مقدمة (*)
الحمد لله العلي العظيم، حمداً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه الكريم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وصلى الله وسلم على آله وعترته الطاهرين الطيبين، وصحبه السادة المقربين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
وبعد.. فهذا كتاب التهذيب في اختصار المدونة، أو تهذيب المدونة والمختلطة، للإمام الفقيه البارع خلف بن أبي القاسم البراذعي القيرواني، أحسن في إيجازه واختصاره دون بسط وانتشار حتى يكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه وعدة لتذكرته، فقد اتسم بسلامة اللفظ، ودقة الأسلوب، وتصحيح الروايات باتصال سند روايته لسحنون.
فدعاني ذلك إلى أن أقوم بتحقيقه وضبطه وتصحيحه معتمداً على النسخ الخطية المتعددة، متجنباً إثبات الفروض خشية الإطالة على الباحث، ثم التعليق على بعض مسائله المهمة، وتخريج أحاديثه وآثاره، وشرح غريب ألفاظه، وعرضه على المدونة الكبرى وما نقل عنها، وكذلك قمت بترقيم مسائله ترقيماً تقريبياً، حتى تتسم الفائدة، وعمل فهرس ليسهل على القارئ الاستفادة منه، وعمل مقدمة تشمل التعريف بالمصنف، وقيمة الكتاب العلمية، ونسخه الخطية، ووضع رسالة التعريف بأصحاب مالك لابن عبد البر النمري القرطبي المتوفى سنة 463هـ.
وقد طُبع الكتاب أثناء عملي في الكتاب، مما ساعد في إتمام النفع، فجزى الله من قام على إخراجه خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
هذا والله الموفق للخير والصواب، وما فيه النجاح والفلاح للعباد، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
* * *
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من مقدمة الطبعة التي علق عليها أحمد فريد المزيدي(/)
ترجمة مختصرة للمصنف (*)
هو الشيخ الفقيه الإمام خلف بن أبي القاسم محمد الأزدي القيرواني البراذعي، وقيل: البرادعي.
لم يعرف تحديداً سنة ولادته، وكذلك وفاته. قال عن نفسه لطلبته:
فخذ بعلمي ولا تنظر إلى عملي ... كلّ الثمار وخلّ العود للنار
من شيوخه:
1 - أبو القاسم بن خلف بن شبلون، توفي سنة 390هـ.
2 - أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري، ابن القابسي، توفي سنة 403هـ.
3 - أبو محمد عبد الله بن أبي زيد النفري القيرواني، توفي سنة 386هـ.
4 - أبو بكر هبة الله بن محمد بن أبي عقبة التميمي، توفي سنة 369هـ.
5 - أبو سعيد خلف بن عمر بن هشام الربعي الحناط، توفي سنة 373هـ.
ومن تلامذته:
1 - أبو الوليد حجاج بن محمد بن عبد الملك بن حجاج، اللخمي المركيشي الإشبيلي توفي سنة 429هـ.
2 - أبو بكر أحمد بن أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القاضي توفي سنة 460هـ.
3 - أبو بكر محمد بن مغيرة القرشي.
4 - أبو بكر بن عتيق بن فرج.
من مصنفاته:
1 - تهذيب المدونة، كتابنا هذا.
2 - تمهيد مسائل المدونة.
3 - الشرح والتتمات لمسائل المدونة.
4 - مختصر الواضحة لعبد الملك بن حبيب.
5 - الوعظ.
وانظر ترجمته: ترتيب المدارك لعياض (7/256) وسير أعلام النبلاء (17/343) ، والأعلام للزركلي (2/311) ، والديباج المذهب لابن فرحون (1/349) ، وشجرة النور الزكية لمخلوف (1/105) ، وهدية العارفين للبغدادي (5/347) ، وتاريخ الأدب لبروكلمان (3/290) .
* * *
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من مقدمة الطبعة التي علق عليها أحمد فريد المزيدي(/)
قيمة الكتاب وصحة نسبته (*)
لمصنفه ونسخه الخطية
قال القاضي عياض: وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، وتيمنوا بدرسه وحفظه وعليه مُعَوّل أكثرهم بالمغرب والأندلس.
وقال ابن ناجي: ومن ينظر مدونة سُحنون الذي هو اختصارها يعلم فضيلة البراذعي في اختصاره.
ويقول التجيبي: وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه بمغربنا الأقصى، وسموا بدراسته وحفظه، وعليه معول جماعة من الفقهاء اليوم بفاس دار فقه المغرب، والمناظرة في جميع حلق التدريس إنما هي به.
وقال ابن خلدون: يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسهم.
والكتاب ذكره لمصنفه كل من ترجم للمصنف.
النسخ الخطية للكتاب:
1 - نسخة المكتبة البلدية بالإسكندرية، رقم (5152) ومنها نسخة بدار الكتب 9 مالكي، وبمعهد المخطوطات العربية، القاهرة.
2 - نسخة المكتبة الأزهرية، رقم 3126.
3 - نسخة أحمد الثالث، استسانيول، تركيا، رقم 872، وعنها صورة فيلمية بمعهد المخطوطات العربية، القاهرة.
4 - نسخة المكتبة الظاهرية، رقم 6354.
5 - نسخ المكتبة الأحمدية، بتونس، 2629، 2630، 2631.
6 - نسخة المكتبة العاشورية، تونس، 120 ف. أ.
7 - نسخ دار الكتب الوطنية تونس، 2323، 3554، 4834، 5945.
8 - مكتبة النيفر، 276.
9 - مكتبة حس عبد الوهاب رقم 18012.
10 - نسخ المكتبة العبدلية: 1719، 1720، 5071، 1991.
11 - نسخ خزانة القرويين بفاس: 321، 322، 323، 324، 325، 1118، 1119.
12 - نسخة جامعة القرويين رقم 40/320.
13 - نسخة الخزانة العامة بالرباط، 834، الكتانية، وعنها نسخة بمعهد المخطوطات العربية من مصورات اليونسكو، وهي ناقصةالآخر.
14 - نسخة الزاوية الحمزية، رقم 90.
15 - نسخة خزانة بن يوسف بمراكش رقم 35.
16 - نسخة اسكوريال، إسبانيا، رقم 995.
17 - نسخة دار الكتب المصرية، مكتبة طلعت، رقم 95.
18 - نسخة المكتبة الأزهرية رقم 1654.
19 - نسخ المكتبة الوطنية، باريس، 1051، 1052، 1053، 1054.
* * *
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من مقدمة الطبعة التي علق عليها أحمد فريد المزيدي(/)
التعريف بأصحاب مالك (*)
لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري القرطبي
المتوفى سنة 463 هـ
ترجمة ابن عبد البر
هو العلامة حافظ المغرب، شيخ الإسلام، علم الأعلام: أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري الأندلسي، القرطبي المالكي.
صاحب التصانيف الفائقة الرائقة، التي صارت بها الركبان إلى الأقطار والبلدان.
ولد في سنة ثمان وستين وثلاث مائة في شهر ربيع الآخر، وقيل: في جمادي الآخرة، فاختلفت الروايات في الشهر عنه.
وطلب العلم بعد التسعين وثلاث مائة، وأدرك الكبار، وطال عمره، وعال سنده، وتكاثر عليه الطلبة، وجمع وصنف، ووثق وضعف، وسارت بتصانيفه الركبان، وخضع لعلمه علماء الزمان.
وفاته السماع من أبيه، فإنه مات قديماً في سنة ثمانين وثلاث مائة، فكان فقيهاً عابداً متهجداً. عاش خمسين سنة، وكان قد تفقه على التُجيبي.
وسمع من: أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن سنن أبي داود، بروايته عن ابن داسة.
وحدث أيضاً عن إسماعيل بن محمد الصفار، بالناسخ والمنسوخ لأبي داود، عن أبي بكر النجاد، وناوله (مسند أحمد بن حنبل) بروايته عن القطيعي.
وسمع من المعمر محمد بن عبد الملك بن ضيفون أحاديث الزعفراني بسماعه من ابن الأعرابي عنه.
وقرأ تفسير محمد بن سنجر، في مجلدات.
وقرأ على أبي القاسم عبد الوارث بن سفيان (موطأ) ابن وهب بروايته عن قاسم بن أصبغ، عن ابن وضاح، عن سُحنون وغيره عنه.
وسمع من سعيد بن نصر مولى الناصر لدين الله عنه، وسمع منه في سنة تسعين وثلاثمائة، كتاب (المشكل) لابن قتيبة، وقرأ عليه (مسند الحميدي) وأشياء.
وسمع من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجور (المدونة) .
وسمع من خلف بن القاسم بن سهل الحافظ (تصنيف عبد الله بن عبد الحكم) .
وسمع من الحسين بن يعقوب البجائي.
وقرأ على عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الوهراني (موطأ) ابن القاسم.
وقرأ على أبي عمر الطلمنكي أشياء.
وقرأ على الحافظ أبي الوليد ابن الفرضي (مسند مالك) .
وسمع من يحيى بن عبد الرحمن، ومحمد بن رشيق، وأبي المطرف عبد الرحمن بن مروان القنازعي.
وسمع من أحمد بن فتح الرسان، وأبي عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن الباجي، وأبي عمر أحمد بن عبد الملك المسكوي، وأحمد بن القاسم الناهرتي، وعبد الله بن محمد ابن أسد الجهني، وأبي حفص عمر بن الحسين بن نابل، ومحمد بن خليفة الإمام..وعدة.
حدث عنه:
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من مقدمة الطبعة التي علق عليها أحمد فريد المزيدي(/)
أبومحمد بن حزم، وأبو محمد بن أبي قُحافة، وأبو العباس بن دليهات الدلآئي، وأبو الحسن بن مفوز عمران بن موسى بن تليد، وطائفة سواهم.
وقد أجاز له من ديار مصر: أبو الفتح بن سيبخت صاحب البغوي، وعبد الغني بن سعيد الحافظ، وأجاز له من الحرم أبو الفتح عبد الله السقطي، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن عبد الله بن موهب الجذامي.
قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر، عالم بالقراءات وبالخلاف، وبعلوم الحديث والرجال، قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي.
وقال أبو علي الغساني: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل: ابن القاسم بن محمد وأحمد بن خالد الجباب.
ثم قال أبو علي: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما، ولا متخلفاً عنهما وكان من النمر ابن قاسط، طلب وتقدم، ولزم أبا عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه، ولزم أبا الوليد الفرضي، ودأب في علم الحديث، وافتنّ به وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس، وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار، جلا عن وطنه، فكان في الغرب مدة، ثم تحول إلى شرق الأندلس، فسكن دانية وبلنسية وشاطبة، وبها توفى.
وذكر غير واحد أن أبا عمر ولي قضاء أشبونة مدة.
ثناء العلماء عليه:
قال أبو القاسم بن بشكوال: ابن عبد البر إمام عصره.
وقال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر في الحديث، وهو أحفظ أهل المغرب.
وقال ابن حزم: لا أعلم أحداً في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه.(/)
وقال الذهبي: كان إماماً ديناً، ثقة، متقناً، علاّمة، متبحراً، صاحب سنة واتباع، وكان أولاً أثرياً ظاهرياً فيما قيل، ثم تحول مالكياً، مع ميل في الفقه الشافعي في مسائل، ولا ينكر له ذلك، فإنه بلغ منزلة ورتبة الأئمة المجتهدين، ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم، وقوة الفهم وسيلان الذهن، وكل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب الروضة المعصوم، ولكن إذا أخطأ إمام في اجتهاده لا ينبغي لنا أن ننسى محاسنة، ونغطي معارفه، بل نستغفر له، ونعتذر عنه.
مصنفاته:
1- التمهيد لمعرفة ما في الموطأ والمعاني من الأسانيد.
2- الاستذكار لمذهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار.
3- الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
4- جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله.
5- الكافي في مذهب مالك.
6- الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو.
7- التقصي في اختصار الموطأ.
8- الانتقاء لمذهب الثلاثة الفقهاء.
9- البيان في تلاوة القرآن.
10- القصد والأمم في نسب العرب والعجم.
11- الشواهد في إثبات خبر الواحد.
12- الإنصاف في أسماء الله.
13- الأجوبة الموعبة.
14- المغازي.
15- الفرائض.
16- بهجة المجالس وأنس الجالس.
17- أشعار أبي العتاهية.
18- التعريف برواة مالك (وهو كتابنا هذا) .
وفاته:
قال أبو داود المقرئ مات أبو عمر ليلة الجمعة سلخ ربيع الأول سنة ثلاث وستين وأربعمائة، واستكمل خمساً وتسعين سنة وخمسة أيام -رحمه الله-.
مصادر الترجمة:
1- جمهرة أنساب العرب (302) .
2- جذوة المقتبس (367) .
3- ترتيب المدارك (4/308) .
4- فهرست ابن خير (214) .
5- وفيات الأعيان (7/660) .
6- السير (18/153) .
7- تذكرة الحفاظ (1123) .
8- العبر (3/255) .
9- دول الإسلام (1/273) .
10- المشتبه (1/117) .
وصف المخطوط
المخطوط من محفوظات مكتبة فيض الله بإيران تحت رقم 2169 وعنها نسخة ميكروفيلمية بمعهد المخطوطات العربية رقم 4 فقه مالكي، وعدد ورقاته 9 ورقات ذات وجهين.(/)
وهي مكتوبة بخط نسخ مشرقي رديء، وبها رطوبة شديدة، وقد كتبها لنفسه:
محمد بن علي بن عبد الملك بن عبد العزيز القرشي، المعروف بابن القاهري. من خط الحافظ أبي الحسن علي المقدسي مقابلة عليها، وذلك سنة 637 من الهجرة.
والله الهادي إلى سواء السبيل
* * *
وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً
أخبرنا الشيخ الفقيه الأجل الثقة: أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح القرشي، المعروف بابن رواج. فقرأ عليه بمسجده بثغر الإسكندرية. قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن عمرو بن مؤمن الأنصاري. قد مر علينا بالإسكندرية. قال: أنبأنا أبو الحسن علي بن مؤمن الأنصاري الحداقي قال: نا: أبو عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري في كتابه قال: سألتم رحمكم الله عن التعريف بابن وهب وابن القاسم وأشهب؟ فخذوا الجواب منهم ومن حضرني ذكره من نظرائهم من أهل الفقه، من أصحاب مالك. رضي الله عنهم أجمعين
1- عبد الله بن وهب
ابن مسلم مولى ريحانة، مولاة أبي عبد الرحمن بن يزيد بن أنيس الفهري.
يُكنى: أبا محمد. ولد بمصر سنة خمس وعشرين ومائة في ذي القعدة.
وقيل: بل ولد سنة أربع وعشرين ومائة. وفي هذا العام مات ابن شهاب -رحمه الله.
وروى ابن وهب عن مالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن أبي ذئب وأبي صخر جملية بن زياد حُميد بن هاني، ويونس بن يزيد، ونحو أربعمائة رجل من شيوخ المحدثين بمصر والحجاز والعراق منهم:
سفيان الثوري، وابن عيينة، وجرير بن حازم، ومن هو أسن من هؤلاء كابن جريج وعبد الرحمن بن زياد الأفريقي وسعيد ين أيوب وغيرهم.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن وهب المصري: ثقة.
وقال أحمد بن حنبل: عبد الله بن وهب صحيح الحديث يفضل السماع من العرض والحديث من الحديث، ما أصحّ حديثه وأثبته. فقيل له: أليس كان سيئ الأخذ؟.(/)
قال: قد كان سيئ الأخذ، ولكن إذا نظرت في حديثه، وما روى عن مالك وجدته صحيحاًَ.
قال أبو عمر: روى عن ابن وهب جماعة يطول ذكرهم، وقد روى عنه الليث بن سعد، وصرّح باسمه، وقيل أن مالكاً روى عنه عن ابن لهيعة حديث: "بيع العربان"، والله أعلم.
ولم يُصرّح مالك في حديث العربان عن أحد، وإنما قال: عن الثقة عنده، عن عمرو ابن شعيب، ومرة قال: إنه بلغه عن عمرو بن شعيب.
ومن أروى الناس عن ابن وهب: أُصبغ بن الفرج، وأحمد بن صالح المصري وعيسى ابن حماد زُغبة، ويونس بن عبد الأعلى وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح وسُحنون ابن سعيد، وأحمد بن سعيد الدرامي، وحرملة بن يحيى، وغيرهم.
وقد روى عن ابن بكير، وعبد الله بن صالح، كاتب الليث وروينا عن أحمد بن صالح أنه قال: حدثنا ابن وهب مائة ألف حديث، وما رأيت حجازياً ولا شامياً ولا مصرياً، أكثر من ابن وهب، وقع عندنا من سبعون ألف حديث.
وقال ابن أبي هاشم: سمعت أبا زُرعة يقول: نظرت في حديث ابن وهب نحو ثمانين ألف حديث من حديثه عن المصريين، وغيرهم فما أعلم أني رأيت له حديث لا أصل له، وهو ثقة.
قال: سمعت أبا زرعة يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم.
قال أبو عمر يقولون: أن مالكاً -رحمه الله- لم يكتب إلى أحد كتاباً يعنونه بالفقيه إلا إلى كتاب الأهوال من جامعه، فأخذه شيء كالغشي، فحمل إلى داره فلم يزل كذلك إلى أن قضى نحبه.
توفي ابن وهب بمصر في شعبان سنة سبع وتسعين ومائة. وهو ابن اثنين وسبعين سنة.
وذكر ابو العباس محمد بن إسحاق السراج في تاريخه قال: حدثنا خالد ابن أبي خداش، قال: قرئ على عبد الله بن وهب ما كتبه في أهوال يوم القيامة فخر مغشياً عليه، فلم يتكلم بكلمة حتى مات، وذلك بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.(/)
روى عن: إبراهيم بن سعد الزهري، وإبراهيم سبط الوعلاني، وأسامة بن زيد ابن أسلم، وأسامة بن زيد الليثي، وأفلح بن حميد، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وبكر بن مضر، وثوابة بن مسعود، والتنوخي، وجابر بن إسماعيل الحضري، وجرير بن حازم البصري، وحرملة بن عمران التجيبي، وحفص بن ميسرة الصنعاني، وأبي صخر حميد ابن زياد المدني، وأبي هانئ حميد بن هانئ الخولاني، وحنظلة بن أبي سفيان الجمحي، وحيوة بن شريح، وحيي بن عبد الله المعافري -وهو آخر من حدث عنه- وخالد بن حميد المهري، والخليل بن مرة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وداود بن قيس الفراء، وزمعة بن صالح، وزيد بن الحباب -ومات قبله- وسالم بن غيلان التجيبي، وسبرة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة، وسعيد بن أبي أيوب، وسعيد بن عبد الله الجهني، وسفيان الثوري، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي، وسفيان بن عيينة، وسلمة بن وردان المدني، وسليمان بن بلال، وسليمان بن القاسم بن عبد الرحمن الإسكندراني، وأبي المثنى سليمان بن يزيد الكعبي، وابي السمحاء سهيل بن حسان الصبهاني المصري، وشبيب بن سعيد، والضحاك بن عثمان الحزامي، وطلحة بن أبي سعيد الإسكندراني، وطلحة بن عمرو الحضرمي المكي، وعاصم بن حكيم، وعاصم بن عمر العمري، وأبي خزيمة عبد الله بن طريف المصري، وعبد الله بن عمر العمري، وعبد الله بن لهيعة، وعبد الله بن المسيب المصري، وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق المدني، وعبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة المدني، وعبد الجبار بن عمر الأيلي، وعبد الجليل بن حميد اليحصبي، وأبي عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وعبد الرحمن ابن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وعبد الرحن بن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن زياد ابن أنعم الأفريقي، وعبد الرحمن بن سليمان الحجري، وأبي شريح عبد الرحمن بن شريح، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن الربيع بن سبرة، وعبد العزيز بن(/)
عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد الملك بن جريج، وعثمان بن الحكم الجذامي، وعثمان بن عطاء الخراساني، وعمر بن قيس المكي، وعمر بن مالك الشعبي، وعمرو بن محمد بن زيد العمري، وعمرو بن الحارث المصري، وعياش بن عقبة الحضرمي، وعياض ابن عبد الله الفهري، وغوث بن سليمان الحضرمي، ومليح بن سليمان المدني، ومرة بن عبد الرحمن ابن حيوئيل، وقريش بن حيان العجلي، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المربي، والليث بن سعد، والماضي بن محمد الغافقي، ومالك بن أنس، ومالك بن الخير الزيادي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومحمد بن عمرو اليافعي، ومحمد بن أبي يحيى السلمي، ومخرمة بن بكير الأشج، ومسلم بن خالد الزنجي، ومسلمة بن علي الخشني، ومعاوية بن صالح الحضرمي، ومعروف بن سويد الجذامي، والمنذر بن سويد الجذامي، وموسى بن شيبة الحضرمي، وموسى بن علي بن رباح اللخمي، وناجية بن بكر بن سوادة، ونافع بن يزيد، وهشام بن سعد، وواقد بن سلامة، والوليد بن المغيرة، ويحيى بن إبراهيم المصري، ويحيى بن عبد الله بن سالم، ويعقوب بن عبد الرحمن القارئ، ويونس بن يزيد الأيلي، وعبد الله بن عياش القتباني، وخلق غيرهم كثير.
يقول عنه الحافظ الذهبي: لقى بعض صغار التابعين وكان من أوعية العلم، ومن كنوز العمل.
وذكر المصنف الحافظ ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله) ابن وهب: كان أول أمري في العبادة قبل طلب العلم، فولع به الشيطان في ذكر عيسى ابن مريم عليه السلام، كيف خلقه الله تعالى، ونحو هذا، فشكوت ذلك إلى شيخ، قال لي: ابن وهب، قلت: نعم.
وقال أبو أحمد بن عدي في (كامله) : هو من الثقات، لا أعلم له حديثاً منكراً، إذا حدّث عنه ثقة.
قال أبو زيد بن أبي الغمر: كنا نسمي ابن وهب ديوان العلم.(/)
وقال أحمد بن عبد الرحمن بحشل: طلب عباد بن محمد الأمير عمي ليوليه القضاء، فتغيب عمي، فهدم عباد بعض دارنا، فقال الصباحي لعباد، متى طمع هذا الكذا والكذا أن يلي القضاء: فبلغ ذلك عمي، فدعا عليه بالعمى.
قال: فعمي الصباحي بعد جمعة.
وقال حاتم بن الليث الجوهري، عن خالد بن خداش:
قُرئ على عبد الله بن وهب كتاب (أهول القيامة) : يعني من تصنيفه، فخرّ مغشياً عليه، فلم يتكلم حتى مات بعد ثلاثة أيام.
وعن سحنون الفقيه قال: كان ابن وهب قد قسّم دهره أثلاثاً: ثلثاً في الرباط، وثلثاً يعلم الناس بمصر، وثلثاً في الحج، وذُكر أنه حج ستاً وثلاثين حجة، وذُكر أن مالكاً الإمام كان يكتب إليه: إلى عبد الله بن وهب مفتي أهل مصر، ولم يفعل هذا مع غيره، وقد ذكر عن ابن وهب وابن القاسم فقال مالك: ابن وهب عالم، وابن القاسم فقيه، وقال أبو زرعة: سمعت ابن بكير يقول: ابن وهب أفقه من ابن القاسم.
وقال علي بن الحسين بن الجنيد: سمعت أبا مصعب يعظم ابن وهب، وسمع أبو مصعب (مسائل مالك) من ابن وهب، ويقول: مسائل ابن وهب عن مالك صحيحة.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي: حدثنا حرملة: سمعت ابن وهب يقول: نذرت أني كلما اغتبت إنساناً أصوم يوماً، فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدّق بدرهم، فمن حب الدرهم تركت الغيبة.
قال الذهبي: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العالم النافع.
وعبد الله حُجة مطلقاً، وحديثه كثير في الصحاح، وفي دواوين افسلام، وحسبك بالنسائي وتعنته في النقد حيث يقول: وابن وهب ثقة، ما أعلمه روى عن الثقات حديثاً منكراً.
قال الذهبي: أكثر في تواليفه من المقاطيع والمعضلات، وأكثر عن ابن سمعان وبايته، وقد تمعقل بعض الأئمة على ابن وهب في أخذه للحديث، وأنه كان يترخّص في الأخذ، وسواء ترخص ورأى ذلك سائغاً، أو تشدد، فمن يروي مائة ألف حديث، ويندر المنكر في سعة ما روى، فإليه المنتهى في الإتقان.(/)
قال الذهبي: مع أنه طلب العلم في الحداثة، نعم، وحدّث عنه خلق كثير، وانتشر علمه، وبعد صيته.
قال ابن أخيه: وكان ابن وهب روى عن أربعمائة عالم.
أما من روى عنه: الليث بن سعد شيخه، وعبد الرحمن بن مهدي، وأصبغ بن الفرج، وبحر بن نصير بن سابق الخولاني، والحارث بن مسكين، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن سعيد الهمداني، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد ابن عبد الرحمن بن وهب (ابن أخيه) ، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن عيسى المصري، وأحمد بن يحيى بن الوزير بن سليمان، وغسحاق بن موسى الأنصاري، وأبو حميد حبرة بن لخم ابن المهاجر الإسكندراني، وحجاج بن إبراهيم الأزرق، وحرملة بن يحيى التجيبي، وحميد بن أبي الجون الإسكندراني، وخالد بن خداش بن عجلان المهلبي، والربيع بن سليمان الجيزي، والربيع بن سليمان المرادي، ورجاء بن السندي، وزكريا بن يحيى القضاعي -كاتب العمري-، وزكريا بن يحيى الوقار، وسريج بن النعمان الجوهري، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وسعيد بن عيسى بن تليد، وسعيد بن كثير بن عفير، وسعيد بن منصور، وسفيان بن وكيع بن الجراح، وأبو الربيع سليمان بن داود المهري، وأبو عيم ضرار بن صرد الصحان الكوفي، وعبد الله بن ابي رومان، واسمه: عبد الملك ابن يحيى بن هلال، وعبد الله بن محمد بن رمح التجيبي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الأعلى بن حماد النرسي، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الرحمن ابن مهدي، وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص الخزاعي، وعبد الغني بن رفاعة اللخمي، وعبد المتعالي بن طالب، وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، وعثمان ابن صالح السهمي، وعلي بن حرب الطائي الموصلي، وعلي بن خشرم المروزي، وعلي بن المديني، وعمر بن حفص الشيباني، وعمرو ابن سواد بن الأسود العامي السرخسي، وعياش بن الأزرق، وعيسى بن إبراهيم ابن مثرود الغافقي، وعيسى بن أحمد العسقلاني البلخي، وعيسى بن حماد زغبة، وغالب ابن(/)
الوزير المغربي، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبي داود بن أبي ناجية، ومحمد بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ومحمد بن سلمة المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المديني، ومحمد ابن يعقوب الزبيري، ومحمد بن يوسف بن الصباح المصيصي، وموهب ابن يزيد ابن خالد بن موهب الرملي، وهارون بن سعيد الأيلي، وهارون بن معروف، وهاشم ابن عبد القاسم الحراني، ووفاء بن سهيل، وأبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني، ووهب بن بيان، ويحيى بن أيوب المقابري، ويحيى ابن سليمان الجعفي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ويحيى بن يحيى النيسابوري الليثي، ويزيد ابن خالد بن موهب الرملي، ويعقوب بن محمد الزهري، ويوسف ابن عمر المصري، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، وسحنون بن سعيد المغربي، وغيرهم كثير.
قال أحمد بن صالح الحافظ: حدّث ابن وهب بمئة ألف حديث، ما رأيت أحداً أكثر حديثاً منه، وقع عندنا سبعون ألف حديث عنه.
وقال الذهبي: كيف لا يكون من بحور العلم، وقد ضم إلى علمه علم مالك، والليث، ويحيى بن أيوب، وعمر بن الحارث، وغيرهم.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال ابن عيينة عن ابن وهب: هو شيخ أهل مصر.
وقال أبو حاتم بن حبان: جمع ابن وهب وصنف، وهو حفظ على أهل الحجاز ومصر حديثهم، وعني بجمع ما رووا من المسانيد والمقاطيع، وكان من العُبّاد.
وقال محمد بن المسيب الأرغياني، عن يونس بن عبد الأعلى: عُرض على ابن وهب القضاء فجنن نفسه، ولزم بيته، فاطلع عليه رشدين بن سعد، وهو يتوضأ في صحن داره، فقال له: يا أبا محمد لم لا تخرج إلى الناس تقضي بينهم بكتاب الله وسنة رسول الله؟ فرفع رأسه وقال: إلى هاهنا انتهى عقلك؟ أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء، وأن القضاة يحشرون مع السلاطين.(/)
قال الحافظ المزي: وذكر عنه: أنه ذهب عقله وجعل يقول: كذا، ويضرب يده على فخذه، ويتفكر حتى تنكشف فخذه وهو لا يعقل، فرددنا عليه ثوبه، فحمل إلى منزله، فأنزلوه يوم الثالث ميتاً، فنرى والله أعلم، أنه انصدع قلبه، فمات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.
قال القاضي: وكان لابن وهب أخ اسمه: عبد الرحمن وولدن: أحمد وعبد العزيز. وأخ اسمه عمرو بن وهب، قيل: له حديث، وما أعرفه.
وكان له ابن اسمه: حُميد، ذكر الكندي أنه كان مقبولاً عند قضاة مصر.
قال الطحاوي: وكانت فيه بطالة.
وقال أبو الطاهر بن عمرو: جاءنا نعي ابن وهب، ونحن في مجلس سفيان ابن عيينة، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، أصيب به المسلمون عامة، وأصبت به خاصة.
وقال الطباع: لما غسلوا ابن وهب وجدوا فيه رطبة، وصلى عليه عباد والي مصر.
قال أبو بشير بن قعنب: رأيت ليلة مات ابن وهب كأن مائدة العلم رفعت.
وقال الطباع وغيره: بيعت كتبه بعد موته فبلغت خمسمائة دينار.
قال القاضي: وألف تواليف كثيرة جليلة المقدار عظيمة المنفع منها:
سماعه من مالك ثلاثون كتاباً، وموطأه الكبير، وجامعه الكبير، وكتاب الأهوال، وبعضهم يضيفها إلى الجامع، وكتاب تفسير الموطأ، وكتاب البيعة، وكتاب لاهام ولا صفر، وكتاب المناسك، وكتاب المغازي، وكتاب الردّة.
وكانت وفاته بمصر سنة سبع وتسعين ومائة، فيما قاله أحمد بن صالح، وأبو عمر الكندي. قال ابن الجزار: يوم الأحد والخميس بقين من شعبان منها.
وقيل: سنة ثمان وتسعين، وقيل: سنة خمس أو ست وتسعين.
وقال الباجي: تسعين، والأول أصح وأشهر.
وقال ابن سحنون: الثابت أنه مات سنة ست وتسعين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وقيل: ابن خمس وسبعين سنة، وقيل: ابن ثمانين.
وضريحه بمسجد السادة المالكية بحي مجرى العيون، أمام مسجد السيدة نفيسة رضي الله عنها.(/)
انظر في ترجمته: التاريخ لابن معين (336) : طبقات بن سعد (7/518) ، تاريخ خليفة (197) ، طبقات خليفة (2805) ، التاريخ الكبير (5/218) ، الجرح والتعديل (5/189، 190) ، الكامل لابن عدي (438، 437) ، ترتيب المدارك (3/228) .
2- عبد الرحمن بن القاسم
ابن خالد بن جنادة مولى زيد بن الحارث العتقي.
يُكنى: أبا عبد الله، والعتقاء منهم من نسبهم في كندة، وقيل: إن زبيد ابن الحارث العتقي من حجر حمير، وذلك أن العتقاء كانوا جماعات فمنهم: من كندة، ومنهم حجر جمير ومن سعد العشيرة، ومن كنانة مصر.
وقد روى من حديث جرير بن عبد الله البجلي عن النبي ÷ أنه قال: "الطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة".
ولد عبد الرحمن بن القاسم سنة ثمان وعشرين ومائة. وتوفي بمصر سنة إحدى وتسعين ومائة.
وكان فقيهاً قد غلب عليه الرأي، وكان رجلاً صالحاً مقلاً صابراً، وروايته الموطأ عن مالك رواية صحيحة قليلة الخطأ، وكان فيما رواه عن مالك من موطنه ثقة حسن الضبط متقناً.
وقال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن عبد الرحمن بن القاسم صاحب مالك؟ فقال: مصري، ثقة رجل صالح، كان عنده ثلاثمائة جلد، أو نحوها عن مالك من مسائل سأله عنها أسد رجل من أهل المغرب، كان سأل عنهما محمد بن الحسن، ثم قدم مصر، فسأل ابن وهب أن يجيب فيما كان عنده فيها عن مالك، وما لم يكن عنده عن مالك فيها، قال فيها برأية على ما ذهب إليه مالك، فلم يفعل، فأتى عبد الرحمن بن القاسم فأجاب فيها، قال والناس يتكلمون في هذه المسائل.
قال أبو عبد الرحمن النسائي: عبد الرحن بن القاسم ثقة.
قال أبو عمر: روى عنه الحارث بن مسكين، وأبو زيد بن أبي الغمر، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وسحنون بن سعيد، وأبو ثابت محمد بن عبد الله.
2- هو عالم الديار المصرية ومفتيها، إمام وفقيه صاحب الإمام مالك رضي الله عنه، ورواية المسائل عنه، وهو أبو عبد الله العتقي.(/)
روى عن: بكر بن مضر، وسعد بن عبد الله المعافري، وسفيان بن عيينة، وسليمان ابن القاسم الإسكندراني الزاهد، وأبي شريح عبد الرحمن بن شريح، وأبي مسعود عبد الرحمن بن مسعود بن اشرس الإفريقي، وعبد الرحيم بن خالد ابن يزيد المصري مولى جمح، ومالك بن أنس، ونافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القارئ، ويزيد بن عبد الملك النوفلي.
روى عنه: أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وأصبغ بن الفرج، والحارثي ابن مسكين، وداود بن حماد بن سعد المهري، وأبو الزنباع روح بن عبد الجبار المرادي، وسحنون بن سعيد التنوخي الفقيه، وسعيد بن عيسى بن تليد، وعبد الله ابن عبد الحكم، وأبو زيد عبد الرحمن بن الوليد، ولقبه: كبد، وأبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر المصري، وعبد الملك بن الحسن بن محمد بن زريق بن عبيد الله بن أبي رافع الأندلسي، مولى النبي ÷، وعيسى بن إبراهيم بن مثرود، وعيسى بن حماد زغبة، ومحمد بن سلمة المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وموسى بن عبد الرحمن بن القاسم (ابنه) ، ويحيى بن عبد الله بن بكير.
قال عنه الحاكم أبو عبد الله: ثقة مأمون.
وقال أبو بكر الخطيب: ثقة.
وقال الحارث بن مسكين: سمعته يقول: اللهم امنع الدنيا مني وامنعني منها.
وعن مالك: أنه ذُكر عنده ابن القاسم، فقال: عافاه الله، مثله كمثل جراب مملوء مسكاً.(/)
وقال ابن سحنون: لما حججنا كنت أزامل ابن وهب، وكان أشهب يزامله، وكان ابن القاسم يزامله ابنه موسى، فكنت إذا نزلت، ذهبت إلى ابن القاسم أسائله من الكتب، وأقرأ عليه إلى قرب الرحيل، فقال لي ابن وهب وأشهب: لو كلمت صاحبك يفطر عندنا، فكلمته فقال: إنه ليثقل علي ذلك، قلت: فبم يعلم القوم مكاني منك؟ فقال: إذا عزمت على ذلك، فأنا أفعل، فأتيت فأعلمتهما، فلما كان وقت التعريس قام معي فأصبت أشهب وقد فرش أنطاعه، وأتى من الأطعمة بأمر عظيم، وصنع ابن وهب دون ذلك، فلما أتى عبد الرحمن مسلم، وقعد، ثم أدار عينيه في الطعام، فإذا سكرية فيها دقة، ولعق من الملح ثلاث لعقات، وهو يعلم أن أصل ملح مصر طيب، ثم قام، وقال: بارك الله لكم، واستحييت أن أقوم، قال: فتكلم أشهب وعظم عليه ما فعل. قال له ابن وهب: دعه، دعه، وكنا نمشي بالنهار، ونلقي المسائل، فإذا كان في الليل، قام كل واحد إلى حزبه من الصلاة.
فيقول ابن وهب لأصحابه: ما ترون إلى هذا المغربي، يلقى المسائل بالنهار وهو لا يدرس بالليل. فيقول له ابن القاس: هو نور يجعله الله في القلوب.
وقال سحنون أيضاً: ونزلنا بمسجد ببعض مدائن الحجاز، فنمنا، فانتبه ابن القاسم مذعوراً فقال لي: يا أبا سعيد، رأيت الساعة كأن رجلاً يدخل علينا من باب المسجد، ومعه طبق مغطى وفيه رأس خنزير، أسأل الله خيرها، فما لبثنا حتى أقبل رجل معه طبق مغطى بمناديل، وفيه رطب من تمر تلك القرية، فجعله بين يدي ابن القاسم، وقال: كل، قال: ما إلى ذلك من سبيل، قال: فأعطيه أصحابك.
قال: أنا لا أكله، أعطه غيري، فانصرف الرجل، فقال لي ابن القاسم: هذا تأويل الرؤيا. وكان يقال: إن تلك القرية أكثرها وقف غصبت.
وقال الحارث بن مسكين: كان ابن القاسم في الورع والزهد شيئاً عجيباً.(/)
وقال سحنون: رأيت في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: وجدت عنده ما أحببت، قلت: فأي عمل وجدت؟ قال: تلاوة القرآن، قلت: فالمسائل فأشار يُلسيها، وسأله عن ابن وهب؟ فقال: في عليين.
وقال سعيد بن الحداد: سمعت سحنون يقول: كنت إذا سألت ابن القاسم عن المسائل، يقول لي: يا سحنون أنت فارغ، إني لأحس في رأسي دوياً كدوي الرحا -يعني من قيام الليل- قال: وكان قلما يعرض لنا إلا وهو يقول: اتقوا الله، فإن قليل هذا الأمر مع تقوى الله كثير، وكثيره مع غير تقوى الله قليل.
وقيل: إن مالكاً سئل عنه، وعن ابن وهب، فقال: ابن وهب رجل عالم، وابن القاسم فقيه.
وعن ابن القاسم قال: ليس في قرب الولاة، ولا في الدنو منهم خير.
وعن أسد بن الفرات قال: كان ابن القاسم يختم كل يوم وليلة ختمتين.
قال: فنزل بحي حين جئت إليه عن ختمة رغبة في إحياء العلم.
وقال الحافظ أبو نعيم: سمعت ابا بكر بن المقرئ يحكي عن بعض شيوخه، عن ابن القاسم صاحب مالك.
قال: خرجت إلى مالك بن أنس اثنتى عشرة خرجة انفقت في كل خرجة ألف دينار.
وقال ابن حبان في الثقات: كان خيراً فاضلاً ممن تفقّه على مذهب مالك، وفرع على أصوله وذبّ عنها ونصر من انتحلها.
وقال الطحاوي: بلغني عن ابن القاسم: ما أعلم في فلان عيباً إلا دخوله إلى الحكام، إلا اشتغل نفسه.
انظر في ترجمته: طبقات خليفة (2388) ، تاريخ خليفة (398) ، ترتيب المدارك (2/433) ، تهذيب الأسماء واللغات (1/303) ، تهذيب الكمال (17/344) ، سير أعلام النبلاء (9/12) ، طبقات الشيرازي (65) .
3- أشهب بن عبد العزيز
ابن داود بن إبراهيم القيسي: ثم الجعدي، يُكنى: أبا عمر، ويقال: اسمه مسكين وأشهب لقب لُقب به.(/)
ولد سنة أربعين ومائة، ومات بمصر سنة أربع ومائتين بعد موت محمد ابن إدريس الشافعي -رحمه الله- بثمانية عشر يوماً، ولم يدرك الشافعي بمصر من أصحاب مالك إلا أشهب وابن عبد الحكم، وكان نزوله على ابن عبد الحكم فأكرم نزله، وبلغ من بره كثيراً، وله في ذلك أخبار حسان وكان أشهب، ثقة فيما روى عن مالك، وروى عن الليث بن سعد، وعن جماعة.
وصنف كتاباً في الفقه، رواه عنه سعيد بن حسان وغيره.
وروينا عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: سمعت أشهب يدعو على الشافعي بالموت، فذكرت ذلك للشافعي فقال:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ... تهيأ لأخرى مثلها فكان قد
قال: فلما مات الشافعي اشترى أشهب في تركته غلاماً كان له، ثم مات أشهب بعده بثمانية عشر يوماً، واشتريت أنا ذلك المملوك في تركة أشهب.
حدثنا إبراهيم بن شاكر -رحمه الله- نا عبد الله بن عثمان، نا سعد بن معاذ قال: سمعت محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، يقول: أشهب أفقه من ابن القاسم مائة مرة.
وحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي عن أبيه أنه ذكر قول محمد بن عبد الله بن عبد الحكم لمحمد بن عمر بن لبالة فقال: ليس هذا عندنا كما قاله محمد، وإنما قاله، لأن أشهب شيخه ومعلمه.
قال أبو عمر: أشهب شيخه وابن القاسم شيخه وهو أعلم بهما لكثر مجالسته لهما وأخذه عنهما.
هو الإمام العلامة الفقيه مفتي مصر أبو عمر أشهب بن داود بن إبراهيم القيسي العامري، ثم بنى بعده بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، من أنفسهم المصري المالكي.(/)
روى عن: بكر من مضر، وداود بن عبد الرحمن العطار، وسعد بن عبد الله المعافري، وسفيان بن عيينة، وسليمان بن بلال، وعبد الله بن لهيعة، وعبد العزيز ابن محمد الدراوردي، وفضيل بن عياض، والليث بن سعد، ومحمد بن عبد الله ابن عبيد بن عمير، والمسور بن عبد الملك بن سعيد بن يربوع المخزومي، والمنذر ابن عبد الله، والد إبراهيم بن المنذر الحزامي، وموسى بن معاوية الصمادحي، ويحيى بن أيوب المصري.
روى عنه: إبراهيم بن أبي الفياض، واسمه: عبد الرحمن بن عمرو البرقي، حدث عنه مناكير، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن الهنيد الصدفي، وإسحاق ابن إسماعيل بن أبي طلحة الأزدي، وإسماعيل بن عمرو الغافقي، وبحر بن نصر بن سابق الخولاني، والحارث بن مسكين، وزهير بن عباد الرواسي، وسليمان بن داود المهري، وعبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، وعبد الملك بن حبيب المالكي، وعمرو ابن سواد العامري، وأبو عمير عيسى بن محمد بن النحاس الرملي، ومحمد بن إبراهيم ابن المواز المالكي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهارون بن سعيد الأيلي، ويونس ابن عبد الأعلى الصدفي.
قال أبو سعيد بن يونس: اشهب أحد فقهاء مصر، وذوي رأيها.
وقال الذهبي: ويكفيه قول الشافعي: ما أخرجت مصر أفقه من أشهب، لولا طيش فيه.
وقال سحنون: رحم الله أشهب، ما كان يزيد في سماعه حرفاً واحداً.
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير (5712) ، الجرح والتعديل (2/432) ، ترتيب المدارك (2/447) ، وفيات الأعيان (1/238) ، تهذيب الكمال (15/194) ، سير أعلام النبلاء (9/5000) ، الديباج المذهب (1/1307) ، تهذيب التهذيب (1/359) .
4- عبد الله بن عبد الحكم
ابن أعين بن الليث القرشي، مولى عثمان -رضي الله عنه-.
ولد بمصر سنة خمسين ومائة، وقيل: سنة خمس وخمسين ومائة، ومات لإحدى وعشرين ليلة خلت من شهر رمضان سنة عشر ومائتين، وهو ابن ستين سنة.
وإليه أوصى ابن القاسم وأشهب وابن وهب.(/)
سمع من مالك سماعً نحو ثلاثة أجزاء، وسمع الموطأ، ثم روى عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب كثيراً من رأي مالك الذي سمعوه منه، وصنف كتاباً اختصر فيه تلك الأسمعة بألفاظ مقربة، ثم اختصر من ذلك الكتاب كتاباً صغيراً، وعليهما مع غيرهما عن مالك، يعول البغداديون من المالكيين في المدارسة وإياهما شرح الشيخ أبو بكر الأبهري -رحمه الله-.
وكان ابن عبد الحكم رجلاً صالحاً ثقة.
وقال ابن أبي حاتم: سُئل أبو زرعة عن عبد الله بن عبد الحكم؟.
فقال: مصري ثقة.
قال: وسمعت احمد بن صالح يقول: كتبت عن عبد الله بن عبد الحكم.
قال: وسئل ابي عن عبد الله بن عبد الحكم المصري؟ فقال: صدوق. حديثنا خلف ابن قاسم، ثنا الحسن بن رشيق، والعباس بن أحمد قالا: ثنا محمد بن جعفر الوكيعي، ثنا أحمد بن عمرو بن السرح، ثنا بشر بن بكر، قال: رأيت مالك بن أنس في النوم بعد ما مات بأيام، فقال لي: إن ببلدكم رجلاً يقال له: ابن عبد الحكم فخذوا عنه فإنه ثقة.
هو الإمام الفقيه مفتي الديار المصرية أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين ابن ليث المصري المالكي، صاحب الإمام مالك، مولى عثمان -رضي الله عنه-.
روى عن: أسد بن الفرات، وإسماعيل بن عياش، وأشهب بن عبد العزيز، وأبي ضمرة أنس بن عياض الليثي، وبكر بن مضر، وخلاد بن سليمان الحضرمي، وسفيان ابن عيينة، وأبي المثنى سليمان بن يزيد الكعبي، وعبد الله بن السمح التجيبي، وعبد الله ابن لهيعة، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم العتقي، وعمر بن طلحة بن علقمة بن وقاص الليثي، والليث بن سعد، ومالك ابن أنس، ومسلم بن خالد الزنجي، ومسلمة بن علي الخشني، والمسور بن عبد الملك بن سعيد بن يربوع، والمفضل بن فضالة، ويعقوب بن عبد الرحمن القارئ الإسكندراني.(/)
روى عنه: إبراهيم بن هانئ النيسابوري، وأحمد بن نصر المقرئ النيسابوري، وأحمد ابن يحيى بن الوزير بن سليمان المصري، وخير بن عرفة المصري، والربيع ابن سليمان الجيزي، وسعد بن عبد الله بن عبد الحكم (ابنه) ، وأبو يحيى عبد الله ابن أحمد بن زكريا ابن الحارث بن أبي ميسرة المكي، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبد الحكم بن عبد الله بن عبد الحكم (ابنه) ، وعبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكم (ابنه) ، وأبو الخير فهد بن موسى بن أبي رباح الأزدي الإسكندراني القاضي، وابو غسان مالك بن عبد الله بن سيف التجيبي، ومحمد بن خلف العسقلاني، ومحمد بن سهل بن عسكر بن التميمي البخاري، ومحمد بن عبد الله ابن عبد الحكم (ابنه) ، ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي، ومحمد بن عبد الله بن نمير الكوفي، وأبو الكروس محمد بن عمرو بن تمام المصري، ومحمد بن مسلم بن وراة الرازي، ومحمد بن ميمون بن مرزوق البخاري، والمقدام بن داود بن تليد الرعيني، وهارون بن إسحاق الهمداني الكوفي، وأبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي المصري.
قال أبو زرعة الراوي: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن وراة: شيخ مصر.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي في سعيد بن أبي مريم: لم أر بمصر أعقل منه، ومن عبد الله بن عبد الحكم.
وقال ابن حبان: كان ممن عقل مذهب مالك، وفرع أصوله.
وقال أبو عمر الكندي في كتاب (أعيان الموالي بمصر) ومنهم: أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث، مولى رافع مولى لعثمان فيما يقال، وهم من أهل حقل من أيلة، سكن عبد الحكم وأعين جميعاً الإسكندرية، وما شابها، وولد عبد الله بن عبد الحكم سنة خمس وخمسين ومائة، وكان فقيهاً، أخبرني بذلك كله ابن مديد قال: ويقال غير هذا في ولائهم.
وصنف كتاب: الأموال، و (مناقب عمر بن عبد العزيز) .
وصارت بتصانيفه الركبان، وكان وافر الجلالة كثير المال، رفيع المنزلة.(/)
وقال الشيخ أبوإسحاق الفيروزابادي: كان ابن عبد الحكم أعلم أصحاب مالك بمختلف قوله، أفضت إليه الرئاسة بمصر بعد أشهب.
وقيل: إنه أعطى الشافعي ألف دينار وأخذ له من رئيسين ألف دينار.
وكان يزكي العدول، ويجرحهم، وما كان يشهد، ودفن بجانب الشافعي -رضي الله عنهما-.
وقال الذهبي: وكان يحرض ولده محمد بن عبد الله على ملازمة الشافعي. انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (15/194) ، سير أعلام النبلاء (10/222) .
5- المغيرة بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة المخزومي.
أمه قريبة محمد بن عمر بن أبي سلمة المخزومي.
يُكنى: أبا هاشم، وقيل: يكنى: أبا هشام.
روى عن أبيه ويزيد بن أبي عبيد، ومحمد بن عجلان، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، ومالك بن أنس.
روى عنه: إبراهيم بن حمزة الزبيري، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأحمد بن عبدة، وأبو مصعب الزهري، ويعقوب بن حميد بن كاسب، وابنه عياش بن المغيرة.
قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عبد الله ابن عباس بن أبي ربيعة؟ فقال: لا بأس به.
وقال الزبير بن بكار: كان المغيرة فقيه أهل المدينة بعد مالك بن أنس، وعرض عليه أمير المؤمنين الرشيد القضاء بالمدينة على جائزة أربعة آلاف دينار، فامتنع، فأبى الرشيد إلا أن يلزمه ذلك، فقال: والله يا أمير المؤمنين لأن يخنقني الشيطان أحب إلي من أن ألي القضاء، وأجازه بألفي دينار.
قال أبو عمر: كان مدار الفتوى بالمدينة في آخر زمن مالك وبعده على المغيرة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم بن دينار.
حكي ذلك عن عبد الملك بن الماجشون، وكان ابن أبي حازم ثالث القوم في ذلك وعثمان بن كنانة، ولم تكن له برواية الحديث عناية-وابن نافع.
وتوفي المغيرة سنة ست وثمانين ومائة.(/)
روى عن: إسماعيل بن رافع المدني، والجعيد بن عبد الرحمن، وخالد بن الياس العدوي، وزياد بن أبي زياد، مولى ابن عياش. والصحيح أن بينهما رجلاً، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند، وعبد الله بن عمر العمري، وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة (أبوه) ، ومالك بن أنس، ومحمد بن أبي حميد المدني، ومحمد بن عجلان، وموسى بن عقبة، وأبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني، وهشام بن عروة، ويزيد بن عروة، ويزيد بن عبيد، وإبراهيم بن حمزة الزبيري، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وأحمد بن عبدة الضبي، والربيع بن روح الحمصي، وعبد الرحمن بن الضحاك البعلبكي، وعمرو بن صدقة الأنطاكي، وعياش بن المغيرة المخزومي (ابنه) ، ومحرز بن سلمة العدني، ومحمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، ومحمد ابن سلمة المكي، وأبي مروان محمد بن عثمان بن خالد العثماني، ومحمد بن مسلمة ابن محمد بن هشام المخزومي المدني، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ويحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة، ويحيى بن عبد الملك الهديري، ويحيى بن محمد الجاري، ويعقوب بن محمد بن كاسب، ويعقوب بن كعب الأنطاكي، ويعقوب بن محمد الزهري.
انظر في ترجمته: تاريخ الدوري (2/581) ، التاريخ الكبير (7/1378) ، والصغير (2/238، 236) ، الجرح والتعديل (8/1013) ، الثقات لابن حبان (7/466) ، تهذيب الكمال (28/381) ، تهذيب التهذيب (10/264، 265) ، التقريب (2/269) .
6- محمد بن إبراهيم بن دينار الجهني
وقال يعقوب بن محمد الزهري، عن محمد بن إبراهيم:
من ولد دينار بن النجار.
أبو عبد الله كان مفتي أهل المدينة مع مالك، وعبد العزيز بن أبي سلمة، وبعدها كان فقيهاً فاضلاً له بالعلم رواية وعناية.
روى عن: موسى بن عقبة، ويزيد بن أبي عبيد، وعبد العزيز بن المطلب.
روى عنه: ابن وهب وذؤيب بن عمامة المدني السهمي، وأبو مصعب الزهري.(/)
قال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي؟ فقال: كان من فقهاء المدينة زمن مالك وكان ثقة.
هو محمد بن إبراهيم بن دينار المدني، أبو عبد الله الجهني.
قال البخاري، ويقال: الأنصاري. وقال غيره: لقبه صندل.
روى عن: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وأسامة بن زيد الليثي، وسلمة ابن وردان، وعبد العزيز بن المطلب، وعبيد الله بن عمر العمري، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومحمد بن عجلان، وموسى بن عقبة، وهشان بن سعد، ويزيد بن أبي عبيد.
روى عنه: أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، وذؤيب بن عمامة السهمي، وعبد الله بن وهب، وأبو هشام محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام بن إسماعيل ابن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، ويحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة، ويعقوب بن محمد الزهري.
قال البخاري فيه: هو معروف الحديث.
وقال أبو حاتم: كان من فقهاء المدينة، نحو مالك، وكان ثقة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال المصنف في موضع آخر: كان مدار الفتوى بالمدينة في آخر زمان مالك وبعده على المغيرة بن عبد الرحمن، ومحمد بن إبراهيم بن دينار، حكى ذلك عبد الملك بن الماجشون.
وروى لمحمد بن دينار كلاً من: البخاري، والنسائي في عمل اليوم والليلة.
7- عبد العزيز بن أبي حازم
واسم أبي حازم سلمة بن دينار مولى أسلم.
يُكنى: أبا تمام، سمع أباه والعلاء بن عبد الرحمن وسهيل بن أبي صالح.
روى عنه: ابن وهب ويحيى بن صالح الوحاظي، وابن أبي أويس، وعبد العزيز الأويسي.
سئل أحمد بن حنبل عنه؟ فقال: يقال: إن كتب سليمان بن بلال وقعت إليه ولم يسمعها منه.
وقد روى عن أقوام لا يعرف له منهم سماع، وأما كتب أبيه فسمعها منه.
قال أحمد: وكان تفقه ولم يكن بالمدينة بعد مالك أفقه منه.
حدثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن وهب ابن حرب قال: سمعت يحيى بن معين يقول عبد العزيز بن أبي حازم صدوق ثقة ليس به بأس.(/)
توفي عبد العزيز يوم الجمعة أول يوم من صفر سنة خمس وثمانين ومائة.
هو الإمام الفقيه أبو تمام عبد العزيز بن ابي حازم واسمه:
سلمة بن دينار المدني، المخزومي مولى أسلم، وقال ابن شعبان: مولى بني ليث، كنّاه غير واحد: أبو تمام، وابو التمام، وكنّاه الشيرازي: أبو عبد الله، والأول أصح، وقال آخر: أبو اليمان، وهو تصحيف من أبي التمام.
روى عن: إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وثور بن زيد الديلي، وداود بن بكر ابن أبي الفرات، وزيد بن أسلم، وأبي حازم سلمة بن دينار (أبوه) ، وسهيل ابن أبي صالح، والضحاك بن عثمان الحزامي، وعبد الله بن عامر الأسلمي، وعمر بن محمد بن زيد العمري، وعبد الرحمن بن حرملة الأسلمي، والعلاء بن عبد الرحمن، والقاسم بن عبد الرحمن، وكثير بن زيد، ومحمد بن أبي حرملة، وموسى بن عقبة، وهارون بن صالح الطلحي، وهشام بن عروة، ويزيد بن عبد الله بن الهاد.(/)
روى عنه: إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المدني، وإبراهيم بن حماد الزبيري، وإبراهيم ابن محمد الشافعي، وأبو مصعب احمد بن أبي بكر الزهري، وأحمد بن الحجاج المروزي، وأحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، وأبو النصر إسحاق بن إبراهيم الفراديسي الدمشقي، وإسماعيل بن أبي إدريس، وغسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، وإسماعيل بن موسى الفزاري، وبشر بن الحكم النيسابوري، وأبو خزيمة بكار بن شعيب، وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي، وخلف بن هشام البزار، والسري بن مسكين، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، وسعيد بن سليمان المخزومي الأحول، وسعيد بن منصور، وسويد ابن سعيد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وعبد الله ابن عمر بن أبان الجعفي، وعبد الله بن عمران العابدي المخزومي، وعبد الله بن عون الخزاز، وعبد الله بن محمد بن الربيع الكرماني، وعبد الله بن محمد النفيلي، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن نافع بن ثابت الزبيري، وعبد الله بن وهب المصري، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن يونس الرقي، وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي، وعبد الوهاب بن الضحاك العرضي، وعلي بن حجر السعدي، وعلي بن المديني، وعمرو بن زرارة النيسابوري، وعمرو بن محمد الناقد، وقتيبة بن سعيد، ومحرز بن سلمة العدني، ومحمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، وأبو الأحوص محمد بن حيان البغوي، ومحمد بن زنبور المكي، ومحمد بن سلمة الباهلي، ومحمد بن سليمان المصيصي، لوين، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وأبو يعلى محمد بن الصلت التوزي، وأبو ثابت محمد بن عبيد الله المديني، ومحمد بن عبيد الله المحاربي الكوفي، ومحمد بن عثمان بن خالد أبو مروان العثماني، ومحمد بن عمرو بن أبي مذعون، ومحمد بن كامل المروزي، ومحمد بن الوليد الزبيري المدني، ومحمد بن أبي يعقوب الكرماني، ومصعب بن عبد الله الزبيري، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، وهشام بن عمار، وهشام بن يونس(/)
اللؤلؤي، ويحيى بن أكثم القاضي، ويحيى بن صالح الوحاظي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ويحيى ابن عبد الحميد الحماني، ويحيى بن يحيى النيسابوري، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ويعقوب بن أبي عباد.
وقال أحمد بن زهير: قيل لمصعب الزبيري: ابن أبي حازم ضعيف في حديث أبيه؟ فال: أوقد قالوها: أما هو، فسمع مع سليمان بن بلال، فلما مات سليمان أوصى إليه بكتبه، فكانت عنده، فقد بال عليها الفأر، فذهب بعضها، فكان يقرأ ما استبان له، ويدع ما لا يعرف منها، أما حديث أبيه، فكان يحفظه.
وقال أبو حاتم الرازي: هو أفقه من عبد العزيز الدراوردي.
وقال أحمد بن زهير: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن أبي حازم ليس بثقة في حديث أبيه، كذا جاء هذا، بل هو حجة في أبيه وغيره.
وقال النسائي: ليس به بأس. وقال في موضع آخر: ثقة.
وقال أحمد بن حنبل مرة: لم يكن يُعرف بطلب الحديث إلا كتب أبيه، فيقولون سمعها. وقال الذهبي: أحاديثه في الصحاح.
قال ابن شعبان وغيره: توفي فجأة بالمدينة في سجدة سجدها في الروضة بمسجد النبي ÷، يوم الجمعة، في آخر سجدة منها، غرة صفر، سنة خمس وثمانين.
وكذا قال الزبير وغيره.
قال ابن سعد والجارودي والفتبي والباجي: سنة أربعة.
وقال ابن سحنون: سنة ست وثمانين ومائة.
وذكر البخاري أيضاً أن موته سنة اثنين وثمانين ومائة.
ومولده سنة سبع ومائة.
انظر في ترجمته: ترتيب المدارك (4/12، 9) ، تهذيب الكمال (8/124) ، سير أعلام النبلاء (8/364) .
8- عثمان بن عيسى بن كنانة
كان فقيهاً من فقهاء المدينة أخذ عن مالك وغلب عليه الرأي، وقعد مقعد مالك بعده، وليس له في الحديث ذكر.
توفي بمكة سنة خمس وثمانين ومائة.
قال الشيرازي: كان مالك يحضره لمناظرة أبي يوسف عند الرشيد، وهو الذي جلس في حلقة مالك بعد وفاته.(/)
قال ابن بكير: لم يكن عند مالك أضبط ولا أدرس من ابن كنانة، وكان مالك إذا ملّ من حبس الكتاب علينا أسلمه إلى حبيب كاتبه، وربما إلى ابن كنانة، وهو الذي قعد في مجلس مالك، وقيل: بل جلس فيه يحيى بن مالك أولاً، وجلس فيه بعد ابن كنانة، عبد الله بن الصائغ.
وقال غيره: وكان ابن كنانة ممن يخصه مالك بالإذن عند اجتماع الناس على بابه، فيدعى باسمه هو، وابن زنبر، وحبيب اللآل، المعروف ببابين، فإذا دخلوا ودخل غيرهم ممن يخص أذن للعامة.
قال يحيى: كان مجلس ابن كنانة عن يمين مالك لا يفارقه.
وقال مفرج وابن القرطبي: توفي ابن كنانة سنة ست وثمانين ومائة.
وقال ابن سحنون وابن الجزار: سنة خمس وثمانين.
وقال ابن بكير: كان بين موت ابن كنانة ومالك عشر سنين، وكانت وفاته بمكة وهو حاج.
انظر: ترتيب المدارك (3/21) .
9 - محمد بن مسلمة أبو هشام المخزومي الفقيه المدني
هو محمد بن مسلمة بن محمد بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة.
روى عن مالك بن أنس، والضحاك بن عثمان وإبراهيم بن سعد وشعيب بن طلحة والهديري.
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟ فقال: كان أحد فقهاء المدينة من أصحاب مالك.
وقال: كان من أفقههم، وسئل عنه أبي؟ فقال: كان ثقة.
وذكره السراج قال: مات محمد بن مسلمة المخزومي سنة ستة عشرة ومائتين.
قال القاضي التستري: هو ثقة مأمون.
قال الشيرازي: هو جمع العلم والورع.
قال: وكان مالك إذا دخل على الرشيد دخل بين رجلين من بني مخزوم: المغيرة عن يمينه، وابن مسلمة عن يساره.
وقال القاضي: ولمحمد بن مسلمة كتب فقه أُخذت عنه.
قال البخاري: قيل لمحمد بن مسلمة ما لي أرى فلان دخل البلاد كلها إلا المدينة؟ فقال: لأن النبي ÷ قال: "لا يدخلها الطاعون ولا الدجال".
انظر: الجرح والتعديل (4/71) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (5/438) ، وترتيب المدارك (3/132) .
10- عبد الله بن نافع الصائغ
أبو محمد
روى عن مالك وابن أبي ذئب.(/)
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال: نا قاسم بن أصبغ قال: نا أحمد بن زهير قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن نافع الصائغ فقيه.
وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل -رحمه الله- عن عبد الله بن نافع الصائغ؟ قال: لم يكن صاحب حديث، وكان صاحب رأي مالك، وكان مفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الله بن نافع الصائغ؟.
فقال: ليس بالحافظ هو لين في حفظه، وكتابه أصح.
وسئل أبو زرعة عنه؟ فقال: لا بأس به.
قال أبو عمر: توفي عبد الله بن نافع الصائغ بالمدينة في شهر رمضان سنة ست ومائتين، وقيل: سنة سبع ومائتين، وفيها مات الواقدي ببغداد قاضياً للمأمون.
هو عبد الله بن نافع بن أبي نافع الصائغ، أبو محمد المدني، قاله البخاري.
روى عن: أسامة بن زيد الليثي، وجناح الرومي النجار، ومولى ليلى بنت سهيل، وحماد بن أبي حميد المدني، وخالد بن إلياس، وداود بن قيس الفراء، وأبي المثنى سليمان ابن يزيد الكعبي، وعاصم بن عمر العمري، وعبد الله بن نافع، مولى ابن عمر، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وأبي مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني، وعبد الملك بن قدامة الجمحي، وعبد المهيمن بن عباس بن سهيل ابن سعد الساعدي، وعثمان بن الضحاك بن عثمان الحزامي، وعصام بن زيد، وكثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، ومحمد بن صالح التمار، ومحمد بن عبد الله ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومعمر بن عبد الرحمن مولى ابن قسيط، والمغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، وهشام بن سعد المدني.(/)
وروى عنه: إبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن الحسن الترمذي، وأحمد بن صالح المصري، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري، وبكر بن عبد الوهاب ابن أخت الواقدي، والحسن بن علي الخلال، والزبير بن بكار، وسحنون بن سعيد التنوحي، وسلمة بن شبيب النيسابوري، وأبو الربيع سليمان بن داود المهري المصري، وعبد الله بن عمران العابدي المخزومي، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، وأبو بكر عبد الملك بن شيبة الحزامي، وقتيبة بن سعيد، ومحمد ابن إسحاق المسيبي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن يحيى الذهلي، وأبو عمرو مسلم بن عمرو الحذاء المديني، وأبو أيوب يحيى بن خالد المخزومي المديني، ويونس بن عبد الأعلى.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، وعثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين: ثقة.
وقال محمد بن سعد: كان قد لزم مالك بن أنس لزوماً شديداً لا يقدم عليه أحداً، وهو دون معن.
وقال البخاري: تعرف وتنكر، وفي رواية: يُعرف حفظه وينكر، وكتابه أصح.
وقال في موضع آخر: في حفظه شيء.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال أبو حاتم: هو لين في حفظه، وكتابه أصح.
وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في روايته مستقيم الحديث.
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان صحيح الكتاب، وإذا حدّث من حفظه ربما أخطأ.
وقال الذهبي: ليس هو بالمتوسع في الحديث جداً، بل كان بارعاً في الفقه.
قال ابن غانم: قلت لمالك: من لهذا الأمر بعدك؟.
قال: رجل من أصحابي، حتى دخل رجل أعور، وهو ابن نافع فقال: هذا.
قال الشيرازي: وكان أصم أمياً لا يكتب.
وقال: صحبت مالكاً أربعين سنة ما كتبت منه شيئاً، وإنما كان حفظاً أحفظه.
وقال الذهبي: عبد الله بن الصائغ حديثه مخرج في الكتب الستة، سوى صحيح البخاري.
وقال ابن لبابة: أهل الحديث يقدمون ابن نافع على أصحاب مالك في الحديث والثقة.(/)
وقال ابن وضاح: كان أفضل أصحاب مالك في العبادة المصريون والإسكندرانيون، وكان ابن نافع رجلاً صالحاً، لكن هؤلاء فوقه.
قال محمد بن سعيد: لزم مالكاً لزوماً شديداً، وكان لا يُقدم عليه أحداً، وهو دون معن.
وقال سحنون: وكان ابن نافع رجلاً صالحاً، وكان ضيق الخُلق، وكان أبوه صائغاً، وكان أولاً في حداثته متحركاً فبينما هو في حائط من حيطان المدينة يوماً، إذ سمع رجلاً يقرأ القرآن، قال: هذا يتلو كتاب الله وأنا مشغول في هذا الحائط، فرجع ولزم المسجد.
وله تفسير في الموطأ، ورواه عنه يحيى بن يحيى، وعدّه ابن حبيب وابن حارث فيمن خلف مالكاً بالمدينة في الفقه.
وقال مجاهد بن موسى: قال عبد الله بن نافع الصائغ: أنا أُجالس مالكاً منذ ثلاثين سنة، أو خمسة وثلاثين سنة بالغداة والعشي، وربما هجرت، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد قط.
توفي بالمدينة في رمضان سنة ست وثمانين ومائة.
انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (16/210) ، وسير أعلام النبلاء (10/371) .
11- عبد الله بن نافع الزبيري
هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي يُكنى: أبا بكر. سمع من مالك بن أنس أحاديث.
حدثنا عبد الوارث: ثنا قاسم: نا أحمد بن زهير، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن نافع من أولاد الزبير بن العوام، صدوق ليس به بأس.
قال أبو عمرو: سأله يحيى بن يحيى الأندلسي عن تفسير بعض الموطأ، وحمله عنه، كتبناه عن ثلاثة من شيوخنا رحمهم الله.
قال الزبير: كان عبد الله بن نافع الزبيري يسرد الصوم، وكان المنظور إليه من قريش بالمدينة في حين وفاته في هديه وفقهه وفضله.
توفي سنة عشرين ومائتين، وقيل: بل مات سنة خمس عشرة ومائتين، وهو ابن سبعين سنة.(/)
هو عبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، القرشي، الأسدي، المدني، الزبيري، أبو بكر المديني، فهو عبد الله ابن نافع الأصغر، حفيد ثابت بن عبد الله بن الزبير.
قال الزبير بن بكار، حفيد ثابت بن عبد الله بن الزبيري: عبد الله بن نافع الأصغر، وكان يعني عبد الله بن مصعب بن ثابت، يسميه: بقية ويحبه.
روى عن: ابن عمه عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير، وعبد الله ابن مصعب بن زيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن نافع الزبيري الأكبر (أخوه) ، وعبد العزيز ابن ابي حازم، ومالك بن أنس، ومحمد بن عجلان.
وروى عنه: أحمد بن سعيد الجمال، وأحمد بن عبد الله بن نافع الزبيري، وأبو عيينة أحمد بن الفرج المجازي، وأحمد بن المعذل، والحسن بن محمد الزعفراني، وأبو عمار الحسين بن حُريث المروزي، وأبو توبة صالح بن دراج، وعباس بن محمد الدروري، وعبد السلام بن عاصم الهسنجاني، وعثمان بن محمد العثماني، وعلي بن الجسن بن بشير، والد الحكيم الترمذي -رحمه الله-، وعلي بن الحسن ابن أبي مريم، وعمرو بن محمد العثماني القاضي، وعمير بن مرداس الدنقي، ومحمد بن خلف الهمداني الكسائي، ومحمد بن يحيى الذهلي، وهارون بن عبد الله الحمال، ويعقوب بن شيبة الدوسي.
قال البخاري: أحاديثه معروفة مستقيمة.
وقال ابن أبي خيثمة: عن يحيى بن معين: صدوق ليس به بأس.
وقال أبو حاتم: سمع من مالك أحاديث معروفة. وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال مصعب بن عبد الله: وكان يأتيه كثيراً وهو في مصلاً، فيدعو له، فيرى أن بركة دعائه قد أدركته، فتوفي حين توفي، وهو المنظور إليه من قريش بالمدينة في هديه وفقهه، وعفافه، وكان قد سرد الدهر صياماً وحُمل عنه الحديث.
وقال البزار: هو ثقة. وخرّج عنه الإمام مسلم. وقال منذر بن سعيد: ابن نافع إمام لم يزنه أحد ببدعة.(/)
قال الزبير: توفي في المحرم سنة عشرة ومائتين. وقال البخاري: سنة عشرة، وفي حكاية: بضع عشرة. وقال الزبير: وهو ابن سبعين سنة. وهذا يرد ما قاله الضراب: أنه صحب مالكاً أربعين سنة.
لأنه على هذا عاش بعد مالك ستاً وثلاثين سنة، بقي من عمره أربع وثلاثون سنة منها طفولته، وبعدها صحبته لمالك، والله أعلم.
انظر في ترجمته: تهذيب الكمال (22/302) .
12- عبد الملك بن عبد العزيز ابن أبي سلمة الماجشون
مولى لبني هيثم من قريش، يُكنى: أبا مروان، وكان فقيهاً فصيحاً، دارت عليه الفتيا في زمانه إلى موته، وعلى أبيه عبد العزيز قبله، فهو فقيه ابن فقيه، وكان ضرير البصر، وقيل: أنه عمي في آخر عمره.
وروى عن مالك، وعن أبيه وكان مولعاً بسماع الغناء ارتجالاً، وغير ارتجال. قال أحمد بن حنبل: قدم علينا ومعه من يغنيه.
حدثنا عبد الوارث: ثنا قاسم، ثنا أحمد بن زهير قال: سمعت مصعب ابن عبد الله الزبيري يقول: عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون، كان في زمانه مفتي أهل المدينة.
قال أبو عمر: توفي عبد الملك بن الماجشون سنة اثنتي عشرة. وقيل: سنة أربع عشرة ومائتين.
قال القاضي عياض: كنيته: أبو مروان، واسم أبي سلمة ميمون، قاله اللالكائي، ويقال: دينار، وقاله الباجي. مولى لبني تميم من قريش، ثم لآل المنكدر. والماجشون هو أبو سلمة فيما قاله اللالكائي.
وقال محمد بن سعيد والدارقطني: هو يعقوب بن أبي سلمة أخو عبد الله.
قال الباجي: والماجشون، المورد بالفارسية. وقال الدارقطني: سُمي بذلك لحمرة في وجهه.
وحكى ابن خالد عن بعضهم أنهم من أهل أصبهان انتقلوا إلى المدينة، فكان أحدهم يلقى الآخر فيقول: (شوني شوني) يريد كيف أنت فلقبوا بذلك.
وحكى ابن حارث أن ماجش، موضع بخراسان نسبوا إليه وجده عبد الله يروي عن ابن عمر وغيره، خرج له مسلم. وأخو جده يعقوب بن أبي سلمة يروي عن ابن عمر أيضاً وعمر بن عبد العزيز خرج له مسلم.(/)
ويوسف بن عبد العزيز أخو عبد الملك، حدث عنه الزبير بن بكار.
ومنهم يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة، يروي عن ابن المنكدر والزهري، خرج عنه البخاري ومسلم.
وروى عنه ابن حنبل وابن المديني وغيرهما.
وأخوه عبد العزيز بن يعقوب أبو الأصبغ يروي أيضاً عن ابن المنكدر مراسيل رواها عنه ابن حنبل.
روى ابن الماجشون عن: إبراهيم بن سعد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد العزيز ابن الماجشون (أبوه) ، ومالك بن انس، ومسلم بن خالد الزنجي، ويوسف بن يعقوب ابن الماجشون (خاله) .
وروى عنه: إبراهيم بن موسى بن حصين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ الأنصاري الأشهلي، وابو عُتبة أحمد بن الفرج الحجازي، وأحمد بن نصر النيسابوري المقرئ، وإسماعيل بن عمرو بن عمر الغافقي، وبكار بن عبد الله بن بسر البسري الدمشقي، وجعفر بن محمد بن الفضيل الرسعني، والزبير بن بكار، وسعد بن عبد الله ابن عبد الحكم، وعبد الملك بن حبيب الفقيه المالكي، وعثمان بن الحسن الرافعي المدني، وعلي بن حرب الموصلي، وعمر بن طالوت، وعمرو بن علي الصيرفي، وعمرو ابن هشام الحراني، ومحمد بن الحسين البرجلاني، وأبو عبيد محمد بن عبيد التبان المديني، ومحمد بن هشام الحلبي، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن يعقوب الزبيري، وهارون ابن محمد الفروي، وهارون بن موسى بن أبي علقمة الفردي، وأبو مسلمة يحيى بن المغيرة المخزومي، وأبو فروة يزيد بن محمد بن سنان الرهاوي، ويعقوب بن سفيان الفارسي.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن مصعب بن عبد الله الزبيري: كان في زمانه مفتي المدينة.
وقال أبو عبيد الأجري: سمعت أبا داود يقول: كان عبد الملك الماجشون لا يعقل الحديث.
قال ابن البرقي: دعاني رجل على أن أمضي إليه فجئناه، فإذا هو لا يدري الحديث إيش هو؟. وذكره ابن حبان في الثقات.
قال يحيى بن أكتم القاضي: عبد الملك بحر لا تكدره الدلاء.(/)
وقال الساجي: ضعيف في الحديث صاحب رأي، وقد حدث عن مالك مناكير حدثني القاسم، ثنا الأثرم قال: قلت لأحمد: إن عبد الملك بن الماجشون يقول في سند أو كذا؟ قال: من عبد الملك؟ عبد الملك من أهل العلم، من يأخذ من عبد الملك؟
وحدثني محمد بن روح سمعت أبا مصعب يقول: مالك بن أنس طرد عبد الملك، لأنه كان يُتهم برأي جهم.
وقال الساجي: وسألت عمرو بن محمد العثماني عنه فجعل يذمه.
قلت: وقد برأه أهل العلم من تلك التهمة، وهي القول بخلق القرآن.
ونقل الشيرازي: أنه كان فصيحاً.
روي أنه كان إذا ذاكره الشافعي، لم يعرف الناس كثيراً مما يقولون، لأن الشافعي تأدب بهزيل في البادية، وعبد الملك تأدب في طفولته من بني كلب بالبادية.
وقال عبد الملك: أتيت المنذر بن عبد الله الحزامي، وأنا حديث السن، فلما تحدثت وفهم عني بعض الفصاحة، قال لي: من أنت؟ فأخبرته، فقال لي: اطلب العلم فإن معك حذاؤك وسقاؤك.
وقال ابن المعدل: كلما تذكرت أن التراب أكل لسان عبد الملك صغرت الدنيا في عيني. وقيل له: أين لسانك من لسان أستاذك عبد الملك؟ قال: كان لسانه إذا تعايي أحيى من لساني من لساني إذا تحابى. وقال عنه ابن الحارث: كان من الفقهاء المبرزين.
وأثنى عليه سحنون، وفضله، وقال: هممت أن أرحل إليه، واعرض عليه هذه الكتب، فما أجاز منها أجزت، وما ردّ رددت.
وأثنى عليه ابن حبيب كثيراً، وكان يرفعه في الفهم على أكثر أصحاب مالك.
قال ابن المواز: كنت عنده بعد أن عمي حتى جاءه كتاب أمير المؤمنين يسأله عن أشياء، فلما قرأه القارئ عليه قال له: حول الكتاب واكتب جوابه، وأملى عليه حتى ختمه ودفعه إلى الرسول.
وقيل: كتب إليه المأمون لولاية القضاء، وكان قد عمي، فامتنع من ذلك.
وقيل له: لو خرجت إلى العراق فعالجت بصرك، فإن بها من يعالجه، وتنظر في مالك، وكان له بها غلام بتجارة خلط عليه فيها، فقال: لا أفارق المدينة.(/)
وذكر أنه أتى بقادح يقدح بصره، فقال له: إنك تقيم كذا وكذا على ظهرك مستلقياً، فأبى وقال: ما كنت لألتمس ما جعل الله ثوابه الجنة، بتعطيل فرض من فروض الصلاة.
قال ابن الحارث: كانت له نفس أبية، كلمه يوماً مالك بكلمة خشنة، فهجره عاماً كاملاً، وذلك أنه استعصى على مالك في الفرق بين مسألتين، فقال له مالك: تعرف دار قدامة؟ وكانت دار يلعب فيها الأحداث بالحمام.
وقيل: بل عرّض له بالسجن. وكان العلماء يفضلونه في علم الإحساس.
قال القاضي إسماعيل: عبد الملك عالم بقول مالك في الوقوف.
وقال ابن أكتم القاضي: ما رأيت مثل عبد الملك أيما رحل، لو كان له مسائلون وكان ممن سمع كتبه، كتبت عنه أربعمائة جلد، أو مائتي جلد، شك الراوي، أو كما قال.
وقال النسائي: فقهاء الأمصار من أصحاب مالك من أهل المدينة:
عبد الملك بن الماجشون، ولعبد الملك بن الماجشون كلام كثير في الفقه وغيره.
قال ابن الحارث: وعلم كثير جداً وله كتاب سماعاته، وهي معروفة، وكتابه الذي ألفه أخيراً في الفقه، يرويه عن يحيى بن حماد السجلماسي.
ورسالة في الإيمان والقدر والرد على من قال بخلق القرآن والاستطاعة.
وكان يقول عن نفسه بعد أن كف بصره: هلموا إليّ سلوني عن معضلات المسائل.
وقال إسماعيل القاضي في وصفه: ما أجزل كلامه وأعجب تفصيلاته، وأقل فضوله.
وقال ابن اللباد: إن يحيى بن أكتم القاضي كان مع عبد الملك على سريره، يعني وهما يتذاكران مذهب أهل العراق وأهل المدينة، ويتناظران في مسألة خلق القرآن.
فقال ابن أكتم يا أبا مروان: رحلنا إلى المدينة في العام قاصدين فيه، وكنتم بالمدينة لا تعتنون به، وليس من رحل قاصداً كمن كان فيه وتوانى.(/)
فقال عبد الملك: اللهم غفراً يا أبا محمد، ادعوا لي أبا عمارة المؤذن من ولد سعد، فجاء شيخ كبير، فقال له: كم لك تؤذن؟ فقال: سبعين سنة، أذنت مع آبائي وأعمامي وأجدادي، وهذا الأذان الذي أؤذن به اليوم، أخبروني أنهم أذنوا به مع ابن أم مكتوم.
فقال عبد الملك وإن كنتم تقولون: توانيتم وتركتم هذا الأذان يُنادى به على رؤسنا كل يوم خمس مرات متصلاً بأذان النبي ÷، فنرى أنا كنا لا نصلي فقد خالفتمونا فيه، فأنتم في غيره أحرى أن تخالفونا. فخجل ابن أكتم، ولم يذكر أنه رد عليه جواباً.
وقال ابن أبي إسحاق: سأل ابن الماجشون عن مسألة؟ فأجابه، فرد عليه فأجابه فلما أكثر، قال له: قم، إني لأثقف من أن ترد على المسائل، فأعلم به سحنون فقال له: نعم، هو أثقف من أن يرد علمه.
وحكى الطالبي في كتاب البستان: كان عبد الملك يجيد تفسير الرؤيا، فسأله رجل أنه رأى في منامه أن بيده سيف من ذهب وهو يهزه فيثنى، فقال له: خيراً رأيت جعلت فداك، فعزم عليه ليخبرنه فقال: يولد لك غلام يكون مخنثاً، فكان كذلك.
وقال معين: قدم علينا فكنا نسمع صوت معازفه، فهذا والله أعلم علم يخرج عنه في الصحيح.
قال: ولما قدم عبد الملك من العراق: سئل عنها فقال:
بها ما شئت من رجل نبيل ... ولكن الوفاء بها قليل
يقول فلا ترى إلا جميلاً ... ولكن لا يصدق ما يقول
وروي عنه أنه قال: إني لأسمع الكلمة المليحة وما لي إلا قميص فأدفعه إلى صاحبها، وأستكسي ربي، ولقد كنا بالمدينة، فيحدثنا الرجل الحديث، فيمليه علي ويذكر الخبر من الملح فأستعيده فلا يفعل، ويقول: لا أعطيك ظرفي وأدبي.
وكانت وفاة عبد الملك سنة اثنتي عشرة ومائتين.
وقيل: ثلاث عشرة ومائتين، وقيل: أربع عشرة.
13- مطرف بن عبد الله
ابن مطرف بن سليمان بن يسار، مولى ميمونة زوج النبي ÷. يُكنى: أبا مصعب، وكان أصم.
روى عن مالك، وابن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن أبي الموالي، وعبد الله بن عمر العمري.
وروى عنه: أبو زرعة وأبو حاتم.(/)
وسئل أبو حاتم من أحب إليك، مطرف أو إسماعيل بن أبي أويس؟ قال: مطرف. وسئل عنه مرة أخرى؟ فقال: صدوق.
قال ابن أبي حاتم: توفي مطرف سنة عشرين ومائتين.
وقال غيره: توفي سنة أربع عشرة ومائتين بالمدينة بعد دخوله العراق.
قال القاضي: هو أبو مصعب، ويقال: أبو عبد الله، مولى ميمونة أم المؤمنين، كان جد أبيه سليمان مشهوداً مقدماً في العلم والفقه.
وكان هو وإخوته: عطاء، وعبد الله، وعبد الملك، بنوبار، مكاتبين لميمونة أم المؤمنين، أخذ عن جميعهم العلم، وولاؤهم لبني العباس، وهبت ميمونة ولاءهم لعبد الله بن عباس.
وقال البخاري: هو مولى أم سلمة أم المؤمنين -رضي الله عنها-.
قال أبو عمر الصدفي: هذا وهم، أنا أنكره، إنما هو مولى ميمونة أم المؤمنين -رضي الله عنها-. وقال فيه ابن الحارث: الأسلمي.
وقد ذكر إسماعيل بن إسحاق في مبسوطه: وروى الأسلمي عن مالك ولم يسمعه.
قال محمد بن سعد: مطرف بن عبد الله بن يسار، وكان يسار مكاتباً لرجل من أسلم، فأدى عنه عبد الله بن أبي فروة، فعتق، فصار في دعوتهم، وهو ثقة.
روى عن: أسامة بن زيد بن أسلم، والزبير بن سعيد الهاشمي، وعبد الله بن ويد بن أسلم، وعبد الله بن محمد بن عمران الطلحي، وعبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي سحبل، وعبد الرحمن بن سعيد الديلي، وعبد الرحمن بن أبي الموال، وعبد العزيز بن أبي حازم، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعمر بن رشاد المدني مولى مروان بن أبان بن عثمان، ومالك بن أنس، ومسلم بن خالد الزنجي، ونافع بن أبي نعيم القارئ.(/)
روى عنه: محمد بن إسماعيل البخاري، وإبراهيم بن سعد بن إبراهيم الزهري، أخو عبيد الله بن سعد، وإبراهيم بن محمد بن مروان العتيق، وإبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن خليد الحلبي، وأحمد بن داود بن أبي صالح الحراني، وبشر بن موسى الأسدي، وأبو سليمان جامع بن سوادة الأزدي المصري، والربيع بن سليمان المرادي، وأبو يحيى عبد الله بن أحمد بن الحارث بن أبي ميسرة المكي، وعبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي، وعبد الله بن شعيب الزبيري، ويقال: الزهري القارئ، وأبو علقمة عبد الله بن عيسى المدني، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وعبد الرحمن بن معدان بن جمعة اللاذقي، وعبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، وعلي بن بحر بن بري القطان، وعلي بن الحسين بن بشر والد الحكيم الترمذي، وعلي بن سعيد بن جرير النسائي، وعمير بن مرداس الدونقي، وعيسى بن عبد الله الطيالسي، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، ومحمد بن بجير والد عمر بن محمد بن بجير البجيري، ومحمد بن الحسن البرجلاني، ومحمد بن الحسن السماني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، ومحمد بن عبد الرحمن بن القاسم، ومحمد بن عزيز الزهري، ومحمد بن يحيى الذهلي، ومعن بن عيسى القزاز، وهو أكبر منه، وهارون ابن عبد الله الحمال، ويعقوب بن سفيان الفارسي، ويعقوب بن شيبة الدوسي، وأبو سبرة بن محمد بن عبد الرحمن القرشي المدني.
قال فيه أبو بكر الشافعي: سألت أبا موسى عيسى بن عبد الله عن مطرف؟ فقال: كان شيخاً بالمدينة أطروش، وكان ابن أخت مالك بن أنس.
وقال أحمد بن داود بن أبي صالح الحراني: حدثنا أبو مصعب وقال: المدني ولقبه مطرف.
قال ابن معين: مطرف ثقة. قال ابن وضاح: هو عندي أرجح من ابن أبي أويس. قال الكوفي: ثقة.
قال أحمد بن حنبل: كانوا يقدمونه على أصحاب مالك.(/)
قال الزبير: قال مطرف: صحبت مالكاً سبع عشرة سنة، فما رأيته قرأ الموطأ على أحد، وكان يعيب كتابة العلم علينا، ويقول: لم أدرك أحد من أهل بلدنا ولا كان من مضى، يكتب.
فقيل له: فكيف نصنع؟
فقال: تحفظون كما حفظوا، وتعملون كما عملوا، حتى تتنور قلوبكم، فيغنيكم عن الكتابة، ولقد كره عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ذلك، وقال: لا يكتب كتاب مع كتاب الله.
قيل لابن معين: مطرف مثل القعنبي ومعن؟ قال: كلهم ثقات. قال ابن وضاح: رأيت سحنوناً لا يعجبه مطرف.
قال أبو العرب: وامتحن مطرف في القرآن أيام المأمون. فقد ذكر العرب التميمي في كتابه المحن: أنه امتحن هو وأصحابه للإمام مالك، في الهيجاء التي هاجت في المدينة، زمن أبي جعفر، في مسألة رفض سلطانهم والبيعة لهم، وقد ضرب فيها الإمام مالك -رحمه الله-.
وكذلك امتحن في فتنة القرآن للإمام أحمد، قال أبو العرب:
قال موسى بن الحسين: وسمعت أبا بكر بن أبي أويس وقد دُعي إلى المحنة بالمدينة، هو ومطرف بن عبد الله المديني صاحب مالك، وكان ابن أبي أويس جده، فلما قُرئ عليهم الكتاب، قال: الكفر بالله بعد نيف وسبعين سنة، ومجالسة رجال من أهل العلم يتوافرون بالمدينة، فقيل له: ليكن سجنك بيتك.
وأما مطرف فإني أقمت عليه بالمدينة نيفاً وعشرين شهراً، فسألته عن هذا فأبى أن يجيبني.
قال أبو بكر بن أبي خيثمة: جاءنا سنة عشرين ومائتين.
وقال أبو حاتم: مات سنة عشرين ومائتين.
قال البخاري: ولد مطرف سنة تسع وثلاثين ومائة، ومات سنة عشرين ومائتين بالمدينة، وقال ابن أبي خثيمة ومحمد بن سعيد، في أولها.
وقال الدارقطني: في صفر منها، وقال غيره: سنة أربع عشرة.
وقال ابن وضاح: سنة تسع عشرة، قيل: وسنه بضع وثمانون سنة.
14- يحيى بن يحيى الأندلسي(/)
يُكنى: أبا محمد، ويعرف بابن عيسى وهو يحيى بن يحيى بن كثير، وهو المكنى بأبي عيسى، وهو الداخل إلى الأندلس، وهو كثير بن شملل. أصله من البربر، من مصمودة المشرق. رحل وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
فسمع من مالك بن أنس الموطأ غير أبواب من الاعتكاف فحملها عن زياد بن مالك، وسمع من نافع بن أبي نعيم القارئ ومن القاسم العمري، ومن الحسين بن ضميرة، وسمع بمكة من سفيان بن عيينة. وسمع بمصر من الليث بن سعد سماعاً كثيراً. ومن ابن وهب (موطأ) وجامعه.
وسمع من ابن القاسم مسائله، وحمل عنه من رأيه عشر كتب كباراً، أكثرها سؤاله وسماعه، وكتب سماع ابن القاسم من مالك.
ثم انصرف إلى المدينة ليسمعه من مالك، يسائله عنه؟ فوجد مالكاً عليلاً، فأقام بالمدينة إلى أن توفي مالك -رحمه الله-، وحضر جنازته.
وسمع من أنس بن عياض، وقدم إلى الأندلس بعلم كثير، فعاد فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار عليه، وانتهى السلطان والعامة إلى رأيه.
وكان فقيهاً حسن الرأي، وكان لا يرى القنوت في الصبح ولا في سائر الصلوات.
وقال: سمعت الليث بن سعد يقول: سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: إنما قنت رسول الله ÷ نحو أربعين يوماً يدعو على قوم، ويدعو لآخرين. قال: وكان الليث لا يقنت.
وخالف يحيى أيضاً مالكاً في اليمين مع الشاهد، فلم ير القضاء به ولا الحكم وأخذ بقول الليث في ذلك، وقال: لا بد من شاهدين رجلين، أو رجل وامرأتين.
وكان يرى زكاة الأرض بجزء مما يخرج منها على مذهب الليث، وقال: هي سنة رسول الله ÷ في خيبر، وقضى برأي أمينين إذا لم يوجد في أهل الزوجين حكمان يصلحان لذلك.
وكان إمام أهل بلده والمقتدى به فيهم، والمنظور إليه والمعول عليه.
وكان ثقة عاقلاً حسن الهدي والسمت، وكان شبه في سمته بسمت مالك -رحمه الله-، ولم يكن له بصر بالحديث.(/)
قال أحمد بن خالد: لم يُعط أحد من أهل العلم بالأندلس منذ دخلها الإسلام من الحظوة وعظم القدر، وجلالة الذكر ما أُعطي يحيى بن يحيى.
واختلف في وقت وفاته، فقيل: توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وقيل: توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين.
وكان يأتي الجامع يوم الجمعة، راجلاً معمماً.
قال القاضي أبو الوليد بن الفرضي: يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس بن شمال ابن منغايا، يُكنى: أبا محمد.
قال الأصيلي: ويحيى هو المكنى بأبي عيسى، وهو من مصمودة طنجة، ويتولى بني ليث، ولا يعلم على الصحة سبب ذلك.
قال الرازي في كتاب الاستيعاب: هو من مصمودة من مضارة قبيل منها.
دخل يحيى بن وسلاس مع ابن أخيه نصر بن عيسى في جيش طارق، وأسلم وسلاس بعدهم على يد يزيد بن عامر الليثي، وليث كنانة.
فهذا والله أعلم سبب انتمائهم إلى ليث.
قال الرازي: ثم دخل بعدهما كثير بن وسلاس وهو جد يحيى، وولي ابنه يحيى الجزيرة وشؤونه، وطلب يحيى ابنه العلم.
قال الشيرازي: رحل يحيى بن يحيى إلى مالك وهو صغير، وتفقه بالمدنيين والمصريين من أصحابه.
قال ابن الفرضي: وسمع منه رجال الأندلس في وقته، وكان آخر من حدّث عنه ابنه عبد الله.
وقال الذهبي: سمع أولاً من الفقيه زياد بن عبد الرحمن شبطون، ويحيى ابن مضر، وطائفة.
ثم ارتحل إلى المشرق في أواخر أيام مالك الإمام، فسمع منه الموطأ، سوى أبواب من الاعتكاف، شك في سماعها منه، فرواها عن زياد شبطون عن مالك، وسمع من الليث ابن سعد، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن ابن القاسم العتقي، وحمل عن ابن القاسم عشرة كتب سؤالات ومسائل، وسمع من ابن القاسم بن عبد الله العمري، وأنس بن عياض الليثي.
ويقال: إنه لحق نافع بن أبي نعيم مقرئ المدينة وأخذ عنه، وهذا بعيد، فإن نافعاً مات قبل مالك بعشر سنين.
وكان كبير الشأن، وافر الجلالة، عظيم الهيبة، نال من الرئاسة والحرية ما لم يبلغه أحد.(/)
قال أبو القاسم بن شكوال الحافظ: كان يحيى بن يحيى مجاب الدعوة، قد أخذ نفسه في هيئته ومقعده هيئة مالك الإمام بالأندلس، فإنه عُرض عليه قضاء الجماعة وامتنع، فكان أمير الأندلس لا يولي أحداً القضاء بمدائن إقليم الأندلس، إلا من بشير بن يحيى ابن يحيى، فكثر لذلك تلامذة يحيى بن يحيى، وأقبلوا على فقه مالك، ونبذوا ما سواه.
وقال ابن القرطبي في تاريخه: وكان يحيى بن يحيى ممن أتمم ببعض الأمر في الهيج، يعني: في القيام والإنكار على أمير الأندلس.
قال: فهرب إلى طليطلة، ثم استأمره، فكتب له الحكم الأمير المعروف بالربضي إماناً فرد إلى قرطبة.
وعن يحيى بن يحيى قال: أخذت بركات الليث، فأراد غلامه أن يمنعني، فقال الليث: دعه، ثم قال لي: خدمك العلم، قال: فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك وقيل: إن عبد الرحمن بن عبد الحكم المرواني صاحب الأندلس نظر إلى جارية له في رمضان نهاراً، فلم يملك نفسه أن يواقعها، ثم ندم، وطلب الفقهاء، وسألهم عن توبته، فقال يحيى بن يحيى: صم شهرين متتابعين، فسكت العلماء، فلما خرجوا، قالوا ليحيى: مالك لم تفت بمذهبنا عن مالك أنه مُخير بين العتق والصوم والإطعام؟
قال: لو فتحنا هذا الباب، لسهل عليه أن يطأ كل يوم، ويعتق رقبة فحملته على أصعب الأمور لئلا يعود.(/)
روى عن: إبراهيم بن سعد الزهري، وإبراهيم بن إسماعيل الصائغ، وأزهر بن سعد السمان، وإسماعيل بن جعفر المدني، وإسماعيل بن عُلية، وإسماعيل بن عياش، وأبي ضمرة أنس بن عياض، وبشر بن المفضل، وبقية بن الوليد، وبكر ابن مضر المضري، وتليد بن سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وجعفر بن سليمان الضبعي، وأبي قدامة الحارث بن عبيد الإيادي، وحجاج بن محمد الأعور، وحفص بن غياث النخعي، وحماد ابن زيد، وحماد بن سلمة، وحميد بن عبد الرحمن الرواس، وخارجة بن مصعب الخراساني، وخالد بن عبد الله الواسطي، وداود بن عبد الرحمن العطاء، وأبي خثيمة زهير بن معاوية الجعفي، وسعيد بن عبد الجبار الزبيدي، وسعير بن الخمس التميمي، وسفيان بن عيينة، وسليم بن أخضر، وسليمان بن بلال، وأبي الأحوص سلام بن سليم، وصالح المري، وعباد بن عباد المهلبي، وعياد بن العوام، وأبي زبيد عبثر بن القاسم، وعبد الله بن جعفر المخرمي، وعبد الله بن رجاء المكي، وعبد الله بن المبارك، وابي علقمة عبد الله بن محمد الفردي، وعبد الله بن نمير، وعبد الله بن وهب المصري، وعبد الله بن يحيى ابن أبي كثير، وعبد الحميد بن عبد الرحمن أبي يحيى الحماني، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرحمن بن أبي الموال، وعبد العزيز ابن أبي حازم، وعبد العزيز بن الربيع بن سبرة، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الوارث بن سعيد، وعلي بن عمر بن علي المقدمي، وفضيل بن عياض، والليث بن سعد، ومالك بن أنس، ومحمد بن ثابت العبدي، وأبي معاوية محمد بن حازم الضرير، ومحمد بن مسلم الطائفي، ومسلم بن خالد الزنجي، ومعاوية بن سلام بن أبي سلام الحبشي، ومعاوية بن عبد الكريم الضال، ومعاوية بن عمار الدهني.(/)
انظر في ترجمته: تاريخ علماء الأندلس (2/179) ، ترتيب المدارك (2/534) ، وفيات الأعيان (6/146، 143) ، مرآة الجنان (2/113) ، المغرب في حلى المغرب (1/163، 165) ، وتهذيب التهذيب (11/101، 300) ، نفح الطيب (2/9) ، السير (10/519) .
15- علي بن زياد التونسي
يُكنى: أبا الحسن، أصله من العجم، ولد بطرابلس، ثم سكن تونس. روى عن مالك وغيره. توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة.
هو علي بن زياد أبو الحسن التونسي العبسي.
قيل: أصله من العجم، ولد بطرابلس، ثم انتقل إلى تونس فسكنها. وقال ابن شعبان وغيره: هو من عبس.
وقال أبو العرب: علي بن زياد من أهل تونس، ثقة مأمون، خيار، متعبد، بارع في الفقه، ممن يخشى الله تعالى مع علوه في الفقه.
سمع من مالك، وسفيان الثوري، والليث بن سعد، وابن لهيعة، وغيرهم.
وسمع بأفريقية قبل هذا: من خالد بن أبي عمران، لم يكن بعصره بأفريقية مثله.
وسمع منه: البهلول بن راشد، وسحنون، وشجرة، وأسد بن الفرات وغيرهم.
روى عن مالك الموطأ، وكتب سماعه من مالك الثلاثة.
قال أبو سعيد بن يونس: هو أول من أدخل الموطأ وجامع سفيان المغرب وفسر لهم قول مالك: ولم يكونوا يعرفونه، وكان قد دخل الحجاز والعراق في طلب العلم، وهو معلم سحنون الفقه.
قال الشيرازي: به تفقه سحنون وله كتب على مذهبه، وتفقه بمالك، وله كتاب خير من زنته.
قال سحنون: كتاب خير من زنته، أصله لابن اشرس، غلا أنا سمعناه من ابن زياد، وكان يقرأه على المعافي، وأن أعرف من ابن أشرس المعافي.
قال ابن وضاح: قلت: وكان أكبر من ابن أشرس.
قال: بل كان أمرهما واحداً، إلا أن ابن أشرس، ربما سمع وغاب علي فكان يقرأ على المعافي.
وهو ثلاثة كتب: بيوع ونكاح، وطلاق، وسماعه من مالك ثلاثة كتب.(/)
وقال أبو الحسن بن أبي طالب القيرواني العابد في كتاب (الخطاف) : أن علي بن زياد لما ألف كتاباً في البيع، لم يرد ما يسميه به، فقيل له في المنام: سمه كتاب (خير من زنته) ورأى حبيب أخو سحنون في منامه: خُذ كتاب خير من زنته ذهباً، فإنه الحق عند الله تعالى.
وكان سحنون لا يقدم عليه أحد من أهل أفريقية ويقول: ما بلغ البهلول بن راشد شسع نعل ابن زياد.
وكان أهل العلم بالقيروان، إذا اختلفوا في مسألة كتبوا بها إلى علي بن زياد ليعلمهم بالصواب.
قال: وكان خير أهل أفريقية في الضبط للعلم. وما أنجبت أفريقية مثل علي بن زياد، وقد فضله على المصريين.
قال البلخي: لم يكن في عصر علي بن زياد أفقه منه ولا أورع ولم يكن سحنون يعدل به أحداً من علماء أفريقية.
وقال ابن حارث: كان علي ثقة مأموناً.
وجاء رجل إلى البهلول فقال له: رأيت في المنام كأن قنديلاً دخل من باب تونس حتى دخل دار وراح، فقال: تعرف الدار؟ قال: نعم. قال: قوموا بنا، فقد جاء علي بن زياد. فانتهوا مع الرجل حتى أوقفهم على الدار، فسألوا فإذا علي قد دخلها في السحر، فدخل عليه البهلول، فقام إليه علي وسلم عليه وجعل البهلول يسأله عن مسائل وكتب البهلول مع سحنون إلى علي بن زياد: يأتيك رجل يطلب العلم.
فلما وصل سحنون أتاه علي إلى بيته بالموطأ، وقال له: والله لسمعنه علي إلا في بيتك، لأن أخي البهلول كتب إلي أنك ممن يطلب العلم لله.
وقد رأيت أنا هذه الحكاية مع غير سحنون، وفيها:
ومات علي بن زياد والبهلول بن راشد سنة ثلاث وثمانين ومائة.
ويشبه به رجل آخر من أكابر أصحاب مالك المصريين، يكنى بكنيته ويتسمى باسمه، وينتسب بنسبه، وهو أبو الحسن علي بن زياد الإسكندراني.
مصادر الترجمة: ترتيب المدارك (2/84، 80) .
16- عبد الله بن غانم الأفريقي
القاضي بها. ولد سنة ثمان وعشرين ومائة. وكان فقيهاً. سمع من مالك ومن أبي يوسف القاضي.(/)
هو عبد الله بن عمر بن غانم بن شرحبيل بن ثوب الدين محمد بن شريح بن شراحبيل بن الحنفي بن أيمن بن ذي القمط بن قزو بن ذي عين.
كنيته: أبو عبد الرحمن، كذا نسبه ابن شعبان وابن حارث وأبو العرب: قاله ابن الفرضي والقرطبي.
وقال البخاري في التاريخ: عبد الله بن عمر النميري، عن يونس بن عبد الله سمع من الثوري وحجاج بن منهال.
وقال في الصحيح: حدثنا عبد الله بن عمر النميري: حدثنا يونس حديث الإفك في باب من شهد بدراً.
قال ابن مندرة: عبد الله هذا هو ابن غانم الأفريقي، روى عنه القعنبي وابن القاسم.
قال أبو العرب التميمي: كان ثبتاً ثقة فقيهاً عدلاً في قضائه.
قال أبو علي بن أبي سعيد في كتابه المغرب في أخبار المغرب: كان ابن غانم رجلاً فقيهاً مقدماً، مع فصاحة لسان وحسن بيان، وبصر العربية ورواية الشعر، تروى له أسباب مستحسنة، وكان فيه تمتنة، وكان أبوه مذكوراً قديماً في عرب أفريقية وأبنائها قبل دخول المسودة.
قال غيره: كان من أهل العلم والدين والعقل والورع، والتواضع والفصاحة والجزالة.
قال أبو سعيد بن يونس: كان أحد الثقات الأثبات، ولم يعرفه أبو حاتم لبعده قطره. وقال: مجهول.
قال الشيرازي: كان ابن غانم من نظراء ابن أبي حازم وأقرانه.
قال القاضي عياض: سمع ابن غانم من ابن أنعم وخالد بن أب يعمران ورحل إلى الحجاز، والشام والعراق، فسمع من مالك وعليه اعتماده، ومن سفيان الثوري، ومن أبي يوسف، وعثمان بن الضحاك، وإسرائيل بن يونس، وداود بن قيس وغيرهم، سمع منه القعنبي وغيره.
قال ابن عمران: كان مالك يجل ابن غانم، وإذا جاء أقعده إلى جانبه، ويسأله عن أخبار المغرب، وإذا رأى أصحابه قالوا: شغله المغربي عنا، ولما ولي القضاء، أعلم مالك بذلك أصحابه وسرّ به.
ويقال: أن مالكاً عرض عليه أن يزوجه ابنته، ويقم عنده، فامتنع من المقام، وقال له: عن أخرجتها إلى القيروان تزوجتها.(/)
وله سماع من مالك مدون، انقطع، ومنه في المجموعة مسائل وسمع الموطأ.
قال: وجاء رجل بوثيقة إلى أسد بخط ابن غانم، فجعل أسد يعرضها، ثم نقرها بأصبعه، وقال ما كان أفقه. قال سليمان بن عمران: كان ابن غانم كاملاً متكملاً، فصيحاً، حسن البيان، وهذه التمتمة باقية في ولده إلى زماننا.
قال أسد: كان ابن غانم فقيهاً.
قال معمر: كان ابن غانم يقرأ لنا كتب أبي حنيفة في الجمعة يوماً، ولما بلغت وفاته استرجع وترحم عليه، ثم قال: لقد كنت قائماً بهذا الأمر.
قال ابن غانم: لما دخلت مع البهلول بن راشد على سفيان الثوري، وكان معهم عبد الله بن فروخ، قال: ليقرأ علي أفصحكم لساناً، فإني أسمع اللحنة فيتغير لها قلبي، فقرأت عليه إلى أن فارقناه، ما رد علي حرفاً.
قال أبو العرب: ومناقب ابن غانم كثيرة، وقد حدث عنه سحنون، وداود ابن يحيى.
وكان لابن غانم حظ من صلاة الليل، فإذا قضاها وجلس في التشهد آخرها، عرض كل خصم يريد أن يحكم له على ربه، يقول في مناجاته:
يا رب فلان نازع فلاناً وادعي عليه بكذا، فأنكر دعواه، فسألته البينة فأتى ببينة شهدت بما ادعى، ثم سألته تزكيتها، فأتاني بمن زكاهم، وسأل تعنهم في السر فذكر عنهم، يعني خيراً، وقد أشرفت أن آخذ له من صاحبه حقه الذي تبين لي أنه حق له، فإن كنت على صواب، فثبتني وإن كنت على غير صواب فاصرفني، اللهم لا تسلمني، اللهم سلمني. فلا يزال يعرض الخصوم على ربه حتى يفرغ منهم.
وكان ابن غانم يكثر إنشاد هذين البيتين:
إذا انقرضت عني من العيش مدتي ... فإن غناء الباكيات قليل
سيعرض عن ذكري وتنسي مودتي ... ويحدث غناء الباكيات قليل
وكان لابن غانم أخ اسمه سعيد، سمع من أخيه عبد الله، وكتب عنه.
وكان لابن غانم ابنان جليلان أبو عمر وغانم، وأبو شراحبيل.
وكان أبو شراحبيل فقيهاً نظاراً ورعاً أديباً شاعراً، أخذ عن الكوفيين، ومال إلى رأيهم، وتوفى وهو ابن ست وثلاثين سنة، مولده سنة تسع ومائتين.(/)
وكان لابنه أبي عمرو وغانم ولد يُكنى أبا عبد الرحمن.
وفاته: قال القاضي أبو الفضل: ودخل على ابن غانم، أبو الوليد المهدي اللغوي في مرضه الذي مات فيه، فقال له: ارفع إليه ضجعتك من هذه العلة إلى إفاقة وراحة، وأعد إليك ما عودك من الصحة والسلامة فأطال ما صححت وعوفيت أصلحك الله، فاصبر لحكم ربك فإن الله يحب أن يشكر على نعمه.
فقال ابن غانم: هو الموت والغاية التي إليها انتهاء الخلق، وما لا بد منه فصبر يؤجر صاحبه عليه، خير من جزع لا يغني عنه، ثم تمثل.
وتوفى في ربيع الأخر سنة تسعين ومائة، وقيل ست وتسعين من فالج أصابه، وقيل: إن بصره كان قد كف، والأول أصح. ويشهد له شعر:
ولينا قضاء الغرب عشرين حجة
وكان ولي القضاء سنة إحدى وسبعين، وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، وتوفى وهو قاض كما قدمناه.
ومولده سنة ثمان وعشرين ومائة مع البهلول بن راشد في ليلة واحدة.
وذكر بعضهم أنه سمع عند موته صوتاً فلا يرون شخصه يقول:
زادت ذئاب بعد طول عوائها ... لما تضمنه للضريح الملحد
وقيل: بل رآه بعضهم في النوم.
ولما مات بكى عليه ابن الأغلب وجلس على كرسي ينتظر وقته، ووقف على قبره معه ابن غفال، خال إبراهيم بن الأغلب وجزع عليه، فسأله إبراهيم عن ذلك فقال: كان لي صديقاً ودوداً.
فقال إبراهيم: والله ما ولينا أفريقية ولا أمنا حتى مات. وكان علي الهمة، ولما مات قومت كسوة ظهره بألف دينار.
مصادر الترجمة: ترتيب المدارك (2/68، 79) .
17- معن بن عيسى
ابن يحيى بن دينار القزاز، مولى أشجع، يُكنى: أبا يحيى.
روى عن مالك ابن أنس ومعاوية بن صالح ومخرمة بن بكير ومحمد بن هلال.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، والحميدي ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإبراهيم بن المنذر، وأبو بكر بن أبى شيبة، ونصر بن علي، وغيرهم.
وكان أشد الناس ملازمة لمالك، وكان مالك يتكئ عليه في خروجه إلى المسجد حتى قيل له: عصية مالك.(/)
قال أبو حاتم: سمعت إسحاق بن موسى الأنصاري يقول: سمعت معن ابن عيسى يقول: كان مالك لا يجيب العراقيين في شيء من الحديث، حتى أكون أنا أسأله عنه.
قال: وسمعت معن بن عيسى يقول: كل شيء من الحديث في الموطأ سمعته من مالك إلا ما استثنيت أن عرضته عليه، وكل شيء من غير الحديث عرضته على مالك إلا ما استثنيت أني سألته عنه.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أثبت أصحاب مالك وأوثقهم معن بن عيسى، وهو أحب إلي من ابن نافع وابن وهب.
وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة بالمدينة أعني معن بن عيسى.
هو أبو يحيى معن بن عيسى بن يحيى بن دينار القزاز.
كان يبيع القز، مولى أشجع. قال ابن بكير: كان معن يبيع القز، وكان طويلاً.
وقال محمد بن سعد: وكان له غلمان حاكة.(/)
روى عن: إبراهيم بن سعد، وإبراهيم بن طهمان، وأُبي بن العباس بن سهل ابن سعد الساعدي، وإسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله، وأبي الغصن ثابت ابن قيس المدني، والحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن إياس الشجعي، وخارجة ابن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت، وخالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر العمري، وخالد بن ميسرة الطفاوي، وزهير بن محمد التميمي العنبري، وسعد بن بشير، وسعيد ابن السائب الطائفي، وعبد الله بن زياد بن درهم، وأبي أويس عبد الله بن عبد الله المدني، وأبي جندب عبد الله بن عمرو الهذلي، وعبد الله بن المؤمل المخزومي، وعبد الرحمن بن سعد بن عمار المؤذن، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، وعبد الرحمن بن أبي الموال، وعبد العزيز بن المطلب بن عبد الله قنطب، وعمر بن سلام، وقيس بن الربيع الأسدي، ومالك بن أنس، ومحمد بن بجاد بن موسى بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن عبد الرحمن بن الأوقص المخزومي الأوقصي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومحمد بن مسلم الطائفي، ومحمد بن هلال المدني، ومخرمة بن بكير بن الأشيخ، ومعاوية بن صالح الحضرمي، ومنصور بن أبي الأسود، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، وموسى بن يعقوب الزمعي، وهشام بن سعد، وأبي رزيق، وعبيدة بنت نابل.(/)
روى عنه: إبراهيم بن المنذر الحزامي، وأحمد بن حنبل فيما قيل، وأحمد بن خالد الخلال، وأحمد بن عبد الصمد الأنصاري، وإسحاق بن بهلول التنوخي، وإسحاق بن عيسى بن الطباع، وإسحاق بن موسى الأنصاري، والحسن بن الصباح البزار، والحسين ابن عيسى البسطامي، وخلف بن سالم المخزومي، وذؤيب ابن يمامة السهمي، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وسعيد بن محمد الجرمي، وسهل ابن زنجلة الرازي، وصالح بن مسمار المروزي، وصفوان بن صالح الدمشقي، وطاهر ابن أبي أحمد الزبيري، وعبد الله ابن جعفر البرمكي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وأبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وعبد الرحمن بن يونس المستملي، وعلي بن شعيب السمسار، وعلي ابن المديني، وعلي بن ميمون العطار الرقي، والفضل بن الصبح، وقتيبة بن سعيد، ومجاهد بن موسى، ومحمد بن أبان البلخي، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن الحارث البزاز، وأبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، ومحمد بن رافع النيسابوري، ومحمد بن عبد الله بن نمير، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، ومحمد بن يزيد الآدمي، ومحمود بن خداش، ونصر بن علي الجهضمي، وهارون بن عبد الله الحمال، وهشام بن عمار الدمشقي، ويحيى بن معين، ويعقوب بن حميد بن كاسب، ويوسف بن يعقوب الصفار، ويونس بن عبد الأعلى.
قال أبو الحسن الميموني، عن أحمد بن حنبل: ما كتب عن معن شيئاً.
وقال الشيرازي: كان ربيب مالك، وهو الذي قرأ الموطأ عليه للرشيد وابنيه، وكان يتوسد عتبته فلا يلفظ بشيء إلا كتبه، وعد في فقهاء أصحابه، وعده ابن حبيب فيمن خلف مالكاً في الفقه بالمدينة.
قال ابن الحارث: وله سماع معروف من مالك، ذكره ابن عبدوس في المجموعة فيما ذكر. وقال: وهو من كبار أصحاب مالك.
وذكر أيضاً كثيراً من سماعه وروايته عن مالك أبو عيسى الترمذي في جامعه، فكل ما أدخله عن مالك، فقد قال في آخر كتاب أنه من رواية معن.(/)
وقال يحيى بن معين: هو ثقة وخرج منه البخاري ومسلم.
وقال محمد بن سعد: كان ثقة كثير الحديث مأموناً ليناً.
قال الشافعي: قال الحميدي: حدثني من لم تر عيناك مثله معن بن عيسى.
قال ابن الجنيد: قلت لابن معين: كان عند معن غير الموطأ؟ قال: شيء قليل.
وقال علي بن المديني: أخرج إلينا أربعين ألف مسألة سمعها من مالك.
وقال ابن بكير: كنت أستخرج الحديث في رقاع منه ثم أقول: يا أبا عبد الله، اقرأ لي هذا الحديث، فيقرأه ثم أتركه أياماً وأجيئه برقعة أخرى.
وقال ابن وضاح: أقبل قوم إلى معن بالمدينة يستأذنون عليه في داره، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم أسود ليدخل الدار، فسألوه الإذن لهم، فدخل ونادى يا معن فاستجاب له فأعلمه، فأذن ودخلوا.
فقالوا له: أصلحك الله، عجبنا من تسمية هذا الأسود لك. قال: أما أنه مع ذلك مملوكي. قال: وما أردتم؟ أكان يدعونني بأفضل من اسمي الذي رضه الله لي؟ وكأنه حسن فعله.
قال البخاري: مات معن سنة ثمان وتسعين ومائة، قيل: في شوال منها بالمدينة.
انظر في ترجمته: ترتيب المدارك (4/148، 150) ، وتذكرة الحفاظ (1/332) ، والجرح والتعديل (4/1/277) ، والطبقات الكبرى لابن سعد (5/437) .
18- عبد الله بن مسلمة
ابن قعنب القعنبي. أبو عبد الرحمن، مدني، سكن البصرة.
روى عن مالك وابن أبي ذئب، ومخرمة بن بكير، وأفلح بن حميد، وسلمة بن وردان.
روى عنه: أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وعلي بن عبد العزيز.
قال ابن أبي حاتم، قلت لأبي: القعنبي أحب إليك أم إسماعيل بن أبي إدريس؟ فقال: القعنبي أحب إلي.
وسئل أبي عن عبد الله بن مسلمة القعنبي؟ فقال: بصري ثقة، حجة. وسئل أبو زرعة عنه؟ فقال: ما كتبت عن أحد أجل في عيني منه. وسئل ابن معين عن القعنبي، فقال: ذاك من در ذاك من دنانير.
18- انظر في ترجمته: طبقات خليفة (2388) ، تاريخ خليفة (398) ، ترتيب المدارك (2/433) ، تهذيب الأسماء واللغات (1/303) ، وفيات الأعيان (3/129) .(/)
19- أبو مصعب الزهري
اسمه: أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف.
قال الزبير بن بكار: كان أبو مصعب على شرطة عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، إذ كان والياً للمأمون على المدينة ثم ولاه القضاء، ومات وهو فقيه أهل المدينة غير مدافع.
قال أبو عمر: روى عن مالك، والدراوردي، وإبراهيم بن سعد، وعطاف بن خالد وغيرهم.
روى عنه: محمد بن يحيى الذهلي، وإسماعيل القاضي والبخاري، وأبو حاتم وأبو زرعة وقالا فيه: صدوق.
قال أبو عمر: مات أبو مصعب سنة إحدى وأربعين ومائتين.
هو أحمد بن أبي بكر، واسمه: القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي، وأبو مصعب الزهري المدني الفقيه، قاضي مدينة رسول الله ÷.
قال مصعب بن عبد الله، ويعرف بكنيته أبي مصعب، وهو فقيه أهل المدينة غير مدافع.
روى عن: إبراهيم بن سعد الزهري، وحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب -رضي الله عنهم-، وثالح بن قدامة بن إبراهيم بن محمد ابن حاطب الجمحي، وعاصم بن سويد الأنصاري العياني، وعبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، وعبد العزيز بن أبي حازم المدني، وعبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعبد المهيمن بن عباس بن سهل ابن سعد الساعدي، والعطاف بن خالد المخزومي، وعمر بن طلحة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومالك بن أنس الأصبحي، ومحرز بن هارون القرشي، ومحمد بن إبراهيم بن دينار المدني الفقيه، والمغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش ابن أبي ربيعة المخزومي، وموسى بن شيبة بن عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك الأنصاري، ويحيى بن عمران القرشي، ويوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون.(/)
روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد بن موسى بن محمدين، وأبو الحسن أحمد بن إبراهيم بن محمد البسري، وأبو الحريث أحمد بن عيسى بن مخلد الكلابي الكوفي، وأحمد ابن محمد بن نافع الطحان المصري، وإسحاق بن أحمد الفارسي، وإسماعيل بن ابان بن محمد بن محوي الشامي، وبقي بن مخلد الأندلسي، وجعفر بن أحمد بن نصر الحافظ، والحارث بن أحمد ابن أبي بكر الزهري، وأبو الزنباع روح بن الفرح المصري القطان، وزكريا بن يحيى السجزي المعروف بخياط السنة، وعبد الله ابن أحمد بن حنبل الشيباني، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي، ومحمد ابن إبراهيم بن زياد الطيالسي، وأبو حاتم محمد بن إدريس الرازي، ومحمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، ومحمد بن يحيى بن عبد الله ابن خالد بن فارس الذهلي، ومعاذ بن المثنى بن معاذ بن معاذ العنبري، ويحيى بن الحسين بن جعفر ابن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي، النسابة.
قال الذهبي: الإمام ثقة، شيخ دار الهجرة، قاضي المدينة ورد على كلام أبو زرعة وأبو حاتم، بأنه صدوق: احتج به أصحاب الصحاح.
وقال أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه: خرجنا سنة تسع عشرة ومائتين إلى مكة، فقلت لأبي: عمن أكتب؟ فقال لا تكتب عن أبي مصعب، واكتب عمن شئت. قلت: أي الذهبي، أظنه نهاه عنه لدخوله في القضاء والمظالم، وإلا فهو ثقة، نادر الغلط، كبير الشأن.
وقال القاضي: وإنما قال ذلك، لأن أبا مصعب كان يميل إلى الرأي، وأبو خيثمة من أهل الحديث وعمره ينافر ذلك، فلذلك نهى عنه، وإلا فهو ثقة، لا نعلم أحداً ذكره إلا بخير.(/)
وقال ابن حزم الظاهري: آخر شيء روي عن مالك من المواطآءات موطأ أبي مصعب، وموطأ أحمد بن إسماعيل الهمي، وفي هذه الموطأين نحوه مائة حديث زائدة، وهما آخر ما روى عن مالك، وفي ذلك دليل على أنه كان يزيد في الموطأ أحاديث كل وقت، كان أغفلها، ثم أثبتها، وهكذا يكون العلماء رحمهم الله.
وقال أبو الحسن الدارقطني: أبو مصعب، ثقة في الموطأ، وقدمه علي يحيى ابن بكير.
وقال أبو إسحاق في طبقاته: كان أبو مصعب من أعلم أهل المدينة، روى أنه قال: يا أهل المدينة، لا تزالون ظاهرين على أهل العراق ما دمت لكم حياً.
قال الزبير بن بكار: مات وهو فقيه أهل المدينة غير مدافع ولاه القضاء عبيد الله بن الحسن بعد أن كان على شرطته.
وقال: مات في شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو على القضاء، وله اثنتان وتسعون سنة.
قال الشيرازي: تسعون سنة.
قال القاضي وكيع في كتاب طبقات القضاة: هو من أهل الثقة في الحديث.
قال ابن نمير: سمعت أبا مصعب يقول: سمعت مالكاً يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق، قال أبو مصعب فمن شك أو وقف فهو كافر.
وقال حبيب: قال أبو مصعب: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، فمن قال غير هذا فهو كافر.
انظر ترجمته في: تاريخ الدوري (2/581) ، التاريخ الكبير (7/1978) ، والصغير (2/236، 238) ، الجرح والتعديل (8/1013) ، الثقات لابن حبان (7/466) ، وتهذيب الكمال (28/381) ، تهذيب التهذيب (10/264، 265) ، التقريب (2/96) .
20- يحيى بن يحيى بن بكير
ابن عبد الرحمن التميمي الحنظلي مولى لهم. ويقال: مولى بني منقر بن سعيد بن عمرو ابن تميم النيسابوري. يُكنى: أبا زكريا.
روى عن مالك الموطأ، وقيل: أنه قرأه عليه، وروى عن الليث بن سعد، وابن لهيعة، وزهير بن معاوية، وسليمان بن يسار، وغيرهم. كانت له حال بنيسابور، وله حظ من الفقه، وكان ثقة مأموناً مرضياً.
روى عن جماعة من أهل بلده وغيرهم، وروى عنه من الجلة الحفاظ: إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن يحيى الذهلي.(/)
وروى عنه: البخاري ومسلم بن الحجاج، ولم يروي مسلم الموطأ إلا عنه. وكان أحمد بن حنبل يُثني عليه.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يذكر يحيى بن يحيى النيسابوري فأثنى عليه خيراً، وقال: ما أخرجت خراسان بعد ابن المبارك مثل يحيى بن يحيى، كان من ورعه يشك في الحديث كثيراً حتى سموه الشكاك.
وقال أبو زرعة الرازي: سمعت أحمد بن حنبل ذكر يحيى بن يحيى النيسابوري فذكر من فضله وإتقانه أمراً عظيماً، وأثنى عليه أبو زرعة.
وقال إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: كتبت العلم عمن كتبته، فلم أكتب عن أحد أوثق في نفسي من هذين: يحيى بن يحيى، والفضل بن موسى السيناني.
قال إسحاق: وكان يحيى رجلاً عاقلاً، وكان يحيى بن يحيى يقول: من قال في القرآن مخلوق فهو كافر، لا يكلم ولا يجالس ولا يناكح.
وذكر السراج عن الحسن بن علي بن عبيد الله: سمعت محمد بن مسلمة يقول: رأيت رسول الله ÷ في المنام، فقلت: عمن أكتب؟ فقال: يحيى بن يحيى.
20- يحيى بن يحيى
روى عنه: البخاري، ومسلم، وإبراهيم بن عبد الله السعدي، وإبراهيم بن علي الذهلي، وأبو الأزهر أحمد بن الأزهر، وأحمد بن حفص بن عبد الله السلمي، وأحمد بن سلمة النيسابوري، وأحمد بن يوسف السلمي، وإسحاق بن راهوية، وإسماعيل بن إسحاق الثقفي السراج، وجعفر بن محمد بن الحسين المعروف بالترك، والحسين بن منصور السلمي النيسابوري، وسلمة بن شبيب النيسابوري، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، وعبيد الله بن فضالة بن إبراهيم الشيباني، وعصمة بن إبراهيم النيسابوري، وعلي بن سلمة اللبقي، وعلي بن غنام العامري، والفضل بن يعقوب الرخامي، ومحمد ابن أسلم الطوسي، ومحمد بن رافع القشيري، ومحمد بن عبد السلام بن بشار الوراق، وأبو أحمد محمد بن عبد الوهاب الفراء، ومحمد بن يحيى الذهلي، ويحيى بن محمد بن يحيى الذهلي (ابنه) ، ويعقوب بن سفيان الفارسي.(/)
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: كان ثقة وزيادة وأثنى عليه خيراً. وقال أبو داود عن أحمد بن حنبل: خرج من خراسان رجلان، عبد الله بن المبارك ويحيى بن يحيى.
وقال إسحاق بن راهويه: يحيى بن يحيى أثبت من عبد الرحمن بن مهدي. وقال في موضع آخر: ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا رأى يحيى مثل نفسه. وقال في موضع آخر: مات يحيى بن يحيى يوم مات وهو إمام لأهل الدنيا.
وقال الحسن بن سفيان: كنا إذا رأينا رواية ليحيى بن يحيى عن يزيد بن زريع قلنا: ريحانة أهل خراسان عن ريحانة أهل العراق.
وقال يحيى بن يحيى: أُخبرت عن ابن حماد بن زيد، قال: قال أبي: ما أخرجت كتابي إلى أحد إلا ليحيى بن يحيى.
وقال محمد بن أسلم الطوسي: رأيت النبي ÷ في المنام، فقلت: عمن أكتب؟ قال: يحيى بن يحيى.
وقد روى له الترمذي والنسائي، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: أوصى بثياب بدنه لأحمد بن حنبل، فكان أحمد يحضر الجماعات في تلك الثياب.
مات في آخر صفر سنة سبع وعشرين ومائتين.
وكان من سادات أهل زمانه علماً وديناً وفضلاً ونسكاً وإتقاناً.
وقال الحاكم أبو عبد الله: قرأت بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا الطيب المكفوف صاحب يحيى بن يحيى يقول: ولد يحيى بن يحيى سنة اثنتين وأربعين ومائة، ومات سنة ست وعشرين ومائتين، وهو ابن أربع وثمانين سنة.
وقال أيضاً قرأت بخط أبي عمرو: أملى علي محمد بن عبد الوهاب وفاة يحيى بن يحيى، فقال: مات يحيى بن يحيى ليلة الأربعاء، غرة ربيع الأول سنة ست وعشرين ومائتين.
قال الحاكم: لست أعلم خلافاً بين مشايخنا في وقت الوفاة ليحيى بن يحيى على هذا النحو، فكل من خالف هذا القول فإنه يخطئ.(/)
قال: والمكتوب على اللوح في قبره خطأ، قرأت في اللوح على قبر يحيى بن يحيى أنه مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وسمعت أبا أحمد علي بن محمد بن المروزي يقول: سمعت محمد بن موسى الباشاني يقول: مات يحيى بن يحيى النيسابوري سنة خمس وعشرين ومائتين، وكلا القولين خطأ.
وقال أيضاً: قرأت بخط أبي عمرو المستملي: سمعت أبا أحمد الفراء يقول: أخبرني زكريا بن يحيى بن يحيى، قال: أوصى أبي بثياب جده لأحمد بن حنبل، فأتيته بها، فقلت: إن أبي أوصى بمتاعه لك، قال: إئت به، فأتيت بها في منديل، فنظر إليها، فقال: ليس هذا من لباسي، ثم أخذ ثوباً واحداً ورد الباقي.
انظر في ترجمته: التاريخ الكبير (8/30، 31) ، والتاريخ الصغير للبخاري (2/254) ، والثقات لابن حبان (6/391) ، وثقات ابن شاهين (1604) ، والسير (10/512) ، وتهذيب الكمال (32/31) ، وتهذيب التهذيب (11/296) .
كتبه لنفسه: محمد بن علي بن عبد الملك بن عبد العزيز القرشي، وعرف بابن القاهري.
من خط يد الخازن أبي الحسن علي المقدسي، وقابلته عليهما، وصححت وللجزء تبيض عنه.
وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً.(/)
السماعات (*)
بلغ السماع لجميع هذا الجزء على الشيخ الفقيه الإمام:
شرف الدين أبو محمد بن عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح القرشي، عرف بابن رواج.
نحو إجازته مشافهة من الشيخ أبي الحسن علي بن عيسى بن أحمد بن مؤمن الأنصاري.
قدم علينا الإسكندرية يقرأه: محمد بن علي بن عبد الملك بن عبد العزيز بن الحسن ابن علي القرشي عرف بابن القاهري، وهذا خطه: النجيب أبو القاسم علي بن أبي محمد عطاء الله بن صدقة بن يوسف عرف بابن مجيب العدل والده، وأبو عبد الله محمد وأبو الحجاج يوسف ابن الجابي محمد بن عبد العزيز القرشيان عرفا بابن الجزار، وأبو الحسين بن أبي الطاهر بن أبي الحسين القرشي، وأبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الشاطبي، وصح لهم ذلك في ليلة سفر صباحاً عن الرابع والعشرين من جمادي الأولى سنة سبع وثلاثين وستمائة بمسجده بثغر الإسكندرية حرسها الله تعالى، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
* * *
__________
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا من مقدمة الطبعة التي علق عليها أحمد فريد المزيدي(/)
ربِّ يسر
الحمد لله القديم الأزلية، الدائم الألوهية، على ما خصَّ من نعمه حمداً يؤدي شكره، ويوجب مزيده، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم أنبيائه ورسله.
هذا كتاب قصدت فيه إلى تهذيب مسائل المدونة والمختلطة خاصة دون غيرها، إذ هي أشرف ما ألف في الفقه من الدواوين، واعتمدت فيها على الإيجاز والاختصار، دون البسط والانتشار، ليكون ذلك أدعى لنشاط الدارس، وأسرع لفهمه، وعدة لتذكره.
وجعلت مسائلها على الولاء حسب ما هي في الأمهات إلا شيئاً يسيراً ربما قدّمته أو أخّرته، واستقصيت مسائل كل كتاب فيه خلا ما تكرر من مسائله،(1/167)
أو ذكر منها في غيره، فإني تركته مع الرسوم، وكثير من الآثار، كراهية التطويل.
وصحّحت ذلك على روايتي عن أبي بكر بن أبي عقبة عن جبلة بن حمود عن سحنون. وكان الفراغ من تأليفه سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وإلى الله تعالى أرغب في لزوم طاعته، وشكر نعمته، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله وسلم.(1/168)
(كتاب الطهارة)
1 - قال ابن القاسم: لم يُوقِّت مالك - رحمه الله - في الوضوء والغسل واحدة، ولا اثنتين، ولا ثلاثاً، إلا ما أُسبغ. وقد اختلفت الآثار في التوقيت [في الوضوء] .
2 - ويمسح الرأس يبدأ بيديه من مقدم رأسه حتى يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما(1/169)
إلى المكان الذي بدأ منه، قال مالك وعبد العزيز (1) : هذا أحسن ما سمعنا في مسح الرأس وأعمه عندنا. (2)
3 -[قال مالك] : لا يتوضأ بماء بُلّ فيه شيء من الطعام. (3)
ولا بماء وقع فيه جلد فأقام أياماً حتى ابتل، وإن وقع فيه جلد أو ثوب فأخرج مكانه جاز منه الوضوء. وليس قلة مقام الجلد فيه كقلة بقاء الخبز [فيه] ، ولكل شيء وجه.
4 - لا يتوضأ بشيء من الطعام والشراب، ولا من أبوال الإبل وألبانها، ولا
_________
(1) هو أبو عبد الله عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، كان فقيهاً، دارت عليه الفتوى أجازه المهدي بعشرة آلاف دينار، له كتب وكلام مصنف، في الأحكام، توفي ببغداد سنة 160هـ، في خلافة المهدي، ودُفن في مقابر قريش، وقيل 164هـ، وانظر: تاريخ بغداد (10/436) ، والجرح والتعديل (5/386) .
(2) انظر: الخرشي على المختصر (1/120، 132) ، ومواهب الجليل للحطاب (ص181، 182) .
(3) كالخبز كما في المدونة، وانظر: مواهب الجليل (1/58، 59) .(1/170)
بالعسل الممزوج بالماء ولا بالنبيذ، والتيمم أحب إليّ من ذلك. وأحب إليّ أن يتمضمض من اللبن واللحم، ويغسل الغَمَر (1) إذا أراد الصلاة.
5 - قال مالك: ولا يتوضأ بماء قد توضئ به مرة، ولا خير فيه. قال ابن القاسم: فإن لم يجد غيره فيتوضأ به أحب إليّ، إن كان الذي توضأ به أولاً طاهر [الأعضاء] ولا يُنجِّس ثوباً أصابه.
6 - ويجوز الوضوء بالماء يقع فيه البصاق والمخاط وشبهه، وخشاش الأرض مثل الزنبور، والعقرب، [والخنفساء، والصرار] وبنات
_________
(1) الغَمَر: الدَّسم والُّزهومة من اللحم، النهاية (3/385) .(1/171)
وردان (1) وشبه ذلك. ودواب الماء مثل السرطان والضفدع إذا ماتت في طعام أو شراب لم تفسده، وإذا مُلّحت حيتان فأصيبت فيها ضفادع ميتة فلا بأس بأكلها، لأن هذا من صيد البحر (2) . وروث ما يؤكل لحمه مما لا يصل إلى الجيف طاهر، وكل ما لا يفسد الثوب فلا يفسد الماء.
7 - ويجوز الوضوء بسؤر (3) الدواب. وهو وغيره سواء، وعرقها وما يخرج من أنوفها طاهر. مالك: ومن توضأ بماء ولغ فيه كلب وصلى أجزأه. وقال عنه علي: فيمن توضأ بماء ولغ فيه كلب [وصلّى
_________
(1) دُويبة نحو الخنفساء حمراء اللون، وأكثر ما تكون في الحمامات والكُنُف، الوسيط (2/1066) .
(2) هذا هو المشهور في المذهب خلافاً لما نُقل عن ابن نافع وابن دينار، وما نقل عن ابن عرفة عن عبد الحق، وانظر: مواهب الجليل (1/88) .
(3) هو بقية الشيء، الوسيط (سأر) (1/426) .(1/172)
لا إعادة عليه، وإن علم في الوقت، قال عنه علي وابن وهب: ولا يعجبني ابتداء الوضوء به] إن كان [الماء] قليلاً، ولا بأس به في الكثير كالحوض ونحوه.
8 - وقال ابن شهاب: ولا باس أن يتوضأ بسؤر الكلب إذا اضطر إليه.
9 - قال مالك: وإن ولغ الكلب في لبن أو طعام أكل، ولا يغسل منه الإناء، وإن كان يغسل سبعاً للحديث (1) ففي الماء وحده، وكان [مالك] يضعفه ويقول:
_________
(1) رواه البخاري (172) ، ومسلم (279) ، ومالك (36) موطأ.(1/173)
قد جاء هذا الحديث وما أدري ما حقيقته، وكان يرى الكلب كأنه من أهل البيت، ليس كغيره من السباع. قال سحنون: والهرُّ أيسر منه، لأنه مما يتخذه الناس. [قال مالك] : ولا باس بلعابه يصيب الثوب [أو الجسد] يؤكل صيده فكيف يكره لعابه؟.
10 -[قال مالك: والطير والدجاج والأوز المُخلاّة والسباع التي تصل إلى النتن إن شربت من طعام أو لبن أو غيره أكل، إلا أن يكون في أفواهها وقت شربها أذى فلا يؤكل. وإن شربت من إناء فيه ماء فلا يتوضأ به، لاستجازة قلوحه] .(1/174)
11 - وقال ابن القاسم: ويطرح ويتيمم من لم يجد سواه، ومن توضأ به وصلى ولم يعلم أعاد في الوقت، وأما إن شربت [من لبن أو أكلت] من طعام، فإنما يطرح إذا أقنت أن في افواهها أذى، يعني وقت شربها، وما لم ير من ذلك فلا بأس [به] بخلاف الماء لاستجازة طرحه، وإن كانت مقصورة أو كانت بمكان لا تصيب فيه الأذى، فسؤرها طاهر، وهي كغيرها من الحمام، ولا بأس بالخبز من سؤر الفأرة، ويغسل ما أصاب بولها. (1)
12 - ولا يكره استقبال القبلة واستدبارها لبول، أو لغائط، أو لمجامعة، إلا في الفلوات، فأما المدائن والقرى والمراحيض التي على السطوح فلا بأس به، وإن كانت تلي القبلة. (2)
_________
(1) انظر: الشرح الكبير للدرديري (1/43) ، والمقدمات لابن رشد (1/89، 90) ، والبيان والتحصيل (1/35) ، والذخيرة (1/181) ، (1/187) ، البيان والتحصيل (1/42) ، المعيار المعرب (1/12) .
(2) لحديث البخاري (394) ، ومسلم (264) ، وانظر: شرح السنة (1/359) ، والذخيرة للقرافي (1/204، 205) .(1/175)
13 - ولا يُستنجى من الرِّيح، ولكن من البول والغائط، ومن [تَغَوَّط] واستنجى بالحجارة ثم توضأ ولم يغسل مخرج الأذى بالماء حتى صلى أجزأته [صلاته] ، ويغسل مخرج الأذى [بالماء] لما يُستقبل. (1)
14 - ولا ينتقض الوضوء من مسّ شيء من البدن، إلا من [مسّ] الذكر وحده بباطن الكف، أو بباطن الأصابع، فينتقض [وضوءه] ، وإن مسَّه بظاهر الكف أو الذراع لم ينتقض وضوءه، ولا ينتقض وضوء المرأة إذا مسَّت فرجها. ومن مس ذكره في غسل جنابته أعاد وضوءه إذا فرغ من غسله إلا أن يمرّ بيديه على مواضع الوضوء في غسله فيجزيه [ذلك] . (2)
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/206) .
(2) انظر: الذخيرة (1/221، 224) والموطأ (61) .(1/176)
15 - ومن نام [ساجداً أو] جالساً أو راكباً الخطرة ونحوها، فلا وضوء عليه. وإن استثقل نوماً وطال ذلك أعاد الوضوء. ونومه راكباً قدر ما بين العشائين طويل، ولا وضوء على من نام محتبياً (1) [في يوم جمعة وشبهه، لأنه لا يثبت] . قال أبو هريرة: ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء.
_________
(1) هو الجالس على أليته، وضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند، الوسيط (حبا) (1/160) .(1/177)
16 - قال ابن شهاب: السنة فيمن نام راكعاً أو ساجداً فعليه الوضوء. وقال ابن أبي سلمة: من استثقل نوماً على أي حال كان فعليه الوضوء. (1)
17 - ومن اعتراه مذي أو بول المرة بعد المرة لأَبْرِدَة أو علة توضأ إلا أن يستنكحه ذلك، فيستحب له الوضوء لكل صلاة [من غير إيجاب] كالمستحاضة، فإن شق عليه الوضوء لبرد أو نحوه لم يلزمه [الوضوء] ، وإن خرج ذلك من المستنكح في الصلاة داراه بخرقة ومضى في صلاته، وإن لم يكن مستنكحاً قطع، وإن كثر عليه المذي لطول عزبة، أو تذكر، لزمه الوضوء لكل صلاة.
18 - ولا شيء على من خرج من دُبره دود، وإن خرج من فرج المرأة دم فعليها الغسل إلا أن تكون مستحاضة. (2)
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/118، 119) ، وأثر أبي هريرة رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (1/124) ، وعبد الرزاق (1/129) .
(2) انظر: الشرح الكبير (1/116) ، والذخيرة (1/212، 213) .(1/178)
19 - قال عليّ عن مالك: ولا يغسل الرجل أنثييه من المذي (1) إذا توضأ إلا أن يصيبهما منه شيء، إنما عليه غسل ذكره.
قال مالك: والمذي أشد من الودي، لأن المذي يجب منه الوضوء مع غسل الفرج، والودي بمنزلة البول.
20 - قال يحيى بن سعيد: ومن به باسور لا يزال يطلع منه فيرده بيده فما عليه إلا غسل يده إلا أن يكثر ذلك عليه فلا يغسلها [وكان ذلك بلاء نزل به يعذر به، بمنزلة القُرحة] . (2)
ومن خُنق (3) قائماً أو قاعداً ثم أفاق توضأ، ولا غسل عليه. ومن فَقَد عقله
_________
(1) هو ماء رقيق يخرج من مجرى البول، من إفراز غُدد معينة عند المداعبة والتقبيل من غير إرادة، الوسيط (المذي) (2/894) .
(2) انظر: الوسيط (2/751) وفيه أن القرحة: البثرة إذا دب فيها الفساد.
(3) خنق: عصر حلقه حتى مات، الوسيط (1/268) .(1/179)
بإغماء أو بجنون أو سكر توضأ، وقد يتوضأ من هو أيسر شأناً ممن ذكرنا، وهو الذي ينام ساجداً أو مضطجعاً، لقول الله تعالى: ×إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ... %، (المائدة: 6) . قال زيد بن اسلم: يعني من النوم.
21 - وإذا مسّ أحد الزوجين صاحبه للذة من فوق الثوب أو [من] تحته، أو قَبَّله على غير الفم فعليه الوضوء، أنعظ (1) الرجل أم لا، [وإن مست
_________
(1) نعظ ذكره نعظاً: قام وانتصب، الوسيط (نعظ) .(1/180)
المرأة ذكر الرجل لمداواة لغير شهوة فلا وضوء عليها] ، وإن مسه لغير شهوة [لمرض به ونحوه] فلا وضوء عليه، والمفعول به ذلك إن التذ توضأ، وإلا فلا وضوء عليه. (1)
22 - ومن شك في بعض وضوئه [فلم يتيقن أنه غسله] ، فليغسل ما شك فيه، ولو أيقن بالوضوء ثم شك في الحدث فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا فليعد وضوءه، [بمنزلة من شك فلم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليلغ الشك] إلا أن يستنكحه ذلك كثيراً فلا يلزمه إعادة شيء من وضوء ولا صلاة. (2)
23 - ولا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بماء أدخل يده فيه، ولا بأس بذلك
_________
(1) انظر في المسألة: الشرح الكبير (1/120) ، والذخيرة (1/227، 228) .
(2) انظر: الذخيرة (1/218) .(1/181)
من الحائض والجنب، إذا لم يكن في أيديهما نجس.
24 - مالك: ومن نَكَّس وضوءه وصلى أجزأته صلاته، ويعيد الوضوء أحب إليّ، وما أدري ما وجوبه وقد قال عليّ وابن مسعود: ما نبالي بدأنا بأيماننا أو بأيسارنا.
25 -[ومن فرّق وضوءه أو غسله متعمداً، أو نسي بعضه] ، ومن ترك بعض(1/182)
مفروضات الوضوء، أو [بعض] الغسل أو لمعة عمداً حتى صلى، أعاد الوضوء والغسل والصلاة، وإن ترك ذلك سهواً حتى تطاول غسل ذلك الموضع فقط، وأعاد الصلاة، فغن لم يغسله حين ذكره استأنف الغسل والوضوء.
26 - ومن توضأ بعض وضوئه ثم عجز ماؤه فقام لطلبه فإن قرب بنى، وإن تباعد وجف وضوءه ابتدأ الوضوء، وإن ذكر في صلاته أنه لم يمسح رأسه قطع ولم يجزه مسح رأسه بما في لحيته من بلل، وليأتنف مسحه ويبتدئ الصلاة، ولا يعيد غسل رجليه [إن كان ناسياً] وكان وضوءه قد جف. (1)
27 - ومن ترك المضمضة والاستنشاق ومسح داخل أذنيه في الوضوء أو الجنابة حتى صلى أجزأته صلاته وأعاد ما ترك لما يستقبل. (2)
_________
(1) انظر: الذخيرة (1/247) ، والمقدمات (1/80) .
(2) انظر: المقدمات لابن رشد (1/80) ، والخرشي على المختصر (1/127) .(1/183)
28 - وتمسح المرأة على رأسها كله كالرجل، وتمسح [على] ما استرخى من شعرها نحو الدلالين (1) ، وكذلك الطويل الشعر من الرجال، وإن كان شعرها معقوصاً (2) مسحت على ضفرها، ولا تنقض شعرها، ولا تمسح على خمارها ولا [على] غيره، فإن فعلت أعادت الوضوء والصلاة، والأذنان من الرأس ويستأنف لهما الماء، وإذا كانت على الرأس حناء فلا تمسح عليه حتى تنزعها [فتمسح على الشعر] . (3)
29 - ولا بأس بالمسح بالمنديل بعد الوضوء، ومن ذبح لم ينتقض وضوءه، وإن حلق رأسه لم يعد مسحه.
قال ابن أبي سلمة: هذا من
_________
(1) أي ضفيرتين المرأة يميناً وشمالاً، تاج العروس (14/240) .
(2) عقصت المرأة شعرها: أخذت كل خصلة منه فلوتها، ثم عقدتها حتى يبقى فيها التواء، ثم أرسلتها، الوسيط (2/638) .
(3) انظر: تنوير المقالة للتتائي (1/515) ، وبلغة السالك (1/43) .(1/184)
لحن الفقه، [قال سحنون: يريد من خطأ الفقه] ، وأنكر مالك قول من قال في الوضوء حتى يقطر أو يسيل، قال: وقد كان بعض من مضى يتوضأ بثلث المد، ويحرك اللحية في الوضوء، ويمر عليها بيده من غير تخليل. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/86) ، وتنوير المقالة (1/498) .(1/185)
باب النجاسة
30 - وما خرج من القيء بمنزلة الطعام فهو طاهر، وما تغير عن حال الطعام فهو نجس [عنده] .
31 - مالك: ويغسل المحتجم موضع المحاجم، قال يحيى بن سعيد: وكذلك العرق يقطع، قال مالك: ولا يجزئ مسحها، فإن مسحها وصلى أعاد في الوقت بعد أن يغسلها. (1)
32 -[وكل] قرحة إن تركها صاحبها لم تسل وإن [نكأها] سالت، فما خرج من هذه من دم أو غيره فأصاب ثوبه أو جسده غسله، وإن كان في صلاة قطع، ولا يبني إلا في الرعاف، إلا أن يخرج منها الشيء اليسير فيفتله ولا
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (1/51) ، ودليل السالك (ص29) .(1/186)
ينصرف، وإن كانت لا تكُفّ تُمْصَل من غير أن تنكأ فليصلّي وليدرأها بخرقة ولا يقطع لذلك صلاته، ولا يغسل منه الثوب [إذا أصابه] ولا بأس أن يصلي به إلا أن يتفاحش فيستحب له غسله، والقيح والصديد مثل الدم. (1)
33 -[قال مالك: ومعنى قول النبي ÷] في الدرع يطهره ما بعده (2) ، هذا في القشب اليابس (3) . ومن وطئ بخفيه [أو نعليه] على دم أو عذرة أو بول لم يصلّ به حتى يغسله، وإن وطئ على
_________
(1) انظر: الموطأ (49) ، وجواهر الإكليل (1/9) ، ومواهب الجليل (1/147) .
(2) رواه ابو داود (383) ، وابن ماجة (531) ، ومالك (16) .
(3) القشب: الرَّجيع، الوسيط (2/764) .(1/187)
روث الدواب الرطب وأبوالها دلكه وصلى به، وكان مالك يقول: يغسل الخف ثم خففه، ولا بأس بطين المطر [وماء المطر المستنقع في السكك والطرق] يصيب الثوب أو الجسد [أو الخف أو النعل] ، وإن كان فيه العذرة وسائر النجاسات، وما زالت الطرق وهذا فيها، وكانوا يخوضون المطر وطينه ثم يصلون ولا يغسلونه.
34 - ومن رأى في صلاته دماً يسيراً في ثوبه، دم حيض أو غيره، تمادى ولم ينزعه، إن شاء، وإن نزعه فلا بأس [به] ، وإن كان كثيراً قطع [ونزعه] .
35 - ولا يبني، ويبتدئ الفريضة بإقامة، ولا يبتدئ النافلة إلا أن يشاء [وإن رآه بعد فراغه من الفريضة أعادها في الوقت] ، والدم كله سواء، دم(1/188)
حيض أو سمك أو غيره، يغسل قليله وكثيره، ولا يغسل من دم البراغيث إلا ما تفاحش، والبول والرجيع والمني والمذي والودي وخرء الطير [التي تأكل الجيف، والدجاج] التي تصل إلى النتن وزبل الدواب [وأبوالها] قليله وكثيره سواء، يغسل وتقطع منه الصلاة.
36 -[ومن ذكر أنه في ثوبه، أو رآه فإنه ينزعه، ويبتدئ الفريضة بإقامة] ومن صلى بذلك، أو بدم كثير ولم يعلم أعاد في الوقت، قيل له: فإن رآه قبل أن يدخل في الصلاة؟ قال: هو مثل هذا [كله] يفعل به كما يفعل [فيها فسرت] في هذا.
37 - وأما من أصاب ثوبه شيء من أبوال الإبل والبقر [والغنم] فلا يغسله، لأن هذه تشرب ألبانها وتؤكل لحومها، والخيل والبغال والحمير لا تشرب ألبانها ولا تؤكل لحومها. وما ينجس البدن ينجس الثوب، ولا يجزئ فرك المني من الثوب حتى يغسل بالماء. (1)
38 - ولا يزيل النجاسة من الثوب والبدن إلا الماء. وكره مالك لمن في ثوبه قطرة من
_________
(1) انظر: المعيار المعرب (1/112) .(1/189)
دم أن ينزعه بفيه ويمحه (1) ، ولكن يغسله.
39 - ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدري موضعها غسله كله، وإن علم تلك الناحية غسلها، وإن شك [أنه] أصابه شيء أم لا، نضحه بالماء، ويغسل ما قل من البول، ولو مثل رؤوس الإبر. (2)
40 - ويمسح على الجبائر، والظفر يكسى دواء أو مرارة، والصدغ يجعل عليه قرطاس من المرض، وإن لم يمسح على الجبائر أعاد الصلاة أبداً، وإذا أصاب الجنب كسر أو شجة فكان ينكب عنها الماء لموضع الجبائر، فإذا صح غسل
_________
(1) مَحَّ الماء أو الشراب من فيه، أي لفظه.
(2) انظر: مواهب الجليل (1/108) .(1/190)
ذلك الموضع، فإن لم يغسله حتى صلى صلوات، فإن كان في موضع لا يصيبه الوضوء كالظهر وغيره [غسل تلك اللمعة] ، وأعاد [الصلاة] كل ما صلى من حين قدر أن يمسه بالماء كاللمعة. (1)
41 - ويغسل أقطع الرجلين في الوضوء موضع القطع وبقية الكعبين، [إذا القطع تحتهما] [وقد قال الله تعالى: ×وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ% (المائدة: 6) ، والكعبان اللذان إليهما حد الوضوء هما اللذان في الساقين] ، ولا يغسل ذلك أقطع المرفقين لأن المرفقين في الذراعين وقد أتى عليهما القطع، إلا أن تعرف العرب والناس أنه بقي شيء من المرفقين في العضدين فليغسل موضع القطع وبقيتهما، والتيمم مثله.
42 - وبول الجارية والغلام سواء يغسل، وإن لم يأكلا الطعام، ويستحب للأم أن يكون لها ثوب للصلاة غير الذي ترضع فيه، فإن لم تقدر صلت به، وتدرأ البول جهدها، وتغسل ما أصاب ثوبها من البول جهدها.
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/317) ، والمعيار (1/27) .(1/191)
43 - ولا بأس بالبول قائماً في موضع لا يتطاير فيه، وأكرهه بموضع يتطاير فيه، وليبل جالساً.
* * *
[في الوضوء بماء البئر تقع فيه الدابة] (1)
44 - قال مالك رحمه الله: وجِباب أنْطابُلس (2) ، [ومواجل (3) بَرْقَة (4) ] ، [التي يكون فيها ماء السماء] ، إذا ماتت فيها شاة أو دابة فلا أحب أن يغتسل منه، ولا يتوضأ [به] ولا يشرب [منه] ، ولا بأس أن تسقى منه الماشية. وآبار المدينة إذا ماتت فيها فأرة أو وزغة (5) استقى منها حتى تطيب.
45 - وما كان في الطرق
_________
(1) هكذا في المدونة والأصول والصواب: فيها لأن البئر مؤنثة، وفي سورة الحج آية (45) .
(2) هي مدينة بالإسكندرية، مراصد الاطلاع (1/124) .
(3) المَوْجل: حفرة يستنقع فيها الماء بعناية، الوسيط (2/1056) .
(4) البرقة: اسم صقع كبير يشتمل على مدن وقرى، مراصد الاطلاع (1/186، 187) .
(5) سام أبرص، الوسيط (2/1071) .(1/192)
من الغُدُر والآبار في الفلوات تصابي قد أنتنت، فإن كان نتنها من الحمأة فلا بأس بذلك. وإذا استنقع من ماء المطر شيء قليل فليتوضأ به، وإن جف تيمم بصعيده، وإن خاف أن يكون فيه زبل فلا باس به.
46 - وإذا ماتت دابة في عسل [وسمن] جامد طرحت وما حولها، وأكل ما بقي، وإن كان ذائباً فلا يؤكل ولا يباع، ولا بأس أن يعلف النحل.
47 - علي عن مالك: من توضأ بماء وقعت فيه ميتة فتغير لونه وطعمه وصلى أعاد(1/193)
الصلاة أبداً، فإن لم يتغير [لونه ولا طعمه] أعاد في الوقت.
48 - قال ربيعة وابن شهاب: كل ماء [كان] فيه فضل عما يصيبه من الأذى حتى لا يغير ذلك لونه ولا طعمه ولا رائحته فلا يضره ذلك. قال ربيعة: فإن تغير لون الماء أو طعمه نزع منه قدر ما يذهب الرائحة منه.
49 - ولا بأس أن تنام الحائض والجنب في الثوب [ويعرقان فيه] إلا أن يكون في أبدانهما نَجَس، أو في الثوب نجاسة فيكره ذلك في الوقت الذي يعرق فيه، [لأنه يبتل موضع النجاسة] .
50 - وإن انغمس الجنب في نهر ينوي به الغسل لم يجزئه حتى يمر بيديه على(1/194)
جميع جسده، وكذلك لا يجزيه الوضوء حتى يمر بيديه على مواضعه. (1)
51 - ولا يغتسل الجنب في الماء الدائم (2) ، فإن فعل أفسده إذا كانت مثل حياض الدواب، إلا أن يكون قد غسل مواضع الأذى قبل دخولها فلا بأس به، وإن اغتسل الجنب في قصرية فلا خير فيه، وإن كان غير جنب فلا بأس به. وإن أتى الجنب بئراً قليلة الماء بيده قذر وليس معه ما يغرف به، قال مالك: يحتال حتى يغسل يديه أو يغرف فيغتسل، وكره أن يقول: فيغتسل فيها. قال ابن القاسم: فإن اغتسل فيها أجزأه ولم ينجسها إن كان ماء معيناً. قال علي عن مالك: إنما كره له الاغتسال فيه إذا وجد منه بداً، وذلك جائز للمضطر إليه، إن كان الماء كثيراً يجعل ذلك.
_________
(1) انظر: الحدود لابن عرفة مع شرح الهداية لابن الرصاع (1/99، 100) ، وبلغة السالك مع الشرح الصغير (1/63) ، والشرح الكبير (1/135) .
(2) نص حديث رواه مسلم (283) .(1/195)
52 - ويؤمر الجنب بالوضوء قبل الغسل، فإن أخره بعده أجزأه، وإن أخّر غسل رجليه إلى موضع يقرب من غسله أجزأه، وليس الناس فيما يكفيهم من الماء سواء.
53 - قال عبد الله بن عمر: وإن لم يتوضأ الجنب أجزأه الغسل ما لم يمسّ فرجه. ولا تنقض الحائض شعرها في غسل حيضة أو جنابة ولكن تضغثه (1) بيديها (2) ، ولا بأس بما انتضح من غسل الجنب في إنائه، [ولا يستطيع الناس التحرز من هذا] ، ومن أخر غسل رأسه في اغتساله من جنابة خوفاً من امرأته حتى جفّ غسله لم يجزه وابتدأ الغسل.
54 - وإذا حاضت المرأة وهي جنب فلا غسل عليها حتى تطهر [من حيضتها] والغسل يجب على الزوجين بالتقاء الختانين، أو مغيب الحشفة، أنزلا أو لم
_________
(1) ضغثت المرأة شعرها: عالجته بيديها عند الغسل ونحوه، ليدخل فيه الغسول، الوسيط (1/561) .
(2) ذلك محمول على الشعر غير المضفر، وعلى المضفر الذي لم يشتد ضفره، فإن اشتد الضفر نُقض كما ينقض إذا ضفر بخيوط كثيرة. وانظر: الشرح الصغير مع بلغة السالك (1/64) .(1/196)
ينزلا، وإن لم تغب الحشفة (1) لم يجب الغسل، فإذا جامعها دون الفرج فوصل من مائه إلى داخل فرجها فلا غسل عليها إلا أن تنزل هي. (2)
55 - مسألة: ولا ينام الجنب في الليل والنهار حتى يتوضأ [جميع وضوئه] وليس ذلك على الحائض، وللجنب أن يعاود أهله، ويأكل قبل وضوئه، إذا غسل يديه من الأذى. (3)
56 - مسألة: والمنتبه من النوم يصيب في لحافه بللاً، فإن كان منياً اغتسل، وإن كان مذياً توضأ، وكذلك من لاعب امرأته في اليقظة، أو رأى في منامه أنه يجامع، فإن أمذى توضأ، وإن أمنى اغتسل، والمرأة في ذلك كالرجل. (4)
57 - ولا يطأ المسافر أهله إلا ومعهما من الماء ما يكفيهما كانا على وضوء أم لا، وليس كمن به شجة أو جرح لا يستطيع غسله بالماء، هذا له أن يطأ لطول أمره. (5)
58 - ومن اغتسل تبرداً أو للجمعة، لم يجزه من غسل الجنابة حتى ينويه، كمن
_________
(1) هي رأس عضو التذكير ويُكشف عنها الختان، الوسيط (1/183) .
(2) انظر: الذخيرة (1/290) .
(3) انظر: الموطأ لمالك (1/78) .
(4) إشارة لحديث فيه: "إنما النساء شقائق الرجال"، رواه أبو داود (1/54) .
(5) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/57) ، في نقله عن المدونة، وتفصيله للمسألة.(1/197)
صلى نافلة فلا تجزه عن فريضة، ومن توضأ لصلاة نافلة، أو قراءة في مصحف، أو ليكون على طهر أجزأه، وإن توضأ لحر يجده ولا ينوي به غيره لم يجزه لصلاة فريضة، ولا نافلة ولا مس مصحف، ولا وضوء ولا غسل إلا بنية، ومن بقيت رجلاه من وضوئه فخاض [بهما] نهراً فدلكهما فيه بيديه ولم ينو تمام وضوئه لم يجزه حتى ينويه.
59 - مالك: ولا يعجبني دخول الجنب المسجد عابر سبيل ولا غيره، [ويمر فيه، ويقعد من كان على غير وضوء] . وقال زيد بن أسلم: لا بأس أن يمر الجنب في المسجد عابر سبيل. (1)
60 - ويجبر المسلم امرأته النصرانية على الطهر من الحيضة [إذ ليس له وطؤها
_________
(1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (1/58) .(1/198)
كذلك حتى تطهر] ، ولا يجبرها [على الطهر] من الجنابة [لجواز وطئها كذلك] .
61 - ومن صلى ثم خرج لحاجة فرأى في ثوبه جنابة، لم يذهب لحاجته ورجع فاغتسل، وغسل ما أصاب ثوبه وأعاد الصلاة.
62 - وإذا ذكر الإمام بعد فراغه من الصلاة أنه جنب أعاد [الصلاة] وحده، وصلاة من خلفه تامة، وإن ذكر ذلك قبل تمام صلاته استخلف، فإن تمادى بعد ذكره جاهلاً أو مستحيياً أو دخل عليه ما يفسد صلاته، ثم تمادى، أو ابتدأ بهم الصلاة ذاكراً لجنابته، فقد أفسد على نفسه وعليهم، [وتلزم من خلفه الإعادة متى(1/199)
علموا] ، ومن علم بجنابته ممن خلفه والإمام ناسٍ لجنابته فتمادى معه، فصلاته فاسدة ويعيدها أبداً.
63 - ومن صلى وفي جسمه نجاسة أو بثوب نجس، أو عليه، أو لغير القبلة أو على موضع نجس قد أصابه بول فجفّ، كانت النجاسة في موضع جبهته أو أنفه أو غيره، أعاد في الوقت، ووقته [في الظهر والعصر] إلى اصفرار الشمس [فإذا اصفرت فلا يعيد] ، ووقت النصراني يُسْلِم، والحائض تطهر، والمجنون يفيق النهار كله.
64 - ومن لم يكن معه غير ثوب نجس صلى به، فإن وجد غيره أو ما يغسله به أعاد في الوقت، [قال مالك] : إن كان معه ثوب حرير، وثوب نجس، صلى بالحرير أحب إليّ، ويعيد في الوقت إن وجد غيره.(1/200)
65 - ومن أصابه حقن أو قرقرة (1) فإن كان ذلك خفيفاً فليصل، وإن كان مما يشغله أو يعجله في صلاته فلا يصلي حتى يقضي حاجته، فإن صلى بذلك أحببت له الإعادة أبداً، ولم يحفظ ابن القاسم عن مالك في الغثيان (2) شيئاً. (3)
65 - مسألة: ولا بأس أن يصلي بوضوء واحد يومين [أو ثلاثة] أو أكثر من ذلك. (4)
66 - ولا يصلي بما لبسه أهل الذمة حتى يغسل، وما نسجوه فلا بأس به. والنصراني جنب فإذا أسلم اغتسل، فإن تطهر للإسلام وقد أجمع عليه [ثم أسلم] أجزأه، فإن لم يجد الماء فليتيمم للإسلام، وينوي بتيممه الجنابة أيضاً، ثم إن وجد الماء فليغتسل. (5)
_________
(1) القرقرة: صوت في البطن من رياح تكون فيه، الوسيط (2/757) .
(2) هو تحريك المعدة وتهيؤها للقيء، التصييد (1/53) .
(3) انظر الشرح الصغير (1/126) .
(4) انظر: صحيح مسلم (277) .
(5) إشارة لحديث أبي هريرة في البخاري (462) ومسلم (1764) .(1/201)
* * *
في الرعاف (1)
67 - وينصرف من الرعاف [في الصلاة] إذا سال أو قطر، قل ذلك أو كثر، [فليغسله ثم يبني على صلاته] ، فإن كان غير قاطر ولا سائل فليفتله بأصابعه ويتمادى. اقل ابن المسيب: ومن لم ينقطع عنه الدم أتم صلاته إيماء. مالك: [وكل من رعف في صلاته فذهب يغسل الدم] فله أن يبني في بيته أو في موضع يقرب من غسله، إلا أن يطمع أن يدرك الإمام، أو يكون في جمعة فلا بد من المسجد. (2)
68 - وإذا رعف المأموم بعد فراغه من التشهد قبل سلام الإمام ذهب فغسل الدم
_________
(1) هو الدم الذي يخرج من الأنف، الوسيط (1/367) .
(2) انظر: الموطأ لمالك (52، 54) .(1/202)
[عنه] ، ثم رجع فتشهد وسلم، وإن سلم الإمام ثم رعف المأموم سلم وأجزأته صلاته. وإذا عَقَد ركعة وسجدة ثم رعف ألغاها إذا بنى، وإن عقدها بسجدتيها بنى عليها.
69 - وإن رعف في الثانية من الجمعة فوجد الإمام، حين رجع، في التشهد جلس معه، فإذا سلّم أتى بركعة، وكذلك إن أتى بعد سلام الإمام، فليأت بركعة يجهر فيها، فإن نسي منها السورة التي مع أم القرآن سجد قبل السلام وصلاته تامة، وإن نسي منها أم القرآن سجد قبل السلام وأعاد [الصلاة] ظهراً أربعاً.
70 - وإذا رعف في الأول من الجمعة قبل أن يعقدها بسجدتيها فوجد الإمام، حين رجع، قد سلّم من الصلاة فليبتدئ ظهراً أربعاً، فإن رعف بعد كمال ركعة من الظهر فرجع والإمام في الرابعة فليصلها معه ثم يقضي ما فاته (بعد سلام الإمام] . ومن تقيّأ عامداً أو غير عامد ابتدأ الصلاة ولا يبني إلا في الرعاف.
* * *(1/203)
في المسح على الخفين
71 - ويمسح على ظهور الخفين وبطونهما، ولا يتبع غضونهما وهو تكسير أعلاهما، والمسح أن يضع يده اليمنى على ظاهر أطراف أصابعه، ويضع اليسرى تحتها من باطن خفيه ثم يمرهما إلى حد الكعبين. وينزع ما تحتهما من طين قبل المسح. ولا يجزئ [عند مالك] مسح أعلاه دون أسفله، ولا أسفله دون أعلاه، وإن مسح أعلاهما فقط وصلى فأحب إلي أن يعيد في الوقت، لأن عروة كان لا يمسح بطونهما.(1/204)
72 - وإذا كان الخف دون الكعبين، أو كان فيه خرف تظهر منه القدم، فلا يمسح عليه، وإن كان خرقاً يسيراً مسح عليه.
73 - ومن لبس خفين على طهارة ثم أحدث فمسح عليهما ثم لبس آخرين فوقهما، ثم أحدث مسح على الأعليين، فإن لم يحدث لم يمسح عليهما [ويجزيه المسح على الداخلين] ، كمتوضئ لبسهما على قدميه، فإن نزع الأعلى وقد مسح عليه، مسح الأسفل مكانه، كما يغسل رجليه إذا أخرجهما من الخف مكانه، فإن أخّر ذلك فيهما حتى تطاول [ذلك] ابتدأ الوضوء. مالك: ومن لبس خفين على خفين مسح الأعلى منهما. (1)
74 - واختلف قوله في المسح على الجرموقين، فكان يقول: لا يمسح على
_________
(1) انظر: الموطأ (46، 47) ، والذخيرة (328) وما بعدها، والمعيار (1/72) ، والبيان والتحصيل (1/82) ، والمنتقى (1/81) ، والشرح الصغير (1/58) .(1/205)
الجرموقين إلا أن يكون فوقهما أو تحتهما جلد مخروز قد بلغ إلى الكعبين فيمسح عليهما، ثم رجع فقال: لا يمسح عليهما أصلاً، وسواء في قوليه لبسهما على رجل أو خف، وأخذ ابن القاسم بقوله الأول، ولم يأخذ مالك بحديث ابن عمر في تأخير المسح. (1)
75 - مسألة: والمرأة في مسح الخف كالرجل، وإذا خرج العقب من الخف إلى الساق قليلاً والقدم كما [في الخف] فهو على وضوئه، فإن أخرج قدميه إلى ساق
_________
(1) انظر: الذخيرة (1/332) .(1/206)
الخف وقد كان مسح عليهما غسل رجليه مكانه، فإن أخر ذلك استأنف الوضوء، ولا يمسح على خفيه إلا من أدخل رجليه فيهما وهو على وضوء. فأما من تيمم ولبس خفيه لم يمسح عليهما إذا توضأ.
76 - مسألة: ويكره للمرأة تعمل الحناء، أو رجل يريد أن ينام [أو يبول] فيتعمدان لبس الخف [للمسح] .
77 - وتمسح المستحاضة على خفيها.
78 - مالك: ويمسح المقيم والمسافر على خفيه، وليس لذلك وقت، ثم قال: لا يمسح المقيم.
* * *(1/207)
ما جاء في التيمم (1)
79 - التيمم من الجنابة والوضوء سواء، ضربة للوجه، وضربة أخرى للذراعين إلى المرفقين (2) ، يضرب الأرض بيديه ضرباً خفيفاً، ثم ينفض ما تعلق بهما نفضاً خفيفاً ثم يمسح بهما وجهه، ثم يضرب بهما الأرض ثانية فيمسح يمناه بيسراه، ويسراه بيمناه، [من فوق اليد وباطن اليد إلى المرفقين] ، يبدأ باليسرى فيمرها على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق، ومن باطن المرفقين إلى الكوعين، ويمر أيضاً اليمنى على اليسرى كذلك.
80 - ولا يتيمم [في] أول الوقت مريض ولا خائف، فأما المسافر، فإن كان على يأس من الماء تيمم [في] أول الوقت، وصلى، ولا إعادة عليه [و] إن وجد الماء في الوقت، وإن كان على يقين من إدراك الماء في الوقت أخر الصلاة إلى
_________
(1) قال القراقي: وهو من خصائص هذه الأمة لطفاً من الله تعالى بها وإحساناً إليها.. وهي لغة الفصل، وانظر: الذخيرة (1/334) ، وشرح الموطأ - المنتقى - (1/114) ، والشرح الصغير (1/67، 74) .
(2) إسناده ضعيف لضعف جعفر بن الزبير، وجهالة أحد رواته، ولكن له شاهد عند الحاكم (1/180) ، والدارقطني (1/181) ، من حديث جابر، غير رواية أبي أمامة الباهلي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.(1/208)
آخر الوقت، فإن تيمم أول الوقت [وصلى] أعاد الصلاة إن وجد الماء في الوقت.
81 - وأما المسافر الذي لا علم عنده من الماء، والخائف الذي يعرف موضع الماء ويخاف أن لا يبلغه في الوقت، [والمريض] يتيممون في وسط الوقت لكل صلاة ويصلون، فإن وجدوا الماء في وقت تلك الصلاة أعادوا إلا المسافر. ومن خرج من قريته على غير وضوء يريد قرية أخرى، وهو غير مسافر فغربت له الشمس، فإن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق مضى [إليه] ، وإلا تيمم وصلى.
82 -[والتيمم إلى المرفقين] ، ومن تيمم إلى الكوعين أو على موضع نجس قد أصابه بول فجف أعاد في الوقت التيمم والصلاة، كمن توضأ بماء غير طاهر [وصلى] أعاد [ما دام] في الوقت.
83 - ويتيمم في الحضر من لم يجد الماء، وكذلك المسجون [إذا لم يجد الماء تيمم] ، [ومن خاف في الحضر أن تطلع الشمس إذا ذهب إلى النيل ليتوضأ وهو(1/209)
في مثل المعافر (1) وأطراف الفسطاط (2) تيمم وصلى ولا يذهب إلى الماء] ، ومن خاف في حضر أو سفر إن رفع الماء من البئر ذهب الوقت، تيمم وصلّى، ولا إعادة عليه إذا توضأ بعد ذلك.
ولمالك قول في الحضري أنه يعيد إذا توضأ.
84 - ومن فرّق تيممه، وكان أمراً قريباً أجزأه، وإن تباعد ابتدأ التيمم كالوضوء، وتنكيس التيمم كالوضوء.
85 - مالك: وإذا تيمم الجنب وصلى، ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط [وصلاته الأولى تامة] ، وكان ابن مسعود يقول غير هذا، ثم رجع إلى أنه يغتسل.
_________
(1) اسم قبيلة من اليمن، لهم مخلاف تنسب إليه النياب المعافرية، مراصد الاطلاع (3/1287) .
(2) هو بيت يُتخذ من الشعر ويُطلق على المدينة العتيقة التي بناها عمرو بن العاص، في موضع فسطاطه، وتعرف الآن بمصر القديمة، الوسيط (2/714) .(1/210)
86 - والمجدور (1) والمحصوب (2) إذا خافا على أنفسهما [من] مسّ الماء تيمما للجنابة لكل صلاة أحدثا أم لا، ويغسل الجريح [في الجنابة] ما صح من بدنه، ويمسح على جراحه بالماء إن قدر، وإلا فعلى عصائبها، والذي أتت الجراح على أكثر جسده ولا يستطيع مسّه بالماء، والذي غمرت الجراح جسده ورأسه فلم يبق له لا يد أو رجل، والصحيح الذي يخاف على نفسه الموت من الثلج أو البرد يتيممون كلهم للجنابة.
87 - ويتيمم على الجبل والحصباء والثلج من لم يجد تراباً، وعلى طين
_________
(1) الجدري: مرض فيروسي مُعدٍ، يتميز بطفح جلدي حُليمي يتقيح، ويعقبه قشر، يخلف ندوباً، الوسيط (1/115) .
(2) الحصبة: حُمّى حادة طفحية معدية تصحبها زكام وسعال وغير ذلك، تصيب الصغار أكثر من الكبار، حيث تأتي مرة واحدة في العمر، الوسيط (1/184) .(1/211)
خضخاض وغير خضخاض مما ليس بماء إذا لم يجد غيره، ويخفف وضع يديه [عليه] ، ولا يتيمم على لبد (1) ، قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بالصلاة على الصفا والسبخة، وبالتيمم عليهما لمن لم يجد تراباً، وقال: وما حال بينك وبين الأرض فهو منها.
88 - ومن تيمم ثم طلع عليه [رجل معه ماء] وهو في الصلاة تمادى، وإن ذكر أن الماء في رحله قطع [وتوضأ وابتدأ الصلاة] . وإن لم
_________
(1) هو كل شعر أو صوف متلبد، وما يوضع تحت السرج، وضرب من البسط، الوسيط: لبد (2/845) .(1/212)
يذكر حتى فرغ من صلاته، وقد نسيه أو جهله أعادها في الوقت.
89 - ومن لم يجد الماء إلا بالثمن فإن كان قليل الدراهم تيمم، وإن كان يقدر فليشتر ما لم يرفعوا عليه في الثمن، فيتيمم حينئذ.
90 - وإذا خاف العطش إن توضأ بما معه من الماء تيمم، وأبقى ماءه، وإن كان مع الجنب من الماء قدر ما يتوضأ به تيمم للجنابة لكل صلاة أحدث أم لا، وإن كان به أذى غسله بذلك الماء ولا يتوضأ به.
91 - ويتيمم المرضى والمسافرون لخسوف الشمس والقمر، ولا يتيمم من أحدث خلف الإمام في صلاة العيدين، ولا يصلي على الجنازة بتيمم إلا مسافر(1/213)
عدم الماء، وإذا تيمم المسافر، فليمس المصحف، ويقرأ حزبه، ويسجد إذا مر بالسجدة.
92 - ومن تيمم لفريضة فتنفل قبلها، أو صلى ركعتي الفجر، أعاد التيمم للفريضة، وإذا تيمم الجنب لنوم لا ينوي به الصلاة، ولا مس المصحف، لم يتنفل به، ولا يمس المصحف، ولا يصلي مكتوبتين بتيمم واحد، ولا بأس أن يتنفل بعد الفريضة بتيممه ذلك، ومن تيمم لفريضة فصلاها، ثم ذكر صلاة نسيها تيمم لها أيضاً.(1/214)
93 - ولا يؤم المتيمم متوضئين، وليؤمهم متوضئ أحب إليّ (1) ، فإن أمهم متيمم أجزأهم، ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر أنه كان جنباً أعاد التيمم لجنابته، وأعاد الفريضة، لأن تيممه ذلك إنما كان للوضوء لا للغسل.
94 - ولا يطأ المسافر امرأته كان على وضوء أو [على] غير وضوء حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما جميعاً، وكذلك إن طهرت المرأة من حيضتها في سفر وتيممت، فلا يطؤها حتى يكون معهما من الماء ما يكفيهما للغسل، وإن
_________
(1) قول عليّ رضي الله عنه، وابن عمر رضي الله عنهما، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (1/234) ، وابن أبي شيبة في المصنف (1/147) .(1/215)
كانا متوضئين فلا يقبل أحدهما صاحبه، إلا أن يكون معهما من الماء يكفيهما للوضوء، ولا يدخلان على أنفسهما أكثر من حدث الوضوء إذا لم يكن معهما ماء. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/161) .(1/216)
ما جاء في الحيض (1)
95 - وما رأته المرأة [من الدم] أول بلوغها فهو حيض، وإن كانت [رأت] دفعة [واحدة] فإن لم تر غيرها اغتسلت، فإن تمادى بها الدم قعدت عن الصلاة خمسة عشر يوماً ثم هي مستحاضة.
96 - والتي أيامها غير ثابتة تحيض في شهر خمسة أيام، وفي آخر أقل أو أكثر إذا تمادى بها الدم تستظهر [على] أكثر أيامها [التي كانت تحيض] ، وأيام الاستظهار كأيام الحيض، فالتي أيامها اثنا عشر [يوماً] فدون ذلك تستظهر
_________
(1) انظر: الذخيرة (1/371) .(1/217)
بثلاثة أيام، وثلاثة عشر بيومين وأربعة عشر بيوم [واحد] ، وخمسة عشر لا تستظهر بشيء، ثم تصير مستحاضة، [تغتسل وتصلي ويأتيها زوجها] ، وكان مالك [مرة] لا يرى الاستظهار، ويقول: إذا تمادى بها الدم جلست خمسة عشر يوماً من أيام الدم، وما لم تر فيه دماً من الأيام ألغته، ثم رجع إلى الاستظهار [بثلاثة أيام بعد أيام حيضتها ثم تصلي] ، وترك قوله الأول [خمسة عشر يوماً] .
97 - قال عنه ابن وهب: ورأيت أن أحتاط لها فتستظهر [وتصلي] ، وليست عليها، أحب إليّ من أن تترك الصلاة وهي عليها.
98 -[قال عنه ابن القاسم] وإذا رأت صفرة أو كدرة في أيام حيضتها أو في غيرها فهو حيض، وإن لم تر معه دماً، وتغتسل إذا رأت القصة(1/218)
البيضاء (1) ، فإن كانت ممن لا تراها، فحين ترى الجفوف، والجفوف هو أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة.
99 - وإن رأت بعد طهرها بثلاثة أيام أو نحوها دماً، فإن كان الدم الثاني قريباً من الأول أضيف إليه وكان كله حيضة [واحدة] ، وإن تباعد ما بينهما، فالثاني حيض مؤتنف، ولا حد في ذلك.
100 - وإن رأت الدم يوماً والطهر يوماً أو يومين، فاختلط هكذا لفقت من أيام الدم عدة أيامها، وألغت أيام الطهر، ثم تستظهر بثلاثة أيام من أيام الدم هكذا، فإذا استكملت ثلاثة أيام من أيام الدم بعد أيام حيضتها اغتسلت وصلت، وكانت مستحاضة بعد ذلك، والأيام التي استظهرت بها هي فيها حائض، وهي مضافة إلى الحيض، رأت الدم فيما بعد ذلك أو لم تره، إلا أنها في أيام الطهر التي كانت تلغيها تتطهر عند انقطاع الدم في خلال ذلك، وتصلي ويأتيها زوجها [وتصومها وهي فيها طاهر] ، [وليست تلك الأيام بطهر يعتد به في عدة
_________
(1) هي ماء أبيض ينزل آخر الحيض غالباً عند بعض النساء، ومن لا قصة لها، فالعبرة بجفاف الفرج من الدم، وانظر: النهاية لابن الأثير (4/471) .(1/219)
الطلاق] ، وإنما أمرت بالاغتسال في تلك الأيام لأنها لا تدري لعل الدم لا يعود إليها، ولا تعتد بتلك الأيام من طلاق، لأن ما قبلها وما بعدها من الدم قد ضم بعضه إلى بعض، فجعل حيضة واحدة، ثم تغتسل بعد الاستظهار وتصير مستحاضة، ثم تصلي وتصوم وتوطأ [وتتوضأ لكل صلاة إذا رأت الدم في تلك الأيام] .
101 - ولا تدع الصلاة ما تمادى بها الدم، وتكون عدتها عدة المستحاضة، إلا أن ترى ما لا تشك [فيه] أنه [دم] حيض فتدع له الصلاة وتعتد به من الطلاق. [وإن لم تستيقن ذلك لم تدع الصلاة، ولم يكن ذلك لها عدة، وكانت عدتها المستحاضة وياتيها زوجها في ذلك] .
102 - قال ابن القاسم: والنساء يزعمن أن دم الحيض لا يشبه دم الاستحاضة لرائحته ولونه، فإذا رأت الدم خمسة عشر يوماً، والطهر خمسة أيام، ثم الدم أياماً، ثم الطهر سبعة أيام، فهي مستحاضة، فإذا انقطع دم الاستحاضة، وقد كانت(1/220)
اغتسلت، قال [مالك] : فلا تعيد الغسل، ثم قال: تتطهر صانية أحب إليّ، وهذا استحب ابن القاسم.
103 - وإذا حاضت بعد الفجر أو حاضت في وقت صلاة، أو بعد أن صلت منها ركعة فلم تطهر حتى خرج الوقت فلا إعادة عليها.
104 - والحائض تشد إزارها، وشأنه بأعلاها (1) ، إن شاء [وطئها في أعكانها (2) أو في بطنها، ولا يطؤها بين الفخذين] ، ولا يقرب أسفلها، والتي أيامها خمسة ترى الطهر في أربعة فلتغتسل، ولزوجها وطؤها بعد الغسل مكانه.
* * *
_________
(1) هذا يدل عليه قوله ÷: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم في الحيض (302) .
(2) العكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمناً، الوسيط (2/642) .(1/221)
القول في دم النفاس (1) والحامل ترى دماً
105 - والنفساء إذا انقطع دمها وإن كان قرب الولادة طهرت، فإن تمادى بها جلست شهرين، قاله مالك ثم رجع فقال: تجلس قدر ما يراه النساء وأهل المعرفة في النفساء من غير سقم، ثم هي مستحاضة، وتلغي ما رأت من طهر في خلال ذلك، وتحسب أيام الدم، وتغتسل إذا انقطع عنها الدم وتصلّي وتوطأ.
106 - فإذا رأت دماً قرب دم النفاس بيومين، أو ثلاثة، أو نحو ذلك فهو مضاف إلى النفاس، إلا أن يتباعد ما بين الدمين فيكون الثاني حيضاً.
107 - فإن ولدت ولداً وبقي في بطنها آخر، [فلم تضعه إلا بعد شهرين] والدم [بها] متماد فحالها كحال النفساء، ولزوجها عليها الرجعة ما لم تضع الآخر، وقيل حالها حال الحامل ما لم تضع الثاني، ولا تستظهر
_________
(1) هو دم ينزل من رحم المرأة بسبب الولادة ستين يوماً، فأقله مع عدم الزيادة على ما قدرته النساء، انظر: حدود ابن عرفة (1/104) .(1/222)
الحامل بشيء إذا تمادى بها الدم.
108 - قال أشهب: إلا أن تكون استرابت من حيضتها شيئاً من أول ما حملت وهي على حيضتها، فإنها تستظهر. (1)
109 - قال مالك: وإذا رأت الحامل الدم أول حملها أمسكت عن الصلاة قدر ما يجتهد لها، وليس في ذلك حد، وليس أول الحمل كآخره.
110 - قال ابن القاسم: إن رأته في ثلاثة أشهر تركت الصلاة خمسة عشر يوماً ونحوها، وإن رأته بعد ستة أشهر تركت الصلاة عشرين يوماً ونحوها.
_________
(1) انظر: الذخيرة (1/392) ، ومواهب الجليل (1/376) .(1/223)
111 - ابن وهب عن مالك: لا تصلي حتى يذهب الدم عنها، فإن طال عليها فهي كالمستحاضة، مالك: وذلك أحسن ما سمعت.
112 - قال عنه أشهب: في الحامل ترى الدم، إنها كغيرها تجلس أيام حيضتها، ثم قال بعد ذلك: ليس أول الحمل كآخره، كرواية ابن القاسم.
113 - قال أشهب: والرواية الأولى أحسن [لأن] ما حبس الحمل من حيضتها مثل ما حبس الرضاع والمرض [وغيره] ، ثم تحيض فإنها تقعد حيضة واحدة.
114 - قال يحيى بن سعيد: إذا رأت الحامل الصفرة أو الكدرة لم تصل حتى ينقطع ذلك عنها.
* * *(1/224)
(كتاب الصلاة الأول)
115 - قال مالك: أحب إليّ أن يصلّي الظهر في الصيف والشتاء والفيء (1) ذراع كما قال عمر (2) . وما دام الظل في نقصان فهو غدوة، وإذا مدّ ذاهباً فمن ثمّ يقاس ذراع.
116 - والعصر: والشمس بيضاء نقية. والمغرب إذا غربت الشمس للمقيم، فأما المسافر فلا بأس أن يمدّ الميل ونحوه. وأول وقت العشاء مغيب الشفق، وهو الحمرة، ولا ينظر إلى البياض الباقي بعدها، وأحب للقبائل تأخيرها
_________
(1) هو الظِلّ بعد الزوال ينبسط شرقاً، الوسيط (2/773) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (1/536) .(1/225)
بعد الشفق قليلاً، وكذلك في الحرس، ولا تؤخر إلى ثلث الليل، ويغلس بالفجر في الحضر والسفر، وآخر وقتها إذا أسفر، وكان مالك يرى أن يصلي الناس بعدما يدخل الوقت ويمضي منه بعضه في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، ولا بأس أن يخفف قراءة الصبح في السفر بسبح ونحوها، والأكرياء يعجلون الناس [للصلاة] .
117 - والأذان كما علمه النبي ÷ أبا محذورة: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله، مرتين، [ثم ترجع بأرفع صوتك أول مرة فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، مرتين، أشهد أن محمداً(1/226)
رسول الله، مرتين] ، حي على الصلاة، مرتين، حي على الفلاح، مرتين، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة. (1)
ويقول في نداء الصبح بعد حيّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، مرتين، والإقامة كلها مرة مرة إلا التكبير فإنه مرتين. (2)
118 - ويكره التطريب في الأذان، ولا يدور في أذنه، ولا يلتفت، وليس هذا من حد الأذان، إلا أن يريد [بالتفاته] أن يسمع الناس.
119 - ويؤذن كيف تيسر عليه، ورأيت المؤذنين بالمدينة يتوجهون
_________
(1) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.
(2) رواه مسلم (379) من أبي محذورة.(1/227)
للقبلة في أذانهم، ويقيمون عرضاً، وذلك واسع يصنعون كيف شاءوا.
120 - ولا يتكلم في أذانه ولا الملبّي في تلبيته، ولا يردا على من سلّم عليهما، ويكره السلام على الملبي حتى يفرغ، وإن تكلم في أذانه بنى.
121 - ولا يؤذن ولا يؤم إلا من احتلم، وجائز أذان الأعمى وإمامته. وليس على المرأة أذان ولا إقامة، وإن أقامت فحسن. ولا يؤذن قاعداً إلا من عذر فيؤذن لنفسه [إن كان مريضاً] ، وجائز أن يؤذن رجل ويقيم غيره، وإن شاء جعل أصبعيه في أذنيه في أذانه وإقامته، وإن شاء ترك.
122 - وإن أذن فأخطأ فأقام ساهياً ابتدأ الأذان، ومن سمع المؤذن فليقل كقوله، وإن كان في نافلة، إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، وإن أتمّ الأذان معه(1/228)
[أو عجّل بالقول قبله فواسع فلا بأس] ، ولا يقول مثله في الفريضة.
123 - ولا بأس أن يؤذن غير متوضئ، ولا يقيم إلا متوضئاً. ويؤذن راكباً ولا يقيم إلا نازلاً، ولا يؤذن للصلاة قبل وقتها إلا الصبح، ولا بأس باتخاذ مؤذنين، أو ثلاثة، أو أكثر، لمسجد واحد، في حضر، أو سفر، في بر، أو بحر، أو في الحُرُس.
124 - وليس الأذان إلا في مسجد الجماعات ومساجد القبائل، أو في موضع اجتمع فيه الأئمة وإن كان في حضر أو سفر، [وكذلك إمام المصر يخرج إلى الجنازة فتحضره الصلاة خارج المصر فيصلي بأذان وإقامة] ، فأما غير هؤلاء يجمعون في حضر أو سفر فالإقامة تجزيهم لكل صلاة، وإن أذنوا فحسن. ويجمع الإمام الصلاتين بعرفة والمزدلفة بأذان واحد وإقامة، لكل صلاة، [أما غير الإمام فتجزيهم إقامة لكل صلاة] .
125 - ومن صلى بغير إقامة عامداً أو ساهياً أجزأه، وليستغفر الله العامد.(1/229)
126 - ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فليبتدأ الإقامة لنفسه، ومن صلى [وحده] في بيته لم تجزه إقامة أهل المصر، قال ابن المسيب وابن المنكدر: من صلى وحده فليسر الإقامة في نفسه. وعلى من ذكر صلوات إقامة لكل صلاة، ولا يصلي صلاتين بإقامة واحدة.
127 - وتجوز الإجارة على الأذان، وعلى الأذان والصلاة جميعاً، وكره مالك إجارة قسام القاضي، ولا بأس بما يأخذ المعلم، اشترطه أو لم يشترطه، وإن اشترط شيئاً معلوماً على تعليم القرآن جاز. (1)
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (2/66) .(1/230)
128 - وينتظر الإمام بعد الإقامة قليلاً بقدر تسوية الصفوف، ثم إذا كبر قرأ [ولا يتربص] ، وليس في سرعة القيام للصلاة [بعد الإقامة] وقت، وذلك على قدر طاقة الناس.
129 -[ومفتاح الصلاة الطهور] ، وتحريمها التكبير، وتحليلها السلام. (1)
ولا يجزئ من الإحرام إلا قول: الله أكبر، ولا من التسليم إلا قوله: السلام عليكم.
130 - ولا يقول من صلى وحده أو كان إماماً أو مأموماً هذا الذي يذكر الناس:
_________
(1) رواه أبو داود (62) ، والترمذي (3) ، وابن ماجة (275) ، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في الباب، وأحسن.(1/231)
سبحانك اللهم وبحمدك [تبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وكان مالك لا يعرفه] ولكن يكبر ثم يقرأ.
131 - ولا يحرم بالأعجمية، ولا يدعو بها، ولا يحلف بها، ونهى عمر عن رطانة (1) الأعاجم وقال: إنها خب. (2) (3)
_________
(1) رَطَن الأعجمي: تكلم بلغته، ورطن فلان: تكلم بالأعجمية، الوسيط (1/362) .
(2) الخبّ: الخداع والغش، الوسيط (1/221) .
(3) رواه البيهقي في الكبرى (9/234) .(1/232)
132 - وإن ذكر مأموم أنه نسي تكبيرة الإحرام، فإن كان كبر للركوع ونوى بها تكبيرة الإحرام أجزأته، وإن كان كبرها ولم ينو بها ذلك تمادى مع الإمام وأعاد الصلاة احتياطاً، لأنها لا تجزئه عند ربيعة، وتجزئه عند ابن المسيب، فإن لم يكبر للركوع ولا للافتتاح حتى ركع الإمام ركعة [وركعها معه] [ثم ذكر] ابتدأ التكبير، وكان الآن داخلاً في الصلاة، ويقضي ركعة بعد سلام الإمام، ولو كان وحده ابتدأ متى ذكر [قبل ركعة أو بعدها] نوى بتكبيرة الركوع الإحرام أم لا، وكذلك الإمام لا يجزئه أن ينوي بتكبيرة الركوع الإحرام، فإن فعل أعاد هو ومن خلفه، ومن ظن أن الإمام كبر فكبر، ثم كبر الإمام، فإنه يكبر بعد الإمام من غير سلام، فإن لم يكبر بعد تكبير الإمام وتمادى معه أعاد الصلاة.
133 - ولا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، في الفريضة سراً ولا جهراً، إمام أو(1/233)
غيره، وذلك في النافلة واسع، إن شاء قرأ أو ترك. ولا يتعوذ في المكتوبة قبل القراءة، ويتعوذ في قيام رمضان إذا قرأ، ولم يزل القراء يتعوذون في قيام رمضان إذا قاموا، ومن قرأ في غير صلاة تعوذ قبل القراءة إن شاء.
134 - ويسمع الرجل نفسه في صلاة الجهر، وفوق ذلك قليلاً، والمرأة دون الرجل في ذلك، وفي التلبية تسمع نفسها.
135 - وليس العمل على القراءة في آخر ركعة من المغرب [بعد أم القرآن](1/234)
بـ {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا [بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} . (1)
ولا على حديث عمر في ترك القراءة، ويعيد تاركها أبداً، وروي وكيع عن عمر أنه أعاد (2) ، ولا تجزئ القراءة في الصلاة حتى يحرك بها لسانه، ومن ترك القراءة في ركعة من الصبح، أو في ركعتين فأكثر من سائر الصلوات أعاد الصلاة، وإن تركها في ركعة من غير الصبح، فقد استحب مالك في خاصته أن يعيد الصلاة، وكان يقول زماناً يُلغي تلك الركعة على حديث جابر (3) ،
_________
(1) سورة آل عمران آية (8) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/122) ، والبيهقي في الكبرى (2/382) .
(3) رواه مالك في الموطأ (74) ، والبيهقي في الكبرى (2/160) عن جابر، وقال: الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن سلاّم وغير من الضعفاء عن مالك وذلك مما لا يحل روايته على طريق الاحتجاج به، وقد يشبه أن يكون ما ذهب إليه جابر في ذلك ترك القراءة خلف الإمام فيما يُجهر فيه بالقراءة دون ما لا يُجهر.(1/235)
وبه أخذ ابن القاسم، ثم قال مالك آخر مرة ارجو أن تجزئه سجدتا السهو قبل السلام وما ذلك بالبين. قال ابن القاسم: والقول الأول فيما رأيت [منه] أعجب إليه وهو رأيي.
136 - ومن نسي أم القرآن حتى قرأ سورة فليبتدأ أم القرآن وليعد السورة، ولا يقضي ما نسي من القراءة لركعة في ركعة أخرى، ومن نسي السورة التي مع أم القرآن في الركعة الأولى أو في الأوليين، وقرأ بأن القرآن سجد [لسهوه] قبل السلام، فإن تعمد ذلك فلا إعادة عليه، وليستغفر الله، ولا يسجد، ولو قرأها في الركعتين الآخرتين سهواً فلا سجود عليه. وأطول الصلاة قراءة الصبح والظهر.
137 - ومفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم (1) . [قال مالك: ولا أعرف رفع اليدين في شيء من تكبير الصلاة، ولا في خفض ولا
_________
(1) تقدّم قريباً.(1/236)
رفع] . ولا يرفع يديه [في الصلاة] إلا في الافتتاح شيئاً خفيفاً، وكذلك المرأة، وضعف مالك رفع اليدين عند الجمرتين واستلام الحجر، وبعرفات في الموقف، وعلى الصفا والمروة عند المشعر والاستسقاء، وقد رُئي مالك رافعاً يديه في الاستسقاء حين عزم عليهم الإمام، وقد جعل بطونهما مما يلي الأرض، وقال: إن كان الرفع فهكذا، قال ابن القاسم: يريد [في الاستسقاء] في مواضع الدعاء، ومن مر بالركن فلم يستطع أن يستلمه كبر ومضى ولا يرفع يديه.(1/237)
138 - ومن أتى والإمام راكع فخشي رفع رأسه فليركع بقرب الصف، وحيث يطمع إذا دب راكعاً يصل إليه، فإن لم يطمع بذلك أحرم حيث أمكنه [وكذلك في صلاة العيدين وغيرهما] ، [قال ابن القاسم: ولو جاء في صلاة العيدين والخسوف والاستسقاء ولم يطمع أن يصل إلى الصف أحرم حيث أمكنه، بمنزلة المكتوبة] ، وإذا أمكن يديه من ركبتيه في الركوع، وإن لم يسبح، أو أمكن جبهته وأنفه من الأرض [في السجود] فقد تم ذلك إذا تمكن مطمئناً.
139 - ويكبر في حال انحطاطه لركوع أو سجود، ويقول: سمع الله لمن حمده في حال رفع رأسه، ويكبر في حال رفع رأسه من السجود، وإلا في الجلسة الأولى إذا قام منها فلا يكبر حتى يستوي قائماً.
140 - قال مالك: ولا أعرف قول الناس في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي(1/238)
السجود: سبحان ربي الأعلى، وأنكره، ولم يجد فيه أحداً ولا دعاء مؤقتاً.
141 - وكره مالك الدعاء في الركوع وأجازه في السجود، ولا بأس بالتسبيح فيهما جميعاً، ولا حد في ذلك.
142 - والسجود على الأنف والجبهة جميعاً، فإن سجد على الأنف دون الجبهة أعادها أبداً، [ومن سجد على جبهته دون الأنف فصلاته مجزئة عنده ولا يعيد] ولو كان بجبهته قروح تمنعه السجود عليها أومأ ولم يسجد على الأنف، [قال أشهب: وإن سجد على الأنف أجزأه، لأنه زاد على الإيماء] .
143 - ويضع المصلي بصره أمام قبلته ولا ينكس رأسه [إلى الأرض] في الركوع،(1/239)
ويقول المأموم والفذ إذا قال الإمام ولا الضالين: آمين، ويقول الفذ إذا رفع رأسه من الركوع: سمع الله لمن حمده، ويقول المأموم: اللهم ربنا ولك الحمد، وإن كان إماماً فليقل سمع الله لمن حمده، ولا يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول من خلفه سمع الله لمن حمده، ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد، قال مالك، وقال مرة: لك الحمد.
144 - وأما تفريق الأصابع [في الركوع] وضمها في السجود فكان مالك يكره أن يجد فيه حداً ويراه من البدع، قال: يسجد كما يسجد الناس ويركع كما يركعون.
145 - وإن نعس المأموم في الركعة الأولى لم يعتد بها ولا يتبع فيها، وإن أدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه من سجودها، ولكن يسجد معه ثم يقضيها بعد سلام الإمام، وإن نعس بعد عقد الأولى في ثانية أو ثالثة أو رابعة اتبع الإمام ما لم يرفع رأسه من سجودها.
146 - والجلوس بين السجدتين وفي التشهد سواء، يفضي بأليته (1) إلى الأرض، وينصب رجله اليمنى، ويثني اليسرى، ويجعل باطن إبهام رجله اليمنى مما يلي الأرض، والنساء والرجال في ذلك سواء.
_________
(1) الألية: العجيزة، أو ما ركبها من شحم ولحم، الوسيط (1/26) .(1/240)
147 - وإذا سجد السجدتين نهض كما هو ولا يرجع إلى الأرض، والإقعاء (1) في الصلاة مكروه، ويرفع بطنه عن فخذيه في السجود، ويجافي بضبعيه، ولا يفرج ذلك التفريج، ولكن تفريجاً متقارباً، وله أن يضع ذراعيه على فخذيه في النوافل لطول السجود، وأما في المكتوبة وما خفّ من النوافل فلا، ولا يفترش ذراعيه (2) في السجود.
148 - ويتوجه بيديه إلى القبلة، ولم يحدّ أين يضعهما، ولا يتكئ في المكتوبة على حائط أو عصا، ولا بأس به في النافلة، وإن شاء اعتمد على يديه للقيام أو ترك، [أي ذلك أرفق به فعل] ، ولا يضع يمناه على
_________
(1) انظر في ماهيته: معجم المصطلحات (1/368) .
(2) ينظر: البخاري (828) ، حديث أبي حميد الساعدي.(1/241)
يسراه في فريضة، وذلك جائز في النافلة لطول القيام.
149 - ولا يضع يده إلا على ما يضع [عليه] جبهته، وإن كان حراً أو برداً جاز أن يبسط ثوباً يسجد عليه، [ويجعل عليه كفّيه] ن وتبدي المرأة كفيها في(1/242)
السجود حتى تضعهما على ما تسجد عليه.
150 - قال مالك: ومن صلى على كور (1) العمامة كرهته ولا يعيد، وأحب إلي أن يرفع عن بعض جبهته حتى يباشر الأرض، ويكره أن يحمل الحصباء أو التراب من موضع الظل إلى موضع الشمس ليسجد عليه، ويكره أن يسجد على الطنافس (2) ، وثياب الصوف، والكتان، والقطن، وبسط الشعر [والأدم] ، وأحلاس (3) الدواب، ولا يضع كفيه عليها، ولكن يقوم عليها،
_________
(1) الكور: مجتمع طاقاتها مما شُدّ على الجبهة، كما في الشرح الكبير لسيدي أحمد الدردير (1/253) .
(2) الطنفسة: مثلثة الطاء والفاء وبكسر الطاء وفتح الفاء وعسكها، واحدة الطنافس، القاموس (5/7) .
(3) الحلس: كساء يجعل على ظهر البعير تحت رجله، والقتب والسّرج، الوسيط (1/199) .(1/243)
ويجلس ويسجد على الأرض، ولا بأس أن يسجد على الخمرة (1) والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها، ولا بأس بالصلاة على طرف حصير وبطرفه الآخر نجاسة.
151 - وجائز أن يصلي المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوباً طاهراً كثيفاً، وإذا قدر المريض على القيام والركوع والسجود والجلوس فعل ذلك كله، ويتشهد جالساً فإن قدر أن يسجد وإلا أومأ بسجوده، وإن قدر على القيام ولم يقدر على الركوع قام وأومأ لركوعه، ومد يديه إلى ركبتيه في إيمائه، ويجلس ويسجد إن قدر، وإلا أومأ بسجوده جالساً، وإن لم يقدر إلا على القيام كانت صلاته كلها قائماً ويومئ بالسجود أخفض من الركوع، ويصلي المريض على قدر ما يستطيع، فإن دين الله يسر.
152 - ومن افتتح الصلاة جالساً من عذر ثم صح أتم قائماً، ولو افتتح قائماً ثم عرض له مرض أتم جالساص وأجزأه، ولا يصلي المريض إلا إلى القبلة، فإن عسر
_________
(1) الخمرة: حصيرة أو سجادة تنسج من سعف النخل وتُرْمَل بالخيوط، الوسيط (1/264) .(1/244)
عليه تحويله احتيل فيه، فإن صلى إلى غير القبلة أعاد في الوقت إليها، ويصلي من لا يقدر على القيام متربعاً، فإن لم يقدر فعلى قدر طاقته من الجلوس، فإن لم يقدر فعلى جنبه أو ظهره، ويجعل رجليه مما يلي القبلة، ويومئ برأسه، ولا دع الإيماء، وإن كان مضطجعاً، وصلاته جالساً ممسوكاً به أحب إلي من المضطجع. ولا يستند بحائض ولا جنب، فإن قدر أن يسجد [على الأرض سجد] ، وإلا أومأ بظهره ورأسه، ولا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه، ولا ينصب بين يديه شيئاً يسجد عليه، فإن فعل وجهل [ذلك لم يعد] ويؤم الصحيح المرضى [وتجزيهم صلاتهم خلفه إيماء أو جلوساً إذا هو يصلي قائماً] ، ولا يؤم المريض الأصحاء إذا كان لا يقدر على القيام. (1)
153 - ويكره لمن يقدح الماء من عينيه أن يصلي مستلقياً [على ظهره] اليومين
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (1/507) .(1/245)
ونحوهما، فإن فعل أعاد أبداً. (1)
154 - والمصلي جالساً إذا تشهد في الركعتين [الأوليين] كبر قبل أن يقرأ ونوى به القيام للثالثة، وجلوسه في موضع الجلوس كجلوس القائم. ولا بأس بالاحتباء في النوافل للجالس بعقب تربعه، ومن صلى فريضة جالساً وهو يقدر على القيام أعاد أبداً.
155 - ومن افتتح النافلة جالساً ثم شاء القيام، أو افتتحها قائماً ثم شاء الجلوس، فذلك له. قال ابن القاسم: قال مالك وعبد العزيز - ولم أسمع من عبد العزيز غير هذا -: من تنفل فيمحمله فقيامه
_________
(1) انظر: السنن الكبرى للبيهقي (2/306) ، وفتح الباري (2/209) .(1/246)
تربعاً، ويركع متربعاً، ويضع يديه على ركبتيه، فإذا رفع رأسه من ركوعه قال مالك: يرفع يديه عن ركبتيه، ولا أحفظ رفع يديه عن ركبتيه عن عبد العزيز، ثم قالا: فإذا أهوى إلى السجود ثنى رجليه وأومأ بالسجود، فإن لم يقدر أن يثني رجليه أومأ متربعاً، [قال: يومئ يديه] ، والشديد المرض الذي لا يقدر أن يجلس لا يعجبني أن يصلي المكتوبة في المحمل لكن على الأرض.
156 - ومن خاف أن ينزل من سباع أو غيرها صلى على دابته إيماء حيثما توجهت به، فإن أمن في الوقت فأحب إليّ أن يعيد بخلاف العدو. (1)
157 - وللمسافر أن يتنفل على الأرض ليلاً ونهاراً ويصلي في السفر الذي تقصر في مثله على دابته أينما توجهت به الوتر وركعتي الفجر والنافلة، ويسجد إيماء، وإذا قرأ سجدة تلاوة أومأ بها، فأما في السفر الذي لا يقصر فيه أو في حضر فلا، وإن كان إلى القبلة.
_________
(1) انظر: الرسالة للقيرواني (2/367، 368) .(1/247)
158 - ولا يؤم أحد جالساً (1) في فريضة ولا نافلة، وإذا ناب الإمام شيء منعه [القيام] استخلف من يصلي بالقوم، فإن جاء هو للصف فيصلي بصلاة الإمام، ولا يصلي مضطجعاً إلا مريض.
159 - ولا يصلي الإمام على شيء أرفع مما يصلي عليه أصحابه، فإن فعل
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (2/463) ، والبيهقي في الكبرى (3/80) ، والدارقطني في سننه (1/398) ، وضعفه.(1/248)
أعادوا أبداً لأنهم يعبثون، إلا الارتفاع اليسير مثل ما كان بمصر فتجزئهم الصلاة.
160 - ومن صلى في دور بين يدي الإمام [بصلاة الإمام] وهم يسمعون تكبير الإمام في غير الجمعة أجزأتهم، ويكره لهم ذلك.
161 - مالك: وجائز أن يصلي في غير الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام والإمام في داخل المسجد، ثم كره ذلك، وبأول قوله أقول. ولا يعجبني أن يصلي على أبي قبيس (1) وقعيقعان (2) بصلاة الإمام في المسجد الحرام.
_________
(1) أبو قبيس: جبل بمكة وانظر معجم ما استعجم (3/104) .
(2) هو اسم جبل بمكة، معجم ما استعجم (3/1086) .(1/249)
162 - وإن صلى الإمام في أسفل السفينة والناس فوق السقف أجزأهم إذا كان إمامهم قدامهم، ولا يعجبني أن يكون هو فوق وهم أسفل، ولكن يصلي الذين فوق بإمام، والذين أسفل بإمام، والسفن المتقاربة إذا كان الإمام في أحدها وصلى الباقون بصلاته أجزأهم، مثل النهر الصغير والطريق بين الإمام والمأموم.
163 - ولا بأس بالصلاة في دور محجورة (1) بصلاة الإمام في غير الجمعة، إذا رأوا عمل الإمام والناس أو سمعوه.
164 - وتجزئ الجمعة وغيرها خلف من ليس بمبتدع من الولاة.
_________
(1) أي الممنوعة، وانظر الوسيط (1/163) .(1/250)
165 - وأحق القوم [بالإمامة أعلمهم، إذا كان أحسنهم حالاً، وقال أيضاً: أولاهم] بالإمامة أفضلهم في أنفسهم، إذا كان هو أفقههم، قيل لمالك: فأقرؤهم؟، قال: قد يقرأ [من لا، يريد] من لا ترضى حاله. قال ابن وهب عن مالك: يؤم القوم أهل الفضل وأهل الصلاح منهم، وأولى بمقدم الدابة صاحبها، وصاحب الدار أولى بالإمامة إذا صلوا في منزله إلا أن يأذن لأحد.
166 - ولا يصلي من يقرأ خلف من لا يحسن القرآن، وهو أشد من إمام ترك القراءة، والإعادة في ذلك كله أبداً [على الإمام والمأموم] .(1/251)
167 - وإذا كان الإمام من أهل الأهواء فلا يصلى خلفه، ولا الجمعة، إلا أن يتقيه فيصليها معه ويعيدها ظهراً أربعاً. ووقف مالك في إعادة من صلى خلف إمام مبتدع، قال ابن القاسم: يعيد في الوقت، قال مالك: ولا يسلم على أهل البدع ولا يُناكحون ولا يُصلى خلفهم جمعة ولا غيرها ولا تُشهد جنائزهم.
168 - ومن صلى خلف من يقرأ بما يذكر من قراءة ابن مسعود (1) فليخرج ويتركه، فإن صلى خلفه أعاد أبداً.
169 - ولا يؤم السكران، ويعيد من ائتم به.
_________
(1) لعدم تواترها، وانظر: جواهر البيان للعسال (ص83) .(1/252)
170 - ولا يؤم الصبي في النافلة الرجال والنساء، ولا تؤم المرأة. قال النخعي: ولا تؤم في فريضة. ولا أعرابي في حضر ولا سفر، وإن كان أقرأهم.
171 - ولا يؤم العبد في الحضر في مساجد القبائل ولا في جمعة أو عيد، فإن أمهم في جمعة [أو عيد] أعاد وأعادوا، إذ لا جمعة عليه ولا عيد، وجائز أن يؤم العبد في قيام رمضان، أو في الفرائض في السفر إن كان أقرأهم من غير أن يتخذ إماماً راتباً.(1/253)
وكذلك الخصي، وولد الزنا أكره أن يتخذ إماماً راتباً. [وجائز اتخاذ الأعمى إماماً راتباً] .
172 - وأكره لأئمة المساجد الصلاة بغير رداء إلا إماماً في سفر أو في داره أو بموضع اجتمعوا فيه، وأحب إلي أن يجعل على عاتقه عمامة أو غيرها. ولا بأس أن تأتم بمن لم ينو هو أن يؤمك.
173 - وإذا صلى رجلان أو رجل وصبي مع إمام قاما جميعاً خلفه إن كان الصبي يعقل الصلاة لا يذهب ويتركه، وإن صلى معه رجل وامرأة قام الرجل عن يمين الإمام، وقامت المرأة خلفهما، وإن صلى معه رجل قام عن يمينه، وإن قام عن يساره أداره الإمام إلى يمينه من خلفه، وإن لم يعلم به حتى فرغ أجزأته صلاته.(1/254)
174 - ومن وجد الإمام ساجداً فليكبر وليسجد، ولا ينتظره حتى يرفع رأسه.
175 - وجائز أن يصلي الرجل بامرأته المكتوبة وتكون خلفه، ومن صلى وحده فله إعادتها في جماعة، إلا المغرب، فإن أعادها فأحب إلي أن يشفعها [بركعة] وتكون الأولى صلاته.
176 - ومن سمع الإقامة، وقد صلى وحده، فليس بواجب عليه إعادتها إلا أن يشاء. ولو كان في المسجد لدخل مع الإمام، إلا في المغرب فإنه يخرج.
177 - ومن أحرم بفريضة في المسجد ثم أقيمت عليه تلك الفريضة فإن لم يركع قطع بسلام ودخل مع الإمام. ومن ركع ركعة صلى ثانية وسلم ودخل معه.(1/255)
178 - وإن صلى ثالثة صلى رابعة ولا تكون نافلة ويسلم ويدخل معه، وإن كان المغرب قطع ودخل مع الإمام، عقد ركعة أم لا، وإن صلى اثنتين أتمهما ثلاثاً وخرج، وإن صلى ثلاثاً سلم وخرج ولم يعدها.
179 -[ومن أحرم في بيته ثم سمع الإقامة يعلم أنه يدركها فلا يقطع ويتمادى] .
180 - ومن صلى صلاة فلا يؤم فيها أحداً، فإن فعل أعاد من ائتم به، إذ لا يدري أيتهما صلاته، وقد جاء حديث أن الأولى صلاته والآخرة نافلة.
181 - ومن صلى في جماعة مع واحد فأكثر [منه] لم يعد في جماعة أكثر منها،(1/256)
كان إماماً أو مأموماً، وليخرج من المسجد إذا أقيمت تلك الصلاة.
182 - وإذا صلى الإمام في المسجد وحده فلا يعيد في جماعة، إذ هو وحده جماعة.
183 - ولا تجمع صلاة في مسجد مرتين إلا في مسجد ليس له إمام راتب.
184 - وإذا جمع قوم في مسجد له إمام راتب ولم يحضر فله إذا جاء أن يجمع فيه، وإذا صلى فيه إمامه وحده ثم أتى أهله لم يجمعوا فيه، ومن وجد مسجداً قد جمع أهله فإن طمع بإدراك جماعة في مسجد أو غيره خرج إليها، وإن كانوا جماعة فلا بأس أن يخرجوا من المسجد فيجمعوا إلا أن يكون المسجد الحرام،(1/257)
ومسجد النبي ÷، أو مسجد القدس، فليصلوا فيه أفذاذاً، [إذ] هو أعظم لأجرهم.
185 - ومن صلى وبين يديه جدار مرحاض أو قبر فلا بأس به إن كان مكانه طاهراً، وجائز أن يصلي في المقبرة (1) ، وعلى الثلج، وفي الحمام، إذا كان موضعه طاهراً، وفي مرابض الغنم والبقر. (2)
186 - ولا يصلي في أعطان (3) الإبل التي في المناهل (4) ، وروى ابن وهب أن النبي
_________
(1) لم يأخذ إمام المدينة بحديث الترمذي عن أبي سعيد: الأرض كلها مسجد إلا المقبرة، والحمام، (37) .
(2) انظر: الشرح الصغير (1/97) .
(3) مَبَارك الإبل، الوسيط (2/631) .
(4) أي موضع شربها، الوسيط (2/998) .(1/258)
÷ نهى عن الصلاة في المجزرة، والمزبلة، ومحجة الطريق، وظهر بيت الله الحرام، [ومعاطن الإبل] . (1)
187 - وكره مالك الصلاة على قارعة الطريق لما يصيبها من زبل الدواب، واستحب أن يتنحى عنها [قليلاً] ، وكره مالك الصلاة في الكنائس لنجاستها من أقدامهم، وللصور التي فيها، ولا ينزل بها إلا من ضرورة.
188 - ولا يصلي إلى قبلة فيها تماثيل، وتكره التماثيل التي في الأسرة والقباب والمنابر، وليس كالثياب والبسط التي تمتهن، وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقول: ما كان يمتهن فلا بأس به، وأرجو أن يكون خفيفاً، ومن
_________
(1) رواه البخاري (1/632) ، ومحجة الطريق: أي الطريق المستقيم، الوسيط (1/163) ، وانظر: الترمذي (346) ، وابن ماجة (746، 747) .(1/259)
تركه غير محرم له فهو أحب إلي، ولا يلبس خاتم فيه تماثيل ولا يصلي به.
189 - ولا يصلي في الحجر، ولا في الكعبة فريضة، ولا ركعتي الطواف الواجب، ولا الوتر، ولا ركعتي الفجر، فأما غير ذلك من ركوع الطواف فلا بأس به، ومن صلى في الكعبة فريضة أعادها في الوقت.
190 - وكذلك من صلى ومعه لحم ميتة أو عظمها أو جلدها [أعاد في الوقت] ، قال مالك: ولا يعجبني الصلاة على جلدها وإن دُبغ، فإن فعل أعاد في الوقت، ويصلى على جلد السبع إذا ذكي ويلبس، ولا يصلى على جلد حمار وإن ذكي، ووقف مالك عن الجواب في الكَيْمَخْت ورأيت تركه أحب إليه.(1/260)
191 - وكل بما كان] يؤخذ من الميتة وهي حية فلا يكون نجساً ولا بأس أن يؤخذ منها بعد موتها، ويصلى به مثل صوفها وشعرها ووبرها، واستحسن [مالك] غسله.
192 - وكره أخذ القرن والعظم والسن والظّلْف (1) منها ورآه ميتة، وكره أخذ القرن منها في الحياة أيضاً، وكره الإدهان في أنياب الفيل والمشط بها والتجارة فيها، ولا ينتفع بشيء من عظام الميتة، ولا يوقد بها لطعام ولا لشراب، ولا يحل اللبن في ضروع الميتة.
193 - ومن توضأ بماء غير طاهر ثم علم به فليغسل ما أصاب ذلك الماء من جسده وثيابه، ويعيد الصلاة في الوقت.
194 - ومن علم وهو في الصلاة أنه [قد] استدبر القبلة أو شرّق أو غرّب قطع
_________
(1) هو الظفر المشقوق للبقرة والشاة والظبي ونحوهما، الوسيط (2/597) .(1/261)
وابتدأ الصلاة بإقامة، وإن علم بذلك بعد الصلاة أعاد في الوقت، وإن علم في الصلاة أنه انحرف يسيراً فلينحرف إلى القبلة ويبني. (1)
195 - ووقت من صلى إلى غير القبلة في الظهر والعصر إلى اصفرار الشمس، وأما المغمى عليه يفيق من الإغماء أو من جنون مطبق أو يصيبه ذلك، والمرأة تحيض أو تطهر، والنصراني يسلم، والصبي يحتلم، فوقتهم [في الصبح ما لم تطلع الشمس] ، وفي الظهر والعصر ما لم تغرب الشمس، وفي العشائين ما لم يطلع الفجر، فإذا بقي من الوقت قدر صلاة أو ركعة منها فذلك وقت الآخر منها، وهم مدركوها، [فتسقط عن التي حاضت حينئذ، وعن الذي أغمي عليه، وتجب على التي طهرت، أو أفاق أو أسلم أو احتلم] ، ولو بقي من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى كانوا مدركين للصلاتين معاً على ما فسّرناه.
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/224، 225) .(1/262)
196 - وأما من كان تحت الهدم فلم يستطع الصلاة فعليه أن يقضي ما خرج وقته لأنه في عقله، ومن بلغ مطبقاً أو جن بعد أن بلغ ثم صح فليقض الصوم ولا يقضي من الصلاة إلا ما أفاق في وقته. (1)
197 - وإذا صلت الحرة بادية الشعر أو الصدر أو ظهور القدمين أعادت في الوقت، وإذا صلت متنقبة أو متلثمة فلا تعيد، والحرة المراهقة ومن يؤمر منهن بالستر في الصلاة كالبالغة، ولا تصلي أم الولد إلا بقناع كالحرة
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (1/494) .(1/263)
بدرع أو قَرْقَل (1) يستر صدور قدميها، وإن صلت بغير قناع فأحب إلي أن تعيد في الوقت، ولا أوجبه عليها كوجوبه على الحرة وللأمة ومن لم تلد من السراري والمكاتبة والمدبرة والمعتق بعضها الصلاة بغير قناع، ولا يصلين إلا بثوب يستر جميع الجسد.
198 - وإذا لم يجد العراة ثياباً صلوا أفذاذاً متباعدين قياماً يركعون ويسجدون ولا يؤمون، وإذا كانوا في ظلام لا يرى بعضهم بعضاً جمعوا وتقدمهم إمامهم.
199 - ولا بأس أن يصلي محلول الأزرار وليس عليه سراويل ولا مئزر وهو أستر
_________
(1) هو قميص للنساء أو ثوب لا كُمّ له، القاموس (1353) .(1/264)
من الذي يصلي متوشحاً بثوب، ومن صلى بسراويل ومئزر، وهو قادر على الثياب لم يعد في وقت ولا غيره، ومن صلى محتزماً أو جمع شعره بوقاية أو شمر كميه، فإن كان ذلك لباسه أو كان في عمل حتى حضرت الصلاة فلا بأس به، وإن تعمد [لذلك] إكفات شعر أو ثوب فلا خير فيه.
200 - ومن أدرك بعض صلاة الإمام [فسلم الإمام] فإن كان موضع جلوس له كمدرك ركعتين قام بتكبير، وإن لم يكن موضع جلوس له كمدرك ركعة أو ثلاث قام بغير تكبير، ومن أدرك التشهد الآخر فكبر وجلس وقام بتكبير، فإن قام بغير تكبير أجزأه، ومن أدرك من الظهر ركعة قرأ فيها بأم القرآن، فإذا(1/265)
قام يقضي قرأ بأم القرآن وسورة وجلس يتشهد ثم يأتي بركعتين يقرأ في الأولى بأم القرآن وسورة، وفي الثانية بأم القرآن وحدها، وإن كانت صلاة جهرٍ جهر في قضاء الأولتين، وما أدرك مع الإمام فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته، ومن أدرك من المغرب ركعة، قال ابن المسيب: أو فاتته منها ركعة صارت صلاته كلها جلوساً.
201 - وجائز صلاة النافلة في جماعة ليلاً أو نهاراً، ويجمعها الرجل بأهل بيته وغيرهم ومن دخل مسجداً قد صلى أهله فجائز أن يتطوع قبل المكتوبة،(1/266)
إن كان في بقية من الوقت، وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة، ومن ذكر صلاة بقيت عليه فلا يتنفل قبلها، وليبدأ بها إلا أن يكون في بقية من وقتها، وليس قبل الصلاة أو بعدها ركوع معلوم، وإنما يؤقت في ذلك أهل العراق.
202 - ومن قطع نافلة عمداً لزمه إعادتها، وإن كان ذلك لعلة لم يعدها، وإذا أقيمت الصلاة كره التنفل حينئذ، ومن أحرم في نافلة ثم أقيمت الصلاة فإن كان ممن يخفف الركعتين قبل أن يركع الإمام صلاهما ودخل معه وإلا قطع بسلام ودخل معه، ولا يقضي النافلة إذا لم يتعمد قطعها، فإن لم يقطع بسلام أعاد الصلاة، ومن أوتر في المسجد فأراد أن يتنفل بعده تربص قليلاً، وإن انصرف بعد وتره إلى بيته تنفل ما أحب.
203 - ومن سلم من صلاته تنفل في موضعه وحيث أحب من المسجد إلا في الجمعة، ولا يتنفل الإمام في موضعه [لا](1/267)
في جمعة ولا غيرها.
204 - قال مالك: ومن دخل مسجداً فلا يقعد حتى يركع ركعتين إلا أن يكون مجتازاً لحاجة فجائز أن يمر فيه ولا يركع، وقاله زيد بن ثابت، ثم كره زيد أن يمر فيه ولا يركع، ولم يأخذ به مالك، وصلاة النافلة في الليل والنهار مثنى مثنى.
205 - ولا بأس بالإشارة الخفيفة في الصلاة للحاجة، ولا يكره السلام على المصلي في(1/268)
فريضة أو نافلة، وليرد مشيراً بيده أو برأسه. ويسبح الرجال والنساء في الصلاة للحاجة، وضعف مالك أمر التصفيق للنساء لحديث التسبيح. (1)
206 - وإن قهقه المصلي وحده قطع، وإن كان مأموماً تمادى وأعاد، ولا شيء عليه إن تبسّم، صلى وحده أو مأموماً، ولا يحمد الله المصلي إذا عطس، فإن فعل ففي نفسه، [وتركه خير له] ، ولا يرد على من شمته إشارة، كان في فرض أو نافلة، وكان مالك إذا تثاءب في غير الصلاة سدّ فاه بيده ونفث، ولا أدري ما فعله في الصلاة.
_________
(1) رواه البخاري (1/667) ، ومسلم (1/316) .(1/269)
207 - ولا يبصق في المسجد فوق الحصير ويدلكه ولكن تحته، ولا [يبصق] في حائط القبلة ولا في مسجد غير محصب إذ لا يقدر على دفن البصاق فيه، وإن كام المسجد محصباً (1) فلا بأس أن يبصق بين يديه، وعن يمينه وعن يساره أو تحت قدميه ويدفنه.
208 - ويؤمر الصبيان بالصلاة إذا أثغروا (2) ، وروى ابن وهب أن النبي ÷ قال: "مروا الصبيان بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". (3)
_________
(1) يعني كثير الحجارة الصغيرة، الوسيط (1/184) .
(2) أي إذا سقطت أسنانهم، وقيل إذا نبتت من جديد، المصباح (ص82) .
(3) رواه أبو داود (495) وأحمد (2/180) ، والحاكم في المستدرك (1/258) ، وصححه ووافقه الذهبي، من حديث عمر بن العاصي.(1/270)
209 - ويكره قتل البرغوث والقملة في المسجد، فإذا أصاب قملة وهو في الصلاة فلا يلقيها في المسجد ولا يقتلها فيه، وإن كان في غير صلاة فلا بأس أن يطرحها في غير المسجد.
210 - والقنوت في الصبح قبل الركوع وبعده واسع، والذي يأخذ به مالك في خاصته قبل [الركوع] ولا يكبر له، ولا يجهر به [إمام ولا غيره] ولا سهو على من نسيه، وليس فيه دعاء مؤقت، ويدعو المصلي في قيامه وقعوده وسجوده بجميع حوائجه لدنياه وآخرته، ولا يدعو في الركوع، وقال ابن وهب: قال مالك: لا بأس أن يدعو الله في الصلاة على الظالم.(1/271)
211 - وروي عن النبي ÷ في القنوت: "اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونَخْنَع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجِدّ، إن عذابك بالكافرين مُلْحِق". (1)
212 - وروي عن علي أنه كبر حين قنت في الفجر، وقال ابن مسعود وغيره:
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (2/210) ، ولفظه: "نخنع" وهما بمعنى واحد، وهو حديث مرسل، كما في مراسيل أبي داود (ص12) .(1/272)
القنوت [في الفجر] سنة ماضية.
213 - ومن انصرف من صلاته لحدث أو رعاف ظن أنه أصابه ثم تبين أنه لا شيء به ابتدأ، وإذا تعمد الإمام قطع صلاته أفسد على من خلفه، ومن أحدث بعد التشهد [وقبل السلام] أعاد الصلاة.
214 - ومن دخل مسجداً فظن أنهم في العصر، فصلى معهم وهم يصلون الظهر لم يجزه من العصر، وإذا نوى الإمام الظهر ومن خلفه ينوي العصر أجزأته ولم تجزهم.
215 - ومن أتى يوم خميس يظنه يوم الجمعة، فصلى مع الإمام الظهر أربعاً أجزأته لأن(1/273)
الجمعة ظهر، ومن أتى يوم الجمعة يظن أنه يوم خميس لم يجزئه، [إذ لا جمعة بلا نية] .
216 - ومن انفلتت دابته وهو يصلي مشى إليها فيما قرب، إن كانت بين يديه، أو عن يمينه أو عن يساره، وإن بعدت طلبها وقطع الصلاة.
217 - والنفخ في الصلاة كالكلام، ومن فعلهما عامداً أو جاهلاً أعاد، وإن كان سهواً سجد لسهوه بعد السلام. وكذلك إن قرأ وهو في فريضة أو نافلة كتاباً بين يديه في العمد والسهو.
218 - ومن سلم من اثنتين ساهياً ثم تكلم بنى فيما قرب، [ويسجد لسهوه بعد السلام] ، وإن تباعد أو خرج من المسجد ابتدأ، وقد(1/274)
تكلم النبي ÷ [ساهياً] وبنى على صلاته، ودخل فيما بنى بتكبير وسجد لسهوه بعد السلام، وإن انصرف حين سلّم فأكل أو شرب ابتدأ، وإن لم يطل.
219 - ومن صلى خلف الصفوف منفرداً، فلا بأس بذلك، ويقف حيث شاء، ولا يجبذ إليه أحداً (1) فإن فعل فلا يتبعه، وهذا خطأ من الذي فعله وخطأ من الذي جبذه، ومن دخل المسجد وقد قامت الصفوف قاك حيث شاء، إن شاء خلف الإمام أو عن يمينه أو عن يساره، وتعجب مالك ممن قال يمشي حتى يقف حذو الإمام، وإن كانت طائفة عن يمين الإمام أو حذوه في الصف الثاني أو
_________
(1) إشارة لحديث أبي بكرة في البخاري (783) وانظر: تلخيص الحبير (2/37) .(1/275)
الأول فلا بأس أن تقف طائفة عن يسار الإمام في الصف ولا يلصق بالطائفة التي عن يمينه.
220 - ولا بأس بالصف بين الأساطين (1) لضيق المسجد.
221 - وإن صلت امرأة بين صفوف الرجال أو رجل خلف النساء لضيق المسجد أجزأتهم صلاتهم، ومن أنصت في الصلاة لمخبر يخبره فإن كان يسيراً جاز.
222 - ولا يمنع النساء من الخروج إلى المسجد، وأما الاستسقاء والعيدان فتخرج المتجالة إن أحبت.
223 - وإذا كان الصبي يعبث فلا يؤتى به [إلى] المسجد، وإذا كان لا
_________
(1) جمع أسطوانة، وهي العمود والسارية، الوسيط (1/18) .(1/276)
يعبث ويكف إذا نهي فجائز، وإن أتى أباه في مكتوبة نحاه عن نفسه، ولا بأس بتركه في النافلة.
224 - ويتصدق بثمن ما يجمر به المسجد أو يخلق أحب إليّ.
225 - ولا أكره الصلاة نصف النهار في جمعة ولا غيرها. ويفتح على الإمام من خلفه في الصلاة إذا وقف، ولا يفتح أحد على من ليس معه في صلاةن ولا يفتح مصل على مصل في صلاة أخرى.
226 - ومن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه في الصلاة لم يقطع ذلك صلاته. ولا يلتفت المصلي، فإن فعل لم يقطع ذلك صلاته، وإن كان بجميع جسده.(1/277)
227 - قال الحسن: إلا أن يستدير القبلة.
228 - ولا بأس أن يروّح رجليه في الصلاة، وأكره أن يقرن قدميه يعتمد عليهما، وأكره أن يصلي وفي فيه درهم أو دينار أو شيء، فإن فعل فلا شيء عليه، وأكره أن يصلي وكمّه محشر بخبز أو غيره، أو يُفقّع أصابعه في الصلاة. (1)
229 - ولا يبني فوق المسجد بيتاً ليسكن فيه، ولا أكره أن يكون البيت تحت المسجد، ويورث، والمسجد [حبس] (2) لا يُورث إذا كان صاحبه قد أباحه للناس.
_________
(1) يعني يفرقعها، الصحاح (فقع) .
(2) حبس الشيء: منعه وأمسكه وسجنه، الوسيط (1/158) .(1/278)
230 - ومن كثر التراب بكفيه أو جبهته فله مسحه، ولا بأس بالسّدل (1) في الصلاة وإن لم يكن عليه قميص إلا إزار ورداء.
231 - وإذا بشّر [الرجل] ببشارة فخر ساجداً فمكروه، وإذا سلّم المصلي انصرف، إن شاء عن يمينه أو شماله، ولا يعرف مالك التسبيح في الركعتين الأخيرتين، ولا يتعوذ المأموم إذا سمع ذكر النار، فإن فعل فسِرّاً، وأكره الكتاب
_________
(1) هو إرسال الرداء، انظر: التقييد (1/149) .(1/279)
والتزويق في القبلة أو يجعل فيها مصحفاً ليصلي إليه إلا أن يكون ذلك موضعه فجائز، وأكره الصلاة إلى حجر منفرد في الطريق، وأما أحجار كثيرة فجائز. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الذخيرة (2/416) .(1/280)
(كتاب الصلاة الثاني)
232 - وسجود القرآن إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء وهي في: المص، والرعد، والنحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحج أولها، والفرقان، والهدهد، والم تنزيل السجدة، وص، وحم تنزيل، والسجدة منها: ×إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ%، [فصلت: 37] .
233 - ومن قرأ سجدة في صلاة أو غيرها فأحب إلي أن يسجدها إلا أن يكون على غير وضوء أو في غير إبان صلاة فلا أحب له قراءتها حينئذ، وليتعهدها إذا قرأها، ويسجد قارئها بعد العصر ما لم تصفر الشمس وبعد الصبح ما لم يسفر كصلاة الجنائز، فإن أسفر أو تغيرت فلا يقرؤها [حينئذ] ، فإن فعل(1/281)
فلا يسجدها.
234 - وإن نسي سجودها في الركعة الأولى من النافلة حتى رفع رأسه من ركوعه فأحب إلي أن يقرأها في الثانية ويسجدها، ولا يفعل ذلك في الفريضة، وإن ذكرها وهو راكع في الثانية [من النافلة] تمادى ولا شيء عليه إلا أن يدخل في نافلة أخرى، فإذا قام قرأها وسجد.
235 -[ويكره للإمام والدّ أن يقرأ سورة فيه سجدة] ، فإذا قرأها سجد ويكبر إذا سجدها وإذا رفع رأسه منها، واختلف قول مالك إذا كانت في غير صلاة، فكان يضعف التكبير لها قبل السجود وبعده، ثم قال: أرى أن يكبر.
236 - قال ابن القاسم: وذلك كله واسع، ولا يسلم بعدها ولا يركع بها في صلاة ولا غيرها، ولا يخطرفها المتوضي وليقرأها ويسجد من غير إيجاب، ويكره له قراءتها خاصة لا يقرأ قبلها شيئاً ولا بعدها، ثم يسجد في صلاة أو غيرها، وإن(1/282)
قرأها غير متوضئ، أو قرأها في صلاة فلم يسجدها، أو قرأها في غير إبان سجودها نهي عن ذلك ولا شيء عليه.
237 - وإذا قرأ السجدة من ليس لك بإمام من رجل أو امرأة أو صبي وهو قريب منك وأنت تسمع فلا سجود عليك، ومن قرأ سجدة تلاوة فسجد بها فليس على من سمعها أن يسجد إلا أن يجلس إليه، وكره مالك أن يجلس الرجل إليه لا يريد تعليماً [وكره أن يجلس إلى الرجل متعمداً لقراءة القرآن وسجوده لا يريد تعليماً] . ومن قعد إليه فعلم أنه يريد قراءة سجدة، قام عنه. وإذا لم يسجد قارئها فليسجد من جلس إليه.
238 - ويُقام الذي يقعد في المساجد يوم الخميس [وغيره] لقراءة القرآن.(1/283)
239 - ولا يحمل المصحف نصراني ولا غير متوضئ إلا أن يكون في خُرْج أو غرارة أو تابوت مع غيره، وأما على وسادة أو بعلاقة فلا. (1)
240 - والخط باطل، ولا يصلي [في الحضر] إلا إلى سترة، ويدنو منها، والسترة قدر مؤخرة الرجل [في جُلّة الرمح] (2) ، وهو نحو من عظم الذراع.
_________
(1) رواه مالك (141) ، والعلاقة: ما يعلق السيف ونحوه.
(2) أي غلظه.(1/284)
241 - قال مالك: وإني لأحب أن يكون في جُلّة الرمح أو الحربة، وليس السوط بسترة.
242 - ويُصلي في السفر أو بموضع في الحضر حيث يأمن فيه من مرور شيء بين يديه إلى غير سترة.
243 - وينحاز الذي يقضي بعد سلام الإمام إلى ما قرب منه من السّواري، بين يديه أو عن يمينه، أو عن يساره، أو إلى خلفه، يتقهقر قليلاً، فإن لم يجد ما يقرب منه صلى مكانه ويدرأ ما يمر بين يديه ما استطاع. [ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يديه] .
244 - ولا يناول من على يمينه شيئاً لمن على يساره [من بين يديه] ولا يناوله إياه هو ولا يصلح أن يمر بين يديه شيء، ولا بأس بالمرور بين الصفوف عرضاً (1) ، والإمام سترة لمن خلفه، وإن لم يكونوا إلى سترة، وكذلك من رعف أو أحدث فليخرج عرضاً، وليس عليه أن يخرج إلى عجز المسجد.
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (42) .(1/285)
245 - ويجمع في الحضر بين المغرب والعشاء في المطر أو في الطين والظلمة، يؤخر المغرب شيئاً ثم يجمعهما قبل مغيب الشفق وينصرف الناس وعليهم إسفار قليل، ولا يجمع في المطر بين الظهر والعصر في الحضر.
246 - ومن أتى المسجد وقد صلى المغرب فوجدهم قد جمعوا لم يصلّ العشاء حتى يغيب الشفق، وإن وجدهم في العشاء جاز أن يصليها معهم. قال ابن قسيط: الجمع ليلة المطر سنة [ماضية] .
247 - وإذا خاف المريض أن يُغْلَب على عقله جمع بين الظهر والعصر عند الزوال، وبين العشائين عند الغروب، وإن كان الجمع أرفق به لشدة مرض أو بطن منخرق (1) ، ولم
_________
(1) هو المنشق الذي يشتد مشيه على غير استقامة، ويراد به هنا ما يصيب البطن من علة شديدة كالمغظ ونحوه، الوسيط (1/229) .(1/286)
يخف على عقله، جمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، وبين العشائين عند غيبوبة الشفق لا قبل ذلك.
248 - ولا يجمع المسافر في حج ولا غيره، إلا أن يَجِدّ به [السير] (1) ويخاف فوات أمر فيجمع في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر، إلا أن يرتحل بعد النزوال فيجمع بينهما حينئذ في المنهل (2) ، ويجمع بين العشائين مقدار ما يكون المغرب في آخر وقتها [قبل مغيب الشفق] ، والعشاء في أول وقتها بعد الشفق، ولم يذكر في المغرب والعشاء المرحلة. (3)
249 - ويتم المسافر حتى يبرز عن بيوت قريته، ويقصر حتى يدخلها أو قربها، ولم يحدّ في القرب حدّاً. وسئل عمن هو على الميل، فقال: يقصر.
_________
(1) أي أسرع واجتهد، الوسيط (1/114) .
(2) موضع شُرب الإبل.
(3) انظر: الشرح الكبير (1/368) .(1/287)
250 - ومن وعد قوماً للسفر ليمرّ بهم أو يتقدمهم حتى يلحقوه، وبينه وبين موضعهم ما لا تقصر فيه الصلاة، فليقصر إذا برز عن قريته إذا كان عازماً على الخروج على كل حال، وإن كان لا يخرج إلا بخروجهم فليتم حتى يبرز عن موضعهم أو عن الموضع الذي يلحقونه فيه.
251 - ومن ذكر صلاة سفر في حضر، أو [صلاة] حضر في سفر وقد خرج وقتها قضاها كما وجبت عليه [أولاً] ، ويصلي المسافر صلاة سفر إذا خرج في وقتها، وإذا دخل في وقتها ولم يكن صلاها في سفر صلاها حضرية، ووقت الظهر والعصر في ذلك النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله.
252 - وإذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في البر أو البحر أتم الصلاة وصام.
والنواتية (1) معهم الأهل والولد يقصرون إذا سافروا، ومن خرج في طلب حاجة
_________
(1) الملاحون، الوسيط (2/999) .(1/288)
فقيل له: هي بين يديك على بريدين، ولا يدري غاية سفره فمشى كذلك أياماً فإنه يتم، ويقصر في رجوعه إذا كان أربعة بُرُد فأكثر. ومن خرج يدور في القرى وفي دورانه اربعة بُرُد قصر، والسعاة مثله، ومن خرج إلى مكة ونوى أن يسير يوماً ويقيم يوماً قصر في سفره، ومن خرج إلى أربعة بُرُد يصيد لعيشه قصر، وإن كان للهو فلا أحب له أن يقصر ولا آمره بالخروج، وكان مالك يقول: يقصر [الصلاة] في مسيرة يوم وليلة، ثم ترك ذلك وقال: في أربعة بُرُد.
وإن صلى المسافر ركعة ثم نوى الإقامة شفعها [وسلم] وكانت نافلة وابتدأ صلاة مقيم، وإن نوى الإقامة بعد تمامها فلا إعادة عليه إلا استحباباً، وإذا رجع إلى بيته في حاجة بعد أن سار ما لا يقصر فيه أتم الصلاة إذا رجع حتى يبرز ثانية. (1)
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/358) .(1/289)
253 - ومن أقام بمكة بضعة عشر يوماً فأوطنها ثم خرج ليعتمر من الجحفة ويعود إلى مكة فيقيم بها اليوم واليومين ثم يخرج، فقال مالك: يتم في يوميه ثم قال: يقصر وهو أعجب إلي [ولم يسمعه ابن القاسم منه] .
254 - وإذا مر المسافر بقرية فيها أهله وولده فأقام عندهم ولو صلاة واحدة أتمها، وإن لم يكن فيها أهله ولا ولده، أو كان فيها ولده فقط، وفيها ماشيته قصر، إلا أن يكون له مسكن فيتمّ.
255 - وإذا أدرك المسافر ركعة خلف مقيم أتم، وإن لم يدركها قصر، ويتم المقيم بقية صلاته إذا ائتم بمسافر.
256 - وإذا صلى في السفر أربعاً أعاد في الوقت، فإن كان في سفر أعاد ركعتين، وإن دخل الحضر في وقتها أعاد أربعاً، وكانت عائشة - رضي الله عنها - تتم في(1/290)
السفر.
257 - وإذا افتتح المسافر على الإتمام، ثم بدا له فسلّم من اثنتين لم تجزه، وإذا قام المسافر بمن خلفه من اثنتين فسبحوا به فتمادى وجهل فلا يتبعوه، ويقعدون ويتشهدون حتى يسلم فيسلمون بسلامه ويعيد وحده في الوقت.
258 - ويُتم الأسير بدار الحرب [إلا أن يسافر به فيقصر، والعسكر يقيم في دار الحرب يقصرون] ، وإن طال مقامهم وليست دار الحرب كغيرها، ولو كان بغيرها أتمّ إذا نوى إقامة أربعة أيام، [وإن] لم يكن في مصر ولا قرية.(1/291)
259 - ومن صلى في السفينة وهو قادر على الخروج منها أجزأه، وأحب غلي أن يخرج منها، وإ قدر على القيام فلا يصلي فيها الفريضة قاعداً، وجائز أن يجمعوا فيها بإمام، وصلاتهم على ظهرها أفذاذاً أحب إلي من صلاتهم في جماعة محنية رؤوسهم تحت سقفها، ويدورون إلى القبلة كلما دارت، فإن لم يقدروا أجزأتهم صلاتهم. ولا يتنفل في السفينة إيماء حيث ما توجهت به مثل الدابة.
260 - وقال علي عن مالك - رحمهما الله -: ومن سافر في البحر يوماً أو أكثر ثم ردته الريح إلى الموضع الذي خرج منه وحبسته فيه فليتم حتى يخرج ثانية.
261 - ومن تحرى الفجر في يوم غيم فركع [فإذا هو قبل الفجر أعادها بعده، وإن تحرى الفجر في غيم فركع] أجزأه إلا أن يتبين أتم ركوعه كان(1/292)
قبل الفجر.
262 - وإن أقيمت الصلاة في المسجد قبل أن يركعهما فليدخل مع الإمام ولا يركعهما [فيه] إلا بعد طلوع الشمس إن أحب، وإن سمع الإقامة قبل أن يدخل المسجد أو جاء والإمام في الصلاة، فأحب إلي أن يركعهما خارجاً في غير أفنية المسجد إن لم يخف فوات ركعة مع الإمام، فإن خاف ذلك دخل مع الإمام، وصلاهما إن أحب بعد طلوع الشمس. ويقرأ فيهما بأم القرآن. ومن فاته حزبه من الليل، وتركه حتى طلع الفجر فليصله ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الصبح، وما ذلك من عمل الناس إلا من غلبته عيناه فلا بأس به. (1)
_________
(1) انظر: الموطأ (3) ، وسنن البيهقي (3/155) .(1/293)
263 - قال مالك: ولا يعجبني أن يصلي بعد انفجار الصبح غير هذا إلا ركعتي الفجر، وجائز أن يقرأ حينئذ سجدة ويسجد.
264 - ولا يكره الكلام بعد الفجر قبل صلاة الفجر، ويكره بعدها إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها، [وكان مالك يتحدث بعد الفجر، ويسأل حتى تقام الصلاة ثم يترك الكلام إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها] .
265 - وتكره الضجعة بين الصبح وركعتي الفجر إذا أراد [بها] فصلا بينهما، وإن لم يرد ذلك فجائز، وإن صلى ركعتين بعد الفجر ولم ينو بهما ركعتي الفجر لم تجزياه.
266 - ومن نسي الوتر أو نام عنه حتى أصبح وهو يقدر على أن يوتر ويركع للفجر ويصلي الصبح [قبل أن تطلع الشمس] فعل ذلك، وإن لم يقدر إلا(1/294)
على الوتر والصبح صلاهما، وترك ركعتي الفجر، وإن لم يقدر إلا على الصبح [وحدها] صلاها، ولا قضاء عليه للوتر، وإن أحب ركع الفجر بعد طلوع الشمس.
267 - والوتر ركعة واحدة. وكان مالك يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين [ولا يفتي الناس بذلك] ، ولا بد أن يكون قبلها شفع، ويسلّم بينهما في الحضر والسفر. (1)
268 - وجائز أن يوتر على الراحلة في السفر أينما توجهت به، وإن صلى المسافر على الأرض وله حزب من الليل فليوتر على الأرض ثم يتنفل في المحمل.
269 - ومن أوتر قبل أن يصلي العشاء أو [بعد أن] صلاها على غير وضوء أعاده بعدها، وإن أتى في رمضان فوجد الناس يوترون فصلى معهم جاهلاً قبل أن يصلي العشاء فليشفع الوتر إن كان بالقرب ثم يصلي العشاء ويعيد الوتر، وإن طاول أو خرج من المسجد فلا يشفع وتره ويعيده بعد [صلاة] العشاء. (2)
_________
(1) انظر: كشف الستر عن الوتر، وكشف الستر علىالصلاة بعد الوتر، الأول للنابلسي، والثاني للحافظ، بتحقيقنا، ط العلمية، بيروت.
(2) انظر: الشرح الصغير (1/147) .(1/295)
270 - وإن كان خلف إمام في الصبح أو وحده فذكر الوتر، فقد استحب [له] مالك أن يقطع ويوتر ثم يصلي الصبح لأن الوتر سنة، وهو لا يقضى بعد الصبح، ثم رخّص مالك المأموم أن يتمادى، وإن ذكره بعد الصبح لم يقضه.
271 - ومن شفّع وتره ساهياً سجد بعد السلام. ومن لم يدر أجلوسه في الشفع أم في الوتر سلّم وسجد بعد السلام وأوتر بواحدة، وإن لم يدر أفي الأولى هو جالس أو في الثانية أو في الوتر أتى بركعة وسجد بعد السلام ثم أوتر.
272 - قال مالك - رحمه الله -: ومن ذكر صلاة نسيها، وقد أحرم في فريضة غيرها قطع، وإن صلى ركعة شفعها ثم قطع، وإن ذكرها وهو في شفع سلّم وصلى ما نسي ثم أعاد التي كان فيها.(1/296)
273 - وإن صلى ثلاثاً أتمها [أربعاً] . قال ابن القاسم: ويقطع بعد ثلاث أحب إلي ثم يصلي التي ذكر ثم يعيد ما كان فيه، وإن كان في هذا خلف إمام فلا يقطع، وإن كانت المغرب فإذا سلم الإمام سلم معه، ولا يشفعها ثم يصلي ما نسي ويعيد ما كان فيه مع الإمام إلا أن يكون صلى قبلها صلاة فيدرك وقتها ووقت التي صلى مع الإمام، غيعيدهما جميعاً بعد الفائتة. ووقت المغرب والعشاء في هذا [الليل كله] .
274 - وإن ذكر مكتوبة وهو في نافلة فليقطع إن لم يركع (1) ، وإن ركع واحدة شفعها، وقد كان مالك يقول: يقطع، واستحب ابن القاسم أن يشفع.
ومن نسي صلاة صلاها متى ما ذكرها لا يبالي أي وقت كان، وإن بدا
_________
(1) رواه البخاري (597) عن حديث أنس مرفوعاً.(1/297)
حاجب الشمس أو كان عند غروبها.
275 - ومن ذكر صلوات يسيرة مثل الثلاث وما قرب، في وقت صلاة بدأ بهن، وإن فات وقت الحاضرة، وإن ذكرهن بعدما صلاها، صلى ما نسي، فإن بقي بعد ذلك من وقت الحاضرة قدر ركعة أعادها وإلا لم يعد، وإن كانت صلوات كثيرة بدأ بالتي حضرت، ثم صلى ما نسي، وإن ذكرهن فيها تمادى [فيها] .
276 - وإن ذكر صلوات كثيرة صلاها على قدر طاقته كما وجبت عليه، وذهب في حوائجه، فإذا فرغ صلى أيضاً حتى يتم ما بقي عليه. ويصلي صلاة الليل في النهار ويجهر، وصلاة النهار في الليل ويُسِرّ.
277 - وتكره صلاة التطوع حتى ترتفع الشمس.
278 - ومن ذكر صلاة نسيها صلاها وأعاد ما هو في وقته من الصلوات، ووقت الظهر والعصر في هذا النهار كله، والمغرب والعشاء الليل كله، والصبح إلى طلوع(1/298)
الشمس، فإن بقي بعد الفائتة من الوقت قدر صلاة وركعة من الأخرى أعادهما، وإن لم يبق إلا قدر صلاة أو ركعة منها جعلها للآخرة.
279 - وإن ذكر الظهر بعدما صلى العصر صلاها، فإن بقي من النهار قدر ركعة أعاد العصر وإلا فلا.
280 - وإن نسي صبحاً وظهراً من غير يومه، فذكر الظهر وحدها، فلما صلى بعضها ذكر الصبح فسدت الظهر وصلى الصبح ثم الظهر، وإن ذكرها بعد أن فرغ صلى الصبح فقط.
281 - وإن ذكر الإمام صلاة نسيها فليعلمهم ويقطع ويقطعون، بخلاف الحدث، وإن لم يذكر إلا بعد فراغه أعاد هو ولم يعيدوا هم، وقد كان يقول: يعيدون هم في الوقت.
282 - ومن صلى صلوات كثيرة وهو ذاكر لصلاة أعادها وأعاد ما كان في وقته بعدها.
* * *(1/299)
جامع القول في السهو
283 - وإن سلّم الإمام من اثنتين فسبحوا به فلم يفقه، فأعلمه أحدهم متكلماً، فسأل الإمام بقيتهم فصدقوه، بنى فيما قرب وسجد بعد السلام، [ويجزئهم من تكلم ومن لم يتكلم] كما جاء في حديث ذي اليدين. (1)
284 - ومن كان وحده فليرجع إلى يقينه، فإن سأل غيره بطلت صلاته.
285 - ومن ذكر أنه في خامسة فليكف عن تمامها أي وقت ذكر، ويسجد بعد السلام.
286 - وإن صلى إمام خامسة فسها قوم كسهوه، وجلس قوم، واتبعه قوم عامدون، فصلاة الإمام ومن سها معه أو جلس تامة ويسجدون معه للسهو، وتفسد صلاة العامدين.
287 - ومن ذكر سجدة من الأولى [أو السجدتين جميعاً] وهو راكع في الثانية أو
_________
(1) رواه مالك (62) ، ومسلم (62) .(1/300)
قبل ذلك فليسجد ما لم يرفع رأسه من الركعة الثانية، ثم يبتدئ الثانية، وإن ذكرها بعد ما رفع رأسه من الثانية تمادى، وكانت أول صلاته، ويسجد في تلك بعد السلام.
288 - مالك: وعقد الركعة رفع الرأس من الركوع.
289 - وإن نسي السجود من الأولى، والركوع من الثانية، وسجد فليسجد للأولى ويبني عليها، ولا يضيف إليها من سجود الثانية شيئاً، ويسجد بعد السلام.
290 - ومن تكلم أو سلّم اثنتين أو شرب في الصلاة ناسياً سجد بعد السلام، فإن كان مأموماً حمل عنه إمامه.
291 - ومن سها عن ركعة أو سجدة أو عن سجدتي السهو قبل السلام، بنى فيما قرب، وإن تباعد ابتدأ الصلاة، ومن شك فتفكر قليلاً فتيقن أنه لم يسه فلا سجود عليه لسهوه.
292 - والسهو في الفرض والتطوع على الرجال والنساء سواء.(1/301)
293 - وإن نسي التشهد الآخر وسلم، فإن كان بالقرب تشهد وسجد بعد السلام، وإن تطاول فلا شيء عليه إذا ذكر الله عز وجل، وليس كل الناس يعرف الشهد، [ولم يره نقصاً من الصلاة] ، وإن رفع رأسه من السجود فسلم ساهياً قبل أن يجلس رجع أيضاً بالقرب فجلس وتشهد ويسجد للسهو بعد السلام، وإن تطاول أعاد الصلاة، ونسيان التشهدين ليس كغيرهما فيما يسهو عنه.
294 - ومن نسي تكبيرة أو سمع الله لمن حمده، مرة فلا شيء عليه، وإن ترك اثنتين من ذلك أو التشهدين سجد قبل السلام، فإن لم يسجد حتى تطاول أو انتقض وضوءه أجزأته صلاته، وإن نسي ثلاث تكبيرات أو سمع الله لمن حمده مثل ذلك، سجد قبل السلام، وإن نسي أن يسجدها حتى سلم سجدهما بالقرب وسلم وأجزأتاه، فإن لم يسجد حتى تطاول ذلك أعاد الصلاة.
295 - وإن نقص وزاد أجزأته سجود السهو قبل السلام، ومن صلى خلف من يرى(1/302)
السجود في النقص بعد [السلام] فلا يخالفه [فإن الخلاف شر] .
296 - وإن وجب عليه سجود سهو بعد السلام، فسجد قبل السلام أجزأه، وإن نسي الجلوس الأول حتى قام فلا يرجع ويسجد قبل السلام.
297 - وإن جعل موضع (الله أكبر) (سمع الله لمن حمده) ، وموضع (سمع الله لمن حمده) (الله أكبر) فليرجع فليقل كما وجب عليه، فإن لم يرجع ومضى، سجد قبل السلام كان وحده أو إماماً.
298 - وإن نسي سجود سهو بعد السلام سجده متى ما ذكر، ولو بعد شهر. وإن انتقض وضوءه توضأ وقضاهما، وإن أحدث فيهما توضأ وأعادهما، وإن أحدث بعدما سجدهما توضأ وأعادهما، فإن لم يعدهما أجزأتاه، وصلاته في ذلك كله تامة لأتهما ليستا من الصلاة. ومن صلى إيماءً سجد لسهوه إيماء.
299 - ومن عقد مع الإمام ركعة فوجب على الإمام سجود، فإن كان قبل [السلام] سجد معه قبل القضاء ثم لا يعيده، وإن كان بعد السلام فلا يسجد(1/303)
حتى يقضي، وقال سفيان: يسجد معه ثم يقضي. قال مالك: ولينهض المأموم إذا سلّم الإمام من الصلاة أو من السجود، واستحب ابن القاسم قيامه بعد السلام من الصلاة، فإذا أتم قضاءه سجد ما سجد إمامه، سها الإمام والمأموم معه أم لا، ذلك سواء، وإن جلس المأموم [حتى سجد الإمام] فلا يتشهد وليدع، وإن لم يعقد معه ركعة لم يسجد معه، لا قبل ولا بعد ولا يقضه.
300 - ومن أسرّ فيما يجهر فيه ناسياً سجد قبل السلام، وإن جهر فيما يسر فيه سجد بعد [السلام] إلا أن يكون جهراً خفيفاً مثل إعلانه بالآية ونحوها فلا شيء عليه.
301 - ومن شك في سجدتي السهو فلم يدر واحدة سجد أو اثنتين، سجد سجدة(1/304)
وتشهد وسلم، ولا سجود عليه لسهوه فيهما.
302 - فإن ظن أن الإمام سلم فقام يقضي، فتبين له فرجع قبل أن يسلم الإمام، أو أتم ما بقي عليه ورجع قبل أن يسلم الإمام، فلا سجود عليه، ولا يعتد بما صلى قبل سلام الإمام ويقضيه، وإن سلم الإمام وهو قائم أو راكع ابتدأ القراءة وسجد قبل السلام، ومن لم يدر سلم أم لا، سلم ولا سجود عليه.
303 - ومن ذكر سجدتي سهو بعد السلام من فريضة أو نافلة وهو في فريضة أو نافلة لم تفسد واحدة منهما، فإذا أتمها سجدهما.
304 - وإن كانت قبل السلام وهما من فريضة فذكرهما بقرب صلاته رجع إليها بغير سلام، وإن أطال القراءة في هذه الثانية أو ركع بطلت الأولى، فإن كانت هذه الثانية نافلة أتمها، وإن كانت فريضة قطع إلا أن يعقد منها ركعة فيشفعها استحباباً ثم يصلي الأولى والثانية.
305 - وإن كانت قبل السلام وهما من نافلة فذكرهما قبل أن يتباعد وهو في نافلة(1/305)
[أخرى] رجع إن لم يركع من الثانية شيئاً فسجد ما كان عليه، وتشهد وسلم وابتدأ النافلة التي كان فيها [إن شاء] .
306 - ومن قام في نافلة من اثنتين ساهياً فليرجع ما لم يركع، فإن ركع فقد اختلف قوله فيه، وأحب إلي أن يرجع ما لم يرفع رأسه من الركوع ويسجد بعد السلام، وإن رفع رأسه منها أتى برابعة وسجد قبل السلام، فإن سها عن السلام حتى صلى خامسة رجع متى ما ذكر، ويسجد قبل السلام، لأن النافلة في قول بعض العلماء أربع وفي قول مالك ركعتان.
307 - وإن صلى الفريضة خمساً ساهياً سجد بعد السلام.
308 - مالك: ولا أعرف في التشهد بسم الله الرحمن الرحيم، ويبدأ بالتشهد قبل الدعاء.(1/306)
309 - واستحب مالك تشهد [عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -] (1) ، وهو: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله [وحده لا شريك له] ، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ثم تدعو بما أحببت.
310 - ويسلم الإمام والفذ واحدة قبالة وجهه، ويتيامن [قليلاً] ، ويسلم المأموم عن يمينه ثم على الإمام، فإن كان عن يساره أحد رد عليه، وقاله ابن عمر، وكان مالك يأخذ بقول ابن المسيب، يسلم عن يمينه وعن يساره ثم يرد على الإمام ثم تركه.
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (53) ، والحاكم في المستدرك (1/266) ، وصححه ووافقه الذهبي.(1/307)
311 - وسلام الرجال والنساء سواء، ويسمع نفسه ومن يليه، ولا يجهر جهراً، وسلامه من الفريضة ومن السهو سواء.
ولا يقيم الإمام في مصلاه إذا سلم إلا أن يكون في سفر أو في فنائه فإن شاء تنحى أو قام.
312 - وإن شاء المأموم رد على الإمام عليك السلام، وأحب إلي: السلام عليكم.
313 - وإذا أحدث الإمام أو رعف فله أن يستخلف من يتم بالقوم، فإن قال: يا فلان تقدم، فإن كان راعفاً فقد أفسد على نفسه ولا يبني، وإن كان فيما لا يبني لم يضرهم ذلك لأنه في غير صلاة، [وإنما يضرهم إن تمادى بهم] .
314 - وإن خرج الإمام ولم يستخلف أتم بهم أحدهم، فإن صلوا وحدانا أجزأهم إلا الجمعة، ويكره لهم ذلك، فإن استخلف من فاتته ركعة أتم بهم صلاة الأول واجتزأ بما قرأ، ثم يثبتون ويأتي المستخلف بما بقي عليه ثم يسلم لهم، وإن استخلفه وهو راكع فليرفع بهم.
* * *(1/308)
جامع القول في صلاة الجمعة
315 - وغسل الجمعة واجب على كل محتلم (1) ، ولا يُجزئ إلا متصلاً بالرّواح، فإن اغتسل وراح ثم أحدث أو خرج من المسجد إلى موضع قريب لم ينتقض غسله، وإن تباعد، أو تغدى أو نام بعد غسله أعاد ولا بأس أن يغتسل غسلاً واحداً للجنابة والجمعة ينويهما.
316 - وليس على النساء والعبيد والصبيان جمعة، فمن شهدها منهم فليغتسل وليصلها، ولا على المسافر، فإن شهدها فليصلها.
_________
(1) رواه البخاري (858) ، ومسلم (846) ، ومالك (4) عن أبي سعيد مرفوعاً.(1/309)
317 - ومن ركع مع الإمام يوم الجمعة، ولم يقدر على السجود من زحمة الناس حتى ركع الإمام الثانية ولم يرفع رأسه فلا يسجد ويلغي الأوولى ويتبع الإمام في الثانية ويقضي ركعة. وكذلك إن زوحم عن السجود حتى قام الإمام في الثانية فليتبعه ما لم يخف أن يعقدها عليه، فإن خاف الغى الأولى ودخل معه، فإن لم يقدر على السجود حتى سلم الإمام أعاد ظهراً [أربعاً] (1) ، وإن عقد الأولى بسجدتيها ثم زاحموه على الثانية حتى سلم الإمام بنى على الأولى وأجزأته، وإن لم يقدر على السجود إلا علىظهر أخيه أعاد أبداً.
318 - ومن أدرك من الجمعة ركعة قضى بعد سلام الإمام أخرة يقرأ فيها بسورة الجمعة استحباباً ويجهر، وإن أدرك الجلوس صلى أربعاً. (2)
319 - ومن أحرم في نافلة يوم الجمعة فلا يركع حتى خرج الإمام تمادى، وإن خرج الإمام قبل أن يحرم فليجلس ولا يصل. (3)
320 - وإذا قام الإمام يخطب فحينئذ يجب قطع الكلام واستقباله والإنصات إليه لا قبل ذلك، ويجوز الكلام بعد فراغه من الخطبة وقبل الصلاة، ومن أقبل على الذكر شيئاً
_________
(1) انظر: الموطأ للإمام مالك (ص86) .
(2) انظر: سنن ابن ماجة (1123) عن ابن عمر.
(3) انظر: ابن ماجة (1112) ، ومواهب الجليل (2/179) .(1/310)
يسيراً في نفسه والإمام يخطب فلا بأس، وترك ذلك أحسن. [وأحب إلي أن ينصت ويسمع] .
321 - ويجب الإنصات على من لم يسمع الإمام، مثل ما يجب على من يسمعه.
322 - ومن عطس والإمام يخطب حمد الله سراً في نفسه، ولا يشمت من عطس والإمام يخطب.
323 - ولا بأس بالاحتباء والإمام يخطب، ولا يتكلم أحد في جلوس الإمام بين خطبتيه.
324 - ويجلس الإمام في أول الخطبة حتى يؤذن المؤذنون على المنار، ثم يخطب ويجلس في وسطها جلسة خفيفة، وكذلك سائر الخطب يجلس في أولها وفي وسطها.
325 - ولا يسلم الإمام على الناس إذا رقى المنبر. ومن شأنه أن يقول إذا فرغ من خطبته: يغفر الله لنا ولكم، وإن قال: اذكروا الله يذكركم فحسن، والأول أصوب.
326 - وجائز أن يتكلم الإمام في خبته لأمر أو نهي، ولا يكون لاغياً، ومن كلمه(1/311)
الإمام [فرد عليه] لم يكن لاغياً.
327 - ويستحب للإمام أن يتوكأ على عصا غير عود المنبر إذا خطب.
328 - وتصلى الجمعة في رحاب المسجد وأفنية ما يليه من الحوانيت والدور التي تدخل بغير إذن، وإن لم تتصل الصفوف [إذا ضاق المسجد] ، [وكان الناس يدخلون حجر أزواج النبي ÷ بعد وفاته فيصلون فيها الجمعة من ضيق المسجد وهي ليست من المسجد ولكنها شارعة إلى المسجد، ولم يزل الناس يصلون(1/312)
فيها حتى بني المسجد] .
329 - ولا يُصلى في تلك الحوانيت والدور التي [لا] تدخل بغير إذن وإن أذن أهلها، ويُصلى في الزقاق وإن كان فيها أرواث الدواب، وكذلك في جميع الصلوات لضيق المسجد، ومن صلى يوم الجمعة على ظهر المسجد بصلاة الإمام أعاد أبداً أربعاً.
330 - وإن استخلف الإمام من يصلي في المسجد الجامع [يوم الجمعة] وصلى هو الجمعة في غيره فالجمعة لمن صلى في الجامع وهو تركها في موضعها.(1/313)
331 - ويصلي الجمعة أهل القرية المتصلة البنيان كالروحاء وشبهها، وكذلك أهل الخصوص إن كان عليهم والٍ أو لم يكن، وقال مرة: القرية المتصلة البنيان التي فيها الأسواق يجمع أهلها، ومرة لم يذكر الأسواق.
332 - وكتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -: أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلاً فليُجَمِّعوا الجمعة، [وروي عن النبي ÷: إذا اجتمع ثلاثون بيتاً] . (1)
_________
(1) لم أفق عليه، وهو ضعيف للانقطاع بين ابن وهب والقاسم بن محمد، وإرساله، ويشترط عند المالكية إذن الإمام أو السلطان أو الحاكم أو من ينيب عنه، لإقامة الجمعة.(1/314)
333 - ويجب إتيان الجمعة من ثلاثة أميال وزيادة يسيرة، ومن شهد العيد يومالجمعة فلا يسقط عنه إتيان الجمعة وإن أذن له الإمام، ولم يأخذ مالك بإذن عثمان ابن عفان - رضي الله عنه - لأهل العوالي وقال: ما بلغني عن غيره.
334 - وإذا قعد الإمام على المنبر وأذن المؤذنون حرم البيع حينئذ، ومنع منه من تلزمه الجمعة ومن لا تلزمه من المسلمين، فإن تبايع حينئذ اثنان تلزمهما الجمعة أو أحدهما فسخ البيع، واحتج بالذمي الذي ابتاع طعاماً على كيل فباعه من مسلم قبل أن يكتاله، وقال: بيعه غير جائز، وإن كانا ممن لا تجب الجمعة على واحد منهما لم يفسخ.
335 - ولا يمنع أهل الأسواق البيع [والشراء] يوم الجمعة إلا في الساعة المذكورة، ويكره ترك العمل يوم الجمعة كفعل أهل الكتاب في السبت والأحد.(1/315)
336 - فإن أحدث الإمام في الخطبة فلا يتمها، ولكن يستخلف من شهدها فيتم بهم، وكذلك إن أحدث بعد الخطبة [أو بعدما أحرم] ، وإن استخلف من لم يشهدها فصلى بهم أجزأهم، فإن مضى الإمام ولم يستخلف لم يصلوا أفذاذاً ويستخلفون من يتم بهم، وأحب إلي أن يقدموا من شهد الخطبة، فإن لم يشهدها أجزأهم، وإن صلوا الجمعة أفذاذاً أعادوا، ولو تقدم بهم رجل من تلقاء نفسه ولم يقدموه [هم ولا إمامهم] أجزأهم، [والجمعة وغيرها سواء] ، وإن استخلف عليهم الإمام رجلاً ناسياً لجنابته أجزأتهم صلاتهم، ويعيد هو وحده، وإن كان ذاكراً لها [فسدت عليهم، وإن] استخلف(1/316)
عليهم كران أو مجنوناً [أو عبداً] أو من لم يحرم خلفه أعادوا، لأن هذا الذي لم يحرم خلفه صار وحده، ولا يجمع الجمعة واحد والقوم كأنهم أحرموا قبل إمامهم، وإن خرج المستخلف من الصلاة قبل أن يعمل فيها شيئاً فقدم رجلاً منهم أو قدموه هم لأنفسهم أجزأتهم صلاتهم ولم يعيدوا.
337 - ومن أحدث يوم الجمعة والإمام يخطب خرج بغير إذن، وإنما كان الإذن الذي روي في حرب النبي عليه السلام. (1)
_________
(1) انظر: تفسير القرطبي (12/320) .(1/317)
338 - وإذا خطب الإمام ثم قدّم والٍ غيره، ابتدأ الخطبة وإذا قصّر في الخطبة أو نسي فلم يتكلم إلا [بمثل] الحمد لله ونحوه، أعادوا الخطبة والصلاة، وإن كان شيء له بال أجزأ.
339 - وإن جهل فصلى قبل الخطبة أعادوا الصلاة وحدها، وإذا خطب وصلى بهم الجمعة أربعاً عامداً أو جاهلاً أعاد بهم ركعتين وأجزأته الخطبة.
340 - ومن صلى الظهر في بيته قبل صلاة الإمام يوم الجمعة وهو ممن تلزمه الجمعة لم يجزه، وإنما يصلي الظهر من فاتته الجمعة.
341 - ولا جمعة على الإمام المسافر إلا أن يمرّ بقرية من عمله يجمع فيها فليجمع بهم، فإن لم يكن يجمع فيها لصغرها [فجمع(1/318)
بهم] فسدت عليه وعليهم.
342 - وإذا هرب الناس يوم الجمعة [عن الإمام] فلم يبق معه إلا الواحد والاثنان فإن لم يأتوا بعد انتظاره فإنه يصلي ظهراً [أربعاً] .
343 - وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر، جمع الناس لأنفسهم إن قدروا وإلا صلوا ظهراً [أربعاً] وتنفلوا معهم بصلاتهم.
344 - ولا يتنفل الإمام والمأموم بعد الجمعة في المسجد، وإن تنفل المأموم فيه [فواسع] .(1/319)
345 - وأحب إلي أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة ثم بـ×هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ%.
346 - وإذا فاتت الجمعة من تجب عليهم [فلا يجمعوا، ومن لا تجب عليهم الجمعة] مصل المرضى والمسافرين وأهل السجن فجائز أن يجمعوا.
347 - وإنما كره التخطي إذا قعد الإمام على المنبر، وأما قبل ذلك فلا بأس به إذا كان بين يديه فرجة، وليترفق في ذلك.
348 - ولا جمعة في أيام منى كلها بمنى، ولا يوم التروية بمنى (1) ، ولا يوم عرفة بعرفة.
349 - ومن دخل مكة فأقام بها أربعة أيام، ثم حبسه كريه يوم التروية (146) حتى صلى الناس الجمعة، فعليه أن يصلي الجمعة لأنه كالمقيم، فإن لم يقم أربعة أيام فلا جمعة عليه، لأنه مسافر.
_________
(1) هو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة المبارك.(1/320)
وإذا أخر الإمام الجمعة، فإنه يصليها ما لم تغرب الشمس، إذا أدرك من العصر ركعة قبل الغروب.
* * *(1/321)
ما جاء في صلاة الخوف
350 - ويصلي الإمام في الخوف بالطائفة الأولى في المغرب ركعتين، ثم يتشهد ويثبت قائماً، ويتمون لأنفسهم ركعة بأم القرآن ويسلمون، ويصلي بالطائفة الثانية ركعة، يقرأ فيها هو وهم بأم القرآن ويسلم [ولا يسلمون] ويقضون ركعتين بأم القرآن وسورة في كل ركعة.
351 - ولا تصلى صلاة الخوف ركعتين إلا في السفر، فأما في الحضر والسواحل فأربع ركعات بكل طائفة ركعتين.
352 - ولا يصليها مسافر بحضريين، فإن فعل صلى بكل طائفة ركعة، ويتمون صلاتهم حضرية، وإن كان في القوم مسافرون وحضريون، فإن صلى بهم مسافر، صلى بكل طائفة ركعة، ثم يأتي المسافرون بركعة ويسلمون، ويأتي الحضريون بثلاث، وإن كان الإمام حضرياً صلى بكل طائفة ركعتين وأتم كل من خلفه، كان حضرياً أو مسافراً. وإذا اشتد الخوف صلوا على قدر طاقتهم،(1/322)
ركباناً أو مشاة، إيماءاً أو غير إيماء، لقبلة أو لغيرها، ويقرءون ولا إعادة عليهم إن أمنوا في الوقت.
353 - وإذا سها الإمام مع الطائفة الأولى سجدوا للسهو بعد إتمامهم، إن كان نقصاناً قبل السلام، وإن كان زيادة فبعد، ثم إذا صلى بالطائفة الثانية فعلى حديث يزيد بن رومان الذي كان مالك يأخذ به (1) يثبت الإمام جالساً، فإذا أتموا الصلاة سجد [بهم] للسهو.
354 - وأما على حديث
_________
(1) رواه البخاري (4131) ، ومسلم (839) ، (842) .(1/323)
القاسم الذي رجع إليه مالك إنما يقضون بعد سلامه، [فإن كانتا قبل السلام سجدوا معه] ، وإن كانتا بعد السلام سجد هو ولم يسجدوا هم إلا بعد القضاء.
* * *(1/324)
في صلاة الخسوف
355 - وصلاة الخسوف سنة لا تترك، كصلاة العيدين، ولا يجهر بالقراءة فيها إذ لا خطبة فيها، ويستفتح في كل ركعة منها بالحمد [لله] . (1)
356 - وإنما تصلى من ضحوة إلى زوال الشمس، فإذا زالت [الشمس] فلا، وروى ابن وهب عن مالك أنها تصلى في وقت صلاة، وإن كان بعد الزوال.
357 - ويصليها أهل الحضر والقرى والمسافرون ويجمعون، إلا أن يعجل بالمسافرين السير، ويصليها المسافر وحده. وتصليها المرأة في بيتها، ولا بأس أن تخرج المتجالة إليها.
_________
(1) انظر: الفتح للحافظ (2/634) .(1/325)
358 - وإن أتموا صلاتها والشمس بحالها لم يعيدوا الصلاة ولكن يدعون ومن شاء تنفل.
359 - ومن أدرك الركعة الثانية من الركعة الأولى لم يقض شيئاً، و [كذلك] إن أدرك [الركعة] الثانية من [الركعة] الثانية، فإنما يقضي ركعة فيها ركوعان وتجزئه. وإذا سها فيها الإمام سجد لسهوه، وأنكر مالك السجود في الزلازل.
360 -[ويحرم فيها الإمام فيقوم قياماً طويلاً نحواً من [سورة] البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً نحو قيامه (1) ، ثم يرفع فيقرأ دون القراءة الأولى ويركع دون
_________
(1) رواه البخاري (1052) ، ومسلم (907) .(1/326)
الركوع الأول ثم يرفع رأسه ثم يسجد سجدتين يوالي بينهما] .
361 - وأحب إلي أن يطيل السجود، ثم يقوم دون القيام الذي يليه ثم يركع دون الركوع الذي يليه ثم يرفع فيقوم دون القيام الذي يليه [ثم يركع دون الركوع الذي يليه] ، ثم يسجد كما ذكرنا ويتشهد ويسلم.
362 - ولا يجمع في خسوف القمر، ويصلون ركعتين كسائر النوافل.
363 - قال عبد العزيز: ونحن إذا كنا فرادى نصلي هذه الصلاة [في خسوف القمر] لقول النبي ÷: إذا رأيتم ذلك [بها] فافزعوا إلى الصلاة. (1)
* * *
_________
(1) رواه البخاري (1044) ، ومسلم (901) عن عائشة نحوه.(1/327)
صلاة الاستسقاء
364 - ويتنفل قبل الاستسقاء وبعدها في المصلّى، وإنما تصلى ضحوة، ويقرأ فيها بسبح ونحوها، ويجهر فيها، ولا يخرج إليها بمنبر، ولا يمنع أهل الكتاب من الاستسقاء.
365 - وجائز الاستسقاء في السنة مراراً، ولا يؤمر النساء والصبيان بالخروج إليها، وإن خرجوا لم يمنعوا. ولا تخرج الحيّض على حال، ولا صبي لا يعقل الصلاة.
366 - فإذا صلى الإمام ثم سلّم [استقبل الناس بوجهه فجلس جلسة ثم قام يخطب ويتوكأ على عصا ويجلس بين خطبتيه، فإذا فرغ] استقبل القبلة قائماً والناس جلوس، فحول ما على يمينه من ردائه على يساره، وما على يساره على يمينه، ولا يقلبه فيجعل الأسفل الأعلى، ويحول الناس كذلك وهم جلوس، ثم يدعو الإمام قائماً والناس جلوس، ولا حد في طول ذلك، ولكنه وسط، ثم ينصرفون. وليس في خطبتها تكبير، وإن أحدث [الإمام] في الخطبة تمادى. (1)
* * *
_________
(1) ينظر: البخاري (1024) ، ومسلم (894) ، وفتح الباري (2/571) ، والموطأ (ص135) .(1/328)
في صلاة العيدين والتكبير في أيام التشريق (1)
367 - وغُسل العيدين حسن، وليس كوجوبه في الجمعة، ثم يغدو من داره أو من المسجد إذا طلعت الشمس، ويكبر في الطريق ويسمع نفسه ومن يليه، وفي المصلى حتى يخرج الإمام فيقطع [التكبير] ، ولا يكبر إذا رجع. وتكبير العيدين سواء لا حد فيه. ويخرج من طريق ويرجع من غيرها استحباباً.
368 - ويخرج الإمام في العيدين سواء بمقدار ما إذا وصل حلّت الصلاة، ويكبر الإمام في العيدين في خلال خطبته، ولا حد في ذلك.
369 - ولا تجب صلاة العيدين على النساء والعبيد، ولا يؤمرون بالخروج إليها، ومن حضرها منهم لم ينصرف إلا بانصراف الإمام، وإذا لم يخرج النساء فما
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/398) .(1/329)
عليهن واجب أن يصلين [ويستحب لهن أن يصلين] أفذاذاً، ولا تؤمهن واحدة [منهن] .
370 - ويقرأ في العيدين بسبح والشمس وضحاها ونحوهما، والخطبة بعد الصلاة في العيدين، والاستسقاء، وأما الجمعة وعرفة، فالخطبة قبل الصلاة.
371 - ويكبر في الأولى سبعاً بتكبيرة الافتتاح، وفي الثانية خمساً غير تكبيرة القيام، وذلك كله قبل القراءة. ولا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى. (1)
372 - ومن فاتته صلاة العيدين فيستحب له أن يصليها من غير إيجاب، ومن أدرك منها الجلوس كبر وجلس، ثم يقضي بعد سلام الإمام باقي التكبير والصلاة.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (2/198) .(1/330)
373 - وإذا صُليت في المسجد جاز التنفل قبلها وبعدها، وفي المصلى لا قبل ولا بعد، وإن نسي التكبير في الركعة الأولى فذكر قبل أن يركع رجع فكبر وقرأ وسجد بعد السلام، وإن ذكر بعدما ركع تمادى وسجد قبل [السلام] .
374 - ويصليها أهل القرى كأهل الحضر، وإن أحدث الإمام في خطبة العيد تمادى.
375 - ويستحب الخروج فيها إلى المصلى إلا من عذر، وينحر الإمام أضحيته في المصلى، ويفطر في الفطر قبل أن يخرج إلى العيد، وليس ذلك في الأضحى.
376 - وليس في تكبير أيام التشريق حدّ، وبلغني عن مالك - رحمه الله - أنه كان(1/331)
يقول: الله أكبر، [الله أكبر، الله أكبر] ، ثلاثاً.
377 - ويكبر أيام التشريق دبر خمس عشرة صلاة، أولها صلاة الظهر يوم النحر، وآخرها صلاة الصبح من اليوم الرابع وهو آخر أيام التشريق، يكبر في الصبح ويقطع في الظهر، ولا يكبر في أيام التشريق في غير دبر الصلوات، كذلك كان من يقتدى به يفعل. (1)
378 - ومن نسي التكبير، فإن كان بالقرب رجع فكبر، وإن يَعُد فلا شيء عليه، وإن سها عنه الإمام كبر المأموم، ومن فاته بعض الصلاة فلا يكبر حتى يقضي. ويكبر أيام التشريق كل مسلم صلى في جماعة أو وحده.
379 - ويجمع بين الظهر والعصر بعرفة بعد الزوال، يبدأ الإمام بالخطبة، فإذا فرغ منها جلس على المنبر، وأذن المؤذن وأقام، فإذا أقام نزل فصلى بالناس الظهر ركعتين
_________
(1) انظر: الموطأ لمالك (ص261) .(1/332)
ثم أذن فقام، ثم يصلي بهم العصر ركعتين ولا يجهر بالقراءة، وكل صلاة فيها خطبة يجهر فيها بالقراءة خلا هذه الصلاة، لأن خطبتها تعليم للحاج.
380 - ويتم أهل منى بمنى، وأهل عرفة بعرفة، وكل من لم يكن من أهها فليقصر الصلاة بها.
381 - ولا أحب أن يكون الإمام من أهل عرفة، فإن كان منها أتم الصلاة، قال ابن مسعود: ليس على المسلمين جمعة في سفرهم ولا يوم نفرهم. (1)
* * *
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1/442) .(1/333)
(كتاب الجنائز)
382 - قال مالك: يجتهد للميت في الدعاء، وليس في ذلك حدّ، ولا يقرأ على الجنازة، وكان أبو هريرة يتبع الجنازة من أهلها، فإذا وضعت كبّر وحمد الله وصلى على نبيه، ثم قال: اللهم [إنه] عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده. (1)
383 - قال مالك - رحمه الله -: وهذا أحسن ما سمعت من الدعاء على الجنازة، وليس فيه حدّ معلوم. (2)
_________
(1) رواه مسلم (963) ، ومالك في الموطأ (17) عن عوف بن مالك مرفوعاً.
(2) انظر: مواهب الجليل (2/214، 215) .(1/335)
384 - وكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقف عند وسط الرجل، وفي المرأة عند منكبيها.
385 - قال مالك: ويكبر على الجنازة أربعاً. مالك: ولا يرفع يديه إلا في الأولى، قال عنه ابن وهب: ويعجبني أن يرفع [يديه] في الأربع.
386 - ولا بأس بحمل السرير من أي جانب [شئت] ، وإن شئت فاحمل أو فدع (1) ، وقول من قال: يبدا باليمين بدعة. والمشي أمام الجنازة هو السنة (2) . وجائز أن يسبق وينتظر.
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (4/19) ، والصغرى (1048) عن ابن مسعود.
(2) رواه مالك في الموطأ (11) .(1/336)
387 - ولا يصلي عليها في المسجد، إلا أن توضع بقربه فيصلي من في المسجد عليها بصلاة الإمام، إذا ضاق خارج المسجد بأهله. وجائز الجلوس عند القبر قبل أن توضع [الأرض] . (1)
388 - ويصلى على قاتل نفسه [وإثمه على نفسه، ويصلى] على أولاد الزنا كسائر المسلمين.
389 - وكل من كان حده القتل فقتله الإمام أو الناس دونه، فإنه يغسل ويكفن ويصلي عليه الناس دون الإمام، وكذلك [كل] محارب قتله الناس دون الإمام لأنه حده. فأما من جلده الإمام في زنا فمات منه، فإن الإمام يصلي
_________
(1) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (2/229، 230) .(1/337)
عليه. [وإذا قتل في قصاص صلى عليه الناس دون الإمام] .
390 - ومن اشترى صغيراً من العدو أو وقع في سهمه من المغنم فمات صغيراً لم يصلّ عليه. وإن نوى به سيده الإسلام، إلا أن يجيب إلى الإسلام بأمر يعرف أنه عقله، وهذا إذا كان كبيراً يعرف ما أجاب إليه.
391 - ومن زوج عبده من أمته وهما نصرانيان فحدث لهما ولد فليس للسيد أن يدخل الولد في الإسلام جبراً.
392 - ولا توطأ أمة من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، [وتصلي] ، أو تجيب بأمر يعرف أنها قد دخلت في الإسلام، وتستبرأ، وإن كانت من أهل الكتاب فحتى تستبرأ.(1/338)
393 - والصبي إذا لم يستهل [صارخاً] ، والسقط لا يرثان ولا يورثان ولا يسميان، ولا يغسلان ولا يحنطان ولا يدفنان في الدور. ومن ارتد قبل البلوغ لم تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه.
394 - ولا يصلى على يد ولا على رأس مع الرِجْلين، وإنما يصلى على أكثر البدن.
395 - ولا يتبع الميت بمجمرة، ولا يقلم ظفره، ولا تحلق عانته، وذلك بدعة ممن فعله.
396 - ومن فاته بعض التكبير انتظر، فإذا كبر الإمام كبر معه ويقضي متتابعاً، وإذا(1/339)
اجتمعت جنائز صُلي على جميعها في موضع واحد، وإذا أتى بجنازة والإمام يصلي على غيرها تمادى على الأولى ولا يدخل الثانية معها، فإذا فرغ صلى على الثانية، ولو جيء بها بعد تمام الصلاة على الأولى فلا بأس بتنحية الأولى والصلاة على الثانية.
397 - ومن أتى وقد فرغ الناس من الصلاة على الجنازة فلا يصلي عليها بعد ذلك، ولا على القبر، وليس العمل على ما جاء من الحديث في ذلك. (1)
ويجعل الرجال والصبيان [في الصلاة] مما يلي الإمام والنساء مما يلي القبلة (2) ،
_________
(1) رواه البخاري (458) ، ومسلم (956) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
(2) رواه مالك في الموطأ (24) .(1/340)
فإن كانوا رجالاً كلهم [جعلوا واحداً خلف واحد، ثم قال مالك] واسع أن يجعل بعضهم على بعض، وأفضلهم مما يلي الإمام أو صفاً واحداً كلهم، ويقوم الإمام وسط ذلك وكذلك النساء.
398 - ولا يصلى على أحد من أهل الأهواء، ولا يعاد مرضاهم ولا على قتلى الخوارج والإباضية. (1)
399 - ولا يصلى على الشهيد في المعترك ولا يكفن، ولا يغسل، ويدفن بثيابه، ولا ينزع عنه شيء لا خف ولا فروة، إلا درع أو سلاح، ويحفر له ويلحد، وإن عاش بعد ذلك حياة بينة، كان كالمجروح يموت بعد أيام، يغسل ويصلى عليه، وليس كحال من به رمق وهو في غمرة الموت. ولا يزاد [على] الشهيد غير ما عليه، وكذلك من قتله العدو، أي قتلة كانت في معترك أو غيره. (2)
400 - وأما من قتل مظلوماً أو قتله لصوص في معتركهم أو في دفعه إياهم عن حريمه أو مات بغرق أو هدم، فإنه يغسل ويصلى عليه.
* * *
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (2/249) .
(2) انظر: مواهب الجليل (2/248) .(1/341)
في غسل الميت
401 - وليس في غُسل الميت حدّ ولكن ينقى [وينظف] ويعرى للغسل، وتستر عورته ويجعل الغاسل على يده خرقة ويفضي به إلى فرجه، وإن احتاج إلى أن يباشر بيده فعل، ويعصر بطنه عصراً رفيقاً، فإن وضئ فحسن. وأحسن ما جاء في الغسل ثلاث أو خمس بماءٍ وسدر [ويجعل] في الآخر كافوراً إن تيسر. (1)
402 - ويغسل أحد الزوجين صاحبه، وإن أصاب غيره من الرجال والنساء، ويستر كل واحد منهما عورة صاحبه، وإن وضعت الزوجة حملها بعد موته وقبل غسله فجائز لها أن تغسله، وأم الولد في الغسل كالزوجة تغسل سيدها ويغسلها،
_________
(1) رواه البخاري (1253) ، ومسلم (939) ، ومالك (1) جنائز من حديث أم عطية.(1/342)
والمطلقة واحدة لا تغسل زوجها إن مات قبل انقضاء عدتها.
403 - ومن مات في سفر لا رجال معه، ومعه نساء فيهن ذات محرم منه فلتغسله ولتستره، وإن لم يكن فيهن ذات محرم منه يممن وجهه ويديه إلى المرفقين، وإن ماتت امرأة مع رجال لا نساء معها، فإن كان فيهم ذو محرم منها غسلها من فوق الثوب، وإن لم يكن ذو محرم يمم وجهها ويديها إلى الكوعين. ولا بأس أن يغسل النساء الصبي ابن سبع سنين وشبهه. (1)
404 - ويُصب الماء على المجروح والمجدور الذي يخاف أن يتزلع (2) ولا ييمم.
405 - ولا يغسل المسلم أباه الكافر، ولا يتبعه ولا يدخله قبره إلا أن يخاف أن يضيع
_________
(1) انظر: البيان والتحصيل (2/248) .
(2) أي يتشقق وفسدت جراحته، الوسيط (1/412) .(1/343)
فيواريه، وكذلك الكافر بين المسلمين إذا مات، قال ربيعة: ولا يستقبل به قبلتنا ولا قبلتهم.
406 - ولا بأس بالمسك والعنبر في الحنوط، ويجعل ذلك على جسده و [بين] أكفانه ومواضع السجود، ولا يجعل من فوق الأكفان، قال عطاء: أحب الحنوط إلي الكافور، وجائز أن يحنط المحرم، ولا يلي ذلك منه محرم.
407 - ويستحب أن يكفن في ثلاثة أثواب إذا وجد.
408 - ويعمم الميت، وتجمر (1) ثيابه، ويكره في كفن الرجال والنساء الخز (2) ، والمعصفر (3) ، والحرير، ويكفن في العصب وهي الحبرة. (4)
_________
(1) جمر الكفن: بخره، الوسيط (1/138) .
(2) هو ما ينسج من صوف وإبْرَيسم، الوسيط (1/240) .
(3) هو المصبوغ بالعُصْفر، وهو نبات شديد الحمرة في صبغه.
(4) الحبرة: ثوب من قطن أو كتان مخطط، يصنع باليمن، الوسيط (1/158) .(1/344)
409 - والأخ أولى بالصلاة على الميت من الجد، وإنما ينظر في هذا إلى من هو أقعد بالميت فهو أولى بالصلاة، والعصبة أولى بالصلاة من الزوج، والزوج أولى بإنزال المرأة في قبرها من عصبتها، ومن كانت الصلاة إليه من قاض أو صاحب شرطة أو وال فهو أحق بالصلاة على الميت إذا حضر من أوليائه، وكذلك كل بلدة كان ذلك عندهم.
410 - وتتبع المرأة جنازة زوجها ووالدها وولدها وأخيها إذا كان يعرف أن مثلها تخرج على مثله، وإن كانت شابة، ويكره أن تخرج على غير هؤلاء ممن [لا] ينكر لها الخروج عليهم من قراباتها.
411 - ومن مات وليس معه إلا نساء صلين عليه أفذاذاً واحدة واحدة ويكن صفوفاً.(1/345)
412 - ويسلم إمام الجنازة واحدة عن يمينه يسمع نفسه ومن يليه، ويسلم المأموم واحدة يسمع بها نفسه فقط، وإن أسمع من يليه فلا بأس.
413 - ويكره تجصيص القبور والبناء عليها. وإذا أحدث إمام الجنازة استخلف من يتم بهم باقي التكبير، فإن توضأ وأدرك بعض التكبير، كان في سعة إن شاء رجع أو ترك.
414 - ويصلى عليها بعد العصر ما لم تصفر الشمس، وبعد الصبح ما لم يسفر، فإذا أسفر أو اصفرت [الشمس] فلا يصلوا حينئذ إلا أن يخافوا عليها.
415 - قال مالك: وإن غابت الشمس بدءوا بما أحبوا من المغرب أو الجنازة، وقال عنه ابن وهب:(1/346)
[إن صلوا عليها بعد الفريضة فهو أصوب] فإن صلوا [عليها] قبل فلا بأس.
ولا يبقر على الميتة إذا كان جنينها يضطرب في بطنها.
* * *(1/347)
(كتاب الصيام) (1)
416 - ويحرم الأكل بطلوع الفجر المعترض في الأفق لا بالبياض الظاهر قبله، كما لا يمنع [ذلك] البياض [من الأكل، فكذلك لا يمنع البياض] الباقي بعد الشفق من صلاة العشاء.
ومن تسحر بعد الفجر ولا يعلم بطلوعه، أو أكل ناسياً لصومه، فإن كان
_________
(1) الصيام لغة: الإمساك والترك، فمن أمسك عن شيء ما قيل له صائم، وشرعاً: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية قبل الفجر أو معه في غير أيام الحيض والنفاس والأعياد، الثمر الداني (293) . وانظر: الذخيرة للقرافي (2/485) ، والبيان والتحصيل لابن رشد (2/303) ، والشرح الكبير (1/239) ، والتفريع لابن الجلاب (1/301) ، والمعيار للونشريسي (1/410) .(1/349)
في تطوع فلا شيء عليه، ولا يفطر بقية يومه، فإن فعل قضاه. وإن كان في نذر متتابع مثل قوله: لله علي صوم عشرة أيام متتابعات بغير عينها فنابه ذلك بعد أن صام بعضها ترك الأكل في بقية يومه وقضاه ووصله بها، فإن لم يصله أو أفطر باقي يومه ابتدأها، وإن نابه ذلك في أول يوم منها، فإن شاء أفطر وابتدأ صومه عشرة أيام، ولا أحب له أن يفطر فإن فعل فإنما عليه عشرة أيام، أحدها قضاء ذلك اليوم، وإن كانت أياماً بعينها، أو كان في رمضان فليتماد على صومه وعليه القضاء، وإن كان في قضاء رمضان فأحب أن يفطر يومه ذلك أفطره وقضاه، وأحب إلي أن يتمه ويقضيه، وإن كان في صوم تظاهر أو قتل نفس مضى في صيامه وقضى ذلك اليوم، ووصله بصيامه، فإن لم يصله ابتدأ.
417 - ومن شك في الفجر فلا يأكل، ومن أكل ثم شك أن يكون أكل قبل الفجر أو بعده فليقض في رمضان، ومن ظن أن الشمس قد غربت فأكل في رمضان، ثم(1/350)
طلعت [الشمس] فليقض.
418 - ومن رأى هلال رمضان وحده فليعلم الإمام لعل غيره رآه معه فتجوز شهادتهما، فإن لم يره غيره رد الإمام شهادته ولزمه الصوم في [خاصة] نفسه، فإن أفطر كفر مع القضاء.
419 - ولا يصام رمضان ولا يفطر منه ولا يقام الموسم إلا بشهادة رجلين حرين مسلمين عدلين، ولا يقبل في ذلك شهادة واحد، وإن كان عدلاً، ولا من فيه بقية رق [ولا جماعة نساء] .
420 - ويقال لمن قال [يصام] بشهادة واحد، أرأيت عن أغمي آخر الشهر كيف يصنعون، [أيفطرون واحداً وثلاثين، فإن أفطروا خافوا أن يكون ذلك(1/351)
اليوم من رمضان] .
421 - وتكره للصائم القبلة والمباشرة، فإن قبّل [امرأته] في رمضان قبلة واحدة [فأنزل] فعليه القضاء والكفارة، وإن كان من المرأة مثل ذلك فعليها القضاء والكفارة، وإن أكرهها فالكفارة عليه عنه وعنها، وعليها القضاء.
422 - وروى ابن وهب وأشهب عن مالك فيمن قبل امرأته أو غمزها أو باشرها في رمضان لا شيء عليه إلا أن يمذي فيقضي.
423 - قال ابن القاسم: وإن جامعها دون الفرج أو باشرها فأنزل فالقضاء والكفارة،(1/352)
وإن باشرها فأمذى أو أنعظ أو حرك ذلك منه وإن لم يمذ فليقض، وإن لم ينزل ذلك منه منياً، ولا أنعظ، ولا حرك ذلك منه لذة فلا شيء عليه.
424 - وإن لمسها فأنزل أو عالجت ذكره بيدها حتى أنزل فأمكنها منه فليقض ويكفر، وإن نظر إليها في رمضان وتابع النظر حتى أنزل فعليه القضاء والكفارة، وإن لم يتابع النظر فأمنى أو أمذى فليقض فقط.
425 - وتكره الحقنة والسعوط (1) للصائم، فإن احتقن في فرض أو واجب بشيء يصل إلى جوفه فليقض ولا يكفر.
426 - ولا يكتحل أو يصب في أذنيه دهناً إلا أن يعلم أنه لا يصل إلى حلقه، فإن
_________
(1) السعوط: دواء يصيب في الأنف، وانظر: المصباح المنير (277) .(1/353)
اكتحل بإثمد، أو صبر، أو غيره، أو صب في أذنه الدهن لوجع به أو غيره، فوصل ذلك إلى حلقه، فليتماد في صومه، ولا يفطر بقية يومه، وعليه القضاء، ولا يكفّر إن كان في رمضان [وإن لم يصل إلى حلقه فلا شيء عليه] ، وقاله أشهب.
427 - وإن قطر في إحليله دهناً أو استدخل فتائل أو داوى جائفة بدواء مائع أو غير مائع فلا شيء عليه.
428 - وإنما تكره [له] الحجامة لموضع التغرير، فإن احتجم وسَلِم فلا شيء عليه، ويكره له ذوق الملح والطعام ومضغه، وإن لم يدخل جوفه، ومضغ العلك أو يداوي [الحفر في فيه] ويمج الدواء أو يلمس الأوتار بفيه أو يمضغها.(1/354)
429 - وإن ابتلع فلقة حبة بين أسنانه مع ريقه، أو دخل حلقه ذباب أو ذرعه القيء في رمضان فلا شيء عليه في ذلك.
430 - وإن استقاء فقاء فعليه القضاء، وقال أشهب: إن كان صومه تطوعاً فاستقاء فليفطر ويقض، وإن لم يفطر فلا بد من القضاء، وإن كان صومه واجباً فليتمه ويقض.
431 - ولا بأس أن يغتسل الصائم ويتمضمض من عطش أو حر، فإن تمضمض لذلك أو لوضوء صلاة فسبقه الماء إلى حلقه فليقض في الفرض والواجب لا في التطوع، ولا كفارة عليه، ولا بأس بالسواك أول النهار وآخره بعود يابس، وإن بلّه بالماء، وأما الرطب فمكروه.
432 - مالك: والصوم في السفر أحب إليّ لمن قوي عليه، فإن أصبح في السفر صائماً في رمضان ثم أفطر لعذر فعليه القضاء فقط، وإن تعمد الفطر لغير عذر(1/355)
فليكفر مع القضاء، وقال المخزومي وابن كنانة: لا يكفر. وقاله أشهب: إن تأول.
433 - مالك وأشهب: وإن أفطر بعد دخوله إلى أهله نهاراً فعليه القضاء والكفارة، مالك: كان فطره أول النهار أو آخره. أشهب: ولا يعذر أحد في هذا.
مالك: وإن أصبح في الحضر صائماً [في] رمضان وهو يريد سفراً فلا يفطر ذلك اليوم قبل خروجه، ولا أحب له أن يفطر بعد خروجه، فإن أفطر بعد أن سافر لزمه القضاء فقط، وقال المخزومي وابن كنانة: يلزمه القضاء والكفارة.(1/356)
434 - ومن أصبح في الحضر صائماً متطوعاً، ثم سافر فأفطر، أو أفطر قبل خروجه، أو صام تطوعاً في السفر ثم أفطر، فإن كان لعذر فلا قضاء عليه وإلا فليقض، ومن علم أنه يدخل بيته من سفره أول النهار فليصبح صائماً، فإن لم يفعل وبيت الفطر ثم دخل قبل طلوع الشمس فلا يجزيه الصوم في بقية يومه وإن نواه، وعليه قضاؤه، ولا يكره له الأكل [في] بقية يومه، وله أن يطأ امرأته إن وجدها كما طهرت.
435 - ومن اصبح مفطراً ولم يأكل أو أكل ثم علم في أول النهار أو آخره أنه أول يوم من رمضان فليكف عن الأكل بقية يومه ويقضيه، ثم إن أكل بعد علمه بذلك لم يكفر إلا أن يفطره منتهكاً وهو يعلم ما يلزم المفطر عامداً فليكفر.
436 - وإن أصبح فيه صائماً متطوعاً ثم علم انه أول يوم من رمضان لم يجزه وعليه قضاؤه.
437 - ولا ينبغي صيام يوم الشك. (1)
_________
(1) ذكره مالك في الموطأ (55) ، من حديث يحيى بن مالك.(1/357)
438 - ومن أصبح يوم الفطر أو [يوم] الأضحى صائماً ثم علم أنه لا يجوز صومهما فأفطر فلا قضاء عليه.
439 - ومن أصبح صائماً ينوي به قضاء يوم عليه من رمضان، ثم ذكر أول النهار أنه كان قضاه، فلا يفطر وليتم صومه. أشهب: لا أحب له أن يفطر فإن فعل فلا قضاء عليه، كمن شك في الظهر فأخذ يصلي ثم ذكر أنه قد صلى، فلينصرف على شفع أحب إلي، وإن قطع فلا شيء عليه.
440 - مالك: ويكره أن يعمل في صوم التطوع ما يكره في صوم الفريضة.
441 - ومن التبست عليه الشهور في جار الحرب فصام شهراً ينوي به رمضان، فإن كان قبل رمضان لم يجزه، وغن كان بعده أجزأه، وإن صامه تطوعاً فإذا هو رمضان لم يجزه من رمضان وقضاه.
442 - ولا بأس أن يتعمد أن يصبح في رمضان جنباً. وغن حاضت امرأة أو طهرت في رمضان وقد مضى بعض النهار فلتفطر يومها ذلك، فإن رأت الطهر(1/358)
قبل الفجر واغتسلت بعده صامت وأجزأها، وإن لم تر الطهر إلا بعد الفجر فلتأكل يومها، وغن أصبحت فشكت أطهرت قبل الفجر أم بعده فلتصم يومها ذلك ولتقضه.
443 - ومن أغمي عليه قبل الفجر في رمضان فأفاق بعد الفجر بقليل أو كثير لم يجزه ذلك اليوم، ولو كان نائماً أجزأه، وإن نام نهاره كله، فإن كان ذلك إغماء لمرض لم يجزه، وإن أُغمي عليه وقد مضى أكثر النهار، أو أُغمي عليه بعد الفجر فأفاق نصف النهار أجزأه ولا شيء عليه، وإن أفاق بعد أيام لم يجزه صوم يوم إفاقته، لأن من لم يبيت الصوم فلا صوم له، وإن أُغمي عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب، لم يجزه صومه،(1/359)
أشهب: هذا استحسان، ولو اجتزئ به ما عنف.
444 - ومن بلغ وهو مجنون مطبق فمكث سنين ثم أفاق قضى الصوم ولا يقضي الصلاة.
445 - ومن أكل أو شرب أو جامع في رمضان ناسياً فعليه القضاء بلا كفارة، وإن ظن [أن] ذلك يفسد صومه فتعمد الأكل باقيه أو امرأة رأت [الطهر] ليلاً في رمضان فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم على أهله ليلاً فظن أن من لم يدخل نهاراً قبل أن يمسي أن صومه لا يجزيه، وأن له أن يفطر، أو عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنماً له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فافطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة.
446 - ابن القاسم: وما رأيت مالكاً يجعل الكفارة في شيء من هذا الوجه على(1/360)
التأويل إلا امرأة قالت: اليوم أحيض، وكان ذلك يوم حيضتها، فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره، والذي يأكل في رمضان متعمداً في أول نهاره، ثم يمرض في آخره مرضاً لا يقدر معه على الصوم، فقال: عليهما القضاء والكفارة. وقاله المخزومي.
447 - ولا يؤمر الصبيان بالصيام حتى تحيض الجارية ويحتلم الغلام، بخلاف الصلاة.
448 - ومن أكره، أو كان نائماً، فصب في حلقه ماء في رمضان، أو نذر أو ظهار أو في صيام كفارة القتل، أو في صيام متتابع، أو جومعت نائمة في رمضان، فالقضاء في ذلك كله يجزئ بلا كفارة، ويصل القضاء في ذلك بما كان من الصوم متتابعاً، وإن كان في صوم تطوع فلا قضاء عليه.
449 - وإذا خافت المرضع على ولدها، فإن قبل غيرها وقدرت أن تستأجر له، أو له مال فلتستأجر له، ولتصم، وغن لم يقبل غيرها أفطرت وقضت، وتطعم لكل يوم أفطرته مَدّاً (1) لكل مسكين.
_________
(1) المد: مكيال قديم اختلف الفقهاء في تقديره بالكيل المصري، فعند الشافعية مقداره نصف قدح، ونحوه المالكية، وهو رطل وثلث عند أهل الحجاز، وعند العراقيين رطلان، وهما يساويان 880 جرام تقريباً، وانظر: الوسيط (مدد 2/893) .(1/361)
450 - مالك: والحامل [إذا خافت على ولدها] تفطر وتقضي [إذا صحت] ولا إطعام عليها، لأنها مريضة، ولو كانت صحيحة فخافت أن تطرح ولدها إذا صامت فلتفطر ولا إطعام عليها. وقال عنه ابن وهب: إن الحامل تفطر وتطعم، قال أشهب: هذا استحباب من غير إيجاب.
451 - قال القاسم وسالم: من أدركه الكبر فضعف عن صوم رمضان فلا فدية عليه.(1/362)
452 - وإذا علمت المرأة أن زوجها يحتاج إليها فلا تتطوع بالصيام إلا بإذنه.
453 - وجائز أن يقضى رمضان في العشر (1) ، ولا يقضى في أيام التشريق، ولا يصام يوم الفطر ولا يوم النحر، وأما اليومان اللذان بعد يوم النحر فلا يصومهما إلا المتمتع الذي لا يجد الهدي، ولا يصومهما من نذر [صوم] ذي الحجة، أو كان عليه صوم واجب، ولا يقضي فيهما رمضان أو غيره، واليوم الآخر من أيام التشريق يصومه من نذره، أو نذر [صوم] ذي الحجة، ولا يقضي فيه رمضان أو غيره. ويبتدئ فيه صيام من ظهار، أو قتل نفس أو شبه هذا، إلا أن يكون قد صام قبل ذلك فمرض ثم صح في أيام النحر فلا يصمها، وليصم هذا اليوم الرابع [و] يصله بصومه.
454 - ومن أفطر لمرض أو سفر ثم تمادى به [المرض أو السفر] إلى رمضان آخر
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (4/256) من حديث الأسود ين قيس عن عمر.(1/363)
فليصم هذا الداخل ثم يقضي الأول، وليس عليه إذا قضى الأول إطعام، وإن صح أو قدم [من سفره] قبل دخول رمضان الثاني بأيام أقل من شهر أو شهرين فلم يصمها فعليه عدتها أمداداً يفرقها إذا أخذ في القضاء أو بعده، فإن لم يخرج ذلك [حتى] مات وأوصى أن يطعم عنه فذلك في ثلثه.
455 - ولا يجزئ أن يعطي لكل مسكين أكثر من مُدّ، ويبدأ على الوصايا، والزكاة تبدأ على هذا إذا أوصى بها، وعلى العتق وغيره إلا المدبر في الصحة، قيل: فالعتق في الظهار، وقتل النفس [إن] أوصى بها مع هذا الطعام بأيهما يبدأ؟، قال: العتق في الظهار، وقتل النفس، يبدآن على كفارة الأيمان، وإن لم يوص بإخراج هذا الطعام لم يلزمه ورثته إلا أن يشاءوا، كالزكاة تجب عليه فلا يوصي بها، فإن أوصى بإخراج هذا [الطعام] وبإخراج طعام عليه من نذر بدئ(1/364)
بالطعام لقضاء رمضان لأنه أكد، وكذلك من عليه صوم هدي وقضاء رمضان بدأ [بصوم الهدي] إلا أن يرهقه رمضان فيقضي رمضان ثم يصوم الهدي بعد ذلك.
456 - وما ذكر الله تعالى في كتابه من [صيام] الشهور فمتتابع، ويستحب أن يتابع قضاء رمضان وصيام الجزاء والمتعة وكفارة اليمين، وصيام ثلاثة أيام في الحج، فإن فرقه أجزأه، [وإن صام يوم التروية ويوم عرفة ويوماً من آخر أيام التشريق أجزأه] .
457 - ومن أسلم في رمضان فليصم باقيه ولا قضاء عليه لما تقدم منه، ويستحب له أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه. (1)
458 - ومن نذر صوم أيام أو شهور غير معينة فليصم عدد ذلك، إن شاء تابعه أو فرقه، إلا أن ينويه متتابعاً، وغن نذر صوم شهور بغير عينها متتابعة [أو غير
_________
(1) انظر: الاستنكار لابن عبد البر (10/92، 93، 97) .(1/365)
متتابعة] فله أن يصومها للأهلة أو لغير الأهلة، فإن صامها للأهلة فكان الشهر تسعة وعشرين يوماً أجزأه، ومن صام لغير الأهلة أكمله ثلاثين، وإن صام بعض شهر، ثم صام بعد ذلك إن شاء للأهلة، ثم يكمل الشهر الأول بثلاثين يوماً، إلا أن ينذر شهوراً بعينها متتابعات فيصومها بأعيانها.
وإن نذر صوم سنة غير معينة صام اثني عشر شهراً ليس فيها رمضان ولا يوم الفطر ولا أيام النحر [فما صام من الأشهر فعلى الأهلة، وما أفطر بفيه] منها لعذر أتمه ثلاثين، وإن كانت سنة بعينها صامها وأفطر منها يوم الفطر وأيام الذبح] ويصوم آخر أيام التشريق.(1/366)
459 - مالك: ولا قضاء عليه فيها ولا في رمضان، إلا أن ينوي قضاء ذلك كمن نذر صلاة يوم بعينه فليصل في الأوقات الجائزة فيها الصلاة، ولا يصلي في الساعات التي لا يصلى فيها ولا شيء عليه فيها ولا قضاء.
460 - ثم سئل مالك: عمن نذر صوم ذي الحجة، فقال: يقضي أيام الذبح إلا أن يكون نوى إلا يقضيها. قال ابن القاسم: الأول أحب إلي. وما أفطر من السنة المعينة لعذر فلا قضاء عليه، وإن كان لغير عذر قضاه.
461 - وإن أفطر منها شهراً لغير عذر فكان تسعة وعشرين يوماً قضى عدد أيامه.
462 - ومن نذر صوم شهر بعينه فمرضه لم يقضه، وإن أفطره متعمداً قضى عدد أيامه متتابعاً أحب إلي، وإن فرقه أجزأه، وإن أفطر منه يوماً قضاه إلا أن يكون [أفطره] لمرض.
463 - ومن نذر صوم شهر بغير عينه متتابعاً فصام منه عشرة أيام، ثم أفطر يوماً من غير(1/367)
عذر ابتدأ الصوم ولا يبني [عليه] .
464 - ومن قال: لله علي صوم غد، فأفطره فلا كفارة يمين عليه، لأنه جعل لنذره مخرجاً وعليه قضاؤه، ومن نذر صوم كل خميس يأتي لزمه، فإن أفطر خميساً متعمداً قضاه، وكره مالك أن ينذر صوم يوم مؤقت.
465 - ومن نذر صوم يوم قدوم فلان، فقدم ليلاً صام صبيحة تلك الليلة، وإن قدم نهاراً ونية الناذر الفطر، فلا قضاء عليه، ومن نذر صوم يوم قدومه أبدا فقدم يوم الاثنين صام كل يوم اثنين فيما يستقبل. ومن نذر صوم غد فإذا هو يوم الفطر أو الأضحى وقد علم به أو لا، فلا يصومه، ولا قضاء عليه فيه.
466 - وإن نذرت امرأة صوم سنة ثمانين فلا تقضي أيام حيضتها لأن الحيضة كالمرض، ولو مرضت السنة كلها لم يكن عليها قضاء، وكذلك إن نذرت صوم يوم(1/368)
الاثنين والخميس ما بقيت فحاضت فيهما أو مرضت فلا قضاء عليها. وأما السفر، فقال مالك: لا أدري ما هو، قال ابن القاسم: وكأنه أحب أن تقضي.
467 - وإن نذرت صيام غد فحاضت قبله أو نذرت صيام أيام حيضتها، فلا قضاء عليها [لأن الحبس جاء من غيرها] .
468 - ومغيب الحشفة (1) يفسد الصوم والحج، ويوجب الغسل والحد، [ويوجب الكفارة والصداق، ويحصن المبتوتة] .
469 - ولا يعرف مالك في الكفارة غير الطعام، ولا عنق ولا صوم، ويطعم في الكفارة ستين مسكيناً مدا مدا بمد النبي ÷، ولا يجزيه أن يطعم ثلاثين مسكيناً مدين مدين.
_________
(1) الحشفة: رأس عضو التذكير، ويكشف عنها الختان أو مغيب قدرها من مقطوعها، انظر: الوسيط (2/183) .(1/369)
470 - وإن أكره امرأته في نهار رمضان [فوطئها] فعليهما القضاء، وعليه عنه وعنها الكفارة، فإن أكرهها في الحج فجامعها فليحجها ويهدي عنها، فإن وطئها في رمضان أياماً، فعليه لكل يوم كفارة، وعليها مثل ذلك، عن طاوعته، وإن أكرهها فذلك كله عليه، وعليها هي القضاء، وإن وطئها في يوم مرتين فعليه كفارة واحدة، فإن طاوعته في الوطئ أول النهار ثم حاضت في آخره فلا بد لها من الكفارة [والقضاء] . (1)
471 - مالك: ومن أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب حتى غابت الشمس أو مضى أكثر النهار فعليه القضاء [والكفارة] . قلت لابن القاسم [فإن نوى الفطر في رمضان يومه كله إلا أنه لم يأكل ولم يشرب؟ قال: قد قال مالك في ذلك شيئاً] لا أدري هل أوجب عليه القضاء مع
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/530) .(1/370)
الكفارة أو لا، [قال ابن القاسم:] وأحب إلي أن يكفر [مع القضاء، ولو أصبح ينوي الفطر في رمضان فلم يأكل ولم يشرب ثم] نوى الصوم قبل طلوع الشمس وترك الأكل وأتم صومه لم يجزه [صوم] ذلك اليوم، وبلغني عن مالك [أنه قال: إن عليه القضاء والكفارة، وهو رأيي] . وقال أشهب: عليه القضاء، ولا كفارة عليه.(1/371)
472 - وإن حاضت جارية أو احتلم غلام في رمضان فأفطر بقيته، أو أفطر فيه السفيه البالغ فعلى كل واحد منهما كفارة لكل يوم أفطر مع القضاء. (1)
473 - ومن صام رمضان قضاء لرمضان قبله أجزأه وعليه قضاء الآخر.
474 - ومن نذر مشياً فخرج ينوي نذره وحجة الفريضة أجزأه لنذره، وعليه قضاء الفريضة، لأنه حين أشرك بينهما كان أولاهما بالقضاء أوجبهما عند الله، [وقد روى بعض العلماء أن ذلك الحج يجزيه لفريضته وعليه النذر] . (20)
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل مع مواهب الجليل (2/450) .(1/372)
في قيام رمضان
475 - وقيام الرجل [في رمضان] في بيته أحب إلي لمن قوي عليه. ولا يؤم أحد بإجارة (1) في قيام رمضان ولا في الفريضة.
476 - وقيام رمضان تسع وثلاثون ركعة، يوتر منها بثلاث، وقد أمر عمر بن عبد العزيز القراء [أن يقوموا بذلك] ، يقرءون في كل ركعة بعشر
_________
(1) قال الونشريسي في المعيار: الأجرة على الإمامة منع منها قوم، وأجازها قوم، وفصل آخرون، ومنع الجمهور محمول على الكراهة، وانظر في (7/473، 475) .(1/373)
آيات.
477 - مالك: وليس ختم القرآن لسنة لقيام رمضان. ربيعة: ولو أمهم رجل بسورة حتى ينقضي الشهر لأجزأهم.
478 - وكره مالك للقراء أن يقرأ أحدهم في غير الموضع الذي انتهى إليه صاحبه، وقال: يقرأ الثاني من حيث انتهى الأول. ولا يقرأ بالألحان في الصلاة، وعظم مالك الكراهية فيه. والأمر في رمضان الصلاة، وليس بالقصص بالدعاء.
479 - ولا بأس أن يؤم [الناس] في المصحف في رمضان في النافلة، وأكرهه في(1/374)
الفريضة، وإن ابتدأ الإمام بغير مصحف وبين يديه مصحف منشور فلا ينبغي إذا شك في حرف أن ينظر فيه، ولكن يتم صلاته ثم ينظر.
480 - ولم يكن الأمير يصلي القيام [خلف القارئ] فيما خلا مأموماً، ولو فعل ذلك جاز، وقال ربيعة: لا يفعل ذلك إلا أن يأتي فيؤم بالناس.
481 - وجائز التنفل بين الترويحتين لمن يتم الركعتين ويسلم، فأما من يقف يقرأ وينتظرهم حتى يدخل معهم بإحرامه الأول أو بإحداث إحرام فلا يعجبني.
482 - ولا يقنت في رمضان، [لا] في أوله ولا في آخره [ولا في غيره] [ولا في الوتر. والوتر آخر الليل أحب غلي لمن قوي(1/375)
عليه] ، ويفصل الإمام بين الشفع والوتر بتسليم، ومن صلى خلف من لا يفصل بينهما بسلام فليتبعه. قال مالك: قد كنت أنا أصلي معهم فإذا جاء الوتر انصرفت ولم أوتر. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الموطأ (7) ، (ص92) ، وكشف الستر للحافظ وللنابلسي كلاهما بتحقيقنا، ط بيروت.(1/376)
(كتاب الاعتكاف) (1)
483 - ولا اعتكاف إلا بصوم، فإن أفطر يوماً ناسياً فليقضه واصلاً باعتكافه، وإن أفطر عامداً، أو جامع في ليل أو نهار ناسياً، أو قبل أو باشر أو لامس فسد اعتكافه وابتدأ. وإن حاضت معتكفة فخرجت فوطئها زوجها فسد اعتكافها، قاله ابن المسيب وغيره.
ومن أصابه [في معتكفه] مرض لا يستطيع الصوم معه، أو جن، أو أغمي عليه فليخرج، فإذا صح، فليبن على اعتكافه، ويصل ذلك، فإن لم يصله استأنف.
_________
(1) أصله الاحتباس والعكف، الحبس، وفي الشرع: الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص، وانظر: الذخيرة (2/534) ، والتفريع لابن الجلاب (1/312) ، والبيان والتحصيل (2/306) ، والمعيار للونشريسي (1/430) ، والشرح الصغير (1/255) ، والموطأ لمالك (ص210، 212) .(1/377)
484 - وإذا صامت امرأة شهرين في قتل نفس فحاضت فيهما بنت إذا طهرت ولا تؤخر.
485 - وإذا صح المريض المعتكف، أو طهرت الحائض [في بعض النهار] ، رجعا تلك الساعة إلى معتكفهما وبنيا على ما تقدم، فإن أخرا ذلك ابتدءا الاعتكاف.
486 - ومن اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فخرج ثم صح قبل الفطر بيوم فليرجع إلى معتكفه فيبني، ولا يلبث يوم الفطر في معتكفه، [ويخرج] فإذا مضى يوم الفطر عاد على معتكفه. وقال ابن نافع عن مالك: يشهد العيد مع الناس(1/378)
ويرجع إلى المسجد ذلك اليوم لا إلى بيته ولا يعتد به.
487 - ويخرج المعتكف لغسل الجمعة أو الجنابة، ولا ينتظر غسل ثوبه وتجفيفه، ويستحب له أن يتخذ ثوباً غير ثوبه ليأخذه ويدع ثوبه إذا أصابته جنابة. (1)
488 - مالك: ولا بأس أن يخرج [المعتكف] فيشتري طعامه إذا لم يجد من يكفيه ذلك، ثم قال: لا أرى ذلك، وأحب إلي أن لا يدخل معتكقه حتى يفرغ من حوائجه. وقال عنه ابن نافع: لا يخرج لشراء طعام ولا غيره، ولا يدخل حتى يعد ما يصلحه، ولا يعتكف إلا من كان مكفياً حتى لا يخرج إلا لحاجة الإنسان، فإن اعتكف غير مكفي، جاز أن يخرج لشراء طعامه ولا يقف مع أحد يحدثه. قال ابن القاسم: ولا يمكث بعد قضاء حاجته شيئاً.
489 - وإن خرج يطلب حداً له، أو ديناً، أو أخرج فيما عليه من حد، أو دين فسد اعتكافه، وقال ابن نافع عن مالك: إن أخرجه قاض لخصومة أو غيرها
_________
(1) انظر: موطأ مالك (ص210) ، ومصنف عبد الرزاق (4/368) .(1/379)
كارهاً فأحبّ إلي أن يبتدئ اعتكافه، وإن بنى أجزأه، ولا ينبغي له إخراجه حتى يتم، إلا أن يتبين له أنه إنما اعتكف لواذاً فيرى رأيه.
490 - وليس لأحد أن يشترط في الاعتكاف ما بغير سنته، قال ابن شهاب: وإن شرط أن يطلع قريته اليوم واليومين فشرطه باطل.
491 - ويقبل المعتكف على شأنه، ولا يعرض لغيره مما يشغل به نفسه. وإن سكر ليلاً وصحا قبل الفجر، قال ابن شهاب: أو أحدث ذنباً مما نهي عنه فسد اعتكافه [وابتدأ] .
492 - مالك: ولا يعجبني أن يصلي على جنازة وهو في المسجد، قال عنه ابن نافع وإن انتهى إليه زحام المصلين عليها. ولا يعود مريضاً معه في المسجد إلا أن(1/380)
يصلي إلى جنبه فلا بأس أن يُسلّم عليه، ولا يقوم ليعزي أو يهنئ أو ليعقد نكاحاً في المسجد إلا أن يغشاه ذلك في مجلسه فلا بأس به. ولا بأس أن يتطيب ويَنْكِح ويُنْكَح. (1)
493 - قال مالك: ولا يشتغل في مجالس العلم، قيل له: أفيكتب العلم في المسجد؟، فكره ذلك، قال ابن نافع: في الكتاب إلا أن يكون الشيء الخفيف، وقال ابن وهب: وسئل مالك: أيجلس مجالس العلماء ويكتب العلم؟، فقال: لا يفعل إلا الشيء الخفيف، والترك أحب إلي.
494 - قال ابن القاسم: ولا بأس أن يشتري ويبيع الشيء الخفيف من عيشه الذي لا يشغله.
495 - ولا يأخذ من شعره وأظفاره، ولا يدخل إليه في ذلك حجام وإن جمعه وألقاه، وإنما كره ذلك لحرمة المسجد، ويعتكف في عَجُز المسجد، ولا باس أن يعتكف في رحابه. وكره مالك للمؤذن المعتكف أن يرقى على ظهر المسجد، واختلف قوله في صعوده المنار، فمرة قال: لا، ومرة قال: نعم، وجل قوله فيه الكراهية، وذلك رأيي.
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/370) من حديث ابن جريج عن عطاء بلفظ (لا بأس أن تنكح المجاورة المعتكفة في جوارها (معتكفها) .(1/381)
496 - ومن قال إن فعلت كذا وكذا فعلي اعتكاف شهر إن شاء الله لزمه إن فعل، ولا ثُنيا له في ذلك، ولا في طلاق أو عتق أو صدقة أو مشي إلا اليمين بالله فقط. وإن قال: إن كنت دخلت دار فلان فعلي اعتكاف شهر، ثم ذكر أنه دخلها لزمه الاعتكاف.
497 - ومن أذن لعبده أو امرأته في الاعتكاف، فليس له قطعه [عليهما] إذا دخلا فيه.
498 - وإن نذر عبد عكوفاً فمنعه سيده كان ذلك عليه إن عتق، وكذلك(1/382)
المشي والصدقة [إذا نذر ذلك، فلسيده منعه، فإن عتق يوماً ما لزمه ما نذر من مشي أو صدقة] إن بقي ماله ذلك بيده ولو أذن له السيد وهو رقيق ففعل ذلك أجزأه.
499 - وإن نذر مكاتب اعتكافاً يسيراً لا ضرر فيه على سيده فليس له منعه، وإن كان ذلك كثيراً يشغله ويضر بسيده فله منعه، إذ قد يعجز في اعتكافه فلا يقدر السيد أن يخرجه منه.
500 - وتعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبني أن تعتكف في مسجد بيتها، وإن طلقها زوجها أو مات عنها لم تخرج حتى تتم(1/383)
اعتكافها، ثم تتم باقي العدة في بيتها، قال ربيعة: وإن حاضت في العدة قبل أن ينقضي اعتكافها خرجت، فإذا طهرت رجعت لتمام اعتكافها، فإن سبق الطلاق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تحل.
501 - والذي يجب به الاعتكاف أن يدخل معتكفه وينوي أياماً، فما نوى من ذلك لزمه، وإن نذر أياماً يعتكفها لزمته.
502 - والجوار كالاعتكاف إلا من جاور نهاراً بمكة، وانقلب ليلاً إلى أهله فلا(1/384)
صوم عليه ولا يلزمه بدخوله ونيته حتى ينذره بلفظه [يعني إلا اليوم الأول فإنه يلزمه بالنية والدخول] ، وجوار مكة أمر يتقرب به إلى الله تعالى كالرباط والصيام، ومن نذر [جوار مسجد مثل] جوار مكة لزمه ذلك في أي البلدان كان، إذا كان ساكناً في ذلك البلد، ومن نذر صوماً بموضع يتقرب بإتيانه إلى الله عز وجل لزمه ذلك فيه، وليأته وإن كان من أهل مكة والمدينة.(1/385)
503 - ويعتكف أهل السواحل والثغور فيها، [يريد في مساجدها] ، إن كان زمان أمن لكثرة الجيوش أو لغير ذلك، وأما في زمان الخوف فلا، [مالك] : ومن اعتكف منهم في أمن ثم نزل الخوف خرج، فإذا أمن ابتدأ [ثم قال: يبني] .
504 - ومن نذر اعتكافاً فمات ولم يفعله، وأوصى أن يطعم عنه، فليطعم [عنه] عدد الأيام مُدّاً لكل مسكين، ولو نذره وهو مريض لا يستطيع الصوم ثم مات قبل صحته فأوصى بالإطعام إن لزمه فلا شيء عليه.
505 - قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال: أقل مدة الاعتكاف يوم وليلة، فسألته عنه فأنكره، وقال: أقله عشرة أيام وبه أقول. (1)
506 - ومن نذر اعتكاف يوم أو
_________
(1) قال سيدي أحمد الدرديري (وأحبه عشرة أيام) ، الشرح الصغير (1/255) .(1/386)
ليلة لزمه اعتكاف يوم وليلة.
507 - ومن نذر عكوف شهر أو ثلاثين يوماً فلا يفرق ذلك وليعتكف ليله ونهاره.
508 - ومن نذر اعتكاف شعبان أو حج عام بعينه فمرضه فلا شيء عليه، وإن فرط فعليه القضاء، وإن نذرت امرأة اعتكاف شعبان فحاضت فيه فإنها تصل القضاء بما اعتكفت قبل ذلك، فإن لم تصل ابتدأت.
509 - ومن نذر اعتكاف أيام التشريق كمن نذر صومها، يلزمه اليوم الرابع منها، وإن نذر اعتكاف أيام النحر فلا شيء عليه، إذ لا يحل صومها.
510 - ومن نذر عكوف شهر بمسجد الفسطاط فاعتكفه بمكة أجزأه، ولا يخرج(1/387)
إلى مسجد الفسطاط وليعتكف بموضعه، ولا يجب الخروج إلا إلى مكة والمدينة وإيلياء (1) ، وإن نذر الاعتكاف شهر بمسجد الرسول ÷ لم يجزه اعتكافه في مسجد الفسطاط، وإن نذر اعتكافاً أو صلاة في مسجد الرسول ÷ فليأته [للحديث الذي جاء] . (2)
511 - ولا يأتي المعتكف حاجة، ولا يخرج إليها، ولا يعين أحداً إلا أن يخرج إلى
_________
(1) إيلياء: اسم مدينة ببيت المقدس، حررها الله من العدوان، وهي لفظة عبرية، تعني: بيت الله، انظر: مراصد الاطلاع (1/138) .
(2) رواه البخاري (1189) ، ومسلم (1397) عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) .(1/388)
حاجة الإنسان، ولا يكون معتكفاً حتى يجتنب عيادة المريض والصلاة على الجنازة واتباعها وغير ذلك مما يجتنبه المعتكف، قال ابن نافع عن مالك: فإن شهد جنازة، أو عاد مريضاً، أو أحدث سفراً، صنع ذلك متعمداً، وجب عليه الابتداء، ولا ينفعه إن اشترط ذلك عند دخوله.
512 - ولا باس أن يعتكف من لا تلزمه الجمع في أي مسجد شاء، فأما من تلزمه فلا يعتكف إلا في [المسجد] الجامع، ولا يبيت إلا في المسجد الذي اعتكف فيه إلا أن يكون خباؤه في بعض رحابه.
513 - ولا يشتغل بشيء من التجارات ولا بأس أن يأمر من يكفيه أمر ضيعته وضيعة أهله ومصلحته وبيع ماله أمراً خفيفاً لا يشغله.
514 - مالك: ولم يبلغني أن أحداً من السلف اعتكف إلا أبا بكر بن(1/389)
عبد الرحمن [بن الحارث بن هشام] ، وليس بحرام، ولا أراهم تركوه إلا(1/390)
لشدته [عليهم] لأن ليله ونهاره سواء.
515 - وأكره أن يخرج لحاجة الإنسان في بيته للذريعة إلى النظر إلى أهله، والشغل بضيعته وليتخذ لذلك موضعاً يقرب منه في غير بيته، فأما الغريب فيخرج لذلك حيث تيسر عليه ولا يتباعد. ابن شهاب: ولا بأس أن يذهب المعتكف لحاجته تحت سقف بيته.
516 - ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان دخل معتكفه حين تغرب الشمس من ليلة إحدى وعشرين فيصلي [فيه] المغرب ثم يقيم، فإذا كان يوم الفطر فلا يخرج إلى بيته يلبس ثيابه، ولكن يؤتى بها المسجد فيلبس، ثم يخرج منه يشهد العيد، ويرجع من المصلى إلى أهله، وإنما يرجع إلى أهله حين يمسي من آخر(1/391)
اعتكافه من اعتكف وسط الشهر.
517 - وجائز أن تأتيه زوجته في المسجد فتأكل معه وتحدثه وتصلح رأسه ما لم يلتذ بشيء منها في ليل أو نهار، وجائز أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر، قال ابن نافع: وإن كان حكماً فلا يحكم إلا فيما خف. قال ابن نافع عن مالك: وإن خرج لحاجة الإنسان فلقيه ولده فقبله، أو شرب ماء وهو قائم، فما أحب له ذلك، وأرجو أن يكون في سعة.
518 -[مالك] : ولا يأكل أو يشرب إلا في المسجد أو في رحابه، وأكره أن يخرج منه ويأكل بين يدي بابه، ولا يأكل أو يقيل فوق ظهر المسجد، [قال عنه ابن وهب] : وأكره أن يقيم الصلاة مع المؤذنين، لأنه يمشي وذلك عمل، [وقال عنه ابن نافع] : ولا يمشي إلى ناس في المسجد ليصلح بينهم، أو ليعقد نكاحاً لنفسه أو لغيره، وإن كان ذلك في مجلسه ولا بأس به إذا كان خفيفاً. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الموطأ لمالك (ص208، 209) .(1/392)
ما جاء في ليلة القدر
519 - قال النبي عليه السلام: "التمسوا ليلة القدر في التاسعة والسابعة والخامسة". (1)
قال مالك: أرى - والله أعلم - أن التاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين.
قال ابن المسيب: من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها.
* * *
"تم كتاب الاعتكاف بحمد الله وعونه
يتلوه كتاب الزكاة بحول الله وقوته"
* * *
_________
(1) رواه مالك في موطأه (13) ، (209) ، والبخاري (2023) .(1/393)
(كتاب الزكاة (1) الأول)
520 - ولا زكاة في أقل من خمس أواق من الفضة (2) ، وأوقية الفضة أربعون درهماً، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، وليس في أقل من عشرين ديناراً زكاة، وفي العشرين [ديناراً] نصف دينار (3) ، وما زاد على ذلك، قل أو كثر، أخرج منه ربع عشره.
521 - ومن له مائة درهم وعشرة دنانير، أو مائة درهم وعشرة دراهم وتسعة دنانير فعليه الزكاة، ويخرج ربع [عشر] كل
_________
(1) معناها في اللغة الزيادة من زكا يزكو زكاءً بالمد إذا زاد بذاته كالزكاة بصفاته كالإنسان وانظر: الذخيرة للقرافي (3/5) ، والتفريع (1/274) ، والمعيار (1/430) ، والبيان والتحصيل (2/355) .
(2) رواه مالك (1) في الزكاة، والبخاري (1477) ، ومسلم (979) .
(3) رواه أبو داود (1573) ، وابن ماجة (1790) .(1/395)
صنف منها، ومن له مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه. وصرف الزكاة عشرة دراهم بدينار.
522 - ويجمع بين الفضة والذهب في الزكاة كما يجمع زكاة الماشية، الضأن إلى المعز، والجواميس إلى البقر، والبخت إلى العراب وهي في البيع أصناف مختلفة.
ومن له تبر مكسور ودنانير ودراهم وزن جميع ذلك عشرون ديناراً(1/396)
زكاة، ويخرج ربع عشر كل صنف، وله أن يخرج في الزكاة عن الدنانير ورقاً بقيمتها، وقال في باب بعد هذا: ويخرج عن الورق ورقاً أو قيمة ذلك ذهباً.
523 - ومن تجر بعشرة دنانير وصارت عشرين زكاها لتمام حول الأصل. وحول ربح المال حول أصله، كان الأصل نصاباً أم لا، كولادة الماشية.
قال ابن القاسم: وإذا مضى لعشرة دنانير عنده حول وأنفق خمسة، ثم اشترى بالخمسة الأخرى سلعة فباعها بخمسة عشر فلا شيء عليه حتى يبيعها بعشرين، وإن كانت النفقة بعد الشراء وباع السلعة بعد ذلك بستة أو أقل أو(1/397)
أكثر بخمسة عشر زكى عن عشرين.
وقال المغيرة وغيره: عليه الزكاة، [أنفق] قبل الشراء أو بعده، وإن لم يتم حول العشرة حتى اشترى منها السلعة ثم باعها فلا يزكي حتى يبيع بعشرين، كانت النفقة قبل الشراء أو بعد.
524 - ومن باع عشرة دنانير بعد حولها بمائتي درهم زكاها حينئذ، ولم يؤخر كمن باع ثلاثين ضانية حلوباً بعد الحول قبل مجيء الساعي بأربعين من المعز، وهي من غير ذوات الدر أو باع عشرين جاموساً بثلاثين من البقر أو(1/398)
باع أربعة من البخت بخمس من الإبل العراب، فإن الساعي يأخذ منها الزكاة إذا قدم.
525 - وإذا تم حول عشرين ديناراً عنده فلم يزكها حتى ابتاع بها سلعة فباعها لتمام حول ثان بأربعين زكى العام الأول نصف دينار، وزكى تسعة وثلاثين [ديناراً] ، ونصفاً لعامه هذا، إلا أن يكون عنده عرض يساوي نصف دينار، فيزكي عن عامه هذا أربعين. وإن باعها قبل تمام حول ثان بثلاثين، زكى نصف دينار عن السنة الأولى ثم استقبل بتسعة وعشرين ونصف حولاً من يوم حل حول العشرين.
526 - ومن اشترى بمال حل حوله ولم يزكه خادماً فمات، أو فرط فيه حتى ضاع فعليه الزكاة، وإن لم يفرط حتى ضاع كله أو بقي منه تسعة عشر ديناراً فلا زكاة عليه.
* * *(1/399)
زكاة الحُلِيّ
527 - ولا زكاة فيما اتخذه النساء من الحلي ليكرينه أو ليلبسنه، ولا فيما اتخذه الرجل منه للباس أهله وخدمه، والأصل [له] ، ولا فيما انكسر [منه] فحبسه لإصلاحه. (1)
528 - وما ورث الرجل من الحلي فحبسه ينوي به التجارة، أو لعله يحتاج إليه في المستقبل، ولم يحبسه للباس، فليزك وزنه كل عام، إن كان فيه ما يزكى، أو كان عنده من الذهب والورق ما تتم به الزكاة، وليس في حلية السيف والمصحف والخاتم زكاة.
529 - ومن اشترى حلياً للتجارة وفيه الذهب والفضة والياقوت والزبرجد
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/474) .(1/400)
واللؤلؤ فحال حوله وهو غير مدبر زكى وزن الذهب والورق، ولا يزك الحجارة حتى يبيع.
530 - وإن كان مدبراً زكى قيمة الحجارة في شهره الذي يقوّم فيه ويزكي وزن الذهب والفضة ولا يقوّمه.
531 - وروى ابن القاسم وعلي وابن نافع [أيضاً] : إذا اشترى رجل حلياً أو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج باع، أو لتجارة [زكاه] .
وروى أشهب معهم فيمن اشترى حلياً للتجارة وهو مربوط بالحجارة ولا يستطيع نزعه، فلا زكاة عليه حتى يبيعه، وإن لم يكن مربوطاً فهو كالعين يزكيه(1/401)
كل عام.
وقال أشهب وابن نافع في روايتهما: إنه كالعرض يشتري للتجارة، فالمدبر يقوم جميعه، وغير المدبر لا يزكيه حتى يبيع فيزكي ثمنه لعام واحد.
وإن ابتاع مدبر آنية ذهب زكى وزنها لتمام الحول لا قيمتها وإن كثرت، فإن كان وزنها لا تجب فيه الزكاة وحال عليه عنده حول ولا مال له غيره، فلا زكاة عليه فيه إلا أن يبيعه بعد الحول بما يجب فيه الزكاة فيزكي الثمن مكانه.(1/402)
532 - وليس على عبد أو من فيه بقية رق زكاة في عين ولا حرث ولا ماشية ولا فيما يدير للتجارة، ولا في شيء من الأشياء، ولا على السيد [أن يزكي] عنه، ولا يزكي ما معه من مال حتى يحول عليه الحول [وهو] في يديه من يوم عتق، ولا زكاة على السيد فيما قبض منه إلا بعد حول من يوم قبضه.
533 - وتجب الزكاة على الصبيان واليتامى والمجانين في العين والحرث والماشية وفيما يديرون للتجارة. (1)
534 - ومن اشترى نوعاً من التجارة مثل الحنطة في وقتها ينتظر بها الأسواق وليس بمدبر
_________
(1) أوجز المصنف إيجازاً بالغاً في كلامه على زكاة الصبيان والمجانين وانظر: مصنف ابن أبي شيبة (2/379) ، والموطأ (11، 13) ، ومصنف عبد الرزاق (4/72) .(1/403)
فبارت عليه وأقامت أحوالاً فلا زكاة عليه فيها حتى يبيع فيزكي زكاة واحدة.
535 - علي عن مالك: وكذلك من له دين تجب فيه الزكاة فقبضه بعد سنين فليس عليه فيه إلا زكاة واحدة، ولو كانا يزكيان لأخرج عن العرض عرضاً، وعن الدين ديناً، لأن السنة أن تخرج صدقة كل مال منه، وإنما قال النبي ÷: "الزكاة في العين والحرث والماشية" (1) ، فليس في العرض شيء حتى يصير عيناً.
536 - ومن كانت عنده دابة للتجارة فاستهلكها رجل فأخذ منه بقيمتها سلعة، فغن [كان] نوى بها التجارة زكى ثمنها ساعة يبيعها إن كان مضى لأصل ثمن الدابة حول من يوم زكاه، وإن نوى بها القنية (2) فلا
_________
(1) رواه مالك في الموطأ، (3 - الزكاة) .
(2) أي الجمع.(1/404)
شيء عليه، وإن باعها، [حتى يحول الحول على ثمنه] من يوم باعها، وإن أخذ في قيمتها عيناً زكاه ساعة يقبضه إن كان حال على الأصل حول [وهو ثمن الدابة المستهلكة] ، فإن لم يمض له حول ثم اشترى به سلعة ينوي بها التجارة فهي للتجارة، فإن نوى بها القنية فهي للقنية، ولا زكاة عليه في ثمنها إن باعها إلا بعد حول من يوم يقبضه.
537 - ومن باع سلعة عنده للتجارة بعد حول بمائة دينار فليزكها إذا قبضها مكانه، فإن أخذ بالمائة قبل قبضها ثوباً قيمته عشرة دنانير فلا شيء عليه في الثوب حتى يبيعه، فإن باعه بعشرة دنانير فلا شيء عليه إلا أن يكون له مال قد جرت فيه الزكاة إذا أضافه إلى العشرة كانت فيهما الزكاة، وإن باعه بعشرين أخرج(1/405)
نصف دينار.
538 - ومن اشترى عبداً للتجارة فكاتبه فاقتضى منه مالاً ثم عجز أو ارتجع من مفلس سلعته أو أخذ من غريمه عبداً في دينه أو ابتاع داراً للتجارة فاغتلها ثم باعها، فإن ذلك كله يرجع إلى أصلح للتجارة.
540 - ومن اكترى أرضاً واشترى طعاماً فزرعه فيها للتجارة، اخرج زكاته يوم حصاده، فإذا تم له عنده حول من يوم أدى زكاة حصاده قومه، إن كان مدبراً وله مال عين سواه، وإن لم يسكن مدبراً فلا تقويم عليه، فإذا باعه بعد حول زكى الثمن، وإن باعه قبل حول من يوم أدى زكاته تربص، فإذا تم له حول وهو في يديه وفيه ما تجب فيه الزكاة زكى، وإن اكنزاها وزرعها بطعامه أو كانت [الأرض] له فزرعها للتجارة زكى الزرع إذا حصده العشر أو نصفه، ولا زكاة عليه في(1/406)
ثمن الحب إذا باعه، إلا بعد حول من يوم يقبضه.
541 - ومن ابتاع عرضاً للتجارة ثم اقتناه سقطت عنه زكاة التجارة.
542 - والمدبر الذي لا يكاد يجتمع ماله كله عيناً كالحنّاط (1) ، والبزاز (2) ، والذي يجهز الأمتعة إلى البلدان فليجعل لنفسه من السنة شهراً يقوّم فيه عروضه التي للتجارة فيزكي ذلك مع ما معه من عين وماله ومن دين يرتجى قضاؤه، وكذلك إن تأخر بيع عروضه وقبض دينه عاماً آخر فليزكه أيضاً.
543 - ويقوّم [رقاب] النخل إذا ابتاعها للتجارة، ولا يقوم الثمرة لأن فيها زكاة
_________
(1) الحناط: بائع الحنطة، الوسيط (حنط 2/209) .
(2) البزاز: بائع الثياب، الوسيط (بزز 1/56) .(1/407)
الخرص ولأنها غلة كخراج الدار، وغلة العبد وصوف الغنم ولبنها وذلك كله فائدة وإن كان رقابها للتجارة، ولا يقوم مالاً يرتجيه من دينه [كان دينه عرضاً أو غيره، وإنما يقوم ما يرتجيه من ذلك] .
544 - وإن كان غير مدبر فلا زكاة في عرض حتى يبيعه، ولا في دين حتى يقبضه.
وإن نض للمدبر (1) في السنة درهم واحد في وسطها أو في طرفيها قوم عروضه لتمامها وزكى، وإن لم ينض له شيء في سنته فلا تقويم عليه، ثم إن نض له شيء بعد ذلك، وإن قل، قوم وزكى، وكان من يومئذ حوله وألغى الوقت الأول.
* * *
_________
(1) نضّ الشيء: حصل وتيسر عليه، الوسيط (نضض 2/966) .(1/408)
في زكاة الدَّين
545 - ومن حال حول على مال عنده فلم يزكه حتى أقرضه ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين.
546 - ومن له على رجل دين من قرض أو بيع مضى له حول فاقتضى منه مالاً زكاة فيه في مرة أو مراراً، فلا يزكيه حتى يجتمع ما [تجب] فيه الزكاة فيزكيه يومئذ، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره أنفق الذي زكى أو أبقاه.(1/409)
[وإن كانت عنده مائة دينار مضى لها حول فلم يفرط في زكاتها حتى ضاعت إلا تسعة عشر ديناراً، لم يكن عليه فيها زكاة] ، وإن كان معه عشرون ديناراً لم يتم حولها فاقتضى من دينه أقل من عشرين، لم يزك شيئاً من المالين حتى يتم حول العشرين، فإذا حلّ زكاها وما كان اقتضى جميعاً، ولو لم يقبض من دينه شيئاً حتى زكى العشرين لتمام حولها ثم تلفت أو بقيت، زكى قليل ما يقتضي من دينه وكثيره، ولو تلفت العشرون قبل حولها لم يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم عشرين ديناراً، لأن العشرين كانت [له] فائدة من غير الدين، وقد كان ملكه للدين قبل الفائدة.
547 - ومن أفاد مائة دينار فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها بدين إلى أجل، فإن بقيت الخمسون الأخرى بيده حتى يتم حولها فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها، فليزك قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره، ولو تلفت الخمسون قبل حولها أو أنفقها فلا يزك ما يقتضي من دينه حتى يتم ما اقتضى عشرين ديناراً، إلا أن يقتضي من دينه عشرة دنانير وعنده عشرة أخرى وقد مضى لها حول، فليزك جميع ذلك(1/410)
إلا أن يكون [قد زكى ما عنده فلا يزك غير العشرة التي اقتضاها] ، وإذا لم يكن عنده مال غير العشرة التي اقتضاها فأنفقها ثم اقتضى عشرة أخرى بعدها زكى عن عشرين، لأنهما مال واحد تم له حول، ثم يزكي قليل ما يقتضي بعد ذلك وكثيره ولو درهم واحد.
548 - ولو بقي معه من الخمسين ما لا تجب فيه الزكاة حتى تم حوله فأنفقه أو أبقاه فإنه إذا اقتضى تمام عشرين زكى عن عشرين ثم عن قليل ما يقتضي وكثيره، ولو أنفقه قبل الحول أو اقتضى من دينه شيئاً قبل حوله فأنفقه، لم يضف ما يقتضي بعد الحول إلى ذلك، ولا يزكي حتى يقبض عشرين مبتدأة.
549 - ومن له دين على ملئ يقدر على أخذه منه، أو على مفلس لا يقدر على أخذه منه، فأخذه بعد أعوام فإنما عليه زكاة عام واحد.(1/411)
ومن تطوع بإخراج زكاة عن دينه قبل قبضه وعن عرض قبل بيعه وقد تم حولهما لم يجزه وليتطوع في غير هذا.
* * *(1/412)
باب جامع في الفائدة والغلة والاقتضاء
550 - ومن أفاد خمسة دنانير ثم أفاد قبل تمام حولها بيوم من غير ربحها ما فيه الزكاة، أو ما يكون مع الأول فيه الزكاة، فحول المالين من يوم أفاد آخر الفائدتين، فإن كان الأول فيه الزكاة والثاني مما فيه الزكاة أم لا، فكل مال على حوله ما دام في جملتها ما تجب فيه الزكاة، فإن رجعا إلى ما لا زكاة فيه إذا جمعا بطل وقتاهما ورجعا كمال واحد لا زكاة فيه، ثم إن أفاد من غيرهما [ما يتم به معهما ما] فيه الزكاة استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد المال الثالث، ولم تجر في بقية المال الأول أو الآخر أو فيهما فصار فيهما مع ما ربح فيهما أو في أحدهما قدر ما تجب فيه الزكاة إذا اجتمعا رجع كل مال على حوله.
وإذا أفاد خمسة دنانير ثم أفاد بعد ستة أشهر خمسة أخرى فتجر في الخمسة الأولى فصارت بربحها عشرين زكى كل فائدة لحولها، وإن تجر في الخمسة الثانية(1/413)
قبل تمام حولها فربح فيها خمسة عشر ديناراً فأكثر أضاف الخمسة الأولى إلى حول الثانية.
وإن أفاد عشرة دنانير فأقرضها ثم أفاد خمسين فحل حولها فزكاها ثم أتلفها ثم اقتضى العشرة أو ديناراً منها زكى ما اقتضى.
551 - وإذا زكى غير المدبر ماله فلينظر إلى ما كان له قبل أن يفيد هذا المال الذي زكاه من الديون التي على الناس، وما بيده مما لا تجب فيه الزكاة، فما كان بيده ناضاً زكاه مع هذا، وما كان من دين أخره فإذا قبضه أو درهماً منه زكاه.
ومن أفاد ما تجب فيه الزكاة ثم أفاد بعد ستة أشهر ما لا زكاة فيه فزكى الأول لحوله ثم أنفقه قبل حول الثاني، فإذا حلّ حول الثاني لم يزكه إلا أن يكون عنده مال أفاده معه أو قبله وبعد الأول وهو بيده لم يتلفه، وفي هذا الأوسط(1/414)
مع المال الثالث ما فيه الزكاة فليزكهما لحول أحدهما، وإن لم يكن في جملة ذلك ما فيه الزكاة لم تلزمه زكاة.
ثم إن أفاد مالاً رابعاً فيه مع ما بيده ما فيه الزكاة فليزك جميع ما بيده لتمام حول المال الرابع إلا هن يكون فيه مال قد زكاه على حوله قبل أن تجب الزكاة في الفائدة الأخرى فلا يزكيه ثانية إذ لا يزكى مال واحد مرتين في حول.
ومن أفاد عشرين ديناراً ثم بعد أشهر أفاد عشرة فزكى العشرين لحولها فنقصت فإن حلّ حول العشرة والعشرون كما هي أو بقي منها عشرة دنانير فأكثر زكى كل مال على حوله.
552 - ومن أقرض رجلاً مائة دينار، فأقامت عنده أحوالاً، ثم أفاد عشرة دنانير فلا يزكيها لتمام حولها، لأنه لا يدري أيقبض من دينه شيئاً أم لا، فإن أنفق العشرة بعد حولها، أو أبقاها ثم اقتضى من دينه عشرة زكاها مع العشرة الفائدة، ويصير(1/415)
حولهما واحداً من يوم زكاهما ثم يزكي قليل ما يقتضي [بعد ذلك] من دينه وكثيره ويصير حول ما اقتضى من يوم يزكيه.
553 -[ومن] كاتب عبده على دنانير أو غنم أو بقر فقبضها منه بعد حول فلا يزكيها حتى تقيم عنده حولاً بعد قبضها.
ومن أفاد مالاً عيناً من دية أو هبة أو صدقة [أو ميراث] فقبضه بعد أحوال فليستقبل به حولاً بعد قبضه ثم يزكيه لعام واحد، وإن كانت عروضاً أفادها بما ذكرنا، أو اشتراها للقنية، داراً كانت أو غيرها، فقبضها ثم باعها بعد أعوام فمطل بالثمن سنين، فلا زكاة عليه فيها ولا في ثمنها حتى يقبض الثمن، ثم يستقبل به حولاً من يوم قبضه ويزكيه لعام واحد.
554 - ولو أسلف ناضاً كان معه أو باع سلعة عنده للتجارة فمطل بالثمن سنين ثم(1/416)
قبضه زكاه مكانه زكاة واحدة.
ومن كان له على رجل دين له أخوال وهو قادر على أخذه منه فوهبه له فلا زكاة [فيه] على ربه ولا على الموهوب له حتى يتم له عنده حول من يوم وهب له، وهذا إذا لم يكن للموهوب له مال غيره، فإما إن كان له عرض سواه فعليه زكاته وهب له أم لا. [وقال غيره: عليه زكاته إذا وهب له، كان له مال أو لم يكن] .
555 - وما ورث الرجل من السلع فنوى بها التجارة، لم تكن بنيته(1/417)
للتجارة ولا زكاة عليه فيه حتى يبيعه ويستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وإن ورث حُليّاً مصوغاً فنوى به التجارة، وزكى وزنه لتمام حوله، وإن نوى به القنية لم يزكه، وإن ورث آنية ذهب أو فضة أو وهبت له فليزك وزنها لا قيمتها، نوى بها التجارة أو القنية، إذ ليست مما أبيح اتخاذه.
556 - وغلة الدور والدواب والرقيق فائدة وإن ابتيعت الغلة. وإجارة الأجير فائدة يستقبل بها حولاً بعد القبض، وكذلك ما فضل بيد المكاتب بعد عتقه لا يزكيه إلا بعد حول بعد عتقه.
557 - وتستقبل المرأة بصداقها حولاً من يوم تقبضه كان عيناً أو ماشية مضمونة، وإن(1/418)
قبضته بعد أحوال لأنه فائدة، وضمانه كان من الزوج، فأما [إن كان] ماشية بعينها أو نخلاً بعينها فاثمرت فزكاتها عليها أتى الحول وهي عند الزوج أو عندها، لأن ضمانها [كان] منها، ولو قبضت ذلك بعد حول زكته مكانها ولم تؤخره.
558 - وإذا باع القاضي داراً لقوم ورثوها، ووقف ثمنها حتى يقسم بينهم، ثم قبضوه بعد أعوام، فلا زكاة عليهم فيه إلا بعد حول من يوم قبضوه.
وكذلك من ورث مالاً بمكان بعيد فقبضه بعد سنين، فليستقبل به حولاً بعد قبضه، وإن بعث في طلبه رسولاً بأجر أو بغير أجر فليحسب له حولاً من يوم يقبضه رسوله فيزكيه، وإن لم يكن يصل إليه بعد.
وكذلك الوصي يقبض للأصاغر عيناً أو ثمن عرض باعه لهم، فليزك ذلك العين لحول من يوم قبضه الوصي، وإن كان الورثة صغاراً وكباراً لم يكن قبض الوصي قيضاً للصغار ولا للكبار حتى يقتسموا، فليستقبل الكبار(1/419)
[بحصتهم] حولاً بعد قبضه، ويستقبل الوصي للصغار بحصتهم حولاً من يوم القسم، وأما من ورث ماشية تجب فيها الزكاة، أو نخلاً فأثمرت وهي في يدي وصي أو غيره، فإن الساعي يأخذ صدقتها كل عام علم الوارث بها أم لا، بخلاف العين.
559 - وصوف الغنم إذا اشتراها للتجارة فجزها، ولبنها وسمنها فائدة يستقبل بثمنه حولاً بعد قبضه، وكذلك كراء المساكن والعبيد إذا ابتاعهم للتجارة.
560 - وإن ابتاع نخلاً للتجارة فأثمرت ثم جذها فأدى منها الصدقة ثم باع الأصل، فليزك ثمنه إذا قبضه لتمام حول من يوم زكى الثمن الذي ابتاعه به، وإن باع الثمرة فهي فائدة يستقبل بثمنها حولاً بعد قبضه فيصير حول الثمرة على(1/420)
حدة، وحول الأصل على حدة.
* * *(1/421)
في زكاة المِديان (1)
561 - ومن معه مال حلّ حوله وعليه دين فليجعل دينه في عروضه وداره وسرجه وخاتمه وسلاحه، وفي كل ما يبيعه عليه الإمام في دينه، والإمام يبيع عليه إذا فُلّس عروضه كلها إلا ما لا بد له [منه] من ثياب جسده ويترك له ما يعيش به [هو] وأهله الأيام، ويبيع عليه ثوبي جمعته إن كانت لهما قيمة، فإن لم يكن لهما تلك القيمة فلا.
562 - ويجعل دينه في قيمة رقاب مدبره، وفي قيمة كتابة المكاتبين تقوّم الكتابة بعرض ثم يقوّم العرض بعين، فإن بقي عليه بعد ذلك [شيء من دينه جعله فيما بيده من العين، فإن بقي له بعد ذلك] عشرون ديناراً فصاعداً زكى، وإلا لم يزك شيئاً، ويجعل الدين الذي عليه فيما له من دين، إن كان يرتجيه وإلا فلا، ولا
_________
(1) هو الكثير الدّين الذي عليه الديون - عافانا الله - وهو مفعال من الدين للمبالغة، انظر: نهاية ابن الأثير (2/150) .(1/422)
يجعل دينه في قيمة عبده الآبق، لأن بيعه لا يجوز.
563 - ويسقط زكاته مهر امرأته، وزكاة فرط فيها من حرث أو ماشية أو عين، وكذلك إن كان عليه إجارة أجراء عملوا له قبل الحول [أو كراء إبل وجب عليه قبل الحول] فإنه يسقطها كما يسقط الدين.
564 - وتحاصّ المرأة بمهرها الغرماء في الموت والفلس، وتسقط زكاة العين نفقة الزوجة، كانت بقضية أو بغير قضية، ويلزمه ما أنفقت على نفسها في يسره، كان حاضراً أو غائباً ما أنفقت من عندها أو تسلفت، وإن كان معسراً لم يضمن لها ما أنفقت.
565 - ولا تسقط الزكاة ما يجب للأبوين والولد الصغير من النفقة إذ لا تجب(1/423)
لهم حتى يبتغوها، وإن أنفقوا ثم طلبوا لم يلزمه ما أنفقوا وإن كان موسراً، وإن فرض القاضي للأبوين نفقة معلومة فلم يأخذاها شهراً فحل الحول وهي عليه لم تسقط عنه الزكاة بذلك، وأشهب يسقطها لنفقتهما إن كان بقضية، ويجعل الولد كالزوجة، ويعد الولد والزوجة بما تسلفا في يسره من النفقة، وتسقط عنه الزكاة [بذلك] كان بقضية أو بغير قضية، لأن نفقة الولد لم تسقط عن الأب المليء [مذ كانوا] حتى يبلغوا، ونفقة الأبوين كانت ساقطة عنه، وإنما تلزمه بالقضاء.
* * *(1/424)
في زكاة القراض (1)
567 - ولا بأس بالقراض على أن على رب المال أو العامل زكاة الربح، ولا يجوز اشتراط زكاة المال على العامل [ويجوز اشتراط زكاة الربح خاصة عليه] .
568 - ويجوز في المساقاة اشتراط الزكاة على رب الأصل.
ولا يزكي العامل ما بيده [من القراض] ، وإن أقام أحوالاً حتى ينبض المال ويحضر ربه ويقتسماه.
569 - وإذا عمل بالمال سنة ثم اقتسما فكان في المال ما وجب لرب المال بربحه ما فيه الزكاة، فالزكاة عليهما، كان في حظ العامل ما فيه الزكاة أم لا، وغن سقطت الزكاة عن رب المال لدين عليه فلا زكاة على العامل في حصته، وإن نابه ما فيه
_________
(1) هو لغة من القرض والقطع، ويُسمى مضاربة ومقارضة، وانظر: معجم المصطلحات (3/78) ، والشرح الصغير (1/227) .(1/425)
الزكاة، فإن كان على العامل وحده دين يغترق [فيه] ربحه فلا زكاة عليه إلا أن يكون عنده عرض يجعل دينه فيه.
570 - والعامل في المساقاة إذا نابه في حصته من الثمرة أقل من خمسة أوسق زكاه.
571 - وإذا عمل المقارض بالمال أقل من حول ثم اقتسما [وفيما نابه ما فيه الزكاة] فزكى رب المال لتمام حوله فلا يزكي العامل ربحه حتى يحول حوله من يوم اقتسما، ولو كان رب المال عبداً مأذوناً له لم يزك العامل، وإن عمل حولاً ونابه ما فيه الزكاة، وليأتنف بحصته حولاً.
* * *(1/426)
في أخذ الزكاة من تجار المسلمين
572 - وتؤخذ من تجار المسلمين الزكاة تجروا ببلادهم أو بغيرها، ويسألهم الإمام إذا كان عدلاً عما عندهم من ناض، وإن لم يتجروا، ولا يبعث في ذلك أحداً، وإنما ذلك على أمانة الناس، إلا أن يعلم الإمام أن أحداً لا يؤدي زكاته فيأخذها منه كرهاً ولا ينصب لهذا المكس (1) أحداً.
573 - ومن تجر من المسلمين من بلد إلى بلد لم يؤخذ منه الزكاة [في السنة] إلا مرة واحدة بخلاف أهل الذمة في هذا، ومن تجر ومن لم يتجر إنما عليه الزكاة في كل سنة مرة.
574 - ومن خرج من مصر إلى المدينة بتجارة فلا يقوّم عليه ما في يديه لتؤخذ منه الزكاة، ولكن إذا باع أدى الزكاة، ولا يقوّم أيضاً على أهل الذمة ولكن إذا
_________
(1) المكس: بمعنى الجباية والضريبة.(1/427)
باعوا أخذ منهم العشر.
575 - ومن قدم بتجارة من المسلمين فقال: هذا الذي معي مضاربة أو بضاعة أو عليّ دين، أو لم يحلّ على ما عندي حول، صدق ولم يحلف.
576 - وإذا تجر الذمي من أعلى بلده على أسفله ولم يخرج إلى غيره لم يؤخذ منه شيء، ولا يؤخذ منه [زكاة] عين أو حرث أو ماشية إلا الجزية صَغاراً لهم.
577 - وإن خرج من بلده إلى غيرها من بلاد المسلمين تاجراً، ومعه بز أو غيره، فلا يؤخذ منه شيء حتى يبيع فيؤخذ منه عشر الثمن، باع بأقل من مائتي درهم أو(1/428)
أكثر، وكذلك لو قدم مائة مرة في السنة، ولا تكتب لهم براءة إلى الحول كما تكتب للمسلمين، ثم إن اشترى [بالثمن شيئاً] بعد ذلك وباع فلا شيء عليه، وإن لم يبع متاعه ورجع به إلى بلده، أو إلى بلد آخر فذلك له، ولا يؤخذ منه شيء، وإن قدم بعين فاشترى به سلعة أخذ منه عشر السلعة مكانه، فإن باعها بعد ذلك وأقام سنين يبيع ويشتري ثم أراد السير إلى بلده أم لا فلا شيء عليه.
578 - وإن أكرى ذمي إبله من الشام إلى المدينة فلا شيء عليه، وإن أكراها بالمدينة راجعاً إلى الشام أخذ منه عشر الكراء بالمدينة. وإذا تجر عبيد أهل الذمة أخذ منهم العشر مثل ساداتهم.
579 - وأهل الحرب إذا نزلوا بتجارة أخذ منهم ما صولحوا عليه، وقاله ابن نافع،(1/429)
وروى علي بن زياد: أن عليهم العشر. (1)
580 - وتؤخذ الجزية ممن دان بغير الإسلام، ولا تُضاعف الجزية على [نصارى] بني تغلب ولا غيرهم، ولا جزية على نصراني أعتقه مسلم، فإن أعتقه
_________
(1) انظر: الموطأ مع المنتقى (2/178) .(1/430)
ذمي كانت عليه.
581 - ومن أسلم منهم وعليه جزية سنين، أو أسلم أهل حصن بعد أن صولحوا على هدنة يؤدونها سنين فقد أسقط ذلك عنهم الإسلام، والمال الذي هودنوا عليه مثل الجزية.
وإذا أسلم أحد من أهل الصلح سقطت الجزية عنه وعن أرضه، وكانت أرضه(1/431)
له، وإن كان من أهل العنوة لم يكن له أرضه ولا ماله ولا داره، وأسقطت عنه الجزية.
582 - وإذا غلب خوارج على بلد أعواماً فلم يؤدوا زكاة فليأخذهم الإمام إن ظهر عليهم بزكاة ما تقدم للحرث والماشية وغيرها، قال أشهب: إلا أن يقولوا قد أدينا ما قبلنا فلا يأخذهم إلا بزكاة عام ظهوره لأنهم متأولون بخلاف الهارب. ولا ينبغي إخراج زكاة شيء من عين أو حرث أو ماشية قبل وجوبه إلا أن(1/432)
قبل الحول بيسير فيجزيه، ولا يجزيه فيما بهد، ويُستحب له أن لا يفعل حتى يحول الحول.
583 - وإن عجل زكاة الماشية لعامين لم يجزه، وأخذه المصّدّق بزكاة ما يجد عنده، وإذا كان الإمام يعدل لم يسع لأحد أن يفرق زكاة ماله الناض ولا غيره، وليدفعه إلى الإمام، وأما زكاة الماشية وما أنبتت الأرض فإن الإمام يبعث في ذلك.
584 - وإذا غلب خوارج على بلد فأخذوا من الناس الزكاة والجزية لم تؤخذ منهم ثانية وأجزأتهم.(1/433)
585 - مالك: ومن حلّ عليه حول بغير بلده زكى عن ما معه، وعن ما خلف ببلده، وكذلك إن خلف ماله كله ببلده [فليستلف وليؤد] إلا أن يخاف الحاجة ولا يجد سلفاً فليؤخر إلى بلده، وإن وجد من يسلفه فليخرج زكاته أحب إلي، وقد كان يقول: يقسم في بلده. وقال أشهب: إذا كان ماله ببلده، وكان يقسم ببلده عاجلاً عند حلوله وشبه ذلك فلا يقسمها في سفره وقسمته ذلك في بلده أفضل إلا أن يكون بموضع هو به في سفره حاجة مفدحة، فليزكه هناك أحب إليّ إذا كان يجد ذلك، إلا أن يخشى أن تؤدى عنه زكاته ببلده فليس ذلك عليه.
* * *(1/434)
القول في زكاة المعادن والركاز
586 - ولا زكاة فيما يخرج من المعدن من ذهب أو فضة حتى يبلغ وزنه ما تجب فيه الزكاة فيزكيه، ثم ما اتصل بعد ذلك خروجه مما قلّ أو كثر أخذ منه ربع عشره كالزرع، إلا أن ينقطع [ذلك] النيل ويأتنف بعد ذلك بشيء آخر فيكون كابتدائه، وهذا فيما يتكلف بعمل. (1)
587 - وأما الندرة (2) من ذهب أو فضة أو الذهب النابت يوجد بغير عمل أو بعمل يسير ففيه الخمس كالركاز، وما ينال من ذلك بتكلف ومؤنة ففيه الزكاة.
_________
(1) قال ابن الجلاء: ووفى معادن الذهب والورق الزكاة، إذا بلغ ذلك نصاباً وكان نيله متصلاً به، فيزكى عن أخذه، ولا ينتظر به حولاً بعده، ومن استخرج من معدن نصاباً من ذهب أو ورق، وعليه دين مثله، فالزكاة عليه واجبة، وانظر: التفريع (1/278) .
(2) النّدْرة: القطعة من الذهب والفضة، الوسيط (ندر/2/947) .(1/435)
588 - ولا يسقط الدين زكاة المعدن كالزرع، ويفرق على الفقراء كالزكاة لا كالفيء.
589 - ولا زكاة في معادن النحاس والرصاص والحديد والزرنيخ وشبهه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب أو البربر فالإمام يليها ويقطعها لمن رأى، ويأخذ زكاتها سواء ظهرت في الجاهلية أو بعد الإسلام، وما ظهر منها في أرض الصلح فهي لأهل الصلح دون الإمام، ولهم أن يمنعوها من الناس أو يأذنوا لهم فيها، وما ظهر منها في أرض العنوة فهو إلى الإمام [يصنع فيها ما شاء ويقطع لمن يعمل فيها] .
590 - وكره مالك حفر قبور الجاهلية والطلب فيها، [قال ابن القاسم:](1/436)
ولست أراه حراماً، وما وجد فيها من مال [الجاهلية] ففيه الخمس.
591 - والركاز دفن الجاهلية من ذهب أو فضة، فما وجد بأرض العرب كاليمن والحجاز وفيافي الأرض، فهو لمن وجده وعليه فيه الخمس، كان كثيراً أو قليلاً، وإن نقص عن مائتي درهم، أصابه غني أو فقير أو مديان، قال مالك: ناله بعمل أو بغير عمل.
592 - وقال أيضاً مالك في موضع آخر: سمعت أهل العلم يقولون في الركاز: إنما هو دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال أو يتكلف فيه كثير عمل، فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز وهو الأمر عندنا، وما أصيب من دفن الجاهلية من الجوهر والحديد(1/437)
والنحاس [والرصاص] وشبهه. فقال مالك مرة: فيه الخمس، ثم قال: لا خمس فيه ثم قال: فيه الخمس، وبه أقول، ولم يختلف قوله قط فيما أصيب من ذهب أو فضة انه ركاز وفيه الخمس. (1)
593 - وما وجد من ركاز ببلد العنوة فهو لجميع من افتتحها، وليس هو لمن وجده دونهم وفيه الخمس، وإن وجد بأرض الصلح فهو للذين صالحوا على أرضهم ولا يخمس، وإن وجد في دار أحدهم فهو لجميعهم، إلا أن يجده رب الدار فيكون له خاصة إلا أن يكون رب الدار ليس من أهل الصلح فيكون [ذلك]
_________
(1) انظر: المعونة على مذهب عالم المدينة، (1/378) لعبد الوهاب البغدادي.(1/438)
لأهل الصلح دونه، وإن وجد ببلاد الحرب فهو لأهل الجيش [لأنه إنما نال ذلك بهم] .
594 - ومن حال الحول على فلوس له قيمتها مائة درهم فلا زكاة عليه فيها إلا أن يكون مدبراً فيقومها كالعرض.(1/439)
595 - ولا زكاة في [اللؤلؤ ولا في الجوهر ولا في العنبر ولا زكاة في] التوابل والزعفران والكرسف والعصفر، وليس في الجوز واللوز [والتين] وما ييبس ويدخر من الفواكه، ولا في الخضر كلها والبقول، ولا في ثمن شيء من ذلك حتى يستقبل به حولاً بعد قبضه.
596 - وليس الزكاة إلا في العنب والتمر والزيتون والحب والقطنية.
597 - ومن لم يجد إلا صنفاً واحداً ممن ذكر الله تعالى في كتابه أجزأه أن يجعل زكاته(1/440)
فيهم، وإن وجد الأصناف كلها آثر أهل الحاجة منهم، وليس في ذلك قسم مسمى. قال الشعبي: لم يبق من المؤلفة قلوبهم أحد.
598 - ومن له دار وخادم لا فضل في ثمنهما عن سواهما أعطي من الزكاة، وإن كان(1/441)
فيهما فضل [ليسر فيه] لم يعط، ويعطى منها من له أربعون درهماً، إن كان أهلاً لذلك لكثرة عيال ونحوه، ولا يعطى منها من له ألف وعليه ألفان وله دار وخادم يساويان ألفين، ولو أدى الألف في دينه [وبقيت عليه ألف] ، وليس في الدار والخادم فضل عن سواهما مما يغنيه، أعطي وكان من الفقراء والغارمين، ويؤثر بالزكاة أهل الحاجة ولا يرضخ لغيرهم ممن لا يستحقها.
599 - ولا يرفع الإمام من جميع الزكاة شيئاً إلى بيت المال، وليفرقها بموضع جبيت فيه، فإن لم يجد في الموضع من يفرقها عليهم أو فضل عنهم شيء، نقل ذلك إلى أقرب البلدان إليهم، وإن بلغ الإمام عن أهل بلد شدة وحاجة فليعط الإمام أهل البلد الذي جبي فيه ذلك المال [منه] ، ويوجه(1/442)
جله إلى الموضع المحتاج، [لأن حق بلاد المسلمين في ذلك سواء] . وكذلك لو بلغ رجلاً من أهل المدينة عن أهل المدينة حاجة فبعث إليهم من زكاة ماله كان ذلك صواباً.
600 - وإن رأى الإمام البلدان متكافئة في الحال آثر بذلك [المال] أهل البلد الذي جبي فيه فقسمه عليهم وآثر الفقراء على الأغنياء [إلا أن يفضل عنهم فضل فيخرج إلى غيرهم] .
[قال مالك] : والصدقات في القسم كالزكاة.
مالك: ولا يعجبني أن يلي أحد قسم صدقته خوف المحمدة والثناء،(1/443)
وعمل السر أفضل. ويدفع ذلك إلى من يثق به فيقسمه.
601 - فإن وليها هو فلا يعطيها أحداً تلزمه نفقته. وإيعاب النفقات في كتاب إرخاء الستور.
وأما من لا تلزمه نفقته من قرابة فلا يعجبني أن يلي هو إعطاءهم، ولا بأس أن يعطيهم من يلي تفرقتها بغير أمره كما يعطي غيرهم، إن كانوا لها أهلاً. قال ابن عباس وغيره: إن أعطى قرابته على الصحة كما يعطي غيرهم أجزأه. وكرهه ابن المسيب وغيره، وأكثر شأن مالك فيه الكراهية لخوف المحمدة، ولدفع صلة كانوا يرجونها منه وقضى مذمة كانت عليه، ولو صح ذلك عنده أجزأه.(1/444)
602 - ولا تعطي المرأة زوجها من زكاتها. قال أشهب: فإن فعلت ولم يرد ذلك عليها فيما يلزمه من مؤونتها [أجزأها، وإن رد ذلك عليها فيما يلزمه] لم يجزها.
603 - ولا بأس أن يبتاع الإمام من الزكاة رقاباً فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين، وكذلك من ولي صدقة نفسه، وإن أعتقها عن نفسه أعاد ولم تجزه، لأن الولاء له وكأنها زكاة لم يخرجها، ولا يعجبني أن يعان بها مكاتب.(1/445)
ويعطى منها ابن السبيل [المحتاج وإن كان غنياً ببلده، والحاج ابن السبيل] ، وكذلك الغازي يعطى منها، وإن كان ملياً ببلده.
ولا يعطى من الزكاة في كفن الميت، أو بناء مسجد، ولا لذمي أو مجوسي أو عابد وثن ولا العبد، ولا يعطى منها ولا من الكفارات إلا مؤمن حر كما لا يعتق منها إلا عبد مؤمن. ولا يعطي فيما لزمه من زكاة العين عرضاً أو طعاماً، وأكره للرجل شراء صدقته.
604 - ومن [كان] له دين على فقير فلا يعجبني أن يحسبه عليه في(1/446)
زكاته، وقال غيره: لأنه تاو لا قيمة له أو له قيمة دون.
605 - ومن أصاب ركازاً وله قرابة فقراء لا تلزمه نفقتهم لم يخصهم بخمسه، ولكن يعطيهم كما يعطي غيرهم من الفقراء، إن كان لا يدفع به مذمة ولا يجر به محمدة إلا على وجه الاجتهاد، وأما من تلزمه نفقتهم فلا يعجبني ذلك، وإن كانوا فقراء، لأن نفقتهم تلزمه، فيدفع بذلك مضرة نفقتهم، وإن كانوا أغنياء فغيرهم أحق بذلك منهم. وقال غيره: إذا أعطاهم كما يعطي غيرهم من الأباعد بغير إيثار جاز، لأنه حلال للغني والفقير، إلا أن الفقير يؤثر على الغني.
606 - قال ابن القاسم: وإذا كان رجل فقير له أب مليء لا يناله رفقه فلا بأس أن يعطى من الزكاة، وإن كان يناله رفقه فغيره ممن لا يناله رفق أحد أولى أن يؤثر.
607 - وجزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلح فهو عند مالك جزية، والجزية عنده فيء. قال مالك: ويعطى هذا الفيء أهل كل بلد(1/447)
افتتحوها عنوة أو صالحوا عليها فيقسم عليهم ويفضل بعض الناس في الفيء ويبدأ بأهل الحاجة حتى يغنوا [منه] ، ولا يخرج إلى غيرهم إلا أن تنزل بقوم حاجة فينقل غليهم منه بعد أن يعطي أهله ما يغنيهم على الاجتهاد.
608 - ومن أوصى بنفقة في السبيل بدئ بأهل الحاجة منهم، ويعطى من هذا الفيء للمنفوس، وقد فرض له عمر مائة درهم، ويبدأ بكل منفوس والده فقير، وقد كان عمر يقسم للنساء حتى إن كان ليعطيهن المسك.
609 - قال ابن القاسم: ويبدأ بالفقيرة منهن قبل الغنية. قال مالك: ويبدأ بالفقراء في هذا الفيء، فإن فضل بعد غناهم شيء كان بين الناس كلهم بالسواء عربيهم ومولاهم.
610 - وقال ابن القاسم: يعني أن كل إنسان يعطى قدر ما يغنيه من صغير أو كبير أو امرأة، فإن فضل بعد غنى أهل الإسلام من هذا المال فضل اجتهد(1/448)
[فيه] الإمام إن رأى أن يحبسه لنائبة تنزل فعل.
وقد قال عمر: ما من أحد من المسلمين إلا وله في هذا المال حق أعطيه أو منعه حتى لو كان راعياً أو راعية بعدن (1) . وأعجب مالكاً هذا الحديث.
611 - وإن رأى الإمام أن يفرقه على أغنيائهم فرقه، لأن الفيء حلال للأغنياء، ولا بأس أن يعطي [الإمام] منه للرجل يراه للجائزة أهلاً، لدين عليه أو غيره ذلك، ولا بأس على ذلك الرجل أن يأخذها، ولا يجبر الإمام أحداً على أخذ هذا المال إذا أبى أخذه.
* * *
"تم كتاب الزكاة الأول بحمد الله وعونه
يتلوه كتاب الزكاة الثاني
بحول الله وقوته"
* * *
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (6/352) من حديث زيد بن أسلم عن أبيه رضي الله عنهم.(1/449)
(كتاب الزكاة الثاني)
612 - وليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، ثم في الخمس شاة إلى تسع فإذا بلغت عشراً ففيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض (1) إلى خمس وثلاثين.
فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون (2) ذكر، فإن لم يوجدا جميعاً في الإبل أجبر ربها على أن يأتي بابنة مخاض غلا أن يشاء أن يدفع خيراً منها، فليس للساعي ردها، فإن أتاه بابن لبون لم يأخذه الساعي إلا أن يشاء ويرى ذلك نظرا، ثم ما زاد على خمس وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فما زاد إلى ستين ففيه حقه (3) طروقة الفحل، فما زاد إلى خمس وسبعين ففيه جذعة (4) ، فما زاد
_________
(1) هي التي لها سنة وحملت أمها.
(2) ابن لبون: ولد الناقة إذا استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، لأن أمه ولدت غيره، فصار لها لبن، وهي ابنة لبون، الوسيط (2/847) .
(3) هي ما مضت عليها ثلاث سنين، ودخلت في الرابعة فهو حق والأنثى حقه.
(4) الجذعة، والثنية ما أوفى سنة ودخل في الثانية إلا أن الثنية ما أوفت سنة ودخلت في الثانية دخولاً بيناً، الثمر الداني (345) .(1/451)
إلى تسعين ففيه ابنتا لبون فما زاد إلى عشرين ومائة ففيه حقتان، فإذا زادت على العشرين ومائة واحدة كان الساعي عند مالك مخيراً في أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون.
613 - وقال ابن شهاب وابن القاسم: لا يأخذ إلا [ثلاث] بنات لبون كن في الإبل أم لا. واتفقوا إذا بلغت ثلاثين ومائة أن فيها حقة وابنتي لبون فما زاد ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، فإذا بلغت مائتين كان الساعي مخيراً إن شاء أخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون كانت الأسنان في الإبل أم لا.
614 - ويجبر رب المال على أن يأتيه بما شاء إلا أن يكون في الإبل سن واحدة فليس للساعي غيرها، وإذا صارت الفريضة في الإبل لم ترجع إلى الغنم، قال سحنون:(1/452)
إلا أن ترجع الإبل إلى أقل من فريضة الإبل فترجع إلى الغنم.
ولا يأخذ الساعي دون السن المفروضة وزيادة ثمن، ولا فوقها، ويؤدي ثمناً، ولا يشتري أحد من الساعي قبل خروجه شيئاً من الصدقة، وإن وصف أسنانها، إذ لا يدري ما يقتضي في نحوها وهيئتها، ومن اشترى الصدقة التي عليه يدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين في دين، ولا يأخذ الساعي فيها دراهم.
615 - واستحب مالك أن يترك المرء شراء صدقته، وإن كانت قبضت منه.
616 - ومن [كان] له خمس من الإبل فهلكت منهن واحدة قبل الحول بيوم ونتجت أخرى فتم الحول بالتي نتجت خمسة ففيها شاة، والشّنَق من الإبل ما يزكى بالغنم، ولا يزكى بالغنم إلا أربع وعشرون فأدنى، ويؤخذ في الإبل من الغنم من الصنف الذي هو جلّ أغنام ذلك البلد من ضان أو معز وافق ما في ملك ربها، أو خالفه إلا أن يتطوع ربها بدفع الصنف الأفضل.
617 - وليس في البقر صدقة حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع(1/453)
ذكر، إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة، ولا تكون إلا أنثى، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان، وفي سبعين تبيع ومسنة، وفي ثمانين مسنتان ثم على هذا، وكذلك الجواميس. (1)
618 - وليس في الغنم صدقة حتى تبلغ أربعين [فإذا بلغت أربعين] ففيها شاة، إلى عشرين ومائة، وفي إحدى وعشرين ومائة شاتان إلى مائتي شاة، وفي مائتي شاة وشاة ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فما زاد ففي كل مائة شاة.
619 - وإذا كانت الغنم رُبَّى (2) كلها أو ماخضاً (3) أو أكولة (4) أو فحولة لم يكن للمصدق أن يأخذ منها شيئاً، وليأت ربها بجذعة أو ثنية مما فيها وفاء، ويلزم الساعي قبولها، [ولا يأخذ ما فوق الثني ولا ما تحت الجذع] ، ولا يأخذ إلا
_________
(1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/284) ، وأسهل المدارك (1/388) .
(2) هي التي تربى في البيت لأجل اللبن، النهاية (2/180) .
(3) هي الحامل التي دنت ولادتها.
(4) هي التي تُسمن للأكل، النهاية (1/58) .(1/454)
الثني والجذع إلا أن يشاء رب المال أن يعطيه ما هو أفضل من ذلك، والجذع من الضان والمعز في أخذ الصدقة سواء.
620 - ولا يأخذ المصدق تيساً (1) ، ويحسبه على رب الغنم كما يحسب عليه العمياء والمريضة البين مرضها، والهرمة (2) ، والسخلة (3) ، والعرجاء التي لا تلحق، وكل ذات عوار، ولا يأخذها، وإن كانت الغنم كلها قد جربت (4) ، أو ذات عوار (5) ، أو سخالاً، أو كانت البقر عجاجيل كلها، والإبل فصلانا كلها كلف ربها أن يشتري ما يجزيه.
621 - وإذا رأى المصدق أن يأخذ ذات العوار أو التيس، أو الهرمة، أخذها إن كان ذلك خيراً له، ولا يأخذ من [هذه] الصغار شيئاً.
_________
(1) هو الذكر من المعز والظباء والوعول إذا أتى عليه الحول، الوسيط (1/95) .
(2) هي الكبيرة الضعيفة.
(3) ولد الغنم، النهاية (2/350) .
(4) الجرب: مرض جلدي ينشأ عنه حكة شديدة في أثناء النوم خاصة، الوسيط (1/119) .
(5) أي عيب.(1/455)
622 - ولا شيء في الوقص وهو ما بين الفريضتين في جميع الماشية، ومن كانت له ثلاثون من الغنم فتوالدت قبل قدوم الساعي بيوم فتمت أربعين زكاها عليه.
623 - ولا يفرق الساعي الغنم فرقتين ليخير ربها في أخذ أحدهما ليأخذ هو من الآخر، وتؤخذ الصدقة من الإبل العوامل وغيرها، ونهى النبي ÷ أن يؤخذ من حزرات الناس شيء. (1)
624 - وزكاة ماشية القراض على رب المال في رأس ماله. ولا يقوم المدبر غنمه في شهره الذي يزكي فيه، وإن ابتاعها للتجارة، وليزك رقابها كل عام، ولو زكى ثمنها ثم اشتراها به بعد أشهر فليستقبل بها حولاً من يوم ابتاعها، ثم يزكي رقابها، كان مدبراً أو غير مدبر، ولو باع الغنم قبل الحول أو بعده قبل مجيء الساعي، فليزك
_________
(1) رواه أبو داود في المراسيل (ص15) ، والبيهقي (4/102) ، ووصله الطحاوي في الشرح (2/33) ، وله شاهد عند البخاري (1395) ، ومسلم (19) بنحوه، والحزرات جمع حزْرَة وهي خيار رمال الرجل، النهاية (1/377) .(1/456)
الثمن لأول حول من يوم أفاده أو زكاه، ولا زكاة عليه فيها للمصدق، ولو باعها بعد أن زكى رقابها زكى الثمن لتمام حول من يوم زكى الرقاب.
625 - ومن له سبعون ضائنة، وأربعون ماعزة فعليه شاة [واحدة] من الضأن [ومن له سبعون ضائنة وستون معزة فعليه شاة من الضأن] وأخرى من المعز، ولو كانت المعز خمسين كانت عليه شاة واحدة من الضأن، ولو كانت ستين من الضأن وستين من المعز أخذ الساعي واحدة من أيها شاء، ولو كانت عشرين ومائة ضائنة وأربعين معزة أخذ من الضأن واحدة ومن المعز أخرى، ولو كانت معزاها ثلاثين أخذ شاتين من الضأن، ولو كانت ثلاثمائة ضائنة، وتسعين معزة، أخذ ثلاث ضوائن، ولا شيء في المعز، لأنها هاهنا وقص حتى تبلغ مائة فيكون فيها معزة، ولو كانت ثلاثمائة وخمسين ضائنة وخمسين معزة أخذ ثلاث ضوائن وخير في الرابعة، إن شاء معزة أو ضائنة، ولو كانت الضأن ثلاثمائة(1/457)
وستين والمعز أربعين أخذ الأربع من الضأن، وكذلك من كانت له ستون ضائنة وأربعون معزة أخذ منها شاة من الضأن، ولو كانت الضأن ثلاثمائة وأربعين والمعز ستين أخذ ثلاث ضوائن ومعزة، ولو كانت مائتي ضائنة ومائة من المعز، أو مائة وخمسين أخذ ضائنتين ومعزة، وكذلك في تسعين ومائة ضائنة، وستين ومائة معزة، وإن كان من كل صنف مائة وخمسة وسبعون أخذ من كل صنف واحدة، وأخذ الثالثة من أيها شاء.
626 - وكذلك يجري هذا في اجتماع الجواميس مع البقر والبخت مع الإبل العراب، فإن كان له عشرون من الجواميس وعشرة من البقر فعليه تبيع من الجواميس، وإذا كانت له أربعين جاموساً وثلاثين من البقر، أخذ من الجواميس مسنة ومن البقر تبيعا، ولو كانت الجواميس أربعين والبقر عشرين أخذ من كل صنف تبيعا، ولو كانت عشرون جاموساً وعشرون من البقرة أخذ [المصدق] مسنة من أيهما شاء، ولو كان من كل صنف ثلاثون أخذ من كل صنف تبيعا.(1/458)
627 - ولا يسقط الدين زكاة الحرث والماشية، وإن كان الدين يغترقها أو كان الدين مثل صفتها، ولا يمنع الغرماء المصدق من أخذ الزكاة، إنما يسقط الدين زكاة العين خاصة على ما وصفنا.
628 - وأما من له عبد وعليه عبد مثله في صفته فلا يزكي الفطر عنه إن لم يكن له مال.
629 - ومن استهلكت غنمه بعد الحول قبل مجيء الساعي وهي أربعون فأخذ في قيمتها دراهم زكاها مكانه، لأن حولها قد تم، وإن أخذ بالقيمة إبلاً أو بقراً فلا شيء عليه، ويستقبل بها حولاً من ذي قبل، فإن أخذ في قيمتها غنماً في مثلها الزكاة فلا زكاة عليه أيضاً، ولابن القاسم قول ثان، أنه يزكيها كالمبادلة بها(1/459)
والقيمة لغو غلا أن تكون [القيمة] اقل من أربعين فلا شيء عليه.
630 - ومن ورث غنماً، أو اشتراها للقنية ثم باعها بعد الحول قبل مجيء الساعي، لم يزك الثمن واستقبل به حولاً بعد قبضه، إلا أن يبيعها فراراً فتلزمه زكاة السائمة، ثم قال بعد ذلك: أرى أن يزكي الثمن [وإن لم يبيعها فراراً] ، وكذلك إن باعها بعد ستة أشهر من يوم ابتاعها أو ورثها زكى الثمن لستة أشهر أخرى، وعلى هذا ثبت، وهذا أحب إلي.
631 - ومن كان عنده أربعة من الإبل فباعها بعد حولها لم يزك الثمن، ومن بادل غنماً بإبل وبقراً بغنم بعد أشهر من يوم زكى رقابها فليأتنف بالذي أخذ حولاً(1/460)
من يوم ابتاعها، وقد انتقض الحول الأول إلا أن يبيع جنساً بمثله كغنم بغنم، فالثانية على حول الأولى، إلا أن تنقص الثانية عن ما فيه الزكاة مثل أن يبيع عشرين ومائة شاة لها عنده ستة أشهر بثلاثين شاة، فلا زكاة عليه فيها لتمام الحول، فإن باعها بأربعين زكاها شاة لتمام ستة أشهر أخرى. (1)
632 - ومن باع بعد الحول نصاب إبل بنصاب غنم هارباً من الزكاة، أخذ منه المصدق زكاة ما أعطى، وإن كانت زكاة الذي أخذ أفضل، ولو باعها غير فار فلا شيء عليه، ويستقبل بالثمن حولاً، ولو باعها بعد الحول بثمن يزكى مثله لزكى الثمن الآن إن لم يبع فراراً، وإن قبضه بعد أعوام زكاه لعام واحد، وإن أخذ الثمن فأقرضه فأقام سنين ثم قبضه زكاه لعامين.
633 - ومن مات عن ماشية بعد الحول قبل مجيء الساعي لم يلزمه ولا وارثه شيء حتى
_________
(1) انظر: الشرح الكبير (1/481، 482) .(1/461)
يأتي حول من يوم ورثها الوارث فيزكيها، وإن كانا وارثين في الماشية فكالخليطين لا زكاة على من لا زكاة في حظه، ولو كانا قد اقتسما، فعلى كل واحد ما يلزمه، ولو مر به الساعي قبل حول من يوم ورثها فلا شيء عليه لتمام حول حتى يمر به من عام قابل فليأخذ منه لعام واحد.
634 - ومن أفاد غنماً إلى غنم، أو بقراً إلى بقر، أو إبلاً إلى إبل، بإرث أو هبة أو شراء زكى الجميع لحول الأول، وسواء ملك [الثانية قبل تمام حول الأول] بيوم، أو بعد حولها قبل قدوم الساعي، وهذا إذا كانت الأولى نصاباً يجب فيها الزكاة، وإلا استقبل بالجميع حولاً من يوم أفاد الآخرة إلا أن تكون [الفائدة] بولادة [الأولى] كما ذكرنا، وأما إن أفاد جنساً إلى غيره، كإبل إلى غنم والأول نصاب أم لا فكل صنف على حوله. (1)
_________
(1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/285) .(1/462)
635 - ومن كانت غنمه مائتي شاة وشاة فهلكت منها واحدة بعد نزول الساعي قبل العدة لم يأخذ غير شاتين، ولو نقصت الأربعون شاة شاة واحدة قبل الحول بيسير أو كثير ثم أفادها من يومه ائتنف بالجميع حولاً من يوم أفاد الآخرة، إلا أن تكون من ولادتها.
636 - ومن وجبت له إبل في دية فقبضها بعد أعوام فليأتنف بها حولاً من يوم قبضها. ومن ورث مالاً نصاباً غائباً عنه لم ينبغ أن يزكى عليه وهو غائب، خوفاً أن يكون وارثه مدياناً أو يرهقه دين قبل مجيء السنة، فإذا قبضه وارثه استقبل به حولاً بعد قبضه ثم زكاه، وقد تقدم كثير من هذا المعنى في الجزء الأول من الزكاة.
637 - ومن مات عن نصاب ماشية بعد حولها وقبل مجيء الساعي فلا زكاة عليه، ولو أوصى بزكاته كانت من الثلث غير مبدأة، وتفرق على المساكين [وفي الأصناف التي ذكر الله تعالى] ، وليس للساعي قبضها لأنها لم تجب على الميت، وكأنه مات قبل حولها إذ حولها مجيء الساعي مع مضي عام.(1/463)
638 - وأما من حلت عليه في مرضه زكاة العين أو أتاه مال غائب، فأمر بزكاته فذلك من راس ماله لأنه لم يفرط، وإن لم يوص بها أمر بذلك الورثة ولم يجبروا، ولو كان قد فرط فيها وأوصى بها كانت من الثلث مبدأة على سائر الوصايا من العتق والتدبير في المرض وغيره، إلا المدبر في الصحة، وإن لم يوص بها لم يلزم الورثة إخراجها إلا أن يشاءوا.
639 - وإن أوصى بذلك وبعتق رقبة عليه من ظهار أو قتل نفس [فضاق الثلث بدئ بالزكاة ثم بالعتق الواجب من الظهار وقتل النفس] ، ولا يبدأ أحدهما على صاحبه، ويبدءان على العتق التطوع، والعتق التطوع بعينه يبدأ على ما سواه من(1/464)
الوصايا.
640 - ومن نزل به الساعي فقال له: إنما أفدت غنمي منذ شهر، صدق ما لم يظهر كذبه، وإذا كان الإمام عدلاً فلا يخرج أحد زكاة ماشيته حتى يأتيه المصدق، فإن أتاه فقال له: أديت زكاة ماشيتي لم يقبل قوله، وليأخذه بها، وإن كان الإمام غير عدل فليضعها [ربها] مواضعها إن خفي له ذلك، وأحب إلي أن يهرب بها عنهم إن قدر وإن لم يقدر أجزأه ما أخذوا.
641 - ومما يوجب الخلطة أن يكون الراعي والفحل والدلو والمراح والمبيت واحداً، فهذه أوجه الخلطة، وإن لم تكن كلها وانخرم بعضها لم يخرجهم ذلك من الخلطة، وكذلك إن كان الرعاة شتى وهم يتعاونون فيها وافترقوا في معنى واجتمعوا في غيره فهم خلطاء.
قال مالك: وإن لم يختلطوا إلا في شهرين من آخر السنة أو في طرفها فهم خلطاء، وإنما ينظر إلى آخر السنة لا إلى أولها. ابن القاسم: وإن اجتمعت في(1/465)
آخر السنة أقل من شهرين فهما خلطاء ما لم يقرب الحول جداً فيصير إلى الحديث الذي نهي فيه أن يجمع بين مفترق أو يفرق بين مجتمع. مالك: ومعنى الجمع بين مفترق أن يكون لكل واحد أربعون شاة، فإذا أظلهما الساعي جمعاها ليؤديا شاة واحدة، والتفرق بين مجتمع أن يختلطا ولحدهما مائة وللآخر مائة شاة وشاة ففيها ثلاث شياه، فإذا افترقا أديا شاتين.
642 - ولا يكونان خليطين حتى يكون لكل واحد من الماشية ما تجب فيه الزكاة، ومن لم يبلغ حظه ذلك فلا زكاة عليه، والزكاة على من بلغ ذلك حظه خاصة. ولا يحسب عليه غنم خليطه وإن لم يبلغ حظ واحد منهما منفرداً ما تجب فيه الزكاة، وفي اجتماعهما عدد الزكاة، فلا زكاة عليهما، فإن تعدى الساعي فأخذ منهما شاة من غنم أحدهما فليترادا فيها على عدد غنمهما.
والخليطان في البقر كالخليطين في الغنم، وإن كان لأحدهما خمسة عشر ومائة من الإبل، وللآخر خمسة، فأخذ الساعي منهما حقتين فليترادا قيمتها على أربعة وعشرين جزءاً على صاحب الخمسة جزء منها وهو ربع السدس، وما(1/466)
بقي فعلى الآخر.
وإذا كان لأحدهما تسعة من الإبل وللآخر خمسة، فقال مالك مرة: على كل واحد بمنهما] شاة، ثم رجع فقال: يترادان في الشاتين للخلطة. وإن كانوا ثلاثة لواحد خمسون [شاة] ، وللآخر أربعون، وللآخر واحدة فأخذ الساعي منهم شاة فهي على صاحبي التسعين على تسعة أجزاء دون رب الواحدة إذ لم يضرهما، ولو أخذها له [غرماها له] على تسعة أجزاء، خمسة على رب الخمسين وأربعة على رب الأربعين.
وإن كان لأحدهما عشرة ومائة، وللآخر إحدى عشرة، فأخذ الساعي شاتين فليترادا فيها. ولو كان لأحدهما أربعون، وللآخر ثلاثون، فأخذ الساعي شاة فهي على صاحب الأربعين وحده، وإن كان لأحدهما ألف شاة أو أقل، وللآخر أربعون شاة أو أكثر كانا خليطين، ثم يترادان الفضل بينهما بالسوية.
643 - ومن تزوج امرأة على ماشية بعينها فلم تقبضها حتى تم لها حول عند الزوج(1/467)
فطلقها قبل البناء [بها] وقبل مجيء الساعي، فإن أتى الساعي ولم يقسماها، أو وجدهما قد تخالطا بعد اقتسام فهما كالخليطين لا زكاة عليهما حتى يكون في حظ كل واحد منهما ما فيه الزكاة، وإن بلغ ذلك حظ أحدهما كانت الزكاة عليه في غنمه فقط.
644 - ولا تكون للزوج فائدة إذا كان له فيها شرك في نمائها ونقصانها.
645 - ويجمع على الرجل ما افترق له في البلدان من الماشية فمن له أربعون شاة ولخليطه مثلها وله ببلد آخر أربعون لا خليط له فيها، فلتضم إلى غنم الخليط، فيأخذ الساعي للجميع شاة ثلثاها على رب الثمانين، والثلث على رب الأربعين، وهكذا يتراجعان في هذا الوجه [كله] .
646 - وما ذبحه الرجل بعد الحول أو مات من ماشية قبل قدوم الساعي ثم قدم لم يحاسبه به، وإنما يزكي ما وجد بيده حاضراً. (1)
_________
(1) انظر: الشرح الكبير لأبي البركات (1/443) .(1/468)
647 - ومن هرب بماشيته عن الساعي وهي ستون، فأقام ثلاث سنين، وهي بحالها، ثم أفاد بعد ذلك مائتي شاة فضمها إليها، ثم أتى في السنة الخامسة تائباً فليؤد عن كل عام [زكاة] ما كان عنده من الغنم، ولا يؤدي عما أفاد في العامين الأخيرين لماضي السنين، لأنه كان ضامناً لزكاتها لو هلكت.
648 - والذي تخلف عنه الساعي سنين ثم أتاه فإنما يأخذ منه زكاة ما وجد بيده لماضي السنين ما بينه وبين أن ينقص بأخذه عن عدد [ما] تجب فيه الزكاة لأنها لو هلكت لم يضمنها.
فإن غاب الساعي خمس سنين وغنمه فيها ألف شاة ثم نقصت في غيبة الساعي فوجدها حين أتى ثلاثاً وأربعين شاة، أخذ منها أربع شياه، وإن وجدها قد رجعت إلى ما لا زكاة فيه فلا زكاة فيها، ولو زادت أضعافاً عند مجيء الساعي [بفائدة أو شراء فليضفها إلى ما بيده] وليزك ما وجد في يده للأعوام(1/469)
الماضية كلها. وكذلك الإبل والبقر، وهكذا فعل الأئمة زمن الفتنة، قال مالك: وهو الشان.
فإن غاب الساعي عن خمس من الإبل خمس سنين ثم أتى فليأخذ [عنها] خمس شياه، لأن زكاة الإبل هاهنا من غيرها، وإن غاب بالساعي] عن خمس وعشرين من الإبل خمس سنين ثم أتى، فليأخذ لعام واحد بنت مخاض، ولأربع سنين ست عشرة شاة. ولو كانت الإبل عشرين ومائة أخذ عشر حقاق، ولو كانت إحدى وتسعين أخذ حقتين وثماني بنات لبون. قال أبو الزناد: وهي السنة.
649 - وتبعث السعاة عند طلوع الثريا في استقبال الصيف، واجتماع الناس للمياه.(1/470)
650 - ومن غصبت ماشيته فردت عليه بعد أعوام، فليزكها لعام واحد، وقال أيضاً ابن القاسم [وأشهب] أنه يزكيها لكل عام مضى [على ما توجد عليه عنده] إلا أن يكون السعاة قد زكوها كل عام فيجزيه إذ لم تزل عن ملكه، كما لو غصبه نخلاً ثم ردها عليه بعد سنين مع ثمرها لزكى ذلك، والعين بخلاف هذا لا يزكيه إذا رجع إلا لعام واحد. (1)
651 - ومن أجبره المصدق على أن أدى في صدقته ثمناً رجوت أن تجزيه، إن كانت للحول وكانت وفاء لقيمة ما وجب عليه، وإنما أجزأ ذلك، لأن يحيى بن
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (2/267) .(1/471)
سعيد قال: من الناس من يكره اشتراء صدقته، ومنهم من لا يرى به بأساً فكيف بمن أكره. وقال مالك: لا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته. (1)
* * *
_________
(1) انظر: حاشية الدوسوقي على الشرح الكبير (1/457) .(1/472)
باب في زكاة الثمار والحبوب
652 - ولا صدقة في حب أو تمر حتى يُجَذّ أو يحصد ويبلغ كيله خمسة أوسق، فإن كان مما تسقيه السماء أو يشرب سيحاً (1) أو بعلاً (2) ففيه العشر. وما سقت السواني (3) بغَرْب (4) أو دالية (5) أو غيره [ففيه] نصف العشر.
653 - ولا يخرص إلا التمر والعنب للحاجة إلى أكلهما رطبين، فيخرص ذلك إذا أزهى وحلّ بيعه، لا قبل ذلك، فينظر قدر مكيلته رطباً ثم يقال: ما ينقص إذا يبس فيسقط، فإن بقي بعد ذلك ما فيه الزكاة زُكي. وكذلك الكرم يخرص عنباً ثم
_________
(1) السيح: الماء الجاري المنبسط على وجه الأرض، النهاية (2/432) .
(2) البعل: ما يشرب بعروقه من غير سقي ولا سماء، اللسان (1/448) .
(3) السواني: جمع سانية، وهي الناقة التي يُستقى عليها.
(4) الغَرْب: الدلو العظمة تتخذ من جلد الثور، الوسيط (1/305) .
(5) الدالية: خشبة تصنع على هيئة الصليب تثبت برأس الدلو، ثم يشد بها طرف حبل.(1/473)
يقال ما ينقص هذا العنب إذا تزبب فيسقط على ما وصفنا، ولو كانت بلحاً لا يتمر أو عنباً لا يتزبب فليخرص على أن لو كان ذلك فيه ممكناً.
654 - فإن صح في التقدير خمسة أوسق أخذ من ثمنه، كان أقل من عشرين ديناراً أو أكثر، وإن لم يبلغ خرصه خمسة أوسق فلا شيء فيه، وإن كثر ثمنه وهو فائدة.
مالك: وإذا كان الحائط صنفاً واحداً من أعلى التمر أو أدناه أخذ منه، وإن كان أجناساً أخذ من أوسطها جنساً، لا من أدناها، لقول الله تعالى: ×وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ [مِنْهُ تُنفِقُونَ] %. (1)
655 - ومن مات وقد أزهى حائطه وطاب كرمه وأفرك زرعه واستغنى عن الماء وقد خرص عليه شيء أو لم يخرص، فزكاة ذلك على الميت إن بلغ ما فيه الزكاة، أوصى بها أم لا، بلغت حصة كل وارث ما فيه الزكاة أم لا. وإن مات قبل الإزهاء والطيب فلا شيء عليه.
656 - والزكاة على من بلغت حصته من الورثة ما فيه الزكاة، دون من لم تبلغ حصته ذلك، وإنما يخرص الكرم إذا طاب وحل بيعه، والنخل إذا أزهت (2) وحل بيعها، لا
_________
(1) سورة البقرة: آية 267.
(2) الزهو: التلون بحمرة أو صفر للبلح أو البُسر، الوسيط (1/420) .(1/474)
قبل ذلك.
657 - ولا يخرص (1) الحائط إذا لم يكن فيه خمسة أوسق، ويحسب على رب الحائط ما أكل أو علف أو تصدق بعد طيبه، ولا يترك له الخارص مما يخرص لمكان الأكل والفساد شيئاً، ومن خرص عليه أربعة أوسق فوجد خمسة أوسق أحببت له أن يزكي لقلة إصابة الخُرّاص اليوم.
658 - ولا يخرص الزيتون ويؤتمن عليه أهله كما يؤتمنون على الحبّ، فإذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته، فإن كان لا زيت له كزيتون مصر فمن ثمنه على ما فسرنا في النخل والكرم، ومن باع زيتوناً له زيت أو رطباً يتمر أو عنباً يتزبب فليأت بمثل ما لزمه زيتاً أو زبيباً من عشر أو نصف عشر.
659 - مالك: والشركاء في كل حبّ يزكى أو تمر أو عنب أو ورق أو ذهب أو ماشية فليس على من لم تبلغ حصته منهم مقدار الزكاة [زكاة] (2) .
_________
(1) خرص النخل والمكرم: حرز ما عليها الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً، اللسان (خرص) .
(2) انظر: التفريع لابن الجلاب، (1/286) .(1/475)
660 - وتؤدى الزكاة على الحوائط المحبسة في سبيل الله، أو على قوم بأعيانهم، أو بغير أعيانهم، ومن حبس إبلاً في السبيل للحمل عليها أو على نسلها، أو دنانير وقفها للسلف ففي ذلك الزكاة، وإن أوقف الدنانير أو الماشية، لتفرق في سبيل الله، أو على المساكين، أو لتباع الماشية ويفرق الثمن، فلا زكاة فيما أدرك الحول من ذلك. (1)
661 - ويجمع التمر كله بعضه إلى بعض في الزكاة، وكذلك العنب، وإن كانت كرومه [متفرقة] في بلدان شتى جمع بعضها إلى بعض، وكذلك الماشية والحبّ.
662 - ومن جذ ثمره أو حصد زرعه وفيه ما تجب فيه الزكاة فلم يدخله بيته حتى ضاع من الأندر (2) والجرين (3) لم يضمن زكاته، وكذلك لو عزل عشره من أندره أو
_________
(1) انظر: الذخيرة (3/91) .
(2) هو الذي يهذب ويخرج منه الزرع، الوسيط (2/947) .
(3) هو الجرن، الموضع الذي يُداس فيه القمح والشعير ونحوهما، الوسيط (1/124) .(1/476)
جرينه ليفرقه فضاع بغير تفريط فلا شيء عليه، وإن أدخل ذلك كله بيته قبل قدوم المصدق فضاع ضمن زكاته، قال مالك: وكذلك لو عزل عشره حتى يأتيه المصدق [فضاع ضمنه، لأنه قد أدخله بيته، وقال ابن القاسم: إذا أخرجه وأشهد عليه فتأخر عنه المصدق] لم يضمن، وبلغني أن مالكاً قال في ذلك: إذا لم يفرط في الحبوب لم يضمن، وقال المخزومي: إذا عزله وحبسه للمصدق فتلف بغير سببه فلا شيء عليه، إذ ليس عليه أكثر مما صنع وليس إليه دفعه.
663 - ومن اكترى أرض خراج أو غيرها [فزرعها] فزكاة ما أخرجت الأرض على المكتري، ولا يضع الخراج الذي على الأرض زكاة ما خرج منها عن الزارع كانت الأرض له أو لغيره.
664 - ومن باع زرعاً بعد أن أفرك (1) ويبس فليأت بما لزمه حباً، ولا شيء
_________
(1) المراد بالإفراك أن يبلغ حداً يستغني معه عن السقي، وذهاب الرطوبة وعدم النقص، أسهل المدارك (1/400) .(1/477)
على المبتاع، فإن أعدم البائع أخذ الساعي من المبتاع من الطعام، إن وجده بعينه، ثم يرجع المبتاع على البائع بقدر ذلك الثمن، وقال أشهب: لا شيء على المبتاع، لأن البائع كان له البيع جائزاً. سحنون: وهو عندي صواب.
665 - ومن باع أرضه بزرعها وقد طاب فزكاته على البائع، وإن كان الزرع أخضر فاشترطه المبتاع فزكاته على المشتري.
666 - ومن منح أرضه صبياً أو ذمياً أو عبداً أو إكراهاً منه ليزرعها، فلا زكاة على واحد منهم إلا على الصبي الزارع وحده.
667 - ومن أوصى بزكاة زرعه الأخضر أو بثمرة حائطه قبل طيبه فهي وصية من الثلث غير مبدأة، إذ لم تلزمه، ولا تسقط هذه الوصية عن الورثة زكاة ما بقي [لهم](1/478)
لأنه كرجل استثنى عشر زرعه لنفسه، وما بقي فللورثة، فإن كان في حظ كل وارث وحده ما تجب فيه الزكاة، زكاه وإلا فلا.
668 - وإن كان في العشر الذي أوصى به للمساكين خمسة أوسق فأكثر، زكاه المصدق، وإن لم يقع لكل مسكين إلا مد، إذ ليسوا بأعيانهم وهم كمالك واحد، ولا يرجع المساكين على الورثة بما أخذ منهم المصدق، وإن جعل ذلك الثلث، لأنه كشيء بعينه أوصى لهم [به] فاستحق أو بعضه.
669 - وكذلك لو أوصى بثمرة حائطه أو بزرعه قبل طيبه [كله] للمساكين، أو قال: ثمرة حائطي سنتين أو ثلاثاً للمساكين لم تسقط عنهم زكاته، وإن لم يصر لكل مسكين من ذلك إلا مُدّاً بخلاف الورثة، وأما إن أوصى بزكاة زرعه قبل طيبه لرجل بعينه كان كأحد الورثة، وعليه النفقة معهم، لأنه استحقه يوم الوفاة، والمساكين لا يستحقون ذلك غلا بعد بلوغه وسقيه وعمله، والنفقة عليه في مال الميت حتى يقبضوه.(1/479)
670 - والقمح والشعير والسلت كصنف واحد يجمع في الزكاة، ولا يجمع مع سواه، فمن رفع خمسة أوسق من جميعها فليزك ويخرج من كل صنف بقدره.
وأما الدُّخن (1) والأرز والذرة فأصناف لا تجمع، ولا تضم إلى غيرها، ولا تزكى حتى يرفع [من] كل صنف منها خمسة أوسق.
671 - وتجمع القطاني كلها [في الزكاة كصنف واحد] [الفول والعدس والحمص، والجلبان واللوبياء وما يثبت معرفته عند الناس أنه من القطاني] ولا تجمع مع غيرها، فمن رفع من جميعها خمسة أوسق، أخرج من كل صنف بقدره.
_________
(1) الدخن: نبات عشبي من الفصيلة النجيلية، حبة صغيرة، أملس كحب السمسم، وله ذكر في كتب الطب كثير، وقد حققنا منها العديد.(1/480)
وفي حب الفجل الزكاة إذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق أخذ من زيته، وكذلك الجلجلان إذا كان يعصر أخذ من زيته إذا بلغ كيل حبه خمسة أوسق، وإن كان قوم لا يعصرون [من] الجلجلان وإنما يبيعونه حباً لزيت فأرجو إذا أخذ من حبه أن يكون خفيفاً.
* * *(1/481)
في زكاة الفطر (1)
672 - وتجب زكاة الفطر على من يحل له أخذها. ويؤديها المحتاج إن وجد، أو وجد من يسلفه، فإن لم يجد لم يلزمه، وإن أيسر بعد ذلك بأعوام قضاها لماضي السنين، [وإن أخرها الواجد فعليه قضاؤها لماضي السنين] .
673 - ويستحب أن تؤدى بعد الفجر من يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وإن أداها بعد الصلاة فواسع، ويستحب الأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وليس ذلك في الأضحى، وإن أداها قبل [يوم] الفطر بيوم أو يومين فلا بأس به، ويؤديها المسافر حيث هو، وإن أداها عنه أهله أجزأه.
_________
(1) انظر: التفريع لابن الجلاب (1/294) ، والذخيرة للقرافي (3/154) ، ط الغرب - بيروت.(1/482)
674 - ومن ملك بعض عبد لم يؤد إلا عن حصته كان باقيه عتيقاً أو لغيره، ولا شيء على العبد فيما كان منه عتيقاً، ومن له سدس عبد وبقيته لآخر فسدس الزكاة عليه، وخمسة أسداسه على شريكه، ويؤديها عن عبيده المسلمين، لتجارة كانوا أو لغيرها، كانت قيمتهم أقل من مائتي درهم أو أكثر، كانوا أصحاء أو بهم جنون، أو جذام أو عمى، ولا يعتقون عليه ولا يؤديها المكاتب عن نفسه، ويؤديها عن المكاتب سيده.
675 - ولا يؤديها عن عبده الآبق إباق إياس، فأما من يرتجيه لقربه فهي عليه عنه، وزكاة الفطر عن عبيد القراض على رب المال خاصة، فأما نفقتهم فمن مال القراض، وقال أشهب: إذا بيعوا
وكان فيهم فضل، مثل ثلث الثمن، فعلى العامل سدس تلك الزكاة، وإن كان الربع فعليه الثمن، إن قارضه على النصف، والفطرة على الموصى بخدمته لرجل، ثم برقبته لآخر على صاحب الرقبة، إن قبل الوصية كمن أخدم عبده رجلاً أمداً فصدقة الفطر عنه على سيده الذي أخدمه.(1/483)
676 - ومن جنى عبده جناية فيها نفسه فحلّ عليه الفطر [وهو في يد سيده] قبل أن يقتل فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده.
677 - ومن رهن عبده فنفقته وزكاة الفطر عنه على سيده، ومن ابتاع عبداً يوم الفطر قال مالك: زكي عنه المبتاع ثم قال: بل البائع، وبه أقول.
678 - وإن بعت عبداً بخيار أو أمة على مواضعة فغشيهم الفطر قبل زوال أيام الخيار والاستبراء فالنفقة والفطرة عنهما عليك، وسواء رد العبد مبتاعه أم لا، وضمانهما منك حتى يخرج العبد من الخيار والأمة من الاستبراء.
679 - وإن ابتعت عبداً بيعاً فاسداً فجاءه الفطر عندك فنفقته وزكاة الفطر عنه عليك، رددته يوم الفطر أو بعده، لأن ضمانه منك. وإن ورثت عبداً [لم تعلم به] فلم(1/484)
تقبضه حتى مضى يوم الفطر فزكاته ونفقته عليك، فإن شركك فيه وارث فذلك عليكما.
680 - ومن أسلم بعد الفجر من يوم الفطر أحببت له أن يؤدي زكاة الفطر، والأُضحية أبين عليه في الوجوب.
681 - ولا يؤدي عن الحمل زكاة الفطر إلا أن يولد ليلة الفطر حياً أو يومه فيؤدى عنه، ومن أراد أن يعق عن ولده، فإن وُلد بعد انشقاق الفجر لم يحسب ذلك اليوم وحُسبت سبعة أيام سواه، ثم يعق عنه يوم السابع ضحى، وهي سنة الضحايا والعقائق والنسك.
682 - ومن مات ليلة الفطر أو يومه ممن يلزمك أداء الفطرة عنه، لم يزلها موته، ولو مات رجل يوم الفطر أو ليلة الفطر وأوصى بالفطرة عنه كانت من رأس ماله،(1/485)
وإن لم يوص بها لم يجبر ورثته عليها، ويؤمرون بها كزكاة العين تحل عليه في مرضه، وإنما يكون في الثلث من ذلك كله، ما فرط فيه في صحته ثم أوصى به فإنه يبدأ في ثلثه على سائر الوصايا خلا المدبر في صحته.
683 - ولا يؤدي الرجل زكاة الفطر عن عبده أو امرأته أو أم ولده النصارى، ولا يؤديها إلا عن من يُحكم عليه بنفقته من المسلمين خلا المكاتب ولا يؤديها عن عبد عبده.
684 - ويلزمه أداؤها عن نفسه وعن الإناث من ولده حتى يدخل بهن أزواجهن، أو يُدعى الزوج إلى البناء، فحينئذ تسقط عن الأب، وتلزم الزوج [مع] النفقة، ويلزمه عن ولده الذكور حتى يحتلموا. ومن كان من ولده له مال ورثه أو وُهب له، أنفق عليه منه وزكى عنه الفطر وضحى عنه وحاسبه إذا بلغ، ويلزمه أداؤها من ماله عن امرأته وعن خادم واحدة من خدمها التي لا بد لها منها لأن عليه نفقتها، وإن كانت الزوجة ملية.
685 - ومن نكح على أمة بعينها فأتى الفطر وهي بيد الزوجة ثم طلقها بعد يوم الفطر(1/486)
قبل البناء فزكاة لفطر عن الزوجة وعن الأمة على الزوجة إن كان الزوج ممنوعاً من البناء، فإن لم يكن ممنوعاً وكانت هذه الخادم لا بد للمرأة منها فذلك عليه عنهما، لأن نفقتهما كانت عليه.
686 - وقد فرض النبي ÷ زكاة الفطر على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين، ومن لزمه نفقة أبويه لحاجتهما لزمه أداء [زكاة] الفطر عنهما.
687 - وإذا حبس الأب عبيد ولده الصغار لخدمتهم ولا مال للولد سواهم فعلى الأب أن ينفق على العبيد ويؤدي فطرتهم ثم يكون ذلك في مال ولده، وهم العبيد، لأنهم أغنياء، ألا ترى أن من له عبد فهو مال تسقط به النفقة [عنه] عن أبيه،(1/487)
لأن له أن يبيع العبد وينفق منه عليه.
688 - وإن كان للعبيد خراج، أنفق منه [الأب] على عبيده وولده ويؤدى منه عنهم صدقة الفطر إن حمل، وإن لم يكن لهم خراج وأبى الأب أن ينفق عليهم أجبره السلطان على بيهم أو الإنفاق عليهم، وكذلك إن أبى السيد أن ينفق على عبده جبر أن ينفق أو يبيع.
689 - ويؤديها الوصي عن اليتامى الصغار وعن عبيدهم من أموالهم، ومن في حجره يتيم بغير إيصاء أحد وله بيده مال رفع أمره إلى الإمام فينظر له، فإن لم يفعل وأنفق عليه منه وزكى عنه الفطر وبلغ الصبي فهو مصدق في نفقة مثله في تلك السنين ويقبل قوله إن قال قد أديت عنهم زكاة الفطر كانوا في حجره أو حجر الأم.
690 - مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدّخن والأرز(1/488)
والزبيب والتمر [والأقط] صاعاً من كل صنف منها، ويخرج أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك، والتمر عيش أهل المدينة، ولا يخرج أهل مصر إلا البر، لأنه جل عيشهم، إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزيهم.
691 - ولا يجزئ في زكاة الفطر شيء من القطنية، وإن أعطى من ذلك قيمة صاع من حنطة أو من شعير أو تمر.
مالك: ولا يجزيه أن يخرج قيمتها دقيقاً أو سويقاً. وكره مالك أن يخرج فيها تيناً، وأنا أرى أنه لا يجزيه.
قال ابن القاسم: وكل شيء من القطنية مثل اللوبياء، أو شيء من هذه الأشياء التي ذكرناها أنها لا تجزئ، إذا كان ذلك عيش قوم، فلا بأس أن يؤدي من ذلك ويجزيهم.
692 - مالك: ولا يجزئ إخراج قيمتها [عيناً] ولا عرضاً.
ويفرقها كل قوم في أمكنتهم من حضر أو بدو أو عمود ولا يدفعونها إلى(1/489)
الإمام إن كان لا يعدل، وإن كان عدلاً لم يسع لأحد أن يفرق شيئاً من [تلك] الزكاة، وليدفعها إلى الإمام فيفرقها الإمام في مواضعها، ولا يخرجها منه إلا أن لا يكون بموضعهم محتاج فيخرجها إلى أقرب المواضع إليهم ويفرقها، ويجوز أن يعطيها الرجل عنه وعن عياله لمسكين واحد، ولا تعطى لهل الذمة ولا للعبيد.
693 - ومن أخرج زكاة الفطر عند محلها فضاعت أو أُهريقت فلا ضمان عليه، وكذلك زكاة العين، ولو تلف ماله وبقيت لزمه إنفاذها، ولو أخرجها بعد إبانها وقد كان فرط فيها فضاعت قبل أن ينفذها بغير تفريط كان ضامناً لها.
* * *(1/490)
(كتاب الحج (1) الأول)
694 - ومن أراد الإحرام من رجل أو امرأة فليغتسل، كانت المرأة حائضاً أو نفساء أم لا، ولم يوسع [لهم] مالك في ترك الغسل إلا من ضرورة. ولم يستحب أن يتوضأ من يريد الإحرام ويدع الغسل، فمن أحرم من ذي الحليفة اغتسل بها، ومن اغتسل بالمدينة وهو يريد الإحرام ثم مضى من فوره إلى ذي الحليفة فأحرم [بها] أجزأه غسله، وإن اغتسل بها غدوة، ثم أقام إلى العشي، ثم راح
_________
(1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/357) ، الشرح الصغير (1/27) ، معجم المصطلحات (1/550) .(1/491)
إلى ذي الحليف فأحرم، لم يجزه الغسل وأعاده. (1)
695 - ويحرم من أتى الميقات أي وقت شاء حيث يجوز فيه التنفل من ليل أو نهار، ولا يحرم إلا بإثر صلاة نافلة، أو بإثر [صلاة] فريضة، كان بعدها نافلة أو لا، والمستحب إحرامه بإثر النافلة ولا حد لتنفله.
696 - وإن جاء في وقت لا يتنفل فيه انتظر وقتاً تحل فيه الصلاة، فيصلي ويحرم إلا أن يكون خائفاً أو مراهقاً يخشى فوات الحج وشبه ذلك من العذر، فيجوز أن يحرم وإن لم يصل.
697 - ولا يحرم في دبر الصلاة في المسجد ولكن إذا خرج منه ركب راحلته، فإذا استوت به في فناء المسجد لبى ولم ينتظر أن تسير، فإن كان ماشياً فحين
_________
(1) انظر: الخيرة للقرافي (3/223، 224) .(1/492)
يخرج من المسجد متوجهاً للذهاب يحرم ولا ينتظر أن يظهر بالبيداء، وإن توجه ناسياً للتلبية من فناء المسجد كان بنيته محرماً فإن ذكر من قريب لبى ولا شيء عليه، وإن تطاول ذلك به، أو نسيه حتى فرغ من حجه فليهرق دماً.
ويجزئ من أراد الإحرام التلبية، وينوي بها ما يريد من حج أو عمرة أو قران، ولا يسمي حجاً ولا عمرة، وهذا أحب إلى مالك من تسمية ذلك، ووجه الصواب في القران أن يقول: لبيك بعمرة وحجة، ويبدأ [القارن] في تلبيته بالعمرة قبل الحج وتجزيه النية أيضاً.
698 - ومن أراد الإحرام ومعه هدي فليقلده ثم يشعره ثم يجلله،(1/493)
و [كل] ذلك واسع، ثم يدخل المسجد فيركع ويحرم كما وصفنا. فإن أراد أن يقلد ويشعر بذي الحليفة ويؤخر إحرامه إلى الجحفة فلا يفعل.
699 - ولا ينبغي له أن يقلد ويشعر إلا عندما يريد الإحرام، ثم يحرم بعقب تقليده وإشعاره، إلا أن يكون لا يريد الحج فجائز أن يقلد بذي الحليفة (1) . وإن لم يكن معه هدي وأراد أن يهدي فيما يستقبل فله أن يحرم ويؤخر الهدي.
ومن قلد هديه وهو يريد الذهاب معه إلى مكة لم يكن بالتقليد أو بالإشعار أو بالتجليل محرماً حتى يحرم. ويقلد [هدي جزاء الصيد وما كان من هدي عن جماع وهدي ما نقص من حجه، والهدي كله يقلد] ويشعر خلا الغنم فإنها لا تقلد ولا تشعر.
700 - وإذا أدخله في الحج فلا ينحره إلا يوم النحر بمنى، فإن لم يفعل نحره بمكة بعد ذلك، ويسوقه إلى الحل إن كان اشتراه من الحرم، وإن أدخله من الحل إلى مكة فنحره بها أجزأه [عنه] . ومن جهل أن يقلد بدنته أو يشعرها من حيث ساقها حتى ينحرها وقد أوقفها أجزأته.
701 - وتقلد البقر ولا تشعر إلا أن تكون لها أسمنة فتشعر. والإشعار في الجانب الأيسر من أسمنتها عرضاً، ولا تقلد بالأوتار. ولا تقلد فدية الأذى ولا تشعر لأنها
_________
(1) ذو الحليفة: بالتصغير، قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، فيها ميقات أهل المدينة، انظر: مراصد الاطلاع (1/420) .(1/494)
نسك، ومن شاء قلدها وجعلها هدياً.
702 - ومن أتى الميقات مغمى عليه، فأحرم عنه أصحابه بحجة أو بعمرة أو قران وتمادوا، فإن أفاق فأحرم بمثل ما أحرموا عنه أو بغيره ثم أدرك فوقف بعرفة مع الناس أو بعدهم، قبل طلوع الفجر من ليلة النحر أجزأه حجه، وأرجو ألا يكون عليه دم لترك الميقت [لأنه معذور] ، وليس ما أحرم عنه أصحابه بشيء، وإنما الإحرام ما أحرم به هو ونواه، وإن لم يفق حتى طلع الفجر [من] ليلة النحر، وقد وقف به أصحابه لم يجزه حجه.
703 - وإذا نوى الحاج أو المعتمر رفض إحرامه فلا شيء عليه وهو على إحرامه.
704 - ولا بأس أن يحرم في ثوب غير جديد، وإن لم يغسله، وقد أحرم مالك في(1/495)
ثوب حججاً ما غسله.
705 - وكره مالك للرجال والنساء أن يحرموا في الثوب المعصفر المقدم لانتفاضه، وكرهه للرجال في غير الإحرام.
706 - ولا بأس أن يحرم الرجل في البركانات (1) والطيالسة والكحلية وجميع ألوان الثياب إلا المعصفر المقدم الذي ينتفض.
707 - وما صبغ بالوَرْس (2) والزعفران (3) فإن مالكاً كرهه، ولم يكره شيئاً من الصبغ غيره، وما صبغ بورس أو زعفران فغُسل وبقي فيه أثر لونه فقد كرهه أيضاً مالك، إلا أن يذهب لونه كله فلا بأس به، وإن لم يخرج لونه، ولم يجد غيره صبغه بالمِشْق وأحرم فيه.
_________
(1) هو الكساء الأسود.
(2) الورس: نبات يستعمل لتلوين الملابس الحريرية، شديد الحمرة، الوسيط (2/1067) .
(3) الزعفران: نبات منه نوع صبغي طبي مشهور يستعمل في الحمرة، الوسيط (1/408) .(1/496)
ولا بأس بالمورد والممشق (1) ، ولا بأس بالإحرام في الثياب الهروية إن كان صبغها بغير الزعفران، فإن كان بالزعفران فلا يصلح.
ولا يحرم في ثوب علق به ريح المسك حتى يذهب ريحه بغسل أو نشر.
708 - وإذا لم يجد المحرم نعلين وهو مليء جاز له لبس الخفين إذا قطعهما أسفل من الكعبين، وإذا وجد نعلين فليشترهما، وإن زيد عليه في الثمن يسيراً، وأما ما يتفاحش من الثمن فما عليه أن يشتريهما [به] ، وأرجو أن يكون في سعة.
709 - ويدهن الرجل عند الإحرام وبعد الحلاق رأسه بالزيت [وشبهه] ، وبالبان السمح، وهو البان غير المطيب، وأما ما يبقى رائحته فلا يعجبني.
710 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، [وإحرام المرأة في يجيها ووجهها] ، ويكره
_________
(1) الممشق: المصبوغ بالمشق، والمشق: المغرة وهي الطين الأحمر يستعمل كصبغة، الوسيط (1/906) .(1/497)
للمحرم أن يغطي ما فوق ذقنه، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء [فيه] عن عثمان - رضي الله عنه (1) -[في الجزء الثالث من الحج، ولا بأس بتغطية الذقن للمرأة والرجل] .
711 - وليرفع المحرم صوته بالتلبية، ولا يسرف أو يلح ولا يسكت، وقد جعل الله لكل شيء قدراً.
ولا ترفع الأصوات بالتلبية في شيء من المساجد، إلا في المسجد الحرام، أو مسجد منى، و [حد ما] ترفع المرأة صوتها قد رما تسمع نفسها.
712 - مالك: وإذا دخل المحرم المسجد الحرام أول ما يدخل وهو مفرد بالحج أو قارن فلا يلبي، ويقطع التلبية من حين يبتدئ بالطواف الأول بالبيت إلى أن يفرغ من
_________
(1) رواه مالك فيالموطأ (الحج/13) .(1/498)
سعيه [بين الصفا والمروة] وإن لبّى حول البيت [الحرام لم أر ذلك ضيقاً عليه وهو] في سعة.
713 - وقال مالك: لا بأس أن يلبي في السعي بين الصفا والمروة وذلك واسع. قال: فإذا فرغ من سعيه عاد إلى التلبية ولا يقطعها حتى يروح يوم عرفة إلى المسجد.
قال ابن القاسم: يريد إذا زالت الشمس وراح يريد الصلاة، قطع التلبية، وثبت مالك على هذا، وعلمنا أنه رأيه، لأنه قال: لا يلبي الإمام يوم عرفة على المنبر، ويكبر بين ظهراني خطبته، ولم يؤقت في تكبيره وقتاً، وكان مالك قبل ذلك يقول: يقطع التلبية إذا راح إلى الموقف، وكان يقول: [يقطع] إذا زاغت الشمس، ثم رجع فثبت على ما ذكرناه. وإذا قطع التلبية فلا بأس أن يكبر.(1/499)
714 - وكره مالك ان يلبي من لا يريد الحج، ورآه خرقاً ممن فعله (1) . ومن اعتمر من ميقاته قطع التلبية إذا دخل الحرم ثم لا يعاودها، وكذلك من أتى وقد فاته الحج أو أحصر بمرض حتى فاته الحج يقطع التلبية إذا دخل أوائل الحرم، لأن عملهم صار عمل العمرة. ولا يُحل المحصر بمرض من إحرامه إلا البيت، وإن تطاول ذلك به سنين.
715 - والذي يحرم بعمرة من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطع إذا دخل بيوت مكة [قلت له: أو المسجد الحرام، قال:] أو المسجد الحرام، كل ذلك واسع. ويلبي الحاج والقارن في المسجد [الحرام] ، وحكم من جامع في حجه فأفسده في قطع التلبية وغيرها حكم من لم يفسده، وأهل مكة في التلبية كغيرهم من الناس.
716 - والإفراد بالحج أحب إلى مالك من القران والتمتع. وأجاز الشاة في دم
_________
(1) خرق الشيء: أي جهله ولم يحسنه عمله، انظر: الوسيط (1/237) .(1/500)
القران على تكره، يقول: إن لم يجد، واستحب فيما استيسر من الهدي قول ابن عمر: البقرة دون البعير.
717 - وكره مالك لمن أحرم بالحج أن يضيف إليه عمرة أو حجة، فإن أردف ذلك أول دخوله مكة أو بعرفة أو في أيام التشريق فقد أساء، وليتماد على حجه، ولا يلزمه شيء مما أردف، ولا قضاؤه ولا دم قران.
718 - ولمن أحرم بعمرة أن يضيف إليها الحج، ويصير قارناً ما لم يطف بالبيت، فإذا طاف [بالبيت] ولم يركع، كره له أن يردف الحج، فإن فعل لزمه، وصار قارناً، وعليه دم القران.
719 -[وإن أردف الحج قبل تمام طوافه للعمرة، فيتمه ولا يسعى شيئاً] وإن(1/501)
أردف الحج بعد أن طاف وركع ولم يسع، أو سعى بعض السعي وهو من أهل مكة أو غيرها كره له ذلك، فإن فعل فليمض على سعيه ويحل [قال أبو زيد:] ثم يستأنف الحج، [قال يحيى: إن شاء] .
720 - وإن أردف الحج بعد تمام سعيه وقبل أن يحلق لزمه الحج، ولم يكن قارناً، ويؤخر حلاق رأسه، ولا يطف بالبيت، ولا يسع حتى يرجع من منى إلا أن يشاء أن يطوف تطوعاً ولا يسعى، ولا دم قران عليه، وعليه دم لتأخير الحلاق في عمرته كان مكياً أو غير مكي، لأنه لما احرم بالحج لم يقدر على الحلاق، ولا دم عليه لمتعته [إلا أن يحل من عمرته في أشهر الحج فيلزمه الدم لمتعته] إن كان غير مكي، وإن كان مكياً لم يلزمه غير دم تأخير الحلاق فقط.(1/502)
721 - ويقلد هدي تأخير الحلاق، ويشعره ويقف به بعرفة مع هدي تمتعه، فإن لم يقف [به] بعرفة [مع هدي تمتعه] لم يجزه إن اشتراه من الحرم إلا أن يخرجه إلى الحل (1) فيسوقه منه إلى مكة، ويصير منحه بمكة، وليس على من حلق من أذى أن يقف بهديه بعرفة، لأنه نسك.
722 - مالك: ولا يحرم أحد بالعمرة من داخل الحرم، قال ابن القاسم: والقران عندي مثله، لأنه يحرم بالعمرة من داخل الحرم.
وإذا أحرم مكي بعمرة من مكة ثم أضاف إليها حجة لزمتاه وصار قارنا، ويخرج إلى الحل، لأن الحرم ليس بميقات للمعتمرين، وليس عليه دم قران، لأنه مكي.
وإن هو أحرم بحجة بعدما سعى بين الصفا والمروة لعمرته، وقد كان يخرج إلى الحل فليس بقارن، وعليه دم لتأخير الحلاق، والمكي وغيره في هذا الدم سواء.
_________
(1) الحل: مأخوذ من معنى الفتح والإطلاق، وأصل الحل: حل العقدة، وهو نقيض العقد، وهو أعم من الحلال لأنه يطلق على ما سوى التحريم، معجم المصطلحات (1/585) .(1/503)
723 - ولو دخل مكي بعرفة فأضاف [إليها] الحج ثم أحصر بمرض حتى فاته الحج فإنه يخرج إلى الحل ثم يرجع فيطوف ويحل ويقضي الحج والعمرة قابلاً قارناً.
724 - ومن دخل مكة قارناً فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة في غير أشهر الحج ثم حج من عامه فعليه دم القران، ولا يكون طوافه حين دخل مكة لعمرته لكن [يكون] لهما جميعاً. ولا يحل من واحدة منهما دون الأخرى، لأنه لو جامع فيهما لقضاهما قارناً.
725 - وليس على أهل مكة - القرية - بعينها، أو أهل ذي طوى إذا قرنوا أو تمتعوا دم قران ولا متعة أحرموا من الميقات أو من غيره، لكنهم يعملون عمل القارن، وكذلك لو أقام المكي بمصر أو بالمدينة مدة لتجارة أو غيرها، ولم يوطنها ثم رجع إلى مكة فقرن جاز قرانه ولا دم عليه للقران لأنه مكي.
وأما أهل منى والمناهل التي بين مكة والمواقيت كقديد، وعسفان،(1/504)
ومرظهران، وغيرهم من سكان الحرم إذا قرنوا من موضع يجوز لهم [أو دخلوا بعمرة من موضع يجوز لهم] ، أو تمتعوا فحلوا من عمرتهم في أشهر الحج، ثم أقاموا بمكة حتى حجوا، فعليهم الدم للمتعة وللقران، ومن رجع منهم إلى قراره بعد أن حل من عمرته في أشهر الحج ثم حج من عامه سقط عنه دم المتعة لرجوعه إلى منزله.
726 - ومن كان له أهل بمكة وأهل ببعض الآفاق، فقدم مكة معتمراً في أشهر الحج فهذا من مشتبهات الأمور، وأحوط له أن يهدي.
727 - ومن دخل مكة في أشهر الحج بعمرة وهو يريد سكناها ثم حج [من] عامه [ذلك] فعليه دم المتعة، وليس هو كأهل مكة، لأنه أتى يريد السكنى، وقد يبدو له.(1/505)
ومن حل من أهل الآفاق من عمرته قبل أشهر الحج ثم اعتمر عمرة ثانية من التنعيم في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك فعليه دم المتعة، وهو أبين من الذي قدم ليسكن، لأن هذا لم تكن إقامته الأولى سكنى.
ومن حلّ من عمرته في أشهر الحج وهو من أهل الشام، أو من مصر، فرجع من مكة إلى المدينة ثم حج من عامه فعليه دم المتعة غلا أن يرجع إلى أفق مثل أفقه، وتباعد من مكة ثم يحج فلا يكون متمتعاً.
728 - ومن اعتمر في رمضان فطاف وسعى بعض السعي ثم أهل [هلال] شوال فأتم سعيه فيه، ثم حج من عامه، كان متمتعاً [حج عن نفسه أو عن غيره] ، ولو فرغ من سعيه في رمضان ثم أهل [هلال] شوال قبل أن يحلق ثم حج من عامه فليس بمتمتع، لأن مالكاً قال: من فرغ من سعيه بين الصفا والمروة [فلبس الثياب قبل أن يقصر] فلا شيء عليه.(1/506)
729 - واستحب مالك لأهل مكة أو لمن دخلها بعمرة أن يحرم بالحج من المسجد الحرام، [قال أشهب: من داخل المسجد لا من باب الحرم] ، ومن دخل مكة من أهل الآفاق في أشهر الحج بعمرة وعليه نفس فأحب إلي أن يخرج إلى ميقاته فيحرم منه بالحج، ولو أقام حتى يحرم من مكة كان ذلك له.
730 - ويهل أهل قديد وعسفان ومر ظهران من منازلهم، وكل من كان وراء الميقات إلى مكة فميقاته من منزله.
731 - وذو الحليفة ميقات أهل المدينة، ومن مر بها من الناس [كلهم] خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم من أهل المغرب، فإن ميقاتهم الجحفة لا يتعدوه، ولهم إذا مروا بالمدينة أن يؤخروا إحرامهم إلى الجحفة، والأفضل لهم أن يحرموا من ذي الحليفة ميقات النبي ÷ ولأنها طريقهم. وميقات أهل اليمن من يلملم، وأهل نجد قرن، ووقت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ذات عرق(1/507)
لأهل العراق.
ومن مر بالمدينة من أهل العراق فليحرم من ذي الحليفة ولا يؤخر إلى الجحفة، وإن مر أهل الشام ومصر قادمين من العراق فليحرموا من ذات عرق.
وكذلك حميع أهل الآفاق من مر منهم بميقات ليس له فليحرم منه، خلا أهل الشام ومصر ومن وراءهم إذا مروا بالمدينة على ما وصفنا.
732 - ومن جاوز الميقات [ممن يريد الإحرام] جاهلاً ولم يحرم منه، فليرجع فيحرم منه ولا دم عليه، إلا أن يخاف فوات الحج فليحرم من موضعه ويتماد وعليه دم، ولو أحرم بعد أن جاوزه لم يرجع وإن لم يكن مراهقاً وتمادى وعليه دم.
733 - ومن أهل من ميقاته بعمرة فلما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف حجه إلى عمرته، فلا دم عليه، لتركه الميقات في الحج، لأنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً.
734 - وإن تعدى الميقات ثم قرن أو أحرم بعمرة لما دخل مكة أو قبل أن يدخلها أردف الحج، فعليه دم لترك الميقات، ودم للقران، لأن كل من كان ميقاته من منزله أو غيره فجاوزه، وهو يريد أن يحرم بحج، أو عمرة، فاحرم بعد ذلك فعليه دم.(1/508)
ولا يشبه بالذي جاء من عمل الناس في الذين يخرجون من مكة ثم يعتمرون من الجعرانة والتنعيم، لأن ذلك رخصة لهم، وإن لم يبلغوا [مواقيتهم] .
735 - ومن جاوز ميقاته في حاجته [وهو لا يريد إحراماً] ثم بدا له أن يحج من موضعه ذلك فليحرم منه ولا دم عليه، وكذلك لو مضى مصري إلى عسفان في حاجة، ثم بدا له أن يحج منها، أو يعتمر فله ذلك ولا دم عليه لترك الميقات.
736 - مالك: ومن تعدى الميقات وهو صرورة ثم أحرم فعليه دم (1) . قيل لابن القاسم: فإن تعداه ثم أحرم بالحج بعد أن جاوزه وليس [بصرورة، قال: إن كان جاوزه] مريداً للحج ثم أحرم فعليه دم. ومن تعدى
_________
(1) الصرورة: هو الذي لم يحج قط، انظر: النهاية لابن الأثير (3/22) .(1/509)
الميقات فأحرم بالحج ثم فاته الحج فلا دم عليه لتعديه لرجوعه إلى عمل العمرة وإنه يقضي حجته.
737 - وإن جامع فأفسد حجه فعليه دم الميقات، لأنه على عمل حجه متماد وإن قضاه.
738 - ومن وجب عليه دم لتعدي الميقات أو لتمتع لم يجزه مكانه طعام، وأجزأه الصوم إن لم يجد هدياً، وإنما يكون الصيام أو الطعام مكان الهدي في فدية الأذى أو في جزاء الصيد.
739 - ومن أحرم بالحج من خارج الحرم، مكي أو متمتع، فلا دم عليه لتركه الإحرام من داخل الحرم، لأنه زاد ولم ينقص، فإن مضى إلى عرفات ولم يدخل الحرم وهو مراهق فلا دم عليه.
740 - وإن أحرم بالحج من الحل أو من التنعيم وهو مكي أو غير مكي فعليه أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل أن يخرج إلى عرفات إن لم يكن(1/510)
مراهقاً، ويكون خلاف من أحرم بالحج من الحرم.
741 - ومن دخل مكة بغير إحرام متعمداً أو جاهلاً فقد عصى ولا شيء عليه، لأن ابن شهاب كان لا يرى بأساً أن يدخل مكة بغير إحرام، وخالفه مالك وقال: لا أحب لأحد من الناس أن يقدم من بلده فيدخل مكة بغير إحرام.(1/511)
742 - وإن كان من [أهل] المناهل القريبة منها كقديد ونحوها يقدم في السنة لحاجة وليس شأنهم الاختلاف، وإنما أرخص في ذلك للمختلفين بالفواكه والطعام والحطب مثل الطائف وجدة وعسفان فيدخلوا [مكة] بغير إحرام لكثرة ذلك عليهم أو مثل فعل ابن عمر حين خرج إلى قديد فبلغه خبر فتنة المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام.
743 - ومن جاوز الميقات وهو يريد الحج فلم يحرم منه حتى دخل مكة بغير إحرام فأحرم منها بالحج فعليه دم لترك الميقات وحجه تام. وإن جاوز الميقات غير مريد للحج فلا دم عليه وقد أساء [فيما فعل] حين دخل الحرم حلالاً من أي اهل الآفاق كان ولا شيء عليه.(1/512)
744 - وللسيد أن يدخل عبده أو أمته مكة بغير إحرام ويخرجهما إلى منى وعرفات غير محرمين، ومن ذلك الجارية يريد بيعها فلا بأس أن يدخلها بغير إحرام، فإن أذن السيد لعبده بعد ذلك فأحرم من مكة فلا دم على العبد لترك الميقات.
745 - وإذا أسلم نصراني أو عتق عبد أو بلغ صبي أو حاضت جارية بعد دخولهم مكة، أو هم بعرفات، فأحرموا حينئذ بالحج ووقفوا أجزأتهم عن حجة الإسلام، ولا دم عليهم لترك الميقات.
746 - ولو أحرم العبد قبل عتقه والصبي والجارية قبل البلوغ تمادوا على حجهم ولم يجز لهم أن يجددوا إحراماً، ولا تجزيهم عن حجة الإسلام.
747 - وإذا أحرم مكي أو متمتع من مكة بالحج فليؤخر الطواف حتى يرجع من عرفات فيطوف ويسعى، ولو عجل الطواف والسعي قبل خروجه إلى عرفات لم(1/513)
يجزه، وليعدهما إذا رجع من عرفات، فإن لم يعد السعي حين رجع من عرفات حتى رجع إلى بلده أجزأه السعي الأول، وعليه هدي، وذلك أيسر شأنه.
748 - مالك - رحمه الله - وأحب إلي أن يحرم أهل مكة إذا أهلّ هلال ذي الحجة.
وكان مالك يأمر أهل مكة، وكل من أنشأ الحج من مكة أن يؤخر طوافه الواجب وسعيه حتى يرجع من عرفات، وله أن يطوف تطوعاً قبل أن يخرج، ولا يسعى حتى يرجع من عرفات، فإذا رجع طاف الطواف الواجب و [سعى. والطواف الواجب] هو الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة.(1/514)
وكره مالك أن يحرم أحد قبل [أن يأتي] ميقاته، أويحرم بالحج قبل أشهر الحج، فإن فعل في الوجهين [جميعاً] لزمه ذلك.
749 - ومن أذن لعبده أو لأمته أو [لزوجته] في الإحرام فليس له أن يحلّهم بعد ذلك، فإن خاصموه قضي لهم عليه، وإن باع عبده أو أمته وهما محرمان جاز بيعه، وليس للمبتاع أن يحلّهما، وله غن لم يعلم بإحرامهما الرد لعيب بهما إلا أن يقربا من الإحلال.
750 - وإن أحرم العبد بغير إذن سيده فحلله منها ثم أذن له في عام آخر في قضائها حج وأجزأه منها، وعلى العبد الصوم لما حلله سيده إلا أن يهدي عنه سيده أو يطعم.(1/515)
قيل: [فإذا] أحرمت المرأة بفريضة بغير إذن زوجها فحللها، ثم أذن لها من عامها فحجت أيجزيها حجها من الفريضة والقضاء؟، فقال: أرجو ذلك.
وأما إن أحرم [عبد] بغير إذن سيده فحلله ثم أعتقه فحج ينوي القضاء، وحجة الإسلام أجزأته للقضاء لا للفريضة، كما لو نذر فقال: إن أعتق الله رقبتي فعلي المشي إلى بيت الله في حجة، فأعتق، فإنه يحج حجة الإسلام ثم النذر بعدها، ولا يجزيه حجته حين أعتق عنهما، لأنه أدخل تطوعاً مع واجب.
والمرأة إنما أجزأها حجها عن الفريضة والقضاء، لأنها قضت واجباً بواجب، ولو كان إنما حللها من تطوع [وهي صرورة] فهذه قضاء [لها] وعليها حجة الإسلام. (1)
751 - وقد قال مالك فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله فحنث وهو صرورة فمشى في
_________
(1) انظر: التاج الإكليل (3/164) ، ومواهب الجليل (3/165) .(1/516)
حجة ينوي بها نذره وفرضه، إنها تجزيه لنذره لا لفرضه، وعليه حجة الإسلام، فمسألة العبد مثل هذا.
752 - وإن حج بالصغير أبوه وهو لا يجتنب ما يؤمر به [مثل] ابن سبع سنين وثمانية، فلا يجرده حتى يدنو من الحرم، والذي قد ناهز يجرد من الميقات، لأنه يدع ما يؤمر بتركه، وإذا كان لا يتكلم فلا يلبي عنه أبوه، فإذا جرده أبوه [يريد] بتجريده [الإحرام] فهو محرم، ويجنبه ما يجتنب الكبير، فإن احتاج إلى دواء أو طيب فعل به [ذلك] وفدى عنه، وإن لم يقو على الطواف طيف به محمولاً، ويرمل الذي يطوف به في الأشواط الثلاثة بالبيت ويسعى في المسيل، ولا يركع عنه الركعتين إن لم يعقل الصلاة، ولا(1/517)
يطوف به إلا من طاف لنفسه لئلا يدخل في طواف واحد طوافين، والطواف بالبيت كالصلاة. ولا بأس أن يسعى لنفسه وللصبي سعياً واحداً يحمله في ذلك ويجزيه منهما، لأن السعي أخف من الطواف، وقد يسعى من ليس على وضوء، ولا يطوف إلا متوضئ، ولا يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كالطواف.
753 - والمجنون في جميع أمره كالصبي، وليس لأب الصبي أو أمه أو من هو في حجره من وصي أو غيره أن يخرجه ويحجه وينفق عليه من مال الصبي إلا أن يخاف [عليه] من ضيعته بعده، إذ لا كافل له، فله أن يفعل به ذلك، وإلا ضمن ما أكرى له به وأنفق عليه إلا قدر ما كان ينفق في مقامه.
754 -[مالك] : ولا بأس أن يحرم بالأصاغر الذكور وفي أرجلهم الخلاخل وعليهم الأسورة، وكره مالك للصبيان الذكور حلي الذهب.
755 - ومن أتى مكة ليلاً فواسع له أن يدخل، واستحب مالك أن يدخلها نهاراً،(1/518)
واستحب لمن أتى من طريق المدينة أن يدخل مكة من كداء. وذلك واسع من حيث [ما] دخل.
756 - فإذا دخل المسجد فعليه أن يبتدئ باستلام الحجر الأسود بفيه إن قدر، وإلا لمسه بيده ثم وضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يصل كبّر إذا حاذاه، ولا يرفع يديه ثم يمضي ويطوف، ولا يقف، وكلما مر به فواسع إن شاء استلم أو ترك.
757 - ولا يقبل بفيه الركن اليماني لكن يلمسه بيده ثم يضعها على فيه من غير تقبيل، فإن لم يستطع لزحام الناس كبّر ومضى، وكلما مرّ به في طواف واجب أو تطوع فواسع إن شاء استلم أو ترك، ولا يدع التكبير كلما حاذاهما في طواف واجب أو تطوع.(1/519)
758 - ولا يستلم الركنين اللذين يليان الحجر بيده ولا يقبلهما [ولا يكبر] إذا حاذا [هما] .
[وأنكر مالك قول الناس إذا حاذوا] الركن الأسود: إيماناً بك وتصديقاً بكتابك، ورأى أنه ليس عليه العمل، وقال: لا يزيد على التكبير شيئاً، وأنكر وضع الخدين والجبهة على الحجر الأسود وقال: هذه بدعة.
759 - وليزاحم على استلام الحجر ما لم يكن آذى، ولا بأس باستلامه لغير طواف، قلت: فإذا طاف أول دخول مكة الطواف الواجب الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة، واستلم الحجر ثم طاف بعد ذلك [أيبدأ باستلام(1/520)
الركن من كل طواف يطوفه بعد ذلك؟ قال: نعم] .
قال: ليس عليه أن يستلم الحجر في ابتداء طوافه إلا في الطواف الواجب إلا أن يشاء، فإذا فرغ من طوافه أول ما دخل مكة وصلى الركعتين فلا يخرج إلى الصفا والمروة حتى يستلم الحجر، فإن لم يفعل فلا شيء عليه، فإذا طاف بالبيت بعد أن تم سعيه [بين الصفا والمروة] وأراد الخروج إلى منزله فليس عليه أن يرجع [حتى] يستلم الحجر إلا أن يشاء.
760 - ومن طاف بالبيت في حج أو عمرة طوافه الواجب فلم يستلم الحجر في شيء من ذلك فلا شيء عليه.
761 - ولا بأس بما خف من الحديث في الطواف، ولا ينشد شعراً، وليست(1/521)
القراءة في الطواف من السنة، وإن باع واشترى في طوافه فلا يعجبني.
762 - وإذا زوحم في الرمل (1) فلم يجد مسلكاً رمل بقدر طاقته، ومن جهل أو نسي فترك الرمل في الأشواط الثلاثة بالبيت أو السعي بين الصفا والمروة فهذا خفيف، وكان مالك يقول: [عليه الدم، ثم رجع عنه وقال: لا دم عليه.
763 - قال مالك: يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، وكان يقول] في تارك الرمل إن قرب أعاد، وإن بعد فلا شيء عليه، ثم خففه ولم ير أن يعيد [وإن قرب] ، ومن قضى حجة فائتة فليرمل بالبيت، ويسعى في الليل، ويستحب لمن اعتمر من الجعرانة أو التنعيم أن يرمل إذا طاف بالبيت، وليس وجوبه عليه كوجوبه على من حج أو اعتمر من المواقيت. وأما السعي فواجب على من اعتمر من التنعيم وغير ذلك، ومن ذكر في الشوط الرابع أنه لم يرمل في
_________
(1) رمل: أسرع في المشي وهز منكبيه، النهاية (2/265) .(1/522)
الثلاثة أشواط مضى ولا شيء عليه، دم ولا غيره، ومن رمل الأشواط السبعة كلها فلا شيء عليه.
764 - ومن طاف بالبيت منكوساً لم يجزه، ومن طاف محمولاً من عذر أجزأه، وإن كان لغير عذر أعاد الطواف بالبيت، إلا أن يكون رجع إلى أهله فليهرق دماً، وإن طاف راكباً أعاد إن لم يفت، فإن تطاول [ذلك] فعليه دم.
765 - ومن طاف الطواف الواجب وفي ثوبه أو جسده نجاسة لم يعد كمن صلى بذلك ثم ذكر بعد الوقت. (1)
766 - ولا يعتد بما طاف في داخل الحجر (2) ، ويبني على ما طاف خارجاً منه، وإن لم يذكر حتى رجع إلى بلده فليرجع، وهو كمن لم يطف. والطواف بالبيت للغرباء أحب إلي من الصلاة، ولم يكن مالك يجيب في مثل هذا.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/76، 77) .
(2) الحجر: بكسر الحاء وسكون الجيم، هو فناء محوط مدور على صورة نصف دائرة، خارج عن جدار الكعبة في جهة الشام، وقد جعله إبراهيم عليه السلام إلى جانب البيت، وعمله عريشاً بالآراك، وكان زرباً لغنم إسماعيل عليه السلام، وانظر: مواهب الجليل (3/76، 77) .(1/523)
767 - ولم يكره مالك الطواف بالبيت بالنعلين والخفين، وكره أن يدخل البيت بهما أو يرقى بهما الإمام أو غيره منبر النبي ÷، وأجاز ابن القاسم أن يدخل بهما الحجر.
768 - ومن طاف وراء زمزم أو في سقائف المسجد من زحام الناس فلا بأس به، وإن طاف في سقائفه لغير زحام لحرّ ونحوه أعاد الطواف.
769 - ومن قرن الحج والعمرة أجزأه طواف واحد لهما [جميعاً] وهي السنة.(1/524)
770 - ومن دخل مكة مراهقاً (1) فخشي فوات الحج، وهو مفرد بالحج أو قارن، فليدع الطواف ويمضي إلى عرفات، ولا دم عليه لترك الطواف، وسواء دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل، ومضى كما هو إلى عرفات، لأنه مراهق.
وإن كان غير مراهق وهو مفرد بالحج أو قارن فأخر الطواف حتى أفاض كان عليه دم لتأخيره، دخل مكة أو الحرم أو لم يدخل [الحرم] ومضى إلى عرفات وهو يقدر على الدخول والطواف فتركه فالدم يلزمه لتأخير الطواف، لأنه غير مراهق. وعلى القارن دم آخر [لقرانه] .
771 - وأما من دخل مكة معتمراً يريد الحج وهو مراهق أو غير مراهق ففرض الحج وتمادى صار قارناً ولا دم عليه لتأخير الطواف، إذ له غرداف الحج ما لم يطف، وإنما عليه دم القران فقط.
772 - والمفرد بالحج إذا طاف الطواف الواجب أول ما يدخل مكة وسعى بين الصفا والمروة على غير وضوء ثم خرج إلى عرفات فوقف المواقف ثم رجع إلى مكة يوم
_________
(1) أرهق فلاناً: دنا منه وأدركه، وانظر: الوسيط (1/391) .(1/525)
النحر فطاف للإفاضة على وضوء ولم يسع حتى رجع إلى بلده فأصاب النساء والصيد والطيب وليس الثياب فليرجع لابساً للثياب حلالاً إلا من النساء والصيد والطيب حتى يطوف ويسعى ثم يعتمر ويهدي. وليس عليه أن يحلق إذا رجع بعد فراغه من السعي، لأنه قد حلق بمنى، ولا شيء عليه في لبس الثياب، لأنه لما رمى الجمرة حل له اللباس بخلاف المعتمر، [لأن المعتمر] لا يحل له ليس الثياب حتى يفرغ من السعي.
773 - ولا شيء عليه في الطيب لأنه بعد [رمي] الجمرة، فهو خفيف، وعليه لكل صيد أصابه الجزاء، ولا دم عليه إذا أخر الطواف الذي طافه حين دخل مكة على غير وضوء، وأرجو أن يكون خفيفاًن لأنه لم يتعمد ذل وهو كالمراهق، والعمرة مع الهدي يجزيه من ذلك كله، وجل الناس يقولون: لا عمرة عليه.
774 - ومن طاف لعمرته على غير وضوء فذكر بعد أن حل منها بمكة أو ببلده(1/526)
فليرجع حراماً كما كان، وهو كمن لم يطف بالبيت بويسعى] ، وإن كان قد حلق بعد طوافه افتدى، وإن كان أصاب النساء [والصيد] والطيب فعليه لكل صيد أصابه الجزاء.
775 - ومن طاف للإفاضة على غير وضوء رجع لذلك من بلده، فيطوف للإفاضة إلا أن يكون قد طاف بعده تطوعاً فيجزيه [من طواف الإفاضة] .
776 - وطواف الإقامة واجب كطوافه الذي يصل به السعي بين الصفا والمروة،(1/527)
يرجع لما ترك منهما فيطوفهما، وعليه الدم، والدم في هذا خفيف.
777 - ومن طاف في أول دخوله مكة ستة أشواط ونسي السابع وصلى ركعتين، وسعى، فإن كان قريباً طاف شوطاً واحداً، وركع وسعى، وإن طال ذلك أو انتقض وضوءه أو ذكر ذلك في طريقه أو ببلده [أو بعد أن وقف بعرفات] رجع فابتدأ الطواف من أوله وركع وسعى. وإن كان قد جامع النساء فليرجع وليفعل كما وصفنا في الذي طاف وسعى على غير وضوء.
778 - وإذا ذكر المعتمر ببلده أنه نسي الركعتين، وقد أصاب النساء، فليركعهما ويهدي، وإن ذكر أنه لم يكن طاف بالبيت إلا ستاً رجع فابتدأ الطواف ورجع وسعى وأمر الموسى على رأسه، وقضى عمرته وأهدى.
779 - ولو أتم سعيه [لعمرته] ثم أردف الحج ثم ذكر بعرفة أنه لم يكن طاف(1/528)
بالبيت إلا ستاً صار قارناً يعمل عمل القارن.
780 - وإذا طاف حاج أول دخوله مكة ولا ينوي بطوافه [هذا] فريضة ولا تطوعاً ثم سعى لم يجزه سعيه إلا بعد طواف ينوي به طواف الفريضة، فإن لم يتباعد رجع فطاف وسعى. وإن فرغ من حجه ثم رجع إلى بلده وتباعد وجامع النساء أجزأه ذلك وعليه الدم، والدم في هذا خفيف.
781 - ومن طاف بعض طوافه ثم خرج فصلى على جنازة أو خرج لنفقة نسيها فليبتدئ الطواف ولا يبني، ولا يخرج من طوافه لشيء إلا لصلاة الفريضة.
782 - وطواف الإفاضة تعجيله يوم النحر أفضل، وإن أخره حتى مضت أيام التشريق(1/529)
وانصرف من منى إلى مكة فلا بأس. وإن أخّر الإفاضة والسعي بعدما انصرف من منى أياماً وتطاول ذلك فليطف ويسع ويهد.
783 - وللرجل أن يؤخر الطواف والسعي إلى الموضع الذي يجوز له أن يؤخر الإفاضة وطواف الإفاضة هو الذي يسمى طواف الزيارة، وكره مالك أن يقال: طواف الزيارة، أو يقال: زرنا قبر النبي ÷.
784 - وطواف الصّدر (1) مستحب ليس بواجب، وهو طواف الوداع، ويرجع له ما لم يبعد، وقد ردّ له عمر - رضي الله عنه - من مرظهران، ولم يجد فيه مالك أكثر من قوله: إن كان قريباً. وأنا أرى أن يرجع ما لم يخش فوات أصحابه، أو
_________
(1) طواف الصدر: ويقال طواف الزيارة وطواف الإفاضة، والطواف الواجب، وطواف الصدر، والصدر رجوع المسافر من مقصده.(1/530)
منعاً من كريّه، فيمضي حينئذ ولا شيء عليه، ومن تركه فلا شيء عليه.
785 - ومن طاف للوداع ثم باع واشترى في ساعة بعض حوائجه فلا يرجع، وإن أقام في ذلك [بمكة] يوماً أو بعض يوم رجع فطاف، ولو ودعوا ثم برز بهم الكري إلى ذي طوى فأقام بها يومه وليلته فلا يرجعوا للوداع ويتمّوا الصلاة بذى طوى ما داموا بها، لأنها من مكة، فإذا خرجوا منها إلى بلادهم قصروا.
786 - وطواف الوداع على من حج من النساء والصبيان والعبيد وعلى كل أحد، وليس ذلك على مكي ولا على من قدم مكة حاجاً يريد أن يستوطنها، ولا على من فرغ من حجه فخرج ليعتمر من الجعرانة أو التنعيم، وأما إن خرج ليعتمر من ميقات كالجحفة وغيرها فليودع، وإن سافر مكي ودّع، و [من] حج من مرظهران أو من عرفة أو من غيرها من يقرب، فليودع.(1/531)
787 - ومن اعتمر ثم خرج من فوره أجزأه طواف عمرته من الوداع، وإن أقام ثم خرج ودع، وكذلك من فاته الحج ففسخه في عمرة، أو أفسد حجه عليه طواف الصدر إذا اقام هذا المفسد بمكة، لأن عمله عاد إلى عمرة، وإن خرج مكانه فلا شيء عليه.
788 - وإن حاضت امرأة بعد الإفاضة فلتخرج قبل أن تودع، وإن حاضت قبل الإفاضة أو نفست لم تبرج حتى تفيض، ويحبس عليها كريهاً أقصى جلوس النساء في الحيض والاستظهار، وفي النفاس من غير سقم [و] لا يحبس أكثر من هذا.
وقد تقدم ذكر دخول البيت بنعلين أو خفين.
789 - ولا تجزئ المكتوبة من ركعتي الطواف.(1/532)
790 - ومن طاف أسبوعاً فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثانٍ قطع وركع، فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين للاختلاف فيه.
791 - ومن طاف في غير إبان صلاة أخّر الركعتين، وإن خرج إلى الحل ركعهما فيه، وتجزيانه ما لم ينتقض وضوءه. فإن انتقض [وضوءه] قبل أن يركع وكان طوافه ذلك واجباً رجع وابتدأ الطواف [بالبيت] وركع، [لأن الركعتين من الطواف توصلان به] إلا ان يتباعد فليركعهما، ويهد ولا يرجع.
792 - ومن دخل مكة حاجاً أو معتمراً فطاف وسعى ونسي ركعتي الطواف، وقضى جميع حجه أو عمرته ثم ذكر ذلك بمكة أو قريباً منها، رجع فطاف وركع وسعى، فإن كان معتمراً فلا شيء عليه، إلا أن يكون قد لبس الثياب وتطيب، وإن كان في حج وكانت الركعتان من الطواف الذي وصل به السعي حين دخل مكة فعليه الهدي وإن كانتا من طواف الإفاضة وكان قريباً رجع فطاف وركع [وسعى] ، وإن كان وضوءه قد انتقض، ولا شيء عليه.
وإن كانتا من طواف السعي الذي يؤخره المراهق حتى يرجع من عرفة فذكر(1/533)
ذلك بعد تمام حجه وهو بمكة أو قريباص منها، فليعد الطواف [إذا كان وضوءه قد انتقض] ويركع ويسعى [ما فيه السعي] ولا هدي عليه، لأنهما من طواف هو بعد وقوفه بعرفة، ولو ذكرهما بعد أن بلغ بلده، أو تباعد من مكة، فلا يبالي من اي طواف كانتا من طواف عمرة أو حجة قبل وقوف عرفة أوبعد، فليركعهما حيث هو ويهدي ومحل هديه مكة. (1)
793 - ومن فرغ من طوافه خرج إلى الصفا، ولم يَحُدّ مالك ن أي باب يخرج، ويستحب ان يصعد منه ومن المروة أعلاهما حيث يرى الكعبة منه، ولا يعجبني أن يدعو قاعداً عليهما إلا من علة.
وتقف النساء أيضاً إلا من بها ضعف أو علة، ويقفن أسفلهما، وليس عليهن أن يصعدن إلا أن يخلوا [من الرجال] فيصعدن وذلك أفضل لهن. (2)
794 - ولم يحدّ مالك في الدعاء على الصفا والمروة حداً، ولا لطول القيام وقتاً،
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/47) .
(2) انظر: الذخيرة (3/247) .(1/534)
واستحب المكث عليهما في الدعاء، وإن رفع يديه عليهما أو في وقوف عرفة فرفعاً خفيفاً، وترك الرفع في كل شيء أحب إلى مالك إلا ابداء الصلاة فإنه يرفع [يديه] ، ولا يرفع يديه في المقامين عند الجمرتين.
795 - ويبدأ في سعيه بالصفا ويختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة [زاد] شوطاً ليصير بادياً بالصفا، ومن رمل فيجميع سعيه بين الصفا والمروة أجزأه وقد أساء، وإن لم يرمل في بطن المسيل فلا شيء عليه. (1)
796 - وإن سعى جنباً أجزأه إن كان في طوافه وركوعه طاهراً، ولا يسعى راكباً إلا من عذر، وإن جلس بين ظهراني سعيه شيئاً خفيفاً فلا شيء عليه، وإن طال فصار كالتارك لما كان عليه فليبتدئ ولا يبني.
797 - وإن صلى على جنازة قبل أن يفرغ من السعي أو باع أو اشترى أو جلس [مع أحد أو وقف معه يحدثه، لم ينبغ له ذلك، فإن فعل منه شيئاً بنى فيما خف ولم يتطاول [و] أجزأه. وإن أصابه حقن في سعيه] مضى فتوضأ وبنى.
_________
(1) انظر: الذخيرة (3/247) .(1/535)
798 - ومن ترك السعي بين الصفا والمروة أو شوطاً منه في حجة أو عمرة صحيحة أو فاسدة فليرجع لذلك من بلده.
799 -[قال مالك] : كان المقام في عهد إبراهيم - عليه السلام - في مكانه اليوم، وكان [أهل] الجاهلية ألصقوه بالبيت حيفة السيل، فكان كذلك في عهد النبي ÷، وعهد أبي بكر - رضي الله عنه -، فلما ولي عمر - رضي الله عنه -[وحج] رده إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، بعد أن قاس موضعه بخيوط قديمة كانت في خزائن الكعبة قيس بها حين أخذ، وعمر الذي نصب معالم الحرم بعد أن بحث عن ذلك.(1/536)
وبلغني أن الله تعالى أوحى إلى الجبال فتنحّت حن أرى الله إبراهيم مواضع المناسك فهو قوله - عز وجل -: ×وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا%، (البقرة: 128) .
* * *(1/537)
(كتاب الحج الثاني)
800 - ومن أحرم بالحج من مكة فأخّر الخروج يوم التروية والليلة المقبلة فلم يبت بمنى وبات بمكة ثم غدا من مكة إلى عرفات، فقد أساء ولا شيء عليه. وكره [له] مالك أن يدع المبيت مع الناس بمنى ليلة عرفة كما كره أن يبيت ليالي منى إذا رجع من عرفات في غير منى، ورأى على من بات ليلة كاملة أو جلها في غير منى ليالي منى الدم، وإن كان بعض ليلى فلا شيء عليه، ولم ير في ترك المبيت بمنى ليلة عرفة دماً.
801 - وكره مالك التقدم إلى منى قبل يوم التروية أو إلى عرفة قبل يوم عرفة، وأن يتقدم الناس أبنيتهم إليها.
وكره البنيان الذي اتخذه الناس بمنى، وبنيان مسجد عرفة، وما كان بعرفة(1/539)
مسجد مذ كانت، وإنما أحدث مسجدها بعد بني هاشم بعشر سنين، وكان الإمام يخطب منها بموضع يخطب [الإمام] اليوم متوكئاً على شيء، ويصلي بالناس [فيه] ، وفي الجزء الأول ذكر قطع التلبية.
802 - ويؤذن المؤذن بعرفة إن شاء والإمام يخطب أو بعد فراغه من خطبته، ذلك واسع، قيل له: فقبل أن يأتي الإمام أو قبل أن يخطب؟، فقال: ما أظنهم يفعلون هذا.
803 - وإن ذكر إمام عرفة صلاة نسيها وهو في الظهر قطع وقطعوا، بخلاف من ذكر أنه غير متوضئ، ثم يستخلف من يصلي بهم الظهر والعصر، ويصلي هو ما نسيها، ثم الظهر والعصر، ولو ذكرها بعد أن سلم من الظهر استخلف من(1/540)
يصلي بهم العصر وفعل هو كما وصفنا، ولو ذكرها وهو في العصر قطع وقطعوا، واستخلف من يصلي بهم العصر، وصلى هو ما نسي ثم الظهر ثم العصر، وأحب إلي أن يعيدوا ما صلوا معه في الوقت. وهذه مخالفة لما في كتاب الصلاة وهو آخر قوله، وإذا فرغ الناس من صلاتهم قبل الإام فلهم أن يدفعوا إلى عرفات، ولا ينتظرون الإمام، لأن خليفته موضعه، إذا فرغ من الصلاة دفع [بالناس] إلى عرفة، ودفع الناس بدفعه. وينزل الناس بعرفة أو منى أو المشعر الحرام حيث أحبوا.
804 - ومن وقف به بعرفة وهو مغمى عليه حتى دفعوا (1) منها أحزأه ولا دم عليه.
805 - ومن تعمد ترك الوقوف بعرفة حتى دفع الإمام أجزأه أن يقف ليلاً، وقد أساء
_________
(1) الدفع من عرفات: ابتداء السير، ودفع نفسه منها ونحّاها، أو دفع ناقته، وحملها على السير، النهاية (2/124) .(1/541)
وعليه الهدي، قيل: فمن مر بعرفة ماراً بعد دفع الإمام ولم يقف لها أيجزئه ذلك من الوقوف؟.
806 - قال: قال مالك: من جاء ليلاً وقد دفع الإمام أجزأه أن يقف [بعرفة] قبل طلوع الفجر.
807 - ومن وقف بعرفة على غير وضوء أو جنباً من احتلام فقد أساء ولا شيء عليه، ووقوفه طاهراً أحب إلي وأفضل.
قيل: أي هدي يجب علي أن أقف به بعرفة؟.
قال: كل هدي لا يجوز لك أن تنحره إن اشتريته في الحرم حتى تخرجه إلى الحل فتدخله الحرم، أو تشتريه من الحل فتدخله الحرم، فهذا الذي يوقف به بعرفة، لنه إن فاته الوقوف به بعرفة، لم ينحره حتى يخرج [به] إلى الحل، غن كان إنما اشتراه في الحرم، وإن كان [إنما] اشتراه في الحل فلا يخرج به إلى الحل ثانية.(1/542)
808 - وكل هدي أخطأه الوقوف بعرفة أو اشتراه بعد يوم عرفة وليلتها ينحره بمكة ولا ينحر بمنى إلا ما وقف به بعرفة، ولا يجزيك ما أوقفه غيرك من الهدي حتى توقفه أنت بنفسك.
809 - وتوقف الإبل والبقر والغنم وما وقف به من الهدي بعرفة، فإن بات [به] في المشعر الحرام فحسن، وإن لم يبت به فلا شيء عليه.
قيل: فهل يخرج الناس بالهدي يوم التروية كما يخرجون إلى منى ثم يدفعون بها كما يدفعون إلى عرفات؟.
قال: لم أسمع من مالك أكثر من أن يقف بها بعرفة، ولا يدفع بها قبل غروب الشمس.
قال ابن القاسم: فإن فعل لم يكن ذلك وقفاً وينحر بمكة [لا بمنى] ،(1/543)
قال: فإن عاد بها فأوقفها بعرفة قبل انفجار الصبح من ليلة النحر كان ذلك وقفاً، لأن مالكاً قال في الرجل يدفع من عرفة قبل غروب الشمس: إنه إن رجع فوقف بعرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ولا هدي عليه، لأنه كالمفاوت، وإن لم يرجع يقف، حتى طلع الفجر، فاته الحج، وعليه الحج قابلاً، والهدي ينحره فيحج قابل وهو كمن فاته الحج. فإذا اشترى الهدي بعرفة فوقف به أجزأه.
810 - وأكره لمن انصرف من عرفة أن يمر في غير طريق المأزمين. ومن دفع حين غربت الشمس قبل دفع الإمام أجزأه، لأنه دفع وقد حل الدفع، ولو دفع بدفع الإمام كانت السنة وكان ذلك أفضل.(1/544)
811 - ومن لم تكن به علة ولا بدايته وهو يسير لسير الناس فلا يصلي المغرب والعشاء إلا بالمزدلفة، فإن صلى قبلها أعاد إذا أتاها، لأن النبي ÷ قال: الصلاة أمامك. (1)
وأما من به علة أو بدابته فلم يستطع المضي مع الناس أمهل حتى يغيب الشفق ثم يجمع بينهما حيث كان وأجزأه.
قيل: فإن أدرك الإمام المزدلفة قبل مغيب الشفق.
قال: هذا ما لا أظنه يكون، ولو كان ما أحببت أن يصلوا الصلاتين حتى يغيب الشفق، ولا يكبر دبر الصلاة في المشعر الحرام في المغرب والعشاء والصبح.
812 - ومن بات بالمشعر الحرام فلم يقف حتى دفع الإمام فلا يقف بعده، ولا يتخلف
_________
(1) رواه البخاري (1667) ، ومسلم (1280) ، ومالك في الموطأ (الحج: 206) ، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما مرفوعاً.(1/545)
عنه، وإن كان لم يبت معه، وإنما ذهب إلى عرفات فوقف بها ليلاً ثم أتى وقد طلعت الشمس. قال مالك: فلا وقف له بالمشعر [الحرام] .
واستحسن ابن القاسم إن أتى قبل طلوع الشمس أن يقف ما لم يسفر، والوقوف بالمشعر بعد طلوع الفجر وبعد صلاة الصبح، فمن وقف بعد الفجر وقبل أن يصلي الصبح فهو كمن لم يقف.
813 - ومن أتي به المزدلفة مغمى عليه أجزأه ولا دم عليه، ومن مر بالمزدلفة ماراً ولم ينزل بها فعليه دم، وإن نزل بها ثم دفع منها في أول الليل أو في وسطه أو في آخره وترك الوقوف مع الإمام أجزأه ولا دم عليه.
814 - ويستحب للرجل أن يدفع من المشعر [الحرام] بدفع الإمام، ولا يتعجل قبله، وواسع للنساء والصبيان أن يتقدموا أو يتأخروا، ولا يقف أحد بالمشعر إلى طلوع الشمس أو الإسفار، ولكن يدفعون قبل ذلك، وإذا أسفر ولم يدفع الإمام دفع الناس وتركوه، ومن لم يدفع من المشعر الحرام حتى طلعت الشمس أساء ولا شيء عليه.(1/546)
815 - واستحب مالك أن تكون حصى الجمار أكبر من حصى الخذف قليلاً، وليأخذها من حيث شاء، ولا يرمي بحصى الجمار لنه قد رمى بها مرة.
816 - قال مالك: الشأن أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر [ضحوة] راكباً كما يأتي الناس على دوابهم، وفي غير يوم النحر يرمي ماشياً، فإن مشى يوم النحر في رمي العقبة أو ركب في رمي الجمار [في الأيام] الثلاثة فلا شيء عليه.
وإن رمى العقبة قبل طلوع الشمس وبعد الفجر أجزأه، وبطلوع الفجر يوم النحر يحل الرمي، والنحر بمنى، وإن رماها قبل الفجر أعاد الرمي. والرجال والنساء والصبيان في هذا سواء.
ويرمي العقبة يوم النحر بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة يرميها، وأحب(1/547)
إلينا أن يرميها من أسفلها، وتفسير حديث القاسم أنه كان يرميها من حيث تيسر معناه: من أسفلها من حيث تيسر. قال مالك: وإن رماها من فوقها أجزأه. (1)
817 - وإن ترك رمي جمرة العقبة أو بعضها يوم النحر حتى [إلى] الليل فليرمها ليلاً، وفي نسيان بعضها يرمي عدد ما ترك، ولا يستأنف جميع الرمي، وأحب إلي أن يهدي على اختلاف من قول مالك في وجوبه.
818 - ومن حلق قبل أن يرمي الجمرة افتدى، ولا يذبح حتى يرمي، فإن ذبح قبل أن يرمي أو حلق بعد الرمي قبل أن يذبح أجزأه ولا شيء عليه، ووجه النحر والذبح
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (225) من حديث مالك أنه سأل عبد الرحمن بن القاسم، من أين كان القاسم يرمي جمرة العقبة؟.(1/548)
ضحوة، ومن ذبح قبل الفجر أعاد الذبح.
819 - ومن جامع يوم النحر بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يحلق فحجه تام وعليه هدي وعمرة، ينحر الهدي فيها وهديده بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة من الغنم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [في الحج] وسبعة [إذا رجع] بعد ذلك إن شاء فرق بينهن أو جمع، لأنه إنما يصومها بعد أيام منى إذا قضى عمرته.
وإن جامع يوم النحر أول النهار أو آخره قبل أن يرمي ويفيض، فسد حجه وعليه حج قابل، ولو وطئ بعد يوم النحر قبل أن يفيض ويرمي فحجه مجزئ عنه ويعتمر ويهدي، ولو وطئ يوم النحر أو بعده قبل الرمي وبعد الإفاضة، فإنما عليه الهدي وحجه تام ولا عمرة عليه، ولو وطئ بعد الإفاضة ثم(1/549)
ذكر أنه طاف للإفاضة ستة اشواط، أو ترك ركعتي الطواف فليطف بالبيت سبعاً ويركع ثم يخرج إلى الحل فيعتمر ويهدي. (1)
وأكره لمن رمى جمرة العقبة أن يتطيب حتى يفيض، فإن فعل فلا شيء عليه لما جاء فيه.
825 - وإذا رمى العقبة فبدأ فقلم أظفاره، وأخذ من لحيته وشاربه، واستحد وأطلى بالنورة قبل أن يحلق رأسه فلا بأس بذلك.
826 - ويستحب له إذا حل من إحرامه أن يأخذ من لحيته وشاربه وأظفاره من غير إيجاب وفعله ابن عمر. [قال] مالك: والحلاق يوم النحر بمنى أحب إلي
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/166) .(1/550)
وأفضل.
827 - وإن حلق بمكة في أيام التشريق أو بعدها، أو حلق في الحل في أيام منى فلا شيء عليه، وإن أخر الحلاق حتى رجع إلى بلده جاهلاً أو ناسياً حلق أو قصر وأهدى.
828 - ومن ضفر أو عقص أو لبد فعليه الحلاق، [ومعنى قوله: ولا تشبهوا بالتلبيد: أن السنة جاءت فيمن لبد أن عليه الحلاق، فقيل: من ضفر(1/551)
أو عقص فليحلق، ولا تشبهوا [بالتلبيد] أي ولا تشبهوا علينا، فإنه مثل التلبيد] .
829 - ومن ضلّت بدنته يوم النحر أخّر الحلاق وطلبها ما بينه وبين الزوال، فإن أصابها وغلا حلق. ويفعل ما يفعل من لم يهد من الإفاضة ووطئ النساء وحلق الرأس ولبس الثياب كانت هذه البدنة مما عليه بدلها أم لا.
830 - ويُمِرّ الأقرع الموسى على رأسه عند الحلاق، ومن حلق رأسه بالنورة عند الحلاق أجزأه.
831 - ومن أخّر الطواف والسعي من مراهق وشبهه فليحلق إذا رمى الجمرة، ولا يؤخر حتى يطوف.
832 - وإذا قصّر الرجل فليأخذ من جميع شعر رأسه، وما أخذ من ذلك أجزأه،(1/552)
وكذلك الصبيان.
وليس على النساء إلا التقصير، ولتأخذ من جميع قرونها في الحج والعمرة الشيء القليل، وما أخذت من ذلك أجزأها، ولا يجزيهما أن يُقصّرا بعضاً ويُبقيا بعضاً. فإن جامعها بعد أن قصّر وقصّرت بعضاً وأبقيا بعضاً فعليهما الهدي.
833 - وإذا طاف المعتمر وسعى ولم يقصر، فأحب إلي أن يؤخر لبس الثياب حتى يقصر، وإن لبس قبل أن يقصر فلا شيء عليه.
834 - وإن وطئ قبل أن يقصر أو بعد أن أخذ من بعض شعره فعليه الهدي.
835 - والأيام الثلاثة التي بعد يوم النحر يرمي في كل يوم منها ثلاث جمرات بعد الزوال ماشياً، كل جمرة منها بسبع حصيات، ولو رمى قبل الزوال أعاد الرمي بعد الزوال.(1/553)
ويرمي الجمرتين جميعاً من فوقهما والعقبة من أسفلها، وإن رمى بسبع حصيات في مرة لم يجزه وتكون كواحدة، ويرمي بعدها بست ويوالي بين الرمي، ولا ينتظر بين كل حصاتين شيئاً، ويكبر مع كل حصاة تكبيرة، فإن لم يكبر أجزأه الرمي.
قيل [له] : فإن سبح مع كل حصاة؟. قال: السنة التكبير.
836 - ويقف عند الجمرتين للدعاء، ولا يرفع يديه، وإن لم يقف فلا شيء عليه، [ولا يقف عند العقبة] .
837 - وإن وضع الحصى وضعاً [أو طرحها] لم يجزه، وإن رمى حصاة فوقعت قرب الجمرة فإن وقعت موضع حصى الجمرة وإن لم تبلغ الرأس أجزأه، وإن سقطت في محمل (1) رجل فنفضها صاحب المحمل فسقطت في الجمرة لم يجزه، ولو
_________
(1) المحمل: الهودج، والعدلان على جانبي الدابة يُحمل فيهما، والزنبيل الذي يُحمل فيه العنب ونحوه، والجمع محامل، ويقال ما على البعير محمل، موضع الشيء الذي يحمل، الوسيط (حمل/1/206) .(1/554)
أصابت المحمل ثم مضت لقوة الرمي الأول حتى وقعت في الجمرة أجزأته.
838 - ولا يرم بحصى الجمار، لأنه قد رُمي بها، ومن نفد حصاه فأخذ ما بقي عليه من حصى الجمرة فرمى به أجزأه.
قال ابن القاسم: سقطت مني حصاة فلم أعرفها فرميت بحصاة من حصى الجمرة فقال لي مالك: إنه مكروه، وما أرى عليك شيئاً.
839 - ومن ترك يوم ثاني النحر رمي الجمرة من هذه الجمار حتى غابت الشمس رماها ليلاً، واختلف قول مالك في وجوب الدم [عليه] ، وأحب إلي أن يلزمه الدم.
وإن ترك رمي جمرة أو الجمار كلها حتى مضت أيام منى فحجه تام وعليه(1/555)
بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة، فإن لم يجد صام، وأما في حصاة فعليه دم. فإذا مضت أيام التشريق فلا رمي لمن لم يكن رمى.
840 - ومن رمى الجمار الثلاث بخمس خمس يوم ثاني النحر ثم ذكر من يومه رمىالأولى التي تلي مسجد منى بحصاتين ثم الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع ولا دم عليه، ولو ذكر من الغد رمى هكذا وليهد على أحد قولي مالك.
841 - ولو رمى من الغد ثم ذكر قبل مغيب الشمس أنه نسي حصاة من الجمرة الأولى بالأمس فليرم الأولى بحصاة، والاثنتين بسبع سبع، ثم يعيد رمي يومه، لأنه في بقية من يومه، وعليه دم للأمس [على أحد قوليه] .
وإن ذكر [ذلك] بعد مغيب الشمس من اليوم الثاني رمى عن أمس بما ذكرنا وعليه [فيه] دم ولم يعد رمي يومه، وإن لم يذكر ذلك إلا بعد رمي(1/556)
يومين فذكره قبل مغيب الشمس [من] آخر أيام التشريق رمى الأولى بحصاة والاثنين بسبع سبع عن أول يوم، وأعاد الرمي ليومه هذا فقط، إذ عليه بقية يومه، ولا يعيد رمي اليوم الذي بينهما، لأن وقت رميه قد مضى، [وعليه دم على أحد قوليه] .
842 - وإن ذكر أنه نسي حصاة من أول يوم لا يدري من أي جمرة، فقال مالك مرة: يرمي الأولى بحصاة ثم الوسطى [والعقبة] بسبع سبع [وبه أقول. ثم قال: يرمي كل جمرة بسبع سبع] .
843 - وإذا قُدر على حمل المريض وهو يقوى على الرمي، [ووجد من يحمله] حُمل ورمى بيده، ولا يرمي الحصاة في كف غيره ليرميها ذلك عنه،(1/557)
[وإن لم يُقدر على حمله ولم يستطع الرمي رمى عنه غيره] ، ثم يتحرى المريض وقت الرمي فيكبر لكل حصاة تطبيرة، وليقف الرامي عنه عند الجمرتين للدعاء، وحسن أن يتحرى المريض [ذلك] الوقت فيدعو، وعلى المريض الدم، لأنه لم يرم، وإنما رمى عنه غيره، فإن صحّ ما بينه وبين غروب الشمس من آخر أيام الرمي، أعاد ما رمى عنه كله في الأيام الماضية وعليه الدم.
ولو رمى عنه العقبة يوم النحر ثم صحّ آخر ذلك اليوم أعاد الرمي ولا دم عليه، وإن صح ليلاً فليرم ما رمى عنه وعليه الدم. والمغمى عليه [في الرمي] كالمريض.
844 - ويرمي عن الصغير من رمى عن نفسه كالطواف، ولو كان الصبي كبيراً قد(1/558)
عرف الرمي فليرم عن نفسه، فإن ترك الرمي أو لم يرموا عن الذي لا يقدر على الرمي فالدم على من أحجهما.
845 - ولا يُشترك في هدي تطوع أو واجب أو نذر أو جزاء أو فدية، ولا يشتركا [في بعير] وقد لزمهما شاة شاة أو لزم رجلاً وأهل بيته شاة شاة فأشركهم في بعير لم يجزهم، وأهل البيت والأجنبيون في هذا سواء. ولو ابتاع هو هدي تطوع لم ينبغ أن يشرك فيه أهل بيته.
846 - والشأن أن تُنحر البدن قياماً، فإن امتنعت جاز أن تعقل، والإبل تنحر ولا تذبح بعد النحر، والبقر تُذبح ولا تنحر بعد الذبح.
* * *(1/559)
[ما نُحر قبل الفجر]
847 - والهدايا كلها إذا نحرها قبل الفجر يوم النحر لم تجزه، [ومن قلّد نسكاً لأذى فلا يجزيه أن ينحره إلا يوم النحر بمنى بعد طلوع الفجر، ولا تذبح الضحايا والهدايا إلا في أيام النحر نهاراً، ولا تذبح ليلاً، فإن ذبحت ليلاً لم تُجز] . (1)
848 - وكره مالك للرجل أن ينحر هديه أو [يذبح] أضحيته غيره، فإن نحر له غيره [أو ذبح] أجزأه إلا أن يكون غير مسلم فلا يجزيه وعليه البدل.
849 - ومن ذبح فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل من فلان، فذلك حسن، وإن لم يقله وسمى الله أجزأه.
850 - وكل هدي واجب أو تطوع أو جزاء صيد دخله عيب بعد أن قلده وأشعره وهو صحيح مما يجوز في الهدي فحمله صاحبه أو ساقه حتى أوقفه بعرفة فنحره بمنى أجزأه.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/186) ، الشرح الكبير (2/92) .(1/560)
851 - وإن فاته أن يقف [به] بعرفة فساقه إلى منى فلا ينحره بها ولكن بمكة، ولا يخرجه إلى الحل ثانية، إن كان قد أدخله من الحل، فإن هلك هذا الهدي في سيره به إلى مكة لم يجزه، لأنه لم يبلغ محله، وكل هدي فاته الوقوف بعرفة فمحله مكة لا منى.
852 - ومن أوقف هدي جزاء صيد أو متعة أو غيره بعرفة ثم قدم [به] مكة فنحره بها جاهلاً وترك منى تعمداً أجزأه.
853 - ومن ضل هديه الواجب بعدما أوقفه بعرفة فوجده بعد أيام منى فلينحره بمكة، قال لي مالك مرة: ولا يجزيه وعليه الهدي الذي كان عليه، وقال قديماً - فيما بلغني - أنه يجزيه، وبه أقول.
854 - ومن قلد هديه وأشعره ثم ضل منه فأصابه رجل فأوقفه بعرفة ثم وجده ربه يوم النحر أو بعده أجزأه ذلك التوقيف، لأنه قد وجب هدياً، لا يرجع في ماله(1/561)
ولا يجزئ ما أوقف التجار، لأن توقيفهم لا يوجبها هدياً، ولهم ردها وبيعها.
855 - ومن أوقف هديه بعرفة، ثم ضل منه فوجده رجل فنحره بمنى، لأنه رآه هدياً، فوجده ربه منحوراً أجزأه.
856 - فإذا أخطأ الرفقاء يوم النحر فنحر كل واحد منهم هدي صاحبه أجزأهم، ولو كانت ضحايا لم تجزهم وعليهم بدلها، ويضمن كل واحد لصاحبه القيمة، لأن الهدي إذا قلد وأشعر لم يرجع في مال صاحبه، ومن نحره بعد أن بلغ محله أجزأ صاحبه، والضحايا له أن يبدلها بخير منها.
857 - قال مالك في امرأة دخلت مكة [بعمرة] ومعها هدي فحاضت بعد دخولها مكة قبل أن تطوف، فإنها لا تنحر هديها حتى تطهر ثم تطوف وتسعى وتنحر وتقصر، فإن كانت ممن تريد الحج وخافت الفوات ولم تستطع الطواف لحيضتها، أهلت بالحج وساقت هديها وأوقفته بعرفة ولا تنحره إلا بمنى،(1/562)
وأجزأها لقرانها وسبيلها سبيل من قرن.
858 - ومن اعتمر في أشهر الحج وساق معه هدياً فطاف لعمرته وسعى فلينحره إذا تم سعيه ثم يحلق أو يقصر ويحل. قال مالك - رحمه الله -: ولا يؤخره إلى يوم النحر، فإن أخره فلا يثبت حراماً، وليحل من عمرته، فإذا كان يوم التروية أحرم بالحج، واستحب [له] مالك أن يحرم في أول العشر.
859 - قال مالك: فإن كان لما حل من عمرته أخر هديه إلى يوم النحر فنحره لم يجزه عن متعته، لأنه قد لزمه أن ينحره أولاً، ثم قال مالك: إن أخر هذا المتمتع هديه إلى يوم النحر فنحره عن متعته رجوت أن يجزيه، وقد فعله أصحاب النبي ÷، وأحب إلي أن ينحره [ولا يؤخره] .(1/563)
860 - وإذا هلك هدي التطوع قبل محله فليتصدق به ولا يأكل منه، لأنه غير مضمون، وليس عليه بدله، فإن أكل منه فعليه بدله، وإن استحق فعليه بدله، ويجعل ما يرجع [إليه] من ثمنه في هدي كما يفعل فيما يرجع به من عيب هدي التطوع، والهدي المضمون هو الذي إذا هلك قبل محله أو عطب أو استحق كان عليه بدله.
861 - قال مالك: وله أن يأكل من الهدي كله، واجبه وتطوعه، إذا بلغ محله، ويجزئ إلا ثلاثة: جزاء الصيد، وفدية الأذى، وما نذره للمساكين، فإن أكل من جزاء الصيد أو فدية الأذى [ما] قل أو كثر بعد محله فعليه البدل.
قال ابن القاسم: ولا أدري ما قول مالك إن أكل مما نذره للمساكين، وأرى أن يطعم المساكين قدر ما أكل، ولا يكون عليه البدل، لأن هدي نذر المساكين لم يكن عند مالك في ترك الأكل منه بمنزلة جزاء الصيد، وفدية الأذى، وإنما استحب مالك ترك الأكل منه.
862 - قال مالك: وكل هدي مضمون هلك قبل محله فلصاحبه أن يأكل منه ويطعم(1/564)
من شاء غنياً أو فقيراً لأن عليه بدله، ولا يبيع من ذلك لحماً، ولا جلداً، [ولا حبلاً] ، ولا خطاماً، [ولا جلالاً] ، ولا قلائد، لا يستعين بذلك في ثمن البدل.
863 - قال مالك - رحمه الله -: ومن الهدي المضمون ما إن عطب قبل [أن يبلغ] محله جاز [له] أن يأكل منه، لأن عليه بدله، وإن بلغ محله لم يجز له أن يأكل منه، وإن أكل منه لم يجزه وعليه [البدل] وهو جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونذر المساكين.
864 - والهدي الذي ليس بمضمون هو [هدي] التطوع وحده، وكل هدي ساقه رجل لا لشيء وجب عليه من أمر الحج، أو يجب(1/565)
[عليه] في المستقبل فهذا تطوع.
865 - ومن قلّد بدنة أو أهدى هدياً تطوعاً ثم مات قبل أن تبلغ محلها فلا ترجع ميراثاً، لأنه قد أوجبها على نفسه.
866 - والمبعوث معه بالهدي يأكل منه إلا من الجزاء والفدية ونذر المساكين فلا يأكل منه [شيئاً] إلا أن يكون الرسول مسكيناً فجائز أن يأكل منه.
ومن بعث بهدي تطوع مع رجل [حرام] ثم خرج بعده حاجاً فإن أدرك هديه لم ينحر فليؤخر نحره إلى أن يحل، وإن لم يدركه فلا شيء عليه.(1/566)
867 - وإن أضل هدي التطوع ثم وجده بعد أيام النحر نحره بمكة، ولو ضلت منه أضحيته فوجدها بعد أيام النحر فلا يذبحها وليصنع بها ما شاء، وإن أصابها في أيام النحر ذبحها، إلا أن يكون قد ضحى ببدلها فلا شيء عليه. ولو ضل منه هدي واجب أو جزاء فنحر غيره يوم النحر ثم وجده بعد أيام النحر نحره أيضاً، لأنه قد أوجبه [على نفسه] فلا يرد في ماله.
868 - ومن عطب هديه التطوع ألقى قلائدها في دمها إذا نحرها ورمى عندها جلها وخطامها وخلى بين الناس وبينها، ولا يأمر من يأكل منها فقيراً ولا غنياً، فإن أكل أو أمر بأكلها وبأخذ شيء من لحمها فعليه البدل، وسبيل الجل والخطام سبيل لحمها، وإن بعث بها مع رجل فعطبت [فسبيل الرسول] سبيل صاحبها لو كان معها، ولا يأكل منها الرسول [إن عطبت] ، فإن أكل لم يضمن ولا يأمر ربها الرسول إن عطبت [أن] يأكل منها، فإن فعل ضمن، وإن أمره ربها إن عطبت أن يخلي بين الناس وبينها فعطبت فتصدق بها الرسول لم يضمن، وأجزت(1/567)
صاحبها، كمن عطب هديه التطوع فخلّى بين الناس وبينه، فأتى أجنبي فقسمه بين الناس، فلا شيء عليه ولا على ربه.
869 - ومن وجب عليه هدي في حج أو عمرة فله أن يبعثه مع غيره، وكل هدي واجب ضلّ من صاحبه بعد تقليده أو مات قبل أن ينحره [وهو بمنى أو في الحرم أو قبل أن يدخل الحرم] فلا يجزيه وعليه بدله، وكل هدي تطوع مات أو سرق أو ضلّ فلا بدل على صاحبه [فيه] .
870 - ومن سُرق هديه الواجب بعدما ذبحه أجزأه.
871 - ومن أطعم الأغنياء من الجزاء أو الفدية [فعليه البدل، جهلهم أو علم بهم كالزكاة، ولا يطعم منها، ولا من جميع الهدي غير مسلم، فإن فعل البدل الجزاء والفدية] ، ولا يبدل غيرهما وهو خفيف وقد أساء، وإن أطعم ذميّاً كفارة عليه لم تجزه.
872 - ولا يتصدق بشيء من الهدي على فقراء أهل الذمة، ولا يطعم من الجزاء أبويه وزوجته وولده ومدبره ومكاتبه وأم ولده، كما لا يعطيهم من زكاته.(1/568)
873 - ومن قلد هدياً وأشعره وهو لا يجزيه لعيب به فلم يبلغ محله حتى زال ذلك العيب لم يجزه وعليه بدله إن كان مضموناً، ولو قلده سليماً ثم حدث به ذلك قبل محله أجزأه.
874 - وما أصاب الضحايا من عيب بعد شرائها فعلى صاحبها بدلها، لأن له بدل أضحيته بخير منها، وليس لمن قلد هدياً بدله بخير منه ولا بيعه، فإن باعه رد إن وجد، وإن لم يعرف مكانه فعليه البدل بثمنه، ولا ينقص منه، وإن وجد بدله [بدونه] ، وإن لم يجد بالثمن فليزد عليه لأنه قد ضمن الهدي.
875 - وجلود الهدايا في الحج والعمرة وفي الأضحى يصنع بها ما يصنع بلحومها، ولا يعطي الجزار على جزر الهدايا والضحايا والنسك من لحومها ولا جلودها [شيئاً] ، وكذلك خطمها وجلالها.
876 - وتجزئ المكسورة القرن في الهدايا والضحايا إذا كان قد برئ، فإن كان يدمي(1/569)
فلا يصلح، ولا بأس في الهدايا والضحايا باليسير من قطع أو شق في الأذن مثل السمة ونحوها، ويجوز الخصي في [الهدايا و] الضحايا، ووسع مالك في الهدايا والضحايا فيالكوكب يكون في العين إذا كان يبصر بها ولم يكن على الناظر.
877 - ولا يجوز في الهدايا والضحايا العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها وكذلك جاء في الحديث (1) ، ولا يجوز الدّبر، من الإبل في الهدي، ولا المجروح وذلك في الدبرة الكبيرة والجرح الكبير، ولا يجوز في جزاء الصيد [و] الفدية ذوات العوار.
878 - ولا يجوز في الفدية إلا ما يجوز في الضحايا والبدن، والذي يجزئ من الأسنان
_________
(1) رواه مالك في الموطأ، كتاب الضحايا (2/482) .(1/570)
في الهدايا والضحايا والدن والفدية الجذع من الضأن والثني من سائر الأنعام، وكان ابن عمر يقول: لا يجزئ إلا الثني من كل شيء، قال مالك - رحمه الله -: إلا أن النبي ÷ [قد] أرخص في الجذع من الضأن. (1)
879 - والبدن عند مالك من الإبل وحدها، والذكور والإناث بدن كلها لعموم قول الله تعالى: ×والبدن% (2) ولم يقل ذكراً ولا أنثى، وتعجب مالك ممن قال: لا تكون إلا في الإناث. [ويجوز الذكور والإناث] من الغنم وغيرها في الهدي.
880 - ومن نذر بدنة فهي من الإبل، فإن لم يجد بدنة فبقرة، فإن لم يجد [بقرة]
_________
(1) رواه مسلم (1962) .
(2) سورة الحج: آية (36) .(1/571)
فسبعاً من الغنم، والذكور والإناث في ذلك سواء. ومن نذر هدياً ولا نية له فالشاة تجزيه لأنها هدي.
881 - ومن أهدى ثوباً فليبعه ويشتري بثمنه هدياً ما حمل من بدنة أو بقرة أو شاة وليشتري ذلك من الحل فيسوقه إلى الحرم، ولا يشتري إلا ما يجوز في الهدي.
882 - ومن اشترى هدياً تطوعاً فلما قلده وأشعره أصاب به عيباً فليمض به هدياً ولا بدل عليه، ويرجع على البائع بما بين الصحة والداء فيجعله في هدي آخر إن بلغ، فإن لم يبلغ تصدق به. وإن كان هدياً واجباً فعليه بدله ويستعين بما يرجع به على البائع في ثمن بدله، ولا ترد البدنة المعيبة تطوعاً كانت أو واجبة، كمن اشترى عبداً فأعتقه عن واجب وبه عيب لا يجزئ [به] ثم ظهر على العيب فإنه لا يجزيه، وليس له رده في الرق بعد عتقه، ولكن يرجع على البائع بما بين الصحة والداء فيستعين به في رقبة أخرى.
883 - وإن كان العيب مما تجزئ به الرقبة جعل حصة العيب في رقبة أو قطاعة(1/572)
مكاتب يتم بها عتقه، وإن كانت الرقبة تطوعاً صنع بها ما شاء.
[وأما هدي التطوع فإنه يجعل ما يرجع به من حصة العيب في هدي آخر إن بلغ وإلا تصدق به كما وصفنا] .
884 - وما جنى على الهدي فأخذ له صاحبه أرشاً فليصنع به ما يصنع من رجع من عيب أصابه في الهدي المقلد، ومن وجد بالضحايا عيباً ردها وأخذ ثمنها فاشترى [به] بدلها بخلاف الهدي المقلد، ولو جنى على الضحايا [أحد] أخذ منه صاحبها عقل ما جنى فاشترى بدلها ولم يذبح المعيبة.
885 - وإذا نتجت الناقة أو البقرة أو الشاة وهي هدي فليحمل ولدها معها إلى مكة إن وجد محملاً على غيرها، فإن لم يجد حمله عليها، فإن لم يكن في أمه ما يحمله(1/573)
عليها تكلف حمله.
886 - ولا يشرب من لبن الهدي شيئاً، ولا ما فضل عن ولدها، فإن فعل فلا شيء عليه، لأن بعض من مضى أرخص فيه بعد ريّ فصيلها.
887 - ومن احتاج إلى ظهر هديه فليركبه وليس عليه أن ينزل بعد راحته، لأن النبي ÷ قال: "اركبها ويحك" (1) في الثانية أو الثالثة، وإنما استحسن الناس ألا يركبها حتى يحتاج إليها.
888 - وإذا ضلّ الهدي بعد التقليد والإشعار فوُجد بعد أيان منى نُحر بمكة، فإن وجد خارجاً من مكة بعد أيام منى سبق إلى مكة فنحر بها، وإن لم يوقف بعرفة فوجد [في] أيام منى سيق إلى مكة فنحر بها، وإن وقف به بعرفة ثم وجد أيام
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (138) ، (1/377) ، والبخاري (1689) ، ومسلم (1322) .(1/574)
منى نحر بمنى.
889 - ومن كان عليه هدي من جزاء الصيد فلم ينحره حتى مضت أيام التشريق فاشتراه في الحرم ثم خرج به إلى الحل فليدخل حلالاً، ولا بأس أن يبعث بهديه هذا مع حلال من الحرم ثم يقفه فيالحل، ثم يدخله مكة فينحره عنه ولا يجزئ ذبح جزاء الصيد، وما كان من هدي إلا بمكة أو بمنى، وإن أطعم لحمه للمساكين وذلك يبلغ شبع عدد قيمة الصيد من الأمداد، لو أطعم الأمداد، لم يجزه.
890 - وما كان من هدي في عمرة [نحره إذا حل منها بمكة إذا] [كان](1/575)
وجب لشيء نقصه منها أو هدي نذر أو تطوع أو جزاء صيد فلذلك سواء ينحره إذا حل من عمرته، فإن لم يفعل لم ينحره إلا بمكة أو بمنى إلا ما كان من هدي الجماع في العمرة، فإنه لا ينحره إلا في قضائها أو بعد قضائها بمكة.
891 - ومن اشترى يوم النحر شاة أو بقرة أو بعيراً ولم يوقفه بعرفة ولم يخرجه إلى الحل فيدخله الحرم وينوي به الهدي، وإنما أراد أن يضحي بذلك، فليذبحها ضحوة، وليست بضحية، لأن أهل منى ليس عليهم أضاحي، وكل شيء في الحج فهو هدي، وما ليس في الحج فهو أضاحي.
892 - وكل من وجب عليه الدم في حج أو عمرة فلم يجده فالصوم يجزيه منه ولا إطعام فيه. وليس الطعام في الحج والعمرة مكان الهدي إلا في جزاء الصيد وفدية الأذى، وكل هدي وجب على من تعدى ميقاته، أو تمتع، أو قرن، أو أفسد حجه، أو فاته الحج، أو ترك الرمي، أو النزول بالمزدلفة، أو نذر مشياً فعجز عنه، أو ترك شيئاً من الحج يجبره بالدم فإنه إذا لم يجد هدياً صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد ذلك.
893 - وله أن يصوم الثلاثة الأيام ما بينه وبين يوم النحر، فإن لم يصمها قبل يوم النحر(1/576)
أفطر يوم النحر وصام الثلاثة الأيام التي بعده، وهي أيام التشريق، ويصل السبعة بها إن شاء، وقول الله تعالى: ×وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ% (1) ، يقول: من منى، وسواء أقام بمكة أم لا.
894 - وإن كان قد صام قبل يوم النحر يوماً أو يومين فليصم ما بقي عليه في أيام التشريق، فإن لم يصم الثلاثة الأيام حتى مضت أيام التشريق صام بعد ذلك إن شاء وصل ثلاثاً بسبع أو لم يصل، وإنما يصوم ثلاثة أيام في الحج كما ذكرنا المتمتع أو القارن أو من تعدى ميقاته أو أفسد حجه أو فاته [الحج] ، وأما من لزمه ذلك لترك جمرة أو النزول بالمزدلفة فليصم متى شاء، وكذلك الذي يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة، لأنه إنما يصوم إذا اعتمر بعد أيام منى، ومن مشى في نذر إلى مكة فعجز فليصم متى شاء، لأنه يقضي في غير حج فكيف لا يصوم في غير حج.
قال: وما صنع في عمرته من ترك ميقات أو وطئ أو ما يلزمه به فلم يجده، فليصم ثلاثة أيام وسبعة بعد ذلك.
_________
(1) سورة البقرة: آية (196) .(1/577)
وكل من لم يصم ممن ذكرنا حتى رجع إلى بلده وله بها مال بعث بهدي ولم يجزه الصوم، وكذلك من أيسر قبل صيامه، ومن وجد من يسلفه، فلا يصم وليستلف إن كان موسراً ببلده.
895 - ولا بأس أن يقدم الناس أثقالهم من منى إلى مكة، وإذا رجع الناس من منى نزلوا بأبطح مكة وهو معروف حيث المقبرة، فيصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء إلا أن يكون رجل أدركه وقت الصلاة قبل أن يأتي الأبطح فليصلها حيث أدركه الوقت، ثم يدخل مكة بعد العشاء أول الليل.
896 - واستحب مالك لمن يقتدى به ألا يدع النزول [أول الليل] بالأبطح، ووسع لمن لا يقتدى به في ترك النزول [به] ، وكان يفتي به سراً، ويفتي في العلانية بالنزول في الأبطح لجميع الناس. (1)
_________
(1) انظر: التقييد (2/86) .(1/578)
897 - وتجوز العمرة في أيام السنة كلها إلا لحاج فيكره لهم أن يعتمروا حتى تغيب الشمس من آخر أيام الرمي، وكذلك من تعجل في يومين أو لم يتعجل أو قفلوا إلى مكة بعد الزوال من آخر أيام الرمي فلا يحرم بالعمرة من التنعيم حتى تغيب الشمس.
قال ابن القاسم: ومن أحرم منهم في أيام الرمي لم يلزمه إلا أن يحرم بعد أن يتم رميه من آخر أيام الري [وحل من إفاضته، فيلزمه] .
ومن لم يكن حاجاً من أهل الآفاق فجائز أن يعتمر في أيام التشريق، لأن إحلاله بعد أيام منى. وقال ابن القاسم: سواء كان إحلاله منها في أيام منى أو بعدها بخلاف الحاج. والعمرة في السنة إنما هي مرة واحدة، ولواعتمر بعدها(1/579)
لزمته كانت الأولى في أشهر الحج أولاً أراد أن يحج من عامه أم لا.
898 - والمحصر بعدو غالب أو فتنة في حج أو عمرة يتربص ما رجا كشف ذلك، فإذا يئس من أن يصل إلى البيت فليحل بموضعه حيث كان من البلاد، في الحرم أو غيره، ولا هدي عليه إلا أن يكون معه هدي فينحره هناك ويحلق أو يقصر، ويرجع إلى بلده ولا قضاء عليه لحج ولا عمرة إلا أن يكون صرورة فلا يجزيه ذلك من حجة الإسلام، وعليه حجة الإسلام [من] قابل. وإن أخر حلاقه حتى رجع إلى بلده [حلق] ولا دم عليه.
899 - وقال في موضع آخر [وفي المحصر] بعدو قبل أن تمضي أيام الحج لا(1/580)
يكون مُحْصَراً حتى يفوته الحج أو يصير إن خُلّي لم يدرك الحج فيما بقي من الأيام، فيكون محصراً ويحل مكانه لا ينتظر ذهاب الحج.
900 - ومن أحصر [بعدو] بعد أن وقف بعرفة فقد تم حجه ولا يُحِلّه من إحرامه إلا طواف الإفاضة، وعليه لجميع ما فاته من رمي الجمار والمبيت بالمزدلفة وبمنى هدي واحد، كمن ترك رمي الجمار كلها ناسياً حتى زالت أيام منى، فحجه تام وعليه هدي واحد.
901 - وإذا أحرم مكي بالحج من مكة [أو من الحرم] أو رجل دخل معتمراً ففرغ من عمرته ثم أحرم بالحج من مكة فأحصر بمرض حتى فرغ الناس من حجهم، فلا بد له أن يخرج إلى الحل فيلبي من الحل، ويعمل عمل العمرة ويحج قابلاً ويهدي، ويؤمر من فاته الحج وقد أحرم من مكة أن يخرج إلى الحل فيعمل فيما بقي عليه مما يعمل المعتمر ويحل.
902 - والمحصر بمرض إذا فاته الحج لا يقطع التلبية حتى يدخل أوائل الحرم، ولا يحله من(1/581)
إحرامه إلا البيت وإن تطاول ذلك به سنين، وإن تمادى مرضه إلى حج قابل فمضى على إحرامه الأول وحج به أجزأه من حجة الإسلام ولا دم عليه.
903 - وإذا كان من المحصر بمرض هدي حبسه حتى يصح فينطلق [به] معه، إلا أن يصيبه من ذلك مرض يتطاول عليه [ويخاف] على الهدي فليبعث به ينحر بمكة، ويقيم هو على إحرامه، فإذا صح مضى ولا يحل دون البيت، وعليه إذا دخل وقد فاته الحج هدي آخر مع حجة القضاء، ولا يجزيه عنه هديه الذي بعث، ولو لم يبعثه ما أجزأه أيضاً [ذلك الهدي عن الهدي الذي وجب عليه من فوات الحج] .
904 - ومن دخل مكة مفرداً بالحج فطاف وسعى، ثم خرج إلى الطائف في حاجة له قبل أيام الموسم، ثم أحصر، أو أحصر بمكة ولم يحضر الموسم مع الناس، لم يجزه الطواف الأول والسعي من إحصاره، ولا يحل إلا بطواف وسعي مؤتنفين.(1/582)
905 - وكذلك من أحصر بمرض ففاته الحج فقدم مكة فطاف فعليه أن يسعى ولا يحل أحد ممن أحصر بمرض إلا بعد السعي ثم يحلق، والمحصر بمرض إذا أصابه أذى [فحلق] فلينحر هدي الأذى حيث أحب.
906 - قال ابن القاسم: كنت عند مالك سنة خمس وستين ومائة فسئل عن قوم اتهموا بدم وهم محرمون فحبسوا في المدينة فقال: لا يحلهم إلا البيت، ولا يزالون محرمين في حبسهم حتى يقتلوا أو يخلوا فيحلوا بالبيت.
907 - وتحج المرأة مع وليها، فإن أبى أو لم يكن لها ولي ووجدت من يخرج معها من رجال أو نساء مأمونين فلتخرج [معهم] .
908 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت فصده عن البيت عدو، فإن كان أخذه على البلاغ رد ما فضل عن نفقته ذاهباً وراجعاً، وإن كان أجيراً كان له من(1/583)
الأجر بحساب مسيره إلى موضع صُدّ فيه وردّ ما بقي.
909 - وكذلك لو مات الأجير في الطريق فإنه يحاسب هكذا بقدر ما بلغ من الطريق. وإن أحصر صاحب البلاغ بمرض فلا شيء عليه، وله نفقته في مال البيت ما أقام مريضاً، فإن أقام إلى حج قابل أجزأ ذلك عن الميت، وإن لم يقم إلى حج قابل وقوي على الذهاب قبل ذلك إلى البيت، فله نفقته. (1)
910 - ومن كبر ويئس أن يبلغ مكة لكبره [وضعفه] وهو صرورة [أو غير صرورة] فلا يُحج أحداً عن نفسه.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (2/548) ، وحاشية الدسوقي (2/11، 14) .(1/584)
911 - ومن مات وهو صرورة ولم يوص أن يحج عنه احد، فأراد أن يتطوع عنه بذلك ولد أو والد أو زوجة أو أجنبي فليتطوع عنه بغير هذا، يهدي عنه أو يتصدق أو يعتق، فإن أوصى أن يحج عنه أنفذ ذلك، ويحج عنه من [قد] حج أحب إلي، فإن جهلوا فاستأجروا من لم يحج أجزأ عنه، وكذلك إن أوصى بعمرة أنفذت أيضاً. (1)
912 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت من بعض الآفاق فاعتمر عن نفسه وحج عن الميت من مكة لم يجز ذلك عن الميت، وعليه أن يحج حجة أخرى عن الميت كما استوجر.
913 - ولو قرن ونوى العمرة عن نفسه والحج عن الميت ضمن [المال] ، لأنه أشرك
_________
(1) انظر: كلام العلامة المازري في المعلم بفوائد مسلم (2/108) .(1/585)
في عملهم غير ما أمروه وعليه دم القران.
914 - ومن حج عن ميت فالنية تجزيه، وإن لم يقل لبيك عن فلان.
915 - ومن حج عن ميت فترك من المناسك شيئاً يجب فيه الدم، فإن كانت الحجة لو كانت عن نفسه أجزته، فهي تجزئ عن الميت، وكل ما لم يتعمد من ذلك أو فعله لضرورة فوجب به عليه هدي أو أغمي عليه أيام منى حتى رمى عنه غيره، أو أصابه أذى فلزمته فدية، كانت الفدية والهدي في مال الميت، وهذا كله في أخذه المال على البلاغ، [وما وجب عليه من ذلك بتعمده فهو في ماله، وأما إن أخذ المال على الإجارة] فكل ما لزمه بتعمد أو خطأ فهو في ماله.
916 - ومن أخذ مالاً ليحج به عن ميت على البلاغ فسقطت منه نفقته رجع من موضع سقطت، ونفقته في رجوعه عليهم، وإن تمادى ولم يرجع فهو متطوع، ولا شيء عليهم في ذهابه إلا أن تسقط بعد إحرامه فليمض، لأنه لما أحرم لم يستطع الرجوع، وينفق في ذهابه ورجوعه ويكون ذلك على الذي دفع إليه المال، ولو أخذه على الإجارة فسقط فهو ضامن للحج، أحرم أم لم يحرم.
917 - ومن أوصى أن يحج عنه بهذه الأربعين ديناراً فدفعوها إلى رجل على البلاغ(1/586)
ففضلت منها عشرون ديناراً، فليرد إلى الورثة ما فضل، كقوله: اشتروا عبد فلان بمائة دينار فاعتقوه عني، فاشتروه بتسعين فالبقية ميراث، وإن قال اعطوا فلاناً أربعين ديناراً يحج عني بها فاستأجروه بثلاثين فالعشرة الفاضلة ميراث.
918 - ومن دفع إليه رجل أربعة عشر ديناراً يتكارى بها من المدينة من يحج عن ميت فاكتراه بعشرة، فليرد الأربعة إلى من دفعها إليه لا لمن حج عن الميت.
919 - وينبغي للأعزب يفيد مالاً أن يحج به قبل أن ينكح، وحجه به أولى من قضائه ديناً على أبيه.
* * *(1/587)
(كتاب الحج الثالث)
920 -[قال مالك] وأحب لكل من فاته الحج أن ينفذ لوجهه في عمل العمرة على إهلاله الأول، ولا يهل بالعمرة إهلالاً مستقبلاً، ويقطع التلبية أوائل الحرم، ويحل من إحرامه ذلك، ولا ينتظر قابلاً، وإنما له أن يثبت على إحرامه ذلك إلى قابل ما لم يدخل مكة، فإن دخلها فليطف بالبيت ويسعى ويحل من إحرامه ولا يثبت عليه، فإذا كان قابلاً قضى الحجة التي فاتته وأهراق دماً.
قيل: فإن أراد أن يطوف ويسعى قبل أشهر الحج من قابل، ويجعل ذلك لحجة قابل؟.
قال: أخاف أن لا يجزيه.
ولا ينبغي لمن فاته الحج فأقام على إحرامه إلى أشهر حج قابل أن يحل فيها بعمرة، فإن فعل أجزأه، ثم إن حج من عامه لم يكن متمتعاً، لأنه لم يبتد عمرته وإنما كان إحرامه للحج، فإحلاله منه في عمرة رخصة له، كذلك جاء في(1/589)
[حديث] هبار بن الأسود وصاحبه حين فاتهما الحج فقال لهما عمر: طوفا وأحلا، وعليكم الحج من قابل والهدي. (1)
وقد قال ابن القاسم: إن فسخ ذلك في أشهر الحج في عمرة كان فعله باطلاً. وقال أيضاً: إن جهل ففسخ حجه في أشهر الحج في عمرة ثم حج من عامه كان متمتعاً، ولو ثبت على أول إحرامه بعدما دخل مكة حتى حج بإحرامه ذلك قابلاً أجزأه من حجة الإسلام.
921 - وليس لمن فاته الحج أن يحرم بحجة أخرى، فإن فعل لم يلزمه، وهو على إحرامه الأول، وإنما له أن يحل بعمرة، أو يقيم على إحرامه إلى حج قابل فيجزيه حجه.
922 - ومن فاته الحج فأصاب النساء والطيب والصيد، فعليه في ذلك ما على الصحيح الحج، إلا أنه يهريق دم الفساد، ودم الفوات في حجة القضاء، وما أصاب من
_________
(1) رواه مالك فيالموطأ (1/383) .(1/590)
الصيد وتطيب ولبس فليهرق له الدم متى شاء.
والهدي عن جماعه قبل أن يفوته الحج أو بعد أن فاته هدي واحد، وليس عليه عمرة أخرى، وطئ بعد أن فاته الحج أو قبل.
923 - ومن فاته الحج فلا يقدم هدي الفوات، وإن خاف الموت، ولا ينحره إلا في حجة القضاء بمنى، فإن اعتمر بعد أن فاته الحج فنحر هدي الفوات في عمرته أجزأه، وقد كان مالك يخففه ثم استثقله.
قال ابن قاسم: ولا أحب له أن يفعل إلا بعد [القضاء] ، فإن فعل وحج أجزأ عنه، لأنه لو هلك قبل أن يحج أهدي عنه لمكان ذلك، ولو كان [ذلك] لا يجزيه إلا بعد القضاء ما أهدي عنه بعد الموت.
قال: فإن فاته أن ينحره بمنى ساقه إلى الحل، ثم قلده وأشعره إن كان مما يقلد، ثم أدخله مكة فنحره بها وأجزأه.
[ومن أفرد الحج ففاته فلا يقضي قارناً وليقض مفرداً، وكذلك لو أفرد الحج ثم(1/591)
جامع فيه فلا يقضي قارناً فإن فعل لم يجزه، إلا أن يفرد كما أفسد، لأن القارن ليس حجه تاماً كتمام حج المفرد، إلا بما أضاف إليه من الدي، ومن قرن ثم فاته الحج، فلا يفرق القضاء، فيقضي الحج وحده والعمرة وحدها، ولكن يقضي قارناً] ، ولا يقضي قارناً عن إفراد، ولا فرداً عن قران، [فإن فعل لم يجزه] .
924 - ومن جامع زوجته [في الحج] فليفترقا، إذا أحرما بحجة القضاء، ولا يجتمعا حتى يحلا، ويحرم في قضاء الحج أو العمرة من حيث أحرم في الأول، إلا أن يكون إحرامه الأول أبعد من الميقات فليس عليه أن يحرم الثانية إلا من الميقات، فإن تعداه في القضاء أجزأه وكان عليه دم، لأن من أفطر فيقضاء رمضان متعمداً إنما يقضي يوماً بلا كفارة.(1/592)
925 - وإذا طاف القارن أول ما دخل مكة وسعى ثم جامع فليقض قارناً، لأن طوافه وسعيه إنما كان للعمرة والحج جميعاً، ألا ترى أنه لو لم يجامع ومضى على القران صحيحاً لم يلزمه إذا رع من عرفات أن يسعى لحجته، وأجزأه السعي الأول. (1)
926 - ومن أفسد حجه بالوطء ولم يتمه حتى أحرم بحجة القضاء، لم يلزمه ذلك ولا قضاؤه، وهو على إحرامه الأول، ولا يكون ما جدد من إحرامه نقضاً لحجته الفاسدة.
927 - ولو جامع في عمرته ثم أحرم بالحج لم يكن قارناًن ولا يردف الحج على العمرة الفاسدة.
928 - وإذا جامع القارن لزمه الآن دم لقرانه ويقضي قابلاً قارناً، وعليه مع
_________
(1) انظر: التقييد (2/98) .(1/593)
حجة القضاء هدي لقرانه الثاني وهدي لفساده الأول، ولا يجزيه أن يفرق القضاء فيقضي العمرة وحدها والحج وحده، فإن فعل أعاد قارناً، ويهدي إذا قرن هديين كما ذكرنا.
929 - ومن تمتع ثم أفسد حجه فعليه الآن دم المتعة وهدي الفساد عند [حجة] القضاء.
930 - ومن جامع في حجه فأفسده ثم أصاب صيداً أو حلق من أذى، أو تطيب، فإن تأول أو جهل أن ليس عليه إتمام ما أفسد لما لزمه من القضاء فتطيب ولبس وقتل الصيد مراراً عامداً لفعله يرى أن الإحرام سقط عنه فليس عليه إلا فدية واحدة إلا في الصيد فعليه لكل صيد قتله جزاء.
وإن لم يتأول ذلك فعليه لكل مرة فدية مثل ما يلزم الصحيح الحج.
وأما وطؤه مرة واحدة أو مراراً امرأة واحدة، أو عدداً من النساء فليس عليه(1/594)
في ذلك إلا هدي واحد، لأنه بالوطء فسد حجه، ولزمه القضاء.
931 - وإن أكره نساءه وهن محرمات أحجهن، وكفر عن كل واحدة [كفارة] ، وإن بِنّ منه ونكحن غيره، فإن طاوعنه فذلك عليهن دونه.
932 - وإذا أدام المحرم التذكر للذة حتى أنزل، أو عبث بذكره فأنزل، أو كان راكباً فهزته الدابة فاستدام ذلك حتى أنزل، أو لمس أو قبل أو باشر فأنزل، أو أدام النظر للذة حتى أنزل فسد حجه، وعليه الحج من قابل والهدي، [وكذلك المحرمة إذا فعلت ما يفعل شرار النساء من العبث بنفسها حتى أنزلت] .
فأما إن نظر المحرم فأنزل، ولم يتابع النظر ولا أدامه، أو قبّل أو غمز أو جسّ أو باشر أو تلذذ بشيء من أهله فلم ينزل، ولم تغب الحشفة [منه] في ذلك منها، فعليه لذلك الدم وحجه تام.(1/595)
933 - وإذا طرح المحرم عن نفسه الحلمة أو القراد أو الحمنان أو البرغوث أو طرح العلقة عن بعيره أو دابته أو دابة غيره أو عن نفسه فلا شيء عليه، وأما إن طرح الحمنان أو الحلم أو القراد عن بعيره فليطعم.
934 - وكره مالك أن يغسل المحرم رأسه بخطمي، فإن فعل افتدى أي الفداء شاء، وله أن يفعل ذلك إذا حل له الحلاق وهو الشأن، وإن أصابته جنابة صب على رأسه الماء وحركه بيديه، وجائز أن يصب الماء على رأسه وبدنه لحر بجده أو لغير حر.
935 - قال مالك: وأكره له غمس رأسه في الماء، خيفة قتل الدواب، فإن فعل(1/596)
أطعم شيئاً، وأكره للصائم الحلال غمس رأسه في الماء، فإن فعل لم يقض، إلا أن يدخل الماء حلقه.
936 - وأكره للمحرم دخول الحمام، لأنه ينقي وسخه، فإن دخله افتدى إذا تدلك وأنقى الوسخ، وأكره أن يغسل ثوبه أو ثوب غيره خيفة قتل الدواب، إلا أن يصيب ثوبه نجاسة فيغسله بالماء وحده، لا بالحرض.
وجائز [له] أن يبدل ثوبه الذي أحرم فيه أو يبيعه. (1)
940 - وأكره أن يدخل منكبيه في القباء، وإن لم يدخل يديه في كميه ولا زره عليه، لأن ذلك دخول فيه ولباس له.
941 - وجائز أن يطرح قميصه على ظهره يرتدي به من غير أن يدخل فيه، وجائز
_________
(1) انظر: التقييد (2/98) .(1/597)
أن يحتبي، ولا يزرر الطيلسان على نفسه ولا يخلل عليه كساء، وجائز أن يتوشح بثوبه ما لم يعقد ذلك، فإن عقده على نفسه أو خلل كساه أو لبس قميصه، فإن طال ذلك حتى انتفع به افتدى، وإن نزعه مكانه أو حل الثوب الذي عقده مكانه فلا شيء عليه.
942 - وجائز للمحرمة [وغير المحرمة] لباس الخز والحرير والعصب والحلي والسراويل [والخف] ، ويكره لهن لباس القباء في الإحرام وغيره لحرة أو أمة لأنه يصفهن.
943 - ويكره للمحرم لبس الجوربين، فإذا لم يجد نعلين ووجد خفين قطعهما من أسفل(1/598)
الكعبين ولا شيء عليه، فإن لبسهما لضرورة بقدميه وهو يجد نعلين افتدى، لأنه متداوٍ بخلاف الأول.
944 - وإحرام الرجل في وجهه ورأسه، و [إحرام] المرأة في وجهها [وكفيها] ، والذقن هما فيه سواء، لا بأس بتغطيته [لهما] ، وإن غطى المحرم رأسه ووجهه ناسياً أو جاهلاً، فإن نزعه مكانه فلا شيء عليه، وإن تركه حتى انتفع به افتدى، وكذلك المحرمة إن غطت وجهها مثل الرجل.
945 - ووسع لها مالك أن تسدل رداءها من فوق رأسها [على وجهها] إذا أرادت ستراً، وإن لم ترد ستراً فلا تسدل.
قال ابن القاسم: وما علمت أن مالكاً كان يأمرها إذا أسدلت رداءها أن تجافيه عن وجهها، ولا علمت أنه كان [ينهاها] عن أن يصيب الرداء وجهها إذا أسدلته، فإن رفعته من أسفل وجهها افتدت، لأنه لا يثبت حتى تعقده بخلاف السدل.(1/599)
946 - ويكره لها أن تتبرقع وإن جافته عن وجهها، أو تلبس القفازين، فإن فعلت افتدت كفدية الرجل.
947 - وما جره المحرم على وجهه من لحافه وهو نائم فانتبه فنزعه فلا شيء عليه، وإن طال، بخلاف المستيقظ.
948 - ولو نام فغطى رجل رأسه ووجهه أو طيبه أو حلق رأسه، ثم انتبه فلينزع ذلك ويغسل الطيب [عنه] ، ولا شيء عليه، والفدية على من فعل ذلك به.
949 - ولو تقلب في نومه على جراد أو فراخ حمام أو ذباب أو غيره من الصيد فقتله، فعليه الكفارة.
950 - وجائز أن يحمل على رأسه إذا كان راجلاً ما لا بد له منه، مثل خرجه(1/600)
فيه زاده، أو جرابه، ولا يحمل ذلك لغيره طوعاً ولا بإجارة، فإن فعل افتدى، ولا أحب له أن يحمل على رأسه تجارة لنفسه من بزّ أو سقط ولا يتجر فيما يغطي به رأسه في إحرامه.
951 - وجائز أن يشد منطقته التي فيها نفقته على وسطه ويدخل السيور في الثقب ويربطها من تحت إزاره، فإن ربطها من فوقه افتدى، لأنه احتزم من فوق إزاره، والمحرم لا يحتزم بحبل ولا بخيط إذا لم يرد العمل، فإن فعل افتدى، وإن أراد العمل فجائز أن يحتزم، ولم يوسع له أن يشدّها إلا في وسطه، ويكره أن يجعلها في عضده أو فخذه أو ساقه، فإن فعل فأرجو أن يكون خفيفاً، ولا فدية عليه.
ولا يحمل نفقة غيره فيها ويشدها على بطنه، فإن فعل افتدى، وإنما أرخص له في حمل نفقته للضرورة، ولو ربطها أولاً لنفقته ثم أودعه رجل نفقة فجعلها فيها فلا شيء عليه، لأن أصل ما شدها لنفسه. وإن ألجئ المحرم إلى تقليد السيف فلا بأس به.(1/601)
952 - وجائز أن يعصب على جراحه خرقاً ويفتدي، وإن عصب رأسه من صداع أو عصّب رأسه أو جسده من خراج [أو جرح] أو عصب على بعض جسده من غير علّة، أو ربط الجبائر علىكسر أصابه أو ألصق على صدغيه مثل ما يصنع الناس، افتدى، فإن شاء صام أو أطعم أو نسك، ولو ألصق على قروح به خرقاً صغاراً فلا شيء عليه، وإن كانت خرقاً كباراً افتدى.
953 - وإن خضب رأسه ولحيته بحناء أو بوسمة أو خضبت المرأة المحرمة يديها أو رجليها أو رأسها أو طرّفت أصابعها بحناء فليفتديا، وإن خضب الرجل أصبعه بحناء لجرح أصابه، فإن كانت رقعة كبيرة افتدى، وإن كانت صغيرة فلا شيء عليه.(1/602)
954 - وإن داوى جرحه بما فيه طيب برقعة صغيرة أوكبيرة فليفتد، بخلاف الحناء، لأن الحناء هي طيب مثل الريحان، وليس بمنزلة المؤنث من الطيب.
955 - ويكره له شم الطيب، وإن لم يمسه بيده أو بمنخريه، إذا كان قريباً منه يمسه أو يشمه أو يمر في موضع العطارين، أو يشم الريحان والياسمين والورد والخيريّ والبنفسج، وشبهه، فإن تعمد شم شيء من ذلك فلا فدية عليه. وإن مسّ الطيب بيده افتدى، لصق بيده أم لا.
956 - ولا شيء عليه فيما لصق بيده من خلوق الكعبة، إذ لا يكاد يسلم منه. ولا(1/603)
تخلق الكعبة أيام الحج، ويقام العطارون [من] بين الصفا والمروة أيام الحج.
957 - ويكره له أن يتوضأ [أو يغسل يديه] بالريحان أو يغسل يديه بالأُشّنان المطيبة بالريحان، فإن فعل فلا فدية عليه، وإن كان طيب الأشنان بالطيب افتدى.
وجائز أن يتوضأ بالحرض أو يغسل يديه بأشنان غير مطيب أو بغاسول وشبهه.
958 - وإن دهن قدميه وعقبيه من شقوق فلا شيء عليه، وإن دهنهما لغير علّة، أو دهن ذراعيه أو ساقيه ليحسنهما لا من علة افتدى، وإن دهن شقوقاً في [يديه أو] رجليه بزيت أو شحم أو ودك فلا شيء عليه، وإن دهن ذلك بطيب افتدى.
959 - وما فعله القارن من إماطة أذى، أو طيب، أو نقص من حجه، فكفارة واحدة تجزيه لا كفارتين.(1/604)
960 - وإن جعل المحرم في أذنيه قطناً لشيء وجده فيهما افتدى، كان في القطنة طيب أم لا.
961 - ويكره للمحرم والحلال شرب الماء فيه الكافور لناحية السرف، وإن شرب المحرم دواء فيه طيب افتدى، ويكره له أن يشرب شراباً فيه كافور، وأن يأكل مرقة مزعفرة فإن فعل افتدى، وإن أكل طعاماً مسته النار فيه [كافور أو] ورس أو زعفران فلا شيء عليه، وإن لم تمسه النار فلا خير فيه.
962 - وإن دهن رأسه بزيت أو زنبق أو بان أو بنفسج أو بشيرج الجلجلان أو بزيت الفجل وشبه ذلك افتدى، كان شيء من ذلك مطيباً أم لا.(1/605)
963 - وجائز أن يأتدم بدهن الجلجلان وهو كالسمن، ويكره أن يأتدم [بدهن] الزنبق والبنفسج وشبهه، أو يستسعط بذلك، وجائز أن يستسعط بالزيت والسمن ويأكله.
964 - وله أن يكحل عينيه لحر يجده بالإثمد وغيره، إلا أن يكون فيه طيب فليفتد، ويكره [له] أن يكتحل لزينة، فإن فعل افتدى، ولا تكتحل المرأة لزينة، ولا بالإثمد لغير زينة، لأنه زينة لها، فإن اكتحلت بالإثمد لزينة افتدت، وإن كان لضرورة فلا فدية عليها، لأن الإثمد ليس بطيب وكذلك الرجل.
965 - ولا يحلق المحرم رأس حلال فإن فعل قال مالك: يفتدي. قال ابن القاسم: يتصدق بشيء من طعام.
966 - ولو حجمه فحلق موضع المحاجم، فإن أيقن أنه لم يقتل دواب فلا شيء عليه، ولو اضطر محرم إلى الحجامة جاز لمحرم [و] غيره أن يحلق [له] موضع المحاجم(1/606)
ويحجمه إذا أيقن أنه لا يقل دواب، والفدية على المفعول به ذلك، وإن لم يضطر إلى ذلك فلا يفعله، وإن دعا محرماً غيره إلى أن يفعل [به] ذلك فلا يعينه عليه، وإن أيقن أنه لا يقتل دواب، فإن فعل فلا شيء على الحجام والفدية على المحرم.
967 - وإن قلم محرم أظفار حلال فلا بأس به، ولا ينبغي لمحرم أن يقلم أظفاره، فإن فعل ناسياً أو جاهلاً افتدى، وإن قلمت له بأمره فعليه الفدية، وإن كان مكرهاً أو نائماً فالفدية على الفاعل به ذلك من حلال أو حرام، وإن قلم ظفراً واحداً لإماطة أذى افتدى، وإن لم يمط به] عنه أذى أطعم شيئاً من طعام، فإن انكسر ظفره فليقلمه ولا شيء عليه، وإن أصابت أصابعه قروح فاحتاج أن يداويها ولم يصل إلى ذلك إلا بقص أظفاره افتدى كفدية من أماط الشعر من الأذى.
قيل [له] : فإن أخذ من شاربه؟.
قال: قال مالك: من نتف شعره أو شعرات يسيرة أطعم شيئاً من طعام كان جاهلاً أو ناسياً، وإن نتف ما أماط به عنه أذى افتدى.(1/607)
968 - ولم يجد مالك فيما دون إماطة الأذى أكثر من حفنة في شيء من الأشياء، وقال في قملة أو قملات حفنة من طعام، والحفنة ملء يد واحدة.
ولا شيء عليه فيما انقلع عند وضوئه من لحيته أو رأسه أو أنفه إذا امتخط أو ما حلق الإكاف والسرج في الركوب من ساقيه، وهذا خفيف لا بد للناس منه.
969 - وإذا لبس قلنسوة أو عمامة لوجع في رأسه ثم نزعها فعاد إليه ذلك المرض فلبسها، قال مالك: الشأن فيه إن كان [أعاد] نزعها على البرء وتركها فعليه فديتان، وإن كان نوى حين نزعها إن عاد إليه وجعه أعادها ففدية واحدة.
970 - وإن وطئ مرة بعد مرة، أو لبس الثياب لوجع [به] مرة بعد مرة ونوى أن يلبسها إلى برئه يخلعها بالليل ويلبسها بالنهار، فمضى لذلك عشرة أيام، أو لم يكن به أذى ونوى أن يلبسها كذلك عشرة أيام حمقاً أو جهلاً [أو جرأة] أو نسياناً، فإنما عليه كفارة واحدة في كل ما لبس أو وطئ، لأنه على نيته في لبسها، وكذلك(1/608)
المعتمر الذي طاف على غير وضوء فلبس الثياب إنما عليه فدية واحدة، لأنه إنما أراد بذلك لباساً واحداً.
971 - وما أصاب هذا المحرم من صيد مرة بعد مرة، أو طيب مرة بعد مرة، فعليه لكل صيد جزاء، وكذلك الطيب لكل مرة فدية [إلا أن يكون به جرح أو قرحة فنوى أن يتعالج بدواء فيه طيب حتى يبرأ فإنما عليه كفارة واحدة، وإن لم ينو ذلك فلكل مرة فدية] وإن ظهرت به قرحة أخرى فداواها بذلك الدواء الذي فيه طيب فعليه كفارة أخرى، وإن أصابه رمد فداواه [بدواء فيه طيب مراراً، فعليه كفارة واحدة، فإن انقطع رمده ذلك ثم رمد بعد ذلك] فداواه فعليه فدية أخرى، لأن هذا وجع غير الأول.
972 - وإن احتاج في فور واحد إلى لباس أصناف لضرورة فلبس خفين [وقلنسوة] وقميصاً وسراويل ونحوه فعليه في ذلك كفارة واحدة، وإن احتاج إلى خفين فلبسهما ثم احتاج بعد ذلك إلى قميص فلبسه فعليه كفارتان.
973 - وإن قلم اليوم أظفار يده، وفي غد أظفار يده الأخرى، فعليه فديتان.(1/609)
وإن لبس الثياب وتطيب وحلق شعره وقلم أظفاره في فور واحد لم تلزمه [في ذلك] إلا فدية واحدة، وإن فعل ذلك شيئاً بعد شيء ففي كل وجه فدية.
وكذلك قال مالك في محرمة أصابتها حمى فتعالجت بأدوية مختلفة فيها طيب فقال: إن كان ذلك في موضع واحد، وكان ذلك قريباً بعضه من بعض فليس عليها لذلك [كله] إلا فدية واحدة.
974 - وهذه فدية الأذى التي ذكرناها في إماطة الأذى وما ضارعه من اللباس والطيب [وغيره] ، مما يفعله [الحاج] لحاجة لا يحكم فيه الحكمان، والرجل فيها مخير كما قال الله تعالى: ×فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ% (1) ، [وكذلك الذي يلبس أو يتطيب جهلاً من غير أذى يخير فيا ذكرنا كما يخير من فعله من أذى] .
_________
(1) سورة البقرة: آية (196) .(1/610)
975 - والنسك شاة يذبحها أين شاء من البلاد، [إذا ذبحها بمكة أو بمنة لم يكن عليه وقوفها بعرفة ولا خروجها إلى الحل وإن لم يدخلها منه، وكذلك له الإطعام والصيام حيث شاء من البلاد] والصيام ثلاثة أيام، والإطعام ستة مساكين مدين لكل مسكين بمد النبي ÷ من عيش [أهل] ذلك [البلد] من بر أو شعير، ولا يجزئ أن يغدي أو يعشي، لأن النبي ÷ سمى مدين، وأجزأ في كفارة اليمين لأنها مد مد، والغداء والعشاء أفضل [من] مُد. (1)
976 - ويجوز للمحرم قتل سباع الوحش والنمور التي تعدو وتفترس، يبتدئها وإن لم تبتده ولا شيء عليه في ذلك. (2)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل على هامش مواهب الجليل (3/174) .
(2) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد (4/64، 65) .(1/611)
ولا يقتل صغار أولادها التي لا تعدو ولا تفترس، [فإن قتلها فلا شيء عليه] .
977 - ويكره له قتل الهر الوحشي والثعلب والضبع، فإن فعل فعليه جزاؤهم إلا أن يبتدئوا أذاه فلا شيء [عليه] [فيهم] .
978 - ويكره له قتل سباع الطير كلها وغير سباعها، فإن قتل سباعها فعليه الجزاء إلا أن تعدو عليه ويخافها على نفسه فيقتلها، ولا جزاء عليه، لأنه لو عدا عليه رجل يريد قتله فدفعه عن نفسه فقتله لم يلزمه شيء.
979 - ولا بأس بصيد البحر كله للمحرم، والأنهار والغدر والبرك، وإن أصاب من طير الماء شيئاً فعليه جزاؤه، ويؤكل صيد البحر الطافي وغير الطافي، والضفدع، وترس الماء من صيد البحر، وهذه السلحفاة التي تكون في البراري هي من صيد البر، إذا ذكيت أكلت، ولا تحل إلا بذكاة ولا يصيدها المحرم.
980 - ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئاً يبس أو لم ييبس، فإن فعل فليستغفر الله [ولا شيء عليه] .(1/612)
981 - ولا بأس بقطع ما أنبته الناس في الحرم من الشجر، مثل النخل والرمان والفاكهة كلها والبقل كله، [و] الكراث (1) ، والخص (2) والسلق (3) وشبهه والسنا (4) والإذخر.
982 - وجائز الرعي في حرم مكة وحرم المدينة في الحشيش والشجر. وأكره أن يَحْتَشّ في الحرم حلال أو حرام خيفة قتل الدواب، وكذلك الحرام في الحلّن فإن سلموا من قتل الدواب فلا شيء عليهم وأكره لهم ذلك.
ونهى رسول الله ÷ عن الخبط (5) وقال: هشوا وارعوا (6) . وقال مالك رحمه الله: الهش تحريك الشجرة بالمحجن ليقع الورق، ولا يخبط، ولا يعضد، ومعنى العضد: الكسر.
_________
(1) الكراث: عشبة معمرة ذو بصلة أرضية تخرج منها أوراق مفلطحة ليست جوفاء، وهي معروفة.
(2) الخس: نبات عشبي عريض الأوراق، يؤكل نيئاً، وهو معروف.
(3) السلق: بقلة لها ورق طوال، يؤكل مطبوخاً مضافاً لبعض الخضروات، وهو معروف.
(4) السنا: نبات شجري زهره مصفر، وحبه مفلطح، رقيق كلوي الشكل تقريباً إلى الطول، يستعمل مسهلاً للتداوي، ويعرف بالنسامكي.
(5) الخبط: ما سقط من ورق الشجر بالخبط والنفض.
(6) رواه أبو داود (2039) ، عن جابر مرفوعاً.(1/613)
983 - وكره مالك - رحمه الله - أن يذبح المحرم الحمام الوحشي وغير الوحشي، والحمام الرومية [الألوف] التي لا تطير، وإنما تتخذ للفراخ، لأنها من أصل ما يطير.
984 - وجائز أن يذبح الأوز والدجاج، لأن أصلها ليس مما يطير، وجائز أن يذبح الحلال بمكة الحمام الأنسي، والوحشي، والصيد يدخله من الحل فيذبحه في الحرم، لأن شأن أهل مكة في ذلك يطول، فهم محلون في ديارهم، والمحرم إنما يقيم محرماً أياماً قلائل. قال مالك: وما أدركت أحداً ممن أقتدي به يكره ذلك إلا عطاء بن أبي رباح ثم أجازه.
985 - وما وقع من الجراد في الحرم فلا يصيده حلال ولا حرام، ولا يصاد الجراد في حرم المدينة، ونهى مالك عن الصيد في حرمها، ولم ير فيما قتل من الصيد في حرمها جزاء.
986 - وليس في جراح الصيد شيء إذا أيقن أنها سلمت من ذلك الجراح، ولو ضرب المحرم فسطاطه فتعلق بأطنابه صيد فعطب، أو حفر بئراً للماء فعطب(1/614)
فيه صيد، فلا جزاء عليه، وذلك فعل الصيد بنفسه، كمن حفر بئراً بموضع يجوز له فمات فيه رجل، فلا دية عليه.
987 - وإن رأى الصيد محرماً ففزع منه فأحضر فمات من حضره، فعلى المحرم جزاؤه. وإن نصب شركاً للذئب والسباع مخافة على غنمه أو دابته أو [على] نفسه فوقع فيه صيد ظبي أو غيره [فعطب] ، فعليه الجزاء، كمن حفر في منزله بئراً للسارق، أو عمل في داره شيئاً ليتلف به السارق فهو ضامن إن وقع فيه سارق فمات، ولو وقع فيه غير السارق فمات ضمن ديته.
988 - وإذا أمر المحرم عبده أن يرسل صيداً كان معه فظن العبد أنه أمره أن يذبحه فذبحه فعلى السيد الجزاء، وإن كان العبد محرماً فعليه الجزاء أيضاً، ولا ينفعه خطؤه، ولو امره [بذبحه فأطاعه] فذبحه كان عليهما جميعاً الجزاء.
989 - وإذا دل المحرم على صيد محرماً أو حلالاً فقتله المدلول عليه، فليستغفر الله الدال ولا شيء عليه، وكذلك إن أشار أو أمر بقتله فلا شيء عليه، إلا أن يكون المأمور عبده فيكون على الآمر جزاء واحد، وقد أساء، وعلى القاتل الجزاء إن كان محرماً، وإن كان حلالاً فلا شيء عليه.(1/615)
990 - وإذا اجتمع محرمون على قتل صيد [في الحرم] ، أو اجتمع محلون على قتل صيد يف الحرم، أو محل ومحرم قتلا صيداً [في الحرم] ، فعلى كل واحد منهما الجزاء كاملاً، ولا يزاد على المحرم لإحرامه شيء فوق الجزاء.
[قلت فلو اجتمع محرمون على صيد فجرحه كل واحد منهم جرحاً؟. قال: قال مالك] : إذا جرح محرم صيداً فغاب عنه [الصيد] فعليه جزاؤه.
991 - وإذا أمسك محرم صيداً لغير القتل، وإنما أراد أن يرسله فقتله حرام فعلى القاتل جزاؤه [وإن قتله حلال فعلى الماسك جزاؤه، لأن قتله من سببه، وإن أمسكه لمن يقتله، فإن قتله محرم فعليهما جزاءان، وإن قتله حلال فعلى المحرم جزاؤه] ، ولا شيء على الحلال.
992 - ومن أحرم [و] في بيته صيد فلا شيء عليه فيه ولا يرسله، وإن أحرم هو في يده أو يقوده أو في قفص معه فليرسله ولا يأخذه حتى يحل، وإن أرسله من(1/616)
يده حرام أو حلال لم يضمن له شيئاً، لأن ملكه زال عن الصيد بإحرامه. ألا ترى أن مالكاً قال في حلال أخذ صيداً فأفلت منه فأخذه غيره، فإن كان بحدثان ذلك رده إليه، وإن طال ولحق بالوحش كان لمن أخذه [آخراً] ، وزال ملك الأول عنه وهذا حين أحرم زال ملكه عن الصيد، ألا ترى أنه لو حبسه معه حتى يحل أو بعث به إلى بيته بعدما أحرم وهو بيده ثم حل وجب عليه إرساله، ورأى بعض الناس أن له حبسه، لأنه قد حل، ولا آخذ به.
993 - وما صاد في إحرامه فليرسله، فإن لم يفعل حتى أرسله من يده حلال أو حرام لم يضمن له [شيئاً] ، وإن صاده في إحرامه أو أحرم وهو بيده فأتاه مرم ليرسله من يده فتنازعاه فقتلاه بينهما فعلى كل واحد منهما الجزاء، وإن(1/617)
نازعه حلال فعلى المحرم الجزاء ولا قيمة له على الحلال، ولا يضمنان [أيضاً] له الجزاء، لأن القتل جاء من قبله حين منعهما من إرساله.
994 - ومن طرد صيداً فأخرجه من الحرم فعليه جزاؤه [ولا يؤكل] ، وإن رمى صيداُ في الحرم [من الحلّ] أو في الحل من الحرم [فقتله] فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن رمى صيداً في الحل وهو في الحل فهرب الصيد فتبعته الرمية فأصابته في الحرم فعليه جزاؤه.
995 - وإن أرسل كلبه أو بازه قرب الحرم، وهو والصيد جميعاً في الحل فأخذه [في الحل] فلا شيء عليه، وإن أخذه في الحرم فقتله فيه أو طلبه حتى أدخله الحرم ثم أخرجه [منه] فقتله في الحل [فعليه الجزاء ولا يؤكل، وإن أرسل كلبه أو بازه في بُعْد من الحرم، فقتل الصيد في الحرم، أو أدخله الحرم ثم أخرجه منه(1/618)
فقتله في الحل] فلا يؤكل، ولا جزاء عليه، لأنه لم يغرر بالإرسال.
996 - وإن أرسل كلبه على صيد في الحرم فأشلاه رجل آخر فأخذ الصيد، فإن انشلا الكلب بإشلائه فعلى الذي أشلاه الجزاء [أيضاً، وإن أرسل كلبه على ذئب في الحرم فأخذ صيداً فعليه الجزاء] . وإن صاد طيراً فنتفه ثم حبسه حتى نسل فطار فلا شيء عليه.
997 - والجزاء على قاتل الصيد عمداً أو خطأ كان أول ما أصابه أو كان قد أصابه قبل ذلك.
998 - وإن أصاب الصيد والنساء والطيب مراراً على وجه الإحلال والرفض لإحرامه فعليه لكل صيد جزاؤه، ولجميع لبسه وطيبه كفارة واحدة، وكذلك لتكرار الجماع كفارة واحدة.(1/619)
999 - ومن قتل صيداً في الحل بعد رمي جمرة العقبة فعليه الجزاء، وإن كان بعد الإفاضة وقبل الحلاق فلا شيء عليه.
وكذلك المعتمر إن أصاب صيداً في الحل فيما بين طوافه وسعيه فعليه الجزاء، وإن أصابه بعد السعي قبل الحلاق فلا جزاء عليه.
1000 - وما ذبح المحرم من الصيد بيده أو صاده بكلبه أو بازه فأدى جزاءه فلا يأكله حلال ولا حرام، فإن أكل هو من لحمه لم يكن عليه جزاء آخر، ولا قيمة ما أكل، لأنه أكل لحم ميتة.
وما ذبح من أجل محرم بأمره أو بغير أمره، ولي ذبحه حلال أو حرام فلا يأكله محرم ولا حلال، ولم يأخذ مالك بحديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - حين قال لأصحابه: إنما صيد من أجلي فكلوا، وأبى أن ياكل.(1/620)
1001 - وإذا أصاب القارن صيداً فعليه جزاء واحد، وإذا قتل المحرم بازياً معلماً فعليه جزاؤه غير معلم وعليه قيمته لربه معلماً.
1002 - وإذا أحرم الأخرس فأصاب صيداً حكم عليه كما يحكم على غيره، وإذا حج بالصبي لصغير الذي لا يعقل أبوه فأصاب صيداً ولبس وتطيب فالجزاء والفدية على الأب، وإن كان للصبي مال، وكذلك كل شيء وجب على الصبي من الدم في الحج فذلك على والده، لأنه أحجه، ولا يصوم عنه والده في الجزاء والفدية ولكن يطعم عنه أو يهدي.
1003 - وإذا أحرم العبد بإذن سيده فما لزمه من جزاء صيد خطأ أو فدية لإماطة أذى من ضرورة أو فوات حج [أصابه] لم يتخلف له عامداً، فلزمه هدي، فذلك كله على العبد، وليس له أن يخرج ذلك من مال سيده إلا بإذنه، وإن لم يأذن له صام، ولا يمنعه سيده من الصوم، وإن أضر به إلا أن يُفدي عنه أو يُطعم.(1/621)
1004 - وما أصاب العبد عمداً مما وجب به عليه الهدي أو الفدية، فلسيده أن يمنعه أن يفتدي بالنسك أو الصدقة، ولا يمنعه من الصوم إلا أن يضر به في عمله فيمنعه [منه] [إن شاء] ، وكذلك العبد إذا ظاهر لا سبيل له إلى زوجته حتى يكفر، ولا يمنعه سيده من الصوم إلا أن يضر به في عمله، فيمنعه إن شاء، لأنه أدخل الظهار على نفسه، وليس له أن يضر سيده.
1005 - وإذا كسر محرم [أو حلال] بيض طير وحشي في الحرم وفيه فرخ أم لا، أو أخرج منه الفرخ حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل صارخاً فعليه عشر ثمن أمه. وإن استهل الفرخ من بعد الكسر صارخاً فعليه الجزاء كاملاً كجزاء كبير [ذلك] الطير، وهذا كالحرة لو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً أو حياً يضطرب فمات قبل أن يستهل [صارخاً] ، فليس عليه إلا عشر دية أمه ولا(1/622)
قسامة فيه، وإن خرج حياً فاستهل صارخاً فعليه الدية كاملة بقسامة.
1005 - وإن أصاب محرم أو حلال بيض حمام مكة فعليه عشر دية أمه وفي أمه شاة. وإذا شوى المحرم بيض النعام أوكسره فأخرج جزاءه لم يصلح كله لحلال ولا لحرام.
1006 - وإن أفسد [المحرم] وكر طير فلا شيء عليه، إلا أن يكون فيه بيض أو فراخ فعليه في البيض ما على المحرم في الفراخ، لأنه لما أفسد الوكر فقد عرض البيض والفراخ للهلاك. (1)
1007 - وإن ضرب بطن عنز من الظبا فألقت جنيناً ميتاً وسلمت الأم، فعليه في الجنين عشر قيمة أمه، ولو ماتت العنز بعد ذلك كان عليه مع ذلك جزاؤها أيضاً، ولو استهل جنين العنز ثم مات وماتت أمه [كان عليه جزاءان، ولو ضرب بطن امرأة خطأ فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت بعده كان في الجنين عشر دية أمه وفي
_________
(1) انظر: التقييد (2/114) ، والذخيرة للقرافي (3/328) .(1/623)
المرأة دية كاملة تحمل ذلك كله العاقلة، ولو استهل الجنين صارخاً ثم مات وماتت أنه ففيهما] على العاقلة ديتان بقسامة، ويحكم في جنين العنز إذا استهل صارخاً كما يحكم في كبار الظبا، ويحكم في صغير كل شيء أصابه من الصيد مثل ما يحكم في كباره، كمساواة الحر الكبير الصغير في ديته.
1008 - ويحكم في جزاء الصيد حكمان كما قال الله تعالى (1) ، ولا يكونان إلا عدلين فقيهين، ويجوز أن يكونا دون الإمام ولا يكتفيان من الجزاء بما روي وليبتديا بالاجتهاد، ولا يخرجا باجتهادهما عن آثار من مضى، وإن حكما فاختلفا ابتدأ الحكم فيه غيرهما حتى يجتمعا على أمر واحد.
1009 - وإن أخطأ خطأً بيناً فحكما بشاة فيما فيه بدنة أو بقرة أو ببدنة فيما فيه شاة انتقض حكمهما ويؤتنف الحكم [فيه] . (2)
_________
(1) في سورة المائدة آية (95) .
(2) انظر: الذخيرة (3/330) .(1/624)
1010 - والمحكوم عليه مخير إن شاء أن يحكما عليه بجزاء ما أصاب من النعم، أو بالصيام أو بالطعام، كما قال الله تعالى، فإن أمرهما بالحكم بالجزاء من النعم فحكما به وأصابا فأراد بعد حكمهما أن يرجع إلى الطعام أو الصيام يحكمان عليه [به] هما أو غيرهما، فذلك له. (1)
1011 - وأدنى ما يجزئ في جزاء الصيد الجذع من الضأن والثني ما سواه، وما لم يبلغ جزاؤه ذلك ففيه طعام أو صيام، ولا يحكم بجَفْرة ولا بعَناق ولا بدون السن. (2)
1012 - وإن أرادا أن يحكما عليه بالطعام فليقوّما الصيد [نفسه حياً] بالطعام، ولا يقوّما جزاءه من النعم، ولو قُوّم الصيد بدراهم ثم اشترى بها طعاماً، رجوت أن
_________
(1) انظر: الذخيرة (3/330، 331) .
(2) انظر: الذخيرة (3/332) .(1/625)
يكون واسعاً، ولكن تقويمه بالطعام أصوب.
1013 - ثم إن شاء الصوم صام عدد أمداد الطعام أياماً بمد النبي ÷، وإن جاوز ذلك شهرين أو ثلاثة، وأحب غلي أن يصوم لكسر المد يوماً.
1014 - ويقوم الصيد بطعام ولا ينظر إلى فراهيته وجماله، ولكن قيمته على الحال التي كان عليها حين أصابه، وكذلك البازي، [و] الفاره وغير الفاره في الحكم سواء، ويقوم بالحنطة، فإن قوم شعيراً أو تمراً أجزأ إذا كان ذلك طعام ذلك الموضع، ويتصدق على كل مسكين من ذلك مداً بمد النبي ÷.
قيل: أيقوم الصيد بشيء من [الطعام] القطاني أو بزبيب أو أقط وهو عيش [أهل] ذلك الموضع؟.
قال: يجزئ فيه ما يجزئ في كفارة الأيمان، ولا يجزئ فيه ما لا يجزئ في كفارة الأيمان، ولو قوم عليه طعام فأعطى المساكين قيمة الطعام دراهم أو(1/626)
عرضاً لم يجزه، فإن حكم في الجزاء بثلاثين مداً فأطعم عشرين مسكيناً ولم يجد تمام الثلاثين فله أن يذبح الجزاء ولا يجزئه أن يصوم مكان العشرة، وإنما هو طعام كله، أو صيام كله كالظهار. والصوم في كفارة الصيد متتابع أحب إلي، وإن فرق أجزأه.
1015 - ولا يبلغ شيء من جزاء الصيد دمين، وليس شيء من الصيد إلا وله نظير من النعم، وإن أصاب نظيره من الإبل فقال: احكموا علي من الغنم ما يكون مثل البعير أو مثل قيمته فلا يحكم عليه إلا بنظير ما أصاب، إن كان من الإبل فمن الإبل، وإن كان من البقر فمن البقر، وإن كان من الغنم فمن الغنم لقول الله تبارك وتعالى ×فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ% (1) ، وإنما ينظر
_________
(1) سورة المائدة: آية (95) .(1/627)
إلى مثله من النعم في نحوه وعظمه. (1)
1016 - وجزاء الصيد [وغيره] من الهدايا لا ينحر أو يذبح إلا بمكة أو بمنى، إن وقفه بعرفة نحره بمنى، وإن لم يوقفه بعرقة سيق من الحل ونحر بمكة، فإن كان أوقفع بعرفة ولم ينحره أيام النحر بمنى نحره بمكة ولا يخرجه إلى الحل ثانية، وإنما يحكم عليه في الجزاء بالطعام بالموضع الذي أصاب فيه الصيد، ثم لا يطعم في غير ذلك المكان.
قال مالك رحمه الله: يحكم عليه بالمدينة ويطعم بمصر؟ إنكاراً لمن يفعل ذلك.
قال ابن القاسم: يريد إن فعل لم يجزه.
وأما الصيام في الجزاء [والنسك] فحيث شاء من البلاد.
1017 - وإذا حكما عليه بالجزاء فله أن يهديه متى شاء، إن شاء أهداه وهو حلال أو حرام ولكن إن قلده وهو في الحج لم ينحره إلا بمنى، وأن قلده وهو معتمر أو بعث به نحر بمكة.
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (3/333) .(1/628)
1018 - وإذا أصاب المحرم اليربوع والضب والأرنب وشبهه حُكم عليه بقيمته طعاماً وخُيّر المحرم، فإن شاء أطعم كل مسكين مداً، أو صام لكل مد يوماً.
1019 - وفي حمام مكة والحرم شاة، وأما دُبْسِيّ الحرم وقمريه فإن كان من الحمام عند الناس ففيه شاة، واليمام مثل الحمام، وأما حمام غير مكة والحرم ففيه حكومة.
1020 - وإذا وطئ الرجل ببعيره على ذباب أو ذر أو [نمل] فقتلهن فليتصدق بشيء من الطعام.
* * *(1/629)
(كتاب الصيد)
1021 - والمعلَّم من كلب أو باز هو الذي إذا زُجر انزجر، وإذا أرسل أطاع، ولا بد من التسمية عند الرمي، وعند إرسال الجوارح وعند الذبح. فإن نسي في ذلك كله التسمية أكل وسمى الله، وإن ترك التسمية عامداً لم تؤكل، ومن(2/9)
أمر عبده بالذبح وأمره بالتسمية مرتين أو ثلاثاً، فقال العبد: قد سميت، ولم يسمعه السيد جاز أن يصدقه ويأكل ما ذبح إلا أن يتركه تنزهاً.
وإن أرسل مسلم ومجوسي كلباً، أو أرسل مجوسي كلب مسلم لم يؤكل ما صاد، وإن أرسل مسلم كلباً معلماً لمجوسي أُكل صيده.
1022 - ومن توارى عنه كلبه والصيد ثم وجده ميتاً فيه أثر كلبه أو بازه أو سهمه أكله ما لم يبت، فإن بات لم يأكله وإن أنفذت مقاتله الجوارح أو سهمه وهو فيه بعينه، قال مالك: وتلك السنة. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/218) ، وقد أشار إلى حديث ابن عباس الذي رواه عبد الرزاق في المصنف (4/451، 460) ، وكذلك ابن أبي شيبة (4/615) ، والنسائي في الكبرى (9/241) .(2/10)
1023 - ولو لم يبت إلا أنه لما توارى عنه الجارح والصيد رجع الرجل إلى بيته ثم عاد فأصابه من يومه لم يؤكل إذ لعله [لو] كان في الطلب ولم يفرط أدرك ذكاته قبل فوات نفسه، أو قبل إنفاذ مقاتله ففرط حين رجع.
1024 - وإذا أدرك الصيد لم تنفذ الجوارح مقاتله فتركها حتى قتلته لم يؤكل.
ولو اشتغل بإخراج سكين من خُرجه أو بانتظار من هي معه من عبده (1) أو غيره حتى تقتله الجوارح، أو يموت وقد اعتزلت الجوارح عنه لم يؤكل، لأنه أدركه حياً، ولو شاء أن يذكيه ذكاه، إلا أن يدركه وقد أنفذت الجوارح مقاتله فلا بأس بأكله.
1025 - وإن أكل الكلب أكثر الصيد أُكل بقيته ما لم [يبت،
_________
(1) لحديث أبي ثعلبة الخشني في أبي داود (3/109) .(2/11)
وهو] [و] إن أكل من كل ما أخذ فهو معلّم.
1026 - وإن أدرك المنفوذ مقاتله يضطرب فمستحسن أن يفري أوداجه فإن لم يفعل وتركه حتى مات أكله ولا شيء عليه، وإن لم تنفذ مقاتله وقدر على خلاصه من الجوارح للذكاة فلا يؤكل إلا بذكاة، وإن غلبته عليه ولم يقدر على خلاصه منها، ولم يفرّط حتى فات بنفسه أُكل إن نيبته، وإن لم يقدر على خلاصه منها وقدر أن يذكيه تحتها فليفعل، فإن لم يذكه فلا يأكله، ولو قدر على خلاصه منها فذكاه وهو في أفواهها تنهشه فلا يؤكل، إذ لعله من نهشها مات، إلا أن يوقن أنه ذكاه وهو مجتمع الحياة قبل أن تنفذ هي مقاتله، فيجوز أكله، وبئس ما صنع، وإن أدركه وقد فرى الكلب أو البازي أو السهم أوداجه، فقد فرغ من ذكاته، وإن أدركه غير منفوذ المقاتل(2/12)
والكلاب تنهشه وليس معه ما يذكيه به فتركه حتى مات بقتلها، لم يؤكل. ولو بادر لذبحه ولم يفرط ففات بنفسه لأُكل. (1)
1027 - والفهد وجميع السباع إذا عُلّمت فهي كالكلب. قلت: فجميع سباع الطير إذا علمت أهي بمنزلة البازات؟ قال: لا أدري ما مسألتك هذه، ولكن [ما عُلّم من] [البازات] (2) والعُقبان (3) والزمامجة (4) والشذانقات (5) والسفاة (6) والصقور وشبهها لا بأس بها عند مالك.
1028 -[قال مالك:] وإن أرسل كلبه على صيد فأخذ غيره لم يؤكل، وإن أرسله على جماعة وحش أو طير ونوى ما أخذ منها ولم يخصّ شيئاً منها، أو على
_________
(1) انظر: مقدمات ابن رشد (1/419) ، والبيان والتحصيل (3/311) .
(2) ضرب من الصقور، شرح الزرقاني (2/509) .
(3) العقبان: بموحدة جمع عقاب، طائر معروف، ويجمع على أعقب، شرح الموطأ للزرقاني (2/509) .
(4) الزمامجة: جمع زمج، طائر يصيد به الملول، الحيوان للدميري (2/8) .
(5) هي كلمة فارسية ويراد بها الشاهين وهو لفظ فارسي أيضاً، وهو نوع من الصقور، وانظر: معجم البلدان (2/53) ، واللسان (10/171) ، وتحرير ألفاظ التنبيه للنووي (1/169) ,
(6) لعله السفنح: وهو طائر له أسنان كثيرة، وانظر: حياة الحيوان (2/23) .(2/13)
جماعتين، ونوى ما أخذ منهما جميعاً فليأكل ما أمسك عليه من ذلك كله، مما قلّ عدده أو كثر، وكذلك الرمي، وإن نوى واحداً من جماعة فأخذ الكلب غيره منها لم يؤكل، وكذلك الرمي، وإن أرسل على جماعة ينويها ولم ينو غيرها لم يؤكل ما صاد من غيرها، كان قد رآها، أو لم يرها.
وإن أرسله على جماعة لا يرى غيرها ونوى إن كان وراءها غيرها فهو عليها مرسل، فليأكل إن أخذ من سواها، وكذلك إن أرسله على صيد لا يرى غيره ونوى ما صاد سواه فليأكل ما صاد.
1029 - وإن رميت صيداً عمدته فأصبت غيره، أو أصبته فأنفذته وأصبت آخر وراءه لم تأكل إلا الذي اعتمدت إلا أن تنوي ما أصاب سواه كما ذكرنا.
والسلالقة (1) وغيرها إذا عُلّمت فهي سواء.
1030 - وإن أرسل كلباً غير معلم، لم يؤكل ما صاد إلا أن يكون معلماً، أو يدرك ذكاته.
_________
(1) نسبة إلى سلوق ويقال: سلقية، من الكلاب المنسوبة إلى مدينة مدائن الروم فأعربت، وانظر: معجم ما استعجم (3/751) ، ومعجم البلدان (3/242) ، (4/307) ، واللسان (10/163) .(2/14)
1031 - وإذا أثار [الرجل] صيداً فأشلى عليه كلبه، وهو مطلق، فانشلى وصاد من غير أن يرسله من يده، فإنه يؤكل ما صاد، قاله مالك، ثم رجع فقال: لا يؤكل حتى يطلقه من يده مرسِلاً له مُشْلياً، وبالأول أقول.
1032 - وأما لو ابتدأ الكلب طلبه، أو أفلت من يده عليه ثم أشلاه ربه بعد ذلك لم يؤكل، لأن الكلب خرج بغير إرسال صاحبه.
1033 - وتؤكل ذبيحة الصبي قبل البلوغ إذا أطاق الذبح وعرفه، وكذلك صيده.(2/15)
1034 - وإن أرسلت كلباً أو بازاً معلماً فأعانه عليه كلب أو باز غير معلم لم يؤكل.
1035 - وما أصيب بحجر أو ببندقة فخرق أو بضع أو بلغ المقاتل لم يؤكل، وليس ذلك بخرق وإنما هو رضّ.
1036 - وما أصيب بالمعراض فخرق، فكل ما قتل وإن لم ينفذ المقاتل [كالسهم] ، إلا أن يصيب بعرضه.
1037 - ومن رمى صيداً بعود أو عصا فخرقه، أو برمح أو حربة أو مطردة(2/16)
فخرقه فإنه يؤكل. (1)
1038 - وما ند من الأنعام الإنسية فلم يُقدر على أخذه لم يؤكل إلا بذكاة الإنسية، وما دَجَن من الوحش ثم ندّ واستوحش أُكل بما يؤكل به الصيد، من الرمي وغيره.
1039 - وإن رميت صيداً بسكين أو بسيف فبضعت فيه ولم تنفذ مقاتله فمات قبل أن تدركه من غير تفريط، فإنه يؤكل، ومن رمى صيداً بسكين فقطع رأسه أكله إن نوى اصطياداً، وإن لم ينو اصطياداً لم يؤكل منه شيء، فإن رمى حجراً فإذا هو صيد، فأنفذ مقاتله لم يؤكل، وكذلك لو ظنه سبعاً أو خنزيراً، وكذلك لو ضرب شاة بسكين، و [هو] لا يريد قتلها، ولا ذبحها، فأصاب الحلقوم والأوداج ففراهما لم تؤكل، لأنه لم يُرِد ذبحها. والإنسية لا تؤكل بشيء مما يؤكل به الوحشي من الضرب والرمي.
1040 - وإذا طلبت الجوارح صيداً فمات انبهاراً ولم تأخذه لم يؤكل، ولو أخذته
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (16/315) ، وحاشية الدسوقي (2/104) ، والتاج والإكليل (6/247) ، والتعاريف (1/51) .(2/17)
فقتلته بالعض أو بغيره ولم تنيبه وتدمه لم يؤكل، وكذلك إن مات بصدمها.
ولو ضربت صيداً بسيف حتى مات ولم يقطع فيه، لم يؤكل كالعصا.
1041 - وإذا دجن عندك صيد ثم ندّ فصيد بحدثان ما ندّ ولم يتوحش، فهو لك، وإن لم يؤخذ بحدثانه وقد لحق بالوحش، فهو لمن صاده كان ظبياً أو بازاً أو غيره.
1042 - وإن قطع الباز أو الكلب عضواً من الصيد من يد أو رجل أو فخذ أو جناح أو خطم فأبانه فمات منه قبل أن يدرك ذكاته لم يؤكل ما بان، وتؤكل بقيته، وإن أدرك ذكاته فليذكه ويأكل بقيته دون ما بان منه، وكذلك غن ضربت صيداً فأبنت ذلك منه أو أبقيته معلقاً بالجلد بقاء لا يعود لهيئته أبداً، ولو كان ما لم يبن منه يعلم أنه يلتحم ويعود لهيئته لأُكل جميعه.
1043 -[وإن ضرب عنق الصيد فأبانه أكل الرأس وجميع الجسد، وكذلك إن ضرب وسطه فجزله نصفين فليأكل جميعه] .(2/18)
1044 - وإن ضرب عنق الشاة بالسيف فأبانه ونوى الذكاة فلا تؤكل، كمن أخطأ فذبح من العنق أو من القفا فلا تؤكل. (1)
1045 - ويجوز أكل الضب والأرنب والوبر والظرابيب (2) والقنفذ. قال مالك: ولا أحب أكل الضبع [والثعلب] والذئب والهر الوحشي والإنسي ولا شيء من السباع.
1046 - ويؤكل ما ذبحه أهل الكتاب، ولا يؤكل ما صادوه لقوله تعالى: ×تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ%، (المائدة: 94) .
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/210) ، والمدونة الكبرى (3/62) .
(2) هي دويبة صغيرة أيضاً، ذات شوك كبير كالقنفذ، وانظر: حاشية العدوي (1/511) ، ومعجم ما استعجم (1/169) ، وجواهر الإكليل (1/218، 219) ، والتقييد (2/368) .(2/19)
ويؤكل ما صاده المجوسي من البحر دون ما صاده من البر، إلا أن يدرك ذكاته قبل أن ينفذ المجوسي مقاتله. (1)
1047 - ويؤكل ما يعيش من دواب الماء في البر الثلاثة الأيام والأربعة، و [يؤكل] ترس البحر بغير ذكاة.
1048 - وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية، لأنه تبع لدين أبيه إلا أن يكون [قد] تمجّس وتركه أبوه على ذلك، فلا يؤكل ما ذبح.
1049 - وما قتلت الحبالات من الصيد فلا يؤكل، إلا ما أدركت ذكاته من ذلك ولو كانت فيها حديدة أنفذت المقاتل لم يؤكل، ولا تنفع ذكاته بعد ذلك ولا تؤكل ذبيحة المرتد ولا صيده.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/102) ، والذخيرة للقرافي (4/169، 170) .(2/20)
1050 - ويؤكل صيد البحر بغير ذكاة، ولا يحتاج فيه إلى التسمية، لأنه ذكي، ويؤكل طافي الحوت، وجميع دواب البحر.
1051 - ومن ذبح طير الماء فوجد في بطنه حوتاً فله أكله، وكذلك إن وجد حوتاً في بطن حوت.
1052 - ولا تؤكل ميتة الجراد، ولا ما مات منه في الغرائر (1) ، ولا يؤكل [منه] إلا ما قُطف رأسه أو سُلق أو قلي أو شوي حياً، وإن لم تقطع رؤوسه، ولو قطعت أرجله أو أجنحته فمات لذلك لأُكل.
_________
(1) هي الجُوالق، وقيل: وعاء من الأوعية، بخلاف غرارة القمح، وانظر: حاشية الدسوقي (3/207) ، والتاج والإكليل (4/288) ، والشرح الكبير (4/339) ، ومواهب الجليل (4/293) ، والمدونة الكبرى (3/57) .(2/21)
1053 - وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء، وقال: أنتم تقولون خنزير، قال ابن القاسم: وأنا أتقيه، ولا أرى أكله حراماً. (1)
1054 - ومن ذبح ذبيحة [فتردت بعد الذبح] من جبل أو سقطت في ماء فإنها تؤكل.
1055 - و [من] ذبح شاة فقطع بضعة منها قبل أن تزهق نفسها فبئس ما صنع، وتؤكل البضعة وسائر الشاة.
1056 - ومن أرسل كلبه أو بازه على صيد فطلبه ساعة ثم رجع عن الطلب، ثم عاد
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (3/58) ، والكافي لابن عبد البر (1/187) ، والتاج والإكليل (3/234) ، والتمهيد (16/223، 224) ، عون المعبود (10/226) ، وبداية المجتهد (1/345) .(2/22)
فقتله، فإن كان كالطالب له يميناً وشمالاً، أو عطف وهو على طلبه، فهو على أول إرساله، فإن وقف لأجل جيفة، أو لشمّ كلب، أو سقط البازي على موضع عجزاً عنه، ثم رأياه فاصطاداه فلا يؤكل إلا بإرسال مؤتنف. (1)
1057 - ومن رمى صيداً فأثخنه حتى صار لا يقدر أن يفر ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل، لأنه أسير كالشاة، لا يؤكل إلا بذكاة، ويضمنه للأول.
1058 - ومن رمى صيداً في الجو فسقط، أو رماه في الجبل فتردى منه، فأدركه ميتاً لم يؤكل، إذ لعله من السقطة مات، إلا أن يكون [قد] أنفذ مقاتله بالرمية.
1059 - ومن طرد صيداً حتى دخل دار قوم فإن اضطره هو أو جوارحه إليها فهو له، وإن لم يضطروه وكانوا قد بعدوا عنه فهو لرب الدار.
وما وقع في الحبالات [من الصيد] فأخذه أجنبي فرب الحبالات أحق به.
_________
(1) انظر: الإكليل للأحبر (143) ، وجواهر الإكليل (1/219) .(2/23)
وقد تقدم ذكر من رمى صيداً فأصاب غيره.
* * *(2/24)
(كتاب الذبائح)
1060 - ولا بأس بأكل اليربوع والخَلْد والوَبْر [والحيات] إذا ذُكي ذلك.
[قال مالك: وإذا ذُكيت الحيات في موضع ذكاتها فلا بأس بها لمن احتاج إليها.
ولا بأس] بأكل خشاش الأرض وهوامها، وذكاة ذلك كله كذكاة الجراد.
1061 - وجائز أكل الضفادع وإن ماتت، لأنها من صيد الماء.(2/25)
والحلزون (1) كالجراد، ما أُخذ منه حياً فسُلِق أو شوي، أُكل، وما وجد منه ميتاً لم يؤكل.
1062 - وإذا دجن حمار وحشي فصار يعمل عليه لم يؤكل عند مالك، وأجازه ابن القاسم.
1063 - ولا بأس بأكل الجلالة من الأنعام والرخم والعقبان والنسور والأحدية والغربان والهدهد والخُطّاف وشببها، وجميع الطير سباعها وغير سباعها، ما أكل الجيف منها أم.
_________
(1) هي دابة توجد في الرعى والصحارى، انظر: المدونة الكبرى (3/64) ، والمحلي (7/405) ، واللسان (5/307) .(2/26)
1064 - ومن احتاج إلى أن يذبح بمروة، أو عود أو حجر أو عظم أو غيره أجزأه، ولو ذبح بذلك ومعه سكين فإنها تؤكل إذا فرى الأوداج.
1065 - وتمام الذبح فري الأوداج والحلقوم، فإن فرى الأوداج وحدها أو الحلقوم، لم يؤكل، ولم يذكر مالك المري [الذي يكون مع الحلقوم] .
1066 - ولا يذبح [ما] يُنحر، ولا يُنحر ما يذبح. واستُحِب في البقر الذبح، لقول الله تعالى: ×إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً%، (البقرة: 67) ، فإن نُحرت أُكلت، والغنم تذبح، والإبل تُنحر، فإن نُحرت الغنم، أو ذبحت الإبل من غير ضرورة لم تؤكل.(2/27)
ولا يؤكل ما نحر من الطير كله.
1067 - وما وقع من الأنعام في بئر فلم يوصل إلى ذكاته فإن ما بين اللبة والمنحر منه مذبح ومنحر إن ذبح أو نحر فجائز، ولا يجزئ في موضع سواه، من جنب أو كتف أو غيره.
ولا يجزئ هذا في غير هذه الضرورة، ويترك يموت، وبلغ مالكاً أن الجزارين يجتمعون على الحفرة يدورون بها، فيذبحون حولها، فنهاهم عن ذلك، وأمرهم بتوجيهها إلى القبلة.
1068 - وأكره أن يبدأ الجزار بسلخ الشاة قبل أن تزهق نفسها، ولا تُنخع ولا يقطع رأسها، ولا شيء من لحمها حتى تزهق نفسها، فإن فعل أُكلت(2/28)
مع ما قطع منها، والنخع: قطع المخ الذي في عظم العنق، وكسر العنق من النخع إن انقطع النخاع.
1069 - قال مالك: ومن ذبح ونزلت يده إلى أن أبان الرأس أُكلت إذا لم يتعمد ذلك، قال ابن القاسم: لو تعمد هذا وبدأ في قطعه بالحلقوم والأوداج أُكلت لنخعه إياها بعد تمام الذكاة.(2/29)
1070 - ومن وجه ذبيحته لغير القبلة أُكلت وبئس ما صنع.
1071 - وليسم الله عند الذبح والنحر وعلى الضحايا، وليقل: بسم الله والله أكبر، وليس بموضع صلاة على النبي عليه السلام، ولا يذكر هناك إلا الله، وإن شاء قال في الأضحية بعد التسمية: اللهم تقبل مني، وإلا فالتسمية تكفي، وأنكر مالك قوله: اللهم منك وإليك، وقال: هذه بدعة. (1)
1072 - ويؤكل ما ذبحت المرأة من غير ضرورة، [وإن اضطرت إلى الذبح] ولم يحضرها إلا نصراني فلتل هي الذبح دونه.
_________
(1) انظر في ذلك: المدونة الكبرى (3/67) ، والتاج والإكليل (3/222) ، ومختصر خليل (1/91) ، وحاشية العدوي (1/723) ، ونصب الراية (4/184) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/177) .(2/30)
1073 - و [ذبيحة] رجال الكتابيين ونسائهم [وصبيانهم] إذا أطاقوا الذبح سواء في إجازة أكلها. وكره مالك أكل ما ذبحه أهل الكتاب لكنائسهم أو لأعيادهم من غير تحريم، وتأول قول الله تعالى: ×أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ%، قال ابن القاسم: وكذلك ما [ذبحوا] ، وسموا عليه اسم المسيح، [فهو بمنزلة ما ذبحوا لكنائسهم،] ولا أرى أن يؤكل.(2/31)
1074 - ولْيَل الرجل ذبح أضحيته وهديه بيده، فإن أمر ذمياً فذبح أضحيته لم تجزه، وأعادها، وإن أمر بذلك مسلماً أجزته وبئس ما صنع.
1075 - وما ذبحه اليهود فأصابوه فاسداً عندهم لحال الرئة وشبهها التي يحرمونها في دينهم، فمرة أجاز مالك أكلها، ثم كرهها وقال: لا تؤكل، قال ابن القاسم: وما ذبح اليهود مما لا يستحلونه لا يؤكل.
1076 - وذبيحة الحربيين ومن عندنا من الذميين سواء، ومالك يكره ذبائحهم،(2/32)
والشراء في مجازرهم، ولا يراه حراماً، وقال أمر عمر [رضي الله عنه] ، أن لا يكونوا جزارين أو صيارفة، وأن يُقاموا من أسواقنا كلها، [فإن الله أغنانا بالمسلمين] .
1077 - وإن ارتد المسلم إلى أي دين كان، لم تؤكل ذبيحته. وتؤكل ذبيحة الأخرس.
1078 - وإذا تردت الشاة من جبل أو غيره فاندق عنقها أو أصابها ما يعلم أنها لا تعيش من ذلك، فلا بأس بأكلها ما لم يكن قد نخعها. (1)
_________
(1) انظر: منح الجليل (2/415) .(2/33)
1079 - والأزلام قداح كانت في الجاهلية، في واحد افعل، وفي الآخر لا تفعل، والآخر لا شيء فيه، فكان أحدهم إذا أراد سفراً أو حاجة ضرب بها، فإن خرج الذي فيه لا تفعل ترك، وإن خرج الذي فيه افعل فعل، وإن خرج الذي لا شيء فيه أعاد الضرب. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الثمر الداني، شرح رسالة القيرواني (1/712) ، وحاشية العدوي (2/645) .(2/34)
(كتاب الضحايا) (1)
1080 - ولا يجزئ ما دون الثني من سائر الأنعام في الضحايا والهدايا، [إلا الضأن] فإن جذعها يجزئ.
1081 - ويذبح الإمام أو ينحر أضحيته بالمصلى بعد الصلاة، ثم يذبح الناس بعده، ومن ذبح قبل صلاة الإمام، أو بعد صلاته، وقبل ذبحه
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (1/711) ، وحاشية الدسوقي (3/92) ، وشرح الزرقاني (3/92) ، والتاج والإكليل (3/241) ، ومواهب الجليل (3/253) ، والذخيرة (4/141) ، والمقدمات لابن رشد (1/235) .(2/35)
أعاد، وليتحر أهل البوادي ومن لا إمام له من أهل القرى صلاة أقرب الأئمة إليهم وذبحه فيذبحوا بعده، فإن تحروا وذبحوا قبله أجزأهم.
1082 - ويجزئ في الضحايا والهدايا المكسورة القرن، إلا أن يكون يدمي، لأنه مرض، ولا تجزئ المريضة البيّن مرضها، ولا الحَمِرة وهي: البشمة، لأن ذلك مرض ولا الجربة إن كان ذلك لها مرضاً.
1083 - وله أن يبدل أضحيته، ولا يبدلها إلا بخير منها أو مثلها، قلت: فإن باعها واشترى دونها ما يصنع بها وبفضلة الثمن؟ قال: قال مالك: لا يجوز أن يستفضل من ثمنها شيئاً، وأنكر الحديث الذي جاء في مثل هذا (1) ، وإن
_________
(1) الذي رواه أبو داود (3386) ، والترمذي (1257) عن حكيم بن حزام. وقال أبو عيسى: لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع من حكيم.(2/36)
لم يجد بالثمن مثلها فليزد من عنده حتى يشتري مثلها.
1084 - ولا يدع أحد الأضحية ليتصدق بثمنها، ولا أحب تركها لمن قدر عليها. ولا يشترك في الضحايا إلا أن يشتريها رجل فيذبحها عن نفسه، وعن أهل بيته، وإن ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأهم، وإن كانوا أكثر من سبعة أنفس، وأحب إلي [إن قدر] أن يذبح عن كل نفس شاة، واستحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر، دون حديث أبي أيوب الأنصاري، ولو اشترى أضحية عن نفسه، ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته جاز ذلك،(2/37)
بخلاف الهدي، ولو اراد أن يذبحها عن نفسه، وعن أجنبيين على أن لا يأخذ منهم حصتهم من الثمن، لم يجز ذلك وإنما يجوز ذلك في أهل البيت.
1085 - ولو كانوا رفقاء في سفر ونفقتهم واحدة، قد تخارجوها فأرادوا أن يشتروا منها عن جميعهم كبشاً يضحون به، لم يجزهم. وليس على الرجل أن يضحي عن زوجته، بخلاف النفقة.
1086 - قال مالك: وإذا ولدت الأضحية فحسن أن يذبح ولدها معها، وإن تركه لم أر ذلك عليه واجباً، لأن عليه بدل أمه إن هلكت.
قال ابن القاسم: ثم عرضتها عليه فقال: أمحها واترك منها إن ذبحه معها فحسن. قال ابن القاسم: ولا أرى ذلك واجباً عليه. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (3/144) ، ومنح الجليل (2/486) ، والشرح الكبير (2/122) .(2/38)
1087 - ولا يجوز أن يجزّ صوفها قبل الذبح، ولا يبيع من أضحيته لحماً ولا [شحماً] ولا جلداً ولا شعراً ولا غيره، ولا يشتري به ماعوناً ولا غيره، ولينتفع بذلك منها، أو يتصدق به، ولا يبدل منها جلداً أو غيره بمثله، أو بخلافه، ولم أسمع من مالك في لبنها شيئاً، إلا أنه كره لبن الهدي، وقد روي في الحديث: "لا بأس بالشرب منه بعد ريّ فصيلها". (1)
1088 - فإن لم يكن لأضحيته ولد فأرى أن لا يشربه إلا أن يَضُرّ بها فيحلبه
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (5/236) .(2/39)
ويتصدق به، ولو أكله لم أر عليه شيئاً، وإنما أنهاه عنه كما أنهاه عن جز صوفها قبل ذبحها.
1089 - ولا بأس في الضحايا والهدايا بالبياض وغيره في العين إن لم يكن على الناظر، ولا بأس في الأذن بمثل السمة، أو قطع يسير، أو شق يسير، وأما جدع الأذن أو قطع جُلّها فلا يجزئ، وما سمعت مالكاً يؤقت في الأذن نصفاً من ثلث.
1090 - ولا تجزئ العرجاء البين ظلعها، إلا أن يكون الشيء الخفيف الذي لا ينقص مشيها، ولا تعب عليها به في سيرها، وتسير بسير الغنم، فأراه خفيفاً.
1091 - ومن اشترى أضحية سمينة فعجفت عنده أو أصابها عمى أو عور، أو ابتاعها بذلك لم يجزه، بخلاف ما يحدث بالهدي بعد التقليد من عيب، وقد ذكرناه في كتاب الحج.
1091 - ومن ضلت [منه] أضحيته ثم وجدها في أيام النحر فليذبحها، إلا أن يكون [قد] ضحى ببدلها فليصنع بها ما شاء، [وكذلك إن لم يضح ببدلها ثم(2/40)
وجدها بعد أيام النحر فليصنع بها ما شاء] .
1092 - وليس على أحد أن يضحي بعد أيام النحر، وهو بمنزلة من ترك الأضحية، وكذلك لو حبس أضحيته حية حتى مضت أيام [النحر] إلا أن هذا قد أثم.
1093 - ومن سرقت أضحيته أو ماتت أو ضلت، فعليه البدل.
1094 - ولو أضجعها للذبح فاضطربت فانكسرت رجلها أو أصابت السكين عينها ففقأتها، لم تجزه. والشاة تخلق خلقاً ناقصاً لا تجزئ.
1095 - ولا بأس بالجلحاء، وهي الجمّاء، والسكاء: وهي الصغيرة الأذنين، قال ابن القاسم: ونحن نسميها الصمعاء. ولو خلقت بغير أذنين لم تجز.(2/41)
1096 - ومن ذبح أضحيتك بغير إذنك، فأما ولدك، أو بعض عيالك، ممن فعله ليكفيك مؤنتها، فذلك مجزئ عنك، وأما على غير ذلك فلا يجزيك.
1097 - وإن ذبحت أضحية صاحبك، وذبح هو أضحيتك غلطاً لم تجزئ واحداً منكما، ويضمن كل واحد لصاحبه القيمة.
1098 - والأضحية [واجبة] على من استطاع، وهي على الناس كلهم الحاضر والمسافر إلا الحاج، فليست عليه، وإن كان من سكان منى، ومن لم يشهد الموسم من أهل مكة فهم في ضحاياهم كالأجنبيين، ولا تجب الأضحية على مملوك أو من فيه بقية رِق، ولا يُضحى عن من في البطن.(2/42)
1099 - وأيام النحر ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده، وليس اليوم الرابع من أيام الذبح وإن كان الناس بمنى.
[ولا تذبح] الهدايا والضحايا ليلاً، فإن فعل لم يجزه وعليه البدل.
1100 - وكل من تجب عليهم الجمعة فعليهم أن يجمعوا في صلاة العيدين، وليس على الحاج بمنى جمعة، ولا صلاة عيد.
1101 - ولا يصاد حمام الأبرجة، ومن صاد منها شيئاً رده أو عرّف به إن لم يعرف ربه ولا يأكله، وإذا دخل حمام برج لرجل في برج لآخر ردّها إلى ربها إن قدر، وإلا فلا شيء عليه. (1)
1102 - ومن وضع أجباحاً في جبل فله ما دخلها من النحل، ومن صاد طيراً في
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/356") ، والفواكه الدواني (2/239) ، ومواهب الجليل (5/153) ، (6/69) ، والمدونة الكبرى (3/77) ، والكافي في فقه مالك لابن عبد البر (1/184) ، وحاشيةالعدوي (2/471) .(2/43)
رجليه سباقان، أو ظبياً في أذنيه قرطان وفي عنقه قلادة، عرف بذلك، ثم ينظر فإن كان هروبه ليس بهروب انقطاع ولا توحش رده، وما وجد عليه لربه، وإن كان هروبه هروب انقطاع وتوحش فالصيد خاصة لصائده دون ما عليه، فإن قال ربه: ندّ مني منذ يومين، وقال الصائد: لا أدري متى ندّ منك، فعلى ربه البينة، والصائد مصدق.
1103 - وإذا قتل محرم بازياً لرجل معلماً فعليه جزاؤه غير معلم، كجزاء غيره من الوحش، وعليه قيمته لربه معلماً.
1104 - ولا يجوز بيع كلب سلوقي أو غيره، ويجوز بيع الهر، ويجوز بيع الأسد والسباع والفهود والنمور والذئاب، إن كان ذلك [لتُذَكّى] لأخذ جلودها. فإذا ذُكيت جاز بيع جلودها ولباسها والصلاة عليها.(2/44)
1105 - ومن قتل كلباً من كلاب الدور مما لم يؤذن فيه، فلا شيء عليه، لأنها تقتل ولا تترك، وإن كان مما أذن في اتخاذه لزرع أو ضرع، فعليه قيمته.
1106 - وإذا باع الذمي خمراً بدينار كرهت للمسلم أن يتسلفه منه، أو يبيعه به شيئاً أو يأخذه هبة، أو يعطيه فيه دراهم، ويأخذه، أو يأكل من طعام ابتاعه الذمي بذلك الدينار، وجائز أن يأخذه منه في قضاء دين، كما أباح الله تعالى أخذ الجزية منهم.
1107 - ولا بأس بصيح حمام مكة فيالحل للحلال، وما صيد في الحل فإذا دخل الحرم جاز أن يؤكل فيه، وإن كانت شجرة أصلها في الحرم، ولها غصن في الحل فوقع عليه طائر فلا بأس بصيده، ويؤكل. ولم يجب مالك [رحمه الله] فيه بشيء.
* * *(2/45)
(كتاب الجهاد) (1)
1108 - قال مالك: لا يُقاتل المشركون ولا يبيّتون حتى يُدعوا إلى الله ورسوله، فيسلموا أو يؤدوا الجزية، قال ابن القاسم: وكذلك إن أتوا إلى بلادنا. وقال أيضاً مالك: أما من قرُبت داره منا فلا يُدعوا لعلمهم بالدعوة، ولتطلب غرتهم، وأما من بعدت داره وخيف أن لا يكونوا كهؤلاء فالدعوة أقطع للشك.
قال يحيى بن سعيد: ولا بأس بابتغاء عورة العدو بالليل والنهار، لأن دعوة افسلام قد بلغته، إلا من ترجى إجابته من أهل الحصون [فلا بد من الدعوة] ، و [روي] عن علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] الدعوة ثلاث مرات. (2)
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/3) ، التاج والإكليل (3/346) ، ومواهب الجليل (3/346) ، والمدونة الكبرى (3/2) ، والكافي (1/205) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/8) ، وشرح حدود ابن عرفة للرصاع (193) ، والتقييد (1/339) ، والمطلع (1/209) ، وأنيس الفقهاء (1/181) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (5/217) ، (9424) ، والدارقطني في العلل (6/15) ، والطبراني في الأوسط كما في المجمع (5/305) ، وأورده الزيلعي في نصب الراية (3/378، 381) .(2/47)
1109 - قال مالك: وأما القبط فلا يقاتلوا، ولا يبيتوا حتى يدعوا، بخلاف الروم، ولم ير أن الدعوة قد بلغتهم.
1110 - وينبغي أن يُدعى اللص إلى التقوى، فإن أبى قوتل، كان بطريق، أو أتى إلى محلّك، وكذلك إن نزل قوم بآخرين يريدون أنفسهم وأموالهم وحريمهم ناشدوهم الله، فإن أبوا فالسيف.
1111 - ومن عاجلك عن الدعوة من لص أو مشرك فقاتله، وإن طلب السلابة طعاماً أو ثوباً أمراً خفيفاً رأيت أن يُعطوه ولا يُقاتلوا. قال محمد بن سيرين: ما علمت أحداً ترك قتال من يريد نفسه وماله تأثماً، وكانوا يكرهون قتال الأمراء، ولا بأس بالجهاد مع هؤلاء الولاة، إذ لو ترك [مثل] هذا لكان ضرراً على الإسلام.(2/48)
1112 - ولا بأس أن يخرج الرجل بأهله إلى مثل السواحل، ولا [يخرج] بهن إلى دار الحرب في الغزو إلا أن يكونوا في عسكر عظيم لا يُخاف عليهم لكثرتهم.
1113 - ولا يُقتل النساء ولا الصبيان ولا الشيخ الكبير في أرض الحرب، ولا الرهبان في الصوامع والديارات، ويترك لهم من أموالهم ما يعيشون به، ولا تؤخذ كلها فيموتون، وروى ابن وهب أن النبي عليه السلام نهى عن قتل العسيف (1) ، قال سحنون: وهو الأجير.
1114 - ولا بأس بتحريق قراهم وحصونهم، وتغريقها بالماء وتخريبها، وقطع الشجر المثمر وغيره، و [قد] تأول مالك قول الله تعالى: ×مَا قَطَعْتُم
_________
(1) رواه أبو داود (3/52) ، وابن ماجة (2/948) .(2/49)
مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً% (الحشر: 5) ، وقد قطع النبي عليه السلام نخل بني نضير وأحرق قراهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية (1) ، قال سحنون: وأصل نهي أبي بكر الصديق [رضي الله عنه] عن قطع الشجر، وإخراب العامر إنما ذلك فيما يُرجى مصيره للمسلمين نظراً لهم، وما لم يُرج الظهور عليه، فالنظر لهم خرابه.
1115 - ويقتل من الأسارى من لا يؤمن منه، ألا ترى ما كان من أبي لؤلؤة [لعنه الله] ، وأما الصغير والكبير الفاني فاتقى مالك قتلهم وهم
_________
(1) رواه البخاري (4884) ، ومسلم (4471) .(2/50)
الحشوة، ولهم قوتل العدو فهم كالأموال وقوة على الجهاد، وكتب عمر [رضي الله عنه] بقتل من جرت عليه المواسي من الكفار، وقال: لا يجلب إلى المدينة من علوجهم أحد (1) ، قيل: فحربي أخذ ببلدنا أيكون لمن أخذه أم يكون [فيئاً] ؟، قال: قال مالك: فيمن وجد بساحلنا من العدو فقالوا: نحن تجار ونحوه، فلا يقبل منهم وليسوا لمن وجدهم، ويرى فيهم الإمام رأيه، وأنا أرى ذلك فيئاً للمسلمين ويجتهد فيهم الإمام.
_________
(1) رواه ابن حزم في المحلي (7/299) ، وابن عبد البر في الاستذكار (4/65) ، وانظر: المدونة (3/9) ، والفتح (7/64) .(2/51)
1116 - وإذا أُخذ الرومي وقد نزل [تاجراً] بساحلنا فيقول: ظننت أنكم لا تعرضون من جاء تاجراً حتى يبيع، أو يؤخذ ببلد العدو، وهو مقبل إلينا فيقول جئت أطلب الأمان، فهو أمر مشكل، فأرى أن يُردّ إلى مأمنه، وروى ابن وهب عن مالك في قوم من العدو نزلوا في ساحلنا بغير إذن فأُخذوا، فزعموا أنهم تجار لفظهم البحر، ولا يعلم صدقهم، وقد تكسرت مراكبهم ومعهم السلاح، أو يشكون العطش الشديد فينزلون للماء بغير إذن، أن ذلك للإمام يرى فيهم(2/52)
رأيه، ولا يُخمّسون، وإنما الخمس فيما أوجف عليه بالخيل والركاب، قال يحيى بن سعيد: ومن زعم بعدما أُخذ ببلاد المسلمين أنه جاء لأمان، أو لتجارة، لم يقبل منه إلا أن يكون رسولاً بعث لأمر [مما] بين المسلمين وبين عدوهم، وقال ربيعة: إن كانوا من أرض متجر قد أُمنوا بالتجارة [قبل ذلك] فهم بمنزلة أمان، وإن لم يكن ذلك منهم قبل ذلك فلا عهد لهم ولا ذمة، وإذا نزل تجارهم بأمان فباعوا وانصرفوا فأينما رمتهم الريح من بلاد المسلمين فالأمان لهم ما داموا في تجرهم، حتى يردوا بلادهم. (1)
1117 - والشأن قسم الغنائم وبيعها ببلد الحرب، وهم أولى برخصها.
1118 - وما أحرزه المشركون من مال مسلم أو ذمي، من عرض أو عبد أو غيره ابق لهم، ثم غنمناه فإن عرف ربه قبل أن يقسم كان أحق به [بغير
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/362) ، والتقييد (1/345) .(2/53)
شيء] ولا يقسم، ويوقف له إن غاب، وإن لم يعرف ربه بعينه، وعرف أنه لمسلم أو ذمي قسم، ثم إن جاء ربه كان أحق به بالثمن ما بلغ، ولا يجبر على فدائه، وهو مخير، فإن أراد أخذه بالثمن لم يكن لمن في يده العبد أن يأبى ذلك، قيل: فمن وقع في سهمه من المغنم أمة أو ابتاعها من العدو الذين أحرزها هل يحل له وطؤها؟ قال: إن علم أنها لمسلم فلا يطؤها، حتى يعرضها عليه فيأخذها بالثمن أو يدع، وسواء اشتراها في بلد الحرب، أو في بلد الإسلام، وكذلك إن كان عبداً فليُعرض على سيده.
1119 - وما وجده السيد قد فات بعتق أو ولادة، فلا سبيل له إليه، ولا إلى رقه، أخذهم من كانوا بيده في مغنم أو ابتياع من حربي أغار عليهم أو أبقوا إليه، ويمضي عتقهم. وتكون الأمة [أم ولد] لمن ولدت منه.
1120 - ومن اشترى من المغنم أم ولد لرجل أو ابتاعها من حربي فعلى سيدها أن يعطيه جميع الثمن الذي اشتراها به، وإن كان أكثر من قيمتها ولا خيار له، بخلاف(2/54)
العبيد والعروض، فإن كان عديماً أتبع بذلك ديناً [عليه] وأخذها، [قال ابن شهاب: في رجل عرف أم ولده في أرض الروم وقد خُمّست وأعطي أهل النفل نفلهم والقوم الذي لهم فليأخذها ربها بالقيمة، ولو عتقت لم تؤخذ فيها فدية.
1121 - قال ابن القاسم: وإذا سبى أهل الحرب ذمياً ثم غنمناه، لم يكن فيئاً ورد إلى ذمته، ومن وجد آبقاً بغير دار الحرب ردّه إلى مولاه.
1122 - ومن فدى حراً من أيدي العدو بغير أمره، فله اتباعه بما فداه به على ما أحب أو كره.
قال يحيى بن سعيد: ومن فدى ذمية فلا يطاها، وله عليها ما فداها به وهي على أمرها، [قال ابن القاسم] وما أحرز أهل الشرك من أموال المسلمين(2/55)
فأتوا به ليبيعوه لم أحب لأحد أن يشتريه منهم] .
1123 - وإذا دخلت دار الحرب بأمان فابتعت عبداً لمسلم من حربي أسره، أو أبق إليه، أو وهبه الحربي لك، وكافيته عليه، فلسيده أخذه بعد أن يدفع إليك ما أديت من ثمن أو عوض، وإن لم تثب واهبك أخذه ربه بغير شيء، وإن بعته أنت ثم جاء ربه مضى البيع، وإنما له أن يأخذ الثمن منك ويدفع إليك ما أديته من ثمن أو عوض، وإن لم تؤد عوضاً فلا شيء لك.
وقال غيره: ينتقض بيع الموهوب [له] ، ويأخذه ربه بعد أن يدفع الثمن إلى المبتاع ويرجع به على الموهوب [له] .
1124 - قال ابن القاسم: و [أما] إن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد لأهل الإسلام(2/56)
قد كان أحرزهم، فباعهم عندنا من مسلم أو ذمي، لم يكن لربهم أخذهم بالثمن إذ لم يكن يقدر أن يأخذهم من بائعهم في عهده، بخلاف بيع الحربي إياهم في بلد الحرب، لأن الحربي لو وهبهم في بلد الحرب لمسلم فقدم بهم كان لربهم أخذهم بغير ثمن، وهذا الذي خرج [بهم] إلينا بأمان لو وهبهم لأحد لم يأخذهم سيدهم على حال.
1125 - ومن أسلم من أهل بلد [الحرب] على ما بأيديهم، وبأيديهم أحرار ذمتنا فهم رقيق لهم كعبيدنا، وهم أحق بجميع الأمتعة من أربابها.
1126 - وإن نزل بنا حربي بأمان ومعه عبيد مسلمون قد أسرهم، فلا يؤخذوا منه، ثم لو أسلم عندنا كانوا له دون سيدهم، كمحارب اسلم على مال أحرزه منا بنفسه أو ابتاعه من حربي أحرزه.
1127 - وإذا أسر العدو حرة مسلمة أو ذمية، فولدت عندهم أولاداً ثم غنمها المسلمون، فولدها الصغار بمنزلتها، لا يكونون فيئاً، وأما الكبار إذا بلغوا وقاتلوا فهم فيء.
1128 - ولو كانت أمة لرجل كان كبير ولدها وصغيرهم لسيدها.(2/57)
1129 - وإذا أسلم حربي ببلدة ثم قدم إلينا، وترك أهله وماله وولده، ثم غنمنا ذلك، فما له [وأهله] وولده فيء.
1130 - قال ربيعة: من ابتاع عبداً من الفيء فدل سيده على مال له أو لغيره بأرض العدو، والعبد كافر وقد أسلم أو أعتق، فإن دلّه [في جيش آخر فالمال لهذا الجيش الآخر دون الذين قفلوا، ولا يكون للسيد ولا للعبد] وإن دله قبل أن يقفل الجيش الذين كانوا سبوه، فهو لذلك الجيش الذي كان فيهم، [لأنه إنما نال ذلك بهم] .
1131 - وإذا خرج قوم من أهل الذمة محاربين متلصصين فأخافوا السبيل وقتلوا، حكم فيهم بحكم أهل الإسلام [إذا حاربوا. وإن خرجوا نقضاً للعهد ومنعاً للجزية، وامتنعوا من أهل الإسلام] من غير أن يظلموا والإمام عدل، فهم فيء، ومن هرب منهم إلى بلاد الحرب نقضاً للعهد فحارب ثم أسر فهو فيء، ولا يُرد إلى ذمته إذا قضوا [العهد] لغير ظلم ركبوا به، وإن كان لظلم رُدوا إلى ذمتهم،(2/58)
ولا يكونون فيئاً، وقال غيره: لا يعود الحر إلى الرق أبداً، ويردون إلى ذمتهم، ولا يكونون فيئاً. (1)
1132 - ومن أسلم من عبيد الحربيين لم يزل ملك سيده عنه، إلا أن يخرج [العبد] إلينا وندخل نحن بلادهم فنغنمه وهو مسلم وسيده مشرك فيكون حراً، ولا يرد إلى سيده [و] إن أسلم سيده بعد ذلك، وقد أعتق النبي ÷ عبيداً لأهل الطائف (2) لخروجهم [إليه] مسلمين، وابتاع أبو بكر بلالاً إذ أسلم فأعتقه والدار دار شرك (3) ، فلو انتقل ملك ربه عنه كان ذلك فداءً، ولم يكن ولاؤه لأبي بكر.
_________
(1) انظر: منح الجليل (3/178) .
(2) رواه أحمد في المسند (1/243، 349) .
(3) رواه الحاكم في المستدرك (3/319) .(2/59)
1133 - وإن خرج العبد إلينا مسلماً وترك سيده مسلماً فهو له [رق إن أتى] ، وإن باع حربي عبداً له قد أسلم من مسلم فهو لمبتاعه رق، لأن سيده لو أسلم عليه قبل أن يخرج العبد إلينا بقي له رقاً، وقال أشهب [وغيره] : إسلام العبد في دار الحرب يزيل ملك سيده عنه خرج إلينا أو أقام بداره، وإن اشتُري كان كالحر المسلم يلُفدى فيتبعه مشتريه بالثمن.
1134 - قال ابن القاسم: ولو قدم إلينا عبد لرجل من أهل الحرب بأمان فأسلم ومعه مال لسيده، فالمال للعبد ولا يُخمّس، وقد ترك النبي عليه السلام للمغيرة إذ قدم مسلماً مالاً أخذه لأصحابه. (1)
1135 - قال يحيى بن سعيد: وإن ائتمن الأسير على شيء، فليرد أمانته، وإن كان
_________
(1) رواه البخاري (2731) .(2/60)
مرسلاً وقد رأى أن يأخذ من أموالهم شيئاً، لم يؤتمن عليه ويتخلص به فليفعل.
1136 - وتسترق العرب إن سُبوا كالعجم. وإذا مات عندنا حربي مستأمن وترك مالاً أو قتل فماله وديته تدفع إلى من يرثه ببلده، ويعتق قاتله رقبة، وقال غيره: تدفع دينه وماله إلى حكامهم، وأهل النظر لهم، [حتى كأنه مات تحت أيديهم] .
1137 - وإذا كان مسلم في حصن العدو أو مركب لم أر أن يحرق أو يغرق، لقول الله تعالى: ×لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا% (الفتح: 25) ، ولا يعجبني ذلك إذا كان فيهم ذرية للمشركين ونساؤهم فقط، إلا أن يكون ليس فيها غير الرجال المقاتلة فلا بأس بذلك.
وروي أن النبي ÷ رمى أهل الطائف بالمجانيق فقيل له: إن فيها النساء(2/61)
والصبيان، فقال: هم من آبائهم. (1)
1138 - وإذا أحرق العدو سفينة للمسلمين، فلا بأس أن يطرحوا أنفسهم في البحر، لأنهم فروا من موت إلى موت، ولم ير ذلك ربيعة إلا لمن طمع بنجاة، أو اختار الأسر ونحوه، فلا بأس بذلك، وإن هلك في ذلك. وقال ربيعة أيضاً: إن صبر فهو أكرم له، وإن اقتحم فقد عوفي ولا بأس به [إن شاء الله] .
1139 - وقال ربيعة: إن انحرقت سفينة فلا يُثقّل الرجل نفسه ليغرق وليثبت [في مركبه] لأمر الله.
1140 - قال مالك رحمه الله: الفيء والخمس سواء، يجعلان في بيت المال، ويُعطي منهما الإمام أقرباء رسول الله ÷ بقدر اجتهاده.
_________
(1) رواه البيهقي (9/384) .(2/62)
1141 - وأما جزية الأرض فلا أدري كيف كان يصنع فيها، إلا أن عمر رضي الله عنه قد أقر الأرض فلم يقسمها بين الذين افتتحوها (1) ، وأرى لمن نزل ذلك به أن يكشف عنه من يرضاه من أهل العلم [والأمانة من أهل البلد كيف كان الأمر في ذلك] ، فإن وجد عالماً يستيقنه وإلا اجتهد هو ومن بحضرته رأياً، وكل ما يقسم مما يؤخذ من أوجه الفيء كلها فإنه ينظر إلى البلدان، فإن تكافأت في الحاجة بدأ بالذين فيهم المال حتى يغنوا منه، وما فضل أعطاه غيرهم أو يوقفه الإمام إن رأى ذلك لنوائب المسلمين، وإن كان في غير ذلك البلد من هو أشد منهم حاجة فليُنقل إليهم أكثر ذلك المال.
_________
(1) رواه أبو عبيد في الأموال (ص74) ، وابن أبي شيبة في المصنف (7/632، 633) .(2/63)
1142 - وكل ما أصيب من العدو فخُمّس فهو الخمس.
1143 - وكل أرض افتتحها أهل الإسلام بصلح فهي فيء، ولا يقسمها المسلمون، وأهلها على ما صولحوا عليه.
1144 - وأما كل أرض فُتحت عنوة فتُركت لأهل الإسلام فهذه التي قال مالك رحمه الله: يجتهد فيها الإمام ومن حضره من المسلمين.
1145 - قال ابن القاسم: وأما الجماجم في خراجهم فلم يبلغني عن مالك فيه شيء، وأنا أرى الجماجم تبعاً للأرض كانوا عنوة أو صلحاً، وقيل له في موضع آخر: أرأيت جزية جماجم أهل الذمة وخراج الأرضين ما كان منها عنوة أو صلحاً ما يصنع بهذا الخراج؟ قال: قال مالك: هذه جزية، والجزية عند مالك فيء، وقد أعلمتك ما قال مالك في العنوة.(2/64)
1146 - قال مالك: ويعطي هذا الفيء أهل كل بلدة افتتحوها عنوة أو صولحوا عليها، ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا، وفي الزكاة [الأول] شيء من هذا الباب.
1147 - قيل: فمن قتل قتيلاً هل يكون له سلبه؟ قال: قال مالك: لم يبلغني أن ذلك كان إلا في يوم حنين، وإنما هذا إلى الإمام يجتهد فيه.
1148 - ولا يجوز نفل قبل الغنيمة، ويجوز في أول المغنم أو آخره على الاجتهاد، ولا يكون إلا من الخمس، وإنما نفل النبي ÷ يوم حنين من الخمس بعد أن برد القتال، قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: والسلب والفرس من النفل. (1)
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/454) ، والبخاري (3142) ، وأبو داود (2717) ، والترمذي (1562) .(2/65)
1149 - قال سليمان بن موسى: لا نفل في عين ولا فضة، وأكره للإمام أن يقول: اقتلوا ولكم كذا، أو من قاتل موضع كذا، أو تقدم إلى الحصن، أو قتل قتيلاً فله كذا، أو نصف ما غنم، ويكره أن يسفك [أحد] دمه على مثل هذا. (1)
1150 - وكذلك أكره للأسير [المسلم] أن يقاتل مع الروم عدواً لهم على أن يخلوه إلى بلد الإسلام، [ولا يحل له أن يسفك دمه على هذا] .
_________
(1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (14/142) .(2/66)
1151 - ويسهم للفرس سهمان، وسهم لفارسه، وللراجل سهم، والبراذين إن أجازها الوالي كانت كالخيل، ولا يسهم لبغل أو حمار أو بعير، وصاحبه راجل، ومن له أفراس فلا يزاد على سهم فرس [واحد] كالزبير يوم حنين، وإذا لقوا العدو في البحر ومعهم الخيل في السفن أو سروا رجالة ولبعضهم خيل فغنموا وهم رجالة أُعطي لمن كان له فرس ثلاثة أسهم.
1152 - وإذا خرجت من العسكر سرية، فغنمت، أو ردت الريح بعض المراكب إلى بلاد الإسلام مغلوبين بالريح ونفذ البعض فغنموا، أو ضل رجل عن أصحابه ببلد العدو فلم يحضر قتالاً ثم رجع بعد الغنيمة، كانت الغنيمة بين السرية وبين(2/67)
من ردته الريح أو ضل، وبين جميع العسكر بعد خروج الخمس: للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهم.
1153 - ومن دخل أرض العدو غازياً فمات قبل لقاء العدو ثم غنموا [بعده] فلا سهم له. وكذلك موت فرسه.
1154 - ولو شهد القتال مريضاً أو بفرس رهيص، أو مات هو أو فرسه بعد القتال قبل الغنيمة ثم غنموا بعده في قتالهم [ذلك] فله ولفرسه ثلاثة أسهم. ومن ابتاع فرساً ببلد الحرب أُسهم له من يومئذ إن لقي به العدو.
1155 - وإذا قاتل الأجير أُسهم له، وإلا فلا، وكذلك التاجر إذا علم منه ما علم من الأجير.
1156 - ولا يُسهم للنساء ولا للعبيد ولا الصبيان [إذا قاتلوا] ، ولا يُرضخ لهم، ورأى أبو بصرة الغفاري وعقبة بن عامر الجهني أن يسهم لمن أنبت من(2/68)
الصبيان [الأحرار] . (1)
1157 - ولا بأس بأخذ العلف والطعام من الغنيمة والغنم والبقر لمأكله بغير إذن الإمام، أو جلود يعملونها نعالاً أو خفافاً [أو لأكفهم] أو لغير ذلك من حوائجهم. وإن جاز ذلك الإمام فلهم أخذه بغير إذنه. [قال ابن القاسم وغيره] . وللرجل أن يأخذ من المغنم سلاحاً يقاتل به ويرده، أو دابة للقتال أو ليركبها إلى بلده إن احتاجها ثم يردها إلى الغنيمة، فإن كانت الغنيمة قد قسمت باعها وتصدق بالثمن، والسلاح كذك، أو ما يحتاج إلى لبسه من ثياب. وروى علي وابن وهب أن مالكاً قال: لا ينتفع بدابة ولا بسلاح ولا بثوب،
_________
(1) رواه مالك في المدونة (2/34) ، وانظر: التاج والإكليل (3/369) ، والكافي (1/214) ، والرسالة لأبي زيد القيرواني (1/84) ، وصحيح مسلم (3/1444) .(2/69)
ولو جاز ذلك لجاز أن يأخذ العين يشتري بها هذا.
1158 - وما فضل معه بعد أن رجع إلى بلده من طعام فقال القاسم وسالم: يأكله، وكرها بيعه، وقال مالك: يأكل القليل ويتصدق بالكثير.
[قال سليمان بن موسى: لا باس أن يحمل الرجل من بلد العدو الطعام مثل القديد وغيره فإن باع ذلك بعد بلوغه إلى أهله صار مغنماً] .
1159 - وما استغنى عنه من الطعام في أرض العدو فليعطه أصحابه بغير بيع ولا قرض، فإن أقرضه فلا شيء على المستقرض.
1160 - وإذا أخذ هذا لحماً، وهذا عسلاً، وهذا طعاماً، يتبادلونه ويمنع أحدهم صاحبه منه حتى يبادله فلا بأس [به] وكذلك العلف وكل ما أُذن(2/70)
[له] في النفع به من المغنم فبيع، فإن ثمنه يرجع مغنماً ويُخمّس.
1161 - قال مالك: ومن نحت سرجاً، أو برى سهماً، أو صنع مشجباً ببلد العدو فهو له ولا يخمّس، [قال سحنون: معناه فيما عمل] إذا كان يسيراً، [وقد قيل أنه إذا كان له قدر أنه يأخذ إجازة عمله فيه، والباقي يصير فيئاً] ، قال مكحول: إلا أن يجده مصنوعاً.
قال القاسم وسالم: وما كسب من صيد طير او حيتان، أو صنعه عبده من فخار فهو له، وإن كثر.
1162 - وما ضعف المسلمون عن النفوذ به من بلد الحرب من ماشية ودواب ومتاع مما غنموه أو كان لهم، أو ما قام عليهم من دوابهم فليعرقبوا الدواب، أو يذبحوها، وكذلك جميع الماشية، ولا يحرقوها بعد القتل. ويحرق المتاع والسلاح.
1163 - ولا يُستعان بالمشركين في القتال إلا أن يكونوا نواتيّ أو خدماً فلا بأس به.(2/71)
1164 -[قال مالك:] ويجوز أمان المرأة والعبد والصبي إن عقل الأمان، وقد قال النبي ÷: يجير على المسلمين أدناهم، وقال ÷ لأم هانئ: قد أجرنا من أجرت [يا أم هانئ] ، قال غيره: لم يجعل ذلك أمراً يكون بيد أدناهم لا خروج للإمام عنه، ولكن ينظر الإمام فيما فعل بالاجتهاد. قال إسماعيل بن عياش: سمعت أشياخنا يقولون: لا جواز للصبي ولا للمعاهد، فغن أجارا خُيّر الإمام بين إمضائه ورده إلى مأمنه، [ومما روي أن عمر - رضي الله عنه - كتب بذلك أنه من أمّنه منكم حرّ أو عبد من عدوكم فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم فيكون على الحكم بالجزية، وإذا أمنه بعض من تستعينون به على عدوكم من أهل(2/72)
الكفر فهو آمن حتى يرد إلى مأمنه أو يقيم فيكم، وإذا نهيتم عن الأمان فأمن أحد منكم أحداً منهم ناسياً أو عاصياً أو جاهلاً أو لم يعلم رُدّ إلى مأمنه، ولا سبيل لكم عليه إلا أن يشاء أن يقيم فيكم فيكون على الحكم في الجزية، وكذلك إن أشار أحد منكم إلى أحد أن هلم فإنا قاتلوك فأتى ظناً منه أنه آمن ولم يفهن ما قال له، وكذلك إن جاءكم رجل مطمئن تعلمون أنه جاء متعمداً، وإن شككتم فيه فلا تردوه إلى مأمنه واضربوا عليه الجزية، ومن وجدتموه في عسكركم ولم يعلمكم بنفسه حتى قدرتم عليه فلا أمان له ولا ذمة، واحكموا فيه بما هو أفضل للمسلمين] .
1165 - وجائز التكبير في الرباط والحرس على البحر ورفع الصوت به بالليل والنهار، وأكره التطريب.
1166 - وما كان مثل ديوان مصر والشام والمدينة مثل دواوين العرب فلا بأس. وإذا تنازع رجلان في اسم مكتوب في العطاء، فأعطى احدهما الآخر مالاً على أن يبرأ إليه من ذلك الاسم لم يَجُز، [لأنه إن كان الذي أعطاه الدراهم أخذ غير اسمه فلا يجوز شراؤه، وإن كان الذي أعطى الدراهم صاحب الاسم فقد باع ما لا يحل له، وإن كان الآخر هو صاحب الاسم فلا يجوز له، لأنه لا يدري ما باع أقليلاً(2/73)
بكثير، أو كثيراً بقليل] ، ولا يدري ما تبلغ حياة صاحبه فهذا غرر لا يجوز. وكذلك لا يجوز لمن زيد في عطائه أن يبيع تلك الزيادة بعَرَض.
1167 - قال الأوزاعي: أوقف عمر والصحابة الفيء وخراج الأرض للمجاهدين، ففرض منه للمقاتلة والعيّال والذرية فصار ذلك سنة لمن بعده، فمن افترض فيه ونيته الجهاد فلا بأس به، قال ابن مُحَيْريز: أصحاب العطاء أفضل من المتطوعة لما يروعون، وقال مكحول: روعات البعوث تنفي روعات القيامة.(2/74)
1168 - ولا بأس بالجعائل في البعوث، يجعل القاعد للخارج، مضى الناس على ذلك لمن كان من أهل ديوان واحد، لأن عليهم سد الثغور، قال مالك: ربما خرج لهم العطاء، وربما لم يخرج، ولا ينبغي أن يجعل لمن ليس معه في ديوان ليغزو عنه. (1)
1169 - وقد كره [مالك] لمن في سبيل الله إجارة فرسه لمن يغزو به، أو يرابط عليه كمن بعسقلان وشبهها، فهو إذا أجّر نفسه أشد كراهة.
1170 - قال يحيى بن سعيد: لا بأس بالطوى من ماحوز إلى ماحوز [والطوى]
_________
(1) انظر: المدونة (3/43) ، والكافي (1/207) .(2/75)
أن يقول لصاحبه: خذ بعثي وآخذ بعثك وأزيدك كذا، قال شريح: يكره ذلك من قبل أن يكتتبا فأما بعد الكتبة فجائز، إلا من انتصب من ماحوز إلى ماحوز [آخر] يريد الزيادة في الجُعل.
1171 - قال مكحول: وإذا اكتُتب في المغزى ففرض له فيه جُعل فليأخذه، وإن كان لا يغزو إلا بجعل فمكروه.
1172 - قال النبي ÷ في المجوس: سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب (1) وأخذ عثمان [رضي الله عنه] الجزية من مجوس البربر (2) ، قال مالك: فالأمم كلها من الفزازنة والصقالبة والأبر والترك وغيرهم من الأعاجم ممن لا كتاب لهم بمنزلة المجوس في
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (1/278) ، وأبو عبيد في الأموال (ص40) ، والطبراني في الكبير (19/437) .
(2) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (7/583) .(2/76)
هذا، إذا دُعوا إلى الإسلام فلم يجيبوا، دُعوا إلى إعطاء الجزية ويُقرّوا على دينهم، فإن أجابوا قُبِل منهم.
1173 - ويُستتاب أهل الأهواء [من القدرية وغيرهم] ، فإن تابوا وإلا قُتلوا إذا كان الإمام عدلاً، وإن خرجوا على إمام عدل فأرادوا قتاله، ودعوا إلى ما هم عليه دُعوا إلى السنة والجماعة، فإن أبوا قوتلوا.
1174 - وإذا دعا الإمام أهل العصبية إلى الحق فلم يرجعوا قوتلوا.
1175 - والخوارج إذا خرجوا فأصابوا الدماء والأموال ثم تابوا ورجعوا وضعت الدماء(2/77)
عنهم، ويؤخذ منهم ما وُجد بأيديهم من مال بعينه، و [أما] ما استهلكوه فلا يُتبعون به وإن كانوا أملياء، لأنهم متأولون بخلاف المحاربين، أولئك لا يوضع عنهم من حقوق الناس شيء، وإنما يسقط عنهم [إن تابوا] حد الحرابة.
1176 - قال ابن شهاب: هاجت الفتنة الأولى فرأى جماعة من البدريين إسقاط القصاص والحدود عمن قاتل في تأويل القرآن فقتل.
1177 - ولا حد على المرأة سُبيت، ولا بينها وبين زوجها ملاعنة، ويُحدّ قاذفها وتُردّ إلى زوجها الأول بعد أن تنقضي عدتها من زوجها الآخر، [وترث زوجها الأول إن مات] .
* * *(2/78)
(كتاب الأيمان والنذور) (1)
1178 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعليّ المشي إلى بيت الله، فكلمه لزمه المشي، وله أن يجعلها في حج أو عمرة، فإن جعلها في عمرة مشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، فإن ركب بعد سعيه وقبل أن يحلق فلا شيء عليه، وإن جعلها في حجة مشى حتى يقضي طواف الإفاضة، فإذا قضاه فله أن يركب في رجوعه من مكة إلى منى وفي رمي الجمار بمنى، وإن أخّر طواف الإفاضة فلا يركب في رمي الجمار، وله أن يركب في حوائجه، [كماله إذا وصل المدينة أو المناهل ماشياً أن يركب في حوائجه] ، أو ذكر في طريقه وهو ماشٍ حاجة نسيها فليرجع وراءها راكباً.
_________
(1) انظر: شرح حدود ابن عرفة (ص175، 190) ، والكافي (1/193) ، والدراري المضية (1/352) ، والقوانين الفقهية (1/8) ، ومختصر خليل (1/94) ، والتقييد (2/2) .(2/79)
1179 - ومن أوجب على نفسه المشي إلى الكعبة في نذر أو يمين حلف بها، فعليه الوفاء به، وإن أكثر من النذور بذلك مما لا يبلغه عمره فلا يجزيه إلا أن يمشي ما قدر من الزمان، ويتقرب إلى الله عز وجل بما قدر عليه من خير، [وقاله الليث] . ويمشي الحالف من حيث حلف، إلا أن ينوي موضعاً فيمشي منه.
1180 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فأنا محرم بحجة أو عمرة، فإن كلمه قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحجة إلى [دخول] أشهر الحج، إلا أن ينوي أنه محرم من يوم حنث، فيلزمه [ذلك، وإن كان في غير أشهر الحج] ، وأما العمرة فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه، فليؤخر حتى يجد، فيحرم حينئذ، وإحرامه في ذلك بحج أو بعمرة من موضعه لا من ميقاته، إلا أن ينويه فله نيته.
1181 - ومن قال: أنا محرم يوم أكلم فلاناً، فإنه يوم يكلمه محرم، وقوله: يوم أفعل(2/80)
كذا فأنا أحرم بحجة، كقوله: فأنا محرم، وقوله: إن فعلت كذا فأنا أحج إلى بيت الله، [أو أمشي إلى مكة أو إلى بيت الله، أو فعلي المشي إلى مكة، أو إلى بيت الله] أو فعلي حجة، أو لله علي حجة كل ذلك سواء، ويلزمه الحج إن حنث.
1182 - قال إبراهيم والشعبي: من قال: إن فعل كذا فهو محرم بحجة، فليحرم إن شاء من عامه، أو متى تيسر عليه، وإن قال: يوم أفعل [كذا] ، ففعل فهو يومئذ محرم.
1183 - ومن لزمه المشي إلى مكة فخرج ماشياً فعجز في مشيه فليركب فيما عجز، فإذا استراح نزل، وعرف أماكن ركوبه من الأرض، ثم يعود ثانية فيمشي أماكن ركوبه، ولا يجزيه أن يمشي عدة أيام ركوبه، إذ قد يركب موضعاً ركبه أولاً، وليس عليه [المشي] في رجوعه ثانية وإن كان قوياً أن يمشي الطريق كله، ولكن يمشي ما ركب فقط ويهدي، لأنه قد فرق مشيه، قال ابن عباس: ينحر بدنة (1) ،
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (8/449) ، وابن أبي شيبة (3/492) ، والبيهقي في الكبرى (10/81) .(2/81)
فإن عجز فلم يوعب مشيه في الثانية لم يعد ثالثة وأهدى، وإن علم في الثانية أنه لا يقدر على تمام المشي قعد وأهدى وأجزأه الذهاب الأول كانت حجة أو عمرة، ولو عل أول خروجه أنه لا يقدر أن يمشي كل الطريق في ترداده إلى مكة مرتين، أو كان شيخاً زمناً، أو امرأة ضعيفة، أو مريضاً يئس من البرء فلا بد أن يخرج أول مرة، ويمشي ولو نصف ميل ثم يركب بعد ذلك ويهدي وإذا رجا المريض إفاقة يقدر بعدها أن يمشي [تربص للإفاقة، إلا أن يعلم أنه غير قادر في إفاقته أن يمشي] فهو بمنزلة الشيخ الكبير.
1184 - وإذا مشى حجه كله وركب في الإفاضة [فقط] ، أو مرض في طريقه فركب الأميال أو البريد أو اليوم ومشى البقية لم يعد ثانية وأهدى. ولو مشى حتى سعى بين الصفا والمروة ثم خرج إلى عرفات وشهد المناسك والإفاضة راكباً رجع قابلاً راكباً، فركب ما مشى، ومشى ما ركب، والمشي على الرجال والنساء [سواء] فيما ذكرنا.
1185 - وله أن يجعل مشيه الثاني في غير ما جعل الأول من حج أو عمرة، [إذا أبهم(2/82)
يمينه أو نذره كذلك، فأما إن سمى حجاً أو عمرة] فلا يجعل الثانية إلا مثلها، ولا يجعل المشي الثاني ولا الأول في فريضة.
1186 - ومن قال: علي المشي إلى بيت الله حافياً راجلاً فلينتعل، وإن أهدى فحسن، وإن لم يهد فلا شيء عليه، وهو خفيف.
1187 - ومن حلف بالمشي فحنث فمشى في حج ففاته الحج أجزأه ما مشى وجعلها عمرة، ومشى حتى يسعى بين الصفا والمروة، ويقضي الحج قابلاً راكباً، ويهدي لفوات الحج، [ولا شيء عليه غير ذلك] ، وإن جعل مشيه في عمرة فله إذا حلّ منها أن يحج الفريضة من مكة ويكون متمتعاً إن كانت عمرته في أشهر الحج، ولو قرن يريد بالعمرة المشي الذي عليه وبالحج فريضته، لم يجزه من الفرض وعليه دم القران، كمن نذر مشياً فحج ماشياً وهو صرورة ينوي بذلك نذره وفريضته، أجزأه لنذره لا لفرضه، وعليه قضاء الفريضة قابلاً.
1188 - ومن قال: إن فعلت كذا فأنا أحمل فلاناً إلى بيت الله فحنث، قال مالك:(2/83)
يُنوّى فإن أراد التعب بحمله على عنقه حج ماشياً وأهدى وليس عليه أن يحج بالرجل، وإن لم ينو ذلك حج راكباً، ويحج بالرجل معه ولا هدي عليه، وإن أبى الرجل أن يحج حج الحالف وحده راكباً ولا شيء عليه في الرجل، وقال عنه علي: إن نوى إحجاجه من ماله فلا شيء عليه إلا إحجاج الرجل، فإن أبى الرجل [أن يحج] فلا شيء على الحالف، [قال] ابن القاسم: وقوله أنا أحج بفلان أوجب [عليه] من قوله أحمله لا يريد بذلك على عنقه، لأن إحجاجه إياه من طاعة الله، فإن أبى الرجل فلا شيء عليه فيه، ومن قال: [أنا] أحمل هذا العمود أو غيره إلى مكة، طلب بذلك المشقة على نفسه فليحج ماشياً غير حامل شيئاً ويهدي.
قال إبراهيم: من قال أنا أهدي فلاناً على أشفار عيني فليحجه ويهدي بدنة.(2/84)
1189 - ومن قال: علي المشي إلى مكة، إلا أن يبدو لي أو أرى خيراً من ذلك، لزمه المشي، ولا ينفعه استثناؤه، ولا استثناء لذي طلاق، ولا عتاق، ولا مشي ولا صدقة، ولو قال في ذلك إن شاء فلان لم يلزمه شيء حتى يشاء فلان.
1190 - ومن قال: علي المشي، ولم يقل إلى بيت الله، فإن نوى مكة مشى، وإن لم ينو ذلك فلا شيء عليه، ولو قال مع ذلك إلى بيت الله [فليمش] إلى بيت الله إلا أن ينوي مسجداً فله نيته.
1191 - ومن قال: لله علي أن آتي المدينة أو بيت المقدس، أو المشي إلى المدينة، أو بيت المقدس فلا يأتيهما حتى ينوي الصلاة في مسجديهما، أو يسميهما فيقول: إلى مسجد رسول الله ÷، أو مسجد إيليا، وإن لم ينو الصلاة فيهما فليأتهما راكباً ولا هدي عليه، وكأنه لما سماهما، قال: لله علي أن أصلي فيهما.(2/85)
1192 - ولو نذر الصلاة في غيرهما من مساجد الأمصار صلى بموضعه، ولم يأته، ومن نذر أن يرابط أو يصوم بموضع يتقرّب بإتيانه إلى الله كعسقلان والإسكندرية لزمه ذلك، وإن كان من أهل مكة والمدينة.
1193 - ولا يلزم المشي إلا من قال: علي المشي إلى مكة، أو بيت الله، أو المسجد الحرام أو الكعبة أو الحجر أو الركن، وأما غير هذا كقوله: إلى الصفا أو المروة أو منى أو عرفة أو ذي طوى أو الحرم أو المزدلفة أو إلى غير ذلك من جبال الحرم فلا يلزمه.
1194 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعلي أن أسري أو أذهب أو انطلق أو آتي أو أركب إلى مكة، فلا شيء عليه إلا [أن ينوي] أن يأتيهما حاجاً أو معتمراً فيأتيهما راكباً إلا أن ينوي ماشياً، وقد اختلف قول ابن القاسم في(2/86)
الركوب، فأوجبه مرة، وأشهب يرى عليه إتيان مكة في هذا كله حاجاً أو معتمراً.
1195 - ومن قال لحر: إن فعلت كذا فأنا أهديك إلى بيت الله، فحنث فعليه هدي، قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: شاة.
وإن قال: فعبد فلان أو داره أو شيء من ماله هدي، فحنث فلا شيء عليه. وقال النبي ÷: "لا نذر في معصية، ولا فيما لا يملك ابن آدم". (1)
1196 - ومن قال: إن فعلت كذا فعلي هدي [فحنث] فإن نوى
_________
(1) رواه مسلم (3/1262) ، (1641) ، وأبو داود (3/232، 233) ، والنسائي في الكبرى (3/136) والدارجي (2/240) ، والبيهقي في الكبرى (8/109، 231) ، والدارقطني في سننه (4/16) ، والشافعي في مسنده (1/339، 352) ، وابن ماجة (1/686) ، وأحمد (4/430) .(2/87)
[شيئاً] فهو ما نوى، وإلا فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد وقصرت نفقته رجوت أن تجزيه شاة، [وزحفها مالك] وقال: البقر أقرب شيء إلى الإبل، ولو قال بدنة فحنث، فالبدن من الإبل، فإن لم يجد بعيراً فبقرة، فإن لم يجد فسبع من الغنم، وكذلك لو قال: علي أن أهدي بدنة، فلينحر بعيراً، فإن قصرت نفقته ولم يجد فبقرة، ولا يجزيه شراء بقرة حتى لا تبلغ نفقته ثمن بدنة، فإن لم يجد ثمن بقرة فسبع من الغنم، فإن لم يجد الغنم لضيق وجده فلا أعرف في هذا صوماً، إلا أن يحب فليصم عشرة أيام، فإن أيسر يوماً ما، كان عليه ما نذر، وقد قال مالك فيمن نذر عتق رقبة فلم يستطعها: إن الصوم لا يجزيه إلا أن يشاء أن يصوم، فإن أيسر يوماً ما أعتق، فهذا مثله.
1197 - ومن قال: لله علي أن أنحر بدنة، أو قال: لله علي هدي فلينحر ذلك بمكة، ولو قال: لله علي جزور، أو أن أنحر جزوراً، فلينحرها بموضعه، ولو نوى(2/88)
موضعاً، أو سماه، فلا يخرجها إليه كانت الجزور بعينها أو بغير عينها، وكذلك إن نذرها لمساكين بلد بعينها، وهو بغيرها، فلينحرها بموضعه، ويتصدق بها على مساكين من عنده، وسوق البدن إلى غير مكة من الضلال.
1198 - ومن نذر هدي شيء من مال غيره لم يلزمه شيء. وإن قال: داري أو عبدي أو شيء من ماله [مما] لا يهدى هو هدي، أو حلف بذلك فحنث، فليبعه وليبعث بثمنه، وبما أهدى من العين فيُبتاع به هدي.
فإن لم يبعه وبعث به بعينه فلا يعجبني ذلك، ويباع هناك فيُشترى به هدي، فإن لم يبلغ ذلك ثمن هدي - وأدناه شاة - أو فضل منه ما لا يبلغ ذلك. قال مالك: يبعثه إلى خزنة الكعبة، ينفق عليها، وقال ابن القاسم: أحب غلي أن يتصدق به حيث شاء.(2/89)
وأعظم مالك أن يشرك مع الحجبة في الخزانة أحد، لأنها ولاية من النبي ÷ إذ دفع المفاتح لعثمان بن طلحة.
1199 - ومن قال: إن فعلت كذا فغنمي [هذه] أو إبلي [أو بقري] هدي، فحنث فليبعث بها من ذلك الموضع، إن كانت تصل، ويقلد الإبل ويشعرها، والبقر لا تصل من إفريقية ولا من مصر، فإذا خاف على هذه الهدايا أن لا تبلغ لبعد سفر، أو لغير ذلك باعها، وابتاع بثمن الغنم غنماً، وبثمن الإبل إبلاً وبثمن البقر بقراً، وجائز أن يبتاع بثمن البقر إبلاً، لأنها لما بيعت صارت كالعين.
1200 - ولا أحب شراء الغنم بثمنها حتى يقصر عن ثمن بعير أو بقرة، ويشتري ذلك(2/90)
من مكة، أو من موضع تصل، فإن ابتاعها من مكة فليخرجها إلى الحل ثم يدخلها [إلى] الحرم.
1201 - وإن نذر هدي بدنة غير معينة أجزأه شراؤها من مكة أو المدينة فتوقف بعرفة ثم تنحر بمنى، فإن لم توقف بعرفة، [لم تنحر بمنى] وأخرجت إلى الحل إن اشتريت في الحرم ثم نحرت بمكة، فإن لم يجد ثمنها فذلك دين عليه.
1202 - ومن قال: لله علي أن أهدي مالي [او قال: جميع مالي] ، أو قال: مالي صدقة، أو في سبيل الله، أو هدي أو حلف بذلك فحنث [أجزأه الثلث، وإن سمى شيئاً من ماله فقال: داري أو دابتي أو ثوبي أو غيره صدقة، أو في السبيل، أو هدي، أو حلف بذلك فحنث] ، اخرج ذلك كله وإن أحاط بماله، كمن عم النساء أو خص في الطلاق.
1203 - وإن قال: ثلث مالي صدقة، أو ثلاثة أرباعه أو أكثر فليخرج جميع ما سمى، ما لم يقل: مالي كله.
وإن قال: إن فعلت كذا فعبدي هدي فحنث ولا مال له غيره فليبعه وليشتر بثمنه هدياً، ولو قال: جميع مالي، فإنما يهدي ثلثه.
1204 - وإن حلف بهدي عبده هذا وجميع ماله فحنث، أهدى العبد وثلث ما بقي(2/91)
من المال، [وكذلك هذا في الصدقة أو في سبيل الله] ، وكذلك لو قال: فرسي ومالي في سبيل الله، أخرج الفرس وثلث ما بقي من ماله، ومن جعل عبيده صدقة أو في سبيل الله في يمين فحنث، ففي الصدقة يبيعه ويتصدق بثمنه، وأما في السبيل، فليبعه ويدفع ثمنه إلى من يغزو به من موضعه إن وُجد، وإن لم يجد فليبعث بثمنه.
1205 - وإن كان فرساً أو سلاحاً أو شيئاً من آلات الحرب، جعله في السبيل [في يمين] فحنث، فليبعث ذلك بعينه [إن وجد من يقبله] ، فإن لم يجد من يقبله، أو يبلغه، فليبعث بثمنه فيجعل في مثل المبيع من كراع أو سلاح أو غيره بخلاف البقر الهدي تباع إذا لم تبلغ، فيجوز أن يشتري بثمنها إبلاً، لأن تلك كلها للأكل وهذا تختلف منافعه.
1206 - وإذا جعل جميع هذه [الأشياء] صدقة، باعها وتصدق بثمنها، وكذلك إن جعله هدياً فليبعه ويهدي ثمنه.
1207 - وإذا جعل مالاً أو غيره في سبيل الله، فذلك في الجهاد والرباط، من السواحل والثغور، وليس جُدّة من ذلك، وإنما كان الخوف بها مرة.(2/92)
1208 - ومن قال: مالي في الكعبة، أو في رتاجها، أو في حطيمها فلا شيء عليه، لأن الكعبة لا تنقض فتبنى، - والرتاج: الباب، والحطيم: ما بين الباب إلى المقام - وإن قال: مالي في كسوة الكعبة أو طيبها، أهدى ثلث ماله [ويدفعه] إلى الحجبة.
1209 - وإن قال: أنا أضرب بمالي أو بشيء منه بعينه حطيم الكعبة [أو الركن] ، فعليه حجة أو عمرة، ولا شيء عليه في ماله، [وكذلك لو قال: أضرب بكذا أو كذا إلى الركن الأسود فليحج أو يعتمر، ولا شيء عليه] إن لم يرد حملان ذلك [الشيء] على عنقه، [قال ابن القاسم:] وكذلك هذه الأشياء.
1210 - قال مالك: ومن قال إن فعلت كذا فأنا أنحر ولدي، فحنث فعليه كفارة يمين، وقال ابن عباس (1) ، ثم رجع [مالك] فقال: لا كفارة عليه، ولا غيرها،
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/476) ، وابن أبي شيبة في المصنف (3/503) ، وعبد الرزاق (8/459) .(2/93)
إلا أن ينوي به وجه الهدي، أن يهدي ابنه لله، فعليه هدي، قال ابن القاسم: وهذا أحب إلي من الذي سمعت منه [والذي سمعت منه] أنه إن لم يقل عند مقام إبراهيم فعليه كفارة يمين، وإن قال عند مقام إبراهيم فليهد، قال ابن عباس: كبشاً، [وقال أيضاً ابن عباس في من جعل ابنه بدنة فليهد ديته مائة من الإبل، ثم ندم بعد ذلك فقال: ليتني كنت أمرته أن يهدي كبشاً كما قال تعالى: ×وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ% (الصافات: 107) ، قال ابن القاسم:] وإن قال: أنا أنحر ولدي بين الصفا والمروة، أو بمنى، فعليه الهدي، وقد قال النبي ÷ عند المروة:(2/94)
"هذا المنحر، وكل طرق مكة وفجاجها منحر" (1) ، ويلزمه في نحر أبويه ما يلزمه في نحر ولده.
1211 - ومن لزمته يمين فافتدى منها بمال جاز ذلك.
1212 - ومن قال: والله ما لقي فلاناً أمس، وهو لا يدري ألقيه أم لا، ثم علم بعد يمينه أنه كما حلف برّ، وإن كان خلاف ذلك أثم وكان كمتعمد الكذب، وهي أعظم من أن تكفر.
1213 - ولغو اليمين ليس كقول الرجل: لا والله، وبلى والله، وإنما اللغو: أن يحلف بالله على أمر يوقنه، ثم يتبين له [أنه] خلاف ذلك فلا شيء عليه، ولا ثنياً ولا لغو في طلاق.
1214 - ولا مشي ولا صدقة ولا غيرها إلا في اليمين بالله، أو نذر لا مخرج له.
_________
(1) رواه الترمذي (3/232) ، وابن خزيمة (4/283) ، والبيهقي (5/122) ، ومالك (1/393) ، والطبراني في الأوسط (4/297) ، الصغير (1/350) ، والبزار (2/165) ، وأحمد (1/75) ، وأبو يعلى في مسنده (1/264، 413) ، والدارمي (2/79) ، وعبد ابن حميد (359) .(2/95)
1215 -[قال مالك رحمه الله:] والأيمان [بالله] أربعة: يمين غموس، ولغو يمين، فلا كفارة [في هذين] ، ويمين الرجل والله لأفعلن، ووالله لا فعلت: ففي هذين كفارة، [فإن رأى] الحنث [أفضل] أحنث نفسه.
والغموس: الحلف على تعمد الكذب، أو على غير يقين، وهي أعظم من أن تكفّر.
1216 - والحلف بجميع أسماء الله تعالى وصفاته لازم، كقوله: والسميع والعليم، والعزيز والخبير واللطيف، أو قال: والله أو تالله لأفعلن كذا، أو لا أفعل كذا أو قال: وعزة الله وكبريائه وقدرته وأمانته، أو قال لعمر الله فهي كلها أيمان تكفّر.
1217 - ومن قال: علي عهد الله أو ذمته أو كفالته أو ميثاقه، أو قال: علي عشر كفالات أو عشر مواثيق، أو عشر نذور أو أقل أو أكثر، يلزمه عدد ما ذكر كفارات.(2/96)
1218 - وإن قال: أشهد أو أقسم أو أحلف أو أغرم أن لا أفعل كذا، فإن أراد بالله فهي يمين، وإلا فلا شيء عليه [وإن قال: أعزم أن لا أفعل كذا، فليس بيمين، وإن قال: أعزم بالله أن لا أفعل كذا، فيمين] .
1219 - وإن قال لرجل: أعزم بالله عليك إلا ما فعلت كذا، فيأبى، فهو كقوله: اسألك بالله لتفعلن كذا، فامتنع، فلا شيء على واحد منهما.
1220 - وإن قال: علي نذر، أو لله علي نذر، أو حلف بذلك فحنث، فعليه كفارة يمين إلا أن ينوي بنذره ذلك صوماً أو فعل خير [فليزمه ذلك] وله نيته.
1221 - وإن قال: علي يمين إن فعلت كذا، ولا نية له فعليه [كفارة] يمين كقوله: علي عهد أو نذر.
1222 - قيل: فمن قال: [الحلال] علي حرام إن فعلت كذا، قال: لا يكون(2/97)
الحرام يميناً في شيء لا في طعام، ولا في شراب، ولا في أم ولد إن حرمها على نفسه، ولا في خادم ولا عبد إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق، قال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي عليه السلام في تحريمه أم ولده، لأنه حلف بالله أن لا يقربها.
1223 - ومن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو كافر بالله أو بريء من الإسلام فليست هذه أيماناً، وليستغفر الله مما قال.
1224 - وقوله لعمري، [أو] هو زان، أو هو سارق، أو قال: والصلاة والصيام والزكاة والحج أو قال: هو يأكل لحم الخنزير أو لحم الميتة، أو يشرب بالخمر] أو الدم أو يترك الصلاة، أو عليه لعنة الله أو غضبه، أو حرمه الله الجنة، أو أدخله النار، وكل ما دعا به على نفسه لم يكن شيء من هذا أيماناً.(2/98)
1225 - وكذلك قوله: وأبي وأبيك وحياتي وحياتك وعيشي وعيشك، وهذا من كلام النساء وضعفاء الرجال، وأكره اليمين بهذا، أو بغير الله، أو برغم أنفه، أو برغم أنفه لله، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.
1226 - ومن حلف بشيء من أسماء الله أو صفاته، أو نذر لا مخرج له [منه] فقال: إن شاء الله، فإن أراد بذلك الاستثناء [فلا حنث عليه، وإن أراد به معنى قول الله تعالى: ×وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا. إِلاّ أَن يَشَاء اللَّهُ% (الكهف: 23) ، ولم يرد به الاستثناء] فهو حانث، وإن حدثت له نية الاستثناء قبل تمام لفظه باليمين أو بعد، إلا أنه لم يصمت حتى وصل بها الاستثناء أجزأه، وإن كان بين الاستثناء واليمين صمات فلا ثنيا له، ومن استثنى في نفسه ولم يحرك لسانه لم ينتفع بذلك.
1227 - وإن حلف بالله ذمي أن لا يفعل كذا، فحنث بها بعد إسلامه فلا كفارة عليه.(2/99)
1228 - ومن قال: علي نذر أن أحج أو أفعل شيئاً من الخير، سماه أو حلف بذلك فحنث، فلا يجزيه إلا الوفاء بذلك.
1229 - وإن قال: علي نذر إن لم اعتق رقبة، أو إن لم أفعل من البر كذا، فإن شاء فعله فبر، أو تركه وكفر كفارة [يمين] ، فإن ضرب لفعله اجلاً فجاوزه ولم يفعل فعليه كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر، مثل قوله: علي صدقة، أو نحوه، أو ينوي ذلك فيلزمه، لأنه مخرج نذره.
1230 - وإن قال: علي نذر إن لم أشرب الخمر أو أقتل فلاناً، ونحوه من المعاصي، فلا يفعل ذلك، وليكفر كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر، فإن اجترأ وفعل ما قال من المعصية فقد أثم وسقط عنه النذر، كان له مخرج، أو لم يكن.
1231 - وإن قال: علي نذر إن شربت الخمر، فلا يشربها، ولا كفارة عليه، وهو علي بر، وإن شربها فعليه كفارة يمين، إلا أن يجعل لنذره مخرجاً من البر فيلزمه. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/270) ، والتمهيد (6/99) ، والمدونة الكبرى (3/111) .(2/100)
1232 - ومن نذر ما ليس فعله بطاعة، ولا تركه بمعصية، مثل المشي إلى السوق، ونحوه فإن شاء فعل أو ترك، ولا شيء عليه.
1233 - ومن حلف لا فعلت كذا، [أو إن فعلت كذا] ، فهو على بر، ولا يحنث حتى يفعل ذلك، وإن قال: إن لم أفعل، أو لأفعلن، فهو على حنث حتى يفعله.
1234 - ومن حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو بالله ليضربن فلاناً أو ليقتلنه، فإن ضرب أجلاً فهو على بر، وإنما يحنث إذا حل الأجل ولم يفعل، وإن لم يضرب أجلاً، فهو على حنث ولا ينبغي له أن يفعل ذلك، وليكفر أو يمشي ويطلق عليه الإمام أو يعتق إن رُفع ذلك إليه بالقضاء، فإن اجترأ ففعل ذلك قبل النظر فيه زالت عنه أيمانه.
1235 - ومن قال لامرأته: والله لأطلقنك، فليس بمولٍ، ولا يمنع من الوطء، فإن شاء طلق فبر في يمينه، وإن لم يطلق لم يحنث إلا بموته، أو موتها، ولا يجبر على الكفارة.
1236 - ومن قال: والله لأفعلن كذا، فإن ضرب أجلاً فلا يكفر حتى يمضي الأجل.
[في قول الرجل لامرأته: أنت طالق إن لم أفعل كذا أو إن فعلت]
1237 - ومن قال لامرأته: أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك، فأراد أن لا يتزوج(2/101)
[عليها] فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه، ولو ضرب أجلاً كان على بر، وليس له أن يُحنّث نفسه قبل الأجل، وإنما يحنّث إذا مضى الأجل ولم يفعل ما حلف عليه.
1238 - وإن قال لها: أنت طالق إن لم أفعل كذا، حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء، وإن كانت يمينه لا فعلت، لم يُحل بينه وبينها، لأنه على بر [حتى يفعل ذلك فيحنث] .
1239 - ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أجامعكن، فجامع واحدة منهن حنث، وإنما يلزمه إذا وطئ إحداهن أو كلهن كفارة واحدة، وله أن يطأ البواقي قبل أن يكفر، إذ كان له أن يطأهن كلهن قبل الكفارة.
1240 -[ومن قال: والله لا أدخل دار فلان، والله لا أكلم فلاناً، والله لا أضرب(2/102)
فلاناً، فعليه ها هنا لكل صنف فعله كفارة] .
1241 - ولو قال: والله لا أدخل دار فلان، ولا أكلم فلاناً، [ولا أضرب فلاناً] ، ففعل ذلك كله أو بعضه، أجزأته كفارة واحدة ولا شيء عليه في فعل ما بقي.
1242 - ومن حلف بالله أن لا يفعل كذا، ثم ردد اليمين في ذلك مراراً في مجلس واحد أو مجالس، ثم حنث، فكفارة واحدة تجزيه عن ذلك، نوى باليمين الثانية غير الأولى، أو بالثالثة غير الأولى والثانية، أو لم ينو شيئاً، فهي يمين واحدة، إلا أن ينوي أن عليه ثلاثة أيمان كالنذور، فيلزمه ثلاث كفارات، سواء [قال في يمين:] لله علي، أم لا.
1243 - وإن قال: والله لا أكلم فلاناً، ثم قال: علي حجة أو عمرة إن كلمته، فهما يمينان إن حنث لزمتاه جميعاً.
1244 - واستحب مالك الكفارة بعد الحنث، فإن كفر قبل [الحنث] أجزأه، وكذلك المولي.
1245 - وإن كفر بالصوم معسر قبل حنثه، ثم حنث بعد يسره فلا شيء عليه. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/271) ، وشرح الزرقاني (3/85) ، والتمهيد (21/244) ، ومواهب الجليل (3/269) ، والمدونة الكبرى (3/117) ، والقوانين الفقهية (1/111) .(2/103)
1246 -[قال مالك:] ومن حلف الا يفعل شيئاً إلى حين أو زمان أو دهر، فذلك كله سنة، وقال عنه ابن وهب: إنه شك في الدهر أن يكون سنة.
1247 - وإذا حنث العبد في اليمين بالله فكسا أو أطعم بإذن سيده، رجوت أن يجزيه، وليس بالبيّن، والصوم أحب إلي، وأما العتق فلا يجزيه وإن أذن له سيده، إذ الولاء لسيده، وصومه وفعله في كل كفارة كالحر.
1248 - ولو حنث في رقه ثم كفّر بالعتق بعد أن عتق أجزأه.(2/104)
1249 - ولا تغربل الحنطة في كفارة اليمين، إلا أن تكون مغلوثة.
1250 - قال مالك: والإطعام في كفارة اليمين بالله مُدّ قمح، لكل مسكين عندنا بالمدينة، لأنه وسط عيشهم، فأما سائر الأمصار فإن لهم عيشاً غير عيشنا، فليخرجوا وسطاً من عيشهم، وقال ابن القاسم: حيثما أخرج مداً بمد النبي ÷ أجزأه، [ولا يجزيه أن يخرج قيمة الطعام عرضاً، وإن غدّى وعشّى في كفارة اليمين بالله أجزأه،] ولا يجزيه غداء دون عشاء، ولا عشاء دون غداء، ويطعم الخبز مأدوماً بزيت ونحوه.
1251 - ويعطى الفطيم من طعام الكفارة [مثل ما يعطى الكبير] . ومن عليه يمينان فأطعم عن واحدة مساكين، كرهت له إعطاءهم لليمين الأخرى وإن لم يجد غيرهم في مكانه أو بعد أيام، وليطلب سواهم.
ولا يعطى من شيء من الكفارات ذمي أو عبد أو أم ولد، وإن كان(2/105)
سيدهم محتاجاً، فإن فعل وأعطى منها لغني لم يعلم به، لم يجزه، وكذلك الكسوة.
ويُعطى منها من له دار وخادم، لا فضل في ثمنهما عن سواهما، كما يُعطى من الزكاة، ولا يعجبني أن يعطى منها لذي قرابة منه لا تلزمه نفقته، فإن فعل أجزأه إذا كان محتاجاً، وكذلك الزكاة وجميع الكفارات.
1252 -[قال مالك:] ومن حلف بالله فحنث، فهو مخير في إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة.
1253 - ولا يجزيه الصوم وهو قادر على شيء من هذا، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام [متتابعات أحب إلي، فإن فرقها أجزأه، وإن أكل أو شرب ناسياً في صومها قضاه، وإن حاضت فيه امرأة بنت إذا طهرت، ولا يجزيه صوم الكفارة] في أيام التشريق إلا اليوم الرابع فعسى به أن يجزيه إن صامه، ولا يجزيه الصوم إن كان له(2/106)
مال غائب وليستلف، وإن كان له مال [غائب] وعليه دين مثله، أجزأه الصوم، [ولا يجزيه الصوم] إن كان يملك داراً أو خادماً، وإن قل ثمنهما كالظهار.
1254 - وإن كسا في الكفارة لم يجزه إلا ما تحل الصلاة فيه، ثوباً للرجل، ولا تجزيه عمامة وحدها، وللمرأة درع وخمار.
1255 - وعتق من صلى وصام في كفارة الأيمان أحب إلي، فإن أعتق [فطيماً] أو رضيعاً لقصر النفقة رجوت أن يجزيه، وكذلك الأعجمي، ويجزئ في ذلك ما يجزئ في الظهار وواجب الرقاب، ولا يجزئ أقطع اليد، أو الرجل، وأما الأعرج فقد كرهه [مالك] مرة وأجازه مرة [أخرى] ، وآخر قوله لا يجزئ إلا أن يكوزن عرجاً خفيفاً، قال ابن شهاب: ولا يجزئ عتق أعمى(2/107)
ولا مجنون ولا أبرص، قال عطاء: ولا أشل ولا صبي لم يولد في الإسلام، قال ابن القاسم: ولا رقبة غير مؤمنة، ولا مدبر ولا مكاتب، ولا أم ولد، ولا معتق إلى أجل، ولا من يعتق عليه إذا ملكه، ولا رقبة اشتراها بشرط العتق، ولا زوجته إذا ابتاعها حاملاً فأعتقها قبل أن تضع في شيء من الكفارات، وتجعل الزوجة بذلك الحمل أم ولد إذا ابتاعها، ولا أحب له [أن يعتق] في عتق واجب عليه إلا ما كان يملكه بعد ابتياعه ولا يعتق عليه.
1256 - ويجوز شراء رقبة بشرط العتق ليعتقها تطوعاً. ومن كفر عن أحد بعتق أو غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه، كمكفّر بعتق عن ميت.
1257 - ومن كسا وأطعم وأعتق عن ثلاثة أيمان ولم ينوِ لأحد الأيمان بعينه صنفاً من ذلك أجزأه، وكذلك إن أعتق عبده عن أحد الأيمان بغير عينه أجزأه، وإن نوى بعتقه [عن] جميعها لم يجزه.(2/108)
1258 - ولا يجزيه أن يكفر يمينه بإطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة، ولا يجزه إخراج قيمة الكسوة عيناً، ولا [يجزئ] إخراج الكفارة في بناء مسجد، أو كفن ميت، أو قضاء دين عنه، أو معونة في عتق.
وأكره ان ترجع إلى الرجل صدقته [التطوع أو الواجبة، ببيع أو هبة أو صدقة] ، [وجائز بميراث] .(2/109)
1259 - ومن حلف أن لا يأكل هذا الرغيف حنث بأكل بعضه، وإن حلف ليأكلنه لن يبر إلا بأكل جميعه، وإن حلف ليأكلنه اليوم فأكل اليوم بعضه وفي غد بعضه حنث، وإن حلف لا يأكل هذا الدقيق أو هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، فأكلهما بحالهما أو أكل خبزيهما أو سويق الحنطة حنث، لأن هذا هكذا يؤكل.
1260 - وإن حلف أن لا يأكل من هذا الطلع فأكل بسره أورطبه أو تمره حنث، إلا أن ينوي الطلع بعينه، وإن حلف أن لا يأكل من هذا اللبن فأكل من زبده أو جبنه، حنث، إلا أن تكون له نية، وإن حلف أن لا يأكل بسر هذه النخلة أو بسراً منها، فأكل من بلحها لم يحنث.
1261 - وإن حلف أن لا يأكل من هذه الحنطة أو من هذا الطعام، فلا يأكل ما اشتري بثمنهما من طعام ولا ما أنبتت الحنطة، إن نوى وجه المن، وإن كان لشيء في الحنطة من رداءة، أو سوء صنعة في الطعام لم يحنث بأكل ما ذكرنا.(2/110)
1262 - وإن حلف أن لا يشرب هذا السويق فأكله حنث، إلا أن ينوي الشرب لما يعرض منه من نفخ أو غيره فلا يحنث إذا أكله.
1263 - وإن حلف أن لا يأكل هذا اللبن فشربه حنث، إلا أن تكون له نية.
1264 - وإن حلف أن لا يأكل سمناً فأكل سويقاً لُتّ بسمن حنث، وجد طعمه أو ريحه أم لا، إلا أن ينويه خالصاً.
1265 - وإن حلف أن لا يأكل خلاً فأكل لحماً طُبخ بخل لم يحنث، إلا أن ينوي ولا ما طُبخ بخل.
1266 - وإن حلف ألا يهدم هذه البئر، حنث بهدم حجر منها، إلا أن ينوي هدم جميعها.
1267 - وإن حلف أن لا يأكل خبزاً وزيتاً فأكل أحدهما، أو لا يفعل فعلين، ففعل أحدهما حنث، إلا أن ينوي جميعهما فلا يحنث.
1268 - وإن حلف في طعام أو شراب أن لا يأكله فذاقه، فإن لم يصل إلى جوفه لم يحنث.(2/111)
1269 - قال مالك: وإن حلف أن لا يكلم فلاناً فكتب إليه كتاباً أو أرسل إليه رسولاً حنث، إلا أن ينوي مشافهته. ثم رجع فقال: لا يُنوى في الكتاب ويحنث، إلا أن يرتجع الكتاب قبل وصوله إليه فلا يحنث.
1270 - ومن حلف أن لا يساكن فلاناً، فسكن كل واحد منهما في مقصورة في دار جمعتهما، فإن كان إذ حلف هذا في دار واحدة وكل واحد منهما في منزله حنث، وإن كان في بيت فلما حلف انتقل عنه إلى منزل في الدار، يكون مدخله ومخرجه ومرفقه في حوائجه على حدة لم يحنث، إلا أن يكون نوى الخروج من الدار، وكذا إن حلف أن لا يُساكن أخته امرأته وكانت ساكنتين في حجرة(2/113)
واحدة، فانتقلتا إلى دار سكنت هذه في سفلها، وهذه في علوها، وكل مسكن مستغن عن الآخر بمرافقه إلا أن سُلّم العلو في الدار، ويجمعهما باب واحد فلا يحنث.
وإن حلف أن لا يساكن فلاناً وهما في دار فساكنه في قرية أو مدينة لم يحنث، إلا أن يساكنه في دار.
فإن حلف أن لا يساكنه فزاره، فليست الزيارة بسكنى، وينظر إلى ما كانت عليه يمينه، فإن كان لما يدخل بين العيال والصبيان فهو أخف، وإن أراد التنحي فهو أشد.
وإن حلف أن لا يساكنه في دار سماها أم لا، فقُسّمت وضرب بين النصيبين بحائط، وجعل لكل نصيب مدخل على حدة، فسكن هذا في نصيب، وهذا في نصيب، فكرهه مالك، وقال: لا يعجبني [ذلك] ، وقال ابن القاسم: لا أرى به بأساً، ولا حنث عليه.
1271 - وإن حلف ألا يأكل لحماً فأكل شحماً أو لحم حوت، أو حلف أن لا يأكل رؤوساً [أو بيضاً] ن فأكل رؤوس سمك أو طير أو بيضهما حنث، إلا أن تكون له نية أو ليمينه بساط فيحمل عليه، وإن حلف أن لا يأكل شحماً فأكل لحماً لم يحنث. (1)
1272 -[قال مالك:] ومن حلف أن لا يكلم زيداً، فأمّ قوماً فيهم زيد فسلّم من الصلاة عليهم، أو صلى خلف زيد، وهو عالم به، فردّ عليه السلام حين سلّم من صلاته لم يحنث، وليس مثل هذا كلاماً، ولو سلّم على جماعة وهو فيهم حنث، علم به أم لا، إلا أن يُحاشي، ولو مرّ [به] في جوف الليل فسلّم عليه وهو لا يعرفه حنث.
_________
(1) انظر: المصنف لعبد الرزاق (6/379) ، والمدونة (3/130) ، والتاج والإكليل (3/296) ، ومختصر اختلاف العلماء (3/265) ، وبداية المجتهد (1/305) ، ومنح الجليل (3/64) .(2/114)
1273 -[قال مالك:] وإن حلف أن لا يسكن هذه الدار وهو فيها، خرج مكانه، وإن كان في جوف الليل، فإن أخّر إلى الصباح حنث إلا أن ينويه، فليجتهد إذا أصبح في مسكن ولينتقل، وإن تغالى في الكراء، أو وجد منزلاً لا يوافقه، فلينتقل إليه حتى يجد سواه، فإن لم يفعل حنث، ويرتحل بأهله وولده وجميع متاعه، وإن أبقى متاعه حنث.
1274 - وإن حلف أن لا يسكن هذه الدار، أو قال: دار فلان هذه، فباعها فلان فسكنها الحالف في غير ملكه حنث، إلا أن ينوي ما دامت في ملكه، ولو قال: دار فلان، فباعها فلان، فسكنها الحالف في غير ملكه لم يحنث، إلا أن يكون نوى أن لا يسكنها، وكذلك إن حلف أن لا يأكل من طعام فلان، فباع فلان طعامه، ثم أكل منه لم يحنث، إلا أن يقول: من هذا الطعام، فلا يأكل منه أبداً، فإن فعل حنث، إلا أن ينوي ما دام في ملكه.
1275 - وإن حلف أن لا يسكن دار فلان، فسكن داراً بين فلان ورجل آخر،(2/115)
أو لا يأكل من طعام اشتراه فلان، فأكل من طعام اشتراه فلان وآخر معه، أو لا يلبس ثوباً غزلته فلانة، فلبس ثوباً غزلته فلانة وأخرى معها، أو قال لامرأته: أنت طالق إن كسوتك هذين الثوبين، ونيته أن لا يكسوها إياهما جميعاً فكساها أحدهما، أو حلف أن لا يسكن بيتاً، ولا نية له، فسكن بيت شعر، وهو بدوي أو حضري، فهو في ذلك كله حانث.
1276 - فإن قال: امرأته طالق ماله مال، وقد ورث قبل يمينه مالاً ما لم يعلم به حنث، إلا أن ينوي في يمينه أن يعلمه فلا يحنث.
1277 - وإن حلف أن لا يدخل [على فلان] بيتاً فدخل عليه المسجد لم يحنث، وليس على هذا حلف، وإن دخل على جاره فوجده عنده حنث، وإن دخل المحلوف عليه [على الحالف] فخاف عليه مالك الحنث، وقال ابن القاسم:(2/116)
لا يحنث إلا أن ينوي أن لا يجتمعا في بيت فحنث.
1276 - وإن حلف أن لا يدخل هذه الدار فهُدّمت أو خربت، حتى صارت طريقاً فدخلها لم يحنث، فإن بينت بعد ذلك فلا يدخلها، وإن دخلها مكرهاً لم يحنث، إلا أن يأمرهم بذلك فيحنث.
وإن حلف أن لا يدخل دار فلان فدخل بيتاً يسكنه فلان كراء، أو أقام على ظهر بيت منها حنث.
وإن حلف أن لا يدخل من باب هذه الدار، أو من هذا الباب، فحُوّل الباب عن حاله، أو أغلق وفتح غيره، فإن دخل منه حنث إلا أن يكره الباب دون الدار، إما لضيقه، أو لجواز على أحد فلا يحنث. (1)
ومن حلف أن لا يأكل من طعام فلان، ولا أدخل داره، ولا ألبس [من]
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/136) ، والتاج والإكليل (3/277) ، ومواهب الجليل (4/78) ، والمدونة الكبرى (3/114، 115) .(2/117)
ثيابه، ثم ملك أشياء فلان هذه شراء منه، فأكل ولبس ودخل بعد الشراء فلا شيء [عليه] إلا أن يكره تلك الأشياء بأعيانها، ولو وهبها [له] المحلوف عليه، أو تصدق بها عليه فقبلها ثم أكل ولبس ودخل، وحنث إن كان ماكره من ناحية المنّ.
1277 - قال مالك: وإن حلف أن لا يأكل لرجل طعاماً، فدخل ابن الحالف على المحلوف عليه فأطعمه خبزاً فخرج به الصبي إلى أبيه فأكل منه الأب ولم يعلم حنث، ومن حلف أن لا يأكل طعاماً فأُكره على أكله لم يحنث، وإن أكره على أن يحلف، لم تلزمه يمين.
1278 - ومن قال لزوجته: أنت طالق إن خرجت إلا بإذني، فأذن لها [وهو] في سفر، أو حيث لا تسمعه، و [أشهد] فخرجت بعد إذنه، وقبل علمها بالإذن، فهو حانث، وإن حلف أن لا يأذن لها إلا في عيادة مريض، فخرجت في(2/118)
العيادة بإذنه ثم مضت بعد ذلك إلى حاجة أخرى، لم يحنث، لأن ذلك بغير إذنه، ولو خرجت إلى الحمام بغير إذنه لم يحنث إلا أن يتركها بعد علمه، وإن هو حين علم بذلك لم يتركها، فلا يحنث، وإن لم يعلم حتى رجعت فلا شيء عليه.
1279 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه غداً، فقضاه اليوم برّ، ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غداً فأكله اليوم حنث، إذ الطعام قد يخص به اليوم، والغريم إنما القصد فيه القضاء.
1280 - ومن حلف بعتق أو طلاق أن لا يشتري ثوباً فاشتراه وشياً أو صنفاً سواه، وقال: نويت ذلك الصنف، أو حلف أن لا يدخل هذه الدار، ثم دخلها بعد شهر، وقال أردت شهراً فله نيته في الفتيا لا في القضاء إن قامت عليه بينة. (1)
1281 - وإن حلف أن لا يلبس هذا الثوب، وهو لابسه، أو لا يركب هذه الدابة، وهو عليها، فإن نزل عنها، أو نزع الثوب مكانه [برّ] وإلا حنث.
وإن حلف أن لا يلبس هذا الثوب، فقطعه قباء أو قميصاً أو سراويل أو جبة، أو قلنسوة فلبسه حنث، إلا أن يكون كره الأول لضيقه، أو لسوء عمله، [فحوله] فلا يحنث.
وإن ائتزر به أو لف به رأسه، أو جعله على منكبيه حنث، ولو جعله في الليل
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/282) .(2/119)
على فرجه ولم يعلم [به] لم يحنث حتى يتزر به.
1282 - ومن حلف أن لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث إلا أن تكون له نية، إذ لو اشترى العبد من يعتق على سيده أعتقناه [عليه] ، وقال أشهب: لا يحنث.
1283 - ومن حلف بالله ماله مال، وله دين عرض أو غيره، أو له شوار وخادم ولا ناض له، حنث، إلا أن تكون له نية.
1284 - وإن استُعير منه ثوب فحلف بالطلاق ما يملك إلا ثوباً، وله ثوبان مرهونان فإن كانا كفاف دينه لم يحنث إن كانت تلك نيته، وإن لم تكن له نية حنث كان فيهما فضل أم لا.(2/120)
1285 - ومن حلف أن لا يكلم فلاناً عشرة أيام فكلمه فيها حنث، ثم [إن] كلمه فيها مراراً قبل أن يكفر لم تلزمه إلا كفارة واحدة.
1286 - ومن حلف لرجل إن علم كذا [وكذا] ليعلمنه أو ليخبرنه، فعلماه جميعاً، لم يبر حتى يعلمه أو يخيره، وإن كتب به إليه، أو أرسل إليه رسولاً برّ، ولو أسر إليه رجل سراً فأحلفه ليكتمنه، ثم أسره المسر لآخر فذكره الآخر للحالف فقال له الحالف: ما ظننت أنه أسره لغيري حنث.
1287 - ومن حلف أن لا يتكفل بمال أبداً، فتكفل بنفس رجل حنث، لأن الكفالة بالنفس كفالة بالمال، إلا أن يشترط وجهه بلا مال فلا يحنث.
1288 - ومن حلف أن لا يتكفل لفلان بكفالة، فتكفل لوكيل له ولم يعلم به، فإن لم يكن [الوكيل] من سبب فلان وناحيته لم يحنث الحالف. (1)
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/156) ، والتاج والإكليل (3/310) .(2/121)
1289 - ومن حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة، أو أخذ سوطاً له رأسان، [أو جمع سوطين] فجلده بهما خمسين جلدة، لم يبر، ولو ضربه بسوط مائة جلدة ضرباً خفيفاً، لم يبر إلا بضرب مؤلم.
ومن حلف أن لا يشتري عبداً فأمر غيره فاشتراه له حنث.
وإن حلف أن لا يضرب عبده فأمر غيره فضربه حنث، إلا أن ينوي بنفسه، [وإن حلف ليضربنه فأمر غيره بضربه بر إلا أن ينوي بنفسه] ، وإن حلف أن لا يبيع سلعة، فأمر غيره [فباعها له] حنث، ولا يُديّن.
وإن حلف أن لا يبيع لفلان شيئاً، فدفع فلان ثوباً [لرجل] فأعطاه الرجل للحالف فباعه ولم يعلم به، فإن لم يكن الرجل من سبب فلان وناحيته مثل الصديق الملاطف أومن في عياله وناحيته لم يحنث، وإلا حنث، وكذلك إن حلف أن لا يبيع منه فباع ممن اشترى له ولم يعلم، فإن لم يكن المشتري من ناحية فلان ولا من سببه لم يحنث وإلا حنث، وإن قال [له] عند البيع: إني(2/122)
حلفت أن لا أبيع فلاناًن فقال [له] : إنما أبتاع لنفسي، ثم صح بعد البيع أنه إنما ابتاع لفلان [المحلوف عليه] ، لزم الحالف البيع، ولم ينفعه ذلك، ويحنث إن كان المشتري من ناحية فلان.
1300 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه إلى أجل فقضاه إياه، ثم وجد فيها صاحب الحق درهماً نحاساً أو رصاصاً أو ناقصاً نقصاناً بيناً أو باراً لا يجوز، أو استحقت من يده فقام عليه بعد الأجل فهو حانث.
وكذلك لو حلف أن لا يفارقه إلا بحقه فأحاله على غريم له، أو أخذ منه حقه ثم وجد فيه ما ذكرنا بعد أن فارقه فهو حانث.
ولو أعطاه قضاء من حقه عرضاً يساوي ما عليه لو بيع [بالنقد] لبرّ، ثم استثقله مالك، وبأول قوله قول. (1)
_________
(1) انظر: مختصر خليل (86) ، والشرح الكبير (2/153) .(2/123)
وإن حلف أن لا يفارق غريمه إلا بحقه، ففر منه أو فلت حنث، إلا أن يكون قوله لا أفارقك، كالقائل لا أتركه إلا أن يفر أو أغلب عليه، فلا شيء عليه.
1301 - ومن قال لامرأته: أنت طالق إن قبلتك أو ضاجعتك، فقبلته من ورائه أو ضاجعته وهو نائم، لم يحنث، إلا أن يكون منه في القبلة استرخاء، وإن كانت يمينه إن قبلني أو ضاجعتني حنث بكل حال.
1302 - ومن حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر، أو عند رأسه، أو إذا استهل، فله يوم وليلة من أول الشهر، وإن قال: إلى رمضان أو إلى استهلاله، فإذا انسلخ شعبان، واستهل الشهر ولم يقضه حنث.
1303 - وإن حلف لك غريمك ليقضينك حقك أو [قال] دنانيرك رأس الشهر،(2/124)
فوهبت له حقك، أو وضعته عنه صدقة أو صلة لم يبر، ولو باعك به سلعة تساوي الدين لبر إن كانت [يمينه] على وجه القضاء، ولم تكن على أعيان الدنانير، ثم كرهه مالك، وقوله الأول أعجب إلي.
1304 - ولو كانت يمينه على أعيان الدنانير لم يبر إلا بدفعها، فإن مات رب الحق قبل الأجل، فقضى الغريم ورثته أو وصيه أو السلطان قبل الأجل برّ.
1305 - ومن حلف أن لا يهب فلاناً هبة، فتصدق عليه حنث، وكل هبة لغير الثواب كالصدقة.
وكذلك كل ما نفعه به من عارية أو غيرها، إلا أن تكون له نية في العارية، لأن [أصل] يمينه على المنفعة. (1)
1306 - وإن حلف أن لا يكسو فلاناً فوهبه دنانير، أو حلف أن لا يكسو امرأته فأعطاها ما اشترت به ثوباً حنث.
1307 - قال مالك: وإن افتكّ [لها] ثيابها الرُّهُن حنث، ثم عرضتها عليه فقال:
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/302) .(2/125)
امحها، وأبى أن يجيب فيها، وقال ابن القاسم: يُنوّى، فإن كانت نيته أن لا يهب لها ثوباً ولا يبتاعه لها لم يحنث، وإن لم تكن له نية حنث.
وأصل هذا عند مالك، إنما هو على وجه المنافع والمن.
1308 - وإن حلف أن لا يهب لأجنبي أو لامرأته دنانير فكساها، أو أعطى الرجل فرساً أو عرضاً حنث، فإن نوى الدنانير دون غيرها، لم يُنوّ في الرجل ونُوي في الزوجة إذ قد يكره هبتها العين لسوء نظرها فيه.
1309 - وإن وهبه رجل شاة ثم منّ بها عليه فحلف أن لا يشرب من لبنها، ولا يأكل من لحمها، فإن أكل مما اشترى بثمنها، أو اكتسى منه حنث، ويجوز أن يعطيه [رب الشاة] من غير ثمنها ما شاء، إلا أن يكون [الحالف] نوى أن لا ينتفع منه بشيء أبداً.(2/126)
1310 - وإن حلف بطلاق أو غيره أن لا يدخل دار زيد، أو أن لا يقضيه حقه إلا بإذن محمد، فمات محمد، لم يجزه إذن ورثته إذ ليس بحث يورث، وإن دخل أو قضى حنث.
1311 - وإن حلف رجل للأمير تطوعاً لئن رأى أمر كذا ليرفعنه إليه، أو حلّف الأمير قوماً أن لا يخرجوا إلا بإذنه، فمات الأمير أو عزل فليرفع ذلك [إلى] من ولي بعده، ولا يخرج القوم إلا بإذنه، إذا كان ذلك من الأول نظراً أو عدلاً، ومن حلف ليقضين فلاناً حقه رأس الشهر، فغاب فلان فليقض وكيله أو السلطان، ويخرجه ذلك من يمينه، فإن احتجب عنه السلطان فلم يجده، أو كان بقرية ليس فيها سلكان وخاف إن خرج إلى السلطان حل الأجل قبل بلوغه، فإن جاء بالحق على شرطه إلى عدول فأشهدهم على ذلك بعد اجتهاده في طلبه بعلمهم فلم يجده لم يحنث، وإن قضى وكيلاً له في ضيعته ولم يوكله رب الحق في تقاضي دينه أجزأه. (1)
1312 - وإن حلف لرجل لأقضينك حقك [إلى أجل] إلا أن تشاء أن تؤخرني
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/302) ، والتقييد (3/38) ".(2/127)
فمات الطالب فإنه يجزيه تأخير ورثته إن كانوا كباراً، أو وصيه إن كان ولده أصاغر ولا دين عليه، فإن كان عليه دين لم يكن لوصي أو وارث تأخير مع الغرماء، ويجزيه تأخير الغرماء إن أحاط الدين بماله على أن يبرئ ذمة الميت.
1313 - ومن حلف ليأكلن هذا الطعام، أو ليلبسن هذه الثياب، أو يركب هذه الدابة أو يضرب عبده غداً، فماتت الدابة والعبد، وسرقت الثياب والطعام قبل غد فلا حنث عليه في الموت، لأنه كان على بر بالتأجيل، ويحنث في السرقة، إلا أن يكون نوى إلا [أن] يسرق أو لا يجده.
1314 - وإن حلف ليقضين فلاناً ماله إلى أجل، وقد مات فلان والحالف لا يعرف فليقض ورثته ولا يحنث، لأن يمينه إنما وقعت على الوفاء، فورثة الغريم مقامه، وإنما يحنث إن مضى الأجل ولم يقضهم.
1315 - وإن حلف ليذبحن حمامات ليتيمه فقام مكانه فألقاها ميتة، فلا شيء عليه.(2/128)
1316 - وإن حلف بعتق عبده ليضربن فلاناً ولم يضرب أجلاً منع من بيعه حى يبر أو يحنث، فإن مات المحلوف عليه والحالف صجيج قبل ضربه، عتق العبد من رأس ماله، ولو مات والحالف مريض ثم مات الحالف من مرضه ذلك، عتق العبد من لثه، وهذا كله إذا عاش المحلوف عليه مدة، لو أراد الحالف أن يضربه فيها لضربه، ولو ضرب أجلاً فمات الحالف أو المحلوف عليه قبل الأجل لم يحنث، لأنه على برّ.
1317 - وإن حلف ليقضين فلاناً حقه في رمضان، فمات الحالف في شعبان لم يحنث، لأنه مات على بر، وديونه التي عليه تحل بموته، فإن لم يقض ورثته ذلك الحق إلا بعد الأجل لم يلحق الميت حنث، وليس على الورثة يمين ولا حنث في يمين صاحبهم.
1318 - ومن قال لامرأته عبدي حر إن لم أضربك إلى سنة، فماتت قبل السنة لم يحنث في عبده، لأنها ماتت وهو على برّ، وله بيعه، وإن مضى الأجل وهو عنده لم يعتق. (1)
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (3/149، 150) .(2/129)
(كتاب النكاح الأول)
1319 -[قال مالك] : ومن قال لرجل: زوجي ابنتك على أن أزوجك ابنتي، أو زوجني أمتك على أن أزوجك أمتي ولا مهر بيننا، فذلك شغار يفسخ أبداً،(2/131)
وإن ولدت الأولاد ورضياه، وللمدخول بها صداق المثل ولا شيء لغير المدخول بها. والشغار بين العبيد مثل [الشغار] بين الأحرار.
1320 - وإن قال له: زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتى بمائة، أو قال: بخمسين، فلا خير فيه، وهو [من] وجه الشغار، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ويكون لكل واحدة [منهما] الأكثر من التسمية أو صداق المثل وليس هذا بصريح الشغار لدخول الصداق [فيه] إلا أن بعض الصداق لا يجوز، فصار كمن نكح بمائة دينار وبخمر أو بمائة [دينار] نقداً ومائة إلى موت أو فراق، فإنه يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ويكون لها صداق المثل إلا أن يكون أقل من المائة النقد، فلا ينقص من المائة شيء.
وإن زوجه ابنته بخمسين على أن يزوجه الآخر ابنته بغير شيء، فإن دخلا(2/132)
ثبت نكاح المسمى لها، وفسخ الآخر وكان لكل واحدة منهما صداق المثل. (1)
1321 -[قال مالك:] وإذا ردّت الثيب الرجال رجلاً بعد رجل لم تجبر على النكاح، ولا يجبر أحد أحداً على النكاح إلا الأب في ابنته البكر وفي ابنه الصغير وفي أمته وفي عبده، والولي في يتيمه. ولا يزوج البكر وليها وإن كانت سفيهة إلا برضاها.
1322 -[قال ابن القاسم:] ومن زوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها جاز إن كان على وجه النظر [لها] ، وقد أتت امرأة مطلقة إلى مالك فقالت له: إن لي ابنة في حجري موسرة مرغوباً فيها، فأراد أبوها أن يزوجها ابن أخ له فقيراً، فقال [لها: نعم] إني لأرى لك في ذلك متكلماً.
_________
(1) انظر: الذخيرة (4/384، 385) ، ومنح الجليل (3/305) ، والمدونة الكبرى (4/152، 153) ، وحاشية الدسوقي (2/307) ، شرح الزرقاني (3/185) ، الفواكه الدواني (20/13) ، الشرح الكبير (2/307) ، التمهيد (14/90) ، حاشية العدوي (2/67) .(2/133)
قال ابن القاسم: وأنا أراه ماضياً إلا أن يأتي من ذلك ضرر فيمنع.
1324 - ومن زوج ابنته البكر فطلقها الزوج قبل البناء أو مات عنها فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، [وإن زوجها تزويجاً حراماً] فبنى بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها فهي أحق بنفسها وتسكن حيث شاءت، إلا أن يخاف منها هوى أو ضيعة أو سوء موضع، فيمنعها الأب أو الولي من ذلك ويضمناها إليهما.
1325 - وإذا زنت البكر فحدت أو لم تحد فلأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، وإن زوجها تزويجاً حراماً فبنى بها الزوج ثم طلقها أو مات عنها بالقرب لم يكن لأبيها أن يزوجها كما يزوج البكر، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، ويدرأ به الحد، وتعتد فيه في بيت زوجها الذي كانت تسكن [فيه] كما تعتد في النكاح الحلال.(2/134)
1326 - ومن زوج ابنته [البكر] فدخل بها الزوج ثم فارقها قبل أن يمسها لم يكن لأبيها أن يزوجها كما تزوج البكر إن طالت إقامتها مع زوجها وشهدت مشاهد النساء، وأرى السنة طول إقامة، وإن كان أمراً قريباً فله أن يزوجها [كما تزوج البكر] ، وكذلك إن طلقها الزوج فأنكرت المسيس وادعاه الزوج، نظرت إلى طول المدة وقربها.
1327 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء وليس لأبيه منعه. قال ابن القاسم: إلا أن يخاف منه سفهاً فله منعه.
1328 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا قال للبكر وليها: إني مزوجك من فلان فسكتت فذلك منها رضى، قال غيره: إذا كانت تعلم أن السكوت رضى،(2/135)
وليس صمات الثيب رضى في أب ولا غيره [إلا أن تتكلم وتستخلف الولي على نكاحها] .
[قال مالك:] وليس المشورة بلازمة للأب في الأبكار.
1329 - ومن زوج أخته الثيب أو البكر بغير أمرها فبلغها ذلك فرضيت، فبلغني أن مالكاً قال مرة: إن كانت بغير البلد أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز، وإن قرب جاز، فسألنا مالكاً ونزلت بالمدينة في رجل زوج أخته فقالت حين بلغها ذلك: ما وكلت ولا أرضى، ثم كلمت فرضيت، فقال: لا يجوز هذا النكاح ولا يقام عليه حتى يأتنفا نكاحاً [جديداً] إن أحبا.(2/136)
1330 -[قال مالك:] ومن زوج ابنه الكبير المنقطع عنه أو ابنته الثيب وهما غائبان فرضيا بفعل أبيهما لم يجز النكاح، لأنهما لو ماتا لم يتوارثا.
1331 - ولا تزوج اليتيمة التي يولى عليها حتى تبلغ وتأذن في ذلك، لأن النبي ÷ أمر باستئذان اليتيمة (1) ولا إذن إلا للبالغة، فإن زوجها وليها بغير إذنها ثم أعلمها بالقرب فرضيت جاز، ولا يعد صماتها هاهنا رضى، وإن كانت بغير البلد
_________
(1) رواه أبو داود (2093) ، والترمذي (9408) ، وقال: حديث حسن.(2/137)
أو فيه فتأخر إعلامها لم يجز وإن رضيت، [قال سحنون:] وهذا قول مالك الذي عليه أصحابه.
1332 - ويجوز عفو الأب عن نصف الصداق في طلاق البكر قبل البناء، ولا يجوز ذلك لغيره من وصي أو غيره، وقد قال الله تعالى: ×إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ% (البقرة: 237) ، وهو الأب في ابنته البكر، والسيد في أمته، وقول الله تعالى: ×إَلاَّ أَن يَعْفُونَ% هي المرأة الثيب.
قال مالك: ولا يجوز ذلك للأب قبل الطلاق.(2/138)
قال ابن القاسم: إلا بوجه النظر من عسر الزوج فيخفف عنه وينظره فذلك جائز. فأما لغير طلاق ولا على وجه نظر لها فلا يجوز.
1333 - وإذا زوج البكر اليتيمة وليها بأمرها فقبض صداقها، لم يجز قبضه عليها إلا أن يكون وصياً [فيجوز قبضه عليها، لأنه الناظر لها وما لها في يديه] ، وإذا قبضه الأب لابنته الثيب بغير إذنها ثم ادعى تلفه ضمنه [لأنه متعد] كقبضه من غريمها ديناً لها بغير أمرها، فلا يبرأ الغريم والأب ضامن ولها أن تتبع الغريم.
1334 -[قال مالك رحمه الله:] وإذا اختلف الأولياء [في إنكاح المرأة] وهم في القُعْدُد سواء، نظر السلطان في ذلك، فإن كان بعضهم أقعد من بعض فالأقعد أولى بإنكاحها، وهذا إذا فوضت إليهم وقالت: زوجوني، والأخ وابن الأخ أولى(2/139)
بإنكاحها من الجد، والابن وابن الابن أولى بإنكاحها وبالصلاة عليها من الأب، فإن زوجها الأبعد برضاها وهي ثيب ووالدها حاضر فأنكر والدها وسائر الأولياء لم يرد النكاح، وكذلك إن كنت بكراً بالغاً لا أب لها ولا وصي فزوجها الأبعد برضاها وأنكره الأقعد فالنكاح جائز.
1335 - قال علي عن مالك: في الأخ يزوج أخته لأبيه وثمّ أخوها لأبيها وأمها، أن النكاح جائز إلا أن يكون الأب أوصى بها إلى الشقيق فلا تنكح حينئذ إلا برضاه، وإنما الذي لا ينبغي لبعض الأولياء أن ينكح وثم من هو أولى منه إذا لم يكونوا إخوة وكان أخاً وعماً، أو عماً وابن عم ونحو هذا وهم حضور.
قال عنه ابن القاسم: وذو الرأي من أهلها إذا كان له الفضل والصلاح يجوز إنكاحه إياها إذا أصاب وجه النكاح، وإن كانت من العرب ولها من الأولياء من ذكرنا.
وكذلك مولى النعمة يجوز أن يزوج مولاته من نفسه، ويلي عقد نكاح نفسه أو يزوجها من غيره برضاها فيجوز ذلك على الأقعد من أخ وغيره وهو من ذوي الرأي من أهلها، إذا كان له بالفضل] والصلاح، وهذا [كله] إذا كانت المرأة ثيباً أو بكراً بالغاً لا أب لها ولا وصي.(2/140)
1336 - قال مالك: وقول عمر - رضي الله عنه - لا تنكح المرأة إلابإذن وليها أو ذوي الرأي من أهلها أو السلطان، فذو الرأي من أهلها الرجل من العشيرة أو ابن العم أو المولى، وقال عنه ابن نافع هو الرجل من العصبة، وقال أكثر الرواة: لا يزوج ولي وثم من هو أولى منه حاضر، فإن فعل نظر السلطان في ذلك.
وقال آخرون: للأقرب أن يرد أو يجيز إلا أن يتطاول مكثها عند الزوج وتلد الأولاد، لأن العقد لم يخرج من أن وليه ولي وهذا في ذات المنصب والقدر.
1337 - ومن غاب عن ابنته البكر غيبة انقطاع كمن خرج في المغازي إلى مثل(2/141)
إفريقية والأندلس وطنجة فأقام بها فرفعت أمرها إلى الإمام فلينظر لها ويزوجها، وأما إن خرج تاجراً في سفر لغير مقام، فلا يزوجها ولي ولا سلطان، وإن أرادته الابنة. (1)
1338 -[قال مالك:] وإذا رضيت [الثيب] بكفء في دينه وهو دونها في النسب والشرف والمال، [أو رضيت بمولى] ورده أب أو ولي، زوجها إياه الإمام، لأن نكاح الوالي في العرب لا بأس به.
قيل: فإن رضيت بعبد؟، قال: [قد] قال مالك: المسلمون بعضهم لبعض أكفاء، إذ قيل له: إن بعض هؤلاء القوم [قد] فرقوا بين عربية ومولى، فاستعظم ذلك [استعظاماً شديداً] ، [وقال: السلمون كلهم بعضهم لبعض أكفاء] لقول الله تعالى: ×إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ% (الحجرات: 13) ، وقال
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/435) ، ومواهب الجليل (3/435) .(2/142)
غيره: ليس الولي بعاضل في منعه ذات القدر نكاح العبد ومثله، لأن للناس مناكح قد عرفت لهم وعرفوا لها، ولا يكون الأب عاضلاً لابنته البكر البالغ في ردّ أول خاطب أو خاطبين حتى يتبين ضرره، فإذا تبين [ذلك منه وأرادت الجارية النكاح] قال له الإمام: إما أن تزوج وإلا زوجناها عليك، لأن النبي ÷ قال: "لا ضرر ولا ضرار". (1)
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/745) ، وأحمد في المسند (1/313) ، وابن ماجة (2341) ، وانظر: نصب الراية (4/384) ، والدارية في تخريج الهداية (2/282) .(2/143)
1339 - قال مالك: وللوصي أن يزوج البكر البالغ برضاها وإن كره الولي، ولو رضيت هي ووليها برجل وعقدا له لم يجز إلا برضى الوصي، فإن اختلفوا نظر السلطان، قال يحيى بن سعيد: الوصي أولى من الولي، ويشاور الولي.
قال مالك: ووصي الوصي في البكر وإن بعد كالوصي، ويزوج الولي الثيب برضاها، وإن كره الوصي، وإن زوجها الوصي برضاها أيضاً جاز، وإن كره الولي، وليس كالأجنبي فيها، وليس لأحد أن يزوج الطفلة قبل بلوغها من قاض أو وصي أو ولي إلا الأب وحده، وأما الطفل الصغير فلأبيه أو وصيه أن يزوجه(2/144)
قبل بلوغه، وليس ذلك لغيرهما من الأولياء، ولهما أن يوكلا بذلك غيرهما، وليس للأم أن تستخلف من يزوج ابنتها البالغ اليتيمة، إلا أن تكون الأم وصية، [فإن كانت وصية] عليها أو على صبية غير ابنتها فلا تلي هي عقد نكاحها، ولكن توكل بذلك رجلاً بعد بلوغ الصبية ورضاها، وأما قبل بلوغها فلا.
1340 - وإذا وكلت المرأة كل واحد من ولييها فزوجها هذا من رجل وهذا من رجل فالنكاح لأولهما إذا عرف الأول، إلا أن يدخل بها الآخر فهو أحق [بها] ، وبذلك قضى عمر - رضي الله عنه (1) - فإن لم يدخل بها واحد منهما ولم يعلم الأول فسخا جميعاً ولا قول لها إن قالت: هذا هو الأول، ثم تبتدي نكاح من أحبت منهما أو من غيرهما.
1341 - وإذا عتق الأمة رجلان فكلاهما وليها، فإن أنكحها أحدهما بإذنها جاز ذلك على الآخر وإن لم يرض، وإذا رضي الولي بعبد أو بحر ليس بكفء،
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (3/461) ، وعبد الرزاق (6/2303) .(2/145)
فصالح ذلك الرجل زوجته فبانت منه ثم أرادت المرأة نكاحه بعد ذلك وامتنع الولي فليس ذلك له، إلا أن يظهر منه على فسق أو تلصص أو ما فيه حجة غير الأمر الأول، فذلك للولي.
1342 - وإذا وكلت المرأة الدنية مثل: المعتقة والسوداء والمسالمة والمسكينة، أجنبياً، فزوجها وهي ببلد لا سلطان فيه أو فيه سلطان يعسر عليها تناوله ولا ولي لها، جاز ذلك، وكذلك إن ولّت من أسلمت هي على يديه، وذلك فيهن أخف منه في ذوات القدر، وأما إن أسلم على يديه أبوها، وتقادم ذلك حتى يكون لها من القدر والغناء [والآباء] في الإسلام، وتنافس الناس فيها فلا يزوجها، وهو كأجنبي فيها.
قيل لمالك: فرجال من الموالي يأخذون صبياناً من الأعراب تصيبهم السّنة فيكفلونهم ويربونهم حتى يكبروا، فتكون فيهم الجارية فيريد أن يزوجها، فقال: ذلك جائز، ومن أنظر لها منه؟. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/170) ، والتمهيد (19/105) ، والمطلع (1/212) ، وأنيس الفقهاء (1/96) .(2/146)
وأما كل امرأة لها بال أو غناء وقدر فإن تلك لا يزوجها إلا وليها أو السلطان.
1343 -[قيل لمالك: فلو أن امرأة لها بال أو غناء وقدر، وقد تزوجت بغير أمر ولي فوضت أمرها إلى رجل فرضي الولي بعد ذلك، أيثبت ذلك النكاج؟ فوقف فيه] ، وقال عنه ابن وهب في موضع آخر إنه يفرق بينها وبين زوجها بطلقة، دخل [بها] الزوج أم لا، إلا أن يجيز ذلك الولي أو السلطان إن لم يكن لها ولي.
وقال ابن القاسم: إذا أجازه الولي [وكان] بالقرب جاز، سواء دخل [بها] الزوج أم لا، وإن أراد فسخه بحدثان الدخول فذلك له، فأما إن طالت إقامتها معه وولدت الأولاد، أمضيته إن كان ذلك صواباً ولم يفسخ، وقاله مالك.
وقال غيره: لا يجوز، وإن أجازه الولي، لأنه [نكاح] عقده غير ولي، وقال غير واحد من الرواة مثل قول ابن القاسم: إن أجازه الولي [بالقرب] جاز.
وإذا استخلفت امرأة على نفسها رجلاً فزوجها، ولها وليان أحدهما أقعد بها من الآخر، فلما علما أجازه الأبعد ورده الأقعد، فلا قول هاهنا للأبعد، بخلاف التي زوجا الأبعد وكره الأقعد، لأن ذلك نكاح عقده ولي وهذا نكاح عقده غير ولي،(2/147)
فلا يكون فسخه إلا بيد الأقعد، فإن غاب الأقعد وأراد الأبعد فسخه نظر السلطان في ذلك، فإن كانت غيبة الأقعد قريبة بعث إليه وانتظره ولم يعجل، وإن كانت غيبته بعيدة نظر السلطان كنظر الغائب في الرد والإجازة، وكان أولى من الولي الحاضر.
1344 - قال مالك: وإن قالت [امرأة] لوليها: زوجني ممن أحببت، فزوجها من نفسه أو من غيره لم يجز حتى يسمي لها من يزوجها، ولها أن تجيز أو ترد، وقد قال عبد الرحمن: إن زوجها من غيره جاز وإن لم يسمه، وإن زوجها من نفسه فبلغها(2/148)
ذلك فرضيت به جاز، وإن لم يكن لها ولي فزوجها القاضي من نفسه أو من ابنه برضاها جاز ذلك، لأنه ولي من لا ولي له، وإن كان لها ولي فزوجها القاضي من [نفسه أو من ابنه] برضاها، وأصاب وجه النكاح ولم يكن منه جور فليس لوليها فسخ ذلك.
1345 - ومن زوج ابنه البالغ المالك لأمره وهو حاضر صامت، فلما فرغ الأب من النكاح قال الابن: ما أمرته ولم أرض، صدق مع يمينه، وإن كان الابن غائباً فأنكر حين بلغه، سقط النكاح والصداق عنه وعن الأب، وابنه والأجنبي في هذا سواء.
1346 - ومن أعتق صبياً صغيراً أو صغيرة فزوجها قبل البلوغ لم يجز عقده عليها، وللوصي إنكاح آماء اليتامى وعبيدهم على وجه النظر [لهم] .
1347 - ومن خطب على رجل امرأة بأمره فرضيت ووليها، وضمن الخاطب الصداق، ثم قال الرجل: ما أمرته، بطل النكاح والصداق عنه وعن الزوج.
1348 - ومن قال لرجل: زوجني بألف [أو قال له: زوجني فلانة بألف] ، فزوجه(2/149)
بألفين، فعلم بذلك قبل البناء، قيل للزوج: إن رضيت بألفين وإلا فرق بينكما بطلقة، إلا أن ترضى المرأة بألف فيثبت النكاح، وإن قال الرسول: أنا أغرم الألف التي زدت وأبى الزوج، لم يلزمه النكاح بذلك، وإن لم يعلما حتى دخلا لم يلزم الزوج غير الألف ولا يلزم المأمور شيء، لأنها صدّقته والزوج جحدها الألف الزائدة والنكاح بينهما ثابت. [قال ابن القاسم:] وإن أقرّ المأمور بعد البناء بالتعدي غرم الألف الثانية والنكاح ثابت. وإن دخل الزوج بعد علمه بتعدي المأمور لزمه ألفان، علمت المرأة أو لم تعلم، وكذلك أمة اشتراها له بأكثر مما أمره به فوطئها عالماً بما زاد، والبائع عالم بذلك أو غير عالم.
1349 - قال مالك - رحمه الله -: ولا يجوز لنصراني عقد نكاح مسلمة، ويعقد النصراني نكاح وليته النصرانية لمسلم إن شاء، ولا يعقده وليها المسلم، لقول الله تعالى في أهل الكفر: ×مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن(2/150)
شَيْءٍ% (الأنفال: 72) ، إلا التي ليست من نساء [أهل] الجزية قد أعتقها رجل مسلم فيجوز.
1350 - والعبد والمكاتب والنصراني والمدبر والمعتق بعضه والمرتد، ليس منهم من يعقد عقدة النكاح، فإن عقد أحد منهم نكاح ابنته البكر أو الثيب برضاها، وابنة النصراني مسلمة لم يجز ويفسخ وإن دخل بها، وللمدخول بها المهر بالمسيس، ولو كانت ابنة العبد حرة فأراد أولياؤها إجازة ذلك لم يجز، ولا بد من فسخه.
والعبد إذا استخلفه حر على البضع فليوكل غيره على العقد، وللمكاتب إنكاح إمائه على ابتغاء الفضل وإن كره سيده، ولكن يلي العقد غيره أمره، ولا يجوز على غير ابتغاء الفضل إذا رده السيد، ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن سيده.
1351 - ولا تعقد المرأة النكاح على أحد من الناس ولا لابنتها، ولكن تستخلف(2/151)
رجلاً يعقد لها النكاح إن كانت وصية، ولها أن تستخلف أجنبياً وإن كان أولياؤها حضوراً.
1352 - قيل لمالك: من تزوج امرأة بغير أمر ولي بشهود، أيضرب أحد منهم؟، فقال: أدخل بها؟، قالوا: لا، وأنكر الشهود أن يكونوا حضوراً، فقال: لا عقوبة عليهم.
قال ابن القاسم: إلا أني رأيت منه أن لو دخل بها لعوقبت المرأة والزوج والذي أنكح، ويؤدب الشهود أيضاً إن علموا.
ويكره للرجل أن يتزوج امرأة بغير أمر ولي. وقال ابن القاسم: فإن فعل كره له وطؤها حتى يعلم وليها فيجيز أو يفسخ، فإن فسخه الإمام أو وليها عند الإمام ثم أرادته زوّجها إياه الإمام مكانها وإن كره الولي إذا دعت إلى سداد(2/152)
وإن لم يساو حسبها ولا غناها وكان مرضياً في عقله ودينه (1) ، وهذا إذا لم يكن دخل بها، وإن كان وليها غائباً وقد استخلفت رجلاً فزوجها فرفعت هي أمرها إلى الإمام قبل قدوم وليها، نظر الإمام في ذلك وبعث إلى وليها إن قرب فيفرق أو يترك، وإن بعد، نظر الإمام [في ذلك] كنظره في الرد والإجازة.
قال غيره: وإن بعدت غيبة الولي لم ينتظر، وينبغي للإمام أن يفرق بينهما ويأتنف إنكاحها منه إن أرادته، ولا ينبغي أن يثبت نكاح عقده غير ولي في ذات القدر والحال.
قال ابن القاسم: فإن أراد الولي أن يفرق بينهما فعند الإمام إلا أن يرضى الزوج بالفراق دونه، وإن تزوجت ولم تستخلف أحداً لم يقر هذا النكاح في دنية أو غيرها، ويفسخ وإن ولدت الأولاد، ويدرأ عنها الحد.
وإن زوجها وليها من رجل ثم طلقها ذلك الرجل ثم خطبها، فليس لها نكاحه إلا بعقد الولي أيضاً.
_________
(1) انظر: الاستذكار لابن عبد البر (16/35، 37) ، وكفاية الطالب (2/49، 67، 71) ، والتاج والإكليل (4/35) ، والفواكه الدواني (2/28) ، ومواهب الجليل (2/110) ، والتمهيد (19/85) .(2/153)
1353 - ومن أعتق أم ولده ثم أنكحها من نفسه بإذنها جاز ذلك وإن كره ولدها.
1354 - قال ابن القاسم وأكثر الرواة: كل نكاح، للولي أو لأحد الزوجين أو لغيرهما إمضاؤه أو فسخه، فإن فسخه إياه بطلاق، وتكون تطليقة بائنة، ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ، مثل التي تتزوج بغير أمر ولي فيطلقها الزوج قبل البناء أو بعده أو يخالعها على مال يأخذه منها، وذلك قبل أن يجيز الولي، فالطلاق يلزم ويحل له ما أخذ.
قال ابن القاسم: لأن فسخ هذا النكاح عند مالك ليس على وجه تحريم النكاح، وقد سمعته يقول: ما فسخه بالبين ولكنه أحب إلينا، [فقلنا له:] أترى أن يفسخ وإن أجازه الولي؟ فوقف عنه.
1355 - قال ابن القاسم وأكثر الرواة: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه مثل:(2/154)
نكاح الشغار، ونكاح المريض، والمحرم، وما كان صداقه فاسداً، أو عقد على أن لا صداق [فيه] فأدرك قبل البناء فكانا مغلوبين [على فسخه] ، فالفسخ في ذلك كله بغير طلاق، [ولا يقع فيه طلاق] ولا ميراث فيه، [ولا يجوز فيه الخلع قبل البناء ولا بعده] .
وما عقدته المرأة على نفسها أو على غيرها، وما عقده العبد على غيره، فإن هذا يفسخ قبل البناء وبعده بلا طلاق ولا ميراث فيه.
1356 - قال ابن القاسم: وكل ما فسخ بعد البناء مما فسد لعقده ففيه المسمى، وما فسخ من جميع ما ذكرناه قبل البناء فلا صداق فيه، وترده إن قبضته، وإن قذفها الزوج في النكاح الذي لا يقر على حال لاعن، لثبوت النسب فيه، ولا يلزم فيه الظهار إلا أن يريد إن تزوجتك، ويلزمه الإيلاء إن تزوجها كالأجنبية،(2/155)
[ثم] قال ابن القاسم لرواية بلغته عن مالك وغيره من أهل العلم: إن كل نكاح نص الله ورسوله ÷ على تحريمه لا يختلف فيه، فإنه يفسخ بغير طلاق، وإن طلق فيه قبل الفسخ لم يلزم، ولا يتوارثان، كمتزوج الخامسة أو أخته من الرضاعة أو المرأة على عمتها أو خالتها أو من تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها أو ناكح في عدة، ولا تحرم بهذا النكاح إن لم يمس فيه على آبائه وأبنائه، [ولا يحصنها الوطء فيه. وقال غيره في الابنة التي نكحها على أمها قبل البناء بالأم: إن الابنة لا تحل لآبائه وأبنائه،] لشبهة العقد.
1357 - قال ابن القاسم: وكل ما اختلف الناس في إجازته ورده فالفسخ فيه بطلاق، ويقع فيه الطلاق والموارثة قبل الفسخ، كالمرأة تزوج نفسها أو تنكح بغير ولي، والأمة تتزوج بغير إذن السيد، لأن هذا قد قال خلق كثير: إن أجازه الولي جاز، وإذ لو قضى به قاض لم أنقضه، وكذلك نكاح المحرم والشغار بعينه للاختلاف فيهما. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/447) ، والفواكه الدواني (2/13) ، ومواهب الجليل (3/429، 450) ، ومنح الجليل (3/411) .(2/156)
1358 - وإن نكح عبد بغير إذن سيده، فطلق امرأته قبل أن يجيز السيد نكاحه، أو أعتقت أمة تحت عبد فطلقها زوجها قبل أن تختار، فالطلاق لازم كان واحدة أو البتات، فإن فسخ السيد نكاح عبده قبل البناء لم يحل للعبد أن يتزوج أمها، وكذلك [كل] من فسخ نكاحه قبل البناء مما اختلف فيه الناس فإنها لا تحل لابنه ولا لأبيه، لأن كل نكاح اختلف الناس [فيه] ، فالحرمة تقع فيه كحرمة النكاح الصحيح الذي لا اختلاف فيه، وقد روي عن مالك في رجل زوج ابنه البالغ المالك لأمره وهو غائب بغير إذنه فرد ذلك الابن، قال: لا ينبغي للأب أن يتزوج تلك المرأة، وإن زوج أجنبياً غائباً فأجاز إذ بلغه لم يجز ذلك إن طال، ولا يتزوجها آباؤه ولا أبناؤه، ولا ينكح هو أمها، وينكح ابنتها إن لم يبن بالأم.
1359 - قال مالك: وإذا نكح عبد بغير إذن سيده فلسيده أن يطلق عليه واحدة بائنة(2/157)
أو طلقتين جميع طلاق العبد، وقال أكثر الرواة: لا يطلق عليه إلا واحدة، لأن الواحدة تبينها وتُفرّغ له عبده.
1360 - قال مالك: وللأمة إذا عتقت تحت عبد أن تختار نفسها بالبتات، على حديث زبراء، وكان [مالك] يقول: لا تختار إلا واحدة بائنة، وقاله أكثر الرواة، وكره مالك أن يزوج الرجل أم ولده، فإن فعل لم يفسخ.(2/158)
1361 - ومن تزوج أمة رجل بغير إذنه لم يجز، وإن أجازه السيد، ويفسخ وإن ولدت الأولاد، ولو أعتقها السيد قبل علمه بالنكاح لم يكن بد من فسخه، ولا ينكحها الزوج إلا بعد العدة من مائه الفاسد وإن كان نسب ما في بطنها يثبت منه، وكذلك إن اشتراها في تلك العدة فلا يطؤها حتى تنقضي [تلك العدة لفساد مائه] ، وكذلك كل وطء كان فاسداً يلحق فيه الولد، ففرق بين الزوج والمرأة فلا يتزوجها حتى تنقضي عدتها، ولو باع الأمة رجل أو باعت هي نفسها بغير إذن السيد فأجازه السيد جاز، ولا كلام للمبتاع [فيه] .
1362 - ولا تنكح أمة أو عبد بين رجلين إلا بإذنهما، فإن عقد للأمة أحد الشريكين بصداق مسمى لم يجز [النكاح] ، وإن أجازه الآخر، ويفسخ وإن دخلت، ويكون بين السيدين الصداق المسمى إذا دخلت، فإن نقص عن صداق المثل أتم للغائب نصف صداق المثل إن لم يرض بنصف التسمية.(2/159)
وأما نكاح العبد بغير إذن سيده فإن أجازه السيد جاز، لأنه يعقد على نفسه بإذنه بخلاف الأمة، وإن كُلّم السيد فامتنع أن يجيز ثم أجاز، فإن أراد بأول قوله فسخاً تم الفسخ، وإن أراد أنه لم يرض [بما كان] ثم أجاز، فذلك جائز إن كان ذلك قريباً، وإن أعتقه السيد قبل علمه بنكاحه جاز نكاحه ولم يكن للسيد رده، وإن باعه قبل علمه بنكاحه لم يكن للمبتاع فسخه فإما رضيه أو رده فيفسخ البائع نكاحه، أو يجيزه، ولو مات السيد قبل علمه بنكاحه فلورثته من الخيار ما كان للسيد.
1363 - ومن زوج أخته البكر بغير أمر الأب لم يجز، وإن أجازه الأب، إلا أن يكون ابناً قد فوض إليه [أبوه] جميع شأنه فقام بأمره فيجوز بإجازة الأب، وكذلك في أمة الأب، وكذلك في الأخ والجد يقيمه هذا المقام.
1364 - وإن تزوج صبي بغير إذن أبيه أو وصيه ومثله يقوى على الجماع، فإن أجازه من يلي عليه جاز، كبيعه وشرائه يجيزه على وجه النظر، وإن رأى فسْخه فَسَخَه، فإن فسخه قبل البناء أو بعده فلا صداق(2/160)
لها، وكذلك رأى مالك فيمن بعث يتيماً في طلب آبق [له] فأخذه وباعه وأتلف الثمن، أن لرب العبد أخذه ولا عهدة على اليتيم ولا ثمن، بخلاف ما أفسد أو كسر.
1365 - وإذا وكلت المرأة وليها فزوجها من رجل، فقال لها الوكيل: قد زوجتك من فلان فأقرت أنها أمرته وقالت: لم تزوجني، فلا قول لها والنكاح يلزمها إن ادعاه الزوج، وكذلك الوكيل على بيع سلعة، وإن وكلته المرأة على العقد وقبض الصداق فقبضه ثم ادعى تلفه، كان كدين لها وكلته على قبضه فقبضه ثم ادعى تلفه فصدقته في الوكالة وكذبته في القبض، فإن أقام الزوج أو الغريم بينة أنه دفع ذلك إلى الوكيل صدق الوكيل على التلف، وإن لم يقيما بينة بالدفع ضمناً ثم لا شيء لهما على الوكيل، لأنهما قد صدقاه في الوكالة. وأما الوكيل على بيع سلعة يقول: قبضت الثمن وضاع مني، فهو مصدق، لأن وكيل البيع له قبض الثمن وإن لم يؤمر بذلك، وليس للمبتاع أن يأبى ذلك عليه، والوكيل على عقد النكاح ليس له قبض الصداق إلا بتوكيل عليه خاصة، ولا يلزم الزوج دفع ذلك إليه فإن فعل ضمن.(2/161)
1366 - ومن نكح بغير بينة على غير استسرار أشهد الآن وجاز نكاحه، وإن أقر الزوج والولي بالعقد ثم قالا أو أحدهما لم يُشهد، أشهدا الآن وليس لأحدهما فسخه. ولا يزوج الرجل عبده أمته إلا ببينة وصداق، فإن زوجه بغير بينة أشهد الآن إن لم يكن دخل بها وجاز النكاح، وإن زوجه إياها على أن لا صداق [لها] عليه، فسخ النكاح قبل البناء وثبت بعده وكان لها صداق مثلها، ولو زوجه ولم يذكر الصداق ولا شرط إسقاطه فذلك جائز كالتفويض، ويفرض للأمة صداق مثلها.(2/162)
1367 - ومن عقد نكاحاً واستكتم البينة، وذلك حين العقد فالنكاح فاسد.
قال ابن شهاب: ويفرق بينهما وإن دخلا، ولها مهرها [بالمسيس، وتقعد حتى تنقضي عدتها ثم إن شاءت نكحته بعد العدة] ، وإن فرق بينهما قبل البناء فلا صداق لها ويعاقب الزوجان والبينة.
قال ابن القاسم: وإن شهد الأب وأجنبي على توكيل ابنته الثيب إياه على إنكاحها فلاناً فأنكر لم تجز الشهادة، لأن الأب شهد على فعل نفسه. وإن وجد رجل مع امرأة في بيت فشهد أبوها وأخوها أنه تزوجها لم يجز نكاحه [إياها] ويعاقبان.(2/163)
1368 - وإن نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز، فإن كان لم يدخل بها أشهد الآن مسلمين ولزمه النكاح.
قال يحيى بن سعيد: وتجوز شهادة الأبداد في النكاح والعتاق.
1369 -[ومن] نكح على أن الخيار له أو للولي أو للزوجة أو لجميعهم يوماً أو يومين لم يجز وفسخ قبل البناء، إذ لو ماتا قبل الخيار لم يتوارثا وإن بنى بها ثبت النكاح وكان لها المسمى. وكذلك الجواب فيمن تزوج امرأة على أنه إن لم يأت بالصداق إلى أجل كذا فلا نكاح بينهما. وقد كان مالك يقول فيهما: إن النكاح يفسخ بعد البناء، لأن فساده في عقده، ثم رجع فقال: يثبت بعد البناء.
1370 - ومن نكح امرأة على أحد عبديه أيهما شاءت المرأة جاز ذلك، وإن كان أيهما(2/164)
شاء الزوج لم يجز، وكذلك البيع [إذا كان الخيار للمشتري، وإن كان للبائع لم يجز] .
1371 -[قال مالك:] ولا يجوز النكاح إلى أجل قرب أو بعد وإن سمى صداقاً، وهذه المتعة، [وقد ثبت عن النبي ÷ تحريمها] . (1)
1372 - ومن قال لامرأة: إذا مضى شهر فأنا أتزوجك، فرضيت [هي] ووليها، فهذا النكاح باطل لا يقام عليه. وكره مالك النكاح بصداق [بعضه معجل وبعضه مؤجل على سنة أو أكثر، فإن وقع أجازه، وللزوج إذا أتى بالمعجل أن يدخل [بزوجته] وليس لها منعه ويتأخر بقية] الصداق إلى أجله، وإن كان إلى
_________
(1) إشارة لحديث الإمام علي في البخاري (5115) ، ومسلم (1407) ÷، ومالك في الموطأ (2/542) .(2/165)
أجل بعيد جاز ما لم يتفاحش بعد ذلك.
1373 - وإن تزوجها بصداق نصفه نقد ونصفه على ظهره، فإن كان الذي على ظهره يحل بالبناء عندهم جاز وإن كان لا يحل إلا إلى موت أو فراق لم يجز النكاح، وفسخ قبل البناء وثبت [بعده] ، وكان لها صداق المثل ما لم ينقص عن المعجل، ولا ينقص منه شيء.
1374 - ومن نكح امرأة على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يخرجها من بلدها جاز النكاح وبطل الشرط، وليس لما يفسد به النكاح من الشروط حد، وإن وضعت عنه لذلك من صداقها في العقد لم ترجع به وبطل الشرط إلا أن يكون فيه عتق أو طلاق، ولو شرطت عليه هذه الشروط بعد العقد، ووضعت عنه(2/166)
لذلك بعض صداقها لزمه ذلك، فإن أتى شيئاً من ذلك رجعت عليه بما وضعت.
وإن أعطته [مالاً] على أن لا يتزوج عليها فإن فعل فهي طالق ثلاثاً، فإن تزوج وقع الطلاق وبانت منه ولم ترجع عليه بشيء إذ تم لها شرطها.
وإن تزوجها على شروط تلزمه ثم صالحها أو طلقها طلقة فانقضت عدتها ثم تزوجها، عاد عليه الشرط في بقية طلاق ذلك الملك، وإن شرط في نكاحه الثاني أنه إنما ينكح على أن لا يلزمه من تلك الشروط شيء لم ينفعه ذلك.
1375 - وإن قال الخاطب للأب في البكر أو لولي مفوض إليه: زوجني فلانة بمائة، فقال: قد فعلت، ثم قال الخاطب: لا أرضى، لم ينفعه، ولزمه النكاح بخلاف البيع. قال سعيد بن المسيب: ثلاث ليس فيهن لعب، هزلهن جد، النكاح والطلاق والعتاق. (1)
1376 - ويجوز نكاح الخصي والمجبوب وطلاقهما.
_________
(1) رواه أبو داود (2194) ، والترمذي (1184) ، ومالك (2/548) ، وابن ماجة (2039) .(2/167)
1377 - وللعبد أن يتزوج أربعاً إن شاء حرائر أو إماء، وحد العبد في الفرية أربعون جلدة، وطلاقه طلقتان، وأجله في الفقد والاعتراض والإبلاء نصف أجل الحر، وكذلك سائر الحدود، وهو في كل الكفارات كالحر إلا أنه لا يجزيه العتق في الكفارات إذ الولاء لغيره، وجائز أن يتزوج العبد والمكاتب ابنة سيده عند ابن القاسم واستثقله مالك. وإذا اشترى المكاتب أو المأذون له زوجته انفسخ النكاح ووطئها بملك اليمنين. ومن زوج عبده فالمهر في ذمة العبد لا في رقبته إلا أن يشترطه على السيد.
قال ربيعة: إن خطب عليه السيد وسمى فالصداق على السيد، وإن أذن له فنكح فذلك على العبد وللحرة ما سمى وللأمة أيضاً، إلا أن يجاوز ثلث قيمتها.(2/168)
1378 - وإذا تزوج عبد أو مكاتب بغير إذن سيده ونقد المهر وبنى بها، فللسيد فسخه ويترك للزوجة ربع دينار، وترد ما بقي، فإن أعدمت توبعت به فإن عتق العبد أو أدى المكاتب أو عتق اتبعته الزوجة بما أدت إن غرها، وإن بين لها فلا شيء لها، وإن أبطله السيد عنه أو السلطان قبل العتق لم يلزمه شيء إن أُعتق وكذلك ما تداينه بغير إذن سيده، وإن لم يعلم [السيد] بنكاحه إلا بعد العتق فلا كلام له والنكاح ثابت، وكذلك ما أعتق أو تصدق، وكل ما لزم ذمة العبد فلا يأخذه الغرماء من خراجه [ولا من] عمل يده ولا مما فضل بيده من ذلك وإنما يأخذون [ذلك] مما أفاده العبد بهبة أو صدقة أو وصية، فإن عتق العبد يوماً بما] أتبع بذلك، وكل دين لحق المأذون له في التجارة كان دينه فيما في يديه وفيما كسبه من التجارة دون خراجه وعمل يده، ويضرب فيه السيد بدينه.
1379 - وإذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء انفسخ النكاح واتبعته بمهرها(2/169)
كمن داين عبداً ثم اشتراه فإنه يتبعه بدينه، وإن اشترته قبل البناء فلا مهر لها.
قال سحنون: إلا أن يرى أنها وسيده اغتزيا فسخ نكاحه، فلا يجوز [ذلك] وتبقى الزوجة [له] ، إذ الطلاق بيد العبد فلا تخرج من عصمته بالضرر.
1380 - ولا يتزوج الرجل مكاتبته ولا أمته، ولا المرأة مكاتبها وهو عبد ما دام في حال الأداء. ولا بأس أن يرى شعرها إن كان وغداً وإلا فلا، وكذلك عبدها. وإذا كان لها فيه شريك فلا يرى شعرها وغداً كان أو غيره.
1381 - وللحر أن يتزوج من الإماء ما بينه وبين أربع إن خشي العنت، وكذلك للعبد، وإن لم يخش العنت، ولا يتزوج الرجل أمة ولده، وإن كان الأب عبداً وكأنها أمته إذ لو زنا بها لم يحد، وجائز أن يتزوج(2/170)
أمة والده أو أمة أخيه أو أمة زوجته إذ لو زنا بها حد، وذكر الولد يتزوج أمة والده ثم يبتاعها منه في كتاب أمهات الأولاد، ولا أحب للرجل أن يطأ أمة عبده ولا يزوجها إياه حتى ينتزعها قبل ذلك، فإن وطئها هو أو زوجها من عبده قبل أن ينتزعها مضى ذلك وكان انتزاعاً.
1382 - ولا ينكح حر أمة على حرة، فإن فعل جاز وخيرت الحرة في أن تقيم معه أو تختار نفسها، ولا تقضي إلا بواحدة وتكون بائنة، بخلاف خيار المعتقة فإن رضيت بالمقام سوى بينهما في القسم، ورأى ابن المسيب: أن للحرة الثلثين.(2/171)
قال ابن القاسم: وكذلك لها الخيار إن تزوج عليها أمة أخرى.
1383 - ولا بأس بنكاح حرة على أمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت وإن كانتا أمتين فعلمت بواحدة فلها الخيار بعد علمها بالأخرى فإن رضيت فلها ثلث القسم.
قال مالك: وإنما جعلنا لها الخيار لما قالت العلماء ولولا ذلك لأجزته، لأنه حلال في كتاب الله، وروى ابن القاسم وابن وهب وعلي عن مالك أنه لا ينبغي للحر أن يتزوج أمة وهو يجد طولاً لحرة، ولا في عدم الطول إلا أن يخشى العنت.
وقال غيره: لا يتزوجها على حرة ولا على أمة [ولا على أم ولد] ، وليس عنده شيء إلا في عدم الطول وخوف العنت.
قال مالك: والطول المال وليست الحرة تحته بطول تمنعه نكاح أمة إذا خشي العنت. قيل: فإن لم يخش العنت وتزوج أمة؟، قال: كان مالك مرة يقول:(2/172)
ليس له أن يتزوجها إذا لم يخش العنت، وكان يقول: إن كانت تحته حرة فلا يتزوج أمة، فإن فعل وتزوجها على حرة فرق بينه وبين الأمة، ثم رجع فقال: تخيّر الحرة.
1384 - وإذا نكح عبد حرة على أمة، أو أمة على حرة فلا خيار للحرة، إذ الأمة من نسائه، ويقسم العبد بين الحرة والأمة بالسوية، وللمكاتب العبد التسري في ماله بغير إذن السيد، ولا يتزوج مكاتب ولا مكاتبة بغير إذن السيد لرجاء فضل أو غيره، لأن ذلك يعيبهما إذا عجزا، فإن فعلا فللسيد فسخه.
1385 - ومن تزوج امرأة أخبرته أنها حرة ثم علم قبل البناء أنها أمة أذن لها السيد أن تستخلف رجلاً على إنكاحها، فللزوج الفراق ولا صداق لها، وإن كان [قد] بنى بها فلها المسمى، إلا أن يزيد على صداق المثل فلترد ما زاد، [فإن(2/173)
شاء رد] وإن شاء أمسك ولها المسمى، وللسيد في الوجهين على الأب قيمة الولد يوم الحكم، ولا شيء على الأب فيمن مات منهم قبل ذلك، ومن قتل من ولدها فأخذ الأب فيه دية حر، ثم استُحقّت الأم فعليه الأقل من قيمته يوم القتل عبداً، أو ما أخذ في ديته، وإن استُحقت وفي بطنها جنين فعلى الأب قيمته من يوم الوضع وهو حر، ولو ضرب رجل بطنها قبل الاستحقاق أو بعده فألقت جنيناً ميتاً فللأب عليه غرة عبد أو وليدة، لأنه حر، ثم للمستحق على الأب الأقل من ذلك أو من عشر قيمة أمه يوم ضربت، وولدها لاحق النسب، له حكم الحر في النفس والجراح وفي الغرة قبل الاستحقاق وبعده، وإن استحقت الأمة بعد موت زوجها ولم يدع مالاً أو كان زوجها حياً وهو عديم وله منها ولد موسر، فللمستحق على الولد قيمته، وإن كان عديماً فذلك عليه إن أيسر، وقد قيل: لا شيء على الولد، وهذا في كتاب الاستحقاق مستوعب، ولو استحق الأمة عم الولد أخذ قيمتهم، إذ لا يعتق عليه ابن أخيه، ولو كان جدهم(2/174)
لم يأخذ قيمتهم ولا شيء له من ولائهم، لأنهم أحرار وإنما أخذت القيمة فيهم بالسنة.
1386 - ولو غرت أمة الأب ولده فتزوجها فولدت منه ثم استحقها الأب، فلا شيء له من قيمة ولدها إذ لو ملكهم عتقوا عليه، وكذلك إن غرت أمة الولد والده [فتزوجها فولدت منه] .
1387 - ولو كانت الغارّة أم ولد فلمستحقها قيمة الولد على أبيهم على رجاء العتق لهم بموت سيد أمهم، ولو مات سيد [أمهم] قبل القضاء بقيمتهم لم يكن لورثته من قيمة الولد شيء، لأنهم بموت السيد عتقوا، وإن ألفاهم السيد قُتلوا فللأب دية أحرار وعليه الأقل مما أخذ أو من قيمتهم يوم قتلوا.
1388 - وإن غرت مدبرة ففي ولدها القيمة على الرجاء أن يعتقوا [أو يرقوا] بخلاف بولد] أم الولد. وإن كانت مكاتبة [غرت من نفسها فولدت فلا شيء لمولاها(2/175)
على أبي الولد، لأنهم إن أعتقت أمهم عتقوا بعنقها، لأنهم في كتابتها إلا أن تعجز فترجع رقيقاً، فتلزم الأب قيمة الولد، ولكن تؤخذ من الأب قيمتهم فتوضع تلك القيمة على يدي رجل] ، فإن عجزت أخذها السيد، وإن أدت رجعت القيمة إلى ألب، وإن غرت الأمة عبداً [أخبرته] أنها حرة فتزوجها، فولدها رق لربها، إذ لا بد من رقه مع أحد الأبوين، ولا يغرم العبد قيمتهم.
1388 - ومن قال لرجل: فلانة حرة، ثم زوجها إياه غيره فلا رجوع للزوج على المخبر، علم أنها أمة أم لا، وكذلك إن ولي المخبر العقد ولم يعلم أنها أمة، فإن [كان] وليها عالماً رجع الزوج عليه بما أدى من الصداق، ولا يرجع عليه بما يغرم من قيمة الولد إذ لم يغره من ولد. ولو أنه إذ غره عالماً وولي العقد أعلمه أنه غير ولي لها لم يرجع عليه الزوج بشيء.
ولو غر عبد حرة فتزوجته على أنه حر، فإن أجاز السيد نكاحه فلها الخيار ما لم تدعه يطؤها بعد علمها به، فإن كرهته فرق السلطان بينهما، إلا أن يتطوع الزوج بالفراق دونه فليزم. (1)
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/288) ، والفواكه الدواني (2/39) ، ومواهب الجليل (3/538) ، ومنح الجليل (3/379) ، والمدونة الكبرى (2/215) .(2/176)
1389 -[قال مالك:] وترد النساء من العيوب الأربعة، الجنون والجذام والبرص وعيب الفرج، ولا صداق لها إن لم يبن بها، وإن بنى بها فلها الصداق، ويرجع به الزوج على وليها إن كان الذي أنكحها أب أو أخ أو من يرى أنه يعلم ذلك منها، ثم لا يرجع به الأب عليها، وإن كان الذي أنكحها ابن عم أو مولى أو السلطان أو من لا يظن به علم ذلك فلا شيء عليه، وترد المرأة ما أخذت إلا ربع دينار. قال ربيعة: فإن وطئها بعد العلم بدائها فقد وجبت له.
قال ابن المسيب: وإن كان بالزوج جنون أو ضرر فالمرأة مخيرة بين أن تقيم(2/177)
أو تفارق. قال مالك: وأرى الضرر الذي أراد ابن المسيب هذه الأشياء التي ترد بها المرأة.
1390 - ولا ترد إذا وجدت عمياء أو عوراء أو مقعدة أو قطعاء أو شلاء أو سوداء أو قد ولدت من زنا، ولا من شيء سوى العيوب الأربعة، إلا أن يشترط السلامة مما ذكرنا ثم يجد ذلك بها فلا صداق لها إن لم يبن بها، فإن بنى بها فلها المهر، ويرجع به على الولي الذي شرط له ذلك، وما عرف أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج ردت به، وإن جامع معه، وقد تجامع المجنونة.
1391 - ومن تزوج امرأة فإذا هي لِغيّة (1) ، فإن زوجوه على نسب فله ردها وإلا لزمته، فإن ردها فلا صداق عليه إن لم يكن بنى بها، وإن بنى بها فعليه صداقها، ويرجع به على من غره، وإن كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار وردت ما بقي.
1392 - وإن انتسب لها فألفته لِغيّة خيرت بين أن تقبله أو ترده. ومن غر من وليته فزوجها في عدة ودخلت، فسخ النكاح، وضمن الولي الصداق كله، ولو كانت هي الغارة ترك لها ربع دينار، وردت الباقي.
_________
(1) أي لغير نكاح، وانظر: شرح الزرقاني (3/401) ، والتاج والإكليل (3/486) ، ومواهب الجليل (2/501) ، ومنح الجليل (3/408) .(2/178)
1393 -[قال مالك:] وإن كان الرجل مجبوباً أو خصياً فلم تعلم المرأة فلها أن تقيم أو تفارق بواحدة بائنة لا بأكثر منها، ويتوارثان قبل أن تختار فراقه، فإن فارقته بعد أن دخل بها فعليها العدو إن كان يطؤها، وإن كان لا يطؤها [فلا عدة عليها] .
قيل [لابن القاسم] فإن كان مجبوب [الذكر] قائم الخصا، قال: إن كان يولد لمثله فعليها العدة ويسأل عن ذلك، [فإن كان] يحمل لمثله لزمه الولد وإلا لم يلزمه ولا يلحق به، وإن علمت به حين تزوجته أنه مجبوب أو خصي، أو عنين لا يأتي النساء أصلاً، أو أخبرها [بذلك] ، فلا كلام لها، وإن لم تعلم بذلك في العقد ثم علمت به [بعد العقد] وتركته وأمكنته من نفسها، فلا كلام(2/179)
لامرأة الخصي والمجبوب، وأما العنين فلها أن ترافعه، ويؤجل سنة، لأنها تقول: تركته لرجاء علاج أو غيره، إلا أن تتزوجه وهي تعلم ما به - كما وصفنا - فلا كلام لها بعد ذلك.
* * *(2/180)
(كتاب النكاح الثاني)
1394 -[قال ابن القاسم:] ولا يجوز نكاح وبيع في صفقة [واحدة] ، مثل: أن يتزوجها بعبد على أن أعطته داراً أو مالاً، أو بمال على أن تعطيه عبداً بثمن مسمى، ويفسخ ذلك قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل.
وقال غيره: إن بقي مما يعطي الزوج ربع دينار فصاعداً جاز النكاح.(2/181)
1395 - ومن نكح على عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو بما في بطن أمته، أو بما تلد غنمه، أو بثمرة أو زرع لم يبد صلاحهما، أو على دار فلان، أو على أن يشتريها لها، فسخ النكاح في ذلك كله قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل وترد ما قبضت من آبق أو شارد أو غيره. وما هلك بيدها ضمنته، ولا تضمنه قبل قبضه، وتكون مصيبته من الزوج، وما قبضته ثم تغير في يديها في بدن أو سوق فقد فات، وترد قيمة ما يقوم يوم قبضته، وترد مثل ماله مثل إن زالت عينه أو تغيرت، وكذلك في فسخ ما عقد على خمر أو خنزير، أو إجازته في كل ما فساده في صداقه، وكذلك إن تزوجها على دار أو أرض أو غنم، كل ذلك غائب، فإن وصفه جاز، وإن لم يصفه فسخ النكاح قبل البناء، وثبت بعده ولها صداق المثل.
وإن تزوجها أو ابتاع سلعة بدراهم بعينها غائبة لم يجز، إلا أن يشترط [أن] عليه بدلها إن تلفت، ولو حضرت الدراهم ونقدها إياها جاز كالبيع، فإن استحقت كان عليه بدلها ويتم النكاح والبيع.(2/182)
1396 - ومن نكح على بيت أو خادم ولم يصف ذلك جاز، و [كان] لها خادم وسط، والبيت، فإن كانت من الأعراب فلهم بيوت [قد عرفوها] ، فإن نكح على بيت من بيوت الحضر أو على شوار بيت (1) ، جاز [ذلك] إن كان معروفاً، وشورة الخضر لا تشبه شورة البادية. وإن نكح على مائة بعير أو شاة أو بقرة ولم يصف، جاز وعليه الوسط من الأسنان، وكذلك على عبد بغير عينه ولم يصفه ولا ضرب له أجلاً، جاز ذلك وكان لها عبد وسط حال، وليس للزوج دفع قيمته إلا أن ترضى المرأة، وكذلك على عرض موصوف ليس بعينه، أو بمائة دينار ولم يضرب لذلك أجلاً فالنكاح جائز، ويكون ذلك كله نقداً، وكذلك الخلع.
1397 - ومن نكح على قلال خل بأعيانها فوجدتها خمراً، فهي كمن تزوجت على
_________
(1) هو متاع البيت، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/250) ، والمدونة الكبرى (7/188) ، والتاج والإكليل (3/500) .(2/183)
مهر فأصابت به عيباً، فلها رده وترجع بمثله إن كان يوجد مثله، أو بقيمته إن كان لا يوجد مثله.
1398 - وإذا أخذت المرأة رهناً بصداق مسمى أو بصداق مثلها فهلك بيدها ضمنت ما غابت عليه ولم تضمن ما لا يغاب عليه، وإن أصدقها شقصاً ففيه الشفعة بقيمته، وإن أظهرا مهراً وأسرا دونه أخذ بما أسرا إن شهد به عدول.
1399 - ومن نكح امرأة بألف درهم على أنه إن كانت له امرأة أخرى فصداقها ألفان لم يجز كالبعير الشارد، وإن نكحها بألفين فوضعت عنه في عقد النكاح ألفاً على أنه لا يخرجها من بلدها، أو نكحها بألف على أنه إن أخرجها من بلدها فمهرها ألفان، فله أن يخرجها وليس لها إلا الألف، وهو كالقائل لزوجته: إن أخرجتك من [هذه] الدار فلك ألف، فله أن يخرجها بغير شيء، حتى(2/184)
لو انعقد عليه النكاح بألف ثم حطته بعد ذلك نصفها على أن لا يخرج بها أو لا يتزوج عليها أو نحوه ففعل ذلك، فلها الرجوع بما جعلت له إن فعل شيئاً، وله أن يفعله.
قال علي بن زياد: إن حطته [امرأة] في العقد من صداق مثلها لما شرطت عليه، لزمه ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً، وإن كانت الحطيطة مما ناف على صداق المثل، لم يلزمه [ما حطت إن فعل من ذلك شيئاً] ، ورواه ابن نافع عن مالك.
1400 - وإن نكحت على عبد بعينه فألفته معيباً [فردته] أو استحق [رجعت] على الزوج بقيمته، فإن فات المعيب عندها رجعت [على(2/185)
الزوج] بقيمة عيبه، وإن حدث به عندها عيب مفسد فلها رده وما نقصه [وأخذ قيمته، أو حبسه] وأخذ قيمة العيب القديم، وكذلك الزوج في الخلع. وإن نكحت على أمة فألفتها ذات زوج، فذلك عيب ولها ردها وأخذ قيمتها.
1401 - ومن زوج ابنته وضمن لها الصداق في عقد النكاح أخذته به ولا يرجع به الأب على الزوج، فإن مات الأب أخذته البنت من رأس ماله، فإن لم يترك شيئاً فلا شيء لها على الزوج، إلا أن يكون لم يدخل بها فلا سبيل له إليها إلا بدفع الصداق. وكذلك ذو القدر يزوج رجلاً ويضمن صداقه فلا يتبعه بشيء منه، لأنه بمعنى الحِمْل وليست هذه الوجوه كحمالة الديون. وكذلك من قال لرجل: بع من فلان فرسك والثمن لك علي، فباعه، ثم هلك الضامن كان ذلك في ماله، فإن لم يدع شيئاً فلا شيء على المبتاع. وكذلك من وهب لرجل مالاً فلم يدفعه إليه حتى قال لرجل: بعه فرسك بالذي وهبت له وأنا ضامن له حتى أدفعه إليك، فقبض الرجل الفرس وأشهد على الواهب بالثمن فإن هذا يثبت للبائع على الواهب، فإن لم يقبض البائع الثمن حتى مات الواهب ولم يدع مالاً فلا يرجع البائع على الموهوب له بشيء من ثمن الفرس.(2/186)
1402 - ومن زوج ابنه الصغير ولا مال للابن فالصداق على الأب، فإن مات الأب أخذته المرأة من ماله، ولا يحاسب به الابن، ويدفع إليه ميراثه كاملاً مما بقي، وإن كان على الأب دين فقام عليه الغرماء كان للمرأة أن تحاصهم بصداقها، وإن ضمن الأب صداق ابنه البالغ ودفعه عنه ثم طلق الابن قبل البناء رجع نصف الصداق إلى الأب، ولو لم يدفعه الأب رجعت عليه المرأة بنصف صداقها، ولا يرجع الأب على الابن بشيء مما أدى عنه، لأن هذه الوجوه ليست كحمالة الديون.
قال ربيعة: ومن زوج ابنه الصغير والابن مليء فعليه الصداق، وإن لم يكن ملياً فعلى الأب.
قال أبو الزناد: أو يجعله على الابن فيلزمه.
قال يحيى بن سعيد: من زوج ابنه صغيراً أو كبيراً، وليس له مال فالصداق على الأب عاش أو مات، وإن كان لواحد منهما مال فذلك عليه إلا أن يشترطه الأب على نفسه.(2/187)
1403 - قال ابن وهب عن مالك: وإذا كان الولد صغيراً ولا مال له فزوجه الأب بصداق عاجل، أو بعضه مؤجل فالصداق على الأب، ولا يلزم الابن منه شيء لا معجله ولا مؤجله وإن أيسر، ولا يرجع به عليه الأب.
قال مالك: ومن زوج ابنه الصغير في مرضه وضمن [عنه] صداقه، لم يجز الضمان وجاز النكاح، فإن شاء الابن البناء وهو كبير أدى الصداق، وإلا لم يلزمه وفارق، فإن كان صغيراً نظر له وليه أو وصيه في دفع الصداق وثبات النكاح أو فسخه، وإن طلبت ذلك الزوجة في مرض الأب لم يكن لها شيء في مال الأب.
1404 - وقال مالك فيما يضمن الأب عن ابنه في مرضه: لا يعجبني هذا النكاح.(2/188)
قال ابن القاسم: فإن صح الأب لزمه الضمان، وإن مرض بعد صحته [فقد لبث عليه الضمان] .
* * *
[في أقل الصداق وحكم النكاح بأقل منه وبغير صداق]
1405 -[قال ابن القاسم:] وأقل الصداق ربع دينار، فمن نكح بدرهمين أو بما يساويهما، فإما أتم لها ثلاثة دراهم وثبت النكاح، وإن أبى فسخ، إلا أن يدخل فيجبر على إتمامها، ولا يفسخ للاختلاف في إجازة هذا الصداق.
وقال غيره: يفسخ قبل البناء وإن أتم الزوج ربع دينار، ويفسخ أيضاً بعد البناء ولها صداق مثلها، [وهو] كمن تزوج بلا صداق.
قال ابن القاسم: وإن طلّق قبل البناء فلها نصف الدرهمين.
1406 - وإذا وهبت المرأة صداقها لزوجها بعد أن قبضته أو قبل، وهي جائزة الأمر،(2/189)
ثم طلقها قبل البناء فلا رجوع له عليها بشيء، ولو وهبته نصفه فله الربع عليها إن قبضته، أو لها عليها إن لم تقبضه، وكذلك في هبتها ستين من مائة وأربعين وقبضت الباقي، فإنما عليها نصف ما قبضت، وإن وهبت مهرها لأجنبي قبل قبضه وهي جائزة الأمر فإن حمله الثلث جاز، وإن جاوز الثلث بطل جميعه إلا أن يجيزه الزوج، فإن لم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت قبل البناء، فإن كانت موسرة يوم طلقها فللموهوب [له] أخذ الزوج به، [كان الصداق عيناً أو عرضاً] ، وللزوج الرجوع عليها بنصفه، وإن كانت يوم طلقها معسرة حبس الزوج نصفه ودفع نصفه إلى الموهوب له، ولو قبض الموهوب جميعه قبل الطلاق لم يرجع عليه الزوج بشيء، كانت الزوجة يوم الهبة معسرة أو موسرة، أو الآن، ويتبعها الزوج بنصفه.
وقال غيره: إذا كانت يوم الهبة موسرة ولم يقبضه الموهوب [له] حتى طلقت، لم ينظر إلى عسرها يوم الطلاق، وعلى الزوج دفع جميعه إلى الموهوب ومتابعتها بنصفه.(2/190)
1407 - وكل ما أصدق الرجل امرأته من حيوان أو غيره مما هو بعينه فقبضته أو لم تقبضه فحال سوقه أو نقص في بدنه أو نما أو توالد ثم طلقها قبل البناء، فللزوج نصف ما أدرك من هذه الأشياء يوم طلق على ما هو به من نقص أو نماء، ولا ينظر في هذا إلى قضاء قاض، لأنه كان في ذلك شريكاً لها، ألا ترى [أن] هذه الأشياء لو هلكت ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، ولو هلكت بيده كان له أن يدخل بها ولا صداق عليه.
1408 - ولو نكحها بعرض بعينه فضاع بيده ضمنه، إلا أن يعلم ذلك فيكون منها، وكذلك إن نكحها على حائط بعينه أو عبد بعينه ثم طلقها قبل البناء، كان ما أغلت الثمرة أو العبد بينهما، كان بيدها أو بيد الزوج، وللذي في يديه الحائط قدر سقيه وعلاجه في حصة الآخر. وكذلك الأمة تلد عند الزوج أو عندها أو كسبت مالاً أو أغلت غلة أو يوهب لها أو للعبد مال، فذلك كله إن طلقت المرأة قبل البناء بينهما، وكذلك ما أغل، أو تناسل من إبل أو بقر أو غنم، أو أثمر من شجر أو نخل أو كرم، فذلك كله بينهما، ومن استهلك من ذلك شيئاً ضمن حصة صاحبه، إلا أنه يقضي لمن أنفق منهما بنفقته التي أنفق(2/191)
نصف قيمته يوم العتق، ولا يرد العتق موسرة كانت أو معسرة، أنها إن كانت معسرة يوم العتق وقد علم الزوج، فترْكه ذلك رضى، ولو قام حينئذ رده إن شاء إن زاد على ثلثها، ولم يعتق منه شيء، فإن طلق قبل البناء فله نصفه. (1)
1409 - قال مالك: ويعتق عليها نصفه، وكذلك لو كان عبداً أصله لها فأعتقته كله ولا مال لها سواه فرد الزوج عتقها، ثم مات عنها أو طلقها، عتق الآن عليها جميعه، وكذلك ما رد من عتق مفلس ثم أيسر وهو بيده، قال مالك: يعتق عليه. قال ابن القاسم: وبلغني عن مالك أنه قال في الزوجة: يعتق عليها [إن مات زوجها أو طلقها] ، فلا أدري هل [يرى أن] يقضي [بذلك] عليها أم لا، والذي أرى أن لا يقضى عليها بعتقه، ولا ينبغي لها ملكه.
وإن نكحها بعبد فجنى عليه جناية ثم طلقها قبل البناء فأرش ذلك بينهما،
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/521) ، ومواهب الجليل (3/501) ، والتقييد (2/201) .(2/192)
فيه، ثم يكون له نصف ما بقي، وقد قيل: إن كل غلة أو ثمرة للمرأة خاصة بضمانها.
1410 - قال ابن القاسم: ولو قبضت ذلك المرأة ثم وهبته لأحد وهي جائزة الأمر، ثم طلقها الزوج قبل البناء، كان له [عليها] نصف قيمته يوم وهبته، نما عند الموهوب أو نقص.
وقال غيره: بل نصف قيمته يوم قبضته.
1411 -[قال ابن القاسم:] ولو نكحها بعبد بعينه فدفعه إليها فأعتقته، غرمت(2/193)
ولو جنى العبد وهو [بيد] المرأة، خيرت المرأة فإن فدته لم يأخذ منها الزوج نصفه، إلا أن يدفع إليها نصف ما فدته به، وإن أسلمته فلا شيء للزوج إلا أن تحابي فلا تجوز محاباتها على الزوج في نصفه، ولو جنى العبد وهو بيد الزوج فليس للزوج دفعه، وإنما ذلك للمرأة فإن طلقها قبل أن تدفعه وهو عنده أو عندها، كان بمنزلتها في نصفه.
1412 - ومن تزوج امرأة بألف درهم فاشترت منه بها داره، أو عبده، أو ما لا يصلح لجهازها، ثم طلقها قبل البناء، فإنما له نصف ذلك نما أو نقص، وهو بمنزلة ما أصدقها إياه. ولو اشترت ذلك من غيره رجع عليها إذا طلقها بنصف الألف درهم، وكان ضمان ذلك منها إلا أن يكون ما اشترت من غير الزوج مما يصلح لجهازها، مثل خادم وعطر [وثياب] وفرش [وأسرّة] ووسائد وكسوة ونحوه، فليس للزوج إذا طلقها إلا نصف ذلك.
1413 - قال ابن وهب عن مالك: وليس للمرأة أن تحبس ذلك، وتدفع إلى الزوج نصف ما نقدها عيناً، لأنه كان لذلك ضامناً إلا أن يرضى.(2/194)
1414 - وإن تزوجها على عبد بعينه أو أمة بعينها أو دار بعينها فاستحق بعض ذلك، فإن كان الذي استحق من الدار فيه ضرر، كان لها أن ترد بقيتها وتأخذ قيمتها وتحبس ما بقي وترجع بقيمة ما [استحق] ، وإن استحق منها مثل البيت أو الشيء التافه الذي لا ضرر فيه رجعت بقيمته فقط، وكذلك العروض، فأما ما يستحق من العبد أو الأمة من جزء قلّ أو كثر، فلها أن ترد بقيته وترجع بقيمة جميعه، أو تحبس ما بقي منه وترجع بقيمة ما استحق، ولو كان جماعة رقيق أو جملة ثياب فاستحق بعضها فمحمل ذلك محمل البيوع.
1415 - وإن تزوجها على مسمى ثم زادها فيه بعد ذلك طوعاً ولم تقبضه حتى مات أو طلق قبل البناء فلها نصف الزيادة إن طلق، ولا تأخذه إن مات، لأنها عطية لم تقبض.
1416 -[قال مالك:] ومن تزوج امرأة على من يعتق عليها عتق عليها بالعقد،(2/195)
فإن طلقها قبل البناء رجع عليها بنصف قيمته معسرة كانت أو موسرة، ولا يتبع العبد بشيء ولا يرد عتقه كمعسر أعتق بعلم غريمه فلم ينكر، والزوج حين أصدقها إياه قد علم أنه يعتق عليها فلذلك لم أدره على العبد بشيء. وقد بلغني عن مالك أنه استحسن ألا يرجع الزوج على المرأة بشيء، وقوله الأول أحب إلي.
1417 -[قال مالك:] وإذا أسلمت الكتابية أو المجوسية ولم يسلم الزوج فهو فسخ بغير طلاق، فإن لم يبن بها فلا صداق لها نقداً ولا مؤخراً، وإن قبضته ردته، لأن الفرقة [جاءت] من قبلها، ولو بنى بها كان لها جميعه، وكذلك الأمة تعتق تحت عبد فتختار نفسها مثلها سواء، إلا في الفسخ فإنه بطلاق.
1418 - وصداق الأمة [التي] نصفها حر، موقوف بيدها كمالها، ويلي عقد(2/196)
نكاحها من له فيها الرق برضاها. ومن تزوج أمة ثم ابتاعها من سيدها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله.
وإن ابتاعها بعد البناء فالصداق لسيدها البائع كمالها، إلا أن يشترطه المبتاع، [وإن ابتاعها غير الزوج فمهرها للسيد البائع بنى بها الزوج أم لا، إذ النكاح قائم [بمنزلة مالها] ، إلا أن يشترطه المبتاع] .
1419 - قال مالك: وإن عتقت أمة تحت عبد بعد البناء فاختارت نفسها، فلها مهرها كمالها إلا أن يشترطه السيد، وكذلك إن لم يبن بها فاختارت المقام مع الزوج، وقد كان الزوج [قد] فرض لها العتق فمهرها لها يتبعها إذا عتقت، إلا أن يكون سيدها أخذه قبل العتق أو اشترطه فيكون له، فإن اختارت هذه نفسها قبل البناء فلا صداق لها، وإن قبضه السيد رده، لأن الفسخ من قبله.
ولو زوجها السيد بتفويض ففرض لها الزوج بعد العتق، فهو لها ولا سبيل للسيد عليه، إذ لم يكن ذلك بمال لها فيشترطه، وإذ لو مات الزوج أو طلق قبل الفريضة لم يكن لها شيء. ومن زوج أمته فله منعها من الزوج حتى يقبض صداقها.(2/197)
1420 - قال بكير وغيره: وللسيد أخذ صداقها إلا قدر ما تحل به، وله أن يضع منه بغير إذنها.
1421 -[والمرتدة إذا دخل بها زوجها قبل أن تستتاب، أو يسلم أحد الزوجين المجوسيين بعد البناء، فيفرق بينهما، فللمرأة صداقها المسمى كاملاً. وكذلك من زوج أمته وشرط أن ما ولدت فهو حر، لم يقر هذا النكاح ويكون لها إن دخل بها المسمى] .
1422 - ونكاح التفويض جائز، وهو أن يعقداه ولا يسميان صداقاً، فإن بنى بها فلها صداق مثلها، وليس كصداق أختها أو ذات رحمها، ولكن مثلها في المال والجمال والحال، وينظر ناحية الرجل فقد يُزوج فقير لقرابته، وأجنبي لماله، فليس صداقهما سواء. (1)
1423 - وليس للزوج البناء حتى يفرض، فإن فرض اقل من صداق المثل لم يلزمها إلا أن
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/89) ، حاشية الدسوقي (2/314) ، والتاج والإكليل (3/514) ، والفواكه الدواني (2/24) ، والشرح الكبير (2/314) ، ومواهب الجليل (3/514) .(2/198)
ترضى وإلا أتمه أو طلق، فإن رضيا بالأقل ثم طلق أو مات أحدهما كان ما رضياه صداقاً ماضياً، وإن فرض لها في مرضه لم يجز إلا أن يطأها في مرضه فيجوز ذلك، ويكون ما سمى من رأس ماله ما لم يزد على المثل فيرد ما زاد.
وإذا رضيت ثيب بأقل من صداق مثلها لزمها ولا قول لوليها.
1424 - قال مالك: وإذا زوج البكر أبوها بتفويض ثم فرض لها الزوج بعد ذلك أقل من صداق مثلها فرضيت، لم يكن لها ذلك إلا أن يرضى الأب بذلك فيجوز، ولا ينظر إلى رضاها مع الأب. وإن زوجها غير الأب فرضيت بعد ذلك وأباه الولي لم يجز رضاها، والرضى إلى الولي، [ولو رضيه الولي] ما جاز أيضاً.
1425 - قال ابن القاسم: إلا أن يكون [ذلك] نظراً لها، مثل أن يعسر الزوج ويسأل التخفيف، ويخاف الولي الفراق ويرى أن مثله رغبة لها فيجوز ذلك إذا رضيت، وما كان على غير هذا لم يجز وإن أجازه الولي، ولو فرض [لها] الزوج صداق المثل لزم ذلك المرأة والولي، ولا قول لمن أباه منهما.
وإن فرض الزوج بعد عقد النكاح قبل المسيس أو بعده ما رضيت به المرأة وهي ممن يجوز أمرها، أو رضي به الولي وهي بكر والولي ممن يجوز أمره عليها وهو(2/199)
الأب في ابنته البكر، فذلك جائز، ويكون صداقها هذا الذي تراضيا عليه، ولا يكون صداق مثلها.
[قال غيره: إلا أن يدخل بها [الزوج] ، فلا ينقص المولى عليها أب أو وصي من صداق مثلها] .
1426 - قال ابن القاسم: وإذا كان ولي البكر ممن لا يجوز أمره عليها، فلا يجوز رضاها بأقل من صداق مثلها، ولا يجوز ما وضعت للزوج بعد الطلاق قبل البناء من النصف الذي وجب لها، وإنما [يجوز] ذلك للأب وحده، وقد قيل: إذا رضيت بذلك أو وضعت عن الزوج ما وجب لها بعد الطلاق جاز، إذ لا يولى عليها، وإنما لا يجوز ذلك لمن يولى عليها [بأب] أو وصي.
1427 - قال مالك: [ومن نكح ولم يفرض صداقاً جاز، وفرض صداق المثل(2/200)
إن بنى] ، ولا يجب صداق المثل في نكاح التفويض إلا بالبناء، إذ لو مات قبل البناء والتسمية لم يكن لها صداق ولا متعة، ولها الميراث، ولو طلق لم يكن لها غير المتعة فقط.
1428 -[ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاط أو موهوب فسخ قبل البناء، ويثبت بعده، ولها صداق المثل] .
1429 - قال ابن القاسم: وليس للموهوبة إذا لم يسموا معها صداقاً كالتفويض، وكأنه قال في الهبة: قد زوجتكها بلا صداق فهذا لا يصلح، ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده ولها صداق المثل.
قال سحنون: وقد كان قال: يفسخ وإن دخل.
وقال ابن شهاب في التي وهبت نفسها لرجل فمسها: فعليهما العقوبة ولها صداق المثل من أجل ما يرى بهما من الجهالة ويفرق بينهما] .
قال ابن القاسم: ومن نكح بغير صداق فإن كان على إسقاطه، فسخ قبل البناء(2/201)
وثبت بعده ولها صداق المثل، [قال ابن القاسم:] وهذا الذي أستحسن، وقد بلغني ذلك عن مالك، وقيل: يفسخ وإن دخلا.
قال ابن القاسم: وإن لم يذكرا الصداق ولا شرطا إسقاطه، فذلك تفويض جائز.
1430 - وإذا اختلف الزوجان في الصداق بعد الطلاق وقبل البناء، فالقول قول الزوج مع(2/202)
يمينه، فإن نكل حلفت وأخذت ما تدعي، وكذلك إن ماتت قبل البناء وادعى ورثتها تسمية، وادعى الزوج تفويضاً، فالقول قوله مع يمينه، وله الميراث. وإن اختلفا في الصداق قبل البناء من غير موت ولا طلاق فادعت المرأة أكثر مما أقر به الزوج، فالقول قولها [مع يمينها] ، ويخير الزوج في إتمام ما ادعته وإلا تحالفا وفسخ النكاح ولا صداق لها، وأما بعد البناء فالقول قول الزوج مع يمينه، لأنها أمكنته من نفسها [فصارت مدعية وهو مقر لها بدين، فالقول قوله مع يمينه] ، وإن ادعى الزوج أنه دفع الصداق وأنكرت الزوجة، أو مات الزوج فادعت الزوجة أنها لم تقبض صداقها، أو مات الزوجان وتداعى ورثتهما [في] دفع الصداق فلا قول للمدخول بها ولا لورثتها، وإن لم يدخل بها صدقت هي أو ورثتها. وإن قال ورثة الزوج في المدخول بها قد دفعه، أو قالوا: لا علم لنا، فلا شيء عليهم، وإن ادعى ورثتها العلم عليهم حلفوا أنهم لا يعلمون أن الزوج لم يدفع الصداق، ولا يمين على غائب، ومن يُعلم أنه لا علم عنده.
1431 - وإن نكح على نقد [معجل] ومؤجل فادعى بعد البناء أنه دفع المؤجل وأكذبته، فإن بنى بها بعد الأجل صدق، وإن بنى بها قبل الأجل صدقت، كان المؤجل عيناً أو حيواناً [مضموناً] ، مع الأيمان فيما ذكرنا.
1432 - ومن وهب ابنته لرجل لم يجز، إلا أن تكون هبته إياها ليس على نكاح،(2/203)
لكن على وجه الحضانة، أو ليكفلها له، فيجوز، ولا قول لأمها إن فعل ذلك نظراً لحاجة وفقر، وإن وهبها بصداق مسمى وأريد به النكاح جاز، وكذلك واهب السلعة على ثمن مسمى فذلك بيع.
1433 - ومن تزوج امرأة على حكمه أو حكمها أو حكم فلان جاز، فإن وقع الرضى بالحكم فيه وإلا فسخ ولا شيء لها، ويلزم المرأة النكاح إن فرض لها الزوج قبل البناء صداق المثل كالتفويض، وكان ابن القاسم يكره هذا النكاح حتى بلغه أنه قول مالك فأخذ به وأجازه.
وقال غيره: ما قال ابن القاسم أول قوله أنه لا يجوز ويفسخ ما لم يفت بدخول، لأنه خرج عن حد ما أرخص فيه من التفويض.
1434 - قال ابن القاسم: وإن بنى بها في نكاح التحكيم قضى لها بصداق المثل، والنكاح ثابت. (1)
1435 - وكل ما فسد لصداقه كالنكاح بالآبق والشارد وفسخ قبل البناء، فلا صداق
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/515) ، والفواكه الدواني (2/25) ، والتاج والإكليل (3/515) .(2/204)
[لها] فيه ولا متعة، وكذلك إن لم يفسخ حتى طلقها قبل البناء فلا متعة عليه، ويلزم فيه الطلاق والخلع قبل الفسخ بما أخذ للاختلاف فيه ويتوارثان فيه. وإن طلقها فيه ثلاثاً لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك كل ما يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، والذي يتزوج بغير ولي مثل ذلك، لأن مالكاً وقف في فسخه بعد البناء.
1436 - قال سحنون: وقد كان قال لي: كل نكاح كانا مغلوبين على فسخه [فهو فسخ بغير طلاق، ولا ميراث فيه] ويرد فيه الخلع، وترجع عليه بما أخذ منها، [لأنها كانت أملك بفراقه] ، وقد بينا اختلاف قوله في هذا في كتاب [النكاح] الأول، وفيه ذكر العبد يتزوج بغير إذن سيده.(2/205)
1437 -[قال مالك:] ولا يجوز نكاح المريض والمريضة، ويفسخ وإن دخلا، وإن بنى بها وهي مريضة ثم ماتت، فلها الصداق ولا يرثها.
1438 - قال مالك: وإن بنى [بها] المريض كان صداقها في ثلثه مبدأ على الوصايا والعتق ولا ترثه، قال مالك: وإن صحّا ثبت النكاح، دخلا أو لم يدخلا، ولها المسمى، وكان يقول: لا يثبت وإن صحا، ثم عرضته عليه فقال: امحه، وأرى إذا صحا أن يثبت النكاح، وإن فسخ قبل البناء فلا صداق لها ولا ميراث. (1)
_________
(1) انظر المدونة الكبرى (4/246) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/132) ، ومواهب الجليل (2/210) ، والتاج والإكليل (3/450) .(2/206)
1439 - قلت: فمن اشترى جارية أو أراد شراءها أو خطب الحرة، فقال [له] أبوه: قد نكحت الحرة ووطئت الأمة بشراء، فكذبه الابن، [قال: لم أسمع من مالك في هذا شيئاً، إلا أن مالكاً قال:] لا تجوز شهادة امرأة واحدة في الرضاع إلا أن يكون قد فشا وعرف، قال مالك: وأحب إلي أن لا ينكح وأن يتورع، ولا تجوز أيضاً شهادة امرأتين في الرضاع إلا أن يكون شيئاً قد فشا وعرف في(2/207)
الأهلين والمعارف والجيران، فتجوز حينئذ شهادتهما.
1440 - قال ابن القاسم: فشهادة الولد في مسألتك كشهادة المرأة في الرضاع، فلا يقبل قول الأب إلا أن يكون ذلك من قوله فاشياً قبل الشراء أو النكاح، وأرى له أن يتنزه عنها بغير قضاء، وكذلك الأم إذا لم يزل يسمعونها تقول: [قد] أرضعت فلانة، فلما كبرت أراد الابن تزويجها فلا يفعل.
1441 - وإذا تزوج أخوان أختين، فأدخلت على كل واحد [منهما] زوجة أخيه فوطئها، ردت كل واحدة إلى زوجها ولا يطؤها إلا بعد ثلاث حيض، وعلى العالمة منهما الحد ولا صداق لها، وإن قالت: لم أعلم، فلها صداق المثل على الواطئ: ويرجع هو به على من أغره.
1442 - ومن نكح أمة فليس له أن يتبوأ معها بيتاً، وتبقى في خدمة ساداتها، وليس(2/208)
للسادة منعه الوطء إذا أراده، ولا يضروا به، ويمنع هو من الضرر بهم، وللسيد بيعها وليس للمبتاع منع زوجها منها، وإن بيعت بموضع لا يصل إليها الزوج فله طلبها والخصومة إن منع منها، ويتبعه البائع بمهرها وبنصفه إن طلق قبل البناء.
1443 -[قال ابن القاسم:] ويحكم في الخنثى بمخرج البول في نكاحه وميراثه وشهادته وغير ذلك، وما اجترأنا على سؤال مالك عنه. ولا بأس أن ينكح الرجل امرأة كان زنى بها بعد الاستبراء، أو امرأة كان قذفها فحد لها أو لم يحد. (1)
1444 - وإذا ادعت امرأة نكاح رجل أو ادعاه هو عليها فلا يمين على المنكر، إذ لا يقضى بنكوله. وإذا ادعى رجلان امرأة، كل واحد منهما يدعي أنها زوجته وأقاما البينة، ولم يعلم الأول منهما، والمرأة مقرة بأحدهما أو بهما أو منكرة لهما، فإن عُدّلت البينتان فسخت نكاحيهما وكانت طلقة، ونكحت من
_________
(1) انظر: التقييد (2/219) .(2/209)
أحبت منهما أو من غيرهما، فإن كانت إحدى البينتين عادلة والأخرى غير عادلة قضيت بالعادلة.
قيل: فإن كانت واحدة أعدل من الأخرى وكلهم عدول؟ قال: يفسخان جميعاً بخلاف البيوع، لأن السلع لو ادعى رجل أنه ابتاع هذه السلعة من فلان وأقام بينة [عادلة] ، وادعى آخر أنه ابتاعها من فلان وأقام بينة، قضى بأعدل البينتين صدقهما البائع أو كذبهما.
1445 - وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه أو شيئاً منه فسد النكاح، وكان فسخاً بغير طلاق، ملكه بشراء أو ميراث أو صدقة أو وصية.
وإذا اشترت الأمة زوجها وهي غير مأذون لها فرد سيدها ذلك فهما على نكاحهما، ولا يطلق السيد على عبده بغير إذنه.
قال ابن نافع عن مالك: ومن زوج أمته من عبده ثم وهبها له، يغتزي فسخ النكاح وأن يحلها لنفسه أو لغيره، لم يجز، ولا تحرم بذلك على الزوج.(2/210)
1446 - ومن ملك من امرأته شقصاً ثم آلى منها أو ظاهر لم يلزمه الظهار إذ ليست بأمة تامة له ولا زوجة ويلزمه الإيلاء إن نكحها يوماً ما.
1447 - ومن ضمن صداق عبده ثم دفع السيد العبد إلى الزوجة في صداقها فرضيت، فسخ النكاح، فإن لم يكن بنى بها رجع العبد إلى سيده.
1448 - وللمرأة منع نفسها حتى تقبض صداقها، فإن أعسر به الزوج قبل البناء تلوم الإمام له وضرب له الأجل، ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، فإن لم يقدر عليه فرق بينهما وإن أجرى النفقة، وإن أعسر بعد البناء لم يفرق بينهما إذا أجرى النفقة واتبعته به ديناً، ولها أخذه بجميع المهر بعد تمام العقد، إن نكحها مثل نكاح الناس على النقد، فأما ما كان من مهر إلى موت أو فراق فإن هذا يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده ولها صداق المثل نقداً لا تأخير فيه، ولمالك قول [آخر] أن لها قيمة المؤجل، ولا يعجبني.(2/211)
1449 - ولا تلزم من لم يدخل نفقة حتى تُبتغى منه ويدعى إلى البناء، فحينئذ تلزمه النفقة والصداق، إلا أن يكون أحدهما لم يبلغ حد الجماع فلا يلزمه صداق ولا نفقة حتى يبلغا ذلك، وذلك في الصبي بالاحتلام، ولا يلزمه حتى يحتلم، وإن كان مثله يطأ، وهي أن تكون مثلها يوطأ. وإن دُعي الزوج إلى البناء وهي رتقاء خُيّر بين أن يقيم أو يفارق، فإن فارق فلا صداق لها إلا أن تعالج نفسها بأمر يوصل به إلى جماعها، ثم تدعوه إلى البناء فلها الصداق والنفقة، ولا تجبر على العلاج. ولو دعى الزوج إلى البناء، وهي لا يجامع مثلها من صغرها فلهم منعه إلى بلوغ ذلك، وقد قال مالك في التي شرطوا عليه أن لا يدخل بها إلى سنة إن كان لصغر أو لاستمتاع [أهلها] منها لتغربه بها، فذلك لازم وإلا بطل الشرط.
1450 - ومن دعته زوجته إلى البناء والنفقة وأحدهما مريض مرضاً لا يقدر معه على(2/212)
الجماع، لزمه أن ينفق أو يدخل، وإذا كانا صحيحين في العقد لم ينظر إلى ما حدث بهما من مرض، إلا أن يكون مرضاً بلغ حد السياق فلا يلزمه ذلك. والصداق أوجب من النفقة في هذه المسائل، لأن لها منع نفسها حتى تقبضه.
ولو تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع معه فدعته إلى البناء، قيل له: ادفع الصداق [وأنفق] وادخل أو طلق. ويباع على الرجل فيما يلزمه من نفقة امرأته عروضه وريعه إن لم يكن له عين.
1451 - وتلزم العبد نفقة امرأته حرة كانت أو أمة، وإن كانت الأمة تبيت عند أهلها، ونفقة زوجة العبد في ماله إن كان له مال، ولا نفقة لها من كسبه وعمله وذلك لسيده، فإن لم يجد غيره فرق بينهما إلا أن يتطوع السيد بالنفقة، ولا يباع [العبد] في نفقة زوجته، ولا تلزمه نفقة أولاده الأحرار ولا العبيد، ولا تجبر أم الولد على نفقة ولدها كالحرة، ونفقة ولد المكاتبة عليها إن كاتبت عليهم أو حدثوا في كتابتها، كان زوجها حراً أو عبداً أو كان في كتابة أخرى على حدة،(2/213)
ونفقتها هي على زوجها، وإن كانت مع الأب في كتابة فنفقة الولد على الأب حدثوا في الكتابة أو كاتب عليهم، وليس عجز المكاتب عن نفقة ولده الصغار كعجزه عن الكتابة والجنابة.
1452 - وإذا خاصمت المرأة زوجها في النفقة فرض لها شهراً بشهر، أو أقل أو أكثر بقدرها من قدره في عسره ويسره، ويجتهد الإمام في ذلك، فإن أعوزته النفقة وهما حران أو عبدان، أو أحدهما حر [والآخر عبد] ولم ترض الزوجة بالمقام معه فرق الإمام بينهما بعد التلومن ويختلف التلوم فيمن يرجى له ومن لا يرجى له، [وأمر عمر بن عبد العزيز أن يضرب للزوجة في التلوم في النفقة شهر أو شهران، وقاله سعيد بن المسيب، قالا: وإن لم ينفق عليها إلى ذلك الأجل فرق بينه وبينها، قيل لابن المسيب: يا ابا محمد أسنة هذا؟ فأقبل بوجهه كالمغضب، فقال: سنة سنة نعم سنة] ، قال مالك: وإذا [فرق(2/214)
الإمام بينهما ثم] أيسر الزوج في العدة ارتجع إن شاء، وإن لم يوسر فلا رجعة له.
1453 - ولا يؤخذ من الحاضر كفيل بالنفقة، ومن طلق وأراد سفراً فقالت له امرأته: [إني] أخاف حملاً فأقم لي بالنفقة حميلاً، لم يلزمه حميل إلا في حمل ظاهر، فإن ظهر بعد أن سافر اتبعته بما أنفقت إن كان في حال حملها موسراً، وكذلك لو أنفقت وهو حاضر ولم تطلبه كان لها اتباعه بما أنفقت في الحمل، وإن أراد الزوج سفراً فطلبته بالنفقة فرض لها بقدر ما يرى من إبعاده ومقامه، فيدفعه إليها أو يقيم لها به كفيلاً يجريه لها. ومن أقام مع امرأته سنين بعد البناء [بها] وهو مليء، فادعت أنه لم ينفق عليها فلها أخذه بها إن صدقها، وإن أنكر فالقول قوله ويحلف، وكذلك الغائب يقدم فيقول: كنت أبعث بالنفقة، فتكذبه، فالقول قوله مع يمينه، إلا أن تكون المرأة رفعت ذلك إلى السلطان وأشهدت واستعدت في غيبته،(2/215)
فمن يومئذ تلزمه النفقة إن كان ملياً ولا يقبل دعواه الإرسال بعد قيامها إلا أن يأتي بمخرج.
1454 - وما أنفقت على نفسها في [حال] حضرته أو غيبته وهو معدم فلا شيء لها، وإن أنفقت عليه في ذاته وهو حاضر مليء أو معدم، فلها اتباعه به إلا أن يرى أن ذلك بمعنى الصلة، وكذلك المنفق على أجنبي مدة، فله اتباعه به إلا أن يكون بمعنى الصلة والضيافة، ومن قضى له بذلك لم يأخذ ما أنفق من السرف كالدجاج والخرفان ونحوه، ولكن نفقة ليست بسرف.
1455 - ومن أنفق على صبي صغير لم يرجع عليه بشيء، إلا أن يكون للصبي مال حين أنفق عليه فيرجع بما أنفق عليه في ماله ذلك، فإن تلف المال وكبر الصبي فأفاد مالاً، لم يرجع عليه بشيء [إلا أن يكون للصبي مال] ، وإذا أنفق الوصي(2/216)
التركة على الطفل ثم طرأ دين على أبيه يغترقها ولم يعلم به الوصي، فلا شيء عليه ولا على الصبي وإن أيسر، وقال المخزومي: يتبع الصبي بما أنفق عليه.
1456 - وإن أنفقت [المرأة] على نفسها وعلى صغار ولده وأبكار بناته من مالها أو تسلفت والزوج غائب، فلها اتباعه بذلك إن كان في وقت نفقتها موسراً، وتضرب بما أنفقت على نفسها مع الغرماء، ولا تضرب معهم بما أنفقت على الولد.
1457 - وإذا قوي الرجل على نفقة امرأته دون صغار ولده منها لم تطلق عليه، إذ لا تلزمه النفقة على ولده إلا في يسره، ويكون الولد من فقراء المسلمين.
1458 - ومن كان له على امرأته دين وهي معسرة فلا يقاصّها به في نفقتها، وعليه أن ينفق عليها ويتبعها بدينه، وإن كانت ملية فله مقاصّتها بدينه في نفقتها.
1459 - وإذا فرض القاضي للزوجة ثم مات أو عزل، فادعت المرأة قدراً وادعى الزوج دونه فالقول قوله إذا أشبه نفقة مثلها، وإلا فقولها فيما يشبه، فإن لم يأتيا بما يشبه ابتدي لهما الفرض، وإن ادعت في ثوب أنها أخذته هدية، وقال الزوج: بل في فرضك، فالقول قوله إلا أن يكون الثوب لا يفرض مثله لمثلها، فالقول قولها.(2/217)
1460 - وإذا قبضت نفقة شهر فتلفت قبل الشهر أو أنفدتها أو تخرقت الكسوة أوسرقت قبل مدتها، فلا شيء على الزوج، وكذلك إن دفع إليها نفقة سنة عنها أو عن ولدها فقد ضمنتها بالقبض، وإن هلكت الزوجة أو هلك الولد قبل المدة رجع الزوج بما بقي في المحاسبة. ولا يفرض على الغائب النفقة لزوجته إلا أن يكون له مال يعدى فيه وتباع فيها عروضه وريعه إن لم يكن له عين، ولا يؤخذ منها بما تأخذ منه كفيل، ويقام الزوج على حجته إذا قدم، وهكذا يصنع فيه إذا أقيم عليه بدين وهو غائب. وإن كان للزوج ودائع وديون فرض للزوجة نفقتها في ذلك، ولها أن تقيم البينة على من جحد من غرمائه أن لزوجها عليهم ديناً، ويقضي عليهم بنفقتها، وكذلك لمن قام عليه بدين، وإذا لم يكن للزوج مال يعدى فيه فأنفقت من عندها حتى قدم، فإن كان في غيبته ملياً رجعت عليه وإلا فلا.
1461 - وإذا أسلم المجوسي فلا نفقة لزوجته المجوسية إذ لا تؤخر، إما أن تسلم وإلا فرق بينهما.(2/218)
قال يحيى بن سعيد: إذا وجد الفقير قواماً من الخبز والزيت وغليظ الثياب لم يفرق بينهما.
قال ربيعة: وأما الشملة والعباءة فلا، وليس عليه خادم إلا في يسره، ويتعاونان في الخدمة في عسره. (1)
1462 -[قال مالك:] والعنين الذي يؤجل هو المعترض عن امرأته - وإن أصاب غيرها من حرة أو أمة - يضرب له السلطان أجل سنة من يوم ترافعه، وقاله عمر وابن مسعود (2) ، فإن لم يصبها في الأجل فإما رضيت بالمقام وإلا فرق بينهما بتطليقة واعتدت ولا رجعة له، ولها جميع الصداق لطول المدة، قال مالك،
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/115) .
(2) رواه عبد الرزاق في المصنف (3/331، 332) .(2/219)
وقال قوم: لها نصفه، وأنا أرى لها نصفه إذا طلقها هو بقرب البناء، وإذا قال المعترض في الأجل: جامعتها، دُيّن وحلف، فإن نكل حلفت وفرق بينهما، فإن نكلت بقيت [له] زوجة، وتوقف فيها مالك مرة إذ نزلت [بالمدينة] ، وأفتى غيره بالمدينة أن تجعل الصفرة في قبلها، وقال ناس: يجعل النساء معها.
1463 -[قال ابن القاسم:] ومن تزوج امرأة فوطئها مرة واحدة في ذلك النكاح، ثم اعترض عنها أو حدث له ما منعه الوطء من علة أو زمانة فلا حجة لها، وقد تقدم(2/220)
في الجزء الأول ذكر امرأة الخصي والمجبوب والعنين، تعلم به فتتركه ثم ترافعه.
1464 - ويجوز ضرب ولاة المياه وصاحب الشرطة الأجل للعنين [والمعترض] والمفقود.
1465 - ومن تزوج امرأة فوصل إليها ثم طلقها ثم نكحها ثانية فاعترض عنها، فلها مرافعته وضرب الأجل.
1466 -[قال مالك:] وإذا حدث بالزوج جنون بعد النكاح عزل عنها وأجل سنة لعلاجه، فإن صح وإلا فرق بينهما، وقضى به عمر بن الخطاب.
وقال ربيعة: إن كان يؤذيها ولا يعفيها من نفسه لم تجلس عنده، وإن لم يرهقها بسوء صحبته لم يجز طلاقه إياها.
1467 - قال مالك: والأجذم البين الجذام يفرق بينه وبين امرأته إذا طلبت ذلك.
قال ابن القاسم: فإن كان ممن يرجى برؤه في العلاج وقدر على علاجه، فليضرب له الأجل.(2/221)
1468 - وإذا اختلف في متاع البيت زوجان عند طلاق أو خلع أو لعان أو فراق، بإيلاء أو غيره، أو ماتا أو أحدهما فاختلف الورثة، والزوجان حران أو عبدان، أو أحدهما عبد أو مكاتب والآخر حر، أو كان أحدهما مسلماً والآخر كافراً، فإن لم تقم بينة قضي للمرأة بما يعرف أنه للنساء، وللرجل بما يعرف [أنه] للرجال أو للرجال والنساء، لأن البيت بيته.
1469 - وما ولي الرجل شراءه من متاع النساء وأقام بذلك بينة أخذه بعد يمينه أنه ما اشتراه إلا لنفسه، إلا أن يكون لها أو لورثتها بينة أنه اشتراه لها. وما كان في البيت من متاع الرجل فأقامت المرأة فيه بينة أنها اشترته فهو لها، وورثتها في البينة واليمين بمنزلتها، إلا أنهم [إنما] يحلفون على علمهم أنهم لا يعلمون أن الزوج اشترى هذا المتاع الذي يدعي من متاع النساء، ولو كانت المرأة حلفت على البتات. وورثة الرجل بهذه المنزلة.(2/222)
والمتاع الذي يعرف للنساء هو مثل: الطست والتور والمنارة والقباب والحجال والأسرّة والفرش والوسائد والمرافق والبسط وجميع الحلي، إلا السيف والمنطقة وخاتم الفضة فإنه للرجل، وللرجل جميع الرقيق ذكراناً وإناثاً، وأما أصناف الماشية وما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير [فلمن حازها] .
1470 - ومن أقام بينة فيما يعرف للآخر كان له، ولا أبالي في هذا الاختلاف كانت رقبة الدار لأحدهما أو لغيرهما. وإن اختلفا في الدار بعينها كانت للرجل، وليس على المرأة من خدمتها وخدمة بيتها شيء.
1471 - والقسم بين الزوجات يوم بيوم لا أكثر، ويعدل في المبيت. وإن نكح بكراً أو ثيباً أقام عند البكر سبعاً وعند الثيب ثلاثاً. (1)
قال ابن القاسم: وذلك حق لهما لازم دون نسائه، ثم يأتنف القسم، وليس
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/268) ، والتاج والإكليل (4/9) ، ومواهب الجليل (3/477) ، ومختصر خليل (1/128) .(2/223)
ذلك بيد الزوج، وذكر أشهب عن مالك أن ذلك بيد الزوج.
1472 - وإن سافر لحاجة أو حج أو غزو، سافر بأيتهن شاء بغير قرعة إذا كان على غير ضرر ولا ميل، وإن كانت القرعة ففي الغزو، لما روي أن النبي ÷ فعله فيه. وإذا قدم ابتدأ القسم، ولا يقاص التي كانت معه، ولو سافرت إحداهن للحج أو لضيعتها وأقام الزوج، لم تحاسبه بما سافرت وابتدأ القسم. وإن تعمد المقام عند واحدة منهن شهراً حيفاً، لم يحاسب به وزجر عن ذلك وابتدأ العدل، فإن عاد نُكّل، كالعبد المعتق نصفه يأبق لا يحاسب بخدمة ما أبق فيه.(2/224)
1473 - وإذا رضيت امرأة بترك أيامها أو بالأثرة عليها على أن لا يطلقها جاز، ولها الرجوع متى شاءت، فإما عدل أو طلق، وقد قال الله تعالى: ×فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا% (النساء: 128) ، ولو شرط في عقد النكاح أن يؤثر عليها أو على أن لا مبيت لها فسخ قبل البناء وثبت بعده وبطل الشرط.
وليس عليه المساواة في الجماع [ولا بالقلب] .
1474 - ولا حرج عليه في أن ينشط للجماع في يوم هذه دون يوم الأخرى، إلا أن يفعل ذلك لضرر أن يكف عن هذه لوجود لذته في الأخرى، فلا يحل له ذلك.
1475 - ومن سرمد العبادة وترك الوطء، لم ينه عن تبتله، وقيل له: إما وطئت أو فارقت إن خاصمته، وكذلك إن ترك الجماع لغير ضرر ولا علة، إلا أن ترضى المرأة بالمقام على ذلك.
1476 - وقسم الحر والعبد بين نسائه المسلمات الحرائر والإماء الكتابيات سواء،(2/225)
والقسم بين صغيرة جومعت أو كبيرة، صحيحة [أو مجنونة] ، أو بإحداهن رتق أو داء أو مرض لا تجامع معه أو حيض، سواء، لكل واحدة منهن يومها.
1477 - ويقسم المريض بين نسائه بالعدل إن كان مرضاً يقدر أو يدور عليهن فيه، فإن لم يقدر أقام عند أيتهن شاء لإفاقته ما لم يكن حيفاً، فإذا صح ابتدأ القسم.
1478 - وليس لأم ولد مع حرة قسم، وجائز أن يقيم عند أم ولده ما شاء ما لم يضار.
والمجبوب ومن لا يقدر على الجماع يقسم من نفسه بالعدل إذ له أن يتزوج. (1)
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (4/206) .(2/226)
(كتاب النكاح الثالث)
1479 - ولابأس أن يتزوج الرجل امرأتين في عقدة واحدة إذا سمى لكل واحدة صداقها، وإن أجملهما في صداق [واحد] لم يجز. قيل: فما لهما إن مات أو طلق قبل البناء. قال: نكاحهما غير جائز.
1480 - وإذا نكح أمة وحرة في عقدة وسمى صداق كل واحدة، قال مالك: يفسخ نكاح الأمة، ويثبت على الحرة، ثم قال: إن علمت الحرة جاز ولا خيار لها، وإن لم تعلم خيرت بين أن تقيم أو تفارق.(2/227)
1481 - ومن نكح أماً وابنتها في عقدة [واحدة] ثم تبين أن للأم زوجاً، فسخ نكاحهما ولم يثبت نكاح الابنة، كصفقة جمعت حلالاً وحراماً، وكذلك إن لم يكن للأم زوج فلا بد من فسخه، وليس له حبس إحداهما وفراق الأخرى، ثم ينكح بعد ذلك من شاء منهما إن كان لم يبن بهما قبل الفسخ. وقيل: لا تتزوج الأم للشبهة في البنت.
1482 - قال ابن القاسم: وإن كان قد بنى بهما قبل الفسخ حرمتا عليه للأبد، ولو بنى بواحدة منهما فسخ نكاحهما وخطب التي بنى بها بعد الاستبراء أماً كانت أو بنتاً ولم تحل له الأخرى أبداً.
1483 - ومن تزوج امرأة فلم يبن بها حتى تزوج ابنتها وهو لا يعلم فدخل بالابنة، فارقهما جميعاً، ولا صداق للأم، ويتزوج الابنة - إن شاء - بعد ثلاث حيض أو وضع حمل، وتحرم عليه الأم للأبد، لأنها صارت من أمهات نسائه.(2/228)
وإن كان نكاح البنت حراماً فالحرمة تقع فيه، كما يثبت فيه النسب والصداق ويدفع الحد، وإن نكح الأم آخراً وهو لا يعلم، فبنى بهما أو بألم خاصة فارقهما [جميعاً] وحرمتا عليه للأبد. ولا صداق للابنة إن لم يبن بها وإن كان الفسخ من قبله، لأنه لم يتعمده، وإن لم يبن بالآخرة ثبت على الأولى أماً كانت أو بنتاً دخل بها أم لا، ويفسخ نكاح الثانية، ومحمل الجدات في التحريم محمل الأمهات، ومحمل بنات البنات وبنات الأبناء محمل البنات.
ومن وطئ امرأة أو قبّل أو باشر أو نظر للذة، بملك [يمين] أو نكاح صحيح أو فاسد أو حرام بشبهة أو في عدة، فإنها تحرم على آبائه وأبنائه، وتحرم عليه ابنتها بنكاح أو بملك، فإن تزوجها في عدة فلم يبن بها حتى تزوج أمها أو أختها، أقام على نكاح الثانية، لأن نكاح المعتدة غير منعقد، وهي تحل لآبائه وأبنائه ما لم يلتذ بها.
1484 - قال مالك: ومن زنى بأم امرأته أو بابنتها حرمت عليه(2/229)
زوجته، وقال في موطئه: لا يحرم الزنا حلالاً، وأصحابه على ما قال في الموطأ لا اختلاف بينهم فيه، وكذلك من تزوج أم امرأته عالماً فوطؤه إياها تحريم للابنة في أحد قوليه ويحد، إلا أن يعذر بجهالة فلا يحد، ويلحق به الولد، وهذا أكد في التحريم من الزنا للحوق النسب وزوال الحد.
1485 - ومن تزوج امرأة بنكاح صحيح، أو في إجازته اختلاف، حرمت بالعقد دون الوطء على آبائه وإن بعدوا، وأبنائه وإن سفلوا بنسب أو رضاع، وحرمت عليه(2/230)
أمهاتهان ولا تحرم عليه ابنتها بالعقد على الأم دون وطء أو التذاذ، وأما إن تزوج ذات محرم أو رضاع أو معتدة لم تحرم بالعقد فقط.
1486 - ومن زنى بامرأة أو تلذذ منها حراماً حرمت عليه أمها وابنتها، وتحرم [هي] على آبائه وأبنائه وإن كانت في عصمة أحدهما في أحد قولي مالك.
1487 - ومن تزوج أختاً بعد أخت فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما فليثبت على الأولى ويفارق الآخرة فسخاً بغير طلاق، وكذلك كل من يحرم الجمع بينهن ممن يجوز [له] نكاح إحداهما بعد صاحبتها، وللمدخول بها المسمى أو المثل إن لم يسم، وكذلك من تزوج أخته من الرضاعة ففرق بينهما بعد البناء فلها المسمى.
1488 - وإن نكح أختين في عقدة ولم يعلم هو ولا هما بذلك فلم يبن بهما أو بنى بإحداهما أو بهما، فليفارقهما وينكح أيتهما شاء بعد استبرائها إن مسها، ولا خيار له في حبس إحداهما. (1)
_________
(1) انظر: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/251) ، والفواكه الدواني (2/19) ، وجواهر الإكليل (1/289) ، ومنح الجليل (3/341) .(2/231)
1489 - ومن وطئ أمة بملك ثم تزوج أختها لم يعجبني ذلك، إذ لا يجوز [له] أن ينكح إلا في الموضع الذي يجوز له الوطء فيه، إلا أنه لا يفرق بينه وبين امرأته، ويوقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء.
قال سحنون: وقد قال عبد الرحمن: إن النكاح لا ينعقد، وهو أحسن قوليه.
قال أشهب في كتاب الاستبراء: عقد النكاح تحريم للأمة كان يطؤها أم لا.
1490 - ومن باع أمة وطئها ثم تزوج أختها فلم يطأها حتى اشترى المبيعة [لم يطأ إلا الزوجة، والعقد ها هنا كالوطء في الملك.
1491 - ومن اشترى أختين فوطئ إحداهما فلا يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ،(2/232)
فإن باع التي وطئ ثم وطئ الباقية ثم اشترى المبيعة، تمادى على وطء الباقية، وإن لم يطأ الباقية حتى اشترى المبيعة] وطئ أيتهما شاء، ولو أنه حين وطئ إحداهما وثب على الأخرى فوطئها قبل أن يحرم عليه التي وطئ، وقف عنهما حتى يحرم أيتهما شاء، [فإن حرم التي وطئ أخيراً تمادى على وطء الأولى، فإن حرم الأولى فلا يطأ الثانية حتى يستبرئها، لأن وطأها كان فاسداً] .
1492 - ومن اشترى أختاً بعد أخت فله أن يطأ الأولى أو الآخرة. فأما من تزوج امرأة فلم يمسها حتى اشترى أختها فليقم على وطء الزوجة، ولا يطأ التي اشترى حتى يفارق امرأته، فإن وطئ المشتراة كفّ عن الزوجة حتى يحرم فرج الأمة ولا يفسدها هنا النكاح على كل حال.
1493 - ومن زوج أم ولده ثم اشترى أختها فوطئها ثم رجعت إليه أم الولد، أقام على وطء الأمة، ولو ولدت منه الأمة ثم زوجها وأختها ثم رجعتا إليه جميعاً وطئ أيتهما شاء، إلا أن يطأ أولاهما رجوعاً، وما وجب في أُخْتَي النسب وجب مثله في أختي الرضاعة في ها، وكثير من هذا المعنى في كتاب الاستبراء.(2/233)
1494 - ومن طلق امرأته طلاقاً بائناً فله تزويج أختها في عدتها، وكذلك خامسة في عدة رابعة مبتوتة، وإن طلقها تطليقة فادعى أنها أقرت بانقضاء العدة، وذلك في أمد تنقضي العدة في مثله فأكذبته، فلا يصدق في نكاح الخامسة، أو الأخت، أو قطع النفقة والسكنى، لأن القول في العدة قولها، فإن نكح الأخت أو الخامسة، فسخ الثاني إلا أن يأتي هو على قولها ببينة أو بأمر يعرف به انقضاء العدة.
1495 - ولا يجمع بين الأختين من نسب أو رضاع، ولا بين المرأة وبنات أختها ولا بنات أخيها، أو مع بنات بنيها الذكور والإناث من نسب أو رضاع.
قال ابن شهاب: ولا بينهما وبين من لأبيها أو لأمها من عمة أو خالة في عصمة نكاح ولا في وطء بملك أو بنكاح وملك، ويجمع بينهن في الرق، فإن وطئ إحداهما لم يطأ الأخرى حتى يحرم فرج التي وطئ.
1496 - قال ابن القاسم: ومن وطئ أمة له أو لولده فلم تحمل وامرأته أم لها،(2/234)
حرمت عليه امرأته، لأنه ممن لا حد عليه فيها. وهذا لا اختلاف فيه، فإن حملت منه الأمة عتقت عليه، وكذلك من ملك ذات محرم منه فوطئها فحملت منه، فإنه لا يحد وتعتق عليه، وحرم عليه ما كان له فيها من المتعة.
قال يحيى بن سعيد: لا ينكح الرجل بنت ابن امرأته ولا بنت بنتها من غيره ولا شيئاً من أولادهما وإن بعدن منها.
1497 -[قال ابن القاسم] : والصغيرة التي يجامع مثلها تحصن واطئها بنكاح ولا يحصنها، ولكنه يحلها. والمجنونة المغلوبة على عقلها تحصن واطئها ولا يحصنها. وقال بعض الرواة: يحصنها، لأنها بالغ مسلمة ونكاحها حلال.
وإذا لم يحتلم الصبي ومثله يقوى على الجماع، فزوجه أبوه أو وصيه امرأة فبنة بها وجامعها لم يحصنها ولا يحلها، ولا يجب بوطئه مهر ولا عدة إن بارى عنه أب أو وصي، وتقع الحرمة بعقد نكاحه بين آبائه وأبنائه وبين هذه المرأة.(2/235)
ولا حد على كبيرة زنت بصغير لم يبلغ، وإن تزوج الحرة عبد أذن له سيده في النكاح، أو خصي قائم الذكر أو مجنون فوطئها قبل علمها به، لم يحلها ولا أحصنها، ولها الخيار حين تعلم به، فإن وطئها بعد علمها به ورضاها أحلها وأحصنها ولا خيار لها. ولا يحصن المرأة ولا يحلها مجبوب إذ لا يطأ، ويحصن الحر وطء الأمة المسلمة أو الحرة الكابية بنكاح صحيح، والأمة المسلمة والحرة الكتابية يحلهن وطء العبد والحر المسلم بنكاح، ولا تكونان به محصنتين حتى توطأ هذه بعد إسلامها وهذه بعد العتق. والعبد لا يحصنه ذلك حتى يطأ بعد عتقه، والوطء بعد عتق أحدهما يحصن المعتق منهما. (1)
1498 - قال مالك: ومن بنى بزوجته ثم طلقها فادعت المسيس وأنكره لم يحلها ذلك لزوج كان طلقها إلا بتقاررهما على الوطء.
قال ابن القاسم: أما في الإحلال فلا أمنع المطلق منها، وأدينها، وأخاف [أنّ] إنكار الزوج ليضر بها في نكاحها، ولا يكون الرجل محصناً،
_________
(1) انظر: التقييد (2/254) .(2/236)
لأنها لا تصدق عليه في الإحصان ولا تكون [هي] بذلك محصنة إن زنت.
قال غيره: ولها أن تسقط ما أقرت به من الإحصان قبل أن تؤخذ في زنا أو بعد ما أخذت فتقول أقررت لأخذ الصداق.
1499 - ومن أقر بجماع امرأته من عنين أو غيره وأنكرت هي ذلك ثم طلقها ألبتة، كانت مخيرة في أخذ الصداق أو تركه، ولا تكون بذلك محصنة إلا بأمر يعرف به المسيس بعد النكاح، وإن أقامت امرأة مع زوجها عشرين سنة ثم أخذت تزني، ثم قالت: لم يكن [الزوج] جامعني، والزوج مقر بالجماع، فهي محثنة والحد واجب لا يزيله إنكارها. وقال غيره: لدفعها حداً قد وجب [عليها] ولم يكن منها قبل ذلك دعوى.(2/237)
1500 - ومن تزوج امرأة فلم يدخل بها حتى مات، فادع أنه طرقها ليلاً فجامعها لم تصدق، ولا يحلها ذلك، ولا يحصنها إلا بدخول يعرف، وهي مثل الأولى ولها طرح ما ادعت.
1501 -[قال ابن القاسم:] والردة تزيل إحصان المرتد من رجل أو امرأة، ويأتنفان الإحصان إذا أسلما، ومن زنا منهما بعد رجوعه إلى الإسلام وقبل تزويجه لم يرجم، وإن ارتد وعليه يمين بالله بعتق أو ظهار فالردة تسقط ذلك عنه.
وقال غيره: لا تطرح ردته إحصانه في الإسلام، ولا أيمانه [بالطلاق] ،(2/238)
ألا ترى أنه لا يتزوج بعد إسلامه امرأة أبتها قبل ردته إلا بعد زوج، وكذلك إن وطئ مبتوتة قبل ردته [بنكاح] فحلت لمن أبتها، لم تبطل ذلك ردته.
1502 - ولا يحصن الزوجين و [لا] يحل المطلقة ثلاثاً، إلا نكاح يصح عقده ويصح الوطء فيه، ولا يجزئ من الوطء إلا مغيب الحشفة وإن لم ينزل، ولا يكون بوطء الملك [محصناً] ، وكل نكاح لا يقران عليه وإن رضي الولي، كمن تزوج ذات محرم منه، أو حرة زوجت نفسها، أو أمة زوجت نفسها بغير إذن السيد، أو تزوج امرأة على عمتها أو خالتها أو أخت امرأته ودخل بهما، أو بجمعهما في عقد [ولم يعلم ذلك كله] ، فلا يحلها ذلك ولا يحصنها. وكذلك ما للولي أو لأحد الزوجين فسخه أو إجازته، كاستخلاف الحرة أجنبياً يزوجها [من رجل] بغير إذن وليها فيدخل بها، ونكاح العبد بغير إذن سيده فلا يحلها ذلك(2/239)
الوطء ولا يحصنها، وإنما يحلها ويحصنها إذا وطئها بعد إجازة الولي أو السيد، وكذلك الزوج في عيوب المرأة، لا يحلها وطؤه ولا يحصنها قبل علمه بعيوبها حتى يطأها بعد العلم، وكل وطء أحصن الزوجين أو أحدهما فإنه يحل المبتوتة، وليس كل ما يحل يحصن، ولا يحصن إلا مسيس معروف ليس لأحد فسخه، ولو صح العقد وفسد الوطء ما أحصن ولا أحل كوطء الحائض أو أحدهما معتكف أو صائم [في] رمضان أو محرم، وكل وطء نهى الله عنه [لا يحصن ولا يحل] .
قال المغيرة: ولا يحل ما أمر الله به ما نهى عنه.
1503 -[قال مالك:] والنصرانية يبتها مسلم، فلا يحلها وطء نصراني بنكاح إلا أن يطأها بعد إسلامه، لأن ذلك ليس بنكاح إلا أن يسلم الزوج وحده أو يسلما جميعاً، فيثبت النكاح.
1504 - وإن طلق الحر زوجته ثلاثاً أو العبد طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، ولا يحلها نكاح المحلل حتى يكون النكاح رغبة غير مدالسة. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (3/469) .(2/240)
قال: قيل لمالك: إنه يحتسب في ذلك. قال: يحتسب في غير هذا.
وإن نكح نصراني نصرانية بخمر أو خنزير أو بغير مهر وشرطا ذلك وهما يستحلانه، ثم أسلما بعد البناء، ثبت النكاح، فإن كانت قبضت قبل البناء ما ذكرنا فلا شيء لها غيره. وإن لم تكن قبضته وقد بنى بها فلها صداق المثل، وإن كان لم يبن بها حتى أسلما، وقد قبضت ما ذكرنا أو لم تقبض، خُيّر بين إعطائها صداق المثل ويدخل بها، أو الفراق وتكون طلقة، ويصير كمن نكح على تفويض.
قال غيره: إن قبضته مضى ذلك ولا شيء لها غيره، بنى بها أو لم يبن.
ولا يطأ الكافر مسلمة بنكاح أو ملك ويُتقدم في ذلك إلى أهل الذمة،(2/241)
ويعاقب فاعله بعد التقدم [إليه] ولا يجد، [ومن] عذر بجهل فلا يعاقب، وتباع الأمة على مالكها ويفسخ النكاح [وإن أسلم الزوج] .
قال ربيعة: فإن نكحها وزعم أنه مسلم، فلما خشي الظهور عليه أسلم وقد بنى بها، فلها الصداق ويفرق بينهما وإن رضي أهل المرأة، ثم إن رجع إلى الكفر قُتل.
1505 -[قال مالك:] وإن أسلم مجوسي أو ذمي وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام حينئذ، فإن أبته وقعت الفرقة بينهما، وإن أسلمت بقيت زوجة ما لم يبعد ما بين إسلامهما، [وإن بعد انقطعت العصمة بينهما] ، ولم يحد البعد، ورأى الشهر وأكثر من ذلك قليلاً ليس بكثير، فإن أسلمت الزوجة بعد البناء وزوجها مجوسي أو كتابي فلا يعرض عليه الإسلام، ولكنه إن أسلم في عدتها كان أملك بها، وليس له ذلك إن انقضت. وإذا وقع الفراق بإسلام أحد الزوجين كان(2/242)
فسخاً بلا طلاق، وإن أسلم كتابي بدار الحرب أو بعد قدومه إلينا لم تزل عصمته عن نسائه ويقع طلاقه عليهن، وأكره له الوطء بدار الحرب بعد الإسلام، كما أكره أن ينكح [بها] خوفاً أن تلد ولداً فيكون على دين الأم، وإن خرجا إلينا بأمان فأسلم أحدهما كانا في الفرقة والاجتماع كالذميين يسلم أحدهما.
1506 - وإن أسلم ذمي وتحته كتابية بنى بها أم لا، ثبت على نكاحه، وبقيت له زوجة.
وإن كانت صغيرة زوجها إياه أبوها، فهما [على] نكاحهما، ولا خيار لها إن بلغت.
1507 - وإن أسلم الصبي الذمي وقد زوجه أبوه مجوسية، لم يفسخ نكاحه إلا أن يثبت على إسلامه حتى يحتلم فتقع الفرقة بينهما، إلا أن تسلم هي عند ذلك فتبقى له زوجة، لأنه لو ارتد عن الإسلام قبل بلوغه لم يقتل.
وإذا أسلم الزوج قبل البناء وهما مجوسيان ففرق بينهما فلا صداق عليه، لأنه(2/243)
فسخ بعير طلاق، وإذا وقعت الفرقة بينهما [بإسلام أحدهما] [وذلك قبل البناء فلا صداق لها ولا متعة، وإذا وقعت الفرقة بينهما بإسلام أحدهما وهما مجوسيان أو ذميان] وقد بنى بها فرفعتها حيضتها فلها السكنى، لأنها إن كانت حاملاً اتبع ما في بطنها، وكذلك من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها السكنى، لأنها تعتد منه وإن كان فسخاً.
1508 - وإذا سبيت ذات زوج فعليها الاستبراء بحيضة ولا عدة عليها، لأنها صارت أمة.
1509 - وإن أسلمت امرأة في دار الحرب ثم قدمت إلينا بأمان ثم أسلمت، فاستبراؤها ثلاث حيض. فإن أسلم زوجها فيها كان أملك بها إن ثبت أنها زوجته. ولوكان إسلام الزوجة في دار الحرب أو عندنا وذلك قبل البناء لبانت، ولا سبيل له إليها وإن أسلم مكانه، ولا متعة لها ولا صداق، وإن قبضته ردته وإن بنى بها فلها المسمى.(2/244)
يقسم أو بعد أن قسم، فذلك هدم للنكاح، ولو سبيت المرأة ثم قدم الزوج بأمان أو سبي وهي في الاستبراء، فلا سبيل له إليها لزوال العصمة بالسبي، ولو أسلم الزوج بدار الحرب وأقام بها، أو قدم إلينا مسلماً، أو أتى [إلينا] بأمان فأسلم، وخلف أهله على النصرانية فسباها المسلمون، فهي في عصمته إن أسلمت، وإن أبت فرق بينهما، إذ لا ينكح [مسلم] أمة كتابية، وهي وولدها [وما في بطنها من ولد] ، ومهرها الذي على الزوج، وجميع ما للزوج ببلد الحرب فيء، قال غيره: وولده الصغار تبعاً له وكذلك ماله، إلا أن يقسم فيستحقه بالثمن.
1510 - ومن طلق امرأته وهي أمة، ثم ارتجعها في سفره قبل انقضاء عدتها وأشهد بذلك، فوطئها سيدها بعد عدتها وقبل علمه برجعة الزوج، ثم قدم الزوج، فلا رجعة له، إذ وطء السيد لها بالملك كوطئها بنكاح.(2/246)
1511 - وكره مالك نكاح نساء أهل الحرب لتركه لولده بدار الكفر، وأنا أرى أن يطلقها ولا أقضي عليه.
1512 - ويجوز للمسلم نكاح حرة كتابية، وإنما كره ذلك مالك ولم يحرمه لما تتغذى به من خمر أو خنزير، وتغذي به ولدها وهو يقبل ويضاجع، وليس له منعها من ذلك ولا من الذهاب إلى الكنيسة.
1513 - ولا يجوز [وطء] مجوسية بنكاح أو ملك، قال ابن شهاب: ولا قبلة ولا مباشرة.
1514 - ويطأ الأمة الكتابية بالملك، ولا يجوز بنكاح لمسلم حر أو عبد كانت لمسلم أو ذمي، ولا يزوجها سيدها من غلام له مسلم.(2/247)
1515 - ولا يُمنع نصراني من نكاح مجوسية أو مجوسي من نكاح نصرانية، والولد تبع للوالد في الدين وأداء الجزية، وتبع للأم في الملك والحرية، والحضانة لها وإن لم تسلم ولو أسلمت الأم دون الأب بقي الولد على دين الأب، وكذلك لو كان في بطنها، وإسلام الأب إسلام لصغار بنيه.
1516 - وإذا زوج الكتابي ابنته الطفلة لكتابي ثم أسلم الأب وهي صغيرة، كان ذلك فسخاً لنكاحها.
1517 - ولو زوج المجوسي ابنه [الطفل] مجوسية، ثم أسلم الأب وابنه صغير، عرض على زوجة الصبي الإسلام، إن أسلمت وإلا فرق بينهما ما لم يطل ذلك.
1518 - وإذا كان الغلام والجارية في حد المراهقة في إسلام الآباء من أبناء اثنتي عشرة وثلاث عشرة سنة فلا يجبر على الإسلام، ويترك الأمر إلى بلوغه، فإما أقام حينئذ على دينه ونكاحه فلا يعرض له أو يسلم فيحكم بما ذكرنا في إسلام أحد الزوجين البالغين.
1519 - ومن أسلم وله ولد صغار فأقرهم حتى بلغوا اثني عشرة سنة أو شبه ذلك فابوا الإسلام، فلا يجبروا، وقال بعض الرواة: يجبرون وهم مسلمون،(2/248)
وهو أكثر مذاهب المدنيين، ومن أسلم وله ولد مراهق من أبنء ثلاث عشرة سنة وشبه ذلك، ثم مات الأب أوقف ماله إلى بلوغ الولد، فإن أسلم ورث الأب وإلا لم يرث، وكان المال للمسلمين، ولو أسلم الولد قبل احتلامه لم يتعجل أخذ ذلك حتى يحتلم، لأن ذلك ليس بإسلام، ألا ترى أنه لو أسلم ثم رجع إلى النصرانية أكره على الإسلام ولم يقتل. ولو قال الولد: إني لا أسلم إذا بلغت، لم ينظر إلى ذلك، ولا بد من إيقاف المال إلى احتلامه، ولو كان الولد لا يعقل دينه ابن خمس سنين أو ست، فهم مسلمون بإسلام الأب ويرثونه مكانهم، وقاله أكثر الرواة.
1520 - ولو أسلم حربي أو ذمي عن أكثر من أربع زوجات نكحهن في عقدة أو في عقد، فليختر منهن أربعاً كن أول من نكح أو آخرهن، ويفارق باقيهن، وكذلك الأمر في الأختين. وإن أسلم عن أم وابنتها تزوجهما في عقدة أو عقدتين،(2/249)
فإن لم يكن بنى بهما فله اختيار إحداهما ويفارق الأخرى، وقال غيره: لا يحبس واحدة منهما. قال ابن القاسم: فإن حبس الأم فأراد ابنه نكاح البنت التي خلاها [أبوه] فلا يعجبني ذلك، وإن كان قد بنى بهما جميعاً فارقهما ولا تحلان [له] أبداً، وإن بنى بواحدة أقام عليها وفارق الأخرى ولم يكن له أن يختار التي لم يمس، وكذلك المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً، الجواب واحد، قيل له: فذمي أو حربي تزوج امرأة فماتت قبل أن يمسها فتزوج أمها ثم أسلما جميعاً، فلم يذكر جواباً، وأتى بنظير يدل على جواز النكاح وثباته، فذكر مسألة المجوسي يسلم وعنده أم وابنتها قد أسلمتا جميعاً.
1521 - وما استحل أهل الشرك في دينهم من نكاح بصداق فاسد فإنه ثابت إذا أسلموا عليه، وقد تقدم هذا، وما كان في شروطهم من أمر مكروه فإنه لا يثبت من ذلك إلا ما كان يثبت في الإسلام، ولا يفسخ من ذلك إلا ما كان يفسخ في الإسلام.(2/250)
وما كان لها من شروط بطلاق فيها أو في غيرها أو بعتاق أن لا يتزوج عليها أو [لا] يخرج بها ونحوه، أو ألا يمنعها من أهلها [فذلك كله يسقط عنه] ، وما شرط ألا نفقة لها أو نفقة محدودة أو فساد في صداق بطل الشرط ورد إلى ما يجب في الإسلام، ولا أفسخ به النكاح إذا عقدوه بما يجيزونه وإن فسخ بين المسلمين قبل البناء، [وإذا تزوج ذمي زوجة ذمي سواه فرافعه زوجها إلينا منع من ذلك، وهذا من التظالم الذي أمنعه منه] .
1522 - وإذا تزوج صغيران من أهل الذمة بغير إذن أبويهما، أو زوجهما أجنبي ثم أسلما بعد البلوغ ثبتا على نكاحهما، ولا يفسخ ما عقد في الشرك إذا أسلموا إلا ما لا يحل وطؤه.
1523 - وإذا طلق الذمي امرأته ثلاثاً [ولم يفارقها] ، فرفعت زوجته أمرها إلى الإمام فلا يعرض لهما ولا يحكم بينهما إلا أن يرضيا جميعاً بحكم الإسلام. [فالحاكم مخير فيهم إن شاء حكم وإن شاء ترك، فإن حكم بينهم حكم بحكم(2/251)
الإسلام] ، قال مالك: وأحب إلي أن لا يحكم بينهم.
1524 - وطلاق الشرك ليس بطلاق، وكذلك إن طلق النصراني زوجته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما، فليقيما على نكاحهما.
1525 - وإن تزوج ذمي ابنته أو أخته أو أقام على مبتوتة لم يعرض لهم، إذ كان ذلك مما يستحلونه في دينهم، وإن أعلنوا الزنا أدبوا، ولا يحصن الوطء بين النصرانيين حتى يطأها بعد إسلامهما.
1526 - وإذا قسم المغنم بدار الحرب فصار لرجل في سُهمانه جارية فاستبرأها بحيضة، فجائز أن يطأها بدار الحرب، وإن كان لها زوج حربي، وكرهه بعض الناس خيفة أن تهرب منه حاملاً.
1527 - ومن كان عنده ثلاث نسوة في دار الإسلام، ثم خرج تاجراً إلى دار الحرب(2/252)
فتزوج بها رابعة، ثم قدم وتركها فأراد نكاح خامسة، فليس ذلك له، إذ الحربية في عصمته.
1528 - ولا توطأ المسبية من غير أهل الكتاب حتى تجيب إلى الإسلام، بأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، أو تصلي أو تجيب بأمر يعرف بعد الاستبراء، وتجزيه حيضتها عنده قبل الإسلام، كمن اشترى مودعة عنده قد حاضت، وإن كانت المجوسية صغيرة لم تحض، فإن كانت ممن تعرف الإسلام لم يطأها حتى يجبرها على الإسلام وتدخل فيه، إذا كانت قد عقلت ما يقال لها.
1529 - ولا بأس أن يزوج الرجل عبده النصراني أمته النصرانية، فإن أسلم العبد فالنكاح يفسخ إلا أن تسلم الأمة مكانها، مثل المجوسية يسلم زوجها، فإن أسلمت الأمة فالعبد أحق بها إن أسلم في عدتها.
1530 - وردة أحد الزوجين مزيلة المعصمة حينئذ، وردة الزوج طلقة بائنة، وإن(2/253)
أسلم في عدتها فلا رجعة له، قال في كتاب العدة: وكذلك ردة المرأة طلقة بائنة وإن رجعت إلى الإسلام. (1)
1531 - قال ابن شهاب: والأسير يعلم تنصره فلا يدري أطوعاً أو كرهاً فلتعتد زوجته ويوقف ماله وسريته، فإن أسلم عاد ذلك إليه إلا الزوجة، وإن كات حكم فيه بحكم المرتد، فإن ثبت إكراهه ببينة لم تطلق عليه، وكان كحال المسلم في نسائه وماله، ويرث ويورث.
1532 - قال ابن القاسم: وإذا ارتد وتحته ذمية أو نكحها في ردته فسخ النكاح، وإن ارتد إلى مثل دينها، وإن ارتد ثم رجع إلى الإسلام فإنه يوضع عنه كل ما كان لله مما تركه قبل ارتداده، من صلاة أو زكاة أو صيام أو حج، وما كان عليه من نذر أو يمين بعتق أو بالله أو بظهار فإن ذلك كله يسقط، ويؤخذ بما كان للناس من سرقة أو قذف أو قتل أو قصاص أو غير ذلك مما لو فعله في كفره لأخذ به، وإن قتل على ردته فالقتل يأتي على كل حد أو قصاص وجب عليه للناس، إلا القذف فإنه
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (3/466) ، ومواهب الجليل (3/479) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/360) .(2/254)
يحد ثم يقتل، وإذا أسلم المرتد لم يجزه ما حج قبل ردته، وليأتنف الحج لقول الله تبارك وتعالى: ×لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ% (الزمر: 65) ، ويأتنف الإحصان، وقد تقدم هذا، وإذا قتل [المرتد] لم يرثه ورثته من المسلمين ولا من أهل الدين الذي ارتد إليه، وميراثه للمسلمين، وتبطل وصاياه قبل الردة وبعدها، وإذا ارتد المريض فقتل لم ترثه زوجته، ولا يتهم أحد أن يرتد لئلا يرثه ورثته، وميراثه للمسلمين.
1533 - وإن مات للمرتد أو للذمي أو للعبد ولد حر مسلم لم يرثوه ولم يحجبوا، ثم إن أسلم المرتد أو الذمي أو عتق العبد قبل أن يقسم ميراث الابن فلا شيء لهم منه، وإنما الميراث لمن وجب له يوم مات الميت، وقد جرى [ذكر] كثير من أحكام المرتد في كتب العبيد، وبالله التوفيق. (1)
* * *
_________
(1) انظر: الذخيرة للقرافي (4/338) .(2/255)
(كتاب الظهار)
1534 -[قال مالك:] ومن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر، [ومن] ظاهر بشيء من ذوات المحارم من نسب أو رضاع أو بصهر فهو مظاهر، [وإن قال لها: أنت علي مثل أمي أو كرأس أمي أو كقدمها أو كفخذها ونحوه، فهو مظاهر] ، وقال بعض [كبار] أصحاب مالك إذا قال لها:(2/257)
رأسك علي كظهر أمي أو يدك أو أصبعك لزمه الظهار، وكذلك في البطن والفرج كما لو طلق منها ذلك العضو لزمه الطلاق فيها.
1536 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، فهو مظاهر، لأنه جعل للحرام مخرجاً حين قال مثل أمي، قال غيره: لا تحرم به، لأن الله تعالى أنزل الكفارة في الظهار، ولا يَعْقِل من لفظ به فيه شيئاً سوى التحريم، قال مالك: وإن لم يذكر أمه كان البتات.
1537 - وإن قال لها أنت علي كظهر فلانة [أو مثل ظهر فلانة] لجارة له أجنبية، وهي ذات زوج أم لا فهو مظاهر، وقال غيره: هي طالق ولا يكون مظاهراً. (1)
1538 - قال مالك: وإن قال لها: أنت علي كفلانة، لأجنبية ولم يذكر الظهر، فهو البتات.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/50) ، ومواهب الجليل (4/112) ، والتاج والإكليل (4/119) ، والبيان والتحصيل (5/171) ، والنوادر والزيادات (5/293) .(2/258)
1539 - وإن قال [لها] : كفلانة، من ذوات محارمه فهو مظاهر، لأن هذا وجه الظهار، إلا أن يريد بذلك التحريم فيكون البتات.
1540 - وإن قال لها: أنت علي حرام مثل أمي، أو حرام كأمي ولا نية له، فهو مظاهر، وهذا لا اختلاف فيه.
1541 - قال ربيعة: وإن قال لها: أنت علي مثل كل شي حرمه الكتاب، فهو مظاهر.
1542 - قال ابن شهاب: وإن قال لها: كبعض ما حُرم علي من النساء، فهو مظاهر.
1543 - ومن تظاهر من أمته أو من أم ولده، أو من مدبرته فهو مظاهر، وإن تظاهر من معتقة إلى أجل لم يكن مظاهراً، لأن وطأها لا يحل له.(2/259)
1544 - وإن تظاهر الذمي من امرأته ثم أسلم، لم يلزمه ظهار كما لا يلزمه طلاقه في الشرك، وكل يمين كانت عليه من طلاق أو عتاق أو صدقة أو شيء من الأشياء فهو موضوع عنه إذا أسلم، وإن تظاهرت امرأة من زوجها لم يلزمها شيء.
1546 - ولا يلزم الصبي ولا المعتوه الذي لا يفيق ولا المكره، ظهار ولا طلاق ولا عتق، ويلزم السكران ظهاره وطلاقه.
1547 - قال مالك: ومن قال لامرأته: إن شئت الظهار فأنت علي كظهر أمي، فهو مظاهر إن شاءت الظهار، وذلك إليها ما لم توقف. وقال غيره: إنما هذا على اختلاف قول مالك في التمليك.(2/260)
1548 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي اليوم أو هذه الساعة، فهو مظاهر منها وإن مضى ذلك الوقت، ولا يطؤها حتى يكفّر، كما لو قال لها: أنت طالق اليوم أو هذه الساعة كانت طالقاً أبداً.
1549 - وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي إن دخلت هذه الدار اليوم أو كلمت فلاناً اليوم، أو قال [لها] : أنت علي كظهر أمي اليوم إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار، فإن مضى اليوم ولم يفعل ذلك لم يكن مظاهراً وإنما يجب عليه الظهار بالحنث، وكذلك إن قال لها: إن دخلت الدار اليوم فأنت طالق، أو قال: أنت طالق إن دخلت الدار اليوم، فمضى ذلك اليوم ثم دخلت لم يلزمه طلاق، [وإن قال لها: أنت علي كظهر أمي أو أنت طالق إلى قدوم فلان، لم يلزمه ظهار ولا طلاق حتى يقدم فلام فيلزمه ذلك، وإن لم يقدم فلان فلا شيء عليه، وأما إن قال لها: من الساعة إلى قدوم فلان، لزمه الظهار والطلاق مكانه] .
1550 - ومن ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة فكفارة واحدة تجزيه، وإن تظاهر منهن في مجالس مختلفة، أو كان في مجلس واحد فخاطب كل واحدة [منهن بالظهار دون الأخرى، حتى أتى على الأربع، أو قال لإحدى امرأتيه: أنت علي كظهر أمين ثم قال للأخرى: أنت علي مثلها، فعليه في ذلك لكل واحدة منهن كفارة] . (1)
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/441) .(2/261)
1551 - وإن قال لامرأته: أنت علي كظهر أمي، قال لها ذلك مرراً في شيء واحد أو في غير شيء، فليس عليه إلا كفارة واحدة، وإن نوى بقوله ثلاث ظهارات، إلا أن ينوي ثلاث كفارات [فتلزمه ثلاث كفارات] كاليمين بالله، وإن قال ذلك في أشياء مختلفة، مثل: أن يحلف بالظهار إن دخل [هذه] الدار، ثم يحلف به إن كلم فلاناً فعليه في كل شيء يفعله من ذلك كفارة، بخلاف ما لو جمعهما في ظهار واحد.
قيل: فكل كلام تكلم به رجل ينوي به الظهار أو الإيلاء أو تمليكاً أو خياراً، أيكون ذلك كما نوى؟ قال: نعم، إذا أراد أنك بما قلت مخيرة أو مظاهر منها أو مطلقة.
1552 - ومن قال لأربع نسوة: إن تزوجتكن فأنتن علي كظهر أمي، فتزوج واحدة لزمه الظهار ولا يقربها حتى يكفر، فإن كفر وتزوج البواقي فلا ظهار عليه فيهن، وإن لم يكفر ولم يطأ الأولى حتى ماتت أو فارقها سقطت عنه الكفارة، ثم إن تزوج البواقي لم يطأ واحدة منهن حتى يكفر، لأنه لم يحنث في يمينه بعد، وإنما يحنث [في يمينه] بالوطء، لأن من تظاهر من امرأته ثم طلقها أو ماتت قبل أن يطأها(2/262)
فلا كفارة عليه، وإنما يوجب [عليه] كفارة الظهار الوطء، فإن وطئ [فقد] لزمته الكفارة، ولا يطأ في المستقبل حتى يكفر، ولو كان هذا قد وطئ الأولى ثم ماتت أو طلقها أو لم يطلقها لزمته الكفارة، فإن تزوج البواقي فلا يقرب واحدة منهن حتى يكفر.
1553 - ومن قال لنسائه: من دخلت منكن هذه الدار فهي علي كظهر أمي، فدخلنها كلهن أو بعضهن فعليه في كل واحدة دخلتها كفارة كفارة، وكذلك لو قال: ايتكن كلمتها فهي علي كظهر أمي، فإن كلم واحدة منهن لزمته كفارة، ولم يلزمه في من لم يكلم منهن ظهار وإن وطئها حتى يكلمها، وله وطؤهن قبل أن يكلمهن، ثم إن كلم أخرى لزمته كفارة ثانية، بمنزلة ما لو قال لأربع نسوة: من تزوجتها منكن فهي علي كظهر أمي، فتزوج واحدة كان منها مظاهراً، ثم إن تزوج أخرى كان أيضاً مظاهراً بخلاف قوله: إن تزوجتكن، وإن قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن لم أضرب غلامي اليوم، ففعل لم يلزمه ظهار. وإن قال: إن تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لزمه الظهار إن تزوجها، ومن قال: كل امرأة أتزوجها فهي(2/263)
طالق لم يلزمه شيء إن تزوج، وإن قال: فهي علي كظهر أمي، لزمه ذلك، لأن له المخرج بالكفارة بخلاف الطلاق، ولا يطأ إن تزوج حتى يكفر، وكفارة واحدة تجزيه عن ذلك. (1)
1554 - وإن قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي، فطلقها واحدة أو اثنتين فبانت منه ودخلت الدار وهي في غير ملكه، لم يحنث بدخولها وهي في غير ملكه، فإن تزوجها فدخلت الدار وهي تحته عاد عليه الظهار إلا أن يكون طلقها أولاً البتة، فإن الظهار يسقط عنه إن تزوجها بعد زوج، ولو حنث بدخولها قبل أن يفارقها أو كان إنما تظاهر منها بغير يمين ثم أبتها قبل أن يكفر، فهذا إن نكحها بعد زوج عاد عليه الظهار ولم يطأها حتى يكفّر.
1555 - ومن تظاهر من امرأته وهي أمة ثم اشتراها فهو مظاهر منها، وإن تظاهر من امرأته وهي حرة أو أمة أو صبية أو محرمة أو حائض أو رتقاء أو كتابية لزمه ذلك، وكفارته منهن سواء، ويلزمه الظهار والطلاق في زوجته الكابية كالمسلمة.
1556 - وإن تظاهر العبد من امرأته وهي حرة أو أمة، فكفارته منهما سواء. وظهار
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/120) ، والمدونة (6/56) .(2/264)
الرجل من زوجته قبل البناء وبعده [سواء] ، كما لو ظاهر من أمة لم يطأها قط لزمه الظهار.
1557 -[والمجوسيان إذا أسلم الزوج ثم ظاهر منها أو طلق مكانه ثم أسلمت بقرب إسلامه، فذلك يلزمه] .
1558 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق أو أنت علي كظهر أمي أو فأنت علي كظهر أمي وأنت طالق، فإن تزوجها طلقت عليه، ثم إن تزوجها بعد ذلك لم يقربها حتى يكفر كفارة الظهار، لأن الطلاق والظهار وقعا بالعقد معاً فلزماه، والذي قدم الظهار في لفظه أبين، وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة وأنت علي كظهر أمي، طلقت عليه ولم يلزمه فيها ظهار إن تزوجها يوماً ما، لأنه أوقعه بعد أن بانت منه، ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي ووالله لا أقربك، أو قال: والله لا أقربك(2/265)
وأنت علي كظهر أمي، لزمه إن نكحها الإيلاء والظهار جميعاً، كما يلزمه ذلك في التي في عصمته.
* * *
[في منع المظاهر من امرأته حتى يكفر]
1559 - ومن تظاهر من زوجته فلا يطأها حتى يكفر، ويجب عليها أن تمنعه من نفسها، فإن خشيت [منه] على نفسها رفعت ذلك إلى الإمام ومنعه الإمام من وطئها إن خاصمته، ويؤديه إن رأى ذلك، ولا يقبل ولا يباشر ولا يلمس ولا ينظر إلى صدرها ولا إلى شعرها حتى يكفر، وجائز أن ينظر إلى وجهها، وقد ينظر غيره إليه، وجائز أن يكون معها في بيت ويدخل عليها بلا إذن إذا كان يؤمن ناحيته.
1560 -[فإن امتنع من الكفارة وهو قادر عليها دخل عليه الإيلاء، لأنه مضار ووقف لتمام أربعة أشهر من يوم] التظاهر، فإما كفّر أو طلقت عليه، فإن كفّر زال عنه حكم الإيلاء وإن لم يطأ، وإن قال: أنا أكفّر، ولم يقل: أنا أطأ، فذلك له،(2/266)
لأن نيته الكفارة وليس الوطء، فإذا كفّر كان له أن يطأ بلا كفارة، وإن كان لا يعلم منه ضرر وكان يعمل في الكفارة فلا يدخل عليه الإيلاء، وإذا كان من أهل الصوم فمضت أربعة أشهر ولم يصم فلها إيقافه، وروى غيره أن وقفه لا يكون إلا بعد ضرب السلطان [له] الأجل، وكل لمالك، والوقف بعد ضرب الأجل أحسن، فإذا أوقفته فقال: أنا أصوم شهرين عن ظهاري، أو كان ممن يقدر على عتق أو إطعام فقال: أخروني حتى أعتق أو أطعم، اختبره الإمام مرتين أو ثلاثاً،(2/267)
فإن لم يأخذ في ذلك بعد التلوم فرق بينهما، لأنه مضار كالمولي إذا أوقف فقال: أنا أفي، فاختبره الإمام مرة بعد مرة، فلم يف وعرف كذبه ولم يكن له عذر طلّق عليه، وهذا المعنى مستوعب في كتاب الإيلاء، ومن قال لزوجته: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فهو مولٍ حين تكلم بذلك، فإن وطئ سقط افيلاء عنه ولزمه الظهار بالوطء، ولا يقربها بعد ذلك حتى يكفر كفارة الظهار، فإن تركها ولم يكفر كان سبيله كما وصفنا في المظاهر المضار.
1561 - ومن تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم، فإن أعسر قبل أن يكفر أجزأه الصوم، وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر لا إلى حاله قبل ذلك، ولو أيسر بعد أن أخذ في صوم أو إطعام فإن كان بعد صوم اليومين ونحوهما أحببت له أن يرجع إلى العتق ولا أوجبه [عليه] ، وإن كان قد صام أياماً لها عدد فما ذلك عليه وليمض على صومه، وكذلك الإطعام مثل ما فسرنا في الصوم، وكذلك في كفارة القتل.(2/268)
1562 - وإن صام ثلاثة أيام في الحج ثم وجد [ثمن] الهدي في اليوم الثالث، فليمض على صومه، وإن وجد ثمنه وهو في أول يوم فإن شاء أهدى أو تمادى في صومه.
1563 - قال مالك: وإن تظاهر العبد فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده، فالصوم [له] أحب إلي. قال ابن القاسم: بل هو الواجب عليه، ولا يطعم(2/269)
من قدر أن يصوم، وأما العتق فلا يجزيه في شيء من الكفارات وإن أذن له السيد.
1564 - قال مالك: وأما إن أذن له أن يطعم في اليمين بالله أجزأه، وفي قلبي منه شيء، والصوم أبين عندي. قال ابن القاسم: إن أطعم بإذن سيده أجزأه، لأن سيده لو كفّر عنه بالطعام أو رجل كفّر عن صاحبه بالطعام أجزأه.
ومن ظاهر من زوجته ثم طلقها ثلاثاً أو واحدة فبانت منه، ثم أعتق عن ظهاره منها أو صام أو أطعم، ثم تزوجها بعد ذلك، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه أخرجها قبل وجوبها، ومتى تزوج المرأة رجع عليها الظهار.
1565 - ومن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فكفّر عن ظهاره هذا ثم تزوجها، لم تجزه تلك الكفارة، لأنه [قد] كفر قبل نية العودة، ولا ينوي(2/270)
ذلك فيمن ليست في عصمته ولا يكفر قبل حنثه وقد قال الله عز وجل: ×ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا%، والعودة ها هنا إرادة الوطء والإجماع عليه، فمن كفّر قبل إرادته كان كمن كفّر عن شيء وجب عليه.
1566 - وإذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر ناسياً أو عامداً في ليل أو نهار، لزمته الكفارة بجماعه، ماتت بعد ذلك أو طلقها أو مات عنها، وإن طلقها ثلاثاً أو واحدة قبل أن يطأها فلا كفارة عليه إلا أن يتزوجها يوماً [ما] ، فيعود عليه الظهار، ولا يطأ حتى يكفر، ولو طلقها قبل أن يمسها وقد عمل(2/271)
في الكفارة لم يلزمه تمامها. قال ابن نافع: وإن أتمها أجزأه إذا أراد العودة قبل الطلاق.
1567 -[ومن] أكل ناسياً في صوم ظهار أو قتل نفس أو نذر متتابع، أو أكره على الفطر، أو تقيأ، أو ظن أن الشمس قد غابت فأكل، أو أكل بعد الفجر ولم يعلم، أو وطئ نهاراً غير التي تظاهر منها ناسياً، فليقض في ذلك يوماً ويصله بصومه، فإن لم يفعل ابتدأ الصوم من أوله. وله أن يطأ غير من تظاهر منها في خلال الكفارة، ليلاً في الصوم أو نهاراً في الإطعام، كانت الموطوءة زوجة أو أمة، فإن وطئ التي تظاهر منها ليلاً أو نهاراً أول صيامه أو آخره ناسياً أو عامداً ابتدأ الشهرين، وكذلك حكم الإطعام، وإن لم يبق إلا مسكين، وكذلك من وطئ في الحج ناسياً أو عامداً فعليه أن يتم حجه ذلك ويقضيه من قابل.(2/272)
1568 - قال ابن القاسم: ومن صام عن ظهاره شهراً ثم مرض وهو لا يجد رقبة لم يكن له أن يطعم، وإن تمادى به المرض أربعة أشهر لم يدخل عليه الإيلاء، لأنه غير مضار، وتُنتظر إفاقته، فإذا صح صام إلا أن يعلم أن ذلك المرض لا يقوى صاحبه على الصيام، بعده فيصير حينئذ من أهل الإطعام.
وقال أشهب: إذا مرض صار من أهل الإطعام.
1569 - ومن ظاهر من امرأته وليس له إلا خادم واحدة أو دار لا فضل فيها أو عرض فيه ثمن رقبة، لم يجزه إلا العتق، ولا يجزيه الصوم، لأنه يقدر على العتق، وإن تظاهر من أمته وليس له غيرها لم يجزه الصوم، وأجزأه عتقها عن ظهاره، وله أن يتزوجها بعد ذلك.
1570 -[ومن صام شهراً وأطعم ثلاثين مسكيناً] عن ظهاره، أو أعتق [نصف](2/273)
عبد وأطعم ثلاثين مسكيناً، [أو صام شهراً، لم يجزه ذلك] .
1571 - والإطعام في الظهار ستون مسكيناً لكل مسكين مد من حنطة بمد هشام، وهو مدان إلا ثلث بمد النبي ÷، فإن كان عيش بلدهم تمراً أو شعيراً أطعم منه في الظهار عدل شبع مد هشام من الحنطة، ويطعم من ذلك في كفارة الأيمان عشرة مساكين وسطاً من شبع الشعير والتمر، ولا أحب أن يغدي ويعشي في الظهار،(2/274)
لأن الغداء والعشاء لا أظنه يبلغ مداً بالهاشمي ولا ينبغي ذلك في فدية الأذى أيضاً، ويجزئ ذلك في سواهما من الكفارات، ويكون مع الخبز إدام، وإن كان الخبز وحده وكان فيه عدل ما يخرج من الحب أجزأه، ويخرج في كفارة الأيمان وفي الإفطار في رمضان في كل شيء مداً لكل مسكين بمد النبي ÷ خلا فدية الأذى، فإنه يخرج فيها مدين لكل مسكين، ولا يجزئ السويق والدقيق في شيء من الكفارات كما لا يجزئ ذلك في زكاة الفطر.
1572 - ومن أعطى في سائر الكفارات من الذي هو عيشهم أجزأه، ولا يجزئ في ذلك [دقيق أو سويق] ، ولا يجزئ عرض أو دراهم فيها وفاء بالقيمة، ومن أعطى في الظهار ستين مداً بالهاشمي، لعشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف مد] ، لم يجزه ذلك إلا أن يزيد [لستين] منهم لا من غيرهم نصف مد لكل واحد فيجزيه، وإن أعطى ذلك لثلاثين مسكيناً لكل مسكين مدين لم يجزه حتى يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً، ولا يجزيه في فدية الأذى أن يعطي اثني عشر مسكيناً مداً [مداً] ، ولكن يُعطي ستة مساكين لكل مسكين مدين بمد النبي ÷، وكذلك في كفارة الإفطار في رمضان لا يجزيه أن يعطي ثلاثين مسكيناً مدين مدين، ولا عشرين ومائة مسكين نصف مد [نصف(2/275)
مد] ، ولكن يعطي ستين مسكيناً لكل مسكين مداً بمد النبي ÷، فإن أطعم ثلاثين مسكيناً في كفارة الظهار حنطة ثم ضاق السعر حتى صار عيشهم التمر أو الشعير، أو خرج إلى بلد عيشهم ذلك، أجزأه أن يطعم من ذلك ثلاثين مسكيناً، وكذلك هذا في جميع الكفارات، وإن أطعم في كفارة الظهار ثلاثين [مسكيناً] ثم لم يجد في ذلك البلد غيرهم، فلا يجزيه أن يطعمهم في غد بقية الكفارة، وليبعث بها إلى بلد آخر.
1572 - ومن عليه كفارتان عن يمينين، فأعطى اليوم مساكين عن إحدى يمينيه ثم(2/276)
لم يجد في غد غيرهم، فلا يعجبني أن يعطيهم عن اليمين الأخرى، كانت كاليمين الأول أو مخالفة لها كاليمين بالله مع ظهار ونحوه.
قال يونس بن عبيد: إلا أن تحدث عليه اليمين الثانية بعد ذلك، فليعطهم في غد إن شاء.
1573 - قال ابن القاسم: ولا يطعم في شيء من الكفارات من فيه عُلْقة رق ولا ذمياً ولا غنياً، فإن فعل أعاد، ولا يجزئ أن يطعم في الكفارات كلها إلا حراً مسلماً، ولا يطعم في شيء من الكفارات أحداً من قرابته وإن كانت نفقتهم لا تلزمه، فإن أطعم من لا تلزمه نفقتهم أجزأه إن كانوا محاويج، ويطعم الرضيع من الكفارات إذا كان قد أكل الطعام، ويعطى ما يعطى الكبير.
1574 - ومن أعتق عن ظهاره نصف عبد لا يملك غيره، ثم أيسر بعد ذلك فابتاع باقيه فأعتقه عن ظهاره، لم يجزه، لتبعيض العتق، ولو لم يكن عليه ظهار كان له ملك(2/277)
باقيه، ولو أعتق نصفه عن ظهاره وهو موسر، فقوم عليه باقيه ونوى به الظهار لم يجزه، لأن الحكم يوجب عليه عتق بقيته، ولا يجزيه أن يعتق عن ظهاره أو غيره من الكفارات رقبة يشتريها بشرط العتق، ولا مدبراً، أو مكاتباً وإن لم يؤد من كتابته شيئاً، أو معتقاً إلى أجل، أو أم ولد، أو عبداً، قال: إن اشتريته فهو حر، فاشتراه [فأعتقه] عن ظهاره لم يجزه، لأن كل من يعتق عليه إذا ملكه فلا يجزيه عتقه عن ظهار صار إليه بميراث أو هبة أو غيرها، ولا يجزيه إلا رقبة يملكها [قبل أن تعتق عليه] .
1575 - وإن أعتق ما في بطن أمته عن ذلك لم يجزه، ويعتق إذا وضعته، وإن أعتق عبده عن ذلك على مال يكون عليه ديناً لم يجزه، وإن كان المال في يد العبد فاستثناه السيد جاز عتقه إذ له انتزاعه، كمن أوصى بعتق رقبة فوجد الوصي عبداً يباع وأبى ربه بيعه حتى يتعجل من العبد مالاً، فذلك جائز. (1)
ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهار على جعل جعله له، فالولاء للمعتق عنه وعليه الجعل كاملاً، ولا يجزيه عن ظهاره، كمن اشترى رقبة بشرط العتق.
1576 - ولا يجزئ في الظهار أو غيره من الكفارات إلا رقبة مؤمنة سليمة، ولا يجزئ
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/136) ، وحاشية الدسوقي (2/449) ، التاج والإكليل (3/252) ، (4/125) .(2/278)
اقطع اليد الواحدة أو أصبعين أو أصبع أو الإبهام أو الإبهامين أو الأذنين، أو أشل أو أجذم، أو أبرص أو أصم، أو مجنون وإن أفاق أحياناً، ولا أخرس ولا أعمى، ولا مفلوج يابس الشق، وأجاز غيره مقطوع الأصبع الواحدة أو من به برص خفيف ولم يكن مرضاً.
1577 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني الخصي في الكفارات، وأجاز مالك عتق الأعور، ويجزئ العرج الخفيف أو العيب الخفيف، كجدع في أذن وقطع أنملة وطرف أصبع، فأرجو أن يجزئ في كل الكفارات.
وما كان من عيب فاحش ينقصه فيما يحتاج إليه من غنائه وجزائه لم يجزه، ويجزئ عتق الصغير والأعجمي في كفارة الظهار إذا كان من قصر النفقة.
قال مالك: وعتق من صلى وصام أحب إلي.(2/279)
1578 - قال ابن القاسم: يريد من عقل الإسلام والصيام والصلاة، وأجاز عتق الرضيع في الكفارة عدد من التابعين، وأجاز أبو هريرة وغيره عتق ولد الزنا في الكفارات.
1579 - ومن أعتق عبده عن رجل عن ظهاره أو عن شيء من الكفارات فبلغه ذلك فرضي به أجزأه، كمن أعتق عبده عن ميت لظهار لزمه أو أدى عنه كفارة لزمته أن ذلك يجزيه، فكذلك الحي إذا بلغه ذلك فرضي به. قال غيره: لا يجزئ.
وقد قال ابن القاسم غير هذا إذا كان بأمره وهو أحسن، لأنه عتق لا يُرد(2/280)
رضي هذا أو كره. أو لا ترى أنه هو لو أعتق رقبة أو كفّر عنه رجل قبل أن يريد العود لم يجزه، وقاله كبار أصحاب مالك.
1580 - ومن صام شعبان ورمضان ينوي بهما الظهار ويريد أن يقضي رمضان في أيام أخر، لم يجزه [رمضان] لفرضه ولا لظهاره.
1581 - ومن صام ذا القعدة وذا الحجة لظهار عليه أو قتل نفس خطأ لم يجزه، قال مالك: إلا من فعله بجهالة وظن أن ذلك يجزيه، فعسى أن يجزيه(2/281)
وما هو بالبين، وأحب إلي أن يبتدئ.
1582 - قال مالك: ومن سافر في شهري ظهاره فمرض فأفطر فيهما، فأخاف أن يكون السفر هيج عليه مرضه، ولو أيقنت أن ذلك لغير حر أو برد أهاجه السفر لجزأه البناء ولكني أخاف، ومن صام لظهاره ثم مرض فأفطر فليبن إذا صح، فإن أفطر يوماً متعمداً بعد قوته على الصوم ابتدأ، وإن حاضت امرأة في صوم عليها متتابع ولم تصل قضاء أيام حيضتها به فلتبتدئه، وقول الله عز وجل: ×فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا%،(2/282)
يقول لضعف أو كبر وإن كان صحيحاً، ومن الناس من هو صحيح لا يقوى على الصوم.
1583 - ومن تظاهر وهو مريض مثل الأمراض التي يصح من مثلها الناس فلينتظر حتى يصح، ثم يصوم إذا كان لا يجد رقبة، وكل مرض يطول صاحبه ولا يدري أيبرأ منه أم لا ولعله يحتاج إلى أهله، فليطعم وليصب أهله، ثم إن صح أجزأه ذلك الإطعام، لأن مرضه كان إياساً.
قال أشهب: إذا طال مرضه وإن رجي برؤه وقد احتاج إلى أهله فليطعم.
1584 - ومن ظاهر من أربع نسوة له في غير مرة [واحدة] ، فلزمه لكل واحدة منهن كفارة، فأعتق عنهن أربع رقاب في مرة واحدة، أجزأه وإن لم يعين التي أعتق عن كل واحدة، لأنه لم يشرك بينهن في العتق، وليس لهن من ولائهم شيء، وكذلك إن أعتق ثلاث رقاب عن ثلاث منهن غير معينات وحاشا واحدة من نسائه(2/283)
لم ينوها بعينها، أجزأه، إلا أنه لا يطأ واحدة من الأربع حتى يعتق رقبة رابعة، ولو ماتت واحدة منهن أو طلقها كان كذلك أيضاً.
وإن أعتق ثلاث رقاب عن الأربع استأنف عتق أربع رقاب، لأنه أشركهن في كل رقبة، ولا يجزيه ههنا عتق رقبة رابعة ماتت منهن واحدة أو طلقها أو لم يطلقها، وكذلك الجواب في تظاهره من امرأتين وعتقه عنهما. ولو صام ثمانية أشهر متتابعات عن الأربع ينوي لكل واحدة منهن لم يعينها كفارة، أجزأه، وكذلك الإطعام، فإن أشركهن في كل يوم من الصايم أو في كل مسكين في الإطعام، لم يجزه إلا أن ينوي به مداً لكل مسكين في كفارته، فإن لم ينو به امرأة بعينها ولا كفارة كاملة فيجزيه ذلك، لأن الإطعام يجوز أن يفرق فيطعم اليوم عن هذه أمداداً وفي غد عن الأخرى كذلك ثم يتم بعد ذلك كفارة لكل واحدة فتجزيه، وإن كان مفترقاً بخلاف الصوم، لأن فيه شرط التتابع، فإن ماتت منهن واحدة وقد أطعم [عن جميعهن] مائة وعشرين مسكيناً ولم ينو ما لكل واحدة من ذلك ولا أشركهن في كل مسكين، سقط حظ الميتة من ذلك وجبر على ما بقي بعد ذلك تمام ثلاث كفارات، ولو تظاهر منهن في كلمة ثم وطئ واحدة منهن لزمته كفارة(2/284)
واحدة، فإن صام شهرين ونوى بصومه التي وطئ وأدخل الباقيات في نيته أو نسيهن فذلك يجزيه عنهن، ولوجامع ليلاً في صومه غير التي نوى الصيام عنها ابتدأ، لأن صومه كان يجزئ عن جميعهن، كالحلف بالله في أشياء يحنث بفعل أحدها، فكفارة تجزيه عن جميعها، وإن نوى بالكفارة الشيء الذي فيه حنث، ناسياً لباقيها أو ذاكراً [لذلك] .
1585 - وكذلك لو كفر قبل حنثه في اليمين بالله ينوي أحدها أجزأه، عن جميعها، وإن كانت الكفارة في اليمين بالله بعد الحنث أحب إلينا.
وإن كفر قبل حنثه أجزأه كمن حلف بعتق رقبة أن لا يطأ امرأته فأخبر أن الإيلاء عليه فأعتق إرادة إسقاط الإيلاء. قال مالك: أحب إلي أن يعتق بعد الحنث، فإن أعتق قبله أجزأه ولا إيلاء عليه. وباقي مسائل هذا الكتاب قد تقدم ذكرها فأغنى عن إعادتها.
* * *(2/285)
(كتاب التخيير والتمليك)
1586 - ومن قال لامرأته بعد البناء: اختاري نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي، فهي ثلاث ولا مناكرة للزوج، وإن قالت: قد قبلت أمري، سئلت: ما الذي قبلت؟ فإن قالت: ما جعل لي من الخيار ولم أطلق، قيل لها: فطلقي إن أردت أو رُدّي، فإن طلقت ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له، وإن طلقت دون البتات لم يلزمه شيء، وإنما لها أن تطلق ثلاثاً أو ترد ذلك، وإن قالت: أردت بذلك الطلاق،(2/287)
سئلت: أي الطلاق [أرادت] ؟ فإن كان دون البتات بطل، وإن كان البتات لزم، ولا مناكرة للزوج.
وله مناكرتها في التمليك إذا قضت بأكثر من واحدة إن ادعى في ذلك نية ويُحلّف، وإن قضت بواحدة فقال: كذلك أردت، كان أملك بها.
1587 - وقوله لها: اختاري خيار، وإن قال: أمرك بيدك، فهذا تمليك، فإن قال لها: اختاري في واحدة، فقالت: اخترت نفسي، وقال الزوج: ما أردت إلا واحدة، [فإنه] يُحلّف وتلزمه واحدة [وله الرجعة] ، وإن قال لها:(2/288)
اختاري في طلقة، فقالت: قد اخترتها أو اخترت نفسي، لم تلزمه إلا واحدة وله الرجعة، وكذلك له الرجعة في التمليك إذا قضت بدون البتات إلا أن يكون مع ذلك فداء فتكون بائناً. وإن قال [لها] : اختاري تطليقتين، فاختارت واحدة، أو قال [لها] : طلقي نفسك ثلاثاً، فقالت: قد طلقت نفسي واحدة، لم يقع عليها شيء.
[وإن خيرها بعد البناء فقالت: قد خليت سبيلك، ونوت واحدة لم يقع عليها من الطلاق شيء] ، وإن لم تكن لها نية فهي البتات.
1588 - وإن قال لها: اختاري اليوم كله فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها، وكذلك إن خيرها ولم يوقت يوماً ثم افترقا من المجلس قبل أن تختار، فلا خيار لها في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة من الناس،(2/289)
وقوله الآخر إن لها أن تختار وإن مضى الوقت أو تفرقا ما لم توقف أو توطأ، وإن قال لها: إذا جاء غد فقد خيرتك، وقفت الآن فتقضي أو ترد، وإن وطئها قبل غد فلا شيء بيدها. (1)
1589 - وإن قال لأجنبية: يوم أتزوجك فاختاري، فتزوجها فلها أن تختار، وإن قال لها: كلما تزوجتك فلك الخيار أو فأنت طالق، فالخيار لها والطلاق واقع عليها كلما تزوجها وإن نكحها بعد ثلاث تطليقات، لقوله كلما.
1590 - وإن قال لامرأته: إذا قدم فلان فاختاري، فذلك لها إذا قدم ولا يحال بينه وبين وطئها، وإن وطئها الزوج بعد قدوم فلان ولم تعلم المرأة بقدومه إلا بعد زمان، فلها أن تختار حين تعلم. وإن خيرها ثم خاف أن تختار نفسها فأعطاها ألف درهم على أن تختاره، لزمته الألف إن اختارته.
1591 - وكذلك إن شرط في عقد نكاحها أنه إن تسرر عليها فأمرها بيدها ففعل، فأرادت أن تطلق نفسها، فقال لها: لا تفعلي ولك ألف درهم، فرضيت بذلك لزمته الألف. وإن خيرها فقالت: قد اخترت نفسي إن دخلت على ضرتي، فإنها توقف فتختار أو تترك.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/126) ، والتقييد (3/19) .(2/290)
1592 - وإن خيرها قبل البناء فقالت: قد اخترت نفسي أو طلقت نفسي ثلاثاً، أو قالت له: قد خليت سبيلك، تريد الثلاث فله أن يناكرها. فإن قال [لها] : لم أرد بذلك إلا واحدة، صدق، لأن الواحدة تبينها، والخيار والتمليك فيها سواء، فإن لم تكن له نية حين خيرها فهي ثلاث ولا يناكرها. وإن ملكها قبل البناء أو بعده ولا نية فالقضاء ما قضت، ولا مناكرة له إلا أن تكون له نية فله ذلك، ويحلف على ما نوى.
1593 - قال مالك: وإن خيرها أو ملكها فذلك لها ما دامت في مجلسها، وإن تفرقا فلا شيء لها، وإن وثب حين ملكها يريد قطع ذلك عليها لم ينفعه، وحد ذلك إذا قعد معها قدر ما يرى الناس أنها تختار في مثله ولم يقم فراراً، فلا خيار لها بعد ذلك. وقال في باب بعد هذا: إذا طال المجلس وذهب عامة النهار وعلم أنهما قد تركا ذلك أو قد خرجا مما كانا فيه [إلى غيره] ، فلا قضاء لها، ثم رجع مالك إلى أن ذلك بيدها حتى توقف أو توطأ، قالت في المجلس: قد(2/291)
قبلت، أو لم تقل.
وأخذ ابن القاسم بقوله الأول.
1594 -[قال ابن القاسم] فإن قال لها: أنت طالق إن شئت، فكأنه تفويض وذلك بيدها وإن افترقا ما لم توطأ، وأرى أن توقف فتقضي أوترد، وإن قال لها: اختاريني أو اختاري نفسك، [فقالت: قد اخترت نفسي] ، فقال: لم أرد الطلاق وإنما أردت أن تختاري أي ثوب اشتريه لك، فإن تقدم كلام يدل على ذلك فذلك له ويدين، وإلا فهو البتات، وإن قالت: قد طلقت نفسي، سئلت: أي الطلاق؟ فإن كان ثلاثاً لزمه ولا مناكرة له [عليها] ، وإن كان أقل لم يلزمه.(2/292)
وإن قالت: قد فعلت أو قبلت أمري، أو اخترت أو اخترت أمري، سئلت ما أرادت بذلك؟، فإن قالت: لم أرد به الطلاق، صُدّقت، وإن أرادت به طلاقاً دون البتات لم يلزمه، وإن أرادت البتات لزم ولا مناكرة له، وتُسأل المرأة في جوابها بماله وجوه تتصرف ما أرادت به في خيار أو تمليك؟ إلا أنه يناكرها في التمليك خاصة إن ادعى نية ويُحلّف على ما نوى، فإن لم تكن له نية حين ملكها فقضت بالثلاث لزمه، ولا مناكرة له.
1595 - وإذا أجابت بألفاظ ظاهرة المعاني، كقولها: اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، أو طلقت نفسي منك ثلاثاً، أو طلقتك [ثلاثاً] ، أو بنت منك [أو بنت مني] ، [أو حرمت عليك، أو حرمت علي، أو برئت منك، أو برئت مني] ونحو هذا، فهو البتات، ولا تُسأل فيه المرأة عن نيتها في خيار ولا تمليك، إلا أن للزوج أن يناكرها في التمليك على ما وصفنا. (1)
1596 -[قال مالك:] وإن قال لها: اختاري أباك أو أمك، أو كانت تكثر التردد إلى الحمام أو الغرفة، فقال لها: اختاريني أو اختاري الحمام أو الغرفة، فإن لم يرد بذلك طلاقاً فلا شيء عليه، وإن أراد به الطلاق فهو الطلاق.
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/129) ، وحاشية الدسوقي (2/413) ، والتاج والإكليل (4/94) .(2/293)
1597 - قال ابن القاسم: ومعنى قوله إن أراد به الطلاق [فهو الطلاق] : إنما ذلك إذا اختارت الشيء الذي خيرها فيه بمنزلة ما لو خيرها نفسها فإن لم تختر ذلك فلا شيء لها.
1598 - ومن قال لرجل: خيّر امرأتي، فسمعته المرأة فاختارت نفسها قبل أن يخيرها، فذلك لازم إن جعله رسولاً، وإن أراد تفويضه إليه كقوله: خيرها إن شئت أو بكلام دل به على ذلك، فلا خيار لها حتى يخيرها الرجل. وإن أشهد أنه قد خير امرأته ثم ذهب فوطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، ويعاقب الزوج في فعله، كما لو شرط لها إن تزوج عليها أو تسرر فأمرها بيدها، ثم فعل ذلك وهي لا تعلم، لم ينبغ له أن يطأها حتى يعلمها فتقضي أو تترك، وإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت، [وكذلك الأمة تعتق تحت عبد، لها أن تمنعه من وطئها حتى تختار، فإن وطئها قبل أن تعلم فلها الخيار إذا علمت] ، فإن أمكنته بعد العلم فلا خيار لها.
1599 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك، فطلقت نفسها واحدة فهي(2/294)
واحدة، فإن قال الزوج: إنما أردت أن تطلق نفسها ثلاثاً، أو تقيم فالواحدة تلزمه ولا قول له، وإن قالت: طلقت نفسي البتة، أو اخترت نفسي، أو قبلت نفسي، فهي ثلاث إلا أن يناكرها مكانه فيُحلّف ويلزمه ما نوى من واحدة أو أكثر، ولا تسأل ههنا كم أرادت من الطلاق، لأنها قد بينت وليس لها أن تقول هذه الألفاظ أردت دون الثلاث. وإن قالت: قد قبلت [أو قبلت] أمري أو طلقت نفسي، سُئلت عن نيتها؟ فيلزم ما نوت إلا أن يناكرها الزوج فيما زادت على الواحدة، فإن جهلوا سؤالها في المجلس حتى مضى شهر أو شهران ثم سألوها فقالت: أردت ثلاثاً، فللزوج مناكرتها فيما زاد على الواحدة. وإن قالت: لم أرد بقولي قبلت أو قبلت أمري طلاقاً صدقت وكان لها أن تطلق نفسها الآن أو ترد، وإن كان بعد شهرين، لأن قبولها ما جعل لها لا يزيله من يدها إلا إيقاف من إمام أو تترك [هي] ذلك أو توطأ طوعاً، وإن وطئت كرهاً فهي على أمرها، وإن قال لها: قد ملكتك الثلاث، فقالت: أنا طالق ثلاثاً، فذلك لها.
1600 - وإن قال لها: أمرك بيدك إذا جاء غد، فذلك وقت، بخلاف قوله: إذا قدم(2/295)
فلان، وإن قال لها: أمرك بيدك أمرك بيدك [أمرك بيدك] ، فطلقت نفسها ثلاثاً سُئل الزوج عما أراد، فإن نوى واحدة حُلّف وكانت واحدة، وإن أراد الثلاث فهي الثلاث، وإن لم تكن له نية فالقضاء ما قضت من واحدة فأكثر، ولا مناكرة له. وإن قال لها: أمرك بيدك، وأراد ثلاثاً، فطلقت نفسها واحدة، فذلك لها وتلزمه طلقة وله الرجعة.
1601 - وإن قال لها: أمرك في أن تطلقي نفسك ثلاثاً، أو قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة لم يلزم كالخيار. وإن ملكها في تطليقتين فقضت بواحدة لزمته طلقة إلا أن يريد معنى الخيار في أن تطلقي [نفسك] اثنتين أو تدّعي.
1602 - وإن قال لها: أمرك بيدك، وكرر ذلك ثلاث مرات ينوي بالتكرار ثلاثاً، فقالت: طلقت نفسي واحدة، أو ملكها مرة ونوى الثلاث أو لا نية له حين ملكها فقضت بتطليقة أنها واحدة وله الرجعة. وإن ملكها ولا نية له فقالت: [قد] حرمت نفسي أو بتت نفسي أو أبنت نفسي، فهي ثلاث.(2/296)
1603 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها أيضاً قبل أن تقضي: أمرك بيدك على ألف درهم، فلها القضاء بالقول الأول بلا غرم، كالقائل لزوجته: إن أذنت لك أمك فأنت طالق البتة، ثم قال لها بعد ذلك: إن أذنت لك [إليها] ، إلا أن يقضي [به] علي سلطان فأنت طالق [ثلاثاً] ، فالقول الثاني منه ندم والأول يلزمه.
وإن ملكها قبل البناء ولانية له فطلقت نفسها واحدة ثم واحدة ثم واحدة، فإن نسقتهن لزمته الثلاث، إلا أن تنوي هي واحدة كطلاقه إياها إذا كان نسقاً قبل البناء، وإن ملكها قبل البناء أو بعده فقالت: قد خليت سبيلك، فإن نوت بذلك واحدة أو اثنتين [أو ثلاثاً] لزمه ذلك، إلا أن يناكرها فيما زاد على الواحدة، ويحلف إن ادعى نية، فإن لم تنو هي شيئاً فهي ثلاث، إلا أن تكون للزوج نية فله ما نوى مع يمينه.
1604 - وإن ملّك أمر امرأته رجلين لم يجز طلاق أحدهما دون الآخر، إلا أن يكونا رسولين كالوكيلين في البيع والشراء، ولو كان أمة فملكها ولا نية له أو نوى الثلاث فقضت بالثلاث فهي ثلاث، لأن طلاق الحر الأمة ثلاث، ولو كان عبداً لزمته طلقتان، لأن ذلك جميع طلاقه.(2/297)
1605 - قيل: فإن قال لها: حياك الله، يريد بذلك التمليك، أو: لا مرحباً، يريد بذلك الإيلاء أو الظهار. [قال] : قال مالك: كل كلام ينوي به الطلاق فهي طالق، وكذلك هذا.
1606 - وإن قال لها: طلقي نفسك أو طلاقك بيدك، فذلك كالتمليك إن طلقت نفسها ثلاثاً أو قضت بالبتات، فإن قال الزوج: أردت واحدة، فالقول قوله غذا ردّ عليها مكانه ويحلف وإلا فالقضاء ما قضت. ولو قال لها: طلقي نفسك فقالت: اخترت نفسي، أو حرّمت نفسي، أو بتت نفسي، أو برئت منك، أو أنا بائنة منك، فذلك كله ثلاث إن لم يناكرها في مجلسه، وله مناكرتها مكانه فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.
1607 - وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن شئت، فذلك كالخيار ولا تلزمه الواحدة إن قضت بها، وإن قال [لها] ، أنت طالق واحدة إن شئت،(2/298)
فقالت: قد شئت ثلاثاً، لزمته واحدة، وإن قال: طالق كلما شئت فلها أن تقضي مرة بعد مرة، ولا يزول ما بيدها إلا أن ترد ذلك، أو توطأ طوعاً، أو توقف، فلا قضاء لها بعد ذلك، [كما لو قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فتركت ذلك عند سلطان أو غيره، فلا قضاء لها بعد ذلك] .
وإن ملكها إلى أجل فلها أن تقضي مكانها، وإن قال لها: أنت طالق غداً إن شئت، فقالت: أنا طالق الساعة، أو قال لها: أنت طالق الساعة - إن شئت - فقالت: أنا طالق غداً، وقع الطلاق فيهما جميعاً الساعة، وكذلك من ملك امرأته فقضت بالطلاق إلى أجل فهي طالق مكانها، وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فردت ذلك فلا ردّ لها، لأن هذا يمين متى دخلت وقع الطلاق، بخلاف قوله: أنت طالق كلما شئت، لأن هذا غير يمين وهو من وجه التمليك.
1608 - وإن قال لها: أمرك بيدك، ثم قال لها: أنت طالق، فإن قضت بواحدة لزمته طلقتان، وإن قضت بالثلاث فله أن يناكرها إن كانت له نية أنه ما ملّكها إلا واحدة وتكون اثنتين. وإن خيّرها أو ملكها فلم تقض حتى طلقها ثلاثاً أو واحدة، ثم نكحها بعد زوج أو بعد عدتها من الطلقة فلا قضاء لها، لأن هذا ملك مستأنف.(2/299)
1609 - وإذا ملكها أمرها أو ملّك أمرها لأجنبي ثم بدا له، فليس له ذلك، والأمر إليهما، فإن قاما من المجلس قبل أن تقضي المرأة أو الأجنبي فلا شيء لهما بعد ذلك في قول مالك الأول، وبه أخذ ابن القاسم، ولهما ذلك في قوله الآخر ما لم يوقفا أو توطأ الزوجة، وإن خلى هذا الأجنبي بينها وبين زوجها وأمكنه منها زال ما بيده من أمرها، فإن جعل أمرها بيد رجل يطلق متى شاء فلم يطلق حتى وطئها الزوج، زال ما بيد الرجل، فإن لم يطأ الزوج حتى مرض فطلقها الوكيل في مرض الزوج لزمه الطلاق وترثه كما ترثه المفتدية في مرضه، والتي قال لها في صحته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق البتة، فدخلتها وهو مريض فإنها ترثه.
1610 - وإن شرط لها في عقد النكاح إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج فقضت بالثلاث فلا مناكرة له، وإن كان تبرع بهذا الشرط بعد العقد فله أن يناكرها فيما زاد على الواحدة إن ادعى نية ويحلف.(2/300)
1611 -[قال مالك:] وإن قال لها: أمرك بيدك إلى سنة، فإنها توقف متى [ما] علم بذلك ولا تترك تحته، وأمرها بيدها حتى توقف فتقضي أو ترد.
1612 - قال ابن القاسم: وكذلك إن قال لها: إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق، فإنها توقف الآن فتقضي أو ترد، إلا أن يطأها في الوجهين وهي طائعة، فيزول ما بيدها ولا توقف.
1613 - وإن قال لها قبل البناء أو بعده: أنت علي حرام، فهي ثلاث، ولا ينوى في المدخول بها، وله نيته في التي لم يدخل بها في واحدة فأكثر، وإن قال: أردت بذلك الظهار لم يصدق. وإن قال لها: أنت طالق البتة، فهي ثلاث، وإن قال: أردت واحدة، لم يقبل منه قبل البناء ولا بعده.
ويؤخذ الناس بما لفظت به ألسنتهم [من أمر الطلاق] .
1615 - قال ابن القاسم: ولا يدين في الطلاق.(2/301)
1616 - وإن قال لها: برئت مني أو بنت مني أو أنت خلية، وقال: لم أرد بذلك طلاقاً، فإن تقدم كلام يكون هذا جوابه، [يدل] على أنه لم يرد به الطلاق، وإلا فقد بانت منه إذا كان كلاماً مبتدأ، وإن قال: أردت بذلك الظهار، لم يصدق، وإن قال: كل حلال علي حرام، فلا يلزمه وإن نوى عموم التحريم، إلا في زوجاته، نواهن حين تكلم بذلك أم لا، وبنّ منه، إلا أن يحاشيهن بقلبه أو بلسانه فيكون ذلك له، وينوى، ولا شيء عليه في غيرهن مما حرم من ماله أو أمهات أولاده، أو ليس ثياب أو طعام أو غيره، ولا تلزمه كفارة يمين، [وإن نوى به اليمين] .
وقال ربيعة: من قال: الحلال علي حرام، فهي يمين إذا حلف أنه لم يرد امرأته، ولو أفردها كانت طالقاً البتة، وقاله ابن شهاب، إلا أنه لم يجعل فيها يميناً، وقال: ينكل على أيمان اللبس، وقال زيد بن أسلم: إنما كفّر النبي ÷(2/302)
[يمينه] في قوله لجاريته أم إبراهيم: "والله لا أطؤك" لا في قوله لها بعد ذلك: "أنت علي حرام". (1)
1617 - وإن قال لها: قد حرمتك علي، أو حرمت نفسي عليك فهو سواء، وإن قال لها: قد طلقتك، أو أنا طالق منك، فهو سواء، وهي طالق، وإن قال لها: أنت علي حرام ثم قال: لم أرد بذلك الطلاق إنما أردت الكذب، فالتحريم يلزمه ولا ينوى.
1618 - قال ابن القاسم: وقد سئل مالك - رحمه الله - عن ما يشبه هذا فلم يجعل له نية، [وأخبرني] من أثق به أن مالكاً سئل عن رجل لاعب امرأته فأخذت بفرجه على وجه التلذذ فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن أحرم أن تمسه ولم أرد [بذلك] تحريم امرأتي، فتوقف فيها مالك وتخوف أن يكون حنث فيها. ورأى غيره من أهل المدينة أن التحريم يلزمه، وهذا أخف
_________
(1) رواه مالك في المدونة (5/395) ، والحاكم (2/493) ، والدارقطني (3/42) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.(2/303)
عندي ممن نوى الكذب في التحريم، ولم أقل لك إن التحريم يلزم صاحب الفرج.
1619 -[وإن قال لها: أنت علي كالميتة، أو كالدم، أو كلحم الخنزير فهو ثلاث، وإن لم ينو به الطلاق] .(2/304)
1620 - وإن قال لها: حبلك على غاربك فهي ثلاث ولا ينوّى.
1621 - وإن قال لها: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني أو أنا منك، أو لم يقل، أو [قال] : وهبتك أو رددتك إلى أهلك، قال عبد العزيز: أو إلى أبيك، فذلك في المدخول بها ثلاث، ولا ينوى في دونها قبل الموهوبة أهلها، أو ردوها، وله نيته في ذلك كله إن لم يدخل بها في واحدة [فأكثر منها، وإن لم يكن له نية فذلك ثلاث فيهن.
1622 - وقال ربيعة في البرية والخلية والبائنة: إنها ثلاث في المدخول بها، وإن لم يدخل بها فهي واحدة] .
قال ابن القاسم: وأما قوله: أنا منك بات، أو أنت [مني] باتة، فلا ينوى قبل البناء ولا بعده أنه أراد واحدة وتلزمه ثلاث، وإن قال لها: أنا خلي أو بري أو بائن أو بات، قال: منك، أو لم يقل، أو قال: أنت خلية أو برية أو بائنة، قال: مني، أو لم يقل، إلا أنه قال في هذا كله: لم أرد به طلاقاً، فإن تقدم كلام من غير الطلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه(2/305)
ويديّن، وإلا لزمه ذلك ولا تنفعه نيته. وإن قال لها بعد البناء: أنت طالق واحدة بائنة فهي ثلاث، وكذلك إن قال لها: التحقي أو استبرئي أو ادخلي أو اخرجي، يريد بقوله واحدة بائنة فهي ثلاث.
1623 - وإن قالت له: أود لو فرّج الله لي من صحبتك، فقال لها: أنت بائن أو خلية أو برية أو بائنة، أو قال: أنا منك بريء أو خلي أو بائن أو بات، ثم قال: لم أرد به الطلاق وأردت بالبائن فرجة بيننا، لزمه الطلاق ولا ينوى، كما لو سألته الطلاق فقال لها: أنت بائن، ثم قال: لم أرد الطلاق فلا يصدق، لأنه جواب لسؤالها.
1624 - وإن قال لها: قد خليت سبيلك وقد بنى أو لم يبن فله نيته في واحدة فأكثر منها فإن لم تكن له نية فهي ثلاث.
1625 - قال ابن وهب عن مالك: وقوله: قد خليت سبيلك، كقوله: قد فارقتك، وإن قال لها: اعتدي اعتدي اعتدي، أو قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق نسقاً، فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى بها أم لا، وإن قال لها: أنت طالق(2/306)
اعتدي، [لزمته طلقتان] إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فتلزمه واحدة، وإن قال لها كلاماً مبتدأ: اعتدي، لزمه الطلاق، ويسأل عن نيته كم نوى؟ واحدة أو أكثر؟، فإن لم تكن له نية فهي واحدة، وإن لم يرد به الطلاق وكان جواباً لكلام قبله كدراهم تعتدها ونحوه فلا شيء عليه، وإن قال لها: إلحقي بأهلك، ولم ينو طلاقاً فلا شيء عليه، وإن نوى طلاقاً فهي ما نوى من واحدة فأكثر، وكذلك لو قال لها: يا فلانة، أو أنت حرة، أو اخرجي، أو تقنعي، أو خزاك الله، أو كلي، أو اشربي، أو كلاماً ليس من ألفاظ الطلاق، فلا شيء عليه إلا أن يريد بذلك الطلاق، فيلزمه ما نوى من واحدة فأكثر، فأما إن أراد أن يلفظ بأحرف الطلاق فلفظ [بما ليس من ألفاظ الطلاق] غلطاً فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بما يلفظ به طالق، فيلزمه ما ذكرنا.
وإن قال لها: يا أمة يا أخت أو يا عمة أو يا خالة، فلا شي ءعليه وذلك من كلام [أهل] السفه.
1626 - ومن خطب إلى رجل فقال: هي أختك من الرضاعة، ثم قال بعد ذلك: والله ما كنت إلا كاذباً، فلا يتزوجها.(2/307)
1627 - وإن قال: حكمة طالق، وله زوجة وجارية تسميان كذلك، فقال: نويت الجارية، فإن كانت عليه بينة لم يقبل منه، وله ذلك في الفتيا.
1628 - ولو حلف لسلطان طائعاً بطلاق امرأته في أمر كذب فيه، وقال: نويت امرأتي الميتة، فلا يُنوّى في قضاء ولا فتيا، لأنه قال: امرأتي، وتطلق امرأته، [قال مالك:] وإن قال لزوجته: أنت طالق البتة، فقال: والله ما أردت بقولي ألبتة [طلاقها] ، وإنما أردت واحدة، فزل لساني لفلظت بالبتة، فهي ثلاث.
قال سحنون: وهذا الذي قال: البتة، قد كان عليه بينة فلذلك لم ينوه مالك.
قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق، وقال: نويت من وثاق ولم أرد الطلاق ولا بينة عليه وجاء مستفتياً، فهي طالق، كما لو قال لها كلاماً مبتدأ: أنت برية، ولم ينو به الطلاق، فهي طالق.
1629 - قال مالك - رحمه الله -: ويؤخذ الناس في الطلاق بألفاظهم، ولا تنفعهم نياتهم(2/308)
في ذلك، إلا أن يكون جواباً لكلام كان قبله.
1630 - وإن قال لها: أنت طالق تطليقة، ينوي بها أن لا رجعة لي عليك فيها، فله الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته، باطل، إلا أن ينوي بقوله: لا رجعة لي عليك البتات. وإن قال لها: أنت طالق، ونوى اثنتين أو ثلاثاً فهو ما نوى، وإن لم ينو شيئاً فهي واحدة، وإن أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث وتمادى في يمينه، فإن كان حالفاً فهي واحدة إلا أن يريد بلفظه أنت طالق الثلاث فتكون ثلاثاً، ولو أخذ ليحلف على شيء فلما قال: طالق ثلاثاً، بدا له فصمت فلا شيء عليه، وإن قال لها: أنت طالق الطلاق كله، فهي الثلاث.(2/309)
1631 - وإن قال لها: لست لي بامرأة، أو [قال:] ما أنت لي بامرأة أو لم أتزوجك، أو قال له رجل: ألك امرأة؟ فقال: لا، فلا شيء عليه في ذلك إلا أن ينوي به الطلاق، وإن قال لها: لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي عليك أو لا سبيل لي عليك، فلا شيء عليه إذا كان الكلام عتاباً، إلا أن ينوي بقوله هذا الطلاق.
قال ابن شهاب: وإن قال لها: انت سائبة أو مني عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، فليحلف ما أراد بذلك طلاقاً ويدين، فإن نكل وزعم أنه أراد [به] طلاقاً، كان ما أراد من الطلاق ويحلف على ذلك، وينكل من قال مثل هذا عقوبة موجعة، لأنه لبّس على نفسه وعلى حكام المسلمين، وقال القاسم بن محمد في عبد تحته امرأة فكلمه أهلها فيها، فقال: شأنكم بها، فرأى الناس ذلك طلاقاً.
قال ربيعة: وإن قال لها: لا سبيل لي عليك، دُيّن، وكذلك إن قال لها: لا تحلين لي، يدين، لأنه إن شاء قال: أردت الظهار أو اليمين.
قال عطاء بن أبي رباح: ومن قال: والله مالي امرأة فهي كذبة.(2/310)
قال ابن شهاب: وإن قال لها: أنت السراح، فهي واحدة إلا أن يريد بذلك بتّ الطلاق، وقال جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم في البتة والحرام والخلية والبرية والبائنة: إنها ثلاث (1) . انتهى.
* * *
_________
(1) كابن عمر والإمام علي وربيعة ويحيى بن سعيد وأبي الزناد وعمر بن عبد العزيز. وانظر: المدونة لمالك (5/402) ، وفتح الباري (9/370) ، واختلاف العلماء (1/197) ، ومختصره (2/421) ، وسنن البيهقي (7/343) .(2/311)
(كتاب الإيلاء)
1632 - قال مالك رحمه الله: وإذا حلف حر أن لا يطأ امرأته أربعة أشهر أو العبد شهرين فليسا بموليين حتى يزيدا على ذلك، وإن حلف أن لا يتطهر منها من جنابة، أو آلى منها بحج أو عمرة، أو بصوم أو بطلاق، أو بعتق أو بهدي، أو قال: إن قربتك فعلي أن أصلي مائة ركعة، أو حلف بالله أن لا يطأها حتى يقدم فلان أو حتى يوفي لفلان حقه، أو حتى يفعل كذا، وهو ما يمكنه فعله أم لا، فهو في جميع ذلك مولٍ. (1)
1633 - قال مالك: وإن قال لها: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثاً، فهو مول، إذ لها أن
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/131) ، حاية الدسوقي (3/227) ، مواهب الجليل، المدونة الكبرى (6/89) ، الرسالة لأبي زيد (1/96) .(2/313)
تقيم بلا وطء، وروى عنه أكثر الرواة أنه لا يمكن من الفيء بالوطء، إذ باقي وطئه لا يجوز، وروي عنه أيضاص أن السلطان يطلق عليه جين ترافعه، ولا يضرب له أجل المولي ولا يمكن من فيئه.
قال ابن القاسم: رفعته قبل أربعة أشهر أو بعدها. قال سحنون: وهذا أحسن.
وإن قال لها: إن وطئتك حتى أمس السماء فعلي كذا، فهو مول، إذ لها أن تقيم بلا وطء، فإن قامت عليه قبل أجل الإيلاء، لم يوقف حتى يحل أجل الإيلاء فيوقف، لأن فيئته [بعد الأجل] الوطء، فإما فاء فأحنث نفسه، وإلا طلق(2/314)
عليه السلطان، وإن قال لها: إن وطئتك فعلي نذر أو يمين كفارة، فهو مول. قيل: فإن حلف بالله أن لا يلتقي معها إلى سنة؟ قال: كل يمين بمنع الجماع فهو بها مول، فإن كان هذا يمتنع منه بيمينه فهو مول.
قال ابن شهاب: وإن حلف أن لا يكلمها وهو في ذلك يمسها فليس بمول.
1634 - قال مالك: وليس في الهجران إيلاء، وإن حلف بالله أن لا يطأها واستثنى فرآه مالك مولياً وله أن يطأ بلا كفارة. وقال غيره: لا يكون مولياً.
1635 - وإن حلف أن لا يطأها بعهد الله وميثاقه أو كفالته أو ذمته أو قدرته أو عظمته أو جلاله، فهذه كلها أيمان، فما حلف به من ذلك فهو به مول بنفس الإيلاء والأجل فيه أربعة أشهر من يوم حلف للحر، وشهران للعبد، كانت زوجة أحدهما(2/315)
أمة أو حرة، مسلمة أو كتابية، وإنما ينظر في أجل الإيلاء للرجال، لأن الطلاق على الرجال والعدة على النساء.
1636 - وإن قال لها: أشهد ألا أقربك أو أعزم على نفسي أو أقسم، فلا يكون بذلك مولياً إلا أن يريد بالله، وقوله أشهد ولعمري ليس بيمين.
وإن قال لها: إن وطئتك فهو يهودي أو نصراني أو زان، أو حلف ليغضبنها أو ليسوءنها، فترك [الوطء] أربعة أشهر، فليس بمول.
1637 - وإن قال لها: والله لا أطؤك، فلما مضت أربعة أشهر وقف، فقال: أردت أن لا أطأها بقدمي، قيل له: إن وطئت بان صدقك وأنت في الكفارة أعلم إن شئت فكفر أو فدع. وكذلك إن قال: [أردت] أن لا أطأها في هذه الدار، قيل له: أخرجها وجامعها إن كنت صادقاً ثم لا كفارة عليك، ولا يترك من غير أن يجامعها، وإن بين فقال: لا أطؤك في هذه الدار سنة فليس بمول، ولكن يؤمر بالخروج منها ليجامع إذا طلبت ذلك المرأة. وإن قال [لها] : لا أطؤك في هذا المصر أو في هذه البلدة، فهو مول.(2/316)
1638 - قال ابن القاسم: وإن قال لها: إن وطئتك فكل مملوك أملكه فيما أستقبل حر، أو كل مال أملكه من ذي قبل صدقة، فليس بمول، ولو حلف بهذا لم يكن عليه أن يتصدق بثلث ما يفيد، فإن خص بلداً لم يكن مولياً حتى يملك من تلك البلدة مالاً أو عبداً فيكون مولياً حينئذ، للزوم الحنث له بالوطء، وكل يمين لا يحث فيه بالوطء فليس بمول.
قال غيره: هو مول قبل الملك إذ يلزمه بالوطء عقد يمين من رأس أو مال، وقاله ابن القاسم أيضاً. وإن قال: إن جامعتك فعلي صوم هذا الشهر فليس بمول، إلا أنه إن جامعها فيه صام بقيته، فإن لم يطأها حتى انسلخ فلا شيء عليه، كمن حلف بعتق عبده إن جامع امرأته فباع عبده ثم جامعها، لم يكن مولياً.(2/317)
1639 - وإن قال لها: والله لا أطؤك في هذه السنة إلا يوماً، لم يلزمه الإيلاء إلا أن يطأ وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر، واختلف فيها بالمدينة، وإن حلف أن لا يطأها حتى تفطم ولدها، أو إلى سنة، فمضت السنة قبل توقفه فليس بمول، وإن حلف أن لا يطأها ثمانية أشهر فوقف لأربعة أشهر فأبى أن يفيء فطُلّق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت الأربعة الأخرى قبل تمام العدة ولم يمس، فرجعته ثابتة، وإن انقضت العدة قبلها فليست برجعة، وإن قال لها: والله لا أطؤك، ثم قال بعد ذلك بشهر: علي حجة إن قربتك، [فوقف] لأربعة أشهر من اليمين الأول فطلق عليه ثم ارتجع، فلا إيقاف عليه لليمين الثانية، إذ لو حنث بالوطء لزمته اليمينان جميعاً، فكذلك التطليق عليه إن لم يف باليمينين جميعاً، وقاله غيره.
1640 - ومن حلف بالطلاق ليجلدن عبده جلداً يجوز له، فباعه قبل أن يجلده، ضرب(2/318)
له أجل المولي إن رفعه، فإن حلّ الأجل قبل أن يملكه بشراء أو غيره فيجلده، طلقناها عليه واحدة، فإن ملكه في العدة أيضاً فضربه كانت له الرجعة، وإن انقضت قبل أن يملكه بانت منه، ثم إن نكحها عاد مولياً ووقف، إلا أن يملكه فيضربه فيبر. قال ابن دينار: ساعة باعه طلقت عليه.
[قال ابن دينار: ومن حلف بحرية غلامه ليضربنه، فباعه قبل الضرب] ، نقضت البيع وأعتقته عليه إذ لا أنقض صفقة سلم إلا إلى عتق ناجز.
1641 - ومن دخل عليه الإيلاء لضرر أو غيره ولم يحلف على ترك الوطء، مثل أن يقول: إن لم أفعل أو لأفعلن كذا فأنت طالق، فهو على حنث ولا يطأ، فإن رفعته ضُرب له الأجل من يوم رفعته.
قال غيره: هذا إذا تبين ضرره بها وإن لم يمكنه فعل ما حلف عليه لم يحل بينهما ولا يضرب له أجل، فإذا أمكنه فعل ذلك حيل بينهما وضرب له أجل المولي إن رفعته.(2/319)
كالحالف بالطلاق ليحجن ولم يوقت سنة بعينها وهو في أول السنة، أو لأخرجن إلى بلد كذا ولا يمكنه الآن الخروج لخوف طريق ونحوه ولا يستطيع الحج في أول السنة، فهذا لا يحال بينه وبين امرأته، فإذا أمكنه خروج أو جاء وقت الحج فتركه إلى وقت إن خرج لم يدركه، منع حينئذ من الوطء، وضرب له أجل المولي من يومئذ إن رفعته، فإن فعل ما يبرّ به من الحج إن كان يدركه أو الخروج إلى البلد قبل الأجل برّ، وإن جاء الأجل ولم يفعل ما أمكنه من ذلك طلق عليه، فإن ارتجع ففعل الحج أو الخروج إلى البلد قبل انقضاء العدة ثبتت رجعته، لأن فيئته ههنا فعله، وأما في نفس الإيلاء فالوطء فيئته.
1642 - وقال ابن نافع عن مالك: له الوطء ما بينه وبين أول حجه، فإذا جاء إبان الخروج الذي يدرك فيه الحج من بلده فحينئذ لا يمسها حتى يحج.
ومن قال [لرجل] : امرأتي طالق إن لم تهب لي ديناراً، أو لامرأته النصرانية: أنت طالق إن لم تسلمي، حيل بينه وبينها ولم يدخل عليه في هذا إيلاء،(2/320)
ولكن يتلوم له الإمام على قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، فإن أسلمت أو وهب له الأجنبي الدينار وإلا طلقت عليه. (1)
1643 - ومن قال لأجنبية: والله لا أطؤك، وأنت علي كظهر أمي، ثم نكحها لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يريد [بقوله] إن تزوجتك فيلزمه الظهار.
1644 - ولا يجوز لرجل أن يطأ أم جارية له قد وطئها بملك اليمين.
1645 - وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنت طالق ووالله لا أقربك، فإن نكحها طلقت، ثم إن نكحها ثانية لزمه الإيلاء، وإن قال لها: إن تزوجتك فوطئتك فأنت طالق، كان مولياً من يوم التزويج، فإن وطئها طلقت [عليه] وسقط الإيلاء.
1646 - ومن آلى من صغيرة لا يوطأ مثلها، لم يؤجل حتى يمكن [من] وطئها، فمن يومئذ يضرب له الأجل. ومن طلق امرأته طلقة بملك الرجعة ثم آلى منها، فهو مول إن مضت أربعة أشهر قبل انقضاء العدة فإما فاء أو طلق [عليه] .
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/92) ، والتاج والإكليل (4/80) ، ومختصر اختلاف العلماء (2/482) .(2/321)
1647 - وإن قال لها: إن وطئتك فعبدى ميمون حر، فباعه فله أن يطأ، فإن اشتراه عاد موليا ولا يحنث إلا بالوطء، وهو فى ملكه، وإن قال: زينب طالق واحدة، أو قال ثلاثا إن وطئت عزة، فطلق زينب واحدة، فإن انقضت عدتها فله وطء عزة، ثم إن تزوج زينب بعد زوج أو قبل زوج، عاد موليا فى عزة، فإن وطئ عزة بعد ذلك أو وطئها فى عدة زينب من طلاق واحدة، حنث، ووقع على زينب ما ذكر من الطلاق، ولو طلف زينب ثلاثا ثم نكحها بعد زوج، لم يعد عليه فى عزة إيلاء لزوال طلاق ذلك الملك كمن حلف بعتق عبد له أن لا يطأ امرأته فمات العبدفقد سقط اليمين، ولو طلق عزة ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج وزينب عنده، عاد موليا ما بقى من طلاق زينب شىء، كمن آلى أو ظاهر ثم طلق ثلاثا ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه أبدا حتى يكفر أو يفىء.(2/322)
1648 - ومن حلف أن لا يطأ امرأته حتى يموت فلان، أو حتى يقدم أبوه، وأبوه باليمين الأول فهو مول.
1649 - ومن قال لنسائه الأربع: والله لا أقرب واحدة منكن ولا نية له، لواحدة بعينها فيمينه على جميعهن، فإن ماتت إحداهن أو طلقها البته كان على إيلائه فيمن بقى، وإن وطئ واحدة منهن حنث فى جميعهن ويكفر. ثم لا كفارة عليه فيمن وطئ من البواقى، ولا يطق على المولى لتمام أجل الإيلاء حتى يوقف. وإن حلف أن لا يطأ امرأته إلا فى بلد كذا ومسافتها أقل من أربعة أشهر أو أكثر، أو حتى يكلم فلانا أو يقضيه حقه فهو مولٍ، فإن وقف بعد الأجل، فقال: دعونى أخرج، فإن كانت البلدة قريبة والرجل فى موضع قريب مثل ما يختبر بالفيئة، فذلك له، وإن بعد ذلك طلق عليه، ولا يزاد فيما أحل الله، وقيل له: ارتجع إن أحببت.
1650 - وإن جامعها المولى بين فخذيها بعدما وقفته أو قبل أن توقفه، فلا يفئ(2/323)
إلا بالجماع إذا لم يكن عذر، ولا يفيء بالوطء دون الفرج، ولا بالقبلة والمباشرة واللماس، إلا أن الكفارة تلزمه بالوطء دون الفرج، إلا أن يكون نوى الفرج فلا تلزمه كفارة، كمن حلف بعتق أمته إن وطئها، فإنه يحنث بالوطء دون الفرج.
وتحمل أيمانهم على الاعتزال حتى يخص بنيته الفرج، وأحسن للمولي أن يكفر في اليمين بالله بعد الحنث، وإن كفر قبله أجزأه وزال عنه الإيلاء.
قال أشهب: لا يزول عنه الإيلاء حتى يطأها وهو أعلم في كفارته إذ لعله كفر عن يمين بالله سلفت، إلا أن تكون يمينه في شيء بعينه فتزول.
1651 - قال ابن القاسم وغيره: إذا وقف المولي فعجل حنثه زال إيلاؤه، مثل أن يحلف أن لا يطأ بطلاق امرأة له أخرى، أو بعتق عبد له بعينه، فإن طلق المحلوف بها أو أعتق العبد أو حنث فيهما، زال الإيلاء عنه.
1652 - وكذلك إن حلّ الأجل وهو مريض أو مسجون أو غائب، وكانت يمينه بما ذكرنا أو بصدقة شيء بعينه أو بالله، لم تطلق عليه، ولكن يوقف المريض أو المسجون في موضعه ويكتب إلى الغائب، وإن كان بلده مسيرة شهر أو شهرين فيوقف أيضاً في موضعه، فإما عجلوا الكفارة أو إياقع ما ذكرنا من المعيّنات، من عتق أو طلاق أو صدقة، وإلا طلق على كل واحدة آلى منها، فإن قالوا: نحن نفعل، اختبروا مرة وثانية، فإن لم يفعلوا طلق عليهم.(2/324)
1653 - قال ابن القاسم: في يمينهم بالله إنهم إن فاؤوا بألسنتهم أجزأهم.
قال سحنون: وهذه الرواية أصح من كل ما كان من هذا الصنف غير هذا، وعليه أكثر الرواة.
1654 - قال ابن القاسم: وإذا أمكنهم الوطء فلم يطؤوا طلق عليهم، ولو كفروا في تلك الحال المتقدمة ثم أمكنهم الوطء فلم يطؤوا فلا إيلاء عليهم، فإن آلوا بما لا يكفّر قبل الحنث فالفيئة لهم بالقول، حتى يمكنهم الوطء فيطؤوا أو يطلق عليهم، ولا يحنث المريض إذا فاء بلسانه، وإنما يحنث إذا جامع. وإن وقف المولي وهي حائض فقال: أنا أفيء، أمهل حتى تطهر، وإن آلى الصحيح ثم مرض فلم يف بالكفارة فطلق عليه ثم مات من مرضه ذلك، ورثته.
1655 -[ومن] ترك وطء زوجته لغير عذر ولا إيلاء لم يُترك، فإما وطئ أو طلق، وكذلك يقضي، وقد كتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -(2/325)
إلى قوم غابوا بخراسان: إما قدموا أو يدخلون نساءهم إليهم أو طلقوا.
1656 - ومن تزوج امرأة بكراً أو ثيباً فوطئها مرة ثم حدث له من أمر الله ما منعه الوطء، وعلم أنه لم يترك ذلك وهو يقدر عليه ولا ليمين عليه، فلا يفرق بينه وبينها أبداً. وإن آلى خصي أو شيخ كبير قد تقدم له فيها وطء، أو آلى الشاب ثم قطع ذكره، لم يوقّفواولا حجة لنسائهم.
1657 - وإن طلق على المولي للأجل وهي مستحاضة فارتجع ولم يطأ حتى مضت أربعة أشهر ثانية، ولم تتم العدة، لأن عدتها سنة، فلا يوقف ثانية، ولكنه إن وطء في العدة فهي رجعة، وإن لم يطأ حتى تمت العدة لم تكن رجعة.
1658 - وإن آلى من امرأته بعد البناء ثم طلقها واحدة فحلّ أجل الإيلاء قبل تمام العدة وقف، فإن طلق عليه الإمام كانت طلقة أخرى، وإن تمت العدة قبل الأجل فقد بانت منه، وإن نكحها عاد مولياً ووقف لأربعة أشهر من يوم نكح، [لا] لتمام الأجل الأول.
1659 - والمولي والمظاهر إذا طلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج، فذلك يعود عليه(2/326)
أبداً حتى يفيء أو يُكفّر. وإن آلى هذا إلى أجل بعيد فطلق عليه لأجل الإيلاء ثم نكحها بعد ذلك، فإن بقي من أجل يمينه أكثر من أربعة أشهر عاد مولياً وإلا لم يعد. وإذا طلق على المولي وقد بنى فله الرجعة في بقية العدة بالقول، ويتوارثان ما لم تنقض [العدة] ، فإن ارتجعها بالقول فواسع له أن يخلو وإياها، فإن لم يطأ حتى دخلت في أول دم الحيضة الثالثة حلت، ولم تكن تلك رجعة إلا لمعذور بمرض أو سجن أو سفر، فرجعته رجعة بالقول، ثم إذا أمكنه الوطء بعد العدة فلم يطأ فرق بينهما وأجزأته العدة الأولى إلا أن يكون خلا بها فيها وأقر أنه لم يطأ، فلتأتنف العدة ولا يكون له عليها رجعة في هذه العدة المؤتنفة، فإن قال: إني وطئتها، فأنكرت هي فالقول قوله مع يمينه، وإذا طلق على المولي قبل البناء فلا رجعة له، وإن طلق عليه وقد بنى، ثم لم يرتجع بالوطء حتى تمت العدة، ثم تزوجها فعاد الإيلاء عليه وأوقفته لتمام الأجل فلم يف فطلق عليه، فإنه لا رجعة له ههنا، إذ لا عدة عليها، لأنه لم يبن في النكاح الثاني.
1660 - وإذا آلى العبد ثم عتق وقد بقي من أجل إيلائه شهر، فلزوجته إيقافه لتمام أجل العبد، ولا ينتقل إلى أجل الحر، كانت هي حرة أو أمة، إذ لو طلق واحدة ثم أعتق لم ترجع عنده إلا على واحدة، كما أن الأمة إذا أعتقت وهي في عدتها من طلاق يملك الزوج الرجعة أم لا تنتقل من عدة الإماء.(2/327)
1661 - وإن آلى العبد بعتق أو بصدقة كان مولياً، لأنه لو حنث ثم أعتق لزمته اليمين.
1662 - قال مالك في عبد حلف في جارية إن اشتراها فهي حرة: لا أحب له شراءها وإن لم يأمره سيده باليمين، وما حلف به الكافر من إيلاء أو يمين بالله أو بظهار أو عتق أو طلاق أو صدقة، لم يلزمه ذلك إذا أسلم.
* * *(2/328)
(كتاب اللعان)
1663 - واللعان يجب بثلاثة أوجه: فوجهان مجتمع عليهما، وذلك أن يدعي أنه رآها تزني كالمورد في المكحلة ثم لم يطأها بعد ذلك، أو ينفي حملاً يدعي قبل استبراء، والوجه الثالث أن يقذفها بالزنا ولا يدعي رؤية ولا نفي حمل، فأكثر الرواة يقولون: إنه يحد ولا يلاعن، قاله ابن القاسم مرة، وقاله المخزومي وابن دينار، وقالا: إن نفى حملاً ولم يدع استبراء جلد الحدّ ولحق به الولد، وقال ابن القاسم مرة أخرى: [إنه] إن قذف أو نفى حملاً لاعن، ولم يكشف عن شيء، وقاله ابن نافع.(2/329)
1664 - ويبدأ الزوج في اللعان فيشهد أربع شهادات، يقول في الرؤية: أشهد بالله لرأيتها تزني، وفي نفي الحمل: أشهد بالله لزنت، ويقول في الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وتقول المرأة في الرؤية: أشهد بالله ما رآني أزني، وفي الحمل: أشهد بالله ما زنيت [أربع(2/330)
مرات] ، وتقول في الخامسة، أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
1665 - واللعان بين كل زوجين، كانا [حرين أو] مملوكين أو أحدهما، أو محدودين أو كتابية تحت مسلم، إلا الكافرين فلا لعان بينهما، وأما الأمة والكتابية فلا يلاعن الزوج في قذفهما بغيررؤية، كان حراً أو عبداً، إذ لا يحد قاذفهما، ويلاعن فيهما إن أحب إذا نفى حملاً، وادعى استبراء، أو ادعى رؤية لم يمس بعدها لخوف الحمل، ولو شاء أن يلاعن في قذفهما ليحق ذلك عليهما لم أمنعه. (1)
1666 - ويلتعن المسلم في المسجد عند الإمام دبر الصلوات بمحضر من الناس، وفي الحديث أنهما تلاعنا بعد العصر. (2)
1667 - وتلاعن النصرانية في كنيستها حيث تعظم وتحلف بالله، وللزوج أن يحضر معها إن شاء أو يدع، ولا تدخل هي معه المسجد، لأنها تمنع من المسجد. وبتمام
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/140) ، ومواهب الجليل (4/132) ، والكافي (1/286) ، والثمر الداني (1/478) ، والرسالة (1/97) .
(2) رواه البخاري (5002) ، ومسلم (3723) .(2/331)
اللعان تقع الفرقة بين الزوجين، وإن لم يفرق بينهما الإمام، ثم لا تحل له أبداً وإن أكذب نفسه، ولكن يحدّ ويلحق به الولد، إلا أن يكذب نفسه وقد بقي من لعان الزوجة ولو مرة [واحدة] فيحد وتبقى له زوجة.
1668 - ولو لاعن من نفي حمل ثم انفشّ لم تحل له أبداً، إذ لعلها أسقطته وكتمته.
1669 - ولا لعان في قذف الصبي لامرأته الكبيرة، إذ لا حد عليه إن قذف أو زنا، ولأنه لا يلحقه ولد إن كان.
1670 - وإذا قذف الحر امرأته الحرة فقال: [رأيتها] تزني، وهي لا يحمل مثلها من كبر أو صغر، فإنه يلاعن إن كانت الصغيرة قد جومعت وإن لم تبلغ المحيض، وكذلك من قذفهما إن كانتا حرتين مسلمتين ليزيل حد قذفه، وتلتعن الكبيرة ولا تلتعن الصغيرة، إذ لا تحد إن نكلت أو أقرت أو زنت، ألا ترى أن النصرانية لو نكلت عن لعان المسلم أو صدقته لم يكن عليها حد.(2/332)
1671 - وإذا رأى الزوج الحمل ظاهراً فسكت شهراً أو حتى وضعته أو قامت بينة أنه رآه يوماً أو يومين فلم ينكره، أو أنه أقرّ به ثم نفاه، لم ينفعه نفيه، ويلحق به وتبقى له زوجة، كانت مسلمة أو كتابية أو أمة مسلمة، ويحد للحرة المسلمة، ولا يحد للأمة ولا الكتابية، وأما إن قدم من سفر فله أن ينفي الحمل وإن كان ظاهراً، ومن قال: رأيت امرأتي اليوم تزني ولم أجامعها بعد ذلك، إلا أني كنت وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ولم أستبرئ، فإنه يلاعن، قال مالك: ولا يلزمه ما أتت به من ولد، قال ابن القاسم: إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه، وقد اختلف في ذلك قول مالك: فمرة ألزمه الولد، ومرة(2/333)
لم يلزمه [الولد] ، ومرة قال بنفيه وإن كانت حاملاً، قال ابن القاسم: وأحب ما فيه إلي [أنه] إذا كان بها يوم الرؤية حمل ظاهر لا شك فيه، فإن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية، وقال المخزومي: إن أقرّ بالحمل وادعى رؤية لاعن، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فالولد منه، وإن كان لستة أشهر فأكثر فهو للعان، فإن ادعاه بعد ذلك ألحق به وحُدّ.
1672 - قال ابن القاسم: وإذا ولدت المرأة ولدين في بطن [واحد] ، ووضعت ولداً ثم وضعت آخر بعده لخمسة أشهر فهو حمل واحد، فإن أقرّ الزوج بأحدهما ونفى الآخر حدّ ولحقا به جميعاً، وإن وضعت الثاني لستة أشهر فأكثر فهما بطنان، فإن أقرّ بالأول ونفى الثاني وقال: لم أطأها بعد ولادة الأول، لاعن ونفى الثاني، إذ هما بطنان، فإن قال: لم أجامعها من بعد ما ولدت الأول وهذا الثاني ولدي،(2/334)
فإنه يلزمه، لأن الولد للفراش ويسأل النساء فإن قلن إن الحمل يتأخر هكذا لم يحد وكان بطناً واحداً، وإن قلن لا يتأخر حد ولحق به، بخلاف الذي يتزوج امرأة ولم يبن بها حتى أتت لستة أشهر من يوم تزوجت فأقر به الزوج وقال: لم أطأها منذ تزوجتها، فهذا يحد ويلحق به الولد.
1673 - ومن قدم من سفر فولدت امرأته ولداً ونفاه والتعن، ثم ولدت آخر بعد شهر، كان منفياً باللعان الأول، وهذا اللعان الأول ينفي كل ولد لهذا الحمل، فإن ادعى الولد الثاني حد ولحقا به جميعاً، وإن ولدت ولداً ميتاً أو مات بعد الولادة ولم يعلم به الزوج لغيبة أو غيرها ثم نفاه إذا علم فإنه يلاعن، لأنه قاذف.
1674 - ومن زنت زوجته فحدت، ثم قال: رأيتها تزني ولم يقذفها بالزنا الذي حدت فيه التعن، فإن كذب نفسه نكل ولم يحد، ومن قذف امرأته وقد كانت وطئت غصباً التعن. قال غيره: إن قذفها برؤية غير الغصب تلاعنا جميعاً، فأما إن غصبت فاستمرت حاملاً فنفى الولد لم ينتف [الولد] إلا بلعان، ولا تلتعن هي إذ تقول: إن لم يكن منك فمن الغاصب.(2/335)
1675 - ومن نكل من المتلاعنين عن اللعان حدّ مكانه، حد القذف على الزوج، والرجم على الزوجة إن كانت ثيباً، ولا تؤخر إلا بالحمل، وإن كانت بكراً فمائة جلدة.
وإن أقامت المرأة بينة أن الزوج قذفها وهو ينكر حدّ، إلا أن يدعي رؤية، فيلتعن ويقبل منه بعد جحوده.
وقال غيره: لا يقبل رجوعه، لأنه أكذب نفسه [ويحدّ] . ومن قذف زوجته ثم بانت منه وتزوجت ثم قامت بالقذف، فإنهما يلتعنان، ومن أبى منهما اللعان حدّ.
1676 - وإذا تصادق الزوجان على نفي الولد، نفي بغير لعان وحدت الزوجة، وإن كان لها معه قبل ذلك سنين، وقاله مالك والليث، وقال أكثر الرواة: لا ينفى إلا بلعان، ورووه أيضاً عن مالك.(2/336)
1677 - ومن قال في زوجته: وجدتها مع رجل في لحاف أو تجردت له أو ضاجعته، لم يلتعن إلا أن يدعي رؤية الفرج في الفرج، فإن لم تكن له بينة على ما ذكر فعليه الأدب ولا يحد.
1678 - وعلى قاذف ابن الملاعنة أو قاذف أمه الحد، وإن قال له: ليس ابوك فلاناً، فإن كان على وجه المشاتمة له حد.
قال ربيعة: ومن لاعن زوجته ثم قذفها بعد تمام اللعان حد.
1679 - قال ابن القاسم: ومن قامت عليه بينة أنه أقر بولد لاعن منه وهو منكر، لحق به وحُدّ.
ومن نفى ولداً بلعان، ثم زنت المرأة بعد ذلك، ثم أقر بالولد لحق به ولم يحد، إذ صارت زانية.
ومن قال: رأيت فلاناً يزني بامرأتي، لاعن وحدّ لفلان.
1680 - ومن لاعن في نفي حمل ثم ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً، أو كان لعانه بعد أن ألقته من الضرب، فالغرة للأم ولمن يرث الجنين من عصبته، ويرث ابن الملاعنة إذا مات أمه وعصبتها.(2/337)
ومن نفى ولداً بلعان ثم ادعاه بعد أن مات الولد [عن مال] فإن كان لولده ولد ضرب الحد ولحق به. وإن لم يترك ولداً لم يقبل قوله، لأنه يتهم في ميراثه ويحد ولا يرثه.
1681 - ومن أنكر لون ولده لزمه ولم يلاعن، وذلك عرق نزعه.
1682 - وإذا ماتت المرأة بعد التعان الزوج، أو بعد أن بقي من لعانهما مرة واحدة ورثها. وإن مات الزوج بعد التعانه قيل للمرأة: التعني، فإن أبت ورثته ورجمت، وإن التعنت لم ترثه.
1683 - ويلتعن الأعمى في الحمل بدعوى الاستبراء، وفي القذف، لأنه من الأزواج، فيُحمّل ما تَحَمّل.(2/338)
قال غيره: بعلم يدله على المسيس لا بالرؤية.
1684 - ويلاعن الأخرس بما يفهم عنه من إشارة أو كتاب، وكذلك يعلم قذفه.
1685 - ويلاعن في الرؤية من لا يدعي استبراء، فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية لحق به ولم ينفعه إن نفاه ولا يحد. ولو قال بعد الوضع لأقل من ستة أشهر: كنت استبرأت، ونفاه، كان اللعان الأول، ثم إن ادعاء أو أكذب نفسه في الاستبراء لحق به وحد، إذ باللعان نفيناه فصار قاذفاً.
1686 - وإن شهد على امرأة بالزنا أربعة، أحدهم زوجها، لاعن الزوج وحُدّ الثلاثة.
ومن قذف زوجته أو أجنبية فلم ترفعاه فلا شيء عليه. ومن لم يُعلم له(2/339)
بزوجته خلوة حتى أتت بولد فأنكره وأنكر المسيس وادعت هي أنه منه وأنه غشيها، وأنكر قولها وأتت به لستة أشهر فأكثر من يوم العقد، وقد طلق أو لم يطلق، لزمه، إلا أن ينفيه بلعان فلا يلزمه، ولا يكون لها إذا لاعن إلا نصف الصداق ولا سكنى لها ولا متعة.
1687 - ومن انتفى من حمل زوجته بلعان، ثم أقرّ به بعدما ولدته حدّ ولحق به، فإن كان موسراً في مدة الحمل أو في بعضه رجعت عليه بالنفقة في مدة يسره، وإن كان يومئذ معسراً لم ترجع عليه بشيء.
وللملاعنة السكنى ولا متعة لها على حال، كانت مدخولاً بها أم لا، سمى لها صداقاً أم لا. ولا تنكح حتى تنقضي عدتها.
1688 - ومن قذف زوجته أو انتفى من حملها وهي حائض، أو في دم نفاسها، فلا يتلاعنا حتى تطهر.(2/340)
وكذلك إن حل أجل التلوم في المعسر بالنفقة أو العنين وغيره، والمرأة حائض، فلا تطلق عليه حتى تطهر، إلا المولي فإنه إذا حلّ الأجل وهي حائض فلم يف طُلّق عليه. (1)
وروى أشهب عن مالك: أنها لا تطلّق عليه حتى تطهر.
* * *
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/41) ، والشرح الكبير (2/364) ، ومواهب الجليل (4/41) ، ومنح الجليل (4/272) .(2/341)
(كتاب الأيمان بالطلاق)
1689 - ومن طلق زوجته فقال له رجل: ما صنعت، فقال: هي طالق، فإن نوى إخباره فله نيته.
1690 - ومن قال لزوجته: إن دخلت الدار أو أكلت أو شربت [أو ركبت] ، ونحو(2/343)
هذا، فأنت طالق، فهي أيمان.
1690 - وإن قال لها: إذا حضت أو إن حضت فأنت طالق، لزمه الطلاق مكانه، وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو إذا شئت، فذلك بيدها وإن افترقا، حتى توقف أو توطأ أو يتلذذ منها طائعة. وكانت (إذا) عند مالك أشد من (إن) ، ثم ساوى بينهما، ولو قبلته قبل القضاء كان ذلك تركاً لما جعل لها. (1)
_________
(1) إن هذا البلب يخص الطلاق المعلق، وانظر: شرح حدود ابن عرفة (176) ، ومواهب الجليل (4/107) ، وكفاية الطالب (2/26) ، والفواكه الدواني (1/423) ، وشرح الزرقاني (3/276) ، والتقييد (2/366) .(2/344)
1691 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم قال لها ذلك ثانية في ذلك الرجل، فهي إن حنث طلقتان حتى يريد واحدة، ولو كان ذلك في يمين بالله لم تلزمه إلا كفارة واحدة، ألا ترى أنه لو قال: والله والله والله لا أكلم فلاناً فكلمه، لم تلزمه إلا كفارة واحدة. ولو قال لها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن كلمت فلاناً فكلمته، طلقت ثلاثاً، إلا أن ينوي واحدة ويريد بالبقية إسماعها.
1692 -[وإن قال لها: إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك، فلا يجبر على فراقها ولكن يؤمر به] .
وإن قال لها: إن كنت تحبين فراقي فأنت طالق ثلاثاً، فقالت: إني أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة أو لاعبة، فليفارقها ولا يقيم عليها.
1693 - ومن قال لرجل: امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن كنت قلته [لك] ، فليديّنا ويتركا إن ادعيا يقيناً. وإن قال(2/345)
[لها] : إذا حضت أو إذا حاضت فلانة - وفلانة ممن تحيض - فأنت طالق، طلقت الآن، وتأخذ في العدة وتعتد بطهرها الذي هي فيه من عدتها، فإن ارتابت بتأخير الحيض فاعتدت سنة ثم نكحها بعد العدة فحاضت عنده واليمين فيها، لم تلزمه بذلك طلقة ثانية، لأني عجّلت حنثه بذلك.
1694 - وإن قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة.
وقال غيره: لا يلزمه طلاق إلا أن ترفعه إلى السلطان وتوقفه.
1695 - ومن قال لزوجته: إن أكلت من هذا الرغيف فأنت طالق، فلم تأكل منه شيئاً حتى طلقها واحدة، فتزوجت غيره ثم أكلت بعضه لم يحنث بذلك، فإن(2/346)
طلقت وتزوجها الحالف فأكلت بقيته أو بعضه وهي في عصمته حنث ما بقي من طلاق الملك الذي عقد فيه اليمين شيء، فإذا تم لم يحنث بما أكلت عنده في الملك الثاني. (1)
1696 - ومن قال لرجل: امرأتي طالق لو كنت حاضراً لشرّك مع أخي لفقأت عينك، فإنه حانث.
1697 - ومن قال لامرأته: إذا قدم فلان أو إن قدم [فلان] فأنت طالق، لم يلزمه طلاق حتى يقدم فلان، وليس هذا من الشك الذي يفرق به ولا هو أجل آت على كل حال، وإنما الشك الذي يفرق به لو قال رجل: امرأته طالق إن كلّم فلاناً، ثم شكّ فلم يدر أكلمه أم لا، طلقت عليه، وكل يمين بالطلاق لا يعلم صاحبها أنه فيها بار فهو حانث.
1698 - وإن قال لها: إذا حملت فأنت طالق، لم يُمنع من وطئها مرة واحدة، ثم تطلق حينئذ.
1699 - وإن قال لها وهي غير حامل: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، فإن كان وطئها في ذلك الطهر طلقت عليه مكانها ولا ينتظر بها أن تضع [ولا أن تحمل] ، وإن قال لها: إن كنت حاملاً، أو إن لم يكن بك حمل أو إذا وضعت فأنت طالق،
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (6/4، 7) ، ومواهب الجليل (4/71) ، والتاج والإكليل (4/68) ، والتقييد (2/368) .(2/347)
طلقت مكانها ولا يُستأنى بها لينظر أبها حمل أم لا، إذ لو ماتا قبل أن يتبين ذلك لم يتوارثا.
1700 -[وإن قال لها: أنت طالق بعد قدوم فلان بشهر طلقت حين قدومه ولا ينتظر الأجل] .
1701 - وإن قال لها: أنت طالق إذا مت أنا أو إذا مت أنت، لم يلزمه شيء، وإن قال لها: إذا مات فلان فأنت طالق، أو طلق إلى أجل آت، أو قال لها: أنت طالق قبل موتك بشهر.
1702 - أو قال لها وهي حامل: إذا وضعت فأنت طالق لزمه الطلاق في ذلك كله مكانه، وإن قال لها: أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أو سنة، طلقت عليه الآن ثلاثاً ولم تعد عليه اليمين إن نكحها بعد زوج، لأن الملك الذي طلق فيه قد ذهب.
1703 - وإن قال لأجنبية: أنت طالق غداً، فتزوجها قبل غد فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، فتطلق مكانها، وإن قال لامرأته وهي حامل: إن لم يكن في بطنك غلام فأنت طالق طلقت ساعتئذ، وإن أتت بغلام لم ترد إليه، وكذلك قوله: إن(2/348)
لم تمطر السماء في وقت كذا فأنت طالق، فإنها تطلق عليه حينئذ، لأن هذا من الغيب، ولا ينتظر به إلى ذلك الوقت لينظر أيكون فيه المطر أم لا، ولو مطر في ذلك الوقت لم ترد إليه، وأما إن قال لها: إن لم يقدم أبي في وقت كذا فأنت طالق، فخلاف ذلك، إذ [قد] يدعي علم قدومه بالخير يأتيه أو غيره.
1704 - وإن قال لها: إن لم أدخل الدار أو أفعل كذا فأنت طالق، لم يقع عليه الطلاق حين تكلم بذلك، ولكن يمنع من وطئها حتى يفعل ما حلف عليه، فإن رفعت أمره [للحاكم] ضرب له من يوم ترفع أجل المولي، ولا ينظر إلى ما مضى قبل ذلك من الشهور، وإنما يضرب له الأجل من يوم حلف، لو حلف بيمين من الأيمان أن لا يطأ، ولا يحتاج في هذا إلى رفعه إلى الإمام، لأنه لو وطئ قبل أن ترفعه زال إيلاؤه وبرّ، والأول لو وطئ قبل أن ترفعه لم تسقط عنه اليمين التي عليه إذا لم يفعلها.(2/349)
1705 - وإن قال لها: إن كلمت فلاناً فأنت طالق، ثم حلف بمثل ذلك في رجل آخر فكلمتهما لزمته طلقتان، ولا ينوّى إلا أن يكون المحلوف عليه رجلاً واحداً فينوّى.
1706 - وإن قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، ثم قال: كل امرأة أتزوجها من بلد كذا لبلدها فهي طالق، أو قال لها بعد ذلك ولنساء معها: إن تزوجتكن فأنتن طوالق، فإن نكحها لزمته طلقتان ولا ينوى، وإن قال لأجنبية: إن تزوجتك أو يوم أتزوجك فأنت طالق طالق طالق، أو فأنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو قدّم ذكر الطلاق قبل ذكر التزويج فهي ثلاث إن تزوجها، إلا أن يريد واحدة فيديّن، وإن قال لامرأته: أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق، أو ثم [ثم ثم] فهي ثلاث ولا ينوى، قال مالك: وفي النسق بالواو إشكال، قال ابن القاسم: ورأيت الأغلب من قوله أنها مثل ثم ولا ينويه، وهو رأيي، وكذلك إن قال ذلك لأجنبية، وقال معه: إن تزوجتك.(2/350)
والواحدة تبين غير المدخول بها والثلاث تحرمها إلا بعد زوج.
قال ربيعة: وإن قال لامرأته قبل البناء: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، كلاماً نسقاً فهي ثلاث ولا تحل له إلا بعد زوج، قال ابن القاسم: وإن قال لها: أنت طالق إن كنت أحب طلاقك، وهو يحبه بقلبه فهي طالق. وإن قال لها: أنت طالق [ثلاثاً] إن دخلت [هذه] الدار، فطلقها ثلاثاً ثم تزوجها بعد زوج ثم دخلها فلا شيء عليه، ولو كان إنما طلقها واحدة أو اثنتين لحنث بدخولها الآن، لباقي طلاق ذلك الملك، تزوجها قبل زوج أو بعده، ثم لا تحل له إلا بعد زوج. ولا يحنث بدخولها في ملك غيره.
وقد ذكرنا في كتاب العتق الأول مسألة من حلف بعتق عبده إن كلم فلاناً، فباعه ثم كلمه ثم اشترى العبد.
1707 - وإن قال لها وهي حائض: إذا طهرت فأنت طالق، طلقت الآن وجُبر(2/351)
على الرجعة، وإن قال لها: أنت طالق يوم أدخل دار فلان، فدخلها ليلاً، أو حلف على الليل فدخلها نهاراً حنث، إلا أن ينوي نهاراً دون ليل أو ليلاً دون نهار فينوّى.
1708 - وإن قال لها: أنت طالق إن دخلت دار فلان ودار فلان، فدخل إحداهما حنث، ثم إن دخل الثانية لم تطلق ثانية.
1709 - ومن لم يدر كم طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، فهي ثلاث، فإن ذكر في العدة أنها أقل فله الرجعة، وإن ذكر ذلك بعدها كان خاطباً ويصدق في ذلك، وإن بقي على شكه حتى تزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة أو اثنتين لم تحل له إلا بعد زوج، وكذلك بعد ثان وثالث ومائة زوج، إلا أن يبت طلاقها وهي تحته في أي نكاح كان فتعود إن رجعت إليه على ملك مبتدأ. (1)
1710 - وإن قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، فقالت: قد دخلت فكذبها، ثم قالت: كنت كاذبة، أو لم تقل، فإنه يؤمر بفراقها ولا يُقضى عليه به، ولو صدقها أولاً لزمه الفراق بالقضاء، وإن رجعت عن إقرارها، وإن قال لها: أنت طالق إن كتمتني أو كذبتني، لشيء سألها عنه فتخبره فلا يدري أكتمته أو كذبته فليفارقها
_________
(1) انظر: مختصر اختلاف العلماء (2/426) .(2/352)
بلا قضاء، ومن لم يدر بما حلف بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة، فليطلق نساءه، ويعتق رقيقه، ويتصدق بثلث ماله، ويمشي إلى مكة، يؤمر بذلك بغير قضاء، وكذلك من حلف بطلاق ثم لم يدر أحنث أم لا، أُمر بالفراق.
وإن كان ذا وسوسة في هذا فلا شيء عليه.
1711 - وإن قال لها: طلقتك قبل أن أتزوجك، أو وأنا صبي فلا شيء عليه، وكذلك إن قال: وأنا مجنون، إن عُرف بأنه كان به جنون.
1712 - ومن طلق بالعجمية لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العدمية، وإن قال لها: يدك أو رجلك أو أصبعك طالق، طلقت كلها، وكذلك العتق.
1713 - ومن طلق بعض تطليقة لزمه طلقة كاملة، ابن شهاب: ويوجع ضرباً من قال ذلك.
1714 - ومن قال لأربع نسوة له: بينكن طلقة إلى أربع، طلقن واحدة واحدة، وإن قال: خمس إلى ثمان، طلقن ثنتين ثنتين، وإن قال: تسع إلى ما فوق، طُلّقن ثلاثاً ثلاثاً.
1715 - ومن قال: إحدى نسائي [أو امرأة من نسائي] طالق، أو كان ذلك في يمين حنث بها، فإن نوى واحدة طُلقت التي نوى خاصة، وصُدق في القصء والفتيا،(2/353)
وإن لم ينوها أو نواها فأُنسيها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق، وإن جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له.
1716 - وإن قال لها: أنت طالق إن شاء الله، لزمه الطلاق ولا ثنيا له.
1717 - وإن قال لها: إن شاء فلان فذلك له وينظر ما شاء فلان، وإن مات فلان قبل أن يشاء وقد علم بذلك، أو لم يعلم، أو كان ميتاً قبل يمينه، أو قال لها: إن شاء هذا الحجر، أو الحائط، فلا شيء عليه في ذلك.
1718 - وإن قال لامرأة: كلما تزوجتك فأنت طالق ثلاثاً، فالطلاق يعود عليه أبداً كلما تزوجها، ولو قال: إن تزوجتك أبداً، أو إذا تزوجتك، أو متى ما، فإنما يحنث بأول مرة، إلا أن ينوي أن متى ما، مثل: كلما، فتكون مثلها، وإن قال لأجنبية: إن وطئتك أو يوم أكلمك فأنت طالق، ثم تزوجها وفعل ذلك فلا شيء عليه إلا أن ينوي إن تزوجتك، ومن قال: كل امرأة أتزوجها [فهي] طالق، فلا شيء عليه، كان له يومئذ أربع زوجات فأدنى، أو لا زوجة له، طلق بعض زوجاته أم لا، قال ذلك في يمين مضمنة بفعل فحنث، أو في غير يمين، فله أن ينكح حتى يُكمل أربعاً، ولو طلق كل امرأة في عصمته لزمه، وله أن يتزوج إن شاء.(2/354)
1719 - ولو قال لزوجته: إن دخلت أنا وأنت الدار فكل امرأة أتزوجها طالق، أو بدأ بذكر التزويج قبل دخول الدار، ثم تزوج امرأة ثم دخل الدار أو دخلت، فلا شيء عليه فيها، ولا فيمن نكح بعدها.
1720 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلا من الفسطاط طالق، أو قال: إن لم أتزوج من الفسطاط فكل امرأة أتزوجها طالق، لزمه الطلاق فيمن تزوج من غيرها (1) ، وإن قال: إلا من قرية كذا لقرية صغيرة ليس فيها ما يُتزوج، أو قال: إلا فلانة، وهي ذات زوج أم لا، أو قال: إن لم أتزوج فلانة، فكل امرأة أتزوجها طالق، فلا شيء عليه في ذلك كله، وإن قال: كل امرأة أتزوجها إلى ثلاثين سنة أو أربعين فهي طالق، فذلك يلزمه إذا أمكن أن يحيا ما أجّل من الأجل، فإن خشي العنت في التأجيل ولم يجد ما يتسرر به، فله أن ينكح ولا شيء عليه. وإن قال: إلى مائتي سنة، أو كان شيخاً فضرب أجلاً يعلم أنه لا يبلغه، فلا شيء عليه.
1721 - وإن خصّ قبيلة أو بلدة كقوله: كل امرأة أنكحها من مضر أو همدان أو مصر أو الشام فهي طالق، فتزوج منها امرأة طلقت عليه، ثم كلما تزوجها أبداً،
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/49، 50) ، ومواهب الجليل (4/49) .(2/355)
ولو بعد ثلاث عاد عليه فيها اليمين وطلقت، لأنه لم يحلف على عينها، وترجع كإحدى نساء تلك البلدة.
وكذلك إن قال: من الموالي، وتحته منهن امرأة فلا تطلق عليه، فإن طلقها ثم تزوجها طلقت عليه.
1722 - وإن قال: كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة فهي طالق، لزمه، لأنه أجل آت، كانت فلانة تحته أم لا، فإن كانت تخته فطلقها فإن نوى بقوله: ما عاشت، أي ما دامت تحتي، فله أن يتزوج، وإن لم تكن له نية، فلا يتزوج ما بقيت، إلا أن يخشى العنت.
1723 - وإن قال لزوجته: كل امرأة أتزوج عليك طالق، فطلق المحلوف لها ثلاثاً، ثم تزوج امرأة، ثم تزوج المحلوف لها بعد زوج، أو تزوجها بعد زوج ثم تزوج عليها، فلا شيء عليه [فيهما] .
وأما إن طلق المحلوف لها واحدة فانقضت عدتها ثم تزوجها ثم تزوج عليها أجنبية، أو تزوج الأجنبية ثم تزوجها هي عليها، فإن الأجنبية تطلق عليه في الوجهين ما بقي من طلاق الملك الأول شيء، ولا حجة له إن قال: إنما تزوجتها على غيرها ولم أنكح غيرها عليها، ولا أنويه إن ادعى نية في ذلك، لأن قصده أن لا يجمع بينهما. (1)
_________
(1) انظر منح الجليل لسيدي محمد عليش (4/93) .(2/356)
وكذلك إن قال: إن تزوجت عليك فأمر التي أتزوج عليك بيدك، على وجوه: المسألة الأولى: يكون ذلك بيدها ما بقي من طلاق الملك [الأول] شيء، سواء كان ذلك مشترطاً في عقد النكاح أو تبرع به بعد العقد.
وإن شرط عند نكاحه إن تزوج عليها فأمر نفسها بيدها، ففعل، فلها أن تطلق نفسها بالثلاث، ولا مناكرة له ههنا بنى بها أم لم يبن، فإن طلقت نفسها واحدة وقد بنى بها فلها الرجعة، وإن لم يبن بها بانت بالواحدة.
وإن طلقت واحدة ولم توقف، فليس لها أن تزيد عليها كالتي توقف فتطلق واحدة فقد تركت ما زاد عليها، ولو نكح عليها امرأة ولم تقض فلها أن تقضي، إن نكح ثانية، أي الطلاق شاءت، وتحلف ما رضيت إلا بالأولى وما تركت الذي كان لها من ذلك، ولو طلق الأولى ثم راجعها بنكاح، فللمملكة القضاء وليس رضاؤها بها أولاً بلازم لها مرة أخرى.
1724 - ومن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً إن لم أتزوج عليك اليوم، فتزوج نكاحاً فاسداً أو قال لأمته: أنت حرة إن لم [أبعك] اليوم، فباعها فألفيت حاملاً منه، فإنه حانث فيهما.(2/357)
قيل: فإن نكح على الزوجة أمة؟ قال آخر: ما فارقت عليه مالكاً أن نكاح الأمة على الحرة جائز والخيار للحرة.
ومن قال: كل امرأة أتزوجها من الفسطاط طالق [ثلاثاً] ، فتزوج منها ودخل، فعليه صداق واحد لا صداق ونصف، كمن وطئ بعد الحنث ولم يعلم فإنما عليه المهر الأول الذي سمى، وليس عليها عدة الوفاة إن دخل بها ثم مات، وإنما عليها ثلاث حيض.
1725 - ولو وكّل من يزوجه فلم يحضر عليه فزوجه من الفسطاط لزمه النكاح وطلقت عليه، إلا أن ينهاه عن الفسطاط.
1726 - ومن قال لرجل: أخبر زوجتي بطلاقها، أو أرسل إليها بذلك رسولاً، وقع الطلاق حين قوله للرسول، بلغها الرسول ذلك أو كتمها.
وإن كتب إليها بالطلاق ثم حبس كتابه، فإن كتبه مجمعاً على الطلاق لزمه حين كتبه، وإن كان ليشاور نفسه ثم بدا له فذلك له ولا يلزمه طلاق، ولو أخرج(2/358)
الكتاب من يده عازماً وقد كتبه غير عازم، لزمه حين أخرجه من يده، وإن أخرجه غير عازم فله رده ما لم يبلغها، [وإن بلغها لزمه] .
1727 - وما علم من الأخرس بإشارة أو كتاب، من طلاق أو خلع أو عتق أو نكاح أو بيع أو شراء أو قذف، لزمه حكم المتكلم به ويحد قاذفه ويقتص منه وله في الجراح، وما طلق المُبَرْسم في هذيانه وعدم عقله لم يلزمه، ويلزم السكران طلاقه وخلعه وعتقه، وإن قتل قُتل.
1728 - ولا يلزم المكره ما أكره عليه من طلاق أو خلع أو نكاح أو عتق أو غيره. والمجنون الذي يفيق أحياناً، ما طلق في حال إفاقته يلزمه وما طلق في حال جنونه لم يلزمه.
وكذلك المعتوه والمطبق لا يلزمه ما طلق، فأما السفيه في حاله. المخدوع في عقله، فطلاقه يلزمه، ولا يجوز طلاق الصبي حتى يحتلم.
1729 - وإذا أسلمت الذمية وزوجها ذمي فطلقها وهي في عدتها، لم يلزم طلاقه وإن اسلم بعد ذلك.(2/359)
1730 - ومن حلف بالطلاق على ما يوقن أنه كذلك، ثم ظهر خلافه لزمه الطلاق، قاله عدد من السلف، وقضى عمر بن عبد العزيز في الحالف بطلاق إحدى نسائه على ناقة أقبلت أنها فلانة وليست هي، أن التي نوى من نسائه تطلق، وإن لم ينو واحدة طلقن كلهن، قال ربيعة: ومن ابتاع سلعة فحلف لرجل بالطلاق ليخبرنه بكم أخذها فأخبره، ثم ذكر أنه أقل أو أكثر فهو حانث.
1731 - وإذا أعتقت الأمة تحت عبد حيل بينهما حتى تختار، ولها الخيار بطلقة وتكون بائنة، ولا رجعة له إن عتق في العدة.
وإن قالت حين أعتقت: اخترت نفسي ولا نية لها فهي طلقة بائنة، إلا أن تنوي أكثر فيلزم ما نوت.
1732 - وإن طلقت نفسها أكثر من واحدة أو البتة بعد البناء لزم، ولم تحل له إن طلقت اثنتين فأكثر إلا بعد زوج، لأنه جميع طلاق العبد. وكذلك إن فارقت بواحدة وقد تقدم له فيها طلقة.(2/360)
وأول قول مالك: أنه ليس لها أن تختار بأكثر من واحدة، ثم رجع إلى أن ذلك لها على حديث زبراء، ولها الخيار عند غير السلطان، وإن لم تختر حتى عتق، أو كان عتق الزوجين في كلمة فلا خيار لها، ولا تختار في الحيض، فإن فعلت لزم، ولو بلغها العتق بعد زمان وهو يطؤها فلها الخيار حين علمت، والخيار لها في مجلسها الذي علمت بالعتق فيه وبعد ذلك ما لم توطأ، ولو وقفت سنة فمنعته نفسها ولم توطأ ثم قالت: لم أسكت رضى بالمقام، صُدّقت ولا يمين عليها كالتمليك وكان لها [الآن] أن تختار.
وإن كان وقوفها رضى بالزوج فلا خيار بعد أن تقول: قد رضيت بالزوج، ولو وطئها بعد علمها بالعتق وجهلت أن لها الخيار أو علمت فلا خيار لها بعد ذلك.
وإن عتق نصفها تحت عبد أو جميعها تحت حر فلا خيار لها.(2/361)
1733 -[وإذا طلق المريض امرأته قبل البناء فلها نصف الصداق، وترثه إن مات من مرضه ذلك، ولا عدة عليها لوفاة ولا طلاق، فإن دخل بها ثم طلقها في مرضه طلاقاً بائناً فعليه عدة الطلاق وترثه، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة إن مات في العدة، ولو كان طلاقاً يملك فيه رجعتها انتقلت فيه إلى عدة الوفاة إن مات في عدتها، وإن انقضت العدة قبل الوفاة فلها الميراث ولا عدة عليها من الوفاة. (1)
1734 - والمطلقة في المرض لو تزوجت أزواجاً كل يطلقها في مرضه، لورثت كل من مات منهم، وإن كانت الآن تحت زوج، ومن طلق في مرضه واحدة ثم صح ثم مرض فمات من المرض الثاني، ورثته إن مات وهي في العدة، وإن كان طلاقه إياها البتة لم ترثه وإن مات في عدتها، إذا صح فيما بين ذلك صحة بيّنة، وإن طلقها واحدة في مرضه ثم صح ثم مرض فأردفها طلقة أو أبتها لم ترثه إلا أن يموت وهي في العدة من الطلاق الأول، لأنه في الطلاق الثاني ليس بفار، إلا أن يرتجعها من الطلاق الأول ثم يطلقها في مرضه الثاني، فترثه وإن انقضت عدتها، لأنه بارتجاعها صارت كسائر أزواجه، وصار بالطلاق الثاني فاراً من الميراث] .
1735 - والمبتوتة في المرض إن ماتت قبله ثم مات من مرضه ذلك لم ترثه، ولا يرث ميت من حي مات بعده، ولا يرثها إن كان طلقها ألبتة أو واحدة فانقضت عدتها، وإن قال لها في حصته: إن قدم فلان، أو قال: إن دخلت بيتاً فأنت طالق، فقدم أو دخلت في مرضه لزمه الطلاق وورثته إن مات فيه.
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/99) ، والفواكه الدواني (2/30) ، والثمر الداني (1/463) ، والرسالة (1/93) ، والمحلي لابن حزم (10/222) .(2/362)
وكذلك كل طلاق وقع في مرضه وإن أقر المريض أنه طلق في صحته، ورثته وعليها عدة الطلاق من يوم أقرّ.
فإن كان إقرار بطلاق غير بائن ثم مات وبنى في العدة، انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وإن انقضت عدتها من يوم أقرّ [بما أقر] به فلها الميراث ولا عدة عليها. (1)
1736 - ومن قُرّب لحد من قطع يد أو رجل أو جَلد، فطلق حينئذ ثم مات من ذلك، فإن خيف عليه من ذلك الموت فهو كالمريض وحاضر الزحف، ومن حبس للقتل له حكم المريض في ذلك، وراكب البحر والنيل في حين الخوف والهول، قال مالك - رحمه الله -: أفعاله من رأس المال، وروي عنه أنها من الثلث.
وأما المفلوج وصاحب حمى الربع والأجذم والأبرص والمقعد وذو الجراح والقروح، فما أرقده من ذلك وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه فله حكم المريض
_________
(1) انظر: التقييد (2/388) .(2/363)
وما لم يبلغ ذلك به فله حكم الصحيح، فرب مفلوج أو يابس الجذام يتصرف ويسافر، وكل من لا يجوز قضاؤه في جميع ماله، فطلق في حاله تلك فلامرأته الميراث إن مات من مرضه ذلك.
1737 - ولا تجوز الوصية للمطلقة في المرض وإن تزوجت أزواجاً، لأنها وارث.
وإن قتلته في مرضه خطأ بعد أن طلقها، فالدية على عاقلتها، وترث من ماله دون الدية. وإن قتلته عمداً لم ترث من ماله وقُتلت به. وإن عُفي عنها على مال لم ترث منه أيضاً.
1738 - ومن تزوج في المرض ثم طلق فيه أو لم يطلق فلا ترثه، وهو نكاح لا يقر، قال مالك - رحمه الله -: ولا صداق لها إلا أن يكون دخل بها في مرضه فلها الصداق في ثلثه مُبدّى على الوصايا. قال ابن القاسم: وإن سمى لها أكثر من صداق مثلها كان لها صداق المثل في الثلث مبدّى عليه الوصايا بالعتق وغيره، إلا الدين فإنه يبدّى عليه، لأنه من رأس المال.
1739 - ومن ارتد في مرضه فقتل على ردته، لم يرثه ورثته المسلمون ولا زوجته، إذ لا يتهم أحد بالردة على منع الميراث.(2/364)
وإن قذفها في مرضه، فلاعن ثم مات من مرضه ذلك ورثته.
1740 - وإن طلق مريض زوجته قبل البناء ثم تزوجها قبل صحته، فلا نكاح لها إلا أن يدخل بها، فيكون كمن نكح في المرض وبنى فيه، والمرض الذي يُحجب فيه عن ماله هو الذي ترثه إن طلق فيه، قال ربيعة: ومن طلق في مرضه ثم تماثل ثم نكس، ورثته إلا أن يصح صحة بينة.
1741 - قال ابن القاسم: وبلغني عن بعض أهل العلم فيمن نكح امرأتين فبنى بواحدة ولم يبن بالأخرى حتى طلق إحداهما طلقة، ثم مات ولم تنقض العدة وجُهلت المطلقة، فللمدخول بها الصداق كاملاً وثلاثة أرباع الميراث، وللتي لم يبن بها ثلاثة أرباع الصداق وربع الميراث.
ولو مات بعد انقضاء العدة أو كان الطلاق ثلاثاً ومات قبل انقضاء العدة، فالصداق على ما ذكرنا والميراث بينهما نصفان، ولو نكح أماً وابنتها في عقدتين، ولم تُعلم الأولى منهما، فإن بنى بهما فلكل واحدة صداقها المسمى، ولا ميراث لهما، وإن لم يبن بهما فالميراث بينهما، ولكل واحدة نصف صداقها [المسمى] ، اتفق أو اختلف. وكذلك إن مات عن خامسة غير معلومة.(2/365)
1742 - وإن شهد رجلان على رجل أنه طلق واحدة من نسائه معينة وقالا: نسيناها، لم تجز الشهادة إن أنكر الزوج ويحلف بالله ما طلق واحدة منهن، وإن شهدا أنه قال: إحداهن طالق، قيل للزوج: إن نويت واحدة تذكرها وإلا طُلّقن كلهن.
وإن شهد أحدهما بتطليقة والآخر بثلاث، لزمته طلقة واحدة وحلف على البتات، فإن نكل طلقت عليه البتة، قاله مالك ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف، وإن شهد أحدهما أنه حلف بالطلاق ألا يدخل الدار وأنه دخل، وشهد الآخر أنه حلف به أن لا يكلم فلاناً وأنه كلمه لم تطلق عليه، ويلزم الزوج اليمين أنه لم يطلق فإن نكل سجن - كما ذكرنا -.
وفي قول مالك الأول إذا نكل طلقت عليه، وكذلك الحرية في هذا، وإن(2/366)
شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر في رمضان، وشهد الآخر أنه طلقها يوم الجمعة بمكة في ذي الحجة طلقت عليه، وكذلك الحرية.
1743 - وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد الآخر أنه قال ذلك في ذي الحجة، وشهدا عليه [هما أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه] ، وإن شهدا عليه جميعاً أنه قال: إن دخلت دار عمرو بن العاص فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخلها في رمضان وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة، طلقت عليه، كمن حلف بالطلاق أن لا يكلم فلاناً فشهد عليه رجل أنه كلمه في السوق وآخر أنه كلمه في المسجد، حنث، وكذلك يمينه بالعتق، وإنما الطلاق حق من الحقوق وليس هو حد من الحدود.
1744 - وإن شهد عليه أحدهما بالبتة، والآخر بقوله: أنت علي حرام أو بالثلاث، لزمته الثلاث، وكذلك واحد بخلية وآخر ببرية أو بائن، وإذا اختلفت الألفاظ وكان المعنى واحداً كانت شهادة واحدة.(2/367)
1745 - وإن شهد واحد أنه طلق ألبتة وشهد آخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها، لم تطلق، لأن هذا شهد على فعل وهذا على إقرار.
1746 - وكذلك إن شهد أحدهما أنه طلقها على عبدها فلان، وشهد الآخر أنه طلقها على ألف درهم، فقد اختلفا فلا يجوز، قال ربيعة: ومن شهد عليه ثلاثة نفر كل واحد بطلقة ليس معه صاحبه، فأمر أن يحلف فأبى، فليُفرّق بينهما وتعتد من يوم نكل، وقضي عليه، قال ابن شهاب: وإن شهد واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخر بثلاث، لزمته اثنتان.
1747 - وتجوز شهادة الأعمى على معرفة الصوت في الطلاق وغيره، وكذلك من سمع(2/368)
جاره [من] وراء جدار يطلق وإن لم يره.
1748 - وإن شهد رجلان على رجل أنه أمرهما أن ينكحاه أو يبتاعا له بيعاً، وأنهما فعلا وهو ينكر، لم تجز شهادتهما عليه، لأنهما خصمان.
ولو أقر لهما بالوكالة وقال لهما: لم تفعلا، وقالا: قد فعلنا، فالقول قولهما.
1749 - ولا تجوز شهادة النساء في شيء من الأشياء إلا في الأموال وفيما يُغيّب عليه النساء من الولادة والعيوب والاستهلاك.
وكثير من معاني هذا الباب في كتاب الشهادات.
1750 - وإن شهد قوم على رجل أنه أعتق عبده، والعبد والسيد ينكران، فالعبد حر، إذ ليس له أن يرق نفسه.
1751 - وإن شهد السيد وحده أو معه غيره أن عبده طلق امرأته، والعبد ينكر، وامرأة العبد أمة للسيد أو لغيره أو حرة، لم تجز شهادته، لأنه عيب يتهم على إزالته.
1752 - ومن أقر أنه فعل كذا ثم حلف بالطلاق أنه ما فعله، وقال: كنت كاذباً في إقراري، صدق مع يمينه ولا يحنث، ولو أقر بعد يمينه أن قد فعل ذلك ثم قال: كنت(2/369)
كاذباً، لم ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء.
فإن لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين وعلم [هو] أنه كاذب في إقراره عندهم بعد يمينه، حلّ له المقام عليها فيما بينه وبين الله عز وجل، ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره هذا إلا أن لا تجد بينة ولا سلطاناً يفرق [بينهما] ، فهي كمن طلقت عليه ثلاثاً ولا بينة لها، فلا تتزين له ولا يرى لها شعراً ولا وجهاً إن قدرت، ولا يأتيها إلا كارهة، ولا ينفعها مرافعته، ولا يمين عليه إلا بشاهد.
1753 - ومن طلق زوجته في سفر ثلاثاً [ببينة] ، ثم قدم قبل البتة فوطئها، ثم أتت البينة فشهدوا بذلك وهو منكر للطلاق مفر بالوطء، فليفرق بينهما ولا شيء عليه، قال يحيى بن سعيد: ولا يضرب.
1754 - وإن ادعت امرأة أن زوجها طلقها وأقامت شاهداً لم تحلف معه، ولا يقضى(2/370)
بشاهد ويمين في طلاق ولا قذف ولا نكاح ولا عتق، إلا في الأموال أو في جراح العمد والخطأ يحلف مع شاهده، ويقتص في العمد، ويأخذ العقل في الخطأ، كما يقسم مع الشاهد الواحد في قتل العمد والخطأ، ويستحق مع ذلك القتل في العمد والدية في الخطأ.
1755 - قال يحيى بن سعيد: ومن طلق وأشهد، ثم كتم هو والبينة ذلك إلى حين موته فشهدوا بذلك حينئذ، فلا تجوز شهادتهم إن كانوا حضوراً ويعاقبون، ولها الميراث.
1756 - ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت فلا يمين [له] عليها وإن أقام شاهداً، ولا تحبس ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين.
1757 - وإن ادعت أن زوجها طلقها لم يحلف الزوج وترك وإياها، وإن أقامت شاهداً أو امرأتين ممن تجوز شهادتهما [لها] في الحقوق حلف الزوج أو منع منها حتى [يحلف] ، قال مالك: فإن نكل طلقت عليه مكانه وعدتها من يوم الحكم (1) ، وروي
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/90) ، ومنح الجليل (4/159) ، والتقييد (2/398) .(2/371)
عنه أنه يحبس أبداً حتى يحلف أو يطلق، قال ابن القاسم: وبلغني عنه أنه قال: إذا طال سجنه دين وخلي بينه وبينها ولم يطلق عليه [وإن لم يحلف] ، وهو رأيي.
* * *(2/372)
(كتاب إرخاء الستور)
1758 -[قال مالك:] و [من] دخل بامرأته وأرخى الستر ثم طلق، فقال: لم أمسها وصدقته، فلها نصف الصداق وعليها العدة ولا رجعة له.
وكذلك إن تصادقا أنه قبّل أو باشر أو جرد أو وطئ دون الفرج إلا أن يطول مكته معها يتلذذ بها، قال مالك: فأرى لها جميع الصداق. [وقال] أُناس: لها نصفه.
وإن قالت: قد وطئني صدقت، كان الدخول عنده أو عندها إذا كان دخول(2/373)
اهتداء، وعليه الصداق كاملاً.
وإن خلا بها في بيت أهلها قبل دخول البناء، صدق في إنكاره الوطء ولها نصف الصداق.
وإن أقرّ هاهنا بالوطء فأكذبته فلها أخذ جميع الصداق بإقراره أو نصفه، ولا بد لها من العدة للخلوة، ولا رجعة له، ولو كان معها نساء حين قبّل وانصرف بمحضرهن، فلا عدة عليها ولها نصف الصداق.
1759 - وإن أقر بالوطء بعد أن طلق ولا يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها ولها أخذه بالصداق كاملاً أو بنصفه.
وكذلك إن خلا بها ومعها نسوة ثم طلقها فادعى الوطء وأكذبته، فلا عدة عليها.
1760 - وإن دخل بها وهي محرمة أو حائض أو في نهار رمضان فاختلفا في الوطء، فالقول فيه كالقول في الوطء الصحيح في وجوب جميع الصداق بدعواها.(2/374)
[وكذلك] المغصوبة تُحمل بمعاينة بينة، ثم تخرج فتقول: وطئني غصباً، وهو ينكر، فلها الصداق ولا حد عليه، [وإذا صدقت الزوجة في دعوى الوطء وأخذت جميع الصداق فلا يحلها ذلك لزوج كان طلقها البتة] ، قاله مالك، وقال [ابن القاسم] : [وأنا أرى أن] يدين ويخلى بينها وبين نكاحه، [وأخاف] أن يكون هذا من الذي طلقها ضرراً منه بها في نكاحها. ولو مات الزوج بعد البناء بيوم عن غير مناكرة ومثله يطأ، فادعت الوطء كان أبين في إحلالها.
1761 - قيل: فمن طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة فيها، ثم قبلها في عدتها أو لامس لشهوة أو جامع في الفرج [أو فيما دون الفرج] ، أو جردها أو نظر إليها أو إلى فرجها، أيكون [ذلك رجعة] ؟، قال: [قال مالك] وعبد العزيز: إن وطئها في العدة ينوي بذلك(2/375)
الرجعة وجهل أن يُشهد فهي رجعة، وإن لم ينو ذلك فليست برجعة.
1762 -[ومن] طلق فليُشهد على طلاقه وعلى رجعته، [قال مالك] في التي منعته نفسها وقد ارتجع حتى يشهد: قد أصابت، وإن قال لها: قد ارتجعتك، ولم يُشهد فهي رجعة، ويشهد فيما يُستقبل، فإن أشهد قبل انقضاء العدة فهي رجعة، وإن أشهد بعد انقضائها فليست برجعة وإن صدقته، إلا أن يعلم أنه كان يخلو بها ويبيت معها.
1763 - وإن قال لها: قد ارتجعتك، ثم قال: لم أرد بقولي رجعة وإنما كنت لاعباً، لزمته الرجعة إن كانت في عدتها، وإن انقضت عدتها فلا رجعة له إلا أن تقوم على ذلك بينة.
1764 - وإن قال لها في العدة: كنت ارتجعتك أمس، صُدّق وإن كذبته، لأن ذلك بعد مراجعة الساعة، قال مالك وغيره: وأما إن قال لها: إذا كان غداً فقد راجعتك(2/376)
لم تكن هذه رجعة.
1765 - وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة فصدقته أو كذبته لم يُصدق ولا رجعة له إلا ببينة، أو يعلم أنه كان يدخل عليها في العدة ويبيت عندها فيُقبل قوله وإن أكذبته، وإقرارها له بالمراجعة بعد العدة داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي.
1766 - وإن أقام بينة بعد العدة أنه أقر بالوطء في العدة، فهي رجعة إن ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة.
وإن قال لها بعد العدة: كنت راجعتك في العدة، فأكذبته وهي أمة وصدقه السيد فلا يقبل ذلك إلا بشاهدين سوى السيد، إذ لا تجوز شهادته على نكاح أمته ولا رجعتها.
1767 - وترتجع الحامل ما بقي في بطنها ولد، وغير الحامل ما لم تر أول دم الحيضة الثالثة، فإذا رأته فقد مضت الثلاثة الأقراء، والأقراء هي الأطهار، قال(2/377)
أشهب: وأحب إلي أن لا تنكح حتى تستمر الحيضة، لأنها ربما رأت الدم ساعة ويوماً ثم ينقطع عنها فيعلم أن ذلك ليس بحيض.
فإذا رأت امرأة هذا في الحيضة الثالثة فلترجع إلى بيتها والعدة قائمة ولزوجها الرجعة حتى تعود إليها حيضة صحيحة مستقيمة.
وإن قال لمعتدة: قد ارتجعتك، فأجابته نسقاً لكلامه: قد انقضت عدتي، فإن مضت مدة تنقضي في مثلها صدقت بغير يمين وإلا لم تصدق.
وقضى أبان بن عثمان في مطلقة ادعت بعد خمسة وأربعين يوماً أن عدتها قد انقضت، أنها مصدقة وتحلف. وليس العمل على أن تحلف إذا ادعت فيما تحيض في مثله.(2/378)
وإن أشهد على رجعتها فمضت، ثم ادعت بعد يوم أو أقل أن العدة قد انقضت قبل رجعتها، لم تصدق وثبتت الرجعة.
1768 - وإن قالت المعدة: [قد دخلت] في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: كنت كاذبة، ونظرها النساء فلم يرين حيضاً لم ينظر إلى قولهن، وبانت بأول قولها إن مضت مدة تنقضي في مثلها العدة، فإن ادعت أنها أسقطت فذلك لا يخفى عن جيرانها، ولكن الشأن تصديقها بغير يمين وإن بعد يوم من طلاقه أو أقل أو أكثر، ولا ينظر إلى الجيران، لأنهن مأمونات على فروجهن، ولو رجعت فقالت: كنت كاذبة، لم تصدق وبانت بأول قولها، لأن ذلك داعية إلى إجازة نكاح بغير صداق ولا ولي، وتنقضي العدة بما أسقطت المرأة مما يعلم النساء أنه ولد من مضغة أو علقة وتكون به الأمة أم ولد، وإذا قالت المطلقة: حضت ثلاث حيض في شهر، سئل النساء فإن أمكن ذلك عندهن صدقت، قال أشهب: وإن قالت: [حضت] ثلاث حيض في شهرين، فقال لها الزوج: قد قلت بالأمس أو قبله إنك لم تحيضي شيئاً، فصدقته لم يقبل قولها الثاني إلا أن يقيم الزوج بينة أنها قالت ذلك، فتكون له الرجعة إن لم يمض من يوم القول ما تحيض فيه ثلاث حيض.
وإن مضى ذلك فلا رجعة له، وإن رجعت عن قولها أنها ما حاضت ثلاث حيض.
1769 - قال ابن القاسم: وإن طلقها قبل أن يُعلم له بها خلوة، ثم أراد ارتجاعها وادعى(2/379)
الوطء وأكذبته، فأقام بينة على إقراره قبل الفراق بوطئها لم ينتفع بذلك ولا رجعة له وإن صدقته، إذ ليس له بناء معلوم، ولتعتد إن صدقته ولها عليه السكنى والنفقة، وإن لم تصدقه فلا عدة عليها ولا نفقة [لها ولا كسوة. وكذلك] إن أقام بينة على إقرارهما بذلك قبل الفراق فلا يصدقان، وعليها العدة ولا رجعة له، ولها النفقة والكسوة حتى تنقضي عدتها ولا يتوارثان.
1770 - ولكل مطلقة المتعة، طلقت واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، إلا المطلقة قبل البناء وقد سمى لها، فحسبها نصفه ولا متعة لها، وإن لم يسم لها فليس لها إلا المتعة، وإن كانت مدخولاً بها وقد سمى لها في أصل النكاح مهراً أخذته مع المتعة، وإن لم يسم أخذت صداق مثلها مع المتعة، ولا متعة للمختلعة ولا للمصالحة ولا للمفتدية ولا للملاعنة ولا للأمة تعتق فتختار نفسها، دخل بهن أم لا، سمى لهن صداقاً أم لا. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/105) ، وبداية المجتهد (4/105) .(2/380)
وعلى العبد المتعة ولا نفقة عليه.
1771 - ومن خلا بزوجته وأرخى الستر وقد سمى لها فطلقها وقال: لم أمسها، وقالت: مسني، فالقول قولها في الصداق ولا متعة لها. وللصغيرة والأمة المدبرة والمكاتبة وأم الولد والذمية حكم الحرة المسلمة في المتعة والطلاق.
1772 -[قال مالك:] وليس للمتعة حد، ولا يجبر من أباها، لأن الله تعالى إنما جعلها حقاً على المتقين وعلى المحسنين، فلذلك خففت ولم يقض بها.
[وقال] غيره: إذا كان الزوج غير متق ولا محسن فلا شيء عليه، [قال ابن عباس] وغيره: أعلى المتعة خادم أو نفقة، وأدناها كسوة.
وقال ابن حُجيرة: على صاحب الديوان متعة ثلاثة دنانير.(2/381)
1773 - وإذا كان النشوز من قبل المرأة جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت، ولم يضر بها وهي طلقة بائنة.
وإن كان لما تخاف المرأة من نشوزه أو لظلم ظلمها أو أضرّ بها، لم يجز له أخذ شيء منها، فإن أخذه رده ومضى الخلع.
1774 - ويجوز أن يأخذ منها على إمساكها أو يعطيها على أن تقيم على الأثرة عليها في القسم من نفسه وماله، ولا يأثم في الأثرة بعد ذلك.
1775 - وإن خالعها على عبد لها بعينه ولم تصفه له ولا رآه الزوج قبل ذلك، أو تزوجها على مثل هذا، ففي النكاح يفسخ قبل البناء ويثبت بعده، ولها صداق المثل.
وفي الخلع يجوز، كمن خالع على ثمر لم يبد صلاحه، أو على بعير شارد، أو عبد آبق، أو جنين في بطن أمه، أو بما تلد غنمها، أو بثمر نخلها العام، فذلك جائز والخلع لازم، وله مطالبة ذلك كله على غرره بخلاف النكاح، قال غيره: لأنه يرسل من يده بالغرر ولا يأخذه.(2/382)
1776 - وإن خالعته على ثوب مروي ولم تصفه جاز، وله ثوب وسط من ذلك، وكذلك بدنانير أو دراهم أو عروض موصوفة إلى أجل، فجائز.
1777 - وإن خالعها على مال إلى أجل مجهول كان حالاً كمن باع إلى أجل مجهول، فالقيمة فيه حالة في فوت السلعة.
1778 - وإن خالعها على عبد على أن زادها الزوج ألف درهم جاز، بخلاف النكاح، لأنه إن كان في قيمة العبد فضل عن الألف فقد أخذت منه بضعها بذلك الفضل، وإن كانت كفافاً فهي مبارأة.
1779 - ولا بأس بالمبارأة على أن لا تعطيه ولا تأخذ منه شيئاً، وهي طلقة بائنة، وإن كانت قيمته أقل من الألف فهو كمن صالح زوجته على أن يعطيها من عنده مالاً، فالصلح جائز ولا يرجع عليها بشيء مما دفع إليها. (1)
1780 - وإن خالعها على دراهم أرته إياها فوجدها زيوفاً فله البدل كالبيع، وإن كان على عبد بعينه فاستُحق رجع بقيمته كالنكاح به.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/24) .(2/383)
1781 - وكل حامل بانت من زوجها ببتات أو خلع أو غيره وقد علم بحملها أم لا، فإن لم يتبرأ من نفقة حملها فلها النفقة بالحمل والسكنى والكسوة، وليس لنفقتها حد، وهي على قدر يسره وعسره. وإن اتسع أخدمها، فإن مات قبل أن تضع حملها انقطعت نفقتها.
1782 - فإن بانت منه بما ذكرنا وهي غير حامل فلا نفقة لها ولا كسوة، ولها السكنى في العدة، ولا رجعة له عليها ولا يتوارثان.
1783 - وإن كان طلاقاً فيه رجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى، كانت حاملاً أم لا، ويتوارثان ما لم تنقض العدة.
1784 -[ومن] وكل من يصالح عنه زوجته لزمه صلح الوكيل في غيبته، وإن وكل بذلك رجلين فخالعها أحدهما لم يجز إلا باجتماعهما، كما لو وكلهما على بيع أو شراء، بخلاف رسولي الطلاق.
1785 - وإن صالحته أو بارأته على المتاركة، أو خالعته على أن أعطته عبداً أو مالاً وذلك قبل البناء، فليس لها أخذه بنصف الصداق، وإن قبضت جميعه ردته. وقلنا ذلك في المتاركة بغير شيء، فإذا ردّت كان أبعد من أن ترجع بشيء، وإن قالت له قبل البناء: طلقني طلقة على عشرة دنانير من صداقي ففعل، كان لها نصف ما بقي من بعد العشرة، قبضتها أو لم تقبضها.
1786 - وإن قالت له: طلقني طلقة بغير شيء، أو على عشرة دنانير، ولم تقل من(2/384)
صداقي ففعل غرمت العشرة، إن اشترطتها، لأنها اشترت بها طلاقها، وكان لها في الوجهين نصف الصداق.
1787 - وإن قال لها: أنت طالق على عبدك هذا، فإن قبلت قبل التفرق وإلا فلا قبول لها بعد ذلك.
[قيل:] فإذا قال لها: إذا أعطيتني ألف درهم فأنت طالق ثلاثاً، هل ذلك لها متى ما أعطته؟ [قال: قال مالك:] إن قال لها: أمرك بيدك متى شئت أو إلى أجل، فأمرها بيدها إلى ذلك الأجل، إلا أن توقف قبله فتقضي أو ترد أو توطأ طوعاً، فيبطل ما بيدها ولا يكون لها أن تقضي بعد ذلك. (1)
1788 - وإن أعطته شيئاً على أن يطلق ويشرط الرجعة، أو خالعها وشرط أنها إن طلبت شيئاً عادت زوجة، أو شرط رجعتها، فشرطه باطل والخلع يلزمه، ولا رجعة له إلا بنكاح مبتدئ.
1789 - والخلع طلقة بائنة سماها أو لم يسم طلاقاً، وتعتد عدة المطلقة، وله أن ينكحها في عدتها إن تراضيا، لأن الماء ماؤه بوطء صحيح، إلا أن يتقدم له فيها طلاق يكون بهذا ثلاثاً للحر واثنين للعبد فلا تحل له إلا بعد زوج.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/37) .(2/385)
وإن أخذ منها شيئاً وانقلبت وقالا ذاك بذاك ولم يسميا طلاقاً فهو طلاق الخلع، [وإن سميا طلاقاً لزم ما سميا] .
1790 - وإن نوى بالخلع ثلاثاً أو اشترطت هي في الخلع أن تكون طالقاً بطلقتين [أو ثلاثاً] ، فذلك يلزم.
1791 - وإذا لم يكن لها عليه مهر ولا دين فخالعها على أن أعطاها شيئاً أو لم يعطها فذلك خلع، ولا رجعة فيه، [وروى ابن القاسم وابن وهب عن مالك فيمن طلق وأعطى أن له الرجعة وليس بخلع] . وروي عنه أنها واحدة بائنة.
وأكثر الرواة على أنها غير بائنة، لأنه إذا لم يأخذ منها فليس بخلع وهو رجل طلق وأعطى.(2/386)
[قال] غيره: فيمن قال لمدخول بها: أنت طالق طلاق الخلع فهي البتة، لأنها لا تكون واحدة بائنة إلا بالخلع، [وقال ابن القاسم: طلقة بائنة، وقال أشهب: واحدة يملك الرجعة] . والخلع والمبارأة عند السلطان وغيره جائز.
1792 - قال مالك: وإذا خالعها على أن يكون الولد عنده فالخلع جائز وله شرطه، إلا أن يضر ذلك بالصبي ويخاف عليه إن نزع منها، مثل: أن يكون يرضع وقد علق بها فلا سبيل له إليه حتى يخرج من حد الإضرار به والخوف عليه، فيكون له حينئذ أخذه. (1)
1793 - وإن خالعها على أن لا سكنى لها عليه، فإن أراد إلزامها كراء المسكن جاز ذلك إن كان المسكن لغيره، أو كان له وسمى الكراء، وإن كان على أن تخرج من مسكنه، تم الخلع ولم تخرج، ولا كراء له عليها.
1794 - وإن كان لأحدهما على الآخر دين مؤجل فخالعها على تعجيله قبل محله جاز الخلع
_________
(1) رواه البيهقي في الكبرى (5/349، 350) ، والربيع في مسنده (1/225) ، وابن أبي شيبة في المصنف (4/327، 328) ، وعبد الرزاق (8/145) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/60) نحوه.(2/387)
ورُدّ الدين إلى أجله، و [قيل:] إن كان الدين لها عليه، وهو عين له تعجيله قبل محله، فليس بخلع.
وهو كرجل طلق وأعطى فهي طلقة [واحدة] وله الرجعة، وإن كان الدين مما لا يعجّل إلا برضاها من عرض أو طعام فهذا خلع ولا رجعة له ويرد الدين إلى أجله ويأخذ منها ما أعطاها كما لو طلقها على أن أسلفته، لزمه الطلاق ورد السلف لنهي النبي ÷ عما جرّ نفعاً من السلف. قال [ابن(2/388)
القاسم] : وكذلك إن صالحها على إن أخرته بدين لها عليه إلى أجل فالخلع جائز، ولها أخذه بالمال حالاً، وكل ما رددناه من مثل هذا وأجزنا الخلع، لم يرجع عليها الزوج بصداق المثل ولا غيره.
1795 - وإن خالعها على خمر، تم الخلع ولا شيء له [عليها] ، وإن قبضها أهريقت عليه، وإن خالعها على حلال وحرام، جاز منه الحلال وبطل الحرام.
1796 - وإن خالعها على أن عليها نفقة الولد ورضاعه ما دام في الحولين جاز ذلك، فإن ماتت [قبل استكمال الرضاع] كان الرضاع والنفقة في مالها، وإن مات الولد قبل الحولين فلا شيء للزوج عليها، [قال مالك:] ولم أر أحداً طلب ذلك.
1797 - وإن شرط عليها نفقة الولد بعد الحولين أمداً سمياه أو شرط عليها الزوج نفقة نفسه سنة أو سنتين، تم الخلع ولزمها نفقة الولد في الحولين فقط، ولا يلزمها ما ناف على الحولين من نفقة الولد، ولا ما شرط الزوج من نفقة نفسه، وقال المخزومي:(2/389)
يلزمها جميع ذلك كالخلع بالغرر.
1798 - والمبارئة: التي تبارئ زوجها قبل البناء، فتقول: خذ الذي لك وتاركني.
والمختلعة: التي تختلع من كل الذي لها.
والمفتدية: التي تفتدي ببعض مالها وتحبس بعضه، وذلك كله سواء، وهي طلقة بائنة. (1)
وإن قالت له: خالعني أو طلقني أو باريني على ألف درهم أو بألف، فهو سواء.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/474) ، والتمهيد لابن عبد البر (23/379) ، وموطأ مالك (2/565) ، ومنح الجليل (4/25) .(2/390)
1799 - وإن خالعها على أن تعطيه ألف درهم، فأصابها عديمة، جاز الخلع [وتبعها] بالدراهم، إلا أن يكون إنما صالحها على أنها إن أعطته الألف تم الصلح، فلا يلزمه الصلح إلا بالدفع. و [من] قال له رجل: طلق امرأتك ولك علي ألف درهم ففعل، لزم ذلك الرجل.
1800 - وإن قالت له: بعني طلاقي بألف درهم ففعل، جاز.
1801 - وإن قالت له: اخلعني ولك ألف درهم، فقال لها: قد خالعتك، لزمتها الألف وإن لم تقل بعد قولها الأول شيئاً، وإذا أتبع الخلع طلاقاً من غير صمات نسقاً لزم، وإن كان بين ذلك صمات أو كلام يكون قطعاً لذلك، لم يلزمه الطلاق الثاني.
1802 - وإن خالعها على مال، ثم تبين [له] أنه قد أبتها قبل ذلك، أو حلف بطلاقها البتة ألا يخالعها، أو أنه قد نكحها وهو محرم، أو أنها أخته من الرضاعة، أو ما يُقرّان عليه، أو انكشف أن بالزوج جنوناً أو جذاماً، فالخلع ماض،(2/391)
وترجع عليه بما أخذ منها، لأنها كانت أملك بفراقه، وفراقها إياه من أجل الجنون والجذام فسخ بطلاق.
وإن انكشف بعد الخلع أن بها جنوناً أو جذاماً أو برصاً كان له ما أخذ وتم الخلع، لأن له أن يقيم.
ولو تركها أيضاً بغير خلع لما غرته كان فسخاً بطلاق.
1803 - وإن قالت له: كنت طلقتني أمس على ألف درهم وقبلت، وقال الزوج: كان ذلك ولم تقبلي، فالقول قولها، وكذلك [قال مالك] في الذي ملّك امرأته [أمرها] ثم خرج فلما رجع قالت: كنت اخترت نفسي، وقال الزوج: لم تختاري، إن القول قولها، واختلف فيها بالمدينة، ومن قول [مالك] يومئذ:(2/392)
أن لا يقضى بالتمليك إلا في المجلس.
1804 - وإن قالت له: خالعني على هذا الثوب، وقال الزوج: بل على هذا العبد، فالقول قولها، وتحلف إلا أن يأتي الزوج ببينة، وإن صالحته على شيء فيما بينهما فلما أتى بالبينة ليشهد جحدت المرأة أن تكون أعطته على ذلك شيئاً، فالخلع ثابت ولا يلزمها غير اليمين، [فإن نكلت حلف هو واستحق] ، وإن جاء الزوج بشاهد على ما يدعي حلف معه واستحق.
1805 - ويجوز للأب أو الوصي المبارأة عن الصبي، على النظر له الحظ فيما يأخذ له كيما يُنكحه نظراً، ولأنه يومئذ [ممن] لا يجوز طلاقه، ولا يلزم الصبي أن يطلقها عليه على غير الخلع وأخذ المال، وإن لم يكن للطفل اليتيم وصي فأقام له القاضي خليفة، كان كالوصي في جميع أمره، ويلزم الصبي طلقة بائنة في مبارأة أبيه أو وصيه، فإن تزوجها بعد بلوغه أو قبله ثم طلقها بعد بلوغه طلقتين، لم تحل له إلا بعد زوج، وإذا زوج الوصي يتيمه البالغ بأمره، أو زوج السيد عبده البالغ بغير(2/393)
أمره، فذلك جائز عليه، أو زوج ابنه أو يتيمه قبل البلوغ ثم بلغ سفيهاً، لم تجز المبارأة عن أحد من هؤلاء من غير إذنه، لنه [ممن] يلزم طلاقه إن طلق، ولا يُكرهون على الطلاق.
1806 - وإذا زوج السيد عبده الصغير لم يطلق عليه إلا بشيء يأخذه له، وروى ابن نافع عن [مالك] فيمن زوج وصيفه ووصيفته ولم يبلغا أنه جائز، فإن فرق السيد بينهما على النظر والاجتهاد جاز ذلك، ما لم يبلغا. (1)
وقال ابن نافع: لا يجوز من ذلك إلا ما كان يحمل على وجه الخلع.
1807 - وللأب أن يخالع على ابنته الصغيرة وإن كان على إسقاط جميع المهر، وذلك جائز عليها. وليس للوصي او غيره أن يخالعها من زوجها، بخلاف مبارأة الوصي عن يتيمه، والفرق بينهما أن الوصي يزوج يتيمه ولا يستأمره ولا يزوج يتيمته إلا بإذنها [ورضاها] .
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/15) ، والتقييد (2/309) ، ومواهب الجليل (4/20) ، وبداية المجتهد (2/51) ، والمدونة (5/350) .(2/394)
وكذلك يباري عن يتيمه ولا يباري عن يتيمته إلا برضاها، وروى [ابن نافع عن مالك] في صغيرة زوجها أبوها أن للخليفة أن يباري عنها على وجه النظر، ويلزمها ذلك إذا كبرت.
1808 - وإذا خالع الأب عن ابنته الثيب بعد البناء وهي بالغ على أن يضمن للزوج الصداق، فلم تر الابنة بطلب الأب أخذت به الزوج ورجع به الزوج على الأب. [وكذلك] إن فعل بها ذلك أخ أو أجنبي.
1809 - وإن خالعها الأب بعد البناء وقبل بلوغها على أن ترك لزوجها جميع المهر جاز ذلك عليها، ثم لأبيها إذا رجعت إليه قبل البلوغ أن يزوجها كما تزوج البكر، ويجوز إذنه عليها.
1810 - ولا تختلع أمة ولا أم ولد من زوج بمال إلا أن يأذن السيد، فإن فعلا بغير إذنه كان له رد العطية ولزم الزوج الخلع، ويرد ما أخذ ولا يتبع به الأمة إن أعتقت.(2/395)
وأكره أن يزوج [الرجل] أم ولد فإن فعل وجهل لم يفسخ إلا أن يكون أمر بيّن من الضرر بها [فيفسخ] .
ويجوز ما خالعت به المكاتبة أو وهبت من مالها بإذن السيد.
1811 - و [من] خالع زوجته في مرضه جاز له ما أخذ منها، فإن مات من مرضه ذلك ورثته، وإن ماتت هي لم يرثها، وكذلك إن ملّكها في مرضه أو خيّرها فاختارت نفسها، أو طلقها طلاقاً بائناً في مرضه بأي وجه كان، فإنه لا يرثها إن ماتت، وهي ترثه إن مات من ذلك المرض، لأن الطلاق جاء من قبله، [قال مالك:] وإن اختلعت منه في مرضها وهو صحيح بجميع مالها لم يجز، ولا يرثها، [قال ابن القاسم:] ولو اختلعت منه على أكثر من ميراثه منها لم يجز،(2/396)
فأما على مثل ميراثه منها أو أقل فجائز، ولا يتوارثان، قال ابن نافع: يلزمه الطلاق ولا يجوز له من ذلك إلا قدر ميراثه مثل ما فسر ابن القاسم.
1812 - قال ابن نافع عن مالك: ويوقف المال حتى تصح أو تموت، وقد تقدم ذكر من خالع على غرر أو أتبع الخلع طلاقاً، وذكر الصبي يخالع عنه أبوه أو وصيه.
1813 - و [من] صالح امرأته ثم ظاهر منها في عدتها أو آلى، لزمه الإيلاء ولم يلزمه الظهار، إلا أن يقول: إن تزوجتك، أويجري قبل ذلك من الكلام ما يدل عليه فيلزمه الظهار إن تزوجها، كمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى ستراجعها، فقال لها: هي طالق أبداً، ولا نية له، فإن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطباً، لأن مالكاً جعله جواباً لكلام امرأته.
1814 - و [من] قال لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق، وصالحها، ثم دخلتها(2/397)
بعد الصلح مكانها، لم يلزمه الطلاق.
1815 - وإن قال لها: إن لم أقض فلاناً حقه إلى وقت كذا فأنت طالق، فلما جاء ذلك الوقت وخاف الحنث صالحها فراراً من أن يقع عليه الطلاق فبئس ما صنع ولا يحنث بعد الوقت إن لم يقض فلاناً حقه، لأن الوقت مضى وليست له بامرأة، ولو تزوجها بعد [مضي] الوقت لم يحنث قضى فلاناً حقه أم لا.
1816 - وإن صالحها بدراهم أو طعام أو عروض موصوفة إلى أجل جاز، وله أن يأخذ منها بذلك رهناً وكفيلاً.
1817 - ولا يبع الطعام قبل قبضه [وهو مكروه] ، لأنه عنده محمل البيع، وإن صالحها على دين فباعه منها [بعرض] إلى أجل، أو خالعها على عرض موصوف إلى أجل فباعه منها بدين إلى أجل لم يجز، لأنه دين بدين ويرجع فيكون له الدين الأول. وإن صالحها على عبد بعينه على ألا(2/398)
يقبضه إلا إلى أجل من الآجال، فهو حال، والخلع جائز، والأجل [فيه] باطل.
1818 - ويترك الغلام في حضانة الأم حتى يحتلم ثم يذهب حيث شاء.
وللأب تعاهد الولد عند أمهم، وأدبهم وبعثهم إلى المكتب، ولا يبيتوا إلا عندها، إلا أن تتزوج الأم والولد صغير يرضع أو فوق ذلك، فإنه ينزع منها إذا دخل بها زوجها، لا قبل ذلك، ثم لا يرد إليها إن طلقت، ولا حق لها فيه إذا أسلمته مرة.
وتترك الجارية في حضانة الأم في الطلاق والموت حتى تبلغ النكاح، فإذا بلغته نظر فإن كانت الأم في حرز وتحصين فهي أحق بها أبداً حتى تنكح وإن بلغت أربعين سنة، وإن لم تكن الأم في حرز وتحصين [في موضعها، أو كانت غير مرضية في نفسها] ، أو نكحت ودخلت، فللأب أخذها(2/399)
منها وكذلك للأولياء أو الوصي أخذ الولد بذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.
وكل من له الحضانة من أب أو ذات رحم أو عصبة ليس له كفاية ولا موضعه بحرز ولا يؤمن في نفسه فلا حضانة له. والحضانة لمن فيه ذلك وإن بعد.
وينظر للولد في ذلك بالذي هو أكفأ وأحرز فرُبّ والد يضيع ولده ويدخل عليهم رجالاً يشربون فينزعون منه.
1819 - ويترك الولد في الحضانة عند غير الأم إلى حد ما يترك عند الأم، والأم أحق بحضانة الولد في الطلاق والوفاة، حتى يبلغوا ما وصفناه، فإن ماتت الأم أو نكحت فالحضانة لمن هي أقعد بالأم إذا كانت ذات محرم من الصبيان. فالجدة للأم أحق وإن بعدت بعد الأم، ثم الخالة ثم الجدة للأب.
والأب أولى من الأخوات والعمات وبنات الأخ، فإذا لم يكن الأب فالأخت ثم العمة ثم بنات الأخ ثم العصبة، والأولياء هم العصبة.
ومن هؤلاء الأولياء الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم ومولى النعمة، لأنه وارث ومولى العتاقة.(2/400)
وليس من يسلم على يديه بولي، ولا ينسب إليه وإن والاه، وإذا تزوجت الأم ولها أولاد صغار وجدتهم لأمهم في بلد ثان، وخالتهم معهم حاضرة، فالخالة أحق، وإذا كان الولد ليس لهم جدة من قبل أمهم، أو لهم جدة لأم لها زوج أجنبي فالحضانة لمن هي أقعد بالأم على ما ذكرنا.
1820 - وكل من خرج من بلده متنقلاً لسكنى بلد آخر غير بلد الأم، من أب أو أحد من أولياء الولد الذين ذكرنا، فله الحلة بالولد إذا كان الولد معه في كفاية، تزوجت الأم أم لا. ويقال لها: اتبعي ولدك إن شئت أو دعيه. وأما من خرج من الأولياء لسفر لغير سكنى فليس له الرحلة بالولد.
1821 - وليس للأم أن تنقل الولد من الموضع الذي فيه والدهم أو أولياؤهم، إلا لما قرب كالبريد ونحوه، حتى يبلغ الأب أو الأولياء خبرهم، ثم لها أن تقيم هناك. (1)
1822 - والذمية إذا طلقت، أو المجوسية يسلم زوجها وتأبى هي الإسلام، فيفرق بينهما، [فإن لها] من الحضانة كما للمسلمة إن كانت في حرز. وتمنع أن تغذيهم بخمر أو خنزير. فإن خيف أن تفعل بهم ذلك ضمت إلى ناس من المسلمين، ولا ينزع منها إلا أن تبلغ الجارية وتكون عندها في حرز.
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/421) .(2/401)
1823 - وإذا أُعتق ولد الأمة وزوجها حر فطلقها فهي أحق بحضانة ولدها إلا أن تباع فتظعن إلى غير بلد الأب، فالأب أحق به.
أو يريد الأب الانتقال إلى غير بلده فله أخذه، وليس العبد في انتقاله بولده كالحر، والأم أحق به كانت أمة أو حرة، لأن العبد لا قرار له ولا مسكن، وحكم التفرقة في البيع بين الولد وأمه مذكور في كتاب التجارة بأرض الحرب.
ولأم الولد تعتق ما للحرة من الحضانة.
1824 - وإذا أخذ الولد من له الحضانة فعلى الأب نفقتهم وكسوتهم وسكناهم ما بقوا في الحضانة، ويخدمهم إذا احتاجوا إلى ذلك وكان الأب ملياً. ولحاضنتهم قبض نفقتهم، فإن كان الأب عديماً فهم من فقراء المسلمين.
1825 - ولا يجبر أحد على نفقتهم، ولا الأم إن كانت موسرة، إلا الأب وحده إذا قدر. وتلزمه نفقة ولده الذكور حتى يحتلموا، والإناث حتى يدخل بهن أزواجهن، إلا أن يكون للصبي كسب يستغني به، أو له مال فيُنفق عليه منه.
1826 - فإن طلقت الجارية بعد البناء أو مات زوجها فلا نفقة لها على الأب وإن كانت فقيرة، وإن طُلّقت قبل البناء فهي على نفقتها. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/220) ، وكفاية الطالب (2/166) ، وحاشية الدسوقي (2/523) ، وحاشية العدوي (2/166) .(2/402)
وعليه نفقة من بلغ من ولده أعمى أو مجنوناً أو ذا زمانة لا حراك له. ولو بلغوا أصحاء ثم أصابهم ذلك بعد خروجهم من ولاية الأب، فلا نفقة لهم عليه.
1827 - ويلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين، كانا مسلمين أو كافرين.
والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى كانت البنت متزوجة أم لا وإن كره زوج الابنة، وكذلك من مال يوهب للولد أو يُتصدّق به عليه.
1828 - وينفق على امرأة واحدة لأبيه لا أكثر، وإن لم تكن أمه. وينفق على جارية أبيه، أو على خادم زوجته، [لأن خادم زوجته كخدمه] إذ على الابن إخدامه إن قدر.
1829 - وينفق على أمه إن كان لها زوج فقير، ولا ينفق على زوجها، ولا حجة للولد إن قال: يفارقها الزوج حتى أنفق عليها.
1830 - وما أُنفق على الوالدين من مال الولد فلا يتبعا به إذا أيسر. فإن كان الأب والابن فقيرين، لم تلزم أحدهما نفقة صاحبه.
1831 - وينفق على من له خادم من الأبوين عليه وعليها، وكذلك إن كانت له دار لا فضل في ثمنها، فله النفقة كما يُعطى من الزكاة.
1832 - ويعدى على الغائب في بيع ماله لنفقته على ما ذكرنا، ومن أسلم وله بنات قد(2/403)
حضن فاخترن الكفر فعليه نفقتهن.
وللزوج أن يظعن بزوجته من بلد إلى بلد وإن كرهت، وينفق عليها. وإن قالت: [لا أخرج] حتى آخذ صداقي، فإن كان بنى بها فله الخروج بها وتتبعه به ديناً.
1833 - ولا يلزم الجد نفقة ولد الولد، كما لا تلزمهم نفقته، وتلزم الزوج نفقة زوجته ونفقة خادم [واحدة] من خدمها لا أكثر، ولا تلزمه نفقة أخ ولا ذي رحم منه، قال مالك: ×وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ% أن لا يضار.(2/404)
وإذا كان للبكر خادم ورثتها عن أمها ولا بد لها ممن يخدمها فعلى الأب أن ينفق على الابنة، ولا تلزمه نفقة خادمها، ويقال للأب إما أنفقت على الخادم أو بعتها.
1834 - وإذا قبح ما بين الزوجين وجهل حقيقة أمرهما بعث الإمام حكماً من أهله وحكماً من أهلها، من أهل العدل والنظر، فإن لم [يكن] في أهلهما ما يراه لذلك أهلاً، [أو لا أهل لهما] بعث من غير الأهلين، فإن استطاعا الصلح أصلحا بينهما وإلا فرقا بينهما، ثم يجوز فراقهما دون الإمام. وللزوجين أن يرضيا ببعثهما دون الإمام.
فإن جعلا ذلك إلى رجل عدل [فحكم] ، مضى ذلك عليهما.(2/405)
1835 - ولا يجوز في ذلك تحكيم عبد أو صبي أو مشرك أو سفيه أو امرأة ببعث الإمام أو ببعث الزوجين دونه، أو من يليهما إن كانا في ولاية، لأن ذلك خارج عما أراد الله تعالى من الإصلاح إلى الضرر، وهؤلاء لا يجوز منهم اثنان، فكيف بواحد [وقد] قال ربيعة: لا يبعث الحكمين إلا السلطان، فكيف يجاز تحكيم المرأة والصبي والعبد والنصراني والمسخوط، ولو حكّم الزوجان من ذكرنا أنه لا يحكّم ففرق، لم يمض ذلك ولا يكون طلاقاً، لأن ذلك لم يكن على جهة تمليك الطلاق، يدل على ذلك دخول الزوجة فيه بتحكيمها ولا مدخل للزوجة في تمليك الطلاق، وإذا كان أحد الزوجين أو كلاهما في ولاية، فذلك في بعث الحكمين إلى من يليهما دون العصبة.
1836 - وإذا حكما بالفراق كانت طلقة بائنة، حكما بأخذ مال أو بغير أخذ مال، ولا يفرقا بأكثر من واحدة.
وإن حكما بالفراق بغرم على المرأة لنفي الضرر عنها جاز، وإن حكما بغرم على الزوج لم يجز.(2/406)
قال ربيعة: إن كان الظلم منه فرقا بغير شيء، وإن كان منهما معاً أعطيا الزوج على الفراق بعض الصداق، وإن كان الظلم منها خاصة جاز ما أُخذ له منها.
وإن حكم أحدهما بالطلاق ولم يحكم الآخر، أو حكم [أحدهما] على مال والآخر على غير مال، لم يلزم شيء إلا باجتماعهما، إلا أن ترضى الزوجة بالمال الذي قال أحدهما واجتمعا على الفراق فيلزم.
وإن حكم أحدهما بواحدة والآخر باثنتين أو اجتمعا على أكثر من واحدة أو على الثلاث، أو حكما بلفظ البتة أو خلية أو برية ونوى بهما الحكمان ثلاثاً لم يلزم في ذلك كله إلا واحدة، دخل بها أم لا، لأن ما زاد على الواحدة خارج عن معنى الاصطلاح، وحكم التي لم يُدخل بها في الحكمين حكم المدخول بها، إلا أنهما لا يبطلان ما للزوج من الرجوع بنصف المهر إن قبضته هي، كما لا يفرقان على الأخذ منه.
ولو حكم بأخذ الزوج منها جميع المهر على الفراق جاز ذلك. (1)
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (5/386) ، ومواهب الجليل (4/56) ، والشرح الكبير (2/383) ، وحاشية الدسوقي (2/383) ، والتقييد (2/326) .(2/407)
(كتاب العدة وطلاق السنة)
1837 - وطلاق السنة أن يطلق طلقة في طهر لم يمس فيه، وإن كان في آخر ساعة منه، ولا يتبعها في ذلك طلاقاً ثم يمهلها حتى تنقضي العدة برؤية أول دم الحيضة الثالثة، ويُكره أن يطلقها في طهر قد جامع فيه، فإن فعل لزمه، وتعتد بذلك الطهر، وإن لم يبق منه إلا يوم، ولا يؤمر برجعتها.
1838 - ويكره أن يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد أو في كل طهر طلقة، فإن فعل لزمه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن أراد أن يطلقها ثلاثاً فليطلقها في كل طهر طلقة. (1)
_________
(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (4/58) ، والبيهقي (7/332) . وانظر: المدونة (5/419) ، وبداية المجتهد (2/48) ، والاستذكار (18/49) ، والمحلي (10/168) ، والدر المنثور (8/190) .(2/409)
1839 - ويطلق الحامل [طلقة] واحدة متى شاء، وتحل بالوضع لآخر ولد في بطنها، وله رجعتها ما لم تضع آخر ولد في بطنها، ولا يطلقها ثلاثاً في مجلس واحد [أو مجالس] فإن فعل لزمه، والتي لم تبلغ المحيض واليائسة منه يطلقهن واحدة متى شاء، وعدتهن ثلاثة أشهر، ويطلق المستحاضة متى شاء وعدتها سنة، كان في ذلك يطؤها أم لا، وله رجعتها ما لم تنقض السنة، فإذا مضت السنة حلت للأزواج، إلا أن ترتاب فتقيم إلى زوال الريبة، وإن كان لها قرء يعرف تحراه فطلقها عنده، قال ربيعة وابن شهاب في التي يئست من المحيض: إن طلقت قبل الأهلة أو بعدها اعتدت من حين طلقت ثلاثة أشهر ثلاثين يوماً كل شهر.(2/410)
1841 - ومن قال لامرأته وهي حائض: أنت طالق للسنة، أو قال لها: إذا طهرت فأنت طالق، لزمته مكانه طلقة وجبر على الرجعة، ولو قال ثلاثاً للسنة وقعن ساعتئذ، كانت طاهراً أو حائضاً، وبانت منه.
1842 - وله أن يطلقها قبل البناء واحدة متى شاء، وإن كانت حائضاً أو نفساء، وإن دخل بها، فلا يطلقها وهي حائض أو نفساء حتى تطهر، فإن طلقها طلقة قبل أن تطهر لزمه ذلك وأجبر على الرجعة، وإن لم يعلم بذلك حتى طهرت وحاضت [ثم طهرت وحاضت] الثانية [وطهرت] ، فليجبر على الرجعة ما لم تنقض العدة فتحل، وإذا أُجبر على الرجعة في دم حيض أو نفاس وشاء طلاقها أُمهل حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء حينئذ طلق أو أمسك، ويحسب عليها ما طلقها في دم الحيض والنفاس، ولا يطلقها بعد طهرها من الدم الذي ارتجعها فيه بالقضاء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة.(2/411)
قال سليمان بن يسار وغيره: إذا طلقت النفساء لم تعتد بدم نفاسها واستقبلت ثلاثة قروء، قال ابن القاسم: ولا تطلّق التي رأت القصة البيضاء حتى تغتسل بالماء، فإن فعل لزمه، ولا يجبر على الرجعة.
وإن كانت مسافرة لا تجد الماء فتيممت فلا بأس أن يطلقها بعد التيمم لجواز الصلاة لها.
1840 - ومن طلق زوجته طلاقاً يملك فيه الرجعة، فلا يتلذذ منها بنظرة أو غيرها، ولا يأكل معها، ولا يرى شعرها ولا يخلو معها، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها، وكان مالك يقول: لا باس أن يدخل عليها ويأكل معها إن كان معها من يتحفظ بها، ثم رجع فقال: لا يفعل ذلك حتى يراجعها، وإن كان معها فلينتقل عنها.(2/412)
1843 - وطلاق المسلم لزوجته الكتابية كطلاق الحرة المسلمة وعدتها منه كعدة [الحرة] المسلمة. وتجبر هي على العدة [منه] إذا بنى بها طلق أو مات.
1844 - وإن مات عنها ذمي بعد البناء فلا ينكحها مسلم إلا بعد ثلاث حيض استبراء.
وإن مات عنها الذمي أو طلقها قبل البناء فلا عدة عليها وينكحها المسلم إن أحب مكانه.
1845 - وعدة الأمة وأم الولد ومن فيها بقية رق في الطلاق إذا كانت ممن لا تحيض من صغر أو كبر ومثلها يوطأ وقد دخل بها، ثلاثة أشهر، وإن كانت ممن تحيض فحيضتان كان الزوج في ذلك حراً أو عبداً.
وطلاق العبد طلقتان كانت زوجته حرة أو أمة.
1846 - وإذا بلغت [المرأة] الحرة عشرين سنة أو ثلاثين فلم تحض، فعدتها في الطلاق ثلاثة أشهر.(2/413)
ولو تقدم لها حيضة مرة لطالبت الحيض، فإن لم يأتها اعتدت سنة من يوم الطلاق تسعة أشهر براءة تأخير الحيض وثلاثة أشهر عدة، فإن حاضت بعدما مضى من السنة عشرة أشهر رجعت إلى الحيض، فإن ارتفع ائتنفت سنة من يوم انقطع الدم عنها، ثم إن عاودها الدم في السنة رجعت إلى الحيض، هكذا تصنع حتى تتم ثلاث حيض أو سنة لا حيض فيها، وكذلك التي لم تحض قط قبل الطلاق، أو اليائسة ترى الدم بعدما أخذت في عدة الأشهر فلترجع إلى عدة الحيض، وتلغي الشهور، وتصنع كما وصفنا، هذا إن قلن النساء فيما رأته اليائسة: إنه حيض، فإن قلن: ليس بحيض، أو كانت في سن من لا تحيض من بنات السبعين أو الثمانين لم [يكن] ذلك حيضاً وتمادت بالأشهر، والعدة [في الطلاق] بعد الريبة، وفي الوفاة قبل الريبة، فإذا أتمت المرأة أربعة أشهر وعشراً في الوفاة ثم استرابت نفسها انتظرت حتى تزول الريبة عنها ثم تحل.
وذكرنا في كتاب الاستبراء تأخير حيضة الأمة في البيع.
1847 - وإذا اختلف الدم على المطلقة فرأته يومين أو ثلاثة، ثم رأت الطهر مثل ذلك ثم رأت الدم كذلك، فهي كالمستحاضة إذا تمادى ذلك بها عدتها سنة، إلا أن يكون بين الدمين من الطهر ما لا يضاف بعضه إلى بعض فيكون الثاني حيضاً مؤتنفاً، قال مالك: وليس الأربعة أيام والخمسة وما قرب طهراً.(2/414)
1848 - وإذا مات الزوج في عدة من طلاق بائن، والطلاق في صحته أو في مرضه، لم تنتقل إلى عدة الوفاة، وتمادت على عدة الطلاق وورثته في طلاق المرض لا في طلاق الصحة.
فإن مات بعد العدة، والطلاق بائن، أو غير بائن، فلا عدة عليها لوفاة، وإن مات وهي في عدتها من طلاق غير بائن والطلاق في صحته أو في مرضه انتقلت إلى عدة الوفاة وورثته، وقال ابن عباس وغيره: عليها أقصى الأجلين، فإذا بلغها موت زوجها فعدتها من يوم مات، وإن لم يبلغها ذلك حتى انقضت عدتها فلا حداد عليها وقد حلّت. (1)
وكذلك إن طلقها وهو غائب فعدتها من يوم ط لق إذا أقامت على الطلاق بينة، وإن لم تكن على ذلك بينة إلا أنه لما قدم قال: [قد] كنت طلقتها، فالعدة من يوم إقراره، ولا رجعة له فيما دون الثلاث إذا تمت العدة من يوم إقراره، وترثه في العدة المؤتنفة ولا يرثها، وإن كان الطلاق بتاتاً لم يتوارثا بحال، ولا يرجع عليها بما أنفقت من ماله بعد طلاقه قبل علمها، لأنه فرّط.
_________
(1) انظر: تفسير القرطبي (4/11) ، والمغني (8/93) ، ورواه البخاري (8/53) ، والنسائي في الكبرى (3/390) ، والصغرى (6/195) ، وعبد الرزاق في المصنف (2/117) .(2/415)
1849 - ولا إحداد على مطلقة ببتات [أو واحدة] ، وعلى كل معتدة في وفاة زوجها الإحداد، وإن كانت صغيرة أو ذمية تحت مسلم، وابن نافع لا يرى على الكتابية إحداداً.
1850 - وعلى الأمة الإحداد، وتعتد حيث كانت [تبيت] ، وليس لسادتها منعها من ذلك، ولهم أن يخرجوها نهاراً للبيع.
ولا يبيعونها إلا ممن لا يخرجها من الموضع الذي تعتد فيه حتى تتم العدة، ولا يزينونها للبيع بما لا تلبسه الحاد.
1851 - ولا تلبس الحاد شيئاً من الصباغ، قال عروة: إلا أن يصبغ بسواد.
ولا تلبس رقيق عُصب اليمن، ووسع في غليطه.
وتلبس رقيق البياض كله وغليظه من الحرير والكتان والقطن.(2/416)
1852 - ولا تلبس خزاً ولا ما صبغ من ثياب أو جباب حرير أو كتان أو قطن أو صوف، وإن كان أخضر أو أدكن، إلا أن لا تجد غيره وتكون بموضع لا تجد استبداله، فيجوز لها لبسه. وإن وجدت بدلاً ببيع فليس لها لبسه.
1853 - ولا تلبس حلياً: لا قرطاً ولا خاتماً ولا خلخالاً ولا سواراً ولا خرص ذهب أو فضة، ولا تمس طيباً، قال ابن عمر: ولا تختضب.
قال ربيعة: ولا تحنط ميتاً، ولا تدّهن بزنبق أو بنفسج أو خبر، وتدهن بالشيرج والزيت، ولا تمشط بدهن مريب حناء ولا كتم، ولا ما يختمر في رأسها [وتمشط في السدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها، ولا تكتحل إلا من ضرورة فلا بأس به، وإن كان فيه طيب، ودين الله يسر] .
وسبيل الأمة والصغيرة وأم الولد والمكاتبة والمدبرة، سبيل الحرة المسلمة البالغة في الإحداد ولزوم العدة من الأزواج.(2/417)
1854 - إلا أن عدة الأمة وأم الولد، ومن فيها بقية رق في وفاة زوجها على النصف من عدة الحرة.
وإذا مات عن الأمة زوجها أو طلقها طلاقاً بائناً أو غير بائن، ثم عتقت وهي في أثناء هذه العدة فلتبق على عدتها ولا انتقال إلى عدة الحرائر.
وأم الولد إذا مات زوجها وسيدها ولم يعلم أولهما موتاً، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً مع حيضة، قال سحنون: وهذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال.
وإن كان بينهما أقل من شهرين وخمس ليال فعليها أربعة أشهر وعشر فقط، قال مالك: ولا ميراث لها من زوجها حتى يعلم أن السيد مات قبل زوجها، وعدة أم الولد من وفاة سيدها أو عتقه إياها حيضة، وإن كانت ممن لا تحيض فثلاثة أشهر.
قال سليمان بن يسار: أو تكون حاملاً فحتى تضع، قال مالك: ولو مات السيد وهي في أول [دم] حيضتها، أو غاب عنها فحاضت بعده حيضاً كثيرة،(2/418)
ثم مات في غيبته، فلا بد من ائتناف حيضة بعد موته، لأنها لها عدة بخلاف استبراء الملك.
ولقوة الاختلاف فيها قد قال بعض العلماء: عليها أربعة أشهر وعشر، وقال بعضهم: [عليها] ثلاث حيض، قال مالك: ولا حداد عليها في عدتها من وفاة سيدها، ولا أحب لها المواعدة فيها، ولا تبيت إلا في بيتها، وإن زوجها سيدها ثم مات عنها لم يكن على زوجها استبراء.
1855 - وليس للرجل أن يزوج أم ولده أو أمة قد وطئها إلا بعد الاستبراء، ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم الحيض وما أشبهه من غير معتدة، أو في دم(2/419)
النفاس فإن النكاح يجوز في ذلك، ولا توطأ حتى تطهر، ولو اعتدت أم الولد من وفاة زوجها وحلت، فلم يطأها السيد حتى مات، أو كان غائباً ببلد يعلم أنه لم يقدم منذ وفاة الزوج فعليها حيضة، ألا ترى أنها لو تمت عدتها من الزوج ثم أتت بولد لها يشبه أن يكون من سيدها، فزعمت أنه من السيد، ألحق به في حياته وبعد موته، إلا أن يقول السيد قبل موته لم أمسها بعد موت زوجها فلا يلحق به، وكل ولد جاءت به أم ولد أو أمة لرجل أقر بوطئها لمثل ما يلد له النساء، فهو بالسيد لاحق وتكون به الأمة أم ولد، أتت به في حياة السيد أو بعد وفاته، أو بعد أن أعتقها، إلا أن يدّعي السيد في حياته الاستبراء فينتفي منه بغير لعان، لأن ملك اليمين لا لعان فيه.
1856 - وكره مالك المواعدة للمرأة أو لوليها في عدة طلاق أو وفاة، كانت حرة أو أمة.(2/420)
قال بعض التابعين: ولا بأس بالتعريض مثل أن يقول لها: إني بك لمعجب، ولك لمحب، أو فيك لراغب، وإن يقدّر أمر يكن، ونحو ذلك.
وجائز أن يهدي لها، قال عطاء: وأكره مواعدة الولي، وغن كانت المرأة مالكة أمرها، ومن جهل فواعد امرأة في العدة وسمى الصداق ونكح بعد العدة، فاستحب له مالك الفراق بطلقة، دخل بها أم لا، ويخطبها إن شاء بعد عدتها منه إن كان دخل بها، وروى عنه أشهب انه يفرّق بينهما دخل بها أم لا.
1857 - ومن طلقت بخلع فتزوجت في العدة ودخل بها الثاني، قال مالك: يفرق بينهما وتأتنف ثلاث حيض من يوم فسخ نكاح الثاني، فتجزيها عن الزوجين، وإن كانت عدتها بالشهور أجزأها منهما ثلاثة أشهر مستقبلة.
وإن كان قد جاء عن عمر - رضي الله عنه - أنها تتم عدة الأول، وتأتنف عدة الثاني. (1)
وأما الحامل فالوضع يبرئها من الزوجين جميعاً، ولا يتزوجها الأول في عدة الآخر
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/536) .(2/421)
ولدت أولاداً من الثاني، إذ لا حجة لها باجتهاد إمام أو [بيقين] طلاق، ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع حمل إن كانت [حاملا]] ، فإن مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة ولا تحل بالوضع دون تمامها ولا بتمامها دون الوضع. (1)
1859 - قال غيره: ومن نكح أم ولد قد أعتقها سيدها أو مات عنها، أو أمة أعتقها ربها وقد وطئها فدخل بها الزوج قبل أن تمضي الحيضة فذلك يحرم كالوطء في العدة.
وروي ذلك عن مالك في أم الولد يموت سيدها فيتزوجها رجل قبل حيضة أنه متزوج في عدة.
وروي عنه أيضاً أنه ليس كالناكح في العدة.
وإذا وطئ السيد أمته في عدة من زوج حر أو عبد حرمت عليه.
وكل وطء بملك أو بشبهة نكاح في عدة نكاح يُحرّم. ألا ترى أن من طلق امرأته البتة ثم ابتاعها لم يحل له وطؤها بالملك حتى تنكح زوجاً غيره.
_________
(1) انظر: الأم (7/157) ، والتاج والإكليل (4/159) ، ومواهب الجليل (4/158) ، الشرح الكبير (2/501) ، والمعونة للبغدادي (2/793) ، والكافي (2/530) .(2/424)
1860 - قال ابن وهب عن مالك: ومن وطئ أمة بنكاح في عدة [نكاح] [ثم ابتاعها] ، لم تحل له أبداً.
1861 - وكل معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن تأتي بولد وقد أقرت بانقضاء عدتها أو لم تقر، فإنه يلحق بالزوج ما بينها وبين خمس سنين فأدنى، إلا أن ينفيه الحي بلعان ويدعي أنه استبرأ قبل طلاقه، ولا يضرها ما أقرت به من انقضاء العدة، لأنها تقول: حضت وأنا حامل ولا علم لي بالحمل، وقد تهراق المرأة الدم على الحمل، وكذلك إن طلقت فارتابت بتأخير حيض فاعتدت سنة فإنها تحل، إلا أن تستراب بعد ذلك، فتنتظر حتى تذهب ريبتها فإن تمادت بها الريبة جلست ما بينها وبين خمس سنين فما وضعت بعد ذلك لم يلحق بالزوج.
وإن أتت به بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة، وتحد المرأة، وإن مضى لهذه المطلقة خمس سنين غلا خمسة أشهر ولم تقر إلا بانقضاء العدة ثم تزوجت، فإن قالت: إنما تزوجت بعد العدة وزوال الريبة صًدّقت، ولا تُنكح مسترابة البطن إلا بهد زوال البطن أو بعد خمس سنين، فإن نكحت قبل الخمس سنين بأربعة أشهر فأتت بولد لخمسة(2/425)
أشهر من يوم نكحت، لم يلحق بأحد من الزوجين وحُدّت وفسخ نكاح الثاني، لأنه نكح حاملاً.
1862 - وإذا كان الصبي لا يولد لمثله وهو يقوى على الجماع، فظهر بامرأته حمل لم يلحق به، وتحد المرأة، فإن مات هذا الصبي لم تنقض عدتها من الوفاة بوضع حملها، وعليها أربعة أشهر وعشر من يوم مات، وإنما الحمل الذي تنقضي به العدة، الحمل الذي يثبت نسبه من أبيه خلا الملاعنة خاصة، فإنها تحل بالوضع وإن لم تلحقه بالزوج.
وإن مات زوجها وهي في العدة لم تنتقل إلى عدة الوفاة.
1863 - وإذا دخل الصبي بزوجته وهو يقوى على الجماع ولا يولد لمثله، ثم صالح عنه أبوه أو وصيه، فلا عدة على امرأته ولا صداق لها ولا غسل عليها من وطئه، إلا أن تلتذ، يعني: تنزل.
والخصي لا يلزمه ولد إن أتت به امرأته، إلا أن يعلم أنه يولد لمثله.
1864 - ومن نكح امرأة ودخل في العدة بها قبل حيضة، ثم ظهر بها حمل فهو(2/426)
للأول، وتحرم على الثاني، ولو نكحت بعد حيضة فهو للثاني إن وضعته لستة أشهر من يوم دخل بها، فإن وضعته لأقل فهو للأول، هذا حكم النكاح، وإن القافة في الأمة يطؤها السيدان في طهر، وكذلك من نكح في عدة وفاة بعد حيضة أو قبل في لحوق الولد، وعدتها منهما وضع الحمل، أحلقت الولد بالأول أو بالثاني وهو فيها أقصى الأجلين.
1865 - وإذا أسلمت ذمية تحت ذمي ثم مات وهي في عدتها، لم تنتقل إلى عدة الوفاة وتمادت على عدتها ثلاث حيض.
وقال غيره: وناكحها في عدة منه ناكح في عدة، [قال مالك:] ولا شيء لها من المهر إن لم يكن دخل بها، مات أو لم يمت.(2/427)
1866 - وما فسخ من نكاح فاسد أو ذات محرم أو المُنعى لها تنكح أو أمة بغير إذن السيد، فالعدة في ذلك كله كعدة النكاح الصحيح، ويعتددن في بيوتهن.
1867 - وإذا تصادق الزوجان بعد الخلوة في النكاح الفاسد على نفي المسيس لم تسقط بذلك العدة، لأنه لو كان ولد لثبت نسبه إلا أن ينفيه بلعان ولا يكون لها صداق ولا نصفه، لأنها لم تطلبه، وتعاض من تلذذه بها إن كان تلذذ منها بشيء، وقد قيل: [إنها] لا تعاض.
1868 - ولا يضرب السلطان لامرأة المفقود أجل أربع سنين إلا من يوم(2/428)
ترفع إليه، وإن لم تقم إلا بعد سنين، ولا تعتد أربع سنين بغير أمره، وإنما يضرب هذا بعد الكشف عنه، فإن علم إلى أي جهة خرج كتب إليها في الكشف عنه، فإذا يئس من علم خبره ضرب من يومئذ للحر أربع سنين وللعبد حولين، ثم تعتد هي بعد ذلك دون أمر الإمام كعدة الوفاة، كان قد بنى بها أم لا، وعليها الإحداد.
فإن قدم أو صحت حياته قبل أن تنكح، منعت من النكاح وكانت له زوجة بحالها.
وكذلك لو تزوجت ولم يدخل لفسخ نكاح الثاني وردت إلى الأول.
وكذلك التي يبلغها الطلاق ولا تبلغها الرجعة، فإن لم تعلم هي أو لم يقدم هو حتى دخل بها الثاني، فالثاني أحق بها، وأول قول مالك فيهما: إن عقد نكاح الثاني دون البناء يفتيها عن الأول، وأخذ به المغيرة وغيره.
وأخذ ابن القاسم وأشهب فيما بقول مالك الآخر: أن الأول أحق بها(2/429)
ما لم يدخل بها الثاني، وإذا رجعت إلى الأول قبل بناء الثاني كانت عنده على الطلاق كله، وإنما يقع عليها طلقة بدخول الثاني، فأما قبل ذلك فلا.
1869 - وإذا علم أن المفقود مات بعد نكاح الثاني وقبل دخوله، فموته هاهنا كقدومه حينئذ، ويفسخ نكاح الثاني وترث الأول، وتعتد لوفاته من يوم صحة موته، لأن عصمة الأول لم تسقط، وإنما تسقط بدخول الآخر بها.
ولو مات الثاني قبل البناء فورثته، ثم علم أن الأول مات بعد أن نكحت قبل موت الثاني أو بعده، أو علم أن الأول حي ردت ميراثها من الثاني، ورجعت إلى حكم عصمة الأول في حياته وموته.
وإن علم أنه مات بعد بناء الثاني فهو كمجيئه حينئذ فتثبت عصمة الثاني ولا ترث الأول، ولو مات الأول بعد الأجل والعدة، ثم نكحت في وقت تكون فيه في عدة من الأول في صحة موته فسخ نكاح الثاني.(2/430)
فإن لم يكن دخل بها كان خاطباً إن أحب بعد انقضاء عدة الأول.
وإن كان قد بنى بها في عدة الأول لم تحل له أبداً وترث الأول في الوجهين، وإن صح أنها نكحت بعد تمام عدة الأول من يوم موته ورثته وثبتت مع الثاني.
واسلك بالتي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تعتد وتنكح، هذا المسلك، في فسخ النكاح والموت والميراث وجميع أحكامها.
1870 - وينفق على امرأة المفقود في التأجيل من ماله ولا نفقة لها في العدة، ولولده النفقة ما كانوا صغاراً إن لم يكن لهم مال.
ولا يؤخذ حميل بهذه النفقات، وما أنفق عليهم بعد موته ولم يعلم توبع بذلك الزوجة والولد.
1871 - ولا يقسم ورثة المفقود ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله، فيقسم بين ورثته يومئذ لا يوم فقد أو يصح وقت موته فيرثه ورثته يوم(2/431)
صحة موته، وإن مات له ولد وقف ميراثه منه، فإن أتى أخذه وإن مُوّت بالتعمير رُدّ ذلك إلى ورثة الابن يوم مات الابن، ولا أورّث الأب بالشك.
وكذلك لا يتوارث بالشك من لا يعلم أولهما موتاً بغرق أو هدم. ويرث كل واحد ورثته.
1872 - وإن فقد عبد فأعتقه سيده وله ولد أحرار لم يجز، ولا يتم حتى يعلم أن العتق أصابه حياً.
1873 - ولا يوقف للعبد ميراث من مات من ولده الأحرار، وهو بخلاف الحر في هذا، لأنه على أصل منع الوراثة بالرق حتى يصح عتقه.
وأحسن ذلك أن يدفع إلى ورثة الابن بحميل يعطونه، وينظر الإمام في مال المفقود ويجمعه ويوقفه، كان بيد وارث أو غيره، ويوكل به من يرضاه، وإن كان في ورثته من يراه لذلك أهلاً أقامه له، وينظر في ودائعه وقراضه، ويقبض ديونه، ولا يبرأ من دفع من غرمائه إلى ورثته، لأن ورثته لم يرثوه بعد. (1)
1874 - وما أسكن أو أعار أو أجر إلى أجل أرجئ إليه، وإن قارض إلى أجل فسخ وأخذ المال.
_________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (3/464) .(2/432)
وما لحقه من دين أو اعتراف أو عهدة ثمن أو عيب قضي به عليه، ولا يقام له وكيل، وتباع عروضه في ذلك.
وإن أقام رجل البينة أنه أوصى له بشيء أو أسند إليه الوصية سمعت بينته، فإذا قضي بموته بحقيقة أو تعمير، جعلت الوصي وصيه وأعطيت الموصى له وصيته إن كان حياً وحملها الثلث، ولا أعيد البينة.
وكذلك إن أقامت امرأة بينة أنه زوجها قضيت له كقضيتي على الغائب.
1875 - وأما السر فلا تؤجل امرأته بخلاف المفقود، علمنا موضع الأسير أم لا، لأنه معلوم أنه قد أسر، ولا يصل الإمام من كشف حاله إلى ما يفعله في المفقود، ولا تنكح امرأته إلا أن يصح موته أو تنصره إما طائعاً، أو لا يعلم أطائعاً أم مكرهاً؟ فيفرق بينهما، ويوقف ماله، فإن مات مرتداً كان للمسلمين، وإن أسلم كان له، وإن تنصر مكرهاً كانت في عصمته وينفق عليها من ماله.
1876 - ومن نكح امرأة في عدتها فلم يطأ، إلا أنه قبل أو باشر أو جسّ، حرمت عليه للأبد وعلى آبائه وأبنائه.
1877 - وتعتد امرأة الخصي في الطلاق، قال أشهب: لأنه يصيب ببقية ذكره ويتحاصنان بذلك، وإن كان المجبوب لا يمس امرأته فلا عدة عليها من طلاق.
وليس على التي لا يوطأ مثلها لصغر عدة الطلاق.(2/433)
1878 - وعلى كل معتدة لوفاة زوج تربص أربعة أشهر وعشر إن كانت حرة مسلمة أو كتابية، بنى بها أو لم يبن، صغيرة كانت أو كبيرة، والزوج صغير أو كبير، حر أو عبد، مجبوب أو سليم.
وإذا علم بعد وفاة الزوج بفساد نكاحه وأنه مما لا يُقرّان عليه فلا عدة عليها ولا إحداد، وعليها ثلاث حيض استبراء إن كان قد بنى بها، ويلحقه ولدها ولا ترثه ولها الصداق المسمى كله مقدمة ومؤخره.
1879 - وتعتد المرأة في الطلاق والوفاة في بيتها ولا تنتقل منه إلا لضرر لا قرار معه، من خوف سقوطه، أو خوف لصوص بقرية لا مسلمون فيها ونحوه، فإن كان في مدينة فلا تنتقل لضرر جوار ولترفع ذلك إلى الإمام.
1880 - وإن انتقلت لعذر إلى منزل ثان أو ثالث لزمها المقام حيث انتقلت، والكراء في ذلك على الزوج.
وإذا انتقلت لغير عذر ردها الإمام بالقضاء إلى بيتها حتى تتم عدتها فيه، ولا كراء لها فيما أقامت في غيره، ولرب الدار إخراجها منها في عدتها إذا انقضى أجل الكراء.
1881 - وإذا انهدم المسكن فدعت المرأة إلى سكنى موضع ودعا الزوج إلى غيره، فذلك(2/434)
لكثرة كراء [أو سكنى] فتمنع، ولو أسقطت الكراء لسكنت حيث شاءت، وامرأة الأمير المعتدة لا يخرجها الأمير القادم من موضعها حتى تنقضي العدة، وكذلك من حبست عليه دار وعلى آخر بعده، فهلك الأول وترك زوجته، فلا يخرجها من صارت إليه الدار حتى تتم العدة.
1882 -[ومن] بنى بزوجته الصغيرة ومثلها يجامع ثم طلقها أو مات عنها، فليس لأبويها أن ينقلاها إليهما في العدة، ولتعتد حيث كانت يوم مات الزوج أو طلق، ولو خرج أبواها على الحج أو لسكنى بلد آخر فلا يخرجاها حتى تتم العدة.
وتنتوي البدوية مع أهلها حيث انتووا، لا حيث انتوى أهل الزوج، وتقيم هناك بقية العدة ولا تنتوي من قرار.
وإن تبدى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها.
1883 - وتعتد الأمة في الموت والطلاق حيث كانت تبيت، فإذا انتجع سيدها إلى بلد آخر كان له أن يخرجها كالبدوية.
1884 - وتجبر الذمية في العدة من مسلم على العدة في بيتها ولا تنتقل منه، ولا تنكح حتى تنقضي عدتها، وهي في كل شيء من أمرها في العدة والإحداد مثل الحرة المسلمة تجبر على ذلك.(2/435)
1885 - ولا تبيت معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو غير بائن إلا في بيتها، ولها التصرف نهارها والخروج سحراً قرب الفجر، وترجع ما بينها وبين العشاء الآخرة، والمطلقة واحدة أو اثنتين لا إذن لزوجها في خروجها عن بيتها، ولا يسافر بها حتى يراجعها، ولا تحج هي في عدتها من وفاة أو طلاق، حجة الفريضة حتى تتم العدة.
1886 - وتبيت المعتدة في دارها حيث كانت تبيت قبل ذلك في مشتاها ومصيفها، [ولو كان في الدار بيوت في إحداها متاعها وسكناها فلتعتد فيه، وتبيت في بيتها هذا واسطوانها وساحة حجرتها حيث شاءت] ، وإن كان في الدار مقاصير فلا تبيت إلا في مقصورتها.
وينتقل الزوج من بيتها في طلاق بائن أو غير بائن ولا يقيم معها في حجرة.
ولا بأس أن ينتقل إلى أحد بيوت الدار الجامعة، ولا يدخل عليها فيما فيه الرجعة حتى يرتجع.
1887 - وإذا خرجت المرأة مع زوجها في زيارة، أو إلى الحصاد، أو السواحل والرباط،(2/436)
لإقامة الأشهر والرجوع أو لحاجة من قبض دين ونحوه، ولا يريد انتقالاً، فمات زوجها في الطريق، فلترجع إلى بيتها تعتد فيه بعدت أو قربت أو قد وصلت، ولا ترجع إذا بعدت إلا مع ثقة وإلا قعدت حتى تجد ثقة.
وإن خرج بها على رفض سكنى موضعه اعتدت بموضع نقلها إليه.
وإن مات في الطريق وهي أقرب إلى الموضع الأول أو الثاني فلها المسير إلى أيهما شاءت إن كان قريباً، وإن بعد فلا تمض إلا مع ثقة.
ولها المقام بموضع موته أو تعدل إلى حيث شاءت فتتم هناك عدتها، لأنه مات ولا قرار لها، وهي كمعتدة أخرجها أهل الدار، وبمنزلة التي أخرج زوجها من منزل بكراء فانتقلت على أهلها لتكتري سواه فمات ولم يكتر منزلاً، أو اكتراه ولم يسكنه حتى مات فلتعتد حيث شاءت، وإذا مات زوجها في خروجها إلى الحج وقد سارت اليومين والثلاثة وما قرب، وهي تجد ثقة ترجع معهم فلترجع، وترجع من مثل ذي الحليفة عن المدينة، وردهن عمر (1) من البيداء.
_________
(1) رواه مالك في الموطأ (2/592) .(2/437)
1888 - ولا يفسخ كراء كريهاً، ولتكر الإبل من مثل ما اكترت، ولو بعدت كإفريقية من الأندلس أو المدينة من مصر، نفذت.
وأما إذا أحرمت فلتنفذ قربت أو بعدت، ثم إن رجعت في بقية العدة أتمتها في بيتها، وكل من أمرتها بالرجوع إلى بيتها فكانت لا تصل حتى تنقضي العدة فلا ترجع ولتقم بموضعها أو حيث شاءت، إلا أن يعلم في التقدير أنه يبقى من عدتها بعد وصولها فلترجع، وكذلك في الطلاق البائن وغيره.
1889 - وكل مطلقة لها السكنى، وكل بائنة [بطلاق] أو بتات أو خلع أو مبارأة أو لعان ومحوه، فلها السكنى ولا نفقة لها ولا كسوة إلا في الحمل البين، فذلك لها ما أقامت حاملاً، خلا الملاعنة فإنها لا نفقة لها في حملها. (1)
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/163) ، وشرح الزرقاني (3/270) ، والفواكه الدواني (2/64، 65) ، والشرح الكبير (2/484) .(2/438)
1890 - وكل طلاق فيه الرجعة فلها النفقة والكسوة والسكنى حتى تنقضي العدة، كانت حاملاً أو غير حامل.
وكذلك امرأة المولي إذا فرق بينهما، لأن فرقة الإمام فيها غير بائن، وهما يتوارثان ما لم تنقض العدة، ويجب السكنى في فسخ النكاح الفاسد أو ذات محرم لقرابة أو رضاع كانت حاملاً أم لا، لأنه نكاح يلحق فيه الولد، وتعتد فيه حيث كانت تسكن ولا نفقة عليه ولا كسوة إلا أن تكون حاملاً فذلك عليه.
وللكتابية الحرة على الزوج المسلم من السكنى والنفقة إذا طلقها ما للمسلمة.
1891 - ومن خلا بصغيرة يجامع مثلها في بيت أهلها ثم طلقها فقال: لم أطأ فصدقته أو كذبته فالقول قوله في طرح السكنى، كما أقبله في نصف الصداق وعليها العدة.
وحيث يجب جميع الصداق يجب السكنى إلا أنه [إن] لم يعلم له بها خلوة، فلا عدة عليها في طلاق وإن ادعى المسيس.
1892 - وإن دخل بها وهي لا يجامع مثلها لصغر فلا عدة عليها ولا سكنى لها في الطلاق، وليس لها إلا نصف الصداق. وعليها في الوفاة العدة ولها السكنى إن كان ضمها إليه، والمنزل له أو نقد كراه وإن لم يكن نقلها فلتعتد عند أهلها.
وكذلك الكبيرة يموت زوجها قبل البناء وهي في مسكنها، فلتعتد فيه ولا سكنى لها [عليه] إلا أن يكون اسكنها داراً له أو اكتراها ونقد الكراء،(2/439)
فتكون أحق بذلك المسكن حتى تنقضي عدتها، وإذا أعتقت الأمة تحت عبد فاختارت نفسها، أو لم تعتق فطلقها طلاقاً بائناً، فإن كانت بوئت مع زوجها بيتاً فلها السكنى عليه ما دامت في عدتها، وإن لم تبوأ معه [بيتاً] فلتعتد عند سيدها، وإن أخرجها سيدها فسكنت في موضع آخر فلا شيء لها [على الزوج] إذا لم تكن تبيت عنده، ويجبر سيدها على ردّها حتى تنقضي عدتها.
1893 - ولو أعتق العبد أو انهدم المسكن في العدة ولم تبوأ معه بيتاً فلا سكنى [لها] عليه، وليس للأمة الحامل نفقة على الزوج إذا طلقها إذ الولد رق لغيره كان الزوج حراً أو عبداً.
وكذلك حرة طلقها عبد وهي حامل فلا نفقة لها إلا أن يعتق العبد قبل وضعها، فينفق على الحرة من يومئذ، وإن كانت أمة فلا إلا أن تعتق هي أيضاً بعد عتقه فينفق عليها في حملها، لن الولد ولده، ولا نفقة لحامل في الوفاة. وللمتوفى عنها زوجها السكنى في العدة إن كانت دار الميت، أو بكراء وقد نقده، وهي أحق بسكنى دار الميت من غرمائه، وتباع ويشترط سكناها وهي أحق منهم بما نقد كراه، وإن كانت الدار بكراء ولم ينقد الزوج الكراء وهو موسر فلا سكنى لها في ماله، وتؤدي الكراء من مالها، ولا تخرج إلا أن يخرجها رب الدار أو يطلب ما لا يشبه من الكراء، فإن(2/440)
أخرجت أقامت بموضع تنتقل إليه لا تخرج منه، وأما إن طلقها طلاقاً بائناً فلزمه السكنى ثم مات في العدة فقد وجب [لها] السكنى في مال الزوج قبل الوفاة ديناً، ولا يسقطه موته بخلاف المتوفى عنها زوجها ولم يطلقها، [وقد] روى ابن نافع عن مالك أنهما سواء، ولو طلقها وهي في بيت بكراء فأفلس قبل انقضاء العدة فلرب الدار إخراجها، لأنه أحق بمسكنه، وإن كانت المعتدة في مسكن بكراء فلم تطلب به الزوج إلا بعد العدة [فلها الكراء، ولذلك] لو لم يفارقها فطلبته به بعد تمام السكنى فذلك لها إن كان موسراً حين سكنت، وإن كان عديماً فلا شيء عليه.(2/441)
ولا سكنى على معدم في عدة ولا نفقة حمل إلا أن يوسر في حملها فتأخذه بنفقة ما بقي وكذلك السكنى.
وإن وضعت قبل يسره فلا نفقة لها في شيء من حملها، ولأم الولد السكنى في الحيضة إن مات السيد أو أعتقها ولا نفقة لها، وكل شيء تحبس عليه فيه من عدة أو استبراء فلها فيه السكنى. (1)
وإن كانت حاملاً حين أعتقها فلها النفقة مع الكسنى، [قال غيره: إن كانت حاملاً في الوفاة فلها السكنى ولا نفقة لها] ، وللمرتدة الحامل النفقة والسكنى ما دامت حاملاً، فإن لم تكن حاملاً لم تؤخر واستتببت بولا نفقة لها في هذه الاستتابة، لأنها قد بانت منه] ، فإما أن ترجع إلى الإسلام أو تقتل، ويكون ذلك طلقة بائنة ويكون لها السكنى.
والمعترض عن امرأته إذا فرق بينهما عند انقضاء الأجل فلها عليه السكنى في عدتها، وكذلك إن كانا مجوسيين فأسلم الزوج ووقعت الفرقة بينهما وقد بنى بها فلها السكنى.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/166) ، ومنح الجليل (4/355) .(2/442)
وللمستحاضة السكنى في عدتها ولا ينقطع ما وجب من السكنى لمطلقة أو لمتوفى عنها وبها ريبة حتى تزول الريبة.
1894 - ومن مات عن أمة أو باعها أو أعتقها فاستبراؤها حيضة، وإن كانت مستبرأة قبل ذلك، إلا المعتقة المستبرأة فذلك يجيزها وتنكح وتحل للزوج مكانها، كما لو زوجها السيد وهي في ملكه حل للزوج وطؤها مكانه ويجزيه استبراء السيد.
ولا يجوز للسيد أن يزوجها حتى يستبرئها.
1895 - ولو أعتق أم ولده بعد الاستبراء أو مات عنها لم يجزها حتى تأتنف حيضة بعد عتقها بخلاف الأمة. (1)
1896 - وإن اشترى مكاتب زوجته بعد البناء فلم يطأها حتى مات، أو عجز فرجعت إلى السيد فعدتها حيضة، قاله مالك، ثم رجع فقال: أحب إلي أن تكون حيضتين، وبهذا أخذ ابن القاسم أن السيد لا يطؤها إلا بعد حيضتين من يوم الشراء.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (2/495) .(2/443)
ولو وطئها المكاتب بعد الشراء انفسخت العدة وحلت بحيضة استبراء.
1897 - ولو مات المكاتب أو عجز بعد ما مضى لها عنده حيضتان من يوم الشراء فصارت الأمة لسيده لم ينبغ للسيد أن يطأها حتى تحيض حيضة.
وإن كان المكاتب قد قال: لم أطأها بعدهما فإن هي خرجت حرة ولم يكن المكاتب وطئها بعد الشراء نكحت مكانها ولا استبراء عليها، لأنها خرجت من ملك إلى حرية.
1898 - ومن اشترى زوجته قبل البناء وطئها بملك يمينه ولا استبراء عليه.
وقد بقى رسم من آخر هذا الكتاب وهو مذكور في كتاب أمهات الأولاد.
* * *(2/444)
(كتاب الرضاع)
1890 - ويُحرّم من الرضاع في الحولين ولو مصة واحدة بين الأحرار والمماليك. وحرمة الرضاع في الشرك والإسلام واحدة، ولبن المسلمات والمشركات في حرمة الرضاع سواء. (1)
1891 - والوجور يخرم، والسعوط إن وصل إلى جوف الصبي فإنه يحرم.
وإن حقن بلبن فوصل إلى جوفه حتى يكون له غذاء حرَّم، وإلا لم يحرِّم.
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/149) ، وحاشية الدسوقي (2/502) ، شرح الزرقاني (3/306) ، والتاج والإكليل (1/93) ، الفواكه الدواني (2/55) ، الشرح الكبير (2/502) .(2/445)
قال عطاء الخراساني: لا يحرم السعوط ولا الكحل باللبن.
1892 - وإن أرضعت ذات زوج صبياً وهي مرضع أو بعد فصال ولدها وهي حامل أو درت عليه ولم تلد قط، فالصبي ابن للزوج.
1893 - وإذا تزوجت المرضعة المطلقة فحملت ثم أرضعت صبياً، فإنه ابن للزوج الأول والثاني، إذا كان لبن الأول لم ينقطع، والماء يغيل اللبن [ويكون فيه غذاء والوطء(2/446)
يدر له اللبن فهو يُحرّم، قال مالك:] وما ذكر في الحديث من الغيلة هو وطء المرضعة التي لا حمل بها ولا يكره ذلك إذ لم ينه النبي ÷ عنه، [وقد قال أناس: إنما الغيلة أن يُغتال الصبي بلبن قد حملت أمه عليه، فيكون إذا أرضعته بذلك اللبن قد اغتالته] .
1892 - قال مالك: ولا يحرّم رضاع الكبير إلا ما قارب الحولين.
ولم يفصل إلا بمثل شهر أو شهرين، وأما لو فصل بعد الحولين أو بعد حول حتى استغنى بالطعام لم يحرم ما أرضع بعد ذلك.(2/447)
ولو أرضعته امرأة بعد فصاله بيوم أو بيومين لحرّم، لأنه لم يستغن بالطعام.
1893 - وتحرم على الرجل امرأة أبيه أو ابنه من الرضاعة كالنسب.
1894 - وإذا درت بكر لا زوج لها أو يائسة من المحيض فأرضعت صبياً فهي أم له. ولا يُحرّم ما درّ للرجل من لبن.
1895 - وإذا حلب من ثدي المرأة لبن في حياتها أو بعد موتها فأوجر به صبي أو دبّ فرضعها وهي ميتة وعلم أن في ثديها لبن فالحرمة تقع بذلك ولا يحل اللبن في ضروع الميتة، قيل: فلم وقعت به الحرمة؟ قال: لأن من حلف أن لا يشرب لبناً فشرب لبن الميتة أو [شرب] لبناً ماتت فيه فأرة حنث إلا أن ينوي اللبن الحلال، ويحد من وطئ ميتة.(2/448)
1896 - وإذا قالت امرأة عدلة: كنت أرضعت فلاناً وزوجته لم يقض بفراقهما، ولو عرف ذلك من قولها قبل النكاح أمرته بالتنزه عنها [إن كان يوثق بقولها] ، ولو شهد بذلك امرأتان بعد العقد وهما أم الزوجة وأم الزوج أو أجنبيتان لم أفض بالفراق، إلا أن يفشر ذلك من قولهما قبل النكاح عند الجيران والمعارف [فيُقضى بالفراق بينهما] .
1897 - ولو خطب رجل امرأة فقالت له امرأة: قد أرضعتكما، لم ينبغ له نكاحها، فإن فعل لم يفرق القاضي بينهما.
1898 - وإن قال الأب: رضع فلان وفلانة مع ابني الصغير أو مع ابنتي، ثم قال: أردت أعتذر، لم يقبل منه، فإن تناكحا فرّق السلطان بينهما، [ويؤخذ بإقراره الأول] .
وإذا أقر أحد الزوجين أن الآخر أخوه من الرضاعة قبل أن يتناكحا، فسخ نكاحهما إذا شهد على إقرارهما بذلك بينة.(2/449)
وإذا قالت الأم لرجل أرضعتك مع ابنتي [فلانة] ، ثم قالت: كنت كاذبة أو معتذرة لم يقبل قولها الثاني، ولا أحب له أن يتزوجها.
1899 - ومن تزوج صغيرة بعد صغيرة فأرضعتهما أجنبية فليختر واحدة وليفارق الأخرى، ولا يفسد [عقد] نكاحهما كما فسد عقد متزوج الأختين عقدة لفساد العقد فيهما وصحته في هاتين. (1)
1900 - وكذلك لو كُنّ أربعاً فأرضعتهن كلهن فله أن يختار أولادهن رضاعاً أو آخرهن أو من شاء ويفارق البواقي، وإن أرضعت واحدة منهن فهن على نكاحهن، فإن أرضعت ثانية اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى، فإن فارق الأولى ثم أرضعت ثالثة اختار أيضاً، فإن فارق الثالثة ثم أرضعت رابعة حبس الثالثة - إن شاء - أو الرابعة وفارق الأخرى.
1901 -[ومن] تزوج امرأة [كبيرة] ورضيعتين في عقدة وسمى لكل واحدة
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/98) ، والتقييد (2/279) .(2/450)
صداقاً، أو في عُقد متفرقة فأرضعت الكبيرة إحداهما قبل [بنائه بالكبيرة وهي في عصمته أو بعد أن فارقها، حرمت الكبيرة للأبد وثبت على [نكاح] الصغيرتين، وإن كان بعد] بنائه بالكبيرة حرمت الكبيرة والصغيرة التي أرضعت ولا صداق للمرضعة وإن تعمدت الكبيرة الفساد، وللكبيرة الصداق بالمسيس.
1902 - ومن تزوج صبية، فأرضعتها أمه أو أخته أو جدته أو ابنته أو ابنة ابنه أو امرأة أخيه أو بنت أخيه أو بنت أخته، وقعت الحرمة بذلك وفًرّق بينهما، ولا صداق للصبية على الزوج ولا على التي أرضعتها - وإن تعمدت - ولكن تؤدب المتعمدة.
وكل ما فُسخ من نكاح من حرك بالرضاع بعد البناء فلها المسمى.
1903 - ولا يُحرّم لبن البهيمة، ولا لبن مزج بطعام يغيب فيه حتى يكون الطعام الغالب عليه، أو طبخ بعد أن مزج على نار حتى غاب اللبن فيه، أو صب عليه ما غمره وغيبه من الماء، أو جعل في دواء غلب عليه ثم أطعم ذلك أو سقي لصبي، لم يُحرم بذلك.(2/451)
1904 - ويكره استرضاع الكوافر وأن يتخذن ظؤورة لما يتغذين به ويغذين به الولد. وكره مالك استرضاع الفاجرة ولم يحرمه.
1905 - وتجبر ذات الزوج على إرضاع ولدها بلا أجر، إلا أن تكون ممن لا ترضع لشرفها فذلك على الزوج وإن كان لها لبن.
ولو مرضت التي [مثلها] ترضع، أو انقطع درها فالرضاع على الزوج.
وإن مات الأب وللصبي مال فلها أن لا ترضعه وتستأجر له من يرضعه من ماله، إلا أن لا يقبل غيرها فتجبر أن ترضعه [بأجرها] من ماله، وإن لم يكن للصبي مال لزمها إرضاعه بخلاف النفقة التي لا يقضى بها عليها، ولكن يستحب لها أن تنفق عليه إن لم يكن له مال.
1906 - والرضاع عليها إن طلقت طلاقاً فيه رجعة ما لم تنقض العدة، فإن انقضت(2/452)
أو كان الطلاق بائناً ولم تنقض العدة أو انقضت فعلى الأب أجر الرضاع، والأم أولى بذلك، إلا أن يجد الأب بدون ما سألت فذلك له، إلا أن ترضى الأم بما وجد فهي أحق، فإن لم ترض ولم يقبل الولد غيرها وخيف عليه الموت جبرت على رضاعه بأجر مثلها.
ولو كان الأب معدماً لا يجد شيئاً ووجد من قرابته من ترضعه باطلاً فله، إلا أن ترضعه الأم باطلاً، [وكذلك] إن كان الأب ليس بالواجد، وإنما يقوى على دون الأجر وأصاب من يرضع له بدون ذلك، فللأم أن ترضعه بما وجد أو تسلمه، وإن كان الأب موسراً ووجد من يرضعه باطلاً فليس ذلك له. وللأم أن ترضعه بمثل ما ترضعه به غيرها.
* * *(2/453)
(كتاب الاستبراء)
1911 - ومن اشترى أمة مستحاضة - يعلم ذلك - استبرأها بثلاثة أشهر، إلا أن لا يبرئها ذلك وتشك، فيرتفع بها إلى تسعة أشهر، والتي رفعتها حيضتها بمنزلتها، إلا أن ترى المستحاضة دماً توقن هي والنساء أنه دم حيض، فتحل [به](2/455)
متى ما رأته، كالمستحاضة ترى دماً وهي في عدتها من موت أو طلاق توقن هي والنساء أنه دم حيض فيكون ذلك قرءاً تحتسب به.
1912 - ومن كاتب أمته ثم عجزت، أحببت له الاستبراء إلا التي في يديه لا تخرج فلا شيء عليه، [وعليه] في المغصوبة ترجع إليه الاستبراء إن غاب عليها الغاصب، ولو اشتراها الغاصب بعد أن وطئها فليستبرئها من مائه الفاسد.
1913 - ومن اشترى أمة فغاب عليها ثم استحقت بحريّة، لم تنكح إلا بعد ثلاث حيض وإن تقارّا أنه لم يطأ.
ولو وطئها فلا صداق عليه، لأنه وطئ بالملك إلا أن يطأها عالماً بحريتها فعليه الصداق ويحد.
1914 - وإذا استبى العدو أمة أو أم ولد أو مدبرة أو حرة ثم رجعن، لم توطأ الحرة إلا بعد ثلاث حيض، وأولئك بعد حيضة، ولا يصدقن كلهن في نفي الوطء، وقد حزن بمعنى الملك لا على وجه الوديعة.(2/456)
1907 - ومن رهن جارية أو ودعها فلا يستبرئ إذا ارتجعها، ولو ابتاعها منه المودع بعد أن حاضت عنده أجزأه من الاستبراء إن كانت فيه بيته ولا تخرج، ولو كانت تخرج إلى السوق لم يجزه.
1908 - ومن وهب أمة لرجل ثم ارتجعها بعد غيبة الموهوب عليها فليستبرء لنفسه، لأنها قبضت على الحوز.
وأما من باع أمة على المواضعة ثم رجعت إليه في المواضعة قبل أن تحيض أو يذهب معظم حيضتها فلا استبراء عليه، ولو قبضها المبتاع لنفسه على الحوز لا على الأمانة في المواضعة ثم أقاله فليستبرء لنفسه، وإن أقاله بعد يوم من مغيبه عليها، والهبة كذلك.
1909 - ومن وهب لابنه الصغير أو الكبير الذي في عياله جارية ثم اعتصرها، فإن لم تكن تخرج وهي في يد الأب ولم يغب الكبير عليها لم يستبرئ، وإلا فذلك عليه، وإن وطئها الابن فلا اعتصار للأب فيها. (1)
1910 - وكل من انتقل إلى ملكه ملك أمة كانت في حوز غيره بأي وجه ملكها فليستبرئها
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/195) ، والفواكه الدواني (2/157) ، ومواهب الجليل (6/63) ، والموطأ (2/539) ، والكافي (1/532) .(2/457)
بحيضة إن كانت ممن تحيض، ملكها ببيع أو إرث أو هبة أو صدقة أو وصية أو من مغنم أو بغير ذلك.
1915 - ومن باع على ابنه الصغير من نفسه أمة، أو رجل ابتاع أمة زوجته، أو خالعها عليها، أو وهبتها له فإن كانت عنده لا تخرج لم يستبرئ، وذلك عليه إن كانت تخرج.
وأما إن ابتاعها ومثلها يوطأ، من رجل لم يطأ أومن صبي أو من امرأة، فلا بد من مواضعتها، ومن أبضع مع رجل في شراء جارية فبعث بها إليه فحاضت في الطريق فلا يقربها حتى يستبرئ.
1916 - ومن باع أمة ثم حبسها بالثمن، أو لم يمنع المشتري من قبضها ولا سأله هو في ذلك وذهب ليأتي بالثمن فأتى فألفاها طامثاً، ففي أول الدم يجزئه، وإن ألفاها آخره، أو بعد الطهر فلا، وليتواضعاها إلا في الوحش فليقبضها وليستبرئ لنفسه.(2/458)
ولو أمكنه البائع من الرائعة فتركها عنده فإن حيضتها استبراء للمشتري، لأن ضمانها كان معه، لنه استودعه إياها بمنزلة أن لو وضعها عند غيره.
ومن ابتاع أمة في أول الدم أجزأه من الاستبراء، وأما في آخره وقد بقي منه يوم أو يومان فلا، وله المواضعة، فإن ابتاعها فرأت عنده دماً لخمسة أيام من حيضتها عند البائع لم يجزه من الاستبراء، وهو كدم واحد وتدع له الصلاة، وإن رأته بعد أيام كثيرة يكون لها هذا حيضاً مؤتنفاً، فرأته يوماً أو بعض يوم أو يومين ثم انقطع فإن قال النساء: إن [مثل] ذلك حيضة، أجزتها، [وإلا لم يكن استبراء، وغن لم تصل فيه حتى تقيم في الدم ما يعرف ويستيقن أنه استبراء لرحمها. قال مالك:] الثلاثة الأيام والأربعة والخمسة إذا طهرت فيهن ثم رأت الدم بعد ذلك فهو من الحيضة الأولى، قال: ويسأل النساء من عدد أيام الطهر، فإن قلن: إن هذه الأيام تكون طهراً فيما بين الحيضتين، وجاء هذه الأمة بعد هذه الأيام من الدم ما يقول النساء إنه دم حيض ولا يشككن فيه، أجزأ ذلك من الاستبراء وإلا فلا.
1917 - ومن باع أمة رائعة ثم تقابلا قبل التفرق فلا استبراء عليه، وإن أقاله وقد غاب(2/459)
عليها المبتاع فإن أقامت عنده أياماً لا يمكن فيها استبراء فلا يطأها البائع إلا بعد حيضة، ولا مواضعة على المبتاع فيها إذ لم تخرج عن ضمان البائع بعد.
ولو كانت وخشاً فقبضها على ثبات البيع والحوز ثم أقاله قبل مدة الاستبراء فليستبرئ البائع لنفسه أيضاً.
وإن كان إنما دفع الرائعة إليه ائتماناً له على استبرائها فلا يستبرئ البائع إذا ارتجعها قبل أن تحيض أو يذهب عُظم حيضتها.
ولو كانت عند أمين فلا استبراء عليه في الإقالة قبل الحيضة، ولو بعد طول المدة عند الأمين، ولو تقابلا بعد حيضة عند الأمين أو في آخرها، فللبائع على المبتاع فيها المواضعة لضمانه إياها، غلا أن يقيله في أول دمها أو في عظمه فلا استبراء عليه ولا مواضعة فيها كبيع مؤتنف من غيره، وكذلك في بيع الشقص [منها] والإقالة منه.
1918 - ومن ابتاع شقصاً من رائعة فله المواضعة. (1)
1919 - ومن باع أم ولده أو مدبرته ففسخ البيع وردّت، فليستبرئ إذا كان قد دفعها على الحوز وترك المواضعة.
1920 - ومن اشترى من عبده جارية أو انتزعها منه فليستبرئ.
_________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (4/461) .(2/460)
1921 - ومن ابتاع جارية بالخيار ثلاثاً فتواضعاها، أو كانت وخشاً فقبضها فاختار الرد من له الخيار، فلا استبراء على البائع، لأن البيع لم يتم فيها.
1922 - فإن أحب البائع أن يستبرئ التي غاب المشتري عليها وكان الخيار له خاصة فذلك حسن، إذ لو وطئها المبتاع لكان بذلك مختاراً، وإن كان منهياً عن ذلك كما استحب استبراء التي غاب عليها الغاصب.
1923 - ومن ابتاع جارية فردها بعيب فعلى البائع أن يستبرئ إذا كانت قد خرجت من الحيضة وضمانها من المبتاع، وإن لم تكن خرجت من الحيضة فلا استبراء عليه، يريد ألا مواضعة للبائع على الذي يرد البيع بالعيب، لأنها لو هلكت قبل أن تحيض كانت المصيبة فيها من البائع، وقال أشهب: لا مواضعة على الذي يرد بالعيب، خرجت من الحيضة أم لا، لأنه نقض بيع.(2/461)
1924 - ومن اشترى جارية حاملاً فلا يتواضعاها حتى تلد، وليقبضها المبتاع وينقد ثمنها ولا يطأها حتى تلد.
فإن ألقت دماً أو مضغة أو شيئاً يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك عدة الحرة، وتكون به الأمة أم ولد.
1925 - وإن ادعت الأمة أنها قد أسقطت فالسقط لا يخفى دمه وينظر إليها النساء، فإن كان بها من ذلك ما يُعلم أنها قد أسقطت أجزأه ذلك إذا طهرت وإلا لم تصدق، خوفاً من أن يكون كان ريحاً فانفشّ، وكذلك إن قالت: أسقطت منذ عشرة أيام وانقطع الدم عني فلا تصدق، ولا يطؤها المبتاع حتى يستبرئ لنفسه بحيضة، ولا حجة له في رد الثمن وطلب المواضعة، لأن البائع يقول له: بعتكها وهي ظاهرة الحمل يعرفها النساء ويشهدن عليه والنقد فيها جائز، ولا أدري ما صار إليه الحمل.
1926 - وإذا كانت الأمة وخش الرقيق ولم يطاها البائع، جاز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، كان البائع قد استبرأها أم لا، ويجوز فيها اشتراط ترك المواضعة وانتقاد الثمن، ويقال للمبتاع: استبرئ لنفسك بحيضة مستقبلة قبل أن تطأ، ثم لا رد للمبتاع أن ظهر بها حمل، لأن البائع قد تبرأ منه. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/168) ، والمدونة الكبرى (6/124) .(2/462)
وإن كانت رائعة ولم يطأها البائع فلا يجوز بيعها بالبراءة من حمل غير ظاهر، وإن كان البائع قد استبرأها، ويفسخ البيه ولا بد فيها من المواضعة، وإن كانت بينة الحمل جاز تبري البائع من الحمل إن لم يكن منه، وجاز فيها النقد.
1927 - ولا تصدق الأمة في حيض الاستبراء إن ادعت الحيض، ولا في السقط حتى يراها النساء، ولا أزيل ما ثبت من العهدة بقولها، والحرة في ذلك مصدقة ولا ينظر إليها [أحد] ، لأن الله سبحانه ائتمنها عليه.
1928 - وأحب المواضعة على يدي النساء، أو رجل له أهل ينظرونها.
وأكره ترك المواضعة وائتمان المبتاع على الاستبراء، فإن فعلا أجزأهما إن قبضها على الأمانة، وهي من البائع حتى تدخل في أول دمها، فإن قبضها على شرط الحيازة وسقوط المواضعة كالوخش ولم يشترط الاستبراء في المواضعة، أو جهلا وجه المواضعة فقبضها كالوخش ولم يتبرأ البائع من حمل، لم يفسد البيع ولزمهما حكم المواضعة، فإن هلكت في أمد لا يكون فيه استبراء فهي من البائع، وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع.(2/463)
1929 - وإن تبرأ البائع في العقدة من الحمل وليس بظاهر وشرط قبضها كوخش الرقيق وزعم أنه لم يطأ وهي رائعة فسد البيع، وهي من المبتاع من يوم قبضها، وترد إلا أن يفوت فيلزم المبتاع قيمتها يوم القبض أقامت عنده مدة الاستبراء أو يوماً أو يومين.
1930 - ولو أقر البائع بوطئها ولم يدّع الاستبراء وتبرأ من الحمل وشرط ترك المواضعة، فهذا أيضاً فاسد، فإن هلكت في مدة لا يكون فيها استبراء فهي من البائع، وما ولدت فهو به لاحق ولا ينفعه شرطه.
1931 - وإن هلكت بعد مدة يكون فيها استبراء فهي من المبتاع، وعليه قيمتها يوم [جعلناها] تحيض في مثله، لأن من ذلك اليوم وجب عليه ضمانها، ولا ينفعه إن ادعى أنها لم تحض.
1932 -[ومن] اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لم يستبرئ، وإن ابتاعها قبل البناء ثم باعها قبل أن يطأها أو بعد أن وطئ فليستبرئ المبتاع بحيضة، وكذلك إن ابتاعها بعد البناء ثم باعها بعد أن وطئها، لأن وطأه فسخ لعدتها منه.(2/464)
1933 - ولو باعها قبل الوطء هاهنا لم تحل له إلا بحيضتين عدة فسخ النكاح، وكذلك لو طلقها بعد البناء واحدة ثم ابتاعها في العدة [فوطئها بعد الشراء] ثم باعها، [فإن كان قد وطئها بعد الشراء استبرأها مشتريها منه بحيضة] ، وأما إن باعها ولم يطأها فحيضتان من يوم طلاقه يحلها.
وإن باعها بعد حيضة لم تحل إلا بعد حيضة ثانية، ولو باعها بعد انقضاء العدة فاستبراؤها حيضة، كان الطلاق واحدة أو ثلاثاً.
1934 - وإن تزوجت [أمة] بغير إذن سيدها ففسخ النكاح بعد البناء لم يمسها إلا بعد حيضتين، لنه استبراء من نكاح يلحق فيه الولد ولا عدة.
1935 - ومن باع أمة بغير أمر ربها، ثم أجاز البيع بعد أن حاضت عند المبتاع أجزأه كالمودعة.(2/465)
1936 - ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه، فليستبرئها إن لم يكن الأب قد عزلها عنده فاستبرأها.
وقال غيره: لا بد أن يستبرئها لفساد وطئه، وإن كانت مستبرأة عند الأب.
1937 - قال ابن القاسم: وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ.
1938 - وللرجل أن يزوج أمته التي لا يطؤها بغير استبراء، ولا يزوج أمة قد وطئها إلا بعد حيضة. (1)
قيل لمالك: أفلا يزوجها ويكف عنها زوجها حتى تحيض؟ قال: لا.
فإن زوجها وقد وطئها قبل أن تحيض حيضة ثم لم يطأها الزوج حتى حاضت، فالنكاح مفسوخ.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/168) ، والشرح الكبير (2/493) ، ومنح الجليل (4/358) .(2/466)
1939 - ولا يجوز نكاح إلا حيث يجوز الوطء، إلا في دم النفاس أو دم حيض من غير معتدة أو من دخلت من المعتدات في الحيضة الثالثة في الحرة، أو الثانية في الأمة، فإن النكاح يجوز في ذلك ولا توطأ حتى تطهر.
1940 - ومن زنت أمته لم يطأها ولم يزوجها إلا بعد حيضة.
1941 - ومن ابتاع أمة رائعة أقرّ بوطئها أو لم يقر ولم يجحد، [لم يزوجها] حتى تخرج من الاستبراء، إذ يلحق بالبائع ما تأتي به من ولد إن ادعاه، ومن باع أمة من وخش الرقيق ولم يطأها وتبرأ من الحمل إن كان بها، فلا يطأها المبتاع حتى تحيض، وله أن يزوجها قبل أن تحيض إن لم يكن بها حمل ظاهر كما كان لبائعها.
1942 - وإذا جاز للبائع أن يزوج أمته قبل أن يستبرئها جاز ذلك للمبتاع إذا قبضها وقبلها بعد الشراء، وإن لم يكن ذلك للبائع كان المبتاع مثله.
قيل [لمالك:] فإن كانت رائعة فابتاعتها وتواضعاها أيجوز للمبتاع أن يزوجها؟ قال: إذا قال البائع: لم أطأها، فإن [كان] حمل فليس مني، ولم يتبرأ(2/467)
من الحمل جاز البيع، وللمبتاع قبولها في المواضعة قبل محيضها على الرضا بالحمل إن كان بها، ولا يجوز ذلك في أصل التبايع، وله أن يزوجها مكانه قبل أن يستبرئها كما كان للبائع، ويحل للزوج وطؤها مكانه.
1943 - ومن باع أمة رائعة مثلها يتواضع للاستبراء، فظهر بها حمل فقبلها المبتاع به، فذلك له، وهو كعيب حدث بها، وليس للبائع ردها إلا أن يدعي أن الحمل منه.
1944 - ومن ابتاع أمة ذات زوج فطلقت قبل البناء فلا بد من حيضة. ومن اشترى أمة معتدة من وفاة زوج فحاضت قبل تمام شهرين وخمس ليال لم يطأها حتى تتم عدتها، فإن انقضت عدتها أجزتها من العدة والاستبراء.
1945 - وإن تمت عدتها ولم تحض بعد البيع انتظرت الحيضة، فإن رفعتها حتى مضت ثلاثة أشهر وأحست من نفسها [ريبة] انتظرت تمام تسعة أشهر من يوم الشراء، فإن زالت الريبة قبلها حلت، وإن ارتابت بعدها بحس البطن لم توطأ حتى تذهب الريبة.(2/468)
قال سحنون: وقد روي عن مالك اختلاف في التي تُشترى وهي ممن تحيض فرفعتها حيضتها بعد الشراء. فروى عنه ابن وهب: أنها تستبرأ بتسعة أشهر، وروى عنه ابن غانم: أنها إذا مضى لها ثلاثة أشهر دعي لها القوابل، فإن قلن: لا حمل بها، فقد حلّت.
قال أشهب: وهذا أحب إلي، لأن رحمها يبرأ بثلاثة أشهر كما يبرأ بتسعة أشهر، لأن الحمل يتبين في ثلاثة أشهر.
1946 - قال ابن القاسم: ومن اشترى [أمة] معتدة من طلاق وهي ممن تحيض، فارتفعت حيضتها فإذا مضت سنة من يوم الطلاق وليوم الشراء ثلاثة أشهر فأكثر حلت.
1947 - ومن وطئ أمة بالملك ثم ابتاع أختها أو عمتها أو خالتها، لم يطأ الثانية حتى(2/469)
يحرم فرج الأولى، فإن وطئها وقف عن معاودة كل واحدة منهما حتى يحرم فرج واحدة، فإن حرم فرج الثانية أقام على وطء الأولى، فإن حرم فرج الأولى لم يطأ الثانية حتى تستبرئ لفساد وطئه، وليحرم إحداهما ببيع أو نكاح أو عتق إلى أجل، أو بما تحرم به عليه.
وإن ظاهر منها لم تحل له أختها إذ له الكفارة، وكذلك إن باعها من عبده أو ابنه [الصغير] أو يتيم في حجره إذ له الاعتصار والانتزاع بالبيع، وكذلك إن زوجها تزويجاً لا يقران عليه، أو باعها من أجنبي بيعاً فاسداً، إلا أن تفوت في البيع الفاسد فتحل له أختها.
وإن باعها وبها عيب حلت له أختها، وهو بيع تام حتى تُردّ به. فإن أُسرت أو أبقت إباق إياس حلت له أختها، وإن اشترى أختين وطئ أيتهما شاء، فإن وطئهما ثم باعها ثم اشتراهما في صفقة [واحدة] ، وطئ أيتهما شاء.
وإن وطئهما ثم باع واحدة أو زوجها فلم يمس الباقية حتى رجعت تلك إليه، فلا يطأ إلا الباقية لا الراجعة.(2/470)
وإن وطئ إحداهما ثم باعها ثم وطئ الباقية، أو باع أمة وطئها ثم اشترى أختها فوطئها، ثم اشترى في الوجهين تلك [المبيعة] ، فلا يطؤها حتى يحرم فرج الأخرى، ولو لم يكن وطئ الباقية حتى اشترى المبيعة وطئ أيتهما شاء. وفي كتاب النكاح [الثالث] من هذا المعنى.
1948 - ومن وطئ أمته فلا يبيعها حتى يستبرئها، ثم لا بد إن باع الرائعة من المواضعة كان قد استبرأها أم لا، والحيضة فيها تجزي المتبايعين.
ولو أن من وضعت على يديه تولاها بعد أن حاضت [عنده] تلك الحيضة ولم تخرج من يديه أجزته ووطئ مكانه، كالمودعة أو الشريك تحيض عنده ثم يبتاع حصة شريكه.
ولو وطئها ولم يدع استبراء لم يجز له بيعها بالبراءة من الحمل، كانت رائعة أم لا، ولا بد فيها من المواضعة وقد تقدم هذا.
1949 - ومن ابتاع جارية وهي ممن تستبرأ لم يجز اشتراط النقد في عقدة البيع فيها، وضعت(2/471)
على يدي المبتاع أو على يدي أجنبي، واشتراط النقد فيها يفسد البيع، فإن لم يشترط النقد في العقد ثم تبرع المبتاع بعقد الثمن في المواضعة جاز ذلك، ولا بأس أن يشترطا مواضعة الثمن، فإن هلك قبل محيضها ارتقبت، فإن خرجت من الاستبراء فهو من البائع، وإن لم تخرج حتى هلكت أو ظهر بها حمل فهو من المبتاع.
1950 - قال مالك: وأحب ما سمعت [إلي] في التي لم تحض أو اليائسة من المحيض إذا بيعت، أن تستبرأ بثلاثة أشهر إذ لا يبرأ رحم في أقل من ذلك.
وإن كانت ممن تحيض استبرأها بحيضة، فإن رفعتها حيضتها انتظرت ثلاثة أشهر إلا أن ترتاب فتسعة أشهر، فإن زالت الريبة قبل التسعة حلت، وإن تمادت بعدها لم توطأ حتى تذهب الريبة.
وإن تأخر حيض الأمة في البيع لمرض حدث بها بعد البيع فرضيه المبتاع أجزتها ثلاثة أشهر.
وكلما حدث بها في المواضعة من مرض أو هلاك أو داء أو عيب أو غيره فمن البائع حتى ترى حيضة مسقيمة، والمبتاع بالخيار في حدوث العيب في قبولها به بجميع الثمن أوردها، فإن قبلها المبتاع فلا حجة للبائع.(2/472)
1951 - ولا ينبغي للمبتاع أن يطأ في الاستبراء أو يقبل أو يجس أو ينظر للذة، ولا بأس أن ينظر لغير لذة.
وإن وطئ المبتاع الأمة في الاستبراء قبل الحيضة نكل إن لم يعذر بجهل، حاضت بعد ذلك أو لم تحض.
وإن افتضها وهي بكر في الاستبراء ثم حدث بها عيب قبل الحيضة بذهاب جارحة أو حمى أو داء، فله ردها بذلك، فإن ردها به رد ما نقصها الافتضاض، وإن لم ينقصها فلا غرم عليه ولا صداق إلا في الحرة.
وأما الأمة فهي كسلعة، فعلى واطئها غصباً ما نقصها الوطء كانت ثيباً أو بكراً.
وإن وطئها المبتاع في الاستبراء فوضعت لستة أشهر من يوم وطئها، فإن كان البائع يطؤها دُعي للولد القافة، فإن ألحقته بالمبتاع كانت له أم ولد.
ولو وضعته لأقل من ذلك فسخ البيع وأُلحق بالبائع إذا أقر بالوطء، وينكل المبتاع حين وطئ في الاستبراء، وإن أنكر البائع الوطء كان الولد لِغَيّة.(2/473)
وكذلك إن كانت بكراً والبائع ينفي الولد فإنه يكون لِغَيّة، [ويخير] المبتاع في قبولها وردها مع ما نقص وطؤه للبكر أو الثيب إن نقصها شيء، وإلا فلا غرم عليه، وعليه العقوبة إن لم يعذر بجهل.
ولو استلحقه البائع لحق به وفسخ البيع، وصارت له أم ولد.
وإن قال البائع: كنت أفخذ ولا أنزل وولدها ليس مني، لم يلزمه.
وإن قال: كنت أطأ في الفرج وأعزل، فأتت لمثل ما يجيء به من النساء من يوم وطئها لزمه الولد. (1)
* * *
"تم كتاب الاستبراء"
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/316) ، ومنح الجليل (3/408) .(2/474)
(كتاب العتق الأول)
1952 - قال ابن القاسم: التدبير والعتق بيمين مختلف، لأن العتق بيمين إذا حنث عتق عليه، إلا أن يجعل حنثه بعد موت فلان، أو بعد خدمة العبد إلى أجل كذا فيكون كما قال، والأيمان بالعتق من العقود التي يجب الوفاء بها.
والوصية بالعتق عدة إن شاء رجع فيها، فمن أبتّ عتق عبد، أو حنث بذلك في يمين، عتق عليه بالقضاء، ولو وعده بالعتق أو نذر عتقه لم يقض بذلك عليه وأمر بعتقه.
1953 - ومن قال لعبد: إن اشتريتك أو ملكتك فأنت حر، فاشتراه أو بعضه عتق عليه جميعه، ويُقوّم عليه نصيب شريكه، وإن اشتراه بيعاً فاسداً أُعتق عليه ولزمته قيمته، ورد الثمن إليه، كمن ابتاع عبداً بثوب فأعتقه ثم استحق الثوب، فعليه قيمه العبد.(2/475)
1954 - ومن قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، ثم باعه، عتق على البائع ورد الثمن، قال ابن شبرمة: كما لو قال: إذا مت فعبدي فلان حر.
1955 - قال مالك: ولو قال رجل مع ذلك: إن ابتعتك فأنت حر، فابتاعه، فعلى البائع يعتق، لأنه مرتهن بيمينه.
1956 - ومن قال: كل مملوك له حر في غير يمين، أو في يمين حنث بها، عتق عليه عبيده ومدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده، وكل شقص له في مملوك، ويقوّم عليه بقيته إن كان مليئاً، ويعتق عليه أولاد عبيده من إمائهم، ولدوا بعد يمينه أو قبل، وأما عبيد عبيده وأمهات أولادهم، فلا يعتقون ويكونون لهم تبعاً.
1957 - ومن قال لعبد غيره: أنت حر من مالي، لم يعتق عليه وإن قال سيده: أنا أبيعه منه، إلا أن يقول: إن اشتريته أو ملكته فهو حر، فهذا إن اشتراه أو ملكه عتق عليه.(2/476)
ومن قال لأمة غيره: إن وطئتك فأنت حرة، فابتاعها فوطئها، لم تعتق عليه إلا أن يريد إن اشتريتك فوطئتك، وكذلك قوله: إن ضربتك.
1958 - ومن قال: كل مملوك أو جارية أو عبد أشتريه أو أملكه في المستقبل فهو حر، في غير يمين أو في يمين حنث بها، فلا شيء عليه فيما يملك أو يشتري، كان عنده يوم حلف رقيق أم لا، إلا أن يعيّن عبداً أو يختص جنساً أو بلداً، كقوله: من الصقالبة (1) أو من البربر (2) أو من مصر أو الشام أو إلى ثلاثين سنة، فيلزمه ذلك، وهذا كمن عمّ أو خصّ في الطلاق.
1959 - ومن قال: إن دخلت هذه الدار أبداً فكل مملوك أملكه حر، فدخلها، لم يلزمه العتق إلا فيما ملك يوم حلف، فإن لم يكن له يومئذ مملوك فلا شيء عليه فيما يملك قبل الحنث أو بعده.
قال أشهب: ولو قال: إن دخلت هذه الدار فكل مملوك أملكه أبداً حر، [فدخلها لم يعتق عليه ما عنده من العبيد، لأنه إنما أراد ما يملك في المستقبل، كما لو قال:] كل مملوك أملكه أبداً
_________
(1) طائفة من طوائف النصارى، وانظر: أحكام أهل الذمة (3/1256) ، ومعجم البلدان (1/87) ، والمدونة الكبرى (7/155) .
(2) قوم من أهل المغرب كالأعراب في القسوة والغلظة، والجمع البرابرة، وهو معرب، وانظر: شرح الزرقاني (2/185) ، ومنح الجليل (9/385) .(2/477)
حر، وكل امرأة أتزوجها أبداً طالق، فلا شيء عليه فيما عنده من عبد أو زوجة.
1960 - قال ابن القاسم: وإن قال: كل عبد أشتريه من الصقالبة حر، فأمر غيره فاشتراه له، عتق عليه، لأنه إذا اشتراه بأمره فكأنه هو الذي اشتراه، وكذلك لو قبله من واهب لثواب، عتق عليه حين قبوله إياه قبل أن يثيب منه سمّى ثواباً أم لا، ويلزمه ما سموا من الثواب، وإن لم يسموه فعليه قميته، إلا أن يرضى الواهب بدونها، لأن الهبة للثواب بيع، وإن كان لغير ثواب أو صدقة أو ميراث، فإن نوى في قوله: أشتريه، يريد الملك، حنث.
وإن نوى الاشتراء أو لم تكن له نية، لم يحنث وهو على الشراء حتى ينوي الملك.
1961 - وإن قال: إن فعلت كذا أبداً فكل مملوك أملكه من الصقالبة حر، ففعل، لزمه العتق إن حنث في كل ما يملكه من الصقالبة بعد يمينه من يوم حلف، إلا أن يكون نوى ما يملك من يوم حنث، فله نيته.
1962 - ومن قال: إن كلمت فلاناً فعبدي حر، فباعه هو أو أفلس فباعه عليه الإمام، ثم كلم فلاناً ثم ابتاع العبد، لم يحنث بذلك الكلام، وإن كلمه(2/478)
بعد شرائه حنث، وإن كلمه بعد أن ورث العبد لم يحنث، إذ لا يقدر على دفع الميراث.
قال غيره: شراؤه بعد بيع السلطان كميراثه إياه لارتفاع التهمة.
قال ابن القاسم: ولو قبله بهبة أو صدقة أو وصية ثم كلم فلاناً عتق عليه، ولو كاتبه ثم كلم فلاناً عتق عليه، فإن كاتبه مع غيره كتابة واحدة ثم كلم فلاناً لم يعتق إلا برضى صاحبه، كما لو ابتدأ عتقه.
1963 - ولو باع العبد ثم اشتراه من تركة من يرثه ثم كلم فلاناً، فإن كان العبد قدر ميراثه أو أقل، لم يعتق عليه، وإن كان أكثر من ميراثه عتق عليه كله.
1964 - ومن حلف بحرية شقص له في عبد إن فعل كذا فابتاع باقيه ثم حنث، عتق عليه جميعه، ولو لم يبتع باقيه حتى حنث عتق عليه شقصه، وقوم عليه باقي العبد، إن كان مليئاً وعتق.
1965 - ولو باع شقصه من غير شريكه، ثم اشترى شقص شريكه ثم فعل ذلك، لم يحنث، وهو كعبد آخر.
1966 - ومن قال: إن كلمت فلاناً أو يوم أكلمه فكل مملوك لي حر، ثم كلمه، عتق عليه ما عنده من عبد يوم حلف، ولا شيء عليه فيما اشترى بعد يمينه، وكذلك إن(2/479)
لم يكن عنده يوم حلف عبد فلا شيء عليه فيما يشتري بعد ذلك، وكذلك في اليمين بالطلاق والصدقة.
1967 - ومن حلف بعتق إن فعلت كذا، أو لا أفعل كذا، فهو على بر، ولا يحنث إلا بالفعل، ولا يمنع من بيع ولا وطء، وإن مات لم يلزم ورثته عتق.
وإن قال: إن لم أفعل كذا، أو لأفعلن، فهو على حنث، يمنع من البيع والوطء، ولا أمنعه من الخدمة، فإن مات قبل الفعل عتق رقيقه في الثلث، إذ هو حنث وقع بعد الموت.
1968 - وإن قال لأمته: إن لم تدخلي أنت الدار أو تفعلي كذا، فأنت حرة، أو لزوجته: فأنت طالق، أو قال: إن لم يفعل فلان كذا فعبدي حر، وزوجتي طالق، منع من البيع والوطء، وهو على حنث، ولا يضرب له في هذا أجل الإيلاء في المرأة، وإنما يضرب له ذلك في يمينه ليفعلن هو، فأما هذا فإن الإمام يتلوم له بقدر ما يرى أنه أراد من الأجل في تأخير ما حلف عليه، وتوقف لذلك الزوجة أو الأمة أو الأجنبي، فإن لم يفعلوا ذلك أُعتق عليه وطُلق، إلا أن يريد إكراه الأمة على ما يجوز له من دخول دار أو غيره، فله إكراهها ويبر.
1969 - ولو مات الحالف في التلوم مات على حنث وأعتقت الأمة في الثلث، وترثه(2/480)
الزوجة، وقال أشهب: لا تعتق الأمة بموته في التلوم. وإن قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك أو أفعل كذا، فأنت طالق، فهو على حنث، ويتوارثان قبل البر، إذ لا تطلق ميتة، ولا يوصى ميت بطلاق.
وللحالف بالعتق ليضربن عبده، أن يضربه فيبر، إلا ضرباً لا يباح مثله، فإني أمنعه منه، ويعتق عليه مكانه.
قال ربيعة: وإن حلف بحرية عبده ليجلدنه مائة سوط، فليوقف لا يبيعه حتى ينظر أيجلده أم لا.
1970 - قال ربيعة ومالك: وإن حلف ليجلدنه ألف سوط عجلت عتقه، ولا أنتظر به ذلك.
1971 - قال مالك: وإن حلف بحرية أمته ليضربنها ضرباً يجوز له، مُنع من البيع والوطء حتى يفعل، فإن باعها نقض البيع، فإن لم يضربها حتى مات، عتقت في ثلثه.(2/481)
قال ابن دينار: ينتقض البيع وتعتق عليه، ولا تنقض صفقة مسلم إلا إلى عتق.
1972 - ومن ضرب أجلاً في يمينه لأفعلن، أو إن لم أفعل، فهو على بر.
1973 - ومن حلف بطلاق امرأته ليفعلن كذا إلى أجل، لم يُحلّ بينه وبين وطئها، فإن فعل ذلك في الأجل بر، وإن لم يفعله حتى مضى الأجل حنث، ولو طلقها واحدة فانقضت عدتها قبل الأجل أو صالحها فحل الأجل وليست له بامرأة فحنث، فإنه إن تزوجها بعد ذلك فلا شيء عليه، [لأنه مات على بر] .
ولو ماتت في الأجل لم يكن عليه شيء، لأنه مات على بر، وإن قال: أمتي حرة إن لم أفعل كذا وكذا إلى أجل، أو إن لم يفعل فلان كذا إلى أجل سماه، فهو على بر.
1974 - قال مالك: ولا يمنع من الوطء في الأجل، ويمنع من البيع، لأنها مرتهنة بيمين، ولو باعها ردَدْت البيع، ولم أقبل منها رضاها بالبيع.(2/482)
وروي لمالك أنه يمنع من وطئها كمنعه من البيع، فإن كان الفعل في الأجل بر، وإن حل ولم يفعله هو أو من حلف على فعله، عتقت عليه، إلا أن يكون عليه دين فيقضى له بحكم المديان يعتق.
ولو مات السيد في الأجل لم تعتق بموته، لأنه مات على بر.
1975 - ومن أعتق إلى أجل آت لا بد منه، منع من البيع والوطء، وله أن ينتفع بغير ذلك إلى الأجل.
1976 - ومن بتل عتق عبيده في صحته (1) وعليه دين يغترقهم ولا مال له سواهم، لم يجز عتقهم، وإن كان الدين لا يغترقهم بيع من جميعهم مقدار الدين بالحصص لا بالقرعة، وعتق ما بقي.
وإنما القرعة في عتق الوصايا، والبتل في المرض، ولا يجوز لمن أحاط الدين بماله عتق ولا هبة ولا صدقة، وإن كانت الديون التي عليه إلى أجل بعيد إلا بإذن غرمائه، ولا يطأ أمة ردوا عتقه فيها، لأن الغرماء إن أجازوا عتقه فيها أو أسر قبل أن يحدث فيها بيعاً عتقت، فأما بيعه ورهنه وشراؤه، فجائز.
_________
(1) يعني نجز عتقهم في حال عافيته، وانظر: حاشية الدسوقي (4/378) ، التاج والإكليل (6/326) .(2/483)
1977 - ومن حلف بطلاق إحدى زوجتيه فحنث، أو قال: إحدى نسائي طالق، فإن نوى واحدة طلقت عليه التي نوى خاصة، وصدق، وإن لم تكن له نية أو نوى واحدة فأنسيها طلقن كلهن، وإن جحد فشُهد عليه، كان كمن لا نية له.
1978 - ومن قال: رأس من رقيقي حر، أو قال: أحدهم حر، ولم ينو واحداً بعينه، فهو مخير في عتق من شاء منهم، بخلاف الطلاق، وهو كقوله: رأس منهم في السبيل أو المساكين، فهو مخير فيمن شاء، ولو كانا عبدين فنوى أحدهما، عتق من نوى، وصدق في نيته بلا يمين، ولو قال هذا في صحته، ثم قال في مرضه: نويت هذا، صدق وعتق من جميع المال، غلا أن تكون قيمته أكثر من قيمة الآخر، فيكون الفضل في الثلث. وقال غيره: بل جميعه خارج من رأس المال.
1979 - وإذا قال العبد: كل عبد أملكه إلى ثلاثين سنة حر، فعتق، ثم ابتاع رقيقاً قبل(2/484)
الأجل فإنهم يعتقون [عليه] ، ولا يعتق عليه ما ملك من العبيد وهو في ملك سيده، إذ لا يجوز عتق العبد لعبيده إلا بإذن سيده، سواء تطوع بعتقهم، أو حلف بذلك فحنث، إلا أن يعتق وهم في يديه فيعتقوا، وهذا إذا لم يَرُدّ السيد عتقه حين عتق، فأما إن رده السيد قبل عتقه وبعد حنثه، لم يلزمه فيهم عتق، ولزمه بعد عتقه عتق ما يملك بقية الأجل.
وكذلك أمة حلفت بصدقة مالها ألا تكلم أختها، فعليها إن كلمتها صدقة ثلث مالها ذلك بعد عتقها إن لم يرد سيدها ذلك حتى عتقت. قيل: فعبد قال: إن اشتريت هذه الأمة فهي حرة؟ قال: قد نهاه مالك عن شرائها، وشدد الكراهية فيه، ولم يذكر أن سيده أمر باليمين.
1980 - ومن قال لأمته: إن دخلت هاتين الدارين فأنت حرة، فدخلت إحداهما، فهي حرة. (1)
وإن قال لأمتيه: إن دخلتما هذه الدار فأنتما حرتان، أو قال لزوجتيه:
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/366) ، والتاج والإكليل (6/333) ، والمدونة الكبرى (7/165) .(2/485)
فأنتما طالقتان، [فدخلتها] واحدة منهما، فلا شيء عليه حتى تدخلا جميعاً. وقال أشهب: تعتق الداخلة فقط.
1981 - ومن قال لزوجته: إن دخلت هذه الدار فأنت طالق، أو لعبده: فأنت حر، فقالت المرأة والعبد بعد ذلك: قد دخلناها، أو قال لهما: إن كنتما دخلتما هذه الدار فأنت طالق وأنت حر، فقالا: قد دخلنا، أو لم يُقرّا، ولا يعلم صدقهما، أو قال لعبده: أنت حر إن كنت تبغضني، فقال العبد: أنا أحبك، أو قال له: أنت حر إن كنت تحبني، فقال: أنا أبغضك، أو قال: إن كان فلان يبغضني فعلي المشي إلى بيت الله، فقال فلان: أنا أحبك، أو سأل امرأته عن خبر فقال لها: أنت طالق إن كتمتني، أو إن لم تصدقيني، فأخبرته وقالت: قد صدقتك ولم أكتمك، وهو لا يدري أكتمته ذلك أم صدقته، فإنه يؤمر في ذلك كله أن يعتق ويطلق ويمشي بغير قضاء.(2/486)
1982 - ومن ملك عبده العتق وفوّض فيه إليه، فقال العبد: اخترت نفسي، فإن قال: نويت بذلك العتق، صدق وعتق، لأن هذا من أحرف العتق، وإن لم يرد به العتق فلا عتق له.
وقال غيره: يعتق وغن لم يرد به العتق، كما يكون ذلك من المملّكة طلاقاً وإن لم ترده.
1983 - قال ابن القاسم: وإن قال العبد: أنا أدخل الدار، وقال: أدرت بذلك العتق، فلا عتق له، إذ ليس هذا من حروف العتق.
وقال غيره: إذا قال العبد: أنا أدخل الدار، أو أذهب، أو أخرج، لم يكن هذا عتقاً، إلا أن يريد بذلك العتق فعتق، لأنه كلام يشبه أن يراد به العتق، قال ابن القاسم: وأما إن قال السيد لعبده: ادخل الدار، يريد بلفظه ذلك العتق، لزمه العتق، بخلاف قول العبد، لأن العبد مدع للعتق إذا جاء بغير حروفه كالمرأة تقول في التمليك: أنا أدخل بيتي ثم تدعي بعد ذلك أنها أرادت به الطلاق، فلا يقبل(2/487)
قولها، ثم ليس للمرأة والعبد بعد ذلك خيار، وإن كانا في المجلس في قولي مالك جميعاً، لأنهما قد تركا ما جعل لهما حين أجابا بغير طلاق ولا عتاق.
والقول فيمن ملّك عبده أو أمته العتق كالقول في تمليك الزوجة أن ذلك في يد المرأة والعبد ما لم يفترقا من المجلس، فإن تفرقا أو طال المجلس بهما حتى يُرى أنهما قد تركا ذلك أو خرجا من الذي كانا فيه إلى كلام غيره يعلم أنهما تركا لما كانا فيه، بطل ما جعل في أيديهما من ذلك. وهذا أول قول مالك وبه أخذ ابن القاسم وعليه جماعة الناس، ثم رجع [مالك] فقال: ذلك لها، وإن قامت من المجلس إلا أن توقف أو تتركه يطؤها طائعة أو يباشرها ونحوه فيزول ما بيدها، وكذلك قال في العتق.
1984 - ومن قال لأمته أو لزوجته: ادخلي الدار، وهو يريد بلفظه ذلك حرية الأمة وطلاق الزوجة، لزمه ذلك، ومن أراد أن يقول لزوجته: أنت طالق، أو لأمته: أنت حرة، فقال لها: ادخلي الدار، ونحو ذلك لم يلزمه شيء حتى ينوي أن الأمة حرة والزوجة طالق بما تلفظ به من القول قبل أن يتكلم به فيلزمه، وإن لم يكن ذلك الكلام من حروف الطلاق أو الحرية. وكذلك إن قال لجاريته: أنت برية أو خلية(2/488)
أو بائن أو بتة، أو قال لها: كلي أو اشربي أو تقنعي، يريد بذلك اللفظ الحرية فهي حرة.
1985 - ومن قال لرجل: أعتق جاريتي فقال لها ذلك الرجل: اذهبي، وقال: أردت بذلك العتق فإنها تعتق، لأنها من حروف العتق، وغن قال: لم أرد بذلك العتق، صُدق.
1986 - ومن قال لعبده: يدك حرة، أو رجلك حرة، أُعتق عليه جميعه، وكذلك إن شهدت عليه بينة وهو يجحد، وإن قال له: أنت حر اليوم، عتق للأبد، وإن قال له: أنت حر اليوم من هذا العمل، وقال: إنما أردت عتقه من العمل ولم أرد الحرية، صدق في ذلك مع يمينه. (1)
1987 - ومن عجب من عمل عبده، أو من شيء رآه منه، فقال له: ما أنت إلا حر، أو قال: تعال يا حر، ولم يرد بشيء من هذا الحرية، إنما أراد بذلك: أنك تعصيني وأنت في معصيتك إياي كالحر، فلا شيء عليه في الفتيا ولا في القضاء.
1988 - قال مالك في عبد طبخ لسيده فأعجبه طبخه، فقال: إنه حر، فقامت [عله] بذلك بينة، أنه لا شيء عليه، لأن معنى قوله أنه حر الفعال.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/169) ، والتاج والإكليل (6/332) .(2/489)
ولو مر على عاشر فقال: هو حر، ولم يرد بذلك الحرية، فلا عتق له فيما بينه وبين الله، وإن قامت بذلك بينة لم يعتق أيضاً، إذا علم أن السيد دفع بذلك القول عن نفسه ظلماً.
1989 - ومن قال لعبده: أنت حر، أو لامرأته: أنت طالق، وقال: نويت بذلك الكذب، لزمه العتق والطلاق ولا يُنوّى، وإنما النية فيما له وجه مثل ما وصفنا من أمر العاشر ونحوه.
1990 - ومن قال لعبده ابتداء: لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليك، عتق عليه، وإن علم أن هذا الكلام جواب لكلام كان قبله، صدق في أنه لم يرد بذلك عتقاً، ولم يلزمه عتقه، ومن قال لأمته: هذه أختي، أو لعبده: هذا أخي، فإن لم يرد به الحرية فلا عتق عليه. (1)
1991 - ومن قال لعبده: قد وهبت لك نفسك، أو عتقتك أو تصدقت عليك بعتقك فهو حر، قبل ذلك العبد أو لم يقبل.
قال غيره: إذا وهبه فقد وجب العتق، فلا ينظر في هذا قبوله، مثل
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (5/245، 246) ، والتاج والإكليل (5/245) ، وحاشية الدسوقي (3/418) .(2/490)
[الزوجة] في الطلاق إذا وهبها فقد وهب ما كان يملك من الزوجية.
1992 - ومن وهب لعبده نصف رقبته أو أخذ منه دنانير على عتق نصفه أو على بيع نصفه من نفسه، فجميع العبد حر وولاؤه لسيده.
ولو أن عبداً بين رجلين أعتقه أحدهما عل مال أخذه من العبد، فإن أراد(2/491)
وجه العتاقة عتق عليه كله، وغرم حصة شريكه، ورد المال للعبد، لأن من أعتق عبداً بينه وبين آخر، واستثنى شيئاً من ماله لزمه عتق العبد كله، ورد ما استثنى من المال إلى العبد، وإن علم أنه أراد وجه الكتابة فسخ ما صنع، ورجع العبد بينهما وأعطى نصف المال لشريكه.
1993 - وسئل ابن القاسم عمن قال لأمته: أنت حرة إن هويت أو رضيت أو شئت أو أردت، [متى يكون لها ذلك؟] قال: ذلك لها، وإن قاما من مجلسهما،(2/492)
مثل التمليك في المرأة إلا أن تمكنه من وطء أو مباشرة أو قبلة، فتوقف الجارية لتختار حريتها أو تترك.
ثم قال: وأما أنا فلا أرى لها بعد افتراق المجلس شيئاً، إلا أن يكون شيء فوضه إليها.
1994 - ومن قال: عبيدي أحرار إلا فلاناً، أو نسائي طوالق إلا فلانة، فذلك له.
ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه استثناؤه، ولزمه العتق والطلاق.
1995 - وإن قال: غلامي حر إن كلمت فلاناً إلا أن يبدو لي، أو إلا أن أرى غير ذلك، فذلك له، وإن قال: إلا أن يشاء الله، لم ينفعه ذلك.
وإن قال لامرأته: أنت طالق إن أكلت معي شهراً إلا أن أرى غير ذلك، فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها، ثم أذن لها، فأكلت، فإن كان هذا الذي أراد وهو مخرج يمينه، ورأى ذلك فلا شيء عليه. وإن قال لها: أنت طالق إن شئت أو شاء فلان، لم تطلق عليه حتى ينظر إلى ما تشاء أو يشاء فلان، ولو قال: إن شاء الله، لم ينفعه ثنياه، وطلقت مكانها.
1996 - ومن أمر رجلين بعتق عبده، فأعتقه أحدهما، فإن فوض ذلك إليهما لم يعتق [العبد] حتى يجتمعا، وإن جعلهما رسولين عتق عليه بذلك.
وكذلك إن أمر رجلين أن يطلقا عليه زوجته، الجواب واحد.(2/493)
قال أشهب وغيره: وكذلك لو ملّك أمته مع أجنبي عتقها، فلا يعتق حتى يجتمعا على العتق، لأن إلى كل واحد منهما ما إلى صاحبه، فإن وطئها انتقض الأمر الذي جعل لهما.
1997 - ومن قال: يا ناصح، فأجابه مرزوق، فقال له: أنت حر، يظنه ناصحاً، فإن قامت بذلك بينة عتقا جميعاً بالقضاء: مرزوق بما شهدت له البينة، وناصح بإقراره بما نوى فيه في لفظه.
وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا يعتق إلا ناصح إن لم تكن بينة.
قال أشهب: يعتق مرزوق في القضاء والفتيا، ولا عتق لناصح، لأن الله حرمه.
1998- وإن كان عبد بين رجلين فقال أحدهما: إن كان دخل المسجد أمس فهو حر،(2/494)
وقال الآخر: إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، فإن ادعيا علم ما حلفا عليه [دُيّنا في] ذلك، وإن قالا: ما نوقن أدخل أم لا؟ وإنما حلفنا ظناً، فليعتقاه بغير قضاء. وقال غيره: بل يجبران على عتقه.
1999- ومن أوصى بعتق عبيده أو بتل عتقهم (1) في مرضه ثم مات، عتق جميعهم إن حملهم الثلث، وإن لم يجعلهم الثلث عتق منهم مبلغه بالسهم، فإن لم يدع غيرهم عتق ثلثهم بالسهم.
2000- وإن قال: ثلث رقيقي أحرار، أو نصفهم، أو ثلثاهم، عتق منهم ما سمي بالقرعة إن حمله الثلث، وإلا فما حمل الثلث مما سمى.
2001- وإن قال في مرضه: عشرة من رقيقي أحرار، وهم ستون، عتق سدسهم، أخرج السهم أكثر من عشرة أو أقل.
2002- ولو هلك عبيده إلا عشرة عتقوا إن حملهم الثلث، وإن كثرت قيمتهم، وإن لم يحملهم الثلث عتق منهم مبلغه بالقرعة، ورق من بقي، وإن بقي منهم أحد عشر عتق منهم عشرة أجزاء من أحد عشر جزءاً بالسهم، إن حمل ذلك الثلث، وإن بقي منهم عشرون أعتق نصفهم بالقرعة في الثلث، وإن بقي ثلاثون أعتق ثلثهم،
_________
(1) أي نجز عتقهم، وانظر: الشرح الكبير (4/378) ، والمدونة الكبرى (7/181) ، والقوانين الفقهية (1/251) ، التمهيد لابن عبد البر (23/422) .(2/495)
ولو سمى جزءاً، أو قال: سدسهم، لم يعتق إلا سدس من بقي، ولو بقي واحد.
2003- ولو قال: رأس منهم حر، ولم يعينه، فالسهم يعتق منهم، إن كانوا خمسة يوم يقومون، عتق خمسهم، أو ستة بعتق] سدسهم، خرج لذلك أقل من واحد أو أكثر.
2004 - وإذا انقسم العبيد على الجزء الذي يعتق منهم، جُزّئ بينهم بالقيمة وأسهمت بينهم، فأعتقت ما أخرجه السهم، وإن لم ينقسموا على الأجزاء علمت قيمة كل واحد، وكتبت اسمه في بطاقة، وأسهمت بينهم، فمن خرج منهم اسمه نظرت، فإن كانت قيمته مبلغ الجزء الذي يعتق منهم عتق، وإن زادت قيمته عتق منه مبلغه فقط، وإن نقص عتق، وأعدت السهم لتمام ما بقي من جزء الوصية، فإما يقع لذلك عبد أو بعض عبد.
2005 - ومن قال عند موته: أنصاف رقيقي أو أثلاثهم أحرار، أو ثلث كل رأس، أو نصف كل رأس، عتق من كل واحد منهم ما ذكر، إن حمل ذلك ثلثه، ولا يبدّى بعضهم على بعض، أو ما حمله ثلثه مما سمي بالحصص من كل واحد بغير سهم.(2/496)
2006 - ومن قال في صحته: إن كلمت فلاناً فرقيقي أحرار، فكلمه في مرضه ثم مات، عتقوا إن حملهم ثلثه، أو ما حمل منهم بالسهم، ورق ما بقي، وهو كمن بتل عتقهم في مرضه. ولو كانت يمينه: إن لم أفعل كذا فمات، ولم يفعله فهاهنا يعتقون إن حملهم ثلثه أو مبلغه من جميعهم بالحصص بلا سهم، ويدخل معهم كل ولد حدث لهم بعد ذلك اليمين من إمائهم، فيقوّمون معهم في الثلث، وهم كالمدبرين.
2007 - ومن قال في صحته لعبده: إن دخلت أنا هذه الدار فأنت حر، فدخلها في مرضه ثم مات [منه] ، عتق العبد في ثلثه.
وكذلك إن قال لامرأته: إن دخلت دار فلان فأنت طالق، فدخلتها في مرضه ورثته، وإن انقضت عدتها كما لو طلقها أو افتدت منه في مرضه، فإنها ترثه.
وإن باع عبدك سلعتك بأمرك ثم أعتقته ثم استُحقت السلعة، ولا مال لك فلا رد للعتق، لأنه دين لحقك بعد إنجازه.
2008 - ومن أعتق في صحته عبده أو دبره أو كاتبه، وعليه دين، وله يومئذ عرض(2/497)
سوى عبده فيه كفاف دينه، فلم يقم غرماؤه حتى هلك العرض، فلا رد لهم لما صنع، وإن لم يعلموا به.
2009 - وإن أعتق عبده وله مال سواء يغترقه الدين، ويغترق نصف العبد فلم يقم عليه حتى أعدم، لم يبع لغرمائه من العبد إلا ما كان يباع لهم لو قاموا يوم أُعتق، وهو إذا أعتق أو دبر وله مال لا يفي بدينه، بيع من العبد بما بقي من دينه بعد المال، وكان باقيه عتقاً أو مدبراً.
وأما إن كاتبه وله مال لا يفي بدينه ردت الكتابة كلها، إذ لا يكاتب بعض عبد، وبيع العبد في الدين، إلا أن يكون في الكتابة إن بيعت أو بعضها كفاف الدين فتباع لذلك، ولا ترد الكتابة.
2010 - ولا يجوز لأحد الشريكين في عبد أن يكاتب نصيبه بإذن شريكه، أو بغير إذنه. وأما [إن دبره بإذنه جاز] ، فإن دبره بغير إذنه قوم عليه نصيب شريكه، ولزمه تدبير جميعه، ولا يتقاوياه.(2/498)
وكانت المقاواة عند مالك ضعيفة، ولكنها شيء جرى في كتبه. ومن رد غرماؤه عتقه للرقيق فلم يباعوا حتى أفاد السيد مالاً، فهم أحرار، وليس ذلك رداً للعتق حتى يباعوا.
وكذلك لو باعهم السلطان، ولم ينفذ البيع حتى أيسر السيد لنفذ العتق، وبيع السلطان بالمدينة على خيار ثلاثة أيام، فإن وجد من يزيده وإلا أنفذ البيع. قيل له: ويجوز هذا البيع؟ قال: نعم.
2011 - ومن أعتق عبده وعليه دين يغترقه ولم يعلم الغرماء [بالعتق] وللعبد ورثة أحرار فمات بعضهم بعد عتقه، فلا يوارثهم، لأنه عبد حتى يعلم الغرماء بالعتق فيجيزونه، أو يفيد السيد مالاً، لأن للغرماء إجازة العتق أو رده.
ولا يرث إلا من ليس لأحد أن يرده في الرق على حال. وقاله مالك في المبتل في(2/499)
المرض عن مات السيد وله أموال مفترقة يخرج [العبد] من ثلثها إذا جمعت فهلك العبد قبل اجتماعها، أن ورثته الأحرار لا يرثونه، لأن العتق إنما يتم بعد جمع المال، وخروج العبد من ثلثه، لأنه لو ضاع المال كله لم يعتق من العبد إلا ثلثه، وإن بقي من المال ما لا يخرج العبد من ثلثه عتق منه ما حمل الثلث، ولم يلتفت إلى ما ضاع منه.
2012 - وإذا ابتل المريض عتق رقيقه، وعليه دين، وعنده وفاء به، فلم يمت حتى هلك ماله فالدين يرد عتقه، بخلاف الصحيح، لأن فعل المريض موقوف، وذلك كوصيته بعتقهم، فإن اغترقهم الدين رقوا، وإن كان فيهم فضل عن الدين أسهم بينهم، أيهم يباع للدين، ثم أسهم بينهم فيمن يعتق في ثلث بقيتهم، فإذا أخرج السهم للدين أحدهم وقيمته أكثر من الدين، بيع منه بقدره، وأقرع للعتق، فإن خرج بقية هذا العبد وفيه كفاف الثلث أعتقت بقيته، وإن كان أكثر من الثلث أعتقت أيضاً منه بقدر الثلث، ورق باقيه للورثة، وإن لم يف بقيته بالثلث، أعتقت بقيته واعدت السهم حتى يكمل الثلث في غيره، وكذلك يعاد السهم في الدين إن خرج من لا يفي بالدين حتى يكمل الدين، وإن بيع بعض عبد، ثم يقرع للعتق كما ذكرنا، وإنما القرعة في الوصية بالعتق والبتل في المرض.
2013 - ومن رد غرماؤه فليس له ولا لغرمائه بيعهم دون الإمام، فإن فعل أو فعلوا ثم رفع إلى الإمام بعد أن أيسر رد البيع ونفذ العتق، ولو أعتق في يسره فلم يقوموا(2/500)
عليه ولم يعلموا حتى أعسر، فلا رد للعتق، لأنه وقع في وقت لا يرد لو رفع، ولو أعتق في عسره فلم يقم عليه حتى أيسر لنفذ العتق، ثم إن أعسر بعد ذلك قبل القيام عليه فلا رد للعتق، وإن لم تكن علمت به الغرماء. وإذا باعهم الإمام عليه في دينه ثم اشتراهم بعد يسره كانوا له رقاً، ولا يعتقون عليه.
2014 - بقال مالك:] ومن ابتاع أباه وعليه دين يغترقه لم يعتق عليه وإن اشتراه وليس عنده إلا بعض ثمنه، [قال مالك: يرد البيع، وقال ابن القاسم: بل يباع منه ببقية الثمن ويعتق ما بقي. وقال غيره: لا يجوز له في السُّنة أن يملك أباه(2/501)
إلا إلى عتق، فإذا كان عليه دين يرده صار خلاف السنة أن يملكه فيباع في دينه ويقضي عن ذمته نماؤه، وذكر من أعتق ما في بطن أمته] في العتق الثاني.
2015 - قال ابن القاسم: وإذا اشترى المريض عبداً محاباة فأعتقه فالعتق مبدّى على المحاباة، لأن المحاباة وصية، والعتق يبدّى على الوصايا، فإن كان قيمة العبد كفاف الثلث سقطت المحاباة، ولم يكن للبائع غير قيمة العبد من رأس المال، وإن بقي بعد قيمة العبد شيء من الثلث كان في المحاباة، وقد قال: يُبدى بالمحاباة، لأن البيع لا يتم إلا بها [فكأنه آمر بتبديتها في الثلث] فإن بقي بعده من الثلث شيء كان في العبد، أتم ذلك عتقه أم لا، [قال سحنون: وهذا القول أحسن من الأول] .(2/502)
2016 - ومن بتل عتق عبده في المرض وقيمته ثلاثمائة درهم، ولا مال له غيره، فهلك العبد قبله وترك ابنة حرة، وترك ألف درهم فقد مات رقيقاً، وما ترك لسيده بالرق دون ابنته.
ولو كان للسيد مال مأمون يخرج العبد من ثلثه، جاز عتقه، وكان ما ترك ميراثاً بين السيد والابنة نصفين على أحد قولي مالك، وقال غيره: لا ينظر في فعل المريض إلا بعد موته، كان ماله مأموناً أو لم يكن.
2017 -[قال ابن القاسم:] ولو احتمل المال المأمون نصف العبد، لم يعجل عتق شيء منه وإنما يعتق إذا كان المال المأمون كثيراً أضعاف قيمة العبد مراراً.(2/503)
2018 - وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فليس لشريكه أن يتماسك بنصيبه أو بعتقه إلى أجل، إنما له أن يعتقه بتلاً أو يقوّم على شريكه، وغن أعتق حصته إلى أجل أو دبر أو كاتب، رد ذلك إلى التقويم، إلا أن يبتله. وقال غيره: فإن كان الأول مليئاً بقيمة نصف نصيب المعتق إلى أجل، قوّم ذلك عليه وبقي ربع العبد معتقاً إلى أجل. وقال غيره: إذا كان الأول مليئاً وأعتق الثاني إلى أجل فقد ترك التقويم، ويعجل عليه العتق الذي ألزم نفسه واستثنى من الرق ما ليس له.
2019 - قال ابن القاسم: وإن كان عبد بين مسلم وذمي فأعتق المسلم حصته، قوم عليه(2/504)
كان العبد مسلماً أو ذمياً، وإن أعتق الذمي حصته وكان العبد مسلماً قوم عليه وأجبر على عتق جميعه، وإن كان كافراً لم تقوم عليه حصة المسلم، لأن العبد جميعه لو كان للنصراني فأعتقه أو أعتق بعضه لم يحكم عليه بعتقه. قال غيره: وتقوم عليه حصة المسلم.
2020 - قال ابن القاسم: [وإذا أعتق المليء شقصاً له في عبد فأخره شريكه بالقيمة على أن زاده فيها، فذلك ربا، ومن أعتق شركاً له في عبد] بإذن شريكه أو بغير إذنه، وهو مليء، قوّم عليه نصيب صاحبه بقيمته يوم القضاء وعتق عليه، وإن كان عديماً لا مال له لم يعتق عليه [غير حصته، ونصيب الآخر رق له، وإن كان مليئاً بقيمة بعض النصيب قوم عليه] منه بقدر ما معه، ورق بقية النصيب لربه، ويباع عليه في ذلك شوار بيته والكسوة ذات البال، ولا يترك له إلا كسوته التي لا بد له منها وعيشة الأيام. (1)
_________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/410) ، والتاج والإكليل (6/337) ، والتقييد (3/69) .(2/505)
2021 - وإذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو مليء ثم أعتق شريكه نصف نصيبه عتق باقي حصته عليه، لأنه قد أتلف نصيبه بعتقه لبعضه، ولا يقوم على الأول إلا إذا أقيم عليه العبد غير تالف، ألا ترى أنه لو مات العبد قبل التقويم لم يلزم المُعتق الأول من التقويم شيء.
فإن مات المعتق لنصف نصيبه قبل أن يعتق [عليه] ما بقي، قومنا بقيته على المعتق أولاً، ولو كان العبد لثلاثة نفر فأعتق أحدهم نصيبه ثم أعتق الآخر نصيبه وهما مليئان، فليس للباقي أن يضمن إلا الأول، فإن كان الأول عديماً، فلا يقوم على الثاني وإن كان موسراً، إذ لم يبتدئ فساداً، ولو أعتقا معاً قوم عليهما إذا كانا مليئين، وإن كان أحدهما مليئاً والآخر معسراً، قُوّم جميع باقيه على الموسر.
2022 - وإن أعتق معسر شقصاً له في عبد فلم يقوم عليه شريكه حتى أيسر، فقال مالك قديماً: إنه يقوم عليه، ثم قال: إن كان يوم أعتق بعلم الناس والعبد(2/506)
والمتمسك بالرق أنه إنما ترك القيام لأنه إن خوصم لم يقوّم عليه لعدمه، فلا يعتق عليه وإن أيسر بعد ذلك، وأما لو كان العبد غائباً فلم يقدم حتى أيسر المعتق لنصيبه لقوم عليه بخلاف الحاضر. (1)
وإن أعقت في يسره ثم قيم عليه في عسره، فلا شك أنه لا تقويم عليه.
وإن أعتق حصته في يسره فقال شريكه: أنا أُقوّم عليه نصيبي، ثم قال بعد ذلك: أنا أعتق، لم يكن له إلا التقويم.
2023 - وإذا دبر أحد الشريكين جنين أمة بينهما تقاوياه بعد أن تضعه، وإن أعتق أحدهما جنينها أو دبره وأعتق الآخر نصيبه من الجارية، قُوّمت عليه، وبطل تدبير صاحبه وعتقه للجنين.
2024- وإن أعتق أحد الشريكين حصته وهو موسر، ثم باع الآخر نصيبه، نقض البيع وقوّم على المعتق، وإذا كان المعتق معسراً والعبد غائب فباع المتمسك حصته منه على الصفة وتواصفا الثمن فقبضه المبتاع [وقدم] به، والمعتق قد أيسر أو لم يقدم به إلا أن العبد علم بموضعه فخاصم في موضعه والمعتق قد أيسر، فإن البيع ينقض ويقوّم على المعتق.
_________
(1) انظر: المدونة (8/300) ، والتاج والإكليل (6/338) ، ومواهب الجليل (6/338) .(2/507)
وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من عبد في صحته فلم يقوّم عليه حتى مرض، قوّمنا عليه حصة شريكه في الثلث.
وكذلك من أعتق نصف عبده في صحته فلم يستتم عليه حتى مرض، فليعتق بقيته في ثلثه. قال غيره فيهما: لا تقويم لباقيه في الثلث، غذ لا يدخل حكم الصحة على حكم المرض. قالا: وإن لم يعلم بذلك إلا من بعد موته، لم يعتق منه إلا ما كان أعتق، ولا تقويم على ميت، وكذلك لو أفلس.
وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر فرفع إلى الإمام فلم يقوم عليه لعسره، ثم أيسر بعد ذلك فاشترى حصة شريكه، لم يعتق عليه.
ولو رفع ذلك إلى الإمام فلم يقوّم عليه ولا نظر في أمره حتى أيسر، لقوّم عليه.
2025- وإذا أعتق أحد الشريكين وشريكه غائب، فإن كانت غيبته قريبة لا ضرر على العبد فيها كتب إليه فإما اعتق أو قوم، وإن بعدت غيبته قومناه على المعتق إن كان مليئاً ولم ينتظر قدومه.
2026 - ومن أعتق شقصاً من عبد يملك جميعه أو بعض أم ولده عتق عليه باقيهما.(2/508)
2027 - ومن أعتق نصف عبد ثم فُقد السيد، لم أعتق باقيه في ماله وأوقفت ما رُقّ منه، كإيقافي لماله إلى أمد لا يحيى إلى مثله، فيكون لوارثيه يومئذ إلا أن تثبت وفاته قبيل ذلك فيكون لوارثيه يوم صحة موته.
2028 - وإذا أعتق المريض شقصاً له في عبد أو نصف عبد يملك جميعه، فإن كان ماله مأموناً عتق عليه الآن جميعه وغرم قيمة نصيب شريكه، وإن كان ماله غير مأمون لم يعتق نصيبه ولا نصيب شريكه غلا بعد موته فيعتق جميعه في ثلثه، ويغرم قيمة نصيب شريكه، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورُق ما بقي، فإن عاش لزمه عتق بقيته. ولو أوصى المريض بعتق نصيبه بعد الموت لم يقوم عليه نصيب صاحبه كان ماله مأموناً أو غير مأمون.
ولو بتل في مرضه عتق عبده كله وماله مأمون عجل عتقه وتمت حريته في جميع أحكام الأحرار من الموارثة والشهادة وغيرها، وإن لم يكن ماله مأموناً وكان يخرج من الثلث، لم يعجل عتقه ووقف وكان له حرمة العبد حتى يعتق بعد موت سيده في ثلثه، وليس المال المأمون عند مالك إلا في الدور والأرضين والنخل والعقار.
ولمالك قول ثان في المبتل في المرض، أن حكمه حكم العبد حتى يعتق بعد الموت في الثلث، وقد رجع عنه مالك إلى ما وصفنا. وإذا أعتق المريض عبده جاز ذلك على ورثته إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث عتق منه مبلغه ورق ما بقي.(2/509)
2029 - وإذا أعتق أحد الشريكين وهو معسر أو كان موسراً فلم يقوّم عليه حتى مات العبد عن مال، فالمال للمتمسك بالرق دون المعتق ودون ورثة العبد الأحرار، لأنه [يحكم عليه] بحكم الأرقاء حتى يعتق جميعه، ولا تقوم بقية العبد بعد موته على المعتق وإن كان مليئاً. (1)
2030 - وإن مات العبد وترك مالاً ولرجل فيه الثلث ولآخر فيه السدس ونصفه حر، فالمال بينهما بقدر ما لهما فيه من الرق، وإن كان العبد بين ثلاثة فأعتق أحدهم نصيبه، وكاتبه الثاني وتمسك الثالث بالرق، فمات العبد فميراثه بين الذي تمسك بالرق، وبين الذي كاتب على أن يرد ما كان أخذ من كتابته قبل موته، وقاله ربيعة ومالك.
2031 - وإذا أعتق أحد الشريكين حصته من العبد إلى أجل، قوم عليه الآن ولم يعتق عليه حتى يحل الأجل، وقال غيره: إن شاء تعجل القيمة أو أخرها.
_________
(1) انظر: مختصر خليل (278) ، والتقييد (3/73) .(2/510)
2032 - قال ابن القاسم: وإن مات العبد عن مال قبل التقويم، أو قتل، فقيمته وما ترك من المال بينهما، لأن عتق النصف لم يتم حتى يمضي الأجل.
وإن أعتق أحد الشريكين جنين أمة بينهما وهو موسر، قوم عليه بعد أن تضعه، وإن ضرب رجل بطنها فألقته ففيه ما في جنين الأمة، وما أخذ فيه فبينهما دون أخوته الأحرار، إذ لا تتم حريته إلا بالوضع.
2033 - ومن أعتق ما في بطن أمته في صحته، فولدت في مرضه، أو بعد موته، فذلك من رأس المال، كمعتق إلى أجل حلّ حينئذ، بخلاف الحانث في مرضه بيمين عقدها في صحته.
ومن اشترى نصف ابنه أو نصف من يعتق عليه من رجل يملكه جميعه أو كان لرجلين، فاشترى نصفه بإذن من له بقيته أو بغير إذنه، أو قبله من واهب أو موص أو متصدق، أو ملكه بأمر لو شاء أن يدفعه عن نفسه فعل، فإن هذا يعتق عليه ما ملك منه ويقوم عليه بقيته إن كان مليئاً، وإن كان معسراً لم يعتق منه إلا ما ملك ويبقى باقيه رقيقاً على حاله يخدم مسترق باقيه بقدر ما رق منه ويعمل لنفسه بقدر ما عتق منه، ويوقف ماله في يديه، وكذلك(2/511)
إن ابتعت أنت وأجنبي أباك في صفقة، جاز البيع، وعتق عليك وضمنت للأجنبي قيمة نصيبه.
وأما من ورث شقصاً ممن يعتق عليه فلا يعتق منه إلا ما ورث فقط ولا يقوم عليه باقيه، وغن كان مليئاً، لأنه لا يقدر على دفع الميراث.
2034 - ومن وهب لصغير أخاه فقبله أبوه، جاز ذلك وعتق على الابن، ومن أوصى لصغير بشقص ممن يعتق عليه أو ورثه فقبل ذلك أبوه أو وصيه، فإنما يعتق ذلك الشقص فقط، ولا يقوم على الصبي بقيته ولا على الأب الذي قبله ولا على الوصي. وغن لم يقبل ذلك الأب أو الوصي فهو حر على الصبي. وكل من جاز بيعه وشراؤه على الصبي، فقبوله له الهبة جائز، وكذلك في الأب والوصي. (1)
وإذا ملك العبد المأذون له من أقاربه من يعتق على الحر، لم يبعهم إلا بإذن السيد، وهو لا يبيع أم ولده إلا بإذنه.
وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له.
وإن أُعتق وفي ملكه من يعتق عليه عتقوا عليه، وإن كان في ملكه أم ولد بقيت أم ولد له.
وإذا اشترى المأذون له من قرابة سيده من لو ملكهم سيده عتقوا عليه والعبد لا يعلم بهم، فإنهم يعتقون، إلا أن يكون على المأذون دين يغترقهم.
* * *
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/196) ، والتاج والإكليل (6/26) .(2/512)
(كتاب العتق الثاني)
2035- قال مالك: ولا يعتق على الرجل من أقاربه إذا ملكه إلا الولد ذكورهم وإناثهم وولد الولد وإن سفلوا، وأبواه وأجداده وجداته من قبل الأب أو الأم وإن بعدوا، وإخوته دنيا لأبوين أو لأب أو لأم وهم أهل الفرائض في كتاب الله.
قال ابن شهاب: فإن مات قبل عتقهم فقد عتقوا عليه يوم ابتاعهم.
قال مالك - رحمه الله -: ولا يعتق عليه غير هؤلاء من ذوي الأرحام ممن يحرم أو لا يحرم، ولا ممن يحرم بالصهر أو بالرضاع ويبيعهم إن شاء، ولا يعتق عليه عم ولا عمة ولا أبناؤهم ولا خال ولا خالة، ولا بنو أخ ولا بنو أخت، ولا أمة كان تزوجها فولدت منه ثم اشتراها بعدما ولدت، وأما إن اشتراها وهي حامل منه فوضعت عنده بعد الشراء بيوم أو أقل أو أكثر، كانت به أم ولد.(2/513)
2036 - قال المشيخة السبعة: إذا ملك الوالد ولده أو ملك الولد والده عتق عليه، وما سوى ذلك من القرابة فيختلف الناس فيه.
2037 - قال ابن القاسم: ومن اشترى أباه بالخيار له أو للبائع، لم يعتق عليه إلا بعد زوال الخيار، لأن البيع لا يتم بينهما إلا عبد الخيار. وإذا كان الخيار للبائع فهو أبين، وكل سواء.
وعمة أمك محرمة عليك، لأنها أخت جدك لأمك، وأجدادك لأمك لو كانوا نساء كن محرمات عليك، وكذلك أخواتهم، وجداتك لأمك وأخواتهن محرمات عليك بمنزلة خالاتك، وإنما يقع التحليل في أولاد من ذكرنا.
2038 - وإذا اشترى عبد غير مأذون له من يعتق على سيده لم يجز له شراؤه بغير إذن السيد بخلاف المأذون، ولا يجوز للأب أن يشتري بمال ابنه لابنه من يعتق على الابن ولا يتلف مال ابنه.
2039 - وإن أعنت رجلاً بمال في شرائه [به] أباك، لم يعتق عليه ولا عليك، ويبقى رقاً لمشتريه.
2040 - ومن قال لعبده: أنت حر إذا قدم أبي، فذلك يلزمه، ولا يعتق عليه حتى يقدم(2/514)
أبوه. قال مالك - رحمه الله -: ويوقف لينظر أيقدم أبوه أم لا، وكان يُمرّض في بيعه. وأجاز ابن القاسم بيعه ووطأها إن كانت أمة، وقال: هي في هذا كالحرة يقول لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فله وطؤها ولا تطلق عليه حتى يقدم فلان. وأما من أعتق إلى أجل آت لا بد منه، كقوله لأمته: أنت حرة على شهر أو إلى سنة أو إذا مات فلان أو إذا حضت، فهو ممنوع من الوطء والبيع، وله أن ينتفع بغير ذلك حتى يحل الأجل فتعتق، ولا يلحقها دين، وهي إن مات حرة من رأس ماله بعد أن يخدم الورثة بقية الأجل، بخلاف المدبرة، لأن المدبرة توطأ ويلحقها الدين.
2041 - ومن قال لأمة يطؤها: إذا حملت فأنت حرة، فله وطؤها في كل طهر مرة، قال يحيى بن سعيد وغيره: لا يطأ التي أعتق إلى أجل أو التي وهب خدمتها إلى أجل.(2/515)
2042 - ومن قال لعبده: إن جئتني، أو متى ما جئتني، أو متى بما] أديت إلي، [أو إذا أديت غلي] ، [أو إن أديت إلي] ألف درهم، فأنت حر، فإنه إذا أتى بألف درهم أعتق، وإن لم يأت بها فهو عبد، ويتلوم له فيها، ولا ينجم عليه، وليس للعبد أن يطول بسيده ولا للسيد أن يعجل بيعه إلا بعد تلوم السلطان له بقدر ما يرى، كمن قاطع عبده على مال إلى أجل فمضى الأجل قبل أن يؤديه فيتلوم له الإمام، وإن دفع الألف درهم عن العبد رجل أجنبي، جبر السيد على أخذها وأعتق العبد. ولو دفع العبد ذلك إلى السيد من مال كان بيد العبد فقال السيد: ذلك المال لي، فليس له ذلك، لأن العبد ههنا كالمكاتب يتبعه ماله، ويمنع السيد من كسبه أيضاً.
2043 - ومن قال لأمته: أول ولد تلدينه حر، فولدت ولدين في بطن واحد، عتق أولهما خروجاً، فإن خرج الأول ميتاً فلا عتق للثاني. وقال ابن(2/516)
شهاب: يعتق الثاني، إذ لا يقع على الميت عتق. وقال النخعي: من قال لأمته: إن ولدت غلاماً فأنت حرة، فولدت غلامين فالأول رقيق، وهي والآخر حران، وإن كان الأول جارية فهي حرة دون الولدين. وقال ابن شهاب: وإن قال: أول بطن تضعينه حر، فوضعت توأمين فهما حران.
2044 - ومن قال لأمته في صحته: كل ولد تلدينه حر، لزمه عتق ما ولدت.
واستثقل مالك بيعها، وقال: كيف لها بوعده، وأنا أرى بيعها جائز، إلا أن تكون حاملاً حين قال ذلك أو حملت بعد قوله، أو يقول: ما في بطنك حر، أو إذا وضعتيه فهو حر، فإن الأم لا تباع حتى تضع، إلا أن يرهقه دين فتباع [فيه] ويرق الجنين.
ولو ولدته في مرض السيد أو بعد موته ولا دين على السيد، وقد أشهد على قوله في صحته عتق من رأس المال، لأنه كمعتق إلى أجل، هذا إذا كان الحمل في(2/517)
الصحة، وأما إن حملت به في مرض السيد فولدته في مرضه أو بعد موته فهو من الثلث، لأن المريض إذا أعتق على أجل فإنما هو من الثلث، والأول كمعتق في صحته إلى أجل فهو من راس المال كمنت قال لعبده في صحته، إذا وضعت فلانة فأنت حر، فوضعت والسيد مريض أو بعد موته، فإن العبد حر من رأس المال.
2045 - وإن أعتق ما في بطن أمته أو دبره وهي حامل يومئذ فما أتت به من ذلك الحمل إلى أقصى حمل النساء فحر أو مدبر، ولو كان لها زوج ولا يعلم أن بها حملاً يوم عتقه، فلا يعتق ههنا إلا ما وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم العتق، كالمواريث إذا مات رجل فولدت أمه بعد موته من غير أبيه ولداً فهو أخوه لأمه، فإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم موته لم يرثه، وإن كان لأقل ورث، ولو كانت الأمة وقت العتق ظاهرة الحمل [من زوج] أو غيره، عُتق ما أتت به ما بينها وبين أربع سنين. وقال غيره: إن كان الزوج مرسلاً عليها وليست بينة الحمل، نظرت إلى حد ستة أشهر، وغن كان غائباً أو ميتاً نظرت، فما ولدته إلى أقصى حمل النساء فهو حر، وقال أشهب: لا يسترق الولد بالشك.
والتي يعتق ما في بطنها في صحة السيد لا تباع وهي حامل، إلا في قيام(2/518)
[الغرماء] بدين استحدثه قبل عتقه أو بعده، فتباع إذا لم يكن له غيرها، ويرق جنينها، إذ لا يجوز استثناؤه، فأما إن قام الغرماء بعد الوضع فانظر فإن كان الدين بعد العتق أعتق الولد من رأس المال ولدته في مرض السيد أو بعد موته، وتباع الأم وحدها في الدين ولا يفارقها، وإن كان الدين قبل العتق بيع الولد للغرماء إن لم تف الأم بدينهم، ولو ضرب رجل بطنها فألقته ميتاً ففيه عقل جنين أمة، بخلاف جنين أم الولد من سيدها تلك، في جنينها عقل جنين الحرة، لأن جنين الأمة لا يعتق إلا بعد الوضع، وجنين أم الولد حر حين حملت به.
2046- ومن أعتق أمة حاملاً أعتق جنينها، وإن لم يذكره ولا مرد له فيه. قال ربيعة: ولو استثناه كان حراً، ولم ينفعه [استثناؤه] . قيل: فمن وهب ما في بطن أمته لرجل أو تصدق به عليه أو أوصى له به ثم وهبها سيدها بعد ذلك لرجل آخر أو أعتقها هو أو وارثه بعد موته؟ قال: فالعتق أحق، ويعتق جنينها وتسقط هبته وغيرها. (1)
2047- وإن وهب عبداً أو تصدق به على رجل أو أخدمه إياه حياته ثم أعتقه المعطي قبل حوز المعطى جاز العتق وبطل ما سواه، علم المعطى بالهبة والصدقة
_________
(1) انظر: التقييد (3/77، 78) ، ومنح الجليل لعليش (9/450، 452) .(2/519)
أو لم يعلم، ولو وهبه لغيره أو تصدق به فالأول أحق به وإن حازه الآخر، إلا أن يموت الواهب قبل قيام الأول فيبطل حقه ويصح قبض الثاني. وقال أشهب: بل الثاني أحق إذا حاز، وإن لم يمت الواهب.
2048 - ومن وهب عبداً أو تصدق به فقتل العبد قبل الحوز، فقيمته للمعطى وماله للمعطي، إلا أن يكون أدخل ماله معه في الهبة وشرطه، فيكون أيضاً للمعطي كالبيع.
2049 - ومن أعتق أمته على أن تنكحه أو تنكح فلاناً ثم امتنعت، فهي حرة، ولا يلزمها النكاح إلا أن تشاء، وكذلك إن قال رجل لرجل: خذ ألف درهم على أن تعتق أمتك وتزوجنيها، فأعتقها، فهي حرة، ولها أن لا تنكحه، والألف لازمة للرجل.(2/520)
2050 - وعتق السكران وتدبيره جائز إذا كان غير مولى عليه. (1) ولا يجوز عتق المعتوه إذا كان مطبقاً ولا الصبي.
2051 - ومن حلف بعتق عبيده إن فعل كذا فجن ثم فعل ذلك في حال جنونه فلا شيء عليه.
2052 - وإن قال صبي: كل مملوك حر إذا احتملت، فاحتلم فلا شيء عليه.
ولا يجوز على المكره عتق ولا بيع ولا شراء ولا وصية ولا نكاح ولا طلاق ولا شيء من الأشياء، وإكراه السلطان وغيره سواء، والتهديد بالقتل أو بالضرب والتخويف الذي لا شك فيه إكراه، والضرب إكراه، والسجن إكراه، وإكراه الزوج زوجته إكراه بضرب أو بضرر، وإن افتدت منه بشيء [على ذلك] رده.
2053 - وإن دفع العبد مالاً لرجل وقال له: اشترني لنفسك، أو دفعه إليه على أن يشتريه ويعتقه ففعل الرجل ذلك، فالبيع لازم، فإن كان المشتري استثنى مال العبد، لم يغرم الثمن ثانية، [وإن يستثنه فليغرم الثمن
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/326) .(2/521)
ثانية] للبائع ويعتق الذي اشترط العتق. ولا يتبعه الرجل بشيء ويرق له الآخر، وإن لم يكن للمشتري مال بيع الرقيق عليه في الثمن، وكذلك يباع العتيق في ثمنه إلا أن يفي بيع بعضه بالثمن، فيعتق بقيته، ولو بقي من الثمن شيء بعد بيع جميعه كان في ذمة الرجل.
2054 - وإذا اشترى العبد نفسه من سيده شراء فاسداً فقد تم عتقه ولا يرده، ولا يتبعه السيد بقيمته ولا بغيرها، بخلاف شراء غيره إياه، إلا أن يبيعه نفسه بخمر أو خنزير، فيكون عليه قيمة رقبته. وقال غيره: هو حر ولا شيء عليه.
2055 - وإن باعه من أجنبي بخمر أو خنزير أو بما لا يحل له فأعتقه المبتاع، جاز عتقه ولم يرد، ولزم المبتاع قيمته يوم قبضه.
2056 - ومن قال لعبده: أنت حر الساعة بتلاً وعليك مائة دينار إلى أجل كذا، فقال(2/522)
مالك وأشهب: هو حر الساعة ويتبع بالمائة أحب أم كره، وقال ابن القاسم: هو حر ولا يتبع بشيء. وقاله ابن المسيب. (1)
2057 - قال مالك: وإن قال له: أنت حر على أن تدفع إلي مائة دينار، لم يعتق غلا بأدائها. قال ابن القاسم: وللعبد أن لا يقبل ذلك ويبقى رقيقاً، ذكر السيد أجلاً للمال أو لا. ولو قال: على أن تدفع [إلي] مائة دينار إلى سنة، فقبل ذلك العبد، فإن لم يقل: حر الساعة، ولا أراد ذلك، لم يعتق [العبد] إلا بالأداء عند الأجل، ويتلوم له بعد محله، فإن عجز رُقّ. وقوله: إن جئتني بكذا إلى أجل كذا فأنت حر، من القطاعة، ومن ناحية الكتابة، ويتلوم له كالمكاتب، وليس له بيعه.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/406) ، التاج والإكليل (6/353) ، ومواهب الجليل (6/353) ، والمدونة (7/211) .(2/523)
2058 - ومن قال لأمته: إن أديت إلي ألف درهم إلى عشر سنين فأنت حرة، فما ولدت في هذه المدة فبمنزلتها، إن أدت فعتقت عتقوا معها، وكذلك إن لم يضرب أجلاً فولدته ثم أدت الألف، فولدها حر معها، لأن مالكاً قال: كل شرط كان في أمة فما ولدت [من ولد] بعد الشرط أو كانت حاملاً به يوم شرط لها ذلك، فولدها في ذلك الشرط بمنزلتها، وكذلك إن قال: أنت حرة إن لم أفعل كذا إلى أجل كذا، فتلد قبل الأجل، فهو بمنزلتها إذا عتقت وليس له بيعها ولا بيع ولدها.
2059 - وإن قال لعبده: إن أديت إلي اليوم مائة دينار فأنت حر، فمضى اليوم ولم يؤد شيئاً فلا بد من التلوم به، وإن قال له: إن أديت إلي كذا فأنت حر، فأدى بعضه أو لم يؤد بعضه أو لم يؤد شيئاً، ثم وضع عنه السيد ما عليه عتق مكانه، كالمكاتب يضع عنه السيد كتابته.
2060 - وإن قال له: إن أديت إلى ورثتين أو إذا أديت، [أو أد إليهم] [مائة دينار] ،(2/524)
وأنت حر، ثم مات، فإن حمله الثلث وأدى المائة عتق، ويتلوم له الإمام في الأداء على قدر ما يرى توزيعه عليه كالموصي إن كاتب عبده ولا سمى ما يكاتب به، أن الإمام يجتهد له في قدر ما يكاتب به وينجه عليه على قدر ما يرى انه أراد من إرفاقه، فإن تلوم له وأيس منه أبطل الوصية، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ما قال الميت، أو ابتال محمل الثلث منه الساعة.
2061 - ومن أعتق عبده أو أمته ثم جحد العتق، فاشتغل واستخدم ووطئ الأمة زماناً، ثم قامت عليه بالعتق بينة وهو يجحد، فلا شيء عليه من ذلك، إلا أنه يحكم عليه بالعتق، وإن أقر بذلك ولم ينزع فليرد الغلة على العبد ويعطيه قيمة خدمته ويحد في وطئه الأمة، كمن ابتاع حرة وهو يعلم بها فأقر بوطئها ولم ينزع، فإنه يحد ويغرم الصداق. [وقد] قال مالك فيمن حلف في سفره بعتق عبده إن فعل كذا ثم قدم المدينة ففعله وحنث، ثم استغل العبد ثم مات فكاتبه ورثته وقبضوا بعض النجوم وهم لا يعلمون بحنث صاحبهم،(2/525)
ثم قدمت بعد ذلك بينة علمت بيمينه فإنه يقضى بعتق العبد الآن ولا رجوع له بغلة ولا كتابة.
2062 - قال ابن القاسم: وكذلك إن جرحه السيد أو قذفه، ثم ثبت أنه أعتقه قبل ذلك وهو جاحد، فلا شيء عليه، وجعل له ابن القاسم حكم الحر مع الأجنبيين بخلاف السيد.
وقال غيره: إذا جحد السيد العتق فأثبت عليه ببينة، فعلى السيد رد الغلة إليه وله حكم الحر فيما مضى من حد أو جرح له أو عليه مع الأجنبي أو مع السيد، ذلك سواء.
2063- ومن أعتق عبداً من الغنيمة وله فيها نصيب، لم يجز عتقه، وإن وطئ منها أمة حد، أو سرق منها بعد أن يحرز قطع، وقال غيره: لا يحد للزنا(2/526)
ويقطع إن سرق فوق حقه بثلاثة دراهم، لأن حقه فيها واجب موروث بخلاف حقه في بيت المال، لأنه لا يورث عنه.
2064 - وإذا أسلم عبد النصراني ثم أعتقه، قضي عليه بعتقه، لأنه حكم بين مسلم وذمي. وفي كتاب المدبر ذكر مدبر الذمي يسلم، ولو دخل إلينا حربي بأمان فكاتب عبداً له نصرانياً ثم أراد أن يرده إلى الرق أو يبيعه، فذلك له إلا أن يرضى أن يحكم عليه بحكم الإسلام، فيحكم عليه بحريته، وكذلك إن أعتق نصفه، وبقيته له أو لغيره فلا يقضى عليه بالعتق ولا يقوم عليه حصة شريكه، وكذلك لو كاتب عبده أودبره ثم اراد بيعه لم يمنع، إلا أن يسلم العبد، وهو بيده فيؤاجر المدبر وتباع كتابة المكاتب. قيل له: فإن بتل النصراني عتق عبده النصراني [أو دبه] أو حلف بذلك ثم أسلم فحنث؟ قال: إن حنث في يمينه بذلك في نصرانيته ثم أسلم أو حنث بعد إسلامه، فلا شيء عليه، [وكذلك] جميع أيمانه.
2065 - ومن أخدم عبده رجلاً سنين ثم هو حر، ثم استدان السيد قبل أن يقبضه المخدم فالغرماء أحق بالخدمة ويؤاجر لهم، وإن لم يقم الغرماء حتى بتل الخدمة للذي جعل بها(2/527)
له فلا سبيل للغرماء على الخدمة، والعتق في الوجهين نافذ إلى أجله، لا سبيل للغرماء عليه، وكذلك لو تصدق بصدقة أو وهب هبة أو أعطى عطية فلم يبتلها للمعطي حتى لحقه دين، كان الغرماء أولى بذلك.
2066 - ومن اعتق عبده وللعبد على السيد دين، فله أن يرجع به على سيده إلا أن يستثنيه السيد [أو يستثني ماله مجملاً، فيكون ذلك له، لأن العبد إذا أعتق تبعه ماله] . قال ربيعة: علم السيد بمال العبد أو جهله، إلا أن يستثنيه سيده. قال أبو الزناد: وتتبع العبد سريته كان أولدها بإذن السيد أو بغير إذنه، وأما ولدها منه فرق للسيد، وإذا كان بعض العبد حر، فليس لمن ملك بقيته أن ينتزع ماله وهو موقوف بيده وله بيع حصته، ويحل المبتاع في مال العبد محل البائع، فإن عتق العبد يوماً ما تبعه ماله، وإن مات كان ماله للمتمسك بالرق خاصة، دون الذي أعتق، لأنه لا يورث بالحرية حتى تتم حريته.
2067 - ومن مثل بعبده أو بأم ولده أو بعبد لعبده أو لمدبره أو لأم ولده، عتقوا عليه. (1)
وكذلك إن مثّل بعبد لابنه الصغير فإنه يعتق عليه إن كان ملياً، ويغرم قيمته للابن، فإن قطع أنملة من أصبع عبده عمداً أو حرق شيئاً من جسده بالنار على وجه
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/167) ، والتاج والإكليل (6/335) ، ومواهب الجليل (6/336) ، والمدونة (7/218) ، الكافي لابن عبد البر (1/511) .(2/528)
العذاب أو أخصاه، قال ربيعة: أو قطع حاجبيه، قال مالك: أو سحل أسنان أمته بالبرد أو قلعهما على وجه العذاب، فهي مثلة يعتق بها.
[وكذلك] قال مالك في امرأة كوت فرج أمها بالنار، فإن كان على وجه العذاب فانتشر وساءت منظرته عتقت عليها، وإن لم يتفاحش [ولم] تقبح منظرته، لم تعتق، وكذلك إن كوى عبده مداوياً أو أصابه على وجه الأدب من كسر أو قطع جارحة أو فقء عين، فلا يعتق به، وإنما يعتق بما تعمده به.
قال ربيعة: يعتق بالمثلة المشهورة. وقال يحيى بن سعيد: ويعاقب من فعل ذلك.
2068 - قال ابن القاسم: وإن جز رؤوس عبيده ولحاهم، فليس بمثلة، وإن مثل بمكاتبه عتق عليه، وينظر في جرحه لمكاتبه أو قطع جارحة منه، فيكون عليه من ذلك ما يكون على الأجنبي، ويقاص بالأرش في الكتابة، فإن ساواها عتق، وإن أنافت عليه الكتابة عتق، ولا يتبع ببقيتها، وإن أناف الأرش عليها أتبع المكاتب سيده بالفضل وعتق عليه، وإن مثل بعبد مكاتبه(2/529)
عتق عليه وكان عليه ما نقصه إلا أن تكون مثله مفسدة، فإنه يضمنه ويعتق عليه. وكذلك في عبد زوجته مع العقوبة في تعمده.
2069 - ومن أجر أو أخدم عبده سنة ثم أعتقه قبل السنة، لم يعتقعليه حتى تمضي السة، وإن مات السيد قبل السنة لم تنتقض الإجارة والخدمة بموته، ويعتق العبد بعد السنة من رأس ماله، إلا أن يترك المستأجر أو المخدم للعبد بقية الخدمة، فيعجل عتقه.
2070 - ومن حاز صغيراً حيازة الملك وعرفت حيازته له وخدمته إياه ثم كبر فادعى الحريةن فلا قول له. وكذلك إن ادعى الحرية في صغره وقد تقدم له فيه حوز [وخدمة] ، فهو له عبد، وإن كان إنما هو متعلق به ولم يعلم له فيه حوز، فالصبي مصدق.
2071 - ومن بيده عبد يدعيه فقال العبد: أنا لفلان، فهو لحائزه دون فلان، وكذلك إنأقر العبد بثوب بيده أنه لفلان، لم يصدق، وهو لرب العبد إن ادعاه، لأن حوز عبده كحوزه، إلا أن يقيم فلان بينة.
ومن ادعى على رجل أنه عبده لم يحلّفه، وإن جاء بشاهد حلف معه واسترقه،(2/530)
وكذلك من أعتق عبده ثم قضى على السيد بدين تقدم العتق بشاهد ويمين، فذلك يرد به العتق.
2072 -[ومن] ادعى عبداً في يد رجل وأقام بينة شهدت أنه عبده، أحلفه القاضي بالله أنه ما باع، ولا وهب ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ومن ادعى بيد رجل عبداً أو حيواناً أو عرضاً بعينه، وذلك كله غائب وأتى ببينة تشهد أن ذلك له، فإن وصفت البينة ذلك وعرفته وحلته، سمعت البينة وقضيت له به.
2073 - ومن أقام بينة على عبد قد مات بيد رجل أنه عبده، فلا شيء له عليه إلا أن يقيم بينة أنه غصبه، لأن الرجل يقول: اشتريت من سوق المسلمين، فلا شيء عليه.
وإذا بلغ اللقيط فأقر بالملك لرجل لم يصدق وهو حر، وإن قال ملتقطه: إنه عبدي، لم يصدق إلا ببينة وهو حر.
قال عمر بن عبد العزيز: اللقيط حر ونفقته من بيت المال.
2074 - وإذا شهد وارثان أن الميت كان قد أعتق هذا العبد، فإن كان معهما في الورثة(2/531)
نساء والعبد يُرغب في ولائه، لم تجز شهادتهما، وإن لم يكن في الورثة نساء وكانوا رجالاً كلهم يرثون ولاءه، جازت شهادتهما، وإن كان عبداً لا يُرغب في ولائه جازت الشهادة، كان [في] الورثة نساء أم لا.
2075- وإن شهد أحد الورثة أو أقر أن أباه كان أعتق هذا العبد في صحته أو في مرضه، والثلث يحمله، وأنكر ذلك بقيتهم، لم تجز شهادته ولا إقراره ولا يقوم عليه، إذ ليس هو المعتق فيلزمه التقويم وجميع العبد رقيق.
2076- ويستحب للمدبر أن يبيع حصته من العبد فيجعل ثمنه في رقبة يعتقها ويكون ولاؤها لأبيه ولا يجبر على ذلك، وما لم يبلغ رقبة أعان به في رقبة، فإن لم يجد ففي آخر نجوم مكاتب، وكذلك في إقرار غير الولد من سائر الورثة.
2077 - ولو ترك الميت عبيداً سواه فقال الورثة: لا نبيع ولكن نقسم، فذلك الذي ينبغي إن انقسم العبيد، فإن وقع العبد الذي أقر الوارث أن أباه أعتقه في سهمه عتق كله بالقضاء، وكذلك لو اشترى عبداً ردت شهادته في عتقه أو ورثه عتق عليه.
2078 - وإن ترك الميت عبيداً سواه وترك ابنين فقال أحدهما: أعتق أبي هذا، وقال الآخر: بل هذا، قسمت العبيد أيضاً، فمن وقع في سهمه العبد الذي أقر بعتقه عتق عليه ما حمل الثلث منه، وإن لم يقع له فليخرج مقدار نصف(2/532)
ذلك العبد إذا كان ثلث الميت يحمله فيجعل ذلك في رقبة أو يعين به فيها ولم يأمره هاهنا بالبيع لانقسام العبيد، وأما ما لا ينقسم فعلى ما ذكرنا في العبد الواحد.
2079 - قال ابن القاسم: وإذا قال سيد العبد: أعتقته أمس على مال وقال العبد على غير مال، فالقول قول العبد، ويُحلّف كما تحلف الزوجة للزوج.
قال أشهب: القول قول السيد ويحلف، لأني أقول: لو قال لعبده: أنت حر وعليك مائة دينار، لزمته، ولو قال لزوجته: أنت طالق وعليك مائة دينار كانت طالقاً ولا شيء عليها.
[ومن] أقر في مرضه أنه كان أعتق عبده في مرضه ذلك فهو من ثلثه(2/533)
لأن ذلك وصية، ومن أقر في مرضه أنه كان فعله في صحته، فلم يقم عليه المقر لهم حتى مرض أو مات، فلا شيء لهم، وإن كانت لهم بينة إلا العتق والكفالة، فإنه إن قامت عليه بينة بعد موته أنه أقر بذلك في صحته لزمه العتق في رأس ماله، وأخذت الكفالة من ماله، كانت لوارث أو لغير وارث، لأنه دين قد ثبت في ماله في الصحة.
2080 - قال ابن القاسم: وإن شهد رجل أن شريكه في العبد أعتق حصته والشاهد موسر أو معسر، فإن المعتق إن كان موسراً فنصيب الشاهد حر، لأنه أقر أن ماله على المعتق قيمة، وإن كان معسراً لم يعتق من العبد شيء. وقال غيره: ذلك سواء ولا يعتق منه شيء. قال سحنون: وهذا أجود، وعليه جماعة الرواة، وقاله عبد الرحمن أيضاً.(2/534)
وإن شهد رجلان أن فلاناً أعتق عبده فأعتقه السلطان عليه ثم رجعا عن شهادتهما لم يرد الحكم، وضمنا قيمته للسيد، ولو ردت شهادتهما ثم اشتراه أحدها عتق عليه، قال أشهب: هذا إن أقام على قوله بعد الشراء، وأما إن جحد وقال: كنت كاذباً، لم يعتق عليه.
2081 - وإن ادعى عبد على سيده أنه أعتقه، فلا يمين له عليه، وكذلك إن ادعت امرأة أن زوجها طلقها، وإن قام شاهد عدل للزوجة بالطلاق أو للأمة بالعتق، أو شهدت بذلك امرأتان ممن تقبلان في الحقوق للزوجة والأمة، مثل أن لا يكونا من الأمهات أو البنات أو الأخوات أو الجدات أو العمات أو الخالات، أو من هو منها بظنة، وهذا بخلاف غيره من الحقوق، فإنه لا يحلف العبد ولا المرأة مع الشاهد ولا مع المرأتين، ولكن يحلف الزوج والسيد، ويوقف الزوج عن امرأته، والسيد عن عبده [وأمته] حتى يحلف.(2/535)
قال [مالك:] فإن نكل [لزمه] الطلاق والعتق، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف.
قال ابن القاسم: وقوله الآخر أحب إلي. وأنا أرى إن طال سجنه أن يخلى سبيله ويدين ولا يعتق عليه ولا يطلق. وإن شهدت بذلك للمرأة أختها وأجنبية لم تجز الشهادة.
2083 - وإن أقام العبد بعد موت سيده شاهداً أنه أعتقه لم يحلف مع شاهد، وكان رقيقاً، وعلى كل كبير من الورثة اليمين أنه ما علم أن الميت أعتقه.
وإن شهد للأمة بالعتق زوجها [ورجل] أجنبي، لم تجز الشهادة.(2/536)
2084 - وإن شهد شاهد لعبد أن سيده بتله في الصحة وشهد آخر أنه دبره فقد اختلفا، ولا تجوز شهادتهما. قال غيره: لأن هذا صرفه إلى الثلث، وهذا إلى رأس المال، ويحلف السيد مع كل واحد منهما فإن نكل سجن.
وإن قال أحدهما: أعتقه بتلاً، وقال الآخر: إلى أجل، فقد اتفقا في العتق، ويحلف السيد مع شاهد البتل، فإن أقرّ عجل عتق العبد، وإن حلف عتق [العبد] إلى الأجل، وإن نكل عن اليمين سجن، وإن شهد شاهد أن هذا الميت عبد فلان وأنه أعتقه، وشهد آخر أنه عبده وأنه كاتبه، فشهادتهما جائزة على إثبات الرق، لأنهما اجتمعا عليه.
وما اختلف فيه من الكتابة والعتق، لم تجز شهادتهما فيه. وإن شهدت بينة أن هذا عبد فلان أعتقه وشهدت بينة أخرى أنه لفلان رجل آخر [ملكاً] وتكافأ، قضيت بحريته، لأن العتق حيازة إلا أن يأتي الآخر بما هو أثبت. قال غيره: وهذا(2/537)
إذا لم يكن العبد في حوز أحدهما. وقال ابن القاسم: بل لو كان في حوز من شهد له بالملك فقط لقضيت بحريته، لأنه عبد قامت له بينة أنه حر، وأما لو قامت بينة الذي ليس هو في يديه أنه عبده كاتبه أو دبره، لقضي لحائزه بملكه وبطل ما سوى ذلك. قال غيره: هو [لمن هو] في يديه في ذلك كله، إذ لا يصح عتق حتى يثبت الملك، وإذ لو أقام كل واحد منهما بينة أنه وُلد عنده [وتكافأ لقضيت به لحائزه، وتسقط بينة المدعي إذ لم يثبت له ملكه، ولا عتق إلا بعد ثبات الملك. أرأيت لو قالوا: ولد عنده] وأعتقه، أكان العتق يوجب له ما لم يملك. أرأيت لو شهدت بينة الحائز أنه يملكه منذ سنة وشهدت بينة المدعي أنه يملكه منذ عشرة أشهر، وأنه أعتقه، أكان العتق يوجب له الملك. (1)
* * *
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/224) ، والتقييد (3/91) .(2/538)
(كتاب التدبير)
2085 - والتدبير لازم لموجبه على نفسه في يمين، أو بغير يمين، فمن قال: إن اشتريت هذاالعبد فهو مدبر فابتاع بعضه فذلك البعض مدبر ولشريكه أن يقاويه.
قال [سحنون] : أو يقوم عليه أو يتماسك، لأنه يقول: لا أخرج عبدي(2/539)
من يدي إلى غير عتق ناجز. قيل: فمن قال في صحته لعبده: أنت حر يوم أموت، قال: قال مالك فيمن قال في صخته لعبده: أنت حر بعد موتي، [فأراد بيعه] أنه يسأل فإن أراد وجه الوصية صدق وباعه أو رجع عن ذلك إن شاء، وإن أراد التدبير صدق ومنع من بيعه. قال ابن القاسم: وهي وصية أبداً حتى يتبين أنه أراد التدبير. وقال أشهب: إن قال هذا في غير إحداث وصية لسفر أو مما جاء أنه لا ينبغي لحد أن يبيت ليلتين إلا ووصيته عنده مكتوبة، فهو تدبير إذا قال ذلك في صحته.
وإن قال له: أنت حر بعد موتي وموت فلان، فهو من الثلث، وكأنه قال: إن مات فلان فأنت حر بعد موتي، وإن مت أنا فأنت حر بعد موته، [وقاله أشهب: ولو قال له: إن كلمت فلاناً فأنت حر بعد موتي] ، فكلمه، لزمه ما أوجب على نفسه بعد الموت وعتق بعد موته من ثلثه، وصار ذلك شبيهاً بالتدبير، وإن قال له: أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فهو من الثلث ويلحقه الدين. (1)
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/298) ، وحاشية الدسوقي (4/381، 382، 388) ، والتاج والإكليل (6/445) ، الفواكه الدواني (2/136) ، الشرح الكبير (4/381، 382، 871) ، والتمهيد (14/310) ، والمدونة (8/295) .(2/540)
2086 - ومن مات وترك مدبرين فإن كان دبّر واحداً بعد واحد في صحة أو مرض، أو دبر في مرض، ثم صح فدبر، ثم مرض فدبر، فذلك سواء، ويبدا الأول فالأول إلى مبلغ الثلث، فإن بقي أحد منهم رق، ولو دبرهم في كلمة في صحة أو مرض، عتق جميعهم إن حملهم الثلث وإن لم يحملهم الثلث، لم يبدّ أحد منهم على صاحبه، ولكن يفضّ الثلث على جميعهم بالقيمة، فيعتق من كل واحد حصته منه. وإن لم يدع غيرهم عتق ثلث كل واحد [منهم] ولا يسهم بينهم، بخلاف المبتلين في المرض، ويبدّى المدبر في الصحة على المبتل في المرض، ويعتق المدبر في الثلث أو ما حمل منه، فإن لم يدع غيره عتق ثلثه. وإن كان على السيد دين لا يغترقه بيع منه للدين ثم عتق ثلث بقيته، وإن اغترقه الدين رق، فإن بيع فيه ثم طرأ مال للميت نقض البيع وعتق في ثلثه.
2087 - وما هلك من التركة قبل تقويم المدبر لم يحسب، وكأنه لم يكن، ولو لم يبق إلا المدبر لم يعتق إلا ثلثه.
وللمدبر حكم الأرقاء في حرمته وحدوده، وإن مات السيد حتى يعتق في الثلث، وإنما ينظر إلى قيمته يوم النظر فيه لا يوم الموت.(2/541)
2088 - وما ولدت المدبرة أو ولد للمدبر من أمته بعد التدبير قبل موت السيد أو بعده فبمنزلتها، والمحاصة بين الآباء والأبناء في الثلث، ويعتق محمل الثلث من جميعهم بغير قرعة. وإن دبر حاملاً فولدها مدبر بمنزلتها.
وما ولدت أم الولد من غير السيد أو معتقة إلى سنين أو مخدمة إلى سنين، وليس فيها عتق، فولدها بمنزلتها، وولد المعتق إلى أجل من أمته بمنزلته، وما ولدت الموصى بعتقها أو وُلد للموصى بعتقه من أمته قبل موت سيدهم فهم رقيق. وما ولد لهم بعد موته فبمنزلتهم يعتق من جميعهم محمل الثلث.
قال ابن وهب عن مالك في عبد دبره سيده، ثم توفي ولم يدع غيره فعتق ثلثه، ثم وقع العبد على جارية فولدت أولاداً ثم توفي العبد وترك مالاً كثيراً، أو لم يترك شيئاً، قال: يعتق من ولده مثل ما عتق منه، ويرق باقيهم ويخدمون مسترق باقيهم بقدر الذي رق منهم.
2089 - وعقل المدبرة وعملها وغلتها لسيدها، وأما مهرها ومالها ما كسبت منه قبل التدبير أو بعده، فهو موقوف بيدها، وللسيد انتزاعه، وانتزاع مال أم الولد مدبرة ما لم يمرض، فإذا مرض لم يكن له ذلك، كما له انتزاع مال المعتق إلى أجل، ما لم يقرب الأجل، فإذا قرب لم يكن له ذلك، فغن لم ينتزع السيد مال المدبرة حتى مات، قوّمت في الثلث بمالها، فإن حمل الثلث بعضها أُقر المال كله بيدها.(2/542)
2090 -[قال مالك:] وإن دبر أجد الشريكين أمة بينهما تقاوياها، فإن صارت لمن دبر كان جميعها مدبراً، وإن صارت للذي لم يدبر كانت رقيقاً كلها، إلا أن يشاء الذي لم يدبر أن يسلمها إلى الذي دبر، ويتبعه بنصف قيمتها فذلك له.
وإن كان عبد بين ثلاثة فدبر أحدهم نصيبه ثم أعتق آخر وتماسك الثالث، فإن كان المعتق مليئاً قوم عليه حظ شركائه بالرق، وعتق عليه جميعه، وإن كان المعتق معسراً فللمتمسك بالرق مقاواة الذي دبر، إلا أن يكون العتق قبل التدبير والمعتق عديم، فلا يلزم الذي دبر مقاواة المتمسك، إذ لو أعتق بعد عتق المعدم لم يقوم عليه وإن كان مليئاً.
2091 - ولا بأس أن يدبر أحد الشريكين نصيبه بإذن شريكه، وللمتمسك بيع حصته إذا بيّن أن نصفه مدبر، وليس للمبتاع مع الذي دبر مقاواة.
2092 - وإذا دبر رجلان أمة بينهما معاً، أو واحد بعد واحد، فهي مدبرة لهما، فإن مات أحدهما عتقت حصته في ثلثه، ولا يقوم عليه نصيب صاحبه، فإن كان ثلثه لا يحمل حصته منها عتق منه ما حمل الثلث ورق باقيه لورثته، ثم ليس للورثة مقاواة الشريك، ثم إن مات السيد الثاني عمل في نصيبه كالأول، ولو دبر أحد الشريكين حصته ثم أعتق الآخر نصيبه أو أعتق أحدهما حصته من مدبر بينهما قوم على المعتق حصة شريكه قيمة عبد، وقاله جميع الرواة.(2/543)
وكذلك يقوم المدبر وأم الولد والمعتق إلى أجل في جراحهم وأنفسهم قيمة عبد.
2093 - ولا بأس أن يرهن المدبر ويكون المرتهن بعد موت السيد أحق به من الغرماء، [فإن لم يدع سيده غيره بيع المرتهنفي دينه، لأنه قد حازه، ولو لم يقبضه بيع لجميع الغرماء، ولا يباع المدبر في حياة سيده في فلس ولا غيره إلا في دين] قبل التدبير. ويباع بالموت إذا اغترقه الدين، سواء كان التدبير قبل الدين أو بعده.
ولا تمهر مدبرك لزوجتك، لأن ذلك بيع، وبيعه لا يجوز، وإذا بيع ففسخ البيع وقد أصابه عيب مفسد بيد المبتاع، فعليه ما نقصه.
ولا بأس أن تأخذ مالاً على أن تعتق مدبرك وولاؤه لك، ولا أحب لك أن تبيعه ممن يعتقه.
2094 - ومن باع مدبره فمات في يد المبتاع فمصيبته من المبتاع، وينظر البائع إلى الثمن الذي قبض فيه، فيحبس منه قدر قيمته أن لو كان يحل بيعه على رجاء العتق له وخوف الرق عليه، كمن استهلك زرعاً فيغرم قيمته على الرجاء والخوف، فما فضل بعد ذلك بيد البائع فليشتر به رقبة يدبرها، فإن لم يبلغ أعان به في رقبة. فأما إن أعتقه المشتري أنفذ العتق وكان ولاؤه للمبتاع، وكان جميع الثمن سائعاً لبائعه، ولا يرجع عليه المبتاع بشيء، وكذلك إن كانت مدبرة فوطئها المبتاع(2/544)
فحملت منه، فإن التدبير ينتقض وتصير أم ولد للمبتاع ولا يرجع على البائع بما بين قيمتها مدبرة وقيمتها غير مدبرة.
2095 - ولا بأس بمكاتبة المدبر، فإن أدى عتق، وإن مات السيد عتق في ثلثه، ويقوم بماله في الثلث، ويسقط عنه باقي الكتابة، وإن لم يحمل الثلث رقبته عتق منه محمل الثلث، وأُقر ماله بيده، ووضع عنه من كل نجم عليه بقدر ما عتق منه، [فإن عتق] نصفه وضع عنه نصف كل نجم بقي عيه، وإن لم يدع غيره عتق ثلثه، ووضع عنه ثلث كل نجم بقي عليه، ولا ينظر إلى ما أدى قبل ذلك، ولو لم يبق عليه إلا نجم [واحد] لعتق ثلثه، وحط عنه ثلث ذلك النجم، ويسعى فيما يبقى عليه. فإن أدى خرج جميعه حراً، وإن مات سيده وعليه دين فاغرق الدين قيمة رقبته كان كمكاتب تباع [للدين] كتابته، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وإن عجز رق لمبتاعه، وإن اغترق الدين بعض الرقبة بيع من كتابته بقدر الدين، ثم عتق من رقبته بقدر ثلث ما لم يبع من كتابته وحط عنه من كل نجم ثلث ما لم يبع من ذلك النجم، فإن أدى خرج حراً وولاؤه للميت، وإن عجز فبقدر ما بيع من كتابته يرق لمبتاعه من رقبته، وما عتق منه يكون حراً لا سبيل لأحد عليه، وباقي(2/545)
رقبته بعد الذي عتق منه يبقى للورثة رقاً.
2096 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبده مع مدبره كتابة واحدة، فإن مات فضت الكتابة على قدر قوتيهما على الأداء يوم الكتابة، ويعتق المدبر في الثلث، وتسقط حصته عن صاحبه، ويسعى العبد في حصته وحده، ولا يسعى المدبر معه، لأنه إنما دخل معه على أن يعتق بموت السيد فلا حجة له، بخلاف عتق السيد لأحد العبدين في الكتابة إذا لم يعقدا على هذا. فإن لم يحمل المدبر الثلث عتق منه محمله ويسقط [عنه] من الكتابة بقدر ذلك ويسعى في باقي الكتابة هو وصاحبه، ولا عتق بقيته إلا بصاحبه، ولا صاحبه إلا به، فإن عتقا رجع من أدى منهما على صاحبه بما أدى عنه، إلا أن يكونا ذوي رحم لا يملك أحدهما الآخر، فلا يتراجعان بشيء.
وقال أشهب: لا يجوز أن يكاتب عبده ومدبره كتابة واحدة للخطر على العبد بعتق المدبر، وفي المكاتب إيعاب هذا. (1)
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (4/146) ، والمدونة الكبرى (7/244) ، ومنح الجليل (9/425) .(2/546)
2097 - ولو أن مدبرة بين رجلين وطئها أحدهما فحملت، فإنها تقوم عليه، وتصير أم ولد إذ ذلك أكد لها، وقاله جميع الرواة.
2098 - وإن كان الواطئ معسراً خير شريكه بين اتباعه بنصف قيمتها وتصير أم ولد له وبين التمسك بحصه واتباعه بنصف قيمة الولد يوم استهلاله، ثم لا تقويم عليه إن أيسر. فإن مات الواطئ عديماً عتق عليه نصيبه من رأس ماله، لأنها بحساب أم ولد ويبقى نصيب المتمسك مدبراً.
2099 - وإن مات الذي لم يطأها وقد كان تمسك بنصيبه وعليه دين يردّ التدبير، بيعت حصته فإن ابتاعها الواطئ ليسر حدث له، حل له وطؤها، فإن مات فنصفها رقيق ونصفها عتيق من رأس ماله.
ومن دبر ما في بطن أمته، لم يجز له بيعها وله أن يرهنها. (1)
2100 - وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم ظفرنا به، استتيب، فإن تاب وإلا قتل، فإن تاب لم يقسم ود إلى سيده إن عُرف، فإن جهلوا أنه مدبر حتى اقتسموا ثم جاء سيده، فله أن يفديه بالثمن ويرجع مدبراً، فإن أبى خدم من صار إليه في الثمن الذي حسب به عليه، فإن أوفى وسيده الأول حي رجع إليه مدبراً، وإن هلك السيد وقد تركه بيد من صار في سهمه يختدمه في ثمنه فمات السيد قبل
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (6/358) ، والفواكه الدواني (2/27) ، ومواهب الجليل (5/133) .(2/547)
وفاء ذلك خرج من ثلثه حراً واتباع بباقي الثمن، فإن لم يسعه الثلث عتق ما وسع منه ورق ما بقي لمشتريه، لأن سيده اسلمه ولا قول لورثته فيه.
قال غيره: إن حمله الثلث عتق ولم يُتبع بشيء، وإن حمل بعضه لم يتبع حصة البعض العتيق بشيء، وهذا بخلاف الجناية التي هي فعله.
وإن رهق السيد دين، أبطل الثلث ورق جميعه لمشتريه.
2101 - وإذا أسلم دبر مدبر النصراني أو ابتاع مسلماً فدبره واجرناه له، وقبض غلته ولم يتعجل رقه بالبيع، إذ قد يعتق بموت سيده، فإن أسلم النصراني قبل موته رجع إليه عبده، وكان له ولاؤه، وإن لم يسلم حتى مات عتق في ثلثه، وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يكون للنصراني ولد أو أخ مسلم ممن يجرّ ولاءه إليه ويرثه فيكون ولاء المدبر له دون جماعة المسلمين، وهذا كله إن أسلم المدبر بعد التدبير، وأما إن دبره والعبد مسلم فولاؤه للمسلمين، ولا يرجع إلى النصراني وإن أسلم، ولا إلى ولده المسلمين.
2102 - وإن أعتق في الثلث نصفه والورثة نصارى، بيع عليهم نصفه من مسلم، فإن لم يكن له ورثة رق نصفه للمسلمين.(2/548)
وقال غيره: لا يجوز لنصراني شراء مسلم، فإذا أسلم عبده ثم دبره عتق عليه، لأنه منعنا من بيعه عليه بالتدبير.
2103 - وإذا ارتد السيد ولحق بدار الحرب أوقفت مدبريه إلى موته كماله، ولا يعتقوا إلا بعد موته.
وإذا ادعى العبد أن سيده قد دبره أو كاتبه وأنكر المولى، لم يلزمه يمين إلا أن يقيم شاهداً، وهذا مثل العتق.
ومن قال في صحته لعبده: أنت حر بعد موت فلان، أو قال: بعد موتي بشهر، فهو من رأس المال، معتق إلى الأجل، ولا يلحقه دين، وإن مات السيد قبل فلان خدم العبد ورثة السيد إلى موت فلان، أو إلى بعد موته بشهر وخرج حراً من رأس المال، ولو قال ذلك في مرضه عتق العبد في الثلث إلى أجله وخدم الورثة حتى يتم الأجل، ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إنفاذ الوصية، أو يعتقوا من العبد محمل الثلث بلاً.(2/549)
2104 - وإن قال له: إن خدمتني سنة فأنت حر، فمات السيد قبلها، خدم العبد ورثة السيد، فإذا تمت السنة عتق، ولو وضع عنه السيد الخدمة عُجّل عتقه، وإن قال له: أخدم فلاناً سنة وأنت حر، مات فلان قبل السنة خدم العبد ورثة فلان بقية السنة، ثم هو حر.
وأما في قوله: أخدم ولدي أو أخي أوابن فلان [سنة] وأنت حر، فيموت المُخدم قبل السنة فإن أراد به الحضانة والكفالة عجل عتق العبد بموت المخدم، وإن أراد به الخدمة خدم العبد ورثة المخدم بقية السنة، ثم هو حر.
2105 - وإن قال له: أنت حر على أن تخدمني سنة، فإن أراد أن يكون العتق بعد الخدمة فذلك له، ولا يعتق [حتى] يخدم، وإن أراد تعجيل العتق وشرط عليه الخدمة، عتق ولا خدمة عليه.
وإن قال له: أنت حر بعد سنة، أو: إذا خدمتني سنة، قال هذه السنة بعينها أو لم يقل فهو سواء، وتحسب السنة من يوم قوله، وإن أبق فيها العبد أو مرض فصح بعد زوالها عتق ولا شيء عليه، ألا ترى أن من أكرى داره أو دابته أو غلامه فقال: أكريتكها سنة، أنها تحسب من يوم قوله؟ ولو قال: هذه السنة بعينها، كان كذلك أيضاً.
* * *(2/550)
(كتاب المكاتب)
2106 - قال الله سبحانه وتعالى: ×فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا% (النور: 33) ، فكان ذلك ندباً ندب الله تعالى إليه، وكذلك قوله تعالى: ×وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ% (النور: 33) ، فضل قد حض الله عليه.
قال مالك - رحمه الله -: هو أن يوضع عن المكاتب من آخر كتابته.
وقد وضع ابن عمر خمسة آلاف من خمسة وثلاثين ألفاً. وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ربع الكتابة. وقال النخعي: هو شيء حُث عليه الولى وغيره.(2/551)
2107 - ومن كاتب عبده على وصفاء (1) حمران أو سودان ولم يصفهم، جاز، وله وسط من ذلك الجنس كالنكاح. وإن كاتبه على وصيف أو وصيفين ولم يصف ذلك جاز، وله الوسط من ذلك. وإن أوصى أن يكاتب عبده ولم يسم شيئاً كوتب بقدر كتابة مثله في أدائه وخراجه، وإن كاتبه على قيمته جاز، وينجم عليه الوسط من قيمته. وإن كاتبه على عبد فلان جاز بخلاف النكاح. وإن كاتبه على لؤلؤ غير موصوف لم يجز، لتفاوت الإحاطة بصفته، وإن كابه علىعبد موصوف فعتق بأدائه ثم ألفاه السيد معيباً، فله رده ويتبعه بمثله إن قدر، وإلا كان عليه ديناً، ولا يرد العتق، وكذلك إن نكحت امرأة على عبد موصوف فألفته معيباً بعد قبضه، فلها رده وأخذ مثله، وإن كاتبه على طعام مؤجل جاز أن يصالحه منه على دراهم معجلة، ولا خير في بيعه من أجنبي.
2108 - ولا بأس أن تفسخ ما على مكاتبك من عين أو عرض حل أو لم يحل، في عرض مؤجل أو معجل مخالفاً للعرض الذي عليه أو من صفته بخلاف البيوع، ولا يبيعه من
_________
(1) هي الصبية والأمة دون البلوغ وكذلك الغلام المراهق، وانظر: المدونة الكبرى (7/231) .(2/552)
أجنبي إلا بثمن معجل، ولابأس أن تقاطعه على أن تضع عنه ويتعجل، أو تؤخره ويزيدك، أو على أن تفسخ الدنانير التي عليه في دراهم إلى أجل وتعجل عتقه.
قال مالك: ومن كره أن يقاطعه على أن يضع عنه ويتعجل فإنما جعل ذلك كالدين، وليس هو مثله، لأن الكتابة ليست بدين ثابت، ألا ترى أنه لا يحاص بها في فلس المكاتب ولا موته، وإنما هو كمن قال لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، ثم قال له: إن جئتني بأقل من كذا فأنت حر، فهذا لا بأس به.
قال ابن شهاب: لم يكن أحد من الصحابة يتقي المقاطعة على الذهب والورق إلا ابن عمر، [أبى] أن يعطي عرضاً.
قال مالك: ولا بأس أن يستأجره بما عليه من الكتابة في عمل يعمله، أو يقاطعه(2/553)
على حفر بئر طولها كذا، وإن كاتبه على ألف درهم ولم يضرب لها أجلاً، نجمت عليه. وإن كره السيد على قدر ما يرى من كتابة مثله وقدر قوته ولا تكون حالة والكتابة عند الناس منجمة، وكذلك إن أوصى أن يكاتب بألف درهم ولم يضرب لها أجلاً.
وإن كاتبه على خدمة شهر، جاز عند أشهب ولا يعتق حتى يخدم شهراً.
2109 - قال ابن القاسم: إن عجل عتقه على خدمة شهر بعد العتق فالخدمة باطلة، وهو حر، وإن أعتقه بعد الخدمة لزمت العبد الخدمة. (1)
2110 -[قال مالك:] وكل خدمة اشترطها السيد بعد أداء الكتابة فباطل، وإن شرطها في الكتابة فأدى العبد قبل تمامها سقطت.
2111 - ومن شرط على مكاتب أنه إن عجز عن نجم من نجومه فهو رقيق، أو إن لم يؤد نجومه إلى أجل كذا فلا كتابة له، لم يكن للسيد تعجيزه بما شرط، ولا يعجزه إلا السلطان، بعد أن يجتهد له في التلوم بعد الأجل، فمن العبيد من يرجى له في التلوم، ومنهم من لا يرجى له، فإن رأى له وجه أداءتركه، وإلا عجزه. والقطاعة كذلك في التلوم [بعد] الأجل، وحكم المكاتب حكم الأرقاء في الميراث والشهادة والحدود وغيرها، حتى يؤدي ما عليه أو يعجز.
_________
(1) انظر: منح الجليل (9/451) .(2/554)
وإن كاتبه على ألف دينار على أنه إذا أدى وعتق فعليه مائة دينار، فذلك جائز، لأن مالكاً قال: من أعتق عبده على أن للسيد على العبد مائة دينار، جاز ذلك على العبد.
2112 - ومن كاتب أمة على ألف درهم نجمها عليها، على أن يطأها ما دامت في الكتابة، بطل الشرط وجازت الكتابة، وكذلك إن أعتق أمته إلى أجل على أن يطأها، أو شرط على المكاتبة أن ما ولدت في كتابتها فهو عبد، فالشرط باطل والعتق نافذ إلى أجله، ولا أفسخ الكتابة كما لا أفسخها من عقد الغرر بما أفسخ به البيع، وكل ولد حدث للمكاتب من أمته أو للمكاتبة بعد الكتابة فهو بمنزلتها يرق برقها ويعتق بعتقها، وإن كاتبها أو أعتقها وشرط جنينها، بطل الشرط وتم العتق.
2113 - وإذا كان عبد بين رجلين كاتباه معاً، لم يجز لصاحبه أن يقاطعه على حصته إلا بإذن شريكه، فإن أذن له فقاطعه ن عشرين مؤجلة في حصته، على عشرة معجلة، ثم عجز المكاتب قبل ان يقبض هذا مثل ما أخذ المقاطع خُيّر المقاطع بين أن يرد إلى شريكه نصف ما أخذ من العبد، ويبقى العبد بينهما، أو يسلم حصته من العبد إلى شريكه رقاً، ولو مات المكاتب عن مال، فللآخر أن يأخذ منه جميع ما بقي له من الكتابة بغير حطيطة، حلت أو لم تحل، ثم يكون ما بقي من ماله بين الذي قاطعه(2/555)
وبين شريكه على قدر حصصهم في المكاتب، وإن حل نجم من نجومه فقال أحدهما لصاحبه: بدّني به وخذ أنت النجم المستقبل، ففعل ثم عجز العبد عن النجم الثاني، فليرد المقتضي نصف ما قبض إلى شريكه، لأن ذلك سلف منه له، ويبقى العبد بينهما، ولا خيار للمقتضي، بخلاف القطاعة، وهو كدين لهما على رجل منجماً، فبدّى أحدهما صاحبه بنجم على أن يأخذ هو النجم الثاني، ثم فلس الغريم في النجم الثاني، فليرجع على صاحبه، لأنه سلف منه.
2114 - وإن أخذ أحدهما من المكاتب جميع حقه بعد محله بإذن صاحبه وأخّره صاحبه ثم عجز المكاتب، فلا رجوع للذي أخّره على المقتضي ويعود العبد بينهما، وهذا كغريم لهما، قبض أحدهما حقه منه بعد محله وأخره الآخر ثم فلس الغريم، فلا يرجع الذي أخره على المقتضي بشيء، لأنه لم يسلف المقتضي شيئاً فيتبعه، ولكنه تأخير لغريمه. وإن تعجل أحدهما جميع حظه من النجوم قبل محلها بإذن شريكه، ثم عجز المكاتب عن نصيب شريكه، فهذا يشبه القطاعة، وقيل: ليس كالقطاعة، ويعد ذلك إن عجز سلفاً من المكاتب للمتعجل.
والقطاعة التي أذن فيها أحد الشريكين لصاحبه كالبيع، لأنه باع حظه على ما تعجل منه، ورأى أن ما قبض أفضل له من حظه في العبد إن عجز.(2/556)
قال ربيعة: قطاعة الشريك بخلاف عتقه لنصيبه في العبد، ولكنه كشراء العبد نفسه.
2115 - ولا بأس أن يكاتب الرجل عبيده في كتابة واحدة، ثم إن القضاء في [ذلك] ان كل واحد منهم ضامن عن بقيتهم وإن لم يشترط ذلك، بخلاف حمالة الديون، ولا يعتق أحد منهم إلا بتمام أداء الجميع، وللسيد أخذهم بذلك، فإن لم يجد عند جميعهم، فله أخذ المليء منهم بالجميع ولا يوضع عنهم شيء لموت أحدهم، وإن أدى أحدهم عن بقيتهم، رجع من أدى على بقيتهم بحصتهم من الكتابة بعد أن تقسم الكتابة عليهم، بقدر قوة كل واحد على الأداء يوم الكتابة لا على قيمة رقبته، ولا يرجع على من يعتق عليه منهم لو ملكه بشيء.
وإن أدى أحدهم الكتابة حالة، رجع على أصحابه بحصتهم منها على النجوم. وللمكاتب تعجيل المؤجل من كتابته، ويلزم السيد أخذه وتعجيل العتق، وبذلك قضى عمر وعثمان. قال ربيعة: لأن مرفق التأجيل هو للعبد خاصة.
قال مالك: وإن عجلها وضع عنه كل خدمة [وسفر] اشترطه عليه.(2/557)
2116 - ومن كاتب عبدين له أجنبيين كتابة واحدة فحدثت بأحدهما زمانة فأدى الصحيح جميع الكتابة، فإنها تفض عليهما بقدر قوتهما على الأداء يوم عقداها، فيرجع الصحيح على الذي أزمن بما أصابه، فإن أعتق السيد هذا الزمن قبل الأداء جاز عتقه، وإن كره الصحيح وتبقى جميع الكتابة على الصحيح، ولا يوضع عنه لمكان عتق الزمن شيء، إذ لا منفعة له فيه، فإن أدى وعتق لم يرجع على الزمن بشيء، لأنه لم يعتق بالأداء، وإن كانا قويين على السعاية لم يكن للسيد عتق أحدهما، ويرد ذلك إن فعل، فإن أديا عتقا، وإن عجزا لزم السيد عتق من كان أعتق كمن أخدم عبده أو أجره مدة، ثم أعتقه قبل تمام المدة، فلم يجز ذلك المخدم ولا المؤجر، فالعتق موقوف، فإذا تمت المدة عتق العبد بالعتق الذي كان أعتق، وكمن رد غرماؤه عتق عبده ثم أيسر السيد قبل بيعه فأدى إلى الغرماء، فإن العبد يعتق بالعتق الذي كان أعتق، وإنما منع السيد من عتق أحد المكاتبين وهما قويان على السعاية من أجل صاحبه الذي معه في الكتابة، فإن أجاز صاحبه عتقه، وكان صاحبه يقوى على السعاية - كما ذكرنا - ليس بصغير ولا زمن، جاز عتقه، ويوضع عن الباقي حصة المعتق من الكتابة، ويسعى وحده فيما بقي عليه، ولا يسعى معه المعتق، ولو أجاز على أن(2/558)
يسعى معه المعتق فيما بقي عليه لم يجز العتق، وسعيان جميعاً في جميع الكتابة. وقال ربيعة: لا يجوز للسيد أن يعتق أحدهما أو يقاطعه، وإن أذن في ذلك أصحابه ويرد إن فعله، لأن سعايته وماله عون لأصحابه في العتق.
2117 - قال ابن القاسم: ولو دبر السيد أحدهما بعد الكتابة ثم عجز لزم السيد تدبير من كان دبر.
وإن مات السيد قبل عجزهما، والمدبر يحمله الثلث وهو قوي على الأداء حين مات السيد، لم يعتق إلا برضا أصحابه على ما ذكرنا في العتق، وإن كان زمناً عتق في الثلث ولا يوضع عن أصحابه من الكتابة شيء، لأن من لا قوة فيه من المكاتبين من صغير أو زمن إذا أعتقه السيد جاز عتقه، وإن كره أصحابه ولا يوضع عنهم من الكتابة شيء.
2118 - ومن كاتب عبده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب، لزم العبد الغائب وإن كره، لأن هذا يؤدي عنه ويتبعه إن لم يكن ذا قرابة له ممن يعتق على الحر بالملك وتلزم الغائب الكتابة، كقول مالك فيمن أعتق عبده على أن عليه كذا وكذا فيأبى ذلك العبد، أن العتق جائز والمال لازم للعبد، وكذلك العبد يكاتب عن نفسه، وعن أخ له صغير ولا يعقل في ملك السيد: أنه جائز.(2/559)
2119 - وإذا كان لك عبد ولرجل آخر عبد، لم يجز لكما جمعهما في كتابة واحدة، على أن كل واحد منهما حميل بما على صاحبه لغررالكتابة، إذ لو هلك أحدهما أخذ به الهالك مال الآخر باطلاً، وهذا يشبه الرقبى.
ولا تجوز حمالة أجنبي بالكتابة، إذ ليست بدين ثابت.
وإن مات العبد أو عجز لم ينتفع الحميل بما أدى. قال غيره: إجازة الضمان فيها إصراف لها إلى الذمة، وهذا لا يجوز.
وإذا غاب أحد المكاتبين في كتابة أو هرب وعجز الحاضر، لم يعجزهما إلا السلطان بعد التلوم، وكذلك إن غاب المكاتب وحلت نجومه وأشهد السيد أنه قد عجز ثم قدم المكاتب، فهو على كتابته، ولا يعجزه إلا السلطان.
وإذا كان المكاتب ذا مال ظاهر فليس له تعجيز نفسه، وإن لم يظهر له مال فذلك له دون السلطان، ويمضي ذلك. وكذلك إن عجّز نفسه قبل محل النجم بالأيام أو بالشهر، وإنما الذي لا يعجزه إلا السلطان الذي يريد سيده(2/560)
تعجيزه بعد محل ما عليه، وهو يأبى العجز [ويقول:] أؤدي إلا أنه مطل سيده، فالإمام يتلوم له، فإن رأى له وجه أداء تركه، وإلا عجزه بعد التلوم، ولا يكون تأخيره عن نجومه فسخاً لكتابته، ولا يعجزه إلا السلطان، فإن عجز نفسه وهو يرى أنه لا مال له ثم ظهر له مال صامت أخفاه أو طرأ له، فهو رقيق، ولا يرجع عما كان رضي به.
2120 - وإذا أراد المكاتب تعجيل ما عليه، وسيده غائب، ولا وكيل له على قبض [الكتابة] فليرفع ذلك إلى الإمام، ويخرج حراً. وإن حل نجم وله على السيد مثله فله قصاصه إلا أن يفلس السيد فيحاص غرماؤه إلا أن يكون السيد قاصه قبل قيامهم فذلك ماض.
2121 - وإن أدى كتابته وعليه دين فأراد غرماؤه أن يأخذوا من السيد ما قبض منه، فإن علم أن ما دفع هو من أموالهم، فلهم أخذه ويرجع رقاً، وإن لم يعلم ذلك مضى عتقه.(2/561)
قال أشهب وابن نافع عن مالك - رحمه الله - في مكاتب قاطع سيده فيما بقي عليه على عبد دفعه إليه فاعترف مسروقاً، فليرجع السيد على المكاتب بقيمة العبد. قال ابن نافع: فإن لم يكن له مال عاد مكاتباً، وقال أشهب: لا يرد عتقه إذ تمت حريته ويتبع بذلك، قالا عن مالك: وإن قاطعه على وديعة أودعت عنده فاعترفت رد عتقه.
قال ابن القاسم وغيره: إن غر سيده بما لم يتقدم له فيه شبهة ملك، رد عتقه، وإن تقدمت له فيه شبهة ملك، مضى عتقه وأتبع بقيمة ذلك ديناً.
وإن كان مديناً فليس له أن يقاطع سيده ويبقى لا شيء له لأن غرماءه أحق بماله من سيده، فإن فعل لم يجز ذلك، وإن مات المكاتب وترك مالاً وعليه دين فغرماؤه أحق بماله، ولا يحصاهم السيد بما قاطعه به كما يحصاهم بالكتابة، وقال شريح: يحاصهم بنجمه الذي حل. قال ابن المسيب: أخطأ شريح.(2/562)
2122 - قال مالك: وإن عجز المكاتب وعليه دين كان رقيقاً لسيده وبقي دين الناس في ذمة العبد لا في رقبته. (1)
قال ابن شهاب: وإن كوتب وعليه دين كتمه، فإن كان ديناً يسيراً بدأ بقضائه قبل أداء الكتابة وأقر على كتابته، وإن كان ديناً كثيراً يحبس نجومه خُيّر سيده بين فسخ الكتابة أو تركه حتى يقضي دينه ثم يستقبل نجومه.
2123 - وليس للمكاتب أن يتزوج - وإن رآه من وجه النظر - أو يسافر إلا بإذن سيده، اشترط عليه ذلك السيد أم لا، إلا ما قرب من السفر مما لا ضرر فيه، لحلول نجم أو غيره، فذلك له، ولو شرط عليه السيد أنه إن نكح أو سافر بغير إذنه فمحو كتابته بيده، لم يكن له محوها إن فعل المكاتب شيئاً من ذلك، وليرفع ذلك إلى السلطان.
قال ربيعة: للسيد فسخ الكتابة في بعيد السفر بحكم الإمام، وإن نكح فرق بينهما وانتزع ما أعطى.
وإذا كاتب عبده تبع العبد ماله من رقيق أو عرض أو عين أو دين، كتم ذلك أو أظهره، وليس للسيد أخذه بعد الكتابة إلا أن يشترطه سيده حين كاتبه فيكون
_________
(1) انظر: المدونة (7/527) ، وحاشية الزرقاني (4/119) ، والتاج والإكليل (6/342) ، ومنح الجليل (9/470) .(2/563)
ذلك له، ولا يتبع المكاتب ما تقدم له من ولد وإن كتمه، ولا حمل أمته، ويكون الولد إذا وضعته رقاً للسيد، والأمة تبعاً للمكاتب دون الولد، وليس الولد كماله، لأنه إذا أفسل أُخذ ماله ولم يؤخذ ولده. والذي يبتاع عبداً ويشترط ماله لا يقضي له بولده.
والمكاتب إذا أعانه قوم في كتابته بمال فأدى منه كتابته وفضلت فضلة، فإن أعانوه بمعنى الفكاك لرقبته لا صدقة عليه، فليرد عليهم الفضلة بالحصص، أو يحللوه منها، وإن عجز فكلما قبض منه السيد قبل العجز، حل له كان من كسب العبد أو من صدقة عليه، وأما لو أعين به على فكاك رقبته، ولم يف ذلك بكتابته، كان لكل من أعانه الرجوع بما أعطى، إلا أن يحلل منه المكاتب فيكون له، ولو أعانوه صدقة لا على الفكاك، فذلك إن عجز حل لسيده.
2124 - قال مالك: ولا بأس بكتابة الصغير ومن لا حرفة له، وإن كان يسأل.
قال غيره: لا تجوز كتابة الصغير إلا أن يفوت ذلك بالأداء أو يكون بيده ما يؤدي عنه فيؤخذ منه، ولا يترك له فيتلفه لسفهه ويرجع رقاً. (1)
وكره مالك كتابة الأمة التي لا صنعة بيدها [ولا لها] عمل معروف، كما
_________
(1) انظر: المدونة (7/252) ، وحاشية الدسوقي (4/391) ، والفواكه الدواني (2/138) .(2/564)
كره عثمان بن عفان أن تخارج.
2125 - ومن أعتق بعض مكاتبه في صحته في غير وصية، فهو وضع مال، إن كان أعتق نصفه وضع عنه نصف كل نجم، ولا يعتق عليه إن عجز، إلا أن يعتق ذلك الشقص في وصيته فيكون ذلك عتقاً للمكاتب إن عجز وحمل ذلك الثلث.
وكذلك إن كان بينه وبين رجل فوضع عنه حصته أو أعتق حصته منه في غير وصية، فإنه يوضع عنه حصته من كل نجم، فإن عجز رقّ لهما، وإن مات مكاتباً أخذ المتمسك مما ترك ما بقي له، وكان باقي ما ترك بينهما، فلو كان ذلك عتقاً لكان ما ترك للمتمسك بالرق خاصة، ولكان يُقوّم على المعتق ما بقي من الكتابة، ولكان من ترك مكاتباً وورثه بنون وبنات فأعتق البنات حصتهن، أن لهن ولاء نصيبهن منه، وهن لا يرثن من ولاء المكاتب شيئاً، وإن أعتقن نصيبهن، وإنما يرث ولاءه ذكور ولد سيد المكاتب أو عصبته من الرجال.(2/565)
ولو كان لرجل مكاتب واحد [فأزمن] فأعتق السيد نصفه، لم يعتق عليه النصف الثاني [إلا بأداء بقية الكتابة] ، وأما المريض يعتق شقصاً من مكاتبه فإنه يوضع عنه حصة ذلك من كتابته، فإن عجز عتق ذلك الشقص في ثلثه، لأنها وصية للعبد مصروفة إلى الثلث.
2126 - ومن كاتب أمته فليس له وطؤها، فإن فعل دُرئ عنه وعنها الحد، أكرهها أو طاوعته، ويعاقب إلا أن يعذر بجهل، ولا صداق لها إن طاوعته ولا ما نقصها، وإن أكرهها فعليه ما نقصها، والأجنبي عليه بكل حال ما نقصها، إذ قد تعجز فترجع معيبة للسيد. وهي وطء السيد على كتابتها إلا [أن] تحمل فتخير عند مالك بين أن تكون أم ولد أو تمضي على كتابتها.
2127 - ولو ضرب رجل بطنها فألقت جنيناً ميتاً ففيه ما في جنين الحرة موروث على فرائض الله، وكذلك في جنين أم الولد.
وقال ابن المسيب: إن حملت بطلت كتابتها وهي جاريته، وقال النخعي: تبقى مكاتبة فإن عجزت فهي أم ولد. وقال ربيعة: إن وطئها طائعة فولدت منه فهي أمة(2/566)
له لا كاتبة [له] فيها، وإن أكرهها فهي حرة والوالد به لاحق.
2128 - وإذا ولدت المكاتبة بنتاً ثم ولدت ابنتها بنتاً أخرى، فزنت البنت العليا فأعتقها السيد، جاز عتقه، وسعت الأم مع السفلى. ولو وطئ السيد البنت السفلى فأولدها فولدها حر، ولا تخرج من الكتابة وتسعى معهم، إلا أن ترضى هي وهم بإسلامها للسيد فيحط عنهم حصتها من الكتابة وتصير حينئذ أم للسيد. قال سحنون: إن كان معها في الكتابة من يجوز رضاه.
2129 - قال مالك - رحمه الله -: ولا تباع رقبة المكاتب وإن رضي، لأن الولاء قد ثبت لعاقد الكتابة.
قال ابن القاسم: فإن بيعت رقبته ولم يعجز رد البيع ما لم يفت بعتق فيمضي وولاؤه لمن أعتقه، وهذا إذا كان العبد راضياً ببيع رقبته فكأنه رضى(2/567)
منه بالعجز، وكان مالك يقول في المدبر يباع فيعتقه المبتاع: إن بيعه يرد، ثم قال: لا يرد.
قال غيره: عقد الكتابة قوي فأرى أن يرد وينقض عتقه، وقاله أشهب. وقال أشهب: هذا إذا كان المكاتب لم يعلم بالبيع.
2130 - وإذا كاتب المكاتب عبداً له فبيعت كتابة الأعلى تبعه مكاتبه، لأنه ماله وأدى الأسفل للأعلى، فإن عجز الأسفل رق للأعلى، ثم إن عجز الأعلى كانا جميعاً رقاً لمشتري الكتابة، ولو عجز الأعلى وحده ورد الأسفل كتابته للمبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع.
2131 -[ولا بأس ببيع كتابة المكاتب إن كانت عيناً فيعرض نقداً، وإن كانت عرضاً فبعرض مخالف له أو بعين نقداً، وما تأخر كان ديناً بدين، ويتبعه في بيعها ماله ومكاتبه، ويؤدى إلى المبتاع، فإن أدى وعتق كان ولاؤه للبائع] ، وإن عجز رق للمبتاع.(2/568)
قال ابن المسيب: والمكاتب أحق بكتابته إن بيعت بالثمن.
2132 - ولا يجوز للمأذون أن يعتق عبداً له، أو يكاتبه إلا بإذن سيده، فإن فعل بإذنه وعلى المأذون دين يغترق ماله، لم يجز إلا بإذن الغرماء، لأن ماله للغرماء وكتابته من ناحية العتق إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت كفاف للدين أو لقيمة الرقبة، فلا حجة للغرماء، وتباع لهم الكتابة فيتعجلونها إن شاءوا، وكذلك الجواب في الحر المديان يكاتب عبده.
وللوصي أن يكاتب عبد من يليه على النظر، ولا يجوز أن يعتقه على مال يأخذه منه، إذ لو شاء انتزعه، ولو كان على عطية من أجنبي جاز على النظر كبيعه، وكذلك للأب أن يكاتب عبد ابنه الصغير على النظر، ويبيع له ويشتري على النظر، وإن أعتق عبد ابنه الصغير جاز عتقه إن كان للأب مال، وإلا لم يجز. قال غيره: إلا أن يوسر قبل النظر في ذلك فيتم عتقه ويقوم عليه.(2/569)
2133 - ولا يجوز أن يكاتب شقصاً له في عبد بإذن شريكه أو بغير إذنه للذريعة إلى عتق النصيب بغير تقويم، ويفسخ ذلك إن فعل ويرد ما أخذ، فيكون بينه وبين شريكه مع رقبة العبد، سواء قبض الكتابة كلها أو بعضها. قال غيره: إنما يكون ذلك بينهما إذا اجتمعا على قسمته.
ومن دعى إلى رده إلى العبد فذلك له، إذ لا ينتزع ماله حتى يجتمعا، ولو كاتب هذا حصته ثم كاتب الآخر حصته ولم يتشاورا، لم يجز ذلك، إذ لم يكاتباه جميعاً كتابة واحدة، [ويفسخ] ، كاتباه على مال متفق أو مختلف، لأن كل واحد يقتضي دون الآخر. قال غيره: إن تساويا في الأجل والمال جاز ذلك.
قال ابن القاسم: وأما إن أعتق هذا أو دبر، ثم فعل الآخر مثله أعتق أو دبر، ولم يعلم بفعل صاحبه جاز ذلك.
2134 - ومن كاتب بعض عبده، لم يجز ذلك، ولا يكون شيء منه مكاتباً، وإن أدى لم يعتق منه شيء، وإن أراد العبد أن يكاتبه سيده بكتابة مثله أو أقل أو أكثر، لم يلزم السيد ذلك إلا أن يرضى.(2/570)
2135 - وإن كاتب المكاتب عبده فعجز المكاتب الأعلى، أدى المكاتب الأسفل إلى السيد الأعلى، وكان له ولاؤه إن أعتق، ثم إن أعتق المكاتب الأعلى بعد عجزه، لم يرجع إليه ولاء الأسفل ولا شيء مما أدى إلى السيد [لأنه حين عجز صار رقيقاً وصار ماله وما على مكاتبه للسيد] .
وكتابة المكاتب عبده على ابتغاء الفضل جائزة، وإلا لم تجز، وكذلك قوله لعبده: إن جئتني بكذا فأنت حر، فإنما يجوز ذلك إذا كان على ابتغاء الفضل، إلا أنه يتلوم للعبد في هذا بلا تنجيم.
2136 - ومن كاتب عبده وعلى السيد دين، وقد جنى العبد جناية قبل الكتابة، فقيم عليه بذلك الآن، فقال العبد: أنا أؤدي عقل الجناية والدين وأتبت على كتابتي، فذلك له.
2137 - ومن كاتب أمته وعليه دين يغترقها فولدت في كتابتها، فللغرماء رد ذلك، ويرقها الدين وولدها، إلا أن يكون في ثمن الكتابة إن بيعت بنقد مثل الدين، فلا تُغيّر الكتابة، ولكن تباع الكتابة في الدين.
2138 - وإن أفلس السيد بدين استحدثه بعد الكتابة لم يكن للغرماء غير بيع الكتابة، وإن كثر الدين.(2/571)
2139 - وإذا كاتب النصراني عبده النصراني جازت كتابته، ثم إن أراد بيعه أو فسخ الكتابة، لم يمنع من ذلك، وليس هذا من حقوقهم التي يتظالمون فيها فيما بينهم. ألا ترى أنه لو أعتقه ثم رده في الرق لم يمنع، فكذلك الكتابة، إلا أن يسلم العبد، وقال بعض الرواة: ليس له نقض الكتابة، لأن هذا من التظالم الذي لا ينبغي للحاكم أن يتركهم وإياه. (1)
2140 - وإذا كاتب النصراني عبداً مسلماً ابتاعه أو كان عنده، أو أسلم مكاتب له، فإن كتابته تباع من مسلم، فإن عجز كان رقاً لمشتري الكتابة.
وإن أدى، عتق، وكان ولاء الذي كوتب وهو مسلم للمسلمين دون مسلمي ولد سيده، ولا يرجع إليه ولاؤه إن أسلم، وأما الذي أسلم بعد الكتابة فولاؤه لمن يناسب سيده من المسلمين من ولد أو عصبة. فإن لم يكونوا فولاؤه لجميع المسلمين، ثم إن أسلم سيده رجع إليه ولاؤه [لأن ولاءه] قد كان ثبت له حين عقد كتابته وهو على دينه.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل فيما نقله عن التهذيب (6/349) .(2/572)
2141 - وإن أسلمت أم ولد الذمي فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق، ولا شيء عليها من سعاية ولا غير ذلك، وولاؤها للمسلمين، إلا أن يسلم سيدها بعد أن عتقت عليه فيرجع ولاؤها إليه. وأما إن أولد أمته بعد أن أسلمت فإنها تعتق عليه وولاؤها للمسلمين ولا يرجع إليه ولاؤها إن أسلم.
2142 - وإذا أسلم أحد مكاتبي الذمي [وهما] في كتابة واحدة، بيعت كتابتهما جميعاً ولا يفرقان، لعقد الحمالة، رضيا أم كرها، وكذلك إن ولد لمكاتبه ولد في كتابته من أمته ثم أسلم ولد مكاتبه والمكاتب نصراني، بيعت كتابتهما جميعاً.
وإذا غنمنا مكاتباً لمسلم أو لذمي هرب أو أسر، رد إليه إن عرف سيده غاب أو حضر، ولا يقسم، فإن لم يعرف سيده بيعت كتابته في المقاسم مغنماً، ويؤدي إلى من صار له، فإن أدى كان حراً وولاؤه للمسلمين، فإن عجز رق لمن صار له.(2/573)
2143 - وإذا قال السيد لمكاتبه: قد حل نجم، فأكذبه المكاتب، صدق المكاتب، كمن أكرى داراً سنة أو باع سلعة بدنانير إلى سنة فادعى حولها فالمكتري أو المبتاع مصدق إن أكذبه، وإن اتفقا أن الكتابة خمسون وقال المكاتب: نجمتها علي في عشرة أنجم في كل نجم خمسة، وقال السيد: بل في خمسة أنجم في كل نجم عشرة، صدق المكاتب، فإن أتيا بالبينة قضيت بأعدلهما، وإن تكافأتا صدق المكاتب وكانا كمن لا بينه لهما. [وقاله أشهب] وقال غيره: يقضي ببينة السيد لأنها زادت، ألا ترى لو قال السيد: الكتابة ألف درهم، وقال المكاتب: تسعمائة، صدق المكاتب، وإن أتيا ببينة قضي ببينة السيد، لأنها شهدت بالأكثر.
2144 - قال ابن القاسم: وإن ادعى المكاتب أنه كوتب بمائة، وقال السيد: بمائتين، أو قال السيد: بمائة دينار، وقال المكاتب: بمائة درهم، صدق المكاتب إن كان قوله يشبه، لأن الكتابة فوت، كمن اشترى عبداً فكاتبه ثم اختلفا في الثمن إن المبتاع مصدّق، وكان مالك(2/574)
يقول مرة: إذا قبض المبتاع السلعة وبان بها وهي قائمة، صدق المبتاع في الثمن، ثم رجع إلى أن يتحالفا ويترادا إن لم تفت السلعة بحوالة سوق فأعلى.
وإن بعث المكاتب بكتابته إلى سيده فأنكر قبضها، فإن لم يُقم الرسول البينة بالدفع ضمن، كمن بعث بدين عليه أو خلع.
2145 - ومن كاتب أمته على أن أحدهما بالخيار يوماً أو شهراً جاز، وما ولدت في الخيار دخل في كتابتها إن أمضاها ن له الخيار وإن كرهت، كما يدخل في البيع ما ولدت المبيعة في الخيار، وولد المكاتبة في أيام الخيار أبين في دخوله معها.
وقال غيره: لا يدخل الولد في الكتابة، إذ لم تتم الكتابة إلا بعد الولادة، وكذلك الولد في البيع للبائع. ولا ينبغي للمبتاع أن يختار الشراء للتفرقة، وكثير من هذا المعنى في كتاب الخيار.(2/575)
ومن كاتب عبده وأخذ منه عندما كاتبه رهناً يغاب عليه فضاع بيد السيد فإنه يضمن قيمته، فإن تساوت الكتابة عتق مكانه وكانت قصاصاً. وإن أفلس السيد أو مات نظرت إلى الرهن، فإن كان في عقد الكتابة بشرط فهو انتزاع ولا يحاص به المكاتب غرماء السيد، كما لو كاتبه على أن أسلف سيده دنانير أو باعه بيعاً بثمن مؤجل فذلك انتزاع ولا يحاص به. ولو وجد المكاتب رهنه بعينه في فلس أو موت فلا شيء له فيه، ولا محاصة له به، ولا لغرماء المكاتب فيه شيء، ولو كان الرهن بعد عقد الكابة لنجم حلّ ونحوه فللمكاتب أخذه إن وجده بعينه أو المحاصة بقيمته إن لم يجده، فما صار له، كان قصاصاً مما حل عليه، وما بقي له من قيمة الرهن، ففي ذمة السيد، يقاص به المكاتب فيما يحل عليه.
قال غيره: ليس ذلك انتزاعاً كان الرهن في [أصل] الكتابة أو بعدها ويضمنه السيد إن لم تقم [له] بينة بهلاكه، فإن كانت القيمة دنانير، والكتابة دنانير، تقاصّا، لأن في وقف القيمة ضرراً عليهما، إلا أن يتهم السيد بالعداء على الرهن لتعجيل الكتابة قبل وقتها فتوقف القيمة بيد عدل، وإن كانت(2/576)
الكتابة عرضاً أو طعاماً أوقفت القيمة لرجاء رخص ما عليه عند محله، ويحاص الغرماء بالقيمة في الموت والفلس، ولا يجوز أن يكاتبه ويرتهن رهناً من غير المكاتب فيصير كالحمالة.
2146 - ومن زوج مكاتبته من رجل على أن ضمن له كتابتها، فولدت منه بنتاً ثم هلك الزوج، فالحمالة باطلة، وتبقى المكاتبة على حالها وابنته أمة لا ترث أباها [للرق الذي فيها] ، وميراثه لأقرب الناس منه.
2147 - وإذا ورثت مع أخيك لأبيك مكاتباً هو أخوك لأمك وضعت عنه حصتك، وسعى لأخيك في نصيبه وخرج حراً، وإن عجز عتقت حصتك فيه، ولا تقوم عليك بقيته، فأما لو وهب لك نصفه أو أوصى لك به فقبلته، فإن المكاتب إن لم يكن له مال ظاهر، مخير في أن يعجّز نفسه ويقوم باقيه عليك، ويعتق إن كان لك، فإن لم يكن لك مال، عتق منه نصيبك ورق باقيه، وإن شاء أن يبقى على كتابته، فإن ثبت عليها حطت عنه حصتك فيها، فإن أدى فولاؤه لعاقدها، وليس له تعجيز نفسه إن كان له مال ظاهر للتقويم عليك، وإن تمادى في كتابته، ثم عجز، قوّم باقيه أيضاً عليك إن كنت ملياً وعتق، فإن لم يكن لك مال عتق منه نصيبك ورق باقيه.(2/577)
2148 - وكل ما ولد للمكاتب بعد الكتابة من أمته مما حملت به بعد الكتابة، دخل في كابته وصاروا بمزلته، لا يعتقون إلا بأدائها، وإن بلغوا جازت بيوعهم وقسمتهم بغير إذنه إن كانوا مؤمنين، وما ولد له منها قبل الكتابة أو كوتب وأمته حامل منه فلا يدخل ذلك الولد معه في كتابته.
ولا ينبغي للمكاتب أن يشتري ولد أو أبويه إلا بإذن سيده، فمن ابتاع بإذن سيده ممن يعتق على الحر بالملك دخل معه في الكتابة، وجاز بيعهم وشراؤهم وقسمتهم بغير إذنه، ولا يبيعهم في عجزه، وإذا عجز وعجزوا رقوا كلهم للسيد، فإن ابتاعهم بغير إذن السيد لك يفسخ ابتياعه [إياهم] ، ولا يدخلون معه في كتابته ولا يبيعهم إلا أن يخشى [عجزاً] ، ولا بيع لهم ولا شراء ولا قسم إلا بإذنه، ويعتقون بأدائه، وكذلك أم ولده ليس لها أن تتجر إلا بإذنه، ولا له بيعها إلا أن يخاف العجز.(2/578)
2149 - وإن ابتاع من لا يعتق على الحر بالملك من القرابة بإذن السيد أو بغير إذنه لم يدخلوا معه في كتابته وله بيعهم وإن لم يعجز، ولا فعل لهم إلا بإذنه.
وقال أشهب بن مالك: يدخل الولد والوالد إذا اشتراهم بإذن السيد، ولا يدخل الأخ.
وقال ابن نافع وغيره: لا يدخل في الكتابة بالشراء بإذن السيد إلا الولد فقط، إذ له أن يستحدثه.
قال ابن القاسم: وإذا كان المكاتب مدياناً فابتاع ابنه لم يدخل في كتابته وإن أذن سيده حتى يأذن غرماؤه.
ومن أدخلناه في الكتابة فله حكم من عقدت عليه، فإن مات المكاتب لم يؤخذوا بحلولها وسعوا على النجوم.
وما ولد للمعتق إلى أجل أو للمدبر من أمته بعدما عقد له ذلك فبمنزلته، وما ولد له قبل ذلك أو كانت أمته حاملاً منه حين العقد فرفيق، وإن اشتريا ما ولد لهما قبل ذلك لم يكون بمنزلتهما ولهما بيعه، إذا أذن لهما في ذلك السيد، إلا أن يأذن في ذلك للمعتق إلى أجل عند تقارب الأجل، أو يأذن للمدبر والسيد مريض فلا يجوز إذنه(2/579)
حينئذ، وإنما يجوز إذن السيد في ذلك في الموضع الذي يجوز للسيد أن ينتزعهم، فإن لم يأذن لهم ولم ينتزعهم حتى عتقوا، كانوا تبعاً كأموالهم ويعتقون عليهم.
2150 - وما ولدت المكاتبة من ولد بعد الكتابة، فهم بمنزلتها لا سبيل للسيد عليهم في السعاية ما دامت الأم على نجومها، ولها أن تستسعيهم معها، فإن أبوا أجرتهم، ولا تأخذ من إجارتهم ولا مما بأيديهم إلا ما تقوى به على الأداء والسعي، فإن ماتت وتركت ولدين حدثا في كتابتها سعيا فيما بقي، وإن أزمن أحدهما سعى الصحيح، ولا يوضع عنه لموت أمه ولا لزمانة أخيه شيء. (1)
2151 - وإذا ولد للمكاتب من أمته ولدان واتخذ كل منهما أم ولد وأولدها إلا أن أولادهما هلكوا ثم مات الجد، فالوالدان مع أمهما يسعون، فإن أدوا عتقت معهما، وإن مات أحدهما قبل الأداء ولم يدع ولداً وترك أم ولده، فإنها تباع ويعتق أخوه في ثمنها ولا يرجع السيد عليه بشيء.
وإن ولد للمكاتب ولد من أمته بعد الكتابة فاعتق السيد الأب، لم يجز العتق إلا أن يكون الأب زمناً فيجوز، ثم إن كان للأب مال يفي بالكتابة ولا سعاية في الولد، أدى من مال الأب عن الولد حالاً وعتقوا.
قال غيره: هذا إن رضي الأب بالعتق، وإلا لم يجز، لأن السيد يُتهم على
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (7/277) .(2/580)
تعجيل النجوم قبل وقتها.
2152 - قال ابن القاسم: فإن لم يكن في مال الأب إلا قدر ما يؤدي عنهم إلى أن يبلغه السعي، أخذ وأدى نجوماً إلى أن يبلغوا السعي، ولا يؤخذ حالاً، إذ لو ماتوا قبل بلوغ السعي كان المال لأبيهم، فإن لم يكن في مال الأب ما يبلغهم السعي، مضى عتق الأب ورقوا. قيل: فإن كانوا يقوون على السعي يوم عتق الأب وله مال؟ قال: قال مالك في المكاتب يولد له ولدان في كتابته فيعتق السيد أحد الولدين وهو قوي على السعي: لم يجز عتقه، وإن كان كبيراً فانياً أو ذا ضرر أو صغيراً لا سعاية له، جاز عتقه، ولم يوضع عمن بقي من الكتابة شيء، ولا يرجع الذي أدى على أخيه بشيء.
قال غيره: إن كان للأب الزمن مال والولد يقوى على السعي، لم يجز عتقه لأن ماله معونة لهم كبدنه.
2153 - ومن كاتب عبده في مرضه وقيمته أكثر من الثلث، قيل للورثة: امضوا كتابته فإن أبوا عتق من العبد مبلغ الثلث بتلاً، ولو أجاز له الورثة ذلك قبل موته وهم كبار لزمهم ذلك بعد موته، فإن كاتبه في نرضه وقبض الكتابة ثم مات السيد، فإن يحابه، حاز ذلك كبيعه ومحاباته في البيع في ثلثه.(2/581)
2154 - وأما المديان يكاتب عبده فلا يجوز، وذلك فيه من ناحية العتق، بخلاف المريض، وقال غيره: الكتابة في المرض من ناحية العتق وقعت، بمحاباة أو بغير محاباة، وتوقف نجومه، فإن مات السيد والثلث يحمله، جازت كتابته وإن لم يحمله خُيّر الورثة في الإجازة أو بتل محمل الثلث منه بما في يديه من الكتابة، وقاله أكثر الرواة.
2155 - قال ابن القاسم: وإن كاتبه في صحته وأقر في مرضه بقبض الكتابة منه، جاز ذلك ولم يتهم إن ترك ولداً، فإن كان ورثته كلالة والثلث لا يحمله، لم يصدق إلا ببينة، وإن حمله الثلث صدق، لأنه لو أعتقه جاز عتقه.
وقال غيره: إذا اتهم بالميل معه والمحاباة [له] ، لم يجز إقراره حمله الثلث أم لا، ولا يكون في الثلث إلا ما أريد به الثلث، وقاله ابن القاسم أيضاً غير مرة.(2/582)
وإن كاتبه في مرضه وأقر بقبض الكتابة في مرضه، فإن حمله الثلث عتق، كان ورثته ولداً أو كلالة، كمبتدي عتقه، وإن لم يحمله خُيّر ورثته، فإما أمضوا كتابته وإلا أعتق محمل الثلث منه.
وقال غيره: يوقف نجومه، لأن الكتابة عتاقة من الثلث وليست من ناحية البيع، لأن ما يؤدي المكاتب إنما هو جنس من الغلة.
قال ابن القاسم: فإن كاتبه في المرض بألف وقيمته مائة وأوصى بكتابته لرجل فإن حمل الثلث رقبته، جازت الكتابة والوصية، كالوصية أن يخدم فلاناً سنة ثم هو حر، وإن لم يحمله الثلث، ولم يجز الورثة، فليعتق منه محمل الثلث، وتبطل الوصية بالكتابة لتبدية العتق عليها.
ومن أوصى لرجل بمكاتبه أو بما عليه أو أوصى بعتق مكاتبه أو بوضع ما عليه، جعل في الثلث الأقل من قيمة الكتابة أو قيمة الرقبة على أنه عبد(2/583)
مكاتب في خراجه وأدائه، كما لو قتل، وقاله ابن نافع، وقال أكثر الرواة: ليس قيمة الكتابة ولكن الكتابة، قالوا كلهم: فأي ذلك حمل الثلث جازت الوصية.
ومن أوصى لرجل بثلث ماله كان الموصى له شريكاً للورثة في كل شيء تركه الميت، من عين أو عرض أو كتابة مكاتب، وصار كأحد الورثة.
2155 - ومن أوصى أن يكاتب عبده والثلث يحمل رقبته، جاز، وكوتب كتابة مثله على قدر قوته وأدائه، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة بين مكاتبته أو عتق محمل الثلث منه بتلاً.
2156 - ومن وهب لمكاتبه نجماً بعينه من أول الكتابة أو وسطها أو آخرها، أو تصدق به عليه، أو أوصى له به، وذلك كله في المرض، ثم مات السيد قوّم ذلك النجم وسائر النجوم بالنقد بقدر آجالها فتقدر حصة النجم منها ويعتق الآن من رقبته ويوضع عنه النجم بعينه إن حمله الثلث، وإن لم يحمله الثلث خير الورثة في إجازة ذلك أو ابتال محمل الثلث من المكاتب، ويحط عنه [من] كل نجم بقدر ما عتق منه، وليس من النجم العين خاصة في هذا، لأن الوصية قد حالت عن وجهها لما لم يجز الورثة.(2/584)
وإذا أدى المكاتب كتابته في مرضه جازت وصيته في ثلث ما بقي من ماله [بعد الكتابة] ، وإن مات قبل دفعها أو أمر بدفعها فلم تصل إلى السيد حتى مات فلا وصية له.
2157 - وإذا كوتب العبد أو أعتق وقد ولدت منه أمته قبل ذلك لم تكن له أم ولد بذلك وله بيعها، وإن ولدت من المكاتب أمته بعد الكتابة كانت له أم ولد بذلك، ولا يبيعها إلا أن يخاف العجز. قال ربيعة: أو في عُدمه لدين عليه.
قال ربيعة: وإن مات المكاتب عديماً وعليه دين للناس قام ولده في دينه وأولاده منها رق لسيده.
قال ابن القاسم: وللمكاتب أن يشتري زوجته الحامل منه، وليس للسيد منعه لأنه إذا ابتاعها بغير إذنه لم يدخل جنينها معه في الكتابة ولا تكون هي به أم ولد له ولو ابتاعها بإذنه دخل حملها في الكتابة وكانت به أم ولد.
وإذا كان المكاتب وترك أم الولد، وولداً منها أو من غيرها ولم يدع مالاً، سعت مع الولد، أو سعت عليهم إن لم يقووا وقويت هي على السعي وكانت مأمونة عليه.
وإن ترك أم ولد وولدا منها حدث في كتابته فخشي الولد العجز، فلهم بيعها(2/585)
وإن كانت أمهم، وإن كان للأب أمهات أولاد سواها فخشي الولد العجز، فلهم بيع من فيها نجاتهم كانت أمهم أو غيرها، وأرى أن لا يبيع أمه إذا كان في بيع سواها ما يغنيه.
2158 - وإن ترك المكاتب مالاً فيه وفاء بكتابته، وترك أم ولد، وولداً منها أو من غيرها، عتقت مع الولد فيه، وكذلك إن ترك معه في الكتابة أجنبياً، وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فإن كتابته تحل بموته ويتعجلها السيد من ماله، ويعتق بذلك من معه في الكتابة، وليس لمن معه في كتابته من ولد أو أجنبي أخذ المال وأداؤه على نجومه إذا كان فيه وفاء، [و] يعتقون الآن [به] ، لما فيه من الغرر، فإن لم يف ببقية الكتابة فلولده الذين معه في الكتابة أخذه، وإن كانت لهم أمانة وقوة على السعاية ويؤدون نجوماً.
قال سليمان بن يسار: فإن لم يكن الولد مأموناً لم يُدفع إليه شيء.
قال ابن القاسم: ولا يدفع ذلك المال لمن معه في الكتابة غير الولد من قريب أو أجنبي، وليستعجله السيد من الكتابة. ويسعوا في بقيتها، فإن أدوا عتقوا(2/586)
وأتبع السيد الأجنبي بحصة ما أدى عنه من مال الميت وحاص به غرماؤه بعد عتقه وليس هذا كالمعتق على أن عليه مالاً بعد العتق.
وقال ربيعة: لا يدفع المال إلى ولد ولا إلى غيره وإن كانوا ذوي قوة وأمانة، إذ ليس لهم أصله وهو لا يؤمن عليه التلف إذا كان بأيديهم، وليعجله السيد ويقاصهم به من آخر كتابتهم، وإن كانوا صغاراً لا قوة فيهم على السعي، فهم رقيق وذلك المال للسيد.
قال ابن القاسم: وإن ترك أم ولد لا ولد معها وترك مالاً فيه وفاء بكتابته، فهي والمال ملك للسيد.
قال ربيعة: وكذلك إن ترك ولداً ثم مات الولد.
2159 - قال ابن القاسم: وإن ترك المكاتب ولداً حدث في كتابته ومالاً فيه وفاء بالكتابة وفضل، أخذ السيد منه الكتابة وما بقي ورثه ولده الذين معه في الكتابة على فرائض الله، لأنهم ساووه في أحكامه بعقد الكتابة في رقها وحريتها، ولا يرث منه ولده الأحرار الذين ليسوا معه في كتابته ولا زوجته [و] إن كوتبت معه، ولا شيء للسيد مما فضل إلا أن يكون الولد الذي في الكتابة بنتاً أو بنتين، فله الباقي بعد(2/587)
النصف أو الثلثين دون أحرار [ورثة المكاتب، وإن لم يكن معه في الكتابة أحد أو كان معه أجنبي وترك وفاء بكتابته تعجلها السيد وكان له ما بقي دون ورثة المكاتب الأحرار] ، واتبع السيد الأجنبي بجميع ما ينويه مما عتق به من مال الميت، وإن كان مع الأجنبي ولد للميت في الكابة أتبعه الولد بذلك دون السيد، وورث الولد أيضاً بقية المال. (1)
2160 - وإن ترك المكاتب ابنتين وابن ابن معهما في الكتابة وترك فضلاً عن كتابته، فلابنتيه مما فضل عن كتابته الثلثان ولولد الابن ما بقي، وإنما يرث المكاتب ممن معه في الكتابة من أقربائه، الولد وولد الولد والأبوان والجدود والإخوة دون أحرار ولده، ولا يرثه سواهم من عم أو ابن عم أو غيرهم من عصبة ولا زوجة، وإن كانوا معه في الكتابة، [وأصل هذا أنه لا يرثه ممن معه] في الكتابة إلا من لو أدى عنه لم يرجع عليه إلا الزوجة، فإنها لا ترثه ولا يرجع علياه إن عتقت [في حياته] بأدائه أو بعد موته في ماله، ولا يرجع عليها من يرثه من وارث أو سيد، ويرجعون على من كان هو يرجع عليه وهو يرجع على خاله وخالته وبنت أخيه وعمته، ولا يرجعون على من ذكرنا أنه يرثه في كتابته.
وإن هلك أحد الأخوين في كتابته وترك فضلاً عن كتابته كان ما فضل بعد الكتابة
_________
(1) انظر: المدونة (7/288، 289) ، وشرح الزرقاني (4/132) ، والموطأ (2/790) .(2/588)
للأخ دون السيد، ولا يرجع السيد على الأخ بشيء مما أدى عنه من مال أخيه.
2161 - ولو ترك الميت ولداً فأدى الولد من ذلك المال جميع الكتابة، لم يرجع على عمه بشيء، لأن أباه لم يكن يرجع عليه لأنه أخوه، وإذا مات المكاتب بعد موت سيده وترك مالاً فيه وفاء ولم يدع ولداً، فذلك بين ورثة السيد يدخل فيه بناته وأمهاته وزوجاته وغيرهم، لأنه موروث بالرق لا بالولاء.
وإن ترك المكاتب في الكتابة بنتاً، فلها النصف بعد الكتابة ولورثة السيد ما بقي، وإذا هلك أحد الأخوين في كتابة وترك أم ولد ولا ولد معها، فهي رقيق ولا تعتق [ولا تسعى] أم ولد المكاتب معه، إلا أن يدع ولداً منها أو من غيرها كاتب عليهم أو حدثوا في الكتابة، فهاهنا لا ترد أم ولد في الرق إلا أن يعجز الولد، ولا تقوى هي على السعي عليهم أو يموت الولد قبل الأداء.
ولو كان المكاتب وولده في كتابة فمات ولده عن أم ولد ولا ولد معها، فهي رق للأب وإن ترك مالاً كثيراً، إلا أن يترك ولداً - كما ذكرنا -.
2162 - ومن كاتب عبده ثم كاتب زوجة العبد كتابة على حدة، فما حدث بينهما من ولد كان في كتابة الأم يعتق بعتقها لا بعتق الأب ونفقتهم عليها.
* * *(2/589)
(كتاب أمهات الأولاد)
2163 -[قال مالك:] ومن أقر بوطء أمته ولم يدع استبراء لزمه ما أتت به من ولد لأقصى ما تلد له النساء، إلا أن يدعي الاستبراء بحيضة لم يطأ بعدها ونفى الولد، فيصدق في الاستبراء، ولا يلزمه ما ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم الاستبراء. (1)
ومن أقر في مرضه بحمل أمه وبولد أمة له أخرى وبوطء أمة ثالثة لم يدع استبراءها، وأتت بولد يشبه أن يكون من وطئه، فأولادهن لاحقون به أجمعون، وهن بذلك أمهات أولاد يعتقن من رأس ماله.
قال مالك: وأما إن قال [في مرضه:] كانت هذه ولدت مني، ولا يعلم ذلك إلا بقوله، ولا ولد معها، فإن كان ورثته ولداً صدق وعتقت من رأس
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (4/407) ، والتاج والإكليل (6/355) ، ومواهب الجليل (6/357) ، والمدونة الكبرى (5/438) ، (8/318) ، والقوانين الفقهية لابن جزي (1/252) .(2/591)
المال، وإن لم يترك ولداً لم يصدق، ولا تعتق الأمة في الثلث وتبقى رقاً، إلا أن يكون معها ولد، أو [تقوم لها] بينة تشهد فتعتق من رأس المال. وقال أيضاً مالك: لا تعتق إذا لم يكن معها ولد [لا] من ثلث، ولا من رأس مال، كان ورثته ولداً أو كلالة، كقوله: [كنت] أعتقت عبدي في صحتي، فلا يعتق في ثلث ولا رأس مال، وقاله أكثر الرواة.
2164 - ومن باع أمة فولدت لستة أشهر أوأكثر مما تلحق فيه الأنساب فادعى البائع أنه ولده، وأقر بالوطء أو باعها وهي حامل ثم ادعى الولد بعد الوضع، فإن الولد يلحق به إن لم يتهم، ويرد البيع، وتكون به أم ولد له، وإن باعها ومعها ولد ثم استلحق الولد عند الموت بعد سنين كثيرة، فإنه يلحق به إن لم يتهم بانقطاع من الولد إليه وهو لا ولد له.
وقال أشهب: إذا ولد عنده من أمته ولم يكن له نسب، فإقراره جائز، ويلحق به(2/592)
الولد ويرد الثمن، وتكون الأمة أم ولد له وإن كان ورثته كلالة [أو ولداً] ، وقاله كبار أصحاب مالك.
قال سحنون: وهذا أصل قولنا، وعليه العمل، ومثله [من] قول ابن القاسم في استلحاق من أحاط الدين بماله، ولد أمته أنه يلحق به وتكون هي أم ولد [له] ، ولا يلحقها الدين، وكذلك أمهات الأولاد لا يلحقهن الدين ولا يردهن بخلاف المديان بعتق وقاله جميع الرواة، فهذا كان أولى بالتهمة من الذي استلحق في مرضه لإتلافه أموال الناس، [إلا أن] استلحاق النسب يقطع كل تهمة. قال أشهب: ألا ترى أن الرجل يطلق زوجته قبل البناء، فلا يجوز له ارتجاعها إلا بنكاح جديد وولي وصداق، ثم إن ظهر بها حمل فادعاه، لحق به الولد وجاز له أن يرتجع بلا صداق ولا نكاح مبتدأ، فالولد قاطع للتهم.(2/593)
2165 - ومن أقر بوطء أمته ثم باعها قبل أن يستبرئها، فأتت بولد لما يشبه أن يكون من وطئه، فأنكره البائع، فهو به لاحق، ولا ينفعه إنكاره، ويرد البيع إلا أن يدعي استبراء. قيل: فإن أقر بوطء أمته فأتت بولد فأنكر السيد أن تكون ولدته؟ قال: سئل مالك عن المطلقة تدعي أنها قد أسقطت وانقضت عدتها، ولا يعلم ذلك إلا من قولها، فقال: لا يكاد يخفى على الجيران الولادة والسقط، وإنها لوجوه تصدق فيها النساء وهو الشأن، ولكن لا [يكاد] [هذا] يخفى على الجيران، فكذلك مسألتك في ولادة الأمة. (1)
وأم الولد إذا ولدت ولداً في حياة سيدها أو بعد موته أو بعد أن أعتقها لمثل ما تلد له النساء، فالولد يلحقه إلا ان يدعي الحي استبراء أو ينفي الولد، فلا يلزمه.
2166 -[قيل: فمن زوج أمته عبده أو أجنبياً فأتت بولد لستة أشهر فأكثر، فادعاه السيد، لمن الولد؟ قال: قال مالك في رجل زوج أمته عبده أو أجنبياً، ثم وطئها السيد فأتت بولد، فالولد للزوج، إلا أن يكون الزوج معزولاً عنها مدة في مثلها براءة الرحم، فإنه يلحق بالسيد، لأنها أمته، ولا يحد، وكذلك الجواب إن أتت بولد لستة أشهر وقد دخل بها زوجها فادعاه السيد.
_________
(1) انظر: التقييد (3/124) ، ومنح الجليل (9/479) .(2/594)
وإن أتت به لأقل من ستة أشهر، وقد دخل بها زوجها، فسخ نكاحه ولحق الولد بالسيد إن أقر بالوطء، إلا أن يدعي استبراء] .
2167 - ومن وطئ أمة مكاتبه فأتت بولد، لحق به وكانت به أم ولد ولا يحد، إذ لا يجتمع الحد والنسب، فإن درئ الحد ثبت النسب، وعليه قيمتها يوم حملت ولا قيمة عليه للولد، فإن كان عديماً والذي على المكاتب كفاف القيمة، عجل عتقه وإن زادت القيمة أُتبع السيد بالزيادة. وقال غيره: ليس للسيد تعجيل ما على مكاتبه ويغرم له القيمة في ملائه وتباع الكتابة لذلك في غرمه، فإن كانت كفافاً كانت أم ولد للسيد، وللمكاتب أخذ قيمة أمته معجلاً، والأداء على نجومه إلا أن يشاء أن يكون أولى بما بيه من كتابته لتعجيل عتقه، فذلك له، وإن لم يكن في(2/595)
ثمن الكتابة إلا قدر نصف قيمة الأمة أخذه المكاتب، ويبقى له نصف الأمة رقيقاً، ونصفها لسيده بحساب أم ولد، وأتبع السيد بنصف قيمة الولد.
2168 - ومن وطئ أمة ابنه الصغير أو الكبير، درئ عنه الحد وقومت عليه يوم الوطء، حملت أو لم تحمل، كان ملياً أو معدماً.
2169 - قال مالك في وطء الشريك إذا لم تحمل، فلشريكه التماسك بنصيبه، والأب عندي بخلاف الشريك في ذلك، فإن كان الابن كبيراً، والأب عديماً قومت عليه يوم الوطء، وبعناها عليه في تلك القيمة إن لم تحمل، وكذلك المرأة تحل جاريتها لزوجها أو لولدها أو لأجنبي، وإن بيعت عليهم في العدم فلم يكن في الثمن تمام القيمة أُتبعوا بالبقية ديناً، وليس للمحلل التماسك بها وإن لم تحمل.
2170 - وإذا قومت على الأب أمة الابن وقد حملت منه وكان الابن قد وطئها، أُعتقت على الأب، إذ قد حرم عليه وطؤها وبيعها، ولحق به الولد، ولو لم تحمل من الأب حل له بيعها وحرم عليه وطؤها.
2171 - وإن وطئ الأب أم ولد ابنه غرم لابنه قيمة أم الولد، وعتقت على الابن لا على الأب، لأن الولاء قد ثبت للابن، وإنما عتقت لأنها قد حرمت على الأب والابن.
2172 - وأما إن وطئ الأب زوجة ابنه لم تحرم الزوجة على الابن في أحد قولي(2/596)
مالك بخلاف أم الولد، لأن الأب لا حد عليه في وطء أم ولد ابنه، ويحد في وطء زوجة ابنه ويرجم إن كان محصناً.
2173 - وإن أتت أم ولد الابن بعد وطء الأب إياها بولد لحق بالابن، إلا أن يكون الابن معزولاً عنها قبل وطء الأب إياها بمدة في مثلها تستبرئ، فيلحق بالأب، لأن مالكاً قال فيمن زوج أمته عبده فدخل بها ثم وطئها السيد فأتت بولد: إنه يلحق بالعبد، إلا أن يكون العبد معزولاً عنها أو غائباً غيبة يعلم أنها قد حاضت بعدها واستبرأ رحمها، فيلحق الولد بالسيد وترد الأمة إلى زوجها.
2174 - ومن اشترى زوجته لم تكن أم ولد له بما ولدت منه قبل هذا الشراء، إلا أن يبتاعها حاملاً، فتكون بذلك الولد أم ولد له، ولوكانت لأبيه فابتاعها حاملاً،(2/597)
لم تكن له أم ولد بذلك الحمل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده، بخلاف أمة الأجنبي، لأن الأب لو أراد بيع أمته [وهي حامل] ، لم يجز ذلك، لأنه قد أعتق عليه ما في بطنها، والأجنبي لو أراد بيع أمته وهي حامل من زوجها، جاز له ذلك، ودخل حملها في البيع معها.
وقال غيره: لا يجوز للابن شراؤها من والده وهي حامل، لأن ما في بطنها قد عتق على جده ولا يجوز أن تباع، ويستثنى ما في بطنها، لأن في ذلك غرر، لأنه وضع من ثمنها لما استثنى وهو لا يدري ايكون أم لا، فكما لا يجوز بيع الجنين لأنه غرر، فكذلك لا يستثنى، وهذا الجنين لا يرق ولا يلحقه دين، لأنه عتق بسنة وليس هو عتق اقتراف.
2175 - قال ابن القاسم: ومن ابتاع زوجة والده حاملاً انفسخ نكاح الأب، إذ لا ينكح أمة ولده، ولا تكون أم ولد للأب، وتبقى رقيقاً للابن ويعتق عليه ما في بطنها،(2/598)
ولا يبيعها حتى تضع [غلا أن يرهقه دين، فتباع وهي حامل، وقاله أشهب.
وقال غيرهما: لا تباع في الدين حتى تضع] ، لأنه عتق بسنة لا باقتراف.
قال ابن القاسم: وإن كان حملها من أخيك بنكاح فابتعتها، فهي والولد رقيق لك، والنكاح ثابت.
2176 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب أو أُسر فتنصر بها، وقف ماله وأم ولده ومدبروه، وتحرم على المرتد أم ولده في ردته حتى يسلم، وأما النكاح فتنقطع عصمته بارتداده فإن قدم فأسلم، رجعت إليه أم ولده [ومدبروه] وعاد إليه ماله ورقيقه، وإن قتل على ردته عتقت أم ولده منرأس ماله وعتق مدبروه في الثلث، وتسقط وصاياه ويكون ماله لجميع المسلمين.
2177 - وإن أسلمت أم ولد الذمي، فقال مالك مرة: توقف حتى يموت أو يسلم فتحل له، ثم رجع وثبت على أنها تعتق وولاؤها للمسلمين، ولا تسعى في قيمتها، فإن أسلم السيد بعدها قبل أن تعتق، فهو أحق بها، وتبقى له أم ولد [كما(2/599)
كانت] وإن طال ما بين إسلامهما ما لم تعتق بقضية إمام. وما ولدته من غير سيدها الذمي بعد أن أولدها فلا يعتقون بإسلامها، كانوا صغاراً أو كباراً، وإنما يعتقون بموت سيدها، ولا يكونون مسلمين بإسلامها، لأن الولد للأب في الدين وللأم في الرق، فإن أسلم كبارهم لم يعتقوا [أيضاً] إلا إلى موت السيد.
2178 - وإذا أسلمت أمة النصراني ولها ولد، لم يكن ولدها مسلماً بإسلامها إذا كان أبوه نصرانياً، صغيراً كان الولد أو كبيراً، وتباع وحدها دون الولد، إلا أن يكون الولد لم يستغن عنها، فيباع معها من مسلم، وليس لمشتريه أن يجعله مسلماً إذا كره ذلك أبوه، ويبقى على دين أبيه. [قيل:] فإذا أسلمت أم ولد المكاتب الذمي وسيده مسلم، [قال: أرى أن توقف، فإن عجز المكاتب كانت حاله كحال النصراني اشترى أمة مسلم، فإن كان سيده ذمياً وقفت، فإن أدى المكاتب وعتق عتقت عليه، وإن عجز رق وبيعت عليه] .
2179 - وليس للرجل أن يكاتب أم ولده، وإنما يجوز أن يعتقها على مال يتعجله منها، فإن كاتبها فسخت الكتابة، إلا أن يفوت بالأداء فتعتق، ولا ترجع فيما أدت إذا(2/600)
كان للسيد انتزاع مالها ما لم يمرض. وليس للسيد فيها خدمة ولا استسعاء ولا غلة وإنما له فيها المتعة، وله الخدمة في أولادها من غيره ممن ولدته بعد ولادتها منه، وهم بمنزلتها يعتقون بعد موت السيد من رأس المال وهم بخلافها في الغلة، وتسلم في الجناية خدمتهم. وهذا مذكور في كتاب الجنايات.
وللسيد أن يعجل عتق أم ولده على دين يبقى عليها برضاها، وليس ذلك بغير رضا. قال يحيى بن سعيد: فإن مات السيد وعليها الذي اشترت به نفسها، اتبعت به، ولو كانت كتابة سقطت وعتقت.
2180 - وإن كاتب الذمي أم ولده الذمية ثم أسلمت عتقت وسقطت عنها الكتابة، ومن باع أم ولده فأعتقها المبتاع، نقض البيع والعتق، وعادت أم ولد له، فإن ماتت بيد المبتاع قبل أن ترد فمصيبتها من البائع، ويرد الثمن، فإن لم يعلم للمبتاع موضع كان على البائع طلبه حتى يرد إليه الثمن ماتت أم الولد أو بقيت، وكذلك إن مات البائع، وقد ماتت هي بعد موته أو قبله أو بقيت أو لم يمت البائع، وقد ماتت هي أو بقيت، فإن البائع يُتبع بالثمن في ذمته كان ملياً أو معدماً. (1)
2181 - وإذا اشترى المأذون أمة بإذن سيده أو بغير إذنه، فوطئها، ثم عتق وقد ولدت منه
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/166) ، و (2/472) ، وحاشية الدسوقي (3/185) ، (4/189) ، والتاج والإكليل (4/36) ، والشرح الكبير (4/507) .(2/601)
أولاداً، أو هي حامل منه فهي تبع له كماله، ولا تكون له أم ولد بما ولدت منه قبل عتقه، ولا بما كانت به حاملاً حين عتق، لأن ذلك الولد رق لسيده إلا أن يملك المأذون حملها قبل أن تضعه، فتكون به أم ولد له، ولو أعتقها المأذون بعد أن عتق لم أُعجل لها ذلك وكانت حدودها حدود أمة حتى تضع، فيرق الولد للسيد الأعلى وتعتق هي بالعتق الأول فيها، بغير إحداث عتق.
2182 - قال ابن القاسم: وكل ما ولد للمكاتب أو للمدبر من أمته مما حملت به بعد عقد التدبير أو الكتابة فهو بمنزلته يعتق معالمكاتب بالأداء ومع المدبر في الثلث، فإذا عتقا كانت الأم أم ولد بذلك لهما، كان الولد الآن حياً أو ميتاً، وقاله مالك، ولمالك قول آخر أنها لا تكون بذلك أم ولد، وقاله أكثر الرواة في المدبر خاصة إذ كان للسيد انتزاعها.
قالوا: وأما المكاتب فهي له أم ولد إذا عتق إذ كان السيد ممنوعاً من ماله. وليس للمدبر أن يبيع أم ولده في حياة سيده إلابإذنه، وللسيد انتزاعها إذا شاء. وإذا مات المدبر وترك ولداً حدث في تدبيره من أمته ثم مات السيد كانت أم ولد المدبر، وما ترك من مال لسيده، ويعتق ولده في ثلث السيد بعد موته.(2/602)
2183 - ومن باع صبياً ولد عنده أو لم يولد عنده ثم استلحقه بعد طول الزمان، لحق به ورد الثمن إلا أن يتبين كذبه.
ومن استلحق ولداً لا يعرف له نسب، لحق به، وإن لم يعرف أنه ملك أمة بشراء أو نكاح، وكذلك إن استلحق عبده أو أمته لحقا به، إلا أن يتبين كذبه في ذلك كله فلا يلحق به، ومما يعرف به كذبه أن يكون له أب معروف، أو هم من المحمولين من بلدة يعلم أنه لم يدخلها قط، كالزنج والصقالبة، أو تقوم بينة أن أم هذا الصبي لم تزل متزوجة لغير هذا المدعي حتى ماتت، وإن قالوا: لم تزل ملكاً لغيره، فلا أدري ما هذا، ولعله تزوجها.
وإن استلحق محمولاً من بلدة دخلها لحق به، والذي يبتاع أمة فتلد بعد الشراء بأيام فيدعيه، فهذا ممن قد تبين كذبه إلا أنه لا يحد، ولا يلحق به [الولد] إلا أن يكون كانت له زوجة ثم ابتاعها وهي حامل فتجوز دعواه.
2184 - ومن وُلد عنده صبي فأعتقه ثم استلحقه بعد طول الزمان لحق به وإن أكذبه الولد. ومن استلحق صبياً في ملك غيره أو بعد أن أعتقه غيره لم يصدق إذا أكذبه الحائز لرقه أو لولائه، ولا يرثه إلا ببينة تثبت، وكذلك إن استلحق ابن أمة لرجل وادعى نكاحها وأكذبه السيد لم يلحق به، إلا أن يشتريه فيلحق به ويعتق، كمن ردت شهادته بعتقه(2/603)
ثم ابتاعه، ولأنه ادعاه بنكاح لا بحرام، وإن ابتاع الأم لم تكن به أم ولد [له] ، فإن أعتقهم سيدهم قبل أن يبتاعهم مستلحقهم، لم يثبت نسبهم منه ولا يوارثهم، إلا بأمر يثبت، لأن الولاء قد ثبت لسيدهم فلا ينتقل عنه إلا ببينة.
2185 - ومن باع أمة فأعتقت لم تقبل دعوى البائع أنه كان أولدها إلا ببينة، ومن ابتاع أمة فولدت عنده ما بينها وبين أربع سنين ولم يدعه، فادعاه البائع، فإنه يلحق به ويرد البيع، وتعود هي أم ولد له، إن لم يتهم فيها، فإن ادعاه بعد عتق المبتاع الأم والولد، ألحقت به نسب الولد، ولم أُزل عن المبتاع ما ثبت له من ولائهما ويرد البائع الثمن، وكذلك إن استلحقه بعد موتهما، ولو عتقت الأم خاصة لم أقبل قوله فيها، وقبلته في الولد، [ولحق به] ورد الثمن لإقراره أنه ثمن أم ولده، ولو كان الولد خاصة هو المعتق، أثبت الولاء لمعتقه وألحقت الولد بمستلحقه، وأخذ الأم إن لم يتهم فيها لدناءتها ورد الثمن، وإن اتهم فيها لم ترد إليه، وكذلك الجواب إذا باع الأمة وهي حامل فولدت عند المبتاع فيما ذكرنا.
قيل لابن القاسم في باب آخر: أرأيت من باع صبياً ولد عنده فأعتقه المبتاع ثم استلحقه البائع أتقبل دعواه وينقض البيع فيه والعتق؟ قال: إن لم يتبين كذب البائع فالقول قوله.(2/604)
2186 - قال غيره: من باع أمة وولدها، وقد ولدته عنده أو عند المبتاع لمثل ما تلد له النساء، ولم يطأها المبتاع ولا زوج، أو باعها وحبس ولدها، أو باع الولد وحبسه ثم استلحق الولد، والولد والأم عند المبتاع أو أحدهما وقد أحدث فيهما أو في أحدهم عتقاً أو تدبيراً أو كتابة، أو لم يحدث شيئاً، فذلك كله منتقض ويردان أو أحدهما إلى البائع، والولد لاحق به والأم أم ولد له، ويرد هو الثمن.
قال سحنون: فإن كان عديماً فبعض أصحابنا يقول: يتبع بالثمن ديناً، وقال آخرون - وقاله مالك -: يرد إليه الولد [خاصة] بما ينويه من الثمن للحوق النسب وأنه يرد إلى حرية ولا ترد الأم، لأنه يتهم أن يردها إلى المتعة بغير أداء ثمن وإذا لم يولد الولد عند بائع ولا مبتاع لما تلحق إلى مثله الأنساب لم أنقض بذلك صفة مسلم، أحدث المبتاع في ذلك عتقاً أم لا، لأن النسب لا يلحق أبداً إلا أن تلد الأمة وهي في ملكه أو عند من ابتاعها منه ولم يحز الولد نسباً معروفاً، أو كانت عنده(2/605)
زوجة لمثل ما تلحق فيه الأنساب، ولم يتبين كذبه، وإلا لم يلحق به أبداً.
2187 - وإذا ادعت أمة أنها ولدت من سيدها فأنكر، لم أحلفه لها، إلا أن تقيم رجلين على إقرار السيد بالوطء، وامرأتين على الولادة، فتصير أم ولد، ويثبت نسب ولدها إن كان معها ولد، إلا أن يدعي السيد استبراء بعد الوطء، فيكون ذلك له، وإن أقامت شاهدين على إقرار السيد بالوطء وامرأة على الولادة، أحلفته.
2188 - وإن ادعى اللقيط ملتقطه أو غيره أنه ابنه لم يلحق به إلا ببينة.
قال مالك: أو يكون لدعواه وجه، كرجل عرف أنه لا يعيش له ولد، وزعم أنه رماه، لأنه يسمع أنه إذا طرحه عاش ونحوه مما يدل على صدقه، فيلحق به، وإلا لم يصدق.
وقال غيره: إذا علم أنه لقيط، لم تثبت فيه دعوى أحد إلا ببينة. (1)
وإن ادعت امرأة لقيطاً أنه ابنها لم تصدق، وإن ادعاه نصراني وقد التقطه مسلم
_________
(1) انظر: منح الجليل (8/247) ، والتقييد (3/131) .(2/606)
فإن شهد له مسلمون لحق به وكان على دينه، إلا أن يسلم قبل ذلك ويعقل الإسلام فيكون مسلماً، والحملاء إذا أُعتقوا فادعى بعضهم أنهم إخوة بعض أو عصبتهم، قال مالك: أما الذين سبوا - أهل البيت، والنفر اليسير يتحملون إلى الإسلام فيسلمون - فلا يتوارثون بقولهم، ولا تقبل شهادة بعضهم لبعض، إلا أن يشهد من كان ببلدهم من المسلمين، وأما إن تحمّل اهل حصن أو عدد كثير فأسلموا، فإنه تقبل شهادة بعضهم لبعض، ويتوارثون بذلك، وقضى عمر وعثمان - رضي الله عنهما - أن لا يتوارث أحد من الأعاجم إلا من ولد في العرب.
2189 - ابن القاسم: وإذا كانت الأمة بين رجلين [حرين] أو عبدين، أو أحدهما عبد أو ذمي والآخر مسلم، فوطئاها في طهر واحد فأتت بولد فادعياه، دُعي [له] القافة، فمن ألحقوه به كان ينسب إليه، وإن اشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء، فإن والى الذمي لحق به، ولم يكن الولد إلا مسلماً،(2/607)
وإن مات الولد قبل الموالات عن مال فهو بين الأبوين نصفين، ولو وطئها أحدهما في طهر والآخر في طهر بعده، فأتت بولد، فهو للآخر إن وضعته لستة أشهر من مسيسه، وعلي لشريكه إن كان ملياً نصفقيمتها فقط يوم الوطء، أو يوم الحمل، كيف شاء شريكه، ولا صداق عليه ولا قيمة ولد في ملائه، وإن كان عديماً اتبع بنصف قيمة الأمة مع نصف قيمة الولد، وبيع عليه نصفها في ذلك، فإن كان ثمنه كفافاً لنصف قيمتها أتبعه بنصف قيمة الولد، وإن كان انقص أتبعه بما نقص مع نصف قيمة الولد، والولد حر لاحق النسب لا يباع منه شيء.
2190 - قال مالك: ومن وطئ أمته ثم باعها، فوطئها المبتاع في ذلك الطهر، فأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو للبائع، وهي أم ولد له، وإن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم البيع فادعياه دُعي له القافة فيكون ابناً لمن ألحقته القافة [به] ، والأمة أم ولد له، وإن أشركوهما فيه والى إذا كبر أيهما شاء.
قال يحيى بن سعيد: ولو أسقطت عتقت عليهما، قضي بالثمن عليهما، وجلدا(2/608)
خمسين خمسين، وكذلك لو ماتت قبل أن تضع فمصيبتها منهما.
قال ابن القاسم: وإن كان المشتري إنما وطئها بعد أن استبرأها بحيضة لحق الولد بالمبتاع إن ولدته لستة أشهر فصاعداً من يوم وطئ، وإن ولدته لأقل من ذلك لم يلحق بالمبتاع وإن ادعاه، لأنه قد بان كذبه، ولا يحد، ولحق بالبائع إلا أن يدعي استبراء. وإنما القافة في الأمة توطأ بالملك على ما ذكرنا ولا قافة في الحرائر، فإذا تزوجت المطلقة قبل حيضة فأتت بولد لحق بالأول، لأن الولد للفراش، والثاني لا فراش له إلا فراش فاسد، وإن تزوجت بعد حيضة ودخل بها، لحق الولد بالآخر إن وضعته لستة أشهر فأكثر.
2191 - قال مالك: وإنما ألاط عمر - رضي الله عنه - في الحرائر بالقافة أولاد الجاهلية بآبائهم من الزنا، واحتج بذلك مالك في توأمي المستحملة أنهما يتوارثان من قبل الأم والأب. قيل لابن القاسم: فلو أسلم قوم من الحربيين أتليط بهم أولادهم من الزنا بالقافة؟ قال: لم أسمع من مالك فيه شيئاً، ولكن وجه ما جاء عن عمر(2/609)
لو أسلم أهل دار من أهل الحرب كان ينبغي أن يصنع بهم ذلك، لأن عمر - رضي الله عنه - قد فعله وهو رأيي.
2192 -[قال مالك:] وإذا وطئ أحد الشريكين أمة بينهما فلم تحمل، فشريكه مخير في التماسك بنصيبه أو اتباع الواطئ بنصف قيمتها يوم وطئها، وإنما قومت عليه يوم الوطء، لأنه كان ضامناً لها لو ماتت بعد وطئه، حملت أو لم تحمل [ولا حد على الواطئ] ولا عقوبه عليه، ويؤدب غن لم يعذر بجهل، وإن حملت قُومت على الواطئ يوم الوطء إن كان مليئاً، ولا تماسك لشريكه، ويلحق الولد بالواطئ، وهي به أم ولد له.
قال ابن القاسم: فإن كان الواطئ عديماً فقد بلغني أن مالكاً قال قديماً: تكون له أم ولد، ويتبع بنصف قيمتها، ولا قيمة عليه في الولد، وآخر قوله - وبه آخذ -(2/610)
أن يقوّم عليه نصفها، ويباع نصفها فيما يلزمه من نصف قيمتها فما نقص عن ذلك أتبعه به مع نصف قيمة الولد، ولا يباع من الولد شيء، وهو حر ثابت النسب.
قال ابن القاسم: ويعتق عليه هذا النصف الذي بقي في يديه، إذ لا متعة له فيه وقد قال مالك فيمن أولد أمته ثم ألفاها أخته من الرضاعة: إن الولد لاحق به ويُدر عنه الحد وتعتق عليه، لأن وطأها قد حرم عليه ولا خدمة له فيها.
وقال غيره: الشريك في عدم الواطئ مخير بين أن يتماسك بنصيبه ويتبع الواطئ بنصف قيمة الولد ديناً، أو يضمنه ويتبعه في ذمته، وليس هو كعديم أعتق حصته من عبد فأراد الشريك أن يضمنه، فليس ذلك عليه، لأنه إنما أعتق نصيبه فقط وفي الوطء وطئ حصته وحصة شريكه، فإن تماسك بنصيبه ولم يتبع الواطئ بقي نصيب الواطئ بحال أو الولد ولا يعتق عليه، إذ لعله يملك باقيها فيحل له وطؤها، إلا أن يعتق المتمسك بالرق نصيبه فيعتق على الواطئ نصيبه، إذ لا يطؤها بملك أبداً، وإذا تماسك الشريك [بنصيبه] وترك تضمين الواطئ لعدمه ثم أراد التقويم عليه بعد يسره أو شاء ذلك الواطئ فأباه المتمسك، لم يلزم الآيي(2/611)
منهما، ولو طاعا بذلك لم تكن للواطئ كلها بمحل أم ولد، للرق الذي بقي فيها إلا أن يولدها ثانية.
قال سحنون: والاختلاف بين أصحابنا في هذه المسألة كثير، وهذا أحسن ما سمعت من ذلك.
2193 - قال ابن القاسم: وإذا أتت [أمة] بين رجلين بولد، فادعاه أحدهما، لزمه نصف قيمتها يوم الحمل، وليس عليه نصف صداق، وإن أقر أنه زنى بأمة لغيره فأتت بولد منه، لم يلحق به وحُدّ، وإن ابتاعها لم يلحق به الولد، ولا يعتق عليه، وإن كان الولد جارية، لم يحل له وطؤها أبداً.
2194 - ومن أخدم أمته سنين ثم وطئها السيد فحملت، فإن كان مليئاً كانت له أم ولد، وأخذ منه مكانها أمة تخدم في مثل خدمتها، فإن ماتت هذه والأولى حية فلا شيء(2/612)
عليه، وقيل: تؤخذ منه قيمتها فيؤاجر منها خدام، فإن ماتت الأولى وانقضت اسنون وقد بقي من القيمة شيء أخذه السيد، وإن نفدت القيمة والأولى حية ولم تنقض المدة، فلا شيء عليه.
* * *(2/613)
(كتاب الولاء والمواريث)
2195 - قال مالك: ومن أعتق عبداً عن رجل حي أو ميت، بأمره أو بغير أمره، قالوا للمعتق عنه وميراثه له، لأن من أعتق سائبة لله فولاؤهم للمسلمين وعليهم العقد ولهم الميراث، ومعنى السائبة أنه أعتق عن المسلمين.(2/615)
وإن أعتقت عبدك عن عبد رجل فالولاء للرجل، ولا يجره عبده إن عتق كعبد أعتق عبده بإذن سيده ثم أعتقه سيده بعد ذلك، أنه لا يجره الولاء.
وقال أشهب: يرجع إليه الولاء، لأنه يوم عقد عتقه، لا إذن للسيد فيه ولا رد.
2196 - ومن جعل لرجل مالاً نقداً أو مؤجلاً على تعجيل عتق عبده أو تعجيل عتق مدبره، ففعل، جاز ولزمه المال، والولاء للذي أعتق وأخذ المال، وإن كان عتق العبد إلى أجل والمال حال، أو إلى أجل، فلا خير فيه، كمن أخذ مالاً على تدبير عبده أو كتابته، [فذلك لا يجوز] ، لأنه غرر.
ومن أعتق عبده عن امرأة للعبد حرة، فولاؤه لها بالسنة (1) ، ولا يفسخ النكاح، لأنها لم تملكه، ولو دفعت الحرة مالاً لسيد زوجها على أن أعتقه عنها فسخ النكاح، وذلك شراء لرقبته وولاؤه لها.
_________
(1) والآثار كما في المدونة، وانظر: المصنف لعبد الرزاق (9/25، 26) ، فما بعدهما.(2/616)
وقال أشهب: لا يفسد النكاح لأنها لم تملكه.
2197 - ومن أعتق عبداً عن أبيه أو أخيه المسلم، فالولاء للمعتق عنه، وإن أعتق عبد مسلماً عن أبيه النصراني، فلا ولاء له، وولاؤه للمسلمين، ولو كان العبد نصراني كان ولاؤه لأبيه.
2198 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً أو أسلم المعتق وللسيد ورثة أحرار مسلمون رجال، مثل: أب، أو أخ، أو ابن عم، أو ابن ابن، فولاء العبد وميراثه إن مات لورثة سيده المسلمين دون السيد وإن كان حياً، لأن الولاء كان للسيد، إذ كان نصرانياً فلما أسلم العبد لم يرثه لاختلاف الدينين ولا يحجب السيد ورثته، لأن كل من لا يرث فلا يحجب. ألا ترى أنه لو مات لهذا النصراني ولد مسلم أن عصبة النصراني المسلمين رثون الولد، قال: فإن أسلم السيد رجع إليه ولاء هؤلاء.
2199 - ولو أعتق نصراني من بني تغلب أو غيرها من العرب عبيداً له نصارى(2/617)
ثم أسلموا وهلكوا عن مال، فميراثهم وولاؤهم لعصبة سيدهم إن كانوا مسلمين يعرفون، وما جنى العبيد بعد إسلامهم، فعقلهم على بني تغلب. (1)
وأما إن أعتق نصراني من العرب أو [من] غيرهم عبيداً له قد أسلموا، أو ابتاع مسلماً فأعتقه، فولاء العبيد وميراثهم لجميع المسلمين دون السيد ودون ورثته المسلمين، ولو أسلم السيد بعد ذلك، لم يرجع ولاؤهم إليه.
2200 - وإذا أعتق النصراني عبداً له نصرانياً إلى أجل أو كاتبه، ثم أسلم العبد قبل الأجل بيعت الكتابة وآجرنا المؤجل، فإذا حل الأجل وأدى المكاتب كتابته عتق وكان ولاؤه للمسلمين، إلا أن يسلم السيد فيرجع إليه الولاء، لأنه عقد له العتق والعبد على دينه، فلا ينظر إلى يوم تمام حريته، وإن كان العبد يوم عقد له العتق مسلماً، فأعتقه بتلاً أو إلى أجل، أو كاتبه ثم أسلم السيد قبل الأجل، أو قبل أداء الكتابة، أو بعد ذلك، فإن ولاء العبد إذا أعتق لجميع المسلمين دون السيد.
وإن أسلمت أم ولد الذمي فعتقت عليه، كان ولاؤها للمسلمين، فإن أسلم
_________
(1) انظر: منح الجليل للشيخ عليش (9/495) .(2/618)
سيدها بعد ذلك رجع ولاؤها إليه وقد تقدم في كتاب التدبير ذكر مدبر الذمي يسلم.
2201 - ولا يجوز عتق المكاتب ولا العبد بغير إذن سيده، فإن أعتق أو دبر أو تصدق [بغير إذنه] فللسيد رد ذلك، فإن رده بطل ولم يلزم العبد ولا المكاتب إن عتقا، وإن لم يعلم بذلك السيد حتى عتقا، مضى ذلك وكان الولاء لهما، إلا أن يكون السيد قد استثنى مال عبده حين أعتقه، فيرد فعل العبد ويكون من أعتق [متقدماً] بغير إذنه رقاً للسيد، ومن أعتق بإذن السيد جاز، والولاء للسيد إلا أن يعتق المكاتب فيرجع إليه الولاء، إذ ليس للسيد انتزاع ماله، وأما العبد فلا يرجع إليه الولاء وإن أعتق.
وعتق أم الولد لعبدها على ما وصفنا في عتق العبد لعبده.
2202 - وإذا كاتب المسلم عبده النصراني، فكاتب المكاتب عبداً [له] نصرانياً،(2/619)
ثم أسلم الأسفل، فلم تُبع كتابته وجُهل ذلك حتى أديا جميعاً وعتقا، فولاء المكاتب الأعلى لسيده، ولا يرثه لاختلاف الدينين ويرثه المسلمون، ولو أسلم كان ميراثه للسيد، وولاء المكاتب الأسفل للسيد الأعلى ما دام سيده نصرانياً. ولو ولد للمكاتب الأعلى بعد العتق ولد فبلغ وأسلم ثم مات، [فولاؤه] لورثة موالي أبيه، فأما إن أعتق عبيداً [له] مسلمين ثم ماتوا عن مال، فميراثهم لبيت المال لا للسيد، إذ لم يثبت له ولاؤهم فيجره إلى السيد، ولو كان العبيد إنما أسلموا بعد أن عتقوا لورثهم سيدهم، أو ولده المسلمون إن كانوا لهذا المكاتب النصراني، وكل من لا يرجع إلى النصراني من ولائه شيء إذا أسلم هو، فليس [لسيده] من ذلك الولاء شيء، وكل ولاء إذا أسلم النصراني يرجع إليه، فذلك الولاء ما دام نصرانياً لسيده الذي أعتقه.
2203 - ومن أعتق أمة له حاملاً من زوج حر، فولاء ما في بطنها للسيد، قال عطاء بن أبي رباح: وميراثه لأبيه.
قال يحيى بن سعيد في عبد تزوج أمة بغير إذن سيده فأولدها فعتق الولد قبل أبويه ثم عتقا، فهما يرثانه ما بقيا، فإن ماتا فولاء الولد لمن أعتقه، ولا يجر الوالد ولاء ولده إلى سيده.(2/620)
2204 - قال مالك: وإذا أسلم عبد لحربي ثم خرج إلينا أو أسلم بعد خروجه، فهو حر وولاؤه للمسلمين، ثم إن أسلم سيده بعده وقدم [إلينا] ، لم يرده في الرق ولم يرجع إليه ولاؤه، لأنه قد ثبت للمسلمين، [فأما] إن أعتقه ببلد الحرب، ثم أسلم العبد وخرج إلينا، ثم خرج سيده بعد ذلك فأسلم، رجع ولاؤه إليه إن ثبت عتقه إياه ببينة مسلمين من أسارى أو تجار أو أهل حصن يسلمون.
قال ابن القاسم: وإن قدمت إلينا حربية بأمان فأسلمت فولاؤها للمسلمين، فإن سبي أبوها بعد ذلك فعتق وأسلم، جر ولاءها لمعتقه إذ لم يملك ولاءها أحد برق تقدم فيها أو في أبيها.
وقال سحنون: لا يجر الأب ولاءها، لأنه قد ثبت للمسلمين.
قال ابن القاسم: وإذا أعتق الذمي عبيداً له نصارى ثم أسلموا، ثم لحق السيد بأرض الحرب ناقضاً للعهد فسبي ثم أسلم، رجع إليه ولاؤهم، ولا يرثهم لما فيه من(2/621)
الرق، فيكون ميراثهم للمسلمين إلا أن يعتق، ولا يرثهم سيده الذي استرقه ما دام هو في الرق، ولا يشبه هذا المكاتب الأسفل يؤدي قبل الأعلى ثم يموت عن مال، هذا يرثه السيد الأعلى، لأنه قد أعتقه مكاتب هو في ملكه بعد، وهذا قد أعتق هؤلاء وهو حر قبل أن يملكه هذا السيد، فإن أُعتق كان ولاؤهم له، ولا يجرهم إلى معتقه الآن، وإنما يجر إليه ولاء ما يعتق أو يولد له من ذي قبل، فأما ما تقدم له من عق أو ولد فأسلموا قبل أن يوسر فلا يجر ولاءهم إلى معتقه، لأن ولاءهم قد ثبت للمسلمين، ولو صار هذا النصراني حين سبي في سهم عبده هذا المسلم الذي كان أعتق فأعتقه بعد أن صار في سهمه ثم أسلم هو أيضاً فولاء كل واحد منهما وميراثه لصاحبه.
2205 - وإن أعتق مسلم نصرانياً ثم لحق النصراني بدار الحرب ناقضاً للعهد فهو فئ، فإن عتق فولاؤه لمعتقه أخيراً، فإن كان قبل أن يلحق بدار الحرب قد أعتق عبيداً له نصارى أو تزوج نصرانية حرة فولدت منه أولاداً ثم أسلموا، كان ولاؤهم لمولاه الأول، لأن ذلك قد ثبت له، ويكون ولاؤه هو وولاء من يولد له أو يعتق من الآن لمولاه الثاني، ولا يجر إليه ما كان من ذلك قبل الرق الثاني، وإنما يجر مثل هذا العبد يتزوج حرة فيولدها والأملاك تتداوله حتى يعتق، فيجر ولاء كل ولد له منها إلى معتقه.(2/622)
2206 - ومن شهد على رجل أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبده، فردت شهادته ثم ابتاعه منه، أو شهد على أبيه بعد موته أنه أعتق عبداً له في وصيته ثم ورثه عنه بأسره، أو أقر بعد أن اشترى عبداً أنه حر، أو أن البائع أعتقه والبائع منكر، أو قال: كنت بعت عبدي هذا من فلان فأعتقه، وفلان يجحد ذلك، فالعبد في ذلك كله حر بالقضاء، وولاؤه لمن زعم هذا أنه أعتقه.
ومن اشترى أمة ثم أقر انها أم ولد لبائعها، فذلك يلزمه ولا سبيل له عليها، إلا أني لا أعجل عتقها حتى يموت البائع، إذ لعل البائع يقر بذلك، فتعود أم ولد له.
2207 - وإذا أعتق المكاتب عبده على مال، فإن كان المال للعبد لم يجز، لأنه قادر على انتزاعه، وإن لم يكن له، جاز على وجه النظر، لأن له أن يكاتب عبده على وجه النظر وإن كره سيده، فإن أدى كتابته كان له ولاء مكاتبه، وإن عجز كان ولاء مكاتبه لسيده.
ومن قال لمكاتب أو لعبد مأذون له في التجارة: أعتق عبدك هذا عني ولك ألف(2/623)
درهم، ففعل، جاز له ذلك، لأنه بيع، وبيعهما جائز، وإن قال للمكاتب: أعتقه على ألف درهم، ولم يقل: عني، [فالعتق جائز] إذا كانت الألف ثمناً للعبد أو أكثر من ثمنه، والولاء للمكاتب إن عتق، وإن عجز فالولاء لسيده، ولا شيء للذي أعطى الألف من الولاء، وتلزمه الألف الدرهم، كمن قال لرجل: أعتق عبدك على ألف درهم، ولم يقل: عني، فأعتقه، لزمته الألف، والولاء للذي أعتق.
وما ولد للمدبرة أو المكاتبة من زوج حر أو مكاتب لغير سيدها، فإن ولدها منه بمنزلتها في الرق والعتق، وولاؤهم لسيدها دون سيد الأب، وكذلك لو وضعته المكاتبة بعد الأداء، إذ مسه الرق في بطنها، ألا ترى أن من أعتق أمته وهي حامل من زوج عبد فولدت بعد العتق أن ولدها حر، وولاؤه لسيد الأمة، ولا يجر الأب ولاءه.
2208 - وإذا مات مكاتب وترك ولداً من زوجة حرة وولداً حدثوا له في الكتابة من أمته وترك وفاءً بالكتابة، أو لم يترك شيئاً فأدى عنه ولده الذين في الكتابة، لم يجر السيد ولاء ولده من الحرة في الوجهين، لأنه مات قبل تمام حريته، ولا يجر إلى السيد الولد الذين في الكتابة، ولا إخوتهم.(2/624)
ولو كان للمكاتب الميت مكاتب فأدى الأسفل، كان ولاؤه للولد الذين [معه] في الكتابة دون ولد الحرة كفاضل ماله، ولو لم يمت الأعلى حتى أدى الأسفل، ثم أدى [الأعلى] ، رجع إليه ولاء الأسفل دون سيده.
2209 - ومن أسلم من الذميين فعقلهم وجرائر مواليهم على بيت المال، ويرثهم المسلمون إن لم يكن لهم ورثة مسلمون يعرفون، وكذلك من أسلم من الأعاجم والبربر والسودان والقبط، ولا موالي لهم فعقلهم على المسلمين، وميراثهم لهم وليس إسلام الرجل على يد الرجل بالذي يجر ولاءه.
2210 - قال مالك: ولا يرث أحد أحداً إلا بنسب قرابة أو بولاء عتاقة [أو بعصمة نكاح] .
2211 - ومن أوصي له بمن يعتق عليه إذا ملكه والثلث يحمله، عتق عليه قبله أم لا، وله ولاؤه، ويبدّى على الوصايا. قال أشهب: وهو مضار في ترك قبول الوصية إذا كان الثلث يحمله، ولا يلزمه تقويم. قال مالك: فإن لم يسع الثلث إلا بعضه، فإن(2/625)
قبله، قُوّم عليه بقيته، وعتق وكان الولاء له، وإن لم يقبله فروي عن مالك أن الوصية تسقط، وكذلك إن أوصي له ببعضه والثلث يحمله، فإن قبله بدّي به وقوّم عليه باقيه، وكان له الولاء، وإن أوصى المولى عليه بمن يعتق عليه فلم يحمله الثلث فقبله وليه ولم يعتق منه إلا ما حمل الثلث، ولا يقوم عليه باقيه، وليس للوصي ألا يقبله. وهذا في كتاب العتق مستوعب.
2212 - وإذا أعتق المسلم نصرانياً فله ولاؤه ولا يعقل عنه ما جنى، لا هو ولا قومه، ولا يرثه، لاختلاف الدينين، ويعقل عنه المسلمون، وهم يرثونه إن لم تكن له قرابة على دينه، ولا جزية عليه، ولو قتله أحد كان عقله للمسلمين، وقال نافع: لا يرث مسلم كافراً إلا الرجل عبده أو مكاتبه.
2213 -[قال ابن القاسم:] وإذا أعتق قرشي وقيسي عبداً بينهما [معاً] ، فجريرته(2/626)
على قريش وقيس، وتكتب شهادته: فلان مولى فلان القرشي وفلان القيسي. وإذا كان عبد مسلم بين ذمي ومسلم قرشي فأعتقاه معاً، فولاء حصة الذمي للمسلمين، ولو كان العبد نصرانياً فأعتقاه معاً ثم جني جناية كان نصفها على بيت المال لا على المسلم، لأنه لا يرثه، ونصفها على أهل خراج الذمي الذي يؤدون معه. ولو أسلم العبد بعد العتق ثم جنى [جناية] ، كانت حصة الذمي على المسلمين دون أهل خراج الذمي، لأنهم وارثوا حصته، والنصف على قوم القرشي، لأنه صار وارثاً لحصته منه، وإن أسلم الذمي رجع إليه ولاء حصته منه، ثم يكون ما جنى بعد ذلك خطأ نصفه في بيت المال ونصفه على قوم القرشي. (1)
2214 - واللقيط حر وولاؤه للمسلمين لا لمن التقطه، وليس له أن يوالي من شاء، والمسلمون يعقلون عنه ما جنى، ويرثونه، ومن أنفق عليه، فلا يرجع عليه بشيء، لأن ذلك على معنى الحسبة، إلا أن يكون له مال وُهب له، فليرجع عليه بما أنفق في ماله.
وتفسير قول الله عز وجل: ×وَفِي الرِّقَابِ% (البقرة: 177) هي الرقبة تعتق من الزكاة،
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (6/268) .(2/627)
فولاؤها لجميع المسلمين.
2215 - ولو تزوج عبد حرة فولدت منه أولاداً، فعتق [العبد] من الزكاة، كان ولاؤه وولاء ولده الأحرار لجميع المسلمين.
2216 - وعقل الموالي المرأة على قومها وميراثهم إن ماتت هي، لولدها الذكور، فإن لم يكن لها ولد فذلك لذكور ولد ولدها الذكور دون الإناث، وينتمي مولاها إلى قومها كما كانت هي تنتمي، فإذا انقرض ولدها وولد ولدها، رجع ميراث مواليها لعصبتها الذين [هم] أقعد بها يوم [موت] الموالي دون عصبة الولد، وقاله عدد من الصحابة والتابعين.
2217 - ومن أسلم فكان ولاؤه للمسلمين، فتزوج امرأة من العرب أو من الموالي معتقة، فولدت منه أولاداً، فولاء الولد للمسلمين، فإن مات الأب ثم مات ولده بعده كان ميراثهم للمسلمين. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/370) .(2/628)
2218 - وكل حرة من العرب أو معتقة تزوجها حر عليه ولاء، فإنه يجر ولاء ولده منها إلى مواليه، ويرث ولده من كان يرث الأب إن كان الأب قد مات، ولا يجوز بيع الولاء ولا هبته ولا صدقته.
2219 - وإذا تزوجت الحرة عبداً فولدت منه أولاداً، كان ولاء الولد لومالي الأم ما دام الأب عبداً، فإن عتق الأب جر ولاءهم لمعتقه، وهذا كولد الملاعنة ينسب إلى موالي أمه وهم يرثونه ويعقلون عنه، ثم إن اعترف به أبوه، حد ولحق به، وصار ولاؤه لموالي أبيه وعقله عليهم، وكذلك لو كان لولد العبد من الحرة جد أو جد جد حر قد عتق قبل الأب، لجر ولاءهم إلى معتقه.
2220 - ولا تجوز شهادة النساء في ولاء ولا نسب ولا عتق، لا على علمهن ولا على سماع، قال مكحول: لا تجوز شهادتهن إلا حيث أجازها الله تعالى في الدين، والشهادة على الشهادة في الولاء جائزة، وشهادة رجلين تجوز على شهادة عدد كثير.
قال مالك: وإن شهد رجلان على السماع أن هذا الميت مولى فلان أعتقه،(2/629)
تأنى الإمام، فإن لم يأت من يستحق ذلك قضى له بالمال مع يمين الطالب، ولا يجر بذلك الولاء، وقال أشهب: يكون له ولاؤه وولاء ولده بشهادة السماع.
قال: وكذلك لو أقر رجل أن فلاناً مولاه، ثم مات ولم يُسأل أمولى عتاقة أو غير عتاقة؟ رأيته مولاه ويرثه بالولاء.
2221 - قال ابن القاسم: وإن شهد شاهد [واحد] على السماع، لم يحلف معه، ولا يستحق به من المال شيئاً، لأن الشهادة على السماع إنما هي شهادة على شهادة، فلا تجوز شهادة واحدة على شهادة غيره.
قال غيره: وإذا شهد شاهد على البت في الولاء أو في النسب، لم يحلف(2/630)
معه ويستحق المال، لأن المال لا يستحق حتى يثبت الولاء أو النسب، وثبوتهما لا يتم إلا بشاهدين، ألا ترى أن مالكاً قال في أخوين أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر، أن المقر به لا يحلف ويثبت مورثه من جميع المال، لأنه لا يثبت له المال إلا بثبات النسب، ولكن يعطيه المقر ثلث ما في يديه.
وقال غيره: إنما استحسن في شاهد على البت في الولاء، وبشاهدين على السماع إن قضى له بالمال مع يمينه بعد الاستثناء، لأن المال ليس له طالب ولا نسب معروف، كما أن إقرار الأخ بأخيه يوجب له أخذ المال، ولا يثبت له النسب. وقد قال مالك نحو هذا في كتاب الشهادات.
2222 - قال ابن القاسم: ومن أقام بينة على أن هذا الميت مولاه، لا يعلمون له وارثاً غيره، لم تتم الشهادة حتى يقولوا: أعتقه أو أعتق أباه، أو يشهدوا على إقرار الميت أنه مولاه، أو على شهادة بينة أن هذا مولاه.
قال أشهب: إن قدر على البينة لم يقض بها حتى يكشفوا عن ذلك، وإن لم يقدر عليهم حتى ماتوا، قضي له بالمال وبالولاء.(2/631)
ومسألة شهادة الأعمام وبنيهم في الولاء مذكورة في كتاب الشهادات.
2223 - ومن أقر أن فلاناً أعتقه وفلان يصدقه، فإنه يستحق بذلك ولاءه وإن أكذبه قومه، إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك فيؤخذ بها، وكذلك إن أقر بذلك عند الموت، فإنه يصدق ويرثه فلان إن لم تقم بينة بخلاف ذلك.
ومن أقر أن أباه أعتق هذا العبد في صحة أو مرض، والثلث يحمله، فإن لم يرث الأب غيره، جاز العتق ولزمه، وكان ولاؤه للأب، وإن كان معه وارث غيره، لم يجز قوله. وهذا مذكور في كتاب العتق.
2224 - وإذا أُعتقت أمة وهي تحت حر، فولدت منه ولداً، وقالت: عُتقت وأنا به حامل، وقال الزوج: بل حملت به بعد العتق فولاؤه لموالي، فالقول قول الزوج.
قال أشهب: ولو أقر الزوج بقولها، لم يصدق إلا أن تكون بينة الحمل يوم العتق، أو تضعه لأقل من ستة أشهر من يوم العتق.(2/632)
ومن ادعى أنه ابن فلان، أو أبوه، أو أنه مولاه من أسفل أو من فوق، وفلان يجد، فله إيقاع البينة عليه، ويقضي له، وكذلك في الأمومة والأخوة.
ومن مات وترك ابنتين فادعى رجل انه أعتق هذا الميت وأنه مولاه، وصدقته إحدى الابنتين، لم يأخذ مما بيدها شيئاً، ولا يثبت له ولاء، فإذا ماتت ولم تدّع وارثاً غيره ولا عصبة فإنه يحلف ويرثها، ولو أقرت البنتان أنه مولى أبيهما وهما عدلتان، حلف معهما وورث الثلث الباقي إن لم يأت أحد بأحق من ذلك من ولاء ولا عصبة ولا نسب معروف، ولا يستحق بذلك الولاء.
وقال غيره: لا يحلف مع إقرارهما، ولا يرث الثلث الباقي، لأنهما شهدتا على عتق، وشهادتهما في العتق لا تجوز.
ولو أقرتا أنه مولاهما ورثهما إذا لم يعرف باطل قولهما، كمن أقر أن فلاناً مولاه، ولا يعرف كذبه.
ومن قال: فلان أعتقني فأنكر ذلك فلان، فلا يمين عليه. قيل: فإن أقام شاهداً واحداً أتحلفه، فإن أبى سجنته؟ قال: لا أسجنه، ولكن يقال له: إئت بشاهد آخر وإلا فلا ولاء له عليك. (1)
_________
(1) انظر: التقييد (3/144) .(2/633)
والرجلان يدعي كل واحد منهما أنه مولى فلان من فوق، وفلان مقر بأحدهما وأقاما البينة، فإنه يُقضى لأعدلهما بينة، ولا ينظر إلى إقرار المولى لأحدهما، فإن تكافأت البينتان سقطتا، وكان الولاء للمقر له [منهما] كحق حازه.
2225 - ومن ورث رجلاً بولاء يدعيه، ثم أقام آخر البينة أنه مولاه، وأقام قابض الميراث مثلها، وتكافأتا، فالمال بينهما. قيل: ولم؟ وقد قال مالك: إذا تكافأت البينتان فإن المال للذي هو في يديه. قال: إنما ذلك إذا لم يعرف أصل المال، وهذا قد عرف أصله.
وقال غيره: هو للذي [هو] في يديه، كمن في يده ثوب فادعاه رجل، وأقام بينة أن ذلك الثوب كان لزيد يملكه، وأن المدعي اشتراه منه، وأقام حائزه بينة مثلها، وقد مات البائع ولم تؤرخ البينتان، وهما في العدالة سواء، سقطت البينتان، وبقي الثوب لحائزه، ويتحالفان.(2/634)
2226 - ومن مات وترك موالي ورث ولاءهم أقعد الناس بالميت من المذكور، فإن ترك الميت [ابنين] ورثا [ولاء مواليه، ثم إن مات أحدهما وترك ولداً، فولاء الموالي لأخ الابن الميت دون ولده، وإن مات الابنان جميعاً وترك أحدهما ابناً والآخر أربع [بنين] ، كان ولاؤه بينهم أخماساً، والابن وابن الابن اولى بالولاء] من الأب ومن الأخوة، والأب أولى من الأخ، والأخ وابن الأخ أولى من الجد، وأخ لأبوين أولى من أخ الأب، وأخ لأب أولى من ابن أخ لأبوين، وابن أخ لأبوين أولى من ابن أخ لأب، وابن أخ لأب أولى من ابن ابن أخ لأبوين، والعم الشقيق أولى من العم للأب، وابنه أولى من ابن العم للأب، [و] هكذا حكم الولاء، أن يرثه الأقعد بالميت الأول الذي أعتق دون ورثة من حازه بعد على ما ذكرنا، وقاله عدد من الصحابة والتابعين.
2227 - ولا يرث الأخ للأم من الولاء شيئاً، وإن لم يترك الميت غيره، والعصبة أحق منه إلا أن يكون من العصبة، فيرث معهم. (1)
_________
(1) انظر: الفواكه الدواني (2/250) ، والتقييد (3/144) ، والتاج والإكليل (373) .(2/635)
وإذا أعتق رجلان عبداً، فمات أحدهما وترك عصبة أو بنين، ثم مات المولى، كان نصف ميراثه للحي، والنصف لورثة الميت المذكور.
قال سليمان بن يسار: لا يرث الرجل ولاء موالي امرأته، ولا المرأة ولاء موالي زوجها.
2228 - ومن مات وترك بنات لصلبه وابن ابن أو عصبة، وترك موالي كان ولاؤهم لابن الابن والعصبة دون البنات.
ولا يرث أحد من النساء ولاء من أعتق أب لهن أو أم أو أخ أو ابن، والعصبة أولى بالولاء منهن، فإن مات مولى لأب لهن أو لأخ ولم يدع وارثاً ولا عصبة لمولاه، فميراثه لبيت المال دونهن.
2229 - ولا يرث النساء من الولاء إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن، أو ولد من أعتقن من ولد الذكور، ذكراً كان [ولد هذا الذكر] أو أنثى.
ومولى النعمة أحق بميراث الميت من عمة الميت وخالته، ولو انفردتا لم ترثا، ويكون ما ترك الميت للعصبة.
وإذا أعتقت امرأة امرأة فولدت المعتقة من الزنا أو من زوج، ثم نفاه ولاعن فيه، كان ميراث هذا الولد للمرأة التي أعتقت أمه. ومن اشترى أخاه فعتق عليه، كان له ولاؤه.(2/636)
ولو أن ابنتين اشترتا أباهما فعتق عليهما ثم مات، ورثتا منه الثلثين بالنسب، والثلث بالولاء، إذا لم يكن ثم وارث غيرهما.
[فإن هلكت إحدى البنتين قبل الأب، فمالها لأبيها، ثم إن هلك الأب بعد ذلك فلابنته، الأخرى النصف بالفريضة ونصف ما بقي بما أعتقت من أبيها] .
وإن اشترت امرأة أباها، فعتق عليها ثم مات ولم يدع وارثاً غيرها، ورثت جميع المال: النصف بالنسب والنصف بالولاء.
ولو كان الأب بعد عتقه اشترى ابناً له فعتق عليه، ثم مات الأب ورثه الابن والابنة للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن مات الابن ورثته أخته النصف بالنسب والنصف بالولاء، لأن الابن مولى أبيه والأب مولى لها، وهي ترث بالولاء من أعتقت، أو أعتق من أعتقت.
2230 - وإن ماتت امرأة وتركت أمها وزوجها وأختاً شقيقة أو لأب وجداً، فهي الغراء، لزوجها النصف، ولأمها الثلث، وللجد السدس، ويربى للأخت بالنصف. ولو تركت أختين، لم تكن غراء، لأن الأم ترجع إلى السدس، فيبقى(2/637)
للأخوات السدس، ولا يربى لهن بشيء.
2231 - وكل بلدة فتحت عنوة فأقر أهلها فيها ثم أسلموا، فشهد بعضهم لبعض، فإنهم يتوارثون بأنسابهم التي كانت في الجاهلية وهم على أنسابهم التي كانوا عليها، كما كانت العرب حين أسلمت، وكذلك الحصن يفتح وشبهه بخلاف العدد القليل يتحملون إلينا. وهذا مذكور في كتاب أمهات الأولاد.
2232 - ومن مات من قيس أو غيرها لم يرثه منهم إلا عصبته دنيا ممن يحصي ويعرف، وإن التقوا معه إلى أب جاهلي بعد عشرة آباء أو أكثر، لأن ذلك أمر معروف، وذلك إذا كان هؤلاء الذين يلتقون معه إلى الجد يحصون ويعرفون، ولا أُورث القبيلة، إذ لا أدري عدتهم ولا من يستحقه منهم، وكم يجب لمن قام يطلب [ذلك] منهم من جملة المال، ولا يورث أحد إلا بيقين.
قال ربيعة: وكل امرأة تحملت إلينا وهي حامل، فولدت عندنا فإنه يوارثها، ومن قذفه بها فهو مُفتر، وإن جاءت بغلا مفصول وادعت أنه ولدها، فإنه لا يلحق بها في ميراث، ولا يجلد من افترى عليه بها.(2/638)
2233 - وإن ماتت امرأة وابنها فقال زوجها - وهو أبو الولد -: ماتت قبله، وقال آخر المرأة ماتت بعده، فإن لم يعلم أولهما موتاً، لم يرث المرأة الولد، ولا الولد المرأة ويرث كل واحد منهما أحياء ورثته، ولا يرث الموتى بعضهم من بعض، إذا لم يعرف أولهما موتاً، وإذا أعتقت أمة تحت حر، فمات زوجها، فقالت: عتقت قبل موته، وكذلك قال سيدها، وقال ورثة الزوج: بل بعد موته، فلا ميراث لها منه، إذ لا يورث بالشك. (1)
2234 - وإذا مات المولى ومعتقه، وجهل أولهما موتاً، لم يتوارثا، وميراث المولى الأسفل لأقرب الناس من سيده من الذكور، وكذلك إذا مات المتوارثان بقتل أو بغرق أو بهدم، ولا يدري أولهم موتاً، فلا يتوارثان، ويرث كل واحد منهما ورثته للأحياء.
2235 - ومن مات وترك ولدين مسلماً ونصرانياً، كلاهما يدعي أن الأب مات على دينه، وأقاما على ذلك بينة مسلمين، وتكافأتا في العدالة أو لم تكن لهما بينة، فالميراث يقسم بينهما، كمال يدعيانه، وإن كان قد صلى هذا المسلم على أبيه، ودفنه في مقبرة المسلمين، فليست الصلاة بشهادة، ولو لم يأتيا ببينة، وقد كان يعرف بالنصرانية، فهو على ذلك، وابنه النصراني أحق بميراثه، حتى
_________
(1) انظر: منح الجليل لسيدي عليش (9/624) .(2/639)
يثبت أنه مات مسلماً. قال غيره: إلا أن يقيما بينة وتتكافأ، فأقضى بالمال للمسلم.
2236 - ومن أقام بينة أنه ابن فلان الميت، أو أنه مولاه أعتقه، لا يعلمون له وارثاً غيره، قضيت له بميراثه ولم آخذ منه كفيلاً بالمال، فإن أتى بعد ذلك غيره يدعي الولاء في المولى وجاء ببينة، سمعت حجته، وقضيت بأعدل البينتين.
قال ابن القاسم: ومن أقام بينة في دار أنها لأبيه وقد ترك أبوه ورثة سواه غيباً، فإنه يمكن من الخصومة في الدار، فإن استحق حقاً لم يقض له إلا بحظه منها، ولا يُنزع باقيها من يد المقضي عليه، إذ لعل الغُيّب يقرون بها للمحكوم عليه بأمر جهله هذا المدعي، فإذا قدموا فادعوا كدعوى الحاضر، كان ذلك القضاء لهم نافذاً، وإن قدموا قبل القضاء وبعد أن عجز الأول عن منافعه كانوا على حجتهم، إن كانت لهم حجة غير ما أتى به الأول.(2/640)
وقال أشهب: ينتزع الحق كله، فيعطى لهذا حقه ويوقف حق الغيب، وكذلك كتب مالك إلى ابن غانم، ورواه ابن نافع عن مالك.
2237 - وإذا هلك ابن الملاعنة وترك مالاً، ولا وارث له غير موالي أمه، كان ميراثه لهم، وإن ترك أمه كان لها الثلث ولمواليها ما بقي، ولا يرثه خال ولا ابن خال ولا جده لأمه، وإن ترك مع أمه أخوة لأم، فللأم مع واحد منهم الثلث، ومع الاثنين فصاعداً السدس، وللواحد منهم السدس وللاثنين فصاعداً الثلث بينهم سواء. حظ الأنثى والذكر فيه سواء، وما بقي فلموالي أمه، وإن كانت من العرب كان ما بقي لبيت المالن ولو كان له ولد ذكر أو ولد ولد، كان لأمه السدس، وما بقي لولده أو لولد ولده الذكور.
2238 - وإن ترك ابن الملاعنة موالي أعتقهم، كان ولاؤهم لذكور ولده أو لذكور أبنائهم، فإن لم يكونوا، فليس لأمه ولا لأخيه لأمه ولا لخاله ولا لجده لأمه شيء من ولاء مواليه، وولاؤهم لموالي أمه إن كانت معتقة، وإن كانت عربية فللمسلمين.(2/641)
قال عروة بن الزبير وغيره: وكذلك ولد الزنا.
2239 - ومن ارتد ولحق بدار الحرب، وقف ماله حتى يعلم أنه مات، فإن رجع إلى افسلام كان أولى بماله، وإن مات على ردته، كان ماله للمسلمين، ولا يرثه ورثته المسلمون ولا النصارى، ومن مات من مواليه وهو في حال ردته، ورثه أولى الناس بالمرتد من ورثته المسلمين ممن يرث الولاء عنه، ثم إن أسلم المرتد لم يرجع بذلك عليهم، وكذلك من مات له من ولد وغيره.
2240 - وإذا ارتد الأسير طائعاً، أولا يعلم أطائعاً أم مكرهاً، بانت منه زوجته، وإن علم أنه ارتد مكرهاً لم تبن منه زوجته.
ولا يتوارث أهل الملل من أهل الكفر، وقد قال النبي ÷: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ولا يتوارث أهل ملتين [شيئاً] . (1)
_________
(1) رواه البخاري (6764) ، ومسلم (1614) ، وأبو داود (2911) ، والترمذي (3108) ، وابن ماجة (2731) ، والحاكم (4/383، 384) ، وابن حبان (13/394) ، وابن الجارود (1/240) ، والدارجي (2/466) ، والبيهقي (6/218) ، والشافعي في المسند (1/235) ، والدارقطني (4/74) ، والنسائي في الكبرى (4/80) ، ومالك في الموطأ (2/520) ، وابن أبي شيبة (6/283) ، وعبد الرزاق (6/18) ، وأحمد (5/200) ، وغيرهم كثير، وانظر: شرح الرحبية للمارديني، بتحقيقنا، مصر، وبيروت.(2/642)
2241 - وإذا تظلم أهل الذمة في مواريثهم لم أعرض لهم، إلا أن تراضوا بحكم الإسلام فأحكم بينهم [به] ، وإلا رددتهم إلى أهل دينهم، ولو كان ذلك بين مسلم ونصرامي لم يردوا إلى أحكام النصارى وحكم بينهم بحكم الإسلام، ولم ينقلوا عن مواريثهم، وروى ابن وهب أن مسلمين ونصارى اختصموا إلى عمر بن عبد العزيز في مورث، فقسم بينهم على فرائض الإسلام وكتب إلى عامل بلدهم: إن جاءوك فاحكم بينهم بحكم الإسلام، وإن أبوا فردّهم إلى أهل دينهم.
2242 - وما ترك العبد أو المكاتب النصراني إذا مات، أو المرتد إذا قتل فلسيده لأنه يستحقه بالملك لا بالتوارث، ومن ورث من عبده النصراني ثمن خمر أو خنازير فلا بأس بذلك، وإن ورث منه خمراً أهراقها أو خنازير سرّحها، وقد ورث عبد الله [بن عمر] عبداً له نصرانياً كان يبيع الخمر ويعمل بالربا.(2/643)
وقال النبي ÷: "كل ميراث قسم في الجاهلية، فهو على قسم الجاهلية، وكل ميراث أدركه الإسلام ولم يقسم، فهو على قسم الإسلام". (1)
قال مالك: معناه في غير الكتابيين من مجوس وزنج وغيرهم.
وأما لو مات نصراني ثم أسلم وارثوه قبل أن يقسم ماله، فإنه يقسم بينهم على قسم النصارى، وإن مات مسلم ثم أسلم وارث له قبل أن يقسم ماله، فلا يرثه، وإنما يرثه من كان مسلماً يوم مات.
وقال ابن نافع وغيره: الحديث عام في الكتابيين وغيرهم من أهل الكفر، قال ربيعة: ولو مات مسلم ثم تنصر ولده بعده قبل قسم ماله، لقتل إن كان قد بلغ الحلم، وجعل ميراثه من أبيه في بيت المال، لأنه قد وجب له.
2243 - ومن مات وترك ابنين فأقر أحدهما بأخت له، فليعطيها خمس ما في يديه، ولا تحلف الأخت مع الأخ المقر بها، لأنه شاهد، ولا يحلف في النسب مع شاهد واحد.
_________
(1) رواه أبو داود (2906) ، وابن ماجة (2751) .(2/644)
وإن أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه، أعطاها ثمن ما في يديه. وإن هلكت امرأة وتركت زوجها [وأختها، فأقر الزوج بأخ [لها] وأنكرته] الأخت لم يعطه الزوج شيئاً.
* * *(2/645)
(كتاب السلم الأول)
2344 - ولا بأس أن تُسلف الإبل في البقر والغنم، وتُسلف البقر في الإبل والغنم، وتسلف الغنم في الإبل والبقر، وتسلف الحمير في الغنم والإبل والبقر والخيل.(3/5)
وكره مالك أن تسلف الحمير في البغال، إلا أن تكون من الحمر الأعرابية التي يجوز أن يسلف فيها الحمار الفاره النجيب [بالحمار الأعرابي] ، [وكذلك إذا أسلفت الحمير في البغال، والبغال في الحمير فاختلفت كاختلاف الحمار الفاره النجيب بالحمار الأعرابي] ، [فجائز أن يسلف بعضها في بعض] .
وتسلف كبار الخيل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا فرس جواد له سبق، فجائز أن يسلف فيما ليس مثله في جودته وإن كان في سنه.
2345 - وتسلف كبار الإبل في صغارها، ولا تسلف كبارها في كبارها، إلا ما عرف فبان في النجابة والحمولة، فيجوز سلمه في حواشي الإبل، وإن كانت في سنه.
وتسلف كبار البقر في صغارها، والبقرة الفاره القوية على العمل والحرث، تسلم في حواشي البقر، وإن كانت مثل أسنانها، ولا تسلم صغار الغنم في كبارها [ولا كبارها في صغارها] ، ولا معزها في ضأنها ولا ضأنها في معزها، لأنها كلها منفعتها للحم، لا للحمولة، إلا شاة غزيرة [اللبن] فلا بأس أن تسلم(3/6)
في حواشي الغنم. (1)
وإذا اختلفت المنافع في الحيوان، جاز سلم بعضها في بعض، اتفقت أسنانها، أو اختلفت.
2346 - والخشب لا يسلم منها جذع في جذعين مثله حتى يتبين اختلافها كجذع نخل كبير، غلظه وطوله كذا في جذوع صغار لا تقاربه فيجوز، وإن أسلمته في مثله صفة وجنساً، فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز ذلك إلى أجله، وإن ابتغيت به نفع نفسك لم يجز ورُد السلف.
ولا يجوز أن يسلم جذع في نصف جذع من جنسه، وكأنه أخذ جذعاً على ضمان جذع، وكذلك هذا في جميع الأشياء، وكذلك ثوباً في ثوب دونه، أو رأساً في رأس دونه، إلى أجل لا خير فيه.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/2) .(3/7)
2347 - والعبيد صنف [واحد] إلا ذو النفاذ والتجارة، فلا بأس أن يسلم عبد تاجر صقلي أو بربري [أو نوبي] ، في نوبيين أو غيرهما لا تجارة فيهما، قال يحيى بن سعيد: أو حاسب كاتب في وصفاء سواه قليل أو كثير.
2348 - ومن باع غلاماً معجلاً بعشرة أفراس إلى أجل، وعشرة دنانير ينتقدها جاز.
قال يحيى بن سعيد: ومن سلف في غلام أمرد جسيم صبيح، فلم يوجد عند الأجل، فأخذ مكانه وصيفين، أو حيواناً، أو رقيقاً، أو عروضاً وبرئ أحدهما من صاحبه في مقعد واحد، فلا بأس به.(3/8)
2349 - ولا يجوز السلم في حائط بعينه قبل زهوه بحال، وهو طلع أو بلح، شرط أخذه يسراً أو رطباً أو تمراً، وإنما يصلح السلم فيه إذا أزهى وصار بسراً، ويشترط أخذه بسراً أو رطباً، ويضرب لأخذه أجلاً، ويذكر ما يأخذ كل يوم، سواء قدم النقد أو ضرب له أجلاً، لأنه يشرع في أخذه حين اشتراه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا عند مالك محمل البيع لا محمل السلف وإن تأخر قبضه خمسة عشر يوماً فهو قريب في هذا. وإن أسلم فيه بعد زهوه وشرط أخذ ذلك تمراً، لم يجز لبعد ذلك وقلة أمن الجوائح فيه. وإنما جاز اشتراطه رطباً لقلة الخوف في ذلك، لأن أكثر الحيطان ليس بين زهوها وبين أن ترطب إلا يسيراً، وإذا اشترط أخذه رطباً وقبض بعض سلمه ثم انقطع ثمر ذلك الحائط، لزمه ما أخذ بحصته، ورجع بحصة ما بقي من الثمن، وله أن يأخذ بتلك الحصة ما شاء من السلع معجلاً، فإن تأخر لم يجز.
2350 - ويجوز السلم في حائط بعينه في جميع رطب الفواكه التي تنقطع من أيدي الناس، إذا طاب أول ذلك، مثل: التفاح والرمان والخوخ والسفرجل والقثاء والبطيخ وشبهه، ويذكر ما يأخذ كل يوم، ولا يشترط أن يأخذ كل يوم ما شاء،(3/9)
ويجوز أن يشترط أخذه جميعاً في يوم واحد، وإن لم يقدم نقده فجائز، وإن اشترط أخذه في يوم واحد فرضي البائع أن يقدم له ذلك قبل الأجل، جاز إذا رضي المبتاع وكان على الصفة.
2351 - ومن أسلم في ثمر حائط بعينه، أو في لبن غنم بعينها أو في صوفها، وشرط أخذ ذلك إلى أيام قلائل، فهلك المتبايعان أو أحدهما، لزم البيع ورثة الهالك، لأنه بيع قد تم.
2352 - ولا يسلم في نسل حيوان بعينها من الأنعام والدواب بصفة وإن كانت حوامل، وإنما يكون السلم في الحيوان مضموناً، لا في حيوان بعينها ولا في نسلها.
ولا يسلم في لبن غنم بعينها، ولا في صوفها إلا في إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه، وسواء قدم النقد، أو ضرب له أجلاً بعيداً، لا بأس بذلك إذا شرع في أخذ ذلك يومه، أو إلى أيام يسيرة، وهذا كالبيع لا كالسلف، فإن سلف في لبنها قبل إبانه واشترط أخذه في إبانه، لم يجز.
2353 - واشتراء الصوف على ظهور الغنم جائز إذا كان يحضر جزازها، وإن أسلمت إلى رجل في لبن غنم بعينها أو في صوفها، أو في ثمر حائط بعينه، وليس شيء من ذلك في ملك الرجل لم يجز، كما لو ابتعت منه سلعة ليست له، وأوجب لك على نفسه(3/10)
خلاصها من ربها، فذلك غرر، وبيع ما ليس عنده، ويجوز السلم في سمن الغنم بعينها أو أقطها أو جبنها في إبانه إذا شرع في أخذه، كما يأخذ ألبانها، وإن كان ذلك بعيداً فلا خير فيه، وكذلك ألبانها، وأشهب يكره السمن.
2354 - ولا بأس بالسلم في طعام قرية بعينها، أو في ثمرها، أو يغر ذلك من حبها قبل إبانه أو في أي إبان شاء. ويشترط أخذه أي إبان شاء، إذا كانت مثل مصر وأشباهها التي لا يخلو منها القمح والشعير والقطاني، أو كخيير ووادي القرى، أو ذي المروة ونحوها من القرى العظام المأمونة، التي لا ينقطع ثمرها من أيدي الناس، فإن أسلم في رطبها أو بسرها فليشترط أخذه في إبانه، وإن أسلم في ذلك إلى رجل ليس له في تلك القرية أرض ولا زرع ولا نخل ولا طعام ولا ثمر، فذلك جائز. وأما القرى الصغار أو قرى ينقطع طعامها أو ثمرها في بعض السنة، فلا يصلح من السلف في ثمرها إلا ما يجوز في حائط بعينه وقد ذكرناه.(3/11)
وأجاز ابن عباس السلم في الطعام، وتلا هذه الآية: ×يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ% (البقرة: 282) (1) ، [قال مالك:] وهذا يجمع ... الدين كله.
2355 - ولا يجوز السلم في زرع أرض بعينها قد بدا صلاحه وأفرك.
ولا يصلح السلم في الحنطة والحب كله إلا مضموناً، لا في زرع بعينه، بخلاف السلم في ثمر حائط بعينه، لأن ذلك غنما يشترط أخذه بسراً أو رطباً، ولا يجوز أن يشترطه ثمراً، وهذا الزرع إنما يشترط أخذه حباً فلا يصلح.
ومن أسلف في حائط [بعينه] بعد ما أرطب، أو في زرع بعدما أفرك
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14064) .(3/12)
واشترط أخذه حنطة أو تمراً، فأخذ ذلك وفات البيع لم يفسخ، لأنه ليس من الحرام البين الذي أفسخه إذا فات، ولكن أكره أن يعمل به.
2356 - ولا بأس بالسلم في الحنطة الجديدة قبل الحصاد، وفي التمر الجديد قبل الجذاذ، ما لم يكن زرعاً بعينه، أو حائطاً بعينه.
قال ابن وهب عن مالك: لا يباع الحب حتى ييبس وينقطع عنه شرب الماء، حتى لا ينفعه الشرب، وفي الحديث: "حتى يشتد في أكمامه" (1) ، وفي حديث آخر: "حتى يبيض" (2) .
_________
(1) رواه عبد الرزاق في المصنف (14319) .
(2) رواه مسلم (3842) ، وأبو داود (3368) ، والترمذي (1227) .(3/13)
والسلم في حديد معدن بعينه على وزن معلوم كالسلم في طعام قرية بعينها في أمنه وقلة أمنه، [إن كان المعدن مأموناً لا ينقطع حديده من أيدي الناس في تلك المواضع، فالسلم فيه جائز إذا وصفه، وإلا فلا] .
2357 - وكل ما لا ينقطع من أيدي الناس فاسلم فيه في أي إبان شئت، واشترط أخذه في أي إبان شئت، فأما ما ينقطع من أيدي الناس في بعض السنة من الثمار الرطبة وغيرها إذا أسلم فيها في حائط بغير عينه، فلا بأس أن يسلم فيه في إبانه أو في غير إبانه، ولكن [لا] يشترط الأخذ إلا في إبانه، فإن شرط أخذه في غير إبانه لم يجز، أسلم [فيه] في إبانه أو قبل إبانه، وإن اشترط أخذه في إبانه ثم انقطع إبانه قبل أن يقبض ما أسلم فيه، قال مالك: يتأخر الذي له السلم إلى إبانه من السنة المقبلة، ثم رجع فقال: لا بأس أن يأخذ بقية رأس ماله، قال ابن القاسم:(3/14)
من طلب التأخير منهما فله ذلك، إلا أن يجتمعا على المحاسبة فلا بأس به.(3/15)
ولا بأس بالسلف في القصب الحلو والموز والأترج وشبه ذلك إذا اشترط منه شيئاً معروفاً، فإن كان مما ينقطع أو مما لا ينقطع فسبيل السلف [فيه] كما ذكرنا فيما ينقطع وفيما لا ينقطع.
ولا بأس بالسلف في الرمان عدداً إذا وصف مقدار الرمانة. وكذلك في التفاح والسفرجل إذا كان يحاط بمعرفته، وجائز في ذلك كيلاً إذا كان ذلك أمراً معروفاً، ويجوز السلم في الجوز على العدد والصفة أو على الكيل إذا عرف فيه، ويجوز مع الجوز جزافاً، ولا يسلم في البيض إلا عدداً على الصفة.
2358 - ومن أسلم في تمر ولم يذكر برنياً من صيحاني، ولا جنساً من التمر بعينه،(3/16)
أو ذكر الجنس ولم يصفه بجودة أو رداءة، فالسلم فاسد، حتى يذكر الجنس ويصف، فإن نزل ثم اتفقا على أخذ الأرفع لم يجز لفساد العقد. وكذلك إن أسلم في زبيب ولم يذكر لا جيداً ولا رديئاً، فإن كان الزبيب تختلف صفته فالسلم فاسد ويفسخ البيع. (1)
2359 - ومن أسلم بمصر في حنطة ولم يذكر جنساً قضي بمحمولة، وإن كان بالشام قضي بسمراء، ولا بد في ذلك من الصفة، فإن لم يصف فالسلم فاسد [ويفسخ البيع] ، وإن أسلم في الحجاز حيث تجتمع السمراء والمحمولة، ولم يسم جنساً فالسلم فاسد حتى يسمي سمراء من محمولة ويصف جودتها فيجوز.
2360 - ومن أسلم مائة درهم في أرادب معلومة من حنطة وأرادب من شعير وإردب من سمسم، ولم يذكر ما لكل صنف من الثمن، أو أسلم ما ذكرنا في جميع صنوف الأمتعة والطعام والشراب والقطاني والرقيق والحيوان، أو في جميع
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/532) ، والشرح الكبير (3/180) ، والمدونة (9/12) .(3/17)
[صنوف] الأشياء، ولم يسم رأس مال كل صنف على حدة، فذلك جائز إذا وصف كل ما أسلم فيه ونعته، وسمى كيل ما ينبغي كيله منه أو وزنه، ولا يبالي كان أجل ما أسلم فيه متفقاً أو مختلفاً فجائز، لأنها صفقة واحدة. وكذلك إن أسلم عروضاً في عروض تخالفها أو في طعام على ما ذكرنا.
2361 - ولا بأس بالسلم في القصيل والبقول إذا اشترط جُرزاً، أو حُزماً، أو أحمالاً معروفة، ويسلمه في ذلك في إبانه أو قبل إبانه، ولا يشترط الأخذ إلا في إبانه، وكذلك القصب الأخضر والقَرَظ [الأخضر] غلا أن يكون القصب الأخضر لا ينقطع في البلد الذي أسلم فيه، فيجوز اشتراط أخذه أي إبان شاء. ولا يجوز في شيء من ذلك اشتراط فدادين معروفة بصفة طول أو عرض، وجودة ورداءة، لأنه مختلف ولا يحاط بصفته، ولا يكون السلف في هذه إلا على الأحمال والحزم.(3/18)
2362 - ولا بأس بالسلم في الرؤوس إذا اشترط صنفاً معلوماً صغاراً أو كباراً أو قدراً موصوفاً، وكذلك الأكارع، ولا بأس بالسلم في الشحم واللحم إذا اشترط لحماً وشحماً معروفاً، ويذكر الجنس من ضأن أو معز ونحوه، وإلا لم يجز. ويشترط إذا أسلم في اللحم وزناً معروفاً، وغن اشترط تحرياً معروفاً جاز إذا كان لذلك قدر قد عرفوه، لجواز بيع اللحم بعضه ببعض تحرياً، والخبز بالخبز تحرياً.
2363 - والسلم في الحيتان الطرية جائز إذا سمى جنساً من الحوت، وشرط ضرباً معلوماً(3/19)
صفته وطوله وناحيته، إذا أسلف في ذلك قدراً أو وزناً، وما كان ينقطع من طري الحوت فليسلف فيه في إبانه وقبل إبانه، ويشترط الأخذ في إبانه كالثمار الرطبة التي تنقطع، وإذا حل الأجل جاز أن يأخذ من الحوت غير الجنس الذي أسلم فيه.
2364 - ولا بأس بالسلم في الطير وفي لحومها بصفة معلومة وجنس معلوم.
ومن أسلم في لحم دجاج فحلّ الأجل فلا باس أن يأخذ لحم الطير كله، إذا أخذ مثله، وكذلك من أسلف في لحم ذوات الأربع فجائز أن يأخذ بعد الأجل لحم بعضها أو شحمه قضاء من بعض. ومن أسلم في دجاج أو إوز فأخذ مكانها بعد الأجل طيراً من طير الماء لم يجز، وأجازه أشهب، ويجوز أن يأخذ مكان الدجاج بعد الأجل أو قبله إوزاً أو حماماً وشبه ذلك من الداجن المربوب عند الناس، ويجوز بيع دجاجة بدجاجتين يداً بيد.
2365 - قال يحيى بن سعيد: وإذا أسلمت في رائطة فأعطاك بها قميصاً أو قميصين أو قطيفة أو قطيفتين، فلا باس بذلك، وجد تلك الرائطة أم لا، لأنك لو أسلمت الرائطة نفسها فيما أخذت منه جاز.(3/20)
2366 - قال ربيعة: ومن اسلف صياداً ديناراً على صنف من الطير، كل يوم كذا وكذا طيراً، فأتاه فلم يجد عنده من ذلك الصنف شيئاً فأخذ منه عشرة عصافير بطير واحد مما اشترط عليه جاز.
2367 - ولا بأس بالسلم في المسك والعنبر وجميع العطور إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً، وفي اللؤلؤ والجوهر وصنوف الفصوص والحجارة كلها، إذا اشترط من ذلك صنفاً معروفاً وصفة معلومة، وفي آنية الزجاج إذا كان بصفة معلومة، وفي الطوب والجص والنورة والزرنيخ والحجارة وشبه ذلك إذا كان موصوفاً معروفاً مضموناً، وفي الحطب إذا اشترط قناطير أو وزناً أو قدراً معلوماً أو صفة معلومة أو أحمالاً معلومة، وفي الجذوع وخشب البيوت وشبه ذلك من صنوف العيدان والخشب، وفي جلود الغنم والبقر وفي الرقوق والأدم والقراطيس إذا اشترط من ذلك شيئاً معلوماً.
2368 - ومن أسلف في أصواف غنم وشرط جُزز فحول كباش أو نعاج وسط، لم يجز أن يشترط ذلك، ولا يجوز أن يسلم في أصوافها إلا وزناً، ولا يجوز عدة جزز إلا أن يشترط ذلك عند إبان جزازها ولا تأخير لذلك ويرى الغنم فلا بأس به.(3/21)
2369 - ومن استصنع طستاً أو توراً أو قلنسوة أو خفاً أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة معلومة، فإن كان مضموناً إلى مثل أجل السلم، ولم يشترط عمل رجل بعينه، ولا شيئاً بعينه يعمله منه جاز ذلك إن قدم رأس المال مكانه، أو إلى يوم أو إلى يومين، فإن ضرب لرأس المال أجلاً بعيداً لم يجز، وصار ديناً بدين، وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه، أو ظواهر معينة، أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن نقد، لأنه غرر لا يدري أيسلم ذلك إلى الأجل أم لا، ولا يكون السلف في شيء بعينه.
2370 - ولا يسلم في تراب المعادن عيناً ولا عرضاً، لأن صفته لا تعرف، ولو عرفت صفته ما جاز السلم العين فيه، لأنه يدخله الذهب بالذهب، والفضة بالفضة إلى أجل، وجائز أن يشتري يداً بيد، لأنها حجارة معروفة تثرى، ولا يجوز السلم في تراب الصوّاغين، ولا يشتري يداً بيد، لأنه رماد لا يدري ما فيه.
2371 - ويجوز السلم في نصول السيوف والسكاكين وفي العروض كلها إذا كانت موصوفة. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/20) ، والتاج والإكليل (4/437) .(3/22)
2372 - ويجوز سلم الفلوس في طعام أو طعام في فلوس، ولا يصح أن تُسلم الدراهم والدنانير في فلوس، ولا تباع الفلوس بدراهم ولا بدنانير إلى أجل، لأن الفلوس عين وهذا صرف، ولا خير في بيع فلوس من نحاس بنحاس يداً بيد، لأنه من المزاينة، ولا خير في سلك فلوس من نحاس، أو من صفر في نحاس إلى أجل، لأن الصفر والنحاس [من] نوع واحد، وكذلك الرصاص والآنك صنف واحد.
ويجوز سلم فلوس من نحاس في حديد إلى أجل.
2373 - ومن أسلم حديداً يخرج منه سيوف في سيوف، أو سيوفاً في حديد لا يخرج منه سيوف لم يصلح، لأنه نوع واحد، ولو أجزت السيوف في الحديد لأجزت حديد السيوف في الحديد الذي لا يخرج منه السيوف، ولأجزت الكتان الغليظ في الكتان الرقيق، ولأجزت الصوف بعضه ببعض إلى أجل وهو يختلف، ولا يجوز أن يسلم بعضه في بعض، ولا يسلم كتان في ثوب كتان، لأن الكتان يخرج منه الثياب، ولا بأس بثوب كتان في كتان، أو ثوب صوف في صوف، لأن الثوب المعجل(3/23)
لا يخرج منه كتان، ولا خير أن يسلف سيفاً في سيفين دونه لتقارب المنافع، إلا أن يبعد ما بينهما في الجوهر والقطع، كتباعده في الرقيق والثياب، فيجوز أن يُسلف سيف قاطع في سيفين ليسا مثله.
2374 - قال ربيعة: الصفر والحديد عرض [من العروض] بيع بعضه ببعض عاجلاً بينهما فضل حلال.
ولا يجوز بيع الصفر بالصفر بينه فضل إلى أجل، ولا بيع الحديد بالحديد بينه فضل إلى أجل، وبيع الصفر بالحديد بينه فضل عاجل وآجل لا باس به. والصفر عرض ما لم يُضرب فلوساً، فإذا ضرب جرى مع الذهب والورق مجراهما فيما يحل ويحرم.
والشب والكحل بمنزلة الحديد والرصاص والعروض، يسلف فيه ويباع كما تباع العروض، إلا أنه لا يباع صنف منه بعضه ببعض، بينه فضل عاجل بآجل، وأجاز يحيى بن سعيد بيع رطل نحاس برطلين مضروبين أو غير مضروبين يداً بيد وكرهه نظرة. وقال يحيى بن سعيد: لا باس بكتان بغزل كتان رطلاً برطلين يداً بيد، وأما عاجل بآجل فلا(3/24)
أحب أن أنهى عنه ولا آمر به، وأكره أن يعمل به أحد.
2375 - وثياب القطن لا يسلم بعضها في بعض، إلا أن تسلم الغلاظ منها مثل: الشقائق، وغلاظ الملاحف اليمانية في رقيق ثياب القطن مثل: المروي والهرمي [والقوهي] والعدني فلا بأس به. وكذلك رقيق الكتان كله صنف [مثل:] الفرقبي والشطوي والقصبي والتنيسي، لا بأس أن يسلم في غليظ ثياب الكتان مثل: الزيقة والمريسية والقيسي والفسطاطي، إلا ما كان من الفسطاطي الرقيق(3/25)
[مثل:] المعافري وشبهه، فإنه يضم رقيق ثياب الكتان.
2376 - ولا يجوز أن يسلم العدني في المروي ولا الشطوي في القصبي. ومن أسلم فسطاطية في مروية معجلة ومروية مؤجلة، أو أسلم ثوباً من غليظ الكتان مثل الزيقة وما أشبهه في ثوب قصبي مؤجل وفرقبي معجل فلا بأس به. ومن أسلم فسطاطية في فسطاطية معجلة ومروية مؤجلة جاز ذلك، ولو كانت المروية معجلة والفسطاطية مؤجلة لم يصلح ذلك، لأنه قرض [فسطاطية] وزيادة مروية. وإن أسلمت ثوباً فسطاطياً في ثوب فسطاطي إلى أجل فهو قرض، فإن ابتغيت به نفع الذي أقرضته جاز، وإن ابتغيت به نفع نفسك بطل السلم.
2377 - والقرض جائز في الثياب والرقيق والحيوان والخضر وجميع الأشياء كلها إلا في الجواري وحدهن.
2378 - قال ربيعة: ولا خير في رائطة من نسج الولائد في اثنتين منها،(3/26)
ولا سابرية في سابرتين، والحلال منه الرائطة السابرية بالرائطتين من نسج الولائد، عاجلاً وآجلاً لاختلافهما.
2379 - قال مالك: ولا بأس بالجمل بجمل مثله وزيادة دراهم، الجملين نقداً، والدراهم مؤجلة ومعجلة، وإن تأخر أحد الجملين لم يجز، عجلت الدراهم أو أجلت، وهذا ربا، لأن كل شيء أعطيته إلى أجل فُرّد إليك مثله وزيادة فهو ربا.
2380 - قال مالك: ومن أسلم حنطة في شعير وثوب موصوف، أو أسلم عدساً في ثوب إلى أجل وشعير معجل، لم يجز [ذلك] ، ولا يجوز منه حصة الثوب، لأن الطعام بالطعام لا تصلح الآجال فيه، فإذا بيع الطعام بالطعام فكل شيء يضم [مع] أحد الصنفين أو معهما في صفقة فلا يتأخر.
وكذلك السلعة في الصرف.(3/27)
2381 - ومن أسلم ثوباً في عشرة أرادب حنطة إلى شهر، وعشرة دراهم إلى شهر آخر، فلا بأس به مختلفة كانت آجالها أو مجتمعة.
2382 - قال ابن شهاب: ومن باع بيعاً بعضه حلال وبعضه حرام في صفقة واحدة فسخ البيع كله، وغن كان كل بيع على حدة جاز منه الحلال ورد الحرام.
2383 - ومن أسلم حنطة في فصيل أو قصب أو قرظ أو فيما يعلف الدواب، فإن كان يحصده ولا يؤخره حتى يصير حباً، فلا بأس بذلك. (1)
ومن سلف حنطة في حنطة مثلها، أو طعاماً في مثله إلى أجل فلا خير فيه، إلا أن يقرض رجلاً على وجه المعروف طعاماً في مثله من نوعه، لا أجود منه ولا أدنى إلى أجل، فذلك جائز [إلى أجله] ، وليس له أن يأخذه منه قبل الأجل، وإن أسلفه على وجه المبايعة لم يجز وإن كان النفع فيه للقابض، ألا ترى الحديث: "السير بالبر براً إلا هاء وهاء". (2)
وكذلك سلف البيض في البيض على ما ذكرنا.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/366) ، والمدونة الكبرى (9/26) .
(2) رواه البخاري (2027) ، ومالك في الموطأ (2/637) ، وأبو داود (3348) ، وانظر: التمهيد لابن عبد البر (6/282) ، والكافي له (1/302) .(3/28)
2384 - ومن أسلم سمراء في محمولة، أو محمولة في سمراء إلى أجل، أو صيحانياً في جعرور، أو جعروراً في صيحاني إلى أجل، أو أسلف حنطة في شعير، أو شعيراً في حنطة إلى أجل، أو اسلف حنطة في عسل، أو في بطيخ أو في قثاء أو في صيد أو في جراد أو في شيء مما يؤكل، أو سلّف بيضاً في قرص خبز، أو في التفاح أو في الفاكهة الخضراء، أو في البقول كلها، لم يجز شيء من ذلك، لأن أصل قول مالك: إن الطعام بالطعام إلى أجل لا يصلح، كان مما يؤكل أو يشرب، أو مما يكال أو يوزن أو يُعد، إلا أن يكون النوع في مثله قرضاً على [وجه] المعروف كما وصفنا.
2385 - ومن أسلم في سلعة بعينها وضرب لأخذها أجلاً بعيداً لم يجز، قدم النقد أم لا، لأنه غرر لا يدري أتبلغ السلعة إلى ذلك الأجل أم لا، ويدخله في النقد أنها إن كانت هلكت ردّ الثمن بعد النفع به باطلاً، وإن لم يقدم الثمن صار كأنه زاده في ثمنها على أن يضمنها له البائع إلى الأجل وذلك غرر [لا خير فيه] ، قال أشهب: فصار للضمان جزء من الثمن.(3/29)
2386 - ولا يصلح لرجل أن يضمن سلعة رجل إلى أجل بشيء يأخذه، لأنه قمار، إن سلمت السلعة أخذ الضامن مالاً باطلاً، وإن عطبت غرم قميتها فيما لم يجر له فيه منفعة، وإن اشترط قبض السلعة إلى يوم أو يومين جاز، لأن ذلك قريب، شرط ذلك البائع أو المبتاع، وكذلك إن كانا في سفر وكانت دابة تركب ذينك اليومين، أو اشترى طعاماً بعينه وشرط أن يكتاله إلى يومين أو ثلاثة فذلك جائز، وكذلك السلع كلها وهو فيها أبين.
2387 - قال مالك وعبد العزيز: ومن اشترى من الحيوان بعينه غائباً، فلا يجوز فيه النقد بشرط قبل أن يقبض، إلا أن تكون غيبة قريبة جداً.
2388 - قال مالك: وإن كانت سلعة بعينها، وكان موضعها قريباً اليوم واليومين، طعاماً كان ذلك أو غيره فلا بأس بالنقد فيه، فإن تباعد ذلك فلا خير في النقد فيه.
2389 - ومن اشترى من رجل مائة أردب حنطة جيدة حالة بعبد، وليس عند الرجل طعام، أو اشترى منه طعاماً أو حيواناً أو ثياباً مضمونة بغير عينها على أن يقبضها منه إلى يوم أو يومين لم يجز، ولا يجوز للرجل أن يبيع ما ليس عنده بعين ولا بعرض، إلا أن يكون على وجه السلف مضموناً عليه إلى أجل معلوم، تتغير في مثله الأسواق، ولم يحد مالك فيه حداً، وأرى الخمسة عشر يوماً، والعشرين في البلد الواحد، وأما(3/30)
إلى يومين أو ثلاثة فلا خير فيه، قبض النقد أم لا، لأن هذا ليس من [آجال] البيوع.
2390 - وإن أسلمت إلى رجل عرضاً [مما] يغاب عليه في حنطة إلى أجل فأحرقه رجل في يديك قبل أن يقبضه المسلم إليه، فإن كان تركه وديعة بيدك بعد أن دفعته إليه فهو منه، ويتبع الجاني بقيمته والسلم ثابت، وكذلك إن كنت لم تدفعه إليه حتى أحرقه رجل بيدك وقامت بذلك بينة، فإن لم تقم بذلك هاهنا بينة كان منك وانتقض السلم، وإن كان رأس المال حيواناً فقتلها رجل بيدك قبل ان يقبضها المسلم إليه، أو كانت دوراً أو أرضين فتعدى فيها رجل فهدم البناء أو حفر الأرض فأفسدها، فللمسلم إليه طلب الجاني والسلم ثابت.
2391 - وإذا أصاب المسلم إليه رأس المال نحاساً أو رصاصاً بعد شهر أو شهرين، فله(3/31)
البدل ولا ينتقض السلم إلا أن يعملا على ذلك ليجيز بينهما الكالئ بالكالئ فيفسخ ذلك. وليس هذا كتأخير النقد شهراً، إذ للمسلم إليه أن يرضى بما انتقد، وإن ردها عليك فقلت: سأبدلها لك بعد يوم أو يومين، جاز ذلك، لأن لك تأخير رأس مال السلم بشرط يومين ونحو ذلك لا أكثر. وإن قلت له: سأبدلها لك إلى شهر أو شهرين، لم يجز، إذ لا يجوز تأخير رأس المال بشرط إلى هذا، وإن قلت له حين ردها عليك: ما دفعت إليك إلا جياداً، فالقول قولك وتحلف ما أعطيته إلا جياداً في علمك، إلا أن يكون أخذها منك على أن يريها فالقول قوله مع يمينه وعليك بدلها.(3/32)
2392 - ومن له على رجل مال فقال له: أسلمه لي في طعام لم يجز حتى يقبضه ويبرآن من التهمة، ثم يدفعه إليه بعد ذلك إن شاء، لئلا يكون تأخيره سلفاً جر منفعة، أو يعطيه من عنده ويدخله الدين بالدين. وإن قال له: اشتر [لي] به سلعة نقداً فذلك مذكور في كتاب الوكالات.
2393 - قال ابن أبي سلمة: كل شيء لك على غريم كان نقداً فلم تقبضه، أو إلى أجل فحلّ الأجل أو لم يحل، فأخرته عنه وزاد عليك شيئاً قل أو كثر، فهو ربا، ولا تبعه منه بشيء ولو بوضيعة من سعر الناس وتؤخره عنه، فإن ذلك ربا، إلا أن ينقدك يداً بيد مثل الصرف.(3/33)
2394 - وإن بعت محمولة بثمن إلى أجل فأخذت بالثمن بعد الأجل سمراء أو شعيراً أو سلتاً مثل كيل المحمولة لم يجز، وإن كان يداً بيد، لأنه [صار] بيع طعام بخلافه إلى أجل والثمن لغو، وليس هذا بإقالة، وكذلك التمر العجوة أو الصيحاني أو البرني، والوان التمر والزبيب أحمره وأسوده بمنزلة ما وصفنا من الحنطة وألوانها، ولا يجوز لمن باع طعاماً أن يقبض في ثمنه شيئاً ن الطعام كان من صنفه أو من غير صنفه، إلا أن تأخذ منه بثمن طعامك بعد الأجل طعاماً مثل طعامك الذي بعت منه صفة وكيلاً إن محمولة فمحمولة، وإن سمراء فسمراء، ذلك جائز، وهي إقالة.
2395 - وإن أسلمت في محمولة أو سمراء أو شعير أو سلت، أو أقرضت ذلك فلا بأس أن تأخذ بعض هذه الأصناف قضاء من بعض - مثل المكيلة - إذا حلّ الأجل وهو بدل جائز، وكذلك أجناس التمر، ولا يجوز ذلك كله قبل محل الأجل في بيع أو قرض، وإن أسلمت في حنطة فلا تأخذ منها دقيق حنطة وإن حلّ الأجل، ولا بأس به من قرض بعد محله، وقاله أشهب.(3/34)
وإن أسلمت في لحم ذوات الأربع جاز أن تأخذ لحم بعضها أو شحمها قضاء من بعض، لأنه بدل وليس هو بيع طعام قبل قبضه، لأنه كله نوع واحد. ألا ترى أن التفاضل لا يجوز فيه، فكأنه أخذ ما أسلف فيه، وإنما يجوز بيع جميع ما ذكرناه من الحنطة والتمر واللحم بعد الأجل من الذي عليه السلم، ولا يجوز بيعه من غيره بنوعه، ولا بمثل كيله وصفته، ولا شيء من الأشياء حتى يقبضه.
والي اتقاه عبد العزيز في الذي باع ما أسلم فيه من العروض من الذي هو عليه بأقل من الثمن نقداً قد كتبته في الجزء الثالث وبالله التوفيق.
* * *
"تم كتاب السلم الأول"
* * *(3/35)
(كتاب السلم الثاني)
2396 - ومن أسلم [إلى رجل] في طعام سلماً فاسداً، فإنما له رأس ماله، ويجوز أن يأخذ به من البائع ما شاء من طعام أو غيره، سوى الصنف الذي أسلم فيه إذا لم يؤخره، ويجوز أن يؤخره برأس المال أو يأخذ نصفه ويحط ما بقي. (1)
2397 - ومن اشترى داراً على أن ينفق على البائع حياته لم يجز، فإن وقع وقبضها المبتاع واستغلها كانت الغلة [له] بضمانه، ويرد الدار إلى البائع، ويرجع عليه بقيمة ما أنفق عليه إلا أن تفوت الدار بهدم أو بناء فيغرم المبتاع قيمتها يوم قبضها، وكل ما اشتريت من الثياب والحيوان موصوفاً فلا يجوز لك أن تجعله مضموناً إلى غير أجل، كان رأس المال عيناً أو عرضاً.
2398 - ومن أسلم في طعام ولم يضرب لراس المال أجلاً فافترقا قبل أن يقبض البائع رأس المال فهو حرام، إلا أن يكن على النقد فلا بأس به إذا قبضه بعد يوم أو يومين ونحو ذلك. ومن أسلم عبداً في طعام بعينه إلى أجل بعيد لم يجز وبطل البيع، إلا أن يكون الأجل إلى يوم أو يومين فلا بأس به. وإن كان الطعام مضموناً
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/37) .(3/37)
فلا خير فيه، إلا أن يتباعد الأجل.
2399 - وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في طعام نقدته منها خمسين وأخرك بخمسين إلى أجل، أو كان لك عنده منها خمسون ونقدته خمسين، لم يجز وفسخ الجميع، ولا يجوز من ذلك حصة النقد، لأن الصفقة إذا بطل بعضها بطلت كلها، وإذا كان رأس مال السلم عرضاً أو طعاماً أو حيواناً بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر، أو إلى أجل، فإن كان ذلك بشرط فسد البيع، وإن لم يكن بشرط وكان ذلك هرباً من أحدهما فالبيع نافذ مع كراهية مالك لهما في ذلك التأخير البعيد بغير شرط، وإن قبضه بعد يوم أو يومين فلا بأس به.
2400 - ولا يجوز لمن ابتاع طعاماً بعينه، أو أسلم في طعام موصوف أن يشترط قبضه بقدح أو بقصعة، ويفسخ ذلك إن نزل، وأشهب يكرهه قبل نزوله ولا يفسخه إن نزل.
قال مالك: وإنما يجوز هذا بموضع ليس فيه مكيال معروف كالأعراب(3/38)
يشتري منهم العلف والتبن والخبط.
قال غيره: وإنما يجوز أن يشترط قبض ذلك بالمكيال الذي جعله الوالي للناس في الأسواق وهو الجاري فيهم، فأما بمكيال قد ترك ولا يعرف قدره من المكيال الجاري في الناس، فلا يجوز ويفسخ.
2401 - ولا بأس أن تسلم تبراً أو نقراً من فضة أو ذهب جزافاً لا يعلمان وزنهما في سلعة إلى أجل، لأن التبر بمنزلة السلعة، ولا يجوز أن تسلم فيها دراهم أو دنانير جزافاً، عرفا عددهما أم لا، إذا لم يعرفا وزنها، لأن الدراهم عين وثمن، فلا يجوز بيعها جزافاً، وذلك قمار ومخاطرة.
ويجوز بيع التبر المكسور والحلي من الذهب والفضة جزافاً، فإن كان ذهباً بيع بفضة وبجميع السلع، وإن كان فضة بيع بذهب وبجميع السلع.
2402 - ومن أسلم في حنطة دراهم يعرفان وزنها مع دنانير لا يعرفان وزنها لم يجز،(3/39)
لا حصة الدراهم ولا غير ذلك، ويفسخ ويرد البائع الثمن، وهو مصدق في وزن ما قبض مع يمينه إن اختلفا فيه، فإن نكل حلف المبتاع وأخذ ما ادعاه.
2403 - ومن أسلم في طعام على أن يقبضه بمصر، لم يجز حتى يسمي أي موضع من مصر [يقبضه فيه] ، لأن مصر ما بين البحر إلى أسوان، وإن قال: على أن أقبضه بالفسطاط، جاز، فإن تشاحّا في أي موضع يقضيه الطعام من الفسطاط فليوفه ذلك في سوق الطعام، وكذلك جميع السلع إذا كان لها سوق معروف فاختلفا فإنما يوفيه ذلك في سوقها، فإن لم يكن لها سوق فحيث ما أعطاه بالفسطاط لزم المشتري.
2404 - وإذا قبضت من رجل طعاماً من بيع أو سلم، وصدقته في كيله جاز، وليس لك رجوع بما تدعي من نقص إن كذبك، إلا أن تقيم بينة لم تفارقك من حين قبضته حتى وجدت فيه النقص، فإن كان الذي وجدت بمحضرهم في الطعام نقصاً أو زيادة كنقص الكيل أو زيادته فذلك لك أو عليك، وإن زاد على المتعارف رجع البائع بما زاد ورجعت عليه بما نقص طعاماً إن كان ذلك مضموناً، وإن كان بعينه فبحصة النقصان من الثمن، وإن لم تكن بينة حلف البائع لقد أوفاه جميع ما سمى له إن(3/40)
كان اكتاله هو، ولقد باعه على ما كان فيه من الكيل الذي يذكر، وإن بعث به إليه فليقل في يمينه لقد بعته على ما كتب به إلي، أو قيل لي فيه من الكيل ولا شيء عليه، وإن نكل حلفت أنت ورجعت عليه بما ذكرنا، فإن نكلت فلا شيء لك.
2405 - وإن أسلمت إلى رجل في مد من حنطة، فلما حل أجله قلت له: كله [لي] في غرائرك، أو في ناحية من بيتك أو في غرائر دفعتها إليه فقال بعد ذلك: قد كلته وضاع عندي. قال مالك: ما يعجبني هذا، قال ابن القاسم: وأنا أراه ضامناً للطعام إلا أن تقوم له بينة على كيله، أو تصدقه أنت في الكيل فتقبل قوله في الضياع، لأنه لما اكتاله صرت أنت قابضاً له. (1)
2406 - وإن أسلمت في طعام على أن تقبضه بالفسطاط لم يجز أن تقبضه بغيرها، وتأخذ كراء المسافة، لأن البلدان بمنزلة الآجال، فكأنك بعته قبل قبضه أو أسقطت عنه الضمان على مال تعجلته، فإن فعلت ذلك رددت الكراء، ومثل الطعام بموضع
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/487) ، والمدونة الكبرى (3/135) .(3/41)
قبضته إن فات وابتعته بطعامك بالفسطاط، وإن أسلمت إليه في طعام عل أن يوفيكه بالفسطاط وعلى أن عليه حمله إلى القُلزم فجائز.
2407 - وإن كان لك على رجل طعام من سلم فأتاك به قبل الأجل، لم تجبر على أخذه، ولو كان من قرض جبرت على أخذه.
2408 - ومن أسلم إلى رجل في طعام فاختلفا عند الأجل في كثرة عدد أو وزن، واتفقا في الجنس والاسم، أنه طعام كذا أو حيوان كذا، أو عرض من جنس كذا، فالقول قول البائع مع يمينه إذا ادعى ما يشبه، وإن ادعى ما لا يشبه فالقول قول المشتري فيما يشبه، فإن اختلفا في النوع فقال هذا: أسلفتك في حنطة، وقال هذا: في شعير، أو قال هذا: في فرس، وقال هذا: في حمار، تحالفا وتفاسخا، وإن بعد محل الأجل، ورُدّ إلى المبتاع رأس ماله.
2409 - ومن باع حائطه وقال: شرطت نخلات أختارها بغير عينها، وقال المبتاع:(3/42)
بل شرطت هذه النخلات بعينها، تحالفا وتفاسخا، وليس اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، كاختلافهما في الأنواع، وإنما اختلافهما في الكيل إذا تصادقا في النوع المسلم فيه، بمنزلة من باع جارية ففاتت عند المبتاع، فقال البائع: بعتها بمائة دينار، وقال المبتاع: بل بخمسين ديناراً، فإن المبتاع مصدق مع يمينه إذا أتى بما يشبه أن يكون ثمناً للجارية يوم ابتاعها، فإن تبين كذبه حلف البائع إن ادعى ما يشبه، فإن أتى بما يشبه كان على المبتاع قيمتها يوم اشتراها. (1)
واختلافهما في السلم في الجنس كقول بائع الجارية: بعتها بحنطة، وقال المبتاع: بشعير، فإنهما يتحالفان ويترادان إن لم تفت، فإن فاتت عند المبتاع أدى قيمتها، لأنه لو باعها أو أعورت أو نقصت ضمنها، وله نماؤها وعليه نقصانها يوم قبضها، لأنه كان ضامناً لها [يوم قبضها] ، وإن كان رأس مال السلم عرضاً فاختلفا في كثرة كيل الطعام وقلته واتفقا في جنسه وكان اختلافهما بقرب مبايعتهما أو عند حلول الأجل، فإن لم يحل سوق الثوب ولا تغير تحالفا وتفاسخا، وإن تغير أو حال سوقه فالقول قول الذي عليه السلم، لأنه لما تغير صار عليه ديناً.
_________
(1) انظر: حاشية الدسوقي (3/194) .(3/43)
2410 - ومن ابتاع سلعة فغاب عليها قبل أن ينقد ثمنها ثم اختلفا في كثرة ثمنها وقلته، فإن فاتت بيد المبتاع ببيع أو حوالة سوق، صدق المبتاع إذا أتى بما يشبه، وإن لم تفت بما ذكرنا صدق البائع بعد أن يتحالفا ويتفاسخا، غلا أن يرضى المبتاع قبل أن يحكم بينهما أن يأخذها بما قال البائع فذلك له ما لم يفسخ بحكم، وإذا اختلفا في دفع الثمن في الربع والحيوان والرقيق والعروض، وقد قبضه المبتاع وبان به، فالبائع مصدق في يمينه إلا أن تقوم بينة، إلا في مثل ما يباع على النقد كالصرف، وما بيع في الأسواق من اللحم والفواكه والخضر والحنطة والزيت ونحوه، وقد انقلب به المبتاع، فالقول قوله أنه دفع الثمن مع يمينه.
2411 - ومن أسلم في سلعة إلى أجل فادعى حلوله، وقال البائع: لم يحل، فالقول قول البائع فيما يشبه، فإن لم يأت بما يشبه صُدق المبتاع فيما يشبه، وقاله مالك فيمن ابتاع سلعة وفاتت عنده وادعى أن الثمن إلى أجل كذا وكذا، وقال البائع إلى أجل دونه، فالقول قول المبتاع، إلا أن يأتي بما لا يشبه، فيصدق البائع. وإذا ادعى أحدهما [في] السلم أنه لم يضربا له أجلاً وأن رأس المال تأخر شهراً بشرط، وأكذبه الآخر، فالقول قول مدعي(3/44)
الحلال منهما مع يمينه، إلا أن يقيم بذلك بينة، وإن تناقضا في السلم فاختلفا في مبلغ رأس المال فالقول قول الذي عليه السلم. (1)
ومن قال لرجل: أسلمت إليك هذا الثوب في مائة إردب حنطة، وقال الآخر: بل [أسلمت إلي] هذين الثوبين غير الثوب الأول في مائة إردب حنطة، وأقاما جميعاً البينة على ذلك، لزمه أخذ الثلاثة الأثواب في مائتي إردب، لأنهما صفقتان. ولو قال المسلم إليه: أسلمت إلي الثوب الذي ذكرت مع هذا العبد فيما سميت، وأقاما البينة فهذا سلم واحد، إلا أني أقضي بالبينة الزائدة فيأخذ الثوب والعبد، وتلزمه المائة إردب كشاهد له على خمسين وآخر على مائة، فإن شاء أخذ خمسين بغير يمين، وإن شاء حلف وأخذ مائة. ولو قال: أسلمت إلي الثوب مع العبد في مائة إردب شعير، وكذلك قالت بينته قضى [بأعدل] البينتين، فإن تكافأتا كانا كمن لا بينة لهما، فيتحالفان ويتفاسخان لاختلافهما في الجنس.
وإن ادعى الذي له السلم أنه شرط الوفاء بالفسطاط، وقال الآخر بالإسكندرية، فالقول قول من ادعى موضع التبايع مع يمينه، فغن لم يدعياه فالقول قول البائع، لأن المواضع كالآجال، فإن تباعدت المواضع حتى لا يشبه قول واحد منهما تحالفا وترادا.
_________
(1) انظر: شرح الزرقاني (3/392) ، والتاج والإكليل (4/511) ، والمدونة الكبرى (9/53) ، وحاشية العدوي (2/545) .(3/45)
2412 - وإن أخذت لرجل سلماً بأمره لزمه، فإن شرط عليك المبتاع أنه [إن] لم يرض الرجل فالسلم عليك جاز ذلك، وكذلك إن ابتعت له سلعة بأمره من رجل يعرفه واشترط عليك البائع أن الرجل إن أقر له بالثمن، وإلا فهو عليك نقداً أو إلى أجل فلا بأس به.
ومن أمر رجلاً يشتري له جارية أو ثوباً، ولم يصف له ذلك، فإن اشترى له ما يصلح أن يكون من ثياب الآمر أو خدمه جاز ولزم الآمر، وإن ابتاع له ما لا يشبه أن يكون من ثيابه ولا من خدمه، فذلك لازم للمأمور ولا يلزم الآمر إلا أن يشاء.
2413 - ومن أبضع مع رجل أربعين ديناراً في شراء جارية ووصفها له، فاشتراها بأقل من الثمن أو بزيادة [دينار] أو دينارين أو ما يشبه أن يزاد على مثل الثمن، لزمت الآمر إن كانت على الصفة، وكانت مصيبتها منه إن ماتت قبل أن يقبضها، ويغرم الزيادة للمأمور في الوجهين، لأنها جاريته ولا خيار له فيها، وإن كانت زيادة كثيرة لا يزاد مثلها على الثمن خُيّر الآمر في دفع الزيادة وأخذ الجارية، فإن أبى لزمت المأمور وغرم للآمر ما أبضع معه.
وإن هلكت قبل اختيار الآمر فمصيبتها من المأمور ويغرم للآمر ماله.(3/46)
2414 - وإن دفعت إلى رجل مالاً وأمرته أن يسلمه لك في طعام، فأسلمه إلى نفسه وإلى زوجته أو أحد أبويه أو جده أو جدته، أو ولده أو ولد ولده، أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده أو عبده المأذون له، أو عبد ولده الصغار أو عبد أحد ممن ذكرنا، أو إلى شريك له مفاوض أو شريك عنان أو إلى ذمي، فذلك جائز إن صح من غير محاباة، ما خلا نفسه أو شريكه المفاوض، إذ كأنه أسلمه إلى نفسه، أو ن يلي عليه من ولد أو يتيم أو سفيه وشبهه، [وإن وكلت وكيلاً أن يسلم لك في طعام فأسلمه إلى ذمي جاز] .
2415 - ولا يجوز لمسلم أن يستأجر نصرانياً إلا للخدمة، فأما لبيع أو شراء أو تقاض أو ليبضع معه، فلا يجوز، وكذلك عبده النصراني.
2416 - ولا يمنع المسلم عبده النصراني من شرب الخمر أو أكل الخنزير أو بيعهما أو شرائهما أو يأتي الكنيسة، لأن ذلك من دينهم.(3/47)
2417 - ولا يشارك المسلم ذمياً إلا على أن لا يغيب على بيع ولا شراء إلا بحضرة المسلم، ولا بأس أن يساقيه إذا كان الذمي لا يعصر حصته خمراً. ولا أحب لمسلم أن يدفع مالاً قراضاً لذمي ولا يأخذ منه قراضاً.
ومن وكل عبداً مأذوناً له في التجارة، أو محجوراً عليه يسلم له في طعام ففعل فذلك جائز، والوكيل على المسلم إذا وكل غيره لم يجز.
2418 - وإن وكلت رجلاً على بيع طعام أو عرض، فباعه بغير العين من عرض أو غيره وانتقد فأحب إليّ أن يضمن المأمور حين باع بغير العين، إلا أن يجيز الآمر فعله، ويأخذ ما باع به.
ولو أمرته بشراء سلعة فاشتراها بغير العين، فلك ترك ما اشترى أو الرضا به، وتدفع إليه مثل ما أدى.(3/48)
2419 - ولو اشترى لك أو باع بفلوس فهي كالعروض، إلا أن تكون سلعة خفيفة الثمن، إنما تباع بالفلوس وما أشبه ذلك، والفلوس فيها بمنزلة العين. وإن دفعت إليه دراهم يسلمها لك في ثوب هروي، فأسلمها في بساط شعر، أو يشتري لك بها ثوباً فأسلمها في طعام [أو عروض] ، أو في غير ما أمرته به، أو زاد في الثمن ما لا يزاد على مثله، فليس لك أن تجيز فعله، وتطالب ما أسلم من [عرض] أو طعام، وتدفع إليه ما زاد، لأن الدراهم لما تعدى عليها المأمور وجبت عليه ديناً، ففسختها فيما لا يتعجله، وذلك دين بدين، ويدخل في أخذك الطعام الذي أسلم فيه أيضاً مع ما ذكرنا بيعه قبل قبضه، لا شك فيه، لأن الطعام قد وجب للمأمور بالتعدي، فليس له بيعه حتى يقبضه، وسلم المأمور لازم له، وليس له [ولا لك] فسخه، ولا شيء لك أنت أيضاً على البائع، وإنما [لك] على المأمور ما دفعت إليه من الثمن، ولو لم تدفع إليه ثمناً وأمرته أن يسلم لك من عنده في قمح أو في جارية أو ثوب ولم تصفهم له، فأسلم في غير ما أمرته به من طعام أو عرض، أو فيما لا يُشترى لمثلك من جارية أو ثوب، فلك أن تتركه ولا يلزمك من الثمن شيء أو ترضى به وتدفع إليه الثمن، لأنه لم يجب لك عليه دين ففسخته، وكأنه ولاك، ولا يجوزها هنا أن يؤخرك بالثمن، وإن تراضيتما بذلك، لأنه لم يلزمك ما أسلم فيه إلا برضاك، فكأنه بيع مؤتنف بدين له وتولية، فتأخُّر الثمن فيه دين بدين.(3/49)
وإن أمرته ببيع سلعة فأسلمها في عرض مؤجل، أو باعها بدنانير مؤجلة لم يجز بيعه، فإن أدرك البيع فسخ، وإن لم يدرك بيع العرض بعين نقداً وبيعت الدنانير بعرض نقداً، ثم بيع العرض بعين نقداً، فإن كان ذلك مثل القيمة أو التسمية إن سميت فأكثر كان ذلك لك، وما نقص من ذلك ضمنه المأمور، ولو أسلمها في طعام أغرمته الآن التسمية أو القيمة إن لم تسم، ثم استوني [بالطعام فإذا حل أجله استوفي ثم بيع فكانت الزيادة لك والنقص عليه، وإن أمرته ببيعها إلى] أجل فباعها بنقد فعليه الأكثر مما باعها به، أو القيمة [لما تعدى، قال ابن القاسم:] وسواء سميت له ثمناً أو لم تسم.
2420 -[قال مالك] : وإذا باع الوكيل السلعة بعشرة، وقال: بذلك أمرني ربها، أو فوّض فيها إليّ، وقال الآمر: بل أمرتك باثني عشر، فإن لم تفت حلف الآمر إن شاء وأخذها، وإن فاتت حلف المأمور وبرئ.
وإن دفعت إليه دنانير يسلمها لك في طعام فلم يسلمها حتى صرفها بدراهم، فإن كان هو الشأن في تلك السلعة، لأنه يسلك ثلث دينار دراهم ونصفاً ونحوه، أو كان ذلك نظراً، لأن الدراهم فيما يسلم فيه أفضل، فذلك جائز، وإلا كان متعدياً وضمن الدنانير ولزمه الطعام، ثم لا يجوز أن يتراضيا على أن يكون الطعام لك، لأنه دين بدين وبيع له قبل قبضه، إلا أن يكون قد قبضه الوكيل فأنت مخير في أخذه، أو أخذ دنانيرك منه. (1)
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (5/196) .(3/50)
2421 - ولك قبض ما أسلم لك فيه وكيلك بغير حضرته ويبرأ دافعه إليك إن كانت لك بينة أنه أسلمه، وإن لم يكن دفع ذلك ببينة فالمأمور أولى بقبضه منك.
2422 - وإن أسلمت إلى رجل في عرض وأخذت منه رهناً فهلك بيدك قبل [محل] الأجل وهو مما لا يغاب عليه، فضمانه من الراهن، وإن كان مما يغاب عليه فضمانه منك، والسلم إلى أجله في الوجهين، فإن أرادت أن تقاص الراهن من سلمك بالذي صار له عليك من قيمة الرهن جاز ذلك، ما لم يكن الرهن دنانير أو دراهم، فإن كان كذلك فلا خير فيه [إن كان رأس مال السلم ذهباً أو ورقاً] ، [وإن كان رأس مال السلم غير الذهب والورق جازت المقاصة] .
وإن كان سلمك في طعام لم يصلح أن تقاصه على حال وإن حلّ الأجل، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وليس هذا بإقالة ولا شركة ولا تولية.(3/51)
وإن كان سلمك في طعام فأخذت به رهناً طعاماً من صنفه أو من غير صنفه أو دنانير أو دراهم، فإنما يجوز ذلك إذا قبضته مطبوعاً عليه، خوفاً أن تنتفع به وترد مثله فيصير بيعاً وسلفاً، أو تضعا ذلك على يدي عدل.
وما أخذت به رهناً في طعام أسلمت فيه [أو غيره] وذلك الرهن حيوان، أو دور، أو أرضون، أو تمر في رؤوس النخل، أو زرع [لم يحصد، أو ثمر أو زرع] لم يبد صلاحهما، فلا بأس بذلك، ولا تضمن ما هلك من ذلك أو ما أصابته جائحة من ثمر أو زرع، لأنه مما لا يغاب عليه، وهلاكه ظاهر، وسواء هلك قبل قبضك أو بعده، وما أخذته رهناً مما يغاب عليه من عرض أو عين فهلك بيدك ضمنته، ولا تضمن ما قامت بينة بهلاكه مما يغاب عليه، ولا ما كان بيد أمين والسلم بحاله.
2423 - ولا بأس برهن أو كفيل أو بهما معاً في السلم، فإن مات المسلم إليه قبل الأجل حلّ الأجل بموته، وأنت أحق بالرهن من غرمائه حتى تقبض حقك، ولا يحل الأجل بموتك، ويكون ورثتك مكانك.
2424 - وإن أسلمت مائة دينار في عروض موصوفة إلى أجل، وأخذت بها كفيلاً فصالحك الكفيل منها قبل الأجل على طعام أو عرض يخالفها أو عين نقداً شراء(3/52)
لنفسه، جاز ذلك إن كان الغريم حاضراً حتى لا يكون للكفيل عليه إلا ما عليه، وإن صالحك عن الغريم بأمر يكون الغريم عليه فيه بالخيار، إن شاء أجاز صلحه أو أعطاه ماله عليه، فلا خير فيه. وإن صالحك الكفيل لنفسه قبل محل الأجل على ثياب في صفتها وعددها جاز، وإن كانت أقل أو أكثر أو أجود رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، ويدخله في الأدنى الزيادة في السلف، وفي الأرفع زيادة على ضمان الأدنى، وكذلك إن قضى عن الغريم، ويدخل في الأرفع: حُط عني الضمان وأزيدك، وفي الأدنى: ضع وتعجل.
فإن كان دينك مائة دينار [من قرض] فصالحك الكفيل منها قبل الأجل أو بعده بشيء يرجع إلى القيمة جاز ذلك، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من الدين أو قيمة ما صالح به.
2425 - وإن صالحك الكفيل بطعام أو بما يُقضى له بمثله لم يجز، لأن الغريم عليه بالخيار، إن شاء أعطاه مثله أو الدين.
ومن تكفل لك بطعام من سلم لم يجز للكفيل أن يصالحك لنفسه قبل الأجل، إلا بمثل رأس مالك، فتكون تولية [له] كأجنبي، أو على أن ذلك إقالة للذي عليه السلم برضاه، فيكون الكفيل [كأنه] أسلفه الثمن كما يجوز لأجنبي أن(3/53)
يعطيك ذهبك على أن يقبل البائع برضاه ويتبعه بما أدى.
2426 - ولا تجوز الإقالة لكفيل أو لأجنبي بغير إذن الذي عليه السلك إذ له الخيار، ولا نقد فيما فيه الخيار، فكأنه أسلف البائع الثمن على أن يرضى بذلك ويرد مثله، أو يغرم له طعاماً فقبحت الإقالة، ويصير إن رضي بها بيع طعام قبل قبضه. ولا بأس أن تأخذ من الكفيل قبل الأجل أو بعده مثل طعامك، ولا يجوز أن تأخذ ذلك من أجنبي وتحيله على غريمك، حلّ أجلك أم لا، لأن ذلك منه بيع ومن الكفيل قضاء.
2427 - ولو استقرض الذي عليه السلم مثل طعامك من أجنبي أو سأله أن يوفيكه فأحالك به ولم تسأل أنت الأجنبي ذلك، جاز [ذلك] قبل الأجل أو بعده.
ولا يجوز لك أن تستقرض من أجنبي مثل طعامك وتحيله به على الذي عليه السلم، أو يوفيكه على ذلك حل الأجل أو لم يحل. ولا تأخذ من الغريم قبل الأجل إلا مثل طعامك في كيله وصفته أو رأس مالك لا أفضل. ولا تأخذ منه ولا من الكفيل قبل الأجل سمراء من محمولة، ولا محمولة من سمراء، أو سلتاً أو شعيراً من قمح، فيدخله بيع طعام قبل قبضه مع ضع وتعجل في تعجيل الأدنى، وذلك جائز من الغريم إذا حل الأجل، لأنه بدل، ولا يجوز من الكفيل وإن حلّ [الأجل] ، لأنه بيع، إذ لا يرجع بما أدى الكفيل. وإذا أدى الكفيل ما تكفل به من الطعام قبل أجله لم يرجع به على الغريم حتى يحل الأجل.(3/54)
وليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد الأجل ليوصله إلى ربه وله طلبه حتى يوصله [هو] إلى ربه، ويبرأ من حمالته. وإذا حلّ الأجل والغريم حاضر فليس على الكفيل أن يقضيك ولا أن يطالبه لك.
2428 - وإن كان الغريم غائباً أو عديماً أو عليه دين كثير فخفت المحاصة في قيامك، أو أن يأتي غرماء آخرون فحينئذ لك أخذ الكفيل. وإذا قبض الكفيل من الغريم الطعام بعد الأجل ليؤديه إليك فتلف عنده، فإن أخذه على الاقتضاء ضمنه، قامت بهلاكه بينة أو لم تقم، كان مما يغاب عليه أم لا، قضاه ذلك الغريم متبرعاً أو باقتضاء من الكفيل بقضاء سلطان أو غيره. وأما إن قبضه الكفيل بمعنى الرسالة لم يضمن، ولو باعه الكفيل لم يكن لك أن تجيز بيعه، لأنك لم توكله على قبضه، ويدخله بيع الطعام قبل قبضه، ولك أن تأخذ بطعامك الغريم أو الكفيل [إذا قبضه على غير الاقتضاء، ولا ضمان عليه] .
فإن أخذت به الغريم فللغريم أن يأخذ الثمن من الكفيل إن كان دفع إليه الطعام على الرسالة، إن أحب أخذه بمثل طعامه. وإن أخذت الكفيل بالطعام فليس للغريم أخذ الثمن منه، ويدفع إليه مثل الطعام إن كان قبضه بمعنى الاقتضاء، لأنه ضمنه فيساغ له بالثمن.(3/55)
2429 - ومن أسلم دراهم في طعام وأخذ برأس المال كفيلاً لم يجز البيع. ومن تكفل لك بمائة درهم لم يجز صلحك للكفيل أو الغريم على عشرة دراهم من المائة قبل الأجل، لأنك وضعت على أن تعجلت، وجائز ذلك منهما بعد الأجل ويرجع الكفيل بما أدى. وكذلك لو تطوع أجنبي فدفع إليك عشرة دراهم بغير أمر الغريم على إن هضمت عن الغريم ما بقي جاز، ويرجع الأجنبي على الغريم بما أدى. وإذا دفع الكفيل العشرة ثمناً للمائة لنفسه لم يجز، وليرجع فيأخذ عشرته، وليس لك حبسها من المائة إلا في عُدْم الغريم أو غيبته، وإن صالحك الكفيل عن الغريم على خمسة دنانير نقداً لم يجز، لأن الغريم مخير إن شاء دفع الخمسة دنانير أو المائة دراهم، ويدخله تأخير الصرف، وكذلك إن اشتراها الكفيل بذلك لنفسه لم يحل، ولا بأس بصلحه عن الغريم منها على عرض أو حيوان، ويرجع الكفيل على الغريم بالأقل من المائة أو من قيمة ما أعطى بالدراهم، وإن ابتاعها الكفيل لنفسه بهذا العرض جاز ويرجع على الغريم بالمائة كلها. (1)
2430 - وإن أسلمت إلى رجل في ثوب موصوف فزدته بعد الأجل دراهم على أن يعطيك ثوباً أطول منه، [في صفته] من صنفه أو من غير صنفه جاز إذا تعجلت ذلك، ولا يجوز أن تأخذ أدنى من ثوبك وتسترجع بعض الثمن
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (13/267) .(3/56)
إن كان الثمن عيناً، أو ما لا يعرف بعينه وقد غاب عليه، [ويدخله بيع وسلف منك له] ، وإن كان رأس المال عيناً أو طعاماً أو ما لا يعرف عينه، فقبضه البائع وغاب عليه، فلا يجوز أن تأخذ بعد الأجل أو قبله نصف رأس المال ونصف سلمك، لأنه بيع وسلف، ما ارتجعت من الثمن فهو سلف، وما أمضيت فهو بيع، فإن لم تفترقا جاز أن تقيله من بعض، وتترك بقية السلم إلى أجله، فأما بعد التفرق فلا تأخذ منه إلا ما أسلفت فيه أو رأس مالك. ولو أعطاك بعد الأجل أو قبله جميع رأس المال أو بعضه مع جميع السلم على أن يعجل لك السلم قبل أجله، أو يؤخره إلى أبعد من أجله لم يجز، إن كان الثمن لا يعرف بعينه وقد غاب عليه. وإن كان رأس مالك عروضاً تعرف بعينها أسلمتها في خلافها من عرض أو طعام أو حيوان فأقلته من نصف ما أسلمت فيه، على أن تأخذ نصف رأس مالك [بعينه] بعد أن تفرقتما أو قبل جاز ذلك، حل الأجل أم لا، [وإن تعجلت سلمك قبل أجله لم يجز، ودخله حُطّ عني الضمان وأزيدك] ، [وكذلك إن أخذت بعض رأس مالك بعينه وجميع ما أسلمت فيه بعد الأجل فلا بأس به] .(3/57)
ولا يجوز أن تأخذ بعض سلمك وتسترجع عروضاً من صنف رأس مالك، كانت مثل عدد رأس مالك أو أقل. ويدخله إن كانت مثل عدده سلف جر منفعة، وإن كانت أقل من عدده بيع وسلف، إلا أن تسترجع عروضاً من غير صنف رأس مالك فيجوز.
2431 - وإن أسلمت إلى رجل في ثياب موصوفة فزدته قبل الأجل دراهم نقداً على أن زادك في طولها جاز، لأنهما صفقتان، ولو كانت صفقة واحدة ما جاز، كما لو دفعت إليه غزلاً ينسجه ثوباً ستة في ثلاثة، ثم زدته دراهم وغزلاً على أن يزيدك في طول أو عرض، فلا بأس به وهي صفقتان، وهذه إجارة، والإجارة بيع من البيوع يفسدها ما يفسد البيع.
2432 - ومن أسلم في ثياب موصوفة بذراع رجل بعينه إلى أجل جاز ذلك إذا أراه الذراع، وليأخذ قياس ذراعه عندهما، كما جاز شراء وَيْبَة وحفنة بدراهم إن أراه الحفنة، لأنها تختلف. ومن أسلم في ثوب حرير واشترط طوله وعرضه ولم يشترط وزنه جاز إذا وصفه ووصف صفاقته وخفته، [,إنما السلف في الثياب بصفة وذراع معلوم طوله وعرضه وصفاقته وخفته] ونحوه.
وإن اشترط صفة ثوب أراه إياه فحسن، وإن لم يره فالصفة تجزيه. ولا أعرف في(3/58)
صفة الثوب جيداً ولا فارهاً في الحيوان، وإنما السلف في الثياب والحيوان على الصفة. ويلزم المشتري أخذه إن كان على الصفة.
وإن أسلمت إلى رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة ثم استزدته بعد تمام السلم أرادب معجلة أو مؤجلة إلى الأجل أو أبعد جاز، وكأنه في العقد.
2433 - وإذا صارفت رجلاً ثم لقيته بعد ذلك فأقلته ودفعت إليه دنانيره وفارقته قبل أن تقبض دراهمك، أو ابتعت منه سيفاً مُحلّى نصله تبع لفضته بدنانير، ثم أقلته منه بعد ذلك ودفعته إليه وفارقته قبل أن تقبض الدنانير، لم يجز في ذلك إلا المناجزة.
2434 - وإن أسلمت عروضاً أو حيواناً في طعام فأقلته منه على أن تأخذ رأس مالك وقد تغير سوقه جاز ذلك، ولا ينظر إلى تغير سوقه ما لم يحل في عينه بنماء أو نقصان، بيّن عور أو عيب، فلا يجوز حينئذ أن تقيله من الطعام كله ولا من بعضه، والنماء بمنزلة الصغير يكبر، وذهاب بياض العين وزوال الصمم، فهذا يفيت الإقالة. ولو كان رأس المال جارية فتغيرت في بدنها بهزال أو سمن لم تفت الإقالة، ولو كانت دابة كان الهزال والسمن مفيتاً للإقالة [بذلك] ، لأن الدواب تشترى لشحمها، والرقيق ليسوا كذلك.(3/59)
2435 - ومن باع جارية بعبد فتقابضا، ثم مات العبد فتقايلا لم تجز الإقالة إلا أن يكونا حيّين، وكذلك إن حدث بالعبد عيب لم تجز الإقالة، إلا أن يعلم دافع العبد بنقصه فيجوز.
2436 - وإن أسلم رجلان إلى رجل في طعام أو عرض فأقاله أحدهما جاز، إلا أن يكونا متفاوضين فيما اسلما فيه من عرض أو طعام خاصة أو في جميع أموالهما فلا يجوز، لأن ما أقال منه أو أبقى، وكذلك إن ولّى حصته فلا حجة لشريكه عليه في إقالة أو تولية إن لم يفاوضه، وإنما الحجة على البائع، ولا يرجع فيما أخذ شريكه، [قال سحنون: لا تجوز إقالته إلا بإذن شريكه، كما لا يقتضي إلا بإذنه] ، ولا يتهم البائع في أن يبيع من أحدهما على أن يسلفه الآخر، وكذلك إن كان رأس المال في الطعام ثوباً ولم يتغير عينه، فأقاله أحدهما جاز، ويكون شريكاً له فيه.
2437 - وإن أسلم رجل إلى رجلين في طعام فأقاله أحدهما، [فإن] لم يكن شرط حمالة أحدهما بالآخر، أيهما شاء أخذ بحقه فذلك جائز، لأنه لا يتبع كل واحد منهما إلا بحصته، ولو شرط ضمانهما لم تجز الإقالة، إذ الحق كأنه على واحد أقاله من بعضه. وإن أسلمت إليه دراهم في طعام أو غيره ثم أقالك قبل التفرق، ودراهمك بيده، فأراد أن يعطيك غيرها مثلها فذلك له وإن كرهت، شرطت استرجاعها بعينها أم لا.(3/60)
وإن كان رأس المال عرضاً يوزن أو يُكال [أو يُعدّ] ، أو طعاماً أسلفته في عرض، لم يكن له أن يعطيك إلا ذلك بعينه، لأن ذلك يباع لعينه والدراهم لا تباع لعينها.
وكل ما ابتعته مما يكال أو يوزن من طعام أو عرض فقبضته فأتلفته فجائز أن تقبل منه وترد مثله بعد علم البائع بهلاكه، وبعد أن يكون المثل حاضراً عندك، وتدفعه إليه بموضع قبضته منه، وإن حالت الأسواق، وكذلك لو اغتصبته فأتلفته، فإنما عليك مثله لا قيمته وإن حال سوقه، وتدفعه إليه بموضع غصبته منه.
2438 - وإن أسلمت ثوباً في طعام فهلك الثوب بيد البائع لم يجز الإقالة، إذ لا تجوز الإقالة على قيمته ولا على ثوب مثله، ولو لم يهلك الثوب جازت الإقالة إن قبضت الثوب مكانك ولم يتأخر، ولو هلك الثوب بعد الإقالة انفسخت الإقالة، وبقي السلم بحاله، ولا يجوز أخذ ثوب مثله قبل أن تفترقا، ولو قبضت الطعام بعد محله ثم أُقِلت منه، فتلف عندك بعد الإقالة قبل أن تدفعه فهو منك، وتنفسخ الإقالة. وأصل قول مالك: أن من أسلم حيواناً أو رقيقاً أو عروضاً لا تؤكل ولا تشرب، وهي مما يكال أو يوزن أم لا، في طعام إلى أجل ثم تقايلا وقد حالت أسواقها فالإقالة جائزة، إلا أن تهلك أو يدخلها نقص في أبدانها فلا تجوز الإقالة حينئذ، وإن دفع إليه مثلها قبل أن يفترقا لم يجز. (1)
* * *
_________
(1) انظر: التقييد (3/221) .(3/61)
كتاب السلم الثالث
2439 - وإن أسلم إليك رجل مائة درهم في مائة إردب حنطة قيمتها مائتا درهم، فأقالك في مرضه ثم مات، ولا مال له غيرها فإما أجاز الورثة وأخذوا منك رأس المال، وإلا قطعوا لك بثلث ما عليك من الطعام، وإن حمل الثلث جميع الطعام جازت الوصية، وإن كانت قيمة الطعام مائة درهم جازت الإقالة، لأنه ليس فيها محاباة.
وبيع المريض وشراؤه جائز، إلا أن تكون فيه محاباة فيكون ذلك في ثلثه.
2440 - وإن أسلمت رقيقاً أو حيواناً أو نخلاً أو دوراً أو ثوباً في طعام ثم أقلته بعد شهرين أو ثلاثة، وقد استُغِل واستُخدِم وسُكِن وحالت الأسواق، فذلك جائز ما لم يتغير البدن بنقص أو نماء، وإن كانت أمة فولدت فذلك يفيت الإقالة، والولد بمنزلة النماء في البدن، ولا تجوز الإقالة فيها نفسها، ويحبس مشتريها ولدها لما يدخله من التفرقة. ولو كان عبداً فأذن له في التجارة فلحقه دين فذلك عيب يمنع الإقالة، علمت به أم لا، وحوالة سوق رأس المال في ذلك كله لا يمنع الإقالة، إلا أن يتغير في بدنه(3/63)
بنقص أو نماء فيصير كأنه ليس بعين شيئه فيكون أشبه بالبيع من الإقالة.
2441 - ومن أسلم عرضاً في طعام ثم تقايلا على أن زاد أحدهما الآخر شيئاً لم يجز، ودخله بيع الطعام قبل قبضه، وإن أسلم عيناً في طعام فأقاله، وأخذ برأس ماله عرضاً بعد الإقالة لم يجز، لأن ذلك بيع طعام قبل قبضه بعرض، وذكر الإقالة لغو.
2442 - وإن ابتعت من رجل سلعة بعينها ونقدته ثمنها ثم أقلته وافترقتما قبل أن تقبض رأس مالك، وأخرته به إلى سنة جاز، لأنه بيع حادث، والإقالة تجري مجرى البيع فيما يحل ويحرم. [قال مالك:] وإن أسلمت إلى رجل في حنطة أو عرض ثم أقلته، أو وليت ذلك رجلاً أو بعته إن كان مما يجوز لك بيعه، [لم يجز لك] أن تؤخر بالثمن من وليته أو أقلته أو بعته، يوماً أو ساعة، بشرط أو بغير شرط، لأنه دين في دين، ولا تفارقه حتى تقبض الثمن كالصرف، ولا يجوز أن تقيله من الطعام وتفارقه قبل أن تقبض رأس المال، أو يعطيك به حميلاً أو رهناً، أو يحيلك به على أحد، أو يؤخرك به يوماً أو ساعة، لأنه يصير ديناً في دين، وبيع الطعام قبل قبضه، وإن أخرك به حتى طال ذلك انفسخت الإقالة وبقي البيع بينكما على حاله، وإن نقدك قبل [أن] يفارقك فلا بأس به.(3/64)
2443 - ومن أسلم في طعام وأخر النقد حتى يحل الأجل لم يجز، وهو دين بدين.
2444 - ومن أسلم إلى رجل دراهم في طعام أو عرض أو في جميع الأشياء فأقاله بعد الأجل أو قبله من بعض وأخذ بعضاً لم يجز، ودخله فضة نقداً بفضة وعرض إلى أجل وبيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه.
2445 - وإن أسلمت إلى رجل ثوباً في حيوان موصوف فقطعه جاز أن تقيله من نصف الحيوان، بنصف ثوبك مقطوعاً حل الأجل أم لا، إذا قبضت ذلك كان القطع قد زاده أو نقصه، ولو أخذت ثوباً غير ثوبك من صنفه وزيادة معه لم يجز، ودخله سلف بزيادة. وإن أخذت ثوبك بعينه وقد دخله عيب وزادك معه ثوباً من صنفه أو من غير صنفه، أو حيواناً أو دنانير أو دراهم إقالةً من جميع الحيوان الذي لك عليه، حل الأجل أم لا، إلا أن يزيدك شيئاً من صنف ما أسلمت فيه، فيجوز ذلك بعد الأجل لا قبله، ولا بأس أن تأخذ منه ثوبك بعينه ببعض ما أسلمت فيه، وتترك بقيته إلى أجله ولا تقدمه قبل الأجل ولا تؤخره، كما لو بعت عبداً بمائة دينار إلى أجل، ثم أخذت العبد بعينه بخمسين مما لك عليه وتركت ما بقي إلى أجل فلا بأس به، فقس جميع العروض على هذا.
2446 - وإن ابتعت عبدين في صفقة، كل واحد بعشرة دراهم، جاز أن يقيلك من أحدهما على أن يبقى الآخر عليك بأحد عشر درهماً، لأنه لا بأس أن تبيع منه أحدهما بدرهم أو أقل أو أكثر.(3/65)
2447 - وإن أسلمت إلى رجل في كُر حنطة ثم تقايلتما قبل الأجل أو بعده فأحالك بالثمن على رجل، وتفرقتما قبل أن تقبض ما أحالك به، لم يجز، لأنه دين بدين، وإن قبضت الثمن من الذي أحالك عليه قبل أن تفارق الذي أحالك فلا بأس به. ولو وكل البائع من يدفع إليك رأس مالك وذهب، أو وكلت أنت من يقبض [ذلك] وذهبت، فإن قبض وكيلك منه أو قبضت أنت من وكيله مكانكما قبل التفرق جاز، وإن تأخر القبض لم يجز، وإن كان رأس مالك عرضاً لم يجز تأخيره، وهو مثل العين في هذا. (1)
2448 - ومن اشترى سلعة بنقد فلم يقبضها حتى أشرك فيها أو ولى، وقد نقد أو لم ينقد، فلا بأس بذلك، ومن ابتاع طعاماً كيلاً بثمن إلى أجل فلم يكتله حتى ولاه رجلاً أو أشركه فيه، فإن كان لا ينتقد الثمن إلا إلى أجل فجائز، وإن تعجله قبل أجله لم يجز. ولو أشركه أو ولاه بعد أن اكتال الطعام وقبضه وشرط تعجيل الثمن جاز، لأنه بيع مؤتنف، وإن لم يشترط النقد لم يكن له أخذه به إلا إلى الأجل الذي ابتاع إليه. ولو اشترى الطعام بثمن نقداً فنقد ثمنه ثم أشرك فيه، أو ولاه قبل أن يكتاله فلا بأس به إذا انتقد مثل ما نقد قبل التفرق، وإن اشترط تأخير الثمن إلى أجل لم يجز، وما ابتعت من العروض
_________
(1) انظر: المدونة (9/79، 91، 93) .(3/66)
والحيوان مضموناً إلى أجل، ثم بعت ذلك وانتقدت ثمنه ثم فلس من ذلك في ذمته، فليس للمبتاع منك رجوع عليك وله اتباع بائعك ومحاصة غرمائه.
2449 - وإن ابتعت سلعة بعينها فلم تقبضها حتى أشركت فيها رجلاً، ثم هلكت السلعة قبل قبض المُشْرَك، أو ابتعت طعاماً [فاكتلته] ثم أشركت فيه رجلاً فلم تقاسمه حتى ذهب الطعام، فضمان ذلك منكما وترجع عليه بنصف الثمن.
2450 - وإذا ابتاع رجلان عبداً فسألهما رجل أن يشركاه فيه ففعلا فالعبد بينهم أثلاثاً. وكل ما اشتريت من جميع العروض والطعام فلا يجوز أن تشرك فيه رجلاً قبل قبضك [له] أو بعد، على أن ينقد عنك، لأنه بيع وسلف.
2451 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ثم سألك أن توليه ذلك ففعلت، جاز ذلك إذا نقدك، وتكون إقالة، وإنما التولية لغير البائع.
وإن ابتعت طعاماً فاكتلته ثم أشركت فيه رجلاً، أو وليته على تصديقك في كيله جاز، وله أو عليه المتعارف من زيادة الكيل أو نقصانه، وإن كثر ذلك رجع عليك بحصة النقصان من الثمن ورد كثير الزيادة، وإذا أشركته فيه فضمانه منكما وإن لم تكتالاه.
2452 - وإن أسلمت في حنطة أو عروض، جاز أن تولي بعضها قبل [الأجل] ،(3/67)
ربعها بربع الثمن، وتجوز الشركة والتولية والإقالة في السلم في الطعام وجميع الأشياء إذا انتقدت. وإن اشتريت سلعة ثم وليتها لرجل ولم تسمها له ولا ثمنها، أو سميت أحدهما، فإن كنت ألزمته إياها لم يجز، لأنه مخاطرة وقمار، وإن كان على غير الإلزام جاز، وله الخيار إذا رآها وعلم الثمن، وإن أعلمته أنه عبد فرضي به، ثم سميت له الثمن فلم يرض فذلك له، وهذا من ناحية المعروف يلزم المُوَلّي ولا يلزم المُوَلَّى إلا برضاه، [وأما] إن ابتعت منه عبداً في بيتك بمائة دينار ولم تصفه له ولا رآه قبل ذلك فالبيع فاسد، ولا يكون المبتاع فيه بالخيار إذا نظره، لأن البيع وقع على الإيجاب والمكايسة، ولو كنت جعلته فيه بالخيار إذا نظره، جاز وإن كان على المكايسة.
2453 - ويجوز بيع زريعة الفجل الأبيض والسلق والكراث والجزر والخربز (1) وشبهه، قبل قبضه، لأنه ليس بطعام، وإن أنبت طعاماً، فالنوى ينبت طعاماً، وذلك جائز فيه، وأما زريعة الفجل الذي يخرج منه الزيت فلا [يصلح أن تبيعه قبل أن تستوفيه، لأن هذا طعام، ألا ترى أن الزيت فيه؟] . (2)
_________
(1) الخربز بخاء معجمة فراء مهملة فباء موحدة فزاي معجمة المهناوي، صنف من البطيخ معروف شبيه بالحنظل أملس مدور الرأس رقيق الجلد قاله البوني.
(2) انظر: حاشية الدسوقي (3/337) ، والمدونة (2/294) .(3/68)
2454 - وكل طعام اشتريته بعينه أو مضموناً على كيل أو وزن أو عدد مما يدخر أو لا يدخر، فلا يجو بيعكه من بائعك أو غيره حتى تقبضه، إلا أن تقيل منه أو تشرك فيه أو توليه، وكذلك الإدام والشراب والملح والفلفل والكزبرة والقرنباذ والشونيز والتابل، كله داخل في حكم الطعام، ولا يباع قبل قبضه، ولا يصلح منه اثنان بواحد، إلا أن تختلف الأنواع منه، إلا الماء فإنه يجوز بيعه قبل قبضه أو متفاضلاً يداً بيد، أو بطعام إلى أجل.
وكل ما أكريت به أو صالحت به من دم عمد، أو خالعت به من طعام بعينه أو مضمون على كيل أو وزن، فلا تبعه حتى تقبضه، إلا أن يكون الذي بعينه مصبراً، فيجوز بيعه قبل قبضه، ويجوز بيع ما أقرضته من الطعام قبل قبضه.
2455 - وإن كاتبت عبدك بطعام موصوف إلى أجل، جاز أن تبيعه من المكاتب خاصة(3/69)
قبل الأجل بعرض أو بعين وإن لم تتعجله، ولا تبع ذلك الطعام من أجنبي حتى تقبضه، وإنما جاز ذلك من المكاتب لأن الكتابة ليست بدين ثابت ولا يحاص بها، وكما يجوز بيع الكتابة من العبد نفسه بدين إلى أجل، فلا تباع من أجنبي بدين مؤجل، وقد تباع خدمة المدير منه، ولا تباع من غيره، فأما أم تبيع من المكاتب نجماً مما عليه من الطعام فلا يجوز، لأنه يصير بيع الطعام قبل قبضه، وإنما يجوز أن تبيعه جميع ما عليه فيعتق بذلك. قال سحنون: إنما يجوز إذا تعجل المكاتب عتق نفسه.
2457 - وكل ما أسلمت فيه من سائر العروض على عدد أو كيل أو وزن إلى أجل، فجائز بيع ذلك قبل قبضه من غير بائعك، بمثل رأس مالك أو أقل أو أكثر نقداً، أو بما شئت من الأثمان، إلا أن تبيعه بمثل صنفه فلا خير فيه، [قال في كتاب الهبات: إن كانت منفعة المبتاع لم يجز، وإن كانت للبائع خاصة جاز] ، وجائز أن تبيع ذلك السلم من بائعك بمثل الثمن فأقل منه نقداً، قبل الأجل أو بعده، إذ لا يتهم أحد في أخذ قليل من كثير واتقاه عبد العزيز. وأما بأكثر من الثمن(3/70)
فلا يجوز بحال، حلّ الأجل أم لا، وإن كان الذي لك عليه ثياباً فَرْقَبيّة جاز أن تبيعها منه قبل الأجل بما يجوز أن تسلف فيها من ثياب القطن المروية والهروية والحيوان والطعام، إذا انتقدت ذلك ولم تؤخره. ولا تأخذ منه قبل الأجل ثياباً فرقبية، إلا مثل ثيابك صفة وعدداً، فأما أفضل من ثيابك رقاعاً أو أشرّ فلا خير فيه، اتفق العدد أو اختلف، إلا أن يحل الأجل، فيجوز ذلك كله.
وما ابتعته بعينه من الطعام أو الشراب جزافاً، أو اشتريته من سائر العروض بعينه، أو مضموناً على كيل أو وزن أو جزافاً من عطر أو زنبق أو مسك أو حديد أو بز وشبهه، فلا بأس ببيعه قبل قبضه، من بائعك أو من غيره، وتحيله عليه إلا أن يكون ذلك بين أهل العينة، فلا يجوز بأكثر مما ابتعت.
2458 - وأهل العينة أن يأتي رجل إلى رجل فيقول [له] : أسلفني، فيقول: لا أفعل ولكن أشتري لك سلعة من السوق فأبيعها منك بكذا وكذا، ثم أبتاعها منك بكذا وكذا، أو يشتري من رجل سلعة ثم يبيعها منه [إلى أجل] بأكثر مما ابتاعها به.(3/71)
2459 - وما ابتعت من الطعام بعينه، أو بغير عينه كيلاً أو وزناً فلا تواعد فيه أحداً قبل قبضه، ولا تبع طعاماً تنوي أن تقبضه من هذا الطعام الذي اشتريت.
وإن اشتريت طعاماً فاكتلته لنفسك، ورجل واقف على غير موعد، فلا بأس أن تبيعه منه على كيلك، أو على تصديقك في الكيل إن لم يكن حاضراً، أو لم يكن بينكما في ذلك موعد، فإن قبضه منك ثم ادعى نقصاً فالقول فيه مذكور في الجزء الثاني من السلم.
2460 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام فحل، فلا ينبغي أن توكل على قبضه منه عبده أو مدبره أو أم ولده أو زوجته أو صغار بنيه، وهو كتوكيلك إياه فلا تبعه بذلك القبض، ولك بيعه بقبض الكبير البائن من ولده.
وإن كان لك على رجل طعام من سلم، وله عليك طعام مثله، لم يجز أن تتقاصّا، حلت الآجال أم لا، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فإن كان أحدهما من قرض والآخر سلم وأجلهما واحد والصفة والمقدار متفق، فلا بأس أن يتقاصّا إن حل الأجلان، ولا يجوز إن لم يحلا، وهو بمنزلة ما لو كان على رجلين، فيدخله دين بدين، وبيع الطعام قبل قبضه.(3/72)
2461 - وإذا أَحَلْت على ثمن الطعام لك من له عليك مثل ذلك الثمن، من بيع سلعة أو قرض، لم يجز للمحال به أن يأخذ فيه من الطعام إلا ما جاز لك، وإن ابتعت طعاماً فلم تقبضه حتى أسلفته لرجل، فقبضه المستسلف، فلا يعجبني أن تبيعه منه قبل أن تقبضه، وإن كان لك عليه طعام من سلم، فلما حلّ أحالك به على رجل [له] عليه طعام مثله من قرض، فإن حلّ أجل القرض وأجل السلم جاز، وإن لم يحل لم يجز.
2462 - وإذا ابتاع ذمي طعاماً من ذمي فأراد بيعه قبل قبضه لم أحب لمسلم أن يبتاعه، ولا يجوز أن يحيلك من طعام لك عليه من سلم على طعام ابتاعه ليقضيكه حتى تقبضه، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان هو قد قبضه جاز لك أن تأخذه منه على كيله وتصديقه، وكذلك إن قبضه بمحضرك إلا أن تواعده فتقول له: اشتر هذا الطعام وأنا آخذه منك فيما لي عليك، فلا خير فيه، ويدخله مع بيعه قبل قبضه، بيع ما ليس عنده.(3/73)
2463 - وإن ابتعت صبرة طعام جزافاً فهلكت بعد العقد فهي منك، فإن هلكت بتعدي أحد أتبعته بقيمتها من الذهب أو الفضة، كان بائعك أو غيره، ولو ابتعتها على الكيل كل قفيز بكذا فهلكت قبل الكيل بأمر من الله، كانت من البائع وانتقض البيع، وإن هلكت بتعدي البائع أو أفاتها ببيع، فعليه أن يأتي بمثلها تحرياً، يوفيكها على الكيل، ولا خيار لك في أخذ ثمنك أو الطعام، ولو استهلكها أجنبي غرم مكيلتها إن عُرفت وقبضه على ما اشتريت، وإن لم يعرف كيلها أغرمناه للبائع قيمتها عيناً، ثم ابتعنا بالقيمة طعاماً مثله، ووافيناكه على الكيل، وليس ذلك ببيع الطعام قبل قبضه، لأن التعدي على البائع وقع، وأما التعدي بعد الكيل فمنك.
2464 - ومن لك عليه طعام من سلم فلا تقل له: بعه وجئني بالثمن، وهو من ناحية بيعه قبل قبضه مع ما يدخله من ذهب بأكثر منها، إن كان رأس المال ذهباً، وإن كان ورقاً دخله ورق بذهب إلى اجل، وإن أعطاك بعد الأجل عيناً أو عرضاً فقال لك: اشترِ به طعاماً وكله، ثم اقبض حقك منه لم يجز، لأنه بيع الطعام قبل قبضه، إلا أن يكون رأس مالك ذهباً أو ورقاً فيعطيك مثله صفة ووزناً فيجوز بمعنى الإقالة، وإن كان رأس مالك لا يساوي الطعام الذي لك عليه، لأنك(3/74)
لو هضمت عنه بعض الطعام وأخذت بعضه جاز، وإن أعطاك أكثر من رأس مالك أو أقل لم يجز، لأنه خرج عن الإقالة وصار بيع الطعام قبل قبضه، ولو كان سلمك في عروض جاز أن يعطيك مثل رأس مالك أو أقل، وأما أكثر منه فلا يجوز [بحال] .
2465 - وإن ابتعت من رجل سلعة بدنانير أو دراهم إلى أجل على أن توفيه الثمن بإفريقية فله إذا حلّ الأجل أن يأخذك بالثمن حيث ما وجدك، وأما إن أسلمت إليه في سلعة لا حمل لها ولا مؤنة، مثل: اللؤلؤة وشبهها، [أو قليل المسك] ، فليس لك أن تأخذه بذلك إلا في البلد الذي اشترطت فيه أخذه، لأن سعر ذلك مختلف في البلدان بخلاف العين.
2466 - وإن أسلمت إلى رجل في طعام ببلد على أن تأخذه في بلد آخر مسافة ثلاثة أيام، جاز ذلك لاختلاف سعرهما بخلاف البلد الواحد، وإن ابتعت منه طعاماً بعينه بالإسكندرية على أن يحمله لك إلى الفسطاط، فإن كان على أن يوفيكه(3/75)
بالفسطاط لم يصلح، لأنه شراء شيء بعينه إلى أجل، واشتراط ضمانه عليه، وإن كنت تقبضه بالإسكندرية ويحمله لك إلى الفسطاط جاز، لأنه بيع وكراء في صفقة، وذلك جائز.
2467 - وإن أسلمت إليه في طعام إلى أجل على أن تقبضه بإفريقية جاز، وليس لك أخذه بعد الأجل إلا في إفريقية، بخلاف أن تقرضه طعاماً ببلد على أن يوفيكه ببلد آخر، هذا لا يجوز، لأنه رَبَح الحملان، فإن أبى الذي لك عليه الطعام من سلم أن يخرج إلى إفريقية لما حلّ الأجل أو عند حلوله، جبر على الخروج، أو يوكل من يوفيك الطعام بإفريقية، وليس له أن يوفيك الطعام في غير إفريقية، وإن فات الأجل.
2468 - ولك منع غريمك من بعيد السفر الذي يحل دينك قبل قدومه، ولا يمنع من قريبه الذي يؤوب منه قبل محل دينك.
2469 - وإن بعت من رجل مائة أردب سمراء بمائة دينار إلى أجل، فلما حلّ الأجل(3/76)
أخذت منه بالثمن مائة إردب سمراء جاز، وإن أخذت به خمسين لم يجز، وأخاف أن يكون الخمسون ثمناً للمائة، أو تكون مائة إردب سمراء بخمسين إردب [سمراء] إلى أجل، ولا تأخذ خمسين إردب سمراء مع نصف الثمن، فيصير بيعاً وسلفاً، ولا تأخذ بالمائة الدنانير محمولة أو شعيراً، حل الأجل [أم لا، كما لو بعت برنياً فلا تأخذ في ثمنه عجوة أو صيحانياً، ويجوز أن تأخذ برنياً مثل كيله وصفته] .
2470 - وإن بعت ثوباً بمائة درهم إلى شهر، جاز أن تشتريه بعرض أو طعام نقداً، كان ثمن العرض أقل من المائة أو أكثر، وإن اشتريته بعرض مؤجل إلى مثل أجل المائة أو دونه أو أبعد منه، لم يجز، لأنه دين بدين.
[ومن] له على رجل مائة إردب سمراء إلى أجل، فلما حلّ أخذ منه خمسين محمولة وحط [عنه] ما بقي، فإن كان بمعنى الصلح والتبايع لم يجز، وإن كان ذلك اقتضاء [من خمسين] منها، ثم حطه بعد ذلك بغير شرط جاز، وكذلك في أخذه خمسين سمراء من مائة محمولة وحطه ما بقي، ولو صالحه بعد الأجل من المائة السمراء على مائة محمولة إلى شهرين لم يجز، إلا أن يقضيها يداً بيد، فيجوز.
2471 - ولا بأس بشراء التمر والرطب والبسر في رؤوس النخل بحنطة نقداً، إن جذّ ما في(3/77)
النخل وتقابضا قبل التفرق وإلا لم يجز. ولو اشتراه بعين أو عرض مؤجل وتفرقا قبل أن يجذّ ما في [رؤوس] النخل جاز، لأن الثمار إذا طابت حل بيعها بنقد أو دين، ولا يمنع صاحبها منها، وأكره لمن يبيع الزيت والخل بالحنطة أن يكيلها، ثم يدخل حانوته لإخراج ذلك، ولكن يدع الحنطة عند صاحبها، ثم يخرج ذلك فيأخذ ويعطي كالصرف، ولا خير في بيع حنطة حاضرة، بتمر أو شعير غائب في دار صاحبك يبعث فيه، أو هما جميعاً غائبان، وإن تقابضتما قبل التفرق، إلا أن يحضر ذلك كله فيجوز.
2472 - ولا يجوز تمر برطب أو ببسر أو بكبير البلح، ولا كبير البلح برطب أو بسر، ولا بسر برطب على حال، لا مثلاً بمثل ولا متفاضلاً، ولا يجوز التمر بالتمر، ولا الرطب بالرطب، ولا البسر بالبسر، ولا البلح الكبار بالبلح الكبار، إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ولا يجوز متفاضلاً. ويجوز التفاضل في صغير البلح بكبيره، أو ببسر(3/78)
أو برطب أو بتمر يداً بيد، واختلف قول مالك في النوى بالتمر، وأجازه ابن القاسم يداً بيد، وإلى أجل، لأن النوى ليس بطعام، وأجاز مالك النوى بالحنطة وغيرها [يداً بيد وإلى أجلٍ] ، ولم يختلف قوله فيه.
2473 - ومجمل النهي عن اللحم بالحيوان إنما ذلك من صنف واحد، لموضع التفاضل فيه والمزابنة، فذوات الأربع الأنعام والوحش كلها صنف واحد، لا يجوز التفاضل في لحومها، ولا حي منها بمذبوح. والطير كلها صغيرها وكبيرها، وحشيها وإنسيها، صنف واحد لا يجوز التفاضل في لحومها ولا حيّ منها بمذبوح. ولحم الحوت كله صغيره وكبيره صنف واحد لا يجوز التفاضل فيه.
ويجوز لحم الطير بحي من الأنعام والوحش، أو لحم الأنعام والوحش والحوت بالطير كلها، أحياءً نقداً أو إلى أجل، وما كان من الطير والأنعام والوحش لا يحيا وشأنه الذبح فلا خير فيه بالحوت ولا بلحم من غير صنفه إلا يداً بيد.
وكل شيء من اللحم يجوز فيه التفاضل، فجائز فيه الحي بالمذبوح.
2474 - ومن أراد ذبح عناق كريمة (1) أو حمام أو دجاج، فأبدلها رجل [منه] بكبش
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/362) ، والتمهيد (5/147) .(3/79)
وهو يعلم أنه أراد ذبح ذلك فجائز، وأما المدقوقة العنق أو الصلب أو الشارف وشبه ذلك مما يصير إلى الذبح ولا منفعة فيه إلا اللحم، فلا أحب شيئاً منها، وإن عاش بطعام إلى أجل، ولا بلحم من صنفه يداً بيد، [وخالفه أشهب وجعل له حكم الحي] .
2475 - وكذلك من اشترى شاة يريد ذبحها بطعام إلى أجل، فإن كانت حية صحيحة، مثلها يقتنى وليست بشاة لحم جاز، وإن كانت شاة لحم فلا خير فيه إلى أجل.(3/80)
2476 - ولا بأس بلحم الأنعام بالخيل وسائر الدواب نقداً أو مؤجلاً، لأنها لا تؤكل لحومها، وأما بالهر والثعلب والضبع فمكروه، لاختلاف الصحابة في أكلها، ومالك يكره أكلها من غير تحريم.
ولا بأس بالجراد بالطير، وليس هو بلحم، ويجوز واحد من الجراد باثنين من الحوت يداً بيد.
2477 - ويجوز لبن حليب فيه زبدة بلبن مضروب قد أخرج زبده، أو بلبن اللقاح أو بلبن الإبل ولا زبد فيه مثلاً بمثل، كما جاز دقيق بقمح، وللقمح ريع بعد طحنه، ولا يجوز التفاضل في شيء من ذلك.
ولبن الإبل والبقر والغنم صنف لا يجوز التفاضل فيه، ويجوز مثلاً بمثل يداً بيد، كلحومها.
2478 - ويجوز السمن بلبن أخرج زبده، فأما بلبن فيه زبد فلا يجوز. (1) ولا بأس بشاة لبون بلبن، أو بزبد أو بسمن أو بجبن أو بحالوم، يداً بيد، ولا ينبغي إلى أجل أيهما عجلت، وكذلك إن كان مع السمن أو الجبن عرض أو دراهم.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/358) ، والتاج والإكليل (4/359) .(3/81)
ولا بأس بشاة لا لبن فيها بلبن أو سمن إلى أجل، وأما شاة لبون بطعام إلى أجل فجائز، لأنه لا يخرج منها.
2479 - ويجوز شراء شاة عليها جزة صوف كاملة بجزة صوف. ولا بأس بكتان بثوب كتان، أو صوف بثوب صوف، أو نحاس بتور نحاس، كل ذلك نقداً، ولا خير في فلوس بنحاس، إلا أن يتباعد ما بينهما، وتكون الفلوس عدداً، وإن كانت جزافاً فلا خير في شرائها بذلك، ولا بعين أو عرض، لأن ذلك مخاطرة وقمار.
2480 - ومن اشترى قصيلاً ليقصله، أو تبناً بشعير نقداً جاز، وكذلك القرظ الأخضر واليابس بالبرسيم يداً بيد، والقصب بزريعته يداً بيد، ويجوز قصيل نقداً في شعير مؤجل، ولا خير في شعير نقداً بقصيل إلى أجل، إلا إلى أجل لا يصير الشعير(3/82)
فيه قصيلاً، ويكون مضموناً بصفة فيجوز.
وإن بعت حب قصب أو غيره إلى أجل، فلا أحب أن تقبض في ثمنه شيئاً مما ينبت ذلك الحب، وهذا إذا تأخر إلى أجل ينبت من ذلك الحب، وإن كان شراؤه نقداً أو إلى أمد قريب لا ينبت من [ذلك] الحب قصب، جاز.
2481 - ولا خير في زيت زيتون بزيتون مما يخرج الزيت أم لا (1) ، ولا في الجلجلان بزيته، ولا في العصير بالعنب، ولا في النبيذ بالتمر، ولا خير في رُبّ القصب بالقصب الحلو، أورُبّ التمر بالتمر، إلا أن يدخل ذلك إبزار فيصير صنعة تبيح التفاضل فيه. وصنعة رُبّ التمر أن يطبخ فيخرج رُبّه فهو إذاً منعقد.
ولا يجوز خل التمر بخل العنب، إلا مثلاً بمثل، وكذلك نبيذهما، ولا يجوز متفاضلاً لاتفاق المنافع في ذلك، بخلاف زيت الزيتون وزيت الفجل وزيت الجلجلان لاختلاف نفعهما، وأما التمر أو العنب بخلهما فجائز، لطول أمد الخل وللحاجة إليه.
_________
(1) انظر: التمهيد لابن عبد البر (14/214) .(3/83)
ولا بأس بالسويق بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وكذلك سويق السلت والشعير لا بأس به بالحنطة متفاضلاً، ولا بأس بالخبز بالعجين أو بالدقيق أو بالحنطة متفاضلاً، وأما عجين بحنطة أو بدقيق فلا خير فيه، لأن الصنعة لم تغيره. ويجوز القمح بدقيقه أو بدقيق شعير أو سلت مثلاً بمثل، ولا يجوز التفاضل في أحدهم بدقيق الآخر.
ويجوز مقلوّ الحنطة بيابسها ومبلولها أو دقيقها متفاضلاً، وقد غمزه مالك حتى يطحن المقلوّ.
2482 - وتجوز الحنطة المبلولة بالسويق متفاضلاً، ومقلو الأرز بيابسه ومبلوله مثلاً بمثل ومتفاضلاً، ولا يجوز فريك الحنطة الرطبة بالحنطة اليابسة ولا السمن بالزبد، ولا الحنطة المبلولة بالحنطة اليابسة أو المبلولة، أو الشعير أو السلت متساوياً ولا متفاضلاً، ويجوز مبلول الأرز بغيره من سائر القطاني والحبوب متفاضلاً يداً بيد.
ولا يجوز الأرز المبلول بالأرز المبلول أو اليابس، ويجوز مبلول حنطة أو شعير أو سلت بجميع يابس القطاني، أو بأرز أو دخن أو سمسم ما خلا الحنطة والشعير والسلت، متساوياً أو متفاضلاً، فأما مبلول من القطاني بيابس من صنف منها آخر، فجائز على(3/84)
أول قولي مالك فيها أنها أصناف مختلفة في البيع، ويجوز فيها التفاضل، وبه أقول.
ولا يجوز ذلك في قوله الآخر الذي رجع إليه فجعلهما صنفاً واحداً، وكره التفاضل فيها.
ولا يجوز مبلول العدس بيابسه ولا مبلوله كالحنطة، لأن البلل يختلف.
2483 - ولا خير في اللحم النيّ الغريض بقديد يابس أو مشوي، لا متساوياً(3/85)
ولا متفاضلاً وإن تحرى، إذ لا يحاط بتحريه، وإلى هذا رجع مالك، وهو أحب قوليه إليّ بعد أن كان أجازه.
2484 - ولا يجوز لحم طري بلحم مالح أو بممقور أو بمكسود، وهو لحم مالح، ولا طري السمك بمالحها لا متساوياً ولا متفاضلاً، ولا يُتحرى، ولا خير في يابس القديد بمشوي اللحم، وإن تحرى لاختلاف اليبس، ولا بأس بلحم مطبوخ بقديد يبسته الشمس، أو بلحم غريض أو بمشوي على النار بلا صنعة متفاضلاً، فأما المشوي في المقلي مع خل وزيت وتابل، وربما كانت له مرقة، فله حكم المطبوخ فلا يباع بمطبوخ، ولا بأس به بالنيّ على كل حال، والمطبوخ كله صنف [واحد] ، وإن اختلفت صفة طبخه كقليه بعسل وآخر بلبن أو خل، فلا يجوز فيه التفاضل، ولا خير في الصّير بلحم الحيتان متفاضلاً، وصغار الحيتان بكبارها متفاضلاً. ولا خير في شاة مذبوحة بشاة مذبوحة إلا مثلاً بمثل تحرياً إن قدر على تحريهما في جلودهما قبل السلخ.(3/86)
وما أُضيف إلى اللحم من شحم وكبد وكرش وقلب ورئة وطحال وكلى وحلقوم وخصي وكراع ورأس وشبهه فله حكم اللحم فيما ذكرنا، ولا يجوز ذلك باللحم ولا بعضه ببعض إلا مثلاً بمثل، ولا بأس بأكل الطحال.
ولا يجوز رأس برأسين إلا أن تكون رأس كبيرة تساوي في التحري أو الوزن صغيرين فيجوز.
2485 - وكل طعام أو إدام يدخر فلا يجوز فيه التفاضل بصنفه إن كان يداً بيد، إلا ما لا يدخر من ذلك من رطب الفواكه، كالتفاح والرمان والموز والخوخ ونحوه وإن ادخر، وكذلك جميع الخضر والبقول فلا بأس بصنف من ذلك كله بصنفه أو بخلافه يداً بيد متفاضلاً. وأما ما لا يؤكل ولا يشرب فلا بأس بواحد منه باثنين من صنفه يداً بيد، ما خلا الذهب بالذهب والفضة بالفضة فلا يجوز ذلك إلا مثلاً بمثل يداً بيد، والفلوس بالفلوس عدداً مثلاً بمثل، ولا يجوز السكر بالسكر متفاضلاً،(3/87)
ولا صبرة حنطة بصبرة شعير إلا كيلاً مثلاً بمثل، ولا إردب حنطة وإردب شعير بمثلهما، [ولا] مد حنطة ومد دقيق بمثلهما، كانت الحنطتان بيضاء أو إحداهما سمراء والأخرى بيضاء، وهو ذريعة إلى أن يأخذ فضل شعيره في حنطة صاحبه، ويأخذ صاحبه فضل حنطته في شعير صاحبه [وهو] على الانفراد جائز، وكذلك لا يجوز مدان من طعام مدخر بمد من صنفه ودراهم أو عرض، وذلك كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، لا ينبغي أن يكون معهما أو مع أحدهما عرض أو خلافه، من ذهب أو فضة، وكذلك ما يدخر من الطعام ولا يصلح فيه التفاضل، فإنه يجري مجرى الذهب بالذهب فيما ذكرنا.
2486 - ولا تصلح الفلوس بالفلوس جزافاً ولا وزناً ولا كيلاً مثلاً بمثل يداً بيد، ولا إلى أجل، ولا تجوز إلا عدداً فلساً بفلس يداً بيد، ولا يصلح فلس بفلسين يداً بيد ولا إلى جل، والفلوس في العدد بمنزلة الدنانير والدراهم في الوزن، وإنما كره ذلك مالك في الفلوس ولم يحرمه كتحريم الدنانير والدراهم. (1)
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/115) .(3/88)
ولا خير في بيع رطل فلوس برطلي نحاس يداً بيد، لأن الفلوس لا تباع إلا عدداً، وبيعها وزناً أو كيلاً أو جزافاً بعين أو عرض من المخاطرة والقمار.
2487 - وكل شيء يجوز واحد باثنين من صنفه إذا كايله أو راطله أو عادّه فلا يجوز الجزاف [فيه] بينهما، لا منهما ولا من أحدهما، ولا أن يكون أحدهما كيلاً، ولا وزناً ولا عدداً، والآخر جزافاً إلا أن يعطي أحدهما أكثر مما يأخذ بشيء كثير فلا باس به، وإن تقارب ما بينهما لم يجز، وكان من المزابنة وإن كان تراباً.
2488 - ولا بأس ببيع الحديد بالحديد والنحاس بالنحاس والرصاص بالرصاص متفاضلاً يداً بيد. وإن بعت من رجل رطل حديد بعينه في بيتك برطلين من حديد بعينه في بيته، ثم افترقتما قبل قبضه ووزنه جاز ذلك، ولكل واحد منكما قبض ما ابتاع، ولا يكون ذلك ديناً بدين، لأنه بعينه، فإن تلف الحديدان أو أحدهما قبل الوزن انتقض البيع، ولا شيء لأحدكما على صاحبه، ولو قبض أحدكما من الحديد شيئاً [من صاحبه] ردّه.
* * *(3/89)
(كتاب الصَّرف)
2489 - قال مالك: ومن اشترى حلياً مصوغاً فنقد بعض ثمنه وتأخر البعض، بطلت الصفقة كلها، وهو صرف. (1)
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/301) ، والتمهيد لابن عبد البر (6/468) ، والمدونة الكبرى (8/393) ، والتقييد (3/150) ، وشرح الحدود (335) ، والمقدمات لابن رشد (2/14) .(3/91)
ومن كان له على رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم فقبض [منها] تسعمائة، وفارقه قبل قبض الباقي لم يصلح ويرد الدراهم، وتبقى له المائة دينار على حالها، ولو قبض الدراهم كلها جاز، ولو كان له عليه ألف درهم حالة فباعها منه بطوق ذهب، ثم فارقه قبل قبضه فلا خير فيه، ويرد الطوق، ويأخذ دراهمه، والحلي في هذا والمسكوك والتبر سواء، لا يجوز في شيء من ذلك تأخير ولا نظرة إلا يداً بيد.
2490 - ومن صرف من رجل مائة دينار بألف درهم فنقده خمسين ديناراً وقبض ألف درهم ثم فارقه، فالجميع منتقض، ولا يجوز منه حصة الخمسين النقد، لأن الصفقة وقعت فاسدة، ولو تقابضا الجميع ثم وجد من الدنانير خمسين رديئة، انتقض من الصرف حصة الخمسين فقط، لأن هذا صرف صحت عقدته، ولو رضي الرديئة تم جميعه.
ومن صرف من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فقبض عشرة وقال له: أعطني بالعشرة الأخرى أرطال لحم كل يوم رطلاً لم يجز. ولا يجوز تأخير ما وقع مع الدراهم من عرض، وإن تعجل ذلك جاز.
ومن اشترى من رجل سلعة إلى أجل بنصف دينار نقداً، فأعطاه بعد الصفقة ديناراً ليرد عليه نصفه دراهم بغير شرط فلا خير فيه، لأنه صرف فيه سلعة تأخرت، ولم يجز(3/92)
مالك اجتماع بيع وصرف في صفقة واحدة، إلا أن تكون دراهم يسيرة كالعشرة ونحوها، وإن كثرت الدراهم لم يجز، ولا بأس بصرف دينار بدراهم وفلوس.
ومن اشترى ثوباً وذهباً يسيراً لا يكون صرفاً بدراهم فتأخر درهم منها بطل البيع، وإن كانت الذهب كثيرة لم تجز، وإن انتقد جميع الصفقة، ومن اشترى فلوساً بدراهم أو بخاتم فضة أو ذهب أو بتبر ذهب أو فضة فافترقا قبل أن يتقابضا لم يجز، لأن الفلوس لا خير فيها نظرة بالذهب والورق.
قال مالك: وليس بحرام بيّن، ولكني أكره التأخير فيها. ولو جرت الجلود(3/93)
بين الناس مجرى العين المسكوك لكرهت بيعها بذهب أو ورق نظرة.
ولا يباع فلس بفلسين نقداً ولا مؤجلاً.
2491 - وإن اشتريت من رجل عشرين درهماً بدينار وأنتما في مجلس [واحد] ، ثم استقرضت أنت ديناراً من رجل إلى جانبك، واستقرض هو الدراهم من رجل إلى جانبه فدفعت إليه الدينار، وقبضت الدراهم، فلا خير فيه، ولو كانت الدراهم معه(3/94)
واستقرضت أنت الدينار، [فإن] كان أمراً قريباً كحل الصُّرة لا يقوم لذلك ولا يبعث وراءه، جاز، ولم يجزه أشهب.
2492 - وأكره للصيرفي أن يدخل الدينار في تابوته أو يخلطه ثم يخرج الدراهم، ولكن يدعه حتى يزن دراهمه فيأخذ ويعطي، وأكره أن يصارفه في مجلس، ويناقده في آخر، أو يجلسا ساعة ثم يتناقدا قبل أن يفترقا. (1)
ومن لقي رجلاً معه دراهم فواجبه عليها، ثم مضى [معه] إلى الصيارفة
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/309) ، ومواهب الجليل (4/309) .(3/95)
ليتناقدا، لم يجز، ولو قال له المبتاع: اذهب بنا إلى السوق بدراهمك فإن كانت جياداً أخذتها منك كذا وكذا درهماً بدينار، لم يجز، ولكن يسير معه على غير موعد، فإن أعجبه شيء أخذ وإلا ترك.
ولا خير في أن يبتاع الوارث من الميراث حلي فضة أو ذهب، أو ما فيه حلية أقل من الثلث، مثل السيف وشبهه، ويكتب على نفسه ويتأخر الوزن أو يؤخر المحاسبة، أو ليقوما إلى السوق فينقد، [فلا يعجبني ذلك] ولا ينبغي، وأراد منتقضاً، إلا أن يتناقدا حين البيع، ألا ترى لو تلف بقية المال أنه يرجع عليهم فيما صار لهم فيقتسمونه فلا يجوز إلا بالنقد، وكذلك الأجنبي.(3/96)
2493 - وإن صرفت من رجل ديناراً بعشرين درهماً، فلما قبضت الدينار تسلفت منه عشرين درهماً ثم رددتها إليه في صرف ديناره، لم يجز، وكأنك أخذت ديناراً في عشرين درهماً إلى أجل. ولو بعت منه دنانير فضة بدنانير قائمة فراطلته بها وزناً بوزن ثم تقابضتما فأراد أحدكما أن يصرف من صاحبه ديناراً مما أخذ منه، لم يجز.
2494 - وإن قبضت من غريمك ديناً، فلا تعده إليه مكانك سلماً في طعام أو غيره، وكذلك لو أسلمت إليه دنانير في طعام، ثم قضاكها بحدثان ذلك من دين لك عليه بغير شرط، لم يجز، ويكره ذلك كله بحدثانه.
2495 - وإن كان لك على رجل دراهم حالةً فبعتها من رجل بدنانير نقداً، لم يصلح ذلك إلا أن يقبض منك الدنانير وينقدك غريمك الدراهم مكانه يداً بيد. وبيع الدين إنما يجوز بعرض نقداً فإذا بيع بعين، لم يجز إلا يداً بيد.
2496 - قال عبد العزيز: وإذا أردت أن تبيع ذهباً نقصاً بوازنة فلم تجد من يراطلك فبع(3/97)
نقصك بورق ثم ابتع بورق وازنة، ولا تجعل ذلك من رجل واحد فإن ذلك ذهب بذهب وزيادة.
2497 - ومن اشترى سيفاً محلى كثير الفضة نصله تبع لفضته بعشرة دنانير، فقبضه ثم باعه مكانه من رجل إلى جنبه قبل النقد ثم نقد الثمن، لم ينبغ أن يقبض السيف حتى يدفع الثمن، فإن وقع ذلك مضى البيع وجاز إذا نقده مكانه. وأما إن قبض المبتاع السيف وفارق البائع قبل أن ينقده ثم باع السيف فبيعه جائز، ويضمن المبتاع الأول لبائعه قيمة السيف من الذهب يوم قبضه كبيع فاسد. ولو لم يخرجه من يده لم يفته حوالة سوق،، وله رده كالصرف، ولا يفيت الذهب والفضة تغير سوق، وإن أصابه بيده عيب فانقطع أو انكسر جفنه فعليه قيمته يوم قبضه.
2498 - وإن صرفت من رجل [ديناراً] بعشرين درهماً، فدفعت إليه الدينار وأمرته أن(3/98)
يدفع الدراهم أو نصفها إلى غريمك وقبضت أنت ما بقي، وذلك كله معاً، لم ينبغ ذلك حتى تقبضها أنت منه، ثم تدفعه إلى من شئت، لأنكما افترقتما قبل تمام القبض.
2499 - وإن وكلت رجلاً يصرف لك ديناراً، فلما صرفه أتيته قبل أن يقبض فأمرك بالقبض وقام فذهب، فلا خير فيه.
2500 - ولا يصلح للرجل أن يصرف ثم يوكل ن يقبض له، ولكن يوكل من يصرف له ويقبض.
ومن لك عليه دراهم فقلت له: صرّفها لي بدينار وجئني به، لم يجز، وكأنك فسختها [عليه] في دينار فيصير صرفاً متأخراً، أو أخرته بها إلى أن يشتريه لك(3/99)
فيصير سلفاً جرّ منفعة، وكذلك إن أمرته أن يبيع لك طعاماً لك عليه من بيع قبل أن تقبضه ويدخله بيعه قبل قبضه، وإن كان رأس مالك فيه عيناً فباعه بخلافه من العين دخله مع ذلك تأخير الصرف، وإن باعه بصنفه أزيد أو أنقص دخله الربا مع ذلك.
2501 - وإن صرف منك رجل ديناراً فلما وزنت له الدراهم وقبضها أراد مقاصتك بدينار له عليك، فإن رضيت جاز وإن لم ترض غرم لك دينار الصرف وطالبك بديناره.
ومن لك عليه نصف دينار ودراهم، فصرف منك ديناراً ثم قضاك دراهمك مكانه أو أعطاك ديناراً لتأخذ نصفه قضاء من دراهمك وتعطيه بنصفه دراهم، فلا بأس به. (1)
2502 - ومن استقرضت منه دنانير أو دراهم فلا تصرفها منك مكانك، فيئول إلى الصرف نظرة، إلا أن أقرضكها حالّة فابتعت بها منه سلعة نقداً أو إلى أجل، أو أقرضكها إلى أجل فابتعت بها منه سلعة يداً بيد، فلا بأس به. وإن أقرضكها إلى أجل فرددتها إليه في شيء إلى أجل، لم يجز، وصار ديناً بدين.
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/310) .(3/100)
2503 - ومن لك عليه ألف درهم إلى أجل فلما حلّ دفع إليك عرضاً فقال: بعه واستوف حقك، جاز، إلا أن يعطيك سلعة من صنف ما بعت منه بدينك، وهي أفضل، فلا يجوز، وأما إذا كانت مثلها في الصفة والجودة أو أدنى، فلا تهمة في ذلك.
ومن له عليك دراهم فلا يعجبني أن تعطيه ديناراً ليصرفه ويستوفي دراهمه، وأخاف أن يحبسه فيصير مُصرفاً من نفسه، وكذلك الفلوس.
2504 - وكره مالك أن تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك، أو غير عيونها في الوقت، أو بعد يوم أو يومين. قال ابن القاسم: فإن طال الزمان وصحّ أمرهما فلا بأس به.(3/101)
2505 - ويجوز الصرف من عبدك النصراني كالأجنبي، وكره مالك أن يكون النصارى في أسواق المسلمين [صيارفة] لعملهم بالربا، وارى أن يقاموا.
2506 - وإن بعت درهماً بنصفه فلوساً ونصفه فضة، أو اشتريت بنصفه أو ثلثيه طعاماً وأخذت بباقيه فضة جاز، وإن أخذت بثلثه طعاماً [وأخذت] بباقيه فضة، فمكروه.(3/102)
2507 - ومن غصبك دنانير فجائز أن تصرفها منه بدراهم [وتقبضها] ، ذكر أن الدنانير عنده حاضرة أو لم يذكر، لأنها في ذمته. ولو غصبك جارية جاز أن تبيعها منه وهي غائبة ببلد آخر وينقدك إذا وصفها، لأنها في ضمانه، والدنانير في ذلك أبين، ولا تصرف منه وديعة لك أو رهناً في بيته من ذهب أو فضة حليّ أو مسكوك، لأنه ذهب بفضة ليس يداً بيد، إلا أن تكون الوديعة حاضرة، ولو أودعته مائتي درهم ثم لقيته والدراهم في بيته فهضمت عنه مائة على أن أعطاك مائة من غير المائتين لم يجز، وإنما يجوز أن تأخذ منها مائة وتدع له مائة، وإن أودعته دنانير فصرفها بدراهم، أو ابتاع بها سلعة فليس لك أن تأخذ ما ابتاع أو صرف، وإنما لك عليه مثل دنانيرك. وإن أودعته عرضاً أو طعاماً فباعه بعرض أو طعام، كنت مخيراً في [أخذ] ما باعه به، أو أخذ المثل فيما يقضى بمثله، والقيمة فيما لا مثل له. (1)
2508 - ولا بأس بشراء سلعة بعينها بدينار إلا درهماً إن كان ذلك نقداً، فإن تأخر الدينار أو الدرهم أو السلعة وتناقد الباقي لم يجز. وروى أشهب عن مالك: إن كان
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/268) 312) .(3/103)
الدينار والدرهم نقداً والسلعة مؤخرة فجائز.
قال ابن القاسم: وإن تأخر الدينار والدرهم إلى أجل واحد وعجلت السلعة فجائز، وكذلك إن اشتراها بدينار إلا درهمين في جميع ما ذكرنا، وإن كانت بدينار إلا ثلاثة دراهم لم أحب ذلك إلا نقداً، وجعل ربيعة الثلاثة كالدرهمين، ولم يجز مالك الدرهم والدرهمين إلا زحفاً، فأما بدينار إلا خمسة دراهم أو عشرة فيجوز نقداً كله، ولا ينبغي التأخير في شيء من ذلك للغرر فيما(3/104)
يغترق ذلك من الدينار عند الأجل إن حال الصرف.
قال يحيى بن سعيد: لم أزل أسمع أنه يكره أن يبتاع الرحل ببعض دينار شيئاً ويأخذ بفضله ورقاً، ويترك ما ابتاع حتى يعود في يوم آخر فيأخذه، لأن ذلك يرى صرفاً.
2509 - قال مالك: وإن ابتاع منه سلعة بثلثي دينار فقال له بعد البيع: هذا دينار فاستوف منه ثلثيك وأمسك ثلثه عندك، فلا بأس به إذا صح ذلك ولم يكن بينهما في ذلك شرط عند البيع ولا عادة ولا إضمار.
2510 - ومن قدم تاجراً ومعه ألوف دراهم ورقيق ومتاع ونقر فضة، فاشترى ذلك كله [منه رجل] صفقة واحدة بألف دينار وتناقدا لم يجز، إذ لا يجوز صرف وبيع في صفقة، ولا شركة وبيع، ولا نكاح وبيع، ولا جُعل وبيع، ولا قراض وبيع، ولا مساقاة وبيع.
2511 - وإن ابتعت سلعة بخمسة دنانير إلا درهماً أو درهمين، فندقته أربعة دنانير وتأخر الدينار الباقي أو الدراهم، أو نقدته الدينار وأخذت الدرهم وأخرت الأربعة لم يجز ذلك، إذ للدراهم في كل دين حصة، ولو ابتعتها بخمسة دنانير إلا ربعاً أو سدساً(3/105)
جاز تعجيل الأربعة، وتأخير [الدينار] الباقي [حتى يأتيك بخمس أو بربع وتدفع إليه الدينار، وكذلك إن] [تأخرت الأربعة ودفع ديناراً] ، أو أخذ سدسه أو ربعه مكانه دراهم، [فلا بأس به] ، لأن الجزء من الدينار لا يجري في سائره.
2512 - ومن باع سلعة بدينار إلا قفيز حنطة نقداً، جاز ذلك، كان الدينار نقداً أو مؤجلاً، وكأنه باع السلعة وقفيز حنطة بدينار، هذا إن كان القفيز والسلعة عنده، وإلا لم يجز، ودخله بيع ما ليس عنده.
2513 - قال ابن المسيب: ومن باع من رجل طعاماً بدينار ونصف درهم فلا يأخذ من المبتاع بنصف الدرهم طعاماً، ولكن يأخذ منه درهماً ويعطيه ببقيته طعاماً. قال مالك: إنما كرهه سعيد لأنه يصير ديناراً وطعاماً بطعام، قال مالك: ولو كان نصف الدرهم ورقاً أو فلوساً أو غير الطعام جاز.(3/106)
2514 - وإن صرفت من رجل ديناراً بدراهم فلم تقبضها حتى أخذت بها منه سلعة، أو قبضت منه نصفها، وأخذت بنصفها سلعة مكانك، فذلك جائز، فإن رددت السلعة بعيب رجعت بدينارك، ولو صرفته منه بدراهم على أن تأخذها منه سمناً أو زيتاً نقداً أو مؤجلاً، أو على أن تقبضها ثم تشتري بها منه هذه السلعة، فذلك جائز، فإن رددت السلعة يعيب رجعت بدينارك، لأن البيع إنما وقع بالسلعة، واللفظ لغو، وإنما ينظر مالك إلى فعلهما لا إلى قولهما وليس هذا من بيعتين في بيعة.
2515 - ولا يجوز بيع سلعة ودراهم كثيرة بذهب، لأنه بيع وصرف، وإن كانت الدراهم يسيرة أقل من صرف دينار جاز ذلك كله نقداً، وإن نقدك من الذهب حصة الدراهم وأخر ما قابل السلعة لم يجز، ويجوز بيع سلعة ودراهم بعروض نقداً، أو إلى أجل، ولا يجوز بيعها بورق نقداً، ولا إلى أجل. وأصل قول مالك في بيع ذهب بفضة مع أحدهما أو مع كل واحد منهما سلعة، فإن كانت سلعة يسيرة تكون تبعاً جاز. وإن كثرت السلعة لم يجز، إلا أن يَقِلّ ما معها من ذهب أو فضة، وهذا كله نقداً.(3/107)
وإن كان الذهب والورق والعرضان كثيرين لا خير فيه.
ولا يجوز بيع فضة وذهب بذهب، ولا [بيع] إناء مصوغ من ذهب بذهب وفضة، ولا يباع حلي فيه ذهب وفضة بذهب ولا بفضة نقداً، كانت الفضة الأقل أو الذهب كالثلث أو أدنى، [وأجاز أشهب وعلي بن زياد أن يباع بأقلهما فيه، ويباع بالعروض والفلوس، ورواه علي عن مالك] .
2516 - ولا يجوز بيع ثوب ودراهم بعبد ودراهم، وإن تناقدا قبل التفرق، وأصل قول مالك أن الفضة بالفضة مع أحد الفضتين أو مع كل واحد منهما سلعة لا يجوز، كانت الفضة كثيرة أو يسيرة.(3/108)
2517 - والسيف المحلى والمصحف والخاتم إذا كان ما فيه من الفضة تبعاً كالثلث فأدنى، جاز بيعه بفضة نقداً، وإن كثرت الحلية وصار الفضل تبعاً لم يجز بيعه بالفضة. ولا يجوز بيعه بفضة أو بذهب إلى أجل، قلت الحلية أو كثرت، ويجوز بيعه بذهب نقداً، قلت الحلية أو كثرت، فإن بيع السيف بفضة أو بذهب إلى أجل، والذي فيه من الفضة تبع فسخ ذلك، إن كان قائماً، وإن فات بتفصيل حلية أمضيته، لأن ربيعة كان يجيز بيعه بذهب إلى أجل إذا كانت حليته تبعاً، وإنما كرهه(3/109)
مالك ولم يشدد فيه الكراهة، وجعله كالعرض لجواز اتخاذه، ولأن نزعه مضرة.
وما حُلي بفضة من سرج أو قدح أو سكين أو لجام أو ركاب مموه أو مخروز عليه، أو خرز مموه وشبه ذلك، فلا يجوز بيعه بفضة، وإن قلت حليته، لأن اتخاذ هذه الأشياء من السرف، بخلاف ما أبيح اتخاذه من السيف المحلى والمصحف والخاتم، وكان مالك لا يرى بأساً أن يحلى المصحف، وكان يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة، مثل: الإبريق ومداهن الفضة والذهب، ومجامر الفضة والذهب، والأقداح واللجم والسكاكين المفضضة، وإن كانت تبعاً، وكره أن تشترى.
2518 -[قال ابن القاسم:] ومن اشترى إبريق فضة بدنانير أو دراهم فاستحقت الدنانير أو الدراهم، انتقض البيع لأنه صرف.
2519 - ومن صرف ديناراً بدراهم فاستحقت الدراهم انتقض الصرف، وقال أشهب:(3/110)
لا ينتقض إلا أن تكون دراهم معينة، فإن لم تكن معينة يريه إياها، وإنما باعه من دراهم عنده من كيسه أو تابوته، فعليه مثلها ما لم يفترقا، قال ابن القاسم: ولو أنه إذ استحقت ساعة صرفها قال له: خذ مثلها مكانه قبل التفرق جاز، ولو طال أو تفرقا لم يجز.
2520 - ومن اشترى خلخالين من رجل بدينار أو دراهم، فنقده، ثم استحقهما رجل بعد التفرق، فأراد إجازة البيع، وابتاع البائع بالثمن لم يجز ذلك، ولو استحقهما قبل تفرق المتبايعين فاختار أخذ الثمن فلا بأس به إن حضر الخلخالان وأخذ الثمن مكانه، ولو كان المبتاع قد بعث بهما إلى بيته لم يجز، ولو افترقا لم أنظر إلى ذلك الافتراق، ولكن إذا حضر الخلخالان وأخذ المستحق الثمن من البائع أو من المبتاع مكانه فذلك(3/111)
جائز، وإن غاب الخلخالان لم يجز، قال أشهب: هذا استحسان والقياس الفسخ، لأنه صرف فيه خيار.
2521 - ومن اشترى من رجل دراهم بين يديه كل عشرين درهماً بدينار، فلما نقده الدنانير قال: لا أرضاها، فله نقد البلد، فإن كان نقد البلد في الدنانير مختلفاً فلا صرف بينهما إلا أن يسميا الدنانير.
2522 - ولا يجوز أن تصرف من رجل نصف دينار، أو ثلثه أو ربعه وإن قبض جميعه، لأنه لا يبين بحصته منه، قال أشهب: وقد بقي بينهما عمل الشركة، ولو اقتسماه فإنما يقتسمان دراهم، فيأخذ دراهم من دراهم.
وإن صرف رجل ديناراً من رجلين فقبضه أحدهما بأمر صاحبه وهو حاضر،(3/112)
أو صرف رجلان ديناراً من رجل فدفعاه إليه فذلك جائز، وكذلك لو كان موضع الدينار نُقْرة ذهب أو فضة. (1)
ومن كان بينه وبين رجل نقرة فباع منه نصيبه منها جاز ذلك إذا انتقد، قال أشهب: وإن باع نصيبه من غيره، وقبض المشتري جميع النقرة جاز، وإن لم يقبض فلا خير فيه.
2523 - وإن صرفت من رجل ديناراً ثم لقيته بعد أيام فقلت له: قد استرخصت [مني] فزدني، فزادك دراهم نقداً أو إلى أجل فجائز ولا ينتقض الصرف، وليس لك رد الزيادة بعيب فيها، وإن كان الدينار رديئاً فرده أخذ منك الذي زادك مع دراهمه، لأنه للصرف زادك فيرد برده، وكذلك الهبة بعد البيع للبائع إن رد السلعة بعيب أخذها.
ولا بأس بزيادة دراهم في راس مال السلم بعد شهر أو شهرين.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (8/418) .(3/113)
2524 - ومن لك عليه دراهم إلى أجل من بيع أو قرض فأخذت بها منه دنانير نقداً لم يجز، ولو كانت الدراهم حالة جاز، [وإن صارفته قبل الأجل على دنانير واشترطت قبضها عند محل أجل الدراهم، أو اشتريت بها منه قبل الأجل عرضاً بعينه، أو مضموناً إلى ذلك الأجل لم يجز، وإن تعجلت العرض جاز] ، [وكذلك إن كان مكان الدنانير عرض إلى ذلك الأجل، لأنه دين بدين، ولو كان العرض نقداً جاز] ما لم يكن العرض الذي تأخذ من صنف العرض الذي بعت، ويكون أجود منه أو أكثر فلا يجوز، حلّ أجل الدين أم لا.
2525 - وإن صرفت من رجل دنانير بدراهم، ثم أصبتها بعد التفرق زيوفاً، أو ناقصة فرضيتها جاز ذلك، وإن لم ترضها انتقض الصرف، وإن كان تأخر [من] العدد درهم لم يجز أن ترضى بذلك، لوقوع الصرف فاسداً.
وأما إن اشتريت فلوساً بدراهم ثم أصبت بعد التفرق بعضها رديئاً لا يجوز، فأرجو أن يكون البدل في ذلك خفيفاً للاختلاف فيها، وقد كان ابن شهاب يجيز البدل في صرف الدنانير بغير شرط، وإن كان مالك يأباه، فكيف في الفلوس؟.(3/114)
وإن وجدت في الصرف درهماً مردوداً لعينه وهو طيب الفضة، أو كان لا يجوز بجواز الدراهم عند الناس أو زائفاً، فلك رده ونقض الصرف إلا أن ترضاه، فإذا رددت إليه دراهمه حين وجدت بها عيباً، فجائز أن تؤخره بدينارك إذا ثبت الفسخ بينكما، وإن لم يثبت الفسخ كرهته، ورأيته صرفاً مستقبلاً.
2526 - ومن اشترى بدينار مائة درهم أو ديناراً بدرهمين أو بدرهم، أو كان له على رجل ذهب حالة، فأعطاه بها دراهم، فقال: لا أقبلها إلا بكذا، زيادة على صرف الناس، فذلك كله جائز.
2527 - ومن أقرضته ديناراً فوهبته نصفه، فله قضاؤك باقيه دراهم وتجبر على أخذها إن كانت كصرف الناس، وكذلك إن بعت منه سلعة بنصف دينار، الجواب واحد.
2528 - ومن باع سوار ذهب لا يعلم وزنه بفضة غير مسكوكة لا يعلم وزنها جاز، ويجوز بيع الذهب بالفضة جزافاً ما لم تكن سكة فتدخله المخاطرة.(3/115)
2529 - قال مالك: وإن أسلفت رجلاً مائة درهم عدداً وزنها نصف درهم، فقضاك مائة درهم وازنه على غير شرط جاز، وإن قضاك تسعين وازنة فلا خير فيه، وكذلك إن أقرضته عشرة دنانير ينقص كل دينار منها سدساً أو ربعاً فقضاك عشرة [دنانير] قائمة، جاز إن لم يكن في ذلك وأي ولا عادة، وإن قضاك تسعة لم يجز وإن كانت أكثر من وزنها، ولا يصلح إذا كانت عدداً بغير كيل إلا أن يستوي العدد ويكون الفضل في أحدهما، فيجوز.
2530 - ومن أقرضك مائة درهم وازنة عدداً، فقضيته خمسين درهماً أنصافاً جاز، ولو قضيته مائة درهم أنصافاً ونصف درهم واحد لم يجز، وإن كانت أقل وزناً، وأصل قول مالك [في هذا] ، أنك إن استقرضت دراهم عدداً فجائز أن تقضيه مثل عددها، كانت مثل وزن دراهمه أو أقل [أو أكثر] ، ويجوز أن تقضيه اقل من عددها في مثل وزنها أو أقل، إذا اتفقت العيون، وإن قضيته أقل من عددها في أكثر من وزنها، أو قضيته أكثر من عددها في أقل من وزنها لم يجز. ولو أقرضته المائة كيلاً جاز أن يقضيك أزيد عدداً أو أقل [في] مثل وزنها، وتفاضل الوزن معروف مع اتفاق(3/116)
العدد فهو جائز، واختلاف العدد مع تفاضل الوزن مكايسة فلا يجوز. وإن أبدل لك رجل ثلاثة دنانير بنقص سدساً سدساً، بثلاثة دنانير وازنة على المعروف جاز، وإن أعطاك بها دينارين قائمين لم يحل.
2531 - ومن أقرضته دراهم يزيدية فقضاك محمدية، أو قضاك دنانير عتقاء من دنانير هاشمية، أو سمراء من محمولة، أو من شعير لم تجبر على أخذها، حل الأجل أم لم يحل. (1)
قال ابن القاسم: وإن قبلتها جاز ذلك في العين من بيع أو قرض قبل الأجل وبعده، ولا يجوز في الطعام حتى يحل الأجل كان من بيع أو قرض، لأن الطعام يرجى تغير أسواقه وليس العين كذلك، ولابن القاسم قول في إجازته من قرض قبل
_________
(1) انظر: منح الجليل (4/525) ، والشرح الكبير (3/82) .(3/117)
الأجل إن لم يكن في ذلك وأْي ولا عادة، وهو أحسن إن شاء الله.
ولا تأخذ قبل الأجل يزيدية من محمدية، ولا محمولة من سمراء ويدخله ضع وتعجل. وقد قال مالك في الدين يكون على الرجل فيقول لصاحبه: ضع عني وأعجل لك أنه لا يجوز.(3/118)
وإن أقرضته دراهم مجموعة محمدية، فقضاك بعد الأجل يزيدية مجموعة أكثر من وزنها لم يجز، وذلك بيع فضل [وزن] عين بزيادة وزن، ولو قضاك يزيدية مثل وزنها فأقل جاز.
2532 - ولو أقرضته يزيدية مجموعة فقضاك محمدية مجموعة أقل من وزنها لم يجز، وذلك بيع زيادة بفضل عين، ولو قضاك محمدية مجموعة مثل وزن يزيديتك فأكثر جاز، ما لم تكن عادة، وكذلك إن قضاك يزيدية مجموعة أكثر من وزن يزيديتك، وهذا في الدنانير والدراهم سواء.
وإن أقرضته مائة درهم يزيدية كيلاً فقضاك مائة وعشرين يزيدية كيلاً لم يعجبني. وكذلك إن أقرضته طعاماً فلا تأخذ فيه فضل العدد، مثل عشرين ومائة إردب من مائة، ولو زادك ذلك بعد مجلس [القضاء] والتفرق جاز في العين والطعام ما لم تكن عادة، ولو قضاك أرجح في الوزن بشيء يسير أو أنقص بكثير فلا بأس [به] ، وإنما يجوز من ذلك مثل ما فعل ابن عمر، قضى مثل العدد وزاد في وزن الدراهم التي قضى، ولم يعطه عشرين ومائة بمائة، ولا عشرة ومائة بمائة.(3/119)
2533 - ومن لك عليه مائة دينار قائمة من بيع أو قرض، فلا تأخذ منها مائة مجموعة أزيد عدداً، لأنك تركت فضل عيون أو وزن، لفضل العدد، إلا أن تسلفه بمعيار عندك قد عرفت وزنه، أو شرطت في البيع الكيل مع العدد، فيجوز أخذ مجموعة وإن كانت أكثر عدداً، فأما إن أسلفته مائة عدداً فقضاك مثل عددها كيلاً أو أنقص منها في الوزن فجائز. وما بعت بفرادى فلا تأخذه كيلاً، وما بعت كيلاً فلا تأخذ فرادى، وما بعت بفرادى واشترطت كيله مع العدد فجائز أن تأخذ فيه كيلاً أقل عدداً أو أكثر، ومن ذلك أن تبيع سلعة بمائة درهم كيلاً، وتشترط عددها داخل المائة خمسة، فجائز أن تأخذ [كيلاً] أقل من ذلك العدد أو أكثر في مثل الوزن.
ومن لك عليه مائة دينار مجموعة من بيع أو قرض فقضاك مائة قائمة من غير وزن، فذلك جائز، لأنها أكثر وزناً وأفضل عيوناً، وإن قضاك مائة فرادى لم يجز، لأنك تجاوزت نقصها لفضل عيونها على المجموعة.
2534 - ومن باع سلعة بمائة دينار مجموعة، ولم يسم كم داخلها فلا بأس به ما لم يدخل له ذهباً غير جائز بين الناس، والدنانير المجموعة هي المقطوعة الناقصة تجمع في الكيل، والقائمة: هي المائة الجياد إذا جمعت مائة عدداً وزادت في الوزن مثل الدينار،(3/120)
والفرادى: إذا اجتمعت في الوزن نقصت في المائة مثل الدينار.
ومن لك عليه درهمان فرادى قد عرف وزن كل واحد منهما إلا أنهما لم يجمعا في الوزن، فلا تأخذ بوزنهما منه تبر فضة مكسورة، كانا في الجودة مثل فضته أو أدنى، لأنك إذا أخذت وزن الفرادى مجموعة لا بد أن يزيد وزن المجموعة على الفرادى، الحبة والحبتين أو ينقص، فلا يكون ذلك مثلاً بمثل.
2535 - ولا يباع القمح وزناً بوزن، وليس ما كرهنا من أخذ مجموعة من فرادى مثل ما أجزنا من أخذ السمراء من المحمولة، والمحمولة من السمراء بعد الأجل، لأن الطعام مكيل لا تفترق أقداره وهذا مختلف. (1)
2536 - ويجوز [بيع] مجموع الفضة بمجموعها، لأنه أخذ مثل وزن فضته أجود من فضته أو دونها في الجودة.
2537 - ومن لك عليه درهمان مجموعان فلا تأخذ منه بوزنهما أو أقل تبر فضة أجود من فضتهما، لأنه بيع لسكتهما بجودة الفضة، وليس هذا كقضاء سمراء من محمولة، لأن السكة غير الدراهم، وجودة الطعام ليس غيره.
_________
(1) انظر: المدونة (8/429) .(3/121)
2538 - ويجوز تبر الفضة بعضه قضاء من بعض، أجود صفة أو أردأ عند الأجل في مثل الوزن، ما لم تكن سكة، ولا فضل في وزن.
2539 - ومن أبدل لك دراهم كيلاً فقلت له: زدني في الكيل، [فزادك] فذلك ربا، وأما إن أبدل لك ديناراً أو درهماً بأوزن منه بغير مراطلة فذلك جائز فيما قل، مثل الدينارين والثلاثة لا أكثر، لأن هذا معروف، والأول مكايسة.
ولا يجوز في المبادلة أن يكون الناقص أجود عيناً، وإن سألته [أن] يبدل لك ديناراً هاشمياً ينقص خروبة بدينار عتيق قائم وازن، فلا خير فيه عند ربيعة ومالك، [قال ابن القاسم:] ولا بأس به عندي، وإن كان الديناران هاشميين إلا(3/122)
أن أحدهما ضُرب بمصر، والآخر ضُرب بدمشق، فإن كان الناقص أفضل في عينه ونفاقه عند الناس من الوازن فلا خير فيه، وإن اتفقا في النفاق والجودة جاز.
2540 - وإن أتيته بدينار مرواني مما ضرب في زمان بني أمية وهو ناقص، فأردت أن يبدله لك بدينار هاشمي [مما] ضرب في زمان بني هاشم، فإن كان بوزنه فجائز، وإن كان الهاشمي أنقص، فقد كرهه مالك بحال ما أخبرتك، ولا بأس به عندي.
2541 - وإن بعت من رجل دراهم بدراهم أو بفضة، أو فضة بفضة، فلما توازنتما رجحت فضتك فوهبته ذلك لم يجز.
2542 - ومن لك عليه تبر فضة أو ذهب مكسور، فلا تأخذ منه إذا حل الأجل تبراً أجود من الذي لك عليه أقل وزناً، ويجوز أن تأخذ أدنى من تبرك أقل وزناً.(3/123)
2543 - ولا يجوز أن تأخذ منه بعد الأجل محمولة، أقل كيلاً من سمراء لك عليه قضاء من جميع الحق، قال أشهب: إنه جائز كالفضة، كذلك لو اقتضى دقيقاً من قمح والدقيق أقل كيلاً، فلا بأس به إلا أن يكون الدقيق أجود من القمح الدين.
قال ابن القاسم: والفرق بين الفضة التبر وبين الطعام، أن الفضة التبر عند الناس كلها نوع واحد، وأمر قريب بعضه من بعض، والسمراء والمحمولة مختلفة السوق متباعد ما بينهما، ولو جاز ذلك لجاز أن تأخذ شعيراً أو دقيقاً أو سلتاً أقل، ويدخل في الطعام من قرض أو استهلاك التفاضل في بيعه، ويدخله أيضاً في البيع بيعه قبل قبضه. ومما يبين ذلك لو أتاك رجل بإردب سمراء، فقال لك: أعطني بها خمس ويبات محمولة أو شعيراً أو سلتاً، على وجه التطاول منه عليك لم يجز، ودخله بيع الطعام بالطعام متفاضلاً.(3/124)
وكذلك إن أتاك بطعام جيد فأبدله منك بارداً منه، لم يجز بأكثر من كيله، ويجوز في الذهب بدله بأنقص منها وزناً وأشر عيوباً على المعروف، فافترقا، ولا خير في اقتضاء صيحاني من عجوة قبل الأجل من قرض، ولا زبيب أحمر من أسود، وإن كان أجود منه، وما جاز في الاقتضاء من القرض جاز من الاستهلاك.
2544 - ومن أقرضته قمحاً فقضاك دقيقاً مثل كيله جاز، وإن كان أقل من كيله لم يجز.
2546 - ويجوز في المراطلة بيع مصوغ الذهب بتبر ذهب أو دنانير، أجود من الذهب المصوغ أو أردأ كيلاً، يداً بيد، بخلاف الاقتضاء.
2547 - وكذلك حلي بين رجلين باع أحدهما حصته منه شريكه بمثل نصف وزنه يداً بيد فلا باس به، وكذلك نقرة بينهما، وروى أشهب أن مالكاً لم يجزه في النقرة، إذ لا ضرر في قسمتها ككيس(3/125)
[مجموع] مطبوع بينهما، فيصير ذهباً بذهب، ليس كفة بكفة، وإنما جاز في الحلي لما يدخله من الفساد، وإنه لموضع استحسان.
2548 - وإن أقرضت رجلاً ذهباً مصوغاً أو سكة، فقضاك تبراً مكسوراً أجود عيناً أو قضاك حلياً أو دنانير عن تبر ذهب أقرضته، والتبر أجود ذهباً، والوزن في ذلك كله واحد لم يجز، لأنه بيع لسكة أو صياغة لجودة ذهب، والصياغة بمنزلة السكة، لأنه كان لا يلزمك أن تأخذ تبراً من حلي أقرضته، فلما أخذته علمنا أنك إنما رضيته لفضل عينه وذلك بحضورهما في المراطلة جائز، وتلغى السكة والصياغة، وتزول التهمة.
2549 - ولا يجوز التبر الأحمر الإبريز الهِرَقْلي بالذهب الصفر ذهب العمل، إلا مثلاً بمثل.(3/126)
ومن اشترى دنانير منقوشة مضروبة ذهباً إبريزاً أحمر جيداً بتبر ذهب أصفر للعمل وزناً بوزن، جاز ذلك، وإن أصاب في الدنانير مالاً يجوز عينه في السوق وذهبه أحمر جيد، لم ينتقض الصرف بينهما ولم يكن له رده، لأنه إنما يرجع بمثل ما يرد أو أردأ، وإن كان الدينار مغشوشاً انتقض من التبر بمثل وزنه خاصة.
2550 - ومن اشترى حلياً من فضة بوزنه من الدراهم أو بذهب أو بعرض جاز ذلك.
فإن وجد بالحلي كسراً أو شقاً فله رده، لأنه إذا حبسه لم يبق بيده مثل ما أعطى من فضل سكة لفضل صياغة، كمن ابتاع دقيقاً بقمح فوجد بالدقيق أو بالقمح عيباً لرده، لأن دقيق القمح المعيب ليس كدقيق الصحيح، بخلاف الدنانير المعيبة، لأنها إذا لم تكن مغشوشة فهي مثل ما أعطى وأفضل، وكذلك إذا ابتاع خلخالين من ذهب أو فضة، بتبر ذهب أو فضة، فوجد في الخلخالين عيباً يردان منه، وذهبهما أو فضتهما مثل تبره أو أجود فلا يردهما، لأن ما في يديه مثل تبره أو أفضل.
2551 - ومن كانت له دنانير ذهب أصفر ورجل آخر تبر مكسور إبريز أحمر فتصارفا وزناً بوزن جاز، وإن كان لأحدهما دنانير ذهب أصفر وللآخر دنانير مثلها ذهباً أصفر مع تبر ذهب أحمر، فإن اتفق المسكوكان في النَّفاق جاز، كان التبر أرفع من المنفردة أو أدنى، وإن كانت الدنانير التي مع التبر دون المنفردة والتبر أرفع منهما، لم يجز، لأن صاحب الدنانير المنفردة يأخذ فضل عيون دنانيره على دنانير صاحبه في جودة التبر الإبريز، وإن كانت [الدنانير] المنفردة دون الدنانير الأخرى ودون التبر أو أرفع منهما في نفاقهما، جاز ذلك، وإن كانت إحدى الذهبين كلها أنفق جاز، لأنه معروف، وإن كانت إحدى الذهبين نصفها مثل الذهب [الأخرى] ونصفها أنفق منها جاز، وأما إن كانت نصفها أنفق من المنفردة ونصفها دون المنفردة لم يجز.(3/127)
[قال مالك:] وإن راطلته هاشمية قائمة يُعتَّق أكثر عدداً أو أنقص وزناً فلا بأس به، فإن جعل مع الهاشمية ذهباً أخرى هي أشر عيوباً من العُتَّق كالناقصة ثلاث خروبات ونحوه، لم يجز.
* * *
ما يحرم في اقتضاء الطعام بالطعام
2552 - وإذا اقتضيت عشرة [دنانير] مجموعة من بيع فرجحت، جاز أن تعطيه برجحانها عرضاً أو ورقاً بخلاف المراطلة، وكذلك إن كان ذلك عليه لحم أو حيتان فاقتضيته [منه] فوجدت فيه فضلاً عن وزنك، فجائز شراؤك تلك الزيادة بثمن نقداً أو إلى أجل إن كان أجل الطعام قد حل، وإن لم يحل فلا خير فيه، وإن حل(3/128)
فاختلفت الصفات، والجنس واحد فلا بأس أن تأخذ بمنه] مثل وزنك أو كيلك أجود صفة أو أردأ، ولا تغرم لجودة أو تأخذ لزيادة شيئاً، ولا تأخذ أجود وأقل كيلاً ولا أردأ وأزيد كيلاً، وإن لم تغرم لذلك شيئاً ولا رجعت بشيء، ويدخل ذلك كله بيع الطعام قبل قبضه إن كان من بيع، ولو كان هذا من العروض التي تكال أو توزن أو غيرها من الثياب والحيوان عدا الطعام فلا بأس به.
ومن لك عليه دراهم يزيدية عدداً فقضاك محمدية أو يزيدية عدداً وأرجح لك في كل درهم، فلا بأس به ما لم تكن عادة، ولا يجوز أن تأخذ محمدية أقل من وزن اليزيدية، لأنك تركت وزن يزيديتك لفضل عيون المحمدية، وكذلك إن قضاك تبراً مكسوراً أجود من تبرك وأقل وزناً لم يجز، كان ما ذكرنا من بيع أو قرض.
2553 - وإن أقرضته فضة بيضاء فقضاك بعد الأجل فضة سوداء، مثل الوزن فأقل جاز، ولا يجوز أرجح، لأنك تركت جودة فضتك البيضاء في زيادة وزن فضته السوداء، وكذلك إن قضاك فضة بيضاء من فضة سوداء مثل الوزن فأكثر جاز، ولا يجوز أن يقضيك أقل من الوزن، وهذا كله ما لك تكن عادة بينهما. (1)
2554 - وإن أقرضته ديناراً فلا بأس أن تأخذ بسدسه أو بما شئت من أجزائه دراهم إذا حل أجله وكان حالاً، ويجوز أن تأخذ بثلثه عرضاً نقداً، ثم لا تأخذ ببقيته في الوجهين
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/399) .(3/129)
ذهباً، لأنه يصير ذهباً وورقاً بذهب، أو ذهباً وعرضاً بذهب، ويجوز أن تأخذ ببقيته عرضاً، وإن أخذت ببقيته دراهم وحدها أو مع عرض جاز ذلك إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز.
2555 - ولا يعجبني أن يباع الدرهم السَّتوق الرديء بدرهم فضة، وزناً بوزن ولا بعرض، لأن ذلك داعية إلى إدخال الغش وفساد أسواق المسلمين، وقد طرح عمر - رضي الله عنه - في الأرض لبناً غُشّ، أدباً لصاحبه، ولكن يقطعه، فإذا قطعه جاز بيعه إذا لم يغر به الناس ولم يكن يجوز بينهم.
قال أشهب: إذا رُدّ لغش فيه لم أر أن يباع بعرض ولا فضة حتى يكسر خوفاً أن(3/130)
يغش به غيره، ويجوز بدله على وجه الصرف بدراهم جياد، وزناً بوزن، لأنهما لم يريدا بهذا فضلاً بين الفضتين، وهذا يشبه البدل.
قال أشهب: وإذا كُسِر الستوق جاز بيعه إن لم يخف أن يسلبك فيجعل دراهم، أو يُسبل فيباع على وجه الفضة، فإن خاف ذلك فليصفه حتى تباع فضته على حدة ونحاسه على حدة.
2556 - ومن لك عليه فلوس من بيع أو قرض فأُسقطت لم تتبعه إلا بها، وقاله ابن المسيب في الدراهم إذا أسقطت، ومن استقرضك ديناراً دراهم، أو ثلث دينار دراهم [أو نصف دينار دراهم] فأعطيته دراهم، فليس يقضي عليه إلا بدراهم كما قبض مثل وزنها، غلت الدراهم أو رخصت.
2557 - قال يحيى بن سعيد: وإن استقرضك نصف دينار فدفعت إليه ديناراً فانطلق به فكسره فأخذ نصفه وردّ إليك النصف الباقي، فعليه أن يعطيك ديناراً فتكسره فتأخذ نصفه وترد إليه نصفه.(3/131)
وقال مالك: إن أعطيته ديناراً فصرفه المستسلف فأخذ نصفه وردّ نصفه كان عليه نصف دينار، غلا الصرف أو رخص.
2558 - وإن ابتعت سلعة بدانق أو بدانقين أو بنصف درهم أو بربع وقع البيع بالفضة وتعطيه بالفضة ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما أعطيته بذلك فلوساً في الموضع الذي فيه الفلوس، تصرف يوم القضاء لا يوم التبايع. (1)
وإن ابتعت شيئاً بدانق فلوس نقداً أو مؤجلاً، فإن سميتما ما للدانق من الفلوس أو كنتما عارفين بعدد الفلوس، فلا بأس به، والبيع إنما وقع على الفلوس، وإن كانت مجهولة العدد ولا تعرفان ذلك لم يجز، لأنه غرر.
2559 - وإن ابتعت سلعة بنصف دينار أو بثلث أو بربع، وقع البيع على الذهب وتدفع إليه ما تراضيتما عليه، فإن تشاححتما قُضي عليه في جزء الدينار بدراهم بصرف يوم القضاء لا يوم التبايع.
2560 - ومن باع سلعة بنصف دينار فاشترط أن يأخذ به دراهم نقداً يداً بيد، فإن كان الصرف معروفاً يعرفانه جميعاً فلا بأس بذلك إذا اشترطا كم الدراهم من الدينار.
2561 - ومن باع سلعة بنصف دينار إلى أجل واشترط أن يأخذ به إذا حل الأجل دراهم
_________
(1) انظر: المدونة (8/446) .(3/132)
لم يجز، ولو لم يشترط ذلك كان له إذا تشاحّا عند الأجل أن يأخذ منه دراهم على صرف الناس يوم يأخذه بحقه، ولكنه لما اشترط ذلك وقع البيع على ما يكون من صرف نصف دينار بالدراهم يوم يحل الأجل، فهذا مجهول.
قال أشهب: وإن كان إنما وجب له ذهب وشرط أن يأخذ منها دراهم، فذلك أحرم، لأنه ذهب بورق إلى أجل، وورق أيضاً لا يعرف عددها، ولو شرط أن يأخذ بنصف الدينار إذا حل الأجل ثمانية دراهم، كان بيعاً جائزاً، وكانت الثمانية لازمة لهما وذكر النصف لغو.
2562 - قال مالك: ومن باع سلعة أو أكرى منزله بنصف دينار أو بثلث على أجل، فلا يأخذ في ذلك قبل الأجل دراهم، وليأخذ عرضاً إن أحبا، فإذا حل الأجل فليأخذ ما أحب. (1)
* * *
"نهاية كتاب الصرف"
* * *
_________
(1) انظر: التقييد (3/177) .(3/133)
(كتاب بيوع الآجال)
2563 - ومن باع ثوباً [بثمن] إلى أجل، جاز أن يشتريه قبل الأجل بمثل الثمن فأكثر نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا يجوز بدون الثمن نقداً، أو إلى أجل دون أجله، ولا بأس به بالثمن فأقل منه إلى أبعد من أجله، فأما بأكثر منه فلا يجوز إلا على المقاصة عند الأجل، فإذا نقده صارت ذهباً في أكثر منها إلى أجل، وأما إلى الأجل نفسه فجائز بالثمن، أو أقل منه أو أكثر، وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم محمدية إلى شهر فلا تبتعه بعشرة يزيدية إلى ذلك الشهر، وإن بعت عبدين بعشرة [دنانير] إلى شهر، فلا تبع أحدهما بتسعة نقداً ولا بدينار نقداً(3/135)
فيصير بيعاً وسلفاً، ولو كان قصاصاً جاز، ويجوز بعشرة نقداً.
2564 - وإن بعت ثوباً بعشرة دراهم إلى شهر، فاشتريته قبل الأجل بخمسة دراهم وبثوب نقداً من نوعه أو من غير نوعه لم يجز، لأنه بيع وسلف، ولو كانت الخمسة مقاصة عند الأجل جاز، وإن بعت ثوبين بعشرة إلى أجل لم يجز أن تبتاع منه أحدهما بخمسة، وبثوب نقداً، لأنه بيع وسلف وفضة وسلعة نقداً بفضة مؤجلة.
2565 - وإن بعت ثوباً بعشرة محمدية إلى شهر، فابتعته بخمسة يزيدية إلى شهر وبثوب نقداً لم يجز، لأن ثوبك الراجع لغو، وكأنك بعت الثاني بخمسة على أن يبدل لك عند الأجل خمسة بخمسة من سكة أخرى، ولا تبتعه بثوب أو بثوبين من صنفه [إلى] دون الأجل أو إلى أبعد منه، لأنه دين بدين والثوب الأول لغو.
وإن بعته بثلاثين درهماً إلى شهر فلا تبتعه بدينار نقداً فيصير صرفاً مؤخراً، ولو ابتعته بعشرين ديناراً نقداً جاز، لبعدكما من التهمة، وإن بعت بأربعين درهماً إلى شهر، جاز أن تبتاعه بثلاثة دنانير نقداً لبيان فضلهما، ولا يعجبني بدينارين وإن(3/136)
تساويا في الصرف، ولا تبتعه بثوب ودينار نقداً، لأنه عرض وذهب بفضة مؤخرة. ولا يعجبني أن تبتاعه بعرض وفلوس [نقداً] .
2566 - وإن بعت من رجل مائة أردب محمولة بمائة دينار إلى أجل، ثم ابتعت منه قبل الأجل مائتي أردب محمولة كصفتها بمائة دينار نقداً لم يجز، لأنه رد إليك طعامك وزادك مائة أردب على أن أسلفته مائة دينار. ولا تشتر منه من صنف طعامك ككيله فأقل [بأقل] من الثمن نقداً، وإن كان مثل المكيلة بمثل الثمن فأكثر نقداً فجائز، وكذلك كل مكيل وموزون في هذا، وأما إن بعت منه ثوباً فرقبياً بدينارين إلى أجل فلا بأس أن تشتري منه قبل الأجل [ثوباً] من صنفه في(3/137)
[صفته] وجنسه بأقل من الثمن أو أكثر نقداً أو إلى أجل، وليس كرجوع ثوبك إليك، وإنما على مستهلك الثوب قيمته بخلاف ما يكال ويوزن.
2567 - وإن بعت منه عبدين أو ثوبين [بثمن] إلى أجل، جاز أن تقيله من أحدهما وإن غاب عليهما ما لم تعجل ثمن الآخر قبل أجله، أو تؤخره إلى أبعد من أجله، وإن كان طعاماً لم يجز أن تقيله من بعضه إذا غاب عليه حل الأجل أم لا، وإن لم يغب عليه أو غاب [عليه] بمحضر بينة جاز ذلك، ما لم ينقدك الآن ثمن باقيه، أو يعجله لك قبل محله فيصير قد عجل لك ديناً على أن ابتعت منه بيعاً، ويدخله طعام وذهب نقداً بذهب مؤجلة.
2568 - وإن أسلمت إليه فرساً في عشرة أثواب إلى أجل، فأعطاك منها خمسة قبل(3/138)
الأجل مع الفرس أو مع سلعة سواه على أن أبرأته من قيمة الثياب لم يجز، لأنه بيع وسلف ووضيعة على تعجيل حق، فوجه البيع والسلف أن الذي عليه الحق عجل لك الخمسة الأثواب سلفاً منه، يقبضها من نفسه إذا حلّ الأجل والفرس أو السلعة بيع بالخمسة الباقية، وأما ضع وتعجل فأن تكون السلعة المعجلة أو الفرس لا تسوى الخمسة الباقية ليجيز الوضيعة، ويدخله تعجل حقك وأزيدك دخولاً ضعيفاً.
ولو كانت قيمة السلعة المعجلة أضعاف قيمة الثياب المؤخرة لم يجز أيضاً، إذ لو أسلم ثوباً وسلعة أكثر ثمناً منه في ثوبين من صنفه لم يجز.
قال ربيعة: وما لا يجوز أن يسلم بعضه في بعض فلا تأخذه قضاء منه، مثل: أن تبيع تمراً فلا تأخذ في ثمنه قمحاً.(3/139)
2569 - قال ربيعة: وإن بعت حماراً بعشرة دنانير إلى أجل، ثم أقلته على أن عجل [لك] ديناراً، أو بعته بنقد فأقلته على أن زادك ديناراً أخرته عليه، لم يجز.
2570 - وإن بعت سلعة بثمن إلى أجل، لم يجز أن يشتريها عبدك المأذون له بأقل من الثمن نقداً [إن اتجر بمالك، وإن اتجر بمال نفسه فجائز، ولا يعجبني أن تبتاعها لابنك الصغير بأقل من الثمن نقداً] ، وإن وكلك رجل على شرائها له بأقل من الثمن لم يعجبني ذلك، ولا تبعها أنت لمشتريها منك يسألك ذلك لجهله بالبيع، إلا بمثل ما يجوز لك شراؤها به.(3/140)
2571 - وإن باع عبدك سلعة بثمن إلى أجل لم يعجبني أن يبتاعها بأقل منه نقداً إن كان العبد يتجر لك.
2572 - ولا بأس أن تبيع عبدك بعشرة [دنانير] من رجل، على أن يبيعك الرجل عبده بعشرة دنانير أو بعشرين ديناراً سكة واحدة [ولا يدخله بيع وسلف ولا سلعة وذهب بذهب] ، لأن المالين مقاصة.
وأما إن اشترطا إخراج المالين، أو أضمرا إضماراً يكون كالشرط عندهما لم يجز، ثم إن أراد بعد الشرط أن يدعا التناقد لم يجز، لوقوع البيع فاسداً، وإذ هما قادران بالشرط على فعل فاسد.(3/141)
2573 - وإن بعته سلعة بعشرة دنانير [إلى شهر] على أن تأخذ بها عند الشهر مائة درهم أو حماراً أو ثوباً موصوفاً فجائز، وإنما يقع البيع على ما يقبض، واللفظ الأول لغو.
2574 - ومن له على رجل دين إلى أجل فلما حلّ [الأجل] أخذ ببعضه سلعة على أن أخره ببقية الثمن لم يجز، لأنه بيع وسلف، وإن أخذ ببعض الثمن سلعة وأرجأ عليه بقيته حالاً جاز ذلك.
2575 - ومن لك عليه دين حال أو إلى أجل، فلا تكتر [به] منه داره سنة، أو أرضه التي رويت أو عبده شهراً، أو تستعمله هو به عملاً يتأخر، ولا تبتاع به منه ثمرة حاضرة في رؤوس النخل قد أزهت أو أرطبت، أو زرعاً قد أفرك، لاستئخارهما، ولو اسْتُجذّت الثمرة واستُحصد الزرع ولا تأخير لهما جاز، ولا يبتاع به منه سلعة(3/142)
بخيار أو أمة بتواضع، أو سلعة غائبة على صفة أو داراً غائبة على صفة، ولو بعت دينك من [غير] غريمك بما ذكرنا جاز، وليس كغريمك، لأنك انتفعت بتأخيره في ثمن ما فسخته فيه عليه بخلاف الأجنبي، مع أنه لا يجوز في خيار أو مواضعة أو شراء شيء غائب تعجيل النقد بشرط.
2576 - ومن لك عليه مائة أردب حنطة إلى أجل من بيع أو قرض، فوضعت عنه قبل الأجل خمسين على أن يعجل لك خمسين لم يصلح، لأنه ضع وتعجل.
2577 - وإن بعت عبدك بعروض مضمونة إلى أجل، فلما حل الأجل أخذت بذلك المضمون عبدين من صنف عبدك، لم يجز.
ولا تأخذ من ثمن عبدك إلا ما يجوز لك أن تسلم عبدك فيه.
2578 - وإن أسلمت إلى رجل في محمولة إلى أجل فلقيته قبل الأجل فقلت له: أحسن إليّ واجعلها لي في سمراء إلى أجلها، ففعل لم يجز، [لأنه فسخ محمولة في سمراء إلى(3/143)
أجل] ، [فصار ذلك ديناً بدين] ، ولو حلّ الأجل جاز ذلك، أخذ سمراء من محمولة أو محمولة من سمراء، لأنه بدل.
2579 - ولا يجوز أن تبيع من رجل بيعاً على أن تسلفه أو يسلفك، فإن نزل فُسِخ، إلا أن يسقط مشترط السلف شرطه قبل فوات السلعة بيد المبتاع فيتم البيع، قال مالك: وهذا مخالف لبعض البيوع الفاسدة وإن لم يعلم بفساد البيع حتى فاتت السلعة بتغير سوق أو بدن، وكان السلف من البائع فله الأقل من الثمن أو من القيمة يوم القبض ويرد السلف، وإن كان السلف من المبتاع فعليه الأكثر منهما ما بلغ.
2580 - ومن ابتاع سلعة على أن البائع متى ما ردّ الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك، لأنه سلف جرّ منفعة، وقرضك ثوباً في مثله، كسلمك ثوباً في مثله، فإن كان النفع للآخذ ولم تغتز أنت نفعاً فذلك جائز، وإن أردت به نفع نفسك وعلم بذلك(3/144)
صاحبك، أو لم يعلم بذلك لم يجز. وكذلك لو أقرضته عيناً أردت كونه في ذمته إلى أجل لما كرهت من بقائه في بيتك، وكذلك في قرض جميع الأشياء، فإن نزل ذلك وعلم أنك اغتزيت به نفع نفسك، فلك تعجيل حقك [إن كان ما اغتزيت من النفع بنفسك ظاهراً] ، وإن لم يكن غير دعواك لم يكن لك تعجيله، وقد خرجت، والبيع الفاسد بثمن إلى أجل إذا فات عُجلت فيه القيمة وفسخ الأجل.
2581 - وكل ما أقرضته من طعام أو عرض أو حيوان أو غيره ببلد، على أن يوفيكه ببلد آخر لم يجز وإن ضربت أجلاً، بخلاف البيع، قال عمر: فأين الحِمال؟.
وأما إن أقرضته عيناً فلا حمال فيها، إذ لك أخذه بها حيث ما لقيته بعد الأجل، فإذا اشترطت أخذها ببلد آخر، فإنما يجوز ذلك إذا فعلته(3/145)
رفقاً بصاحبك، لا تغتزي أنت به نفع نفسك من ضمان طريق غيره كما تفعل في السفاتج إذا ضربت أجلاً يبلغ البلد في مثله، وإن لم يخرج فلك أخذه بعد الأجل حيثما وجدته. (1)
ولا يعجبني إن لم يضربا مع ذكر البلد أجلاً، ولا يجوز للحاج قرض كعك أو سويق على أن يوفيه ببلد آخر، وليسلفه ولا يشترط. قال ابن عمر: "لا يشترط إلا القضاء".
ومن له إلى جانبك زرع فاستقرضته منه على أن تقضيه من زرع لك ببلد آخر، لم يجز.
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/548) ، ومواهب الجليل (5/357) ، والكافي (1/359) ، والقوانين الفقهية (ص190) ، وأنيس الفقهاء (ص225) ، والتعريفات (ص157) ، والسفاتج: القرض.(3/146)
2582 - وإن أقرضك فداناً من زرع مستحصد تحصده أنت وتدرسه لحاجتك وترد عليه مثل كيل ما فيه، فإن فعل ذلك رفقاً ونفعاً لك دونه، جاز إذا ليس فيما كفيته منه كبير مؤنة، لقلته في كثرة زرعه، ولو اغتزى بذلك نفع نفسه بكفايتك إياه ذلك، لم يجز.
2583 - ولا تقرض لرجل طعاماً على تصديقك في كيله، فإن كنت أنت قد استقرضته أيضاً فكأنه أخذه ليضمن نقصه. ولو حضر كيله حين قبضته جاز قبضه لذلك قبل غيبتك عليه.
ولو استقرضته [له] وأمرته بقبضه جاز ذلك، وكان ديناً لربه عليك وديناً لك أنت على قابضه. ولا بأس ببيع ما استقرضت على تصديق كيلك بثمن نقداً، ولا ينبغي إلى أجل، وفارق القرض أن للمبتاع ما وجد من المتعارف من زيادة الكيل أو نقصه فله وعليه، ويرد كثير الزيادة ويرجع بحصة كثير النقص من الثمن، والقرض يصير للتسمية ضامناً إلا أن يقول له: كِلْه وأنت مصدق، فيجوز، ويصدق فيما يذكره.(3/147)
2584 - وإن أقرضت رجلاً طعاماً إلى أجل فلا بأس أن تبيعه منه أو من غيره قبل الأجل بكل شيء نقداً، عدا سائر الطعام والشراب والإدام كله، [لأنه بيع الطعام بالطعام إلى أجل] ، ولا بأس أن تبيعه من الذي هو عليه إذا حلّ الأجل بما شئت من الأثمان أو بطعام أكثر من كيل طعامك نقداً، أو بصيرة تمر أو زبيب، غلا أن يكون ذلك من صنف طعامك فلا تأخذ أكثر كيلاً [منه] .
2585 - وإن أقرضته حنطة فلا تأخذ منه إذا حلّ الأجل دقيقاً ولا شعيراً ولا سُلتاً إلا مثلاً بمثل، فأما قبل الأجل فلا تأخذ منه إلا مثل حنطتك صفة وكيلاً، ولا تأخذ منه شعيراً ولا سلتاً ولا دقيقاً ولا شيئاً من الطعام قبل الأجل، ويدخل ذلك: ضع وتعجل، وبيع الطعام بالطعام إلى أجل. (1)
2586 - وإن بعته طعاماً لك عليه حالاً من قرض بدنانير، لم يجز أن تفارقه حتى تنتقد، إلا مثل أن تذهب معه إلى السوق أو يأتيك بها من البيت، فأما أن [تصير] تطلبه بها فلا يجوز، لأنه فسخ دين في دين.
_________
(1) انظر: المدونة الكبرى (9/128) ، والتاج والإكليل (4/367) .(3/148)
2587 - ولا بأس أن تأخذ من دين لك قد حلّ، ورقاً من ذهب، أو ذهباً من ورق، أو ما شئت من السلع نقداً.
ومن لك عليه ألف درهم حالّة فاشتريت منه بها سلعة بعينها حاضرة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن دخلت [بيتك] قبل أن تقبضها فالبيع جائز، وتقبضها إذا خرجت، وإن أخذت منه بدينك طعاماً فكثر كيله فذهبت بعد وجوب البيع لتأتي بدواب تحمله، أو تكري له منزلاً أو سفناً وذلك يتأخر اليوم واليومين، أو شرعت في كيله فغابت الشمس وقد بقي من كيله شيء فتأخر إلى الغد، فلا بأس به، وليس هذا دين في دين، وأراه خفيفاً، لأنهما في عمل القبض، وإن أخذت منه بدينك ما لا مؤنة فيه من قليل الطعام والفواكه، في كيل أو وزن أو عدد، لم يجز تأخيره، إلا ما كان يجوز ذلك في مثله أن تأتي بحمال يحمله أو مكتل يجعله فيه، فعلى هذا فاحمل أمر الطعام.
2588 - والقرض في الخشب والبقول والرياحين وفي كل شيء جائز إذا كان معروفاً، إلا الجواري وتراب الفضة.(3/149)
2589 - ولا ينبغي لك قبول هدية من ديانك، إلا من تعودت ذلك منه قبل أن تداينه وتعلم أن هديته إليك ليس لأجل دينك، فلا بأس بذلك.
قال عطاء: وإن قارضت رجلاً مالاً أو أسلفته إياه فلا تقبل منه هدية، إلا أن يكون من خاصة أهلك لا يهدي لك لما تظن، فخذ منه. (1)
2590 - ومن أقرضته خبز الفرن فلا تشترط عليه خبز تنور أو ملة، ويجوز قضاؤكه بغير شرط تحرياً، وكذلك سمراء من محمولة أو ديناراً دمشقياً من كوفي بهذا المعنى.
2591 - ومن له عليك طعام من سلم فأحلته على طعام لك من قرض، أو كان الذي له عليك من قرض فأحلته على طعام لك من بيع أو قرض قد حلّ، أو دفعت إليه دراهم يبتاع بها طعاماً يقبضه من حقه، فذلك كله جائز.
2592 - وإن كان لك عليه طعام من قرض وله عليك طعام من قرض ككيله وصفته حالّين أو مؤجلين، جاز أن تتقاصا، اتفق الأجلان أو اختلفا، ولم يحلا
_________
(1) انظر: التاج والإكليل (4/546) .(3/150)
[أو حلا] ، أو حلّ أحدهما، إلا أن يكون الذي له عليك سمراء والذي لك [عليه] محمولة، فتجوز المقاصة إن حلا، لأنه بدل، وأما إن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، إذ لا يجوز قضاء سمراء من بيضاء ولا بيضاء من سمراء قبل الأجل من بيع أو قرض.
وإن كان لك عليه طعام من سلم وله عليك مثله من سلم لم يجز أن تتقاصا، حلت الآجال أو لم تحل. وإن كان أحدهما من قرض والآخر من سلم، فإن حلا والصفة والمقدار متفقان جازت المقاصة، وإن لم يحلا أو لم يحل إلا أحدهما لم يجز، كان الحل منهما سلماً أو قرضاً، وإن كان لك عليه دين وله عليك مثله صفة ومقداراً، وهما ذهب جميعاً أو ورق أو عرض، فلا بأس أن تتقاصا في ذلك كله، كانا من بيع أو قرض، اختلفت الآجال أو اتفقت، وقد حلاّ أو لم يحلاّ أو حلّ أحدهما، وإن كان لك عليه ذهب وله عليك ورق جازت المقاصة إن حلا، ولا يجوز بحلول أحدهما، ولا إن لم يحلاّ وإن اتفق الأجلان، لأنه صرف مؤخر.
وإن كان لك عليه عرض وله عليك عرض وهما مختلفا الجنس والصفة، فإن كان أجلهما مختلفاً لم يجز أن يتقاصّا حتى يحلاّ أو يحلّ أحدهما، ولو اتفق أجلاهما ولم يحلاّ(3/151)
جاز التقاصص فيهما قبل محلهما، ولو اتفقا في الصفة والجنس والقدر جازت المقاصة فيهما وإن اختلفت آجالهما، وليس كمن ابتاع عرضاً مؤجلاً في ذمة رجل بعرض مؤجل في ذمته، لأن الذمتين مشغولتان وفي المقاصة تبرآن.
وحكم أجناس التمر و [أجناس] الزبيب وسائر الحبوب في المقاصة على ما ذكرنا في الحنطة في القرض والسلم.
ومن لك عليه إردب حنطة من قرض إلى أجل بحميل وأقرضك مثله إلى أبعد من أجله بغير حميل فلا بأس أن يتقاصا. ومن له عليك طعام من سلم قد حلّ فلا باس أن تحيله على طعام استقرضته، ويكون بكيلٍ واحدٍ قرضاً عليك وأداءً من سلم.
* * *
تم كتاب بيوع الآجال بحمد الله وعونه سبحانه
* * *(3/152)
(كتاب البيوع الفاسدة) (1)
2593 - ومن ابتاع شيئاً بيعاً فاسداً ففات عنده فعليه قيمته يوم قبضه. والفوت مختلف، فالرقيق والحيوان يفيتها طول الزمان عند المبتاع، لأنها لا تثبت على حالها، وأما الثياب والعروض فلا يفيتهما ذلك إلا أن تتغير أسواقهما، [وأما الدور والأرضون فلا يفيتها حوالة الأسواق وطول الزمان، وإنما يفيتها البيع والبناء والهدم والغرس، قال ابن القاسم:] فإن تغير سوق السلعة ثم عاد لهيئته لم يكن للمبتاع ردها، لأن القيمة قد وجبت، وأما إن باعها ثم رجعت إليه بعيب أو شراء أو هبة أو ميراث فله الرد، إلا أن يتغير سوقها قبل رجوعها إليه، فذلك فوت، وإن عاد لهيئته، وأشهب يفيتها بعقد البيع.
_________
(1) انظر: كفاية الطالب (2/209) ، وحاشية الدسوقي (3/72) ، ومواهب الجليل (4/362) ، والمدونة الكبرى (9/145) ، ومختصر خليل (162) ، والتقييد (4/23) .(3/153)
2594 - ولا يجوز أن تبتاع جاريت بجاريتين غير موصوفتين، ويرد ذلك، فإن فاتت [الجارية] عندك بعيب أو نقص سوق، لزمتك قيمتها، يوم القبض وليس لبائعها منك أخذها مع ما نقصها، ولا أخذها بغير شيء يأخذه لنقصها، كما ليس لك ردّها عليه مع ما نقصها من عيب، ولا بعد زيادتها في سوق أو بدن إذا لم يقبلها البائع، إلا أن يجتمعا [على ذلك] في جميع ما ذكرنا.
2595 - ومن اشترى أمة بيعاً فاسداً، فولدت عنده ثم مات الولد، فذلك فوت وليس له ردها، كانت من المرتفعات أو من الوخش، لأن القيمة قد وجبت وليس ما ذكرناه من حوالة سوق أو [عيب في] بدن يفيت الرد [بالعيب] في [البيع] الصحيح، وإن كان عيباً مفسداً فإنه يردها وما نقصها، ولا شيء عليه في العيب الخفيف، ولا يفيت ردها، والفرق أن البيع الحرام دخل فيه المتبايعان بمعنى واحد، فليس للمبتاع رده في النقص، كما ليس للبائع أخذه في الزيادة،(3/154)
والعيب سببه من عند البائع [خاصة] ، والحجة للمبتاع في الرد.
2596 - ولا يجوز بيع سلعة بثمن إلى أجل مجهول، فإن نزل لم يكن للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وللبائع أخذها أو قيمتها في الفوت.
2597 - ومن اشترى ثمراً لم يزه فجذه قبل إزهائه، فالبيع جائز إذا لم يشترط تركه إلى إزهائه. فإن لم يجذه وتركه حتى أرطب أو أثمر فجذه لم يجز البيع، وفسخ، ورد قيمة الرطب أو مكيلة التمر إن جذه تمراً.
2598 - وإذا جمعت صفقة حلالاً وحراماً فسد جميعها.
قال مالك - رحمه الله - يرد الحرام البين فات أو لم يفت، وما كان مما كرهه الناس رُد إلا أن يفوت فيترك.(3/155)
2599 - قال مالك: وشراء القصيل (1) والقَرَظ (2) والقصب واشتراط خِلفته، إنما يجوز ذلك إذا بلغ أن يرعى أو يجذ للعلف، وإن لم يكن في ذلك فساد فيجوز شراؤه واشتراط الخلفة فيه إن كانت مأمونة لا تختلف، أو يشترط منه جذة أو جذتين، إذا لم يشترط أن يتركه حتى يصير حياً، فإن اشترط ذلك لم يجز وفسخ البيع، وإن لم يشترط ذلك ولكن غلبه الحب في اشتراط الخلفة وقد جز أو رعى رأسه أو ما قل أو كثر، قُوّم ما رعى وجز بقدر تشاح الناس فيه، ويقوم ما كان يرجى من خلفته أو باقيها، ولا يقوم الحب ولا ينظر إلى غزر نبات أوله أو آخره، وإنما ينظر إلى قيمة القصيل في أوقاته، كان أوله أغزر أو آخره، فيجمع قيمة ما جُزّ مع قيمة [ما] تحبب، فإن كان قيمة ما تحبب قدر ثلث ذلك أو نصفه أو أقل أو أكثر رد من الثمن بقدر ذلك، قلّ [الثمن] أو كثر، قال ابن القاسم: ومعنى قوله: إذا لم يكن في ذلك فساد، يريد إذا كان قبل أن يبلغ الرعي أو أن يحصد.
2600 - وإذا خرج القصيل من الأرض ولم يبلغ أن يرعى أو يحصد لم يجز شراؤه. ويشترط أن يتركه حتى يبلغ أن يرعى أو يحصد، ولا يجوز شراء قصيل أو قرظ
_________
(1) هو علف أخضر للبهائم.
(2) هو حب العدس، وانظر: الكافي لابن عبد البر (1/314) ، والفواكه الدواني (2/130) .(3/156)
أو قصب [وقد بلغ أن يرعى] ، على أن يتركه يتحبب أو يقصّب أو يتركه شهراً، إلا أن يبدأ الآن في قصله فيتأخر شهراً وهو دائم فيه.
فأما تأخيره لزيادة نبات فلا يجوز، وليس كتأخير ما يشترى من ثمرة نخل أو تين بعد طيبه، إذ إنما يزيد في الثمرة حلاوة ونضجاً وقد تناهى عظمها، والقصيل يزيد نشوزاً، ومنه ما يسقى فيشترط سقيه شهراً أو أكثر، وهو كشراء شيء بعينه إلى أجل، والجائحة فيه من البائع، ولو جاز ذلك لجاز شراؤه بقلاً على أن يترك إلى أن يرعى، أو طلعاً ويترك إلى أن يصير بلحاً، وإنما يجوز ذلك على القلع.
وكذلك صوف الغنم لا يجوز اشتراط تركه إلى تناهيه.
وإن ابتاع بقل الزرع على رعيه مكانه، وإن اشترط سقيه إلى أن يصير قصيلاً لم يجز.
ويجوز لمن اشترى أول جزة من القصيل شراء خلفته بعد ذلك، ولا يجوز ذلك لغيره، ولا يجوز أن يشتري ما تطعم المقثأة شهراً، لاختلاف الحمل فيه في كثرته في الحر وقلته في البرد.(3/157)
2601 - ولا يجوز بيع سلعة على أنها بالنقد بدينار أو إلى شهر بدينارين، وكذلك على أنها إلى شهر بدينار، أو إلى شهرين بدينارين على الإلزام لهما أو لأحدهما، وليس للمبتاع تعجيل النقد لإجازة البيع، لأنه عقد فاسد، وإن كان على غير الإلزام جاز.
ولا يجوز شراء سلعة بمائة مثقال من ذهب وفضة لا يسمى كم من هذا وهذا.
2602 - ومن ابتاع أمة على تعجيل العتق جاز، لأن للبائع تعجيل الشرط، بما وضع من الثمن، ولم يقع فيه غرر، فإن أبى أن يعتق فإن كان اشترى على إيجاب العتق لزمه العتق، وإن لم يكن على إيجاب العتق لم يلزمه العتق، وكان للبائع ترك العتق وتمام البيع أو يرد البيع، فإن رد بعد أن فاتت فله القيمة، وقال أشهب: لا يرد البيع ويلزمه العتق بما شرط.(3/158)
وأما إن ابتاعها على أن يعتقها إلى أجل أو يدبرها أو على أن يتخذها أم ولد، لم يجز، للغرر بموت السيد أو الأمة قبل ذلك، ولحدوث دين يرد التدبير، فإن فاتت المشترط فيها أن يتخذها أم ولد بولد أو عتق، أو فاتت المشترط فيها التدبير أو العتق بذلك أو غيره، فللبائع الأكثر من قيمتها يوم قبضها المبتاع أو الثمن.
2603 - ولا يجوز أن تبتاع عبداً على ألا تبيع ولا تهب ولا تتصدق، فإن فات بيدك رددت قيمته.
2604 - وكل دين على رجل من بيع أو قرض فلا تفسخه عليه إلا فيما تتعجله، فإن أخذت به منه قبل الأجل أو بعده سلعة معينة، فلا تفارقه حتى تقبضها، فإن أخرتها لم يجز.
وأما إن ابتعت ثوباً بعينه بدينار إلى أجل، فتأخر قبض الثوب فلك قبضه، والبيع تام، وليس للبائع حبسه بالثمن، لأنه مؤجل، وليس كتأخير ما تأخذ في دينك، وقد يجوز أن تكتري من رجل داره بدين يبقى عليك.
ولا تكترها منه بدين لك عليه قد حلّ أو لم يحل، وقد تقدم هذا.(3/159)
وكره مالك - رحمه الله - أن يبتاع طعاماً بعينه بدين إلى أجل، ثم يؤخر كيل الطعام إلى الأجل البعيد، قال ابن القاسم: وأرى السلع كلها مثله لا تؤخر إلى الأجل البعيد.
2605 - ولا يجوز لرجل شراء سلعة بعينها بقيمتها أو على حكمه أو حكم البائع، أو على رضاه أو رضى البائع، أو على حكم غيرهما أو رضاه.
2606 - ومن الغرر بيع عبد آبق، أو بعير شارد، أو جنين في بطن أمه، أو ثمرة لم يبد صلاحها، ولو كان الآبق قريب الغيبة ما جاز شراؤه، ولا شراء ما ضل، أو ند من بعير أو شاة، إلا أن يدعي المبتاع معرفته بمكان عرفه فيه، فيكون كبيع الغائب، ويتواضعان الثمن، فإن ألفاه على ما يعرف، تم البيع، وإن تغير أو تلف كان من البائع وأخذ هذا ثمنه.
وضمان اذكرنا فساد بيعه من آبق أو شارد أو جنين أو ثمرة من البائع حتى يقبضه المبتاع، فإذا قبضه رده إن لم يفت، فإن فات بعد أن قبضه فليرد فيما له قيمة قيمته يوم قبضه، ويرد مكيلة [التمر] إن جذه تمراً، فإن أكله رُطباً ردّ قيمته، وثمر النخل في البيع الفاسد مصيبتها من البائع ما دامت في رؤوس النخل.(3/160)
2607 - ولا يجوز بيع غيران المعادن، لأن من قطعت له إذا مات قطعت لغيره ولم تورث عنه. وما ظهر من المعادن في أرض العرب التي أسلم عليها أهلها أو بأرض المغرب فأمرها إلى الإمام يقطعها لمن رأى.
ويجوز بيع تراب الذهب بالفضة، أو تراب الورِق بالذهب.
قال مالك: وقد كتب عمر بن عبد العزيز بقطع المعادن، قال ابن القاسم: لأنه يجتمع فيها شرار الناس.
ومن عمل في المعدن فأدرك نيلاً لم يجز له بيع ذات النيل، لأنه غرر لا يعلم دوامه، وله منعه من الناس بخلاف فضل الماء، ولم يأت في هذا ما جاء منه في منع فضل الماء. (1)
_________
(1) قوله (فأدرك نيلاً) أصاب في المعدن شيئاً. ويقصد بما جاء في منع فضل الماء حديث جابر عند مسلم (1565) .(3/161)
ولا يجوز بيع المعدن ضريبة يوم ولا يومين، لأن ذلك مخاطرة.
2608 - وإذا كانت المواشي والدواب تعدو في زرع الناس، فأرى أن تُغرّب وتباع في بلد لا زرع فيها، إلا أن يحبسها أربابها عن الناس.
2609 - ولا بأس بالبيع إلى الحصاد أو الجذاذ أو العصير، أو إلى رفع جرون بئر زرنوق، لأنه أجل معروف، وأما إلى العطاء فإن كان قائماً معروفاً [وقته] فجائز، [وإلا لم يجز] ، وإن كان النيروز والمهرجان وفصح النصارى وصومهم والميلاد وقتاً معروفاً، فالبيع إليه جائز.(3/162)
2610 - وإذا اختلف الحصاد في البلد الذي تبايعا فيه نظر إلى حصاد عظم البلد الذي تبايعا فيه، ولا ينظر إلى أوله ولا إلى آخره فيحل الحق حينئذ، ولا ينظر إلى غيرها من البلدان، قيل: فإن اختلف الحصاد في البلد ذلك العام، فقال: إنما أراد مالك إذا حل أجل الحصاد وعظمه، وإن لم يكن لهم حصاد في سنتهم تلك فقد بلغ الأجل محله.
وخروج الحاج أجل معروف إذا تبايعا إليه، وهو أبين من الحصاد.
وفي كتاب التجارة بأرض الحرب ذكر بيع ماء العيون والبرك وما تولد فيها.
2611 - ولا بأس أن تشتري زرعاً قد استحصد كل قفيز بكذا نقدته الثمن أم لا، وإن تأخر دراسه إلى [مثل] عشرة أيام أو خمسة عشر يوماً ونحوها.
وإن قلت لرجل: اعصر لي زيتونك هذا، فقد أخذت منك زيته كل رطل بكذا، فإن كان خروجه عند الناس معروفاً لا يختلف إذا عصر وكان الأمر(3/163)
فيه قريباً كالزرع جاز، وجاز النقد فيه، وإن كان مما يختلف لم يجز إلا أن يكون مخيراً فيه، ولا ينقده، ويكون عصره قريباً إلى العشرة أيام ونحوها، قال أشهب: بيع الزيت على الكيل إذا عرف وجه الزيت ونحوه لا بأس به، فأما بالرطل فإن كان القسط يعرف كم فيه من رطل ولا يختلف، وإن كان يختلف فلا خير فيه، لأنه لا يدري ما اشترى، لأن الكيل فيه معروف والوزن فيه مجهول.
2612 - وكره مالك - رحمه الله - بيع العَذِرة ليزبل بها الزرع أو غيره، قيل(3/164)
لابن القاسم: فما قول مالك - رحمه الله - في زبل الدواب؟ فقال: لم أسمع منه فيه شيئاً، إلا أنه عنده نجس وإنما كره العذرة لنجاستها فكذلك الزبل أيضاً، ولا أرى أنا ببيعه بأساً، قال أشهب: والمبتاع في زبل الدواب أعذر من البائع.
ولا بأس ببيع خثى البقر وبعر الغنم والإبل.
2613 - ولا يجوز بيع ميتة ولا جلدها وإن دبغ، ولا يؤاجر به على طرحها،(3/165)
لأن ذلك بيع. ولا بأس أن يؤاجر على طرحها بالذهب والورق.
ولا يطبخ بعظام الميتة أو يسخن بها ماء للعجين أو وضوء، ولا باس أن يوقد بها على طوب أو حجارة للجير، ولا أرى أن تُشترى عظام الميتة ولا تباع، ولا أنياب الفيل، ولا يتجر بها ولا يتمشط بأمشاطها ولا يدهن بمداهنها.
2614 - وإن ابتعت صبرة على أن فيها مائة أردب بثمن نقدته جاز، وكأنك ابتعت مائة من تلك الصبرة، فإن نقصت عنها يسيراً أو وجدت أكثر المائة لزمك ما أصبت بحصته من الثمن، ولم يكن لواحد منكما في ذلك خيار.
وإن نقصت كثيراً فأنت مخير في أخذ ما أصبت بحصته من الثمن أو رده.
وإن أمرته أن يكيلها لك في غرائرك أو في غرائره، وأمرته أن يدفعها وفارقته فزعم أنه فعل وأنها ضاعت، فإن صدقته في الكيل أو قامت بذلك بيّنة صُدِّق في الضياع، وإن لم تصدقه في الكيل أو قلت له: قد اكتلتها، ولكنك إنما وجدت فيها عشرين أو ثلاثين ولم تقم له بينة، لم يلزمك شيء، ولا ما أقررت به من هذه التسمية، لأنك كنت مخيراً لكثرة النقص في الرضا بما أصبت أو تركه، فهلك قبل أن يلزمك.(3/166)
2615 - قال ابن القاسم: ولا يعجبني أن يجمع رجلان سلعتيهما في البيع فيبيعانهما بثمن يسميانه، لأن كل واحد لا يدري بم باع، ولا بم يطالب في الاستحقاق إلا بعد القيمة، وكذلك إن أكرى هذا عبده وهذا داره في صفقة هكذا، وأجازه كله أشهب، وقد كان ابن القاسم يجيزه.
وإن باعاهما على أن أحدهما بالآخر حميل لم يجز، وكأنه ابتاع من المليء على أن تحمل له بالعديم، كمن ابتاع منك سلعة على أن تحملت له بمال، فهذا لا يجوز.
2616 - ومن باع أو أقرض على أن يأخذ فلاناً حميلاً جاز إن رضي فلان(3/167)
وكان بحضرتهما أو قريب الغيبة، وإن كان بعد الغيبة، فالبيع فاسد، وإن كان قريباً ولم يرض لم يلزم بيع ولا قرض إلا أن يرضى الدافع بتركه، أو يرضيا جميعاً بحميل غيره.
ولو كان ذلك خلعاً أو صلحاً على مال من دم عمد فامتنع الكفيل فالزوجة في عصمته وهو على حقه في الدم، وأما النكاح على هذا فلا يجوز إذ لا خيار فيه.
ولا يجوز على [أنه] إن لم يأت بالمهر إلى أجل كذا وإلا فلا نكاح بينهما، وأما البيع على هذا فأمضيه وأبطل الشرط.
2617 - وإن بعته سلعة على أن يرهنك عبده الغائب جاز، كما لو بعتها به، وتوقف السلعة الحاضرة حتى يقبض العبد الرهن الغائب، وإن هلك العبد في غيبته فليس للمبتاع أن يرهنك سواه ليلزمك البيع ولك رده إلا أن تشاء، كما ليس له أن يبدل ما رهنك بغيره، ولأنك إنما بعته على أن يسلم إليك رهناً بعينه، فهو ما لم يصل إليك لا يكون رهناً وأنت مخير، وإذ لو فلس صاحب العبد الرهن والعبد غائب لم يكن لك قبضه ولا تكون أحق به وتكون [في العبد] أسوة الغرماء، لأنه رهن غير مقبوض، وأما إن هلك الرهن بيدك بعد أن قبضته فلا يكون لك سواه ولا رد البيع ولا استعجال الثمن، لأن هذا بيع قد تم عقده قبل هلاك الرهن. (1)
_________
(1) انظر: منح الجليل (5/357) ، والتقييد (4/34) .(3/168)
وإن بعته على حميل لم تسمياه أو رهن لم تصفاه جاز، وعليه الثقة من رهن أو حميل.
وإن سميتما الرهن أُجبر على أن يدفعه إليك إن امتنع، وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض.
وكذلك إن تكلفت له على أن يعطيك عبده رهناً فإن امتنع من دفعه إليك جبر.
2618 - ومن ابتاع ثياباً فرقم عليها أكثر مما ابتاعها به، وباعها برقومها ولم يقل: قامت علي بذلك، فقد شدد مالك في الكراهية واتقى فيه وجه الخلابة.
2619 - قال مالك: ومن اشترى سلعة على أنه إن لم ينقد ثمنها إلى ثلاثة أيام، وقال في موضع آخر: في عشرة أيام، فلا بيع بينهما، فلا يعجبني أن يعقد البيع على هذا، وكأنه زاده في الثمن على أنه إن نقد [الثمن] إلى ذلك الأجل فهي(3/169)
له، وإلا فلا شيء له، فهذا من الغرر والمخاطرة، فإن نزل جاز البيع وبطل الشرط وغرم الثمن الذي اشترى به، ولكني أجعل هلاك السلعة وإن كانت حيواناً من البائع حتى يقبضها المبتاع، بخلاف البيع الصحيح يحبسها البائع بالثمن، تلك هلاكها من المبتاع بعد عقده البيع.
2620 - وبيع المريض من ولده بغير محاباة جائز، وكذلك في وصيته أن يبتاع عبد ابنه فيعتق، إلا أنه لا يزاد على قيمته.
2621 - وإذا حاضت الجارية فصنيع [أبيها] في مالها وبيعه وشراؤه جائز، لأن حوزه لها حوز، ولا يجوز لها قضاء في مالها حتى تدخل بيتها ويعرف [الرشد] من حالها.
2622 - ومن باع أمة ولها ولد حر رضيع وشرط عليهم رضاعه ونفقته سنة، فذلك جائز إذا كان إن كان الصبي ارضعوا له آخر.(3/170)
2623 - ومن باع شاة على أنها حامل لم يجز، وكأنه أخذ لجنينها ثمناً حين باعها بشرط أنها حامل.
* * *(3/171)
(كتاب بيع الخيار)
2624 - وبيع الخيار جائز، [وذلك أن يقول الرجل: أشتري منك هذا الشيء وأنا عليك فيه بالخيار إلى وقت كذا] .
فأما الثوب [فيجوز فيه] اليوم واليومان وشبه ذلك، [وما كان أكثر من هذا فلا خير فيه] ، والجارية مثل الخمسة أيام والجمعة وشبه ذلك، لاختبار حالها وعملها، والدابة تُركب اليوم وشبهه، ولا باس أن يشترط أن يسير عليها البريد ونحوه ما لم يتباعد، قال غيره: والبريدين يختبر سيرها، والدار الشهر(3/173)
ونحوه، وما بعد من أجل الخيار فلا خير فيه، لأنه غرر لا يدري ما تصير إليه السلعة عند الأجل، ولا يدري صاحبها كيف ترجع إليه. قال: وقد يزيده المبتاع في ثمن السلعة لتكون في ضمانه إلى بعيد الأجل فذلك غرر. وقد كره مالك اشتراء سلعة بعينها إلى أجل بعيد بغير اشتراط نقد، والنقد فيما بعد من أجل الخيار أو قرب لا يحل [بشرط] .
وإن كان بيع الخيار بغير شرط النقد فلا بأس بالنقد فيه، والبائع والمشتري في اشتراط الخيار سواء. قال غيره: ولا يشترط لبس الثوب، لأنه لا يختبر باللبس كما تختبر الدابة بالركوب والعبد بالاستخدام. قال ابن القاسم: ومن اشترى شيئاً من رطب الفواكه والخضر على أنه بالخيار، فإن كان الناس يشاورون في هذه الأشياء(3/174)
غيرهم ويحتاجون فيه إلى رأيهم، فلهم من الخيار في ذلك بقدر حاجة الناس مما لا يقع فيه تغير ولا فساد. (1)
قال سحنون: من غير أن يغيب المبتاع على ما لا يعرف بعينه من مكيل أو موزون فيصير تارة سلفاً وتارة بيعاً، لأنك لو بعت ذلك من رجل فغاب عليه ثم أقلته من بعضه وأخذت ثمن ما بقي كان بيعاً وسلفاً، بخلاف إقالتك من أحد عبدين وثوبين، فذلك جائز فيما يعرف بعينه، ولو بعت العبدين بثمن إلى أجل على أن يرد عليك أحدهما عند الأجل بنصف الثمن على ما هو به يومئذ من نماء أو نقص لجاز، لأنه [إنما] اشترى أحدهما واستأجر الآخر إلى ذلك الأجل بالثمن الذي يبقى عليه، فذلك جائز، لأن كل ما يُعرف بعينه وينتفع به بغير إتلافه تجوز إجارته.
2625 -[ولا تجوز إجارة ما لا يعرف بعينه من طعام أو إدام ونحوه، ولا كل ما ينتفع به إلا بإتلافه إما لأكل أو غيره] .
_________
(1) انظر: مواهب الجليل (4/413) ، ومنح الجليل (5/112) ، والتقييد (4/41) .(3/175)
2626 - قال ابن القاسم: ومن جُنّ فأطبق في أيام الخيار والخيار له، فالسلطان ينظر له في الأخذ أو الرد، أو يوكل بذلك من رأى من ورثته أو غيرهم، وينظر في ماله وينفق منه على عياله كما ينظر في مال المفقود، ويتلوم للمجنون سنة وينفق على امرأته في التلوم، فإن برئ وإلا فُرّق بينهما، والأجذم البين جذامه يفرق بينه وبين امرأته، وأما الأبرص فلا.
والخيار يورث عن الميت فيكون لورثته فيه ما كان له. وقد جعل مالك تأخير الورثة يبرئ الغريم الذي حلف للميت لأقضينك حقك إلا أن تؤخرني، وتمامها في كتاب النذور.
2627 - قال مالك: ومن تزوج امرأة وشرطت عليه في [العقد] أنه إن نكح أو تسرر أو خرج بها من بلدها فأمرها بيد أمها، ثم ماتت الأم، فإن كانت أوصت بما كان لها من ذلك إلى أحد فذلك إليه، قال ابن القاسم: وإن لم توصِ فكأني رأيت مالكاً رأى ذلك للابنة أو قال ذلك لها ولم أتثبته منه.(3/176)
وروى علي عن مالك: أن ذلك لا يكون بيد أحد غير من جعله الزوج بيده، لأنه يقول لم أكن أرضى أن أجعل أمر امرأتي إلا بيده لنظره وقلة عجلته. قال ابن القاسم: وإن أوصت الأم إلى رجل ولم تذكر ما كان لها في ابنتها لم يكن للوصي ولا للابنة شيء من ذلك.
2621 - قال أشهب: وإذا ورث قوم خياراً فاختلفوا، فقال بعضهم: أجيز البيع، وقال بعضهم: بل أنقضه، فليس لهم إلا أن يأخذوا جميعاً أو يردوا جميعاً، وهذا النظر، لأن الذي ورثوا ذلك عنه لم تكن له إجازة بعض ذلك ورد بعضه، فكذلك هم، واستحسن لمن أجاز منهم أن يأخذ مصابة مَنْ لم يُجز إن شاء، فإن أبى رددنا الجميع إلا أن يسلم [له الباقي] من البائع [أو من المبتاع] أخذ حصته فلا يكون له عليه إلا ذلك، وكذلك إن أصابا عيباً [فيما ابتاع وليهما بغير خيار، أو مشتريان أصابا عيباً] فرضيه واحد ورد الآخر على ما ذكرنا ليس ذلك لهما، إلا أن يردا أو يحبسا إلا أن يشاء المتمسك أن يأخذ جميعها فذلك له، فإن أبى فللبائع أن يقبل مصابة الراد منهما.(3/177)