي ثابت في محل، وهو ضد السائر.
(قوله: عسر الوصول إليه) أي إلى ماله القار، والجملة صفة لقار.
واحترز به عما إذا سهل الوصول إليه - بأن أمن الطريق - فإنه يجب عليه أداء زكاته إذا مضى زمن يمكن أن يحضره فيه، وإن لم يحضره بالفعل فالمدار على القدرة.
أفاده بجيرمي.
(قوله: فإن لم يحضر) أي المال الغائب.
(قوله: لم يلزمه) أي المالك.
(وقوله: الأداء من محل آخر) أي أداء الزكاة عن المال الغائب في موضع آخر غير موضع المال، وإنما لم يلزم أداء الزكاة عنه لاحتمال تلفه قبل وصوله إليه.
قال في المغنى: نعم، إن مضى بعد تمام الحول مدة يمكن المضي إلى الغائب فيها صار متمكنا - كما قاله السبكي - ويجب عليه الإعطاء.
اه.
(قوله: وإن جوزنا نقل الزكاة) غاية لعدم لزوم أداء الزكاة في محل آخر، أي لا يلزمه إذا لم يحضر ذلك، وإن جرينا على القول الضعيف بجواز نقل الزكاة.
(قوله: وحضور مستحقيها: أي الزكاة) أي مستحقي قبضها، وهم من تدفع له الزكاة من إمام أو ساع أو مستحقها، ولو في الأموال الباطنة لاستحالة الإعطاء من غير قابض، ولا يكفي حضور المستحقين وحدهم، حيث وجب الصرف إلى الإمام بأن طلبها من الأموال الظاهرة، فلا يحصل التمكن بذلك: نهاية.
بتصرف.
(قوله: أو بعضهم) معطوف على مستحقيها، أي أو حضور بعض المستحقين.
قال ع ش: ويكفي في التملك حضور ثلاثة من كل صنف وجد.
اه.
(قوله: فهو) أي من وجبت عليه الزكاة.
(وقوله: متمكن) أي من الأداء.
(وقوله: بالنسبة لحصته) أي البعض.
(قوله: ضمنها) أي حصة البعض الحاضر.
(قوله: ومع فراغ) معطوف على بحضور مال، والأولى: التعبير بالباء الجارة بدل مع، أي ويحصل التمكن بما ذكر، وبخلو المالك من مهم ديني - كصلاة - أو دنيوي - كأكل وحمام - ويعتبر ما ذكر كله بعد جفاف في الأثمار، وتنقية من نحو تبن في حب، وتراب في معدن.
(قوله: وحلول دين) معطوف على بحضور مال.
والواو بمعنى أو، أي ويحصل التمكن بحضور مال، أو بحلول دين له على آخر.
(قوله: من نقد أو عرض تجارة) بيان للدين الذي تتعلق به الزكاة.
وخرج به المعشرات والسائمة، فلا زكاة فيهما إذا كانتا دينا، وذلك لأن علة الزكاة في المعشرات: الزهو في ملكه، ولم يوجد.
وفي الماشية: السوم والنماء، ولا سوم ولا نماء فيما في الذمة، بخلاف النقد، فإن علة الزكاة فيه النقدية، وهي حاصلة مطلقا في المعينة وفيما في الذمة.
وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والدين إن كان ماشية لا للتجارة - كأن أقرضه أربعين شاة، أو أسلم إليها فيها ومضى عليه حول قبل قبضه، أو
كان غير لازم كمال كتابة - فلا زكاة فيه، لأن السوم في الأولى شرط، وما في الذمة لا يتصف بالسوم، ولأنها إنما تجب في(2/200)
مال نام، والماشية في الذمة لا تنمو، بخلاف الدراهم، فإن سبب وجوبها فيها كونها معدة للصرف، ولا فرق في ذلك بين النقد وما في الذمة.
ومثل الماشية: المعشر في الذمة، فلا زكاة فيه، لأن شرطها الزهو في ملكه، ولم يوجد، وأما دين الكتابة فلا زكاة فيه، إذ للعبد إسقاطه متى شاء بتعجيز نفسه.
اه.
بحذف.
(قوله: مع قدرة على استيفائه) متعلق بمحذوف صفة لحلول، أي ويحصل التمكن بحلول كائن مع قدرة على استيفاء الدين.
(قوله: بأن كان) أي الدين، وهو تصوير للقدرة على استيفاء الدين.
(قوله: على ملئ) أي موسر.
(قوله: حاضر) أي في البلد.
(قوله: باذل) أي للدين الذي عليه.
وفي التحفة زيادة مقر، وهو المناسب لذكر مقابله، هنا وهو جاحد، فكان الأولى زيادته، وإن كان البذل يستلزم الإقرار.
(قوله: أو جاحد) أي للدين.
(وقوله: عليه بينة) الجملة صفة لجاحد، أي جاحد موصوف بكونه عليه بينة، وهي شاهدان، أو شاهد ويمين.
(قوله: أو يعلمه القاضي) أي أو لم يكن عليه بينة، لكن القاضي يعلم بأن عليه دينا لفلان المدعي، أي وقلنا يقضي القاضي بعلمه، وإلا فلا فائدة في علمه.
(قوله: أو قدر هو على خلاصه) أي أو لم يكن هناك بينة ولم يعلمه القاضي، ولكن الدائن له قدرة على خلاص دينه، بأن يكون قويا أو يمكنه الظفر بأخذ دينه.
وعبارة التحفة: وقضية كلام جمع أن من القدرة ما لو تيسر له الظفر بقدره من غير ضرر، وهو متجه، وإن قيل إن المتبادر من كلامهما خلافه.
اه.
وقال سم.
هذا ظاهر إن تيسر الظفر بقدره من جنسه، أما لو لم يتسير للظفر إلا بغير جنسه، فلا يتجه الوجوب في الحال، إذ هو غير متمكن من حقه في الحال، لأنه لا يملك ما يأخذه ويمتنع عليه الانتفاع به والتصرف فيه بغير بيعه لتملك قدر حقه من ثمنه فلا يصل إلى حقه إلا بعد البيع.
اه.
(قوله: فيجب إخراج الزكاة في الحال) مفرع على التمكن بحلول الدين.
(قوله: وإن لم يقبضه) أي الدين.
وهو غاية لوجوب الإخراج في الحال، وهي للرد.
وعبارة المغني مع الأصل: وإن تيسر أخذه وجبت تزكيته في الحال، لأنه مقدور على قبضه - كالمودع - وكلامه يفهم أنه يخرج في الحال، وإن لم يقبضه، وهو المعتمد المنصوص في المختصر.
وقيل لا، حتى يقبضه فيزكيه لما مضى.
اه.
(قوله: لأنه) أي الدائن قادر على قبضه، أي الدين.
وهو تعليل لوجوب إخراج زكاته حالا، مع عدم قبضه من المدين.
(قوله: أما إذا تعذر استيفاؤه) أي الدين، وهو مفهوم قوله مع قدرة على استيفائه.
(وقوله: بإعسار) متعلق بتعذر، وهو محترز قوله ملئ.
(وقوله: أو مطل) محترز باذل.
(وقوله: أو غيبة) محترز حاضر.
(وقوله: أو جحود ولا بينة) أي ولم يعلمه
القاضي ولم يقدر الدائن على خلاصه، وهذا محترز قوله أو جاحد إلخ.
(قوله: فكمغصوب) جواب أما، أي فهو كمال مغصوب في حكمه.
(قوله: فلا يلزم الخ) تفريع على التشبيه.
(وقوله: الإخراج) أي للزكاة.
(وقوله: إلا إن قبضه) أي الدين.
(قوله: وتجب الزكاة الخ) لو قدم هذا في الباب المار وذكره بعد الأصناف التي تجب فيها الزكاة - كالمنهاج - لكان أنسب بقوله فكمغصوب، لأن هذا حوالة، وهي تكون على شئ متقدم.
(قوله: وضال) أي ضائع لم يهتد إليه.
قال في التحفة: ومنه - أي الضال -: الواقع في بحر، والمدفون المنسي محله.
اه.
وكالضال: المسروق، والمجحود.
(قوله: لكن لا يجب دفعها) أي الزكاة.
(وقوله: إلا بعد تمكن) أي من المال المغصوب أو الضال.
(وقوله: بعوده إليه) تصوير للتمكن، ومثل العود إذا كان له به بينة، أو يعلمه القاضي، أو يقدر هو على خلاصه - كما مر في تصوير التمكن من الدين -: وإذا تمكن بما ذكر يزكي للأحوال الماضية، بشرط أن لا ينقص النصاب بما يجب إخراجه، فإذا كان نصابا فقط، وليس عنده من جنسه ما يعوض قدر الواجب لم تجب زكاة ما زاد على الحول الأول.
وإذا كان المال ماشية اشترط أن تكون سائمة.
(قوله: ولو أصدقها) أي أصدق الزوج زوجته.
(وقوله: نصاب) نقد أي نصاب نقد الذهب أو الفضة.
(قوله: وإن كان في الذمة) أي وإن كان النصاب الذي أصدقها إياه ليس بمعين، بل في ذمة الزوج، فإنه يلزمها زكاته.(2/201)
(قوله: أو سائمة معينة) معطوف على نقد.
أي أو أصدقها نصاب سائمة معينة، أي أو بعضه ووجدت خلطة معتبرة.
وخرج بالمعينة، التي في الذمة، فلا زكاة فيها، لأنه يشترط في السائمة قصد السوم، ولا سوم فيما في الذمة بخلاف صداق النقد: تجب فيه الزكاة، وإن كان في الذمة، لعدم السوم فيه.
قال في التحفة: نعم، المعشر كالسائمة، فإذا أصدقها شجرا أو زرعا معينا - فإن وقع الزهو في ملكها لزمتها زكاته.
اه.
(قوله: زكته) أي زكت النصاب من النقد، والسائمة المعينة.
(قوله: إذا تم حول من الإصداق) أي وقصد السوم في السائمة.
(قوله: وإن لم تقبضه ولا وطئها) غاية في وجوب الزكاة فورا.
أي تجب الزكاة عليها وإن لم تقبض الصداق ولا وطئها الزوج، لأنها تملكه ملكا تاما وإن كان لا يستقر إلا بالدخول أو القبض، ولو طلقها قبل الدخول بها وبعد الحول رجع في نصف الجميع شائعا إن أخذ الساعي الزكاة من غير المعين المصدق أو لم يأخذ شيئا.
وإن طلقها قبل الدخول قبل تمام الحول عاد إليه نصفها، ولزم كلا منهما نصف شاة عند تمام حوله إن دامت الخلطة، وإلا فلا زكاة على واحد منهما، لعدم تمام النصاب.
(قوله: الأظهر أن الزكاة تتعلق بالمال) أي الذي تجب الزكاة في عينه، فخرج مال التجارة، لأن الزكاة تتعلق بقيمته، لا بعينه،
فيجوز بيعه ورهنه - كما سيذكره -.
(قوله: تعلق شركة) عبارة الروض وشرحه: إذا حال الحول على غير مال التجارة تعلقت الزكاة بالعين، وصار الفقراء شركاءه - حتى في الإبل - بقيمة الشاة، لأن الواجب يتبع المال في الصفة، حتى يؤخذ من المراض مريضة، ومن الصحاح صحيحه - كما مر - ولأنه لو امتنع من الزكاة أخذها الإمام من العين - كما يقسم المال المشترك قهرا إذا امتنع بعض الشركاء من القسمة.
وإنما جاز الأداء من مال آخر: لبناء الزكاة على الرفق.
اه.
وعبارة التحفة: وإنما جاز الإخراج من غيره - على خلاف قاعدة المشتركات - رفق بالمالك، وتوسعه عليه، لكونها وجبت مواساة، فعلى هذا: إن كان الواجب من غير الجنس - كشاة في خمس إبل - ملك المستحقون منها بقدر الشاة، وإن كان من الجنس - كشاة من أربعين - فهل الواجب شائع، أي ربع عشر كل شاة أم شاة منها مبهمة وجهان الأصح: الأول.
اه.
(قوله: إنها) أي الزكاة.
(قوله: تتعلق بالذمة) أي ذمة من وجبت في ماله الزكاة كالفطرة.
(وقوله: لا بالعين) أي عين المال الذي وجبت الزكاة فيه.
(قوله: فعلى الأولى) هو أنها تتعلق بالمال تعلق شركة، أي وعلى الثاني لا يكون المستحق شريكا في المال بقدر الواجب، وهو جزء من كل شاة في مسألة الشياة مثلا، فحذف المقابل للعلم به.
(قوله: ولم يفرقوا إلخ) يعني أن الشركة من حيث هي لم يفرقوا في صحتها بين أن تكون في الأعيان، أو في الديون.
وقد علمت أن الزكاة تتعلق بالمال تعلق شركة، فلا فرق حينئذ في ذلك المال المتعلقة به الزكاة بين أن يكون عينا، أو دينا.
ومراده بسياق هذه العبارة: بيان ما يترتب عليها من الفوائد، وهو ما ذكره بقوله: فلا يجوز لرب الدين الخ.
وعبارة شرح الروض: قال الأسنوي: ولم يفرقوا في الشركة بين العين والدين، فيلزم منه أمور، منها: أنه لا يجوز لرب الدين أن يدعي بملك جميعه، ولا الحلف عليه، ولا للشهود أن يشهدوا به، بل طريق الدعوى والشهادة أن يقال أنه باق في ذمته، وإنه يستحق قبضه، لأن له ولاية التفرقة في القدر الذي ملكه الفقراء.
قال غيره: ومنها أن يقول لزوجته بعد مضي حول - أو أحوال - إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق.
فتبرئه، فلا يقع الطلاق حينئذ، لأنه علق الطلاق على البراءة من جميع الصداق، ولم يحصل، لأن مقدار الزكاة لا يسقط بالبراءة، فطريقها أن تعطى الزكاة، ثم تبرئه.
اه.
وعبارة المغني: (فائدة) قال السبكي: إذا أوجبنا الزكاة في الدين، وقلنا تتعلق بالمال تعلق شركة، اقتضى أن يملك أرباب الأصناف ربع(2/202)
عشر الدين في ذمة المدين، وذلك يجز إلى أمور كثيرة واقع فيها كثير من الناس - كالدعوى بالصداق، والديون - لأن المدعي غير مالك للجميع، فكيف يدعي به؟ إلا إن له القبض لأجل أداء الزكاة فيحتاج إلى الاحتراز عن ذلك في
الدعوى، وإذا حلف على عدم المسقط: ينبغي أن يحلف أن ذلك باق في ذمته إلى حين لم يسقط، وإنه يستحق قبضه حين حلفه، ولا يقول إنه باق له.
اه.
ومن ذلك أيضا: ما لو علق الطلاق على الإبراء من صداقها، وقد مضى على ذلك أحوال، فأبرأته منه، فإنه لا يقع الطلاق، لأنها لا تملك الإبراء من جميعه.
وهي مسألة حسنة؟ فتفطن لها فإنها كثيرة الوقوع.
اه.
(قوله: ولو قال) أي الرجل لزوجته.
(وقوله: إن أبرأتني من صداقك) أي الذي وجبت فيه الزكاة.
(قوله: لم تطلق) أي لعدم وجود الصفة المعلق عليها، وهي البراءة من جميعه، لتعلق الزكاة فيه.
(قوله: فطريقها) أي طريق البراءة لصحيحة المقتضية لصحة وقوع الطلاق المعلق عليها، أي الحيلة في ذلك.
(وقوله: أن يعطيها) أي يعطي زوجته قدر الزكاة مما في ذمته من الصداق لتعطيه المستحقين، أي أو توكله في الإعطاء منه لهم.
وفي بعض نسخ الخط: إن تعطيها - بالتاء الفوقية - فيكون الضمير المستتر للزوجة، والبارز للزكاة.
(قوله: ويبطل البيع إلخ) هذا مرتب على كون الزكاة متعلقة بالمال تعلق شركة.
وعبارة المنهاج مع التحفة: فلو باعه - أي الجميع الذي تعلقت به قبل إخراجها - فالأظهر - بناء على الأصح - أن تعلقها تعلق شركة بطلانه في قدرها - لأن بيع ملك الغير من غير مسوغ له باطل، فيرده المشتري على البائع وصحته في الباقي، فيتخير المشتري إن جهل، بناء على قولي تفريق الصفقة.
اه.
بحذف.
(قوله: فإن فعل أحدهما) أي البيع أو الرهن.
(وقوله: صح) أي ما فعله من البيع أو الرهن.
(وقوله: لا في قدر الزكاة) أي لا يصح قدر الزكاة، وهذا مبني على جواز تفريق الصفقة - كما علمت.
(قوله: كسائر الأموال المشتركة) أي فإنه يبطل البيع والرهن في حصة الشريك ويصحان في قدر حصته فقط، بناء على جواز تفريق الصفقة أيضا.
(قوله: على الأظهر) متعلق بقوله صح.
لا في قدر الزكاة، ومقابله: لا يصح مطلقا، وهو مبني على عدم جواز تفريق الصفقة، أو يصح مطلقا.
وعبارة المنهاج: فلو باعه قبل إخراجها، فالأظهر بطلانه في قدرها وصحته في الباقي.
قال في المغنى: والثاني بطلانه في الجميع، والثالث صحته في الجميع، والأولان قولا تفريق الصفقة.
اه.
(قوله: نعم، يصح) أي ما ذكر من البيع والرهن في قدرها - أي الزكاة - أي كما يصح في بقية مال التجارة، وذلك لأن متعلقها القيمة دون العين، وهي لا تفوت بالبيع.
(قوله: لا الهبة) أي لا تصح الهبة في قدر الزكاة في مال التجارة، فالهبة كبيع ما وجبت الزكاة في عينه.
قال ع ش: ومثل الهبة: كل مزيل للملك بلا عوض - كالعتق ونحوه -، ولكن ينبغي سراية العتق للباقي، كما لو أعتق جزءا له من مشترك، فإنه يسري إلى حصة شريكه.
اه.
(قوله: تقدم الزكاة الخ) يعني إذا اجتمع في تركة حق الله - كزكاة، وحج، وكفارة، ونذر، - وحق آدمي - كدين - قدم حق الله على حق الآدمي، للخبر الصحيح: فدين الله أحق
بالقضاء.
ولأنها - ما عدا الحج - تصرف للآدمي، ففيها حق آدمي مع حق الله تعالى.
وقيل: يقدم حق الآدمي، لأنه مبني على المضايقة.
وقيل يستويان، فيوزع المال عليهما.
(قوله: ونحوها) أي كحج، وكفارة، ونذر.
(قوله: من تركة مديون) متعلق بتقدم، أي تقدم الزكاة ونحوها، أي استيفاؤهما من تركة مديون على غيرهما من حقوق الآدمي.
(قوله: ضاقت عن وفاء ما عليه) أي ضاقت التركة ولم تف بجيمع ما على الميت.
(قوله: حقوق الآدمي وحقوق الله) بيان لما.(2/203)
(قوله: كالكفارة إلخ) تمثيل لحقوق الله تعالى.
(قوله: كما إذا الخ) الكاف للتنظير، أي وذلك نظير ما إذا اجتمعتا - أي حقوق الله وحقوق الآدمي - على حي لم يحجر عليه، فإن الزكاة ونحوها تقدم في ماله الذي ضاق عنهما.
وخرج بقوله لم يحجر عليه: ما إذا حجر عليه، فإنه يقدم حق الآدمي جزما.
وعبارة التحفة: وخرج بتركة: اجتماع ذلك على حي ضاق ماله، فإن لم يحجر عليه قدمت الزكاة جزما، وإلا قدم حق الآدمي جزما، ما لم تتعلق هي بالعين، فتقدم مطلقا.
اه.
(قوله: ولو اجتمعت فيها) أي في التركة.
(قوله: حقوق الله فقط) أي كزكاة، وكفارة.
(قوله: وإن تعلقت) أي الزكاة.
(وقوله: بالعين) أي بعين المال.
والمراد بها ما قابل الذمة بدليل تصويره فدخل زكاة مال التجارة فإنها - وإن تعلقت بالقيمة - لكن ليست في الذمة.
(وقوله: بأن بقي النصاب) تصوير لتعلقها بالعين.
(قوله: وإلا) أي وإن لم تتعلق بالعين، بل بالذمة.
(وقوله: بأن تلف) أي النصاب.
وهو تصوير لعدم تعلقها بالعين.
ومعنى استوائهما: أنه لا يقدم أحدهما على الآخر.
(قوله: بعد الوجوب) أي وجوب الزكاة في النصاب بأن حال عليه الحول وهو موجود.
(وقوله: والتمكن) أي وبعد التمكن، أي من أداء الزكاة، وهو يكون بما سبق ذكره.
وذكر الوجوب لا يغني عن ذكر التمكن، لأن وجوب الزكاة بتمام الحول، وإن لم يتمكن من الأداء.
(قوله: استوت) أي الزكاة.
(وقوله: مع غيرها) أي من حقوق الله، كالكفارة، والحج، والنذر.
(قوله: فيوزع) أي التركة.
وذكر الضمير على تأويلها بالمال.
(وقوله: عليها) أي على الحقوق المتعلقة بالله المجتمعة.
وفي نسخة فتوزع - بالتاء الفوقية - عليهما - بضمير التثنية - فيكون عائدا على الزكاة على غيرها.
والمراد بتوزيعها عليهما: تقسيمها بينهما بالقسط، فيدفع ما خص الزكاة لها، وما خص الحج له.
قال في النهاية وهذا عند الإمكان اه.
قال ع ش: أما إذا لم يكن التوزيع، كأن كان ما يخص الحج قليلا بحيث لا يفي به، فإنه يصرف للممكن منهما.
اه.
وقال في البجيرمي: وحاصل ذلك أن قوله فيستويان: أي في التعلق، أي لا يقدم أحدهما على الآخر، وبعد ذلك يوزع المال الموجود على قدرهما بالنسبة.
فإذا كان قدر الزكاة خمسة، والحج أجرته عشرة،
فالمجموع خمسة عشر، فالزكاة ثلث فيخصها الثلث، والحج الثلثان.
وبعد ذلك لا شئ يجب في الزكاة سوى ذلك.
وأما الحج: فإن كان الذي خصه يفي بأجرته فظاهر، وإن كان لا يفي فيحفظ إلى أن يحصل ما يكمله ويحج به، ولا يملكه الوارث.
هكذا قرر بعضهم.
اه.
(قوله: وشرط له الخ) أي زيادة على الشروط المارة في وجوب الزكاة.
(وقوله: أي أداء الزكاة) تفسير لضمير له، أي شرط لأداء الزكاة، أي لدفع المال عن الزكاة.
والمراد: لإجزاء ذلك، ووقوعه الموقع.
(قوله: شرطان) يفيد أن النية شرط، مع أنها ركن في الزكاة.
وعبارة شرح الروض: وهي ركن - على قياس ما في الصلاة وغيرها - فقوله تشترط نية أي تجب.
اه.
(قوله: أحدهما نية) أي ما لم يمت المالك بعد الحول ويرثه المستحقون، فإنهم يأخذون بقدر الزكاة مما تركه المورث باسم الزكاة، وما بقى باسم الإرث، وسقطت النية.
اه.
م ر.
سم.
ولو شك في نية الزكاة بعد دفعها - هل يضر أو لا؟ والذي يظهر: الثاني.
ولا يشكل بالصلاة، لأنها عبادة بدنية، بخلاف هذه.
وأيضا هذه توسع في نيتها، لجواز تقديمها وتفويضها إلى غير المزكي ونحو ذلك.
فليتأمل.
شوبري.
اه.
بجيرمي.
(قوله: لا نطق) يحتمل أنه مجرور ومعطوف على قلب، وأنه مرفوع معطوف على نية، لكن مع تقدير متعلق له، والتقدير على الأول: لا نية بنطق.
وعلى الثاني: ولا يشترط نطق بالنية، وهذا الثاني هو الملائم للمعنى، بخلاف الأول فإنه لا معنى له، وذلك لأن النية هي القصد، وهو لا يكون بالنطق، بل بالقلب.
وعبارة غيره: ولا يشترط النطق بالنية، ولا يجزئ النطق وحده - كما في غير الزكاة.
اه.
(قوله: كهذا زكاة مالي) تمثيل للنية.
ومثله هذا زكاتي - من غير أن يزيد مالي - أو هذا زكاة - من غير إضافة أصلا - والإضافة ليست شرطا، وإن كان صنيعه حيث زاد لفظ(2/204)
مالي.
وغير المتن بحذف التنوين يفيد الاشتراط.
(قوله: ولو بدون فرض) أي تكفي هذه النية، ولو من غير زيادة فرض فيها.
(قوله: إذ لا تكون إلخ) تعليل للاكتفاء بهذه النية من غير ذكر الفرض.
أي وإنما اكتفى بها، ولم يحتج إلى قصد الفرضية كالصلاة، لأن الزكاة لا تقع إلا فرضا، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع فرضا وغيره احتاجت إلى ذلك للتمييز.
نعم، الأفضل ذكر الفرضية.
معها (قوله: أو صدقة مفروضة) مثله فرض الصدقة، إذ لا وجه للفرق بينهما، خلافا لابن المقري.
واحتجاجه بشموله لصدقة الفطر يرده أن ذلك لا يضر، بدليل إجزاء الصدقة المفروضة.
وهذه زكاة مع وجود ذلك الشمول.
اه.
سم.
(قوله: ولا يكفي هذا فرض مالي) مثله في عدم الإكتفاء: هذا صدقة مالي.
(قوله: لصدقة إلخ) أي شمول هذا فرض مالي للكفارة والنذر.
قال في التحفة: قيل هذا ظاهر إن كان عليه شئ من ذلك غير
الزكاة.
ويرد بأن القرائن الخارجية لا تخصص النية، فلا عبرة بكون ذلك عليه أو لا، نظرا لصدق منويه بالمراد وغيره.
اه.
(قوله: ولا يجب تعيين المال الخ) يعني لا يجب تعيين المال المزكى في النية، بأن يقول فيها: هذا زكاة غنمي، أو إبلي، أو بقري، لأن الغرض لا يختلف به كالكفارات، فإنه لا يجب تعيينها بأن يقيد بظهار أو غيره.
فلو أعتق من عليه كفارتان لقتل وظهار مثلا رقبتين بنية كفارة ولم يعين، أجزأ عنهما، أو رقبة كذلك أجزأت عن إحداهما مبهمة، وله صرفه إلى إحداهما، ويتعين ما صرفه إليه، فلا يمكن من صرفها بعد ذلك للأخرى، ولو تعدد عنده المال المتعلقة به الزكاة.
فكذلك لا يجب عليه أن يعين في النية المال الذي يريد أن يخرج عنه، وذلك كأن كان عنده خمس إبل وأربعون شاة فأخرج شاة ناويا الزكاة ولم يعين أجزأ، وإن ردد فقال: هذه أو تلك فلو تلف أحدهما أو بان تلفه جعلها عن الباقي.
وكأن كان عنده من الدراهم نصاب حاضر، ونصاب غائب.
فأخرج خمسة دراهم بنية الزكاة مطلقا، ثم بان تلف الغائب، فله جعل المخرج عن الحاضر.
(قوله: ولو عين الخ) الأولى التفريع، لأن المقام يقتضيه، يعني لو عين في نيته المال المخرج عنه، كأن عين في المثال الأول الشاة عن الخمس الإبل، وفي المثال الثاني الخمسة الدراهم عن الغائب، لم يقع ما أخرجه من زكاة المعين عن غيره، أي غير ما عينه في النية.
(قوله: وإن بان المعين تالفا) غاية لعدم وقوعه عن غيره.
قال في الروض: فإن بان - أي ماله الغائب - تالفا لم يقع، أي المؤدى عن غيره ولم يسترد، إلا إن شرط الاسترداد.
قال في شرحه: كأن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن بان تالفا استرددته.
اه.
(قوله: لأنه لم ينو ذلك الغير) أي غير ما عينه في نيته، وهو علة لعدم وقوعه عنه.
(قوله: ومن ثم الخ) أي ومن أجل أن سبب عدم وقوعه عن الغير فيما مر كونه لم ينوه، ولو نوى أن هذا زكاة مالي الغائب مثلا، وإن كان تالفا فهو زكاة عن غيره، فبان تالفا فإنه يقع عن ذلك الغير، لأنه نواه.
وعبارة الروض مع شرحه: وإذا قال هذه زكاة عن المال الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، فبان تالفا، أجزأته عن الحاضر، كما تجزئه عن الغائب لو بقي.
ولا يضر التردد في عين المال بعد الجزم بكونه زكاة ماله.
ويخالف ما لو نوى الصلاة عن فرض الوقت إن دخل الوقت، وإلا فعن الغائب - حيث لا تجزئه - لاعتبار التعيين في العبادات البدنية، إذ الأمر فيها أضيق، ولهذا لا يجوز فيها النيابة.
اه.
(قوله: بخلاف ما لو قال الخ) عبارة الروض وشرحه: بخلاف ما لو قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فعن الحاضر، أو صدقة.
فبان تالفا، لا يجزئ عن الحاضر.
كما لا يجزئ عن الغائب هذه زكاة مالي الغائب إن كان باقيا أو صدقة، لأنه لم يجزم بقصد الفرض.
وإن قال هذه زكاة مالي الغائب، فإن كان تالفا فصدقة، فبان تالفا وقع صدقة، أو
باقيا وقع زكاة.
ولو قال: هذه زكاة عن الحاضر أو الغائب، أجزأه عن واحد منهما، وعليه الإخراج عن الآخر.
ولا يضر التردد في عين المال - كما مر نظيره.
والمراد بالغائب هنا: الغائب عن مجلس المالك في البلد، أو الغائب عنها في بلد(2/205)
آخر.
وجوزنا النقل للزكاة، كأن يكون ماله ببلد لا مستحق فيه، وبلد المالك أقرب البلاد إليه.
اه.
بتصرف.
(قوله: أو صدقة) معطوف على زكاة مالي.
(وقوله، لعدم الجزم إلخ) أي لكونه مترددا بين جعلها عن الفرض وجعلها صدقة.
(قوله: وإذا قال: فإن كان تالفا الخ) أي قال هذا بعد قوله المار: هذا زكاة مالي الغائب إن كان باقيا.
(قوله: فبان) أي ذلك المال الذي نوى جعل الزكاة عنه.
(وقوله: أو باقيا) أي أو بان باقيا.
(وقوله: وقع) أي ما أخرجه عنه زكاة له.
(قوله: ولو كان عليه زكاة وشك إلى قوله كما أفتى به شيخنا) الذي ارتضاه في التحفة في نظير هذه المسألة خلافه، وهو أنه إن لم يبن له شئ وقع عما في ذمته، وإن بان لا يقع، كوضوء الاحتياط.
ونصها: ولو أدى عن مال مورثه بفرض موته وارثه له ووجوب الزكاة فيه، فبان كذلك، لم يجزئه، للتردد في النية، مع أن الأصل عدم الوجوب عند الإخراج وأخذ منه بعضهم أن من شك في زكاة في ذمته، فأخرج عنها إن كانت، وإلا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا، لم يجزئه عما في ذمته، بان له الحال أو لا، ولا عن تجارته لتردده في النية، وله الاسترداد إن علم القابض الحال، وإلا فلا - كما يعلم مما يأتي - وقضية ما مر في وضوء الاحتياط: أن من شك أن في ذمته زكاة فأخرجها أجزأته، إن لم يبن الحال عما في ذمته للضرورة، وبه يرد قوله ذلك البعض: بان الحال أو لا.
اه.
(قوله: ولا يجزئ إلخ) هذا محترز قوله: أحدهما نية، والمراد أنه لو دفع الزكاة للمستحقين بلا نية لا تقع الموقع، أي وعليه الضمان للمستحقين.
وعبارة الروض وشرحه: ومن تصدق بماله - ولو بعد تمام الحول، ولم ينو الزكاة - لم تسقط زكاته، كما لو وهبه أو أتلفه، وكما لو كان عليه صلاة فرض فصلى مائة صلاة نافلة، فإنه لا تجزئ عن فرضه.
اه.
(قوله: لا مقارنتها) معطوف على نية.
(قوله: للدفع) أي للمستحقين.
(قوله: فلا يشترط ذلك) أي ما ذكر من مقارنتها له.
والأنسب والأخصر أن يقول: فلا تشترط بحذف اسم الإشارة، وبتأنيث الفعل.
(قوله: بل تكفي النية) أي نية الزكاة.
(وقوله: قبل الأداء) أي الدفع للمستحقين، وتعبيره أولا بالدفع، وثانيا بالأداء، للتفنن.
(قوله: وإن وجدت) أي النية، وهو قيد في الاكتفاء بها قبل الأداء.
(وقوله: عند عزل قدر الزكاة عن المال) أي تمييزه عنه، وفصله منه.
(قوله: أو إعطاء وكيل) أي أو عند إعطاء وكيل عنه في تفرقة الزكاة على المستحقين.
ولا يشترط نية الوكيل عند الصرف للمستحقين، لوجود النية من المخاطب بالزكاة مقارنة لفعله، إذ المال
له، وبه فارق نية الحج من النائب، لأنه المباشر للعبادة.
(قوله: أو إمام) معطوف على وكيل، أي وتكفي النية عند إعطاء إمام الزكاة، لأن الإمام نائب المستحقين، فالدفع إليه كالدفع إليهم، ولهذا أجزأت وإن تلفت عنده، بخلاف الوكيل.
قال في التحفة مع الأصل: والأصح أن نيته - أي السلطان - تكفي عن نية الممتنع باطنا، لأنه لما قهر قام غيره مقامه في التفرقة، فكذا في وجوب النية.
ثم قال: أفتى شارح الإرشاد الكمال الرداد فيمن يعطي الإمام أو نائبه المكس بنية الزكاة، فقال: لا يجزئ ذلك أبدا ولا يبرأ عن الزكاة بل هي واجبة بحالها، لأن الإمام إنما يأخذ ذلك منهم في مقابلة قيامه بسد الثغور، وقمع القطاع والمتلصصين عنهم وعن أموالهم.
وقد أوقع جمع ممن ينسب إلى الفقهاء - وهم باسم الجهل أحق - أهل الزكاة، ورخصوا لهم في ذلك فضلوا وأضلوا.
اه.
وقد تقدم كلام عن الفتاوي أبسط من هذا، فارجع إليه إن شئت.
(قوله: والأفضل لهما) أي للوكيل والإمام.
(قوله: أن ينويا) أي الزكاة، خروجا من الخلاف.
(وقوله: أيضا) أي كما ينوي الموكل أو الدافع للإمام.
(وقوله: عند التفرقة) أي تفرقة الزكاة للمستحقين، والظرف متعلق بينويا.
(قوله: أو وجدت إلخ) أي وتكفي النية إن وجدت بعد أحدهما، فهو معطوف على وجدت، بقطع النظر عن قوله قبل الأداء، وإلا(2/206)
لزم التكرار الموجب للركاكة، إذ الأداء هو التفرقة، فيصير التقدير عليه، بل تكفي النية قبل الأداء إن وجدت بعد أحدهما، وقبل الأداء.
(قوله: أي بعد عزل إلخ) تفسير للأحد.
(قوله: أو التوكيل) أي أو بعد التوكيل، وسكت عن وجودها بعد إعطائها للإمام مراعاة للمتن.
ولو قال: أو إعطاء وكيل أو إمام لوفى بجميع ما ذكره متنا وشرحا.
قال في متن المنهاج: ولو دفع إلى السلطان كفت النية عنده.
فإن لم ينو لم يجز.
وقال سم: محله ما لم ينو بعد الدفع إليه وقبل صرفه، وإلا أجزأ.
اه.
(قوله: وقبل التفرقة) معطوف على بعد أحدهما، أي أو وجدت بعده.
وقبل التفرقة، أي تفرقة الزكاة وأدائها للمستحقين.
(قوله: لعسر اقترانها) أي النية، وهو علة لعدم اشتراط مقارنتها للدفع.
(قوله: ولو قال لغيره الخ) الأولى التفريع، لأنه مرتب على عدم وجوب المقارنة للدفع، والاكتفاء بوجودها بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة.
(قوله: ثم نوى) أي المالك.
(قوله: قبل تصدقه) أي الوكيل.
(وقوله: بذلك) أي بالمال الذي دفعه للوكيل للصدقة.
(قوله: أجزأه عن الزكاة) أي لما مر أن العبرة بنية الموكل، وأنها تجزئ بعد الدفع للوكيل وقبل التفرقة.
(قوله: ولو قال لآخر الخ) هذه المسألة لا يظهر لها ارتباط هنا، وساقها في التحفة مؤيدا بها كلاما ذكره قبلها، ونصها: ولو أفرز قدرها بنيتها لم يتعين لها إلا بقبض المستحق لها بإذن المالك، سواء زكاة المال والبدن.
وإنما تعينت الشاة المعينة للتضحية،
لأنه لا حق للفقراء ثم في غيرها، وهنا حق المستحقين شائع في المال، لأنهم شركاء بقدرها، فلم ينقطع حقهم إلا بقبض معتبر.
وبه يرد جزم بعضهم بأنه لو أفرز قدرها بنيتها كفى أخذ المستحق لها من غير أن يدفعها إليه المالك.
ومما يرده أيضا قولهم لو قال لآخر: اقبض ديني من فلان وهو لك زكاة، لم يكف، حتى ينوي هو بعد قبضه، ثم يأذن له في أخذها.
فقولهم: ثم إلخ: صريح في أنه لا يكفي استبداده بقبضها، ويوجه بأن للمالك بعد النية والعزل أن يعطي من شاء ويحرم من شاء، وتجويز استبداد المستحق يقطع هذه الولاية فامتنع.
اه.
وخالفه م ر: فقال: ولو نوى الزكاة مع الإفراز فأخذها صبي أو كافر ودفعها لمستحقها، أو أخذها المستحق ثم علم المالك، أجزأه.
اه.
(قوله: لم يكف) أي لم يجز عن الزكاة، وذلك لامتناع اتحاد القابض والمقبض على المعتمد.
(وقوله: حتى ينوي إلخ) أي فإنها تكفي لعدم اتحاد ذلك، لأنه وكله أولا في القبض عنه فقط، ثم بعده صار وديعة في يد الوكيل، ثم أذن له في أخذها زكاة عنه.
(وقوله: هو) أي الدائن.
(وقوله: بعد قبضه) أي الدين من المدين، فالإضافة من إضافة المصدر لمفعوله.
ويصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله، والمفعول محذوف، أي بعد قبض الآخر الدين من المدين.
(وقوله: ثم يأذن) أي ثم بعد نيته الكائنة بعد القبض يأذن لذلك الآخر.
(وقوله: في أخذها) أي الزكاة.
والإضافة لأدنى ملابسة، أي في أخذ ما استلمه من الدين على أنه زكاة عنه.
(قوله: وأفتى بعضهم إلخ) هذا مرتبط بما يفهم من قوله بل تكفي عند عزل أو إعطاء وكيل من أنه لا بد من نية الموكل، ولا تكفي نية الوكيل.
قال سم في الناشري نقلا عن غيره ما يوافق هذا الإفتاء، حيث قال: إذا وكله - أي شخصا - في تفرقة الزكاة، أو في إهداء الهدي، فقال: زك، أو أهد، لي هذا الهدي.
فهل يحتاج إلى توكيله في النية؟ قال الحرادي: لا يحتاج إلى ذلك، بل يزكي ويهدي الوكيل، وينوي.
لأنه قوله: زك، اهد، يقتضي التوكيل في النية.
وهذا الذي قاله مقتضى ما في العزيز والروضة، من أنه لو قال رجل لغيره: أد عني فطرتي.
ففعل، أجزأ.
- كما لو قال: اقض ديني.
اه.
وأقول: كلام الشيخين هنا يقتضي خلاف ذلك.
اه.
(قوله: إن التوكيل المطلق) أي غير المقيد بالتفويض في النية بأن يقول له وكلتك في إخراج زكاتي من مالي وإعطائها للمستحقين، ولا يتعرض للنية.
(قوله: يستلزم التوكيل في نيتها) أي الزكاة.
وعليه، فلا يحتاج لنية الموكل، بل يكفي لنية الوكيل.
(قوله: وفيه) أي إفتاء بعضهم من أن التوكيل يستلزم نيتها.
(قوله: بل المتجه الخ) صرح به في الروض، ونصه: ولو دفع إلى الإمام بلا نية، لم يجزه نية(2/207)
الإمام، كالوكيل.
اه.
قال في شرحه: فإنه لا تجزئه نيته عن الموكل، حيث دفعها إليه بلا نية، كما لو دفعها إلى
المستحقين بنفسه.
اه.
(قوله: أو تفويضها) أي النية للوكيل، بأن قال له: وكلتك في دفع الزكاة، وفوضت لك نيتها.
وعبارة الروض وشرحه: وله تفويض النية إلى وكيله في الأداء إذا كان أهلا لها، لإقامته إياه مقام نفسه فيها.
اه.
(قوله: قال المتولي وغيره إلخ) هذا استدراك على عدم الاكتفاء بنية الوكيل، فكأنه قال: لا تكفي إلا في هذه المسألة، فإنها تكفي، بل تتعين.
وكان المناسب زيادة أداة الإستدراك كما في فتح الجواد، وعبارته: نعم، تتعين نية الوكيل الخ.
اه.
(قوله: يتعين نية الوكيل) أي بأن يقصد أن ما يخرجه زكاة موكله.
(قوله: إذا وقع الفرض) أي وهو القدر الذي يجب عليه في ماله.
(وقوله: بماله) الباء بمعنى من، وضميره يعود على الوكيل، أي من مال الوكيل.
(قوله: بأن قال له إلخ) تصوير لوقوع الفرض من مال الوكيل.
(قوله: لينصرف إلخ) علة لتعيين نية الوكيل في هذه الصورة، أي وإنما تعينت نيته لينصرف فعل الوكيل عن الموكل، أي ليقع أداؤه الزكاة من ماله عنه.
(قوله: وقوله له ذلك) أي قوله الموكل للوكيل أد زكاتي من مالك (قوله: متضمن للإذن له) أي للوكيل.
(وقوله: في النية) أي نية الزكاة، وما ذكر من أن القول المذكور يتضمن الإذن فيها مؤيد للإفتاء المار.
وقد علمت عن سم أن كلام الشيخين يقتضي خلافه.
(قوله: وقال القفال: لو قال) أي من وجبت عليه الزكاة.
(قوله: ففعل) أي ذلك الغير ما أمر به.
(قوله: صح) أي ما فعله من الاقتراض وأداء الزكاة عنه.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد، وعبارته: وقال القفال إلى آخر ما ذكر الشارح.
ثم قال بعده: ويفرق بين هذه وما قبلها بأن القرض ثم ضمني، وهو لا يعتبر فيه قبض، فلا اتحاد.
اه.
وقوله: وما قبلها: هي مسألة المتولي.
(قوله: بجواز اتحاد القابض والمقبض) أي بجواز أن يكون القابض والمقبض واحدا - كما هنا، فإن المقبض هو المقرض، وهو أيضا القابض بطريق النيابة عن موكله في إخراج الزكاة عنه.
والجمهور على منعه، فعليه لا يصح ما فعله الوكيل من إقراضه، وأداء الزكاة عنه.
(قوله: وجاز لكل من الشريكين إلخ) (اعلم) أن المؤلف تعرض لبيان حكم النصاب المشترك، ولم يتعرض لبيان الشركة فيه وأقسامها وشروطها، وكان عليه أن يتعرض أولا لذلك - كغيره - ثم يبين الحكم.
وقد أفرد الكلام على ذلك الفقهاء بترجمة مستقلة، وحاصله أن الشركة هنا في أن يكون المال الزكوي بين مالكين مثلا، وتنقسم قسمين: شركة شيوع، وشركة جوار، ويعبر عن الأولى بخلطة الأعيان، وعن الثانية بخلطة الأوصاف.
وضابط الأولى: أن لا يتميز مال أحد الشريكين عن مال الآخر، بل يستحق كل منهما في جميع المال جزءا شائعا، وذلك كأن ورث اثنان مثلا نصابا، أو أوصي لهما به، أو وهب لهما.
وضابط الثانية: أن يتميز مال كل منهما عن الآخر، فيزكى المالان في القسمين كمال واحد، ويشترط فيهما كون مجموع المال نصابا أو أقل منه، ولأحدهما نصاب،
وكون المالين من جنس واحد، لا غنم مع بقر، وكون المالكين من أهل الزكاة، ودوام الشركة كل الحول.
ويشترط في الثاني - بالنسبة للماشية - أن يتحد مشرب - وهو موضع شرب الماشية - ومسرح - وهو الموضع الذي تجتمع فيه - ثم تساق إلى المرعى، ومراح - بضم الميم - وهو مأواها ليلا - وراع لها، وفحل، ومحلب - وهو مكان الحلب بفتح اللام.
وبالنسبة للتمر والزرع: أن يتحد ناطور - وهو حافظ الزرع - والشجر، وجرين - وهو موضع تجفيف الثمر - وبيدر - وهو موضع تصفية الحنطة - وبالنسبة للنقد وعروض تجارة أن يتحد دكان، ومكان حفظ، وميزان، وكيال، ومكيال، ونقاد - وهو الصيرفي - ومناد - وهو الدلال -.
(قوله: إخراج الخ) أي سواء كان من نفس المال المخرج أو من غيره.
(قوله: لإذن الخ) تعليل لجواز إخراج أحد الشريكين ذلك.
أي وإنما جاز ذلك لإذن الشارع فيه، أي ولأن المالين بالخلطة صارا كالمال الواحد، فيرجع حينئذ المخرج على شريكه ببدل ما أخرجه عنه.
(قوله: وتكفي نية الدافع منهما) أي من(2/208)
الشريكين.
وعبارة التحفة: ولكل من الشريكين إخراج زكاة المشترك بغير إذن الآخر.
وقضيته - بل صريحه - أن نية أحدهما تغني عن الآخر، ولا ينافيه قول الرافعي: كل حق يحتاج لنية لا ينوب فيه أحد إلا بإذن.
لأن محله في غير الخليطين، لإذن الشرع فيه.
اه.
(قوله: على الأوجه) أي المعتمد.
ومقابله يقول: ليس لأحدهما الانفراد بالإخراج بلا إذن الآخر والانفراد بالنية.
(قوله: وجاز توكيل كافر وصبي) من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل، أي وجاز توكيل المالك كافرا أو صبيا، أي مميزا.
ومثلهما السفيه.
وعبارة التحفة مع المنهاج: وله - إذا جاز له التفرقة بنفسه - التوكيل فيها لرشيد، وكذا لنحو كافر ومميز وسفيه، إن عين له المدفوع له.
وأفهم قوله له، أن صرفه بنفسه أفضل.
اه.
(قوله: في إعطائها) أي الزكاة.
وهو متعلق بتوكيل.
(قوله: أي إن عين المدفوع إليه) يعني يجوز توكيل المالك كافرا أو صبيا إن عين المالك لهما المستحق الذي تدفع الزكاة له.
وقال سم: قضية ما يأتي عن فتوى شيخنا الشهاب الرملي - من أنه لو نوى عند الإفراز كفى أخذ المستحق - أنه يكفي أخذ المستحق من نحو الصبي والكافر، وإن لم يعين له المدفوع إليه.
اه.
(قوله: لا مطلقا) أي لا يجوز توكيل من ذكر مطلقا، أي من غير تعيين المدفوع إليه.
(قوله: ولا تفويض النية إليهما) أي ولا يجوز تفويض النية إلى الكافر والصبي.
والمراد من الصبي: غير المميز.
كما في التحفة، وعبارتها: ويجوز تفويض النية للوكيل الأهل، لا كافر، وصبي غير مميز، وقن.
اه.
ومفهومها جواز تقويضها للمميز، قال سم: لكن عبارة شرح الروض كالصريحة في عدم الجواز، أي جواز تفويضها للمميز.
وعبارة البهجة وشرحها صريحة في عدم
الجواز.
وعبارة العباب: ولو وكل أهلا في الدفع والنية جاز، ونيتهما جميعا أكمل.
أو غير أهل - ككافر، وصبي مميز، وعبد في إعطاء معين لا مطلقا - صح، واعتبرت نية الموكل.
اه.
وهو كالصريح فيما ذكر.
اه.
(قوله: لعدم الأهلية) أي أهلية الكافر والصبي، للنية.
وهو تعليل لعدم جواز تفويض النية لهما، وهو يؤيد ما في شرح البهجة من عدم جواز تفويض النية للمميز، لأنه ليس أهلا لنية الواجب.
(قوله: وجاز توكيل غيرهما) أي غير الكافر والصبي، وهو المسلم المكلف، أو المميز - على ما مر.
وعبارة شرح بأفضل لابن حجر صريحة في الأول، ونصها: ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها، بأن يكون مسلما مكلفا.
اه.
(قوله: في الإعطاء) أي إعطاء الزكاة للمستحقين، وهو متعلق بتوكيل.
(وقوله: والنية) أي نية الزكاة، وهذا هو محل الفرق بين الكافر والصبي وبين غيرهما.
ويفرق بينهما أيضا بجواز توكيل غيرهما مطلقا، عين له المدفوع له أو لا.
(قوله: وتجب نية الولي) أي للزكاة، لأنها واجبة وقد تعذرت من المالك، فقام بها وليه، كالإخراج.
(قوله: في مال الصبي والمجنون) أي في إخراج زكاة مالهما، والسفيه مثلهما، فينوي عنه وليه.
قال في شرح المنهج: وظاهر أن الولي السفيه مع ذلك أن يفوض النية له كغيره.
اه.
وفي التحفة: قال الأسنوي: والمغمى عليه قد يولى غيره عليه - كما هو مذكور في باب الحجر - وحينئذ ينوي عنه الولي أيضا.
اه.
(قوله: فإن صرف الولي الزكاة) أي دفعها عن الصبي والمجنون للمستحقين.
(وقوله: بلا نية) أي من غير أن ينوي الزكاة مما صرفه لهم.
(قوله: ضمنها) أي مع عدم وقوعها الموقع.
وعبارة غيره: لم تجزئ ويضمنها.
اه.
(قوله: لتقصيره) أي بدفعها من غير نية.
(قوله: ولو دفعها) أي الزكاة.
(قوله: المزكي) هو المالك أو وليه.
(قوله: للإمام) متعلق بدفعها.
ومثل الإمام نائبه، كالساعي.
(قوله: بلا نية) أي بلا نية المزكي الزكاة.
(قوله: ولا إذن منه) أي من المزكي له، أي الإمام فيها، أي النية.
قال سم: مفهومه الإجزاء إذا أذن له في النية ونوى، وحينئذ فيحتمل أنه وكيل المالك في الدفع إلى المستحق، فلا يبرأ المالك قبل الدفع للمستحق، إذ لا يظهر صحة كونه نائب المالك ونائب المستحق أيضا حتى يصح قبضه، ويحتمل خلافه.
اه.
(قوله: لم تجزئه نيته) أي لم تجزئ المزكي نية الإمام الزكاة، لأنه نائب المستحقين.
ولو دفع المزكي(2/209)
إليهم من غير نية لم تجزئه، فكذا نائبهم.
وكتب سم: قوله لم يجزئ: ينبغي أنه لو نوى المالك بعد الدفع إليه أجزأ، إذا وصل للمستحقين بعد النية.
اه.
(قوله: نعم، تجزئ نية الإمام) قال في فتح الجواد: فإن لم ينو - أي الإمام - أثم، لأنه حينئذ كالولي، والممتنع مقهور، كالمحجور عليه، فيجب رد المأخوذ أو بدله، والزكاة بحالها على من هي عليه.
اه.
(وقوله: عند أخذها) قال في شرح الروض - كما قاله البغوي والمتولي - لا عند الصرف إلى المستحقين.
كما بحثه ابن الأستاذ، وجزم به القمولي.
اه.
وما بحثه ابن الأستاذ وجزم به القمولي هو ما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي، وكتب بهامش شرح الروض أنه القياس، لأنهم نزلوا السلطان في الممتنع منزلته، ولذا صحت نيته عند الأخذ، فتصح عند الصرف أيضا.
اه.
سم (قوله: وإن لم ينو صاحب المال) غاية في إجزائها من الإمام، أي تجزئ منه مطلقا، سواء نوى صاحب المال أم لا.
وهي للرد على الضعيف القائل بأنها لا تجزئ نية الإمام إذا لم ينو صاحب المال لانتفاء نيته المتعبد بها.
وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: والأصح أن نيته - أي الإمام - تكفي في الإجزاء، ظاهرا وباطنا، لقيامه مقامه في النية - كما في التفرقة - وتكفي نيته عند الأخذ أو التفرقة، والثانية لا تكفي.
اه.
(قوله: وجاز للمالك الخ) أي لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - رخص في التعجيل للعباس قبل الحول، ولأن لوجوبها سببين: الحول والنصاب.
وما له سببان يجوز تقديمه على أحدهما - كتقديم كفارة اليمين على الحنث - ويشترط في إجزاء المعجل شروط: أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول، أو دخول شوال في تعجيل الفطرة، وأن يبقى المال أيضا إلى آخره، فلو مات، أو تلف المال، أو خرج عن ملكه ولم يكن مال التجارة، لم يقع المعجل زكاة.
وأن يكون القابض في آخر الحول مستحقا، فلو مات، أو ارتد قبله، أو استغنى بغير المعجل، لم يحسب المدفوع إليه عن الزكاة، لخروجه عن الأهلية عند الوجوب.
وفي إجزاء المعجل عند غيبة المال أو الآخذ عن بلد الوجوب وقته خلاف، فقال حجر: لا يجزئه، لعدم الأهلية وقت الوجوب.
وقال م ر: يجزئه، وإذا لم يقع المعجل عن الزكاة - لفقد شرط من الشروط السابقة - استرد المالك، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، أو قال له عند الدفع هذه زكاة مالي المعجلة.
فإن لم يشترط عليه ولم يعلمه القابض لم يسترد، ويكون تطوعا، لتفريط الدافع بسكوته.
(وقوله: دون الوالي) أما هو فلا يجوز له التعجيل عن موليه، سواء الفطرة وغيرها.
نعم، إن عجل من ماله جاز، ولا يرجع به على الصبي، وإن نوى الرجوع، لأنه إنما يرجع عليه فيما يصرفه عنه عند الاحتياج.
أفاده ع ش.
(قوله: قبل تمام حول) أي وبعد انعقاده، بأن يملك النصاب في غير التجارة وتوجد نيتها مقارنة لأول تصرف.
اه.
تحفة.
(قوله: لا قبل تمام نصاب) أي لا يجوز تعجيلها قبل تمام النصاب، وذلك لعدم انعقاد حولها حينئذ.
(وقوله: في غير التجارة) أما هي فيجوز تعجيل زكاتها قبل تمام النصاب فيها، وذلك لأن انعقاد حولها لا يتوقف على تمام النصاب - كما تقدم في مبحثها - فلو اشترى عرضا لها لا يساوي مائتين، فعجل زكاة مائتين وحال الحول وهو يساويهما، أجزأ المعجل.
(قوله: ولا تعجيلها لعامين) أي ولا يجوز تعجيلها لهما، لأن زكاة السنة الثانية لم ينعقد حولها، فكان
كالتعجيل قبل كمال النصاب.
ورواية أنه - صلى الله عليه وسلم - تسلف من العباس صدقة عامين: مرسلة أو منقطعة، مع احتمالها أنه تسلف منه صدقة عامين مرتين، أو صدقة مالين لكل واحد حول منفرد.
وإذا عجل لعامين أجزأه ما يقع عن الأول.
وقيده السبكي بما إذا ميز واجب كل سنة، لان المجزئ شاة معينة، لا مشاعة ولا مبهمة.
اه.
تحفة.
(قوله: في الأصح) مقابله يجوز تعجيلها لهما، للحديث المار.
قال في المغنى: وصحح هذا الأسنوي وغيره، وعزوه للنص.
وعلى هذا يشترط أن يبقى بعد التعجيل نصاب، كتعجيل شاتين من ثنتين وأربعين شاة.
اه.
(قوله: وله تعجيل إلخ) هذا وقد تقدم في مبحث الفطرة، فكان المناسب تقديم هذا على قوله ولا تعجيلها لعامين، ويأتي بما يدل على التشبيه، كأن يقول كما جاز له تعجيل الفطرة.
(وقوله: من أول رمضان) أي لانعقاد السبب الأول، إذ هي وجبت بسببين: رمضان، والفطر منه.
وقد وجد أحدهما، فجاز تقديمها على الآخر - كما مر.
(قوله: أما في مال التجارة الخ) محترز قوله في غير التجارة.(2/210)
(قوله: وينوي عند التعجيل) أنظر ما المراد بذلك؟ فإن كان المراد أنه ينوي الزكاة عند التعجيل - أي الإعطاء للزكاة قبل وقتها - فليس بلازم، لأن نية الزكاة المعجلة كغيرها، وقد تقدم أنه لا يشترط مقارنتها للإعطاء، بل يكفي وجودها عند عزل قدر الزكاة عن المال، أو إعطاء وكيل.
وإن كان المراد أنه ينوي نفس التعجيل، فلا يصح وإن كان مثاله (1) يدل عليه، إما أولا فلوجود لفظ عند، وأما ثانيا فلم يشترط أحد لإجزاء الزكاة المعجلة نية التعجيل وإن كان هو وصفا لازما لإخراج الزكاة قبل وقتها.
وعبارة المنهاج: وإذا لم يقع المعجل زكاة استرد، إن كان شرط الاسترداد إن عرض مانع، والأصح أنه لو قال هذه زكاتي المعجلة فقط - أي ولم يرد على ذلك - استرد، لأنه عين الجهة، فإذا بطلت رجع، كالأجرة.
اه.
بزيادة.
وعبارة الروض وشرحه: متى عجل المالك أو الإمام دفع الزكاة، ولم يعلم الفقير أنه تعجيل، لم يسترد، فإن علم ذلك - ولو بقول المالك هذه زكاة معجلة، وحال عليه الحول وقد خرج الفقير أو المالك عن أهلية الزكاة ولو بإتلاف ماله، استرده، أي المعجل، ولو لم يشترط الرجوع للعلم بالتعجيل وقد بطل، وإن قال هذه زكاتي المعجلة، فإن لم تقع زكاة فهي نافلة، لم يسترد.
ولو اختلفا في علم التعجيل - أي في علم القابض به - فالقول قول الفقير بيمينه، لأنه الأصل عدمه.
اه.
وإذا علمت، فكان الأولى للشارح أن يأتي بعبارة غير هذه العبارة التي أتى بها، بأن يقول مثلا ويسترد الزكاة المعجلة إن عرض سبب يقتضيه وعلم ذلك القابض، كأن قال له هذه زكاتي المعجلة، وذلك لأنه يفرق بين قوله هذه زكاتي فقط، وبين قوله هذه زكاتي المعجلة.
فيسترد بالثانية ولا يسترد بالأولى، لتفريطه بترك ما يدل على
التعجيل فيها.
فتنبه.
(قوله: وحرم تأخيرها الخ) هذه المسألة قد ذكرها الشارح بأبسط مما هنا، وليس لها تعلق بالتعجيل، فالأولى إسقاطها.
(قوله: وضمن) أي قدر الزكاة لمستحقيه.
(قوله: أن تلف) أي المال الذي تعلقت الزكاة به.
(قوله: بحضور المال) متعلق بتمكن.
(وقوله: والمستحق) أي وحضور المستحق.
(قوله: أو أتلفه) أي أتلف المال المتعلقة به الزكاة، المالك أو غيره.
ومثله ما لو تلف بنفسه وقصر في دفع المتلف عنه - كما مر.
(قوله: ولو قبل التمكن) أي ولو حصل الإتلاف بعد الحول وقبل التمكن من الأداء، فإنه يضمن قدر الزكاة للمستحقين.
(قوله: وثانيهما) أي ثاني شرطي أداء الزكاة، وقد أفرد الفقهاء هذا الشرط بترجمة مستقلة، وقالوا، باب قسم الصدقات.
واختلفوا في وضعه، فمنهم من وضعه هنا - كالمؤلف، والروض، تبعا للإمام الشافعي - رضي الله عنه - في الأم - ومنهم من وضعه بعد الوديعة وقبيل النكاح - كالمنهاج، تبعا للإمام الشافعي في المختصر - ولكل وجهة، لكن وضعه هنا أحسن، لتمام تعلقه بالزكاة.
(قوله: إعطاؤها) أي الزكاة.
(قوله: يعني من وجد الخ) أي إن المراد بالمستحقين الأصناف الثمانية المذكورون في الآية.
ومحل كونهم ثمانية إذا فرق الإمام، فإن فرق المالك فهم سبعة، وقد جمع بعضهم الثمانية في قوله: صرفت زكاة الحسن لم لا بدأت بي؟ * * فإني أنا المحتاج لو كنت تعرف فقير، ومسكين، وغاز، وعامل، * * ورق، سبيل، غارم، ومؤلف (قوله: في آية إنما الصدقات إلخ) قد علم من الحصر بإنما، أنها لا تصرف لغيرهم، وهو مجمع عليه، وإنما
__________
(1) (قوله: وإن كان مثاله) هو قولة: كهذه زكاتي المعجلة.
اه مولف.(2/211)
الخلاف في استيعابهم، أي فعندنا يجب استيعابهم، وعند غيرنا لا يجب.
قال البجيرمي: والمعنى عند الشافعي - رضي الله عنه - إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، ولا لبعضهم فقط، بل يجب استيعابهم.
والمعنى عند الإمام مالك وأبي حنيفة: إنما تصرف لهؤلاء لا لغيرهم، وهذا يصدق بعدم استيعابهم، ويجوز دفعها لصنف منهم، ولا يجب التعميم.
وقال ابن حجر في شرح العباب: قال الأئمة الثلاثة وكثيرون: يجوز صرفها إلى شخص واحد من الأصناف.
قال ابن عجيل (1) اليمني ثلاث مسائل في الزكاة يفتى فيها على خلاف المذهب، نقل الزكاة، ودفع زكاة واحد إلى واحد، ودفعها إلى صنف واحد.
ا.
ج.
اه.
(قوله: للفقراء إلخ) أي مصروفة لهم.
وبدأ بالفقراء لشدة حاجتهم، وإنما أضيف الصدقات للأربعة الأولى بلام الملك - أي نسبت إليهم بواسطتها - وإلى الأربعة الأخيرة بفي الظرفية، للإشعار بإطلاق الملك في
الأربعة الأولى لما يأخذونه، وتقييده في الأربعة الأخيرة بصرف ما أخذوه فيما أخذوه له، فإن لم يصرفوه فيه أو فضل منه شئ استرد منهم.
وإنما أعاد في الظرفية ثانيا في سبيل الله وابن السبيل، إشارة إلى أن الأولين من الأربعة الأخيرة يأخذان لغيرهما، والأخيرين منها يأخذان لأنفسهما.
اه.
بجيرمي.
ملخصا.
(قوله: والفقير الخ) شروع في تعريف الأصناف على ترتيب الآية الشريفة.
(قوله: من ليس له مال الخ) أي بأن لم يكن عنده مال ولا كسب أصلا، أو كان عنده كسب لا يليق به، أو كان له مال أو كسب يليق، لكن لا يقعان موقعا من كفايته وكفاية ممونه.
فكلامه صادق بثلاث صور، ولا بد في المال والكسب أن يكونا حلالين، فلا عبرة بالحرامين - كالمكس وغيره من أنواع الظلم - وأفتى ابن الصلاح بأن من في يده مال حرام وهو في سعة منه، يحل له أخذ الزكاة إذا تعذر عليه وجه إحلاله.
(وقوله: لائق) صفة لكسب، فلا عبرة بغير اللائق.
ولذلك أفتى الغزالي بأن أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب يجوز لهم أخذ الزكاة.
(قوله: يقع موقعا الخ) الجملة صفة لكل من مال ومن كسب، وكان الأولى أن يقول يقعان موقعا - بألف التثنية - لأن عبارته توهم أنه صفة للأخير فقط.
والمعنى أنه ليس عنده مال يقع موقعا، ولا كسب يقع موقعا، أي يسدان مسدا، ويغنيان غنى.
قال في المصباح: وقع موقعا من كفايته: أي أغنى غنى.
اه.
وذلك كمن يحتاج إلى عشرة مثلا، وعنده مالا يبلغ النصف، أو يكتسب ما لا يبلغ ذلك، كأربعة أو ثلاثة أو اثنين.
قال الشوبري: نعم، يبقى النظر فيما لو كان عنده صغار ومماليك وحيوانات، فهل نعتبرهم بالعمر الغالب، إذ الأصل بقاؤهم وبقاء نفقتهم عليه، أو بقدر ما يحتاجه بالنظر للأطفال ببلوغهم، وإلى الأرقاء بما بقي من أعمارهم الغالبة، وكذلك الحيوانات؟ للنظر في ذلك مجال.
وكلامهم يومئ إلى الأول، لكن الثاني أقوى مدركا، فإن تعذر العمل به تعين الأول.
حجر.
اه.
(قوله: ولا يمنع الفقر إلخ) كالفقر: المسكنة.
فلو أخر هذا عن تعريف المسكين وقال ولا يمنع الفقر والمسكنة لكان أولى.
(وقوله: مسكنه) أي الذي يليق به.
قال في التحفة: أي وإن اعتاد السكنى بالأجرة، بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه على الأوجه فيهما، لأن هذا كالملك، بخلاف ذاك.
اه.
(قوله: وثيابه الخ) أي ولا يمنع الفقر أيضا ثيابه، ولو كانت للتجمل بها في بعض أيام
__________
(1) (قوله: قال ابن عجيل إلخ) سئل شيخنا وأستاذنا - أطال الله بقاءه - عن نقل زكاة المال من أرض الجاوة إلى مكة والميدينة رجاء ثواب التصدق على فقراء الحرمين، هل يوجد في مذهب الشافعي قول بجواز نقلها في ذلك ئ فأجاب - بما صورته.
(اعلم) - رحمك الله - إن مسألة نقل الزكاة فيها اختلاف كثير بين العلماء، والمشهور في مذهب الشافعي امتناع نقلها إذا وجد المستحقون لها في بلدها.
ومقابل المشهور جواز النقل، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - وكثير من المجتهدين، منهم الامام البخاري،
فإنه نرجم المسألة بقوله: باب أخذ الصدقة من الاغنياء - وترد على الفقراء حيث كانوا.
قال شارحه القسطلانى: ظاهره أن المولف يختار جواز نقل الزكاة من بلد المال.
وهو أيضا مذهب الحنفية والاصح عند الشافعية والمالكية عدم الجواز: انتهى.
وفى المنهاج والتحفة للعلامة ابن حجر: والأظهر منع نقل الزكاة.
وإن نقل مقبله أكثر العلماء، وانتصر له.
انتهى.
إذا تأملت ذلكء علمت أن القول بالنقل يوجد في مذهب الإمام الشافعي، ويجوز تقليده، والعمل بمقتضاه.
والله أعلم.
اه مولف(2/212)
السنة، كالعيد والجمعة.
قال في التحفة: وإن تعددت إن لاقت به أيضا على الأوجه، خلافا لما يوهمه كلام السبكي.
ويؤخذ من ذلك صحة إفتاء بعضهم بأن حلي المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها.
اه.
(قوله: وكتب) أي ولا يمنع الفقر أيضا كتب، وإن تعددت أنواعها.
فإن تعددت من نوع واحد بيع ما زاد على واحد منها، إلا إن كانت لنحو مدرس، واختلف حجمها.
وعبارة شرح الرملي: ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس، والمبسوط لغيره فيباع الموجز، إلا أن يكون فيه ما لبس في المبسوط فيما يظهر.
أو نسخ من كتاب، بقي له الأصح، لا الأحسن.
اه.
وأما المصحف الشريف فيباع مطلقا، لأنه تسهل مراجعة حفظته، فلو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له - كما في سم.
(قوله: يحتاجها) حال من الثلاثة قبله: وهي المسكن، والثياب، والكتب.
ولا يقال إن الأخير نكرة وهي لا تجئ الحال منها.
لأنا نقول عطفها على المعرفة سوغ ذلك.
وخرج ما لا يحتاج إليه من الثلاثة، فإنه يمنع الفقر، فلا يعطى من الزكاة.
(قوله: وعبده الخ) أي ولا يمنع الفقر عبده الذي يحتاج إليه.
قال في التحفة: ولو لمروأته - أي منصبه - لكن إن اختلت مروأته بخدمته لنفسه، أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة.
اه.
(وقوله: للخدمة) خرج به المحتاج إليه للزراعة فإنه يمنع الفقر.
أفاده ش ق.
(قوله: وماله الغائب) أي ولا يمنع الفقر ماله الغائب، فيأخذ إلى أن يصل له، لأنه معسر الآن، لكن بشرط أن لا يجد من يقرضه ما يكفيه إلى أن يصل ماله.
(وقوله: بمرحلتين) خرج به الغائب إلى دون مرحلتين، فحكمه كالمال الحاضر عنده، فلا يعطى شيئا.
(وقوله: أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه) أي أو ماله الحاضر، والحال أنه قد حال بين المالك وبين المال حائل، كسبع، أو ظالم، فيعطى حينئذ بالشرط المتقدم.
وبعضهم أدخل هذا في الغائب، لأنه غائب حكما.
فإن لم يحل بينه وبينه حائل لم يعط شيئا.
(قوله: والدين المؤجل) أي ولا يمنع الفقر أيضا دين له على آخر مؤجل، فيعطى حينئذ، لكن بالشرط المار آنفا.
ولا فرق فيه بين أن يحل قبل مضي زمن مسافة القصر أو لا، لأن الدين لما كان معدوما لم يعتبر له زمن، بل أعطى إلى حلوله وقدرته على خلاصه،
بخلاف المال الغائب، ففرق فيه بين قرب المسافة وبعدها.
أفاده م ر.
(قوله: والكسب الخ) أي ولا يمنع الفقر الكسب.
(وقوله: الذي لا يليق به) أي شرعا لحرمته، أو عرفا لإخلاله بمروءته، فهو حينئذ كالعدم.
فلو لم يجد من يستعمله إلا من ماله حرام، أو فيه شبهة قوية، أو كان من أرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب وهو يخل بمروءته، كان له الأخذ من الزكاة فيهما، وأما قوله في الإحياء: إن ترك الشريف نحو النسخ والخياطة عند الحاجة، حماقة ورعونة نفس وأخذه الأوساخ عند قدرته أذهب لمروءته - فمحمول على إرشادة للأكمل من الكسب.
أفاده الرملي.
(قوله: اللائق) بالنصب صفة لحلي.
(قوله: المحتاجة) بالنصب صفة لحلي أيضا.
وعليه، فأل الموصولة واقعة على الحلي، وفاعل الصفة يعود على المرأة، وضمير به يعود على أل، وهو الرابط.
فالصلة جرت على غير من هي له، أي الحلي الذي تحتاج المرأة للتزين به.
ويصح جره صفة للمرأة، وعليه، فأل واقعة على المرأة، وفاعل الصفة يعود على أل، وضمير به يعود على الحلي، فالصلة جرت على من هي له، أي المرأة التي احتاجت للتزين بالحلي.
(قوله: لا يمنع فقرها إلخ) فرض المسألة أنها غير مزوجة، وإلا كانت مستغنية بنفقة الزوج، فلا تأخذ من الزكاة - كما سيأتي.
(قوله: وصوبه شيخنا) أي صوب الإفتاء المذكور شيخنا.
ومفاد عبارته أن شيخه قال: وهو الصواب مثلا، لأن معنى صوبه: حكم بتصوبيه، وقد تقدم نقل عبارته عند قول الشارح وثيابه ولم يكن ذلك فيها، وإنما الذي فيها ومنه يؤخذ الخ، إلا أن يقال إن قوله ذلك مع سكوته عليه وعدم رده يقتضي التصويب.
فتنبه.
(قوله: والمسكين: من قدر على مال أو كسب) أي أو عليهما، فأو: مانعة خلو - تجوز الجمع، ولا بد أن يكون كل منهما حلالا، وأن يكون الكسب لائقا - كما مر.
(قوله:(2/213)
يقع) أي أحدهما المال أو الكسب، أو مجموعهما.
ومعنى كونه يقع موقعا من كفايته: أنه يسد مسدا بحيث يبلغ النصف فأكثر.
قال ابن رسلان في زبده: فقير العادم والمسكين له * * ما يقع الموقع دون تكمله (وقوله: ولا يكفيه) أي والحال أنه لا يكفيه ما ذكر من المال أو الكسب أو مجموعهما.
وخرج به من قدر على مال أو كسب يكفيه، فإنه غني، لا يجوز له أخذ الزكاة.
(قوله: كمن يحتاج إلخ) تمثيل للمسكين.
(قوله: وعنده ثمانية) أي أو يكتسب كل يوم ثمانية.
أو يكون مجموع المال والكسب كذلك.
ومثل الثمانية: السبعة، والستة، والخمسة.
(قوله: ولا يكفيه) الأوليى ولا تكفيه - بالتاء - إذ فاعله يعود على الثمانية، وهي مؤنثة.
ولو أسقطه لكان أخصر، لأنه معلوم من
تعبيره بالاحتياج إلى العشرة ومن جعله مثالا للمسكين الذي ضبطه بما مر.
(وقوله: الكفاية السابقة) وهي كفايته، وكفاية ممونة.
(قوله: وإن ملك أكثر من نصاب) غاية لقوله والمسكين من قدر الخ.
أي إن من قدر على ما ذكر من غير كفاية يكون مسكينا، وإن ملك أكثر من نصاب.
ومن ثم قال في الإحياء: قد يملك ألفا وهو فقير، وقد لا يملك إلا فأسا وحبلا وهو غني، كالذي يكتسب كل يوم كفايته.
وفي التحفة ما نصه: (تنبيه) علم مما تقرر أن الفقير أسوأ حالا من المسكين.
وعكس أبو حنيفة، ورد بأنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ من الفقر، وسأل المسكنة بقوله: اللهم أحيني مسكينا، الحديث.
ولا رد فيه، لأن الفقر المستعاذ منه فقر القلب، والمسكنة المسؤولة سكونه وتواضعه وطمأنينته.
على أن حديثها ضعيف ومعارض بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - استعاذ منها.
لكن أجيب بأنه إنما استعاذ من فتنتها، كما استعاذ من فتنتي الفقر والغنى دون وصفيهما لأنهما تعاوراه، فكان خاتمه أمره غنيا بما أفاء الله عليه.
وإنما الذي يرد عليه ما نقله في المجموع عن خلائق من أهل اللغة مثل ما قلناه.
اه.
(واعلم) أن ما لا يمنع الفقر مما تقدم لا يمنع المسكنة أيضا - كما مر التنبيه عليه - ومما لا يمنعهما أيضا: اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن، أو بالفقه، أو بالتفسير، أو الحديث.
أو ما كان آلة لذلك وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه، وكونه فرض كفاية.
ومن ثم لم يعط المتنفل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات، لأن نفعه قاصر على نفسه.
(قوله: حتى الخ) حتى تفريعية، أي فللإمام الخ.
(قوله: إن يأخذ زكاته) أي المسكين المالك للنصاب.
(وقوله: ويدفعها إليه) أي إلى ذلك المسكين الذي أخذ الإمام منه الزكاة.
(قوله: فيعطى الخ) الفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا علمت أن الفقير والمسكين من الأصناف الثمانية فيعطى إلخ.
(قوله: كل منهما) أي الفقير والمسكين.
(وقوله: إن تعود تجارة) أي اعتاد وصلح لها.
(وقوله: رأس مال) مفعول ثان ليعطى.
(قوله: أو حرفة) أي أو تعود حرفة، فهو معطوف على تجارة.
(وقوله: آلتها) أي يعطى آلتها - أي الحرفة، أي أو ثمنها.
(قوله: يعطى كفاية العمر الغالب) أي بقيته، وهو ستون سنة، وبعدها يعطى سنة سنة - كما في التحفة والنهاية - قال الكردي: وليس المراد بإعطاء من لا يحسن ذلك إعطاء نقد يكفيه تلك المدة، لتعذره، بل ثمن ما يكفيه دخله، فيستري له عقارا، أو نحو ماشية - إن كان من أهلها - يستغله.
اه.
(قوله: وصدق مدعي فقر ومسكنة) مثله - كما سيأتي - مدعي أنه غاز أو ضعيف الإسلام، أو أنه ابن السبيل.
(قوله: عجز عن كسب) معطوف على فقر، أي وصدق مدعي عجز عن كسب.
(وقوله: ولو قويا جلدا) غاية في الأخير.
وفي النهاية: وقول الشارح وحاله
يشهد بصدقه بأن كان شيخا كبيرا، أو زمنا.
جري على الغالب.
اه.
(قوله: بلا يمين) متعلق بصدق، أي صدق مدعي(2/214)
ما ذكر من غير يمين، لما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أعطى من سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، ولم يحلفهما، مع أنه رآهما جلدين أي قويين.
(قوله: لا مدعي تلف مال) معطوف على مدعي فقر.
أي لا يصدق مدعي تلف مال - أي مطلقا سواء ادعى التلف بسبب ظاهر كحريق، أو خفي كسرقة - كما في التحفة.
(وقوله: عرف) الجملة صفة لمال.
أي عرف أنه له.
(وقوله: بلا بينة) أي لا يصدق بلا بينة، لأن الأصل بقاء المال.
والبينة: رجلان، أو رجل وامرأتان، ويغني عنها استفاضة بين الناس بأنه تلف.
ومثل دعوى التلف في ذلك دعوى أنه عامل، أو مكاتب، أو غارم، أو مؤلف، وقد عرف بخلافه.
(والحاصل) أن من علم الدافع حاله من استحقاق وعدمه عمل بعلمه.
ومن لم يعلم حاله، فإن ادعى فقرا، أو مسكنة، أو عجزا عن كسب، أو ضعف إسلام، أو غزوا، أو كونه ابن سبيل، صدق بلا يمين.
وإن ادعى تلف مال معروف له، أو غرما، أو كتابة، أو أنه عامل، لا يصدق إلا ببينة، أو استفاضة.
ويصدق دائن في الغارم، وسيد في المكاتب - كما سيأتي.
(قوله: والعامل) أي ولو غنيا.
وومحل استحقاقه من الزكاة إذا أخرجها الإمام ولم يجعل له جعلا من بيت المال، فإن فرقها المالك أو جعل الإمام له ذلك سقط سهمه.
وعبارة الكردي: العامل من نصبه الإمام في أخذ العمالة من الصدقات، فلو استأجره من بيت المال أو جعل له جعلا لم يأخذ من الزكاة.
اه.
(قوله: كساع) تمثيل للعامل، وكان الملائم لما قبله والأخصر أن يؤخر هذا عن التعريف، كأن يقول والعامل هو من يبعثه الخ.
ثم يقول: كساع، وقاسم، وحاشر، وأشار بالكاف إلى أن العامل لا ينحصر فيما ذكره، إذ منه: الكاتب، والحاسب، والحافظ، والجندي إن احتيج إليه.
(قوله: وهو من يبعثه الإمام إلخ) هذا البعث واجب.
ويشترط في هذا أن يكون فقيها بما فوض إليه منها، وأن يكون مسلما، مكلفا، حرا، عدلا، سميعا، بصيرا، ذكرا، لأنه نوع ولاية.
(قوله: وقاسم) معطوف على ساع، وهو الذي يقسمها عل المستحقين.
(وقوله: وحاشر) معطوف على ساع، وهو الذي يجمع ذوي الأموال أو والمستحقين.
(قوله: لا قاض) معطوف على ساع أيضا، أي لا كقاض - أي ووال - فلا يعطيان من الزكاة لأنهما وإن كانا من العمال لكن عملهما عام، بل يعطيان من خمس الخمس المرصد للمصالح العامة، إن لم يتطوعا بالعمل.
(قوله: والمؤلفة) جمع مؤلف من
التأليف، وهو جمع القلوب.
والمؤلفة أربعة أقسام، ذكر الشارح منها قسمين وبقي عليه قسمان، أحدهما: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار.
وثانيهما: مسلم يقاتل أو يخوف مانع الزكاة حتى يحملها إلى الإمام.
فيعطيان، لكن بشرط أن يكون إعطاؤهما أسهل من بعث جيش، وبشرط الذكورة، وكون القاسم، الإمام.
وإنما تركهما لأن الأول في معنى العامل، والثاني في معنى الغازي.
واشترط بعضهم في إعطاء المؤلفة احتياجنا إليهم.
وفيه نظر، بالنسبة للقسمين المذكورين في الشرح.
(قوله: من أسلم) من: واقعة على متعدد حتى يصح الحمل، أي المؤلفة جماعة أسلموا إلخ.
(قوله: ونيته ضعيفة) أي في أهل الإسلام بأن تكون عنده وحشة منهم، أو في الإسلام نفسه، فيعطى ليتقوى إيمانه، أو لتزول وحشته.
(قوله: أو له شرف) معطوف على ونيته ضعيفة.
أي أو من أسلم ونيته قوية، لكن له شرف يتوقع بسبب إعطائه إسلام غير من نظرائه فيعطى حينئذ لأجل ذلك.
وهذا القسم وما قبله يعطيان مطلقا - ذكورا كانوا أم لا، احتجنا إليهم أم لا، قسم الإمام أم لا.
(قوله: والرقاب) مبتدأ، خبره المكاتبون، أي الرقاب في الآية هم المكاتبون.
ومن المعلوم أن الرقاب جمع رقبة، والمراد بها الذات، من إطلاق الجزء وإرادة الكل.
(وقوله: كتابة صحيحة) أي ولو لنحو كافر، وهاشمي، ومطلبي، فيعطون ما يعينهم على العتق إن لم يكن معهم ما يفي بنجومهم، ولو(2/215)
بغير إذن ساداتهم، أو قبل حلول النجوم.
وخرج بالكتابة الصحيحة الكتابة الفاسدة، فلا يعطى المكاتب حينئذ شيئا، لأنها غير لازمة رأسا.
وأسقط قيدا صرح بمفهومه فيما سيأتي، وهو: أن تكون الكتابة لغير المزكي، فإن كانت الكتابة للمزكي فلا يعطى المكاتب من زكاته شيئا، لعود الفائدة إليه مع كونه ملكه، فلا يرد ما إذا أعطى المزكي مدينه شيئا من زكاته فرده له عن دينه فإنه يصح، ما لم يشرط عليه رده، لأن المدين ليس ملكه.
(قوله: فيعطى المكاتب) أي ولو بغير إذن سيده وقبل حلول النجوم.
(قوله: أو سيده الخ) معطوف على المكاتب، أي أو يعطى سيده بإذن المكاتب فإن أعطى سيده بغير إذنه لا يقع زكاة، ولكن يقع عن دين المكاتب فلا يطالبه سيده به، وعبارة الروض وشرحه: فيعطون - أي المكاتبون - ولو بغير إذن سيدهم.
والتسليم لما يستحقه المكاتب أو الغارم الآتي بيانه إلى السيد أو الغريم، بإذن المكاتب والغارم أحوط وأفضل، وتسليمه إلى من ذكر بغير الإذن من المكاتب أو الغارم لا يقع زكاة، فلا يسلم له إلا بإذنهما، لأنهما المستحقان، ولكن ينقضي دينهما، لأن من أدى دين غيره بغير إذنه، برئت ذمته.
اه.
بحذف.
(قوله: دينه) مفعول ثان ليعطي، أي يعطى المكاتب أو سيده ما يفي بدينه.
(قوله: إن عجز) أي المكاتب عن الوفاء أي وفاء
الدين.
فإن لم يعجز عنه فلا يعطى، لعدم احتياجه.
(قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى المكاتب مطلقا، سواء كان قادرا على الكسب أم لا.
وإنما لم يعط الفقير والمسكين القادران على الكسب - كما مر - لأن حاجتهما تتحقق يوما بيوم، والكسوب يحصل كل يوم، وحاجة المكاتب ناجزة، لثبوت الدين في ذمته.
والكسوب لا يدفعها عند حلول الأجل دفعة، بل بالتدريج غالبا، فيعطى ما يدفع حاجته الناجزة.
(قوله: لا من زكاة سيده) أي لا يعطى من زكاة سيده.
(وقوله: لبقائه) أي المكاتب، على ملك سيده، لأنه قن ما بقي عليه درهم، والقن لا يأخذ من زكاة سيده شيئا.
(قوله: والغارم) من الغرم، وهو اللزوم، لأن الدائن يلزم المدين حتى يقضيه دينه.
وهو ثلاثة أنواع ذكرها الشارح، من استدان لنفسه، ومن استدان لإصلاح ذات البين، ومن استدان للضمان.
(قوله: من استدان لنفسه لغير معصيه) أي تداين لنفسه شيئا بقصد أن يصرفه في غير معصية، بأن يكون لطاعة أو مباح، وإن صرفه في معصية.
ويعرف قصد ذلك بقرائن الأحوال، فإن استدان لمعصية ففيه تفصيل.
فإن صرفه فيها ولم يتب فلا يعطى شيئا، وإن لم يصرفه فيها بأن صرفه في مباح، أو صرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته، فيعطى.
فالمفهوم فيه تفصيل.
(قوله: فيعطى له) نائب الفاعل ضمير يعود على الغارم، واللام زائدة، وما دخلت عليه مفعول ثان، أي يعطى الغارم إياه - أي ما استدانه - وأفاده أنه لو أعطى من ماله شيئا ولم يستدن لم يعط شيئا.
وهو كذلك.
(قوله، إن عجز عن وفاء الدين) أي وحل الأجل، فإن لم يعجز عن وفاء الدين بأن كان ما له يفي به.
أو لم يحل الأجل، فلا يعطى شيئا.
(قوله: وإن كان كسوبا) غاية في الإعطاء، أي يعطى الغارم وإن كان قادرا على الكسب.
(قوله: إذ الكسب إلخ) تعليل لإعطائه مع قدرته على الكسب.
(وقوله: لا يدفع حاجته الخ) أي لا يدفع احتياجه لوفاء الدين إذا حل لأن حاجته لذلك ناجزة، والكسب إنما هو تدريجي.
قال في التحفة: ولا يكلف كسوب الكسب هنا، لأنه لا يقدر على قضاء دين منه غالبا إلا بتدريج، وفيه حرج شديد.
اه.
(قوله: ثم إن لم يكن إلخ) تفصيل لما أجمله أولا بقوله: فيعطى له الخ.
(قوله: معه) أي من استدان لنفسه.
(قوله: أعطى الكل) أي كل ما استدانه.
(قوله: إلا) أي بأن كان معه شئ.
(قوله: فإن كان إلخ) أي ففيه تفصيل، وهو: فإن كان الخ.
(قوله: بحيث الخ) أي متلبسا بحالة: هي أنه لو قضى دينه إلخ.
(قوله: مما معه) أي مما عنده من المال.
(قوله: تمسكن) أي صار مسكينا، وهو جواب لو.
(قوله: ترك الخ) جواب إن.
(وقوله: له) أي لمن استدان.
(وقوله: ما يكفيه) نائب فاعل ترك.
(قوله: أي العمر الغالب) أي الكفاية السابقة للعمر الغالب.
(قوله: كما(2/216)
استظهره شيخنا) عبارته مع الأصل: والأظهر اشتراط حاجته بأن يكون بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن - كما رجحاه في الروضة وأصلها والمجموع - فيترك مما معه ما يكفيه، أي الكفاية السابقة للعمر الغالب - فيما يظهر - ثم إن فضل معه شئ صرفه في دينه، وتمم له باقيه، وإلا قضى عنه الكل.
اه.
(قوله: وأعطى) أي من ترك له من ماله ما يكفيه ما ذكر.
(وقوله: باقي دينه) أي إن فضل بعد ترك ما يكفيه العمر الغالب شئ، وإلا أعطى الكل - كما صرح به شيخه في العبارة المارة.
(قوله: أو لإصلاح ذات البين) معطوف على لنفسه، أي أو من استدان لإصلاح الحال الكائن بين القوم المتنازعين، كأن خاف فتنة بين قبيلتين تنازعتا في قتيل لم يظهر قاتله، فتحمل الدية تسكينا للفتنة.
(قوله: فيعطى) أي من استدان للاصلاح.
(قوله: ما استدانه لذلك) أي لإصلاح ذات البين.
(قوله: ولو غنيا) لأنه لو اعتبر الفقر لقلت الرغبة في هذه المكرمة.
(قوله: أما إذا لم يستدن إلخ) ومثله ما لو استدان ووفى الدين من ماله، فلا يعطى شيئا.
(قوله: ويعطى المستدين الخ) أي لأنه غارم.
وعبارة التحفة: ومنه - أي الغارم - من استدان لنحو عمارة مسجد وقري ضيف.
ثم اختلفوا فيه، فألحقه كثيرون بمن استدان لنفسه، ورجحه جمع متأخرون، أي فيعطى إن عجز عن وفاء الدين.
وآخرون بمن استدان لإصلاح ذات البين، إلا إن غنى بنقد، أي لا بعقار، ورجحه بعضهم.
ولو رجح أنه لا أثر لغناه بالنقد أيضا حملا على هذه المكرمة العام نفعها لم يبعد.
اه.
بزيادة.
(وقوله: لمصلحة عامة) أي لأجل مصلحة يعم نفعها المسلمين.
(قوله: كقري ضيف إلخ) أمثلة للمصلحة العامة.
(قوله: وعمارة نحو مسجد) أي إنشاء أو ترميما، فإن استدان لذلك أعطى.
ولا يجوز دفع الزكاة لبناء مسجد ابتداء - كما في الكردي - وسيذكره الشارح قريبا.
(قوله: وإن غني) غاية في الإعطاء.
أي يعطى، وإن كان غنيا - أي مطلقا، بعقار أو بنقد - وهي للرد على من يقول إنه لا يعطى إذا كان غنيا، وللرد على من يفصل بين غني النقد فلا يعطى، وبين غني العقار فيعطى - كما يعلم من عبارة التحفة المارة - ويعلم أيضا من عبارة الروض وشرحه ونصها: وفي قراء الضيف، وعمارة المسجد، وبناء القنطرة، وفك الأسير، ونحوها من المصلحة العامة، يعطى المستدين لها من الزكاة عند العجز عن النقد، لا عن غيره - كالعقار - وعلى هذا جرى الماوردي والروياني وغيرهما.
وقال السرخسي: حكمه حكم ما استدانه لمصلحة نفسه الخ.
اه.
(قوله: أو للضمان) يحتمل عطفه على لمصلحة عامة، ويحتمل عطفه على لنفسه.
والتقدير على الثاني: أو استدان للضمان.
وعلى الأول: ويعطى المستدين للضمان.
والأقرب الملائم لجعل أقسام الغارم ثلاثة الثاني، وإن كان ظاهر صنيعه الأول.
(قوله: فإن كان الضامن الخ) بيان لحكم من استدان للضمان على الاحتمال الثاني، أو تفصيل لما أجمله على الاحتمال الأول.
(وقوله: والأصيل) هو
المدين.
(قوله: أعطى الضامن من وفاءه) ويجوز إعطاؤه للأصيل، بل هو أولى.
(قوله: أو الأصيل موسرا) أي أو كان الأصيل موسرا.
(وقوله: دون الضامن) أي فإنه معسر.
(قوله: أعطى) أي الضامن وفاء الدين.
(قوله: إن ضمن بلا إذن) أي بأن تبرع بالضمان، فإن ضمنه بإذنه، لا يعطى شيئا.
والفرق بينهما: أنه في الأول إذا غرم لا يرجع على الأصيل، لأن ضمانه من غير إذنه.
وفي الثاني: إذا غرم يرجع عليه، لأنه بإذنه.
(قوله: أو عكسه) هو أن يكون الأصيل معسر، والضامن موسرا.
(وقوله: أعطى الأصيل) أي ما يفي بدينه.
(وقوله: لا الضامن) أي لأنه موسر.
وبقيت صورة رابعة، وتؤخذ من كلامه.
وهي: ما إذا كانا موسرين فإنهما لا يعطيان شيئا، لأن الضامن إذا غرم رجع على الأصيل، لكونه موسرا.
وعبارة البجيرمي: وخرج بأعسر: ما إذا كانا موسرين، أو الضامن، فلا يعطى، ولو بغير الإذن في الأول على الأوجه - كما في شرح الروض.
سم.
اه.
(قوله: وإذا وفى) أي الضامن، وهو بفتح الواو وتشديد الفاء وتخفيفها.
ومفعوله محذوف، أي الدين المضمون.
(قوله: لم يرجع على الأصيل) أي لأنه لم يغرم من عنده شيئا حتى يرجع به، وهو إنما(2/217)
يرجع إذا غرم من عنده.
قال في شرح الروض: وإذا قضى به دينه لم يرجع على الأصيل، وإن ضمن بإذنه، وإنما يرجع إذا غرم من عنده.
اه.
(قوله: ولا يصرف من الزكاة إلخ) هذا يعلم من قوله وإعطاؤها لمستحقيها، إذ ما ذكر من الكفن وبناء مسجد ليس من مستحقيها، فلو أخره عن سائر الأصناف، أو قدمه هناك، لكان أنسب.
ثم ظهر أن لذكره هنا مناسبة من حيث أنه كالمفهوم لقوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة، فكأنه قال: تصرف الزكاة لمن استدان للمصلحة العامة، ولا تصرف لها نفسها ابتداء، كأن يبني بها مسجدا، أو يجهز بها الأموات، أو يفك بها الأسر.
فتنبه.
(قوله: أو بناء مسجد) لا ينافيه ما مر في قوله ويعطى المستدين لمصلحة عامة إلخ، لأن ذاك فيما إذا استدان لذلك، فيعطى ما استدانه من سهم الغارمين، وهذا فيما إذا أراد ابتداء أن يعمر مسجدا بزكاة ماله.
وبينهما فرق.
(قوله: يصدق مدعي كتابة) هو العبد.
(قوله: أو غرم) أي أو مدعي غرم.
ولو لإصلاح ذات البين - كما في التحفة.
(قوله: بإخبار عدل) متعلق بيصدق، والاكتفاء به هو الراجح.
وقيل: لا بد من رجلين، أو رجل وامرأتين.
وعبارة التحفة: ويؤخذ من اكتفائهم بإخبار الغريم هنا وحده مع تهمته: الاكتفاء بإخبار ثقة ولو عدل رواية ظن صدقة.
بل القياس الاكتفاء بمن وقع في القلب صدقه، ولو فاسقا.
ثم رأيت في كلام الشيخين ما يؤيد ذلك.
نعم، بحث الزركشي في الغريم والسيد أن محل الخلاف، إذا وثق بقولهما، وغلب على الظن الصدق.
قال: وإلا لم يفد قطعا.
اه.
ومثلها النهاية.
(قوله: وتصديق الخ) بالجر، عطف
على إخبار عدل.
والواو بمعنى أو، أي ويصدق من ذكر بتصديق سيد بالنسبة للكتابة، وبتصديق رب الدين - أي صاحبه - بالنسبة للغرم.
قال في التحفة: ولا نظر لاحتمال التواطؤ، لأنه خلاف الغالب.
اه.
(قوله: أو اشتهار الخ) بالجر أيضا عطف على إخبار عدل، أي ويصدق من ذكر باشتهار حاله بين الناس، أي اشتهر أنه غارم أو مكاتب عند الناس، ولا بد أن يكونوا عددا يؤمن تواطؤهم على الكذب.
قال الرافعي: وقد يحصل ذلك بثلاثة.
(قوله: فرع) الأولى: فروع، لأنه ذكر ثلاثة.
الأول: من دفع إلخ.
الثاني: ولو قال لغريمه الخ.
الثالث: ولو قال اكتل إلخ.
(قوله: لمدينه) هو من عليه الدين.
(قوله: بشرط الخ) أي بأن قال له: هذه زكاتي أعطيها لك بشرط أن تردها إلي عن ديني الذي لي عليك.
(وقوله: يردها) أي الزكاة.
(وقوله: له) أي لمن دفع، وهو المزكي.
(قوله: لم يجز) بضم الياء وسكون الجيم، أي لم يجزه ما دفعه للمدين عن الزكاة، فهو مأخوذ من الإجزاء.
ويحتمل أنه مأخوذ من الجواز، بقرينة قوله فيما بعد: فإن نويا جاز وصح.
فيكون بفتح الياء وضم الجيم، أي لم يجز دفعه ذلك للزكاة بالشرط المذكور.
(قوله: ولا يصح قضاء الدين بها) أي الزكاة، لأنها باقية على ملك المالك.
اه.
بجيرمي.
(قوله: فإن نويا) أي الدائن والمدين.
(وقوله: ذلك) أي قضاء الدين.
(وقوله: جاز وصح) ضر التصريح به كره إضماره.
(قوله: وكذا إن وعده المدين) أي وكذلك يجوز ويصح ما ذكر إن وعد المدين الدائن، بأن قاله له ادفع لي من زكاتك حتى أقضيك دينك، ففعل، أجزأه عن الزكاة.
(وقوله: فلا يلزمه) الأنسب ولا يلزم - بواو العطف - لأن الفاء توهم أن ما بعدها جواب إن قبلها.
(وقوله: الوفاء بالوعد) هو أن يدفع إليه ما أخذه من الزكاة عن دينه.
(قوله: ولو قال) أي الدائن لغريمه، أي المدين.
(قوله: لم يجزئ) أي لم يجزئ ما جعله له عن الزكاة لاتحاد القابض والمقبض.
(قوله: على الأوجه) مقابله يجزئ، كالوديعة إذا كانت عند مستحق للزكاة فملكه المالك إياها زكاة، فإنه يجزى.
(قوله: إلا إن قبضه الخ) أي إلا إن قبض الدائن دينه من المدين، ثم رده على مدينه بنية الزكاة، فإنه يجزئ عن الزكاة.
(قوله: ولو قال) أي لفقير عنده حنطة له وديعة.
(وقوله: اكتل) أي لنفسك.(2/218)
(وقوله: من طعامي عندك) أي الموضوع عندك وديعة.
(وقوله: كذا) مفعول اكتل، وهو كناية عن صاع مثلا.
(وقوله: ونوى به الزكاة) أي نوى المالك المزكي الزكاة، أي بالصاع الذي أمره باكتياله مما عنده.
(قوله: ففعل) أي المأموم ما أمره به.
(قوله: فهل يجزئ) أي يقع عن الزكاة.
(قوله: وجهان) أي فيه وجهان: فقيل يجزئ، وقيل لا.
(قوله: وظاهر كلام شيخنا ترجيح عدم الإجزاء) لم يتعرض شيخه في التحفة لهذه المسألة رأسا.
وفي فتح الجواد جزم بعدم
الإجزاء، وعبارته: أو قال لوديعه اكتل لنفسك من الوديعة التي تحت يدك صاعا زكاة، لم يجز أيضا لانتفاء كيله له، وكيله لنفسه لغو.
اه.
فلعل ما نقله الشارح عن شيخه من الترجيح في غير هذين الكتابين.
وجزم بعدم الإجزاء أيضا في الروض، وعبارته مع شرحه: ولو قال اكتل لنفسك مما أودعتك إياه صاعا - مثلا - وخذه لك، ونوى به الزكاة ففعل، أو قال جعلت ديني الذي عليك زكاة، لم يجزه.
أما في الأولى: فلانتفاء كيله له، وكيله لنفسه غير مقيس.
وأما في الثانية: فلأن ما ذكر فيها إبراء لا تمليك، وإقامته مقامه إبدال، وهو ممتنع في الزكاة.
بخلاف قوله للفقير: خذ ما اكتلته لي بأن وكله بقبض صاع حنطة مثلا فقبضه، أو بشرائه فاشتراه وقبضه، فقال له الموكل خذه لنفسك، ونواه زكاة، فإنه مجزئ، لأنه لا يحتاج إلى كيله لنفسه.
اه.
بحذف.
(قوله: وسبيل الله) هو وضعا: الطريق الموصل له تعالى، ثم كثر استعماله في الجهاد لأنه سبب الشهادة الموصلة لله تعالى، ثم أطلق على ما ذكر مجازا لأنهم جاهدوا، لا في مقابل، فكانوا أفضل من غيرهم.
(قوله: وهو القائم الخ) الصواب إسقاط الواو، لأن ما بعدها خبر المبتدأ، وهي لا تدخل عليه.
(قوله: متطوعا) حال من القائم، أي حال كونه متطوعا، أي لا سهم له في ديوان المرتزقة.
فإن كان له ذلك لا يعطى من الزكاة شيئا، بل من الفئ، فإن لم يكن فئ، أو كان ومنعه الإمام، واضطررنا لهم في دفع شر الكفار، فإن كان لهم مال لم تجب إعانتهم، أو فقراء لزم أغنياء المسلمين إعانتهم من أموالهم لا من الزكاة.
(قوله: ولو غنيا) غاية لمقدر، أي فيعطى ولو كان غنيا.
ولو أخره عن الفعل بعده لكان أولى.
(قوله: ويعطى المجاهد إلخ) الأولى ويعطى النفقة إلخ - بحذف لفظ المجاهد - إذ المقام للإضمار.
والمعنى أن هذا القائم للجهاد يعطى كل ما يحتاجه لنفسه أو لممونه من نفقة وكسوة وغيرهما إذا حان وقت خروجه له.
وعبارة المنهاج مع شرح الرملي: ويعطى الغازي - إذا حان وقت خروجه - قدر حاجته اللائقة به وبممونه لنفقة وكسوة، ذاهبا وراجعا ومقيما هناك - أي في الثغر أو نحوه - إلى الفتح، وإن طالت الإقامة، لأن اسمه لا يزول بذلك، بخلاف السفر لابن السبيل.
ويعطيه الإمام - لا المالك - فرسا إن كان ممن يقاتل فارسا، وسلاحا وإن لم يكن بشراء، ويصير ذلك - أي الفرس والسلاح - ملكا له إن أعطى الثمن فاشترى لنفسه أو دفعها له الإمام ملكا له إذا رآه.
بخلاف ما إذا استأجرهما له، أو أعاره إياهما، لكونهما موقوفين عنده.
اه.
بحذف.
(قوله: ذهابا وإيابا) أي وإقامة في الثغر، أو نحوه - كما علمت.
(قوله: وثمن آلة الحرب) أي ويعطى ثمن آلة الحرب، أي أو نفس الآلة.
ويعطى أيضا مركوبا إن لم يطق المشي، أو طال سفره، وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يعتد مثله حملهما.
(قوله: وإبن السبيل) هو اسم جنس يطلق لغة على المسافر - رجلا أو امرأة، قليلا أو كثيرا - ولم يأت في القرآن العظيم إلا مفردا، لأن
محل السفر محل الوحدة، وإنما قيل له ابن السبيل - أي الطريق - لكونه ملازما له كملازمة الابن لأبيه، فكأنه ابنه.
ومن هذا المعنى قيل للملازمين للدنيا المنهمكين في تحصيلها: أبناء الدنيا.
(قوله: وهو مسافر الخ) الأولى حذف الواو - كما مر.
(قوله: مجتاز ببلد الزكاة) أي مار بها.
(قوله: أو منشئ سفر) معطوف على مجتاز، وإطلاق ابن السبيل عليه مجاز، لدليل هو القياس على الأول، بجامع احتياج كل لاهية السفر.
كذا في التحفة والنهاية.
(قوله: مباح) يفيد أنه إذا كان السفر معصية لا يطلق على المسافر: ابن السبيل، وليس كذلك.
وعبارة المنهاج: وابن السبيل: منشئ سفر أو مجتاز، وشرطه - أي من جهة الإعطاء لا التسمية - الحاجة، وعدم المعصية.
اه.
بزيادة من شرحي م ر وحجر.
فقوله(2/219)
لا التسمية: يفيد أنه يطلق عليه ابن السبيل.
(قوله: منها) أي من بلد الزكاة.
(قوله، ولو لنزهة) غاية لمقدر، أي فيعطى، ولو كان سفره لنزهه، أو كان كسوبا.
وعبارة الروض وشرحه: وهو من ينشئ سفرا مباحا من محل الزكاة فيعطى، ولو كسوبا، أو كان سفره لنزهه، لعموم الآية.
(قوله: بخلاف المسافر لمعصية) أي بأن عصى بالسفر، لا فيه، فلا يعطى، لأن القصد بإعطائه إعانته، ولا يعان على المعصية.
قال الكردي في الإيعاب: جعل بعضهم من سفر المعصية سفره بلا مال، مع أن له مالا ببلده، فيحرم، لأنه مع غناه يجعل نفسه كلا على غيره.
اه.
(قوله: إلا إن تاب) أي فيعطى لبقية سفره.
(قوله: والمسافر لغير مقصد صحيح) أي وبخلاف المسافر لغير ذلك فلا يعطى، لأن إتعاب النفس والدابة بلا غرض صحيح حرام، فلا يعان عليه بإعطائه.
(وقوله: كالهائم) تمثيل له.
قال الكردي: ومثله المسافر للكدية، وهي - بالضم والتحتية - ما جمع من طعام أو شراب، ثم استعملت للدروزة، وهي مطلق السؤال.
قال في الإيعاب: ولا شك أن الذين يسافرون بهذا القصد لا مقصد لهم معلوم غالبا، فهم حينئذ كالهائم.
اه.
(قوله: ويعطى) أي ابن السبيل.
(وقوله: كفايته إلخ) ويعطى أيضا ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره، وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملهما.
(قوله: أي جميعها) أي الكفاية.
والمناسب جميعهما، بضمير التثنية العائد على كفايته وعلى كفاية ممونه.
(قوله: ذهابا وإيابا) هذا إن قصد الرجوع، فإن لم يقصده يعطى ذهابا فقط.
قال في شرح المنهج: ولا يعطى مؤنة إقامته الزائدة على مدة المسافر.
اه.
وقال في التحفة: وهي - أي مدة المسافر - أربعة أيام، لا ثمانية عشر يوما، لأن شرطها قد لا يوجد.
اه.
واعتمد في النهاية - تبعا لوالده - أنه إذا أقام لحاجة يتوقعها كل يوم، يعطى ثمانية عشر يوم.
(قوله: إن لم يكن له) أي لابن السبيل وهذا قيد لكونه يعطى كفايته ذهابا وإيابا، وخرج به ما إذا كان له ذلك فإنه إنما يعطى القدر الذي يوصله إلى الموضع الذي فيه ماله، من الطريق أو المقصد.
وعبارة الروض وشرحه.
(فرع) يعطى ابن السبيل ما يكفيه في سفره ذهابا، وكذا إيابا، لقاصد الرجوع، إن لم يكن له في طريقه أو مقصده مال، أو ما يبلغه ماله إن كان له فيه مال.
اه.
(قوله: ويصدق في دعوى السفر) أي إرادة السفر.
(وقوله: وكذا في دعوى الغزو) أي وكذلك يصدق في دعوى إرادة الغزو - كما في حجر على بافضل - قال الكردي: وخرج بإرادة غزو، وكذا إرادة سفر ابن السبيل، ما لو ادعيا نفس الغزو والسفر فإنهما لا يصدقان.
قال في الإيعاب: لسهولة إقامة البينة عليهما.
اه.
(قوله: بلا يمين) متعلق بيصدق، أي يصدق بلا يمين.
قال في التحفة: لأنه لأمر مستقل.
اه.
(قوله: ويسترد منه) أي ممن ذكر من مدعي السفر ومدعى الغزو.
(وقوله: ما أخذه) نائب فاعل يسترد، أي يسترده إن بقي، وإلا فبدله.
اه.
تحفة.
(وقوله: إن لم يخرج) أي من ذكر.
بأن مضت ثلاثة أيام تقريبا ولم يترصد للخروج، ولا انتظر رفقة، ولا أهبة - كما في التحفة والنهاية - وإن أعطي من ذكر، وخرج ثم رجع، استرد فاضل ابن السبيل مطلقا، وكذا فاضل الغازي بعد غزوه إن كان شيئا له وقع عرفا ولم يقتر على نفسه، وإلا فلا يسترد منه.
وفي التحفة: يظهر أنه يقبل قوله في قدر الصرف، وأنه لو ادعى أنه لم يعلم قدره صدق ولم يسترد منه شئ، ولو خرج الغازي ولم يغز ثم رجع، استرد ما أخذه، قال الماوردي: لو وصل بلادهم ولم يقاتل لبعد العدو، لم يسترد منه لأن القصد الاستيلاء على بلادهم وقد وجد.
اه.
بتصرف.
(قوله: ولا يعطى أحد بوصفين) أي اجتمعا فيه، واستحق بهما الزكاة، كفقر وغرم، أو غزو.
والمراد: لا يعطى بهما من زكاة واحدة.
أما من زكاتين فيجوز أن يأخذ من واحدة بصفة، ومن الأخرى بصفة أخرى.
كغاز هاشمي، فإنه يأخذ بهما من الفئ.
(قوله: نعم، إن أخذ الخ)(2/220)
هذا تقييد لما قبله: أي محل امتناع الأخذ بهما إن لم يتصرف في المأخوذ أولا، وإلا يمتنع ذلك.
وعبارة المنهاج مع التحفة: ومن فيه صفتا استحقاق للزكاة - كالفقر والغرم، أو الغزو - ويعطى من زكاة واحدة بأحدهما فقط، والخيرة إليه - في الأظهر - لأنه مقتضى العطف في الآية.
نعم، إن أخذ بالغرم أو الفقر مثلا، فأخذه غريمه وبقي فقيرا أخذ بالفقر، وإن نازع فيه كثيرون.
فالممتنع إنما هو الأخذ بهما دفعة واحدة، أو مرتبا قبل التصرف في المأخوذ.
اه.
بتصرف.
(قوله: تنبيه) أي من حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم، وما يتبع ذلك.
وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل.
(قوله: ولو فرق المالك الخ) خرج به الإمام، فإنه إذا فرق لم يسقط سهم العامل.
نعم، إن جعل للعامل أجرة في بيت المال سقط أيضا.
(والحاصل) أنه إن فرق الإمام وجب عليه تعميم الأصناف الثمانية بالزكاة.
وإن فرق المالك أو نائبه وجب
عليه تعميم سبعة أصناف.
ومحل وجوب التعميم في الشقين إن وجدوا، وإلا فمن وجد منهم، حتى لو لم يوجد إلا فقير واحد صرفت كلها له.
والمعدوم لا سهم له، قال في النهاية: قال ابن الصلاح - والموجود الآن أربعة: فقير، ومسكين، وغارم، وابن السبيل.
وإلا مر - كما قال - في غالب البلاد، فإن لم يوجد أحد منهم حفظت حتى يوجد بعضهم.
اه.
(قوله: ثم إن انحصر المستحقون الخ) أي في البلد.
ومحل هذا فيما إذا كان المخرج للزكوات المالك، فإن كان الإمام فلا يشترط انحصارهم فيها، بل يجب عليه تعميمهم، وإن لم ينحصروا.
والمراد تعميم من وجد في الإقليم الذي يوجد فيه تفرقة الزكاة، لا تعميم جميع المستحقين في الدنيا، لتعذره.
(والحاصل) يجب على الإمام - إذا كان هو المخرج للزكوات - أربعة أشياء: تعميم الأصناف، والتسوية بينهم، وتعميم آحاد كل صنف، والتسوية بينهم إن استوت الحاجات.
وإذا كان المخرج المالك: وجبت أيضا - ما عدا التسوية بين الآحاد - إلا إن انحصروا في البلد ووفى المال بهم، فإنها تجب أيضا.
فإن أخل المالك أو الإمام - حيث وجب عليه التعميم - بصنف، غرم له حصته.
لكن الإمام إنما يغرم من الصدقات، لا من مال نفسه.
(قوله - أيضا -: ثم إن انحصر المستحقون) أي في آحاد يسهل عادة ضبطهم، ومعرفة عددهم.
(قوله: ووفى بهم) أي بحاجاتهم الناجزة فيما يظهر.
اه.
وتحفة.
قال سم: وانظر: ما المراد بالناجزة؟ قال ع ش: ويحتمل أن المراد مؤنة يوم وليلة، وكسوة فصل، أخذا مما يأتي في صدقة التطوع.
اه.
(قوله: لزم تعميمهم) أي وإن زادوا على ثلاثة من كل صنف، ولا يجوز الاقتصار على ثلاثة، إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ.
(قوله: وإلا لم يجب) أي وإن لم ينحصروا، أو انحصروا لكن لم يف المال بحاجتهم.
(قوله: ولم يندب) أي تعميمهم.
(قوله: لكن يلزمه) أي المالك.
(قوله: إعطاء ثلاثة) أي فأكثر، وذلك لأنهم ذكروا في الآية بلفظ الجمع وأقلة ثلاثة، إلا ابن السبيل فإنه ذكر فيها مفردا، لكن المراد به الجمع.
قال في النهاية: نعم، يجوز أن يكون العامل متحدا، حيث حصلت به الكفاية.
اه.
(قوله: وإن لم يكونوا إلخ) غاية للزوم إعطاء ثلاثة، أي يلزمه إعطاؤهم وإن لم يكونوا موجودين في بلد الزكاة وقت الوجوب، وإنما وجدوا عند الإعطاء.
(قوله: ومن المتوطنين) أي وإعطاء ثلاثة من المتوطنين أولى من غيرهم.
(فقوله: أولى) خبر لمبتدأ محذوف.
وعبارة الروض وشرحه: وإذا لم يجب الإستيعاب يجوز الدفع للمستوطنين والغرباء، ولكن المستوطنون أولى من الغرباء، لأنهم جيران.
اه.
(قوله: ولو أعطى) فاعله يعود على المالك فقط، إذا الكلام فيه، وبدليل قوله بعد: غرما له من ماله، إذ الإمام إنما يغرم من مال الصدقات التي بيده - كما مر.
(قوله: اثنين من كل صنف) مثله ما إذا أعطى واحدا
من صنف، والاثنان موجودان.
(قوله: والثالث) أي والحال أن الشخص الثالث من كل صنف موجود، فإن كان معدوما فسيذكر حكمه.
(قوله: لزمه أقل متمول) قال في شرح الروض: أي لأنه لو أعطاه له ابتداء خرج عن العهدة، فهو القدر الذي فرط فيه.
اه.
(قوله: غرما له) أي حال كون أقل المتمول غرما لذلك الثالث، أو على جهة الغرم له، فهو منصوب(2/221)
على الحال أو التمييز.
(وقوله: من ماله) متعلق بغرما، أي يغرمه المالك له من مال نفسه، لا من الزكاة.
(قوله: ولو فقد بعض الثلاثة) أي من بلد الوجوب.
(قوله: رد حصته) أي ذلك البعض المفقود.
(قوله: على باقي صنفه) أي على الموجود منه.
(وقوله: إن احتاجه) الضمير المستتر يعود على باقي صنفه، والبارز يعود على الحصة، وكان الأولى تأنيثه، لأن الحصة مؤنثة.
والمعنى يرد حصة المفقود على الباقي إن احتاج إليها، بأن نقص نصيبه عن كفايته.
وعبارة الروض: ومتى عدم بعضهم أو فضل عن كفاية بعضهم شئ رد أي نصيبهم في الأولى، والفاضل في الثانية - على الباقين.
قال في شرحه: ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم، وإلا نقل عن ذلك البعض.
اه.
بتصرف.
ولم يتعرض المؤلف لما إذا فقد الأصناف أو بعضهم.
وحاصل الكلام عليه - كما في المنهج وشرحه - أنه إذا عدمت الأصناف أو فضل عنهم شئ، وجب نقلها، أو نقل الفاضل إلى مثلهم بأقرب بلد إلى مال المتصدق.
فإن عدم بعضهم، أو وجدوا كلهم، وفضل عن كفاية بعضهم شئ، رد نصيب البعض المعدوم أو الفاضل على الباقين إن نقص نصيبهم عن كفايتهم، ولا ينقل إلى غيرهم، لانحصار الاستحقاق فيهم.
فإن لم ينقص نصيبهم، نقل ذلك إلى ذلك الصنف بأقرب بلد.
(قوله: وإلا فعلى باقي الأصناف) أي وإن لم يحتج ذلك البعض الباقي إلى حصة المفقود ردت على باقي الأصناف.
(قوله: ويلزم التسوية إلخ) أي سواء قسم المالك أم الإمام، وإن تفاوتت حاجاتهم، لأن ذلك هو قضية الجمع بينهم بواو التشريك.
ولو نقص سهم صنف عن كفايتهم، وزاد سهم صنف آخر رد فاصل هذا على أولئك.
(قوله: لا التسوية بين آحاد الصنف) أي لا تجب التسوية بين آحاد الصنف، فله أن يعطي الزكاة كلها لفقير، إلا أقل متمول، فيعطيه لفقيرين.
وإنما لم تجب لعدم انضباط الحاجات التي من شأنها التفاوت، بخلاف الأصناف، فمحصورة.
وهذا محله إن قسم المالك، فإن قسم الإمام وكثر ما عنده، فإن استوت حاجاتهم وجبت التسوية، وإلا فيراعيها.
(قوله: بل تندب) أي التسوية بين الآحاد، لكن إن استوت حاجاتهم.
فإن تفاوتت استحب التفاوت بقدرها.
(قوله: واختار جماعة الخ) هذا مقابل للقول بلزوم تعميمها للأصناف، لأن ذلك عام في زكاة المال وفي زكاة الفطرة.
وعبارة الروض وشرحه: ويجب استيعاب الأصناف
الثمانية بالزكاة - إن أمكن - بأن فرقها الإمام ووجدوا كلهم، لظاهر الآية، سواء زكاة الفطر وغيرها.
واختار جماعة من أصحابنا - منهم الاصطخري - جواز صرف الفطرة إلى ثلاثة مساكين أو غيرهم من المستحقين.
اه.
وعبارة التحفة: لكن اختار جمع جواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين مثلا، وآخرون جوازه لواحد، وأطال بعضهم في الإنتصار له.
بل نقل الروياني عن الأئمة الثلاثة وآخرين أنه يجوز دفع زكاة المال أيضا إلى ثلاثة من أهل السهمان، قال: وهو الاختيار، لتعذر العمل بمذهبنا.
ولو كان الشافعي حيا لأفتى به.
اه.
قال الكردي: وفي فتاوى السيوطي الفقهية: يجوز للشافعي أن يقلد بعض المذاهب في هذه المسألة، سواء عمل فيما تقدم بمذهبه أم لا، وسواء دعت إليه ضرورة أم لا، خصوصا إن صرف زكاة الفطرة لأقل من ثلاثة رأى في المذهب، فليس الأخذ به خروجا عن المذهب بالكلية، بل أخذ بأحد القولين أو الوجهين فيه، وتقليد لمن رجحه من الأصحاب.
اه.
(قوله: ولو كان كل صنف الخ) عبارة الروض وشرحه: ويستحقها - أي الزكاة - العامل بالعمل، والأصناف بالقسمة.
نعم، إن انحصر المستحقون في ثلاثة فأقل: استحقوها من وقت الوجوب، فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة لأحدهم، بل حقه باق بحاله.
اه.
قال الكردي: وبحث في التحفة أنهم يملكون ما يكفيهم على قدر حاجاتهم، قال: ولا ينافيه ما يأتي من الاكتفاء بأقل متمول لأحدهم، لأن محله - كما هو ظاهر - حيث لا ملك الخ، أي حيث زادوا على ثلاثة.
اه.
(قوله: أو بعض الأصناف إلخ) أي والبعض الآخر ليس محصورا.
(قوله: وقت الوجوب) ظرف متعلق بمحصورا بعده.
(قوله: استحقوها) واو الجمع عائدة على الثلاثة فأقل(2/222)
من كل صنف.
والضمير البارز عائد على الزكاة.
(وقوله: في الأولى) هي صورة انحصار كل الأصناف.
(قوله: وما يخص الخ) معطوف على مفعول استحقوها.
والتقدير: واستحقوا ما يخص المحصورين.
ولا يخفى ما فيه، إذ يفيد أن المستحقين غير المحصورين، مع أنهم عينهم.
وكان المناسب والأخصر أن يقول: أو ما يخصهم منها في الثانية، وهي صورة انحصار بعض الأصناف.
والمعنى: أن المحصورين من الأصناف في الصورة الثانية يستحقون ما يخصهم من وقت الوجوب، وأما غيرهم من بقية الأصناف فلا يستحق حصته إلا بالقسمة.
(والحاصل) إن انحصر كل الأصناف استحقوها من وقت الوجوب، وإن انحصر البعض دون البعض فلكل حكمه.
نعم، العامل يملك بالعمل - كما مر عن الروض -.
(قوله: من وقت الوجوب) متعلق باستحقوها بالنسبة للصورتين، أي استحقوها من وقت الوجوب، أي يملكونها من حينئذ ملكا مستقرا، وإن لم يقبضوها فلهم التصرف فيها قبل قبضها إلا بالاستبدال عنها والإبراء منها، وإن
كان هو القياس، إذ الغالب على الزكاة، التعبد.
كذا في التحفة والنهاية.
(قوله: فلا يضر الخ) مرتب على استحقاقهم لها من وقت الوجوب، أي أنه إذا كان العبرة في ذلك بوقت الوجوب فلا يضر ما يحدث بعده من غنى أو موت أو غيبة عن محل الوجوب.
(قوله: بل حقه) أي من حدث له الغنى أو الموت بعد الوجوب.
(وقوله: باق بحاله) أي لا يتغير بما حدث.
(قوله: فيدفع نصيب الخ) مفرع على كون الحق باقيا، أي فإذا كان باقيا بالنسبة لحدوث الموت فيدفع نصيبه لوارثه، وإن كان غنيا.
(وقوله: وإن كان هو المزكي) أي وإن كان ذلك الوارث هو المزكي المالك، بأن كان الميت أخا استحق زكاة أخيه، ثم مات وورثه أخوه المزكي، فإنه يستحق نصيب أخيه الميت من زكاة نفسه، وحينئذ تسقط زكاته عنه.
والنية لسقوط الدفع عنه.
وعبارة شرح الروض: ولو مات واحد منهم؟ دفع نصيبه إلى وارثه، وقضيته أن المزكي لو كان وارثه أخذ نصيبه.
وعليه: فتسقط النية لسقوط الدفع، لأنه لا يدفع من نفسه لنفسه.
اه.
(قوله: ولا يشاركهم) معطوف على فلا يضر إلخ، فهو مرتب أيضا على استحقاقهم لها، أي وإذا استحقها هؤلاء المحصورون لا يشاركهم من حدث عليهم بعد وقت الوجوب من الفقراء ونحوهم، لأن الزكاة قد صارت ملكا لغيرهم.
(قوله: وقت الوجوب) متعلق بغائب.
(قوله: فإن زادوا) الضمير يعود على معلوم من السياق، أي فإن زاد المستحقون في كل الأصناف أو بعضهم.
وهذا مقابل قوله: محصورا في ثلاثة فأقل.
(قوله: لم يملكوا إلا بالقسمة) قال الكردي: قال القمولي في الجواهر: فلو مات واحد أو غاب أو أيسر بعد الوجوب وقبل القسمة، فلا شئ له.
وإن قدم غريب أو افتقر من كان غنيا يوم الوجوب، جاز الصرف إليه.
اه.
(قوله: ولا يجوز لمالك نقل الزكاة) أي لخبر الصحيحين: صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم.
ولامتداد أطماع مستحقي كل محل إلى ما فيه من الزكاة، والنقل بوحشهم، وبه فارقت الكفارة والنذر والوصية والوقف على الفقراء، ما لم ينص الواقف فيه على غير النقل، وإلا فيتبع.
وخرج بالمالك، الإمام، فيجوز له نقلها إلى محل عمله، لا خارجه، لأن ولايته عامة، وله أن يأذن للمالك فيه.
(قوله: عن بلد المال) أي عن محل المال الذي وجبت فيه الزكاة، وهو الذي كان فيه عند وجوبها.
ويؤخذ من كون العبرة ببلد المال: أن العبرة في الدين ببلد المدين.
لكن قال بعضهم: له صرف زكاته في أي محل شاء، لأن ما في الذمة ليس له محل مخصوص، وهو المعتمد.
وهذا في زكاة المال.
أما زكاة الفطرة: فالعبرة فيها ببلد المؤدى عنه.
(قوله: ولو إلى مسافة قريبة) في حاشية الجمل ما نصه: (فرع) ما حد المسافة التي يمتنع نقل الزكاة إليها؟ فيه تردد، والمتجه منه أن ضابطها في البلد ونحوه ما يجوز الترخص ببلوغه.
ثم رأيت ابن حجر مشى على ذلك في فتاويه، فحاصله أنه يمتنع نقلها إلى مكان يجوز فيه القصر
ويجوز إلى ما لا يجوز فيه القصر اه.
سم وعبارة ح ل: قوله إلى بلد آخر، أي إلى محل تقصر فيه الصلاة، وليس البلد الآخر بقيد، لأن المدار على نقلها لمحل تقصر فيه الصلاة: فإذا خرج مصري إلى خارج باب السور - كباب النصر -(2/223)
لحاجة آخر يوم من رمضان، فغربت عليه الشمس هناك، ثم دخل، وجب إخراج فطرته لفقراء خارج باب النصر.
اه.
وقوله: في فتاويه: مشى في التحفة على خلافه، ونصها مع الأصل: والأظهر منع نقل الزكاة عن محل المؤدي عنه إلى محل آخر به مستحق لتصرف إليه، ما لم يقرب منه، بأن ينسب إليه عرفا بحيث يعد معه بلدا واحدا، وإن خرج عن سوره وعمرانه.
وقول الشيخ أبي حامد: لا يجوز لمن في البلد أن يدفع زكاته لمن هو خارج السور، لأنه نقل للزكاة.
فيه حرج شديد، فالوجه ما ذكرته، لأنه ليس فيه إفراط ولا تفريط.
اه.
بتصرف.
وفي النهاية: وقد يجوز للمالك النقل فيما لو وقع تشقيص، كعشرين شاة ببلد، وعشرين بآخر، فله إخراج شاة بأحدهما - مع الكراهة - وفيما لو حال الحول ببادية لا مستحق بها، فيفرق الزكاة بأقرب محل إليه به مستحق، ولأهل الخيام الذين لا قرار لهم: صرفها لمن معهم، ولو بعض صنف - كمن بسفينة في اللجة - فإن فقدوا، فلمن بأقرب محل إليهم عند تمام الحول، والحلل المتمايزة - بنحو مرعى وماء - كل حلة كبلد، فيحرم النقل إليها، بخلاف غير المتميزة، فله النقل إليها لمن بدون مسافة القصر من محل الوجوب.
اه.
بتصرف.
(وقوله: ولا تجزئ) أي الزكاة المنقولة، أي لا تقع الموقع.
وأتى به بعد قوله ولا يجوز إلخ، لأنه لا يلزم من عدم الجواز عدم الإجزاء، فقد يحرم، وهو يجزئ، كالبيع بعد نداء الجمعة.
(قوله: ولا دفع القيمة) معطوف على نقل الزكاة، فيكون الفعل مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن متعلقه - أعني للمالك - لأن عدم الجواز هنا وفيما بعد، لا فرق فيه بين أن يكون المخرج الإمام أو المالك.
والمعنى: لا يجوز للمخرج - مطلقا - دفع القيمة عن الزكاة المتعلقة بالأعيان، وهي زكاة غير مال التجارة، ولا يجزئ.
(قوله: ولا دفع عينه) معطوف أيضا على نقل الزكاة، أي ولا يجوز دفع العين في مال التجارة عن الزكاة، ولا يجزئ، لأن متعلقها القيمة.
(وقوله: فيه) أي في مال التجارة.
(قوله: إلى صنف واحد) أي من الأصناف.
(قوله: وبه قال أبو حنيفة) أي بجواز صرفها إلى صنف واحد.
قال أبو حنيفة: وقد تقدم لنا - في مبحث الشرط الثاني في أداء الزكاة عن ابن حجر في شرح العباب - أن الأئمة الثلاثة - وكثيرين - يقولون بجواز صرفها إلى شخص واحد.
فانظره.
(قوله: ويجوز عنده) أي أبي حنيفة رضي الله عنه.
وفي حاشية الجمل - بعد كلام - ما نصه: (فائدة) المفتى به من مذهب المالكية - كما علم من مراجعة الثقات منهم - أن النقل يجوز لدون مسافة القصر مطلقا، أي سواء كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة أو لا، وسواء زكاة الفطر والماشية النابت.
وأما نقلها إلى فوق مسافة القصر فلا يجوز، إلا إن كان المنقول إليه أحوج من أهل بلد الزكاة، وإلا فلا يجوز.
اه.
وهذا كله فيما إذا أخذها المالك بنفسه أو نائبه ودفعها لمن هو في غير محلها.
وأما إذا جاء من ليس من أهل محلها وأخذها في محلها فلا يقال فيه نقل، بل الذي حضر في محلها صار من أهله - سواء حضر قبل الحول أو بعده، وسواء حضر لغرض غير أخذها، أو لغرض أخذها فقط - فيجوز دفعها له مطلقا، أي سواء جاء من دون مسافة القصر أو من فوقها، سواء كان أحوج من أهل البلد أم لا.
(قوله: ولو أعطاها الخ) شروع في بيان مفاهيم شروط الآخذين للزكاة، بعضها ملحوظ في كلامه - وهو الإسلام، والحرية، وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وبعضها مصرح به، وهو الاستحقاق المأخوذ من قوله - سابقا - لمستحقيها.
(قوله: ولو الفطرة) أي ولو كانت الزكاة الفطرة، فلا يجوز إعطاؤها لمن ذكر.
(قوله: لكافر) مفعول أول لأعطى، واللام زائدة، والمفعول الثاني الهاء في أعطاها مقدم، ولا فرق في الكافر بين أن يكون أصليا أو مرتدا.
(قوله: أو من به رق)(2/224)
أي أو من قام به رق.
(وقوله: ولو مبعضا) غاية لمن به رق، أي لا فرق فيمن قام به الرق بين أن يكون كله رقيقا، أو بعضه رقيق وبعضه الآخر حر.
(قوله: غير مكاتب) أما هو: فيأخذ - لدخوله في الآية - إذ المراد من الرقاب فيها - كما مر - المكاتبون كتابة صحيحة.
(قوله: أو هاشمي أو مطلبي) أي أو أعطاها لهاشمي أو مطلبي، وهما من انتسب لهاشم والمطلب، وإن لم يكونا من الأشراف، كالمنسوبين للعباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقال لهم العباسية، وكالمنسوبين لسيدنا علي من غير السيدة فاطمة كمحمد بن الحنفية وأولاده.
وأما الأشراف فهم من نسبوا لسيدنا الحسن، أو سيدنا الحسين - على المشهور - فيكون آل البيت أعم من الأشراف.
وفي حاشية الجمل: قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا، أي منتسبا إليهما أو لأحدهما، فخرج أولاد بناتهم من غيرهم، لأنهم لا حق لهم في خمس الخمس.
اه.
(قوله: أو مولى لهما) أي للهاشمي والمطلبي، أي عبد لهما.
وعبارة المنهاج مع التحفة: وكذا مولاهم - في الأصح - للخبر الصحيح: مولى القوم منهم.
ويفرق بينهم وبين بني أخواتهم - مع صحة حديث: ابن أخت القوم منهم، بأن أولئك لما لم يكن لهم آباء وقبائل ينسبون إليهم غالبا، تمحضت نسبتهم لساداتهم، فحرم ما حرم عليهم، تحقيقا لشرف موالاتهم، ولم
يعطوا من الخمس لئلا يساووهم في جميع شرفهم.
اه.
(قوله: لم يقع) أي ما أعطاه لمن ذكر عن الزكاة، وهو جواب لو، وقدره الشارح للعلة بعده.
وكان الصواب عدم تقديره، وتأخير العلة بعد قوله لم يجزئ، لأن تقديره يقتضي وقوع الجواب الذي في المتن ضائعا.
فتنبه.
(قوله: لأن شرط الآخذ: الإسلام) أي فلا يجوز إعطاؤها لكافر.
نعم، يجوز استئجار كافر وعبد كيال أو حامل أو حافظ أو نحوهم من سهم العامل، لأنه أجرة لا زكاة، بخلاف نحو ساع، وإن كان ما يأخذه أجرة، لأنه لا أمانة له.
ويجوز استئجار ذوي القربى والمرتزقة من سهم العامل لشئ مما ذكر، بخلاف عمله فيه بلا إجارة، لأن فيما يأخذه حينئذ شائبة زكاة، وبهذا يخص عموم قوله وأن لا يكون هاشميا ولا مطلبيا.
أفاده في التحفة.
(قوله: وعدم كونه هاشميا ولا مطلبيا) أي ولا مولى لهم - كما مر.
(قوله: وإن انقطع عنهم خمس الخمس) قال في بشرى الكريم: لكن ذهب جم غفير إلى جوازها لهم إذا منعوا مما مر، وأن علة المنع مركبة من كونها أو ساخا، ومن استغنائهم - بما لهم من خمس الخمس - كما في حديث الطبراني وغيره، حيث علل فيه بقوله: إن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم.
وقد منعوا مما لهم من خمس الخمس، فلم يبق للمنع إلا جزء علة، وهو لا يقتضي التحريم.
لكن ينبغي للدافع إليهم أن يبين لهم أنها زكاة، فلربما يتورع من دفعت إليهم.
اه.
وهذا القول هو مذهب المالكية، كما نقله في حاشية الجمل عنهم، ونصها: وعبارة الشيخ عبد الباقي الزرقاني على الشيخ خليل: ثم المعتمد عدم حرمة صدقة التطوع على آله، واختصاص الحرمة بالفرض إن أعطوا من بيت المال ما يستحقونه، وإلا أعطوا منها إن أضر بهم الفقر - كما في الواقي - أو أبيحت لهم الصدقة - كما في الباجي - بل الإعطاء لهم حينئذ أفضل من غيرهم.
وكلام الباجي ظاهر.
اه.
(قوله: لخبر إن هذه إلخ) أي ولخبر الحاكم عن علي بن العباس أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستعمله على الصدقة فقال: ما كنت أستعملك على غسالة الأيدي.
وخبر الطبراني أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: لا أحل لكم - أهل البيت - من الصدقات شيئا، ولا غسالة الأيدي.
إن لكم في خمس الخمس ما يكفيكم - أو يغنيكم - أي بل يغنيكم.
وقوله: ولا غسالة الأيدي.
عطف علة على معلول، أي لأنها غسالة الأيدي، وأنتم منزهون عنها.
والمراد التنفير عنها.
(قوله: أي الزكوات) تفسير للصدقات، وأتى به لئلا يتوهم أن المراد بالصدقات ما يشمل صدقة التطوع، مع أنها تحل لهم - كما سيصرح به.
(قوله: إنما هي أوساخ الناس) أي لأن بقاءها في الأموال يدنسها، كما يدنس الثوب الوسخ.
والأوساخ جمع وسخ، وهو لغة: ما يعلو الثوب غيره من قلة التعهد.
اه.
بجيرمي.
(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة، وعبارته: وكالزكاة: كل واجب من النذر والكفارة، ومنها دماء النسك، بخلاف التطوع.
وحرم عليه - صلى الله عليه وسلم - الكل، لأن مقامه أشرف،(2/225)
وحلت له الهدية، لأنها شأن الملوك، بخلاف الصدقة.
اه.
ومثله في النهاية، وعبارتها: وكالزكاة: كل واجب - كنذر، وكفارة - بناء على أنه يسلك بالنذر مسلك واجب الشرع على أوجه احتمالين كما يؤخذ ترجيح ذلك من إفتاء الوالد بأنه يحرم عليهم الأضحية الواجبة والجزء الواجب من أضحية التطوع.
اه.
(قوله: بخلاف التطوع والهدية) أي فإنهما يحلان، ومفاده حتى للنبي أيضا، مع أن التطوع لا يحل له، وإنما يحل لآله فقط - كما يعلم من عبارة التحفة المارة -.
وفي البجيرمي: والراجح من مذهبنا حرمة الصدقتين عليه - صلى الله عليه وسلم -، وحرمة صدقة الفرض دون النفل على آله.
وقال النووي: لا تحل الصدقة لآل محمد - لا فرضها ولا نقلها - ولا لمواليهم: إن مولى القوم منهم.
اه.
(قوله: أو غني) معطوف على كافر، أي أو أعطاها لغني.
(قوله: وهو من له كفاية العمر الغالب) أي من عنده مال يكفيه العمر الغالب بحيث لو وزع عليه لخص كل يوم ما يكفيه.
(قوله: وقيل من له إلخ) مقابل الأصح.
(قوله: أو الكسب) معطوف على كفاية، أي ومن له الكسب.
(وقوله: الحلال) قيد.
(وقوله: اللائق) قيد ثان.
وخرج بالأول: ما إذا كان له كسب حرام، كأن يصطنع آلة اللهو المحرمة.
وبالثاني: غير اللائق به.
فلا عبرة بهما، ويعطى من الزكوات.
(قوله: أو مكفي الخ) معطوف على كافر أيضا، أي أو أعطاها لمكفي بالنفقة، وهو إما قريب أو زوجة.
وفي إطلاقه عليها تغليب، وإلا فهي يقال لها مكفية - بالتأنيث - وذكر هذا بعد الغني من ذكر الخاص بعد العام.
إذ المكفي غني أيضا.
وعبارة البرماوي: قوله: ومن تلزم المزكي نفقته.
لو أسقطه لكان أولى، لأن المكفي بنفقة غيره غني.
اه.
(وقوله: بنفقة قريب) أي واجبة.
وهي نفقة الأصل لفرعه، وبالعكس، ونفقة الزوج لزوجته - كما يستفاد من البيان بعده -.
وخرج بها النفقة غير الواجبة، كنفقة الأخ على أخته، فلا تمنع الفقر والمسكنة.
(قوله: من أصل إلخ) بيان للقريب.
(قوله: بخلاف المكفي بنفقة متبرع) هذا لا يفهم من كلامه، بل مما زدته هناك، وهو أن تكون النفقة واجبة، وذلك لأن المتبرع بالنفقة يكون قريبا أيضا كالأخ والعم.
(قوله: لم يجزئ ذلك) أي ما أعطاه للغني وللمكفي بالنفقة.
وقد علمت أن هذا بتقدير الشارح جواب لو الشرطية، وهو لم يقع يكون ضائعا.
والمناسب - كما هو عادته - أن يقدر أداة شرط قبيل قوله أو غني، يكون هذا جوابه.
(قوله: ولا تتأدى) أي الزكاة بذلك، أي الإعطاء، أي لا تقع بذلك.
وهو عين عدم الإجزاء، فالأخصر حذفه.
(قوله: إن كان الدافع الخ) قيد في عدم الإجزاء، أي لا يجزئ ذلك عنها إن كان الدافع هو المالك، فإن كان الامام برئ المالك بإعطائها له.
(قوله: وإن ظن استحقاقهم) غاية في عدم الإجزاء حين كان الدافع المالك، أي لا تجزئ وإن ظن المالك
استحقاق من أعطاهم.
(قوله: ثم إن كان إلخ) المناسب فإن كان الخ - بالتعبير بالفاء، بدل ثم - لأنه مقابل قوله: إن كان الدافع المالك.
(قوله: برئ المالك) أي بإعطائها للإمام، ولكن لا يقع عن الزكاة بدليل قوله بل يسترد المدفوع.
وعبارة الروض وشرحه: وإن أعطى الإمام من ظنه مستحقا فبان غنيا لم يضمن، لأنه غير مقصر، ويجزئ عن المالك، وإن لم يجزئ عن الزكاة - كما نقله في المجموع - ولهذا يسترد - كما سيأتي - والإجزاء عن المالك ليس مرتبا على بيان كون المدفوع إليه غنيا بل هو حاصل بقبض الإمام، لأنه نائب المستحقين، بخلاف إعطاء المالك من ظنه مستحقا فبان غنيا فإنه لا يجزئ.
وكذا لا يضمن الامام ويجزئ ما دفعه - دون ما دفعه المالك - إن بان المدفوع إليه هاشميا أو مطلبيا أو عبدا أو كافرا، أو أعطاه من سهم الغزاة أو العاملين ظانا أنه رجل فبان امرأة فيسترد الإمام في الصور كلها.
اه.
(قوله: ولا يضمن الإمام) أي ما أعطاه لمن ظنه مستحقا، لأنه غير مقصر.
(قوله: بل يسترد المدفوع) أي إن بقي، فإن تلف رجع الدافع عليه ببدله ودفعه للمستحقين.
وإذا كان الآخذ عبدا أو تلف عنده تعلق البدل بذمته، لا برقبته.
فإن تعذر على الإمام الاسترداد لم يضمن، إلا أن يكون قد قصر فيه حتى تعذر فيضمن.
أفاده في شرح الروض.
(قوله: وما استرده(2/226)
إلخ) أي والذي استرده الإمام من المدفوع إليه أعطاه للمستحقين.
(قوله: أما من لم يكتف الخ) مفهوم قوله أو مكفي بنفقة وعدم الاكتفاء بنفقة القريب إما لكونه معمرا لا يكفيه ما يأخذه منه، أو موسرا وهو أكول لا يكفيه ما وجب له عليه.
وعبارة التحفة: وأفهم قوله المكفي: أن الكلام في زوج موسر، أما معسر لا يكفي.
فتأخذ تمام كفايتها بالفقر، ويؤخذ منه أن من لا يكفيها ما وجب لها على الموسر لكونها أكولة تأخذ تمام كفايتها بالفقر - ولو منه فيما يظهر - وأن الغائب زوجها ولا مال له، ثم تقدر على التوصل إليه وعجزت عن الاقتراض، تأخذ، وهو متجه.
ثم رأيت الغزالي والمصنف في فتاويه وغيرهما ذكروا ما يوافق ذلك من أن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب ولم يترك منفقا ولا مالا يمكن الوصول إليه، أعطيت الزوجة، والقريب بالفقر أو المسكنة، والمعتدة التي لها النفقة كالتي في العصمة.
اه.
ومثله في النهاية.
وكتب الرشيدي على قولها من أن الزوج أو البعض لو أعسر الخ، ما نصه: هو صريح في أن من أعسر زوجها بنفقتها تأخذ من الزكاة، وإن كانت متمكنة من الفسخ.
ولعل وجهه أن الفسخ لا يلزم منه استغناؤها.
وقضية ذلك أنه لو ترتب عليه الاستغناء - بأن كان لها قريب موسر تلزمه نفقتها لو فسخت أنها - لا تعطى.
اه.
(قوله: فيعطيه المنفق وغيره) أي تمام كفايته.
(وقوله: حتى بالفقر) غاية لمقدر - أي يعطيه بكل صفة يستحق بها الأخذ، حتى بصفة الفقر.
(قوله: ويجوز
للمكفي بها الأخذ بغير المسكنة والفقر) أي بغير صفة الفقر وصفة المسكنة من بقية الصفات، أما بهما فلا يجوز، لأنه ليس متصفا بهما، لغناه بنفقة قريبه عليه.
وعبارة الروض وشرحه: (فرع) لو اكتفى إنسان بنفقة من تلزمه نفقته لم يعط من سهم الفقراء والمساكين، لغناه حينئذ - كالمكتسب كل يوم قدر كفايته - وله الأخذ من باقي السهام إن كان من أهلها، حتى يجوز له الأخذ ممن تلزمه نفقته.
اه.
(وقوله: إن وجد) أي ذلك الوصف الذي هو غير الفقر والمسكنة، كأن يكون غازيا، أو مسافرا، أو عاملا، أو مؤلفا، أو غارما.
نعم، المرأة لا تكون عاملة ولا غازية - كما في الروضة -.
(وقوله: فيه) أي في المكفي.
(قوله: حتى ممن تلزمه نفقته) أي حتى يجوز له الأخذ من الزوج أو القريب الذي تلزمه نفقته.
(قوله: ويندب للزوجة إعطاء زوجها الخ) أي لحديث البخاري: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود أنها قالت: كنت في المسجد فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: تصدقن ولو من حليكن.
وكانت زينب تنفق على عبد الله وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ - وقلنا لا تخبر بنا - فدخل، فسأله، فقال: من هما؟ قال: زينب.
قال: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله بن مسعود.
قال: نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
(قوله: قال شيخنا والذي يظهر إلخ) لعله في غير التحفة وفتح الجواد.
نعم، في عبارة التحفة المارة - نقلا عن الغزالي والمصنف في فتاويه - ما يفيد ذلك، حيث قال: إن الزوج أو البعض لو أعسر أو غاب الخ - أي أو لم يعسر - بأن كان موسرا لكن غاب.
(وقوله: لو امتنع من الإنفاق عليه) أي على قريبه الفقير.
(وقوله: وعجز) أي قريبه الفقير.
(وقوله: عنه) أي عن قريبه الموسر، وهو متعلق بعجز.
أي عجز عن أخذ النفقة منه.
(وقوله: بالحاكم) متعلق بعجز أيضا.
والمراد أنه رفع أمره إلى الحاكم وحكم عليه بإعطاء النفقة، فلم يمتثل أمر الحاكم بإعطائه، لكونه ذا شوكة.
(قوله: أعطي) جواب لو.
(وقوله: حينئذ) أي حين إذا امتنع من الإنفاق وعجز عنه بالحاكم.
ومفاده أنه لو لم يعجز عنه الحاكم بأن لم يرفع أمره إليه أنه لا يعطى.
وفي البجيرمي - نقلا عن البرماوي - ما يفيد أن الرفع للحاكم ليس بقيد في الأخذ من الزكاة.
وعبارته: ولو امتنع قريبه من الإنفاق، واستحى من رفعه إلى الحاكم، كان له الأخذ، لأنه غير مكفي.(2/227)
اه.
(قوله: لتحقق فقره أو مسكنته) أي القريب الذي امتنع قريبه الموسر من الإنفاق عليه، وهو تعليل لإعطائه من الزكاة.
(وقوله: الآن) أي آن الامتناع من النفقة عليه - أي وقته.
(قوله: أفتى النووي الخ) ساقه في التحفة مرتبا على شرط زائد على شروط الآخذ المارة، وعبارتها - بعد قول المصنف وأن لا يكون هاشميا، ولا مطلبيا - وأن لا يكون محجورا عليه.
ومن ثم أفتى المصنف الخ.
اه.
ومثلها النهاية.
فلو صنع المؤلف مثل صنعهما لكان أولى.
وذلك لأن الذي بلغ - وهو تارك للصلاة - هو غير رشيد، فهو محجور عليه.
(قوله: في بالغ) أي مستحق للزكاة.
(قوله: تاركا للصلاة) حال من الضمير المستتر في بالغ أي بلغ والحال أنه تارك للصلاة.
وكان عليه أن يزيد: أو مبذرا لماله - كما صرح به في مقابله الآتي - (وقوله: كسلا) خرج به ما إذا كان جحدا لوجوبها، فلا يعطى أصلا، لا هو، ولا وليه، لأنه يكفر بذلك، والكافر ليس من أهلها، كما مر.
(قوله: أنه لا يقبضها الخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بأفتى، أي أفتى بعدم قبض أحد له إياها ما عدا وليه فإنه هو الذي يقبضها له.
وفي الكلام حذف: أي أفتى بأنه يصح إعطاؤها له، ويقبضها عنه وليه.
(قوله: أي كصبي ومجنون) الكاف للتنظير، أي أن هذا نظير الصبي والمجنون في أنه يكون القابض عنهما وليهما، ولو حذف أي التفسيرية لكان أولى.
(قوله: فلا تعطى له) أي فلا تعطى الزكاة للبالغ المذكور نفسه، لأنه غير رشيد، فهو محجور عليه.
(قوله: وإن غاب وليه) غاية في عدم الإعطاء، وحينئذ تبقى حصته من الزكاة إلى أن يحضر الغائب ويستلم عنه.
(قوله: خلافا لمن زعمه) أي زعم الإعطاء لنفس البالغ المذكور عند غيبة الولي.
(قوله: بخلاف ما لو طرأ تركه لها) أي للصلاة، وهذا مفهوم المقارنة المستفادة من جعل تاركا حالا - كما علمت -.
(وقوله: أو تبذيره) أي أو طرأ تبذير البالغ لماله، وهذا مفهوم قيد محذوف - كما علمت -.
(وقوله: ولم يحجر عليه) قيد في الثاني، أي طرأ تبذيره، والحال أنه لم يحجر عليه.
فإن حجر عليه لم يقبضها هو، بل وليه.
(قوله: فإنه يقبضها) أي فإن البالغ الذي طرأ عليه ما ذكر يقبض الزكاة بنفسه، لأنه حينئذ رشيد.
(قوله: يجوز دفعها) أي الزكاة.
(وقوله: لفاسق) أي غير تارك الصلاة، أما هو فلا تدفع الزكاة له، بل لوليه - كما مر آنفا - وفي فتاوى ابن حجر ما نصه: (سئل) رحمه الله - عن الجبابرة والرماة للبندق ونحوه المتصفين بصفات أهل الزكاة، هل يعطون منها؟ وهل يعطون مع ترك الحرفة اللائقة بهم أم لا؟ (فأجاب) رحمه الله تعالى: بأن النووي وغيره صرحوا بأنه يجوز إعطاء الزكاة للفسقة، - كتاركي الصلاة - إن وجد فيهم شرط استحقاقها، لكن من بلغ منهم ليس مصلحا لدينه وماله لا يجوز إعطاؤها لهم، بل لوليهم.
ثم تركهم الحرف اللائقة بهم إن كان لاشتغالهم بما هو أهم - كقتال الكفار - أعطوا من الفئ والغنيمة، لا من
الزكاة، أو كقتال البغاة جاز إعطاؤهم من الزكاة، وإن كان لغير ذلك - كاشتغالهم بالمعاصي ومحاربة المسلمين - فلا يجوز إعطاؤهم شيئا من الزكاة.
ومن أعطاهم منها شيئا لم تبرأ ذمته، ويجب على كل ذي قدرة منعه وزجره عن ذلك بيده ثم لسانه.
والله أعلم.
اه.
(قوله: إلا إن علم) أي الدافع.
(وقوله: أنه) أي الفاسق.
(وقوله: يستعين بها) أي الزكاة.
(وقوله: على معصية) كشراء خمر بها.
(قوله: فيحرم) أي الدفع له.
(قوله: وإن أجزأ) أي دفعها له، فتبرأ ذمة المالك.
(قوله: تتمة في قسمة الغنيمة) أي في بيان قسمة الغنيمة.
أي وفي بيان قسمة الفئ أيضا.
وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة، واختلفوا في وضعها، فبعضهم وضعها عقب باب الوديعة.
وقبيل قسم الصدقات، وبعضهم عقب كتاب السير.
والمؤلف لما ذكر قسم الصدقات هنا، ذكر معه قسم الفئ والغنيمة، لما بينهما من المناسبة، لأن كلا يجمعه الإمام ويفرقه.(2/228)
والغنيمة: فعيلة بمعنى مفعولة، من الغنم، وهو الربح.
والفئ: مصدر فاء: إذا رجع.
ثم استعملا في المال المأخوذ من الكفار.
والمشهور تغايرهما - كما هو صريح كلام الشارح - وقيل كل منهما يطلق على الآخر إذا أفرد، فإن جمع بينهما افترقا - كالفقير والمسكين.
والأصل فيهما آية: * (ما أفاء الله على رسوله) * (1) وآية: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * (2) ولم تحل الغنائم لأحد قبل الإسلام، بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالا جمعوه، فتأتي نار من السماء تأخذه.
ثم أحلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانت في صدر الإسلام له خاصة، لأنه كالمقاتلين: كلهم نصرة وشجاعة، بل أعظم، ثم نسخ ذلك، واستقر الأمر على ما يأتي.
(قوله: ما أخذناه) أي معاشر المسلمين، وهو قيد أول خرج به ما أخذه الذميون من أهل الحرب، فإنه ليس بغنيمة.
(وقوله: من أهل حرب) متعلق بأخذناه، وهو قيد ثان، خرج به ما أخذناه من الذميين، وما أخذناه ممن لم تبلغه الدعوة أصلا، أو دعوة نبينا، وكان متمسكا بدين حق، فهو ليس بغنيمة، ومالهم يرد إليهم.
وخرج به أيضا، ما أخذناه من المرتدين فإنه فئ، وليس بغنيمة.
وقيد بعضهم أهل الحرب بكونهم أصليين، وأخرج به المرتدين، ولا حاجة إليه، لأن المراد من أهل الحرب من كانوا أصليين.
(قوله: قهرا) صفة لموصوف محذوف، أي أخذا قهرا بأن كان بإيجاف - أي إسراع خيل، أو بغال، أو إبل، أو سفن - وهو قيد ثالث، خرج به ما أخذناه منهم صلحا فهو فئ - كما سيأتي - وأسقط قيدا رابعا وهو: أن يكون المال الذي أخذناه منهم ملكا لهم.
وخرج به ما إذا لم يكن كذلك كأن أخذه أهل الحرب من
المسلمين قهرا ثم أخذناه منهم، فيجب رده لمالكه.
(والحاصل) أن الغنيمة هي مال أو اختصاص أخذه المسلمون من كفار أصليين حربيين مالكين له قهرا، أي بقتال أو إيجاف لنحو خيل أو إبل.
(قوله: وإلا) أي وإن لم نأخذه من أهل الحرب قهرا، بأن أخذناه من غيرهم، أو أخذناه منهم لا قهرا.
فالأول: كالجزية المأخوذة من الذميين، وكالمال المأخوذ من المرتدين.
والثاني: كالذي صالحونا عليه.
(وقوله: فهو فئ) أي فما أخذناه ممن ذكر هو فئ.
والجملة جواب الشرط.
(قوله: ومن الأول) أي الغنيمة.
(قوله: ما أخذناه الخ) فيه أن التعريف السابق للغنيمة لا يشمل ما ذكر، لأن المراد بالقهر ما كان بقتال وإيجاف خيل أو إبل، وهذا ليس كذلك.
ويمكن أن يقال: المراد بالقهر ما يشمل الحقيقي والتنزيلي، وهذا من الثاني، لأنه لما خاطر بنفسه ودخل دارهم على هذا الوجه ينزل منزلة القهر بالقتال ونحوه.
(وقوله: من دارهم) أي الحربيين، وهو ليس بقيد، فمثله ما أخذناه منهم بدارنا، حيث لا أمان لهم.
(وقوله: اختلاسا) هو الاختطاف بسرعة على غفلة، سواء كان من حرز مثله أم لا.
(وقوله: أو سرقة) هي لغة: أخذ المال خفية.
وشرعا: أخذه خفية من حرز مثله.
فهو أخص من الاختلاس.
(قوله: على الأصح) متعلق بما تعلق به قوله ومن الأول، أي أن كونه من الأول مبني على الأصح.
قال في التحفة: لأن تغريره بنفسه قائم مقام القتال، ومن ثم لو أخذ سوما ثم هرب أو جحده: اختص به.
ويوجه بأنه لما لم يكن فيه تغرير لم يكن في معنى الغنيمة.
(قوله: خلافا لغزالي إلخ) بيان لمقابل الأصح.
(قوله: وإمامه) أي إمام الغزالي.
أي شيخه - وهو إمام الحرمين -.
(قوله: حيث قالا) أي الغزالي والإمام.
(قوله: أنه) أي ما أخذناه من دارهم اختلاسا أو سرقة.
(قوله: بلا تخميس) ذكره تأكيد، وإلا فيعلم من كونه مختصا بالآخذ أنه لا يخمس.
(قوله: الإجماع عليه) أي على ما قالاه من أنه مختص بالآخذ.
(قوله: من الثاني) أي الفئ.
(قوله: جزية) هي ما أخذت من أهل الذمة في مقابلة كفنا عن قتالهم، وإقرارهم بدارنا.
ومثلها: الخراج، وهو ضرب على الأرض، صالحونا على أنها لنا ويسكنونها بشئ معلوم، فهو حينئذ أجرة لا يسقط بإسلامهم.
__________
الحشر: 6.
(2) الانفال: 41(2/229)
(قوله: وعشر تجارة) يعني ما أخذ من أهلها، سواء ساوى العشر أم لا.
(قوله: وتركة مرتد) وكذا تركة كافر معصوم من
ذمي ومعاهد ومؤمن إذا لم يكن له وارث أصلا، فإن كان له وارث أخذ ماله، سواء كان مستغرقا أم لا، ويرد على غير المستغرق - كبنت - لأن الرد لا يختص بالمسلمين.
اه.
ش ق.
(قوله: ويبدأ) أي وجوبا.
(وقوله: في الغنيمة) أي في حال قسمة الغنيمة، أو من الغنيمة.
ففي: إما باقية على معناها، أو بمعنى من.
(قوله: بالسلب) بفتح اللام، هو لغة: الاختلاس.
قال في القاموس: سلبه سلبا وسلبا.
اختلسه.
وشرعا: أخذ ما يتعلق بقتيل كافر من ملبوس ونحوه.
ويطلق شرعا أيضا على نفس المأخوذ، وعليه الشارح حيث قال: وهو ملبوس إلخ.
(قوله: للقاتل) متعلق بمحذوف معطوف على يبدأ، أي ويعطى للقاتل، لخبر الصحيحين: من قتل قتيلا فله سلبه والمراد بالقاتل: كل من ركب غررا يكفي به شر كافر في حال الحرب، بأن يزيل قوته كأن يفقأ عينيه، أو يقطع يديه أو رجله، أو يأسره - فالمراد به ما يعم الحقيقة والمجاز.
فلو رمى كافرا وهو في حصن أو في صف المسلمين فلا سلب له، لأنه لم يرتكب الغرر بهجومه على الكفار.
(قوله: المسلم) خرج به الكافر، فلا سلب له، ولو ذميا أذن له الإمام.
وذكر المؤلف من شروط استحقاق القاتل للسلب شرطا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي شروط، وهي: كون المقتول غير منهي عن قتله، كصبي وامرأة لم يقاتلا، فإن قاتلا استحق سلبهما.
وكونه غير عين - أي جاسوس - ولا مخذل.
وكونه غير رقيق لكافر.
وتقدم شرط يؤخذ من تعريف القاتل، وهو ركوب غرر: أي أمر مخوف.
(قوله: بلا تخميس) هذا علم من قوله للقاتل، فذكره تأكيد، وعدم تخميس السلب هو المشهور، للحديث المار، ومقابله أنه يخمس: فأربعة أخماسه للقاتل، وخمسه لاهل الفئ.
أفاده البجيرمي.
(قوله: وهو) أي السلب.
(قوله: ملبوس القتيل) أي ما شأنه أن يلبسه القتيل، سواء كان لابسا له بالفعل أو كان قد نزعها وقاتل عريانا في البر أو البحر - على المعتمد.
وشمل الملبوس: الثياب والخف.
(قوله: وسلاحه) أي القتيل.
والمراد به آلة الحرب - كدرع، ورمح، وسيف - ولو تعددت من نوع كسيفين فأكثر، ورمحين فأكثر فقال بعضهم: يأخذ الجميع، وقال بعضهم: لا يأخذه من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد لكن يختار واحدا منها، ولذلك قالوا لو تعددت الجنائب اختار واحدة منها، لأن كل واحدة منها جنيبة من أزال منعته - أي قوته -.
وهكذا كل ما تعدد من نوع واحد، أي فيختار واحدا منها - على القول بأنه لا يأخذ من كل نوع إلا واحدا وهو المعتمد.
أفاده الباجوري.
(قوله: ومركوبه) أي ولو بالقوة، كأن قاتل راجلا وعنانه بيده أو بيد غلامه، والمراد به ما يشمل الفرس، والجمل، والحمار.
(قوله: وكذا سوار الخ) أي ومثل ما ذكر من الملبوس والسلاح في كونه من السلب ما يتزين به في الحرب لإغاظة المسلمين من سوار: أي لامرأة حربية قاتلت، أو لرجل، لأنهم لا يعتقدون تحريمه، وهو ما يجعل في اليد.
ومنطقة:
وهي ما يشد بها الوسط.
وخاتم: وهو ما يجعل في الأصابع.
وطوق: وهو ما يجعل في العنق.
(قوله: وبالمؤن) عطف على بالسلب.
ولو عبر بثم بدل الواو لكان أولى، لأن إخراجها بعد السلب.
والمراد أنه بعد إخراج السلب من الغنيمة يخرج منها المؤن اللازمة - كمؤنة الحفظ والنقل، وأجرة الحمال والكيال والوزان، وغير ذلك مما يصرف فيها - ومحله إن لم يكن هناك متطوع بها، وإلا فلا يجوز إخراجها منها.
(قوله: كأجرة حمال) ولا بد أن تكون قدر أجرة المثل لا أزيد منها.
قال في التحفة: ولا يجوز له إخراجها وثم متطوع، ولا بأكثر من أجرة المثل لأنه كولي اليتيم.
اه.
(قوله: ثم يخمس باقيها) أي ثم بعد إخراج السلب والمؤن يخمس الباقي، أي يجعل خمسة أقسام متساوية، ويؤخذ خمس رقاع، ويكتب على واحدة: لله تعالى - أو للمصالح -، وعلى أربعة: للغانمين.
ثم تدرج في بنادق متساوية من طين - أو شمع - ويخرج لكل خمس رقعة، فما خرج لله أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة، ويقسم مال الغانمين قبل قسمة هذا الخمس، لكن بعد إفرازه بقرعة - كما عرف.
اه.
شرح المنهج بتصرف.
والمتولي لذلك الإمام أو نائبه.
ولو غزت طائفة ولا أمير فيهم من جهة الإمام فحكموا في القسمة واحدا أهلا، صحت، وإلا فلا.
(قوله: ولو عقارا) أي ولو كانت(2/230)
الغنيمة عقارا، وإنما كان العقار هنا لهم، بخلافه في الفئ، فإن الإمام يتخير فيه بين قسمته كالمنقول، ووقفه وبيعه وقسمة غلته في الوقف، وثمنه في البيع، لأن الغنيمة حصلت بكسبهم وفعلهم، فملكوها بشرطه، بخلاف الفئ فإنه إحسان جاء إليهم من خارج، فكانت الخيرة فيه إلى الإمام.
أفاده سم.
(قوله: لمن حضر الوقعة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر أربعة، أي أربعة الأخماس تعطى لمن حضر الوقعة - أي شهدها، أي بنية القتال - وإن لم يقاتل، أو لم يكن بنية، ولكن قاتل - كأجير لحفظ أمتعة، وتاجر، ومحترف - لقولي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
ولا مخالف لهما من الصحابة، ولأن القصد تهيؤه للجهاد، ولأن الغالب أن الحضور يجر إليه، ولأن فيه تكثير سواد المسلمين.
وفي معنى من حضر: جاسوس، وكمين، ومن أخر ليحرس العسكر من هجوم العدو.
(قوله: وإن لم يقاتل) أي تعطى لمن حضر الوقعة ولو لم يقاتل، لكن بشرط أن يكون حضر بنية القتال - كما علمت -.
(قوله: فما أحد) أي ممن حضر الوقعة.
وهذا من جملة حديث ذكره في فتح الجواد، وعبارته: وذلك لقوله - صلى الله عليه وسلم - - وقد سئل عن الغنيمة -: لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش، فما أحد أولى به.
وقوله: أولى به: أي بما ذكر من أربعة الأخماس.
(قوله: لا لمن لحقهم) ظاهره أنه معطوف على لمن حضر الوقعة، وفيه أنه يصير التقدير لا أربعة أخماس لمن لحقهم،
أي ليست الأربعة الأخماس ثابتة لمن لحقهم، وهو صادق بثبوت بعضها لهم، وليس كذلك: إذا علمت هذا، فالأولى جعل الجار والمجرور متعلقا بمحذوف مناسب، والتقدير: لا يسهم من أربعة الأخماس لمن لحق من حضرها بعد انقضائها، لأن الغنيمة إنما تكون لمن شهد الوقعة، وهذا لم يشهدها.
وخرج بقوله بعد انقضائها: ما إذا لحق قبل انقضائها، فيسهم له فيما غنم بعد لحوقه، لا فيما غنم قبله.
وعبارة التحرير: دون من لحقهم بعد انقضائها ولو قبل جمع المال، فلا شئ له.
بخلاف من لحقهم قبل انقضائها، لكن لا شئ له فيما غنم قبل لحوقه.
اه.
(قوله: ولو قبل جمع المال) غاية لعدم إعطاء من لحق بعد الانقضاء.
(قوله: ولا لمن مات الخ) أي ولا يسهم لمن مات، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف أيضا - كالذي قبله -.
(وقوله: في أثناء القتال قبل الحيازة) قيدان.
خرج بالأول: ما إذا مات بعد القتال، ولو قبل الحيازة، فإنه يسهم له ويعطى لوارثه.
وخرج بالثاني: ما إذا مات في الأثناء، وبعد حيازة شئ، فإنه يسهم له منه.
وعبارة المنهاج مع شرح م ر: ولو مات بعضهم بعد انقضائه فحقه لوارثه.
وكذا لو مات بعد الانقضاء للقتال، وقبل الحيازة في الأصح، لوجود المقتضي للتمليك، وهو انقضاء القتال.
ولو مات في أثناء القتال قبل حيازة شئ، فالمذهب أنه لا يشئ له، فلا حق لوارثه في شئ، أو بعد حيازة شئ فله حصته منه.
اه.
(قوله: على المذهب) قال المحلى: والطريق الثاني فيه قولان - أحدهما: أنه يستحق بحضوره بعد الواقعة.
والطريق الثالث إن حصلت الحيازة بذلك القتال استحق، أو بقتال جديد فلا.
اه.
(تتمة) اعلم أنه يعطى من أربعة الأخماس للفارس - وهو المقاتل على فرس - ثلاثة أسهم: سهمان لفرسه، وسهم له، وللراجل - وهو المقاتل على رجليه - سهم واحد، لفعله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر.
ولا يرد إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - سلمة بن الأكوع سهمين في وقعة، لانه - صلى الله عليه وسلم - رأى منه خصوصية اقتضت ذلك.
ولا يعطى منها إلا لمن استكملت فيه ستة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والصحة.
فإن اختل شرط منها: - بأن كان من حضر القتال صغيرا، أو مجنونا، أو رقيقا، أو أنثى، أو ذميا، أو زمنا - فلا يعطى سهما كاملا، بل يرضخ له.
والرضخ لغة: العطاء القليل.
وشرعا: شئ دون سهم.
ويجتهد الإمام في قدره بحسب رأيه، فيزيد المقاتل على غيره، والأكثر قتالا على الأقل قتالا، والفارس على الراجل، والمرأة التي تداوي الجرحى وتسقي العطشى على التي تحفظ الرحال.
(قوله: وأربعة أخماس الفئ الخ) الأولى أن يستوفي الكلام على الغنيمة ثم ينتقل للفئ، وغير المؤلف أفرده بترجمة مستقلة.
(قوله: للمرصدين للجهاد) أي المهيئين المعدين له بتعيين الإمام لهم في دفتره - وهم المرتزقة - سموا(2/231)
بذلك لأنهم أرصدوا أنفسهم للذب عن دين الله، وطلبوا الرزق من مال الله تعالى.
وخرج بهم المتطوعة بالغزو إذا نشطوا فيعطون من الزكاة، لا من الفئ.
(قوله: وخمسها) أي الفئ والغنيمة، أي الخمس الخامس منهما يخمس، أي يجعل خمسة أسهم.
(قوله: سهم للمصالح) قال في التحفة: وهذا السهم كان له - صلى الله عليه وسلم - ينفق منه على نفسه وعياله، ويدخر منه مؤنة سنة، ويصرف الباقي في المصالح.
كذا قاله الأكثرون، قالوا: وكان له الأربعة الأخماس الآتية، فجملة ما كان يأخذه: إحدى وعشرون من خمسة وعشرين.
قال الروياني: وكان يصرف العشرين التي له للمصالح، قيل وجوبا، وقيل ندبا.
وقال الغزالي وغيره: بل كان الفئ كله له في حياته، وإنما خمس بعد موته.
اه.
(قوله: كسد ثغر) أي شحنه بآلة الحرب وبالغزاة.
والثغر: موضع الخوف من طرف بلاد المسلمين التي تليها بلاد المشركين.
وفي المصباح: الثغر: من البلاد الذي يخاف منه هجوم العدو، فهو كالثلمة في الحائط، يخاف هجوم السارق منها.
والجمع على ثغور: مثل فلس وفلوس.
اه.
(قوله: وعمارة حصن) أي كالقلعة، ويجمع على حصون.
(وقوله: ومسجد) أي وعمارة مسجد.
(قوله: وأرزاق القضاة) أي قضاة البلاد، فيعطون ولو أغنياء، لا قضاة العسكر - وهم الذين يحكمون لاهل الفئ في مغزاهم - فيرزقون من الأخماس الأربعة، لا من خمس الخمس.
(قوله: والمشتغلين بعلوم الشرع) أي وأرزاق المشتغلين بما ذكر.
(وقوله: وآلاتها) أي علوم الشرع، كالنحو والصرف.
(قوله: والأئمة والمؤذنين) أي أئمة المساجد ومؤذنيها، ومثلهم كل من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين - كمن يشتغل بتجهيز الموتى، وحفر القبر - لعموم نفعهم.
(قوله: ويعطى) - بالبناء للمجهول - هؤلاء، أي القضاة ومن ذكر بعدهم.
(وقوله: مع الغنى) أي مع كونهم أغنياء.
(قوله: ما رآه الإمام) مفعول ثان ليعطي أي يعطى القدر الذي يراه الإمام للمصلحة، ويختلف بضيق المال وسعته.
(قوله: ويجب تقديم إلخ) مقابل محذوف تقديره، ويعمم الإمام بهذا السهم كل الأفراد إن وفى بهم، فإن لم يف، قدم الأهم، فالأهم.
(وقوله: مما ذكر) أي من المصالح.
(قوله: وأهمها) أي المصالح.
(وقوله: الأول) أي سد الثغور.
(قوله: ولو منع هؤلاء الخ) أي ولو منع الإمام القضاة ومن ذكر بعدهم حقوقهم من بيت المال.
(وقوله: وأعطى أحدهم منه) الفعل مبني للمجهول، وما بعده نائب فاعل.
أي وأعطى غير الإمام أحد المستحقين من بيت المال.
ومثل الإعطاء أخذه بنفسه.
(قوله: ما لم يزد على كفايته) فإن زاد فلا يجوز له أخذ الزائد.
ولو قال: جاز له أخذه كفايته لا الزائد - لكان أولى.
(قوله: على المعتمد) مقابله أقوال - القول الأول منها: لا يجوز له أخذ أصلا.
ثانيها: يأخذ كفاية يوم بيوم.
ثالثها: يأخذ كفاية سنة.
وعبارة التحفة: (فائدة) منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال، ففي الإحياء: قيل لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا، لأنه مشترك، ولا يدري حصته منه.
وهذا غلو.
وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم، وقيل كفاية سنة، وقيل ما يعطى إذا كان قدر حقه والباقون مظلومون.
وهذا هو القياس، لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه.
اه.
وخالفه ابن عبد السلام: فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام ومال المجانين والأيتام اه.
(قوله: وسهم للهاشمي والمطلبي) أي لبني هاشم ولبني المطلب، أي وبناتهم دون غيرهم من أبناء عبد مناف، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم - وضع سهم ذوي القربى - الذي في الآية - فيهم، دون بني عبد شمس ونوفل، مجيبا عن ذلك - لما سألوه أن يعطيهم - بقوله: نحن وبنو المطلب شئ واحد.
وشبك بين أصابعه.
رواه البخاري.
أي لم يفارقوا بني هاشم في(2/232)
نصرته - صلى الله عليه وسلم - جاهلية ولا إسلاما، حتى أنه لما بعث بالرسالة نصروه وذبوا عنه، بخلاف بني الآخرين، بل كانوا يؤذونه.
والعبرة في الانتساب بالنسب إلى الآباء، فلا يعطى أولاد البنات شيئا، لأنهم ليسوا من الآل، ولذلك لم يعط - صلى الله عليه وسلم - الزبير وعثمان رضي الله عنهما، مع أن أميهما هاشميتان.
ومن بني المطلب: إمامنا الشافعي - رضي الله عنه - فإنه مطلبي، والنبي - صلى الله عليه وسلم - هاشمي.
(قوله: للذكر منهما) أي الهاشمي والمطلبي.
(وقوله: مثل حظ الأنثيين) أي مثل نصيبهما - كالإرث - بجامع أنه استحقاق بقرابة الأب.
(قوله: ولو أغنياء) أي ولو كانوا أغنياء، فإنهم يعطون، وذلك لإطلاق الآية، ولإعطائه - صلى الله عليه وسلم - العباس، وكان غنيا.
(قوله: وسهم للفقراء اليتامى) المراد بالفقراء: ما يشمل المساكين، لأنهما إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا.
ولا بد في ثبوت اليتم والإسلام والفقر هنا من بينة.
وكذا في الهاشمي والمطلبي.
واليتيم: هو الذي لا أب له، وإن كان له جد، ولو لم يكن من أولاد المرتزقة.
ويدخل فيه: ولد الزنا، والمنفي، لا اللقيط - على الأوجه - لأنا لم نتحقق فقد أبيه، على أنه غني بنفقته في بيت المال مثلا.
وأما فاقد الأم فيقال له منقطع.
وفائدة ذكرهم - مع اندراجهم في المساكين - عدم حرمانهم، وإفرادهم بخمس كامل.
كذا في التحفة.
(قوله: وسهم للمسكين) المراد به ما يشمل الفقير، لما تقدم.
والمراد به غير اليتيم، أما هو فيعطى من سهم اليتامى فقط.
وعبارة ش ق: ولو اجتمع وصفان في واحد أعطى بأحدهما، إلا الغزو مع القرابة.
نعم، من اجتمع فيه يتم ومسكنة أعطي باليتم
فقط، لأنه وصف لازم، والمسكنة منفكة.
اه.
(قوله: وسهم لابن السبيل) هو خامس الأسهم الخمسة.
(واعلم) أنه يشترط في الجميع الإسلام.
(قوله: ويجب) أي على الإمام - أو نائبه - تعميم الأصناف الأربعة، وهم بنو هاشم والمطلب، والفقراء اليتامي، والمساكين، وابن السبيل كما يجب تعميم الأصناف يجب تعميم آحادهم.
(قوله: حاضرهم) أي في محل الفئ والغنيمة.
(وقوله: وغائبهم عن المحل) أي محل الفئ والغنيمة.
(قوله: نعم، يجوز التفاوت بين آحاد الصنف) استدراك على وجوب التعميم بين الأصناف.
(وقوله: غير ذوي القربى) أي فإنه لا يجوز التفاوت بين آحادهم، وذلك لاتحاد القرابة، وتفاوت الحاجة المعتبرة في غيرهم.
(قوله: لا بين الأصناف) أي لا يجوز التفاوت بين الأصناف في الإعطاء.
(قوله: ولو قل إلخ) لو أدخل أداة الاستدراك عليه وحذفها قبل قوله يجوز التفاوت الخ لكان أولى، إذ لا محل لها هناك، ولها محل هنا.
فتنبه.
(قوله: بحيث لو عم) أي عم الإمام أو نائبه به جميع المستحقين.
(وقوله: لم يسد مسدا) جواب لو الثانية، أي لم يقع موقعا من حاجتهم.
(قوله: خص الخ) جواب لو الأولى.
(وقوله: به) أي بهذا الحاصل.
(قوله: ولا يعم) أي لا يعطيه لجميع المستحقين.
(قوله: للضرورة) أي الحاجة، وهو علة لتخصيص الأحوج به، وحينئذ تكون الحاجة مرجحة، وإن لم تكن معتبرة في الاستحقاق.
لما مر من أنهم يعطون ولو أغنياء.
(قوله: ولو فقد بعضهم) أي الأصناف الأربعة.
(قوله: وزع سهمه على الباقين) أي أعطى نصيبه موزعا على الباقين - كما في الزكاة.
(قوله: ويجوز عند الأئمة الثلاثة) أي الإمام أبي حنيفة، والإمام مالك، والإمام أحمد ابن حنبل.
(قوله: صرف جميع خمس الفئ إلى المصالح) الذي في التحفة والنهاية والخطيب: صرف جميع الفئ إلى المصالح، لا خمسه فقط.
وعبارة الأخير: فيخمس جميعه - أي الفئ - خمسة أخماس متساوية كالغنيمة، خلافا للأئمة الثلاثة، حيث قالوا لا يخمس، بل جميعه لمصالح المسلمين.
اه.
وقوله: خلافا للأئمة الثلاثة: كتب البجيرمي ما نصه: حاصل مذهبهم أنه يوضع جميعه في بيت المال، ويفرق على الخمسة المذكورين وعلى غيرهم من المصالح، ولا يعطى للمرتزقة منه شئ.
وهذا هو المراد بقوله: بل يوضع جميعه لمصالح المسلمين، بخلاف الغنيمة، فإن أربعة أخماسها للغانمين، وخمسها للخمسة المذكورين - كمذهبنا.
اه.
وكتب أيضا: قوله: لمصالح المسلمين.
أي(2/233)
ولآله - صلى الله عليه وسلم -، ويبدأ بهم ندبا عندهم، لأن خمس الغنيمة وجميع الفئ عندهم يوضعان في بيت المال، ويصرف في مصالح المسلمين مما ذكر في الآية، وما لم يذكر من تزويج الأعزب، ورزق العلماء، والمحتاجين.
اه.
قال في التحفة: ويدل
لنا - أي على أن الفئ يخمس - القياس على الغنيمة المخمسة بالنص، بجامع أن كلا راجع إلينا من الكفار، واختلاف السبب بالقتال وعدمه لا يؤثر.
اه.
بزيادة.
(قوله: ولا يصح شرط الإمام: من أخذ شيئا فهو له) أي لا يصح أن يشرط الإمام قبل القسمة للمجاهدين أن من أخذ شيئا من الغنائم فهو له.
وذلك لأن الغنيمة يشترك فيها جميع أهل الوقعة، لا خاصة بالآخذ.
قال ق ل: وما نقل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله، لم يثبت.
وبفرض ثبوته، فالغنيمة كانت له، يتصرف فيها بما يراه.
اه.
وسيذكر الشارح هذه المسألة - في أواخر باب الجهاد، مرتبا على صحتها صحة وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند.
ولا بأس بذكر عبارته هنا - تعجيلا للفائدة - ونصها: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند، وحاصل معتمد مذهبنا فيهم: إن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم، يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه، لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي، فإنه لا يخمس عليه.
وهذا كثير، لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم - بنحو سرقة أو اختلاس - لم يجز شراؤه، إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه.
فقول جمع متقدمين: ظاهر الكتاب والسنة والإجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغنائم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له، لجوازه عند الأئمة الثلاثة، وفي قوله للشافعي.
اه.
(قوله: وفي قوله: يصح) أي شرط الإمام ما ذكر.
وعليه، فكل من أخذ شيئا اختص به.
(قوله: وعليه) أي على القول بالصحة.
(قوله: وعند أبي حنيفة ومالك يجوز إلخ) نقل المؤلف عن التاج الفزاري - في باب الجهاد أيضا - أنه لا يلزم الإمام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين.
ثم قال: ورده النووي وغيره بأنه مخالف للإجماع.
(قوله: أن يفضل بعضا) أي يفضل بعض الأصناف على بعض في العطاء.
(قوله: فرع) أي في بيان حكم الغنيمة قبل القسمة.
(قوله: مما غنموا) ليس بقيد، بل مثله ما إذا دخل شخص دار حرب واختلس شيئا من أموالهم، فإنه لا يستقل به، بل يخمس.
(قوله: قبل التخميس) ظرف متعلق بحصل، أي حصل قبل أن يخمس الإمام الغنيمة.
(وقوله: والقسمة الشرعية) أي وقبل القسمة الشرعية، وهي أن يعطي الإمام كل ذي حق حقه - على ما تقرر سابقا.
(قوله: لا يجوز الخ) جواب لو.
(وقوله: له) أي لمن حصل له ذلك.
(وقوله: التصرف) أي ببيع أو نحوه مما يزيل الملك كالهبة.
نعم، يجوز لهم التصرف بالأكل والشرب مما حصل لهم، لكن على وجه الإباحة - كالضيف - كما صرح به المنهاج في كتاب السير، وعبارته مع التحفة: وللغانمين - ولو أغنياء، وبغير إذن الإمام - التبسط، أي التوسع في الغينمة قبل القسمة، واختيار التملك على سبيل
الإباحة لا الملك.
فهو مقصور على انتفاعه - كالضيف - لا يتصرف فيما قدم إليه إلا بالأكل.
نعم، له أن يضيف به من له التبسط وإقراضه بمثله منه بأخذ ما يحتاجه، لا أكثر منه وإلا أثم وضمنه.
كما لو أكل فوق الشبع سواء أخذ القوت وما يصلح به، كزيت، وسمن، ولحم، وشحم، لنفسه لا لنحو طيره.
وكل طعام يعتاد أكله وعلف الدواب تبنا وشعيرا أو نحوهما وذبح حيوان مأكول للحمه، والصحيح جواز الفاكهة رطبا ويابسها، والحلوى، وأنه لا تجب قيمة المذبوح، وأنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلف.
وأن من رجع إلى دار الإسلام ووجد حاجته بلا عزة، ومعه بقية، لزمه ردها إلى المغنم، أي محل اجتماع الغنائم قبل قسمتها.
اه.
بحذف.
(قوله: لأنه) أي ما حصل له من الغنيمة.
(قوله: مشترك بينهم) أي بين الغانمين، ولو قال مشترك بينه وبين باقي المستحقين، لكان أولى، إذ الآخذ عندنا واحد من(2/234)
الغانمين، فالمناسب أن يخص ما أخذه بالاشتراك بينه وبين غيره، وإن كانت الغنيمة كلها مشتركة.
(قوله: والشريك لا يجوز الخ) من جملة العلة، وهو يفيد أنه لو أذن له المستحقون في أخذه قبل القسمة من الإمام يجوز له أخذه، وليس كذلك.
ولو أبدل العلة المذكورة من أصلها بقوله لأنه قبل القسمة لا يملك بالأخذ.
لكان أولى.
(قوله: ويسن صدقة تطوع) لما أنهى الكلام على بيان الصدقة الواجبة، شرع في بيان الصدقة المسنونة، فقال: ويسن صدقة التطوع.
والمراد بالتطوع: ما زاد على الفرض، لا المعنى المرادف للسنة، أي ويسن صدقة ما زاد على الفرض.
وبه يندفع ما قيل: لا تصح هذه الإضافة، لأن التطوع مرادف للسنة المفهومة من يسن، فيصير التقدير: ويسن صدقة السنة، ولا معنى له.
(لطيفة) قال بعضهم: إن الصدقة أربعة حروف: صاد، ودال، وقاف، وهاء، فالصاد منها: تصون صاحبها عن مكاره الدنيا والآخرة.
والدال منها: تكون دليله على طريق الجنة غدا عند تحير الخلق.
والقاف منها للقربة، تقرب صاحبها إلى الله تعالى.
والهاء منها: للهداية، يهدي الله تعالى صاحبها للأعمال الصالحة ليستوجب بها رضوانه الأكبر.
(قوله: لآية: * (من ذا الذي يقرض) * (1) إلخ) أي ولآية * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) * (2) وآية * (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) * (3) قال في النصائح، بعد ذكر قوله تعالى * (فيضاعفه له وله أجر كريم) *: (4) فاستشعر في نفسك هذا الأجر الذي سماه الله كبيرا أو كريما، أي أجر هو؟ وكذلك المضاعفة التي لم يحصرها الله بعدد في قوله: * (فيضاعف له) * وفي آية أخرى: * (أضعافا كثيرة) *، فأطلق الكثرة ولم يجعلها إلى حد فأي ترغيب من الله الجواد الكريم يزيد على هذا الترغيب؟ فأف لمن لا يعقل عن الله،
ولا يفهم في آياته حتى غلب عليه البخل لماله واستولى عليه الشح بما عنده من فضل الله، حتى ربما ينتهي به ذلك إلى منع الحقوق الواجبة فضلا عن التطوع بالصدقات.
فلو كان هذا فقيرا لا يملك قليلا ولا كثيرا كان ذلك أجمل به وأحسن له.
اه.
(قوله: وللأحاديث الكثيرة الشهيرة) منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس.
ومنها: قوله عليه الصلاة والسلام: اتقوا النار، ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة.
وقال عليه الصلاة والسلام: الصدقة تطفى الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
وقال عليه الصلاة والسلام: يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأعطش ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله (1) ، ومن سقى لله سقاه الله.
الحديث.
وأراد بقوله لله.
أن يفعل ذلك مخلصا لوجه الله، من غير رياء ولا تصنع للناس، ولا طلب محمدة منهم.
وقال عليه الصلاة والسلام: من أطعم أخاه حتى يشبعه، وسقاه حتى يرويه، باعده الله من النار سبعة خنادق، ما بين كل خندقين خمسمائة عام.
وقال عليه الصلاة والسلام: ما من رجل يتصدق يوم أو ليلة إلا حفظ أن يموت من لدغة، أو هدمة، أو موت بغتة.
(فائدة) عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن امرأة من بني إسرائيل كان لها زوج وكان غائبا، وكان له أم، فأولعت بامرأة ابنها، فكرهتها، فكتبت كتابا على لسان ابنها إلى امرأة ابنها بفراقها، وكان لها ابنان من زوجها، فلما انتهى ذلك إليها لحقت بأهلها مع ولديها، وكان لهم ملك يكره إطعام المساكين، فمر بها مسكين ذات يوم وهي على خبزها، فقال: أطعميني من خبزك فقالت: أما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قال: بلى ولكني هالك إن لم تطعميني أنت.
فرحمته وأطعمته قرصين، وقالت له: لا تعلم أحدا أني أطعمتك.
فانصرف بهما، فمر
__________
(1) البقرة: 245.
(2) البقرة: 272.
(3) الحديد: 7.
(4) البقرة: 245(2/235)
بالحرس ففتشوه، وإذا بالقرصين معه، فقالوا له: من أين لك هذا؟ فقال: أطعمتني فلانة.
فانصرفوا به إليها، فقالوا لها: أنت أطعمته هذين القرصين؟ قالت: نعم.
قالوا لها: أو ما علمت أن الملك حرم إطعام المساكين؟ قالت: بلى.
قالوا: فما حملك على ذلك؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك.
فذهبوا بها إلى الملك، وقالوا: هذه أطعمت هذا
المسكين قرصين.
فقال لها: أنت فعلت ذلك؟ فقالت: نعم.
فقال لها الملك: أو ما كنت علمت أني حرمت إطعام المساكين؟ قالت: نعم.
قال: فما حملك على هذا؟ قالت: رحمته، ورجوت أن يخفي ذلك، وخفت الله فيه أن يهلك.
فأمر بقطع يديها، فقطعتا.
وانصرفت إلى منزلها، وحملت ابنيها حتى انتهت إلى نهر يجري، فقالت لأحد ابنيها: اسقني من هذا الماء.
فلما هبط الولد ليسقيها غرق، فقالت للآخر: أدرك أخاك يا بني، فنزل لينقذ أخاه، فغرق الآخر، فبقيت وحدها، فأتاها آت، فقال، يا أمة الله ما شأنك ههنا؟ إني أرى حالك منكرا فقالت: يا عبد الله، دعني، فإن ما بي شغلني عنك.
فقال: أخبريني بحالك.
قال: فقصت عليه القصة، وأخبرته بهلاك ولديها، فقال لها: أيما أحب إليك؟ أأرد إليك يديك؟ أم أخرج لك ولديك حيين؟ فقالت: بل تخرج ولدي حيين.
فأخرجهما حيين، ثم رد عليها يديها، وقال: إنما أنا رسول الله إليك.
بعثني رحمة لك، فيداك بقرصين، وابناك ثوابا لك من الله تعالى، برحمتك لذلك المسكين وصبرك على ما أصابك.
واعلمي أن زوجك لم يطلقك، فانصرفي إليه فهو في منزله، وقد ماتت أمه.
فانصرفت إلى منزلها، فوجدت الأمر كما قيل لها.
وما أحسن قول بعضهم: جعلت على لطفك المتكل * * وأعرضت عن فكرتي والحيل وما دام لطفك لي لم أخف * * عدوا إذا كادني أو خذل ولطفك رد الذي اختشى * * كما كشف الضر لما نزل ويا سيدي كم مضيق فرجت * * بلطف تيسره من عجل ملاذي ببابك لا حلت عنه * * ويا ويح من عنه يوما عدل وقفت عليه بذل السؤال * * وما خاب بالباب من قد سأل (قوله: وقد تجب) أي الصدقة.
أي وقد يعرض لها ما يجعلها واجبة، وقد يعرض لها أيضا ما يجعلها حراما، كأن علم أو ظن من الآخذ أنه يصرفها في معصية، وكالذي سيذكره المؤلف.
(قوله: كأن يجد مضطرا) الخ تمثيل للصدقة الواجبة، وفيه أن المضطر لا يجب البذل له إلا بثمنه، فكيف يكون صدقة.
وعبارة التحفة لا يقال تجب للمضطر، لتصريحهم بأنه لا يجب البذل له إلا بثمنه - ولو في الذمة - لمن لا شئ معه.
نعم، من لم يتأهل للالتزام يمكن جريان ذلك فيه، حيث لم ينو الرجوع.
اه.
ومثله في النهاية.
وكتب سم: قوله: يمكن جريان ذلك، ما نصه: فيه نظر دقيق.
فتأمله.
اه.
قال الرشيدي: وكأن وجه النظر أنه صار بالقيد المذكور مخيرا بين الصدقة وبين دفعه بنية الرجوع فلم تجب الصدقة عينا، فساوى المتأهل ومن له ولي حاضر، إذ لا خفاء أنه مخير فيه أيضا بين الصدقة وبين البذل بعوض.
اه.
(قوله: ومعه ما يطعمه) الواو للحال.
وما: واقعة على طعام.
والفعل يقرأ بضم أوله وكسر ثالثه - من أطعم.
والتقدير: والحال أن عنده طعاما يطعمه لذلك المضطر، فإن لم يكن عنده ذلك لا يجب عليه التصدق.
(وقوله: فاضلا عنه) منصوب على الحال من الضمير البارز في الفعل العائد على ما الواقعة على طعام.
أي حال كون ذلك الطعام فاضلا عنه، أي عن طعامه.
أي وطعام ممونه حالا، فإن لم يفضل عن ذل ك لا يجب التصدق به.
وفي التحفة - في باب السير - ما نصه: والحاصل أنه يجب البدل هنا - أي للمحتاجين - من غير اضطرار بلا بدل، لا مطلقا، بل مما زاد على كفاية سنة، وثم - أي في المضطر - يجب البذل بما لم يحتجه حالا ولو على فقير، لكن بالبدل.
اه.
بتصرف.
(قوله: ويكره(2/236)
بردئ) أي يكره التصدق بردئ، كسوس، وذلك لقوله تعالى: * (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) * (1) ومحل الكراهة إذا وجد غير الردئ، وإلا فلا.
(قوله: وليس منه الخ) أي وليس من التصديق بردئ التصدق بالفلوس، والثوب الخلق - أي البالي - وذلك لأن المراد بالردئ الردئ عرفا، وهذا ليس منه - كما في الكردي نقلا عن الإيعاب - وعبارته في الإيعاب الأقرب أن المراد: الردئ عرفا.
قال: ويؤيده أن التصدق بالفلوس والثوب الخلق ليس من الردئ.
اه.
(قوله: ونحوهما) أي نحو الفلوس والثوب الخلق من الشئ القليل كاللقمة واللقمتين.
(قوله: بل ينبغي أن لا يأنف الخ) أي لأن ما قبله الله كثير، ولآية * (فمن يعمل مثقال ذرة) * ولقوله عليه السلام: لا تحقرن من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.
(قوله: والتصدق بالماء أفضل) لخبر أبي داود.
أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء، وخبر الترمذي: أيما مسلم سقى مسلما على ظمإ سقاه الله تعالى من الرحيق المختوم.
وخبر الشيخين: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل.
ورجل بايع رجلا لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلا لم يف له.
ورجل ساوم رجلا بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أعطى بها كذا وكذا فأخذها.
(قوله: حيث كثر الاحتياج إليه) أي إلى الماء، وهو تقييد للأفضلية.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكثر الاحتياج إليه.
(قوله: فالطعام) أي أفضل، لأحاديث كثيرة واردة فيه، منها ما مر قريبا.
(قوله: ولو تعارض الصدقة حالا والوقف الخ) أي لو تعارض عليه كونه يتصدق بما عنده حالا أو يفقه، فهل الأفضل له الأول أو الثاني؟ في
ذلك تفصيل، وهو ما ذكره بقوله: فإن كان الوقت إلخ.
(قوله: فالأول) أي الصدقة حالا.
(وقوله: أولى) أي من الوقف، للحاجة إليه.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن الوقت وقت حاجة وشدة.
(وقوله: فالثاني) أي وهو الوقف، أولى.
(قوله: لكثرة جدواه) أي نفعه، وذلك لأن الوقف عمل دائم لا ينقطع، للحديث المشهور.
(قوله: وأطلق ابن الرفعة) أي لم يقيد ذلك بكون الوقت وقت حاجة وشدة.
(وقوله: ترجيح الأول) أي الصدقة.
(قوله: لأنه) أي المتصدق.
(وقوله: قطع حظه من المتصدق به) أي قطع نصيبه من المتصدق به وعلقته وانتسابه له حالا.
بخلاف الوقف، فإنه - وإن خرج عن ملكه - له تعلق وانتساب به، لا سيما إن أوقفه على أولاده وأقاربه.
(قوله: وينبغي الخ) دخول على المتن.
(قوله: إن لا يخلي كل يوم) يحتمل جعل كل يوم مفعول به للفعل.
(وقوله: من الصدقة) متعلق به، ويحتمل جعله ظرفا، والصدقة مفعول به، ومن زائدة، والمعنى على الأول: ينبغي أن لا يهمل كل يوم من الصدقة.
وعلى الثاني: ينبغي أن لا يترك في كل يوم الصدقة.
(وقوله: من الأيام) متعلق بمحذوف صفة مؤكدة لكل يوم، ولو حذفه لكان أولى.
(وقوله: بما تيسر) متعلق بالصدقة.
وهذا كله باعتبار حل الشارح، فإن نظر للمتن بحسب ذاته، كان كل يوم ظرفا متعلقا بصدقة، وكذا قوله بما تيسر.
فتفطن.
(قوله: وإعطاؤها سرا أفضل) أي لآية: * (إن تبدوا الصدقات) * (1) إلخ، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش: من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.
وتمام السبعة: إمام عادل.
وشاب نشأ في عبادة الله تعالى.
ورجل قلبه معلق بالمساجد.
ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه.
ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله.
ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه - وقد ورد أيضا أن ثواب صدقة السر يضاعف على ثواب الصدقة الظاهرة سبعين ضعفا.
وورد أيضا صدقة السر تطفئ غضب الرب.
وأي شئ أعظم من غضبه
__________
(1) آل عمران: 92.
(1) البقرة: 271(2/237)
سبحانه وتعالى؟ وما أطفأته صدقة السر إلا لعظمها عند الله سبحانه وتعالى.
نعم، إن أظهرها المقتدى به ليقتدى به ولم يقصد نحو رياء ولا تأذى به الآخذ، كان أفضل.
وجعل بعضهم من الصدقة الخفية: أن يبيع مثلا ما يساوي درهمين بدرهم.
(تنبيه) ليس المراد بالسر ما قابل الجهر فقط، بل المراد أن لا يعلم غيره بأن هذا المدفوع صدقة، حتى لو دفع شخص دينارا مثلا وأفهم من حضره أنه عن قرض عليه أو عن ثمن مبيع مثلا، كان من قبيل دفع الصدقة سرا.
لا يقال هذا ربما امتنع، لما فيه من الكذب، لأنا نقول: هذا فيه مصلحة، وهي البعد عن الرياء أو نحوه، والكذب قد يطلب لحاجة أو
مصلحة، بل قد يجب لضرورة اقتضته.
أفاده زي.
(قوله: أما الزكاة) مقابل قوله وإعطاؤها: أي الصدقة المتطوع بها.
(وقوله: فإظهارها أفضل إجماعا) أي للإمام مطلقا، وكذا للمالك في الأموال الظاهرة - كالنعم والنابت والمعدن - أما الباطنة - كالنقدين - فالإخفاء فيها أفضل.
وعبارة الروض وشرحه: ويستحب للمالك إظهار إخراج الزكاة - كالصلاة المفروضة - وليراه غيره فيعمل عمله، ولئلا يساء الظن به.
وخصه الماوردي بالأموال الظاهرة، قال: أما الباطنة فالإخفاء فيها أولى لآية * (إن تبدوا الصدقات) * وأما الإمام، فالإظهار له أفضل، مطلقا.
اه.
(قوله: وإعطاؤها برمضان الخ) أي لخبر الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان أجود ما يكون في رمضان، ولخبر أبي داود: أي الصدقة أفضل؟ قال: في رمضان.
ولأنه أفضل الشهور، ولأن الناس فيه مشغولون بالطاعات، ولا يتفرغون لمكاسبهم، فتكون الحاجة فيه أشد.
(وقوله: لا سيما في عشره الأواخر) أي خصوصا الصدقة في عشره الأخير فإنها فيه آكد من أوله أو وسطه، لأن فيه ليلة القدر، فهو أفضل مما عداه.
(قوله: ويتأكد) أي إعطاء الصدقة.
(وقوله: أيضا) أي كتأكده في رمضان.
(وقوله: في سائر الأزمنة والأمكنة الفاضلة) قال ابن حجر: وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل، بل أنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتناما لعظيم ثوابه.
اه.
وتتأكد أيضا عند المهمات من الأمور - كغزو وحج - لأنها أرجى لقضائها، ولآية * (إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) * (1) وعند المرض، والكسوف والسفر.
(قوله: كعشر ذي الحجة إلخ) تمثيل للأزمنة الفاضلة.
(وقوله: وكمكة والمدينة) تمثيل للأمكنة الفاضلة.
(وإعطاؤها لقريب الخ) أي لأنه أولى به من غيره، والثواب في الصدقة عليه أعظم وأكثر.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: الصدقة على الأقارب صدقة وصلة.
وقال عليه الصلاة والسلام: المتعدي في الصدقة كمانعها.
ومن التعدي أن تعطي صدقاتك للأجانب والأباعد وأنت تعلم أن أقاربك وجيرانك أحوج إليها.
وأخرج الطبراني: يا أمة محمد والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل وله قرابة محتاجون إلى صلته ويصرفها إلى غيرهم.
والذي نفسي بيده، لا ينظر الله إليه يوم القيامة.
وهو أيضا: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمة فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه، إلا أخرج الله له من جهنم حية يقال لها شجاع يتلمظ فيطوق به.
والتلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.
وفي الصحيحين: أن امرأتين أتتا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالتا لبلال: سل لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هل يجزئ أن نتصدق على أزواجنا ويتامى في حجورنا؟ فقال: نعم، لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
(قوله: لا تلزمه نفقته أولى) صنيعه يقتضي أن جملة لا تلزمه نفقته صفة لقريب، وأن لفظ أولى خبر إعطاؤها، وفيه شيآن: الأول أن المصرح به في التحفة والنهاية وغيرهما عدم تقييد القريب
بعدم لزوم نفقته، الثاني: أنه يصير قوله الآتي أفضل ضائعا.
فلعل في العبارة تحريفا من النساخ، وأن الأصل تلزمه نفقته أو لا، أي أو لا تلزمه ويكون قوله الآتي أفضل خبرا عن وإعطاؤها.
ثم وجدته في بعض نسخ الخط الصحيحة، فهو المتعين.
فتنبه.
(قوله: ثم الزوج أو الزوجة) أي لخبر الصحيحين السابق في الزوج، وتقاس الزوجة به.
(قوله: ثم غير المحرم) أي ثم بعد الأقرب فالأقرب من ذي الرحم: المحرم.
وبعد الزوج والزوجة: غير المحرم من الاقارب، كأولاد
__________
(1) المجادلة: 12(2/238)
العم والخال.
(قوله: والرحم) بالرفع مبتدأ، خبره سواء.
(قوله: ثم محرم الرضاع الخ) أي ثم بعد غير المحرم من أقارب النسب، المحرم من الرضاع، ثم من المصاهرة.
(قوله: أفضل) خبر قوله وإعطاؤها لقريب، على ما مر.
(قوله: وصرفها) أي إعطاؤها، ولم يعبر به تفننا في التعبير.
(وقوله: إلى جار أفضل) أي لحثه سبحانه وتعالى على الإحسان عليه كحثه على الإحسان للوالدين في آية: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) * - إلى أن قال - * (والجار ذي القربى، والجار الجنب) * (2) والمراد من الجار ذي القربى: القريب منك جواره.
وقيل: هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب أو الدين.
والمراد بالجار الجنب: أن يصدق عليه اسم الجوار مع كون داره بعيدة.
وفي الآية دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم، سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة، وعلى تقديم الجار القريب الدار على الجار البعيد الدار.
وفي البخاري: عن عائشة رضي الله عنها، قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ فقال: إلى أقربهما منك بابا.
(قوله: فعلم) أي من قوله: وصرفها بعد القريب.
(قوله: أن القريب) أي للمتصدق.
(قوله: البعيد الدار) أي الذي داره بعيدة عن دار المتصدق.
(وقوله: في البلد) متعلق بمحذوف صفة للبعيد، وهذا قيد لا بد منه، لكنه لم يعلم مما مر.
وخرج به ما إذا كان خارج البلد - بحيث يمتنع نقل الزكاة إليه - فالجار حينئذ أفضل منه.
وعبارة ابن حجر: ثم الأفضل تقديم الجار، فهو أولى حتى من القريب، لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه، وإلا قدم على الجار الأجنبي، وإن بعدت داره.
اه.
(قوله: لا يسن التصدق بما يحتاجه) أصل المتن: لا بما يحتاجه، فهو معطوف على بما تيسر، وجملة وإعطاؤها سرا إلخ معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.
وقول الشارح: يسن التصديق - بعد حرف العطف - لبيان متعلق الجار والمجرور.
(قوله: بل يحرم إلخ) إضراب انتقالي، وذلك لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.
وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة.
والضيافة لتأكدها ووجوبها عند الإمام أحمد، لا يشترط فيها الفضل عن العيال.
(قوله: لنفقة ومؤنة) كلاهما مضاف إلى ما بعده، ولو اقتصر على الثاني لكان ولى، لشموله للنفقة.
(وقوله: من تلزمه الخ) أي من نفسه وعياله لكن محل حرمة التصدق بما يحتاجه لنفسه إن لم يصبر على الإضاقة، وإلا فلا حرمة، لأن للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرا آخر مسلما، كما قال تعالى * (ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة) * (1) (وقوله: نفقته) المناسب لما قبله أن يزيد بعده ومؤنته.
(وقوله: يومه وليلته) أي يوم التصدق وليلته.
وهذا بالنسبة لغير الكسوة، أما هي فيعتبر فيها الفضل.
(قوله: أو لوفاء دينه) معطوف على لنفقة الخ.
أي أو بما يحتاج إليه لوفاء دينه، أي الدين الذي عليه لغيره.
وإنما حرم التصدق به لأن أداء الدين واجب لحق آدمي، فلا يجوز تفويته، أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة.
(قوله: ما لم يغلب على ظنه حصوله) أي وفاء الدين حالا في الحال، وعند الحلول في المؤجل.
فإن غلب على ظنه ذلك جاز التصدق به، بل قد يسن.
قال في التحفة: نعم، إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه أو لعصيانه بسببه، ولم يعلم رضا صاحبه بالتأخير، حرم التصدق قبل وفائه مطلقا - كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري - (وقوله: من جهة أخرى) أي غير المتصدق به.
وفي التحفة إسقاط لفظ أخرى، والاقتصار على ظاهرة، وهو أولى.
(وقوله: ظاهرة) أي كأن يكون له عقار يؤجر أو له دين على موسر.
وخرج به ما إذا كانت الجهة غير ظاهرة - بأن كانت متوهمة، كأن كان مترقبا من أحد أنه يعطيه قدرا يقضى به دينه صدقة - فإنه حينئذ يحرم عليه التصدق بما عنده.
(قوله: لأن الواجب الخ) علة لحرمة التصدق بما يحتاج إليه، لما ذكر.
أي ولقوله عليه الصلاة والسلام المار: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول.
رواه أبو داود بإسناد
__________
(1) النساء: 36.
(1) الحشر: 9(2/239)
صحيح.
(وقوله: لسنة) هي الصدقة.
(قوله: وحيث حرمت الصدقة بشئ) أي بأن كان يتصدق بما يحتاجه.
لما مر.
(قوله: لم يملكه) أي الشئ الذي حرم التصدق به.
(وقوله: للتصديق عليه) أي الشخص الذي تصدق عليه.
(قوله: على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد) أي وما ذكر من عدم ملك المتصدق عليه للصدقة، مبني على ما أفتى به شيخنا المحقق ابن زياد.
(قوله: لكن الذي جزم به شيخنا إلخ) قال الكردي: وألف في ذلك مؤلفا بسيطا سماه (قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين) قال: وألف ابن زياد اليمني في الرد عليه أربع مصنفات.
اه.
(وقوله: في شرح المنهاج) عبارته: ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ خلافا لكثيرين اغتروا بكلام لابن الرفعة وغيره، وغفلوا عن كلام الشافعي
والأصحاب.
اه.
والتقييد بقوله في شرح المنهاج لإخراج غيره من بقية مؤلفاته فإنه جرى فيها على ما جرى عليه ابن زياد، وحيث اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في شرح المنهاج.
(وقوله: أنه يملكه) أي أن المتصدق عليه يملكه المتصدق به.
(قوله: والمن بالصدقة) وهو تعداد النعم على المنعم عليه.
وقال الكردي فيه - أي المن - أقوال يظهرها أن يذكرها ويتحدث بها أن يستخدمه بالعطاء، أي يتكبر عليه لأجل عطائه، واختار في الإحياء بعد حكاية هذه الأقوال: أن حقيقة المن أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه.
وثمرته التحدث بما أعطاه، وإظهاره، وطلب المكافأة منه بالشكر، والدعاء، والخدمة، والتوقير، والتعظيم، والقيام بالحقوق، والتقديم في المجلس، والمتابعة في الأمور.
اه.
(قوله: حرام) لقوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) * (1) ولخبر مسلم: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
قال أبو ذر: خابوا وخسروا، من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب.
وما أحسن قول بعضهم: وصاحب سلفت منه إلي يد * * أبطا عليه مكافأتي فعاداني لما تيقن أن الدهر حاولني * * أبدى الندامة مما كان أولاني أفسدت بالمن ما قدمت من حسن * * ليس الكريم إذا أعطى بمنان وقال سيدنا الحبيب عبد الله بن علوي الحداد في نصائحه الدينية: وإياك والمن بالصدقة على الفقراء، فقد ورد فيه وعيد شديد، ولا تطلب ممن تتصدق عليه مكافأة على الصدقة بنفع منه لك أو خدمة أو تعظيم، فإن طلبت شيئا من ذلك على صدقتك كان حظك ونصيبك منها.
وقد كان السلف الصالح يكافئون الفقير على دعائه لهم عند التصدق عليه بمثل دعائه مخافة نقصان الثواب.
(ويروى) أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا تصدقت على أحد أرسلت على أثره رسولا يتبعه إلى مسكنه ليتعرف، هل يدعو لها؟ فتدعو له بمثل دعائه لئلا يكون دعاؤه في مقابلة الصدقة فينقص أجرها.
وذلك غاية الاحتياط.
وكذلك لا تطلب من الفقير شكرا ولا مدح، ولا تذكر للناس الذي أعطيته فينقص بذلك أجرك أو يذهب رأسا، ولا تترك الصدقة مخافة الفقر أو نقصان المال، فقد قال عليه السلام: ما نقص مال من صدقة والتصدق هو الذي يجلب الغنى والسعة، ويدفع القلة والعيلة، وترك التصدق على الضد من ذلك، يجلب الفقر ويذهب الغنى.
قال الله تعالى: * (وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين) * (2) وقال عليه الصلاة والسلام - في فضل التصدق والإنفاق - عن الله
تعالى: ابن آدم أنفق أنفق عليك.
وقال عليه السلام: ما طلعت الشمس إلا وعلى جنبيها ملكان، يقول
__________
(1) البقرة: 264.
(2) سبأ: 39(2/240)
أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا.
ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا.
قلت: ودعاء الملائكة مستجاب، ومن أمسك فلم يتلف ماله التلف الظاهر فهو تالف بالحقيقة، لقلة انتفاعه به في آخرته ودنياه، وذلك أعظم من التلف الذي هو ذهاب المال.
(واعلم) أن التصدق بالقليل من المقل أفضل عند الله من التصدق بالكثير من المكثر، قال عليه الصلاة والسلام: سبق درهم ألف درهم.
قيل له: وكيف ذلك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: رجل لا يملك إلا درهمين تصدق بأحدهما، ورجل تصدق من عرض ماله بألف درهم، فسبق الدرهم الألف.
أو كما قال عليه السلام.
فصار الدرهم الواحد من المقل أفضل من الألف من المكثر - وهو صاحب المال الكثير - اه.
بزيادة.
(قوله: محبط للأجر) أي مسقط لثواب الصدقة.
(قوله: كالأذى) أي من المتصدق للمتصدق عليه - كأن ينهره أو يشتمه - فهو حرام محبط للأجر، للآية المارة.
(قوله: قال في المجموع إلخ) مثله في التحفة والنهاية.
(قوله: يكره الأخذ) أي أخذ الصدقة.
ومثله المعاملة ببيع أو شراء.
(قوله: كالسلطان الجائر) أي الظالم.
ومثله من أكثر ماله من الربا.
(قوله: وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها) أي فان كانت الشبهة في ماله أكثر من عدمها - بأن كان أكثر أمواله من الحرام - كانت الكراهة أشد، وإلا فهي كراهة غير شديدة.
(قوله: ولا يحرم) أي الآخذ وقوله إلا إن الخ.
أي فإنه يحرم وقوله أن هذا أي المأخوذ وقوله من الحرام أي الذي يمكن معرفة أصحابه وفي التحفة: ويجوز الأخذ من الحرام بقصد رده على مالكه، إلا إن كان مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه، لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقة ودينه فيردون فتياه وحكمه وشهادته.
اه.
(قوله: وقول الغزالي) مبتدأ خبره شاذ.
(وقوله: يحرم الخ) مقول القول.
قال في التحفة بعده: على أنه - أي الغزالي في بسيطه - جرى على المذهب، فجعل الورع اجتناب معاملة من أكثر ماله ربا.
قال: وإنما لم يحرم - وإن غلب على الظن أنه ربا - لأن الأصل المعتمد في الأملاك اليد، ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه، فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن.
اه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
تحل الصدقة لغني بمال أو كسب، ولو لذي قربى، غير النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ولكن
يستحب له التنزه عنها، ويكره له التعرض لأخذها ويحرم عليه أخذها إن أظهر الفاقة، كأن يقول ليس عندي شئ.
وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين، فقال - صلى الله عليه وسلم - كيتان من نار.
وروى أبو داود: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار.
وينبغي للفقير أن يتنزه عن سؤال الناس، لما رواه الحاكم: من يتكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له الجنة.
وروى الإمام أحمد: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إما بموت آجل أو غنى عاجل.
وروي أيضا عن أبي ذر: لا تسأل الناس شيئا ولا سوطك وإن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
وروى البيهقي: ليستغن أحدكم عن الناس بقضيب سواك.
وما أحسن قول بعضهم: لا تسألن بني آدم حاجة * * وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله * * وبني آدم حين يسئل يغضب (وقال بعضهم) : لا تحملن من الانام * * عليك إحسانا ومنه واختر لنفسك حظها * * واصبر فإن الصبر جنه منن الرجال على القلوب * * أشد من وقع الأسنه اللهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المتوجهين إليك، المسحنين إلى الإخوان، الفائزين بالجنان.
آمين.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/241)
باب الصوم
شروع في الركن الرابع من أركان الإسلام.
(قوله: هو لغة الإمساك) أي عن المفطر، أو عن الكلام، أو غيرهما.
ومنه قوله تعالى - حكاية عن مريم - * (إني نذرت للرحمن صوما) * (2) أي إمساكا وسكوتا عن الكلام.
وقول العرب: فرس صائم: أي واقف، ممسك عن المشي.
قال النابغة الذبياني: خيل صيام، وخيل غير صائمة * * تحت العجاج، وأخرى تعلك اللجما أي خيل ممسكة عن السير والكر والفر.
وخيل غير صائمة، أي غير ممسكة عن ذلك، بل سائرة.
ومعنى تعلك اللجما: أي تمضغها، متهيئة للسير والكر والفر.
(قوله: وشرعا) مقابل قوله لغة.
(قوله: إمساك عن مفطر) أي جنسه،
كوصول العين جوفه، والجماع.
ومعنى الإمساك عنه: تركه، والكف عنه.
(وقوله: بشروطه الآتية) أنظر ما المراد بها؟ فإن كان مراده بها ما ذكره بقوله على كل مكلف مطيق له: فيرد عليه أنها في خصوص من يجب عليه صوم رمضان، والتعريف لمطلق صوم.
وإن كان مراده بها النية: فيرد عليه أنها فرض، كما قال: وفرضه نية.
وأيضا: لو سلم أن المراد بالفرض ما لا بد منه، فيشمل الشرط، فهي شرط واحد، لا شروط.
فالأولى والأخصر أن يقول - كغيره - وشرعا: إمساك عن مفطر على وجه مخصوص، لأن ما ذكر هو حقيقة الصوم، والتعاريف تبين الحقائق، ويدخل تحت على وجه مخصوص: النية - التي هي الركن الثالث - وسائر الشروط والأركان.
(قوله: وفرض) أي الصوم.
(قوله: في شعبان) قال ع ش: لم يبين - كابن حجر - هل كان ذلك في أوله أو آخره أو وسطه فراجعه.
اه.
(قوله: في السنة الثانية من الهجرة) أي فيكون - صلى الله عليه وسلم - صام تسع رمضانات، لأن مدة مقامه بالمدينة عشر سنين، والتسع كلها نواقص إلا سنة فكاملة - على المعتمد -.
والناقص: كالكامل في الثواب المرتب على رمضان، من غير نظر لأيامه.
أما ما يترتب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره وفطوره، فهو زيادة يفوق الكامل بها الناقص.
(قوله: وهو) أي الصوم المفروض الذي هو صوم رمضان.
(قوله: من خصائصنا) وعليه فيحمل التشبيه في قوله تعالى: * (كما كتب على الذين من قبلكم) * (3) على مطلق الصوم، دون قدره وزمنه.
وقيل أنه ليس من الخصوصيات، بحمل التشبيه على حقيقته، لأنه قيل: ما من أمة إلا وقد فرض عليهم رمضان، إلا أنهم ضلوا عنه.
قال الحسن: كان صوم رمضان واجبا على اليهود، ولكنهم تركوه وصاموا بدله يوما من السنة، وهو يوم عاشوراء، زعموا أنه يوم أغرق الله تعالى فيه فرعون، وكذبوا في ذلك الصادق
__________
(1) وقذد ثبت فرضيته بالكتاب والسنة وعليه اجماع الامة، لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام) سورة البقرة الآية: 183، وقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة الاية: 185 وفئ السنة أحاديث كثيرة منها: حديث " بني الإسلام على خمسى " ومنها: " سوم رمضان (متفق عليه.
(2) مريم: 26.
(3) البقرة: 183(2/242)
المصدوق نبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم -.
وواجبا على النصارى أيضا لكنهم بعد أن صاموه زمنا طويلا صادفوا فيه الحر الشديد، وكان يشق عليهم في أسفارهم ومعايشهم، فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم أن يجعلوه في فصل الربيع لعدم تغيره، وزادوا فيه
عشرة أيام كفارة لما صنعوا، فصار أربعين.
ثم إن ملكا مرض فجعل لله تعالى - أن هو برئ - أن يصوم أسبوعا، فبرئ، فزاده أسبوعا، ثم جاء بعد ذلك ملك، فقال: ما هذه الثلاثة؟ فأتم خمسين - أي أنه زاد الثلاثة باجتهاد منه - وهذا معنى قوله تعالى * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * (1) والمعتمد الأول، وهو أنه لم يجب خصوص رمضان إلا على هذه الأمة، وأما الواجب على الأمم السابقة فصوم آخر.
(قوله: ومن المعلوم من الدين بالضرورة) أي وهو من المعلوم من أدلة الدين علما يشبه الضروري، فيكفر جاحد وجوبه.
(قوله: يجب صوم شهر رمضان) الأصل في وجوبه قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.
أياما معدودات) * (2) والأيام المعدودات أيام شهر رمضان، وجمعها جمع قلة ليهونها، وقوله تعالى * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (3) .
(قوله: بكمال شعبان ثلاثين) متعلق بيجب أي يجب باستكمال شعبان ثلاثين يوما إن لم ير هلال رمضان، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.
وفي التحفة: قال الدارمي: ومن رأى هلال شعبان ولم يثبت.
ثبت رمضان باستكماله ثلاثين من رؤيته، لكن بالنسبة لنفسه فقط.
اه.
(قوله: أو رؤية عدل واحد) معطوف على كمال.
أي ويجب صوم رمضان برؤية عدل واحد الهلال، لأن ابن عمر رضي الله عنهما رآه، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصام وأمر الناس بصيامه.
رواه أبو داود وصححه ابن حبان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني رأيت هلال رمضان.
فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم.
قال: تشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم.
قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا.
صححه ابن حبان والحاكم.
والمعنى في ثبوته بالواحد: الاحتياط للصوم، ولأن الصوم عبادة بدنية، فيكفي في الإخبار بدخول وقتها واحد، والمراد بالعدل عدل الشهادة لا الرواية، فلا يكفي عبد وامرأة وفاسق، لكن لا يشترط فيه العدالة الباطنة، وهي التي التي يرجع فيها إلى قول المزكين، بل يكفي كونه مستور - كما سيذكره - وهو من ظاهره التقوى ولم يعدل.
قال في التحفة: ومحل ثبوته بعدل إنما هو في الصوم وتوابعه كالتراويح والاعتكاف دون نحو طلاق علق به.
نعم، إن تعلق بالرائي عومل به، وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل.
اه.
وفي مغني الخطيب ما نصه: (فرع) لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته.
قال السبكي: لا تقبل هذه الشهادة، لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظن لا يعارض القطع.
وأطال في بيان رد هذه الشهادة، والمعتمد قبولها، إذ لا عبرة بقول الحساب.
اه.
وفصل في التحفة فقال: الذي يتجه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر، ردت الشهادة، وإلا فلا.
اه.
(قوله: ولو مستورا) أي ولو كان ذلك العدل مستورا، وهو الذي لم يعرف له مفسق ولم يزك، ويسمى هذا عدلا ظاهرا، ولا ينافي هذا ما مر من أنه يشترط فيه أن يكون عدل شهادة، لا رواية، لأنهم سامحوا في ذلك، كما سامحوا في العدد احتياطا.
(قوله: هلاله) مفعول رؤية.
(وقوله: بعد الغروب) متعلق برؤية.
أي يشترط أن تكون الرؤية بعد الغروب، فلا أثر لرؤيته نهارا.
فلو رؤي يوم الثلاثين من شعبان لا نمسك، ولو رؤي يوم الثلاثين من رمضان لا نفطر.
(قوله: إذا شهد بها الخ) هذا شرط بالنسبة لثبوته عموما، وأما بالنسبة لنفسه أو لمن صدقه فلا يشترط فيه ذلك كما هو ظاهر.
ولو قال - كما في المنهج وشرحه - أو رؤية الهلال في حق من رآه وإن كان فاسقا، أو ثبوتها في حق من لم يره بعدل شهادة.
لكان أولى وأخصر.
(وقوله: عند القاضي) أي أو نائبه.
(قوله: ولو مع إطباق غيم) المناسب جعله غاية لمقدر.
أي يثبت الهلال بشهادة عدل عند القاضي برؤيته، ولو كانت السماء مطبقة بالغيم والمراد إطباق لا يحيل الرؤية عادة، وإلا فلا يثبت بها.
__________
(1) التوبة: 31.
(2) البقرة: 183 - 184.
(3) البقرة: 185(2/243)
(قوله: بلفظ أشهد الخ) متعلق بمحذوف.
أي والشهادة المجزئة تكون بلفظ أشهد أني رأيت الهلال.
خلافا لابن أبي الدم فإنه قال: لا يكفي ذلك لأنها شهادة على فعل نفسه وهي لا تصح، فلا بد عنده من أن يقول أشهد أن غدا من رمضان، أو أن الشهر هل.
(قوله: ولا يكفي قوله أشهد أن غدا من رمضان) أي عند غير ابن أبي الدم - كما علمت - وذلك لأنه قد يعتقد دخوله بسبب لا يوافقه عليه المشهود عنده، كأن يكون أخذه من حساب منازل القمر، أو يكون حنفيا يرى إيجاب الصوم ليلة الغيم، أو غير ذلك.
(قوله: ولا يقبل على شهادته) أي العدل الرائي.
أي إذا أريد أداء الشهادة عنه عند القاضي، فلا بد من عدلين يشهدان بأن فلانا يشهد أنه رأى الهلال.
وعبارة الروض وشرحه.
ولو شهد اثنان على شهادته - أي العدل - صح، بخلاف ما إذا شهد عليها واحد.
لما مر أن ذلك من باب الشهادة، لا من باب الرواية.
اه.
وفي مغني الخطيب ما نصه: وهل يثبت بالشهادة على الشهادة؟ طريقان، أصحهما القطع بثبوته - كالزكاة -.
وقيل: لا، كالحدود.
اه.
(قوله: بثبوت رؤية هلال رمضان الخ) الجار والمجرور متعلق بقوله بعد يجب الصوم، وكذا قوله ومع قوله إلخ، لأنه معطوف على ثبوت.
والمعنى أنه يجب الصوم على جميع أهل البلد بثبوت الرؤية عند
القاضي، مع قول القاضي: ثبت عندي الهلال.
(قوله: كما مر) متعلق بمحذوف حال من شهادة، أي حال كون الشهادة باللفظ المار، وهو: أشهد أني رأيت الهلال.
ولو قال بما مر - بالباء بدل الكاف - لكان أولى، وعليه، يكون الجار والمجرور متعلقا بشهادة.
(قوله: ومع قوله ثبت عندي) معطوف على بثبوت، ولو حذف الواو لكان أولى.
أي وبثبوت هلال رمضان المصاحب لقول القاضي ثبت عندي، فإن لم يقل ذلك القاضي لا يجب الصوم.
وعبارة التحفة: ولا بد من نحو قوله: ثبت عندي، أو حكمت بشهادته.
اه.
وكتب سم عليه: هذا قد يدل على أن مجرد الشهادة بين يدي القاضي لا يوجب الصوم على من علم بها.
نعم، إن اعتقد صدق الشاهد.
وجب عليه.
اه.
(قوله: يجب الصوم على جميع أهل البلد) أي ولو بالنسبة لمن لم يصدق برؤية العدل المذكور.
(وقوله: المرئي فيه) أي البلد الذي رؤي الهلال فيه.
(قوله: وكالثبوت عند القاضي: الخبر المتواتر الخ) عبارة التحفة: وكهذين - أي إكمال عدة شعبان، والرؤية - الخبر المتواتر برؤيته، ولو من كفار، لإفادته العلم الضروري، وظن دخوله بالاجتهاد - كما يأتي - أو بالأمارة الظاهرة الدالة التي لا تتخلف عادة - كرؤية القناديل المعلقة بالمنائر - ومخالفة جمع في هذه غير صحيحة، لأنها أقوى من الاجتهاد المصرح فيه بوجوب العمل به، لا قول منجم - وهو من يعتمد النجم - وحاسب - وهو من يعتمد منازل القمر وتقدير سيره - ولا يجوز لأحد تقليدهما.
نعم، لهما العمل بعلمها، ولكن لا يجزئهما عن رمضان - كما صححه في المجموع وإن أطال جمع في رده - ولا برؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم قائلا غدا من رمضان، لبعد ضبط الرائي، لا للشك في الرؤية.
اه.
(وقوله: ولكن لا يجزئهما) الذي جرى عليه الشهاب الرملي وولده والطبلاوي الكبير: وجوب العمل بذلك، مع الإجزاء، وكذلك من أخبراه وغلب على ظنه صدقهما.
اه.
كر دي (قوله: وظن دخوله إلخ) هو بالرفع معطوف على الخبر المتواتر، أي وكالثبوت: ظن دخول رمضان بالأمارة الظاهرة.
وعبارة النهاية: ويضاف إلى الرؤية - كما قال الأذرعي - وإكمال العدد: ظن دخوله بالاجتهاد عند الاشتباه على أهل ناحية حديث عهدهم بالإسلام أو أسارى.
وهل الأمارة الظاهرة الدالة في حكم الرؤية مثل أن يرى أهل القرية القريبة من البلد القناديل قد علقت ليلة الثلاثين من شعبان بمنائر المصر كما هو العادة؟ الظاهر: نعم، وإن اقتضى كلامهم المنع.
اه.
(قوله: كرؤية القناديل الخ) تمثيل للأمارة الظاهرة.
(قوله: ويلزم الفاسق الخ) هذا كالتقييد لاشتراط كون الرائي عدلا المستفاد من قوله أو برؤية عدل، فكأنه قال: ومحل اشتراط العدالة - أي عدالة الشهادة، لا الرواية، كما علمت - في حق غير الرائي، أما هو: فيجب عليه الصوم،(2/244)
وإن لم يكن عدل شهادة - كأن كان فاسقا أو امرأة أو عبدا - وفي حق غير من أخبره وصدقه، أما هو: فيجب عليه الصوم، ويعمل بقوله، لأنه صدقه في ذلك.
(قوله: العمل برؤية نفسه) أي فيجب عليه الصوم.
(قوله: وكذا من اعتقد الخ) أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق من ذكر العمل بإخباره.
(وقوله: صدق نحو فاسق) المقام للإضمار، فلو عبر به وقال: وكذا من اعتقد صدقه، لكان أولى.
ودخل تحت نحو العبد والأنثى.
قال سم: هل يدخل في الفاسق الكافر حتى لو أخبر من اعتقد صدقه لزمه؟ يحتمل أنه كذلك.
اه.
(قوله: في إخباره) متعلق بصدق، وضميره يعود على نحو فاسق.
(قوله: وثبوتها) بالجر معطوف على رؤية نفسه: أي وكذلك يلزم من اعتقد صدق نحو فاسق في إخباره بثبوت الرؤية في بلد متحد مطلعه: العمل بإخباره - لما سيذكره قريبا من أنه إذا ثبت رؤية هلال رمضان في بلد، لزم حكمه البلد القريب منه.
(وقوله: متحد مطلعه) أي موافق مطلعه لمطلع غير محل الرؤية، بأن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في البلدين في وقت واحد - كما سيأتي.
(قوله: سواء أول رمضان وآخره) تعميم فيما قبل، وكذا وفيما بعده، وإن كان ظاهر صنيعه يقتضي رجوعه للثاني فقط.
أي يلزم الفاسق وما بعده العمل برؤية نفسه - سواء كانت الرؤية لهلال رمضان، أو لهلال شوال - ويلزم أيضا من صدق من ذكر في إخباره برؤية نفسه أو بثبوتها في بلد متحد المطلع العمل بما ذكر - سواء كان بالنسبة لهلال رمضان، أو لهلال شوال - فإذا رأى الفاسق هلال شوال يجب عليه العمل برؤيته، ومثله من صدقه في ذلك.
قال في فتح الجواد: إذ المدار على حصول الاعتقاد الجازم، فمتى حصل أوله أو آخره بقول عدل أو غيره - ومما ذكر ونحوه - جاز العمل بقضيته، بل وجب.
اه.
وقال الكردي: وفي النهاية إخبار العدل الموجب للاعتقاد الجازم بدخول شوال يوجب الفطر.
قال سم في شرح مختصر أبي شجاع: وأما قولهم لا يثبت شوال إلا بشهادة عدلين، وأنه من باب الشهادة لا الرؤية: فهو في ثبوته على العموم.
اه.
(قوله: على الأصح) راجع للتعميم، ومقابله أنه ليس آخر رمضان كأوله في ذلك.
(قوله: والمعتمد أن له) أي للشخص.
(وقوله: بل عليه) أي يجب عليه.
(قوله: اعتماد العلامات بدخول شوال) أي كالقناديل ورمي المدافع، فيجب عليه الفطر.
(قوله: إذا حصل له) أي للرائي للعلامات.
(وقوله: اعتقاد جازم بصدقها) أي العلامات.
فإن لم يحصل له ذلك لا يجوز له العمل بها.
فالمدار على حصول الاعتقاد الجازم وعدمه.
(قوله: وإذا صاموا) أي أهل البلد.
(قوله: ولو برؤية عدل) غاية لثبوت صيامهم.
أي ولو ثبت صيامهم برؤية عدل واحد - أو عدلين - أو بغير الرؤية، كأن كان باستكمال شعبان ثلاثين يوما.
(قوله: أفطروا بعد ثلاثين) (فإن قيل) : يؤدي هذا إلى ثبوت شوال بقول واحد فيما إذا صمنا بعدل، وهو لا يصح.
(أجيب) بأن الشئ قد يثبت ضمنا
بطريق لا يثبت فيها مقصودا، كالنسب والإرث - لا يثبتان بالنساء، ويثبتان ضمنا للولادة الثابتة بهن.
(قوله: وإن لم يروا الهلال) أي بعد الثلاثين.
(قوله: ولم يكن غيم) أي وإن لم يكن هناك غيم، بأن كانت السماء مصحية.
وعبارة المنهاج: وإن كانت السماء مصحية.
وكتب المحلى أشار بهذا إلى أن الخلاف في حالتي الصحو والغيم، وأن بعضهم قال بالإفطار في حالة الغيم، دون الصحو.
اه.
(قوله: لكمال العدة) أي عدة رمضان، وهي ثلاثون يوما.
(قوله: بحجة شرعية) وهي شهادة العدل ونحوها مما يثبت به رمضان.
(قوله: ولو صام بقول من يثق) أي به أي من اعتقد صدقه.
(وقوله: ثم لم ير) بالبناء للمجهول، والهلال نائب فاعله.
(قوله: مع الصحو) أطلق في التحفة عدم الإفطار ولم يقيده بالصحو، وقيده به في فتح الجواد، ومقتضى التقييد به أنه يفطر الحادي والثلاثين - إن كان غيم.
وفي سم - بعد كلام - ما نصه: فقد بان لك - فيما لو صام بقول غير عدل يثق به ولم ير الهلال بعد الثلاثين - أن الشارح استظهر في شرح الإرشاد الكبير(2/245)
وجوب الصوم مع الصحو، وترجى أن يكون أقرب مع الغيم، وجزم في الصغير بوجوبه مع الصحو، وسكت عن الغيم.
واستوجه في شرح المنهاج وجوب الصوم، وأطلق، فلم يقيد، لا بصحو ولا بغيم، واستوجه في شرح العباب وجوب الفطر مطلقا.
اه.
(قوله: لم يجز له الفطر) أي لأنا إنما صومناه احتياطا، فلا نفطره احتياطا.
وفارق العدل بأنه حجة شرعية فلزم العمل بآثارها، بخلاف اعتقاد الصدق.
وعدم جواز الفطر هو ما جرى عليه ابن حجر، وجرى الرملي على خلافه، وهو أنه يفطر، وعبارته: ولو صام شخص بقول من يثق به ثلاثين ولم ير الهلال، فإنه يفطر في أوجه احتمالين.
اه.
(قوله: ولو رجع الشاهد) أي العدل.
وعبارة التحفة: ولا يقبل رجوع العدل بعد الشروع في الصوم.
(قوله: بعد شروعهم) أي أهل البلد.
(قوله: لم يجز لهم الفطر) قال في النهاية: أي لأن الشروع فيه بمنزلة الحكم بالشهادة.
اه.
وكتب ع ش: يؤخذ من العلة أنه لو حكم بشهادته وجب الصوم، وإن لم يشرعوا فيه.
وعبارة سم على منهج: (فرع) لو رجع العدل عن الشهادة - فإن كان بعد الحكم لم يؤثر، وكذا قبله وبعد الشروع، فإن كان قبل الحكم والشروع جميعا امتنع العمل بشهادته م ر.
وإن كان رجوعه قبل الحكم وبعد الشروع ثم لم ير الهلال بعد ثلاثين والسماء مصحية، فهل نفطر؟ ظاهر كلامهم أنا نفطر، لأنهم جوزوا الاعتماد عليه، وجرى على ذلك م ر، وخالف شيخنا في إتحافه فمنع الفطر، لأنا إنما عولنا عليه مع رجوعه احتياطا، والاحتياط عدم الفطر، حيث لم ير الهلال - كما ذكره.
اه.
والقلب إلى ما قاله في الإتحاف أميل.
اه.
(قوله: وإذا ثبت رؤيته) أي الهلال، بعدل أو عدلين، ويؤخذ من التعبير بالثبوت أنه إذا أشيعت
رؤيته في بلد ولم تثبت لا تثبت في البلدة القريبة إلا لمن صدقه - كما في التحفة - وعبارتها: (تنبيه) قضية قوله لزم إلخ أنه بمجرد رؤيته ببلد يلزم كل بلد قريبة منه الصوم أو الفطر، لكن من الواضح أنه لو لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها لا يثبت في القريبة منه، إلا بالنسبة لمن صدق المخبر، وأنه إن ثبت فيها ثبت في القريبة، لكن لا بد من طريق يعلم بها أهل البلد القريبة ذلك، فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم، ولا يكفي واحد، وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد، لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم، لا الصوم، أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا لذلك.
فإن لم يكن بالبلد من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صدق المخبر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك.
اه.
(قوله: لزم حكمه) الضمير يعود على ثبوت المفهوم من ثبت.
أي لزم حكم ثبوت الرؤية في بلد البلد القريب إلخ، ويصح رجوع الضمير للبلد، لكن بتقدير مضاف، أي حكم أهل البلد، أي الحكم الحاصل على أهل البلد بسبب ثبوت الرؤية منها، وذلك الحكم هو الصوم.
وقوله: البلد القريب: بالنصب - مفعول لزم.
وإنما لزمها ذلك لأن البلدتين صارتا كبلدة واحدة.
(قوله: دون البعيد) أي لما رواه مسلم عن كريب قال: رأيت الهلال بالشام، ثم قدمت المدينة، فقال ابن عباس: متى رأيتم الهلال؟ قلت: ليلة الجمعة.
قال: أنت رأيته؟ قلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا، وصام معاوية.
فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل العدة.
فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ قال: لا.
هكذا أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
(قوله: ويثبت البعد باختلاف المطالع) أي والقرب باتحادها.
والمراد به: أن يكون غروب الشمس والكواكب وطلوعها في المحلين في وقت واحد.
فإن طلع أو غرب شئ من ذلك في أحد المحلين قبل الآخر أو بعده فهو مختلف.
(قوله: على الأصح) مقابله لا يعتبر البعد باختلاف المطالع، بل بمسافة القصر.
قال: لأن الشرع أناط بها كثيرا من الأحكام، واعتبار المطالع يحوج إلى تحكيم المنجمين، وقواعد الشرع تأباه.
ورد بأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر، ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض، أي عروض البلاد - أي بعدها - عن خط الاستواء، وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول، دون التوابع - كما هنا، كذا في التحفة.
وفي البجيرمي: قال ابن المقري في تمشيته: واعتبار مسافة القصر يؤدي إلى أن يجب الفطر على من بالبلد، والصوم على من هو خارجها، لوقوعهم في مسافة القصر، إذ هي تحديد، وإلى أن يكون من خرج من البلد لزمه الإمساك، ومن دخلها لزمه الفطر.
اه.
(قوله: والمراد باختلافها أن يتباعد إلخ) وفي حاشية الكردي ما نصه: معنى اختلاف المطالع أن(2/246)
يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر، أو متأخرا عنه، وذلك مسبب عن اختلاف عروض البلاد.
أي بعدها عن خط الاستواء وأطوالها.
أي بعدها عن ساحل البحر المحيط الغربي، فمتى تساوى طول البلدين لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر، وإن اختلف عرضهما، أو كان بينهما مسافة شهور.
ومتى اختلف طولهما امتنع تساويهما في الرؤية، ولزم من رؤيته في الشرق رؤيته في بلد الغرب، دون العكس، فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، ولا عكس.
قالا في الإمداد والنهاية: ومن ثم لو مات متوارثان وأحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب كل في وقت زوال بلده، ورث الغربي الشرقي، لتأخر زوال بلده.
اه.
(قوله: غالبا) خرج به ما كان على خلاف الغالب، وهو أنه قد يتباعد المحلان، وتكون الرؤية في أحد البلدين مستلزمة للرؤية في الآخر، كالذي سيذكره من أنه إذا رؤي في البلد الشرقي يرى في الغربي - فلا عبرة به، للاختلاف فيما ذكر.
(قوله: التبريزي) بكسر أوله والراء وسكون الموحدة والتحتية وزاي: نسبة إلى تبريز، بلدة بأذربيجان.
اه.
ع ش.
(قوله: لا يمكن اختلافها الخ) قال في التحفة: وكان مستند ما ذكر: الاستقراء.
(وقوله: في أقل من أربعة وعشرين فرسخا) قال ع ش - وقدره ثلاثة أيام.
لكن يبقى الكلام في مبدأ الثلاثة بأي طريق يفرض حتى لا تختلف المطالع بعده؟.
اه.
(قوله: على أنه يلزم من الرؤية الخ) أي كما في مكة المشرفة ومصر المحروسة، فإنه يلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر، لا عكسه.
(قوله: من غير عكس) وهو أنه لا يلزم من رؤيته في البلد الغربي رؤيته في البلد الشرقي، وعلى هذا حديث كريب، فإن الشام غربية بالنسبة إلى المدينة، فلا يلزم من رؤيته في الشام رؤيته فيها.
(قوله: إذ الليل إلخ) علة الملازمة.
(وقوله: قبل) أي قبل دخوله في البلاد الغربية.
(قوله: وقضية كلامهم) أي السبكي ومن تبعه، وهو أنه يلزم من رؤيته في الشرقي رؤيته في الغربي.
(قوله: أنه) أي الهلال.
والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها خبر قضية.
(وقوله: في شرقي) أي بلد شرقي.
(وقوله: لزم كل غربي) أي كل أهل بلد غربي.
(وقوله: بالنسبة إليه) أي إلى الشرقي الذي رؤي الهلال فيه.
(وقوله: العمل) فاعل لزم.
(قوله: وإن اختلفت المطالع) قال في التحفة بعده: وفيه منافاة لظاهر كلامهم، ويوجه كلامهم بأن اللازم إنما هو الوجود، لا الرؤية، إذ قد يمنع منها مانع، والمدار عليها، لا على الوجود.
اه.
وقوله: بأن اللازم: أي لرؤيته في البلد الشرقي إنما هو الوجود، أي وجود الهلال.
وفي ع ش ما نصه: (فرع) ما حكم تعلم اختلاف المطالع؟ يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر وفرض كفاية في الحضر، وفاقا لمر سم على منهج، والتعبير بالسفر والحضر جري على الغالب.
اه.
(تتمة) لو أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته.
ولو سافر عن محل الرؤية إلى محل يخالفه في المطلع ولم ير أهله الهلال، وافقهم في الصوم آخر الشهر، وإن أتم ثلاثين فيمسك معهم، وإن كان معيدا، لأنه صار منهم.
وكذا لو جرت سفينة صائم إلى بلد فوجدهم معيدين فإنه يفطر معهم لذلك، ولا قضاء عليه، إلا إن صام ثمانية وعشرين يوما.
وخرج بآخر الشهر ما لو انتقل أول الشهر من محل رأوه فيه إلى محل لم يروه فيه، فلا يفطر معهم ذلك اليوم - كما في التحفة - قال سم: والوجه التسوية بين الأول والآخر.
وعليه يلغز ويقال: لنا شخص رأى الهلال ليلا، وأصبح مفطرا بلا عذر.
(فائدة) في مسند الدارمي وصحيح ابن حبان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كأن يقول عند رؤية الهلال: الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلام والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه.
ربنا وربك الله.
وفي أبي داود: كان يقول: هلال خير ورشد - مرتين - آمنت بمن خلقك - ثلاث مرات -.
ويسن أن يقرأ بعد ذلك سورة تبارك، لأثر فيه، ولأنها المنجية(2/247)
الواقية: قال السبكي: وكأن ذلك لأنها ثلاثون آية بعدد أيام الشهر، ولأن السكينة تنزل عند قراءتها.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها عند النوم.
اه.
مغني.
(قوله: وإنما يجب صوم رمضان إلخ) تعرض لشرائط الوجوب، ولم يتعرض لشرائط الصحة، مع أن إحداهما لا تغني عن الأخرى، إذ لا يلزم من الصحة الوجوب.
ألا ترى أن الصوم يصح من الصبي ولا يجب عليه؟ ويجب على المرتد ولا يصح منه؟ فكان المناسب أن يتعرض لشرائط الصحة أيضا وإن كان بعضها - كالنقاء - يمكن اندراجه تحت الإطاقة بحملها على الحسية والشرعية - كما صرح به الشارح - وهي أربعة: الإسلام بالفعل، والنقاء عن الحيض والنفاس، والعقل في جميع النهار، ووقت قابل للصوم.
فمتى ارتد، أو نفست، أو ولدت وإن لم تر دما، أو حاضت، أو جن في لحظة من النهار: بطل الصوم - كالصلاة ولا يضر النوم - وإن استغرق جميع النهار - ولا الإغماء والسكر من غير تعد إن خلا عنهما لحظة من النهار، بخلاف ما إذا لم يخل عنهما لحظة منه، فإن الصوم يبطل بهما، لأنهما في الاستيلاء على العقل فوق النوم ودون الجنون، فإن قلنا إن المستغرق منهما لا يضر كالنوم، لزم إلحاق الأقوى بالأضعف.
وإن قلنا إن اللحظة منهما ما تضر كالجنون، لزم إلحاق الأضعف بالأقوى فتوسطنا وقلنا إن الخلو عنهما في لحظة كاف.
وخرج بقولنا من غير تعد: ما إذا حصلا له بتعد، فإنه يأثم بهما، ويبطل صومه، ويلزمه القضاء، وإن كانا في لحظة من النهار.
(قوله: على كل
مكلف) أي مسلم، ولو فيما مضى، فيشمل المرتد، فيجب عليه الصوم، بمعنى انعقاد سببه في حقه، لوجوب القضاء عليه إن عاد للإسلام.
(قوله: أي بالغ عاقل) تفسير مراد للمكلف.
(قوله: مطيق له) زاد في شرح المنهج شرطين، وهما: الصحة، والإقامة.
واعترض الأول بأن قيد الإطالة يغني عنه، لأن المراد الإطاقة حسا أو شرعا، فيخرج بها المريض، إلا أن يقال إن الإطاقة تتحقق مع وجود المشقة، فحينئذ لا يخرج المريض بها، فيحتاج إلى قيد الصحة لإخراجه.
(قوله: فلا يجب على صبي) أي وإن صح منه، إذ لا تلازم بين الصحة والوجوب - كما مر - وهذا محترز قوله بالغ: المندرج تحت المكلف.
(وقوله: مجنون) محترز قوله عاقل - المندرج أيضا تحت المكلف - ومحل عدم وجوبه على المجنون - كما سيأتي - ما لم يتعد به، بأن أزال عقله بشراب أو غيره عمدا، وإلا وجب عليه ولزمه قضاؤه بعد الإفاقة.
(قوله: ولا على من لا يطيقه لكبر أو مرض) محترز الإطاقة الحسية، وما بعده محترز الشرعية.
(وقوله: لا يرجى برؤه) هو ساقط من عبارة التحفة، وهو الأولى، لأن المريض مرضا يرجى برؤه لا يجب عليه الصوم حالته، وإن وجب عليه القضاء إذا تمكن - كالحائض والنفساء - إلا أن يقال قيد به لأجل قوله ويلزمه مد لكل يوم، لأن لزومه إنما هو فيما لا يرجى برؤه، أما ما يرجى برؤه فلا يلزمه معه ذلك، وإنما يلزمه الصوم قضاء بعد الصحة.
(قوله: ويلزمه) أي من لا يطيقه.
(وقوله: مد لكل يوم) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * (1) والمراد لا يطيقونه - بتقدير لا النافية - كما سيأتي.
(قوله: ولا على حائض ونفساء) أي ولا يجب عليهما.
قال في التحفة: ووجوب القضاء عليهما إنما هو بأمر جديد.
وقيل وجب عليهما ثم سقط.
وعليهما ينويان القضاء، لا الأداء على الأول، خلافا لابن الرفعة، لأنه فعل خارج وقته المقدر له شرعا.
ألا ترى أن من استغرق نومه الوقت ينوي القضاء وإن لم يخاطب بالأداء؟ وبما تقرر علم أن من عبر بوجوبه على نحو حائض ومغمى عليه وسكران: مراده وجوب انعقاد سبب ليرتب عليهم القضاء، لا وجوب التكليف، لعدم صلاحيتهم للخطاب.
اه.
(قوله: لأنهما) أي الحائض والنفساء.
(وقوله: لا تطيقان) أي الصوم، فمفعوله محذوف.
(وقوله: شرعا) أي لا حسا، لأنهما قد يطيقانه حسا.
(قوله: وفرضه نية) أي
__________
(1) البقرة: 184(2/248)
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: إنما الأعمال بالنيات.
وذكر من فروض الصوم فرضا واحدا، وهو ما ذكر، وبقي عليه فرضان، وهما: الإمساك عن مفطر، والصائم، ولا بد في النية من أن يستحضر حقيقة الصوم - التي هي الإمساك عن المفطر - جميع النهار مع كونه عن رمضان مثلا، ثم يقصد إيقاع هذا المستحضر.
(قوله: بالقلب) بيان لمحل النية.
(قوله: ولا يشترط
التلفظ بها) أي بالنية، كسائر نيات العبادات.
(قوله: بل يندب) أي التلفظ بها ليساعد اللسان القلب.
(قوله: ولا يجزئ عنها) أي النية.
(قوله: وإن قصد به) أي التسحر.
(قوله: ولا الامتناع الخ) معطوف على التسحر، أي ولا يجزئ عن النية الامتناع من تناول مفطر، خوفا من طلوع الفجر.
(قوله: ما لم يخطر بباله الصوم بالصفات الخ) قيد في عدم الإجزاء.
أي محله ما لم يخطر بباله الصوم بصفاته، وإلا أجزأ ما ذكر من الصورتين: أعني التسحر والامتناع من تناول مفطر عنها.
(واعلم) أن الصوم هو الإمساك عن المفطرات، وأن صفاته كونه عن رمضان أو عن نذر أو كفارة مثلا.
إذا علمت ذلك، فتأمله مع الغاية السابقة - أعني قوله ولو قصد به التقوي على الصوم - فإن مجموع ذلك يقتضي تصور تسحره بقصد التقوي عليه مع عدم خطوره مع صفاته بالبال.
وليس كذلك، وذلك لأن الصوم الذي قصد التقوي عليه بالتسحر الظاهر: أن المراد منه الصوم الشرعي، الذي هو إمساك مخصوص بنية مخصوصة، فإذا قصد بالسحور التقوى عليه، لزم خطوره بالبال بصفاته التي لا بد منها، وذلك عين النية.
نعم، إن حمل الصوم - الذي قصد التقوى عليه بما ذكر - على مطلق إمساك عن المفطرات، تصور ذلك، وكان لذكر القيد المذكور بعد الغاية فائدة.
وبقي عليه أن صريح كلامه أن مجرد خطور الصوم بباله مع التسحر أو الامتناع من المفطر مجزئ عن النية.
وليس كذلك، لما صرحوا به في الصلاة - وغيرها - من أنه لا بد في نيتها من قصد إيقاعها وفعلها، وأما مجرد الخطور من غير قصد الإيقاع فغير مجزئ.
ويمكن أن يقال: أن المراد بقوله: ما لم يخطر بباله الصوم: أي إيقاعه، وفيه أنه إذا كان هو المراد كان عين النية، لا مجزئا عنها - كما أفهمه كلامه -.
وعبارة الروض مع شرحه: ولو تسحر ليصوم، أو شرب لدفن العطش نهارا، أو امتنع من الأكل أو الشرب أو الجماع خوف طلوع الفجر، فهو نية - إن خطر بباله صوم فرض رمضان، لتضمن كل منها قصد الصوم.
اه.
وهي ظاهرة.
(قوله: لكل يوم) متعلق بنية.
أي تجب النية لصوم كل يوم، وذلك لأن الصوم كل يوم عبادة مستقلة، لتخلل ما يناقض الصوم بين اليومين - كالصلاتين يتخللهما السلام.
(قوله: فلو نوي الخ) مفرع على وجوب النية لكل يوم.
(قوله: صوم جميعه) أي رمضان.
(قوله: لم يكف) أي ما نواه.
(وقوله: لغير اليوم الأول) أما هو، فيكفي ما نواه له فقط.
(قوله: لكن ينبغي ذلك) أي نية صوم جميعه أول ليلة منه.
) قوله: ليحصل إلخ) علة الانبغاء.
(قوله: الذي نسي النية فيه)
أي له، ففي بمعنى اللام.
(وقوله: عند مالك) متعلق بيحصل.
أي يحصل له ذلك عنده، لأنه لا يشترط النية لكل يوم.
(قوله: كما تسن) أي النية.
(وقوله: له) أي الناسي تبييت النية.
(وقوله: ليحصل إلخ) متعلق بتسن.
(وقوله: صومه) أي اليوم الذي نسي النية له.
(وقوله: عند أبي حنيفة) متعلق بيحصل.
(قوله: وواضح أن محله) أي حصول الصوم له بذلك.
(وقوله: إن قلد) أي الإمام مالكا في النية أول ليلة من رمضان، أو الإمام أبا حنيفة في النية أول النهار إن نسيها ليلا، فمفعوله محذوف.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يقلد من ذكر، بل صام بالنية المذكورة في الصورة الأولى والثانية من(2/249)
غير تقليد.
(وقوله: كان متلبسا بعبادة فاسدة) أي وهو حرام.
(وقوله: في اعتقاده) متعلق بفاسدة - أي فاسدة في اعتقاد الناوي، وإن كانت صحيحة في اعتقاد غيره.
(قوله: وشرط لفرضه) سيأتي محترزه.
(قوله: ولو نذرا الخ) أي ولو كان الصوم المفروض نذرا أو كفارة أو صوم استسقاء، فإنه يشترط فيه ما ذكره.
(قوله: أمر به الإمام) راجع لصوم الاستسقاء، وقيد به لأنه لا يكون فرضا إلا حينئذ.
(قوله: تبييت) نائب فاعل شرط، وإنما شرط لخبر من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له، أي صحيح - كما هو الأصل في النفي من توجهه إلى الحقيقة، فلا يقع صيامه عن رمضان بلا خلاف، ولا نفلا - على الأوجه - ولو من جاهل.
(قوله: أي إيقاع النية الخ) تفسير مراد للتبييت أي أن المراد بتبييتها: إيقاعها ليلا.
(قوله: أي فيما بين غروب الشمس وطلوع الفجر) تفسير لليل أي أن المراد بالليل الذي تجزئ النية فيه ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر - سواء كان من أوله، أو آخره، أو وسطه - وهذا هو المعتمد.
ومقابله: لا تكفي في النصف الأول، بل يشترط إيقاعها في النصف الأخير، لأنه قريب من العبادة.
(قوله: ولو في صوم المميز) غاية في اشتراط التبييت نفلا.
أي يشترط التبييت، ولو كان الناوي صبيا مميزا، نظرا لذات الصوم، وإن كان صومه يقع نفلا، وليس لنا صوم نفل يشترط فيه ذلك إلا هذا، فيلغز به ويقال: لنا صوم نفل يشترط فيه تبييت النية.
(قوله: ولو شك إلخ) هذا مأخوذ من اشتراط التبييت، إذ هو يفهم أنه لا بد من اليقين فيه، فلو شك لم تصح.
(واعلم) إن الشارح ذكر مسألتين متغايرتين في الحكم، الأولى: أنه لو شك: هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ لم تصح - أي النية -.
والثانية: أنه لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر أو لا؟ فإنها تصح.
وفرق سم بين المسألتين: بأن الشك في الأولى واقع حال النية، وفي الثانية بعدها.
قال: والتردد حال النية يمنع الجزم المعتبر فيها، فلذلك لم تصح، بخلافه في الثانية، فإنه لم يمنع الجزم المعتبر حالتها، فلذلك صحت.
وفي حاشية السيد عمر البصري - بعد أن استظهر عدم
الفرق بين المسألتين - فرق غير هذا، وحاصله: أن الشك في الصورة الأولى حصل له بعد تحقق طلوع الفجر، وفي الصورة الثانية حصل له قبل تحققه، فهو فيها شاك في النية، وشاك في طلوع الفجر أيضا، فلذلك صحت في هذه، ولم تصح في تلك.
وعبارته: قوله: ولو شك هل وقعت نيته قبل الفجر أو بعده؟ إلخ - قد يقال كل من نيته وطلوع الفجر حادث في كل المسألتين، فما وجه ترجيح الأصل في إحداهما للنية وفي الثانية لطلوع الفجر؟ بل يتوقف في التغاير بين المسألتين تغايرا حقيقيا يؤدي إلى التخالف في الحكم، فإن الذي يظهر: التلازم بين التصويرين، والله أعلم.
وكتب - قدس سره - ويمكن أن يقال: الصورة الأولى مفروضة فيما إذا طرأ له شك بعد تحقق طلوع الفجر - هل وقعت نيته قبله أو بعده؟ والثانية مفروضة فيما إذا نوى ثم حصل له الشك المذكور مع الشك في طلوع الفجر، فإن استمر هذا الشك إلى ما يتحقق الطلوع صارت من أفراد الأولى.
اه.
(قوله: لأن الأصل عدم وقوعها) أي النية ليلا، وهو تعليل لعدم الصحة.
(قوله: إذ الأصل الخ) علة للعلة.
(وقوله: في كل حادث) هو هنا النية.
(وقوله: تقديره بأقرب زمن) أي فرض وقوعه في أقرب زمن، وهو هنا وقوعها بعد طلوع الفجر.
(قوله: بخلاف ما لو نوى ثم شك: هل طلع الفجر؟) أي هل كان طالعا عند النية أو لا؟ اه.
سم.
(قوله: لأن الأصل عدم طلوعه) علة لمقدر: أي فإنها تصح، لأن الأصل عدم طلوع الفجر حال النية.
(قوله: الأصل المذكور) أي وهو أنه في كل حادث تقديره بأقرب زمن، والحادث هنا طلوع الفجر، وحصوله بعد النية أقرب من حصوله وقتها.(2/250)
(قوله: ولا يبطلها) أي النية.
(وقوله: نحو أكل وجماع) أي من كل مفطر، كجنون أو نفاس، قال في التحفة: لا الردة، لأنها تزيل التأهل للعبادة بكل وجه.
اه.
(وقوله: بعدها) أي بعد النية، وهو ظرف متعلق بمحذوف صفة لنحو أكل وجماع - أي كائن بعد النية -.
قال سم: ينبغي أو معها، لأن ذلك لا ينافيها.
(وقوله: وقبل الفجر) أي وأما بعده فإنه يبطلها - كما هو ظاهر.
(قوله: نعم: لو قطعها الخ) يعني لو رفض النية قبل الفجر احتاج لتجديدها - بلا خلاف - بخلافه بعد الفجر، فلا يضر.
وعبارة البجيرمي: نعم تضر الردة ليلا أو نهارا، وكذا يضر رفض النية ليلا لا نهارا، فلا بد من تجديدها بعد الإسلام والرفض، ومنه - أي الرفض - ما لو نوى الانتقال من صوم إلى آخر، كما لو نوى صوم قضاء عن رمضان ثم عن له أن يجعله عن كفارة مثلا، فإن ذلك يكون رفضا للنية الأولى.
اه.
(قوله: وتعيين لمنوي) معطوف على تبييت.
أي وشرط لفرضه تعيين لمنوي: أي ولو من الصبي المميز - كما نبه عليه السيد عمر البصري - والمراد بالتعيين
المشترك: التعيين من حيث الجنس - كالكفارة، وإن لم يعين نوعها: كفارة ظهار، أو يمين، وكصوم النذر وإن لم يعين نوعه: كنذر تبرر أو لجاج، وكالقضاء عن رمضان، وإن لم يعين رمضان سنة بخصوصها - وإنما وجب التعيين في الفرض لأنه عبادة مضافة إلى وقت، فوجب التعيين في نيتها - كالصلوات الخمس -.
وعبارة ق ل: قوله: وتعيينه أي من حيث الجنس لا من حيث النوع ولا الزمن، فيكفي نية الكفارة لمن عليه كفارات اه.
وقد أفاد ما ذكر الشارح بالغاية بعد، وهي وإن لم يعين سببها، وبالاستدراك بعدها وهو نعم من عليه الخ.
فتنبه.
وقوله في الفرض: الأولى إسقاطه، إذ ذكره يورث ركاكة، وذلك لأن التقدير: وشرط لفرضه تعيين لمنوي في الفرض.
(قوله: كرمضان الخ) تمثيل لما يحصل به التعيين، ويصح جعله تمثيلا للفرض، وهو أولى، لئلا يصير التصوير بعده ضائعا.
(قوله: بأن ينوي إلخ) تصوير لما يحصل به التبييت والتعيين، فقوله: كل ليلة وغدا: مثال للتبييت.
(وقوله: عن رمضان إلخ) مثال للتعيين.
(قوله: وإن لم يعين سببها) أي الكفارة، وهو غاية لحصول التعيين بقصد الكفارة، أي لا فرق في حصول ذلك به، بين أن يعين سبب الكفارة - من ظهار أو يمين أو جماع - أو لا.
قال في التحفة: فإن عين وأخطأ لم يجزئ.
(قوله: فلو نوي الصوم الخ) تفريع على مفهوم اشتراط التعيين.
(وقوله: لم يكف) أي ما نواه لعدم التعيين، لأنه في الأولى يحتمل رمضان وغيره، وفي الثانية يحتمل القضاء والأداء.
قال في التحفة: نعم، لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك - أهو قضاء، أو نذر، أو كفارة؟ أجزأه نية الصوم الواجب.
وإن كان مترددا للضرورة ولم يلزمه الكل - كمن شك في واحدة من الخمس - لأن الأصل بقاء وجوب كل منها، وهنا الأصل براءة الذمة.
اه.
(قوله: نعم، من عليه الخ) استدراك على اشتراط التعيين، وإنما يظهر إذا حمل التعيين المشترط على الأعم من التعيين، من حيث الجنس، أو من حيث النوع.
أما إذا حمل على المراد المار الذي حملته عليه - وهو من حيث الجنس فقط - فلا استدراك، لأن التعيين من حيث الجنس حاصل في هذه الصورة.
(وقوله: أو نذر) بالرفع، عطف على قضاء.
أي أو عليه نذر: أي صومه.
(وقوله: أو كفارة) بالرفع، عطف على قضاء أيضا.
أي أو عليه كفارة - أي صومها.
(وقوله: من جهات مختلفة) راجع للنذر والكفارة، والمراد بها - بالنسبة للأول - كونه عن تبرر أو لجاج، وبالنسبة للثاني: كونه عن ظهار أو جماع أو يمين.
(وقوله: لم يشترط التعيين) أي تعيين قضاء، أي الرمضانين في الأولى، وتعيين النوع فيما بعدها.
(قوله: لاتحاد الجنس) علة لعدم اشتراط التعيين.
أي أنه في الجميع: الجنس واحد، وهو مطلق رمضان، أو مطلق نذر، أو مطلق كفارة.
وهو كاف في التعيين - كما علمت.
(قوله: واحترز باشتراط التبييت في الفرض) المناسب أن يقول واحترز بقوله لفرضه: من حيث اشتراط التبييت فيه عن النفل،(2/251)
لأن المحترز به هو الفرض.
لا اشتراط التبييت فيه.
فتأمل.
(قوله: فتصح فيه) أي النفل.
(وقوله: ولو مؤقتا) أي ولو كان النفل مؤقتا، كعرفة وعاشوراء.
(قوله: النية) فاعل تصح.
(قوله: قبل الزوال) متعلق بتصح أو بالنية.
وفي الإيعاب للشافعي قول جديد: أنه تصح نية النفل قبل الغروب.
قال: فمن تركها قبل الزوال ينبغي له بالشرط الذي ذكرناه - وهو تقليد في ذلك - أن ينويها بعده، ليحوز ثوابه على هذا القول، بناء على جواز تقليده.
اه.
كردي.
ولا بد من اجتماع شرائط الصوم من الفجر، للحكم عليه بأنه صائم من أول النهار، حتى يثاب على جميعه، إذ صومه لا يتبعض.
(قوله: للخبر الصحيح) هو ما رواه الدارقطني: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم، فقال: هل عندكم شئ؟ قلت: لا.
قال: فإني إذا أصوم.
قالت: ودخل علي يوما آخر، فقال: أعندكم شئ؟ قلت: نعم.
قال: إذا أفطر، وإن كنت فرضت الصوم أي شرعت فيه وأكدته.
(قوله: وبالتعيين الخ) معطوف على التبييت.
(وقوله: النفل) منصوب بنزع الخافض وهو عن، والتقدير: واحترز باشتراط التعيين في الفرض عن النفل.
وكان المناسب أن يقول هنا أيضا: واحترز بقولي في الفرض من حيث اشتراط التعيين في الفرض عن النفل، لأن المحترز به هو الفرض، لا اشتراط التعيين.
فتنبه.
وقوله: أيضا، أي كما احترز باشتراط التبييت في الفرض عن النفل.
وقوله: فيصح: أي النفل - أي صومه.
وقوله: ولو مؤقتا: غاية في صحة الصوم في النفل بنية مطلقة، أي لا فرق في ذلك بين أن يكون مؤقتا - كصوم الاثنين، والخميس، وعرفة، وعاشوراء، وأيام البيض - أو لا: كان يكون ذا سبب - كصوم الاستسقاء - بغير أمر الإمام، أو نفلا مطلقا.
(قوله: بنية مطلقة) متعلق بيصح، فيكفي في نية صوم يوم عرفة مثلا أن يقول: نويت الصوم.
(قوله: كما اعتمده غير واحد) أي اعتمد صحة صوم النفل المؤقت بنية مطلقة.
وفي الكردي ما نصه: في الأسنى - ونحوه الخطيب الشربيني والجمال الرملي - الصوم في الأيام المتأكد صومها منصرف إليها، بل لو نوى به غيرها حصلت إلخ: زاد في الإيعاب ومن ثم أفتى البارزي بأنه لو صام فيه قضاء أو نحوه حصلا، نواه معه أو لا.
وذكر غيره أن مثل ذلك ما لو اتفق في يوم راتبان كعرفة يوم الخميس.
اه.
وكلام التحفة كالمتردد في ذلك.
اه.
(قوله: نعم بحث في المجموع الخ) هذا إنما يتم له إن ثبت أن الصوم في الأيام المذكورة مقصود لذاتها.
والمعتمد: كما يؤخذ من عبارة الكردي المارة آنفا - أن القصد وجود صوم فيها.
فهي كالتحية، فإن نوى التطوع أيضا حصلا، وإلا سقط الطلب عنه، وبهذا فارق رواتب الصلوات.
(قوله: كعرفة وما معها) أي وما يذكر معها عند تعداد الرواتب - كعاشورا، وستة من
شوال، والأيام البيض، والأيام السود -.
(قوله: فلا يحصل غيرها) أي من قضاء أو كفارة.
(وقوله: معها) أي الرواتب.
(وقوله: وإن نوى) أي غير الرواتب.
(قوله: بل مقتضى القياس) أي على رواتب الصلاة.
(وقوله: أن نيتهما) أي الرواتب وغيرها، كأن نوى صوم عرفة وقضاء أو كفارة.
(وقوله: مبطلة) أي لأن الراتب لا يندرج في غيره، فإذا جمعه مع غيره لم يصح، للتشريك بين مقصودين.
(قوله: كما لو نوى الظهر وسنته) أي فإن ذلك مبطل، وقد علمت الفرق - فلا تغفل.
(قوله: فأقل النية المجزئة الخ) تفريع على ما علم من اشتراط التبييت والتعيين فقط، وهو أنه لا يشترط غيرهما كالفرضية والأداء، والإضافة إلى الله تعالى.
(قوله: ولو بدون الفرض) غاية للإجزاء.
أي أنها تجزئ، ولو كانت غير مقرونة بالفرض.
ولو حذف لفظ - ولو - واقتصر على بدون الفرض، لكان أولى، لأن الاقل المجزئ الذي صرح به ليس مقرونا بالفرضية - فكيف يجعل غاية له؟ فتنبه.
(قوله: على المعتمد) مرتبط بالغاية، أي أن النية المذكورة تجزئ من غير تعرض للفرضية - على المعتمد -.
(وقوله: كما صححه) الضمير البارز راجع للإجزاء المذكور، لا للمعتمد، وإن كان هو ظاهر صنيعه، لأنه لا معنى لتصحيح المعتمد.
ولو حذف الفعل وقال كما في المجموع لكان(2/252)
أولى.
(قوله: لأن صوم الخ) علة لعدم وجوب قصد الفرضية المفهوم من الغاية، أي وإنما لم يجب ذلك لأن صوم رمضان من البالغ لا يقع إلا فرضا، فلا فائدة للتعرض لها، بخلاف الصلاة، فإنها لما كانت تقع نفلا فيما إذا أعيدت، اشترط فيها نية الفرضية لتتميز عن المعادة.
قال الأسنوي: ولا يرد اشتراط نيتها في المعادة أيضا - كما مر - لأن ذاك لمحاكاة فعله أو لا.
قال في التحفة: - وعلى ما في المجموع - لو نوى ولم يتعرض للفرضية ثم بلغ قبل الفجر: لم يلزمه التعرض لها.
اه.
(قوله: ومقتضى كلام إلخ) مقابل المعتمد.
(وقوله: والمنهاج) أي وكلام المنهاج وعبارته: وفي الأداء والفرضية والإضافة إلى الله تعالى، الخلاف المذكور في الصلاة.
اه.
والذي تقدم في الصلاة عدم اشتراط ما عدا الفرضية.
(وقوله: وجوبه) أي الفرض - أي قصده.
(قوله: أو بلا غد) معطوف على بدون الفرض، فهو غاية أيضا لإجزاء النية المذكورة.
أي تجزئ، ولو لم يتعرض فيها للغد.
(قوله: لأن لفظ الغد الخ) تعليل لعدم وجوب التعرض للغد المفهوم من الغاية أيضا.
أي وإنما لم يجب التعرض للغد، لأن لفظ إلخ.
ومحل العلة قوله: وهو في الحقيقة إلخ.
(قوله: اشتهر في كلامهم) أي الأصحاب.
(وقوله: في تفسير التعيين) أي في تصويره، فقالوا: صورته أن يقول نويت صوم غد من رمضان.
قال في حاشية الجمل: وهذا التصوير في الحقيقة تصوير للتبييت، فللتبييت صورتان أن يقول:
نويت صوم رمضان، أو نويت صوم غد من رمضان.
فانتقل نظرهم لإحدى صورتي التبيت، فجعلوها صورة للتعيين.
اه.
(قوله: وهو في الحقيقة ليس من حد التعيين) أي أن لفظ الغد في الحقيقة ليس داخلا في حد التعيين: أي لا يتوقف التعيين عليه بخصوصه.
قال في شرح المنهج: وإنما وقع ذلك من نظرهم إلى التبييت.
اه.
قال البجيرمي: أي وإنما وقع لفظ الغد في تفسير التعيين من نظرهم إلى التبييت لأن التبييت مصور بصورتين - إحداهما: أن يقول ليلا: نويت صوم غد من رمضان والثانية: أن يقول ليلا: نويت الصوم عن رمضان - كما في التعيين - فلما نظروا للصورة الأولى من التبييت اشتهر إلخ.
اه.
ومر آنفا مثله عن الجمل.
(قوله: فلا يجب التعرض له) أي للغد.
(وقوله: بخصوصه) أي الغد.
والمراد أن التعرض في النية لخصوص الغد ليس بواجب، بل الواجب هو أو غيره مما يدل على التعيين، كما في نية الشهر جميعه، فإنه يحصل له به أول يوم، مع أنه لم يعينه بعينه.
(قوله: بل يكفي) أي لحصول التعيين.
والإضراب انتقالي.
(وقوله: دخوله) أي الغد.
(وقوله: في صوم الشهر المنوي) أي فإذا قال ليلا نويت صوم رمضان، فقد دخل فيه الغد وهو اليوم الذي يعقب الليلة التي نوى فيها.
(قوله: لكن قضية كلام شيخنا كالمزجد وجوبه) أي الغد بخصوصه، وفيه أن الذي في التحفة أنه لا يجب التعرض له بخصوصه، وعبارتها: هذا - أي لفظ الغد - واجب لا بد منه، ويكفي عنه عموم يشمله، كنية أول ليلة من رمضان صوم رمضان، فيصح لليوم الأول الخ: اه.
ومثلها فتح الجواد، إلا أن يقال إنه قضية كلامه في غيرهما.
ثم رأيت عبارته على متن بأفضل تقتضي ذلك، ونصها: وعلم من كلامه أن أقل النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن رمضان.
اه.
فذكر الغد من الأقل، فاقتضى وجوبه.
تأمل.
(قوله: وأكملها إلخ) هذه مقابل قوله فأقل النية إلخ: وقال البجيرمي: أي بالنظر للمجموع، وإلا فرمضان لا بد منه، لأنه تعيين.
اه.
ولا حاجة إليه، لأن الأكمل هو ما اشتمل على ما لا بد منه وزيادة.
(قوله: نويت إلخ) خبر عن أكملها: أي أكملها هذا اللفظ.
(قوله: صوم غد) هو اليوم الذي يلي الليلة التي نوى فيها.
(قوله: عن أداء فرض رمضان) قال في النهاية: يغني عن ذكر الأداء أن يقول عن هذا الرمضان.
اه.
(قوله: بالجر لإضافته لما بعده) أي يقرأ رمضان بالجر بالكسرة، لكونه مضافا إلى ما بعده، وهو اسم الإشارة.
قال في التحفة: واحتيج لإضافة رمضان إلى ما بعده لأن قطعه عنها يصير هذه السنة محتملا لكونه ظرفا(2/253)
لنويت، فلا يبقى له معنى، فتأمله، فإنه مما يخفى.
اه.
ووجهه: أن النية زمنها يسير، فلا معنى لجعل هذه السنة ظرفا لها.
(قوله: هذه السنة) .
(إن قلت) : إن ذكر الأداء يغني عنه.
(قلت) لا يغني، لأن الأداء يطلق على مطلق الفعل، فيصدق بصوم غير هذه السنة.
وعبارة النهاية: واحتيج لذكره - أي الأداء - مع هذه السنة، وإن اتحد محترزهما، إذ فرض غير هذه السنة لا يكون إلا قضاء، لأن لفظ الأداء يطلق ويراد به الفعل.
اه.
وفي البرماوي: ويسن أن يزيد: إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم عزوجل.
اه.
(قوله: لصحة النية حينئذ) أي حين إذ أتى بهذا الأكمل المشتمل على الغد، والأداء والفرض، والإضافة لله تعالى، وهو تعليل لكون ما ذكر هو الأكمل، أي: وإنما كان هذا هو الأكمل لصحة النية به اتفاقا، بخلاف ما إذا أتى بالأقل المار فإن فيه خلافا، لأنه قيل بوجوب التعرض للغد وللفرضية.
قال في التحفة - بعد التعليل المذكور - ولتتميز عن أضدادها كالقضاء والنفل، ونحو النذر وسنة أخرى.
(قوله: وبحث الأذرعي أنه) أي مريد الصوم.
(قوله: لو كان عليه مثل الأداء) أي صوم مثل الصوم الذي يريد أداءه.
(قوله: كقضاء رمضان) تمثيل للمثل الذي عليه.
(وقوله: قبله) أي قبل رمضان الذي يريد أداءه.
(قوله: لزمه التعرض للأداء) أي للتمييز بين الأداء والقضاء.
قال في التحفة: وهو مبني على الضعيف الذي اختاره في نظيره من الصلاة أنه يجب نية الأداء حينئذ.
اه.
(وقوله: أو تعيين السنة) أي بأن يقول رمضان هذه السنة.
وفي بعض نسخ الخط: وتعيين - بالواو - وهو الموافق لما في التحفة، لكن عليه تكون الواو بمعنى أو - كما هو ظاهر - لأن أحدهما كاف في حصول التمييز.
(قوله: ويفطر عامدا الخ) شروع فيما يبطل به الصوم.
وقد نظم بعضهم جميع المبطلات فقال: عشرة مفطرات الصوم * * فهاكها: إغماء كل اليوم إنزاله مباشرا والردة * * والوطئ والقئ إذا تعمده ثم الجنون، الحيض، مع نفاس * * وصول عين، بطنه مع راس وذكر المصنف - رحمه الله تعالى - منها أربعة، وهي: الجماع، والاستمناء، والاستقاءة، ودخول عين جوفا، وترك الباقي لفهمه من قيدي التكليف والإطاقة.
(وقوله: عامدا إلخ) ذكر قيود ثلاثة في بطلان الصوم بما ذكر من الجماع وما عطف عليه، وهي: العمد، والعلم، والاختيار.
(قوله: لا ناس للصوم) مفهوم عامد.
وإنما لم يفطر الناسي، لخبر: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب،
فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه.
وفي رواية صححها ابن حبان وغيره: ولا قضاء عليه.
نص على الأكل والشرب، فعلم غيرهما بالأولى.
(قوله: وإن كثر الخ) أي فإنه لا يفطر مع النسيان، لعموم الخبر المار آنفا.
وفارق الصلاة حيث إن الأكل الكثير نسيانا يبطلها، بأن لها هيئة تذكر المصلي أنه فيها فيندر ذلك فيها، بخلاف الصوم.
والغاية المذكورة للرد على القائل إن الكثير يفطر به: وعبارة المنهاج: وإن أكل ناسيا لم يفطر، إلا أن يكثر في الأصح.
قلت: الأصح لا يفطر، والله أعلم.
والجماع كالأكل، على المذهب.
اه.
(وقوله: نحو جماع) أي كالإنزال والمباشرة.
(وقوله: وأكل) - بضم الهمزة - بمعنى مأكول، معطوف على جماع، أي: ونحو أكل من كل عين وصلت جوفه كحصاة وأصبعه ونحوهما.
(قوله: عالم) بالرفع، صفة لعامد.
أي عالم بأن ما تعاطاه مفطر.
(قوله: لا جاهل إلخ) مفهوم عالم.(2/254)
أي لا يفطر الجاهل بأن ما تعاطاهاه مفطر، ولو علم تحريم الأكل وجهل الفطر به لم يعذر، لأن حقه مع علم التحريم: الامتناع من الأكل.
(قوله: لقرب إسلامه إلخ) هذا قيد للجهل المغتفر.
أي وإنما يغتفر الجهل إن كان جهله لأجل قرب إسلامه إلخ، وأما إذا لم يكن لأجل ذلك فلا يغتفر.
وهذا القيد معتبر في كل ما يأتي من الصور المغتفرة للجهل.
وما في البحر - من عذر الجاهل مطلقا - ضعيف.
(وقوله: أو نشئة ببادية بعيدة عمن يعرف ذلك) أي إن ما تعاطاه مفطر - أي أو كون المفطر من المسائل الخفية، كإدخاله عودا في أذنه.
واحترز بذلك عما إذا كان قديم الإسلام، أو لم يكن بعيدا عمن يعرف ذلك بأن يكون بين أظهر العلماء، أو يستطيع النقلة إليهم، أو لم يكن من المسائل الخفية، فلا يغتفر جهله بذلك حينئذ.
(قوله: مختار) بالرفع أيضا، صفة ثانية لعامد.
(قوله: لا مكره) مفهوم مختار، أي لا يفطر مكره بتعاطي ما ذكر، لخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
قال ع ش: ولو أكره على الزنا فينبغي أن يفطر به تنفيرا عنه.
قال ابن قاسم: وفي شرح الروض ما يدل عليه.
اه.
لأن الإكراه - أي على الزنا - لا يبيحه (1) بخلافه على الأكل.
اه.
ويشترط في الإكراه - كما يأتي في الطلاق - قدرة المكره على تحقيق ما هدد به عاجلا بولاية أو تغلب، وعجز المكره عن دفعه بفرار أو استغاثة، وظنه أنه إن إمتنع فعل ما خوفه به ناجزا فلا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله.
(قوله: لم يحصل منه قصد ولا فكر ولا تلذذ) قيد في عدم إفطار المكره.
أي يشترط فيه أن لا يكون له قصد في فعل ما أكره عليه، ولا تفكر فيه، ولا تلذذ به، فإن كان كذلك لا يعتبر إكراهه، ويفسد صومه.
وعبارة التحفة: وشرط عدم فطر المكره أن لا يتناول ما أكره عليه لشهوة نفسه، بل لداعي الإكراه لا غير.
واستظهر ع ش: إن المكره لا يفطر، وإن أكل
ذلك بشهوة.
(قوله: بجماع) متعلق بيفطر، أي يفطر من ذكر بجماع، ولو كان مع حائل.
قال في التحفة: ويشترط هنا كونه - أي المجامع - واضحا، فلا يفطر به خنثى، إلا إن وجب عليه الغسل، بأن يتقن كونه واطئا أو موطوءا.
اه.
(قوله: وإن لم ينزل) غاية في إفطاره بالجماع.
أي يفطر بجماع مطلقا - سواء أنزل أم لا - أي وسواء كان في قبل أو دبر، من آدمي أو غيره.
(قوله: واستمناء) بالجر، معطوف على جماع، أي ويفطر باستمناء، وهو استخراج المني بغير جماع - حراما كان كإخراجه بيده، أو مباحا كإخراجه بيد حليلته.
والسين والتاء فيه للطلب، ويرد عليه أنه يقتضي أن مجرد طلب المني يبطل الصوم، ولو لم يخرج المني، ولا قائل به.
وأجيب بأن المراد طلب خروجه مع خروجه بالفعل - كما هو ظاهر.
(قوله: ولو بيده أو بيد حليلته الخ) غاية في إفطاره بالاستمناء، وهي للتعميم.
أي يفطر به مطلقا - سواء كان بيده، أو بيد حليلته من زوجة، أو أمه، أو بلمس بشرة، سواء كان بشهوة أو بغيرها.
(قوله: لما ينقض لمسه) المناسب: لمن ينقض لمسه - لأنه ما واقعة على من يعقل.
(وقوله: بلا حائل) متعلق بلمس.
وخرج به ما إذا كان ما ذكر بحائل، فإنه لا يفطر به.
وفيه أن هذا القيد يغني عنه ما قبله، لأنه إذا كان هناك حائل لا نقض، فما خرج به يخرج بالذي قبله.
فتنبه.
(قوله: لا بقبلة الخ) معطوف على بجماع.
أي لا يفطر بقبلة وضم لامرأة، وإن أنزل بهما.
(قوله: بحائل) متعلق بكل من قبلة وضم.
(قوله: أي معه) تفسير لمعنى الباء الداخلة على حائل.
(قوله: وإن تكررتا) أي القبلة والضم، وهو غاية لعدم الإفطار بهما.
أي لا يفطر بهما، وإن تكررتا منه.
والمناسب: وإن تكررا - بلا تاء - تغليبا للمذكر - وهو الضم -
__________
(1) (قوله: لأن الإكراه أي على الزنا لايبحه) وذلك لان المكره به بالنظر لمجرد الاكراه تارة يجب الصبر عليه كما (أكره على القتل والزنا، وإن لم يقتل، أو يزن، فيقتل هو، فيجب عليه أن يصبر ويستسلم ولا يقدم على القتل.
والزنا تارة لا يجب الصبر عليه، عليه، بل يجوز تعاطى.
المكره عليه - كما في الا الاكراه على شرب الخمر، والتكلم بكلمة الكفر، والفطر في رمضان - كما بين ذلك الفقهاء.
وعبارة الارشاد: ويبح - إى الاكراه - مكفرا وخمرا وفطرا، لازما وقتلا.
اه وبالنظر للقول بالتكليف بالنقيض لما أكره عليه يجب الصبر عليه مطلقا.
أفاده.
سم في الايات البينات.
اه مولف(2/255)
على المؤنث - وهو القبلة - ويحرم التكرر، وإن لم ينزل.
(قوله: فلو ضم امرأة الخ) تفريع على مفهوم قوله لا بقبلة إلخ.
(قوله: بل بحائل بينهما) أي بين المقبل أو الضام، وبين المرأة المقبلة أو المضمومة.
(قوله: لم يفطر) قال سم: الوجه أن محل ذلك ما لم يقصد بالضم مع الحائل إخراج المني.
أما إذا قصد ذلك وخرج المني، فهذا استمناء مبطل،
وكذا لو مس المحرم بقصد إخراج المني - فإذا أخرج بطل صومه، هذا هو الوجه المتعين، خلافا لما يوهمه الروض وشرحه.
م ر.
اه.
وفي البجيرمي ما نصه: حاصل الإنزال أنه إن كان بالاستمناء أي بطلب خروج المني - سواء كان بيده، أو بيد زوجته، أو بغيرهما - بحائل، أو لا، يفطر مطلقا، وأما إذا كان الإنزال باللمس من غير طلب الاستمناء - أي خروج المني - فتارة يكون مما تشتهيه الطباع السليمة، أو لا، فإن كان لا تشتهيه الطباع السليمة - كالإمرد الجميل، والعضو المبان - فلا يفطر بالإنزال مطلقا، سواء كان بشهوة أو لا، بحائل أو لا.
وأما إذا كان الإنزال بلمس ما يشتهى طبعا: فتارة يكون محرما، وتارة يكون غير محرم، فإن كان محرما، وكان بشهوة وبدون حائل، أفطر، وإلا فلا.
وأما إذا كان غير محرم - كزوجته - فيفطر الإنزال بلمسه مطلقا، بشهوة أو لا، بشرط عدم الحائل.
وأما إذا كان بحائل، فلا فطر به مطلقا، بشهوة أو لا.
أفاده شيخنا ح ف.
اه.
(قوله: لانتفاء المباشرة) علة لعدم الإفطار.
(قوله: كالاحتلام) الكاف للتنظير: أي كما أنه لا يفطر بالاحتلام.
(قوله: والإنزال بنظر وفكر) أي وكالإنزال بنظر وفكر، فإنه لا يفطر به، لانتفاء المباشرة.
قال البجيرمي: ما لم يكن من عادته الإنزال بهما، وإلا أفطر - كما قرره شيخنا ح ف.
اه.
(قوله: ولو لمس محرما إلخ) هذا محترز قوله لما ينقض لمسه.
(قوله: لعدم النقض به) أي بلمس المحرم أو شعر المرأة - ولو غير محرم - وقيل يفطر بلمس الشعر إذا أنزل.
وعبارة المغني: ولو لمس شعر امرأة فأنزل: ففي إفطاره عن المتولي وجهان بناهما على انتقاض الوضوء بلمسه، ومقتضاه أنه لا يفطر.
اه.
(قوله: ولا يفطر بخروج مذي) هذا مفهوم قوله استمناء، إذ المراد منه خروج المني.
(قوله: خلافا للمالكية) أي في قولهم إن خروج المذي مفطر.
(قوله: واستقاءة) بالجر، عطف على جماع، أي ويفطر باستقاءة.
(قوله: أي استدعاء قئ) أي طلب خروجه ويأتي فيه ما تقدم في لفظ الاستمناء من الإيراد.
والجواب.
قال في التحفة: ومن الاستقاءة: نزعه لخيط ابتلعه ليلا.
اه.
وفي سم ما نصه: (فرع) قال في الروض: ولو ابتلع طرف خيط فأصبح صائما - فإن ابتلع باقيه، أو نزعه أفطر.
وإن تركه بطلت صلاته.
وطريقه أن ينزع منه وهو غافل.
اه.
قال في شرحه: قال الزركشي: - وقد لا يطلع عليه عارف بهذا الطريق، ويريد هو الخلاص، فطريقه أن يجبره الحاكم على نزعه، ولا يفطر به، لأنه كالمكره.
بل لو قيل إنه لا يفطر بالنزع باختياره لم يبعد، تنزيلا لإيجاب الشرع منزلة الإكراه، كما لو حلف ليطأن في هذه الليلة فوجدها حائضا،
لا يحنث بترك الوطئ.
اه.
أما إذا لم يكن غافلا وتمكن من دفع النازع فإنه يفطر، لأن النزع موافق لغرض النفس، فهو منسوب إليه عند تمكنه من الدفع، وبهذا فارق من طعنه بغير إذنه وتمكن من دفعه.
اه.
(قوله: وإن لم يعد منه شئ) أي يفطر بخروج القئ منه قصدا، وإن لم يرجع منه شئ إلى جوفه.
والغاية للرد على القائل بأنه إذا لم يرجع شئ لا يفطر.
وعبارة المنهاج: والصحيح أنه لو تيقن أنه لم يرجع شئ إلى جوفه بطل، وإن غلبه القي فلا بأس.
اه.
(قوله: بأن تقيأ منكسا) أي مطأطئا رأسه حتى صار أعلاه أسفله، وهو تصوير لعدم عود شئ منه إلى جوفه.
(قوله: أو عاد بغير اختياره) أي بغير قصده.
(قوله: فهو مفطر لعينه) أي استدعاء القئ مفطر لعينه - أي لذاته - لا لرجوع شئ إلى الجوف(2/256)
كالنوم لغير المتمكن، فإنه ينقض، وإن تيقن عدم خروج شئ من الدبر، لأنه مظنة لوصول شئ إلى الجوف، كما أن النوم مظنة لخروج شئ منه.
(قوله: أما إذا غلبه) أي خرج بغير اختياره وقصده، وهذا مفهوم قوله استقاءة، إذ المراد منها طلب الخروج المستلزم لخروجه باختياره وقصده.
(قوله: ولم يعد منه) أي من القئ، والجملة حالية.
وقوله: أو من ريقه: أي أو لم يعد من ريقه.
(وقوله: المتنجس به) أي بالقئ.
(وقوله: شئ) فاعل الفعل قبله.
(وقوله: إلى جوفه) متعلق بالفعل.
(وقوله: بعد وصوله إلخ) متعلق بالفعل أيضا.
أي لم يعد إليه بعد وصوله لحد الظاهر، بأن لم يعد إليه أصلا، أو عاد قبل وصوله لحد الظاهر، فإن عاد إليه بعد ذلك أبطل الصوم.
وسيأتي بيان حد الظاهر.
(قوله: أو عاد) أي بعد وصوله لذلك، لكن بغير اختياره وقصده.
(قوله: فلا يفطر به) جواب أما.
وضمير به يعود إلى القئ.
(قوله: للخبر الصحيح) هو: من ذرعه القئ فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض.
وذرعه - بالمعجمة - بمعنى غلبه، وهو دليل لكون الاستقاءة تفطر، ولكون مفهومها - وهو قوله أما إذا غلبه إلخ - لا يفطر، فهو مرتبط بالمتن: منطوقا، ومفهوما، وإن كان صنيعه يفيد رجوعه للثاني فقط.
(وقوله: بذلك) أي بما ذكر من فطره بالاستقاءة، وعدم فطره بغلبة خروج القئ.
(قوله: لا بقلع نخامة) معطوف على استقاءة، أي لا يفطر بقلع نخامة - أي إخراجها.
قال البجيرمي، هو مستثنى من الاستقاءة - كما قاله ح ل.
والقلع: إخراجها من محلها الأصلي، والمج إخراجها من الفم.
والنخامة - بالميم - وتقال بالعين - وهي الفضلة الغليظة تنزل من الدماغ، أو تصعد من الباطن، فلا تضر، ولو نجسة.
اه.
(قوله: من الباطن) هو مخرج الهمزة والهاء.
والظاهر: مخرج الحاء المهملة، أو الخاء المعجمة - كما سيأتي.
(قوله: أو الدماغ) عطف على الباطن، - من عطف الخاص على العام - أي ولا بقلعها من الدماغ.
(قوله: إلى الظاهر) متعلق بقلع.
وفي ع ش ما نصه: وهل
يلزمه تطهير ما وصلت إليه من حد الظاهر - حيث حكمنا بنجاستها - أو يعفى عنه؟ فيه نظر.
ولا يبعد العفو.
اه.
سم.
وعليه: لو كان في الصلاة وحصل له ذلك لم تبطل به صلاته ولا صومه إذا ابتلع ريقه، ولو قيل بعدم العفو في هذه الحالة لم يكن بعيدا، لأن هذه حصولها نادر، وهي شبيهة بالقئ، وهو لا يعفى عن شئ منه.
اللهم إلا أن يقال إن كلامه مفروض فيما لو ابتلي بذلك، كدمى اللثة إذا ابتلي به.
اه.
(قوله: فلا يفطر به) أي بقلعها المذكور، وهذا على الأصح، ومقابله يفطر به، كالاستقاءة.
(قوله: إن لفظها) أي رماها.
فاللفظ مراد به معناه اللغوي، وهو الطرح والرمي.
(قوله: لتكرر الحاجة إليه) أي إلى قلع النخامة، وهو علة لعدم فطره بذلك، ومع ذلك يندب له القضاء - مراعاة للخلاف - كما في التحفة.
(قوله: أما لو ابتلعها الخ) مفهوم قوله إن لفظها.
(وقوله: مع القدرة على لفظها) فإن لم يقدر عليه - بأن نزلت من الدماغ إلى الباطن - فلا يفطر به كما ستعرفه.
(قوله: بعد وصولها) أي استقرارها في الظاهر، فإن لم يستقر فيه - بل وصلت إلى الباطن من غير استقرار فيه - فلا يفطر.
(وقوله: لحد الظاهر) أي حد هو الظاهر، فالإضافة بيانية.
وعبارة التحفة.
(تنبيه) ذكر حد غير محتاج إليه في عبارته، وإن أتى به شيخنا في مختصره، بل هو موهم، إلا أن تجعل الإضافة بيانية، وإنما يحتاج إليه من يريد تحديده.
وذكر الخلاف في الحد أهو المعجمة - وعليه الرافعي وغيره - أو المهملة - وهو المعتمد كما تقرر؟ فيدخل كل ما قبله، ومنه المعجمة اه.
(وقوله: بل هو موهم) أي أنها إن لم تصل إلى هذا الحد الذي هو مخرج الحاء المهملة، بل وصلت قبله من جهة الأسنان، لم يفطر.
وليس كذلك، لأن المدار على ابتلاعها بعد حصولها في ظاهر الفم مطلقا.
لا فرق بين أوله وآخره ووسطه.
(قوله: وهو) أي حد الظاهر.
(قوله: مخرج الحاء المهملة) أي على المعتمد.
وعليه، فما بعد ذلك هو الباطن، وهو مخرج الهمزة والهاء، وما فوق ذلك كله ظاهر، ومنه مخرج الخاء المعجمة.(2/257)
قال في النهاية: ثم داخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة والخيشوم، له حكم الظاهر بالنسبة للافطار باستخراج القئ إليه، أو ابتلاع النخامة منه، ولعدم الإفطار بالنسبة لدخول شئ فيه وإن أمسكه وبالنسبة للنجاسة فإذا تنجس وجب غسله، وله حكم الباطن بالنسبة للريق.
فإذا ابتلعه لا يفطر، وبالنسبة للجنابة فلا يجب غسله، وفارقت النجاسة - حيث وجب غسلها منه - بأنها أفحش وأندر، فضيق فيها ما لم يضيق في الجنابة.
اه.
بتصرف.
(قوله: فيفطر قطعا) أي بلا خلاف وهو جواب أما.
(قوله: ولو دخلت ذبابة جوفه) أي من غير قصد.
(وقوله: أفطر بإخراجها) أي لانه قئ مفطر.
(وقوله: مطلقا) أي ضره بفاؤها أو لا.
(قوله: وجاز له) أي جاز إخراجها له.
(وقوله: إن ضره بقاؤها) في التحفة - نعم، إن ضره بقاؤها ضررا يبيح التيمم: لم يبعد جواز إخراجها ووجوب القضاء.
اه.
(قوله: كما أفتى به شيخنا) في الكردي ما نصه: وقع في موضع من فتاوى الشارح عدم الفطر بإخراجها، لكنه رجع عنه في جواب عنها آخر، وقال في آخره: قد سبق مني إفتاء بأن إخراجها غير مفطر، والأوجه ما ذكرته الآن.
اه.
(قوله: ويفطر بدخول عين) أصل المتن: وبدخول عين - عطف على بجماع -.
وانظر: لم قدر الشارح المتعلق فيه ولم يقدر عند قوله واستمناء، وعند قوله واستقاءة؟ (فإن قلت) : لأنه يوهم هنا لو لم يقدره أنه معطوف على أقرب مذكور، وهو قوله بقلع نخامة، مع أنه ليس كذلك بخلافه هناك.
(قلت) : الإيهام موجود عند قوله واستقاءة، وذلك لأنه يوهم عطفه على أقرب مذكور، وهو بقبلة وضم، مع أنه ليس كذلك.
إذا علمت ذلك، فلعله قدره هنا لطول العهد، ومحل الإفطار بوصول العين إذا كانت من غير ثمار الجنة - جعلنا الله من أهلها - فإن كانت العين من ثمارها: لم يفطر بها.
(قوله: وأن قلت) أي العين - كسمسمة - أي أو لم تؤكل عادة - كحصاة.
(قوله: إلى ما يسمى جوفا) متعلق بدخول.
وخرج به ما لا يسمى جوفا، كداخل مخ الساق أو لحمه، فلا يفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: أي جوف من مر) هو العامد العالم المختار.
(قوله: كباطن أذن) تمثيل للجوف.
قال ع ش: قال في شرح البهجة: لأنه نافذ إلى داخل قحف الرأس، وهو جوف.
اه.
(قوله: وهو) أي الإحليل.
(وقوله: مخرج بول) أي من الذكر.
(وقوله: ولبن) أي ومخرج لبن، أي من الثدي.
فالإحليل يطلق على شيئين: على مخرج البول، ومخرج اللبن.
قال في المختار: والإحليل: مخرج البول، ومخرج اللبن من الضرع والثدي.
اه.
ع ش.
(قوله: وإن لم تجاوز الخ) غاية في فطره بدخول عين في إحليل: أي يفطر بدخولها فيه، وإن لم تجاوز تلك العين الحشفة من الذكر، والحلمة من الثدي.
(قوله: أو الحلمة) قال في المصباح: الحلم: القراد الضخم، الواحدة: حلمة.
مثل قصب وقصبة، وقيل لرأس الثدي وهي اللحمة الناتئة حلمة على التشبيه بقدرها.
قال الأزهري: الحلمة: الحبة على رأس الثدي من المرأة.
اه.
(قوله: ووصول أصبع) مبتدأ.
وقوله: مفطر: خبره.
وكان المناسب التفريع، لأن الأصبع يطلق عليها عين.
(وقوله: إلى وراء ما يظهر من فرجها) أي من داخله، وهو ما لا يجب غسله عند الاستنجاء.
(قوله: عند جلوسها) متعلق بيظهر.
(قوله: وكذا
وصول الخ) أي وكذلك يفطر وصول بعض الأنملة إلى المسربة.
وهي مجرى الغائط ومخرجه.
وقيل حلقة الدبر.
قال البجيرمي: ومثله غائط خرج منه ولم ينفصل، ثم ضم دبره ودخل شئ منه إلى داخل دبره، حيث تحقق دخول شئ منه بعد بروزه، لأنه خرج من معدنه مع عدم حاجة إلى ضم دبره.
اه.
(قوله: كذا أطلقه القاضي) أي كذا أطلق القاضي(2/258)
الفطر بوصول شئ إلى المسربة: أي حكم بأن ما ذكر يفطر مطلقا - سواء وصل إلى المحل المجوف منها، أم لا.
(قوله: وقيده) أي قيد الفطر السبكي: بما إذ وصل شئ من الأنملة إلى المحل المجوف منها، وهو ما لا يجب غسله.
وفي البجيرمي مثله، وعبارته: وضابط الدخول المفطر: أن يجاوز الداخل ما لا يجب غسله في الاستنجاء بخلاف ما يجب غسله في الاستنجاء، فلا يفطر إذا أدخل أصبعه ليغسل الطيات التي فيه.
اه.
(قوله: بخلاف أولها) أي المسربة: أي فلا يضر وصول شئ إليه.
(وقوله: المنطبق) أي المنضم بعضه إلى بعض.
(قوله: وألحق به) أي ألحق السبكي بأول المسربة: أول الإحليل - في عدم الفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: الذي يظهر إلخ) صفة لأول الإحليل، أو بدل، أو عطف بيان، أو خبر لمبتدأ محذوف - وهو أولى - أي أن أول الإحليل هو الذي يظهر عند تحريكه.
(قوله: بل أولى) أي بل أول الإحليل أولى من أول المسربة في عدم الفطر بوصول شئ إليه.
(قوله: قال ولده) أي السبكي، وهو كلام مستأنف ساقه لبيان مراد القاضي بما ذكره.
(قوله: وقول القاضي الخ) مقول القول.
(قوله: مراده) أي القاضي، بقوله المذكور (والحاصل) أن قوله القاضي المذكور صادق بصورتين: بما إذا كان حاقبا في الليل ويمكنه الصبر إلى النهار، وبما إذا كان حاقبا في النهار ويمكنه الصبر إلى الليل، فظاهره أنه يؤمر بالتغوط في الليل في الصورتين، وليس كذلك، بل في الصورة الأولى فقط، وأما في الثانية فيتغوط نهارا، ولا يؤخر إلى الليل، لئلا يضره ذلك.
(قوله: إن إيقاعه) أي التغوط.
(وقوله: فيه) أي في الليل.
(قوله: خير منه في النهار) أي خير من إيقاع التغوط في النهار.
وسكت عن حكم البول.
ورأيت في هامش فتح الجواد، نقلا عن الإمداد، ما نصه: وأما البول فلا خير في إيقاعه في أحدهما، بل هو فيهما سواء، إذ لا يخشى منه مفطر، إلا في حق من ابتلي بوسوسة أو سلس، فإيقاعه حينئذ ليلا خير منه نهارا.
اه.
(قوله: لئلا يصل إلخ) علة للخيرية.
(قوله: لا أنه الخ) أي لا إن مراده أنه يؤمر بتأخير التغوط إلى الليل.
قال سم: قد لا يضر التأخير، فما المانع من حمل كلام القاضي بظاهره على هذا المعنى؟.
اه.
(قوله: لأن أحدا الخ) علة النفي.
(وقوله: بمضرة في بدنه) وهي هنا تأخير التغوط لليل.
(قوله: لم يفطر بعودها) أي إلى دبره
والمراد بنفسها - بدليل المقابلة.
(قوله: وكذا إن أعادها بأصبعه) أي وكذلك لا يفطر إن أعادها بواسطة أصبعه.
(قوله: لاضطراره إليه) علة لعدم فطره بعودها، أي وإنما لم يفطر بذلك لاضطراره واحتياجه إليه - أي إلى العود - فسومح في عودها، ولو كان بفعل الفاعل.
قال البجيرمي: وعلى المسامحة: فهل يجب غسل ما عليها - أي المقعدة - من القذر - لأنه بخروجه معها صار أجنبيا فيضر عوده معها للباطن، أو لا؟ كما لو أخرج لسانه وعليه ريقه، لأن ما عليها لم يفارق معدته؟ كل محتمل، والثاني أقرب.
والكلام - كما هو ظاهر - حيث لم يضر غسلها، وإلا تعين الثاني، كما ذكره ابن حجر.
اه.
(قوله: ومنه يؤخذ) أي من التعليل المذكور يؤخذ عدم الفطر بدخول الأصبع معها إلى الباطن، إذا اضطر إلى ذلك.
(قوله: كما قال شيخنا) عبارته في فتح الجواد: ولا فطر بخروج مقعدة المبسور وعودها بأصبعه لاضطراره إليه.
ومنه يؤخذ أنه إن اضطر لدخول الأصبع معها إلى الباطن لم يفطر، وإلا أفطر بوصول الأصبع إليه.
اه.
(قوله: وخرج بالعين) أي في قوله ويفطر بدخول عين.
(وقوله: الأثر) أي أثر تلك العين - كرائحتها وطعمها.
(قوله: كوصول الطعم) بفتح الطاء: هو الكيفية الحاصلة من الطعام - كالحلاوة - وضدها: من غير وصول عين.
قال في المصباح: الطعم بالفتح: ما يؤديه الذوق، فيقال: طعمه حلو أو حامض.
وتغير طعمه: إذا خرج عن وصفه الخلقي.
اه.
وأما(2/259)
الطعم - بالضم - فهو بمعنى الطعام، وليس مرادا هنا.
(وقوله: بالذوق) الباء سببية، أي بسبب ذوق الطعم وإدخاله في فمه ليغرفه.
ومثل وصوله الطعم: وصول الرائحة إلى جوفه، فإنه لا يفطر به، لأنها أثر، لا عين.
وفي الكردي ما نصه: وفي النهاية - كالإمداد - وصول الدخان الذي فيه رائحة البخور وغيره إذا لم يعلم انفصال عين فيه إلى الجوف لا يفطر به، وإن تعمد فتح فيه لأجل ذلك، وهو ظاهر.
وفي التحفة وفتح الجواد عدم ضرر الدخان.
وقال سم في شرح أبي شجاع: فيه نظر، لأن الدخان عين.
اه.
وفي البيجرمي: وأما الدخان الحادث الآن المسمى بالتتن - لعن الله من أحدثه - فإنه من البدع القبيحة - فقد أفتى شيخنا الزيادي أولا بأنه لا يفطر، لأنه إذ ذاك لم يكن يعرف حقيقته، فلما رأى أثره بالبوصة التي يشرب بها، رجع وأفتى بأنه يفطر.
اه.
(قوله: وخرج بمن مر) أي في قوله سابقا.
أي جوف من مر.
(وقوله: أي العامد إلخ) تفسير لمن مر.
(قوله:
الناسي) فاعل خرج، وهذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر.
(قوله: والجاهل المعذور) هذا خرج بقيد العالم المندرج تحت من مر أيضا.
(وقوله: بتحريم إيصال شئ إلى الباطن) متعلق بالجاهل، أي الجاهل بتحريم إيصال شئ، أي مبهم أو معين، مع علمه بأن بعض الأشياء مفطر: مبهما أو معينا، وليس المراد أنه جاهل بأن هناك مفطر رأسا، وإلا لا يتصور منه نية الصوم، - كذا في التحفة - ونصها: وليس من لازم ذلك - أي الجهل بما ذكر - عدم صحة نيته للصوم نظرا إلى أن الجهل بحرمه الأكل يستلزم الجهل بحقيقة الصوم، وما تجهل حقيقته لا تصح نيته، لأن الكلام فيمن جهل حرمة شئ خاص من المفطرات النادرة.
اه.
(وقوله: وبكونه مفطرا) معطوف على بتحريم: أي الجاهل بالتحريم، والجاهل بكونه مفطرا.
وأفاده بالعطف بالواو أنه لا يغتفر جهله إلا إن كان جاهلا بهما معا، وهو كذلك، فلو لم يكن جاهلا بهما - بأن كان عالما بهما معا، أو عالما بأحدهما جاهلا بالآخر - ضر، ولا يعذر، لأنه كان من حقه إذا علم الحرمة وجهل أنه مفطر، أو العكس، أن يمتنع.
(قوله: والمكره) أي على الفطر، وهذا خرج بقيد الاختيار المندرج تحت من مر أيضا.
(قوله: فلا يفطر كل منهم) أي من الناسي، والجاهل، والمكره، وذلك لعموم خبر الصحيحين: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب - وفي رواية وشرب - فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه، وصح، ولا قضاء عليه.
ولخبر: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه.
والجاهل كالناسي، بجامع العذر.
(قوله: وإن كثر أكله) أي فإنه لا يفطر بذلك، وتقدم الفرق بين الصوم وبين الصلاة، فارجع إليه إن شئت.
(قوله: ولو ظن أن أكله ناسيا مفطر الخ) يعني لو أكل ناسيا وظن أن أكله نسيانا مفطر، فأكل ثانيا عمدا جاهلا بوجوب الإمساك - أي باستمرار الصوم في حقه، بعدم فطره بالأكل نسيانا - أفطر بالأكل الثاني، لوقوعه منه عمدا.
(قوله: ولو تعمد فتح فمه في الماء الخ) عبارة النهاية مع الأصل: وكونه - أي الواصل - بقصد، فلو وصل جوفه ذباب أو بعوضة أو غبار الطريق وغربلة الدقيق، لم يفطر، وإن أمكنه اجتناب ذلك بإطباق الفم أو غيره، لما فيه من المشقة الشديدة - بل لو فتح فاه عمدا حتى دخل جوفه: لم يفطر أيضا، لأنه معفو عن جنسه.
ولو فعل مثل ذلك - أي فتح فاه عمدا - وهو في الماء فدخل جوفه، وكان بحيث لو سد فاه لم يدخل: أفطر، لقول الأنوار: ولو فتح فاه في الماء فدخل جوفه: أفطر.
ويوجه بأن ما مر إنما عفي عنه لعسر تجنبه، وهذا ليس كذلك.
وفيه - أي الأنوار - لو وضع شيئا في فيه عمدا - أي لغرض - وابتلعه ناسيا: لم يفطر.
ويؤيده قول الدارمي: لو كان بفيه أو أنفه ماء فحصل له نحو عطاس، فنزل به الماء جوفه، أو صعد لدماغه لم يفطر، ولا ينافيه ما يأتي من الفطر بسبق الماء الذي وضعه في فيه، لأن العذر هنا أظهر.
اه.
بتصرف.
(وقوله: أي لغرض) صوره سم بما(2/260)
لو وضعه لنحو الحفظ، وكان مما جرت العادة بوضعه في الفم.
اه.
قال ع ش: وينبغي أن من النحو: ما لو وضع الخبز في فمه لمضغه لنحو الطفل - حيث احتاج إليه -، أو وضع شيئا في فمه لمداواة أسنانه به - حيث لم يتحلل منه شئ - أو لدفع غثيان خيف منه القئ.
اه.
(قوله: أو وضعه فيه) أي أو وضع الماء في فمه.
(قوله: فسبقه) أي دخل جوفه قهرا.
(قوله: أفطر) جواب لو.
(قوله: أو وضع في فيه شيئا) أي سواء كان ماء أو غيره.
(وقوله: وابتلعه ناسيا) أي دخل جوفه نسيانا.
(وقوله: فلا) أي فلا يفطر.
والفرق بين السبق والنسيان - حيث إنه يفطر مع الأول، ولا يفطر مع الثاني - أنه في حالة النسيان لا فعل له يعتد به، فلا تقصير، ومجرد تعمد وضعه في فيه لا يعد تقصيرا، لأن النسيان لا يتسبب عنه، بخلاف السبق.
كذا في سم، وفي فتح الجواد: وفارق النسيان السبق: بأن العذر في النسيان أظهر.
اه.
(قوله: ولا يفطر بوصول إلى باطن قصبة أنف) أي لأنها من الظاهر، وذلك لأن القصبة من الخيشوم، والخيشوم جميعه من الظاهر.
(قوله: حتى يجاوز منتهى الخيشوم) أي فإن جاوزه أفطر، ومتى لم يجاوز لا يفطر.
(وقوله: وهو) أي المنتهى.
(قوله: ولا يفطر بريق إلخ) أي لعسر التحرز عنه.
والمراد بالريق ريقه، أما ريق غيره فيفطر به.
وما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يمص لسان السيدة عائشة رضي الله عنها فيحتمل أنه يمجه.
(قوله: طاهر الخ) ذكر ثلاثة قيود: كونه طاهرا، وكونه صرفا، وكونه من معدنه.
وسيذكر محترزاتها.
(قوله: ابتلعه) بيان لمتعلق الجار والمجرور بعده.
(قوله: وهو) أي معدنه جميع الفم، وقد تقدم أنهم جعلوا الفم بالنسبة للريق والوضوء والغسل باطنا.
وبالنسبة لإزالة النجاسة منه ودخول غير الريق منه، وخروج شئ من الباطن إليه، ظاهرا.
فلا تغفل.
(قوله: ولو بعد جمعه) غاية في عدم الفطر بابتلاع الريق.
أي لا يفطر ولو ابتعله بعد جمعة في فمه، وهي للرد - كما يفيده قوله بعد على الأصح.
(قوله: وإن كان بنحو مصطكى) غاية للغاية، أي وإن كان جمعه حاصلا، بواسطة مضغ نحو مصطكى كلبان.
(قوله: أما لو ابتلع) مقابل قوله ولو بعد جمعه، إذ المراد منه فعل الفاعل.
(قوله: فلا يضر قطعا) أي بلا خلاف.
(قوله: وخرج بالطاهر) أي بالريق الطاهر.
(وقوله: المتنجس) أي الريق المتنجس.
(وقوله: بنحو دم لثته) متعلق بالمتنجس، أي متنجس بسبب نحو دم لثته ونحوه كالقئ، وكأكله شيئا نجسا ولم يغسل فمه منه.
(قوله: فيفطر) أي الصائم.
(وقوله: بابتلاعه) أي الريق المتنجس بما ذكر.
(قوله: وإن صفا) أي الريق من نحو الدم.
وهو غاية في فطره بما ذكر.
(وقوله: ولم يبق فيه) أي الريق، أثر: أي من آثار نحو الدم.
(وقوله: مطلقا) أي أصلا - لا كثيرا ولا قليلا - هذا هو المراد من الإطلاق.
(قوله: لأنه لما حرم إلخ)
علة للفطر بابتلاعه ما ذكر.
وضمير أنه: للريق.
(وقوله: لتنجسه) أي لأجله، وهو علة الحرمة.
(وقوله: صار) أي الريق المذكور.
(وقوله: بمنزلة عين أجنبية) أي وهي يفطر ابتلاعها.
(قوله: قال شيخنا ويظهر الخ) أي قياسا على مقعدة المبسور.
ومثله في النهاية ونصها: ولو عمت بلوى شخص بدمي لثته بحيث يجري دائما أو غالبا سومح بما يشق الاحتراز عنه، ويكفي بصقه، ويعفى عن أثره، ولا سبيل إلى تكليفه غسله جميع نهاره، إذ الفرض أنه يجري دائما أو يترشح، وربما إذا غسله زاد جريانه - كذا قاله الأذرعي - وهو فقه ظاهر.
اه.
وقال في بشرى الكريم: ولنا وجه بالعفو عنه مطلقا إذا كان صافيا، وفي تنجس الريق به إشكال: لأنه نجس عم(2/261)
اختلاطه بمائع، وما كان كذلك لا ينجس ملاقيه، كما في الدم على اللحم إذا وضع في الماء للطبخ، فإن الدم لا ينجس الماء.
اه.
(قوله: وقال بعضهم إلخ) صنيعه يفيد أنه مخالف لكلام شيخه، مع أنه عينه.
ثم رأيته في التحفة ذكر كلام البعض المذكور ومؤيدا لما قاله، وعبارتها: ويظهر العفو عمن ابتلي بدم لثته بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه، قياسا على ما مر في مقعدة المبسور.
ثم رأيت بعضهم بحثه واستدل له بأدلة، وهي رفع الحرج عن الأمة، والقياس على العفو عما مر في شروط الصلاة، ثم قال: فمتى ابتلعه مع علمه به وليس له عنه بد، فصومه صحيح.
اه.
(قوله: المبتلى به) أي بدم لثته.
(وقوله: وليس له) أي للمبتلى به.
(وقوله: عنه) أي عن بلعه.
(وقوله: بد) أي غنى.
(قوله: وبالصرف) معطوف على بالطاهر: أي وخرج بالصرف، أي الريق الصرف.
(وقوله: المختلط) فاعل الفعل المقدر قبل الجار والمجرور.
(قوله: بطاهر) قيد به، لأن النجس قد علم مما قبله.
(وقوله: آخر) أي غير الريق، والمراد أجنبي.
(قوله: فيفطر من ابتلع ريقا متغيرا بحمرة نحو تنبل) أي لأن تغير لونه يدل على أن به عينا.
(قوله: وإن تعسر إزالتها) أي الحمرة من الريق.
(قوله: أو بصبغ خيط) معطوف على بحمرة نحو تنبل: أي أو متغيرا بصبغ خيط قتله بفمه.
قال في النهاية: ولو بلون أو ريح - فيها يظهر من إطلاقهم - إن انفصلت منه عين، لسهولة التحرز عن ذلك.
اه.
وكتب الرشيدي: قوله إن انفصلت منه عين: علم منه أن المدار على العين، لا على اللون ولا على الريح، فلا حاجة إلى الغاية، بل هي توهم خلاف المراد على أن اللون في الريق لا يكون إلا عينا - كما هو ظاهر - اه.
وقوله: على أن اللون إلخ: تقدم - في فصل مبطلات الصلاة - عن ع ش ما يفيد خلافه، وحاصل ما تقدم عنه أن
الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه يضر ابتلاعه، وعلله بالعلة المذكورة، ثم ذكر احتمال أن يقال بعدم الضرر، وعلله بأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته للأسود مثلا.
قال: وهذا هو الأقرب، أخذا مما قالوه في طهارة الماء إذا تغير بمجاور.
فقوله: إن مجرد اللون بجوز إلخ: يخالف قول الرشيدي أن اللون لا يكون إلا عينا.
(والحاصل) الذي يؤخذ من كلامهم أنه إن علم انفصال عين في الريق: ضر بالنسبة للصلاة والصوم، وإلا فلا، وإن تغير لونه أو ريحه، سواء كان بالصبغ أو بنحو تنبل.
فتنبه.
(قوله: وبمن معدنه الخ) معطوف على بالطاهر.
أي وخرج بمن معدنه.
(وقوله: ما إذا خرج من الفم) فاعل الفعل المقدر.
(قوله: لا على لسانه) معطوف على مقدر.
أي ما إذا خرج على أي شئ كسواك لا إن كان خرج من الفم وهو على لسانه، فلا يضر ابتلاعه إذ اللسان كيفما تقلب معدود من داخل الفم فلم يفارق ما عليه معدنه.
(قوله: ولو إلى ظاهر الشفة) أي ولو كان خروجه إلى ظاهر الشفة فقط، فإنه يضر ابتلاعه حينئذ.
(قوله: ثم رده بلسانه) معطوف على خرج أي خرج من الفم ثم رده وابتلعه.
(قوله: أو بل خيطا إلخ) انظر معطوف على أي شئ؟ وظاهر أنه معطوف على خرج من الفم: أي وخرج بمن معدنه ما إذا بل إلخ.
لكن يبعده قوله بعد أو بماء، إذ الكلام في الريق، لا في الماء.
ولو قال: ولو بل، إلخ - بزيادة لو الشرطية - وتكون الجملة مستأنفة، لكان أولى.
فتنبه.
(قوله: فرده) أي ما ذكر من الخيط أو السواك.
(وقوله: وعليه الخ) أي والحال أن عليه: أي ما ذكر من الخيط أو السواك، فالجملة حالية، وضمير عليه يعود أيضا على ما ذكر.
(قوله: وابتلعها) أي الرطوبة.
(قوله: فيفطر) جواب إذا، فهو مرتبط بجميع المخرجات.
(قوله:(2/262)
بخلاف ما لو لم يكن على الخيط) أي أو السواك، ولو قال عليه - بالضمير، كسابقه - لكان أولى.
(قوله: لقلته) أي ما على الخيط من الرطوبة.
(قوله: أو لعصره أو لجفافه) يصح إرجاع الضمير فيهما على ما على الخيط أو السواك، ويصح إرجاعه لنفس الخيط أو السواك، والأول أنسب بالضمير الذي قبله.
(قوله: فإنه لا يضر) أي فإن رد الخيط أو السواك إلى فمه، وعليه رطوبة لا تنفصل، لا يضر في الصوم، لعدم وصول شئ إلى جوفه.
(قوله: كأثر ماء المضمضة) أي لعدم ضرر أثر ماء المضمضة.
(قوله: وإن أمكن مجه) أي إخراج ذلك الأثر من الفم.
وهو غاية في عدم ضرر أثر ماء المضمضة.
(قوله: لعسر التحرز عنه) أي عن أثر ماء المضمضة، وهو تعليل لعدم ضرره للصوم.
(قوله: فلا يكلف) أي
الصائم، وهو تفريع على عسر التحرز عنه، أو على عدم الضرر من الأثر.
(وقوله: عنه) أي الأثر.
وعن: بمعنى من.
(قوله: فرع: لو بقي الخ) هذا مستثنى من قوله ويفطر بدخول عين جوفا، فكأنه قال ويفطر إلا في هذه المسألة.
(قوله: فجرى به ريقه) أي فجرى بالطعام ريقه، أي دخل بواسطته إلى الجوف.
(وقوله: بطبعه) أي بنفسه.
(قوله: لا بقصده) أي لا باختياره وفعله.
وعبارة التحفة: لا بفعله.
اه.
والتصريح بهذا - مع ما قبله - تأكيد، وإلا فهو معلوم من التعبير بجرى، إذ هو يستلزم عدم القصد، ولذلك أخرج في التحفة به ما كان بالقصد، وعبارتها: وخرج بجرى ابتلاعه قصدا.
اه.
(وقوله: إن عجز) أي في حال جريانه، وإن قدر على إخراجه من بين أسنانه قبل جريانه، وهو قيد لعدم فطره.
وسيذكر محترزه.
(قوله: عن تمييزه) أي الطعام عن الريق.
(وقوله: ومجه) أي رميه وطرحه.
(قوله: وإن ترك التخلل ليلا) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر وإن ترك التخلل ليلا.
وهذا هو الأصح، وقيل إن نقى أسنانه بالخلال على العادة لم يفطر، وإلا أفطر، وقيل لا يفطر مطلقا.
(قوله: مع علمه إلخ) متعلق بترك، فهو في حيز الغاية.
(وقوله: ببقائه) أي الطعام.
(وقوله: وبجريانه ريقه به) أي بالطعام.
(وقوله: نهارا) ظرف متعلق بجريان.
(قوله: لأنه إنما يخاطب الخ) علة لعدم فطره إذا ترك التخلل ليلا، وعلم بحريان ريقه به نهارا.
(قوله: بهما) أي بالتمييز والمج.
(قوله: إن قدر عليهما) أي التمييز والمج، وهو قيد في الخطاب.
(وقوله: حال الصوم) متعلق بيخاطب.
أي يخاطب بهما حال الصوم، أي فلا يجب تقديمهما على وقت الصوم.
(قوله: لكن يتأكد التخلل إلخ) أي خروجا من خلاف القائل بالوجوب.
(قوله: أما إذا لم يعجز) أي عن تمييزه ومجه، وهذا محترز قوله إن عجز عن تمييزه ومجه.
(قوله: أو ابتلعه قصدا) هذا خرج بقوله لا بقصده أو بقوله جرى - كما علمت.
(قوله: فإنه مفطر) أي فإن جريان الريق بالطعام حينئذ مفطر، لكن محله فيما إذا ابتلعه قصدا أن يكون متذكرا للصوم، وإلا فلا يفطر - كما في سم -، وعبارته: قوله: ابتلاعه قصدا: أي مع تذكر الصوم، فخرج النسيان أخذا مما تقدم أنه لو وضع شيئا بفمه عمدا ثم ابتلعه ناسيا لم يفطر.
فليتأمل.
اه.
(قوله: وقول بعضهم) مبتدأ، خبره جملة، رده شيخنا.
(وقوله: يجب الخ) مقول القول.
(وقوله: مما أكل) أي من الطعام الذي أكل.
(وقوله: ليلا) ظرف متعلق بكل من غسل ومن أكل.
(قوله: وإلا أفطر) أي وإن لم يغسل أفطر.
والظاهر أن مراده أفطر إذا بقي طعام، وجرى به ريقه، لأنه مقصر بعدم غسله، وليس مراده أنه يفطر مطلقا، ولو لم يجر بالطعام الريق، إذ لا معنى له.
فتأمل.
(قوله: رده شيخنا) أي في الإمداد - كما يستفاد من عبارة فتح الجواد - ونصها بعد كلام: بخلاف ما إذا تعذر تمييزه ومجه، وإن ترك الخلال ليلا، مع علمه ببقائه وبجريان ريقه نهارا، لأنه إنما يخاطب بهما إن قدر عليهما
حال الصوم - كما بينته في الأصل - مع رد القول بأنه يجب غسل الفم مما أكل ليلا، وإلا أفطر.
اه.
(قوله: ولا يفطر)(2/263)
أي الصائم.
(وقوله: بسبق ماء جوف مغتسل) إضافة سبق إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله.
وجوف: مفعوله.
والمراد بالسبق: وصول الماء إلى جوفه من غير اختياره وقصده.
ولا يخفى ما في عبارته من الإظهار في مقام الإضمار، فلو قال ولا يفطر مغتسل عن جنابة بلا انغماس بسبق ماء جوفه، لسلم من ذلك.
(قوله: عن نحو جنابة) متعلق بمغتسل.
(قوله: كحيض ونفاس) تمثيل لنحو الجنابة.
(قوله: إذا كان الاغتسال الخ) قيد في عدم فطره بالسبق المذكور، وسيذكر محترزه.
وقوله: بلا انغماس: متعلق بمحذوف خبر كان الذي قدره الشارح، وباعتبار أصل المتن يكون متعلقا بمغتسل.
(قوله: فلو غسل أذنيه الخ) تفريع على المنطوق.
(قوله: فسبق الماء من إحداهما لجوفه) أي فوصل الماء من إحدى الأذنين - أي أو منهما - إلى الجوف.
(قوله: لم يفطر) أي لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره.
(قوله: وإن أمكنه إمالة رأسه) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر بسبق ما ذكر إليه، وإن كان يمكنه أن يميل رأسه بحيث لا يدخل الماء جوفه، ولا يكلف ذلك لعسره.
(وقوله: أو الغسل) أي وإن أمكنه الغسل قبل الفجر.
فهو بالرفع معطوف على إمالة، والظرف متعلق به.
(قوله: كما إذا سبق الماء الخ) الكاف للتنظير: أي وهذا نظير ما إذا سق الماء الخ.
أي فإنه لا يفطر به.
قال سم - نقلا عن م ر: ينبغي ولو تعين السبق بالمبالغة، وعلم بذلك للضرورة.
(وقوله: إلى الداخل) الأولى إبدال لفظ الداخل بالجوف - كما فعل فيما قبله وما بعده.
(وقوله: للمبالغة) اللام لام الأجل: أي سبق الماء إلى الجوف لأجل المبالغة.
(وقوله: لوجوبها) أي المبالغة.
وهو علة لعدم إفطاره بالسبق الحاصل لأجل المبالغة.
وإنما وجبت لينغسل كل ما في حد الظاهر من الفم - كما في التحفة.
(قوله: بخلاف ما إذا اغتسل منغمسا) محترز قوله إذا كان الاغتسال بلا انغماس، فهو مرتبط به.
(قوله: إلى باطن الأذن أو الأنف) أي أو الفم أو الدبر.
وفي الكردي: وقضية قولهم من فمه أو أنفه أنه لا يضر وصوله من غيرهما: كدبره.
قال في الإيعاب: وهو محتمل لندرته جدا، ويحتمل خلافه، وهو الأوجه.
فتعبيرهم بفمه أو أنفه: للغالب لا غير.
اه.
(قوله: فإنه يفطر) قال في النهاية: محله إذا تمكن من الغسل، لا على تلك الحالة، وإلا فلا يفطر - فيما يظهر - اه.
(قوله: ولو في الغسل الواجب) الأولى إسقاط هذه الغاية، لأن الكلام في الغسل الواجب، بدليل قوله بعد: وخرج
بقولي عن نحو جنابة إلخ.
(قوله لكراهة الانغماس) علة للإفطار.
(قوله: كسبق ماء المضمضة الخ) الكاف للتنظير: أي أن هذا نظير سبق ماء المضمضة.
أي أو الاستنشاق، فإنه يفطر به.
(وقوله: بالمبالغة) قال في التحفة: ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى الجوف.
وكتب عليه سم: قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة، وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر.
اه.
(وقوله: إلى الجوف) متعلق بسبق.
والمراد به: ما يشمل الدماغ.
(قوله: مع تذكره الخ) متعلق بمحذوف حال من المبالغة: أي يفطر بسبق ماء المضمضة أو الاستنشاق الحاصل بسبب المبالغة حال كونها واقعة، مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعية المبالغة.
فإن كان سبق الماء بالمبالغة في حال نسيان للصوم، أو الجهل بعدم مشروعيتها، لم يفطر بذلك.
(قوله: بخلافه بلا مبالغة) أي بخلاف سبق ما ذكر إليه من غير مبالغة، فإنه لا يفطر بذلك، لكن بشرط أن تكون مضمضته واستنشاقه مشروعين، وإلا بأن كانا لتبرد أو في رابعة، فيفطر،(2/264)
لأنه غير مأمور بذلك، بل منهي عنه في الرابعة، وبخلاف سبق ما ذكر إليه، لكن مع نسيان الصوم أو جهله بعدم مشروعية المبالغة.
وكان الأولى أن يزيد ما ذكر لأنه محترز القيدين الأخيرين.
(قوله: وخرج بقولي عن نحو جنابة الغسل المسنون) في خروج هذا نظر، فإنه مأمور به، فحكمه حكم غسل الجنابة بلا خلاف، بدليل الغاية التي ذكرها قبل - أعني قوله ولو في الغسل الواجب - فإنه يندرج تحتها الغسل المسنون - كما هو ظاهر - فيفيد حينئذ أنه إذا سبق الماء إلى جوفه فيه من غير انغماس: لا يفطر.
إذا علمت ذلك، فحذفه والاقتصار على ما بعده - أعني غسل التبرد والتنظف - متعين.
(والحاصل) أن القاعدة عندهم أن ما سبق لجوفه من غير مأمور به، يفطر به، أو من مأمور به - ولو مندوبا - لم يفطر.
ويستفاد من هذه القاعدة ثلاثة أقسام: الأول: يفطر مطلقا - بالغ أو لا - وهذا فيما إذا سبق الماء إلى جوفه في غير مطلوب كالرابعة، وكانغماس في الماء - لكراهته للصائم - وكغسل تبرد أو تنظف.
الثاني: يفطر إن بالغ، وهذا فيما إذا سبقه الماء في نحو المضمضة المطلوبة في نحو الوضوء.
الثالث: لا يفطر مطلقا، وإن بالغ، وهذا عند تنجس الفم لوجوب المبالغة في غسل النجاسة على الصائم وعلى غيره لينغسل كل ما في حد الظاهر.
ثم رأيت الكردي صرح بهذه الثلاثة الأقسام.
فتنبه.
(قوله: فيفطر بسبق ماء فيه) أي فيما ذكره من الغسل المسنون وغسل التبرد.
(قوله: ولو بلا انغماس) غاية في الفطر.
أي يفطر ولو بغير انغماس.
(قوله: فروع) أي ستة.
(قوله: بخبر عدل بالغروب) أي عن مشاهدة.
قال في التحفة: وقول البحر، لا يجوز بخبر العدل كهلال شوال، ردوه بما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال قد غابت الشمس، أفطروا، بأنه قياس ما قالوه في القبلة والوقت والأذان.
ويفرق بينه وبين هلال شوال بأن ذاك فيه رفع سبب الصوم من أصله، فاحتيط له، بخلاف هذا.
اه.
(قوله: وكذا بسماع أذانه) أي وكذلك يجوز الفطر بسماع أذان العدل: أي العارف بالأوقات، وكذا باجتهاده بورد أو نحوه.
وعبارة التحفة مع الأصل: ويحل بسماع أذان عدل عارف، وإخباره بالغروب عن مشاهدة، وبالاجتهاد بورد أو نحوه في الأصح - كوقت الصلاة.
اه.
(قوله: ويحرم للشاك الأكل آخر النهار) أي لأن الأصل بقاؤه.
(وقوله: حتى يجتهد) أي أو يخبره عدل أو يسمع أذانه، فإنه حينئذ يجوز له الأكل.
(وقوله: ويظن انقضاءه) أي باجتهاده.
(قوله: ومع ذلك) أي ومع جواز الأكل إذا ظن انقضاء النهار بالاجتهاد.
(وقوله: الأحوط الصبر) أي ليأمن من الغلط، ولخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(وقوله: لليقين) قال في النهاية - وذلك بأن يرى الشمس قد غربت، فإن حال بينه وبين الغروب حائل فبظهور الليل من المشرق.
اه.
(قوله: ويجوز الأكل) أي للتسحر.
(وقوله: باجتهاد) متعلق بظن.
(وقوله: وإخبار) أي إخبار عدل ببقاء الليل.
(قوله: وكذا لو شك) أي وكذلك يجوز الأكل إذا شك في بقاء الليل.
قال سم: وهذا بخلاف النية - لا تصح عند الشك إلا إن ظن بقاءه باجتهاد صحيح.
كما علم مما تقدم في بحث النية وما في حواشيه، لأن الشك يمنع النية.
اه.
(قوله: لأن الأصل بقاء الليل) علة لجواز الأكل في صورة الظن وصورة الشك.
(قوله: لكن يكره) أي لكن يكره الأكل.
وظاهره في الصورتين صورة الظن وصورة الشك، فانظره، فإنه لم يصرح بالكراهة من أصلها، لا في التحفة ولا في النهاية، ولا في غيرهما.
(قوله: ولو أخبره عدل بطلوع الفجر: اعتمده) أي وجوبا.
وفي التحفة: وحكى في البحر وجهين فيما لو أخبره عدل بطلوع(2/265)
الفجر: هل يلزمه الإمساك بناء على قبول الواحد في هلال رمضان؟ وقضيته ترجيح اللزوم.
وهو متجه.
اه.
(قوله: وكذا فاسق ظن صدقه) أي وكذا يعتمد خبر فاسق في طلوع الفجر إذا ظن صدقه، قياسا على ما مر في رؤية الهلال.
(قوله: ولو أكل باجتهاد أولا) أي قبل الفجر في ظنه.
(وقوله: أو آخرا) أي بعد الغروب كذلك - كذا في التحفة.
(وقوله: فبان أنه أكل نهارا) أي فبعد ذلك ظهر له أنه غلط في اجتهاده وأن أكله وقع نهارا.
(قوله: بطل صومه) أي بان بطلانه.
(وقوله: إذ لا عبرة الخ) علة للبطلان.
وعبارة النهاية والمغني: لتحققه خلاف ما ظنه، ولا عبرة بالظن البين خطؤه.
(قوله: فإن لم يبن شئ) عبارة النهاية: فإن لم يبن الغلط بأن بان الأمر كما ظنه، أو لم يبن له خطأ ولا إصابة، صح صومه.
اه.
(واعلم) أن هذا كله إذا أكل باجتهاد وتحر، فلو هجم وأكل من غير اجتهاد وتحر، فإن كان ذلك آخر النهار، أفطر، وإن لم يبن له شئ - لأن الأصل بقاؤه -، أو آخر الليل، لم يفطر بذلك.
ولو هجم فبان أنه وافق الصواب لم يفطر مطلقا.
(قوله: ولو طلع الفجر) أي الصادق.
(وقوله: وفي فمه طعام) الجملة حالية - أي طلع والحال أن في فمه طعاما.
(وقوله: فلفظه) أي أخرجه ورماه من فمه.
وخرج به ما لو أمسكه في فيه، فإنه وإن صح صومه، لكنه لا يصح مع سبق شئ منه إلى جوفه، كما لو وضعه في فيه نهارا، فسبق منه شئ إلى جوفه - كما علم مما مر - فلا يعذر بسبقه إلى جوفه إذا أمسكه.
كذا في شرح الروض، والتحفة، والنهاية.
ويستفاد من عبارة المغني أنه يعذر، ونص عبارته مع الأصل: ولو طلع الفجر الصادق وفي فمه طعام فلفظه - أي رماه - صح صومه، وإن سبق إلى جوفه منه شئ، لأنه لو وضعه في فمه نهارا لم يفطر، وبالأولى إذا جعله في فيه ليلا.
ومثل اللفظ ما لو أمسكه ولم يبلع منه شيئا.
واحترز به عما لو ابتلع منه شئ باختياره فإنه يفطر.
اه.
(فقوله: باختياره) يقتضي أنه إذا سبق إلى جوفه لا يفطر لأنه بغير اختياره.
(قوله: قبل أن ينزل) قال في التحفة أو بعد أن نزل منه لكن بغير اختياره.
اه.
وقوله منه: أي من الطعام (قوله: وكذا لو كان مجامعا) أي ومثل من طلع عليه الفجر وفي فمه طعام من طلع الفجر عليه وهو مجامع، فإنه يصح صومه.
(وقوله: فنزع في الحال) أي قاصدا بنزعه ترك الجماع لا التلذذ، وإلا بطل.
(وقوله: أي عقب طلوعه) أي الفجر، وهو تفسير مراد لقوله في الحال.
(وقوله: فلا يفطر) أي المجامع المذكور، وهو تفريع على مفهوم قوله وكذا الخ.
(وقوله: وإن أنزل) غاية في عدم الفطر.
أي لا يفطر مطلقا - سواء أنزل أم لا -.
فلا يضر الإنزال، لتولده من مباشرة مباحة.
(وقوله: لأن النزع ترك للجماع) أي فلا يتعلق به ما يتعلق بالجماع - كما لو حلف لا يلبس ثوبا وهو لابسه فنزعه حالا -.
وما ذكر: علة لعدم إفطاره بما ذكر (قوله: فإن لم ينزع حالا) مفهوم قوله فنزع في الحال (وقوله: لم ينعقد الصوم) أي لوجود المنافي - كما لو أحرم مجامعا.
(وقوله: وعليه القضاء والكفارة) قال في التحفة: لأنه لما منع الأنعقاد بمكثه: كان بمنزلة المفسد له بالجماع.
(فإن قلت) ينافي هذا عدم وجوب الكفارة فيما لو أحرم مجامعا، مع أنه منع الانعقاد أيضا.
(قلت) يفرق بأن
وجوب الكفارة هنا أقوى منها ثم - كما يعلم من كلامهم في البابين - وأيضا فالتحلل الأول لما أثر فيها النقص مع بقاء العبادة، فلأن يؤثر فيها عدم الانعقاد، عدم الوجوب من باب أولى.
اه.
وفرق في النهاية أيضا بينهما،.
بأن النية هنا متقدمة على طلوع الفجر، فكأن الصوم انعقد ثم أفسد، بخلافها ثم.
(قوله: ويباح فطر الخ) شروع في بيان ما يباح به الفطر وغيره من وجوب القضاء.
(قوله: في صوم واجب) أي رمضان أو غيره: من نذر، أو كفارة، أو قضاء موسع - لا مضيق -.
وخرج بالواجب المتطوع به، فيباح فطره مطلقا، سواء كان بمرض أو غيره.
(قوله: بمرض الخ) أي لقوله(2/266)
تعالى: * (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) * أي فأفطر فعدة.
ثم إن التعبير بالإباحة يفيد أن الفطر للمرض ولخوف الهلاك جائز، لا واجب.
وفي الكردي: الذي اعتمده الشارح - أي ابن حجر في كتبه - أنه متى خاف مبيح تيمم لزمه الفطر.
وظاهر كلام شيخ الإسلام والخطيب الشربيني والجمال الرملي: أن مبيح التيمم مبيح للفطر، وأن أخوف الهلاك موجب له.
وإذا صام من يخشى منه مبيح تيمم، صح صومه - على الراجح.
اه.
ويمكن حمل الإباحة في كلامه على ما يصدق بالوجوب، لأنه جواز بعد امتناع، فيصدق بالوجوب، ثم إن المرض مبيح للفطر، وإن تعدى بسببه، لأنه لا ينسب إليه، ثم إن أطبق مرضه فواضح، وإلا فإن وجد المرض المعتبر قبيل الفجر لم تلزمه النية، وإلا لزمته.
وإذا نوى وعاد - أي المرض - أفطر.
(قوله: ضررا) مفعول مطلق لمضر.
(وقوله: يبيح التيمم) خرج ما لا يبيحه - كالمرض اليسير، كصداع، ووجع الأذن، والسن - إلا أن يخاف الزيادة بالصوم فيباح له الفطر - كما في النهاية، نقلا عن الأنوار.
(قوله: كأن خشى إلخ) تمثيل للمرض المضر المبيح للتيمم: (وقوله: بطء برء) أي تأخير شفاء.
(قوله: وفي سفر قصر) معطوف على بمرض: أي ويباح فطر في سفر قصر: أي سفر يباح فيه القصر، وهو ما كان طويلا مباحا.
وشرط الفطر في أول أيام سفره أن يفارق ما يشترط مجاوزته للقصر قبل طلوع الفجر، فإن فارقه بعد طلوع الفجر فلا يفطر - تغليبا للحضر - وإذا كان سفره قبل الفجر فله الفطر وإن نوى ليلا فقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - أفطر بعد العصر في سفره بقدح ماء، لما قيل له إن الناس يشق عليهم الصيام.
ويستثنى من جواز الفطر بالسفر: مديم السفر، فلا يباح له الفطر، لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب بالكلية، إلا أن يقصد قضاء في أيام أخر في سفره، ومثله من علم موته عقب العيد، فيجب عليه الصوم إن كان قادرا، فجواز الفطر للمسافر - إنما هو فيمن يرجو إقامة يقضي فيها، وهذا هو ما جرى عليه السبكي، واستظهره في النهاية.
والذي استوجهه في التحفة: خلافه، وهو أنه يباح له الفطر - مطلقا - وعبارتها: قال السبكي بحثا: ولا يباح
الفطر، لمن لا يرجو زمنا يقضي فيه لإدامته السفر أبدا، وفيه نظر ظاهر، فالأوجه خلافه.
اه.
(قوله: دون قصير) أي دون سفر قصير - وهو ما دون مرحلتين - فإنه لا يباح الفطر فيه.
(وقوله: وسفر معصية) أي ودون سفر معصية، أي سفر أنشأه لأجل معصية - كقطع طريق - فإنه لا يباح له الفطر فيه، وهذا كالذي قبله: علم من إضافة سفر إلى قصر، إذ السفر الذي يجوز فيه الفطر لا بد أن يكون طويلا، وأن يكون مباحا - كما علمت.
(قوله: وصوم المسافر بلا ضرر أحب من الفطر) أي لما فيه من براءة الذمة وعدم إخلاء الوقت عن العبادة، ولأنه الأكثر من فعله - صلى الله عليه وسلم -.
ومحله إن لم يخش ضررا في الحال أو الاستقبال من الصوم، وإلا فالفطر أفضل، لما في الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا صائما في السفر قد ظلل عليه فقال: ليس من البر أن تصوموا في السفر.
بل ربما يجب الفطر إن خشي منه فيه ضررا يبيح التيمم - على ما تقدم.
(واعلم) أنه إذا قدم المسافر أو شفي المريض وهما صائمان: حرم عليهما الفطر، لزوال السبب المجوز له.
فإن كانا مفطرين - ولو بترك النية - استحب لهما الإمساك، لحرمة الوقت.
(قوله: ولخوف الخ) عطف على بمرض، أي ويباح الفطر لخوف هلاك بالصوم - أي على نفسه، أو عضوه، أو منفعته - لقوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وقوله: * (ولا تقتلوا أنفسكم) * وقوله: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) * وقد علمت أنه في هذه يجب الفطر، وليس بمباح فقط، فلو تركه واستمر صائما حتى مات: - كما يقع من المتعمقين في الدين - مات عاصيا.
(قوله: بالصوم) متعلق بمحذوف صفة لهلاك، والباء سببية، أو بمعنى من التعليلية.
(وقوله: من عطش أو جوع) بدل اشتمال من الجار والمجرور، أي يباح لخوف هلاك حاصل له بسبب الصوم، أو من أجل الصوم من أجل الجوع أو العطش.
(قوله: وإن كان صحيحا مقيما) غاية في إباحة الفطر لخوف
__________
(1) البقرة: 184.
(2) الحج: 78.
(3) النساء 29.
(4) البقرة: 195(2/267)
الهلاك.
(قوله: وأفتى الأذرعي إلخ) تضمن الإفتاء المذكور أنه يباح الفطر للحصادين، ومن ألحق بهم، لكن يجب عليهم تبييت النية، لأنه ربما لا تلحقهم مشقة شديدة بالصوم، فيجب عليهم.
وقد صرح بالمضمون المذكور في التحفة، ونصها: ويباح تركه لنحو حصاد أو بناء لنفسه أو لغيره تبرعا أو بأجرة، وإن لم ينحصر الأمر فيه.
اه.
(قوله: أي
ونحوهم) كأرباب الصنائع الشاقة.
وفي الكردي ما نصه: وظاهر أنه يلحق بالحصادين في ذلك سائر أرباب الصنائع الشاقة، وقضية إطلاقه أنه لا فرق بين الأجير الغني وغيره والمتبرع.
نعم، الذي يتجه: تقييد ذلك بما إذا احتيج لفعل تلك الصنعة، بأن خيف من تركها نهارا فوات ماله وقع عرفا.
وفي التحفة: لو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره، فظاهر أن له الفطر، لكن بقدر الضرورة.
اه.
(وقوله: تبييت النية) فاعل يلزم.
(قوله: ثم من لحقه الخ) أي ثم إذا بيت النية وأصبح صائما، فإن لحقه من صومه مشقة شديدة بحيث تبيح التيمم أفطر، وإن لم تلحقه مشقة شديدة به فلا يفطر.
(قوله: ويجب قضاء الخ) أي على الفور إن فات بغير عذر، وعلى التراخي أن فات بعذر.
لكن محله بالنسبة لرمضان: إن بقي إلى رمضان الثاني ما يزيد على ما عليه من الصوم، وإلا صار فوريا.
ومن مات قبل أن يقضي، فلا يخلو إما أن يفوته الصيام بعذر، أو بغير عذر، وعلى الأول: فإن تمكن من القضاء - بأن خلا عن السفر والمرض ولم يقض - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد.
وإن لم يتمكن منه - بأن مات عقب موجب القضاء أو النذر أو الكفارة، أو استمر به العذر إلى موته - فليس عليه شئ، لا فدية ولا قضاء، ولا إثم.
وعلى الثاني - أعني ما إذا فاته بغير عذر - يأثم، ويخرج من تركته لكل يوم مد - سواء تمكن من القضاء أو لا - فحاصل الصور أربع، يجب التدارك في ثلاث، ولا يجب في صورة واحدة.
(قوله: ولو بعذر) أي ولو فات بعذر، وهو غاية لقوله يجب قضاء، والمراد، عذر يرجى زواله، أما ما لا يرجى زواله فلا يجب القضاء معه، بل عليه الفدية فقط، كما سيذكره بقوله: وعلى من أفطر لعذر لا يرجى زواله مد بلا قضاء.
(قوله: من الصوم الواجب) بيان لما، وخرج به الصوم المندوب، فلا يجب قضاؤه.
(قوله: كرمضان إلخ) تمثيل للصوم الواجب.
(قوله: بمرض الخ) بدل من قوله بعذر، وهو متعلق بفات المقدر.
ولو قال - كما في شرح المنهج - كمرض - بالكاف - ويكون تمثيلا للعذر، لكان أولى.
لكن قوله: أو ترك نية، لا يصلح تمثيلا للعذر، إلا أن يحمل على النسيان.
والمراد بالمرض ما يرجى برؤه، لأن الذي لا يرجى برؤه لا يوجب القضاء، وإنما يوجب الفدية فقط - كما علمت - ودخل فيه الإغماء، لأنه نوع من المرض.
(قوله: أو ترك نية) إنما وجب القضاء عند ترك النية - ولو نسيانا - ولم يجب في الأكل نسيانا، لأن الأكل منهي عنه، والنسيان يؤثر فيه، بخلاف النية، فإنها مأمور بها، والنسيان لا يؤثر فيه.
(قوله: أو بحيض) معطوف على بمرض، ولا حاجة إلى إعادة الباء.
وإنما وجب قضاء الصوم دون الصلاة لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة.
(وقوله: أو نفاس) أي ولو من علقة أو مضغة، أي أو بلا بلل.
(قوله: لا بجنون وسكر) أي لا يجب قضاء ما فات بجنون أو سكر.
(قوله: لم يتعد به) أي بما ذكر من الجنون
والسكر، فإن تعدى بهما وجب القضاء.
(قوله: أن قضاء يوم الشك على الفور) يعني إذا ثبت يوم الشك أنه من رمضان بعد أن أفطر، وجب عليه القضاء على الفور، لتبين وجوبه عليه، وأنه أكل لجهله به.
قال في التحفة: والمراد بيوم الشك هنا: هو يوم ثلاثي شعبان، وإن لم يتحدث فيه برؤية - كما هو واضح.
اه.
بالمعنى.
(قوله: لوجوب إمساكه) علة لوجوب قضائه على الفور.
(قوله: ونظر فيه) أي في التعليل المذكور، ودفع التنظير المذكور بأن التقصير هنا أظهر، لأن له حيلة في إدراك الهلال غالبا، ولا حيلة له في دفع النسيان أبدا.
وعبارة التحفة: وإنما خالفنا ذلك في ناسي النية، لأن عذره أعم وأظهر من نسبته للتقصير، فكفى في عقوبته وجوب القضاء عليه فحسب.
اه.
(قوله: ويجب إمساك) أي مع(2/268)
القضاء.
(قوله: أي رمضان فقط) وإنما اختص رمضان بذلك لحرمته، ولأن وجوب الصوم فيه بطريق الأصالة، ولهذا لا يقبل غيره، بخلاف أيام غيره.
(قوله: دون نحو نذر وقضاء) أي فلا يجب الإمساك فيهما لانتفاء شرف الوقت عنهما، ولذا لم تجب في إفسادهما كفارة (قوله: إن أفطر بغير عذر) قيد في وجوب الإمساك وخرج به ما إذا كان بعذر فلا يجب عليه الإمساك.
نعم، يسن له إذا زال العذر - كما سيذكره.
(قوله: من مرض أو سفر) بيان للعذر.
(قوله: أو بغلط) معطوف على بغير عذر، أي أو أفطر بسبب غلط وقع له في الوقت.
(قوله: كمن أكل ظانا بقاء الليل) تمثيل لمن أفطر بسبب الغلط، واندرج تحت الكاف: من أفطر ظانا الغروب فبان خلافه.
(قوله: أو نسي تبييت النية) معطوف على أفطر بغير عذر، ولا يصح عطفه على قوله أكل ظانا الخ، وإن كان صنيعه يقتضيه، لأن من نسي النية ليس من أفراد من أفطر غلطا حتى يصح أن يكون تمثيلا له.
وعبارة التحرير: ويجب - مع القضاء - الإمساك في رمضان على متعمد فطر، لتعديه بإفساده، وعلى تارك النية ليلا، وعلى من تسحر ظانا بقاء الليل، أو أفطر ظانا الغروب فبان خلافه، وعلى من بان له يوم ثلاثي شعبان أنه من رمضان.
اه.
بحذف.
(قوله: أو أفطر يوم الشك) معطوف أيضا على أفطر بغير عذر.
ويجب إمساك إن أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان.
(قوله: لحرمة الوقت) أي وتشبيها بالصائمين.
وهو علة لوجوب الإمساك على من أفطر بغير عذر، أو بغلط، أو نسي تبييت النية، أو أفطر يوم الشك.
(قوله: وليس الممسك في صوم شرعي) قال ع ش: ومع ذلك، فالظاهر أنه يثبت له أحكام الصائمين، فيكره له شم الرياحين ونحوهما.
ويؤيده كراهة السواك في حقه بعد الزوال - على المعتمد.
اه.
(قوله: لكنه يثاب عليه) أي الإمساك، وهو استدراك من عدم كونه صوما شرعيا.
(قوله: فيأثم) لا معنى للتفريع، فالمناسب التعبير بالواو، وتكون عاطفة مدخولها على يثاب، فيصير في
حيز الاستدراك.
أي لكنه يثاب، ولكنه يأثم بجماع، ومثل الجماع كل محظور.
(وقوله: ولا كفارة) أي ومع الإثم في الجماع لا يلزمه كفارة عليه، لأنه ليس صوما حقيقيا.
(قوله: وندب إمساك لمريض الخ) هذا مفهوم قوله بغير عذر.
ولو قال - كعادته - وخرج بقولي بغير عذر: ما إذا أفطر بعذر - كمرض أو سفر - فإنه يندب له الإمساك إذا شفي، أو قدم أثناء النهار، لكان أنسب.
وإنما ندب الإمساك على من ذكر لحرمة الوقت، ولم يجب لعدم وجود تقصير منه.
(وقوله: ومسافر قدم) أي دار الإقامة.
(وقوله: أثناء النهار) متعلق بكل من شفي وقدم.
والمراد بالأثناء: ما قابل الآخر، فيشمل الأول، والوسط وغيرهما.
(قوله: مفطرا) حال من نائب فاعل شفي ومن فاعل قدم.
أي شفي حال كونه مفطرا وقدم حال كونه مفطرا.
وخرج به ما إذا شفي وهو صائم، أو قدم وهو صائم، فيجب الإتمام عليهما كالصبي.
(قوله: وحائض طهرت أثناءه) أي النهار.
ومثلها النفساء والمجنون إذا أفاق أثناء النهار، والكافر إذا أسلم - كذلك - والصبي إذا بلغ كذلك.
(والحاصل) يؤخذ من كلامه قاعدتان، وهما: أن كل من جاز له الإفطار مع علمه بحقيقة اليوم لا يلزمه الإمساك، بل يسن.
وكل ما لا يجوز له مع ذلك يلزمه الإمساك.
(قوله: ويجب على من أفسده) شروع فيمن تجب عليه الكفارة بسبب الإفطار بمفطر من المفطرات السابقة، وهو الجماع فقط، لكن بشروط ذكر المؤلف بعضها، وحاصلها تسعة.
الأول منها: أن يكون الجماع مفسدا للصوم، بأن يكون من عامد مختار عالم بتحريمه.
الثاني: أن يكون في صوم رمضان.(2/269)
الثالث: أن يكون الصوم الذي أفسده صوم نفسه.
الرابع: أن ينفرد الافساد بالوطئ.
الخامس: أن يستمر على الأهلية كل اليوم الذي أفسده، ويعبر عنه بأن يفسد يوما كاملا.
السادس: أن يكون ما أفسده من أداء رمضان يقينا.
السابع: أن يأثم بجماعه.
الثامن: أن يكون إثمه به لأجل الصوم.
التاسع: عدم الشبهة.
فخرج بالأول: ما لا يكون مفسدا، كأن صدر من ناس أو مكره أو جاهل معذور.
وبالثاني: صوم غير رمضان.
وبالثالث: ما لو أفسد صوم غيره ولو في رمضان، كأن وطئ مسافر أو نحوه امرأته ففسد صومها.
وبالرابع: ما إذا لم ينفرد الإفساد بالوطئ، كأن أفسده بالوطئ وغيره معا.
وبالخامس: ما إذا لم يستمر على الأهلية كل اليوم، بأن جن أو مات بعد الجماع.
وبالسادس: ما إذا كان الصوم الذي أفسده من قضاء رمضان أو من أداء رمضان لكن من غير تعيين، بأن صامه بالاجتهاد، ولم يتحقق أنه من رمضان، أو صام يوم الشك - حيث جاز - فبان أنه من رمضان.
وبالسابع: ما إذا لم يأثم بجماعه، كالصبي، وكذا المسافر والمريض إذا جامعا بنية الترخص.
وبالثامن: ما إذا كان الإثم لا لأجل الصوم، كما إذا كان مسافرا أو وطئ بالزنا أو لم ينو ترخصا بإفطاره، فإنه لم يأثم به لأجل الصوم، بل لأجل الزنا (1) أو لعدم نية الترخص.
وبالتاسع: ما إذا وجدت شبهة، كأن ظن بقاء الليل فجامع فبان نهارا، أو أكل ناسيا فظن أنه أفطر به فجامع عامدا، فجميع هذه المخرجات ليس فيها كفارة، وحيث قلنا بوجوبها فهي على الواطئ - سواء كان بشبهة، أو نكاح، أو زنا - ويعلم هذا من جعل من الداخلة على أفسده واقعة على الواطئ.
(قوله: أي صوم رمضان) تفسير للضمير البارز.
وإنما خص صوم رمضان لأن النص ورد فيه، وهو لأجل اختصاصه بفضائل لا يقاس به غيره.
(قوله: بجماع) أي في قبل أو دبر، ولو لبهيمة، ولو مع وجود خرقة لفها على ذكره.
(قوله: أثم به) يصح ضبطه بصيغة اسم الفاعل، وبصيغة الماضي، وعلى كل: هو صفة لجماع جرت على غير من هي له، لأن الفاعل يعود على من أفسده.
وخرج به ما لا يأثم به - كمن جامع ظانا بقاء الليل فبان نهارا - كما علمت.
(قوله: لأجل الصوم) متعلق بأثم: أي إن أثم لأجل الصوم.
وخرج به ما ليس لأجل الصوم - كما علمت أيضا.
(قوله: لا باستمناء) معطوف على بجماع، وهو محترزه، فلا تجب الكفارة على من أفسده بالاستمناء، لأن النص ورد في خصوص الجماع.
(قوله: وأكل) بضم الهمزة.
(قوله: كفارة) فاعل يجب.
أي يجب كفارة على من ذكر، وذلك لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلكت.
قال: وما أهلكك؟ قال: واقعت امرأتي في رمضان: قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا.
قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا.
قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا.
ثم جلس، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرق فيه تمر، قال: تصدق بهذا.
فقال: على أفقر منا يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا.
فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: فأطعمه أهلك.
(وقوله: بعرق)
هو بفتحتين - مكتل نسج من خوص النخل.
وقوله: فأطعمه أهلك، يحتمل أنه تصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - به عليه - أي مع بقاء الكفارة في ذمته - ويحتمل أنه تطوع بالتكفير عنه، وسوغ له صرفها لأهله - إعلاما بأن المكفر المتطوع يجوز له صرفها لممون المكفر عنه.
وبهذا أخذ أصحابنا فقالوا: يجوز للمتطوع بالتكفير عن الغير صرفها لممون المكفر عنه.
(قوله:
__________
(1) (قوله: بل لأجل الزنا الخ) أي ومع الإثم لا كفارة عليه - كما ففى الروض وشرحه - وعبارتهما: وقلونا لاجل الصوم: اختراز من مسافر، أو مريض زنى - أو جامع حليلته بغير نية الترخص - فلا كفارة عليه، فإن إثمه لاجل الزنا.
إلخ.
انتهت اه مولف(2/270)
متكررة بتكرر الإفساد) أي فإذا جامع في يومين لزمه كفارتان، أو في ثلاثة فثلاث، بل لو وطئ في جميع أيام رمضان لزمه كفارات بعددها، وذلك لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة، فلا تتداخل كفاراتها.
وخرج بتكرر الإفساد تكرر الوطئ في يوم واحد، ولو بأربع زوجات، فلا تتكرر الكفارة به، لأن الإفساد حصل بالوطئ الأول فقط، فلم يتكرر.
(قوله: وإن لم يكفر عن السابق) غاية في تكررها بذلك.
أي أنها تتكرر بتكرر الإفساد مطلقا، سواء كفر عن الوطئ الأول قبل الثاني، أم لا.
(قوله: معه) متعلق بمحذوف صفة لكفارة، أو متعلق بيجب المقدر.
(قوله: أي مع قضاء إلخ) بيان لمرجع الضمير في معه والقضاء فوري، ولم يتعرض لبيان التعزير هنا، والمعتمد وجوبه أيضا عليه وعلى الموطوءة أيضا، كما يجب عليها القضاء.
(والحاصل) الواطئ عليه ثلاثة أشياء: القضاء، والكفارة، والتعزير.
والموطوءة عليها شيآن: القضاء، والتعزير.
(وقوله: ذلك الصوم) أي الذي أفسده.
(قوله: والكفارة عتق رقبة إلخ) .
(والحاصل) خصالها ثلاث: العتق، ثم الصوم، ثم الإطعام.
فهي مرتبة ابتداء وانتهاء، ومثل كفارة الوطئ في نهار رمضان كفارة الظهار والقتل، في الخصال والترتيب، إلا أن القتل لا إطعام فيه، فليس لكفارته إلا خصلتان: العتق، ثم الصوم.
(وقوله: عتق رقبة) أي إعتاق رقيق - عبد، أو أمة -.
فالمراد بالرقبة: الرقيق، فهو من إطلاق الجزء على الكل، لأن الرق كالغل في الرقبة، ومحل وجوب الإعتاق إذا كان المفسد غير رقيق، فإن كان رقيقا فكفارته بالصوم لا غير.
(وقوله: مؤمنة) خرجت الكافرة، فلا تجزئ.
ويشترط أن تكون سليمة من جميع العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزئ المعيبة - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الظهار.
(قوله: فصوم شهرين) أي هلالين إن انطبق أول صيامه على أولهما، وإلا كمل الأول المنكسر من الثالث ثلاثين، مع اعتبار الوسط بالهلال، ومعلوم أن الشهرين غير اليوم الذي يقضيه عن
اليوم الذي أفسده.
(وقوله: مع التتابع) أي التوالي.
فإن أفسد يوما - ولو اليوم الأخير، ولو بعذر: كنسيان نية، وسفر، ومرض - استأنف الشهرين.
نعم، لا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق، لأن كلا منها ينافي الصوم، مع كونه اضطراريا.
(وقوله: إن عجز عنه) أي عن عتق الرقبة - إما حسا: كأن لم توجد في مسافة القصر.
أو شرعا كأن لم يقدر على ثمن الرقبة زائدا على ما يفي بممونه بقية العمر الغالب.
ولو وجد الرقبة بعد شروعه في الصوم، ندب له أن يرجع للعتق، ويقع له ما صامه نفلا، وكذلك لو قدر على الصوم بعد شروعه في الإطعام.
(قوله: فإطعام ستين إلخ) أي تمليك ستين مسكينا أو فقيرا، كل واحد مد طعام.
وليس المراد أن يجعل ذلك طعاما ويطعمهم إياه، فلو غداهم أو عشاهم لم يكف.
(قوله: إن عجز عن الصوم إلخ) فإن عجز عن العتق وعن الصيام وعن الإطعام، استقرت الكفارة مرتبة في ذمته، لأن حقوق الله تعالى المالية إذا عجز الشخص عنها، فإن كانت بسبب منه استقرت الكفارة في ذمته - ككفارة الظهار، والجماع، والقتل، واليمين -.
وإن لم تكن بسببه لم تستقر - كزكاة الفطر -.
(وقوله: لهرم أو مرض) بيان لسبب العجز عن الصوم.
(قوله: بنية كفارة) مرتبط بكل من الخصال الثلاث، أي عتق رقبة بنية الكفارة، فصوم شهرين بنية الكفارة، فإطعام ستين بنية الكفارة.
فلو لم ينوها لم تسقط عنه.
(قوله: ويعطى الخ) بيان للمراد من قوله أولا فإطعام إلخ، ولو قال فيعطى إلخ - بفاء التفريع - لكان أولى، لأن المقام يقتضيه.
(وقوله: من غالب القوت) أي قوت بلد المكفر كزكاة الفطر.
(قوله: ولا يجوز صرف الكفارة لمن تلزمه مؤنته) أي كالزكوات وسائر الكفارات، وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر المار: فأطعمه أهلك.
فقد تقدم الجواب عنه - بأنه يحتمل أن المراد أطعمه أهلك: على وجه أنه صدقة منه - صلى الله عليه وسلم - عليه لكونه أخبره بفقره مع بقاء الكفارة في ذمته، ويحتمل أن المراد أطعمه أهلك - على وجه الكفارة - ومحل امتناع إطعام كفارته لعياله: إذا كان هو المكفر من عنده، بخلاف ما إذا كان المكفر غيره عنه.
وبعضهم أجاب بأنه خصوصية، فعن(2/271)
هذا الحديث ثلاثة أجوبة.
فتنبه.
(قوله: ويجب على من أفطر الخ) أي لقوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه) * أي بناء على أن كلمة لا مقدرة، أي: لا يطيقونه، أو أن المراد يطيقونه في الشباب والصحة ثم يعجزون عنه بعد الكبر أو المرض الذي لا يرجى برؤه.
وروي البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما وعائشة رضي الله عنها كانا يقرآن: * (وعلى الذي يطوقونه) * ومعناه يكلفون الصوم فلا يطيقونه، وقيل: الآية على ظاهرها من أن الذين يطيقونه يخرجون فدية إن لم يصوموا، فكانوا مخيرين في صدر الإسلام بين الصوم وإخراج الفدية.
ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: * (فمن شهد منكم
الشهر فليصمه) * فعلى الأول تكون الآية محكمة - أي غير منسوخة - وعلى الثاني تكون منسوخة، وهو قول أكثر العلماء.
(قوله: في رمضان) خرج به الكفارة، والنذر وقضاء رمضان، فلا فدية للإفطار في شئ من ذلك.
(قوله: لعذر لا يرجى زواله) فإن كان يرجى زواله - كالمرض المرجو زواله، وكالسفر - فعليهما القضاء فقط - كما تقدم.
(قوله: ككبر) أي لشخص، بأن صار شيخا هرما لا يطيق الصوم في زمن من الأزمان، وإلا لزمه إيقاعه فيما يطيقه فيه.
ومثله كل عاجز عن صوم واجب - سواء رمضان وغيره - لزمانة، أو مرض لا يرجى برؤه، أو مشقة شديدة تلحقه، ولم يتكلفه.
اه.
نهاية.
(قوله: ومرض لا يرجى برؤه) أي بقول عدلين من الأطباء، أو عدل عند من اكتفي به في جواز التيمم للمرض، فلو برئ بعد ذلك - ولو قبل إخراج الفدية: على المعتمد - لم يلزمه القضاء.
(قوله: مد) هو رطل وثلث، وهو نصف قدح بالكيل المصري.
والمعتبر: الكيل، لا الوزن.
وإنما قدر به استظهارا.
(وقوله: لكل يوم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد واجب لكل يوم، أي لصوم كل يوم.
(وقوله: منه) أي رمضان.
(قوله: إن كان موسرا حينئذ) أي حين الإفطار.
وهو قيد لوجوب المد.
وخرج به الفقير المعسر حينئذ، فلا فدية عليه.
وهذا هو الذي صححه النووي في المجموع، وارتضاه ابن حجر، وعبارته: وقضية كلام المتن وغيره وجوبها: أي الفدية، ولو على فقير فتستقر في ذمته.
لكنه صحح في المجموع سقوطها عنه - كالفطرة - لأنه عاجز حال التكليف بها، وليست في مقابلة جناية ونحوها.
(فإن قلت) ينافيه قولهم حق الله المالي إذا عجز عنه العبد وقت الوجوب ثبت في ذمته، وإن لم يكن على جهة البدل - إذا كان بسبب منه - وهو هنا كذلك، إذ سببه فطره.
(قلت) كون السبب فطره ممنوع، وإلا لزمت الفدية للقادر، فعلمنا أن السبب إنما هو عجزه المقتضي لفطره، وهو ليس من فعله، فاتضح ما في المجموع.
فتأمله.
اه.
وصحح الرملي والخطيب خلافه، وهو أنه لا يشترط يساره حينئذ، فتجب الفدية عندهما على الفقير، قالا: وفائدة الوجوب عليه أنها تستقر في ذمته.
(قوله: بلا قضاء) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، أي مد كائن من غير قضاء.
(قوله: وإن قدر عليه بعد) غاية لعدم وجوب القضاء: أي لا يجب عليه القضاء وإن قدر على الصوم بعد الفطر.
(فإن قيل) ما الفرق بينه وبين المعضوب، حيث يلزمه الحج بالقدرة عليه بعد الإحجاج عنه بالنيابة.
(أجيب) بأن المعذور هنا مخاطب بالمد ابتداء - كما سيأتي قريبا - فأجزأ عنه، والمعضوب مخاطب بالحج، وإنما جاز له الإنابة للضرورة، وقد بان عدمها.
(قوله: لأنه الخ) علة لعدم وجوب القضاء إذا قدر عليه، وإنما لم يجب عليه حينئذ لأنه غير مخاطب بالصوم عند العجز، بل بالفدية فقط.
(قوله: فالفدية في حقه واجبة ابتداء) تفريع على العلة، أي وإذا ثبت أنه غير مخاطب بالصوم(2/272)
- إذا عجز عنه - فالفدية حينئذ واجبة عليه ابتداء، لا بدلا عن الصوم، وفيه أن مقتضاه أنه لو تكلف وصام لا يكتفي بصومه؟ وأجيب بأن محل مخاطبته بها ابتداء، ما لم يرد الصوم، فإن أراده يكون هو المخاطب به.
وعبارة غيره: وهل الفدية في حقه واجبة ابتداء أو بدلا عن الصوم؟ وجهان.
أصحهما: الأول.
فعليه: لو قدر على الصوم بعد فواته: لم يلزمه القضاء - سواء كانت قدرته بعد إخراج الفدية، أو قبله - لأنه مخاطب بالفدية ابتداء.
اه.
(قوله: ويجب المد مع القضاء إلخ) أي لقول ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: * (وعلى الذين يطيقونه فدية) * أنها منسوخة إلا في حقهما.
اه.
تحفة.
قال ابن رسلان في زبده: والمد والقضا لذات الحمل * * أو مرضع إن خافتا للطفل (وقوله: على حامل) أي ولو من زنا.
(وقوله: ومرضع) أي ولو مستأجرة، أو متبرعة - ولو لم تتعين للرضاع، بأن تعددت المراضع.
ويستثنى من الحامل والمرضع: المتحيرة إذا خافت على الولد، فلا فدية عليها، للشك في وجوب صوم ما أفطرته في رمضان عليها باحتمال حيضها إذا أفطرت ستة عشر يوما فأقل، لأنها أكثر ما يحتمل فساده بالحيض، فإن أفطرت أكثر منها وجبت الفدية لما زاد، حتى لو أفطرت رمضان كله لزمها مع القضاء فدية أربعة عشر يوما.
ويستثنى أيضا المريضة، والمسافرة، فلا فدية عليهما، لكن إن ترخصتا لأجل السفر، أو المرض، أو أطلقتا.
وإن ترخصتا لأجل الرضيع، أو الحمل وجبت الفدية - مع القضاء -.
(وقوله: أفطرتا) أي وجوبا.
(وقوله: للخوف على الولد) أي فقط دون أنفسهما.
والمراد بالولد هنا: ما يشمل الحمل، وتسميته ولدا من باب التغليب أو مجاز الأول.
والمراد بالخوف على الولد: الخوف على إسقاطه بالنسبة للحامل وعلى قلة اللبن بالنسبة للمرضع، فيتضرر الولد بمبيح تيمم لو كان كبيرا أو يهلك.
واحترز بقوله للخوف على الولد: عما إذا أفطرتا خوفا على أنفسهما أن يحصل لهما من الصوم مبيح تيمم، فإنه يجب عليهما القضاء بلا فدية - كالمريض المرجو البرء - وإن انضم لذلك الخوف على الولد، لأنه واقع تبعا.
(فإن قيل) أنه حينئذ فطر ارتفق به شخصان، فكان الظاهر وجوب الفدية في هذه الحالة.
(أجيب) كما في التحفة: بأن الخوف على أنفسهم مانع من وجوب الفدية، والخوف على الولد مقتض له، فغلب الأول، لأن القاعدة أنه إذا اجتمع مانع ومقتض غلب المانع على المقتضي.
(فائدة) تلخص من كلامهم أنه يباح الفطر في رمضان الستة: للمسافر، والمريض، والشيخ الهرم، والحامل، والعطشان، والمرضعة.
ونظمها بعضهم على هذا الترتيب، فقال: إذا ما صمت في رمضان صمه * * سوى ست وفيهن القضاء: فسين، ثم ميم، ثم شين، * * وحاء، ثم عين، ثم راء فالسين للمسافر، والميم للمريض، والشين للشيخ الهرم، والحاء للحامل، والعين للعطشان، والراء للمرضعة.
(قوله: ويجب على مؤخر قضاء لشئ من رمضان الخ) وذلك لأن ستة من الصحابة - وهم ابن عباس، وأبو هريرة، وعلي، وابن عمر، وجابر، والحسين بن علي - رضي الله عنهم أجمعين - أفتوا بذلك، ولا مخالف لهم، فصار إجماعا سكوتيا.
وقوله: لشئ من رمضان: متعلق بمحذوف صفة لقضاء: أي قضاء كائن لشئ من رمضان: أي أو له كله.
(وقوله: حتى دخل رمضان آخر) حتى غائية.
أي يجب مع القضاء مد إذا أخر القضاء إلى أن دخل رمضان آخر، فلا بد في الوجوب من دخوله.
وإن أيس من القضاء - كمن عليه عشرة أيام - فأخر حتى بقي لرمضان خمسة أيام مثلا فلا تلزمه الفدية عن الخمسة الميئوس منها - أي قبل دخول رمضان - فإن دخل وجبت.
ورمضان هنا مصروف، لأن المراد به غير معين، بدليل وصفه بالنكرة، وهي آخر.
(قوله: بلا عذر) متعلق بمؤخر، وسيذكر محترزه.
(قوله: بأن خلا) أي(2/273)
الشخص الذي أخر القضاء، وهو تصوير لعدم وجود العذر.
(وقوله: قدر ما عليه) مفعول خلا.
أي خلا قدر ما عليه من القضاء.
والمراد أنه خلا زمنا بعد يوم عيد الفطر يمكنه أنه يقضي فيه ما عليه من الصوم، فترك الصوم فيه إلى أن دخل رمضان آخر ولا يحسب من الزمن الذي خلا فيه: يوم عيد الأضحى، وأيام التشريق.
وعبارة التحفة: بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق.
اه.
(قوله: مد) فاعل يجب.
(قوله: لكل سنة) متعلق بيجب، أو بمحذوف صفة لمد أي يجب لكل سنة مد، أو يجب مد كائن لكل سنة.
وفي الكلام حذف، أي يجب مد لصوم كل يوم من رمضان كل سنة.
(قوله: فيتكرر) أي المد، وهو بيان لمعنى قوله لكل سنة، وإنما تكرر لأن
الحقوق المالية لا تتداخل.
(وقوله: على المعتمد) مقابله: لا يتكرر كالحدود، فيكفي المد عن كل السنين.
(قوله: ما إذا كان التأخير بعذر) فاعل خرج.
(قوله: كأن استمر سفره الخ) أي أو أخر ذلك جهلا أو نسيانا أو إكراها، نقل ذلك في التحفة عن الأذرعي، ثم قال: ومراده الجهل بحرمة التأخير، وإن كان مخالطا للعلماء، لخفاء ذلك، لا بالفدية، فلا يعذر بجهله بها، نظير ما مر فيما لو علم حرمة نحو التنحنح وجهل البطلان.
وفي المغني - بعد نقله كلام الأذرعي - ما نصه: والظاهر أنه إنما يسقط عنه بذلك الإثم، لا الفدية.
اه.
(قوله: إلى قابل) متعلق باستمر.
(قوله: فلا شئ عليه) أي بالتأخير، لأن تأخير الأداء بالعذر جائز، فتأخير القضاء به أولى.
وقضية إطلاقه: أنه لا فرق عند التأخير بعذر: بين أن يكون الفوات بعذر، أم لا.
وبه صرح المتولي، وسليم الرازي، لكن نقل الشيخان - في صوم التطوع عن البغوي من غير مخالفة - أن ما فات بغير عذر يحرم تأخيره بعذر السفر.
وقضيته لزوم الفدية، وهو الظاهر.
أفاده في المغني.
(قوله: ما بقي العذر) ما: مصدرية ظرفية، أي مدة بقاء العذر.
(قوله: وإن استمر) أي العذر، وهو غاية لكونه لا شئ عليه بالتأخير لعذر.
(قوله: مع تمكنه) أي من القضاء بأن خلا من السفر والمرض قدر ما عليه.
وفي ع ش: إذا تكرر التأخير، هل يعتبر الإمكان في كل عام، أم يكفي لتكرر الفدية وجود الإمكان في العام الأول؟ الظاهر الأول - كما يرشد إليه قول البغوي: أن المتعدي بالفطر لا يعذر بالسفر في القضاء.
اه.
(قوله: حتى دخل آخر) ليس بقيد، ولم يقيد به في المنهاج، وعبارته: لو أخر القضاء - مع إمكانه - فمات، أخرج من تركته لكل يوم مدان: مد للفوات، ومد للتأخير.
اه.
قال في النهاية: وعلم منه أنه متى تحقق الفوات وجبت الفدية، ولو لم يدخل رمضان.
فلو كان عليه عشرة أيام فمات لبواقي خمس من شعبان، لزمه خمسة عشر مدا - عشرة لأصل الصوم، وخمسة للتأخير - لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة.
اه.
ومثله في المغنى، لكن المؤلف قيد بذلك، تبعا لشيخه ابن حجر.
(قوله: فمات) أي المؤخر للقضاء مع تمكنه.
(قوله: أخرج من تركته) جواب متى، وقضية قوله من تركته: أنه لا يجوز للأجنبي الإطعام عنه، وهو كذلك - كما استوجهه في التحفة - وذلك لأنه بدل عن عبادة بدنية لا يشوبها شئ من المال، فلم يقبل النيابة، بخلاف الحج، فإنه لما كان فيه شائبة مال قبل النيابة: فيجوز للأجنبي أن يحج عن الميت، ولو بلا إذن من القريب أو الميت.
وفي النهاية إذا لم يخلف تركة فلا يلزم الوارث إطعام ولا صوم، بل يسن له ذلك.
وينبغي ندبه - لمن عدا الورثة من بقية الأقارب - إذا لم يخلف تركة، أو خلفها وتعدى الوارث بترك ذلك.
اه.
(وقوله: مدان: مد للفوات، ومد للتأخير) أي لأن كل منهما موجب عند الانفراد، فكذا عند الاجتماع.
هذا إن أخر سنة فقط، وإلا تكرر مد التأخير - كما مر - قال في المغني: ولا شئ على
الهم، ولا الزمن، ولا من اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى.
(قوله: إن لم يصم عنه قريبة) هذا قيد لوجوب مد للفوات، لكن بالنسبة للقديم، أما بالنسبة للجديد: فلا يصح التقييد به، لأنه عليه لا يصح الصوم عنه أصلا - كما سيصرح به - فيجب عليه مدان.
(وقوله: أو مأذونه) أي القريب، فالضمير يعود على قريبة،(2/274)
ويحتمل عوده على الميت، أي أو مأذون الميت - بأن أوصى به.
(قوله: وإلا وجب) أي وان لا لم يصم، بأن صام عنه من ذكر.
(وقوله: مد واحد للتأخير) أي لأنه قد حصل تدارك أصل الصوم، فسقط حينئذ مد الفوات، وبقي مد التأخير، وهذا بناء على التقديم - كما علمت.
(قوله: والجديد الخ) مقابل لمحذوف ملاحظ: أي فكأنه قال ما ذكر من أنه صام عنه قريبه أو مأذونه: وجب عليه مد واحد فقط للتأخير - مبني على القول القديم: أنه يجوز الصوم عنه.
والجديد: عدم جواز الصوم عنه، ويخرج من تركته لكل يوم مد، لكن كان عليه - بعد أن ساق القول الجديد - ذكر ما يترتب عليه بأن يقول: وعليه فيتعين المدان.
فتنبه.
(وقوله: عدم جواز الصوم عنه) أي عن الميت، لأنه عبادة بدنية، وهي لا تدخلها النيابة في الحياة، فكذلك بعد الموت، قياسا على الصلاة والاعتكاف.
(وقوله: مطلقا) أي سواء تمكن من القضاء قبل الموت أم لا، وسواء فاته الصوم بعذر أو بغيره.
(قوله: بل يخرج من تركته الخ) أي لخبر: من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا.
رواه الترمذي، وصحح وقفه على ابن عمر، ونقله الماوردي عن إجماع الصحابة.
وقوله: فليطعم: مبني للمفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور بعده، ومسكينا: مفعوله، وهو مبني على القول بجواز إنابة الظرف مع وجود المفعول، وهو مذهب كوفي، والصحيح خلافه - كما أشار إليه ابن مالك بقوله: ولا ينوب بعض هذي إن وجد * * في اللفظ مفعول به وقد يرد (قوله: لكل يوم) أي فاته صومه.
(وقوله: مد طعام) أي عن الفوات.
ولم يتعرض لمد التأخير لأنه بصدد بيان القول الجديد من حيث هو.
(واعلم) أنه يشترط في الطعام أن يكون من غالب قوت بلده.
قال في التحفة: ويؤخذ مما مر في الفطرة أن المراد هنا بالبلد التي يعتبر غالب قوتها المحل الذي هو به عند أول مخاطبته بالقضاء.
اه.
(قوله: وكذا صوم النذر والكفارة) أي ومثل صوم رمضان: صوم النذر، وصوم الكفارة بسائر أنواعها: في أنه إذا مات الناذر أو المكفر - بعد التمكن من الصوم - يجري فيهما القولان، القديم والجديد.
فعلى الأول: إن لم يصم عنهما القريب أو مأذونه: أخرج عن كل يوم
مدا.
وعلى الثاني: لا يجوز الصيام عنهما، فيجب إخراج مد عن كل يوم، ولا شئ فيهما للتأخير، لما علمت أن التأخير يوجب الفدية في خصوص رمضان.
(قوله: إلى تصحيح القديم) أي لورود الأخبار الصحيحة الدالة على جواز الصوم عنه.
كخبر الصحيحين: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
وخبر مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لإمرأة قالت له: إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ صومي عن أمك.
وفي التحفة ما نصه: وقد نص عليه - أي القديم - في الجديد أيضا فقال: إن ثبت الحديث: قلت به، وقد ثبت من غير معارض، وبه يندفع الاعتراض على المصنف، بأنه كان ينبغي له اختياره من جهة الدليل، فإن المذهب هو الجديد.
وفي الروضة: المشهور في المذهب تصحيح الجديد، وذهب جماعة - من محققي أصحابنا - إلى تصحيح القديم، وهو الصواب، بل ينبغي الجزم به، للأحاديث الصحيحة، وليس للجديد حجة من السنة، والخبر الوارد بالإطعام ضعيف.
اه.
(قوله: بل يجوز للولي) المراد به هنا كل قريب للميت، وإن لم يكن عاصبا، ولا وارثا، ولا ولى مال - على المعتمد - وقد قيل بكل منها، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - - في الخبر السابق للسائلة: صومي عن أمك - يبطل القول بأن المراد ولي المال، والقول بأن المراد ولي العصوبة.
ويشترط في الوالي أن يكون بالغا، عاقلا - ولو رقيقا - لأنه من أهل فرض الصوم، بخلاف الصبي، والمجنون.
ومثل الولي: الأجنبي بإذن من الميت، بأن أوصاه به، أو بإذن الولي بأجرة، أو دونها، بخلافه بلا إذن، فلا يصح.
(قوله: ثم إن خلف تركة وجب أحدهما) أي وجب على الولي أحد الأمرين: الصوم، أو الإطعام.
(قوله: وإلا ندب) أي وإن لم يخلف تركة ندب للولي أحدهما: إما الصوم،(2/275)
وإما الإطعام.
(قوله: ومصرف الأمداد: فقير، ومسكين) أي فقط، دون بقية الأصناف الثمانية المقدمة في قسم الصدقات، لقوله تعالى: * (على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) * والفقير أسوأ حالا منه، فإذا جاز صرفها إلى المسكين فالفقير أولى، ولا يجب الجمع بينهما.
(قوله: وله صرف أمداد لواحد) أي لأن كل يوم عبادة مستقلة، فالأمداد بمنزلة الكفارات، بخلاف المد الواحد، فإنه لا يجوز صرفه إلى شخصين، لأن كل مد فدية تامة، وقد أوجب الله تعالى صرف الفدية إلى الواحد.
فلا ينقص عنها.
ولا يلزم منه امتناع صرف فديتين إلى شخص واحد، كما لا يمتنع أن يأخذ الواحد من زكوات متعددة.
اه.
مغنى (قوله: من مات وعليه صلاة) أي أو اعتكاف.
(وقوله: فلا قضاء ولا فدية) أي لعدم ورودهما.
ويستثنى من منع الصلاة والاعتكاف عن الميت، ركعتا الطواف، فإنهما يصحان من الأجير، تبعا للحج.
وما لو نذر أن يعتكف صائما فإن البغوي قال في التهذيب: إن قلنا لا يفرد الصوم عن الاعتكاف - أي وهو الأصح - وقلنا يصوم الولي:
فهذا يعتكف عنه صائما، وإن كانت النيابة لا تجزئ في الاعتكاف.
(قوله: وفي قول كجمع مجتهدين) أي وفي قول عندنا تبعا لجمع مجتهدين.
وعبارة فتح الجواد: ففيها - أي الصلاة - قول لجمع مجتهدين أنها تقضى عنه، لخبر البخاري وغيره، ومن ثم الخ، فلعل الكاف - الداخلة على لفظ جمع - زيدت من النساخ.
(وقوله: أنها) أي الصلاة تقضي عنه.
وفي قول أيضا: أن الاعتكاف بفعل عنه.
(قوله: لخبر البخاري وغيره) في التحفة: لخبر فيه، لكنه معلول.
(قوله: ومن ثم اختاره) أي ومن أجل ورود خبر فيه، اختار القول بالقضاء جمع من أئمتنا.
(قوله: وفعل به) أي عمل بهذا القول، وهو قضاء الصلاة.
وفي حواشي المحلي للقليوبي: قال بعض مشايخنا: وهذا من عمل الشخص لنفسه، فيجوز تقليده، لأنه من مقابل الأصح.
اه.
(قوله: وفي وجه عليه كثيرون من أصحابنا إلخ) قال الكردي: قال الخوارزمي: ورأيت بخراسان من يفتي به من بعض أصحابنا.
وعن البويطي أن الشافعي قال: في الاعتكاف يعتكف عنه وليه.
وفي رواية يطعم عنه وليه.
وإذا قلنا الإطعام في الاعتكاف: فالقدر المقابل بالمد: اعتكاف يوم بليلته، هكذا حكاه الإمام عن رواية شيخه وأصلها: وهو مشكل - فإن اعتكاف لحظة عبادة تامة، وإن قيس على الصوم فالليل ثم خارج عن الاعتبار.
اه.
بتصرف.
(قوله: مذهب أهل السنة إن للإنسان أن يجعل ثواب عمله وصلاته لغيره) قال البجيرمي: كأن صلى أو صام، وقال: اللهم أوصل ثواب ذلك إليه - وهو ضعيف.
اه وقال في بشرى الكريم: والضعف ظاهر إن أريد الثواب نفسه، فإن أريد مثله فلا ينبغي أن يختلف فيه: نعم، الصدقة يصل نفس ثوابها للمتصدق عنه إجماعا، وكأنه هو المتصدق، ويثاب المتصدق ثواب البر، لا على الصدقة وكذا يصله ما دعا له به - أن قبله الله تعالى.
اه.
وسيأتي للشارح - رحمه الله تعالى - في أواخر باب الوصية مزيد بسط على ما هنا.
(قوله: ويصله) أي يصل الثواب لذلك الغير المتصدق عليه.
(قوله: وسن لصائم الخ) شروع في سنن الصوم.
(وقوله: تسحر) أي لخبر الحاكم في صحيحه: استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، وبقيلولة النهار على قيام الليل.
ولخبر الصحيحين: تسحروا، فإن في السحور بركة.
وقد نظم بعضهم معنى هذا الحديث فقال: يا معشر الصوام في الحرور * * ومبتغي الثواب والأجور تنزهوا عن رفث وزور * * وإن أردتم غرف القصور تسحروا، فإن في السحور * * بركة في الخبر المأثور(2/276)
وفي البجيرمي - نقلا عن العلقمي - ما نصه: (فإن قلت) : حكمة مشروعية الصوم خلو الجوف لإذلال النفس وكفها عن شهواتها، والسحور ينافي ذلك.
(قلت) : لا ينافيه، بل فيه إقامة السنة بنحو قليل مأكول أو مشروب.
والمنافي: إنما هو ما يفعله المترفهون من أنواع ذلك وتحسينه والامتلاء منه.
اه.
(قوله: وتأخيره) معطوف على تسحر، وضميره يعود إليه، أي وسن تأخير التسحر، لخبر: لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر، وأخروا السحور.
وصح: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية.
وفي الخبر ضبط لقدر ما يحصل به سنة التأخير.
(قوله: ما لم يقع الخ) أي محل سن التأخير ما لم يقع الصائم في شك في طلوع الفجر بسببه، وإلا لم يسن، لخبر: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، أي اترك ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.
(قوله: وكونه على تمر) أي وسن كون التسحر على تمر.
(وقوله: لخبر فيه) راجع للأخير، ويحتمل رجوعه للجميع، فعلى الأول: يكون ضمير فيه عائدا على كونه بالتمر، وعلى الثاني.
يكون عائدا على التسحر من حيث هو.
(قوله: ويحصل) أي التسحر، ولو بجرعة ماء، أي لخبر ابن حبان: تسحروا، ولو بجرعة ماء.
والجرعة - بضم الجيم - قال في المصباح: الجرعة من الماء: كاللقمة من الطعام، وهو ما يجرع مرة واحدة.
والجمع: جرع، مثل غرفة وغرف.
اه.
(قوله: ويدخل وقته) أي التسحر.
(وقوله: بنصف الليل) أي بدخول نصف الليل - أي الثاني - قال في المغنى: وقيل يدخل بدخول السدس الأخير.
اه.
وفي المحلى - نقلا عن شرح المهذب - وقت السحور: بين نصف الليل وطلوع الفجر، وأنه يحصل بكثير المأكول وقليله.
اه.
(والحاصل) أن السحور يدخل وقته بنصف الليل، فالأكل قبله ليس بسحور، فلا يحصل به السنة، والأفضل تأخيره إلى قرب الفجر بقدر ما يسع قراءة خمسين آية.
(قوله: وحكمته) أي التسحر: أي الفائدة فيه.
(وقوله: التقوي أو مخالفة أهل الكتاب؟ وجهان) قال في التحفة: والذي يتجه أنها في حق من يتقوى به: التقوى.
وفي حق غيره: مخالفتهم.
وبه يرد قول جمع متقدمين: إنما يسن لمن يرجو نفعه.
ولعلهم لم يروا حديث: تسحروا ولو بجرعة ماء.
فإن من الواضح أنه لم يذكر هذه الغاية للنفع، بل لبيان أقل مجزئ نفع أو لا.
اه.
(قوله: وسن تطيب وقت سحر) أي مطلقا، في رمضان وغيره.
(قوله: وسن تعجيل فطر) أي للخبر المتقدم، ولخبر الترمذي وحسنه: قال الله تعالى: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ولما صح أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أعجل الناس إفطارا، وأبطأهم سحورا، وإنما كان الناس بخير ما عجلوه، لأنهم لو أخروه لكانوا مخالفين السنة، والخير ليس إلا في اتباعها: وكل خير في اتباع من سلف، * * وكل شر في ابتداع من خلف
قال ع ش: ينبغي سن ذلك - أي التعجيل - ولو مارا بالطريق، ولا تنخزم مروءته به أخذا مما ذكروه من طلب الأكل يوم عيد الفطر قبل الصلاة، ولا مارا بالطريق.
اه.
ويكره تأخير الفطر إن قصده ورأى فيه فضيلة، وإلا فلا بأس به.
نقله في المجموع عن نص الأم.
(قوله: إذا تيقن الغروب) خرج بتيقنه ظنه بالاجتهاد، فلا يسن له تعجيل الفطر، وظنه بلا اجتهاد، وشكه، فيحرم بهما.
شرح الروض.
(قوله: ويعرف) أي الغروب.
(قوله: والصحارى) بكسر الراء وفتحها.
قال في الخلاصة: وبالفعالى والفعالي جمعاصحراء والعذارء والقيس اتبعا والمراد بها ما قابل العمران.
(قوله: بزوال الشعاع) أي الضوء، وهو متعلق بيعرف.
(وقوله: من أعالي الحيطان) متعلق بزوال، وهو راجع للعمران.
(وقوله: والجبال) أي ومن أعالي الجبال، وهو راجع للصحاري - ففي كلامه لف ونشر مرتب.
(قوله: وتقديمه على الصلاة) معطوف على تعجيل.
أي وسن تقديم الفطر على الصلاة، لما صح: كان(2/277)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم يكن حسا حسوات من ماء.
(قوله: إن لم يخشى من تعجيله إلخ) فإن خشي ذلك أخر الفطر.
وفي سم ما نصه: قوله وتقديمه على الصلاة: ينبغي أن يستثنى ما لو أقيمت الجماعة وأحرم الإمام أو قرب إحرامه وكان بحيث لو أفطر على نحو التمر بقي بين أسنانه وخشي سبقه إلى جوفه، ولو اشتغل بتنظيف فمه فاتته الجماعة أو فضيلة أول الوقت وتكبيرة الإحرام مع الإمام.
فيتجه هنا تقديم الإحرام مع الإمام، تأخير الفطر، وهذا لا ينافي أن المطلوب من الإمام والجماعة تقديم الفطر، لكن لو خالفوا وتركوا الأفضل مثلا، وتعارض في حق الواحد منهم مثلا ما ذكر: قدم الإحرام.
ولا ينافي كراهة الصلاة بحضرة طعام تتوق نفسه إليه، لأن التوقان غير لازم هنا، وكلامنا عند عدمه.
اه.
(قوله: وكونه بتمر) معطوف على تعجيل أيضا.
أي وسن كون الفطر بتمر وإن تأخر، وأفضل منه الرطب - للخبر المتقدم آنفا -.
(قوله: للأمر به) أي في قوله عليه الصلاة والسلام: إذا كان أحدكم صائما فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور.
(قوله: والأكمل أن يكون) أي الفطر بالتمر.
(وقوله: بثلاث) أي بثلاث تمرات، ومثل التمر، كل ما يفطر به، فيسن التثليث فيه.
(قوله: فإن لم يجده) أي التمر.
(قوله: فعلى حسوات ماء) أي فيسن أن يفطر على حسوات ماء، أي جرعات.
قال في المصباح: حسا: أي ملأ فمه من الماء، وحسوات - بفتح الحاء وضمها، مع فتح السين - والحسوة: ملء الفم بالماء.
اه.
ومن آداب الصائم عند
إفطاره بالماء أنه لايمجه إذا وضعه في فيه، بل يبتلعه، لئلا يذهب بخلوف فمه، لقوله عليه الصلاة والسلام: لخلوف فم الخ.
(قوله: ولو من زمزم) غاية لتقديم التمر على الماء المفهوم من التعبير بالفاء.
أي يقدم التمر على الماء، ولو كان الماء من ماء زمزم.
والغاية للرد على القائل إن ماء زمزم مقدم على التمر، كما يستفاد من عبارة التحفة، ونصها: وقول المحب الطبري يسن له الفطر على ماء زمزم، ولو جمع بينه وبين التمر فحسن.
مردود بأن أوله فيه مخالفة للنص المذكور، وآخره فيه استدراك زيادة على السنة الواردة، وهما ممتنعان إلا بدليل.
ويرد أيضا بأنه - صلى الله عليه وسلم - صام بمكة عام الفتح أياما من رمضان، ولم ينقل عنه في ذلك ما يخالف عادته المستقرة من تقديم التمر، فدل على عمله بها حينئذ، وإلا لنقل.
اه.
(قوله: فلو تعارض الخ) يعني أنه لو لم يوجد عنده بعد تحقق الغروب إلا ماء فقط: فهل الأفضل له مراعاة التعجيل ويفطر بالماء أو مراعاة التمر ويؤخر الفطر إلى تحصيله؟ (قوله: قدم الأول) أي تعجيل الفطر بالماء.
(قوله: فيما استظهره شيخنا) عبارته: فلو تعارض التعجيل على الماء والتأخير على التمر، قدم الأول - فيما يظهر - لأن مصلحة التعجيل فيها رخصة تعود على الناس، أشير إليها في: لا يزال الناس إلى آخره، ولا كذلك التمر.
اه.
(قوله: إن الماء أفضل) قال في التحفة بعده: لكن قد يعارضه حكم المجموع بشذوذ قول القاضي: الأولى في زماننا الفطر على ماء يأخذه بكفه من النهر - ليكون أبعد عن الشبهة.
اه.
إلا أن يجاب بأن سبب شذوذه ما بينه غيره أن ماء النهر - كالدجلة - ليس أبعد عن الشبهة الخ.
اه.
(قوله: قال الشيخان إلخ) ساقه تأييدا لكلامه المار، وتوصلا للرد على الروياني.
(قوله: فقول الروياني) مبتدأ، خبره ضعيف.
وقوله: الحلوا - بالقصر، ويجوز المد - وهي الحلاوة التي عملت بالنار.
وما لم يعمل بالنار - كالزبيب - يقال له حلو.
ولعل مراد الروياني بها: ما كان فيه حلاوة مطلقا - عملت بالنار أولا.
(والحاصل) أن الأفضل أن يفطر بالرطب، ثم التمر.
وفي معناه: العجوة، ثم البسر، ثم الماء.
وكونه من ماء زمزم أولى، ثم الحلو - وهو ما لم تمسه النار كالزبيب، واللبن، والعسل - واللبن أفضل من العسل، واللحم أفضل منهما، ثم الحلواء.
ولذلك قال بعضهم: فمن رطب فالبسر فالتمر زمزم * * فماء فحلو ثم حلوى لك الفطر فإن لم يجد إلا الجماع أفطر عليه.
وقول بعضهم: لا يسن الفطر عليه.
محمول على ما إذا وجد غيره.(2/278)
(قوله: كقول الأذرعي الخ) أي فهو ضعيف أيضا.
(قوله: وإنما ذكره إلخ) هذا من قول الأذرعي، وهو جواب من الأذرعي عن سؤال ورد عليه حاصله: أنه إذا كان الزبيب أخا التمر - كما قلت - فلم ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث خصوص التمر، ولم
يذكر الزبيب؟ وحاصل الجواب أنه إنما ذكره لأنه هو المتيسر غالبا في المدينة، لا لبيان أنه هو الأفضل مطلقا، ففاعل ذكر يعود على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والضمير البارز يعود على التمر، ومتعلقه محذوف.
(قوله: ويسن أن يقول) أي المفطر.
(وقوله: عقب الفطر) أي عقب ما يحصل به الفطر، لا قبله، ولا عنده.
(قوله: اللهم لك صمت) قدم الجار والمجرور إفادة لكمال الإخلاص.
أي صمت، لا لغرض ولا لأحد غيرك، بل خالصا لوجهك الكريم.
(قوله: وعلى رزقك أفطرت) أي وأفطرت على رزقك الواصل إلي من فضلك، لا بحولي وقوتي.
قال الكردي: وتسن زيادة: وبك آمنت، وعليك توكلت، ورحمتك رجوت، وإليك أنبت.
وفي الإيعاب: ورد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: يا واسع الفضل اغفر لي.
وأنه كان يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت.
قال: وقال سليم ونصر المقدسي: يسن أن يعقد الصوم حينئذ،.
وتوقف فيه الأذرعي ثم قال: وكأن وجهه: خشية الغفلة.
(قوله: ويزيد) أي على قوله اللهم لك الخ.
(وقوله: من أفطر بالماء) الذي في البجيرمي على الإقناع أنه يقول ما ذكر وإن أفطر على غير ماء، لأن المراد دخل وقت إذهاب الظمأ.
اه.
وعليه: فكان الأولى أن يسقط قوله ويزيد من أفطر بالماء، ويقتصر على ما بعده.
(وقوله: ذهب الظمأ) هو مهموز الآخر، مقصور.
والمراد به العطش.
ولم يقل وذهب الجوع، لأن أرض الحجاز حارة، فكانوا يصبرون على قلة الطعام لا العطش.
(قوله: وثبت الأجر) أي أجر الصوم عندك.
(قوله: إن شاء الله تعالى) يقال ذلك تبركا.
(قوله: وسن غسل عن نحو جنابة) أي كحيض ونفاس.
(قوله: قبل فجر) متعلق بغسل أو بسن.
(قوله: لئلا يصل الماء الخ) عبارة المنهج القويم ليؤدي العبادة على طهارة، ومن ثم ندب له المبادرة إلى الاغتسال عقب الاحتلام نهارا، ولئلا يصل الماء إلى باطن أذنه أو دبره، ومن ثم ينبغي له غسل هذه المواضع قبل الفجر - إن لم يتهيأ له الغسل الكامل قبله - وللخروج من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - بوجوبه، للخبر الصحيح: من أصبح جنبا فلا صوم له.
وهو مؤول أو منسوخ.
اه.
قال العلامة الكردي: وفي حاشية التحفة لأبي اليتيم: الأولى في التعليل أن يقال يسن الغسل ليلا لأجفل أن يؤدي العبادة على الطهارة.
(قوله: وقضيته) أي التعليل المذكور.
(قوله: إن وصوله) أي الماء.
(وقوله: لذلك) أي لباطن.
نحو أذنه أو دبره.
(قوله: وليس عمومه مرادا) الضمير يعود على قضيته، وذكره باعتبار تأويلها بالمقتضي وهو مذكر، والمعنى ليس عمومه: أي هذا المقتضي، وهو أن وصول الماء إلى ما ذكر مفطر مطلقا، بمراد، بل المراد تقييده بما إذا وقعت منه المبالغة المنهي عنها.
(قوله: كما هو) أي عدم إرادة العموم ظاهر.
(قوله: أخذا مما مر) منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف، أي وأخذ هذا المذكور - وهو عدم إرادة العموم - أخذا، أو على الحالية منه، أي حال كون هذا
المذكور مأخوذا مما مر.
(وقوله: إن سبق الخ) المصدر المؤول بدل من ما، وأعطف بيان له، ووجه الأخذ أنه قد مر أنه إن سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق المأمور بهما أو ماء غسل الفم المتنجس: لا يفطر - لتولده من مأمور به، فليكن ما ذكر - وهو دخول الماء من أذنه أو أدبره في غسل نحو الجنابة - مثله في أنه لا يفطر به، لتولده من مأمور به.
وقوله نحو المضمضة: هو الاستنشاق.
(وقوله: المشروع) صفة لنحو، وهو المأمور به في نحو الوضوء.
وخرج به غير المشروع - كأن وضع الماء في فمه أو أنفه من غير غرض، فسبق إلى جوفه - وما زاد على المشروع، كان سبق الماء إلى جوفه من نحو رابعة، وقد تقدم أن يفطر بذلك، لتولده من غير مأمور به.
(قوله: أو غسل الخ) معطوف على نحو، أي أو أن سبق(2/279)
ماء غسل الفم المتنجس.
(قوله: لا يفطر) الجملة خبر أن، ومحل عدم الفطر بالسبق في الأول: إذا لم يبالغ فيه، وإلا أفطر.
وأما في الثاني: فلا يفطر مطلقا، بالغ أو لا - كما مر.
(قوله: لعذره) أي في السبق المذكور، وذلك لأنه متولد من مأمور به.
(قوله: فليحمل هذا) أي قضية التعليل، وهو أن وصول الماء إلى باطن الأذن أو الدبر، مفطر.
(وقوله: على مبالغة منهي عنها) انظر كيف تتصور المبالغة هنا؟ ويمكن أن يقال إنه مثل تصويرها في نحو المضمضة، وذلك بأن يملأ أذنه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى باطنها، ولكن هذا لا يظهر في المبالغة في وصول الماء إلى باطن الدبر، ولعله فيها بالنسبة إليه - أن يكثر من ترديد الماء في حد الظاهر من الدبر، بحيث يسبق إلى باطنه.
(قوله: وسن كف نفس عن طعام فيه شبهة) وبالأولى، ما إذا كان حراما محضا.
(والحاصل) : يتأكد عليه أن يحفظ بطنه عن تناول الحرام والشبهة، خصوصا عند الإفطار.
قال بعض السلف: إذا صمت فانظر على أي شئ تفطر؟ وعند من تفطر؟ (قوله: وشهوة مباحة) معطوف على طعام.
أي وكف نفس عن شهوة لها مباحة.
والمراد من ذلك أن يجانب الرفاهية، والإكثار من تناول الشهوات واللذات، وأقل ذلك أن تكون عادته من الترفه واحدة في رمضان وغيره، وهذا أقل ما ينبغي، وإلا فللرياضة ومجانبة شهوات النفس أثر كبير في تنوير القلب، وتطلب بالخصوص في رمضان.
وأما الذين يجعلون لهم في رمضان عادات من الترفهات والشهوات التي لا يعتادونها في غير رمضان، فغرور منهم غرهم به الشيطان حسدا منه لهم، حتى لا يجدوا بركات صومهم ولا تظهر عليهم آثاره من الأنوار والمكاشفات.
(واعلم) أنه يتأكد عليه أيضا أن يتجنب الشبع المفرط لأجل أن يظهر عليه أثر الصوم، ويحظى بسره ومقصوده الذي هو تأديب النفس وتضعيف شهواتها، فإن للجوع وخلو المعدة أثرا عظيما في تنوير القلب ونشاط الجوارح في
العبادة، والشبع أصل القسوة والغفلة، والكسل عن الطاعة المطلوب إكثارها بالخصوص في رمضان.
قال عليه الصلاة والسلام: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
وقال بعضهم: إذا شبعت البطن جاعت جميع الجوارح.
وإذا جاعت البطن شبعت جميع الجوارح.
وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن لا نشبع الشبع الكامل قط، لا سيما في ليالي رمضان، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها، وذلك لأنه شهر الجوع، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان.
وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم، وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن، وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق، اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة، أو شخصا يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة، فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى.
وقد قالوا: من أحكم الجوع في رمضان: حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي، لأن الصوم جنة على بدن الصائم ما لم يخرقه شئ، فإذا خرقه دخل الشيطان له من الخرق.
اه.
(قوله: من مسموع إلخ) بيان للشهوة، وهو يفيد أن المراد بالشهوة: المشتهى.
وبه يندفع ما يقال أن الشهوة هي ميل النفس إلى المطلوب، وهي لا يمكن كف النفس عنها، والتحري عنها.
وحاصل الدفع أن المراد بها المشتهى، وهو المسموع والمبصر، ومس الطيب، وشمه، وهذا يمكن كف النفس عن سماعه، والنظر إليه، ومسه وشمه.
ثم إن المراد بالمسموع والمبصر: المباحان، بدليل تقييد المبين الذي هو الشهوة بالمباحة، فخرج المحرم منهما، فيجب كف النفس عنه.
والمسموع المباح: مثل الصوت الحاصل بالتغني والألحان، بخلاف الصوت الحاصل من آلات اللهو والطرب المحرمة - كالوتر - فهو حرام يجب كف النفس من سماعه.
والمبصر المباح: كالنظر في الزخارف، والنقوش، والرياحين، بخلاف غير المباح: كالنظر للأجنبية، أو الأمرد الجميل فهو حرام، يجب كف النفس عنه.
(قوله: ومس طيب وشمه) أي فهما مباحان، يسن كف النفس عنهما.
وفي التحفة: بل قال المتولي بكراهة النظر إليه.
وجزم غيره(2/280)
بكراهة شم ما يصل ريحه لدماغه أو ملبوسه.
اه.
(قوله: ولو تعارضت كراهة مس الطيب الخ) فيه أنه لم يذكر هنا كراهة المس حتى يصح ما قاله من المعارضة، وإنما الذي يفهم من كلامه هنا الإباحة، فكان الأولى أن يصرح بالكراهة أولا،
ثم يرتب عليها ما ذكره.
(وقوله: ورد الطيب) هو بالجر، معطوف على مس، أي وكراهة رد الطيب - أي على من يهديه له - والمراد أنه إذا لم يرد الطيب ارتكب كراهة المس بأن لم يتيسر له قبوله إلا بالمس، وإذا لم يمسه ارتكب كراهة الرد فتعارضا عليه حينئذ.
(وقوله: فاجتناب المس) أي مع ارتكاب كراهة الرد.
(وقوله: أولى) أي من قبول الطيب مع ارتكاب كراهة المس.
(قوله: لأن كراهته) أي المس، وهو علة الأولوية.
(وقوله: تؤدي إلى نقصان العبادة) أي بخلاف كراهة رد الطيب، فإنها لا تؤدي إلى ذلك.
(قوله: الأولى للصائم ترك الاكتحال) أي لما فيه من الزينة والترفه اللذين لا يناسبان الصوم، وللخروج من خلاف الإمام مالك رضي الله عنه، فإنه يقول بإفطاره به، ويعلم من التعبير بالأولوية أن الاكتحال: خلاف الأولى فقط، فلا يضر، وإن وجد لون الكحل في نحو نخامته وطعمه بحلقه، إذ لا منفذ من عينه لحلقه، فهو كالواصل من المسام.
وروى البيهقي والحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يكتحل بالإثمد وهو صائم لكن ضعفه في المجموع.
(قوله: ويكره سواك) أي على المشهور المعتمد، ومقابله قول الجمع الآتي: وإنما كره على الأول، للخبر الصحيح: لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك.
وهو بضم المعجمة: التغير، واختص بما بعد الزوال، لأن التغير ينشأ غالبا قبله من أثر الطعام، وبعده من أثر العبادة.
ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به، فلا يختص بيوم القيامة، وذكره في الخبر ليس للتقييد، بل لأنه محل الجزاء.
وأطيبيته عند الله تدل على طلب إبقائه، فكرهت إزالته، ولا تزول الكراهة إلا بالغروب.
(قوله: بعد زوال) أي أو عقب الفجر لمن واصل الصوم، لكونه لم يجد مفطرا يفطر به، أو وجده وارتكب حرمة الوصال، فتزول كراهة الاستياك في حقه بالغروب، وتعود بالفجر.
والوصال: أن يستديم جميع أوصاف الصائمين، فالجماع - ونحوه مما ينافي الصوم - يمنع الوصال، على المعتمد.
(قوله: وقبل غروب) أما بعده فلا كراهة، فهي تزول بالغروب.
(قوله: وإن نام إلخ) غاية لكراهة السواك بعد الزوال.
أي يكره وإن نام بعد الزوال أو أكل شيئا كريها كبصل نسيانا، وهذا هو الذي استوجهه شيخه ابن حجر، وعبارته - في باب الوضوء - ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا أو نام وانتبه: كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له، ولو ضمنا، وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم.
اه.
وجرى الجمال الرملي - تبعا لإفتاء والده - على أنه يكره الاستياك حينئذ، فمحل الكراهة عنده بعد الزوال إن لم يكن له سبب يقتضيه، أما لو كان له ذلك: كأن أكل ذا ريح كريه ناسيا، أو نام وتغير فمه بذلك - سن له الاستياك، لأن الخلوف الحاصل من الصوم قد اضمحل، وذهب بالكلية بالتغير الحاصل من أكل ما ذكر أو من النوم.
ووافق المؤلف - في باب الوضوء - م ر، وخالف شيخه،
وعبارته هناك: ويكره للصائم بعد الزوال إن لم يتغير فمه بنحو نوم.
اه.
فيكون جرى هناك على قول، وهنا على قول.
(قوله: وقال جمع: لم يكره) أشار إليه ابن رسلان في زبده بقوله: أما استياك صائم بعد الزوال * * فاختير لم يكره، ويحرم الوصال قال م في شرحه عليه: ونقله - أي هذا القول - الترمذي عن الشافعي، وبه قال المزني، واختاره جماعة منهم النووي، وابن عبد السلام، وأبو شامة.
اه.
(قوله: بل يسن) إضراب انتقالي - فبعد أن ذكر عدم الكراهة عنده انتقل إلى ذكر السنية، ولا يلزم من عدمها السنية، لأنه صادق بالمباح، وبخلاف الأولى.
(وقوله: إن تغير) قيد في السنية، فهو راجع لما بعد، بل فقط: أي بل قالوا يسن بشرط أن يتغير فمه بنحو نوم كالأكل لذي ريح كريه ناسيا.
واعتمد هذا(2/281)
الخطيب، ومثله الجمال الرملي، ونقله عن إفتاء والده - كما علمت.
(قوله: ومما يتأكد للصائم الخ) أي من حيث الصوم، فلا ينافي ذلك وجوب الكف عن ذلك من حيثية أخرى، فإذا كف لسانه عن ذلك يثاب عليه ثوابين: واجبا - من حيث وجوب صون اللسان عن المحرمات - ومندوبا - من حيث الصوم - وإذا لم يكف لسانه عن ذلك - بأن اغتاب مثلا - حصل الإثم المرتب على الغيبة في نفسها، للوعيد الشديد عليها، وحصل بمخالفته أمر الندب بتنزيه الصوم عن ذلك إحباط ثواب الصوم زيادة على ذلك الإثم.
وإنما عبروا بالندب تنبيها على أنه لا يبطل بفعله أصل الصوم، إذ لو عبروا بالوجوب لتوهم منه عدم صحة الصوم معه - كالاستقاءة ونحوها -.
(وقوله: كف اللسان عن كل محرم) أي منعه عنه، وحفظه منه.
(قوله: ككذب وغيبة) تمثيل للمحرم، والكذب: هو الإخبار بما يخالف الواقع.
والغيبة: هي ذكرك أخاك المسلم بما يكره، ولو بما فيه، ولو بحضرته.
وهي من الكبائر: في حق أهل العلم وحملة القرآن.
ومن الصغائر: في حق غيرهم.
وقد يجبان - كالكذب - لإنقاذ مظلوم، وذكر عيب نحو خاطب، وهذان لا يتأكد كف اللسان عنهما - لوجوبهما.
(قوله: ومشاتمة) المراد بها أصل الفعل: أي الشتم، وهو والسب بمعنى واحد، وهو مشافهة الغير بما يكره، وإن لم يكن فيه حد: كيا أحمق، يا ظالم.
والقذف أخص منهما، إذ هو الرمي بما يوجب الحد غالبا.
(قوله: لأنه محبط للأجر) أي لأن المحرم من الكذب، والغيبة، والمشاتمة، وغيرها، محبط لثواب الصوم.
(قوله: كما صرحوا به) أي بإحباطه للأجر فقط.
(قوله: ودلت عليه الأخبار الصحيحة) منها: خبر الحاكم في صحيحه: ليس الصيام من الأكل والشرب فقط، الصيام من اللغو والرفث.
وخبر البخاري: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.
والمراد أن كمال الصوم إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام الردئ، لا أن الصوم يبطل بهما.
قال في التحفة.
وخبر: خمس يفطرن الصائم: الغيبة، والنميمة، والكذب، والقبلة، واليمين الفاجرة باطل - كما في المجموع.
اه.
(قوله: وبه يرد) أي بما ذكر من تصريحهم ودلالة الأخبار.
ونص الشافعي بإحباط الأجر بذلك: يرد بحث الأذرعي حصول الأجر، وعليه إثم المعصية.
(قوله: وقال بعضهم) هو الأوزاعي - كما في التحفة.
(وقوله: يبطل أصل صومه) أي لظاهر الحديث المار وهو: خمس يفطرن الخ.
(قوله: وهو قياس) أي بطلان أصل الصوم قياس مذهب الإمام أحمد في الصلاة في المغصوب، فإنها تبطل عنده فيه.
(قوله: ولو شتمه أحد فليقل الخ) أي لخبر: الصيام جنة.
فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث، ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه، فليقل إني صائم، إني صائم - مرتين.
أي يقوله بقلبه لنفسه، لتصبر ولا تشاتم فتذهب بركة صومها - كما نقله الرافعي عن الأئمة - أو بلسانه بنية وعظ الشاتم، ودفعه بالتي هي أحسن - كما نقله النووي عن جمع وصححه - ثم قال: فإن جمعهما فحسن، وقال إنه يسن تكراره مرتين، أو أكثر، لأنه أقرب إلى إمساك صاحبه عنه.
وقول الزركشي: ولا أظن أحدا يقوله: مردود بالخبر السابق.
اه.
شرح الروض.
(قوله: ولو في نفل) أي في صوم نفل، وهو غاية لقوله فليقل إلخ.
وقوله: إني صائم: مقول القول.
وقوله: مرتين، مفعول مطلق ليقل.
(قوله: في نفسه) متعلق بقوله فليقل.
أي فليقل في نفسه، وإطلاق القول على ما كان بنفسه ثابت في كلامهم كثيرا، ويسمى قولا نفسيا.
قال الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما * * جعل اللسان على الفؤاد دليلا وقوله: تذكيرا لها: أي لنفسه أن صائم لتصبر.
(قوله: وبلسانه) معطوف على في نفسه، والواو: بمعنى أو، أي أو ليقل بلسانه ذلك، زجرا لخصمه.
(قوله: حيث لم يظن رياء) تقييد لقوله ذلك باللسان: أي فليقل ذلك به حيث لم يظن(2/282)
رياء بذلك، فإن ظنه تركه، وقاله بقلبه.
(قوله: فإن اقتصر على أحدهما) أي فإن أراد الاقتصار على أن يقول ذلك في نفسه أو بلسانه، فالأولى أن يكون بلسانه، لكن حيث أمن الرياء، لأن القصد بذلك الوعظ، وبه يندفع ما يقال: أن العبادة يسن إخفاؤها، فكيف طلب منه أن يتلفظ بقوله إني صائم؟ وما أحسن ما قاله بعضهم هنا: اغضض الطرف، واللسان فقصر * * وكذا السمع صنه حين تصوم ليس من ضيع الثلاثة عندي * * بحقوق الصيام أصلا يقوم
(قوله: وسن مع التأكيد) ق يد به، لأن ما ذكره سنة في كل زمن، فرمضان: زائد بتأكد ما ذكر فيه.
وعبارة التحفة: ويسن، أي يتأكد من حيث الصوم، وإلا فذلك سنة في كل زمن.
(قوله: وعشره الأخير إلخ) هذا مكرر مع قول المتن الآتي سيما عشر آخره، إذ هو راجع لإكثار الصدقة وما بعده - كما صرح به الشارح عقبه - فالأولى إسقاطه.
(قوله: إكثار صدقة) نائب فاعل سن.
(قوله: وتوسعة) بالجر، معطوف على صدقة: أي وإكثار التوسعة - أي زيادتها -.
بالرفع: معطوف على إكثار، أي وسن توسعه.
وعبارة فتح الجواد: وكثرة صدقة، وزيادة التوسعة على العيال.
اه.
(قوله: وإحسان) فيه الاحتمالان الماران آنفا.
(قوله: للاتباع) هو أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل.
والمعنى في ذلك: تفريغ قلوب الصائمين والقائمين للعبادة بدفع حاجتهم.
(قوله: وأن يفطر الخ) المصدر المؤول معطوف على إكثار، أي وسن تفطير الصائمين، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: من فطر صائما فله مثل أجره، ولا ينقص من أجر الصائم شئ، فإن عجز عن عشائهم فطرهم بشربة، أو تمرة، أو غيرهما.
(قوله: وإكثار تلاوة للقرآن) أي وسن - مع التأكد - إكثار تلاوة القرآن - أي ومدارسته - بأن يقرأ على غيره، ويقرأ عليه غيره.
وإنما تأكد ذلك في رمضان لما في الصحيحين: أن جبريل كان يلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان حتى ينسلخ فيعرض عليه - صلى الله عليه وسلم - القرآن.
وحكمة العرض لأجل أن يبين الناسخ والمنسوخ.
قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية: واعلموا معاشر الإخوان - جعلنا الله وإياكم من التالين لكتابة العزيز حق تلاوته، المؤمنين به، الحافظين له، المحفوظين به، المقيمين له، القائمين به - أن تلاوة القرآن العظيم من أفضل العبادات، وأعظم القربات، وأجل الطاعات، وفيها أجر عظيم، وثواب كريم.
قال الله تعالى: * (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) * (1) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفضل عبادة أمتي تلاوة القرآن.
وقال عليه الصلاة والسلام: من قرأ حرفا من كتاب الله كتبت له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها.
لا أقول ألم حرف واحد، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف.
وقال عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى: من شغله ذكري وتلاوة كتابي عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه.
وقال عليه الصلاة والسلام: اقرأوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.
وقال علي كرم الله وجهه: من قرأ القرآن وهو قائم في الصلاة كان له بكل حرف مائة حسنة، ومن قرأه وهو قاعد في الصلاة كان له بكل حرف خمسون حسنة، ومن قرأه خارج الصلاة وهو على طهارة كان
له بكل حرف خمس وعشرون حسنة، ومن قرأه وهو على غير طهارة كان له بكل حرف عشر حسنات.
واعلموا أن للتلاوة آدابا ظاهرة وباطنة، ولا يكون العبد من التالين حقيقة، الذين تزكو تلاوتهم، ويكون من الله
__________
(1) فاطر: 29 - 30(2/283)
بمكان، حتى يتأدب بتلك الآداب، وكل من قصر فيها، ولم يتحقق بها لم تكمل تلاوته، ولكنه لا يخلو في تلاوته من ثواب، وله فضل على قدره - فمن أهم الآداب وآكدها: أن يكون التالي في تلاوته مخلصا لله تعالى، ومريدا بها وجهه الكريم، والتقرب إليه، والفوز بثوابه.
وأن لا يكون مرائيا، ولا متصنعا، ولا متزينا للمخلوقين، ولا طالبا بتلاوته شيئا من الحظوظ العاجلة، والأغراض الفانية الزائلة.
وأن يكون ممتلئ السر والقلب بعظمة المتكلم عز وعلا، خاضعا لجلاله، خاشع القلب والجوارح، حتى كأنه من تعظيمه وخشوعه واقفا بين يدي الله تعالى يتلو عليه كتابه الذي أمره فيه ونهاه.
وحق لمن عرف القرآن وعرف المتكلم به أن يكون كذلك، وعلى أتم من ذلك.
كيف وقد قال الله تعالى: * (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) * (1) ؟ فإذا كان هكذا يكون حال الجبل - مع جموده وصلابته - لو أنزل عليه القرآن، فكيف يكون حال الإنسان الضعيف المخلوق من ماء وطين؟ لولا غفلة القلوب وقسوتها، وقلة معرفتها بعظمة الله وعزته وجلاله.
اه.
(قوله: في غير نحو الحش) متعلق بإكثار.
أي سن إكثار في غير نحو الحش.
أما نحو الحش فلا يسن إكثارها فيه، ومفهومه أن أصل التلاوة تسن فيه، وليس بمراد، لما نصوا عليه من كراهة الذكر والقراءة في محل قضاء الحاجة من بول أو غائط، بل اختار بعضهم التحريم، لكن حال قضاء الحاجة.
والحش - بضم الحاء، وفتحها - محل قضاء الحاجة، ويسمى بيت الخلاء.
واختلف أهل اللغة في إطلاق الحش على ما ذكر، فقال بعضهم إنه حقيقة، وقال بعضهم أنه مجاز - كما في المصباح - وعبارته: الحش: البستان.
والفتح أكثر من الضم.
وقال أبو حاتم: يقال لبستان النخل: حش.
فقولهم بيت الحش: مجاز، لأن العرب كانوا يقضون حوائجهم في البساتين، فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم.
وقال في مختصر العين: المحشة: الدبر.
والمحش: المخرج - أي مخرج الغائط - فيكون حقيقة.
اه.
بحذف.
وانظر: ما نحو الحش؟ ولعله المكان المتيقن نجاسته - كالمزبلة والمجزرة.
(قوله: ولو نحو طريق) غاية لغير نحو الحش: أي ولو كان ذلك الغير نحو
طريق، وعبارة فتح الجواد: ولو نحو طريق أو حمام توفر فيه التدبر.
اه.
(قوله: وأفضل الأوقات إلخ) قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار (إعلم) أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة.
ومذهب الإمام الشافعي وآخرين - رحمهم الله تعالى - إن تطويل القيام في الصلاة بالقراءة أفضل من تطويل السجود وغيره.
وأما القراءة في غير الصلاة، فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، والقراءة بين المغرب والعشاء محبوبة.
وأما قراءة النهار: فأفضلها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة.
وأما ما حكاه ابن أبي داود - رحمه الله تعالى - عن معاذ بن رفاعة - رحمه الله تعالى - عن مشايخه أنهم كرهوا القراءة بعد العصر، وقالوا إنها دراسة يهود: فغير مقبول، ولا أصل له.
ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عرفة.
ومن الأعشار: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخير من شهر رمضان.
ومن الشهور: رمضان.
اه.
(قوله: وقراءة الليل أولى) أي من قراءة النهار، لأن الخشوع والتدبر في قراءة الليل لا يحصلان في قراءة النهار.
(قوله: وينبغي أن يكون شأن القارئ التدبر) أي لما يقرؤه والتفهم له، حاضر القلب معه.
قال تعالى: * (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) * (2) ، وقال تعالى - في معرض الإنكار والتوبيخ لأقوام - * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟) * (3) وقال علي كرم الله وجهه: لا خير في قراءة لا تدبر فيها.
وصدق رضي الله عنه، لأن القرآن إنما أنزل ليتدبر.
وبالتدبر يفهم المراد منه، ويتوصل إلى العلم به، والعمل بما فيه، وهذا هو المقصود بإنزاله وبعثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - به.
__________
(1) الحشر: 21.
(2) ص: 29.
(3) محمد: 24(2/284)
قال بعض السلف رحمة الله عليهم: لأن أقرأ إذا زلزلت، والقارعة أتدبرهما وأتفهمهما، أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.
وعن الحسن البصري أنه قال: أن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار.
اه.
ملخصا من النصائح.
(قوله: قال أبو الليث في البستان الخ) قال النووي - رحمه الله تعالى - في الأذكار ما ملخصه: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلا ونهارا، سفرا وحضرا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه،
فكان جماعة منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليال ختمة، وآخرون في كل سبع ليال - وهذا فعل الأكثرين من السلف - وآخرون في كل ست ليال، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم جماعة في كل يوم وليلة ختمتين، وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعا في الليل، وأربعا في النهار.
والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف، فليقتصر على قدر يحصل له معه كمال فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم، أو فصل الحكومات بين المسلمين، أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له، ولا فوات كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر - ما أمكنه - من غير خروج إلى حد الملل أو الهذرمة في القراءة.
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدل عليه ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها من عبد الله بن عمر وبن العاصي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث.
وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارئ، فإن كان يختم في الأسبوع مرة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدئ ليلة الجمعة، ويختم ليلة الخميس.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أول النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبون أن يختم القرآن من أول الليل، أو من أول النهار.
وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلت عليه الملائكة حتى يصبح.
ثم قال - رحمه الله تعالى - ويستحب الدعاء عند الختم استحبابا متأكدا شديدا، لما روينا عن حميد الأعرج - رحمه الله تعالى - قال: من قرأ القرآن ثم دعا أمن على دعائه أربعة آلاف ملك.
وينبغي أن يلح في الدعاء، وأن يدعو بالأمور المهمة، والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم
ذلك أو كله في أمور الآخرة، وأمور المسلمين، وصلاح سلطانهم، وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البر والتقوى، وقيامهم بالحق، واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين، وسائر المخالفين.
اه.
وقوله: ويستحب الدعاء عند الختم إلخ.
مما يحسن إيراده هنا: الدعاء الذي يدعو به شيخنا الأستاذ علامة الزمان مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان، عقب ختمه القرآن (وهو هذا) : بسم الله الرحمن الرحيم.
صدق الله مولانا العظيم.
وبلغ رسوله النبي الكريم.
ونحن على ذلك من الشاهدين(2/285)
الشاكرين.
والحمد لله رب العالمين.
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن العظيم، وبارك لنا بالآيات والذكر الحكيم، وتقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وجد علينا إنك أنت الجواد الكريم، وعافنا من كل بلاء يا عظيم.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، ونور أبصارنا، وذهاب همومنا وغمومنا وأحزاننا، ومغفرة لذنوبنا، وقضاء لحوائجنا، وسائقنا وقائدنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم.
اللهم ارحمنا بالقرآن العظيم، واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة.
اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته على طاعتك آناء الليل وأطراف النهار، واجعله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا، مولانا رب العالمين.
اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، وفضلتنا بدينك على جميع الأمم، وخصصتنا بكل فضل، وكرم، وجعلت هدايتنا بالنبي الطاهر النسب، الكريم الحسب، سيد العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - - صلى الله عليه وسلم - - فنسألك اللهم ببلاغه عنك، وقربه منك، وجاهه المقبول لديك، وحقه الذي لا يخيب من توسل به إليك: أن تجعل القرآن العظيم لنا إلى كل خير قائدا، وعن كل سوء ذائدا وإلى حضرتك وجنة الخلد وافدا.
اللهم أرشدنا بحفظه، وأعذنا من نبذه ورفضه وقلاه وبغضه، ولا تجعلنا ممن يدفع بعضه ببعضه.
اللهم أعذنا به من ذميم الإسراف، ورض به نفوسنا على العدل والإنصاف، وذلل به ألسنتنا على الصدق والاعتراف، واجمعنا به على مسرة الائتلاف، واحشرنا به في زمرة أهل القناعة والعفاف.
اللهم شرف به مقامنا في محل الرحمة، واكنفنا في ظل
النعمة، وبلغنا به نهاية المراد والهمة، وبيض به وجوهنا يوم القتر والظلمة.
اللهم إنا قد دعوناك طالبين، ورجوناك راغبين، واستقلناك معترفين، غير مستنكفين، إقرارا لك بالعبودية، وإذعانا لك بالربوبية، فأنت الله الذي لا إله إلا أنت، لك ما سكن في الليل والنهار، وأنت السميع العليم.
اللهم فجد علينا بجزيل النعماء، وأسعفنا بتتابع الآلاء، وعافنا من نوازل البلاء، وقنا شماتة الأعداء، وأعذنا من درك الشقاء، وحطنا برعايتك في الصباح والمساء.
إلهنا وسيدنا ومولانا: عليك نتوكل في حاجاتنا، وإليك نتوسل في مهماتنا، لا نعرف غيرك فندعوه، ولا نؤمل سواك فنرجوه، اللهم فجد علينا بعصمة مانعة من اقتراف السيئات، ورحمة ماحية لسوالف الخطيئات، ونعمة جامعة لصنوف الخيرات، يا من لا يضل من أصحبه إرشاده، وتوفيقه، ولا يزل من توكل عليه وسلك طريقه، ولا يذل من عبده وأقام حقوقه.
اللهم فكما بلغتنا خاتمته، وعلمتنا تلاوته، فاجعلنا ممن يقف عند أوامره، ويستضئ بأنوار جواهره، ويستبصر بغوامض سرائره، ولا يتعدى نهي زواجره.
اللهم وأورد به ظمأ قلوبنا موارد تقواك، واشرع لنا به سبل مناهل جدواك، حتى نغدو خماصا من حلاوة قصدك، ونروح بطانا من لطائف رفدك.
اللهم نجنا به من موارد الهلكات، وسلمنا به من اقتحام الشبهات، وعمنا به بسحائب البركات، ولا تخلنا به من لطفك في جميع الأوقات.
اللهم جللنا به سرادق النعم، وغشنا به سرابيل العصم، وبلغنا به نهايات الهمم، واقشع به عنا غيابات النقم، ولا تخلنا به من تفضلك يا ذا الجود والكرم.
اللهم أعذنا به من مفارقة الهم ومساورة الحزن، وسلمنا به من غلبة الرجال في صم الفتن، وأعنا به على إدحاض البدع وإظهار السنن، وزينا بالعمل به في كل محل ووطن، وأجرنا به من عاداتك على كل جميل وحسن، إنك أنت العواد بغرائب الفضل وطرائف المنن.(2/286)
اللهم اجمع به كلمة أهل دينك على القول العادل، وارفع به عنهم عزة التشاحن وذلة التخاذل، واغمد به عن سفك دمائهم سيف الباطل، وخر لنا ولجميع المسلمين في العاجل والآجل، وجملنا وإياهم في المشاهد والمحافل، وعمنا وإياهم بإنعامك السابغ وإحسانك الشامل، إنك على ما تشاء قادر ولما تحب فاعل.
اللهم وإذا انقضت من الدنيا أيامنا،
وأزف عند الموت حمامنا، وأحاطت بنا الأقدار، وشخصت إلى قدوم الملائكة الأبصار، وعلا الأنين، وعرق الجبين، وكثر الانبساط والانقباض، ودام القلق والارتماض، فاجعل اللهم ملك الموت بنا رفيقا، وبنزع نفوسنا شفيقا، يا إله الأولين والآخرين، وجامع خلقه لميقات يوم الدين، توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بنبيك الأمين، وبسائر الأنبياء والمرسلين، أن تنصر سلطاننا وعساكره نصرا تعز به الدين، وتذل به رقاب أعدائك الخوارج والكافرين.
اللهم وفق سائر الوزراء والأمراء والقضاء والعلماء والعمال للعدل ونصرة الدين، والعمل بالشريعة المطهرة في كل وقت وحين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسولك، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتهم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم - إله الحق - واجعلنا منهم.
اللهم أهلك الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك.
اللهم شتت شملهم اللهم فرق جمعهم.
اللهم أقل حدهم.
اللهم أقل عددهم.
اللهم خالف بين كلمتهم.
اللهم اجعل الدائرة عليهم.
اللهم أرسل العذاب الأليم عليهم.
اللهم ارمهم بسهمك الصائب.
اللهم أحرقهم بشهابك الثاقب.
اللهم اجعلهم وأموالهم غنيمة للمسلمين.
اللهم أخرجهم من دائرة الحلم واللطف واسلبهم مدد الإمهال، وغل أيديهم واربط على قلوبهم ولا تبلغهم الآمال.
اللهم لا تمكن الأعداء لا فينا ولا منا، ولا تسلطهم علينا بذنوبنا.
اللهم قنا الأسوأ ولا تجعلنا محلا للبلوى.
اللهم أعطنا أمل الرجاء وفوق الأمل، يا من بفضله لفضله، أسألك إلهي العجل العجل، الإجابة الإجابة، يا من أجاب نوحا في قومه، يا من نصر إبراهيم على أعدائه، يا من رد يوسف على يعقوب، يا من كشف ضر أيوب، يا من أجاب دعوة زكريا، يا من قبل تسبيح يونس بن متى.
نسألك اللهم بأسرار أصحاب هذه الدعوات المستجابات أن تتقبل ما به دعونا، وأن تعطينا ما سألناك، وأنجز لنا وعدك الذي وعدته لعبادك الصالحين المؤمنين.
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
اللهم إنا نسألك التوبة الكاملة، والمغفرة الشاملة، والمحبة الكاملة، والخلة الصافية، والمعرفة الواسعة، والأنوار الساطعة، والشفاعة القائمة، والحجة البالغة، والدرجة العالية، وفك وثاقنا من المعصية، ورهاننا من النقمة، بمواهب
الفضل والمنة.
اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا عيبا إلا سترته، ولا هما إلا فرجته، ولا كربا إلا كشفته، ولا دينا إلا قضيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا عائلا إلا أغنيته، ولا عدوا ألا خذلته وكفيته، ولا صديقا إلا رحمته وكافيته، ولا فسادا إلا أصلحته، ولا مريضا إلا عافيته، ولا غائبا إلا رددته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها، فإنك تهدي السبيل، وتجبر الكسير، وتغني الفقير، يا رب العالمين.
* (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1) .
* (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هدينتا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) * (2) .
* (ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) * (3) * (ربنا
__________
(1) البقرة: 201.
(2) آل عمران: 8.
(3) الاعراف: 23.(2/287)
أتمم لنا نورنا، واغفر لنا، إنك على كل شئ قدير) * (1) * (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إن ك أنت التواب الرحيم) * (2) .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.
* (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين.
والحمد لله رب العالمين) * (3) .
(قوله: إكثار عبادة) أي وسن - مع التأكيد - إكثار عبادة في رمضان، وذلك لفضل أوقاته وحصول المضاعفة فيه، وكثرة الثواب وتيسير العمل بالخيرات فيه.
أما المضاعفة: فلما ورد أن النافلة في رمضان يعدل ثوابها ثواب الفريضة، والفريضة فيه بسبعين فريضة في غيره.
فمن يسمح بفوات هذا الربح، ويكسل عن اغتنام هذه التجارة التي لا تبور؟ وأما تيسير العمل بالخير فيه: فلأن النفس - الأمارة بالسوء - مسجونة بالجوع والعطش، والشياطين المثبطين عن الخير، المعوقين عنه مصفدون، لا يستطيعون الفساد، ولا يتمكنون منه.
فلم يبق بعد ذلك عن الخيرات مانع، ولا من دونها حاجز، إلا لمن غلب عليه الشقاء، واستولى عليه الخذلان - والعياذ بالله تعالى -.
(فائدة) روي عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر يوم من شعبان، فقال:
أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة القدر، خير من ألف شهر جعل الله تعالى صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة.
وهو شهر المواساة، وهو شهر يزاد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان له عتق رقبة ومغفرة لذنوبه.
قلنا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم.
قال: يعطي الله هذا الثواب من يفطر صائما على مذقة لبن، أو شربة ماء، أو تمرة.
ومن أشبع صائما كان له مغفرة لذنوبه، وسقاه ربه من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ.
وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.
ومن خفف عن مملوكه فيه أعتقه الله من النار.
فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى لكم عنهما - أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه.
وأما الخصلتان اللتان لا غنى لكم عنهما: تسألون ربكم الجنة، تتعوذون به من النار.
(إخواني) هذه بشارة للصوام في شهر رمضان، إذا حموا نفوسهم من الزلل والعصيان، وأخلصوا صيامهم للواحد المنان، فكيف حال المفرط الذي يصوم ويأكل لحوم الإخوان؟ ويصلي وجسمه في مكان وقلبه في مكان؟ ويذكر الله بلسانه وقلبه مشغول بذكر فلان وفلان؟ فيا من أصبح إلى ما يضره متقدما، وأمسى بناء أمله بكف أجله متهدما: ستعلم من يأتي غدا حزينا متندما، ويبكي على تفريطه في شهره بدل الدموع دما أتراك أيها الصائم - أعددت عدة حازم لقبرك؟ أم حصلت عملا ينجيك في حشرك؟ أم حفظت حدود صومك في شهرك؟ أم هتكت حرمة الحمى؟ - كم من صوم فسد فلم يسقط به الفرض؟ وكم من صائم يفضحه الحساب يوم العرض؟ وكم من عاص في هذا الشهر تستغيث منه الأرض وتشكو من أعماله السماء؟ فيا ليت شعري من المقبول ومن المطرود؟ ومن المقرب ومن المبعد المذود؟ ومن الشقي ومن المسعود؟ لقد عاد الأمر مبهما تالله لقد سعد في هذا الشهر بحراسة أيامه من كف جوارحه عن كسب آثامه، ولقد خاب من لم ينله من صيامه إلا الجوع والظمأ.
وما أحسن قول بعضهم فيه: شهر الصيام: لقد علوت مكرما، * * وغدوت من بين الشهور معظما
__________
(1) التحريم: 8.
(2) البقرة: 127 - 128.
(3) الصافات: 180 - 181 - 182(2/288)
يا صائمي رمضان هذا شهركم * * فيه أبا حكم المهيمن مغنما يا فوز من فيه أطاع إلهه * * متقربا، متجنبا، ما حرما فالويل كل الويل للعاصي الذي * * في شهره أكل الحرام وأجرما فنسأل الله الكريم المنان أن يجعلنا ممن حافظ على حدود صيام رمضان، ففاز بالفردوس والجنان، والقصور والحور العين الحسان، بجاه سيد ولد عدنان - - صلى الله عليه وسلم - - وعلى آله في كل آن.
آمين.
(قوله: واعتكاف) أي وسن - مع التأكيد - إكثار اعتكاف.
(قوله: للاتباع) هو ما رواه ابن ماجه والبيهقي، عن ابن عباس: المعتكف يعكف الذنوب، ويجرى له من الأجر كأجر عامل الحسنات كلها.
وما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
ثم اعتكف أزواجه من بعده، لأنه أقرب لصون النفس عن ارتكاب ما لا يليق.
(قوله: سيما إلخ) السي: المثل.
(وقوله: والأفصح جر ما بعدها) أي على الإضافة، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على التشبيه بالمفعول به، أو على أنه مفعول لمحذوف، وقيل على التمييز، لكن إذا كان نكرة.
(وقوله: وتقديم لا عليها) أي والأفصح تقديم لا النافية للجنس، واسمها سي، وخبرها محذوف.
(قوله: وما: زائدة) وقيل موصولة، والاسم الذي بعدها مرفوع على أنه خبر محذوف، والجملة صلة.
(قوله: وهي دالة إلخ) أي فيقال هنا العشر الأواخر أولى بالثلاثة من غيرها، ولا يستثنى بها - على الأصح.
(قوله: عشر آخره) يقرأ لفظ عشر بالجر على أنه مضاف إليه على الأفصح، ويجوز رفعه ونصبه.
(قوله: فيتأكد له) أي في العشر الأخير.
(وقوله: إكثار الثلاثة) - هي: الصدقة، والتلاوة، والاعتكاف.
(قوله: للاتباع) هو ما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها.
وما صح أنه عليه السلام: كان إذا دخل العشر الأخير أحيا الليل كله وأيقظ أهله، وشد المئزر وهو كناية عن التهيؤ للعبادة، والإقبال عليها بهمة ونشاط.
(قوله: ويتأكد إكثار الخ) مكرر مع قوله أول، فيتأكد له إكثار إلخ، فالأولى إسقاطه، ويكون قوله رجاء الخ علة لقوله ويسن أن يمكث معتكفا.
(قوله: رجاء مصادفة ليلة القدر) أي طلبا لإدراكها.
(قوله: أي الحكم) تفسير للقدر، فالمراد من ليلة القدر: ليلة الحكم.
وفي حاشية الجمل على الجلالين، وفي القرطبي، قال مجاهد في ليلة الحكم: وما أدراك ما ليلة القدر؟ قال: ليلة الحكم.
والمعنى ليلة التقدير، سميت بذلك لأن الله تعالى يقدر فيها ما يشاء من أمره إلى مثلها من السنة القابلة، من أمر
الموت، والأجل، والرزق، وغير ذلك، ويسلمه إلى مدبرات الأمور، وهم أربعة من الملائكة: إسرافيل، وميكائيل، وعزرائيل، وجبرائيل - عليهم السلام -.
اه.
تحفة.
وفي تحفة الإخوان للفشني: ومعنى أن الله تعالى يقدر الآجال والأرزاق: أنه يظهر ذلك للملائكة، ويأمرهم بفعل ما هو من سعتهم وضيقهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة، ويعرفهم إياه.
وليس المراد منه أنه يحدثه في تلك الليلة، لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض.
وقيل للحسين بن الفضيل: أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: بلى قيل له: فما معنى ليلة القدر؟ قال سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ القضاء المقدر.
اه.
(قوله: والفصل) بالصاد المهملة، وما يوجد في غالب النسخ من أنه بالضاد المعجمة تحريف من النساخ، وهو بمعنى الحكم، فعطفه عليه مرادف.
(قوله: أو الشرف) عطف على الحكم وهو غيره، فهو تفسير آخر للقدر.
فمعنى ليلة القدر: ليلة الشرف.
وسميت تلك الليلة بذلك لعظمها، وشرفها، وقدرها - من قولهم: لفلان قدر: أي شرف ومنزلة.(2/289)
قاله الأزهري وغيره.
ثم إن شرفها يحتمل أن يكون راجعا للفاعل فيها على معنى أن من أتى فيها بالطاعة صار ذا قدر وشرف، ويحتمل أن يرجع إلى نفس العمل.
(قوله: والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر) هذا من جملة التعليل، بل هو محطة.
أي وإنما تأكد إكثار العبادات فيه رجاء مصادفة ليلة القدر، التي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وهي ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه: ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فتعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك وتمنى ذلك لأمته، فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعمارا، وأقلها أعمالا فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر.
وقيل إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله تعالى ألف شهر، فأعطوا ليلة إن إحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد.
وما أحسن قول بعضهم: هي ليلة القدر التي شرفت على * * كل الشهور وسائر الأعوام
من قامها يمحو الإله بفضله * * عنه الذنوب وسائر الآثام فيها تجلى الحق جل جلاله * * وقضى القضاء وسائر الأحكام فادعوه واطلب فضله تعط المنى * * وتجاب بالإنعام والإكرام فالله يرزقنا القبول بفضله * * ويجود بالغفران للصوام ويذيقنا فيها حلاوة عفوه * * ويميتنا حقا على الإسلام (قوله: ليس فيها ليلة القدر) الجملة صفة لألف شهر، أي ألف شهر موصوفة بكونها ليس فيها ليلة القدر، وإنما قيد به ليصح ما ذكره، وإلا بأن دخلت ليلة القدر في ألف الشهر: لزم تفضيل الشئ على نفسه بمراتب.
قال ق ل: ظاهر كلامهم أن ألف الشهر كاملة، وأنها تبدل ليلة القدر بليلة غيرها، ويحتمل نقصها منها.
ولعل المراد بالشهور: العربية، لأنها المنصرف إليها الاسم شرعا وعرفا.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وهي منحصرة إلخ) كالعلة للعلة السابقة.
(وقوله: عندنا) أي معاشر الشافعية - أي جمهورهم، وهو الأصح - وعلى مقابله قيل إنها ليلة تسع عشرة، وقيل سبع عشرة، وقيل ليلة النصف، وقيل جمع رمضان.
وادعى المحاملي أنه المذهب، وصح فيه حديث.
وقيل جميع السنة - وعليه جماعة - وقيل غير ذلك.
اه.
كردي، نقلا عن الإيعاب.
(وقوله: فيه) أي في العشر الأخير لا تنتقل منه إلى غيره، وتلزم ليلة منه بعينها في المذهب.
قال البجيرمي: ومعناه أنها إذا كانت في الواقع ليلة حادي وعشرين مثلا تكون كل عام كذلك، لا تنتقل عن هذه الليلة، فمن عرفها في سنة عرفها فيما بعدها.
اه.
(قوله: فأرجاها: أوتاره) أي أقرب الأوقات لليلة القدر من العشر الأخير: أوتاره، وهي الحادي والعشرون، والثالث والعشرون، والخامس والعشرون، وهكذا.
(وقوله: وأرجى أوتاره) أي العشر.
(قوله: واختار النووي وغيره انتقالها) أي من ليلة من العشر إلى ليلة أخرى منه.
وإنما اختار ذلك جمعا بين الأخبار المتعارضة في محلها.
قال الكردي: وكلام الشافعي - رضي الله عنه - في الجمع بين الأخبار يقتضيه، وعليه قال الغزالي وغيره إنها تعلم فيه باليوم الأول من الشهر، فإن كان أوله يوم الأحد أو يوم الأربعاء: فهي ليلة تسع وعشرين.
أو يوم الاثنين: فهي ليلة إحدى وعشرين.
أو يوم الثلاثاء أو الجمعة: فهي ليلة سبع وعشرين.
أو الخميس: فهي ليلة خمس وعشرين.
أو يوم السبت: فهي ليلة ثلاث وعشرين.
قال الشيخ أبو الحسن: ومنذ بلغت سن(2/290)
الرجال ما فاتتني ليلة القدر بهذه القاعدة المذكورة.
قال الشهاب القليوبي في حاشيته على المحلى شرح المنهاج، وقد
نظمتها بقولي: يا سائلي عن ليلة القدر التي * * في عشر رمضان الأخير حلت فإنها في مفردات العشر * * تعرف من يوم ابتداء الشهر فبالأحد والأربعاء: التاسعة، * * وجمعة مع الثلاثا: السابعه وإن بدا الخميس: فالخامسة، * * وإن بدا بالسبت: فالثالثة وإن بدا الاثنين فهي الحادي * * - هذا عن الصوفية الزهاد وقد رأيت قاعدة أخرى تخالف هذه، وقد نظمت فلا حاجة لنا في الإطالة بها.
اه.
قوله وقد رأيت قاعدة أخرى: وقد نظمها بعضهم بقوله: وإنا جميعا إن نصم يوم جمعة * * ففي تاسع العشرين خذ ليلة القدر وإن كان يوم السبت أول صومنا * * فحادي وعشرين اعتمده بلا عذر وإن هل يوم الصوم في أحد فذا * * بسابعة العشرين ما رمت فاستقر وإن هل بالاثنين فاعلم بأنه * * يوافيك نيل الوصل في تاسع العشري ويوم الثلاثا إن بدا الشهر فاعتمد * * على خامس العشرين تحظى بها فادر وفي الأربعا إن هل - يا من يرومها - * * فدونك فاطلب وصلها سابع العشري ويوم الخميس إن بد الشهر فاجتهد * * توافيك بعد العشر في ليلة الوتر وفي التحفة ما نصه: وحكمة إبهامها في العشر: إحياء جميع لياليه، وهي من خصائصنا، وباقية إلى يوم القيامة، والتي يفرق فيها كل أمر حكيم.
وشذ وأغرب من زعمها ليلة النصف من شعبان، وعلامتها أنها معتدلة، وأن الشمس تطلع صبيحتها، وليس لها كثير شعاع، لعظيم أنوار الملائكة الصاعدين والنازلين فيها، وفائدة ذلك معرفة يومها: إذ يسن الاجتهاد فيه - كليلتها.
اه.
(قوله: وهي) أي ليلة القدر.
(وقوله: أفضل ليالي السنة) لما مر من أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، وللحديث الذي ذكره بقوله: وصح الخ.
(قوله: من قام إلخ) (فإن قلت) لفظ قام ليلة القدر، هل يقتضي قيام تمام الليلة،
أو يكفي أقل ما ينطلق عليه اسم القيام فيها؟ (قلت) يكفي الأقل، وعليه بعض الأئمة، حتى قيل بكفاية أداء فرض العشاء في دخوله تحت القيام فيها، لكن الظاهر منه عرفا أنه لا يقال قام الليلة إلا إذا قام كلها أو أكثرها.
(فإن قلت) ما معنى القيام فيها: إذ ظاهره غير مراد قطعا؟ (قلت) القيام الطاعة فإنه معهود من قوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * (1) وهو حقيقة شرعية، فيه.
كرماني على البخاري.
اه بجيرمي.
(وقوله: إيمانا) هو وما بعده منصوبان على المفعول لأجله، أو التمييز، أو الحال بتأويل المصدر باسم الفاعل.
(وقوله: أي تصديقا) تفسير لإيمانا، وقوله بأنها: أي ليلة القدر.
(قوله: واحتسابا) معطوف على إيمانا.
(قوله: أي طلبا الخ) تفسير مراد لاحتسابا.
(قوله: غفر له الخ) جواب من.
والنكتة في وقوعه ماضيا مع أن الغفران واقع في المستقبل أنه متيقن الوقوع، فضلا من الله تعالى على عباده.
(وقوله: ما تقدم من ذنبه) أي من الصغائر، أو الأعم، دون التبعات، وهي حقوق الآدميين، أما هي: فلا يكفرها إلا الاستحلال من مستحقها
__________
(1) البقرة: 238(2/291)
إن كان موجودا أهلا للاستحلال منها، فإن لم يكن أهلا، أو لم يكن موجودا، فوارثه.
(قوله: وشذ من زعم أنها ليلة النصف من شعبان) أي من زعم أن ليلة القدر هي ليلة النصف من شعبان: فقد شذ، أي خالف الجماعة الثقات.
(قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاعتكاف.
وقد أفرده الفقهاء بكتاب مستقل.
وذكره عقب الصوم لمناسبته له من حيث إن المقصود من كل منهما واحد، وهو كف النفس عن شهواتها، ومن حيث أن الذي يبطل الصوم قد يبطل الاعتكاف، ولأنه يسن للمعتكف الصيام.
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * وخبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم اعتكف العشر الأواخر ولازمه حتى توفاه الله تعالى.
ثم اعتكف أزواجه من بعده.
وأركانه أربعة: لبث، ونية، ومعتكف، ومعتكف فيه.
ويشترط لها شروط.
فشرط اللبث: أن يكون فوق قدر طمأنينة الصلاة، فلا يكفي لبث أقل ما يجزئ من طمأنينة الصلاة كمجرد العبور، لأن كلا منهما لا يسمى اعتكافا.
وشرط النية: المقارنة للبث - كما في الصلاة وغيرها - والتعرض للفرضية إن كان منذورا ليتميز عن النفل، فيقول: نويت فرض الاعتكاف، أو: الاعتكاف المنذور.
ويقع جميعه فرضا، وإن طال مكثه، ونوزع فيه بأن ما يمكن تجزؤه يقع أقل ما
ينطلق عليه الاسم فرضا والباقي نفلا - كالركوع ومسح الرأس - فمقتضاه أن يكون هنا كذلك.
وفرق ع ش: بأن القاعدة المذكورة فيما له أقل وأكمل كالركوع، وأما الاعتكاف فلم يجعلوا له إلا أقل.
اه.
وفرق غيره أيضا بأنا لو قلنا أنه لا يقع جميعه فرضا لاحتاج الزائد إلى نية، ولم يقولوا به، وبخلاف الركوع ومسح الرأس.
وشرط المعتكف الإسلام والتمييز والخلو من الموانع.
فلا يصح من كافر، لتوقفه على النية، وهو ليس من أهلها.
ولا من صبي غير مميز، ومجنون، ومغمى عليه، وسكران - إذ لا نية لهم - ولا من جنب، وحائض، ونفساء، لحرمة مكثهم في المسجد.
وشرط المعتكف فيه أن يكون كله مسجدا، سواء سطحه ورحبته المعدودة منه وصحته، فلا يصح في غيره، ولا فيما وقف جزؤه شائعا مسجدا.
وجميع ما ذكر يعلم من تعريفه الآتي: (قوله: يسن اعتكاف) وقد يجب بالنذر، ويحرم على الزوجة والرقيق بلا إذن من الزوج أو السيد - مع الصحة - ويكره لذات الهيئة - مع الإذن - فتعتريه الأحكام، ما عدا الإباحة.
(وقوله: كل وقت) أي حتى أوقات الكراهة، وإن تحراها.
ع ش: وتقدم أنه في العشر الأخير من رمضان أفضل - للاتباع.
(قوله: وهو لبث إلخ) هذا معناه شرعا، وأما لغة: فهو اللبث والحبس والملازمة على الشئ، وإن كان شرا.
قال تعالى: * (يعكفون على أصنام لهم) * والمراد من اللبث هنا ما يشمل التردد - بدليل الغاية بعده.
(قوله: فوق قدر طمأنينة الصلاة) أي ولو بيسير.
واحترز به عما إذا لم يكن اللبث كذلك، فلا يكفي - كما علمت.
(قوله: ولو مترددا) أي ولو كان اللابث مترددا في المسجد غير ساكن فيه، فلا يشترط السكون والاستقرار فيه، بل الشرط إما السكون أو والتردد، بخلاف مجرد العبور، فلا يكفي - كما تقدم -.
وفي البجيرمي ما نصه: قال المناوي في أحكام المساجد: ويندب للمار أن ينويه أي الاعتكاف ويقف وقفة تزيد على أقل طمأنينة الصلاة، فإن نواه ولم يقف، أو وقف قدرها، أو دونها لم يصح على الأصح.
اه.
__________
(1) البقرة: 187.
(2) الاعراف: 138(2/292)
في حاشية السيد الرحماني على التحرير: قال شيخنا ولا بد من إيقاعها حال الاستقرار، فلا يكفي حال المرور حتى يستقر.
اه.
وفي حاشية الكردي نقلا عن ابن حجر في حاشيته على فتح الجواد، ما نصه: هل هو أي التردد اسم للذهاب مع العود، أو لابتداء العود المسبوق بالذهاب؟ والفرق بين هذين أن الأول يجعل مسماه مركبا من الأمرين.
والثاني: يجعله اسما للثاني المسبوق بالأول، فهو شرط لقسيمه الثاني، لا أنه من المسمى.
ويترتب على ذلك أن قولهم الاعتكاف يحصل بالتردد مرادهم به أنه إذا دخل المسجد قاصدا العود نوى من حينئذ على الأول، ومن حين الأخذ في العود على الثاني، فإن دخل لا بنية عود بل طرأ له العود عند وصوله لبابه الثاني مثلا فهل يسمى أخذه الآن في العود ترددا، فتكفي النية حينئذ أو لا يتصور هنا تردد لأنه لم ينو العود أولا، وإنما طرأ له في الأثناء، فكان العود كإنشاء دخول آخر، فلا تردد كل محتمل.
الخ.
اه.
(قوله: في مسجد) متعلق بلبث، ويشترط فيه زيادة على ما مر أن لا تكون أرضه محتكرة.
قال في التحفة: أما ما أرضه محتكرة فلا يصح فيه إلا إن بنى فيه مسطبة أو بلطه، ووقف ذلك مسجدا، لقولهم: يصح وقف السفل دون العلو.
وعكسه، وهذا منه: اه.
وكتب سم: قوله: أو بلطه: أي أو سمر فيه دكة من خشب أو نحو سجادة.
م ر.
اه.
وقوله: أو سمر: التسمير قيد، لأنه به يصير مثبتا، فهو في حكم وقف العلو دون السفل، أما إذا لم يسمر فلا يصح وقفه مسجدا.
وفي النهاية في باب الوقف: أما جعل المنقول مسجدا كفرش وثياب فموضع توقف، لأنه لم ينقل عن السلف مثله.
وكتب الأصحاب ساكتة عن تنصيص بجواز أو منع، وإن فهم من إطلاقهم الجواز، فالأحوط المنع كما جرى عليه بعد شرح الحاوي وما نسب للشيخ من إفتائه بالجواز لم يثبت عنه.
اه.
واعلم أن الجامع وهو ما تقام فيه الجمعة والجماعة أولى بالاعتكاف فيه من غيره، للخروج من خلاف من أوجبه، ولكثرة الجماعة فيه، وللاستغناء عن الخروج للجمعة، وقد يجب الاعتكاف فيه إن نذر مدة متتابعة تتخللها جمعة وهو من أهلها.
ولم يشترط الخروج لها، لأن الخروج لها بلا شرط يقطع التتابع، لتقصيره بعدم شرطه، مع علمه بمجئ الجمعة.
وإذا عين المسجد الحرام في نذره الاعتكاف، تعين، فلا يقوم غيره مقامه.
لتعلق النسك به، وزيادة فضله، والمضاعفة فيه.
وكذا مسجد المدينة، ومسجد الأقصى إذا عينهما الناذر في نذره، تعينا، ولا يجزئ غيرهما، ويقوم المسجد الحرام مقامهما، ولا عكس، لأنهما دونه في الفضل، ويقوم مسجد المدينة مقام الأقصى، لأنه أفضل منه، ولا عكس - لما سبق.
(قوله: أو رحبته) أي أو في رحبة المسجد.
(وقوله: التي لم يتيقن إلخ) فإن تيقن حدوثها بعده مع كونها غير
مسجد فلا يصح الاعتكاف فيها.
ولنا كلام في نظير هذه العبارة سبق في مبحث الجماعة، فارجع إليه إن شئت.
وعبارة غيره ورحبته المعدودة منه.
وكتب عليها ع ش ما نصه: قوله المعدودة منه صفة كاشفة، ويحتمل أن المراد المتصلة به، فإن خرج إلى رحبته المنفصلة عنه انقطع اعتكافه - أخذا مما سيأتي في خروج المؤذن الراتب إلى منارة بابها فيه أو في رحبته المتصلة به، فإن مفهومه أن المنفصلة عنه ينقطع تتابعه بالخروج إلى المنارة التي بابها بالمنفصلة.
اه.
(قوله: بنية اعتكاف) متعلق بلبث.
وتقدم ما يشترط فيها، فلا تغفل.
(قوله: ولو خرج إلخ) حاصل الكلام على ذلك أنه إذا أطلق الاعتكاف بأن لم يقيده بمدة، منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف، وفي الثاني: نويت الاعتكاف، ثم خرج من المسجد بلا عزم على العود عند خروجه لزمه استئناف نية الاعتكاف إذا أراد مطلقا، سواء خرج لقضاء حاجة أم لا، لأن ما مضى عبادة تامة، وهو يريد اعتكافا جديدا.
فإن خرج عازما على العود لم يلزمه استئنافها، لأن عزمه حينئذ قائم مقام النية.
وإذا لم يطلقه بأن قيده بمدة، كيوم أو شهر، ولم يشترط فيها التتابع منذورا(2/293)
كان أو مندوبا أيضا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا، ثم خرج من المسجد في تلك المدة وعاد إليه، فإن كان خروجه لغير قضاء حاجة من بول أو غائط، لزمه استئناف نية الاعتكاف أيضا إن أراده، ما لم يعزم على العود عند خروجه، وإلا فلا يلزمه كما في سابقه وإن كان خروجه لقضاء الحاجة لم يلزمه استئنافها، وإن طال زمن قضاء الحاجة لأنه لا بد منه، فهو كالمستثنى عند النية.
وإذا شرط التتابع في مدته - منذورا كان أو مندوبا كأن قال في الأول: لله علي أن أعتكف شهرا متتابعا، وفي الثاني: نويت الاعتكاف شهرا متتابعا، ثم خرج لعذر لا يقطع التتابع - كقضاء حاجة، وحيض لا تخلو المدة عنه غالبا - ثم عاد إليه لم ينقطع اعتكافه، فلا يلزمه استئناف النية عند العود، لشمولها جميع المدة.
وتجب المبادرة إلى العود عند زوال العذر، فإن أخر ذاكرا، عالما مختارا، انقطع تتابعه، وتعذر البناء على ما مضى.
وإن خرج لعذر يقطع التتابع - كعيادة مريض، وزيارة قادم انقطع اعتكافه ووجب استئنافه إذا كان منذورا، ولا يجب إذا كان مندوبا.
(قوله: ولو لخلاء) أي ولو كان خروجه لخلاء أي يقضي فيه حاجته.
ويحتمل أن يكون كناية عن نفس قضائها.
(قوله: من لم يقدر) فاعل خرج.
ويقدر يقرأ بضم الأول وكسر الدال المشددة، بمعنى يخصص.
(وقوله: المندوب) صفة للاعتكاف.
(وقوله: أو المنذور) معطوف على المندوب.
(وقوله: بمدة) متعلق بيقدر.
(وقوله: بلا عزم عود) متعلق بخرج - وسيذكر محترزه.
(قوله: جدد النية)
جواب لو.
(قوله: إن أراده) أي الاعتكاف.
(قوله: وكذا عاد الخ) أي وكذلك يجدد النية إذا أراده من قيد الاعتكاف بمدة ولم يعزم على العود عند الخروج، سواء كان تطوعا أو نذرا كما علمت (وقوله: لغير نحو خلاء) متعلق بالخروج.
فإن خرج لنحو الخلاء لا يلزمه تجديد النية.
وانظر ما نحو الخلاء؟ ويمكن أن يكون المراد به: محل قضاء الحاجة غير المعد لها.
لكن هذا إن خصص الخلاء بالمعد له.
وعبارة الإرشاد فيها إسقاط لفظ نحو، وهو الأولى.
(قوله: من قيده) فاعل عاد.
(وقوله: بها) أي بمدة.
(وقوله: كيوم) تمثيل للمدة.
(قوله: فلو خرج الخ) محترز قوله بلا عزم عود في الصورتين: صورة من لم يقدر الاعتكاف بمدة، وصورة من قدره بها، والأولى هي ما قبل، وكذا الثانية هي ما بعده.
(قوله: لم يجب تجديد النية) أي لأن عزمه على العود قائم مقام النية كما مر.
قال في المغنى: (فإن قيل) اقتران النية بأول العبادة شرط، فكيف يكتفي بعزيمة سابقة؟ أجيب بأن نية الزيادة وجدت قبل الخروج، فصار كمن نوى المدتين بنية واحدة.
كما قالوه فيمن نوى ركعتين نفلا مطلقا، ثم نوى قبل السلام زيادة، فإنه يصح.
اه.
وقوله: المدتين: أي مدة ما قبل الخروج، ومدة ما بعد العود.
(قوله: ولا يضر الخروج في اعتكاف نوى تتابعه) أي لا يقطع الخروج لهذه الأعذار تتابع الاعتكاف منذورا كان أو مندوبا ومع عدم الضرر: يجب في المنذور قضاء زمن خروجه إلا زمن نحو تبرز، مما لم يطل زمنه عادة كالأكل فلا يجب قضاؤه، لأنه لا بد منه، فكأنه مستثنى، بخلاف ما يطول زمنه عادة كمرض، وحيض.
(وقوله: نوى تتابعه) يفيد أن نية التتابع توجب التتابع، وهو ما اعتمده جمع متأخرون، وأطالوا في الاستدلال له.
والذي صححه الشيخان عدم وجوبه بالنية، فلا يجب عندهما، إلا أن صرح به لفظا كأن قال شهرا متتابعا لأنه وصف مقصود.
وعبارة التحفة مع الأصل: والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط، وإن نواه، لأن مطلق الزمن كأسبوع، أو عشرة أيام صادق بالمتفرق أيضا.
اه.
وفي الكردي: ولو عين مدة كهذا الأسبوع، أو هذه السنة وتعرض للتتابع فيها لفظا وفاته، لزمه التتابع في(2/294)
القضاء.
وإن لم يتعرض للتتابع لفظا، لم يلزمه في القضاء.
ولو نذر اعتكاف شهر، دخلت الليالي مع الأيام.
أو ثلاثين يوما لم تدخل الليالي على الأصح.
اه.
(قوله: كأن نوى اعتكاف إلخ) أي وكأن قال: لله علي اعتكاف أسبوع أو شهر متتابع.
ثم عند دخول المسجد نوى اعتكاف المنذور.
(قوله: وخرج) لا حاجة إليه بعد قوله الخروج، فالصواب حذفه، ويكون قوله بعد لقضاء حاجة متعلقا بقوله الخروج، أي ولا يضر الخروج لقضاء حاجة.
والمراد بالحاجة: البول والغائط.
(قوله: ولو بلا شدتها) أي الحاجة.
وهو غاية لعدم ضرر الخروج للحاجة، فلا تشترط شدتها.
وعبارة الروض وشرحه: ولو بلا شدتها، ولو كثر خروجه لقضائها لعارض، نظرا إلى جنسه، ولكثرة اتفاقه.
اه.
(قوله: وغسل جنابة) هو وما بعده معطوف على قضاء حاجة، أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل غسل جنابة وإزالة نجس.
(قوله: وإن أمكنهما) فاعل الفعل ضمير مستتر يعود على المعتكف، والضمير البارز يعود على غسل الجنابة وإزالة النجس، وهذا خلاف القياس.
والقياس العكس، بأن يجعل الضمير العائد إليه مفعولا، والعائد إليهما مرفوعا، بأن يقول: وإن أمكناه، وذلك لأن علامة الفاعل أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المرفوع، وعلامة المفعول أن يصلح أن يحل في محله ضمير المتكلم المنصوب، وهنا لا يصلح أن تقول أمكنت إياهما، ويصلح أن تقول أمكنني هما كما قالوه في أمكن المسافر السفر، من أن المسافر منصوب، والسفر مرفوع، لصحة قولك أمكنني السفر، دون أمكنت السفر انظر الأشموني في آخر باب الفاعل - ثم أن ما ذكر غاية لعدم ضرر الخروج لغسل الجنابة وإزالة النجاسة، وإذا أمكناه في المسجد فله فعلهما فيه كأن يكون في المسجد بركة يغطس فيها، وإناء يغسل النجاسة فيه ثم يقذفه خارجه.
فإن قلت كيف يتصور الغسل من الجنابة في المسجد، مع أنه يحرم عليه المكث فيه؟ قلت يصور ذلك في بركة يغطس فيها وهو ماش أو عائم، أو يكون عاجزا عن الخروج.
(قوله: لأنه أصون الخ) علة لعدم ضرر الخروج لذلك مع إمكانه في المسجد، أي وإنما لم يضر الخروج لذلك، لأن الخروج أحفظ لمروءته، وأحفظ لحرمة المسجد.
وعبارة الإرشاد مع فتح الجواد: وله الخروج له - أي للغسل الواجب من حدث أو خبث، وإن أمكنه فيه، لأنه أصون لمروءته، ولحرمة المسجد.
اه.
(قوله: وأكل طعام) عطف على قضاء حاجة.
أي ولا يضر الخروج في ذلك لأجل أكل طعام.
وخرج بالأكل الشرب إذا وجد الماء في المسجد فلا يخرج لأجله، إذ لا يستحيا منه فيه.
(قوله: لأنه يستحيا منه) أي الأكل.
قال في شرح الروض: ويؤخذ من العلة أن الكلام في مسجد مطروق، بخلاف المختص، والمهجور، وبه صرح الأذرعي.
اه.
(قوله: وله الوضوء) أي يجوز الوضوء له خارج المسجد.
قال الكردي: وقيد في الإيعاب الوضوء بكونه واجبا.
وقال في النهاية: واجبا كان أو مندوبا.
(وقوله: تبعا له) أي لقضاء الحاجة.
(قوله: لا الخروج له قصدا) أي لا يجوز له الخروج للوضوء استقلالا،
بمعنى أنه ينقطع به التتابع.
نعم، إن تعذر في المسجد: جاز.
قال ش ق: ويؤخذ من ذلك أن الوضوء في المسجد جائز، وإن تقاطر فيه ماؤه، لأنه غير مقصود، فلا يحرم، ولا يكره.
ولا يشكل بطرح الماء المستعمل فيه، فإنه قيل بحرمته، وقيل بكراهته وهو المعتمد حيث لا تقذير، لأن طرح ذلك مقصود، بخلاف المتقاطر من أعضاء الوضوء.
اه.
(قوله: ولا لغسل مسنون) أي ولا يجوز الخروج لغسل مسنون.
(قوله: ولا يضر) أي لا يقطع تتابع الاعتكاف.
(وقوله: بعد موضعها) أي موضع قضاء الحاجة، وغسل الجنابة، وإزالة النجاسة، وأكل الطعام.
فالضمير يعود على الأربعة المذكورة.
(قوله: إلا إن يكون لذلك) أي المعتكف الذي أراد الخروج لقضاء الحاجة وما عطف عليه.
(وقوله: موضع أقرب منه) أي من الموضع الذي قضى فيه الحاجة، أو اغتسل، أو أزال النجاسة، أو أكل.
(قوله: أو يفحش(2/295)
البعد) أي أو لم يكن له موضع أقرب منه، ولكن فحش بعد الموضع الذي فعل فيه ما ذكر، وهكذا يفيد صنيعه.
وفيه أنه إذا لم يكن له موضع أقرب.
فعل ذلك في الأبعد، ولا يضر وعبارة ابن حجر على بأفضل، تدل على أنه مع فحش البعد له موضع أقرب منه.
ونصها: وإذا خرج لداره لقضاء الحاجة أو الأكل، فإن تفاحش بعدها عن المسجد عرفا، وفي طريقه مكان أقرب منه لائق به - وإن كان لصديقه - أو كان له دار إن لم يتفاحش بعدهما وأحدهما أقرب، تعين الأقرب في الصورتين، وإلا انقطع تتابعه.
اه.
وضابط الفحش: أن يذهب أكثر الوقت المنذور في الذهاب إلى الدار - كأن يكون وقت الاعتكاف يوما، فيذهب ثلثاه، ويبقى ثلثه.
(قوله: ما لم يكن الأقرب غير لائق به) أي أو لم يكن هناك أقرب أصلا - كما علمت فإنه لا يضر حينئذ البعد، وإن تفاحش.
(قوله: ولا يكلف الخ) أي ولا يكلف إذا خرج لما ذكر الإسراع، بل يمشي على سجيته وطبيعته المعهودة، فإن تأنى أكثر من ذلك بطل تتابعه كما في زيادة الروضة.
(قوله: وله صلاة على جنازة إلخ) يعني له في خروجه لما ذكر صلاة على جنازة، وله أيضا عيادة مريض، وزيارة قادم.
وإن تعدد كل منها ما لم يعدل عن طريقه في الكل، ولم يطل وقوفه في الأخيرين، ولم ينتظر ما في الأولى، فإن عدل عن طريقه في الكل، أو طال وقوفه في الأخيرين، أو انتظرها في الأولى، ضر.
وفي البجيرمي ما نصه: قوله: ولو عاد مريضا في طريقه الخ: صنيعه يقتضي أن الخروج ابتداء لعيادة المريض يقطع التتابع: ومثله الخروج للصلاة على الجنازة، وهو كذلك.
(وقوله: إن لم ينتظر) أي صلاة الجنازة، فإن انتظر ضر كما علمت.
(قوله: ويخرج جوازا إلخ) هذا مفروض في المنذور المتتابع، كما صرح به الفقهاء.
ففاعل يخرج يعود على ناذر الاعتكاف، المعلوم من المقام.
أما غير المنذور
فيجوز الخروج منه مطلقا لما استثناه وغيره وإن كان يقطع التتابع كما سيصرح به.
وحاصل الكلام على هذه المسألة: أنه إذا شرط ناذر الاعتكاف متتابعا الخروج من المسجد لعارض مباح مقصود لا ينافي الاعتكاف، صح الشرط، ثم إن عين شيئا لم يتجاوزه، وإلا جاز له الخروج لكل عرض، ولو دنيونا مباحا كلقاء أمير بخلاف ما إذا شرط الخروج لا لعارض، كأن قال إلا إن يبدو لي الخروج، أو شرطه لعارض محرم كسرقة أو غير مقصود كتنزه أو مناف للاعتكاف كجماع فإنه لا يصح شرطه في هذه الأمور الأربعة، بل لا ينعقد نذره أصلا.
نعم، إذا كان المنافي لا يقطع التتابع كحيض، لا تخلو المدة عنه غالبا فيصح شرط الخروج له.
ثم زمن الخروج لما شرطه إن كان في نذر مطلق كشهر: قضاه وجوبا، لتتميم المدة، أو في نذر معين كهذا الشهر فلا يلزمه قضاؤه، لأنه لم ينذره.
(قوله: لما استثناه) متعلق بيخرج.
أي يخرج للشئ الذي استثناه أي في نذره كأن قال: لله علي نذر أن أعتكف شهرا متتابعا، بشرط أنه إذا بدا لي غرض أخرج لأجله.
(وقوله: من غرض) بيان لما، ويشترط فيه أن يكون مباحا مقصودا غير مناف للاعتكاف كما علمت.
(قوله: كلقاء أمير) أي لحاجة اقتضت خروجه للقائه، لا مجرد التفرج عليه.
اه.
ع ش.
(قوله: أو أخروي) معطوف على دنيوي.
أي أو غرض أخروي.
(قوله: كوضوء) تمثيل للأخروي.
(قوله: وغسل مسنون) قيد به، لأن الواجب يجوز له الخروج من غير استثناء - كما مر.
(قوله: ويبطل) أي الاعتكاف مطلقا، منذورا كان أو مندوبا.
وحاصل ما يبطل به تسعة أشياء، ذكر منها المؤلف شيئين، وهما: الجماع، والإنزال.
وبقي عليه سبعة، وهي: السكر المتعدى به، والردة، والحيض إذا كانت مدة الاعتكاف تخلو عنه غالبا كخمسة عشر يوما فأقل والنفاس، والخروج من غير عذر والخروج لاستيفاء عقوبة ثبتت بإقراره، وكذا الخروج لاستيفاء حق ماطل به والخروج لعدة باختيارها، كأن علق الطلاق على مشيئتها، فقالت وهي معتكفة: شئت، أو خالعته على مال.
فمتى طرأ واحد من هذه على الاعتكاف المنذور المقيد بالمدة والتتابع، أو المقيد بالمدة دون التتابع، أو المطلق الذي لم يقيد بشئ أصلا، أبطله في الجميع.
لكن معنى البطلان في الأول: أنه يخرج منه، ويجب عليه الاستئناف، وإن أثيب على ما مضى في غير الردة.
ومعناه في الثاني: أن زمن ذلك لا يحسب من الاعتكاف، فإذا زال ذلك جدد النية، وبنى على ما مضى.(2/296)
ومعناه في الثالث: أن ينقطع استمراره ودوامه، ولا بناء، ولا تجديد نية، وما مضى معتد به، ويحصل به الاعتكاف.
وقد نظم هذه التسعة م د بقوله:
وطئ وإنزال وسكر رده * * حيض نفاس لاعتكاف مفسده خروجه من مسجد وما عذر * * كذاك لاستيفا عقوبة المقر وبخروجه اعتكافه بطل * * بأخذ حق يا فتى به مطل أفاد ذلك كله البجيرمي.
ومما يبطل به الاعتكاف أيضا غير هذه التسعة: الجنون، والإغماء إن طرآ بسبب تعدى به، لأنهما حينئذ كالسكر، أما إذا لم يطرآ بسبب تعدى به فلا يقطعانه، إن لم يخرج كل منهما من المسجد، أو أخرج ولم يمكن حفظه فيه، أو أمكن لكن بمشقة، بخلاف ما إذا أخرج من المسجد وقد أمكن حفظه فيه بلا مشقة - على ما اقتضاه كلام الروضة وغيرها إذ لا عذر في إخراجه.
(قوله: بجماع) أي من واضح عمدا مع العلم والاختيار.
أما المشكل، فلا يضر وطؤه وإمناؤه بأحد فرجيه لاحتمال زيادته.
وكذا الناسي، والجاهل، والمكره كما في الصوم.
(قوله: وإن استثناه) غاية في البطلان.
أي يبطل به، وإن استثناه الناذر في نذره لما مر أنه مناف للعبادة.
(قوله: أو كان) أي الجماع.
وهو عطف على الغاية، فهو غاية أيضا في البطلان.
أي يبطل بالجماع وإن كان وقع في طريق لقضاء الحاجة التي خرج من المسجد لأجلها.
(قوله: وإنزال مني) عطف على جماع.
أي ويبطل أيضا بإنزال مني.
(وقوله: بمباشرة بشهوة) متعلق بإنزال.
أي إنزال بسبب مباشرة حاصلة مع شهوة.
وخرج بالمباشرة: ما إذا نظر أو تفكر فأنزل، فلا يبطل به.
وبشهوة: ما إذا باشر بلا شهوة، كأن قبل بقصد الإكرام أو الشفقة، أو بلا قصد فأنزل، فلا يبطل به.
والاستمناء - وإن لم يكن بمباشرة كالمباشرة بشهوة، فإن أنزل بطل، وإلا فلا.
واعلم أن الوطئ والمباشرة بشهوة حرام في المسجد مطلقا، ولو من غير معتكف.
وكذا خارجه في الاعتكاف الواجب دون المستحب لجواز قطعه.
(قوله: كقبلة) أي من غير حائل ومع شهوة، وهو تمثيل للمباشرة بشهوة.
(قوله: وللمعتكف الخروج من التطوع) أي ولو قيده بمدة.
(وقوله: لنحو عيادة مريض) أي كتشييع جنازة.
(قوله: وهل هو) أي الخروج لنحو عيادة مريض.
(وقوله: أفضل) أي من إدامة الاعتكاف.
(وقوله: أو سواء) أي أو هما سواء، لأنهما طاعتان مندوب إليهما.
وعبارة الخطيب: وهل الأفضل للمتطوع بالاعتكاف الخروج لعيادة المريض، أو دوام الاعتكاف؟ قال الأصحاب: هما سواء.
وقال ابن الصلاح: أن الخروج لها مخالف للسنة، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يخرج لذلك، وكان اعتكافه تطوعا.
وقال البلقيني: ينبغي أن يكون موضع التسوية في عيادة الأجانب، أما ذو الرحم
والأقارب والأصدقاء والجيران فالظاهر أن الخروج لعيادتهم أفضل، لا سيما إذا علم أنه يشق عليهم.
وعبارة القاضي الحسين مصرحة بذلك.
وهذا هو الظاهر.
اه.
وكتب البجيرمي: قوله: الأجانب أي غير الأصدقاء وغير الجيران، بدليل ما بعده.
وكتب أيضا: قوله: وهذا هو الظاهر وهو المعتمد، فالخروج من الاعتكاف في هذا مندوب، وفيما قبله غير مندوب.
والوجه أن يقال: يراعى ما هو أكثر ثوابا منهما.
ق ل.
اه.
(قوله: واختار ابن الصلاح: الترك) أي ترك الخروج لما ذكر.
(قوله: لانه - صلى الله عليه وسلم - إلخ) تعليل لاختيار ابن الصلاح ما ذكر.
(وقوله: ولم يخرج لذلك) أي لنحو عيادة(2/297)
مريض.
(قوله: يبطل ثواب الاعتكاف) أي وأما نفس الاعتكاف فلا يبطل.
(قوله: بشتم أو غيبة) أي أو نحوهما من كل محرم - ككذب ونميمة - أما الكلام المباح، فلا يبطل ثواب الاعتكاف.
نعم.
ينبغي تجنبه، والاشتغال بالذكر، والقراءة، والصلاة على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، لأن الكلام المباح في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، نص على ذلك الشنواني في حاشيته على مختصر ابن أبي جمرة، وعبارته: قال في المدخل: وينهي الناس عن الجلوس في المسجد للحديث في أمر الدنيا.
وقد ورد: أن الكلام في المسجد بغير ذكر الله تعالى يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.
وورد أيضا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا أتى الرجل المسجد فأكثر الكلام، تقول الملائكة: اسكت يا ولي الله.
فإن زاد، فتقول: اسكت يا بغيض الله تعالى، فإن زاد: فتقول اسكت عليك لعنة الله تعالى.
اه.
(خاتمة) نسأل الله حسن الختام.
يسن للمعتكف: الصوم للاتباع، وللخروج من خلاف من أوجبه ولا يضر الفطر، بل يصح اعتكاف الليل وحده، لخبر الصحيحين: أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية.
قال: أوف بنذرك.
فاعتكف ليلة.
ولخبر أنس: ليس على المعتكف صيام، إلا أن يجعله على نفسه.
ولا يضر في الاعتكاف التطيب، والتزين باغتسال، وقص شارب، ولبس ثياب حسنة، ونحو ذلك من دواعي الجماع، لأنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - تركه، ولا أمر بتركه، والأصل بقاؤه على الإباحة، وله أن يتزوج ويزوج.
ولا تكره له الصنائع في المسجد كالخياطة، والكتابة ما لم يكثر منها، فإن أكثر منها كرهت لحرمته إلا كتابة العلم فلا يكره الإكثار منها، لأنها طاعة، كتنظيم العلم.
وله أن يأكل ويشرب ويغسل يديه فيه إن كانت أرضه ترابية تشرب الماء، وإلا حرم - للتقذير - والأولى أن يأكل في سفره أو نحوها، وأن يغسل يديه في طشت أو نحوه ليكون أنظف للمسجد.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/298)
فصل في صوم التطوع أي في بيان حكمه، وهو الاستحباب.
وكان الأنسب ذكره قبل الاعتكاف - كما صنع غيره.
(واعلم) أن صوم التطوع ثلاثة أقسام: قسم يتكرر بتكرر السنة - كصوم يوم عرفة، وعاشوراء، وتاسوعاء - وقسم يتكرر بتكرر الأسبوع - كالاثنين، والخميس -.
وقسم يتكرر بتكرر الشهور - كالأيام البيض -.
كما يعلم من كلامه.
والتطوع شرعا: التقرب إلى الله تعالى بما ليس بفرض من العبادات.
والصوم من أبلع الأشياء في رياضة النفس، وكسر الشهوة، واستنارة القلب، وتأديب الجوارح وتقويمها وتنشيطها للعبادة.
وفيه الثواب العظيم، والجزاء الكريم الذي لا نهاية له، و: للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه.
و: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
ومن أجل هذا الخلوف ومكانته عند الله، كره الاستياك للصائم بعد الزوال حتى يفطر - كما تقدم.
(قوله: وله) أي الصوم.
(وقوله: من الفضائل) بيان لما مقدم عليها.
(وقوله: والمثوبة) مصدر بمعنى الثواب.
وفي حاشية الجمل - نقلا عن السمين - ما نصه: المثوبة فيها قولان: أحدهما أن وزنها مفعولة، والأصل مثوبة - بواوين - فنقلت الضمة التي على الواو الأولى إلى الساكن قبلها، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - الذي هو عين الكلمة - فصار مثوبة، على وزن مفولة، كمحوزة، وقد جاءت مصادر على مفعول، كالمعقول، فهي مصدر - نقل ذلك الواحدي.
والثاني: أنها مفعلة بضم العين، وإنما نقلت الضمة منها إلى الثاء.
اه.
(قوله: ومن ثم أضافه) أي ومن أجل أن له من الفضائل إلخ أضافه الله إليه في الحديث القدسي، فقال: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به.
يدع طعامه وشرابه من أجلي.
واختلفوا في معنى تخصيصه بكونه له، على أقوال تزيد على خمسين: منها - كما قاله م ر - كونه أبعد عن الرياء من غيره.
ومنها ما نقل عن سفيان بن عيينة أن يوم القيامة تتعلق خصماء المرء بجميع أعماله إلا الصوم فإنه لا سبيل لهم عليه، فإنه إذا لم يبق إلا الصوم، يتحمل الله تعالى ما بقي من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة، وهذا مردود، والصحيح تعلق الغرماء به - كسائر الأعمال - وفي البجيرمي: وعبارة عبد البر نصها: في الحديث القدسي وهو قوله كل عمل إلخ، فإضافته تعالى إليه إضافة تشريف وتكريم، كما قال تعالى: * (ناقة الله) * مع أن العالم كله لله.
وقيفل لأنه لم يعبد غيره به، فلم تعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداتهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونهم بصورة الصلاة والسجود وغيرهما.
وقيل لأن الصيام بعيد عن الرياء، لخفائه، بخلاف الصلاة والغزو وغير ذلك من العبادات
الظاهرة.
وقيل لأن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب، فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه.
اه.
بحذف.
(قوله: في سبيل الله) أي في الجهاد - كما هو الغالب في إطلاقه.
وقال ع ش: يمكن حمل(2/299)
سبيل الله على الطريق الموصل إليه، بأن يخلص في صومه، وإن لم يكن في جهاد.
وهذا المعنى يطلق عليه سبيل الله كثيرا وإن كان خلاف الغالب.
اه.
وفي شرح مسلم للنووي: هو - أي الصوم - في الجهاد محمول على من لا يتضرر ولا يفوت به حقا ولا يختل به قتاله ولا غيره من مهمات غزوه.
اه.
(قوله: باعد الله وجهه) أي ذاته.
(وقوله: سبعين خريفا) أي عاما، فأطلق الجزء وأراد الكل، وخص الخريف بالذكر لأنه أعدل أيام السنة.
والمراد أنه يبعد عن النار مسافة لو قدرت لبلغ زمن سيرها سبعين سنة.
(قوله: ويسن متأكدا) أي سنا متأكدا، فمتأكدا صفة لمصدر محذوف.
(قوله: صوم يوم عرفة) قال ع ش: ورد في بعض الأحاديث أن الوحوش في البادية تصومه، حتى أن بعضهم أخذ لحما وذهب به إلى البادية ورماه لنحو الوحوش، فأقبلت عليه ولم تأكل، وصارت تنظر إلى الشمس وتنظر إلى اللحم، حتى غربت الشمس أقبلت إليه من كل ناحية.
اه.
(قوله: لغير حاج) أي وغير مسافر وغير مريض، بأن يكون قويا مقيما.
أما الحاج، فلا يسن له صومه، بل يسن له فطره.
وإن كان قويا، للاتباع، وليقوى على الدعاء.
ومن ثم يسن صومه لحاج غير مسافر، بأن كان وطنه قريبا من عرفة ونوى الحج وهو في وطنه وأخر الوقوف إلى الليل.
وأما المسافر والمريض: فيسن لهما فطره، لكن إن أجهدهما الصوم - أي أتعبهما - كما في التحفة.
(قوله: لأنه) أي صوم يوم عرفة.
(وقوله: يكفر السنة إلخ) أي ذنوبه الحاصلة فيها.
(قوله: كما في خبر مسلم) لفظة: صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده.
وقوله: أحتسب: قال بعضهم: هو بلفظ المضارع، وضميره عائد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقال بعضهم: بلفظ الماضي، وضميره عائد إلى الصوم، وفيه بعد.
وقوله: السنة التي قبله: أي قبل يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي تتم بفراغ شهره.
وقوله: والسنة التي بعده: أي بعد يوم عرفة، والمراد بها: السنة التي أولها المحرم الذي يلي الشهر المذكور، إذا الخطاب الشرعي محمول على عرف الشرع.
وفي تكفير هذه السنة إشارة إلى أنه لا يموت فيها، في ذلك بشرى.
وقد نقل ذلك المدابغي عن ابن عباس، وعبارته: (فائدة) قال ابن عباس - رضي الله عنهما - وهذه بشرى بحياة سنة مستقبلة لمن صامه، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - بشر بكفارتها، فدل لصائمه على الحياة فيها، إذ هو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
اه.
وورد أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما: من صام يوم عرفة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
(قوله: وهو) أي يوم عرفة.
(قوله: والأحوط صوم الثامن) أي لأنه ربما يكون هو التاسع في الواقع.
(قوله: مع عرفة) أي مع صوم يومها.
(قوله: والمكفر: الصغائر) قال الكردي: اعتمده الشارح في كتبه، وأما الجمال الرملي فإنه ذكر كلام الإمام، ثم كلام مجلي في الرد على الإمام.
ثم كلام ابن المنذر المفيد خلاف ما قاله الإمام، وسكت عليه، فكأنه وافقه.
ولهذا قال القليوبي في حواشي المحلي: عممه ابن المنذر في الكبائر أيضا.
ومشى عليه صاحب الذخائر، وقال: التخصيص بالصغائر - تحكم.
ومال إليه شيخنا الرملي في شرحه.
اه.
والذي يظهر: أن ما صرحت به الأحاديث فيه بأن شرط التكفير اجتناب الكبائر: لا شبهة في عدم تكفيره الكبائر.
وما صرحت الأحاديث فيه بأن يكفر الكبائر: لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها بعد تصريح الشرع به.
ويبقى الكلام فيما أطلقت الأحاديث التكفير فيه.
وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع.
اه.
ببعض حذف.
(قوله: ويتأكد صوم الثمانية قبله) أي يوم عرفة، فعليه يكون الثامن مطلوبا من جهتين: جهة الاحتياط لعرفة، وجهة دخوله في العشر غير العيد.
كما أن صوم يوم عرفة مطلوب أيضا من جهتين: كونه من عشر ذي الحجة، وكونه يوم عرفة.
(قوله: للخبر الصحيح فيها) أي الثمانية: أي صومها مع صوم يوم عرفة، وذلك لخبر هو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر.
وورد أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يصوم تسع ذي الحجة.
(وقوله:(2/300)
المقتضى إلخ) في الكردي: الراجح أن عشر رمضان الأخير أفضل من عشر ذي الحجة، إلا يوم عرفة.
اه.
(قوله: ويوم عاشوراء) بالمد، معطوف على يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم يوم عاشوراء، لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله.
وإنما لم يجب صومه للأخبار الدالة بالأمر بصومه.
لخبر الصحيحين: إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر.
وحملوا الأخبار الواردة بالأمر بصومه على تأكد الاستحباب.
(فائدة) الحكمة في كون صوم يوم عرفة بسنتين وعاشوراء بسنة، أن عرفة يوم محمدي - يعني أن صومه مختص بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - - وعاشوراء موسوي، ونبينا محمد أفضل الأنبياء - صلوات الله عليهم أجمعين - فكان يومه بسنتين.
اه.
مغنى.
(قوله: وهو) أي عاشوراء.
(وقوله: عاشر المحرم) أي اليوم العاشر منه.
(قوله: لأنه يكفر السنة الماضية) علة لسنية صومه.
(قوله: كما في مسلم) أي في رواية مسلم، وقد علمتها آنفا.
(قوله: وتاسوعاء) بالمد أيضا، وهو معطوف
على عاشوراء، أي ويسن صوم يوم تاسوعاء.
(قوله: وهو) أي تاسوعاء.
(وقوله: تاسعه) أي المحرم.
(قوله: لخبر مسلم) دليل لسنية صوم تاسوعاء.
(وقوله: إلى قابل) أي إلى عام قابل، وهو مصروف - كما هو ظاهر -.
(وقوله: فمات) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: قبله) أي قبل مجئ تاسوعاء العام القابل.
(قوله: والحكمة) أي في صوم يوم التاسع مع العاشر مخالفة اليهود، أي فإنهم يصومون العاشر فقط، فنخالفهم ونصوم التاسع معه.
والحكمة أيضا: الاحتياط، لاحتمال الغلط في أول الشهر، والاحتراز من إفراده بالصوم - كما في يوم الجمعة - شرح الروض: قال في النهاية: وظاهر ما ذكر من تشبيهه بيوم الجمعة: أنه يكره إفراده.
لكن في الأم لا بأس بإفراده.
اه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن الحكمة إلخ.
(قوله: لمن لم يصمه) أي التاسع.
(قوله: بل وإن صامه) أي بل يسن صيام الحادي عشر، وإن صام التاسع.
(قوله: لخبر فيه) أي لورود خبر في صيامه الحادي عشر مع ما قبله من صيام العاشر والتاسع، وهو ما رواه الإمام أحمد: صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا اليهود، وصوموا قبله يوما، وبعده يوما.
ذكره في شرح الروض، وذكر فيه أيضا أن الشافعي نص في الأم والإملاء على استحباب صوم الثلاثة، ونقله عنه الشيخ أبو حامد وغيره.
اه.
(لا بأس أن يفرده) أي لا بأس أن يصوم العاشر وحده.
(وأما أحاديث الاكتحال إلخ) في النفحات النبوية في الفضائل العاشورية - للشيخ العدوي - ما نصه: قال العلامة الأجهوري: أما حديث الكحل، فقال الحاكم إنه منكر، وقال ابن حجر إنه موضوع، بل قال بعض الحنفية إن الاكتحال يوم عاشوراء، لما صار علامة لبغض آل البيت، وجب تركه.
قال: وقال العلامة صاحب جمع التعاليق: يكره الكحل يوم عاشوراء، لأن يزيد وابن زياد اكتحلا بدم الحسين هذا اليوم، وقيل بالإثمد، لتقر عينهما بفعله.
قال العلامة الأجهوري: ولقد سألت بعض أئمة الحديث والفقه عن الكحل وطبخ الحبوب ولبس الجديد وإظهار السرور، فقال: لم يرد فيه حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من الصحابة، ولا استحبه أحد من أئمة المسلمين، وكذا ما قيل: أنه من اكتحل يومه لم يرمد ذلك العام، ومن اغتسل يومه لم يمرض كذلك، قال: وحاصله أن ما ورد من فعل عشر خصال يوم عاشوراء لم يصح فيها إلا حديث الصيام والتوسعة على العيال، وأما باقي الخصال الثمانية: فمنها ما هو ضعيف، ومنها ما هو منكر موضوع.
وقد عدها بعضهم اثنتي عشرة خصلة، وهي: الصلاة، والصوم، وصلة الرحم، والصدقة والاغتسال، والاكتحال، وزيارة عالم، وعيادة مريض، ومسح رأس اليتيم، والتوسعة على العيال، وتقليم الأظفار، وقراءة سورة الإخلاص - ألف مرة -.
ونظمها بعضهم فقال:(2/301)
في يوم عاشوراء عشر تتصل * * بها اثنتان ولها فضل نقل صم، صل، صل، زر عالما، عد، واكتحل * * رأس اليتيم امسح، تصدق واغتسل وسع على العيال، قلم ظفرا * * وسورة الإخلاص قل ألفا تصل (فائدة) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عزوجل افترض على بين إسرائيل صوم يوم في السنة، وهو يوم عاشوراء، - وهو اليوم العاشر من المحرم - فصوموه ووسعوا على عيالكم فيه، فإنه من وسع فيه على عياله وأهله من ماله وسع الله عليه سائر سنته فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم فأصبح صفيا، ورفع فيه إدريس مكانا عليا، وأخرج نوحا من السفينة (1) ونجى إبراهيم من النار، وأنزل الله فيه التوراة على موسى، وأخرج فيه يوسف من السجن، ورد فيه على يعقوب بصره، وفيه كشف الضر عن أيوب، وفيه أخرج يونس من بطن الحوت، وفيه فلق البحر لبني إسرائيل، وفيه غفر لداود ذنبه، وفيه أعطى الله الملك لسليمان، وفي هذا اليوم غفر لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو أول يوم خلق الله فيه الدنيا.
وأول يوم نزل فيه المطر من السماء يوم عاشوراء، وأول رحمة نزلت إلى الأرض يوم عاشوراء.
فمن صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كله، وهو صوم الأنبياء.
ومن أحيا ليلة عاشوراء بالعبادة فكأنما عبد الله تعالى مثل عبادة أهل السموات السبع.
ومن صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة، وقل هو الله أحد، إحدى وخمسين مرة، غفر الله له ذنوب خمسين عاما.
ومن سقى في يوم عاشوراء شربة ماء سقاه الله يوم العطش الأكبر كأسا لم يظمأ بعدها أبدا، وكأنما لم يعص الله طرفة عين.
ومن تصدق فيه بصدقة فكأنما لم يرد سائل قط.
ومن اغتسل وتطهر يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت.
ومن مسح فيه على رأس يتيم أو أحسن إليه فكأنما أحسن إلى أيتام ولد آدم كلهم.
ومن عاد مريضا في يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى أولاد آدم كلهم.
وهو اليوم الذي خلق الله فيه العرش، واللوح، والقلم.
وهو اليوم الذي خلق الله فيه جبريل، ورفع فيه عيسى.
وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة.
(فائدة أخرى) روي أن فقيرا كان له عيال في يوم عاشوراء، فأصبح هو وعياله صياما، ولم يكن عندهم شئ، فخرج يطوف على شئ يفطرون عليه فلم يجد شيئا، فدخل سوق الصرف، فرأى رجلا مسلما قد فرش في دكانه النطوع
__________
(1) (قوله: وأخرج نوحا من السفينة) وذلك أن نوحا - عليه السلام - لما نزل من السفينة هو ومن معه: شكوا الجوع، وقد فرغت أزوادهم فأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم، فجاء هذا بكف حنطة، وهذا بكف عدس، وهذا بكف فول، وهذا بكف حمص إلى أن بلغت سبع
حبوب - وكان يوم عاشواء - فمسى نوح عليها، وطبخها لهم، فأكلوا جميعا وشبعوا، ببركات نوح عليه السلام، فذلك قوله تعالى: (قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك) وكان ذلك أول طعام طبخ على وجه الأرض بعد الطوفان - فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء، وفيه أجر عظيم لمن يفعل ذلك، ويطعم الفقراء والمساكين.
اه من الروض الفائق.
ومما يعزى للحافظ ابن حجر فيما يطبخ من الحبوب في يوم عاشوراء: في يوم عاشوراء سبع تمترس * * بر ورز ثم ماش وعدس وحمص ولوبيا والفول * * هذا هو الصحيح والمنقول وقال في فتح الباري كلمات من قالها في يوم عاشوراء لم يمت قلبه، وهى: سبحان الله ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا، وزنة العرش.
والحمد لله ملء الميزان ومنتهى العلم - ومبلغ الرضا، وزنة العرش.
والله أكبر ملء الميزان، ومنتهى العلم، ومبلغ الرضا وزنة العرش.
لا ملجا.
ولا منجى من الله إلا إليه.
سبحان الله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
والحمد لله عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
والله أكبر عدد الشفع والوتر، وعدد كلمات الله التامات كلها.
أسألك رب العالمين.
اه.
وقال الاجهوري: أن من قال يوم عاشوراء حسبى الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير - سبعين مرة - كفاه الله تعالى شر ذلك العام - وبالله التوفيق.
اه..(2/302)
المثمنة، وسكب عليها أكوام الذهب والفضة، فتقدم إليه، وسلم عليه، وقال له: يا سيدي أنا فقير، لعل أن تقرضني درهما واحدا أشتري به فطورا لعيالي، وأدعو لك في هذا اليوم.
فولى بوجهه عنه، ولم يعطه شيئا، فرجع الفقير وهو مكسور القلب، وولى ودمعه يجري على خده، فرآه جار له صيرفي - وكان يهوديا - فنزل خلف الفقير وقال له أراك تكلمت مع جاري فلان، فقال قصدته في درهم واحد لأفطر به عيالي، فردني خائبا، وقلت له أدعو لك في هذا اليوم.
فقال اليهودي: وما هذا اليوم؟ فقال الفقير: هذا يوم عاشوراء - وذكر له بعض فضائله - فناوله اليهودي عشرة دراهم، وقال له: خذ هذه وأنفقها على عيالك إكراما لهذا اليوم.
فمضى الفقير، وقد انشرح لذلك، ووسع على أهله النفقة، فلما كان الليل، رأى الصيرفي - المسلم - في المنام كأن القيامة قد قامت، وقد اشتد العطش والكرب، فنظر، فإذا قصر من لؤلؤة
بيضاء، أبوابه من الياقوت الأحمر، فرفع رأسه وقال: يا أهل هذا القصر اسقوني شربة ماء.
فنودي: هذا القصر كان قصرك بالأمس، فلما رددت ذلك الفقير مكسور القلب.
محي اسمك من عليه، وكتب باسم جارك اليهودي الذي جبره وأعطاه عشرة دراهم.
فأصبح الصيرفي مذعورا، يناوي على نفسه بالويل والثبور، فجاء إلى جاره اليهودي، وقال: أنت جاري، ولي عليك حق، ولي إليك حاجة.
قال: وما هي؟ قال: تبيعني ثواب العشرة دراهم - التي دفعتها بالأمس للفقير - بمائة درهم.
فقال: والله ولا بمائة ألف دينار، ولو طلبت أن تدخل من باب القصر الذي رأيته البارحة لما مكنتك من الدخول فيه.
فقال: ومن كشف لك عن هذا السر المصون؟.
قال: الذي يقول للشئ كن فيكون، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(إخواني) كان هذا يهوديا، فأحسن الظن بيوم عاشوراء، وما كان يعرف فضله، فأعطاه الله ما أعطاه، ومن عليه بالإسلام، فكيف بمن يعرف فضله وثوابه، ويهمل العمل فيه؟ ولله در القائل: يا غاديا في غفلة ورائحا * * إلى متى تستحسن القبائحا؟ وكم - أخي - كم لا تخاف موقفا * * يستنطق الله به الجوارحا؟ واعجبا منك وأنت مبصر * * كيف تجنبت الطريق الواضحا؟ كيف تكون حين تقرأ في غد * * صحيفة قد حوت الفضائحا؟ وكيف ترضى أن تكون خاسرا * * يوم يفوز من يكون رابحا؟ فاعمل لميزانك خيرا فعسى * * يكون في يوم الحساب راجحا؟ وصم، فهذا يوم عاشوراء الذي * * ما زال بالتقوى شذاه فائحا يوم شريف، خصنا الله به * * يا فوز من قدم فيه صالحا (قوله: وصوم ستة أيام من شوال) معطوف على صوم يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم ستة أيام من شهر شوال.
وكان المناسب للشارح أن يقدر لفظ صوم في جميع المعطوفات، أو يتركه في الجميع.
(قوله: لما في الخبر الصحيح) لفظه: من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر.
(قوله: إن صومها مع صوم رمضان) أي دائما، فلا تكون المرة من صيام رمضان وستة من شوال كصيام الدهر، بدليل رواية: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام - أي من شوال - بشهرين.
فذلك صيام السنة.
فالحاصل أن كل مرة بسنة.
اه.
سم بزيادة.
وفي البجيرمي: وهذا يقتضي أن المراد بالدهر: العمر، وبه قال ع ش، لكن كلام الشارح الآتي يدل على أن المراد به السنة.
اه.
(قوله:
كصيام الدهر) أي فرضا، وإلا لم يكن لخصوصية ست شوال معنى، إذ من صام مع رمضان ستة غيرها يحصل له ثواب الدهر، لأن الحسنة بعشرة أمثالها.
(والحاصل) أن من صامها مع رمضان كل سنة، تكن كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة، ومن صام ستة غيرها كذلك، تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة، كما أن صوم ثلاثة من كل شهر تحصله.
اه.
تحفة بتصرف.(2/303)
وفي المغني: (تنبيه) قضية إطلاق المصنف استحباب صومها لكل أحد - سواء صام رمضان أم لا - كمن أفطر لمرض، أو لصبا، أو كفر، أو غير ذلك، وهو الظاهر - كما جرى عليه بعض المتأخرين - ثم قال: ولو صام في شوال قضاء أو نذرا أو غير ذلك: هل تحصل له السنة أو لا؟ لم أر من ذكره، والظاهر الحصول.
لكن لا يحصل له هذا الثواب المذكور، خصوصا من فاته رمضان وصام عنه شوالا، لأنه لم يصدق عليه المعنى المتقدم، ولذلك قال بعضهم: يستحب له في هذه الحالة أن يصوم ستا من ذي القعدة، لأنه يستحب قضاء الصوم الراتب.
اه.
وهذا إنما يأتي إذا قلنا إن صومها لا يحصل بغيرها، أما إذا قلنا بحصوله - وهو الظاهر: كما تقدم - فلا يستحب قضاؤها.
اه.
(قوله: واتصالها بيوم العيد أفضل) أي من عدم اتصالها به، ولكن يحصل أصل السنة بصومها غير متصلة به كما يحصل بصومها غير متتابعة، بل متفرقة في جميع الشهر.
(قوله: مبادرة للعبادة) علة لأفضلية اتصالها بيوم العيد.
أي وإنما كان أفضل لأجل المبادرة في العبادة.
أي ولما في التأخير من الآفات.
(قوله: وأيام الليالي) معطوف على يوم عرفة أيضا.
أي ويسن متأكدا صوم أيام الليالي البيض، وقدر الشارح لفظ الليالي: لأنها هي التي توصف بالبيض، وبالسود، دون الأيام.
(قوله: البيض) صفة لليالي، ووصفت بذلك: لأنها تبيض بالقمر من أولها إلى آخرها.
(قوله: وهي الثالث إلخ) الاحتياط صوم الثاني عشر معها.
(وقوله: وتالياه) أي وهما الرابع عشر والخامس عشر.
(قوله: لصحة الأمر بصومها) أي في رواية أحمد والترمذي وابن حبان عن أبي ذر: إذا صمت من الشهر ثلاثا، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة.
اه إرشاد العباد.
(قوله: لأن صوم الثلاثة الخ) علة للعلة، ولو كانت علة للمعلل: لراد الواو وأتى بالضمير بدل الاسم الظاهر، ولو قال - كما في التحفة - وحكمة كونها ثلاثة أن الحسنة بعشر أمثالها فصومها كصوم الشهر كله لكان أولى.
(وقوله: كصوم الشهر) في رواية عن أبي ذر أن: من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله.
وهذه الرواية لا تنافي الحكمة المذكورة، لأن الذي في الرواية إذا كان ذلك على الدوام، بدليل قوله من كل شهر.
وفي الكردي ما نصه: قوله: كصوم الشهر - كان أبو ذر رضي الله عنه يعد نفسه صائما في أيام فطره لهذا الحديث، فقد روى البيهقي عن عبد الله بن شقيق، قال: أتيت المدينة، فإذا رجل طويل أسود، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر: فقلت: لأنظرن علي أي حال هو اليوم.
قلت: صائم أنت؟ قال: نعم.
وهم ينتظرون الإذن على عمر رضي الله عنه، فدخلوا، فأتينا بقصاع فأكل، فحركته أذكره بيدي، فقال إني لم أنس ما قلت لك، إني أخبرتك إني صائم، إني أصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فأنا أبدا صائم.
ورى البيهقي في سننه عن أبي هريرة قريبا من قصة أبي ذر، وأنه قال لهم أنا مفطر في تخفيف الله صائم في تضعيف الله.
اه.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن صوم الثلاثة كصوم الشهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها تحصل السنة بثلاثة غيرها من أيام الشهر.
قال في النهاية: (والحاصل) كما أفاده السبكي وغيره: أنه يسن صوم ثلاثة من كل شهر، وأن تكون أيام البيض، فإن صامها أتى بالسنتين.
فما في شرح مسلم - من أن هذه الثلاثة هي المأمور بصيامها من كل شهر - فيه نظر.
اه.
وقوله: بالسنتين - بضم السين وفتح النون المشددتين - أي سنة صوم الثلاثة، وسنة صوم أيام البيض.
(قوله: لكنها) أي أيام البيض.
(وقوله: أفضل) أي من غيرها من بقية الشهر.
(قوله: ويبدل على الأوجه ثالث عشر ذي الحجة) أي لأن صومه حرام، لكونه من أيام التشريق.
(قوله: وقال الجلال البلقيني: لا) أي لا يبدله به.
(قوله: بل يسقط) أي صومه أي طلبه.
(قوله: أيام السود) كان عليه أن يذكر هنا الليالي - كما ذكرها فيما مر - بأن يقول أيام الليالي السود، وإنما(2/304)
وصفت بذلك، لسواد جميع الليل فيها، لعدم القمر.
قال في المغنى: وخصت أيام البيض وأيام السود بذلك - أي بالصيام - لتعميم ليالي الأولى بالنور، والثانية بالسواد، فناسب صوم الأولى شكرا، والثانية لطلب كشف السواد، ولأن الشهر ضيف قد أشرف على الرحيل، فناسب تزويده بذلك.
اه.
(قوله: وهي الثامن والعشرون وتالياه) لكن عند نقص الشهر يتعذر الثالث، فيعوض عنه أول الشهر، لأن ليلته كلها سوداء.
وعبارة التحفة: وهي السابع أو الثامن والعشرون وتالياه، فإن بدأ بالثامن ونقص الشهر صام أول تاليه، لاستغراق الظلمة لليلته أيضا، وحينئذ يقع صومه عن كونه أول الشهر أيضا، فإنه يسن صوم ثلاثة أول كل شهر.
(تنبيه) من الواضح أن من قال أولها السابع: ينبغي أن يقال إذا تم الشهر: يسن صوم الآخر، خروجا من خلاف
الثاني.
ومن قال الثامن: يسن له صوم السابع احتياطا - فنتج سن صوم الأربعة الأخيرة إذا تم الشهر عليهما.
انتهت.
(قوله: وصوم الاثنين والخميس) معطوف على صوم يوم عرفة.
أي ويسن متأكدا صوم يوم الاثنين ويوم الخميس.
(قوله: للخبر الحسن إلخ) دليل لتأكد صومهما.
(وقوله: إنه الخ) بدل من الخبر الحسن، أو عطف بيان له.
(وقوله: يتحرى) أي يقصد.
(وقوله: وقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: تعرض فيهما) أي الاثنين والخميس.
(وقوله: الأعمال) أي أعمال ما بينهما معهما، فتعرض أعمال الثلاثاء والأربعاء والخميس: في الخميس.
وأعمال الجمعة والسبت والأحد والاثنين: في الاثنين.
(وقوله: وأنا صائم) أي متلبس بالصوم حقيقة، لأن العرض قبل الغروب.
اه.
ش ق.
وفي البجيرمي: قوله: وأنا صائم، أي قريب من زمن الصوم، لأن العرض بعد الغروب.
اه.
(قوله: والمراد عرضها على الله تعالى) أي إجمالا.
وكان المناسب زيادته، لأن العرض إنما يكون على الله تعالى مطلقا - سواء كان عرض الاثنين والخميس، أو ليلة النصف من شعبان، أو ليلة القدر، فالفرق إنما هو في الإجمال والتفصيل - فعرض الإثنين والخميس، على الله تعالى إجمالي، وكذا عرض ليلة النصف من شعبان وليلة القدر.
والعرض التفصيلي هو في كل يوم وليلة - كما نص على ذلك في التحفة - وعبارتها: أي تعرض على الله تعالى، وكذا تعرض في ليلة نصف شعبان، وفي ليلة القدر، فالأول - أي عرضها يوم الاثنين والخميس - إجمالي باعتبار الأسبوع، والثاني باعتبار السنة، وكذا الثالث، وفائدة تكرير ذلك إظهار شرف العاملين بين الملائكة.
وأما عرضها تفصيلا، فهو رفع الملائكة لها بالليل مرة، وبالنهار مرة.
اه.
بتصرف.
فتلخص أن العرض الإجمالي في كل أسبوع مرتين، وفي كل سنة كذلك.
والتفصيلي في كل يوم مرتين.
(قوله: وأما رفع الملائكة إلخ) يفيد أن ما قبله لا ترفعه الملائكة، مع أن الرفع إنما يكون من الملائكة مطلقا، في هذا، فيما قبله.
وكان المناسب أن يقول: وأما عرضها تفصيلا: فهو رفع الملائكة إلخ.
(قوله: فإنه) أي الرفع.
(وقوله: مرة بالليل ومرة بالنهار) وذلك لأنه تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة العصر، ثم ترتفع ملائكة النهار وتبقى ملائكة الليل، ويجتمعان عند صلاة الصبح، فترتفع ملائكة الليل وتبقى ملائكة النهار.
وهذا هو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار.
(قوله: ورفعها في شعبان) أي الثابت بخبر أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم -: سئل عن إكثاره الصوم في شعبان، فقال: إنه شهر ترفع فيه الأعمال، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم.
(قوله: وصوم الاثنين أفضل من صوم الخميس - لخصوصيات) هي أنه - صلى الله عليه وسلم - ولد في يوم الإثنين، وبعث فيه، وتوفي فيه، وكذا بقية أطواره - صلى الله عليه وسلم -.
روى السهيلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال: لا يفتك صيام الاثنين، فإني ولدت فيه، وبعثت فيه، وأموت فيه أيضا.
وفي(2/305)
المغني ما نصه: وسمي ما ذكر يوم الاثنين: لأنه ثاني الأسبوع.
والخميس: لأنه خامسه.
كذا ذكره المصنف ناقلا له عن أهل اللغة.
قال الأسنوي: فيعلم منه أن أول الأسبوع الأحد.
ونقله ابن عطية عن الأكثرين، وسيأتي في باب النذر أن أوله السبت.
وقال السهيلي: إنه الصواب، وقول العلماء كافة إلا ابن جرير.
اه.
وفي البجيرمي: سميا بذلك: لأنه ثاني أيام إيجاد المخلوقات - غير الأرض - والخميس خامسها، وما قيل لأنه ثاني الأسبوع مبني على مرجوح، وهو أن أوله الأحد، وإنما أوله السبت على المعتمد - كما في باب النذر -.
اه.
(قوله: وعد إلخ) مصدر مضاف إلى فاعله، وهو مبتدأ، خبره شاذ.
(وقوله: اعتياد) مفعول أول للمصدر.
(وقوله: صومهما) أي الاثنين والخميس.
(وقوله: مكروها) مفعول ثان للمصدر - يعني أن الحليمي عد المواظبة على صوم الاثنين والخميس من المكروه، وهذا غريب شاذ.
وعبارة المغني: وأغرب الحليمي فعد من المكروه اعتياد صوم يوم بعينه، كالاثنين، والخميس، لأن في ذلك تشبيها برمضان.
اه.
(تتمة) يستحب صوم يوم الأربعاء شكرا لله تعالى على عدم هلاك هذه الأمة فيه، كما أهلك فيه من قبلها.
ويستحب صوم يوم المعراج، ويوم لا يجد فيه الشخص ما يأكله، ويكره صوم الدهر - غير العيدين، وأيام التشريق - لمن خاف به ضررا، أو فوت حق.
ولو مندوبا، ويستحب لغيره، لإطلاق الأدلة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا.
وعقد تسعين.
رواه البيهقي.
ومعنى ضيقت عليه: أي عنه، فلم يدخلها، أو لا يكون له فيها موضع.
أما صوم العيدين وأيام التشريق: فيحرم - كما سينص عليه - ويكره أيضا إفراد الجمعة أو السبت أو الأحد بالصوم، لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوما قبله، أو يوما بعده.
رواه الشيخان: ولخبر: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.
رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه على شرط الشخين، ولأن اليهود تعظم يوم السبت، والنصارى يوم الأحد، ومحل الكراهة الإفراد: ما لم يوافق عادة له - كأن كان يعتاد صوم يوم وفطر يوم، فوافق صومه يوما منها، وإلا فلا كراهة - كما في صوم يوم الشك.
قوله: فرع) أي في بيان أن صوم هذه الأيام المتأكد يندرج في غيره.
(قوله: أفتى إلخ) حاصل الإفتاء المذكور أنه إذا كان عليه صوم فرض قضاء أو نذر وأوقعه في هذه الأيام المتأكد صومها: حصل له الفرض الذي عليه، وحصل له ثواب صوم الأيام المسنون، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق في حصول الثواب بين أن ينويه مع الفرض أو لا، وهو مخالف لقول ابن
حجر الآتي أنه لا يحصل له الثواب إلا إذا نواه، وإلا سقط عنه الطلب فقط.
(قوله: بحصول إلخ) متعلق بأفتى.
(وقوله: ثواب عرفة) أي صوم يومها.
(وقوله: وما بعده) ما: اسم موصول معطوف على عرفة، والظرف متعلق بمحذوف صلة ما، والضمير يعود على عرفة، والمناسب تأنيثه، لأن المرجع مؤنث: أي أفتى بحصول ثواب عرفة، وبحصول ثواب ما ذكر بعد عرفة، وهو عاشوراء وتاسوعاء وستة من شوال إلخ.
والمراد ثواب صومها كما هو ظاهر.
(قوله: بوقوع إلخ) متعلق بحصول.
(وقوله: صوم فرض) أي قضاء أو نذر.
(وقوله: فيها) متعلق بوقوع، والضمير يعود على المذكورات من عرفة وما بعده.
(قوله: فقال) أي النووي في المجموع، فالفاعل ضمير يعود عليه.
ويحتمل عوده على الأسنوي - كما صرح به هو أول الباب في مبحث النية، وصرح به أيضا في فتح الجواد - لكن ظاهر صنيعه هنا الأول، لأنه جعل الأسنوي تابعا للنووي، فيكون القول له.
(قوله: إن نواهما) أي الصوم المسنون والمفروض.
(قوله: لم يحصل له شئ منهما) أي من المسنون والمفروض - كما إذا نوى مقصودين لذاتهما، كسنة الظهر، وفرض الظهر.
(قوله: قال شيخنا) أي في فتح الجواد.
ونص عبارته: وقال الأسنوي: القياس أنه إن لم ينو التطوع حصل له الفرض، وإن نواهما لم يحصل له شئ منهما.
اه.
وإنما يتم له إن ثبت أن الصوم فيها مقصود لذاته.
والذي يتجه إلى آخر ما ذكره الشارح.
ثم قال: وعليه لو نوى ليلا الفرض وقبل الزوال النفل، فهل يثاب على النفل حينئذ - لأن القصد التقرب بالصوم عن الجهتين وقد(2/306)
حصل - أولا - لأن صحة نية الصائم صوما آخر بعيدة -؟ كل محتمل.
اه.
(قوله: وجود صوم فيها) أي في هذه الأيام عرفة وما بعده.
(قوله: فهي) أي هذه الأيام.
أي صومها.
ولا بد من تقدير هذا المضاف ليصح التشبيه بالتحية.
(وقوله: كالتحية) أي فإنها تحصل بفرض أو نفل غيرها.
لأن القصد شغل البقعة بالطاعة، وقد وجدت.
(قوله: فإن نوى التطوع أيضا) أي كما أنه نوى الفرض.
(وقوله: حصلا) أي التطوع والفرض، أي ثوابهما.
(قوله: وإلا) أي وإن لم ينو التطوع، بل نوى الفرض فقط.
(وقوله: سقط عنه الطلب) أي بالتطوع، لاندراجه في الفرض.
(تنبيه) اعلم أنه قد يوجد للصوم سببان: كوقوع عرفة أو عاشوراء يوم اثنين أو خميس، أو وقوع اثنين أو خميس في ستة شوال، فيزداد تأكده رعاية لوجود السببين، فإن نواهما: حصلا - كالصدقة على القريب، صدقة وصلة - وكذا لو نوى أحدهما - فيما يظهر -.
(وقوله: أفضل الشهور إلخ) قد نظم ذلك بعضهم بقوله:
وأفضل الشهور بالإطلاق: * * شهر الصيام، فهو ذو السباق فشهر ربنا هو المحرم * * فرجب، فالحجة المعظم فقعدة، فبعده شعبان * * وكل ذا جاء به البيان (قوله: الأشهر الحرم) هي أربعة: ثلاثة منها سرد، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وواحد منها فرد وهو رجب.
وإنما كان الصوم فيها أفضل، لخبر أبي داود وغيره: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك.
وإنما أمر المخاطب بالترك لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم، كما جاء التصريح به في الخبر.
أما من لا يشق عليه، فصوم جميعها له فضيلة.
اه.
شرح الروض.
وإنما سميت حرما: لأن العرب كانت تتحرمها وتعظمها، وتحرم فيها القتال، حتى أن أحدهم لو لقي قاتل أبيه أو ابنه أو أخيه في هذه الأشهر لم يزعجه، وكان القتال فيها محرما في صدر الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالى: * (فاقتلوهم حيث وجدتموهم) * (1) .
(قوله: وأفضلها) أي الأشهر الحرم المحرم - لخبر مسلم: أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم وإنما سمي محرما: لتحريم الجنة فيه على إبليس.
(قوله: ثم رجب) هو مشتق من الترجيب، وهو التعظيم، لأن العرب كانت تعظمه زيادة على غيره.
ويسمى الأصب: لانصاب الخير فيه.
والأصم: لعدم سماع قعقعة السلاح فيه.
ويسمى رجم - بالميم - لرجم الأعداء والشياطين فيه حتى لا يؤذوا الأولياء والصالحين.
(قوله: ثم الحجة ثم القعدة) بعضهم قدم القعدة على الحجة، لكن المعتمد تقديم الحجة، فهو أفضل، لوقوع الحج فيه، ولاشتماله على يوم عرفة.
والأفصح: فتح قاف القعدة، وكسر حاء الحجة.
وقد نظم ذلك بعضهم فقال: وفتح قاف قعدة قد صححوا * * وكسر حاء حجة قد رجحوا وسميا بذلك: لوقوع الحج في الأول، وللقعود عن القتال في الثاني.
(قوله: ثم شهر شعبان) أي ثم بعد الأشهر الحرم شهر شعبان، لخبر الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان.
(واعلم) أن الأفصح ترك إضافة لفظ شهر إلى شعبان، وكذا بقية الأشهر ما عدا ثلاثة: رمضان، وربيع أول، وربيع ثان.
وقد أشار إلى ذلك بعضهم في قوله:
__________
(1) النساء: 89(2/307)
ولا تضف شهرا إلى اسم شهر * * إلا لما أوله الرا - فادر - واستثن من ذا راجبا فيمتنع * * لأنه فيما رووه ما سمع (قوله: وصوم تسع ذي الحجة) أي التسع من أول الشهر، وهذا التعبير أولى من تعبير بعضهم بعشر ذي الحجة، لأنه يدخل فيه يوم العيد، مع أنه لا ينعقد.
(وقوله: أفضل من صوم عشر المحرم) للخبر الصحيح المار الذي قال الشارح فيه إنه يقتضي أنه أفضل من صيام عشر رمضان الأخير، وقد علمت أن الراجح خلافه.
(واعلم) أنه كان المناسب أن يذكر أولا تأكد صوم عشر المحرم بالخصوص، ثم يذكر تفضيل غيره عليه - كما صنع غيره.
(قوله: اللذين يندب إلخ) اسم الموصول نعت لتسع ذي الحجة ولعشر المحرم، ولا حاجة إليه، لأنه معلوم، إذ الأول قد صرح به فيما مر، والثاني يندرج في صيام المحرم.
(قوله: من تلبس بصوم تطوع أو صلاته) أي ونحوهما من كل عبادة متطوع بها، كاعتكاف، وطواف، ووضوء.
(قوله: فله قطعهما) أي لخبر: الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر.
رواه الترمذي.
ويقاس بالصوم: الصلاة ونحوها.
ولكن يكره القطع، إن لم يكن بعذر، وإلا كأن قطعه ليساعد الضيف في الأكل إذا شق عليه امتناع مضيفه منه، فلا كراهة.
ويترتب على الكراهة عدم الثواب على الماضي، ويترتب على عدمها وجود الثواب.
ويستحب قضاؤه إن قطعه، ولا يجب، لأن أم هانئ كانت صائمة صوم تطوع فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أن تفطر بلا قضاء وبين أن تتم صومها.
رواه أبو داود.
وقيس بالصوم غيره.
(قوله: لا نسك تطوع) أما هو: فيحرم قطعه، لمخالفته غيره في لزوم الإتمام، والكفارة بإفساده بجماع.
واعترض كونه تطوعا: بأن الشروع فيه شروع في فرض الكفاية، فهو من فروض الكفايات، لا من النوافل.
ويمكن أن يقال: يتصور ذلك بما إذا كان الفاعل صبيا، وأذن له وليه.
أو عبدا وأذن له سيده.
قال ع ش: وعليه - فالوجوب - أي وجوب إتمامه - بالنسبة للصبي متعلق بالولي.
اه.
(قوله: ومن تلبس بقضاء واجب) ومثله الأداء.
ولو قال: ومن تلبس بواجب أداء أو قضاء - لكان أولى.
والمراد بالواجب: العيني.
قال في شرح المنهج: وخرج بالعيني فرض الكفاية، فالأصح - وفاقا للغزالي وغيره - أنه لا يحرم قطعه إلا الجهاد، وصلاة الجنازة، والحج، والعمرة.
وقيل لا يحرم: كالعيني.
اه.
(قوله: ولو موسعا) أي ولو كان قضاؤه على التراخي، بأن لم يتعد بترك الصوم أو الصلاة.
(قوله: ويحرم على الزوجة إلخ) هذا حيث جاز التمتع بها، وإلا كأن قام بالزوج مانع من الوطئ - كإحرام، أو اعتكاف - فلا حرمة، وحيث لم يقع بها مانع - كالرتق والقرن - وإلا فلا حرمة أيضا.
ومحل التحريم في الصوم المتكرر في السنة - كالاثنين والخميس - بخلاف صوم يوم عرفة وعاشوراء، لأنهما نادران في
السنة.
ومع الحرمة: ينعقد صومها - كالصلاة في دار مغصوبة - ولزوجها وطؤها، والإثم عليها.
(قوله: وزوجها حاضر) أي في البلد.
قال ع ش: ولو جرت عادته أن يغيب عنها من أول النهار إلى آخره، لاحتمال أن يطرأ له قضاء وطره في بعض الأوقات على خلاف عادته.
اه.
وخرج بكونه حاضرا في البلد: ما إذا كان غائبا عنها، فلا يحرم عليها ذلك، بلا خلاف.
قال في المغنى: (فإن قيل) هلا جاز صومها مع حضوره، وإذا أراد التمتع بها تمتع وفسد صومها؟ (أجيب) بأن صومها يمنعه التمتع عادة، لأنه يهاب انتهاك حرمة الصوم بالإفساد، ولا يلحق بالصوم صلاة النفل المطلق لقصر زمنه.
اه.
(قوله: إلا بإذنه) أي الزوج.
وذلك لخبر الصحيحين: لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد - أي حاضر - إلا بإذنه.
قال ابن حجر: وكالزوج: السيد - إن حلت له - وإلا حرم بغير إذنه، إن حصل لها به ضرر ينقص الخدمة، والعبد كمن لا تحل فيما ذكر اه.
وكتب الكردي: قوله: كمن لا تحل: أي فيحرم صومه بغير إذن سيده، إن حصل له به ضرر ينقص الخدمة.
اه.
(قوله: يحرم الصوم الخ) أي ولا ينعقد.
(قوله: في أيام التشريق) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر،(2/308)
ويحرم صومها، ولو لتمتع عادم للهدي، لعموم النهي عنه.
وفي القديم: له صيامها عن الثلاثة الواجبة في الحج.
وقوله: والعيدين: أي عيد الفطر، وعيد الأضحى.
والأصل في حرمة صومهما: الإجماع المستند إلى نهي الشارع - صلى الله عليه وسلم - في خبر الصحيحين.
(قوله: وكذا يوم الشك) أي وكذلك يحرم صيام يوم الشك، لقول عمار بن ياسر: من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -.
رواه الترمذي وغيره، وصححوه.
قيل: والمعنى فيه القوة على صوم رمضان.
وضعفه السبكي بعدم كراهة صوم شعبان.
ويرد بأن إدمان الصوم يقوي النفس عليه، وليس في صوم شعبان إضعاف، بل تقوية، بخلاف صوم يوم ونحوه، فإنه يضعف النفس عما بعده، فيكون فيه افتتاح للعبادة مع كسل وضعف.
اه.
نهاية.
وما ذكر من تحريم صوم يوم الشك، هو المعتمد في المذهب.
وقيل يكره كراهة تنزيه.
قال الأسنوي: وهو المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون.
وفي البجيرمي ما نصه: (إن قلت) ما فائدة تنصيصهم على كراهة صوم يوم الشك أو حرمته مع أنه من جملة النصف الثاني من شعبان وهو محرم؟ (أجيب) بأن فائدته معرفة حقيقة يوم الشك حتى يرجع إليه لو علق به طلاقا أو عتقا.
وبيان أن صومه مكروه أو حرام، لشيئين: كونه يوم الشك وكونه بعد النصف، فيكون النهي فيه أعظم منه فيما قبله.
اه.
(قوله: لغير ورد) أي عادة، وتثبت بمرة.
فإن صامه لذلك، كأن كان يعتاد صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم، أو
صوم يوم معين - كالاثنين - فصادف يوم الشك فلا يحرم.
ومثل الورد: ما لو صامه عن نذر مستقر في ذمته أو عن قضاء لنفل أو فرض أو كفارة، فلا يحرم.
(قوله: وهو يوم الخ) بيان لضابط يوم الشك.
(قوله: وقد شاع الخبر بين الناس برؤية الهلال) أما إذا لم يشع بين الناس: فليس اليوم يوم الشك بل هو من شعبان، وإن أطبق الغيم.
(وقوله: ولم يثبت) - أي الهلال - عند الحاكم لكونه لم يشهد بالرؤية أحد، أو شهد بها صبيان أو نساء، أو عبيد، أو فسقة.
(قوله: وكذا بعد نصف شعبان) أي وكذلك يحرم الصوم بعد نصف شعبان لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا.
(قوله: ما لم يصله بما قبله) أي محل الحرمة ما لم يصل صوم ما بعد النصف بما قبله، فإن وصله به ولو بيوم النصف، بأن صام خامس عشره وتالييه واستمر إلى آخر الشهر، فلا حرمة.
(قوله: أو لم يوافق عادته) أي ومحل الحرمة أيضا ما لم يوافق صومه عادة له في الصوم، فإن وافقها - كأن كان يعتاد صوم يوم معين كالاثنين والخميس - فلا حرمة.
(قوله: أو لم يكن عن نذر الخ) أي: ومحل الحرمة أيضا: ما لم يكن صومه عن نذر مستقر في ذمته، أو قضاء، ولو كان القضاء لنفل، أو كفارة، فإن كان كذلك، فلا حرمة، وذلك لخبر الصحيحين: لا تقدموا - أي لا تتقدموا - رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما فليصمه.
وقيس بما في الحديث من العادة: النذر، والقضاء، والكفارة - بجامع السبب -.
والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/309)
باب الحج
(1) هو آخر أركان الإسلام، وأخره عن الصوم نظرا للقول بأن الصوم أفضل منه، واقتداء بخبر: بني الإسلام الخ.
واعلم أن فضائله لا تحصى.
منها خبر: من جاء حاجا يريد وجه الله تعالى، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويشفع فيمن دعا له.
ومنها خبر: من قضى نسكه، وسلم الناس من لسانه ويده، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وروى ابن حبان عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن الحاج حين يخرج من بيته لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا وقفوا بعرفات: باهى الله بهم ملائكته، يقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبرا، أشهدكم أني غفرت لهم ذنوبهم وإن كانت عدد قطر السماء ورمل عالج.
وإذا رمى الجمار: لم يدر أحد ما له حتى يتوفاه الله تعالى يوم القيامة، وإذا حلق شعره فله بكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة.
فإذا قضى آخر طوافه بالبيت خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
وقال ابن العماد في كشف الأسرار: وحكمة تركب الحج من الحاء والجيم: الإشارة إلى أن
الحاء من الحلم، والجيم من الجرم - فكأن العبد يقول: يا رب جئتك بجرمي - أي ذنبي - لتغفره بحلمك اه.
وأعمال الحج كلها تعبدية، وقد ذكر لهما بعض حكم، فمن ذلك ما ذكره في (الروض الفائق في المواعظ والرقائق) أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الحكمة في أفعال الحج، وما في المناسك الشريفة من المعاني اللطيفة، فقال: ليس من أفعال الحج ولوازمه شئ إلا وفيه حكمة بالغة، ونعمة سابغة، ونبأ وشأن وسر يقصر عن وصفه كل لسان.
فأما الحكمة في التجرد عند الإحرام: فإن من عادة الناس إذا قصدوا أبواب المخلوقين، لبسوا أفخر ثيابهم من اللباس، فكأن الحق سبحانه وتعالى يقول: القصد إلى بابي خلاف القصد إلى أبوابهم، لأضاعف لهم أجرهم وثوابهم.
وفيه أيضا أن يتذكر العبد بالتجرد عند الإحرام: التجرد عن الدنيا عند نزول الحمام - كما كان أولا - لما خرج من بطن أمه مجردا عن الثياب، وفيه شبه أيضا بحضور الموقف يوم الحساب - كما قال تعالى: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * (2) .
* (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * (3) .
اه.
وأما الاغتسال عند الإحرام: فلحكمة ظاهرة الإحكام، وهو أن الله تعالى يريد أن يعرض الحجاج على الملائكة ليباهي بهم الأنام، فلا يعرضون على الملائكة الكرام إلا وهم مطهرون من الأدناس والآثام.
وفيه أيضا حكمة أخرى: وهي أن الحجاج يضعون أقدامهم على مواضع أقدام الأنبياء الأبرار، فيكونون قبل ذلك قد اغتسلوا لينالوا بركتهم في تلك الآثار، كما قال تعالى وهو أصدق القائلين: * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) *.
وأما الحكمة في التلبية: فإن الإنسان إذا ناداه إنسان جليل القدر أجابه بالتلبية وحسن الكلام، فكيف بمن ناداه مولاه الملك العلام، ودعاه إلى جنابة ليكفر عنه الذنوب والآثام؟ وإن العبد إذا قال: لبيك، يقول الله تعالى: ها أنا دان إليك، ومتجل عليك.
فسل ما تريد، فأنا أقرب إليك من حبل الوريد.
وأما الحكمة في الوقوف بعرفة وأخذ الجمار من المزدلفة: فإن فيه أسرار لذوي العلم والمعرفة، فمعناه: كأن العبد يقول - سيدي: حملت جمرات
__________
(1) الركن الخامس من أركان الإسلام وثبتت فرضيته بالكتاب والسنة.
قال تعالى: (والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) آل عمران 97.
وفى السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم " بني الإسلام على خمس " ومنها: (زحج البيت من اتطاع إليه سبيلا " متفق عليه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء نصرانيا " اخرجه الترمذي وابن ماجة ولما روى البيهقى وابن عدى عن جابر رضي الله عنه مرفوقا: " الحج والعمرة فريضتان " (2) النساء: 40.
(3) الانعام: 94.(2/310)
الذنوب والأوزار، وقد رميتها في طاعتك بالإقرار، إنك أنت الكريم الغفار.
وأما الحكمة في الذكر عند المشعر الحرام، وما فيه من الأجور العظام: فكأن الحق تعالى يقول: اذكروني أذكركم، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، فإذا ذكرتموني عند المشعر الحرام ذكرتكم بين ملائكتي الكرام، وكتبت لكم توقيع الأمان من حلول الانتقام.
وأما الحكمة في حلق الرأس بمنى، ففيه حكمة يبلغ بها العبد جميع المنى، وذلك أن فيه يقظة وتذكيرا لا يفهمهما إلا من كان عالما نحريرا، لأن الحاج إذا وقف بعرفة، وذكر الله عند المشعر الحرام، وضحى بمنى، وحلق رأسه، وطهر بدنه من الأدناس والآثام: كتب الله عزوجل له ثوابا، وضاعف له أجورا، ووقاه جحيما وسعيرا، وجعل له بكل شعرة يوم القيامة نورا، وأعطى توقيع الأمان - كما قال تعالى في كتابه المكنون: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) * (2) .
وأما الحكمة في الطواف، وما فيه من المعاني والألطاف: فإن الطائف بالبيت يقول بلسان حاله عند دعائه وابتهاله: سيدي، أنت المقصود، وأنت الرب المعبود، أتيت إليك مع جملة الوفود، وطفت ببيتك المشهود، وقمت ببابك أرجو الكرم والجود، وقد سبق خطابك لخليلك الأمين في محكم كتابك المبين: * (وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) * (3) .
وأما الحكمة في الوقوف بعرفات وما فيه من المعاني البديعة الصفات، فإن فيه تنبيها وتذكيرا بالوقوف بين يدي الحق سبحانه وتعالى يوم القيامة حفاة عراة مكشوفي الرؤوس، واقفين على أقدام الحسرة والندامة، يضجون بالبكاء والعويل، ويدعون مولاهم دعاء عبد ذليل، فلله در أقوام دعاهم مولاهم إلى البيت العتيق، فأجابوا داعي الوجد والتشويق، وساروا إليه مشاة على قدم التصديق، * (وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) * (4) .
اه.
(قوله: هو) أي الحج، وهو مبتدأ، خبره القصد.
(وقوله: بفتح أوله وكسره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير الواقع مبتدأ - على رأي سيبويه - أي هو حال كونه متلبسا بفتح أوله - وهو الحاء - أو كسره، القصد.
والفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة أهل نجد، وهما لغتان فصيحتان، قرئ بهما في السبع.
فبالكسر قرأ حفص وحمزة والكسائي، وبالفتح قرأ الباقون.
(وقوله: لغة القصد) أي على ما قاله الجوهري.
(وقوله: أو كثرته) أي على ما قاله الخليل.
(وقوله: إلى من يعظم) متعلق بالقصد: أي القصد إلى شئ يقصد تعظيمه - كعبة كان أو غيرها - وتعبيره بمن - التي للعاقل - على سبيل التغليب، لأن المعظم صادق بالعاقل وغيره، فغلب العاقل على غيره وعبر بمن، وهذا
الذي جرى عليه ضعيف، والصحيح أن معناه لغة: القصد مطلقا، إلى من يعظم، وإلى غيره.
(قوله: وشرعا: قصد الكعبة للنسك الآتي) أي الأفعال الآتية، من إحرام، ووقوف، وطواف، وسعي، وحلق، مع ترتيب المعظم.
وهذا التعريف هو الموافق لما هو الغالب من أن المعنى الشرعي يشتمل على المعنى اللغوي وزيادة.
ويرد عليه أنه يقتضي أن الحج الشرعي: القصد المذكور، وإن كان ماكثا في بيته.
وأجيب عنه بأن المراد القصد المذكور مع فعل الأعمال المذكورة.
وعرفه بعضهم بأنه نفس الأفعال الآتية، وهذا هو الموافق لقولهم: أركان الحج، وسنن الحج.
إذا الأركان: أفعال.
فجعلها أجزاء للحج: يفيد أنه مركب منها، فهو عبارة عن مجموع أفعال.
ويمكن أن يقال إن جعلهم إياها أركانا للحج مجاز، لا حقيقة.
والمراد أنها أركان للمقصود منه، وهو فعل الأعمال، لا للقصد نفسه الذي هو الحج.
(قوله: وهو من الشرائع القديمة) أي لا من خصوصيات هذه الأمة - كما قيل به - قال القليوبي: ينبغي أن يكون هذا بمعناه اللغوي، أما بهذه الهيئة المخصوصة، فهو من خصائص هذه الأمة.
(قوله: وروي أن آدم الخ) استدلال على كونه من الشرائع القديمة.
(وقوله: ماشيا) قيل لمجاهد - أفلا كان يركب؟ قال: وأي شئ كان يحمله؟ (قوله: وأن جبريل إلخ)
__________
(1) البقرة: 222.
(2) الفتح: 27.
(3) الحج: 26.
(4) : 24(2/311)
هذا لا يدل على أن الحج من الشرائع القديمة، وإنما يدل على أن الطواف منها.
(قوله: بهذا البيت) (اعلم) أنه كان من زمردة خضراء، وفيه قناديل من قناديل الجنة، فلما جاء الطوفان في عهد نوح رفعه الله إلى السماء الرابعة، وأخذ جبريل الحجر الأسود، فأودعه في جبل أبي قبيس - صيانة له من الغرق فكان مكان البيت خاليا إلى زمن إبراهيم عليه السلام، فلما ولد له إسماعيل وإسحق، أمره الله ببناء بيت يذكر فيه، فقال: يا رب بين لي صفته، فأرسل الله سحابة على قدر الكعبة، فسارت معه حتى قدم مكة، فوقفت في موضع البيت، ونودي يا إبراهيم: ابن على ظلها، لا تزد ولا تنقص - فكان جبريل عليه السلام: يعلمه، وإبراهيم يبني، وإسماعيل يناوله الحجارة.
وفي الإيضاح للنووي ما نصه: واختلف المفسرون في قوله تعالى: * (إن أول بيت وضع للناس) * (1) .
فروى الأزرقي في كتاب مكة، عن مجاهد، قال: لقد خلق الله عزوجل موضع هذا البيت قبل أن يخلق شيئا من الأرض بألفي
سنة، وأن قواعده لفي الأرض السابعة السفلى.
وعن مجاهد أيضا إن هذا البيت أحد أربعة عشر بيتا: في كل سماء بيت، وفي كل أرض بيت، بعضهن مقابل لبعض.
وروى الأزرقي أيضا عن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهم قال: إن الله تعالى بعث ملائكة، فقال ابنوا لي في الأرض بيتا تمثال البيت المعمور وقدره.
وأمر الله تعالى من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
قال: وهذا كان قبل خلق آدم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أول بيت بناه آدم في الأرض.
اه.
وقد بني البيت عشر مرات - كما في القسطلاني على البخاري - وقد نظم بعضهم البانين على الترتيب فقال: بنى بيت رب العرش عشر فخذهم * * ملائكة الله الكرام، وآدم فشيث، فإبراهيم، ثم عمالق * * قصي، قريش - قبل هذين - جرهم وعبد الإله، ابن الزبير بنى - كذا * * بناء لحجاج - وهذا متمم وقوله: بناء لحجاج: أي بجانب الحجر فقط بأمر عبد الملك بن مروان، وبعض البناء كان ترميما.
قال ابن علان: قلت وقد سقط من بناء ابن الزبير ما بناه الحجاج الجدار الشامي، وجانب من الشرقي والغربي فسد محله بأخشاب من صبيحة سقوطه لعشرين من شعبان سنة 9301 تسع وثلاثين وألف إلى أوائل جمادي من السنة بعده، وقد أفردت لذلك مؤلفا واسعا، ثم لخصته.
فبالنظر لما ذكر من السد وهو من صاحب مكة الشريف مسعود بن إدريس، ثم من العمارة، وهي من جانب السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان - تكون أبنية الكعبة اثنتي عشرة مرة، وقد نظمت ذلك فقلت: بنى الكعبة الأملاك آدم بعده * * فشيث، وإبراهيم، ثم العمالقه وجرهم، قص مع قريش، وتلوهم * * هو ابن زبير، فادر هذا وحققه وحجاج تلو، ثم مسعود بعدهم * * شريف بلاد الله بالنور أشرقه ومن بعد ذا حقا بنى البيت كله * * مراد بن عثمان فشيد رونقه اه.
قلت وقد حدث ترميم في باطن الكعبة المعظمة في شهر ربيع الأخير سنة 1299 - ألف ومائتين وتسع وتسعين - في مدة سلطنة وخلافة مولانا السلطان الغازي عبد الحميد الثاني - نصره الله - ابن المرحوم مولانا السلطان الغازي عبد المجيد بن محمود بن عبد الحميد الأول.
وقد أرخ العمارة المذكورة شيخ الإسلام، وقدوة الأنام، فريد العصر والأوان - مولانا الأستاذ السيد أحمد بن زيني دحلان - في بيت واحد، وجعل قبله بيتين للدخول على بيت التاريخ
فقال: اه.
__________
(1) آل عمران: 96(2/312)
لسلطاننا عبد الحميد محاسن * * ومن ذا الذي بالحصر يقوى يعدد؟ وقد حاز تعميرا لباطن قبلة * * وتاريخه بيت فريد يحدد بناء بدا زهوا لداخل كعبة * * وسلطاننا عبد الحميد المجدد 82 169 207 97 655 19 7 53 - 841 سنة 458 1299 (فائدة) قال وهب بن منبه - رضي الله عنه -: مكتوب في التوراة: إن الله عزوجل يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك من الملائكة المقربين، بيد كل واحد منهم سلسلة من ذهب إلى البيت الحرام، فيقول لهم: اذهبوا فزموه بهذه السلاسل، ثم قودوه إلى المحشر، فيأتونه، فيزمونه بتلك السلاسل، ويمدونه.
وينادي ملك: يا كعبة الله سيري فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي.
فينادي ملك من جو السماء: سلى.
فتقول الكعبة: يا رب شفعني في جيراني الذين دفنوا حولي من المؤمنين.
فتسمع النداء: قد أعطيتك سؤلك.
قال: فتحشر موتى مكة بيض الوجوه كلهم محرمين مجتمعين حول الكعبة يلبون.
ثم تقول الملائكة: سيري يا كعبة الله.
فتقول: لست بسائرة حتى أعطى سؤلي.
فينادي ملك من جو السماء: سلي تعطي.
فتقول الكعبة: يا رب عبادك المذنبون الذي وفدوا إلي من كل فج عميق شعثا غبرا، تركوا الأهل والأولاد والأحباب وخرجوا شوقا إلي زائرين مسلمين طائعين حتى قضوا مناسكهم كما أمرتهم، فأسألك أن تشفعني فيهم، وتؤمنهم من الفزع الأكبر، وتجمعهم حولي.
فينادي الملك: فإن فيهم من ارتكب الذنوب بعدك، وأصر على الكبائر حتى وجبت له النار.
فتقول: يا رب، أسألك الشفاعة في المذنبين الذين ارتكبوا الذنوب العظام والأوزار، حتى وجبت لهم النار.
فيقول الله تعالى: قد شفعتك فيهم، وأعطيتك سؤلك.
فينادي ملك من جو السماء: ألا من زار كعبة الله فليعتزل عن الناس.
فيعتزلون، فيجعلهم الله تعالى حول البيت الحرام بيض الوجوه.
آمنين من النار، يطوفون ويلبون.
ثم ينادي ملك من جو السماء: ألا يا كعبة الله سيري.
فتقول الكعبة: لبيك اللهم لبيك، والخير كله بيديك، لبيك لا شريك لك لبيك.
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
ثم يمدونها إلى المحشر.
(قوله: لم يبعث الله نبيا) أي رسولا، بدليل ذكر البعث، لأنه خاصة الرسول، لكن عبر جماعة بقولهم: إن جميع الأنبياء والرسل حجوا البيت.
(قوله: والذي صرح به غيره) أي غير ابن إسحاق.
وقصده بهذا بيان أن قول ابن إسحاق
بعد إبراهيم ليس بقيد.
(قوله: أنه ما من نبي إلا حج) أي من كان قبل إبراهيم، ومن كان بعده.
والمراد بالنبي ما يشمل الرسول.
(قوله: خلافا لمن استثنى هودا وصالحا) أي قال إنهما لم يحجا.
قال العلامة عبد الرؤوف: وقائله عروة بن الزبير - رضي الله عنهما - حيث قال: بلغني أن آدم ونوحا حجا دون هود وصالح، لاشتغالهما بأمر قومهما، ثم بعث الله إبراهيم فحجه وعلم مناسكه، ثم لم يبعث الله نبيا بعده إلا حجه.
ويجاب عن قول عروة بأن الحديث على فرض صحته معارض بأحاديث كثيرة أنهما حجا، منها قول الحسن في رسالته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح فيما بين الركن والمقام وزمزم.
ومن المعلوم أنهم لا يأتون البيت بغير حج.
مع أن المثبت مقدم على النافي.
ولا تكره الصلاة بين الركن والمقام وزمزم توهما من حديث الحسن، لكونهما مقبرة، لأنها مقبرة الأنبياء، وهم أحياء في قبورهم، ولا يقال الكراهة أو الحرمة من حيث أن المصلي يستقبل قبر نبي، وهو منهي عنه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تتخذوا قبور أنبيائكم مساجدا.
لأن شرط الحرمة أو الكراهة تحقق ذلك، وهو منتف هنا اهـ.
ملخصا.(2/313)
(قوله: والصلاة أفضل منه) أي من الحج.
أي ومن غيره من سائر عبادات البدن، وذلك لخبر الصحيحين: أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها.
قال حجر: ولا بدع أن يخص قولهم: أفضل عبادات البدن الصلاة بغير العلم.
وقيل الصوم أفضل، لخبر الصحيحين: قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به.
ورد ذلك بأن الصلاة تجمع ما في سائر العبادات، وتزيد عليها بوجوب الاستقبال، ومنع الكلام والمشي وغيرهما، ولأنها لا تسقط بحال، ويقتل تاركها، بخلاف غيرها.
وقال ابن أبي عصرون: الجهاد أفضل.
(وقوله: خلافا للقاضي) أي فإنه قال إن الحج أفضل منها، أي ومن غيرها من سائر العبادات، أي لاشتماله على المال والبدن، ولأنا دعينا إليه ونحن في الأصلاب، كما أخذ علينا العهد بالإيمان حينئذ.
ولأن الحج يجمع معاني العبادات كلها، فمن حج فكأنما صام، وصلى، واعتكف، وزكى، ورابط في سبيل الله، وغزا - كما قاله الحليمي -.
قال العلامة عبد الرؤوف: والظاهر أن قول القاضي هو أفضل: مفروض في غير العلم.
اه.
وحاصل المعتمد أن الأفضل مطلقا: اكتساب معرفة الله تعالى، بأن يقصد إلى النظر، وينظر في الآيات الدالة على وجوده تعالى، وعظيم قدرته، واتساع علمه في السموات والأرض وغيرهما مما يحصل به القطع بأن لا موجد لها سواه - كما قال البرعي رضي الله عنه: شهدت غرائب صنعه بوجوده * * لولاه ما شهدت به لولاه سل عنه ذرات الوجود فإنها * * تدعوه مفهوماتها رباه ثم العلم العيني وهو ما به صحة العمل، ثم فرض العين من غيره، وأفضله - على مذهب الجمهور - الصلاة.
قال الونائي ثم الصوم، ثم الحج، ثم العمرة، ثم الزكاة، ثم فرض الكفاية من العلم: وهو ما زاد على تصحيح العمل حتى يبلغ درجة الاجتهاد المطلق، ثم فرض الكفاية من غيره، ثم نقل العلم: وهو ما زاد على الاجتهاد المطلق.
(قوله: وفرض في السنة السادسة) قال في النهاية - كما صححاه في السير، ونقله في المجموع عن الأصحاب - وجزم الرافعي هنا بأنه سنة خمس، وجمع بين الكلامين بأن الفريضة قد تنزل ويتأخر الإيجاب على الأمة، وهذا كقوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى) * (1) فإنا آية مكية، وصدقة الفطر مدنية.
اه.
(قوله: وحج - صلى الله عليه وسلم - إلخ) وكذلك اعتمر - صلى الله عليه وسلم - قبلها عمرا لا يدري عددها، وأما بعدها: فعمرة في رجب - كما قاله ابن عمر، وإن أنكرته عائشة، لأنه مثبت - وثلاثا - بل أربعا - في ذي القعدة: لأنه في حجة الوداع، كان في آخر أمره قارنا، وعمرة في شوال - كما صح في أبي داود - وعمرة في رمضان - كما في البيهقي، كذا في عبد الرؤوف.
(قوله: حججا لا يدرى عددها) قال في التحفة: وتسمية هذه حججا إنما هو باعتبار الصورة، إذ لم تكن على قوانين الحج الشرعي باعتبار ما كانوا يفعلونه من النسئ وغيره، بل قيل في حجة أبي بكر في التاسعة ذلك، لكن الوجه خلافه، لانه - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر إلا بحج شرعي، وكذا يقال في الثامنة التي أمر فيها عتاب بن أسيد أمير مكة، وبعدها حجة الوداع لا غير.
اه.
وكتب ابن سم ما نصه: قوله: وتسمية هذه حججا: إنما هو باعتبار الصورة أقول: قضية صنيعه أن حجه عليه الصلاة والسلام بعد النبوة قبل الهجرة لم يكن حجا شرعيا، وهو مشكل جدا.
اه.
__________
(1) الاعلى: 14(2/314)
وكتب ع ش ما نصه: أقول وقد يقال لا إشكال فيه، لأن فعله - صلى الله عليه وسلم - بعد النبوة قبل فرضه لم يكن شرعيا بهذا الوجه
الذي استقر عليه الأمر.
فيحمل قول حجر، إذ لم يكن على قوانين الشرع إلخ، على أنه لم يكن على قوانين الشرع بهذه الكيفية.
اه.
قال العلامة باقشير.
قوله: على قوانين إلخ.
كأن المراد بقوانين الحج الشرعي: هو ما استقر عليه، فلا ينافي أن ما فعله أو أمر به شرعي.
اه.
وكتب السيد عمر البصري على قوله بل قيل في حجة أبي بكر الخ ما نصه: قال في الخادم حج أبي بكر رضي الله عنه في التاسعة كان في ذي القعدة لأجل النسئ، وكان بتقرير من الشرع، ثم نسخ بحجة الوداع.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن الزمان قد استدار إلخ.
اه.
ما في الخادم.
ونقله الفاضل عميرة وأقره، وهو واضح لا غبار عليه.
ولا يرد عليه قول الشارح رحمه الله تعالى، لأنه - صلى الله عليه وسلم - الخ.
اه.
وقوله لاجل النسئ: هو فعيل بمعنى مفعول، من قولك نسأت الشئ، فهو منسوء، إذا أخرته.
ومعنى النسئ الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية: هو أنه كانت العرب تحرم القتال في الأشهر الحرم، فإذا احتاجوا إلى القتال فيها قاتلوا فيها وحرموا غيرها، فإذا قاتلوا في المحرم حرموا بدله شهر صفر، وهكذا في غيره.
وكان الذي يحملهم على هذا: أن كثيرا منهم إنما كانوا يعيشون بإغارة بعضهم على بعض، ونهب ما يمكن نهبه من أموال من يغيرون عليه، ويقع بينهم بسبب ذلك القتال، وكانت الأشهر الثلاثة المسرودة يضر بهم تواليها، وتشتد حاجتهم، وتعظم فاقتهم، فيحلون بعضها، ويحرمون مكانه بقدره من غير الأشهر الحرم، فأنزل الله تعالى القرآن بتحريمه وعده من أنواع الكفر، فقال سبحانه وتعالى: * (إنما النسئ زيادة في الكفر) * (1) (قوله: وبعدها إلخ) أي وحج بعد الهجرة حجة الوداع لا غيرها.
(قوله: خرج من ذنوبه) قال ابن علان: الصغائر والكبائر والتبعات - كما يؤذن به عموم الجمع المضاف، وجاء التصريح بهما في رواية - وألف الحافظ ابن حجر في ذلك جزءا أسماه (قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج) وأفتى به الشهاب الرملي.
وحمله ولده على من مات فيه أو بعده وقبل تمكنه من الوفاء.
قال الشيخ محمد الحطاب المالكي - نقلا عن ابن خليل المكي شيخ المحب الطبري - أوائل مناسكه: قال مشايخنا المتقدمون: إن الضمان من الله بالمظالم والتبعات - والله أعلم - إنما ينزل على التائب الذي ليس بمصر، وقد يتعذر ردها إلى صاحبها والتحلل منه.
اه.
وألف فيه السيد بادشاه الحنفي جزءا.
قال الشارح - يعني ابن حجر - لكن ظاهر كلامهم يخالفه، والأول أوفق بظاهر السنة، والثاني أوفق بالقواعد، ويؤيده ما في المجموع عن القاضي عياض: غفران الصغائر فقط مذهب أهل السنة، والكبائر لا يكفرها إلا التوبة أو رحمه الله تعالى.
وعن الإمام مالك أن ذلك عام في كل ما ورد، واستدل له المصنف بخبر مسلم فيمن أحسن وضوءه وصلاته كانت كفارة لما قبله من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله، وبه يرد قول مجلي رد الكلام الإمام، وهذا الحكم يحتاج لدليل، وفضل الله واسع.
ويرد أيضا - كما قال إبن عبد البر - بأنه جهل وموافقة للمرجئة في قولهم، ولو كان كما زعموا لم يكن للأمر بالتوبة معنى، وقد أجمع المسلمون أنها فرض، والفرض لا يصح شئ منه إلا بالقصد.
وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر.
لكن ربما أثرت هذه الطاعات في القلب، فحملت على التوبة.
وحديث العباس بن مرداس أنه - صلى الله عليه وسلم -: دعا لأمته عشية عرفة بالعفو حتى عن المظالم والدماء فلم يستجب له، ثم دعا لهم صبيحة مزدلفة فاستجيب له حتى عن المظالم والدماء.
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحك من جزع الشيطان.
رواه ابن ماجة وأبو داود ولم يضعفه.
وإيراد ابن الجوزي له في الموضوعات رده الحافظ ابن حجر في قوة الحجاج إلى أن قال: وأحسن منه - أي من تضعيفه - أنه ليس في الحديث
__________
(1) التوبة: 37(2/315)
تعرض لما الكلام فيه من تكفير الحج الكبائر والتبعات، إنما فيه أن الله استجاب دعاء نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالعفو عن جميع الذنوب بأنواعها، فإن كان المراد الحاضر من الأمة حينئذ، فظاهر عدم دلالته على المطلوب، وإن كان أمته مطلقا، فكذلك، إذ ليس في الحديث أن غفرانهم عن الحج إنما فيه إجابة لدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودلالته على المدعي تتوقف على ثبوت أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد بالأمة الحاج منهم كل عام، وفي ثبوت ذلك بعد أي بعد.
اه.
كلام ابن علان.
وجزم المصنف - أي ابن حجر - في الحاشية بضعف حديث العباس ابن مرداس، فقال: ضعف البخاري وابن ماجه اثنين من رواته.
وقال ابن الجوزي أنه لا يصح، تفرد به عبد العزيز ولم يتابع عليه.
قال ابن حبان: وكان يحدث على التوهم والحسبان، فبطل الاحتجاج به.
اه.
وفي حاشية الشيخ باعشن على الونائي ما نصه: وحاصله أن ابن المنذر وجماعة حملوا التكفير في هذا ونحوه على ما يعم الصغائر والكبائر أخذا بإطلاق النصوص، وأن بعضهم - ومنهم العلامة ابن حجر - قيدها بالصغائر حملا للمطلق على المقيد، وعملا بما نقل من الإجماع، لكن في الإجماع نظر، إذ لو كان ثابتا لما جهله ابن المنذر وغيره من أكابر المتقدمين والمتأخرين، وحمل المطلق على المقيد إنما يكون فيما لم يرد فيه تصريح ينافي الحمل المذكور.
ومن ثم قال
العلامة الكردي: والذي يظهر أن ما صرحت به الأحاديث - من أنه يكفر الكبائر - لا ينبغي التوقف فيه بأنه يكفرها، وما أطلقت الأحاديث فيه يبقى الكلام فيه.
قال: وملت في الأصل إلى أن الإطلاق يشمل الكبائر، والفضل واسع، وما ذكره موافق للجمال الرملي.
اه.
من حاشية سيدنا وشيخنا السيد أحمد دحلان على عبد الرؤوف الزمزمي في المناسك.
وفي حاشية البجيرمي على الإقناع ما نصه: والحج يكفر الصغائر والكبائر، حتى التبعات على المعتمد، إن مات في حجه أو بعده وقبل تمكنه من أدائها.
كما قاله زي.
قال ع ش: وتكفيره لما ذكر: إنما هو لإثم الإقدام، لا لسقوط حقوق الآدميين - بمعنى أنه إذا غصب مالا، أو قتل نفسا ظلما عدوانا، غفر له إثم الإقدام على ما ذكر، ووجب عليه القود، ورد المغصوب إن تمكن، وإلا فأمره إلى الله تعالى في الآخرة.
ومثله سائر حقوق الآدميين، وهو بعيد مخالف لكلام الزيادي، وكلام الزيادي هو المشهور.
وسئل الرملي عن مرتكب الكبائر الذي لم يتب منا إذا حج، هل يسقط وصف الفسق وأثره كرد الشهادة، أو يتوقف على ذلك توبة؟ فأجاب بأنه يتوقف على التوبة مما فسق به.
وعبارة الرحماني: ولو قلنا بتكفير الصغائر والكبائر، إنما هو بالنسبة لأمور الآخرة حتى لو أراد الشهادة بعده فلا بد من التوبة، والاستبراء سنة.
اه.
بتصرف.
(قوله: كيوم ولدته أمه) أي خرج منها خروجا مثل خروجه يوم ولدته أمه، أو خرج منها حال كونه مشابها لنفسه يوم ولادته في البراءة، فهو إما صفة لمصدر محذوف، أو في محل نصب على الحال.
(قوله: يشمل التبعات) جمع تبعة بضمة بين فتحتين، وهي حق الآدمي صغيرة أو كبيرة.
اه.
عبد الرؤوف.
والضبط المذكور خلاف ما في القاموس، فإن الذي فيه كفرحة وكتابة، وكذا خلاف ما في المصباح، فإن الذي فيه ككلمة تأمل.
(قوله: وورد التصريح به) أي بلفظ التبعات.
(قوله: وأفتى به) أي بشموله للتبعات.
(قوله: لكن ظاهر كلامهم) أي الفقهاء.
(وقوله: يخالفه) أي ما ذكر من شموله للتبعات.
(قوله: والأول) أي شموله للتبعات.
(وقوله: أوفق بظواهر السنة) منها الحديث المتقدم، وهو حديث العباس بن مرداس، وقد تقدم ما فيه.
قال العلامة عبد الرؤوف: على أن الحديث مؤول بحمله على أنه يرجى لبعض الحجاج - إن الله يرضى عنه خصماءه.
(قوله: والثاني) أي عدم شموله لها المراد من قوله، لكن ظاهر كلامهم يخالفه.
(وقوله: أوفق بالقواعد) فإن القاعدة أن حق الله مبني على المسامحة، وحق الآدمي مبني على المشاحة، فلا يخرج منه(2/316)
إلا برضاه.
(قوله: ونقل الإجماع عليه) أي على الثاني.
وفي نقل الإجماع نظر، كما تقدم عن باعشن.
(قوله: وبه
يندفع) أي وبالإجماع يندفع الإفتاء المذكور.
أي بشموله للتبعات.
(وقوله: تمسكا بالظواهر) علة الإفتاء.
(قوله: والعمرة) بالجر، عطف على الحج.
أي باب في بيان الحج وبيان العمرة، وهي بضم العين مع ضم الميم وإسكانها، وبفتح العين وإسكانها.
(قوله: وهي لغة: زيارة مكان عامر) أي ولذلك سميت عمرة.
وقيل سميت بها لأنها تفعل في العمر كله.
(قوله: وشرعا: قصد الكعبة إلخ) وقيل نفس الأعمال الآتية - كما تقدم في الحج - (وقوله: للنسك الآتي) أي الأعمال الآتية، من إحرام، وطواف، وسعي، وحلق - أو تقصير -.
(فإن قلت) : كلامه يقتضي اتحاد الحج والعمرة، إذ كل منهما قصد الكعبة للنسك.
(قلت) لا، لأن تقييده في تعريف كل بلفظ الآتي يدفع الاتحاد، إذ النسك الآتي في تعريف الحج غير النسك الآتي في تعريف العمرة، فما وعد بإتيانه في كل تعريف يخرج الآخر.
(قوله: يجبان إلخ) أي وجوبا عينيا على من ذكر.
أما الحج فإجماعا، بل معلوم من الدين بالضرورة، ومن أركان الإسلام.
وأما العمرة فعلى الأظهر، لما صح: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله: هل على النساء جهاد؟ قال: نعم.
جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة.
ويجبان أيضا - وجوبا كفائيا - كل سنة لإحياء الكعبة المشرفة على الأحرار البالغين، ولا يسقط بفعل غيرهم، وقيل يسقط، قياسا على الجهاد وصلاة الجنازة.
ويسنان من الأرقاء والصبيان والمجانين.
(واعلم) أن لهما خمس مراتب: صحة مطلقا - أي لم تقيد بمباشرة وغيرها - وصحة مباشرة، ووقوع عن النذر، ووقوع عن حجة الإسلام، وصحة وجوب.
ولكل مرتبة شروط.
واقتصر المؤلف - رحمه الله تعالى - على شروط مرتبة الوجوب - فيشترط للأولى: الوقت، والإسلام.
فلولي المال أن يحرم عن الصغير - كما سيأتي -.
ويشترط للثانية معهما: التمييز، ومعرفة الكيفية، والعلم بالأعمال.
بأن يأتي بها عالما أنه يفعلها عن النسك.
ويشترط للثالثة مع ما ذكر: البلوغ، والعقل، وإن لم يكن حرا فيصح نذر الرقيق الحج.
ويشترط للرابعة مع ذكر: الحرية، وإن لم يكن مستطيعا، فلو تكلف الفقير وحج حجة الإسلام صح، ووقع عنها.
ويشترط للخامسة مع ما ذكر: الاستطاعة.
(قوله: ولا يغني عنها الحج) أي لا يقوم مقام العمرة الحج، لأن كلا أصل قصد منه ما لم يقصد من الآخر - ألا ترى أن لها مواقيت غير مواقيت الحج، وزمنا غير زمن الحج؟ وحينئذ فلا يشكل بإجزاء الغسل عن الوضوء، لأن كل ما قصد به الوضوء موجود في الغسل.
اه.
تحفة.
(قوله: وإن اشتمل) أي الحج.
(وقوله: عليها) أي العمرة.
وذلك لأن أركان العمرة هي أركان الحج، ما عدا الوقوف.
والغاية لعدم الاستغناء بالحج عنها.
(قوله: وخبر) مبتدأ.
مضاف إلى جملة سئل إلخ إضافة بيانية.
(قوله: ضعيف) خبر المبتدأ.
(وقوله: اتفاقا) أي أن ضعفه ثابت باتفاق الحفاظ.
(قوله:
وإن صححه الترمذي) أي فلا يغتر بقوله.
وعبارة المغني: وأما خبر الترمذي عن جابر سئل إلخ، فضعيف.
قال في المجموع: اتفق الحفاظ على ضعفه، ولا يغتر بقول الترمذي فيه حسن صحيح.
وقال ابن حزم إنه باطل.
قال أصحابنا: ولو صح، لم يلزم منه عدم وجوبها مطلقا، لاحتمال أن المراد ليست واجبة على السائل لعدم استطاعته.
اه.
(قوله: على كل مسلم) قيد أول خرج به الكافر الأصلي، فلا يجبان عليه وجوب مطالبة بهما في الدنيا، حتى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته في الكفر، فإنه لا أثر لها.
أما المرتد، فيخاطب بهما في ردته، حتى لو استطاع ثم أسلم لزمه الحج، وإن افتقر.
فإن أخره حتى مات حج عنه من تركته - هذا إذا أسلم، فإن لم يسلم ومات على ردته: لا يقضيان عنه.
وكما لا يجبان على الكافر، لا يصحان منه، ولا عنه، لعدم أهليته للعبادة.
(قوله: مكلف) صفة لمسلم، وهو قيد ثان.
(قوله:(2/317)
أي بالغ عاقل) تفسير لمكلف.
(قوله: حر) أي كله ولو بالتين.
وإن كان حال الفعل قنا ظاهرا - كما في التحفة - وهو قيد ثالث.
(قوله: فلا يجبان على صبي ومجنون ولا على رقيق) أي لنقصهم.
والحج والعمرة إنما يجبان في العمر مرة واحدة، فاعتبر الكمال فيهما.
وأيضا الرقيق منافعه مستحقة لسيده، فليس مستطيعا.
وأخذ الشارح محترز بالغ وعاقل وحر ولم يأخذ محترز ما زاده - وهو مسلم - وكان الأولى ذكره أيضا، وقد علمته.
(قوله: فنسك الخ) مفرع على عدم وجوبهما على الصبي ومن بعده.
يعني وإذا لم يجبا على هؤلاء، فالنسك الواقع منهم يقع نفلا - أي يصح، ويقع تطوعا - لكن بشرط أن يتموه في الصبا والجنون والرق، فلو بلغ الصبي أو عتق وهو بعرفة، وأدرك من وقت الوقوف زمنا يعتد به في الوقوف، أو بعد إفاضته من عرفة ثم عاد إليها قبل خروج الوقت، أجزأته تلك الحجة عن فرض الإسلام، ولا دم عليه بوقوع إحرامه حال النقص، وإن لم يعد للميقات بعد الكمال، نعم، يجب عليه إعادة السعي بعد طواف الإفاضة إن كان قد سعى بعد طواف القدوم وطواف العمرة كالوقوف، فإن بلغ، أو عتق قبله، أو فيه، أجزأته تلك العمرة عن عمرة الإسلام، لكنه يعيد بعض الطواف الذي تقدم على البلوغ أو العتق.
فإن بلغ أو عتق بعد تمام الطواف، فالذي اعتمده في النهاية أنه يعيده، ويجزئه عن عمرة الإسلام.
وإفاقة المجنون بعد الإحرام عنه كبلوغ الصبي وعتق الرقيق في جميع ما ذكر.
(فائدة) الصبي إذا كان غير مميز يحرم عنه وليه، وإذا كان مميزا فهو مخير بين أن يحرم عنه أو يأذن له في ذلك.
ومثل الصبي: المجنون - فيجوز للولي أن يحرم عنه - ولو طرأ جنونه بعد البلوغ.
وكذا المغمى عليه - إن لم يرج زوال
إغمائه قبل فوات الوقوف - وإلا فلا يصح الإحرام عنه.
وأما الرقيق، فإن كان صغيرا: فللولي أن يحرم عنه، أو يأذن له إذا كان مميزا.
فإن كان بالغا فله أن يحرم بنفسه، ولو من غير إذن سيده، وإن كان له إذا لم يأذن له أن يحلله ولا يجوز لسيده أن يحرم عنه.
وصفة إحرام من ذكر عمن ذكر: أن ينوي جعله محرما بأن يقول: جعلته محرما، أو يقول - كما في الروض وشرحه - أحرمت عنه، ثم يلبي ندبا.
وحيث صار المولى محرما: أحضره وليه سائر المواقف: وجوبا في الواجب، وندبا في المندوب.
ويفعل عنه ما لا يمكن منه - كالرمي - بعد رمي نفسه، ويصلي عنه سنتي الطواف والإحرام.
ويشترط في الطواف طهرهما عن الحدث والخبث - كما اعتمداه في التحفة والنهاية -.
قال الكردي: وظاهر أن الولي إنما يفعلهما - أي الطواف والسعي - به بعد فعله عن نفسه - كما تقدم في الرمي -.
اه.
هذا إذا كان غير مميز، فإن كان مميزا طاف، وصلى، وسعى، وحضر المواقف، ورمى الأحجار بنفسه.
ثم إن الولي يغرم واجبا بإحرام، كدم تمتع، وقران، وفوات، وكفدية شئ من محظوراته إن ارتكبها المميز.
أما غيره، فلا فدية في ارتكابه محظورا على أحد.
ويغرم الولي زيادة النفقة بسبب السفر، ولو قبل صيرورته محرما.
(قوله: مستطيع) قيد رابع.
وإنما شرطت الاستطاعة، لقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والاستطاعة: أن يكون قادرا على الزاد والراحلة، وأن يصح بدن العبد، وأن يكون الطريق آمنا.
ثم إن الاستطاعة نوعان: أحدهما: استطاعة مباشرة، وهذه يقال لها استطاعة بالبدن والمال، ولها أحد عشر شرطا - يؤخذ غالبها من كلام المصنف رحمه الله تعالى -.
الأول: وجود مؤن السفر ذهابا وإيابا.
الثاني: وجود الراحلة مع وجود شق محمل لمن لا يقدر على الراحلة: الثالث: أمن الطريق.
الرابع: وجود الماء والزاد في المواضع التي يعتاد حملهما منها بثمن مثله.
الخامس: خروج زوج أو محرم مع المرأة.
السادس: أن يثبت على الراحلة بلا مشقة شديدة.
السابع: وجود ما مر من
__________
(1) آل عمران: 97(2/318)
الزاد وغيره وقت خروج الناس من بلده.
الثامن: أن يبقى بعد الاستطاعة زمن يمكنه الوصول فيه إلى مكة باليسر المعتاد: التاسع: أن يجد رفقة حيث لم يأمن وحده.
العاشر: أن يجد ما مر بمال حاصل عنده أو بدين حال على ملئ.
الحادي
عشر: أن يجد الأعمى قائدا يقوده ويهديه عند ركوبه ونزوله - ولو بأجرة مثل قدر عليها -.
ثانيهما: استطاعة بإنابة الغير عنه، وهذه يقال لها استطاعة بالمال فقط، وإنما تكون في ميت ومعضوب.
وقد بينها بقوله: فرع، تجب إنابة الخ.
ثم إنه إذا استطاع ثم افتقر، لزمه التكسب والمشي إن قدر عليه، ولا يلزمه السؤال، خلافا للإحياء.
والفرق: أن أكثر النفوس تسمح بالتكسب - لا سيما عند الضرورة - دون السؤال.
(قوله: للحج) متعلق بمستطيع، واقتصر عليه لأن الاستطاعة له تغني عنه وعن العمرة، بخلاف الاستطاعة للعمرة في غير وقت الحج، وذلك لتمكنه من القرآن في الأولى، لا الثانية.
(قوله: بوجدان الزاد) تصوير وبيان للاستطاعة المفهومة من مستطيع.
أي أن الاستطاعة تحصل بوجدان الزاد إلخ.
ومحل ما ذكر: إذا لم يقصر سفره للنسك، بأن كان دون يومين من مكة، وكان يكتسب في أول يوم كفاية أيام الحج: وهي ما بين زوال سابع ذي الحجة، وزوال ثالث عشرة لمن لم ينفر النفر الأول، وإلا فلا يشترط وجدان ذلك، بل يلزمه النسك لقلة المشقة.
(وقوله: ذهابا وإيابا) أي مدة ذهابه وإيابه، وكذا مدة إقامته بمكة أو غيرها، وتعتبر مؤنة الإياب، وإن لم يكن له ببلده أهل وعشيرة، ومحل هذا - كما في التحفة - فيمن له وطن ونوى الرجوع إليه أو لم ينو شيئا، فمن لا وطن له، وله بالحجاز ما يقيته، لا تعتبر في حقه مؤنة الإياب قطعا، لاستواء سائر البلاد إليه، وكذا من نوى الاستطيان بمكة أو قر بها.
(قوله: وأجرة خفير) بالجر، عطف على الزاد.
أي وبوجدان أجرة خفير.
(وقوله: أي مجير) بيان لمعنى حفير.
أي أن معناه هو المجير، أي الذي يجير ويحرس ويحمي الركب من طالبيه.
قال في المصباح: خفرته: حميته من طالبيه، فأنا خفير.
والاسم: الخفارة - بضم الخاء وكسرها - والخفارة مثلثة الخاء.
جعل الخفير.
اه.
(وقوله: يأمن) أي مريد النسك على نفسه وماله وبضعه.
(وقوله: معه) أي المجير.
(قوله: والراحلة) معطوف على الزاد أيضا.
أي وبوجدان الراحلة.
وأصل الراحلة الناقة الصالحة للحمل.
والمراد بها هنا كل ما يصلح للركوب عليه بالنسبة لطريقه الذي يسلكه، ولو نحو بغل وحمار وبقر، وإن لم يلق به ركوبه عند ابن حجر.
وتشترط الراحلة، وإن كان قادرا على المشي، وشرط زيادة على الراحلة لأنثى وخنثى، ورجل متضرر بركوب الراحلة قدرة على شق محمل، وعلى شريك يليق به يعادله في الشق الآخر، فإن تضرروا بمحمل، اعتبر محارة كالشقدف، فمحفة وهي المعروفة بالتخت فسرير يحمله رجال، فالحمل على أعناق الرجال.
(وقوله: أو ثمنها) أي أو بوجدان ثمن الراحلة، أي أو وجدان أجرتها، فلا فرق في استطاعة الراحلة بين أن تكون هي
عنده أو يكون عنده ثمنها أو أجرتها.
(قوله: إن كان الخ) قيد في اشتراط وجدان الراحلة.
(وقوله: بينه) أي مريد النسك.
(وقوله: مرحلتان) أي فأكثر، وإن أطاق المشي.
نعم، ليس له المشي حينئذ، خروجا من خلاف من أوجبه.
(قوله: أو دونهما الخ) أي أو كان بينه وبين مكة دون مرحلتين، والحال أنه قد ضعف عن المشي، فإن قوي عليه بأن لم تحصل به مشقة تبيح التيمم فلا يعتبر في حقه الراحلة وما يتعلق بها.
(قوله: مع نفقة من يجب الخ) الظرف متعلق بوجدان، أو بمحذوف صفة للراد وما عطف عليه، أي وتعتبر الاستطاعة بوجدان الزاد مع وجدان نفقة من تجب عليه نفقته.
والمراد بالنفقة المؤنة.
ولو عبر بها لكان أولى، لتشمل الكسوة، والخدمة والسكنى، وإعفاف الأب، وثمن دواء، وأجرة طبيب.
والمراد بمن تجب عليه نفقته الزوجة، والقريب، والمملوك المحتاج لخدمته، وأهل الضرورات من المسلمين ولو من غير أقاربه لما ذكروه في السير من أن دفع ضرورات المسلمين بإطعام جائع، وكسوة عار، ونحوهما فرض على من ملك أكثر من كفاية سنة.
وقد أهمل هذا غالب الناس، حتى من ينتمي إلى الصلاح (وقوله: وكسوته) بالرفع(2/319)
عطف على نفقته الثانية، وبالجر عطف على الأولى.
وعلى كل، في كلامه الحذف إما من الأول، أو من الثاني.
(وقوله: إلى الرجوع) متعلق بمحذوف أي ويعتبر وجدان نفقة من ذكر من الذهاب إلى الرجوع.
(قوله: ويشترط أيضا للوجوب) أي وجوب النسك.
ولا يخفى أن هذا من شروط الاستطاعة التي هي شرط للوجوب.
فلو قال: ومع أمن الطريق عطفا على مع نفقة لكان أولى وأنسب.
(قوله: أمن الطريق إلخ) أي أمنا لائقا بالسفر، وهو دون أمن الحضر، ولو كان أمنه ظنا، ولو كان بخفير بأجرة مثله.
وخرج بالأمن على ما ذكر الخوف عليه من سبع أو غيره، فلا يجب عليه النسك حينئذ، لعدم الاستطاعة.
(وقوله: على النفس) أي له ولغيره.
(وقوله: والمال) أي ويشترط أمن الطريق على المال، لكن بشرطين: أن يحتاج إليه للنفقة والمؤنة، وأن يكون له لا لغيره.
فلو أراد استصحاب مال خطير للتجارة أو نحوها، وكان يأمن عليه لو تركه في بلده، فإنه لا يعتبر الخوف عليه، ولا يعد عذرا، وكذلك لو أراد استصحاب مال غيره إن لم يجب عليه حفظه والسفر به.
فإن وجب عليه حفظه والسفر به كوديعة فكماله.
ومثل النفس المال، والبضع، وجميع ما يحتاج لاستصحابه لسفره، فإن خاف على شئ منها لم يلزمه النسك للضرر وإن اختص الخوف به.
(قوله: ولو من رصدي) غاية في اشتراط الأمن: أي يشترط الأمن حتى من الرصدي، وهو بفتح الصاد وسكونها الذي يرصد الناس أي يرقبهم في الطريق أو القرى ليأخذ منهم شيئا ظلما.
(قوله: وإن قل ما يأخذه) أي الرصدي، وهو غاية في
اشتراط أمن الطريق.
أي يشترط ما ذكر، وإن كان المال الذي يأخذه الرصدي شيئا يسيرا.
قال في شرح المنهج: ويكره بذل المال لهم أي المترصدين لأنه يحرضهم على التعرض للناس، سواء كانوا مسلمين أم كفارا لكن إن كانوا كفارا وأطاق الخائفون مقاومتهم سن لهم أن يخرجوا للنسك ويقاتلوهم لينالوا ثواب النسك والجهاد اه.
وكتب البجيرمي قوله ويكره بذل المال أي قبل الاحرام أما بعده فلا يكره اه قوله وغلبة السلامة معطوف على أمن الطريق أي ويشترط أيضا غلبة السلامة لراكب البحر أي عند أهل البحر العارفين به قال في التحفة وظاهر تعبيرهم بغلبة السلامة أنه لو اعتيد في ذلك الزمن الذي يسافر فيه أنه يغرق فيه تسعة ويسلم عشرة لزم ركوبه ويؤيده الحاقهم الاستواء بغلبة الهلاك ولا يخلو عن بعد فلو قيل المعتبر العرف فلا يكتفي بتفاوت الواحد ونحوه لم يبعد ويؤيده ما يأتي في الفرار عن الصف وعليه فالمراد الاستواء العرفي أيضا لا الحقيقي وخرج بالبحر الأنهار العظيمة كجيحون والنيل فيجب ركوبها قطعا لأن المقام فيها لا يطول والخوف لا يعظم وقول الأذرعي محله إذا كان يقطعها عرضا وإلا فهي في كثير من الأوقات كالبحر وأخطر مردود بأن البر فيها قريب أي غالبا فيسهل الخروج إليه اه بتصرف قوله فإن غلب الهلاك هو وما بعده محترز غلبة السلامة وقوله لهيجان الأمواج أي أو لخصوص ذلك البحر وقوله في بعض الأحوال أي الأوقات قوله أو استويا أي السلامة والهلاك ومثله جهل الحال كما في البجيرمي قوله لم يجب أي ركوب البحر بدليل الاضراب بعده ويحتمل لم يجب أي الحج أي لم يلزمه قوله بل يحرم الخ الاضراب انتقالي وقوله فيه أي في البحر قوله له ولغيره أي للحج ولغير الحج قوله وشرط للوجوب أي وجوب الحج ولو قال وشرط للاستطاعة في المرأة الخ لكان أولى قوله مع ما ذكر أي من وجدان الزاد والراحلة وأمن الطريق وغيرها مما تقدم وقوله أن يخرج معها محرم أي بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولو فاسقا لأنه مع فسقه يغار عليها من مواقع الريب وقوله أو زوج أي ولو فاسقا لما تقدم وألحق بهما جمع عبدها الثقة إذا كانت هي ثقة أيضا والأجنبي الممسوح الذي لم يبق فيه شهوة للنساء قوله أو نسوة ثقاة بأن بلغن وجمعن صفات العدالة قال في التحفة ويتجه الاكتفاء بالمراهقات بقيده السابق وبمحارم فسقهن بغير نحو زنا أو قيادة ونحو ذلك ثم قال لكن نازع جمع في اشتراط ثلاث المصرح به كلامهما وقالوا ينبغي الاكتفاء بثنتين ويجاب بأن(2/320)
خطر السفر اقتضى الاحتياط في ذلك على أنه قد يعرض لأحداهن حاجة تبرز ونحوه فيذهب اثنتان وتبقى اثنتان ولو
اكتفى بثنتين لذهبت واحدة وحدها فيخشى عليها اه قوله وذلك أي اشتراط خروج من ذكر معها وقوله لحرمة سفرها وحدها أي لخبر الصحيحين لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو محرم وفي رواية لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم وفي رواية بريدا إلا ومعها محرم وقوله يومين في الرواية الأولى وثلاثة أيام في الرواية الثانية وبريدا في الثالثة ليس قيد أو المراد كل ما يسمى سفرا سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوما أو بريدا أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا قوله وإن قصر أي السفر وهو غاية لحرمة السفر وحدها قوله أو كانت أي المرأة وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله ولها بلا وجوب الخ أفاد بهذا أن اشتراط جمع من النسوة الثقاة إنما هو للوجوب أما الجواز فلها أن تخرج مع امرأة واحدة ثقة ولها أيضا أن تخرج وحدها إذا تيقنت الأمن على نفسها كما في المغنى وعبارته تنبيه ما جزم به المصنف من اشتراط النسوة هو شرط للوجوب أما الجواز فيجوز لها أن تخرج لاداء حجة الاسلام مع المرأة الثقة على الصحيح في شرحي المهذب ومسلم قال الإسنوي فافهمه فإنهما مسألتان إحداهما شرط وجوب حجة الاسلام والثانية شرط جواز الخروج لا دائها اشتبهتا على كثير حتى توهموا اختلاف كلام المصنف في ذلك وكذا يجوز لها الخروج وحدها إذا أمنت وعليه حمل ما دل من الأخبار على جواز السفر وحدها قوله لاداء فرض الاسلام مثله لنذر والقضاء كما في التحفة قوله وليس لها الخروج لتطوع أي كنسك تطوع أو غيره من الاسفار التي لا تجب قال في التحفة نعم لو مات نحو المحرم وهو في تطوع فلها اتمامه اه.
قوله وإن قصر السفر غاية في امتناع خروجها للتطوع وقوله أو كانت شوهاء أي قبيحة المنظر وهو معطوف على قصر فهو غاية ثانية قوله وقد صرحوا الخ لا حاجة إليه بعد قوله وإن قصر السفر إذ هو صادق به ويمكن أن يقال أنه ساقه كالتأييد له وعبارة التحفة أما النفل فليس لها الخروج له مع نسوة وإن كثرن حتى يحرم على المكية الخ اه.
وقوله يحرم على المكية التطوع بالعمرة والحيلة إذا أرادت العمرة أن تنذر التطوع فحينئذ لا يحرم عليها الخروج لأنها صارت واجبة قوله خلافا لمن نازع فيه أي في تحريم خروج المكية للتنعيم قوله مرة واحدة وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعد فرض الحج إلا مرة واحدة وهي حجة الوداع ولخبر أبي هريرة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال لو قلت نعم لوجب ولما استطعتم.
رواه مسلم.
ولخبر الدارقطني بإسناد صحيح عن سراقة قال قلت يا رسول الله عمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال لا بل للأبد وأما حديث البيهقي الآمر بالحج في كل خمسة أعوام فمحمول على الندب لقوله - صلى الله عليه وسلم - من حج حجة أدى فرضه ومن حج حجة ثانية داين ربه ومن حج ثلاث حجج حرم الله شعره وبشره على النار قيل أن رجلا قتل وأوقد عليه طول الليل فلم تعمل فيه وبقي أبيض اللون فسألوا سعدون الخولاني عن ذلك فقال لعله حج ثلاث حجج قالوا نعم قوله بتراخ لا يصح تعلقه فيجبان لأنهما وجبا على المستطيع حالا والتراخي في الفعل بل متعلق بمحذوف أي ويفعلان بعد استكمال شروط الوجوب على التراخي وذلك لأن الحج وجب سنة ست وأخره النبي - صلى الله عليه وسلم -(2/321)
مع مياسير أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين إلى عشرة من غير شغل يحرب ولا خوف من عدو وقيس به العمرة كذا في ابن الجمال قوله لا على الفور قال في الإيضاح هذا مذهبنا وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى وأحمد والمزني يجب على الفور اه قوله نعم إنما يجوز التأخير الخ استدراك على قوله بتراخ الموهم أنه على الاطلاق من غير اشتراط شئ واعلم أنه إذا جاز له التأخير لو جود شروطه فأخر ومات تبين فسقه من وقت خروج قافلة بلده في آخر سنى الامكان إلى الموت فيرد ما شهد به وينقض ما حكم به قوله بشرط العزم على الفعل في المستقبل فلو لم يعزم على ما ذكر حرم عليه التأخير قوله وأن لا يتضيقا الخ معطوف على العزم أي وبشرط أن لا يتضيق عليه الحج والعمرة قوله بنذر بيان لتصوير تضيقهما أي يتصور تضيقهما بأن ينذر وقوعهما في سنة معينة كان قال الله على أن حج في هذه السنة أو أعتمر في هذه السنة فيجبان عليه بسببه فور أو إذا حج خرج من فرضه ومن نذره فيقع أصل الفعل عن الفرض والتعجيل عن النذر قال في البهجة وأجزأت فريضة الإسلام * عن نذر حج واعتمار العام قوله أو قضاء معطوف على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بقضاء كأن أفسد حجه أو عمرته فإنه يجب عليه القضاء فورا قوله أو خوف عضب معطوف أيضا على نذر أي وان لا يتضيقا عليه بخوف عضب بقول عدلى طب أو معرفة نفسه فان تضيقا عليه بذلك حرم التأخير قال في الايضاح على الأصح اه وكتب ابن الجمال قوله على الأصح قال في شرح المهذب لأن الواجب الموسع لا يجوز تأخيره الا بشرط أن يغلب على الظن السلامة إلى وقت فعله وهذا مفقود
في مسئلتنا ووجه مقابل الأصح أن أصل الحج على التراخي فلا يتغير بأمر محتمل اه قوله أن تلف مال عطف على عضب أي أو خوف تلف مال وقوله بقرينة متعلق بمحذوف صفة لخوف بالنسبة للعضب وللتلف أي خوف حاصل له بقرينة ولو كانت ضعيفة قوله وقيل يجب الخ مقابل قوله مرة واحدة قوله لخبر فيه أي لخبر وارد في وجوب الحج في كل خمسة أعوام وهو أن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام ولا يفد على لمحروم وفيه أن هذا الخبر لا يدل على وجوبه كل خمسة أعوام وإنما يدل على تأكد طلبه قوله تجب إنابة إلخ أي فورا وذلك لخبر البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها؟ قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته قالت نعم قال اقضوا حق الله فالله أحق بالوفاء شبه الحج بالدين وأمر بقضائه فدل على وجوبه وقوله عن ميت أي غير مرتد أما هو فلا تصح الإنابة عنه وهو معلوم من تعبيره بتركته إذا المرتد لا تركة له موروثة عنه لتبين زوال ملكه بالردة وقوله عليه نسك أي في ذمته نسك واجب حج أو عمرة ولو قضاء أو نذرا وذلك بأن مات بعد استقرار النسك عليه ولم يؤده وخرج بذلك ما إذا مات قبل أن يستقر عليه فلا يقضى من تركته لكن للوارث والأجنبي الحج والاحجاج عنه على المعتمد نظر إلى وقوع حجة الاسلام عنه وإن لم يكن مخاطبا بها في حياته وخرج أيضا النفل فلا يجوز التنفل عنه بالحج أو العميرة إلا أن أوصى به وقوله من تركته متعلق بإنابة وضميره يعود على الميت أي إنابة من تركته والمخاطب بها من عليه قضاء دينه من وصى فوارث فحاكم قوله كما تقضى منه ديونه الضمير الأول يعود على التركة والثاني يعود على الميت وذكر الضمير الأول باعتبار تأويل التركة بالميراث وفي بعض نسخ الخط منها وهو الأولى قوله فلو لم تكن له أي للميت وهو مقابل لمحذوف أي هذا إن كانت له تركة فلو لم تكن الخ قوله سن لوارثه أن يفعله عنه أي يفعل النسك عنه بنفسه أو(2/322)
نائبه قوله فلو فعله أي النسك من حج أو عمرة وقوله جاز أي فعل الأجنبي وتعبيره هنا بجازو في سابقه بسن يفيد عدم سنة للأجنبي وليس كذلك بل يسن له أيضا لكن الوارث يتأكد له قوله ولو بلا إذن قال في التحفة ويفرق بينه وبين توقف الصوم عنه على إذن القريب بأن هذا أشبه بالديون فأعطى حكمها بخلاف الصوم اه قوله وعن آفاقى معضوب معطوف على عن ميت أو وتجب الإنابة عن آفاقى معضوب بعين مهملة فضاد
معجمة من العضب وهو القطع كأنه قطع عن كمال الحركة أو بعين فصاد مهملة من العصب كأنه قطع عصبه ووجوب الإنابة على الفور أن عضب بعد الوجوب والتمكن وعلى التراخي أن عضب قبل الوجوب أو معه أو بعده ولم يمكنه الأداء وذلك لأنه مستطيع بالمال وهي كالاستطاعة بالنفس ولخبر الصحيحين أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله أن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال نعم والمراد بالآفاقي هنا من كان بينه وبين مكة مرحلتان فأكثر فلو كان المعضوب دون مرحلتين أو كان بمكة لزمه أن يحج بنفسه لأنه لا يتعذر عليه الركوب فيما مر من محمل فمحفة فسرير ولا نظر للمشقة عليه لاحتمالها في حد القرب وإن كانت تبيح التيمم فإن عجز عن ذلك حج عنه بعد موته من تركته كما في التحفة وفي النهاية كالمغنى عدم لزوم الحج بنفسه أن أنهاه الضنى إلى حالة لا يحتمل الحركة معها يحال فتجوز الإنابة حينئذ قال الكردي واعتمد الشارح في حاشيته على متن العباب عدم الصحة للمكي مطلقا والصحة لمن هو على دون مسافة القصر وتعذر عليه بنفسه ولو على سرير يحمله رجال اه ولو استأجر من يحج عنه فحج عنه ثم شفى لم يجزه ولم يقع عنه فلا يستحق الأجير أجرة ويقع الحج نفلا للأجير ولو حضر مكة أو عرفة في سنة حج الأجير لم يقع عنه لتعين مباشرته بنفسه ويلزمه للأجير الأجرة وفرق بينه وبين ما إذا شفى بعد حج الأجير بأنه لا تقصير منه في حق الأجير بالشفاء بخلاف الحضور فأنه بعد أن ورط الأجير مقصر به فلزمته أجرته كذا في سم عن شرح العباب قوله عاجز بالجر صفة كاشفة لمعضوب فهي كالتفسير له وضابط العاجز الذي تصح له الإنابة أن يكون بحيث لا يستطيع الثبوت على المركوب ولو على سرير يحمله رجال إلا بمشقة شديدة لا تحتمل عادة قال النووي في شرح مسلم ومذهبنا ومذهب الجمهور جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما وقال مالك والليث والحسن بن صالح لا يحج أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الاسلام قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به ثم قال النووي ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا اه قوله لنحو زمانة متعلق بعاجز واللام تعليلية أي عاجز لاجل نحو زمانة وهي الابتلاء والعاهة وضعف الحركة من تتابع المرض والندرج تحت نحو الكبر والهرم وقوله أو مرض معطوف على زمانة من عطف العام على الخاص وقوله لا يرجى برؤه الجملة صفة لمرض أي لا يرجى الشفاء منه أي بقول عدلى طب أو بمعرفة نفسه إن كان عارفا قوله بإجرة مثل متعلق بإنابة مقدرة أي وتجب الإنابة عنه
بوجود أجرة مثل أي أو دونها أن رضي الأجير به لا بأكثر وان قل قال في حاشية الايضاح وشرح الرملي وابن علان وغيرها يشترط في الأجير أن يكون عدلا وإلا لم تصح إنابته ولو مع المشاهدة لأن نيته لا يطلع عليها وبهذا يعلم أن هذا شرط في كل من يحج عن غيره بإجازة أو جعلة وفي فتاوى ابن حجر ما يقتضي جواز استئجار المعضوب عن نفسه فاسقا.
اه.
ومثل وجود أجرة المثل في وجوب الإنابة: وجود متبرع يحج عنه معضوب عدل قد حج عن نفسه.
وإذا كان بعضا، اعتبر فيه كونه غير ماش، ولا معول على الكسب أو السؤال، إلا أن يكتسب في يوم كفاية أيام وكان السفر قصيرا لا وجود متطوع بمال للأجرة، فلا تجب الإنابة به لعظم المنة.(2/323)
واعلم أي الإجارة من حيث هي قسمان: إجارة عين - كاستأجرتك لتحج عني، أو عن ميتي بكذا ويشترط لصحتها أن يكون الأجير قادرا على الشروع في العمل، فلا يصح استئجار من لا يمكنه الشروع لنحو مرض أو خوف، أو قبل خروج القافلة، لكن لا يضر انتظار خروجها بعد الاسئجار.
فالمكي ونحوه يستأجر في أشهر الحج لتمكنه من الإحرام، وغيره يستأجر عند خروجه، بحيث يصل الميقات في أشهر الحج، ويتعين فيها أن يحج الأجير بنفسه.
وإجارة ذمة - كألزمت ذمتك الحج عني، أو عن ميتي - فتصح، ولو لمستقبل، بشرط حلول الأجرة وتسليمها في مجلس العقد.
وله أن يحج بنفسه، وأن يحج غيره، ويجوز أن يحج عن غيره بالنفقة.
واغتفر الجهالة فيه، لأنه ليس إجارة، ولا جعالة، بل إرفاق.
(قوله: فضلت) أي الأجرة.
(قوله: عما يحتاجه) أي من مؤنته ومؤنة عياله.
(قوله: يوم الاستئجار) أي وليلته، كما في عبد الرؤوف.
(قوله: وعما عدا الخ) معطوف على عما يحتاجه، أي وفضلت عما عدا مؤنة نفسه وعياله بعد يوم الاسئجار أي عما عدا نفقته ونفقة عياله بعده.
فالمراد بالمؤنة هنا: خصوص النفقة، لا ما يشمل الكسوة والسكنى والخادم، وإلا لم يبق لما عداها شئ يندرج فيه، إذ المراد بما عداها ما ذكر - من الكسوة، والخادم، والسكنى، ونحوها.
والحاصل يشترط في الأجرة أن تكون فاصلة عن جميع ما يحتاجه من نفقة وكسوة وخادم لنفسه أو لعياله بالنسبة ليوم الاستئجار.
ويشترط أن تكون فاضلة عن جميع ما يحتاجه أيضا بالنسبة لما بعد يوم الاستئجار، ما عدا النفقة، أما
هي سواء كانت لنفسه أو لعياله - فلا يشترط أن تكون الأجرة فاضلة عنها بعد يوم الاستئجار، وذلك لأنه إذا لم يفارق البلد أمكنه تحصيلها، ولو بالغرض.
(قوله: ولا يصح أن يحج) يقرأ بالبناء للمجهول، والجار والمجرور نائب فاعله، أي ولا يصح أن يحج أحد قريبا كان أو أجنبيا عن معضوب.
وقوله بغير إذنه متعلق بيحج، والضمير يعود على المعضوب.
(قوله: لأن الحج الخ) تعليل لعدم الصحة.
(قوله: والمعضوب أهل لها) أي للنية، إذ لو تكلف الحج وحج صح حجه.
(وقوله: وللإذن) أي وأهل للإذن.
(فائدة) لو امتنع المعضوب من الإذن، لم يأذن الحاكم عنه، ولا يجبره عليه وإن تضيق إلا من باب الأمر بالمعروف.
(قوله: أركانه أي الحج) أي أجزاؤه.
فالإضافة من إضافة الأجزاء إلى الكل، أو من إضافة المفصل للمجمل.
(وقوله: ستة) وقيل أربعة بعد الحلق أو التقصير واجبا، وبإسقاط الترتيب.
(قوله: أحدها) أي الأركان.
(وقوله: إحرام به) أي بالحج.
(قوله: أي بنية دخول) تفسير لمعنى الإحرام هنا.
وفسره به لأنه الملائم للركنية، ويفسر أيضا بنفس الدخول، إلا أنه بهذا المعنى لا يعد ركنا بل يجعل موردا للصحة والفساد، بحيث يقال: صح الإحرام، أو فسد الإحرام.
(قوله: لخبر الخ) دليل لركنية الإحرام على التفسير الذي ذكره.
(قوله: ولا يجب تلفظ بها) أي بالنية المرادة من الإحرام.
(قوله: وتلبية) أي ولا يجب تلبية، فهو بالرفع معطوف على تلفظ.
وقوله: بل يسنان أي التلفظ بها والتلبية.
(وقوله: فيقول بقلبه) أي وجوبا.
وقوله: وبلسانه أي ندبا.
وقوله: نويت الحج أي أو العمرة، أو هما، أو النسك.
وقوله: وأحرمت به لله تعالى عطف مرادف أتى به للتأكيد ولا تجب نية الفرضية جزما، لأنه لو نوى به النفل وقع عن الفرض.
ولو تخالف القلب واللسان فالعبرة بما في القلب.
هذا إن حج عن نفسه، فإن حج أو اعتمر عن غيره(2/324)
قال: نويت الحج أو العمرة عن فلان، وأحرمت به لله تعالى.
ولو أخر لفظ عن فلان عن وأحرمت به لم يضر على المعتمد إن كان عازما عند نويت الحج مثلا أن يأتي به، وإلا وقع للحاج نفسه.
وقوله: لبيك اللهم لبيك إلخ يسن أن يذكر في هذه التلبية ما أحرم به، ولا يجهر فيها.
(قوله: وثانيها) أي ثاني أركان الحج.
وقوله: أي حضوره تفسير مراد للوقوف بعرفة.
أي أن المراد بالوقوف حضور المحرم في أرض عرفات مطلقا.
والمراد بالمحرم الأهل للعبادة، فلا يكفي حضور غير الأهل لها كالمجنون، والمغمى عليه، والسكران جميع وقت الوقوف لكن يقع حج المجنون نفلا
كالصبي الذي لا يميز فيبني وليه بقية الأعمال على ما مضى.
وكذا المغمى عليه والسكران، إن أيس من إفاقتهما.
وقوله: بأي جزء منها أي من عرفة، وذلك لخبر مسلم: وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف.
ويكفي ولو على ظهر دابة، أو شجرة فيها، لا على غصن منها، وهو خارج عن هوائها، وإن كان أصلها فيها، ولا على غصن فيها دون أصلها.
وقال ابن قاسم: يكفي في هذه الصورة الوقوف عليه قياسا على الاعتكاف ولا يكفي الطيران في هوائها أيضا، خلافا للشبراملسي.
(قوله: ولو لحظة) أي يكفي حضوره في عرفة ولو لحظة.
(قوله: وإن كان نائما) أي يكفي ما ذكره، وإن كان نائما أو مارا، ولو في طلب آبق، وإن لم يعلم أن المكان مكانها، ولا أن اليوم يومها.
(قوله: لخبر الترمذي الخ) دليل على ركنية الوقوف.
(قوله: الحج عرفة) جملة معرفة الطرفين فتفيد الحصر أي الحج منحصر في عرفة أي في الوقوف لا يتجاوزه إلى غيره، وليس كذلك.
ويجاب بأنه على حذف مضاف، أي أنها معظمة، وخصت بالذكر مع أن الطواف أفضل منها كما يأتي لكونه يفوت الحج بفواتها، دونه.
اه.
بجيرمي.
(قوله: وليس منها) أي من عرفة.
مسجد إبراهيم، أي صدره، وهو محل الخطبة والصلاة، وذلك لأنه من عرفة، وأما آخره فهو من عرفة.
(قوله: ولا نمرة) أي وليس منها نمرة وهو بفتح النون وكسر الميم موضع بين طرف الحل وعرفة.
وليس منها أيضا وادي عرفة.
قال في الإيضاح: واعلم أنه ليس من عرفات وادي عرفة، ولا نمرة، ولا المسجد الذي يصلي فيه الإمام المسمى بمسجد إبراهيم عليه السلام ويقال له مسجد عرفة، بل هذه المواضع خارج عرفات على طرفها الغربي مما يلي مزدلفة.
اه.
وقوله: ولا المسجد أي صدره كما علمت.
(قوله: والأفضل للذكر) أي ولو صبيا، وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فإن الأفضل لهما الوقوف في حاشية الموقف، ما لم يخشيا ضررا.
(وقوله: تحرى موقفه) أي قصده.
(قوله: وهو) أي موقفه - صلى الله عليه وسلم -.
(وقوله: عند الصخرات المعروفة) أي وهي المفترشة في أسفل جبل الرحمة الذي بوسط أرض عرفة.
واعلم أن الصعود على الجبل للوقوف عليه كما يفعله العوام خطأ، مخالف للسنة كما نص عليه في الإيضاح.
(قوله: وسميت) أي الأرض التي يجب الوقوف فيها.
فنائب الفاعل يعود على معلوم من السياق.
(قوله: لأن آدم وحواء تعارفا بها) أي حين هبط من الجنة ونزل بالهند، ونزلت بجدة.
(قوله: وقيل غير ذلك) أي وقيل في سبب التسمية غير ذلك، وهو أن جبريل لما عرف إبراهيم مناسك الحج، وبلغ الشعب الأوسط الذي هو موقف الإمام، قال له: أعرفت؟ قال: نعم.
فسميت عرفات.
وقيل إنما سميت بذلك: من قولهم عرفت المكان إذا طيبته ومنه قول الله تعالى: * (الجنة عرفها لهم) (1) * أي طيبها لهم.
(فائدة) قال - صلى الله عليه وسلم -: أفضل الأيام يوم عرفة، وإذا وافق يوم جمعة فهو أفضل من سبعين حجة في غير يوم الجمعة.
أخرجه رزين.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إذا كان يوم عرفة يوم جمعة غفر الله لجميع أهل الموقف - أي بغير واسطة - وفي غير يوم الجمعة يهب قوما لقوم.
__________
(1) محمد: 6(2/325)
ويروى عن محمد بن المنكدر أنه حج ثلاثا وثلاثين حجة، فلما كان آخر حجة حجها، قال وهو بعرفات: اللهم إنك تعلم أنني قد وقفت في موقفي هذا ثلاثا وثلاثين وقفة، فواحدة عن فرضي، والثانية عن أبي، والثالثة عن أمي، وأشهدك يا رب أني قد وهبت الثلاثين لمن وقف موقفي هذا، ولم تتقبل منه.
فلما دفع من عرفات ونزل بالمزدلفة، نودي في المنام: يا ابن المنكدر، أتتكرم على من خلق الكرم؟ أتجود على من خلق الجود؟ أن الله تعالى يقول لك: وعزتي وجلالي، لقد غفرت لمن وقف بعرفات قبل أن أخلق عرفات بألفي عام.
وعن علي بن الموفق رحمة الله عليه قال: حججت في بعض السنين، فنمت بين مسجد الخيف ومنى، فرأيت ملكين قد نزلا من السماء، فقال أحدهما لصاحبه: يا عبد الله، أتعلم كم حج بيت ربنا في هذه السنة؟ قال: لا.
قال ستمائة ألف.
ثم قال له: أتدري كم قبل منهم؟ قال: لا.
قال ستة أنفس.
ثم ارتفعا في الهواء، فقمت وأنا مرعوب، وقلت: واخيبتاه أين أكون أنا في هذه الستة أنفس؟ فلما وقفت بعرفة وبت بالمزدلفة، رأيت الملكين قد نزلا من السماء على عادتهما، فسلم أحدهما على الآخر، وقال: يا عبد الله، أتدري ما حكم ربك في هذه الليلة؟ قال: لا.
قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة المقبولين مائة ألف، وقد قبلوا جميعا.
قال: فانتبهت، وبي من السرور ما لا يعلمه إلا الله تعالى، إذ قبل الحجاج جميعهم ومنحهم برا وجودا، ولم يجعل منهم شقيا ولا محروما، ولا مطرودا.
(قوله: ووقته) أي الوقوف.
وقوله: بين زوال إلخ أي يدخل بزوال شمس ذلك اليوم، ويخرج بطلوع فجر يوم النحر.
فمن وقف قبل الزوال وذهب من عرفة، لا يصح وقوفه، وكذلك من وقف بعد الفجر.
ومن وقف بينهما صح وقوفه، ولو لحظة قبل الفجر، وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - وقف بعد الزوال رواه مسلم، وأنه قال: من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج.
وفي رواية: من جاء عرفة ليلة جمع أي ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج.
((قوله: وهو) أي يوم عرفة.
(وقوله: تاسع ذي الحجة) فلو وقفوا قبله أو بعده لم يصح وقوفهم.
نعم، إن وقف الحجيج أو
فرقة منهم وهم كثير على العادة يوم العاشر للجهل - بأن غم عليهم هلال ذي حجة صح.
وإن وقفوا بعد التبين، كما إذا ثبت الهلال ليلة العاشر، ولم يتمكن من الوقوف فيها لبعد المسافة، وإليه حينئذ تنتقل أحكام التاسع كلها، فلا يعتد بوقوفهم قبل الزوال، ولا يصح رمي جمرة العقبة إلا بعد نصف ليلة الحادي عشر والوقوف.
وهكذا جميع الأحكام.
(قوله: وسن له) أي للحاج، الجمع بين الليل والنهار، وقيل يجب.
(قوله: وإلا) أي وإن لم يجمع بينهما.
(وقوله: أراق دم تمتع) أي دما كدم التمتع في كونه مرتبا مقدرا.
وقوله: ندبا أي وعلى المعتمد، وعلى مقابله تجب إراقة دم.
(قوله: وثالثها) أي أركان الحج.
(وقوله: طواف إفاضة) أي لقوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1) .
(فائدة) سمى البيت عتيقا: لأن الله تعالى أعتقه من أيدي الجبابرة، فلم يسلط عليه جبار قط، بل كل من قصده بسوء هلك.
وقال أبو بكر الواسطي: إنما سمي عتيقا لأن من طاف به صار عتيقا من النار، ولله در من قال: طوبى لمن طاف بالبيت العتيق وقد * * لجا إلى الله في سر وإجهار ونال بالسعي كل القصد حين سعى * * وطاف جهرا بأركان وأستار
__________
(1) الحج: 29(2/326)
ذاك السعيد الذي قد نال منزلة * * علياء في دهره من كل أوطار وكل من طاف بالبيت العتيق غدا * * بين الورى معتقا حقا من النار (قوله: ويدخل وقته) أي طواف الإفاضة.
وقوله: بانتصاف ليلة النحر أي بدخول النصف الثاني من ليلة النحر، فلو طاف قبله لم يصح.
(قوله: وهو) أي الطواف.
(وقوله: أفضل الأركان) أي لأنه مشبه بالصلاة ومشتمل عليها، والصلاة أفضل من الحج، والمشتمل على الأفضل أفضل.
وهذا معتمد الرملي.
واستوجهه شيخ الإسلام.
وقال ابن حجر في التحفة: الوقوف أفضل على الأوجه لخبر: الحج عرفة أي معظمه كما قالوه ولتوقف صحة الحج عليه، ولأنه جاء فيه من حقائق القرب وعموم المغفرة وسعة الإحسان ما لم يرد في الطواف الخ.
اه.
(قوله: خلافا للزركشي) أي القائل إن الوقوف أفضل الأركان لما مر.
(قوله: ورابعها: سعي) أي ورابع الأركان: السعي بين الصفا والمروة، لما روى الدارقطني وغيره بإسناد حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - استقبل القبلة في المسعى، وقال: يا أيها الناس، اسعوا فإن السعي قد
كتب عليكم، أي فرض.
وأصل السعي: الإسراع، والمراد به هنا: مطلق المشي.
وشروطه سبعة، ذكر بعضها المؤلف، وهي: قطع جميع المسافة بين الصفا والمروة، وكونه سبعا، وكونه من بطن الوادي، والترتيب بأن يبدأ بالصفا في الأوتار، وبالمروة في الأشفاع وأن لا يكون منكوسا، ولا معترضا كالطواف، وعدم الصارف عنه كما يفعله العوام من المسابقة وأن يقع بعد طواف صحيح قدوم أو إفاضة.
وقد نظمها م د فقال: شروط سعي سبعة وقوعه * * بعد طواف صح ثم قطعه مسافة سبعا ببطن الوادي * * مع فقد صارف عن المراد وليس منكوسا ولا معترضا * * والبدء بالصفا كما قد فرضا (قوله: يقينا) صفة لسبعا.
(قوله: بعد طواف قدوم) متعلق بمحذوف صفة لسعي، أي سعي واقع بعد طواف قدوم.
(قوله: ما لم يقف بعرفة) أي ما لم يتخلل بين طواف القدوم والسعي الوقوف بعرفة، فإن تخلل لم يصح سعيه بعده - لقطع تبعيته للقدوم بالوقوف - فيلزمه تأخيره إلى ما بعد طواف الإفاضة.
ولو نزل من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل، هل يسن له طواف القدوم ويجوز له السعي عقبه أم لا؟ اضطراب كلام ابن حجر فيه - فجرى في التحفة على أنه يسن له طواف القدوم، ولا يجوز السعي بعده.
وعلله بأن السعي متى أخر عن الوقوف وجب وقوعه بعد طواف الإفاضة، وجرى في حاشيته على الإيضاح على سنية القدوم، وجواز السعي بعده، وعبارتها ومر عن الأذرعي أنه يسن لمن دفع من عرفة إلى مكة قبل نصف الليل طواف القدوم، فعليه يجوز له السعي بعده.
وقد يفهمه قولهم لو وقف لم يجز السعي إلا بعد طواف الإفاضة لدخول وقته، وهو فرض، فلم يجز بعد نفل مع إمكانه بعد فرض.
اه.
فأفهم التعليل بدخول وقته جوازه قبله.
اه.
والمعتمد ما في التحفة، لأنه إذا اختلف كلامه في كتبه فالمعتمد ما في التحفة.
(قوله: أو بعد طواف إفاضة) معطوف على بعد طواف القدوم.
فشرط صحة السعي أن يقع بعد أحد هذين الطوافين القدوم أو الركن، وذلك لأنه الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم -، بل حكي فيه الإجماع، فلا يجوز بعد طواف نفل كأن أحرم من بمكة بحج منها، ثم تنفل بطواف، وأراد السعي بعده كما في المجموع.
اه.
تحفة.
(قوله: فلو اقتصر) أي الساعي.
وقوله: على ما دون السبع محترز سبعا.
وقوله: لم يجزه أي السعي.
(قوله: ولو شك إلخ) محترز يقينا.
وقوله: في عددها أي السبع المرات، بأن تردد هل سعى ستا أو سبعا (1) ؟.
(قوله: قبل فراغه) أي السعي.
واحترز به عما إذا وقع الشك بعد فراغه، فإنه لا يؤثر.
__________
(1) (قوله: بأن تردد: هل سعى ستا أوسبعا) صورة ذلك: أن يكون في أثنا الشوط اشتغل بشئ ثم شك: هل هو ذاهب إلى جهة المروة -(2/327)
(قوله: أخذ بالأقل) وهو الست.
أي وجوبا.
(قوله: لأنه) أي الأقل هو المتيقن.
(قوله: ومن سعى بعد طواف القدوم لم يندب إلخ) لانه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سعوا بعد طواف القدوم، ولم يعيدوه بعد الإفاضة.
(قوله: بل يكره) أي ما ذكر من الإعادة.
ولو عبر بالتاء بدل الياء لكان أولى.
وما ذكر من الكراهة هو ما جزم به في الروض، وأقره شيخ الإسلام في شرحه، واعتمداه في التحفة والنهاية.
وظاهر عبارة المغني أنها خلاف الأولى، وهذا كله في الكامل.
أما الناقص برق أو صبا إذا أتى بالسعي بعد القدوم، ثم كمل قبل الوقوف، أو فيه، أو بعده، وأعاده وجبت عليه الإعادة، وفي غير القارن.
أما هو، فاعتمد الخطيب أنه يسن له الإتيان بطوافين وسعيين.
واعتمد غيره أنه كغير القارن، فلا يسن له إعادة الطواف والسعي.
(قوله: ويجب أن يبدأ فيه) أي في السعي.
(وقوله: في المرة الأولى) بدل بعض أو اشتمال من الجار والمجرور قبله.
(قوله: للاتباع) هو قوله - صلى الله عليه وسلم - لما قالوا له: أنبدأ بالصفا أم بالمروة؟ إبدأوا بما بدأ الله به.
(قوله: وذهابه من الصفا إلى المروة مرة الخ) هذا هو الصحيح الذي قطع به جماهير العلماء، وعليه العمل في الأزمنة كلها.
وأما ما ذهب إليه بعضهم من أنه يحسب الذهاب والعود مرة واحدة - فهو فاسد لا يعول عليه.
ولا يسن الخروج من خلافه، بل يكره، وقيل يحرم، ولا بد من استيعاب ما بينهما في كل مرة بأن يلصق عقبه أو حافر دابته بأصل ما يذهب منه، ورأس أصابعه بما يذهب إليه.
قال عبد الرؤوف: فلا يكفي رأس النعل الذي تنقص عنه الأصابع إلخ.
وأقره ابن الجمال.
قال ابن حجر في شرح بأفضل: وبعض درج الصفا محدث، فليحذر من تخلفها وراءه.
قال الكردي: وهذا الذي ذكره الشارح هنا هو المعتمد عنده، وكذلك شيخ الإسلام والمغني والنهاية.
وجرى م ر في شرح الإيضاح وابن علان على أن الدرج المشاهد الآن ليس شئ منه بمحدث، وأنه يكفي إلصاق الرجل أو حافر الدابة بالدرجة السفلى، بل الوصول لما سامت آخر الدرج المدفونة كاف، وإن بعد عن آخر الدرج الموجودة اليوم بأذرع، وفيه فسحة عظيمة للعوام، فإنهم لا يصلون لآخر الدرج، بل يكتفون بالقرب منه.
هذا كله في درج الصفا.
أما المروة فقد اتفقوا فيها على أن العقد الكبير المشرف الذي بوجهها هو حدها، لكن الأفضل أن يمر تحته، ويرقى على البناء المرتفع بعده.
اه.
وقوله: هو المعتمد عنده لعله في غير التحفة، وإلا فقد عقبة فيها بقوله كذا قال المصنف وغيره.
ويحمل على أن هذا باعتبار زمنهم، وأما الآن فليس شئ بمحدث لعلو الأرض حتى غطت درجات
كثيرة.
اه.
(قوله: ويسن للذكر) خرج به الأنثى والخنثى، فلا يسن لهما الرقي، ولو في خلوة - على الأوجه الذي اقتضاه إطلاقهم - خلافا للأسنوي ومن تبعه، اللهم إلا إذا كانا يقعان في شك لولا الرقي، فيسن لهما حينئذ - على الأوجه - احتياطا.
اه.
تحفة.
واعتمد في النهاية أنهما لا يسن لهما الرقي إلا إن خلا المحل عن غير المحارم فيما يظهر، قال: وما اعترض به من أن المطلوب من المرأة - ومثلها الخنثى - إخفاء شخصها ما أمكن، وإن كانت في خلوة.
يرد بأن الرقي مطلوب لكل أحد، غير أنه سقط عن الأنثى والخنثى طلبا للستر، فإذا وجد ذلك مع الرقي صار مطلوبا، إذ الحكم يدور مع العلة، وجودا وعدما.
اه.
(قوله: إن يرقى على الصفا والمروة قدر قامة) في مذهبنا قول بوجوب الرقي، وعبارة الإيضاح مع شرحه لابن
__________
- وهى السابعة - أو ذاهب إلى جهة الصفا - وهى السادسة - وبقى سابعة فالاحتياط أن يجعلها سادسة، ويذهب إلى جهة الصفا، ثم يأتي بالسابعة.
وهذا مجرد تصوير، وإلا فيمكن أن يتصور بغير ذلك.
اه.
مولف.(2/328)
الجمال: وقال بعض أصحابنا هو أبو حفص عمر بن الوكيل يجب الرقي على الصفا والمروة بقدر قامة.
هكذا نقل البغوي عنه، وجرى عليه في الروضة وأصلها، والمشهور عنه وجوب صعود يسير، وهو الذي نقله عنه في المجموع، وهذا ضعيف، والصحيح المشهور أنه لا يجب، لكن الاحتياط أن يصعد، للخروج من الخلاف والتيقن.
فاحفظ ما ذكرناه في تحقيق واجب المسافة، فإن كثيرا من الناس يرجع بغير حج إن كان نسكهم حجا، ولا عمرة إن كان عمرة، لإخلاله بواجبه.
وبالله التوفيق.
اه.
وقد علمت أن هذا بالنظر لما كان، وأما الآن، فقد غلت الأرض حتى غطت درجات كثيرة، فقطع المسافة متيقن من غير رقي أصلا.
وقال في التحفة: الرقي الآن بالمروة متعذر، لكن بآخرها دكة، فينبغي رقيها، عملا بالوارد ما أمكن.
اه.
وقال البجيرمي إن الرقي الآن بقدر قامة غير متأت.
(قوله: وأن يمشي) معطوف على أن يرقى، فيكون لفظ يسن مسلطا عليه، لكن بقطع النظر عن قيده، وهو للذكر، لأن المشي لا فرق فيه بين الذكر وغيره.
أي ويسن أن يمشي الساعي أول السعي على هينته.
(وقوله: ويعدو الذكر) أي ويسن أن يعدو الذكر في الوسط.
والعدو الإسراع في المشي.
وخرج بالذكر الأنثى والخنثى، فيمشيان على هينتهما في
جميع المسعى، ولو في خلوة وليل على المعتمد وقيل يعدوان بليل عند الخلوة.
(قوله: ومحلهما معروف) أي محل المشي ومحل العدو معروفان.
فمحل العدو ابتداؤه من قبل الميل الأخضر المعلق بركن المسجد بستة أذرع إلى أن يتوسط الميلين الأخضرين، أحدهما بجدار دار العباس رضي الله عنه وهي الآن رباط منسوب إليه والآخر بجدار المسجد ومحل المشي ما عدا ذلك.
(قوله: وخامسها إزالة شعر) أي وخامس الأركان إزالة شعر.
أي إذا كان في رأسه شعر، وإلا فيسقط عنه، لكن يسن إمرارا الموسى.
وعده من الأركان مبني على جعله نسكا أي عبادة وهو المشهور المعتمد.
ومقابله أنه استباحة محظور، أي ممنوع بمعنى محرم عليه قبل ذلك، من الحظر وهو المنع بمعنى التحريم، وهو مبني على أنه ليس نسكا، وهو ضعيف.
ويترتب على جعله نسكا أنه يثاب عليه.
وعلى جعله استباحة محظور أنه لا يثاب عليه.
قال في النهاية مع الأصل والحلق أي إزالة شعر الرأس أو التقصير في حج أو عمرة في وقته نسك على المشهور، فيثاب عليه، إذ هو للذكر أفضل من التقصير، والتفضيل إنما يقع في العبادات.
وعلى هذا هو ركن كما سيأتي وقيل واجب.
والثاني هو استباحة محظور، فلا يثاب عليه، لأنه محرم في الإحرام، فلم يكن نسكا، كلبس المخيط.
اه.
(قوله: من الرأس) أي من شعره، فلا يجزئ شعر غيره وإن وجبت فيه الفدية لورود لفظ الحلق أو التقصير فيه، واختصاص كل منهما عادة بشعر الرأس.
وشمل ذلك المسترسل عنه، وما لو أخذها متفرقة.
(قوله: بحلق) هو استئصال الشعر بالموسى.
(وقوله: أو تقصير) هو قطع الشعر من غير استئصال.
والحلق والتقصير ليسا متعينين، فالمدار على إزالة الشعر بأي نوع من أنواع الإزالة، حلقا، أو تقصيرا، أو نتفا، أو إحراقا، أو قصا.
(قوله: لتوقف التحلل عليه) أي على ما ذكر من إزالة الشعر.
وكان الأولى أن يزيد كما في المنهج مع عدم جبره بدم، لإخراج رمي جمرة العقبة، لأنه وإن توقف التحلل عليه لكنه يجر بدم، فهو ليس بركن.
(قوله: وأقل ما يجزئ) أي من إزالة الشعر.
(قوله: ثلاث شعرات) أي إزالة ثلاث شعرات، لقوله تعالى: * (محلقين رؤوسكم ومقصرين) * (1) لأن الرأس لا يحلق، والشعر جمع، وأقله ثلاث كذا استدلوا به، ومنهم المصنف في المجموع قال الأسنوي: ولا دلالة في ذلك، لأن الجمع إذا كان مضافا كان للعموم، وفعله - صلى الله عليه وسلم - يدل عليه أيضا.
نعم، الطريق إلى توجيه المذهب أن يقدر لفظ الشعر منكرا مقطوعا عن الإضافة.
والتقدير شعرا من رؤوسكم.
أو نقول قام الإجماع كما نقله في المجموع
__________
(1) الفتح: 27(2/329)
على أنه لا يجب الاستيعاب، فاكتفينا في الوجوب بمسمى الجمع.
اه.
مغنى.
(قوله: فتعميمه - صلى الله عليه وسلم -) أي الشعر، بإزالة جميعه.
(وقوله: لبيان الأفضل) أي فحلق جميع الشعر لغير المرأة هو الأفضل إجماعا، وللآية السابقة، فإنه فيها قدم المحلقين على المقصرين، والتقديم يقتضي الأفضلية، لأن العرب تبدأ بالأهم والأفضل، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: اللهم ارحم المحلقين.
فقالوا: يا رسول الله: والمقصرين؟ فقال: اللهم ارحم المحلقين.
ثم قال في الرابعة: والمقصرين.
هذا كله ما لم ينذر الحلق، وإلا وجب، ويستثنى من أفضلية الحلق ما لو اعتمر قبل الحج في وقت لو حلق فيه لم يسود رأسه من الشعر في يوم النحر فالتقصير حينئذ أفضل.
(قوله: خلافا لمن أخذ منه) أي من تعميمه - صلى الله عليه وسلم -.
وهو الإمام مالك، والإمام أحمد.
(قوله: وتقصير المرأة) أي الأنثى، فتشمل الصغيرة، والخنثى مثلها.
(وقوله: أولى من حلقها) أي لما روى أبو داود بإسناد حسن: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير.
قال الخطيب في مغنيه: ولا تؤمر بالحلق إجماعا بل يكره لها الحلق على الأصح في المجموع.
وقيل يحرم، لأنه مثلة وتشبيه بالرجال.
ومال إليه الأذرعي في المزوجة والمملوكة، حيث لم يؤذن لهما فيه.
اه.
وفي التحفة والنهاية: ويندب لها أن تعم الرأس بالتقصير، وأن يكون قدر أنملة، قاله الماوردي إلا الذوائب، لأن قطع بعضها يشينها.
(قوله: ثم يدخل مكة الخ) لا يخفي عدم ارتباطه بما قبله، فكان الأولى والأنسب أن يذكره في سنن الحج، إذ دخول مكة بعد الرمي، والحلق من السنن.
أو يذكره في واجبات الحج بعد الكلام على رمي جمرة العقبة.
ومعنى كلامه: أنه إذا رمى جمرة العقبة وحلق، سن له أن يدخل مكة، ويطوف، ويسعى إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، وترك الذبح مع أنه سنة قبل ذهابه إلى مكة للطواف.
والحاصل الأعمال المشروعة يوم النحر أربعة: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق، ثم الطواف.
وترتيبها كما ذكر سنة لما روى مسلم: أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني حلقت قبل أن أرمي فقال: ارم ولا حرج.
وأتاه آخر، فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، فقال: ارم ولا حرج.
وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - ما سئل عن شئ يومئذ - قدم ولا أخر - إلا قال افعل ولا حرج.
ويدخل وقتها ما سوى الذبح بنصف ليلة النحر.
(قوله: كما هو الأفضل) الضمير يعود على السعي بعد طواف القدوم، أي كما أن السعي بعد طواف القدوم هو الأفضل، وهذا هو الذي جرى عليه شيخه في التحفة، ونصها: وإذا أراد السعي بعد طواف القدوم كما هو الأفضل،
لأنه الذي صح عنه - صلى الله عليه وسلم - لم تلزمه الموالاة اه.
والذي جرى عليه الرملي: أن السعي بعد طواف الإفاضة أفضل، وعبارته بعد كلام لكن الأفضل تأخيره عن طواف الإفاضة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى قال: لأن لنا وجها باستحباب إعادته بعده.
اه.
وظاهر عبارة المغني الجريان على ما جرى عليه الأول، ونصها: وهل الأفضل السعي بعد طواف القدوم، أو بعد طواف الإفاضة؟ ظاهر كلام المصنف في مناسكه الكبرى الأول، وصرح به في مختصرها.
اه.
(قوله: والحلق) أي والتقصير.
وقوله: والسعي أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.
(قوله: لا آخر لوقتها) لأن الأصل فيما أمرنا به الشارع أن لا يكون مؤقتا، فما كان مؤقتا فهو على خلاف الأصل، وحينئذ فيبقى من عليه ذلك محرما حتى يأتي به كما في المجموع.
(قوله: ويكره تأخيرها) أي الثلاثة.
وقوله: عن يوم النحر أي فالأفضل فعلها(2/330)
فيه.
(قوله: وأشد منه) أي من تأخيرها عن يوم النحر في الكراهة.
(قوله: وسادسها: ترتيب) أي وسادس الأركان: الترتيب.
ونقل ع ش عن سم على المنهج ما نصه: قوله وسادسها الترتيب.
إلخ.
أقول: لي هنا شبهة وهي: أن شأن ركن الشئ أن يكون بحيث لو انعدم انعدم ذلك الشئ، ولا شبهة في أنه إذا حلق قبل الوقوف ثم وقف وأتى ببقية الأعمال، حصل الحج، وكان الحلق ساقطا لعدم مكانه، وإن أثم بفعله في غير محله وتفويته، فقد حصل له الحج مع انتفاء الترتيب.
فليتأمل.
اه.
أقول: ويمكن اندفاع هذه الشبهة بأن يقال: الحلق إنما سقط لعدم شعر برأسه، لا لتقدمه على الوقوف، لأن حلقه قبله لم يقع ركنا، والإثم إنما هو لترفهه بإزالة الشعر قبل الوقوف، وهذا كما لو اعتمر وحلق، ثم أحرم بالحج عقبه، فلم يكن برأسه شعر بعد دخول وقت الحلق، فإن الحلق ساقط عنه، وليس ذلك اكتفاء بحلق العمرة، بل لعدم شعر يزيله.
اه.
(قوله: بين معظم أركانه) أي الحج، وهو ثلاثة أركان كما ذكره الشارح النية: وهي مقدمة على الجميع.
والوقوف: وهو مقدم على باقي الأركان.
والطواف وهو مقدم على السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.
(قوله: بأن يقدم الإحرام إلخ) تصوير للترتيب بين المعظم، والمراد نية الدخول في النسك.
وقوله: على الجميع أي جميع
الأركان أي الباقي بعد النية.
وقوله: والوقوف على طواف الركن والحلق أي ويقدم الوقوف على طواف الركن والحلق، وأما هما، فلا ترتيب بينهما.
وقوله: والطواف على السعي أي ويقدم الطواف عليه.
(قوله: إن لم يسع بعد طواف القدوم) أي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم، فإن كان قد سعى بعده سقط عنه، ولا تسن إعادته كما مر وعليه، فلا يكون هناك ترتيب بين المعظم.
(قوله: ودليله) أي الترتيب.
(وقوله: الاتباع) أي وهو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قوله: خذوا عني مناسككم.
(قوله: ولا تجبر أي الأركان) أي لا دخل للجبر فيها، وذلك لانعدام الماهية بانعدامها، فلو جبرت بالدم مع عدم فعلها للزم عليه وجود الماهية بدون أركانها، وهو محال.
بجيرمي.
(قوله: وسيأتي ما يجبر بالدم) وهي الواجبات الآتي بيانها، كالإحرام من الميقات.
(قوله: وغير وقوف من الأركان الستة) أي وهو: النية، والطواف، والسعي، والحلق، والترتيب.
(قوله: أركان العمرة) خبر المبتدأ، وهو لفظ غير.
(قوله: لشمول الأدلة إلخ) يعني أن الأدلة التي استدل بها على وجوب النية والطواف والسعي في الحج، تدل أيضا على وجوبها في العمرة، فهي ليست قاصرة على الحج.
(قوله: وظاهر أن الحلق) أي في العمرة.
(وقوله: يجب تأخيره عن سعيها) أي العمرة.
(قوله: فالترتيب الخ) مفرع على وجوب تأخير الحلق عنه.
(وقوله: فيها) أي في العمرة.
(وقوله: في جميع الأركان) أي لا في المعظم فقط، كالحج.
(قوله: يؤديان) أي الحج والعمرة.
(وقوله: بثلاثة أوجه) أي فقط، ووجه الحصر فيها أن الإحرام إن كان بالحج أولا فالإفراد، أو بالعمرة أولا فالتمتع، أو بهما معا فالقران.
ولا يرد على الحصر ما لو أحرم إحراما مطلقا، لأنه غير خارج عن الثلاثة، لأنه لا بد من صرفه لواحد منها، فالإحرام مطلقا مع الصرف لواحد منها في(2/331)
معنى الإحرام ابتداء بذلك الواحد.
(قوله: إفراد) بالرفع، خبر لمتبدأ محذوف، وبالجر بدل من ثلاثة أوجه، وبدأ به لأنه أفضلها.
(قوله: بأن يحج) تصوير للإفراد.
(وقوله: ثم يعتمر) أي ولو من غير ميقات بلده، ولو من أدنى الحل.
(قوله: وتمتع) معطوف على افراد، فهو بالرفع أو بالجر.
(قوله: بأن يعتمر) أي ولو في غير أشهر الحج، لكنه وأن سمي متمتعا لا يلزمه دم، وإن أتى بأعمالها في أشهر الحج.
(وقوله: ثم يحج) ولو في غير عامه، لكنه حينئذ لا يلزمه دم.
(قوله: وقران) معطوف على إفراد أيضا، ويجري فيه الوجهان: الرفع والجر.
(قوله: بأن يحرم بهما) أي بالحج والعمرة، وهو تصوير للقران.
(وقوله: معا) مثله ما لو أحرم بالعمرة ثم قبل شروعه في أعمالها أدخل الحج عليها، فيقال لهذا قران.
(قوله: وأفضلها إفراد) أي لأن رواته أكثر، ولأن جابرا رضي الله عنه منهم وهو أقدم صحبة، وأشد عناية بضبط
المناسك - ولأنه - - صلى الله عليه وسلم - - اختاره أولا، وللإجماع على أنه لا كراهة فيه ولا دم، بخلاف التمتع والقران، والجبر أيضا دليل النقصان.
قال في التحفة: ولأن بقية الروايات يمن ردها إليه بحمل التمتع على معناه اللغوي، وهو الانتفاع، والقران على أنه باعتبار الآخر، لأنه - صلى الله عليه وسلم - اختار الإفراد أولا، ثم أدخل عليه العمرة خصوصية له للحاجة إلى بيان جوازها في هذا المجمع العظيم، وإن سبق بيانها منه قبل متعددا.
اه.
قوله: إن اعتمر عامه أي محل الأفضلية إن اعتمر في سنة الحج بأن لا يؤخرها عن ذي الحجة، وإلا كان كل منهما أفضل منه، لكراهة تأخيرها عن سنته.
قال الكردي: ومن صور الإفراد الفاضل بالنسبة للتمتع الموجب للدم: ما لو اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه، لكنها مفضولة بالنسبة للإتيان بالعمرة بعد الحج فيما بقي من ذي الحجة - كما في الإمداد - ويسمى ذلك تمتعا أيضا.
اه.
(قوله: ثم تمتع) أي ثم يليه في الفضيلة تمتع، فهو أفضل من القران، وذلك لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، وإنما ربح أحد الميقاتين فقط، بخلاف القارن، فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد.
(قوله: وعلى كل من المتمتع والقارن: دم) أما الأول: فبالإجماع، لربحه الميقات، إذ لو أحرم بالحج أولا من ميقات بلده لاحتاج بعده إلى أن يحرم بالعمرة من أدنى الحل، وبالتمتع لا يخرج من مكة، بل يحرم بالحج منها.
قال في التحفة: وبهذا يعلم أن الوجه فيمن كرر العمرة في أشهر الحج أنه لا يتكرر عليه، وإن أخرج الدم قبل التكرر، لأن ربحه الميقات بالمعنى الذي تقرر لم يتكرر.
وأما الثاني: فلما صح أنه - صلى الله عليه وسلم - ذبح عن نسائه البقر يوم النحر.
قالت عائشة - رضي الله عنها -: وكن قارنات.
ولأنه وجب على المتمتع بنص القرآن، وفعل المتمتع أكثر من فعل القارن، فإذا لزمه الدم فالقارن أولى.
(قوله: إن لم يكن) أي كل من المتمتع والقارن.
وهو شرط لوجوب الدم، أي يشترط في وجوب الدم عليهما أن لا يكونا من حاضري المسجد الحرام، وذلك لقوله تعالى في المتمتع: * (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) * (1) أي ما ذكر من الهدي والصوم عند فقده لمن - أي على من لم يكن أهله أي وطنه - حاضري المسجد الحرام، وقيس عليه في ذلك القارن، والجامع بينهما الترفه فيهما.
فالمتمتع ترفه بربح ميقات الحج، والقارن ترفه بترك أحد الميقاتين أيضا.
ويشترط أيضا لوجوب التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج من مكة، وأن يكون إحرامه بالعمرة ثم بالحج في سنة واحدة، وأن لا يعود إلى الميقات قبل الإحرام أو بعده وقبل التلبس
بنسك.
__________
(1) البقرة: 196(2/332)
فحاصل الشروط أربعة، إذا فقد واحد منها لم يجب عليه شئ.
ويشترط لوجوبه على القارن أيضا أن لا يعود من مكة قبل الوقوف إلى الميقات، فحاصل ما يشترط له اثنان إذا فقد واحد منهما لم يجب عليه شئ.
(قوله: وهم) أي حاضرو المسجد الحرام.
(وقوله: من دون مرحلتين) أي من استوطنوا بالفعل حالة الإحرام لا بعده محلا دون مرحلتين أي من الحرم على الأصح وذلك لأن المسجد الحرام حيث ذكر في القرآن المراد به جميع الحرم إلا في آية * (فول وجهك شطر المسجد الحرام) * (2) وآية * (سبحان الذي أسرى) * (3) فالمراد به الكعبة في الأول، وحقيقته في الثاني.
وقيل من مكة لأن المسجد الحرام في الآية غير مراد به حقيقته اتفاقا، وحمله على مكة أقل تجوزا من حمله على جميع الحرم.
(قوله: وشروط الطواف) لما أنهى الكلام على الأركان، شرع في بيان شروط بعضها وهو الطواف وخصه من بينها بذلك لكونه أفضلها، ولعظم الخطر فيه.
وهذه الشروط ليست خاصة بطواف الإفاضة، بل هي له بسائر أنواعه، من قدوم، ووداع، ونذر، وتطوع، وتحلل.
(وقوله: ستة) بل ثمانية.
فسابعها: كونه في المسجد.
وثامنها: عدم صرفه لغيره، كطلب غريم.
وكإسراعه خوفا من أن تلمسه امرأة.
وقد نظمها بعضهم فقال: واجبات الطواف ستر وطهر * * جعله البيت يا فتى عن يسار في مرور تلقاء وجه وبالأسود * * يبدأ محاذيا وهو سار مع سبع بمسجد ثم قصد * * لطواف في النسك ليس بجار فقد صرف لغيره ذي ثمان * * قد حكى نظمها نظام الدرار (قوله: أحدها: طهر عن حدث) أي بنوعيه: الأصغر والأكبر.
وقوله: وخبث أي في ثوبه، وبدنه، ومطافه.
قال في التحفة: نعم، يعفى عما يشق الاحتراز عنه في المطاف من نجاسة الطيور وغيرها، إن لم يتعمد المشي عليها، ولم تكن رطوبة فيها أو في مماسها كما مر قبيل صفة الصلاة.
ومن ثم عد ابن عبد السلام غسل المطاف من البدع.
اه.
قال الرملي رحمه الله تعالى: ومما شاهدته مما يجب إنكاره والمنع منه، ما يفعله الفراشون بالمطاف من تطهير ذرق إ الطيور، فيأخذ خرقة مبتلة فيزيل بها العين، ثم يغسلها، ثم يمسح بها محله، فيظن أنه تطهير، بل تصير النجاسة غير معفو عنها، ولا يصح طواف الشافعية عليها، إذ لا بد بعد إزالة العين من صب الماء على المحل.
اه.
(قوله: وثانيها) أي
الشروط الستة.
(قوله: ستر لعورة قادر) أي على الستر، فإن كان عاجزا عنه طاف عاريا وأجزأه كما لو صلى كذلك بخلاف ما إذا عجز عن الطهارة حسا أو شرعا، فبحث الأسنوي منعه كالمتنجس العاجز عن الماء من طواف الركن، لوجوب الإعادة، فلا فائدة في فعله.
وقطع طواف النفل والوداع بأن له فعلهما مع ذلك، وهو ضعيف.
وقد حرر هذا المقام في التحفة، وذكر حاصل المعتمد منه، ونصها: ولو عجز عن الستر طاف عاريا، ولو للركن إذ لا إعادة عليه أو عن الطهارة حسا أو شرعا.
ففيه اضطراب حررته في الحاشية.
وحاصل المعتمد منه: أنه يجوز لمن عزم على الرحيل أن يطوف، ولو للركن، وإن اتسع وقته، لمشقة مصابرة لاحرام بالتيمم، ويتحلل به، وإذا جاء مكة لزمه إعادته، ولا يلزمه عند فعله تجرد ولا غيره، فإن مات وجب الإحجاج عنه بشرطه.
ولا يجوز طواف الركن ولا غيره لفاقد الطهورين، بل الأوجه أن يسقط عنه طواف الوادع.
ولو طرأ حيضها قبل
__________
(2) البقرة: 144.
(3) الاسراء: 1(2/333)
طواف الركن، ولم يمكنها التخلف لنحو فقد نفقة أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر ويبقى الطواف في ذمتها.
والأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها.
اه.
بتصرف.
(قوله: فلو زالا) أي الطهر والستر.
(وقوله: فيه) أي في الطواف.
(قوله: جدد) أي الطائف، الطهر والستر.
فمفعول الفعل محذوف، والفاعل ضمير مستتر يعود على معلوم من المقام.
(قوله: وبنى على طوافه) أي بنى على ما أتى به من الطوفات.
ومعنى البناء على الماضي أنه يبنى من الموضع الذي وصل إليه، ولا يجب استئنافه، لكن يسن، خروجا من الخلاف.
(قوله: وإن تعمد ذلك) أي زوال الطهر والستر، وهو غاية في الاكتفاء بالبناء.
(وقوله: وطال الفصل) أي وإن طال الفصل.
فهو غاية ثانية لما ذكر، وذلك لعدم اشتراط الولاء فيه.
(قوله: وثالثها) أي الشروط الستة.
(وقوله: نيته) أي قصده بقلبه والتلفظ بها سنة كسائر النيات.
(قوله: إن استقل) أي الطواف.
(قوله: بأن لم يشمله نسك) تصوير لاستقلاله.
أي أن استقلاله مصور بأن لا يشمله نسك، أي لا يندرج تحته كالحج.
(قوله: كسائر العبادات) الكاف للتنظير، أن نظير سائر العبادات في وجوب النية فيها.
(قوله: وإلا فهي سنة) أي وإن لم يستقل، بأن
يشمله نسك، فهي سنة، وذلك لإغناء نية النسك عن نية الطواف.
قال في حاشية الإيضاح بعد كلام قرره: إن كان المراد بالنية قصد الفعل فهو شرط في كل طواف.
أو تعيين الطواف فليس بشرط في كل طواف فما المحل في وجوب النية فيه؟ أي وفي عدمه.
قال: وقد يجاب بأن المختلف فيه هو قصد نفس الفعل، لا مطلق القصد.
نظير قولهم يشترط قصد فعل الصلاة، ولا يكفي مطلق قصدها مع الغفلة عن ربطه بالفعل، فطواف النسك يكفي فيه مطلق القصد، وطواف غيره لا بد فيه من قصد الفعل، دون التعيين كنية نفل الصلاة المطلق اه.
وقال الونائي في منسكه في مبحث سنن الطواف ما نصه: منها أي السنن: النية أي نية فعل الحقيقة الشرعية بالمسماة بالطواف وهي الدوران حول البيت، فلا ينافي اشتراط قصد الفعل بأن يلحظ كونه عن الطواف لاشتراط عدم الصارف.
اه.
قال الشيخ باعشن عليه: والحاصل أن قصد مطلق الفعل وهو قصد الدوران بالبيت لا بد منه في كل طواف.
وأما ملاحظة كونه عن الطواف الشرعي فواجب في طواف غير النسك، وسنة في طواف النسك.
اه.
وقال بعضهم: المراد من كون النية سنة في طواف النسك نية كونه ركن الحج أو واجبه.
أما قصد الفعل فلا بد منه مطلقا، وهو لا يغاير ما مر.
قوله: ورابعها) أي الشروط الستة.
(قوله: بدؤه بالحجر الأسود) أي ركنه، وإن قلع منه وحول منه لغيره، وذلك للاتباع، فلا يعتد بما بدأ به قبله، ولو سهوا، فإذا انتهى إليه ابتدأ منه، وكذا لا يعتد بما بدأ به بعدة من جهة الباب.
ووصف الحجر بكونه أسود بحسب الحالة الراهنة، وإلا فليس كذلك بحسب الأصل.
قال السيوطي في التوشيح: أخرج أحمد والترمذي وابن حبان حديث: إن الحجر والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا ذلك لأضاآ ما بين المشرق والمغرب.
وأخرج الترمذي حديث: نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم.
وروي عن وهب بن منبه أن آدم لما أمره الله تعالى بالخروج من الجنة أخذ جوهرة من الجنة التي هي الحجر الأسود مسح بها دموعه، فلما نزل إلى الأرض لم يزل يبكي، ويستغفر الله، ويمسح دموعه بتلك الجوهرة حتى اسودت من دموعه.
ثم لما بنى البيت أمره جبريل أن يجعل تلك الجوهرة في الركن، ففعل.(2/334)
وفي بهجة الأنوار: إن الحجر الأسود كان في الابتداء ملكا صالحا، ولما خلق الله آدم وأباح له الجنة كلها إلا الشجرة التي نهاه عنها، ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم أن لا يأكل من تلك الشجرة، فلما قدر الله تعالى إن آدم يأكل من تلك الشجرة غاب عنه ذلك الملك، فنظر تعالى إلى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا ألا ترى أنه جاء في الأحاديث: الحجر الأسود يأتي يوم القيامة وله يد، ولسان، وأذن، وعين، لأنه كان في الابتداء، ملكا؟ (تنبيه) خمسة أشياء خرجت من الجنة مع آدم عود البخور، وعصا موسى من شجر الآس وأوراق التين التي كان يستتر بها آدم والحجر الأسود، وخاتم سليمان.
ونظمها بعضهم في قوله: وآدم معه أهبط العود والعصا * * لموسى من الآس النبات المكرم وأوراق تين واليمين بمكة * * وختم سليمان النبي المعظم وزاد بعضهم: الحجر الذي ربطه نبينا على بطنه، ومقام إبراهيم، وهو الحجر الذي كان يقف عليه لبناء البيت فيرتفع به حتى يضع الحجر، ويهبط حتى يتناوله من إسماعيل، وفيه أثر قدميه.
(قوله: محاذيا) حال من الضمير في بدؤه، العائد على الطائف.
(وقوله: له) أي للحجر الأسود، كله أو بعضه، فلا يشترط محاذاة كله.
(وقوله: في مروره) أي في حال مروره.
(قوله: ببدنه) متعلق بمحاذيا.
(قوله: أي بجميع شقه الأيسر) تفسير مراد للبدن أي أن المراد بالبدن جميع الشق الأيسر، فهو على سبيل المجاز المرسل، والعلاقة الكلية والجزئية، والمراد أيضا بجميع الشق الأيسر مجموعه، وهو أعلاه المحاذي لصدره، وهو المنكب.
وذلك لأن المحاذاة لا تكون إلا به كما هو ظاهر وعبارة التحفة: تنبيه يظهر أن المراد بالشق الأيسر أعلاه المحاذي للصدر، وهو المنكب، فلو انحرف عنه بهذا، أو حاذاه ما تحته من الشق الأيسر، لم يكف.
اه.
ثم إن ما ذكر من اشتراط المحاذاة مفروض في الابتداء، أما الانتهاء فيجب أن يكون الذي حاذاه في آخر الطواف هو الذي حاذاه في أوله، ومقدما إلى جهة الباب، ليحصل استيعاب البيت بالطواف.
وزيادة ذلك الجزء احتياط فلو حاذى أولا طرفه مما يلي الباب، اشترط أن يحاذيه آخرا.
وهذه دقيقة يغفل عنها.
(قوله: وصفة المحاذاة) أي الكيفية التي تحصل بها المحاذاة، وهذه الكيفية ليست بواجبة، بل هي الفاضلة، وذلك لأنه لو ترك الاستقبال المذكور وحاذى الطرف مما يلي الباب بشقه الأيسر أجزأه، وفاتته الفضيلة.
(قوله: أن يقف) أي مستقبلا للبيت.
وقوله: بجانبه أي الحجر الأسود.
وقوله: من جهة اليماني متعلق بيقف.
أي يقف من جهة الركن اليماني.
وقوله: بحيث إلخ الباء لتصوير الوقوف بجانبه، أي يقف وقوفا مصورا بحالة
هي أن يصير جميع الحجر الأسود عن يمينه، أي ويصير منكبه الأيمن عند طرفه.
(قوله: ثم ينوي) أي ثم بعد وقوفه المذكور ينوي الطواف.
(قوله: ثم يمشي مستقبله) أي ثم بعد النية يمشي إلى جهة يمينه مستقبلا للحجر.
وقوله: حتى يجاوز أي يمشي مستقبلا إلى أن يجاوز الحجر.
والمراد إلى أن يبدأ في المجاوزة بحيث يحاذي منكبه طرف الحجر، وليس المراد إلى تمام المجاوزة، بدليل قوله فحينئذ إلخ كما ستعرفه.
وعبارة غيره: إلى أن يحاذي منكبه طرف الحجر، فينحرف حينئذ، ويجعل جميع يساره لطرف الحجر.
اه.
وهي ظاهرة.
وهذا على ما جرى عليه شيخه ابن حجر.
أما على ما جرى عليه م ر: فالمراد إلى تمام المجاوزة، لأن الانفتال عنده يكون بعدها، لا في حال المجاوزة.
(قوله: فحينئذ ينفتل) أي حين المجاوزة ينفتل، لا بعدها على ما جرى عليه ابن حجر أما على ما جرى عليه الرملي: فالانتقال يكون بعدها كما علمت ولا بد من استحضار النية عند هذا الانفتال، لأنه أول الطواف، وما قبله مقدمة له.
(قوله: ويجعل يساره للبيت) معطوف على ينفتل، أي حينئذ يجعل يساره، ويصح جعل الواو للحال، أي ينفتل حال كونه جاعلا يساره.
ويدل على هذا عبارة التحفة ونصها: فينفتل جاعلا يساره محاذيا جزءا من الحجر بشقه الأيسر.
اه.(2/335)
(قوله: ولا يجوز استقبال البيت إلا في هذا) أي في ابتداء الطواف.
قال العلامة عبد الرؤوف: هذا الاستثناء صوري، لأن أول الطواف الواجب، هو هذا الانفتال، وما قبله مقدمته، لا منه.
ومن ثم لم تجز النية إلا إن قارنته.
اه.
وما ذكره هو معتمد ابن حجر، واعتمد الجمال الرملي والخطيب وابن قاسم وغيرهم أن أول طوافه ما فعله أولا، وأن الاستثناء حقيقي.
(قوله: وخامسها) أي الشروط الستة.
(قوله: جعل البيت عن يساره) أي في كل خطوة من خطوات طوافه، فلو مر منه جزء وهو مستقبل البيت أو مستدبره لدعاء أو زحمة أو استلام أو نحوها، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى محله الذي وقع الخلل فيه، أو يصل إليه فيما بعد تلك الطوفة.
(فائدة) الطواف يمين، لما في مسلم: عن جابر رضي الله عنه، أنه - صلى الله عليه وسلم - أتى البيت فاستقبل الحجر، ثم مشى عن يمينه.
أي الحجر.
وحينئذ يكون الطائف عن يمين البيت، وغلط كثيرون فسرى إلى ذهنهم من اشتراط جعل البيت عن يساره أن الطواف يسار.
(وقوله: مارا تلقاء وجهه) أي على الهيئة المعتادة له في المشي، سواء طاف منتصبا، أو منحنيا، أو زحفا، أو حبوا وإن قدر على المشي في الجميع.
(قوله: فيجب كونه إلخ) هذا التفريع لا محل له، فالأولى التعبير بالواو ويكون
مستأنفا، ساقه لبيان شرط آخر.
وقوله: بكل بدنه ومثله ثوبه المتحرك بحركته عند حجر، لا نحو عود في يده.
ومشى الخطيب في مغنيه: والرملي في النهاية، على أن الثوب وإن تحرك بحركته لا يضر.
(قوله: حتى بيده) أي حتى يجب خروج يده.
(قوله: عن شاذروانه) متعلق بخارجا، وهو جدار قصير نقصه ابن الزبير من عرض الأساس، وهو من الجهة الغربية واليمانية فقط كما في شرح بأفضل وموضع من النهاية وغيرهما، لكن المعتمد كما في التحفة ثبوته في جهة الباب أيضا.
والحاصل أنه مختلف في ثبوته من جميع الجوانب فالإمام والرافعي لا يقولان به إلا في جهة الباب، وشيخ الإسلام ومن وافقه لا يقولان به من جهة الباب، وأبو حنيفة لا يقول به في جميع الجوانب، وفيه رخصة عظيمة، بل لنا وجه إن مس جدار الكعبة لا يضر، لخروج معظم بدنه عن البيت.
وقوله: وحجره هو بكسر الحاء، ما بين الركنين الشاميين، عليه جدار قصير بينه وبين كل من الركنين فتحة، ويسمى أيضا حطيما، لكن الأشهر أنه ما بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم.
(قوله: للاتباع) دليل لوجوب جعل البيت عن يساره، ولوجوب خروجه بكل بدنه عنه.
والاتباع في الأول خبر جابر المار مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا عني مناسككم وفي الثاني أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف خارجه مع قوله خذوا إلخ، ويدل له أيضا قوله تعالى: * (وليطوفوا بالبيت العتيق) * (1) وإنما يكون طائفا به إذا كان خارجا عنه، وإلا فهو طائف فيه.
(قوله: فإن خالف شيئا من ذلك) راجع لجميع ما قبله، فاسم الإشارة يعود على المذكور من الطهر والستر وما بعدهما من الشروط.
فلو طاف عاريا أو غير متطهر، أو من غير نية، أو لم يبدأ بالحجر الأسود، أو لم يجعل البيت عن يساره بأن جعله عن يمينه أو عن يساره لكن مشى القهقري، أو لم يخرج بكل بدنه عن الشاذروان والحجر، لم يصح طوافه.
(قوله: وإذا استقبل الخ) هذه المسألة مفرعة على جعل البيت عن يساره.
والتي بعدها أعني ويلزمه إلخ مفرعة على وجوب كونه خارجا بكل بدنه عما ذكره.
فكان المناسب أن يترجم لهما كعادته.
بأن يقول: فرعان (قوله: فليحترز عن أن يمر منه أدنى جزء إلخ) فإن مر منه أدنى جزء وهو مستقبل الكعبة قبل أن يجعل البيت عن يساره، بطلت تلك الخطوة وما بني عليها حتى يرجع إلى المحل الذي مر منه وهو مستقبل، أو يصل إليه في الطوفة الثانية مثلا وتلغو الطوفة التي وقع الخلل فيها.
(قوله: ويلزم من قبل الحجر) أي أو استلم الركن اليماني.
وهذه المسألة من الدقائق التي ينبغي التنبه لها كما نص عليه
__________
(1) الحج: 29(2/336)
في الإيضاح.
(وقوله: أن يقر قدميه في محلهما) أي يثبتهما في محلهما.
فلو زالت قدماه من محلهما إلى جهة الباب
قليلا ولو بعض شبر في حال تقبيله، ثم لما فرغ من التقبيل اعتدل عليهما في الموضع الذي زالتا إليه فإن لم يرجع إلى المحل الذي زالتا منه ومضى من هناك إلى طوافه، بطلت طوفته هذه، لأنه قطع جزءا من مطافه وبدنه في هواء الشاذروان.
(قوله: وسادسها) أي الشروط الستة.
(قوله: كونه) أي الطواف.
(وقوله: سبعا يقينا) فلو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة إن كان الشك في الأثناء.
فإن كان بعد الفراغ لم يؤثر، ومثله ما لو شك بعده في شرط من الشروط كالطهارة فإنه لا يؤثر.
ولو أخبره عدل على خلاف ما يعتقده، فإن كان بالنقص سن الأخذ به إن لم يورثه الخبر ترددا وإلا وجب الأخذ.
وفارق الصلاة بأنها تبطل بالزيادة.
وإن كان بالتمام لم يجز الأخذ به إلا إن بلغوا عدد التواتر.
(قوله: ولو في الوقت المكروه) هذه الغاية للتعميم، ولكن لا محل لها هنا، إذ لا علاقة بينها وبين العدد حتى يعمم بها فيه، فكان المناسب أن يذكر مسألة مستقلة كما صنع شيخه وعبارته: ولا يكره في الوقت المنهي عن الصلاة فيه.
والمعنى أن الطواف يصح ولو في الأوقات التي تكره فيها الصلاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء.
(قوله: فإن ترك منها) أي السبع.
وهو مفهوم قوله سبعا، وقد علمت مفهوم قوله يقينا.
(وقوله: شيئا وإن قل) أي ولو بعض خطوة.
(قوله: لم يجزئه) أي الطواف.
أي إن لم يتداركه، فلو مات وقد ترك بعض خطوة من طواف الحج لم يصح حجه.
(قوله: وسن أن يفتتح الطائف) شروع في ذكر بعض سنن الطواف.
وهي كثيرة.
منها ما ذكره المؤلف، ومنها السكينة، والوقار، وعدم الكلام إلا في خير كتعليم جاهل برفق إن قل وسجدة التلاوة لا الشكر لأن الطواف كالصلاة، وسجدة الشكر تحرم فيها.
ومنها رفع اليدين عند الدعاء، وجعلهما تحت صدره في غير الدعاء بالكيفية المعهودة في الصلاة كما نص عليه في التحفة وعبارتها بعد كلام: ورفع اليدين في الدعاء كما في الخصال، ومنه مع تشبيههم الطواف بالصلاة في كثير من واجباته وسننه الظاهر في أنه يسن ويكره فيه كل ما يتصور من سنن الصلاة ومكروهاتها يؤخذ أن السنة في يدي الطائف إن دعا رفعهما، وإلا فجعلهما تحت صدره بكيفيتهما ثم.
اه.
ومنها الدعاء فيه، وهو بالمأثور أفضل، حتى من القراءة، وهو كما في شرح الروض نقلا عن الأصحاب - أن يقول عند استلام الحجر في كل طوفة والأولى آكد بسم الله والله أكبر.
اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وقبالة الباب اللهم البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار ويشير بقلبه إلى مقام إبراهيم.
وعند الانتهاء إلى الركن العراقي اللهم إني أعوذ بك من الشك والشرك،
والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، وسوء المنظر في المال والأهل والولد.
وعند الانتهاء تحت الميزاب اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
واسقني بكأس محمد - صلى الله عليه وسلم - شرابا هنيئا لا أظمأ بعده أبدا، يا ذا الجلال والإكرام.
وبين الركن الشامي واليماني اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا، وسعيا مشكورا، وعملا مقبولا، وتجارة لن تبور.
والمناسب للمعتمر أن يقول: وعمرة مبرورة.
ويحتمل استحباب التعبير بالحج مراعاة للخبر، ويقصد المعنى اللغوي وهو مطلق القصد نبه عليه الأسنوي، قال في المغنى: ومحل الدعاء بهذا إذا كان الطواف في ضمن حج أو عمرة، وإلا فيدعو بما أحب.
اه.
وقال بعضهم: يأتي بما ذكر ولو كان الطواف ليس طواف نسك اتباعا للوارد، ويقصد بذلك أيضا المعنى اللغوي.
وبين اليمانيين اللهم * (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار) * (1) .
__________
(1) البقرة: 201(2/337)
(قوله: باستلام الحجر الأسود إلخ) اختصر المؤلف ما يندب للطائف عند ابتداء الطواف، وحاصله أنه يندب له قبل البدء بالطواف إذا كان المطاف خاليا أن يستقبل الحجر الأسود، ويستلمه بيده، ثم يقبله بفمه، ثم يضع جبهته عليه، ويراعي ما ذكر في كل مرة ويكرره ثلاثا.
هذا كله عند القدرة، فإن عجز عن التقبيل استلم بيده اليمنى، فإن عجز عنه فباليسرى، فإن عجز عن استلامه استلمه بنحو عود ثم قبل ما استلم به، فإن عجز عن استلامه أشار إليه بيده أو بشئ فيها ثم قبل ما أشار به.
ولا يشير بالفم إلى التقبيل، ولا يزاحم للتقبيل، بل تحرم المزاحمة له وللاستلام إن آذى غيره أو تأذى به، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: يا عمر، إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف.
إن وجدت خلوة، وإلا فهلل وكبر.
رواه الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما - وأما نصه في الأم على طلب الاستلام أول الطواف وآخره ولو بالزحام، فمحمول على زحام ليس معه ضرر بوجه.
(قوله: وأن يقبله) المصدر المؤول معطوف على استلام.
(قوله: ويستلم الركن اليماني) أي عند القدرة، وإلا أشار إليه بيده، أو بشئ فيها.
(فائدة) مما ورد في فضل الركن اليماني قوله - صلى الله عليه وسلم -: ما مررت بالركن اليماني إلا وعنده ملك ينادي: آمين.
آمين.
فإذا مررتم فقولوا: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وكل بالركن اليماني سبعون ملكا.
من قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة قالوا: آمين.
قال العز بن جماعة: ولا تعارض بين الحديثين على تقدير الصحة إذ يحتمل أن السبعين موكلون به لم يكلفوا التأمين وإنما يؤمنون عند سماع الدعاء، والملك كلف قول آمين.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: إن عند الركن اليماني بابا من أبواب الجنة، والركن الأسود من أبواب الجنة، وما من أحد يدعو عند الركن الأسود إلا استجاب الله له.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ما بين الركن اليماني والحجر الأسود روضة من رياض الجنة.
وعن عطاء: قال: قيل: يا رسول الله تكثر من استلام الركن اليماني قال: ما أتيت عليه قط إلا وجبريل قائم عنده يستغفر لمن يستلمه.
وعن مجاهد أنه قال: ما من إنسان يضع يده على الركن اليماني ويدعو إلا استجيب له، وأن بين الركن اليماني والركن الأسود سبعين ألف ملك لا يفارقونه، هم هنالك منذ خلق الله البيت.
(قوله: ويقبل يده) أي أو ما أشار به للركن عند عدم استلامه كما في التحفة والنهاية والمغني وجزم حجر في شرح بأفضل ومختصر الإيضاح وحاشيته أنه لا يقبل ما أشار به للركن اليماني فارقا بين الحجر وبين الركن اليماني بأن الحجر أشرف، فاختص بذلك.
واعلم أنه لا يسن تقبيل الركنين الشاميين ولا استلامهما.
قال م ر: والسبب في اختلاف الأركان في هذه الأحكام: أن ركن الحجر فيه فضيلتان كون الحجر فيه، وكونه على قواعد أبينا إبراهيم.
واليماني فيه فضيلة واحدة، وهو كونه على قواعد أبينا إبراهيم.
وأما الشاميان فليس لهما شئ من الفضيلتين.
اه.
(قوله: وإن يرمل) أي وسن الرمل، وسببه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة بأصحابه معتمرين سنة سبع قبل الفتح بسنة وقد وهنتهم الحمى، فقال المشركون: هؤلاء قد وهنتهم حمى يثرب، فلم يبق لهم طاقة بقتالنا، فأطلع الله نبيه على ما قالوا، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرملوا ليرى المشركون جلدهم وبقاء قوتهم، ففعلوا، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم؟ إنهم لأجلد من كذا وكذا.
وإنما شرع مع زوال سببه ليتذكر به فاعله نعمة(2/338)
الله بظهور الإسلام، وإعزاز أهله، وتطهير مكة من المشركين على ممر الأعوام والسنين.
وقوله: ذكر خرج به الأنثى، فلا يسن لها الرمل ولو ليلا، ولو في خلوة لأن بالرمل تتبين أعطافها، وفيه تشبه بالرجال.
قال في التحفة: بل يحرم إن
قصدت التشبه.
ومثل الرمل في ذلك الاضطباع.
ومثل الأنثى: الخنثى.
(قوله: في الطوفات) بإسكان الواو على الأفصح ويجوز فتحها.
(قوله: من طواف بعده سعي) أي حال كون الطوفات الثلاث كائنة من طواف يعقبه سعي، أي مطلوب في حج أو عمرة، وإن كان مكيا.
فإن رمل في طواف القدوم، وسعى بعده سعي الحج، لا يرمل في طواف الركن، لأن السعي بعده حينئذ غير مطلوب، ولا رمل في طواف الوداع لذلك.
(قوله: بإسراع مشيه) تصوير للرمل.
أي أن الرمل هو أن يسرع فيه مشيه أي مع هز كتفيه ومع غير عدو ووثب، ويسمى خببا.
وقوله: مقاربا حال من فاعل إسراع.
وقوله: خطاه بضم الخاء جمع خطوة، بضم الخاء أيضا: اسم لما بين القدمين، أما الخطوة بالفتح وهي نقل القدم فجمعها خطاء بكسر الخاء والمد كركوة وركاء كما قال في الخلاصة: فعل وفعلة فعال لهما.
(قوله: وأن يمشي في الأربعة) معطوف على أن يرمل.
أي وسن أن يمشي في الأربعة الأخيرة.
(وقوله: على هيئته) أي سجيته وطبيعته.
وفي بعض النسخ على هينته بنون، فتاء أي تأنيه.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية الرمل في الثلاث الأول، ولسنية المشي في الأربعة الأخيرة، وهو ما رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا.
وروى مسلم أنه - صلى الله عليه وسلم -: رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا، ومشى أربعا.
(قوله: ولو ترك الرمل) ضبطه الخطيب في منسكه بفتح الراء والميم، ولكن القياس إسكان الميم.
(قوله: لا يقضيه) أي الرمل في البقية، أي الأربعة الأخيرة.
وذلك لأن هيئتها السكينة، فلا تغير، كالجهر لا يقضى في الأخيرتين إذا ترك من الأولتين.
(قوله: ويسن أن يقرب الذكر من البيت) أي تبركا به، لشرفه، ولأنه أيسر لنحو الاستلام.
وخرج بالذكر الأنثى، والخنثى، فلا يقربان استحبابا في حالة طواف الذكور بل يكونان في حاشية المطاف، بحيث لا يخالطان الذكور.
(قوله: ما لم يؤذ أو يتأذ بزحمة) قيد في سنية القرب.
أي ويسن مدة عدم إيذائه غيره أو تأذيه بسبب زحمة لو قرب، وإلا فلا يسن له القرب.
وعبارة شرح الروض، نعم إن تأذى بالزحام أو آذى غيره فالبعد أولى.
قال في المجموع.
كذا أطلقوه.
وقال البندنيجي: قال الشافعي في الأم ابتداء الطواف وآخره فأحب له الاستلام ولو بالزحام.
اه.
وقد توهم أنه يغتفر في الابتداء والآخرة التأذي والإيذاء بالزحام، وهو ما فهمه الأسنوي، وصرح به، وليس مرادا كما نبه عليه الأذرعي وقال: إنه غلط قبيح.
(وحاصل نص الام إلخ) أنه يتوقى الأذى والإيذاء بالزحام مطلقا، ويتوقى الزحام الخالي عنهما إلا في الابتداء والآخر.
اه.
(قوله: فلو تعارض القرب منه) أي من البيت من غير رمل.
(وقوله: والرمل) أي مع البعد.
(وقوله: قدم) أي الرمل، على القرب، فكونه يرمل في حاشية المطاف أولى من كونه يقرب من غير رمل.
(قوله: لأن ما يتعلق الخ) عبارة شرح الروض: لأن الرمل شعاره مستقل، ولأنه متعلق بنفس العبادة، والقرب متعلق بمكانها، والمتعلق بنفسها أولى، بدليل أن صلاة الجماعة في البيت أولى من الانفراد في المسجد هذا إن لم يخش ملامسة النساء مع التباعد، فإن خشيها تركه - أي التباعد والرمل - فالقرب حينئذ بلا رمل أولى - تحرزا عن ملامستهم المؤدية إلى انتقاض الطهارة - وكذا لو كان بالقرب أيضا نساء، وتعذر الرمل في جميع المطاف - لخوف الملامسة - فترك الرمل أولى.
اه.
بحذف.
(قوله: وأن يضطبع) معطوف على أن يقرب.
أي ويسن أن يضطبع الذكر في طواف يرمل فيه، وهو الذي يعقبه السعي، ولو كان(2/339)
لابسا.
(قوله: وكذا في السعي) أي وكذا يسن الاضطباع في السعي، قياسا على الطواف.
قال في التحفة: ويكره فعله في الصلاة كسنة الطواف.
اه.
(قوله: وهو) أي الاضطباع، شرعا.
أما لغة: فهو افتعال من الضبع - بإسكان الباء - وهو العضد.
(وقوله: جعل وسط) بفتح السين في الأفصح.
(وقوله: وطرفيه) أي وجعل طرفيه - أي الرداء -.
(وقوله: على الأيسر) أي منكبه الأيسر.
(قوله: للاتباع) دليل لسنية الاضطباع وهو أنه - صلى الله عليه وسلم -: اعتمر هو وأصحابه من الجعرانة، ورملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها أعلى عواتقهم اليسرى.
رواه أبودواد بإسناد صحيح.
(قوله: وأن يصلي بعده) أي وسن أن يصلي بعد الطواف ركعتين.
(وقوله: خلف المقام) أي وإن بعد ثلثمائة ذراع.
والأفضل أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثة أذرع.
(وقوله: ففي الحجر) عبارة غيره: فإن لم يتيسر له خلفه، ففي الكعبة، فتحت الميزاب، فبقية الحجر، فالحطيم، فوجه الكعبة، فبين اليمانيين، فبقية المسجد، فدار خديجة، فمكة، فالحرم.
ولا يفوتان إلا بموته.
اه.
الأفضل لمن طاف أسابيع، فعلهما بعد كل أسبوع.
وإذا أخرهما صلى لكل منها ركعتين.
ويجزئ للكل ركعتان، ويسن أن يقرأ فيهما سورتي الكافرون، والإخلاص وأن يجهر بالقراءة ليلا، وما ألحق به مما بعد الفجر إلى طلوع الشمس، ويسر فيما عدا ذلك.
(فائدة) عن عبد الله بن سليمان، قال: طاف آدم عليه السلام بالبيت سبعا حين نزل على الأرض، ثم صلى ركعتين، ثم أتى الملتزم، فقال: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي، فاقبل معذرتي.
وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي.
وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي.
اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قضيت علي، فأوحى الله تعالى إليه: يا آدم، قد دعوتني بدعوات فاستجبت لك: ولن يدعو بها أحد من ولدك إلا كشفت همومه وغمومه، وكشفت عنه ضيقه، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، ورزقته من حيث لا يحتسب، وأتته الدنيا وهي راغمة، ولو كان لا يريدها.
(تنبيه) اختلف العلماء في الصلاة والطواف في المسجد الحرام - أيهما أفضل؟ فقال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد: الصلاة لأهل مكة أفضل، وأما الغرباء، فالطواف لهم أفضل.
وقال بعضهم: الطواف أفضل مطلقا.
واختلفوا أيضا في أن الطواف بعد صلاة الصبح أفضل، أو الجلوس إلى طلوع الشمس مع الاشتغال بالذكر أفضل؟ فقال كثيرون - منهم الشهاب الرملي - إن الطواف أفضل.
وقال آخرون إن الجلوس أفضل، واستصوبه ابن حجر مؤيدا له بأنه صح أن: من صلى الصبح، ثم قعد يذكر الله تعالى إلى أن تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كان له أجر حجة وعمرة تامتين.
ولم يرد في الأحاديث الصحيحة في الطواف ما يقارب ذلك، وبأن بعض الأئمة كره الطواف بعد صلاة الصبح، ولم يكره أحد تلك الجلسة، بل أجمعوا على ندبها، وعظيم فضلها.
وحمل الأولون القعود في الحديث المذكور: على استمرار الذكر وعدم تركه.
قالوا: والطواف: فيه الذكر والطواف، فقد جمع بين الفضليتين.
(قوله: فرع الخ) مراده يذكر في هذا الفرع ما يسن للقادم مكة أول قدومه، وليس مراده بيان ما يسن لداخل المسجد الحرام - لأن هذا قد علم من مبحث تحية المسجد، حيث قال هناك: وتكره لخطيب، ولمريد طواف، فيكون ذكره هنا لا فائدة فيه.
وإذا علمت أن هذا مراده لما ذكر، فكان المناسب أن يقول - كغيره - فرع: يسن لمن قدم مكة أن يبدأ بدخول المسجد، وأن يشتغل عقبه بالطواف.
(قوله: يسن أن يبدأ) أي قبل تغيير ثيابه، واكتراء منزله، وحط رحله، وسقي دوابه.
(وقوله: كل من الذكر والأنثى) أي ما عدا ذات الجمال والشرف، أما هي: فالسنة في حقها تأخير الطواف إلى الليل.
(وقوله: بالطواف) أي طواف القدوم إن لم يعتمر، أو بطواف العمرة إن اعتمر.
(قوله: عند دخول المسجد)(2/340)
أي عقب دخوله.
ولو لم يطف عقب دخوله من غير عذر، ففي فواته وجهان: قيل يفوت، وقيل لا.
وعبارة شرح الروض: قال في المجموع: قد ذكرنا أنه يؤمر بطواف القدوم أول قدومه، فلو أخره ففي فواته وجهان حكاهما الإمام، لأنه يشبه تحية المسجد.
اه.
وقضيته أنه لا يفوت بالتأخير، ومعلوم أنه لا يفوت بالجلوس - كما تفوت به تحية المسجد -.
نعم،
يفوت بالوقوف بعرفة، ويحتمل فواته بالخروج من مكة.
اه.
(قوله: للاتباع) هو ما رواه الشيخان من أنه - صلى الله عليه وسلم - أول شئ بدأ به حين قدم مكة أنه توضأ، ثم طاف بالبيت والمعنى فيه أن الطواف تحية البيت، لا المسجد، فلذلك يبدأ به.
(قوله: إلا إن يجد الخ) استثناء من سنية البدء بالطواف، أي محل سنيته إن لم يجد الإمام في مكتوبة.
ومثله ما إذا قرب وقت إقامة الجماعة المشروعة، ولو في نفل كالعيد.
(قوله: أو يخاف الخ) أي أو إلا أن يخاف فوت فرض، أو فوت راتبة مؤكدة لضيق الوقت.
(وقوله: فيبدأ بها) أي بالمكتوبة.
مع الإمام.
وبالفرض وبالراتبة، فالضمير يعود على الثلاث.
وقوله: لا بالطواف: أي لا يبدأ بالطواف، لأنه لا يفوت لو أخره، بخلافها، فإنه تفوت.
قال في شرح الروض: ولو كان عليه فائتة قدمها على الطواف أيضا، ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.
جزم به في المجموع.
اه.
(قوله: وواجباته الخ) أي وأما واجبات العمرة فشيئان: الإحرام من الميقات، واجتناب محرمات الإحرام.
(وقوله: خمسة) أي بناء على عده طواف الوداع من المناسك.
والذي صححه الشيخان أنه ليس منها، فهو واجب مستقل، وعليه، تكون الواجبات أربعة، وترك المصنف سادسا، وهو: التحرز عن محرمات الإحرام، والأولى أن يبدل طواف الوداع به.
(قوله: وهي) أي الواجبات.
(وقوله: ما يجب بتركه الفدية) أي والإثم إن كان لغير عذر.
(واعلم) أن الفرق بين الواجبات والأركان خاص بهذا الباب، لأن الواجبات في غيره تشمل الأركان والشروط، فكل ركن واجب، ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص بإطلاق.
(قوله: إحرام من ميقات) أي كون الإحرام منه، لأنه الواجب، وأما أصل الإحرام: فركن - كما تقدم -.
قال في التحفة: هو لغة: الحد.
وشرعا: هنا زمن العبادة ومكانها.
فإطلاقه عليه حقيقي، إلا عند من يخص التوقيت بالحد بالوقت فتوسع.
اه.
(واعلم) أن المصنف تعرض للميقات المكاني، ولم يتعرض للزماني، فهو بالنسبة للحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة.
وبالنسبة للعمرة: جميع السنة، لكن قد يمتنع الإحرام بها لعارض، ككونه محرما بالحج، لامتناع إدخال العمرة على الحج إن كان قبل تحلله، ولعجزه، عن التشاغل بعملها إن كان بعده، وقبل النفر من منى، وككونه محرما بالعمرة، لأن لا تدخل على العمرة.
(قوله: فيمقات الحج الخ) شروع في بيان المواقيت.
(وقوله: لمن بمكة) أي سواء كان مكيا أو آفاقيا.
(وقوله: هي) أي مكة.
فلو أحرم خارج بنيانها أي في محل يجوز قصر الصلاة فيه لمن سافر منها ولم يعد إليها قبل الوقوف - أساء، ولزمه دم.
وهل الأفضل أن يحرم من باب داره، أو من المسجد الحرام؟ وجهان.
والمعتمد ألأول، لكن بعد إتيانه أولا
المسجد، وصلاته ركعتين فيه - كما في حاشية الايضاح - ونصها: المعتمد أنه يسن له أولا ركعتا الإحرام بالمسجد، ثم يأتي إلى باب داره فيحرم عند أخذه في السير بنفسه أو دابته إذ الإحرام لا يسن عقب الركعتين، بل عند الخروج إلى عرفة ثم يدخل المسجد محرما لطواف الوداع المسنون له.
اه.
(قوله: وهو) أي الميقات.
(قوله: للحج والعمرة) الجار والمجرور حال من المبتدأ على رأي سيبويه، أو من خبره.
ومثله الجار والمجرور الذي بعده.
(قوله: ذو الحليفة) تصغير الحلفة بفتح أوله واحدة الحلفاء نبات معروف.
(وقوله: المسماة ببئر علي) قال في التحفة لزعم العامة أنه قاتل الجن فيها.
اه.
وفي شرح الرملي وابن علان: إنه كذب لا أصل له.
وفي البجيرمي: بل نسبت إليه لكونه حفرها.
اه.(2/341)
وقد أبدى العلامة الكردي في حاشيته الكبرى حكمة لطيفة لكون ميقات المدينة أبعد المواقيت، وعبارته: ظهر للفقير في تقرير حكمة ذلك هو أن يقال: إن الله اختار لنبيه - صلى الله عليه وسلم - لكونه أفضل الأنبياء أفضل المواقيت، لبعده عن مكة، فتعظم المشقة والأجر على قدر النصب ومنح أهل بلدته الشريفة هذه الفضيلة ببركة جواره - صلى الله عليه وسلم -، واقتفائهم طريقه التي سلكها - صلى الله عليه وسلم -، فكل من جاء من المدينة من الآفاق، وسلك الطريق التي سلكها - صلى الله عليه وسلم -، وجب حقه عليه - صلى الله عليه وسلم - بتطفله على فسيح بابه، فمنح بالفضل العظيم الذي منه وجوب شفاعته - صلى الله عليه وسلم - له، لاستحقاقه إياها بالوعد الصادق منه - صلى الله عليه وسلم -، فصار لعدم تطرق احتمال خلف فيه كأنه واجب حقيقي، بل أبلغ منه إذ قد يوجد تخلف عن الواجبات من بعض المكلفين وشفاعته الخاصة المرادة في مثل هذا المقام لا تكون إلا لمن ختم له بالإيمان.
وهو رأس مال الدنيا والآخرة.
ومنه الإحرام مما أحرم منه - صلى الله عليه وسلم - لينال فضيلة مشقة مصابرة الإحرام من أبعد المواقيت.
وأيضا.
ينال فضيلة ابتاعه - صلى الله عليه وسلم - بالإحرام منه، فهي تربو على كل فضيلة.
ألا ترى إلى قول أئمتنا بتفضيل الحج راكبا على الحج ماشيا مع ما ورد فيه من الفضل مما لم يرد مثله في حق الراكب؟ قالوا: لكن في فضيلة الاتباع ما يربو على ذلك، وبتفضيل صلاة الظهر بمنى يوم النحر عليها في المسجد الحرام، فكيف بما حوى فضيلتي الاتباع وعظم المشقة؟ اه.
(قوله: ومن الشام الخ) معطوف على من المدينة، أي وهو للمتوجه من الشام ومصر والمغرب.
(قوله: الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهي قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهي أوسط المواقيت سميت بذلك لأن السيل أجحفها أي أزالها فهي الآن خراب، ولذلك بدلوها الآن برابغ، وهي قبل الجحفة بيسير، فالإحرام من رابغ مفضول
لتقدمه على الميقات إلا إن جهلت الجحفة، أو تعسر بها فعل السنن للإحرام من غسل ونحوه، أو خشي من قصدها على ماله، فلا يكون مفضولا.
(قوله: ومن تهامه اليمن) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من تهامه اليمن، وهي اسم للأرض المنخفضة، ويقابلها نجد، فإن معناه الأرض المرتفعة، واليمن الذي هو إقليم معروف، مشتمل على نجد وتهامة، وفي الحجاز مثلهما.
(وقوله: يلملم) بفتح التحتية أوله، أو يقال له ألملم بهمزة أوله.
ويقال له أيضا يرمرم براءين مهملتين.
وهو جبل من جبال تهامة، بينه وبين مكة مرحلتان طويلتان.
(قوله: ومن نجد واليمن والحجاز) معطوف أيضا على من المدينة، أي وهو للمتوجه من نجد واليمن والحجاز، أي من الأرض المرتفعة منهما كما تقدم.
وقوله: قرن بفتح القاف وسكون الراء، هو جبل على مرحلتين من مكة، ويقال له قرن المنازل، وقرن الثعالب.
وأما قرن بفتح الراء فهو اسم قبيلة ينسب إليها أويس القرني رضي الله عنه.
(قوله: ومن المشرق) معطوف على من المدينة أيضا، أي وهو للمتوجه من المشرق، وهو إقليم تشرق الشمس من جهته، شامل للعراق وغيره.
(وقوله: ذات عرق) هي قرية خربة في طريق من طرق الطائف، أرضها سبخة تنبت الطرفاء، بينها وبين مكة مرحلتان.
وعرق بكسر العين المهملة، وسكون الراء جبل صغير مشرف على وادي العقيق.
(تنبيه) قد نظم بعضهم المواقيت مع بيان مسافتها، فقال: قرن يلملم ذات عرق كلها * * في البعد مرحلتان من أم القرى ولذي الحليفة بالمراحل * * عشرة وبها لجحفة ستة فاخبر ترى والأصل فيها خبر الصحيحين: أنه - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.
وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة.
(قوله: وميقات العمرة لمن بالحرم الحل) أي فيلزمه الخروج إليه، ولو بأقل من خطوة، ليحصل له فيها الجمع بين(2/342)
الحرم والحل، كما في الحج فإنه فيه الجمع بين الحرم والحل بعرفة، فلو لم يخرج إليه، وأتى بالعمرة أجزأته، لكنه يأثم ويلزمه دم، إلا أن خرج إليه بعد إحرامه وقبل الشروع في شئ من أعمالها فلا دم، وكذا لا إثم إن كان وقت الإحرام عازما على هذا الخروج، وإلا أثم فقط.
(قوله: وأفضله الجعرانة) أي أفضل بقاع الحل الجعرانة أي لاعتماره - صلى الله عليه وسلم -
منها بنفسه، ولحكاية الأذرعي عن الجندي في فضائل مكة أنه اعتمر منها ثلثمائة نبي وهي بكسر الجيم، وسكون العين، وتخفيف الراء على الأفصح -: قرية في طريق الطائف، على ستة فراسخ من مكة، سميت باسم امرأة كانت ساكنة بها.
(قوله: فالتنعيم) أي فيليها في الرتبة التنعيم لامره - صلى الله عليه وسلم - السيدة عائشة بالاعتمار منها.
والتنعيم هو المكان المعروف بمساجد عائشة سمي بذلك لأن عن يمينه واديا يقال له ناعم، وعن يساره واديا يقال له نعيم، وهو في واد يقال له نعمان، بينه وبين مكة فرسخ.
(قوله: فالحديبية) أي فيلي التنعيم الحديبية، لأنه - صلى الله عليه وسلم - هم بالاعتمار منها فصده المشركون، فقدم فعله، ثم أمره، ثم همه.
والحديبية بتخفيف الياء على الأفصح بئر بين طريقي جدة والمدينة على ستة فراسخ من مكة، سميت بذلك لأن عندها شجرة حدباء، كانت بيعة الرضوان عندها.
(قوله: وميقات من لا ميقات له في طريقه) أي كأهل مصر والمغرب إذا سلكوا لجة البحر.
وفي البجيرمي ما نصه: لا يقال المواقيت متفرقة لجهات مكة، فكيف يتصور عدم محاذاته الميقات؟ فينبغي أن المراد عدم المحاذاة في ظنه، دون نفس الأمر، لأنا نقول يتصور بالجائي من سواكن إلى جدة، من غير أن يمر برابغ ولا بيلملم، لأنهما حينئذ أمامه، فيصل جدة قبل محاذاتهما، وهي على مرحلتين من مكة، فتكون هي ميقاته.
شرح حجر.
اه.
(قوله: محاذاة الميقات الوارد إن حاذاه) هذا إذا حاذى ميقاتا واحدا، فإن حاذى ميقاتين، أحرم من محاذاة أقربهما إليه، فإن استويا في القرب إليه أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة، ومن سكن بين مكة وبين الميقات فميقاته مسكنه.
(قوله: وإلا فمرحلتان) أي وإن لم يحاذ ميقاتا أحرم على مرحلتين من مكة، لأنه لا ميقات بينه وبين مكة أقل من هذه المسافة.
(قوله: فيحرم الجائي الخ) مفرع على قوله محاذاة الميقات الخ.
وقوله: من جهة اليمن متعلق بالجائي.
(وقوله: من الشعب) متعلق بيحرم.
(وقوله: المحرم) لعل في العبارة سقطا أي المسمى بالمحرم، أو الذي يقال له المحرم.
وقوله: الذي الخ صفة للشعب.
(قوله: ولا يجوز له) أي للجائي في البحر من جهة اليمن.
(قوله: خلافا لما أفتى به شيخنا) هو مصرح به في التحفة، ونصها: وبه يعلم أن الجائي من اليمن في البحر له أن يؤخر إحرامه من محاذاة يلملم إلى جدة، لأن مسافتها إلى مكة كمسافة يلملم كما صرحوا به.
قال الكردي بعد أن ساق العبارة المذكورة: وممن قال بالجواز: النشيلي مفتي مكة والفقيه أحمد بلحاج، وابن زياد اليمني وغيرهم.
وممن قال بعدم الجواز: عبد الله بن عمر بامخرمة، ومحمد بن أبي بكر الأشخر، وتلميذ الشارح عبد الرؤوف.
قال: لأن جدة أقل مسافة بنحو الربع كما هو مشاهد وإن وجد تصريح لهم بأن كلا من يلملم وجدة
مرحلتان، فمرادهم أن كلا لا ينقص عن مرحلتين، ولا يلزم منه استواء مسافتهما، لا سيما وقد حقق التفاوت الكثير ممن سلك الطريقين، وهم عدد كادوا أن يتواتروا.
قال ابن علان في شرح الإيضاح: وليس هذا مما يرجع لنظر في المدرك حتى يعمل فيه بالترجيح، بل هو أمر محسوس يمكن التوصل لمعرفته بذرع حبل طويل يوصل لذلك.
اه.
وفي البطاح ما نصه: قال ابن الجمال وما في التحفة مبني على اتحاد المسافة الظاهر من كلامهم، فإذا تحقق(2/343)
التفاوت فهو قائل بعدم الجواز قطعا، بدليل صدر كلامه النص في ذلك، وأيضا كل محل من البحر بعد رأس العلم أقرب إلى مكة من يلملم.
وقد قال بذلك في التحفة.
(1) وقال شيخنا السيد العلامة يوسف بن حسين البطاح الأهدل نقلا عن شيخنا السيد العلامة سليمان بن يحيى بن عمر مقبول رحمهم الله تعالى ما حاصله إن من أحرم من جدة من أهل اليمن يلزمه دم، وكل من وافق الشيخ ابن حجر - مثل ابن مطير، وابن زياد، وغيرهم من اليمنيين فكلامهم مبني على اتحاد المسافة بين ذلك، وقد تحقق التفاوت كما علمت فهم قائلون بعدم جواز ذلك، أخذا من نص تقييدهم المسافة.
اه.
(قوله: من جواز الخ) بيان لما.
وقوله: تأخيره أي الإحرام.
وقوله: إليها أي إلى جدة.
(قوله: وعلل) أي شيخه، الجواز، فالمفعول محذوف.
(قوله: بأن مسافتها) أي جدة.
(وقوله: إلى مكة) أي المنتهية إلى مكة.
فالجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمسافتها.
وقوله: كمسافة يلملم خبر أن.
وقوله: إليها أي إلى مكة.
(قوله: ولو أحرم من دون الميقات لزمه دم) هذا إن بلغه مريد النسك، ولو في العام القابل، وإن أراد إقامة طويلة ببلد قبل مكة، فإن بلغه غير مريد للنسك ثم عن له الإحرام من بعده، فميقاته حيث عن له، ولا يلزمه شئ، وهذا يسمى الميقات المعنوي.
(قوله: ولو ناسيا أو جاهلا) قال في التحفة: وساوى الجاهل والناسي غيرهما في ذلك لأن المأمور به يستوي في وجوب تداركه المعذور وغيره.
نعم، استشكل ما ذكر في الناسي للإحرام بأنه يستحيل أن يكون حينئذ مريدا للنسك.
وأجيب بأن يستمر قصده إلى حين المجاوزة، فيسهو حينئذ، وفيه نظر، لأن العبرة في لزوم الدم وعدمه بحاله عند آخر جزء من الميقات، وحينئذ: فسهوه إن طرأ عند ذلك الجزء فلا دم، أو بعده فالدم.
اه.
(قوله: ما لم يعد الخ) قيد في لزوم الدم.
أي يلزمه الدم مدة عدم عوده إلى الميقات قبل تلبسه بنسك بأن لم يعد أصلا، أو عاد بعد التلبس فإن عاد
إليه قبل التلبس بنسك سقط عنه الدم، لقطعه المسافة من الميقات محرما.
(قوله: ولو طواف قدوم) غاية في النسك المشترط عدم التلبس به.
أي ولو كان ذلك النسك طواف قدوم، فإذا عاد قبل الشروع فيه سقط عنه الدم، فإن عاد بعده لم يسقط.
(قوله: وأثم غيرهما) أي غير الناسي والجاهل.
وهذا هو الفارق بين الناسي والجاهل وغيرهما، فهما يلزمهما الدم من غير إثم، وهو يلزمه الدم مع الإثم.
(قوله: ومبيت بمزدلفة) معطوف على إحرام، وهذا هو الواجب الثاني من الواجبات.
(قوله: ولو ساعة) غاية لما يحصل به المبيت الواجب.
أي يحصل المبيت ولو بحضوره ساعة، والمراد بها القطعة من الزمن لا الساعة الفلكية.
وأفاد بهذه الغاية أن المبيت ليس المراد به معناه الحقيقي، بل المراد به مطلق الحصول بمزدلفة.
فإن قيل إذا كان معنى المبيت غير مراد هنا، فلم عبر به كغيره من الفقهاء؟ أجيب بأنه عبر به لمشاكلة المبيت بمنى، ثم إن الحصول بها كاف، وإن لم يطمئن، أو ظنها غير مزدلفة، أو كان بنية غريم، أو نائما، أو مجنونا، أو مغمى عليه، أو سكران.
__________
(1) (قوله: وقد قال بذلك في التحفة) عبارتها بعد العابر السابقة: بخلاف الجائى فيه من مصر، ليس له أن يوخر إحرامه عن محاذاة الحجفة لان كل محل من البحر بعد الجحفة أقرب إلى مكة منها - اه.
فقوله: وقد قال بذلك في التحفة: لعله الجحفة.
والمراد: قال بنظير ذلك في الجحفة - فوقع تصحيف من النساخ في الفظ الجحفة، على ظاهره.
والمراد: قال في التحفة في مبحث الجحفة بنظير ذلك هنا، أوق ال ذلك بطريق اللزوم، لانه من يلزم من حكمه بأن كل محل بعد الجحفة أقرب إلى مكة: الحكم بأن ك ل محل بعد رأس العلم من جهة يلملم: أقرب إلى مكة من يلملم - ثم رأيت في حاشية شيخنا على عبد الروف نقل عبار ابن الجمال وفيها لفظ الجحفة، فتعين حينئذ ضبط النسخ جميعها بها.
فتنبه لذلك.
اه مولف.(2/344)
واشترط م ر: أن يكون أهلا للعبادة كوقوف عرفة.
وجمع ابن الجمال بحمل كلام الرملي على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم.
اه.
وإنما لم يجب هنا معظم الليل كما في المبيت بمنى لأن الأمر بالمبيت لم يرد هنا بخلافه بمنى على المتعدين، وكلام غيره على غيرهم.
اه.
وإنما لم يجب هنا معظم الليل - كما في المبيت بمنى -.
(قوله: من نصف ثان من ليلة النحر) فمن لم يكن بها فيه - بأن لم يحضر فيها أصلا، أو حضر ونفر قبل نصف الليل ولم يعد إليها فيه - لزمه دم لتركه الواجب.
نعم، إن تركه لعذر - كأن خاف - أو انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن المبيت، أو أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ففاته المبيت، لم يلزمه شئ.
أفاده في شرح المنهج.
(قوله: ومبيت بمنى) معطوف أيضا على إحرام، وهو الواجب الثالث.
(قوله: معظم ليالي الخ) أي ويجب المبيت بها معظم ليالي أيام التشريق.
أي معظم كل ليلة منها بزيادة على النصف ولو لحظة - للاتباع - مع خبر: خذوا عني مناسككم.
واعلم أن منى طولا ما بين وادي محسر وأول العقبة التي بلصقها الجمرة.
فليست العقبة مع جمرتها منها على المعتمد وقيل إنهما منها.
والحاصل أن في المسألة رأيين أحدهما أن كلا من الجمرة والعقبة من منى، وهو ضعيف.
ثانيهما: أنهما ليسا منها، وهو المذهب.
وأما ما أفهمه قول بعضهم إن الجمرة منها دون العقبة إلا الجزء الذي عنده الجمرة، وأن من قال إن العقبة منها مراده ذلك الجزء، ومن قال ليست منها مراده بقيتها فهو رأي له استحساني ضعيف جدا لا مستند له، فلا يعول عليه.
(قوله: نعم، إن نفر الخ) إستدراك من قوله ليالي أيام التشريق الصادق بالليلة الثالثة، فإن ليالي جمع، وأقله ثلاثة.
(قوله: جاز) أي بشروط إذا فقد واحد منها تعين عليه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها.
فإن نفر حينئذ لزمه دم لترك رمي اليوم الثالث ومد لترك مبيت الليلة الثالثة إن بات الليلتين قبلها، وإلا لزمه دم أيضا لترك المبيت.
وهي أن يكون نفره بعد الزوال، وأن يكون بعد الرمي جميعه، وأن يكون قد بات الليلتين أو فاته بعذر، وأن ينوي النفر قبل خروجه من منى، وأن تكون نية النفر مقارنة له، وأن لا يعزم على العود للمبيت، وأن يكون نفره قبل الغروب.
وأفاد هذا الأخير المؤلف بقوله قبل غروب شمس.
ومعنى نفره قبل الغروب سيره منها بالفعل قبله، وإن لم ينفصل من منى إلا بعده، واختلفوا فيما لو غربت الشمس وهو في شغل الارتحال، فجرى ابن حجر والخطيب - تبعا لابن المقري - على أن له النفر، لأن في تكليفه حل الرحل والمتاع مشقة عليه، وجرى الرملي تبعا لشيخه شيخ الإسلام في الأسنى والغرر على عدم الجواز.
(قوله: وسقط عنه مبيت الليلة الثالثة ورمي يومها) أي من غير دم عليه، ومن غير إثم، لقوله تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) * (1) ولإتيانه بمعظم العبادة.
(قوله: المبيت في لياليها) أي أيام التشريق، ومثلها ليلة مزدلفة.
ولو ثنى الضمير لكان أولى.
(قوله: لغير الرعاء) بكسر الراء والمد، أما هم فيسقط عنهم المبيت، ولو لم
يعتادوا الرعي قبل، أو كانوا أجراء أو متبرعين.
لكن إن تعسر عليهم الإتيان بالدواب إلى منى، وخشوا من تركها لو باتوا ضياعا بنحو نهب، أو جوع لا يصبر عليه عادة، وخرجوا قبل الغروب.
وذلك لانه - صلى الله عليه وسلم - رخص لرعاء الإبل أن يتركوا المبيت بمنى.
وقيس بمنى مزدلفة، قال في النهاية: وصورة ذلك - أي خروجه قبل الغروب في مبيت مزدلفة - أن يأتيها قبل الغروب، ثم يخرج منها حينئذ على خلاف العادة.
اه.
ومثلها شرح الروض والمغني.
(قوله: وأهل السقاية) بالجر، عطف على الرعاء.
أي ولغير أهل السقاية - وهي بكسر السين - موضع كان بالمسجد الحرام يسقى فيه الماء
__________
(1) البقرة: 203(2/345)
ويجعل في حياض يسبل للشاربين.
والمراد بها ما هو أعم من ذلك، وهو الموضع الذي يسقى فيه الماء مطلقا، في المسجد الحرام، أو في غيره، قديما كان أو حادثا.
وخرج بغير أهل السقاية أهلها، فيسقط عنهم المبيت، لانه - صلى الله عليه وسلم - رخص للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى لأجل السقاية.
رواه الشيخان.
وقيس بسقاية العباس غيرها من بقية السقايات.
ولا فرق في سقوط ذلك بين أن يخرجوا ليلا أو نهارا.
والفرق بينهم وبين أهل الرعاية حيث اعتبر خروجهم قبل الغروب أن هؤلاء شغلهم ليلا ونهارا، بخلاف أهل الرعاية.
قال ابن الجمال: وهذا باعتبار الشأن أي الغالب فلو فرض الاحتياج إلى الرعي ليلا دون السقاية انعكس الحكم.
اه.
ويسقط المبيت مطلقا أيضا عن خائف عن نفس، أو عضو، أو بضع، أو مال - وإن قل ويسقط مبيت مزدلفة عمن أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للركن ولم يمكنه العود لمزدلفة بعده كما تقدم والأولى لأهل السقاية والرعاية تأخير الرمي يوما فقط، فيؤدونه في اليوم الثاني قبل رميه، ولو قبل الزوال.
واعلم أن العذر في المبيت يسقط الدم والإثم، وفي الرمي يسقط الإثم فقط.
(قوله: وطواف الوداع) بالرفع، معطوف على إحرام أيضا، وقد علمت أن عده من واجبات الحج رأي ضعيف، والمعتمد أنه واجب مستقل.
وعبارة الإيضاح: اختلف أصحابنا في أن طواف الوداع من جملة مناسك الحج أم عبادة مستقلة؟ فقال إمام الحرمين: هو من مناسك الحج، وليس على غير الحج طواف الوداع إذا خرج من مكة.
وقال البغوي وأبو سعيد المتولي وغيرهما ليس هو من المناسك، بل يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة تقصر
فيها الصلاة سواء كان مكيا أو غير مكي.
قال الإمام أبو القاسم الرافعي: هذا الثاني هو الأصح، تعظيما للحرم، وتشبيها لاقتضاء خروجه للوداع باقتضاء دخوله للإحرام، ولأنهم اتفقوا على أن من حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من المناسك لعم الجميع.
اه.
(قوله: لغير حائض) أما هي: فلا يجب عليها طواف الوداع.
ومثل الحائض النفساء، وذو الجرح الذي لا يأمن تلويث المسجد منه، وفاقد الطهورين، والمستحاضة في زمن نوبة حيضها، والخائف على نفس، أو بضع أو مال تأخر له.
قال الكردي: فهذه الأعذار تسقط الدم والإثم.
وقد يسقط العذر الإثم لا الدم فيما إذا لزمه وخرج عامدا عالما عازما على العود قبل وصوله لما يستقر به وجوب الدم، ثم تعذر العود.
وترك طواف الوداع بلا عذر ينقسم على ثلاثة أقسام أحدها: لا دم ولا إثم، وذلك في ترك المسنون منه، وفيمن عليه شئ من أركان النسك، وفيمن خرج من عمران مكة لحاجة ثم طرأ له السفر.
ثانيها عليه الإثم ولا دم، وذلك فيما إذا تركه عامدا عالما وقد لزمه بغير عزم على العود ثم عاد قبل وصوله لما يتسقر به الدم، فالعود مسقط للدم لا للإثم.
ثالثها ما يلزمه بتركه الإثم ثم الدم، وذلك في غير ما ذكر من الصور.
اه.
بحذف.
(قوله: ومكي) أي ولغير مكي، أما هو فلا يجب عليه طواف الوداع.
والمراد بالمكي: من هو مقيم بمكة سواء كان مستوطنا أو غيره فشمل الآفاقي الذي نوى الإقامة بعد حجه بمكة.
(قوله: وإن لم يفارق الخ) الجملة صفة لمكي، فهو قيد له فقط، فإن فارق المكي مكة وجب عليه كغيره طواف الوداع إن كان سفره طويلا.
(وقوله: بعد حجة) لبيان الواقع، فهو لا مفهوم له، وذلك لأن الفرق أنه من المناسك، فهو لا يكون إلا بعدها.
(قوله: ورمي) بالرفع، عطف على إحرام.
وهذا هو الواجب الخامس، ولصحته شروط، ذكر بعضها المؤلف، وهي الترتيب في الزمان والمكان والأبدان.
ومعنى الأول: أنه لا يرمي عن يومه إلا إذا رمى عن أمسه.
ومعنى الثاني أنه لا يرمي الجمرة الثانية إلا إذا رمى الأولى ولا يرمي الثالثة إلا إذا رمى الثانية.
ومعنى الثالث أنه لا يرمي عن غيره حتى يرمي عن نفسه، وأن يكون سبعا، وأن(2/346)
لا يصرف الرمي بالنية لغير النسك كرمي عدو أو اختبار جودة رميه - وأن يكون بما يسمى حجرا ولو بلورا، وعقيقا، وزبرجدا، ومرمرا - لا لؤلؤ، وذهب، وفضة، ونورة طفئت، وجص طبخ، وآجر، وخزف، وملح.
وأن يكون قاصدا المرمى.
فلو قصد غيره لم يكف، وإن وقع فيه كرميه نحو حية في الجمرة، ورميه العلم المنصوب في الجمرة عند ابن حجر قال: نعم، لو رمى إليه بقصد الوقوع في المرمى وقد علمه فوقع فيه، اتجه الإجزاء لأن قصده غير صارف حينئذ
اه.
قال عبد الرؤوف: والأوجه أنه لا يكفي وكون قصد العلم حينئذ غير صارف ممنوع، لأنه تشريك بين ما يجزئ وما لا يجزئ أصلا.
اه.
وفي الإيعاب: أنه يغتفر للعامي ذلك، واعتمد م ر إجزاء رمي العلم إذا وقع في المرمى، قال: لأن العامة لا يقصدون بذلك إلا فعل الواجب، والمرمى هو المحل المبني فيه العلم ثلاثة أذرع من جميع جوانبه، إلا جمرة العقبة فليس لها إلا جهة واحدة.
وأن يكون رميا فلا يكفي الوضع في المرمى -، وأن يكون باليد، فلا يكفي بنحو رجله وقوسه مع القدرة - فإن عجز عنه باليد قدم القوس، فالرجل، فالفم.
وقد نظمها بعضهم فقال: شروط رمي للجمار ستة * * سبع بترتيب، وكف، وحجر، وقصد، مرمى - يا فتى - وسادس * * تحقق - لأن يصيبه الحجر (قوله: إلى جمرة العقبة) متعلق برمي، وهي السفلى من جهة مكة.
قال في التحفة: والسنة لرامي هذه الجمرة أن يستقبلها، ويجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه كما صححه المصنف خلافا للرافعي في قوله إن يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة.
هذا في رمي يوم النحر، أما في أيام التشريق، فقد اتفقا على استقبال الكعبة كما في بقية الجمرات.
ويحسن إذا وصل منى أن يقول ما روي عن بعض السلف: اللهم هذه منى قد أتيتها وأنا عبدك وابن عبديك، أسألك أن تمن علي بما مننت به على أوليائك.
اللهم إني أعوذ بك من الحرمان والمصيبة في ديني يا أرحم الراحمين.
قال: وروى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما لما رميا جمرة العقبة قالا: اللهم اجعله حجا مبرورا، وذنبا مغفورا.
اه.
(قوله: بعد انتصاف ليلة النحر) متعلق برمي أيضا، وهو بيان لوقت جواز رمي جمرة العقبة، أما وقت الفضيلة فبعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وهذا الرمي تحية منى، فالأولى أن يبدأ به فيها قبل كل شئ، إلا لضرورة، أو عذر كزحمة، أو انتظار وقت فضيلة لمن تقدم دخوله إليها قبل ارتفاع الشمس.
(قوله: سبعا) مفعول مطلق لرمي، أي رميا سبعا.
(قوله: وإلى الجمرات الثلاث) معطوف على إلى جمرة العقبة.
أي ورمي إلى الجمرات الثلاث.
(قوله: بعد زوال إلخ) متعلق برمي بالنسبة إلى الجمرات، أي ويكون الرمي إلى الجمرات الثلاث بعد الزوال، فلا يصح الرمي قبل الزوال.
وهذا بالنسبة لرمي اليوم الحاضر، أما بالنسبة لرمي اليوم الغائب فيتدارك في بقية أيام التشريق، ولو كان قبل الزوال.
(واعلم) أن الرمي أيام التشريق ثلاثة أوقات: وقت فضيلة: وهو بعد الزوال.
ووقت اختيار: وهو إلى غروب شمس كل يوم.
ووقت جواز: وهو إلى آخر أيام التشريق.
(قوله: سبعا) مفعول مطلق، أي يرميها رميا سبعا.
وسبعا الثانية مؤكدة للأولى.
(قوله: مع ترتيب) متعلق بمحذوف صفة لرمي.
أي رمي الجمرات الثلاث كائن مع ترتيب بينها، بأن يبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي عرفة، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.
وهذا ترتيب في المكان، وهو أحد أقسام الترتيب الثلاثة، وقد تقدم التنبيه عليها.
(قوله: بحجر) متعلق برمي.
أي رمي بحجر.
وخرج به غيره، فلا يصح الرمي به، وذلك كاللؤلؤ، والإثمد، والنورة والجص المحرقين، والزرنيخ، والمدر، والآجر، والخزف، والملح، والذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص.(2/347)
(قوله: أي بما يسمى به) أي أن المراد به هنا كل ما يطلق عليه حجر من أي جنس، ومنه الكذان بفتح الكاف، فذال مشددة وهو حجارة رخوة كأنها مدر، ومنه المرمر وهو الرخام.
(قوله: ولو عقيقا وبلورا) أي ولو كان الذي يسمى حجرا من الأحجار النفسية كالياقوت والبلور وهذا بالنسبة للإجزاء لا بالنسبة للجواز، فيحرم الرمي به إن ترتب عليه كسر أو إضاعة مال.
وعبارة النهاية نعم، قال الأذرعي يظهر تحريم الرمي بالياقوت ونحوه إذا كان الرمي يكسرها ويذهب معظم ماليتها، ولا سيما النفيس منها، لما فيه من إضاعة المال والسرف، والظاهر أنه لو غصبه أو سرقه ورمى به، كفى.
ثم رأيت القاضي ابن كج جزم به، قال: كالصلاة في المغصوب.
اه.
(قوله: ولو ترك رمي يوم) أي أو يومين، عمدا كان أو سهوا أو جهلا.
(قوله: تداركه في باقي أيام التشريق) أي ويكون حينئذ أداء، وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام جوزه للرعاة وأهل السقاية، وقيس عليهم غيرهم.
وأفهم قوله في أيام التشريق: أنه ليس له تداركه في لياليها، والمعتمد جوازه فيها أيضا، وجوازه قبل الزوال.
بل جزم الرافعي وتبعه الأسنوي وقال: إنه المعروف بجواز رمي كل يوم قبل الزوال، وعليه، فيدخل بالفجر.
(قوله: وإلا لزمه دم) أي وإن لم يتداركه في باقي أيام التشريق بأن لم يتداركه أصلا، أو تداركه بعد أيام التشريق لزمه دم، وسيأتي بيانه.
(وقوله: بترك ثلاث رميات) وصورة ذلك لا تكون إلا في آخر جمرة من آخر أيام التشريق، إذ لو تركها من غير ذلك لما صح رمي ما بعدها، فلا يكون المتروك ثلاث رميات فقط.
وإذا ترك رمي واحدة لزمه مد، أو رميتين لزمه مدان.
وصورة ذلك ما تقدم.
(قوله: وتجبر، أي الواجبات، بدم) أي إذا ترك واحدا منها جبر بدم.
وهذا مكرر مع قوله في تعريف الواجبات وهي ما يجب بتركه الفدية.
فكان الأولى أن يقتصر على ما هنا، يتركه هناك، لا العكس، لأن ما هنا متن، وما هناك شرح، والأولى للشارح أن يراعي المتن.
(قوله: وتسمى هذه أبعاضا) أي يطلق عليها أبعاض، لكن على سبيل المجاز، لا الحقيقة، لأن الأبعاض الحقيقية هي أجزاء الماهية التي إذا فقد واحد
منها فقدت الماهية.
والواجبات هنا ليست كذلك.
(قوله: وسننه إلخ) هي كثيرة.
منها: أنه يستحب للإمام أو نائبه أن يخطب بمكة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر أو الجمعة خطبة فردة، يأمرهم فيها بالغدو إلى منى في اليوم الثامن، ويعلمهم فيها ما أمامهم من المناسك، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس وأخبرهم بمناسكهم رواه البيهقي.
ويخرج بهم من غد بعد صلاة الصبح إن لم يكن يوم جمعة إلى منى، فيصلي بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيتون بها، فيصلي بهم الصبح، فإذا طلعت الشمس على ثبير وهو جبل كبير معروف هناك ساروا من منى إلى عرفات، ولا يدخلونها، بل يقيمون بنمرة وهي موضع بقرب عرفة حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس ذهبوا إلى مسجد إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -، ثم يخطب الإمام بهم قبل صلاة الظهر خطبتين خفيفتين، يعلمهم في الأولى المناسك، ويحثهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف، وإذا قام للثانية أذن للظهر، فيفرغ المؤذن مع فراغها، ثم يقيم، ويصلي بالناس الظهر والعصر جمع تقديم، ويقصرهما أيضا إذا كانوا مسافرين سفرا طويلا، ويأمر المكيين ومن لم يبلغ سفره مسافة القصر بالإتمام وعدم الجمع.
ثم بعد فراغهم من الصلاة يذهبون إلى الموقف ويعجلون السير إليه.
وأفضله للذكر موقفه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عند الصخرات الكبار المفترشة في أسفل جبل الرحمة، فإذا غربت الشمس قصدوا مزدلفة، مارين على طريق المأزمين، وعليهم السكينة والوقار.
وأخروا المغرب ليصلوها مع العشاء بمزدلفة جمع تأخير، ويقفون عند المشعر الحرام، ويدعون بها إلى الإسفار، ثم يسيرون قبل طلوع الشمس بسكينة ووقار، وشعارهم التلبية والذكر، فإذا وجدوا فرجة أسرعوا.
فإذا بلغوا وادي محسر موضع بين مزدلفة ومنى - أسرعوا في المشي حتى يقطعوا عرض الوادي.
ويسن أن يقول فيه ما قاله عمر وابنه رضي الله عنهما.(2/348)
إليك تعدو قلقا وضينها * * معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها * * قد ذهب الشحم الذي يزينها ومعناه: إن ناقتي تعدو إليك بسرعة في طاعتك قلقا وضينها.
والوضين حبل كالحزام من كثرة السير والإقبال التام والاجتهاد في طاعتك، والمراد صاحب الناقة.
(قوله: غسل، فتيمم) أي فإن عجز عن الغسل فسن تيمم، لأن الغسل يراد للقربة والنظافة، فإذا تعذر أحدهما بقي
الآخر، ولأنه ينوب عن الواجب، فالمندوب أولى.
قال في التحفة: ولو وجد من الماء بعض ما يكفيه، فالذي يتجه أنه إن كان ببدنه تغير أزاله به، وإلا فإن كفى الوضوء توضأ به، وإلا غسل بعض أعضاء الوضوء، وحينئذ إن نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل، وإلا كفى تيمم الغسل.
فإن فضل شئ عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه.
(وقوله: لإحرام) متعلق بكل من غسل فتيمم.
ويسن ما ذكر من الغسل والتيمم له لك أحد، في كل حال، ولو لنحو حائض، وإن أرادته قبل الميقات، ويكره تركه.
وغير المميز يغسله وليه، وينوي عنه.
(قوله: ودخول مكة) معطوف على إحرام، أي ولدخول مكة.
وعبارة التحفة مع الأصل ولدخول الحرم، ثم لدخول مكة، ولو حلالا للاتباع.
نعم، قال الماوردي: لو خرج منها فأحرم بالعمرة من نحو التنعيم، واغتسل منه لإحرامه، لم يسن له الغسل لدخولها، بخلاف نحو الحديبيه أي مما يغلب فيه التغير وأخذ منه أنه لو أحرم من نحو التنعيم بالحج لكونه لم يخطر له إلا حينئذ أو مقيما ثم، بل وإن أخر إحرامه تعديا واغتسل لإحرامه لا يغتسل لدخوله.
ويؤخذ منه أنه لو اغتسل لدخول الحرم، أو لنحو استسقاء بمحل قريب منها لا يغتسل لدخولها أيضا.
ويتجه أن هذا التفضيل إنما هو عند عدم وجود تغير، وإلا سن مطلقا.
اه.
(قوله: ولو حلالا) غاية في سنية الغسل لدخول مكة، أي يسن الغسل له ولو كان حلالا أي غير محرم قال في النهاية: قال السبكي: وحينئذ لا يكون هذا من أغسال الحج إلا من جهة أنه يقع فيه.
اه.
(قوله: بذي طوى) متعلق بغسل المرتبط بدخول مكة.
أي ويسن الغسل لدخول مكة بذي طوى للاتباع.
رواه الشيخان.
وطوى بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها واد بمكة على طريق التنعيم، وسمي بذلك لاشتماله على بئر مطوية بالحجارة أي مبنية بها لأن الطي: البناء.
قال في شرح الروض: هذا أي استحباب الغسل فيها - إن كانت بطريقه، بأن أتى من طريق المدينة، وإلا اغتسل من نحو تلك المسافة.
قال المحب الطبري: ولو قيل يستحب له التعريج إليها والاغتسال بها اقتداء وتبركا، لم يبعد.
قال الأذرعي: وبه جزم الزعفراني.
اه.
(قوله: ووقوف بعرفة) معطوف على إحرام أي ولوقوف بعرفة.
وقوله: عشيتها: أي عرفة.
والأفضل: كونه بنمرة بعد الزوال.
ويحصل أصل السنة بالغسل بعد الفجر قياسا على غسل الجمعة.
(قوله: وبمزدلفة) معطوف على بعرفة.
أي وللوقوف بمزدلفة، ويدخل وقت هذا الغسل بنصف الليل كغسل العيد فينويه به أيضا.
(قوله: ولرمي أيام التشريق) معطوف على الإحرام.
أي ولرمي كل يوم من أيام التشريق قبل زواله أو بعده (قوله: وتطيب) معطوف على غسل، أي ويسن تطيب للذكر وغيره غير الصائم.
(وقوله: في البدن) اتفاقا.
(وقوله: والثوب) أي الإزار، والرداء على الأصح - قياسا على البدن قال في التحفة: لكن المعتمد ما في المجموع أنه لا يندب تطيبه جزما،
للخلاف القوي في حرمته.
ومنه يؤخذ أنه مكروه، كما هو قياس كلامهم في مسائل صرحوا فيها بالكراهة، لأجل الخلاف في الحرمة.
ثم رأيت القاضي أبا الطيب وغيره صرحوا بالكراهة.
اه.
(قوله: ولو بما له جرم) غاية لسنية التطيب، أي يسن ولو بما له جرم.
لكن لو نزع ثوبه المطيب بعد الإحرام ثم لبسه، لزمته الفدية كما لو ابتدأ لبس مطيب.
(قوله: قبيلة) ظرف متعلق بتطيب.
وخرج به التطيب بعده، فإنه يضر كما سيذكره.
(وقوله: أي الإحرام) تفسير للضمير.
(قوله: وبعد الغسل) معطوف على قبيله، أي ويسن قبل الإحرام أو بعد الغسل، لتدوم رائحة الطيب.
بخلافه قبله فإنها تذهب به.
(قوله: لا يضر استدامته) أي الطيب في البدن والثوب، لما روي عن عائشة رضي الله عنها: كأني أنظر إلى وبيص(2/349)