الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُعْتَبرا مَاضِيا مرضيا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول على الْوَجْه الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة واضعي خطوطهم فِي هَذَا الْكتاب المرقوم وَمن شهد مشهده المشتط السّوم على من يسوم على صدَاق اقْتدى فِي بذله بِالسنةِ وَالْكتاب
وراعى فِي قبُوله مَا للتَّخْفِيف من ثَوَاب
وَإِلَّا فالقدر أعظم من أَن يُقَابل بِمِقْدَار وَإِن جلّ والرتبة أَسْنَى لمولانا الْمَقْصُود العقد لما كَانَ يُقَال حل مبلغه من الذَّهَب الْمعِين الْمصْرِيّ كَذَا وَكَذَا دِينَارا فِينَا حَالَة
وَولى تَزْوِيجهَا إِيَّاه بذلك مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حرسه الله وتولاه
ملك بِهِ الزَّوْج الْمشَار إِلَيْهِ عصمتها
واستدام صحبتهَا
وَجَمعهَا الله تَعَالَى بِهِ على التَّوْفِيق والسداد وخار لَهما فِيمَا أَرَادَهُ من تزويجهما والخيرة فِيمَا أَرَادَ
ويكمل
خطْبَة نِكَاح عَالم اسْمه عَليّ
على ابْنة عَالم خطيب اسْمه مُحَمَّد
وَاسم الزَّوْجَة أم هانىء الْحَمد لله الَّذِي منح عليا سَعَادَة الِاتِّصَال بِأَعَز مصونات بَنَات مُحَمَّد
وَعقد ألوية عقده بالعز الدَّائِم والسؤدد المؤبد
وأرشده فِي طَرِيق السّنة الشَّهْبَاء إِلَى بَيت علم أوتاده بِالْعَمَلِ قَوِيَّة وأشكال النُّصْرَة باجتماع الأفراح فِيهِ تتولد
والسعادة على سَاكِني أفقه المحمدي عَائِدَة الصِّلَة بجميل العوائد وَالْعود أَحْمد
نحمده أَن جعل جَوَاهِر عُقُود هَذَا العقد السعيد ثمينة وحصون عقيلته حَصِينَة وجوهرته النفيسة فِي حجر الْعلم مصونة
وزين هَذَا الْكتاب مِنْهَا بِخَير قرينَة
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الَّذِي جعل لكل شَيْء قدرا
وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جلى بِشَرِيعَتِهِ المطهرة حنادس ألغى وأزاح
وَكتب بقلمها الْمُحَقق بِذَات الرّقاع مَا نسخ الْبَاطِل الفضاح
وَجعل النِّكَاح سنة تؤلف بَين المتباعدين تأليفا يقْضِي بلطف تمازج الْأَرْوَاح وعصمة تستملك بهَا عصم الْمُحْصنَات وتستباح
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين تمسكوا من هَدْيه بِالْكتاب وَالسّنة
وقلدوا جيد الزَّمَان من تَقْرِير أَحْكَام شَرعه الشريف أعظم منَّة صَلَاة تفتح لقائلها أَحْمد أَبْوَاب التهاني وتجيره من ريب(2/45)
الزَّمَان حَتَّى يُنَادِيه مِنْهَا لِسَان الِاشْتِقَاق قد أجرنا من أجرت يَا أم هاني
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح سَبَب التحصين والعفة وجامع أشتات الْمَوَدَّة والألفة على سلوك نهجه القويم درج المُرْسَلُونَ
وَعلا على درج فَضله الأفضلون
وَهُوَ مِمَّا جَاءَ الْكتاب وَالسّنة بِفِعْلِهِ وأباحه الله على أَلْسِنَة أنبيائه وَرُسُله
فَقَالَ عز من قَائِل {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله} وَقَالَ وَهُوَ أصدق الْقَائِلين تبيانا لفضائله الجمة وإظهارا لشعار هَذِه الْأمة {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة} وَفِيه من الحكم السّنيَّة مَا شهِدت بِهِ الْأَخْبَار المروية والْآثَار الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة
مِنْهَا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُشِيرا إِلَى مَا اقْتَضَاهُ النِّكَاح من لطيف الْمعَانِي من تزوج
فقد ستر شطر دينه فليتق الله فِي الشّطْر الثَّانِي وَقَالَ سيد تهَامَة المظلل بالغمامة تناكحوا تَنَاسَلُوا تكاثروا
فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة
وَكَانَ فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ هُوَ الَّذِي سمت أَوْصَافه الزكية بعفافه وَيحل من عُقُود هَذِه السّنة الْحَسَنَة بجميل أَوْصَافه
وَظَهَرت عَلَيْهِ آثَار السِّيَادَة من سنّ التَّمْيِيز فانتصب على الْحَال
وَحل من الْمحل الأسني فِي أرفع الْمحَال
وافتخر بعرافة بَيته الَّذِي خيم السعد بفنائه
وَعقد الْعِزّ بلوائه وشأنه أَن يفتخر بذلك على من افتخر
وَأَن يباهي بكرم أَصله الزاكي الْعَرُوس ونمو فَرعه الَّذِي أَوْرَق بِكَمَال الإفضال وأثمر وانتمى مِنْهُ إِلَى مَكَارِم جمة لم تعرف إِلَّا لجَعْفَر وَأبي جَعْفَر فَهُوَ بِهَذِهِ الْجُمْلَة الاسمية على الرتب جعفري الْحسب أحمدي النّسَب عديم النظير بِكُل وَجه وَسبب
وَكَانَت الرَّغْبَة مِنْهُ وَمثله من يرغب فِي إجَابَته إِلَى مَا طلب وَهُوَ أَحَق من وَجب الإصغاء إِلَيْهِ إِذا علا على مِنْبَر العلياء وخطب مخطوبته الْجِهَة المصونة
والدرة المكنونة فُلَانَة ابْنة فلَان وَبِحسن الِاخْتِيَار أحرزها وحازها مغتبطا بالانتماء إِلَى كنف والدها الَّذِي لم يدع خطة فضل إِلَّا وجاوزها وَلَا بدع لِأَنَّهُ شمس الْإِسْلَام المضيئة(2/46)
وَإِمَام علم التَّوْحِيد وبحره الوافر الطَّوِيل المديد
وَهُوَ الْعَالم الْعَامِل الْعَلامَة الَّذِي مَا درس إِلَّا أَحْيَا مَا درس من الْعُلُوم بدرسه
وَلَا خيمت على الْعلمَاء ظلمَة إِشْكَال إِلَّا أزالها بشعاع شمسه
وَلَا حج إِلَى بَيته الْمَعْمُور متمتع إِلَّا أمتعه بفرائده وفوائده ولطيف أنسه
مَعَ منزله واعترافه تواضعا بحقارة نَفسه
وَهُوَ الْقَائِم فِي الْحَقِيقَة بِالْحجَّةِ الْبَالِغَة والفصيح الَّذِي يذعن لفصاحته كل نَابِغَة وَفِي تسليك أهل الطَّرِيق الْعلم الْفَرد الَّذِي يَأْثَم بِهِ الهداة وتحف السَّعَادَة الأخروية برقائق وعظه وهداه
مَا نطق إِلَّا وَكَانَ لعذوبة لَفظه فِي طَرِيق الفصاحة سلوك
وَلَا جلس بَين يَدَيْهِ ذُو ملكة فِي نَفسه من السلاطين والملوك إِلَّا وخاطبه بِأَقَلّ العبيد والمملوك
سل عَنهُ وانطق بِهِ وَانْظُر إِلَيْهِ تَجِد ملْء المسامع والأفواه والمقل وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ ذُو الباع الأطول وَالْبَحْر الَّذِي اندرج النَّهر فِي ضمنه اندراج الْجَدْوَل
فنفع الله هَذَا الشَّاب ببركة هَذَا الشَّيْخ الْوَلِيّ
وَزَاد فِي علو شرف بَيته الْجَعْفَرِي الَّذِي هُوَ فِي الشّرف عَليّ
ثمَّ لما صحّح كل من الْخَاطِب والمخطوب إِلَيْهِ النِّيَّة وعزم
وكمل بدر الِاتِّفَاق وَتمّ
فتناسق جَوْهَر عقد هَذَا العقد السعيد وانتظم
صدر التَّفْوِيض الشَّرْعِيّ وَالْإِذْن من والدها الْمشَار إِلَيْهِ على وَضعه الْمُحَرر المرعي لسيدنا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين أنفذ الله حكمه وأمضاه أَن يُزَوّجهَا من خاطبها الْمشَار إِلَيْهِ أَسْبغ الله عَلَيْهِ ظله وَقرن بالتوفيق عقده وحله
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك متبركا بِقبُول إِذْنه الْكَرِيم وَشرف خطيب هَذِه الحضرة الْعلية الأسماع تاليا بعد انتظام عقده النظيم
وإتمام انسجامه ببديع التَّكْمِيل والتتميم
بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَهَذَا مَا أصدق فلَان الْمشَار إِلَيْهِ أَفَاضَ الله نعمه عَلَيْهِ مخطوبته فُلَانَة ابْنة فلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أدام الله رفعته وعلاه على كتاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم وبجل وَعظم
صَدَاقا يحلى جيد الزَّمَان بدرر عقوده
وشملت الْبركَة المحمدية جَمِيع حاضريه وعاقده وشهوده
جملَته من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها
وَأذن والدها الْمشَار إِلَيْهِ الْآذِن الْمُرَتّب الشَّرْعِيّ سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ
أدام الله أَيَّامه الزاهرة
وأسبغ عَلَيْهِ نعمه باطنة وظاهرة
وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
تزويجا شَرْعِيًّا مُعْتَبرا مرضيا بعد وضوحه شرعا وخلوها من كل مَانع شَرْعِي
هُنَالك هبت نسمات التَّوْفِيق قبولا
وتعاطفت جملتاه إِيجَابا وقبولا
ونظمت أسلاك الْفَرح بحباتها وأخرجت حوارِي السُّعُود مخبآتها وابتهجت بلبد ماح هَذِه(2/47)
الْمُطَابقَة اللَّازِمَة النُّفُوس وحارت الْعُقُول وطفق لِسَان الْإِحْسَان يَقُول اللَّهُمَّ ألف بَينهمَا كَمَا ألفت بَين الْعين وسناها وَالنَّفس ومناها وأمطر عَلَيْهِمَا من سحائب رحمتك الصيبة وهب لَهما من لَدُنْك ذُرِّيَّة طيبَة إِنَّك سميع الدُّعَاء
ويؤرخ
خطْبَة نِكَاح وَاسم الزَّوْج شهَاب الدّين أَحْمد
الْحَمد لله الَّذِي جعل عَاقِبَة الْحبّ بِاتِّبَاع سنة النِّكَاح أَحْمد العواقب
ومنحه من عز السّنة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة مَا يقْضِي الْكَرِيم ذَاته بالاتصاف بأزكى المناقب وأحله مَعَ أهل الْحل وَالْعقد محلا بِهِ يسمو شهابه المضيء على الشهب الثواقب
نحمده حمد من أحكم فِي الْوَلَاء عقد ولائه
وهداه نور العفاف إِلَى سلوك سنَن أَنْبيَاء الله وأولايائه
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عبد لم يزل يجتني ثَمَرَات الإقبال من يَانِع غرسها
ويجتلي فِي حضرات الْجلَال عروس أُنْسُهَا ويطرد سَاعَة كل هم بِيَوْم عرسها
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي ميز حَلَال الدّين وَحَرَامه
وَخص من الشّرف الصميم بخصائص
مِنْهَا أَن الله وفى من مَشْرُوعِيَّة النِّكَاح أقسامه
وَلذَلِك قَالَ تناكحوا تَنَاسَلُوا تكاثروا فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين حازوا من شرف بَيت النُّبُوَّة مَا رفع لَهُم فِي الْعَالمين ذكرا
وطاب نشرهم بريحانيته وزها
وجد قربهم الْقَمَر بالزهرا
وَعلا عَليّ عَلَيْهِم بعد العمرين وَذي النورين فافتخر حِين دعِي بِأبي تُرَاب على من على الغبرا
وَإِذا ذكرت الْأَنْسَاب المحمدية فَمَا مِنْهُم إِلَّا من بَينه وَبَينه نسبا وصهرا صَلَاة تنطق لِسَان كل بليغ بالمبالغة فِيهَا وتشرق أنوار الصدْق من مغارب غايتها ومطالع مباديها مَا أنضى الْقَلَم فِي مهارق الطروس ركابا
وَمَا أطلعت السَّمَاء فِي أفق العلياء شهابا
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح من أهم مَا قدمه بَين يَدي نَجوَاهُ من احتاط لدينِهِ
وَأحكم عقد يقينه
وشمر ذيله لتَحْصِيل تحصينه
جعله الله وَسِيلَة إِلَى حُصُول الْعِصْمَة والعفاف
وذريعة إِلَى وجود تمازج الْأَرْوَاح بَين الْأزْوَاج بِسُرْعَة الائتلاف
فبه تحفظ الْأَنْسَاب(2/48)
وتصان الأحساب
وَبِه يجمع الله الشتات وَيخرج من كامن سر غيبه مَا يقدر خلقه من الْبَنِينَ وَالْبَنَات وتساق بِهِ الطَّيِّبَات للطيبين والطيبون للطيبات وَهُوَ لَا يَخْلُو من فَوَائِد فِيهَا للْمُؤْمِنين فَوَائِد جمة
مِنْهَا أَنه من أعظم شعار هَذِه الْأمة
نَصبه الله دَلِيلا على وحدانيته مَا تضمنته الْحِكْمَة
فَقَالَ عز من قَائِل {وَمن آيَاته أَن خلق لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا وَجعل بَيْنكُم مَوَدَّة وَرَحْمَة}
وَقد جَاءَ فِي مشروعيته وَحكمه وتوكيد سنته والتحريض على فعله
قَوْله تَعَالَى {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَهُوَ أجل من أَن يُنَبه على إِيضَاح سره وَبَيَان مَعَانِيه
وَالْمَفْهُوم من تَعْظِيم هَذِه الْإِشَارَة فِيهِ لمن اسْتنَّ بِهَذِهِ السّنة الْحَسَنَة مَا يَكْفِيهِ
وَكَانَ فلَان مِمَّن أشرق فِي مطالع أفق الْفَضَائِل شهَاب مجده وأزهرت فِي سَمَاء البلاغة نُجُوم سعده
وأتى فِي فن الْأَدَب بِمَا يحير اللبيب ويدهش سواطع أنواره الأحمدية الفطن الأريب طوالع إقباله مراتبها سعيدة ومبادي أُمُوره لم تزل عواقبها حميدة
وَمَا هُوَ إِلَّا أَن استخار وَاسْتَشَارَ
فَحصل لَهُ من حسن الِاخْتِيَار حُصُوله على جِهَة مباركة هِيَ لَهُ فِي الصِّفَات الْحسنى مُشَاركَة
ظفر بهَا بديعة الْجمال
عزيزة الْمِثَال محجوبة عَن عين شمس الْأُفق تروى أَحَادِيث أصالتها وسيادتها من عدَّة طرق
فأحرزها إحرازا أصبح توقيع الْقُدْرَة الإلهية بِهِ منشورا
وسطرت الألفة الرحمانية كتابها تسطيرا وَحقّ لَهُ أَن يكون لله على مَا أولاه من إحرازها شكُورًا
وَأَن يعاملها بِمَا هُوَ مَأْمُور بِهِ شرعا إِذا أودع مشكاة نبيه مِنْهَا نورا فطالما أسبلت الْعُيُون عَلَيْهَا ستورا
وَأحسن التَّأْدِيب تأديبها لحائزها فَقيل لحاسده كفى تعبا من يحْسد الشَّمْس نورها وَهِي مَعَ ذَلِك تَفْخَر بوالدها الَّذِي أصبح ذُو فضل يرْوى
وَحَازَ سيادتي فتوة وفتوى
وَله بِنَقْل الْعلم خبْرَة عَالم هدى صَحِيح النَّقْل للمتعلم
كم حل للطلاب من درس على رَأْي ابْن إِدْرِيس الإِمَام الْأَعْظَم
لَا جرم أَنه إِمَام فضل تشرفت بنعوته الْأَقْوَال
وَحسنت بمحاسن وقته الْأَفْعَال
وَهُوَ ذُو ديانَة يعد فِيهَا سريا وَصَاحب مَعْرُوف وَبشر
أصبح بهَا وليا وبانتساب إِلَى بَيت طيب الأعراق زاكي المغارس والأخلاق
وَكَانَ مِمَّا قدره الله وأراده وأجرى بِهِ من الْقدَم قلم التَّوْفِيق والسعادة
أَن هَذَا الْخَاطِب قد زَاد محاسنه من بَيت هَذَا الْخَطِيب البارع بِمَا يرفع لَهُ فِي الْعَالمين ذكرا وَنَحْوه إِذا ذكرت أنسابه الْعلية نسبا وصهرا
وَحَيْثُ صحّح كل مِنْهُمَا النِّيَّة وأيقن أَن قد ظفر ببلوغ الأمنية
أجَاب هَذَا الْوَلِيّ(2/49)
الحميد داعيه ولبى وَأَقْبل بِوَجْه بشره إِلَيْهِ وَمَا تأبى
وَحين هبت نسمات الْقبُول بِالْإِيجَابِ
قَالَ الَّذِي عِنْده علم من الْكتاب تعين أَن يرقم طرس هَذَا العقد الَّذِي توفر من المسرات قسطا
وَأَن يسطر فِي هَذَا الرقيم حفظا لَهُ وضبطا
هُنَالك استخدم راقما للقلم وأعمل وَكتب بعد أَن بسمل هَذَا مَا أصدق فلَان أدام الله توفيقه
وَسَهل إِلَى كل خير طَرِيقه مخطوبته الْجِهَة المصونة والدرة المكنونة المحجبة المخدرة الأصيلة العريقة الجليلة فُلَانَة بنت فلَان الْفُلَانِيّ على بركَة الله تَعَالَى وعونه وَحسن توفيقه ويمنه وَسنة نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشرف وكرم وبجل وَعظم صَدَاقا جملَته من الذَّهَب كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول أَو مَقْبُوضا أَو مقسطا زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها والدها الْمشَار إِلَيْهِ أَفَاضَ الله نعمه عَلَيْهِ تزويجا شَرْعِيًّا بعد وضوحه شرعا وخلوها من كل مَانع شَرْعِي
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور النِّكَاح لنَفسِهِ على الْمُسَمّى فِيهِ قبولا شَرْعِيًّا أَو وَكيله الشَّرْعِيّ فِي ذَلِك فلَان الْفُلَانِيّ بِشَهَادَة شُهُوده ويكمل
ويؤرخ
خطْبَة نِكَاح وَاسم الزَّوْج مُحَمَّد وَالزَّوْجَة عَائِشَة
الْحَمد لله الَّذِي أكد بِالنِّكَاحِ حُقُوق الْقَرَابَة وميز بِهِ بَين الْحَلَال وَالْحرَام
وَحفظ بِهِ الْأَنْسَاب على أَن تختلط أَو تتشابه وَأثبت لدواعي همم متعاطيه الدُّخُول وَحكم لرأيه بالإصابة
وَقرن بالتوفيق عقده وحله وقبوله وإيجابه
نحمده على نعمه الَّتِي جمعت لنا الْخيرَات جمع كَثْرَة
ونشكره على مَا وفره لنا من أَقسَام المسرة
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة شمس الدّين بهَا فِي أفق سَمَاء الْإِيمَان طالعة
وبروق الْيَقِين فِي الأكوان المحمدية لامعة ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي سنّ النِّكَاح وشرعه
وجرد سيف شَرِيعَته المطهرة لعنق السفاح فَقَطعه
ولأنف الْغيرَة فجدعه
وَمَا أَعلَى قدر من سلك منهاجه القويم وَاتبعهُ
وَاتبع النُّور الَّذِي أنزل مَعَه
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين انْتَهوا بنواهيه وامتثلوا أوامره
وَكَانُوا بسلوك هَدْيه فِي الْهِدَايَة مثل النُّجُوم الزاهرة
وحازوا بِرُؤْيَتِهِ وَالرِّوَايَة عَنهُ خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة صَلَاة تنتظم فِي عقودها جَوَاهِر الْحِكْمَة وَيجْعَل الله بهَا بَين هذَيْن الزَّوْجَيْنِ إِن شَاءَ الله مَوَدَّة وَرَحْمَة
مَا قبلت شفَاه الأقلام وجنات الطروس واجتليت على منصات الدفاتر محَاسِن عروس واجتنيت من رياض الأفكار أزهار غروس
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح من أخص خَصَائِص السّنَن المحمودة المآثر والخصال المعدودة من نفائس الْأَعْمَال الَّتِي تزدان بازدواجها عُقُود المفاخر
وتتزين بانتساجها لحْمَة النّسَب(2/50)
بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح الْمُتَوَاتر الْوَارِد عَن صَاحب الْحَوْض المورود وَالْمقَام الْمَحْمُود واللواء الْمَعْقُود أَنه قَالَ إِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم فتزوجوا الْوَلُود الودودأخرجه بِمَعْنَاهُ عَن معقل بن يسَار النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد
وَكَانَ فلَان مِمَّن رغب فِي هَذِه السّنة الشَّرِيفَة وَجعلهَا شعاره وترقى إِلَى أفقها المحمدي
واستجلى شموسه وأقماره
وَأحب أَن يسْعَى فِي تَكْمِيل ذَاته ويزين مَا حصله من كريم أدواته
فَعمد إِلَى إِحْصَان فرجه
وَتَمام هَدْيه الَّذِي شرع فِي سلوك نهجه
وخطب إِلَى فلَان أدام الله معاليه فَمَا احْتَاجَ مَعَ الْمِنْهَاج إِلَى تَنْبِيه
وَلَا افْتقر فِي مؤاخاة الرشد إِلَى كَاف تَشْبِيه عقيلته الَّتِي هِيَ الشَّمْس والحلال لَهَا دارة والبدر وخدمها النُّجُوم السيارة والمحجبة الَّتِي لَا تقرب الأوهام لَهَا ستارة والمصونة الَّتِي لَا تمر بحماها النسمات الخطارة
فَأجَاب قَصده وَمَا رده وسمح لَهُ بِهَذِهِ الْجَوْهَرَة الَّتِي زيد بهَا عقده
وَأكْرم نزل قَصده وآواه وحباه بِخَير زَوْجَة وحماة
وَخَصه بِذَات دين
تربت يدا من كَانَت لَهُ وَدِيعَة وزينة تقوى طاعتها لِلْخَيْرَاتِ طَلِيعَة
وَرَأى أَن لَا تمسي سِهَام قَصده عَن الْغَرَض الْمَقْصُود طائشة وآثر أَن يكون فِي كنف مُحَمَّد فمحمد أولى النَّاس بعائشة
فَمَا كل ذِي مجد يَلِيق بِهِ الْعلَا وَلَا كل برق للنوال يشام وَلَا كل ذِي فضل لَهُ يشْهد الورى وَلَا كل بدر فِي الْأَنَام تَمام وَكَانَ مِمَّا قدره الله الَّذِي لَا موفق للخير إِلَّا من وفْق وَلَا انتظام لأمر من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا إِذا جرى بِهِ قلم قدرته الْمُحَقق
وحرك بِهِ فِي الإقبال لِسَان المسرة وأنطق
فيا لله مَا أصدق قَوْله هَذَا مَا أصدق
وَيجْرِي الْكَلَام إِلَى آخِره
ويؤرخ
صُورَة صدَاق دوادار أعتق جَارِيَته وَتزَوج بهَا الْحَمد لله الَّذِي خلق الْخَلَائق من نفس وَاحِدَة
وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا ولتكون على عِبَادَته متعاضدة وَألف بَين قُلُوب قدر فِي الْأَزَل أَن تكون على منهل الصَّفَا متواردة
وَخص من شَاءَ من خلقه بِمَا أوتيه من محاماة فِي الدّين ومجاهدة
وفضله على كثير من عباده بِمَا حازه فِي حالتي سلمه وحربه من مجادلة ومجالدة
وَجعله سَيْفا مسلولا على الْأَعْدَاء وسببا مبذولا للأولياء
وأطاب مصادره وموارده
نحمده أَن جعلنَا خير أمة أخرجت للنَّاس
وعضد مِنْهَا من قَامَ على أَفضَلِيَّة الْبُرْهَان(2/51)
وعضده الْقيَاس
وَشرف مِنْهَا من يستصغر عِنْده علم أحنف وذكاء إِيَاس
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة متمسك بِالْكتاب وَالسّنة مقتف آثَار نبيه فِي عتق الرّقاب فَأكْرم بهَا من سنة
مقتديا بهديه الَّذِي من اهْتَدَى بأنواره فقد سلك سَبِيلا يبلغهُ الْجنَّة
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي جعل النِّكَاح من شرعته وحث عَلَيْهِ ليباهي الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة بأمته وَندب إِلَيْهِ فَلَيْسَ مِنْهُ من رغب عَن سنته
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين اقتدوا بجميل آثاره
واهتدوا بسنا أنواره
واعتدوا من حماة دينه وأنصاره صَلَاة لَا تزَال الْأَلْسِنَة تقيمها وَالْإِخْلَاص يديمها
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِنَّهُ يتَعَيَّن على كل مُؤمن أَن يثابر على مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى مَوْلَاهُ ويبادر إِلَى اتِّبَاع أوامره فِي سره ونجواه ويقتفي فِي سيره آثَار نبيه الْمُصْطَفى ويسلك من سبله مَا يكسبه فِي الدَّاريْنِ شرفا لَا سِيمَا فِي أَمر كَانَ مِمَّا حبب إِلَيْهِ وَندب إِلَى فعله وحث عَلَيْهِ وَجعله الله سُبْحَانَهُ سَببا للنمو فِي هَذَا الْعَالم
وَحكمه فِي وجود بني آدم
وَقد خصت هَذِه الْأمة بِأَن لَا رَهْبَانِيَّة فِي الإسلاموليس فِيهَا من رغب عَن سنة سيد الْأَنَام
وَقد ذكره الله فِي مُحكم كِتَابه الَّذِي أشرق مِنْهُ السنا
فَقَالَ عز من قَائِل {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات الصَّرِيحَة وَالنَّص فِي هَذَا الْمَعْنى
فَمن ابْتغى ذَلِك فقد اتبع الْكتاب وَالسّنة وَاتخذ باتباعهما وقاية من المكاره وجنة
وَمن أضَاف إِلَيْهِ مَا ندب إِلَى فعله فِي مُحكم التَّنْزِيل وَاسْتغْنى بالتصريح فِيهِ عَن التَّأْوِيل من فك الرّقاب وإنقاذها من ربقة الرّقّ
فقد أَتَى بالمحاب
فَإِن الله عز وَجل قد نزله منزلَة اقتحام الْعقَاب
فَقَالَ جلّ اسْمه {فَلَا اقتحم الْعقبَة وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة فك رَقَبَة} وَمن فعل ذَلِك ابْتِغَاء رضوَان الله فقد استمسك بِالسَّبَبِ الْأَقْوَى
وَمن أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله مِنْهُ بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ وَكَانَ الْجمع بَين هَاتين المرتبتين والخلتين الجليلتين من الْأُمُور الَّتِي لَا يَفْعَلهَا إِلَّا من شرح الله صَدره للْإيمَان فَهُوَ على نور من ربه
وَمن أطلع الله نور الْهدى فِي قلبه فَهُوَ من الشُّبُهَات فِي أَمَان إِذْ هُوَ من المنن الَّتِي لَا تعد وَالنعَم الَّتِي لَا تحد والمنح الَّتِي لَا يقدر قدرهَا والأجور الَّتِي يجب شكر موليها وشكرها
وَلما كَانَ الْمقر الشريف أعزه الله بنصره وَجعل مناقبه الغراء حلية دهره وزينة عصره جَامع أشتات الْفَضَائِل وقرة عين أَرْبَاب الْوَسَائِل عين الدولة ومعينها ولسان المملكة ويمينها سيد الْأُمَرَاء كَهْف الْمَسَاكِين والفقراء الْمشَار إِلَيْهِ بِأَن مَا بَينه وَبَين مَا(2/52)
ماثله إِلَّا كَمَا بَين الثريا وَالثَّرَى
فكم عائل أغْنى وَكم مارد أفنى
وَكم أقاليم مهدها بقلمه وممالك طهرهَا بآرائه وبدامغ حكمه
وَكم مظْلمَة ردهَا بسفارته وظلمة أَعَادَهَا نورا بِحسن إِشَارَته
وَكم مكروب أَزَال كربه ومرعوب أَزَال رعبه
مَعَ رَغْبَة فِيمَا عِنْد الله وَمَا كَانَ لله فَهُوَ بَاقٍ وسيرة سَرِيَّة سَارَتْ بهَا الرفاق
وإرشاد إِلَى الْخَيْر وكف كفا كف الْمُعْتَدِينَ
وتفقه فِي دين الله وَمن يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدينوسوابق فضل بهَا بلغ مَا أمله المؤملون وَلَهو أَحَق خير تَلا عَلَيْهَا إخلاصه {لمثل هَذَا فليعمل الْعَامِلُونَ}
وَلما علم مَا فِي التَّخَلُّص من ربقة الرّقّ من المزية الْعُظْمَى عِنْد خَالق الْخلق عمد إِلَى عتق مَا ملكه الْيَمين واستمسك بِحَبل الله المتين وسرحه من حصر الاسترقاق إِلَى بحبوحة التَّحْرِير
وَمن ضيق الملكية إِلَى سَعَة الْعتْق الصَّرِيح المستغنى بِهِ عَن التَّدْبِير واستخار الله تَعَالَى فخار لَهُ فِي هذَيْن الْأَمريْنِ وأنهضه إِلَى إِتْمَامهمَا فحاز بهما الأجرين
هُنَالك أَشَارَ بتنظيم عقد هَذَا العقد الميمون
وَتَقْرِير هَذَا الْأَمر الَّذِي حقق فِي حسن صحبته وكريم وقايته الظنون
وَعند ذَلِك بلغ الْكتاب أَجله
وَأدْركَ المؤمل مَا أمله
وأشرقت كواكب سعده إشراق الزَّمن بمفاخره وتهللت وُجُوه السرُور كَمَا تهللت الْأَيَّام بمآثره
وود مسطره لَو اتخذ أَدِيم السما طرسا وحلاه بكواكب الجوزاء واستعار اللَّيْل نقشا لَا بل لرقم مسطوره على سطور صفحات النَّهَار وَلَوْلَا إشراق نوره لاستعاذ من سنا الْبَدْر وسنا الشَّمْس بأنوار
وَإِنَّمَا علم أَن قدره الْكَرِيم لَا يُقَابل من الإجلال والتكريم إِلَّا بأشرف أَسمَاء الله الْعلي الْعَظِيم
فرقم فِي مفتتح عقده النظيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا أصدق مَوْلَانَا الْمقر الشريف العالي الْفُلَانِيّ عتيقته الْجِهَة الْكَرِيمَة الْعَالِيَة المصونة المحجبة زِينَة الستات شرف مجَالِس الخواتين والخوندات فُلَانَة
صان الله حجابها وَوصل بِأَسْبَاب السعادات أَسبَابهَا الْمَرْأَة الْمسلمَة الْبَالِغ الْعَاقِل الأيم الخلية عَن الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة
أصدقهَا على بركَة الله تَعَالَى الْعَظِيم وَسنة نبيه الْكَرِيم سيدنَا مُحَمَّد عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم صَدَاقا مبلغه كَذَا على حكم الْحُلُول
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا الْكَرِيم ورضى نَفسهَا النفيسة لعدم الْأَوْلِيَاء وَالصَّدقَات(2/53)
سيدنَا ومولانا فلَان الدّين تزويجا شَرْعِيًّا
وَقبل لمولانا الْمقر الشريف الْمشَار إِلَيْهِ من مَوْلَانَا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ عقد هَذَا التَّزْوِيج وَكيله الشَّرْعِيّ فِي ذَلِك فلَان الْفُلَانِيّ أَو يكون هُوَ الْقَابِل لنَفسِهِ بِحُضُور من تمّ العقد بِحُضُورِهِ
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا فلَان المزوج الْمشَار إِلَيْهِ عتق الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وخلوها عَن جَمِيع الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة وَعدم عصيانها وإذنها فِي التَّزْوِيج على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل التَّارِيخ
خطْبَة نِكَاح حَاجِب الْملك
الْحَمد لله مؤيد الدّين بِسَيْفِهِ المهند ومؤبد التَّمْكِين لَدَى من ألهمه الرَّأْي المسدد ومسهل الْأَسْبَاب إِلَى سلوك طرق النجَاة والنجاح وحافظ الْأَنْسَاب بِمَا شَرعه من التَّمَسُّك بِسنة النِّكَاح
نحمده حمدا يوافي نعمه ويدافع نقمه ويكافىء مزيده ونشكره شكرا لَا أحد يُحْصى وافره ومديده
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الْخَالِق البارىء المصور الرَّزَّاق الْهَادِي الْمُقدر
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله المنعوت بِأَفْضَل الشيم الْمَبْعُوث إِلَى كَافَّة الْعَرَب والعجم المتوج بتاج الْكَرَامَة الْمُنْفَرد يَوْم الْعرض بالسيادة والخطابة والإمامة الْقَائِل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضاعف على آله وَصَحبه صلَاته وَسَلَامه تناكحوا تَنَاسَلُوا أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله نُجُوم الْهدى وَصَحبه الَّذين لَو أنْفق غَيرهم ملْء الأَرْض ذَهَبا مَا بلغ معشار مَا نَالَ أحدهم طول المدى صَلَاة تجمع لقائلها بَين جَوَامِع الْكَلم وبدائع الْحِكْمَة وتسلك بِهِ طرق الْهِدَايَة والعصمة وَشرف وبجل وكرم وَعظم
ونجاها الله بمحبته ومحبة آل بَيته الطيبين الطاهرين فِي الدَّاريْنِ
وَسلم
وَبعد فَإِن أحسن قرَان مَا اقْترن بِهِ الْكَوَاكِب بالسعود وأمنن امتنان مَا اتَّصل بِهِ حَبل السِّيَادَة فنظمت بِهِ جَوَاهِر الْعُقُود مَا كَانَ ممتزجا بِمَا يُنَاسِبه منتظما بِمَا يُقَارِبه
وَلما كَانَ الْمُصدق الْآتِي ذكره رفع الله قدره وَأطَال فِي طي الطروس نشره مُجملا(2/54)
للمحافل مكملا للجحافل مدْركا وَهُوَ الآخر مَا لم تُدْرِكهُ الْأَوَائِل حَاجِب الْملك وواسطة عقد نظام التّرْك
قمر فلك السَّعَادَة قطب رحى الْإِمَارَة والسيادة
من نظر فِي العواقب وأنار كَوْكَب رَأْيه السعيد إنارة يقصر عَنْهَا نور الْكَوَاكِب فَاخْتَارَ لقمره أسعد الْمنَازل وَأصَاب جود مطره للروض الآهل
وانتقى من الدُّرَر كِبَارهَا واستمطر من السحائب الصيبة غزارها
واجتبى واجتنى من الْأُصُول الطّيبَة ثمارها
وخطب الْجِهَة المعظمة والجوهرة الَّتِي هِيَ فِي أحسن تَاج منظمة
فَهِيَ الدرة الْيَتِيمَة الفاخرة ونافجة الْمسك العاطرة وبديعة الْجمال الَّتِي لَا يكَاد يرى مثل جمَالهَا إِلَّا فِي الطيف وَلَا يدْرك شَبابَة مثالها إِلَّا بِالسَّيْفِ
فَأُجِيب وَهُوَ الْحقيق بالإجابة أحسن جَوَاب لأحسن سُؤال وَآل أَمرهمَا إِلَى أكْرم مآب وَأفضل مآل ونالت الأفراح وَالسُّرُور باقترانهما خير منال
وَتمّ الهناء بِهَذَا الإملاك الْمُبَارك وكمل نظامه على التَّمام والكمال
فَهُوَ بِهَذَا العقد السعيد قد بلغ غَايَة قَصده وَتفرد بالسؤدد الَّذِي لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده وأنار ضِيَاء قمره وافتخرت الطروس بوشي قلمه وعقود درره
وقر عين الزَّمَان لما حصل على ثنية عمره وَحين جرى قلم السَّعَادَة فِي رقم مَا يُتْلَى فِي هَذَا الرقيم واستمد من مداد التَّوْفِيق وَكتب بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا أصدق ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة نِكَاح لقَاضِي لقبه جمال الدّين
الْحَمد لله الَّذِي جعل رتب الْجمال أرفع مَا يرتقى ومجد أهل الْفضل مِمَّا يعوذ من عين الحسود بالرقى
وَخص من شَاءَ بمزية الْعلم فَلم يخل ذكرهم من الْبَقَاء وجبلهم على الطَّاعَة لأَمره فحفق لواءهم باللواء
وسكنت أغراضهم الْحمى
وَنزلت صحائفهم بالنقا
نحمده على نعمه الَّتِي جمع بهَا شَمل هَذِه الْأمة على التقى
ونشكره على مَا منح من التَّوْفِيق لاتباع هَذِه السّنة
فَلَا موفق للخير إِلَّا من وفْق وَلَا موقى من الشّبَه إِلَّا من وقى
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تحل قَائِلهَا من مَرَاتِب الْإِخْلَاص موَاضعهَا
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي قرر أَحْكَام الْملَّة الحنيفية وشرعها
وحول من وَجه وَجهه إِلَى ابتغائها أمرأ الرياض وأمرعها
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه أنجى هَذِه الْأمة وأنجعها
المخصوصين مِنْهُ بالصحبة والتأهيل
فحين آووه(2/55)
ونصروه آواهم إِلَى أحصن الْحجب وأمنعها صَلَاة لَا تزَال الألسن بهَا ناطقة
وأصول الْمَحْصُول من الْكَلَام تشهد بِأَنَّهَا صَادِقَة ومناسبة التَّسْلِيم والتكريم لَهَا مُوَافقَة
وَبعد فَإِن التخير للنطف مِمَّا جَاءَت بِهِ الْأَوَامِر النَّبَوِيَّة وَنَصّ عَلَيْهِ أَئِمَّة الْهدى فِي تَقْرِير الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة وَكَيف لَا وَقد جعله الله تَعَالَى لكل من الزَّوْجَيْنِ أشرف لِبَاس وَأحْصن كَهْف تحصن بِهِ النَّاس
وَقد خص الله ذَوي الدّيانَة بالارتداء بجلبابه والتحلي بشريف مذْهبه وَالْعلم بفواصله وأسبابه إِذْ هُوَ ستر شطر الدّين وصيانة الْمُتَّقِينَ عَن يَقِين
قد جعل الله هَذِه الشَّرِيعَة المطهرة رياضا والمحافظة على صِيَانة الْأَنْسَاب أزهارها النافحة وسمى النِّكَاح بروقها اللامحة والحياة طيفا تشبه اللَّيْلَة فِيهِ البارحة وَالدُّنْيَا مَتَاعا وَخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة
وَكَانَ فلَان مِمَّن تمسك بعصم هَذِه السّنة وتنسك بِمَا يعظم عَلَيْهِ فِي الدَّاريْنِ الْمِنَّة وَأخذ بِمَا ندب الشَّارِع إِلَيْهِ وحض من النِّكَاح عَلَيْهِ لَا جرم أَنه مِمَّن لَا يقرع فِي دَرَجَة علم وَعمل
وَخص ببديع الْجمال من الله عز وَجل
وَظَهَرت أَمَارَات النجابة عَلَيْهِ وأشارت أنامل الفراسة من الْمُؤمنِينَ بالفلاح إِلَيْهِ
قد أحرز مَادَّة من الْعلم وافرة وَحصل من الأدوات الجميلة جملَة أحرز بهَا الْجَوَاهِر الفاخرة
فَمَا احْتَاجَ مَعَ الْمِنْهَاج إِلَى تَنْبِيه وَلَا افْتقر فِي مؤاخاة الرشد إِلَى كَاف تَشْبِيه
وَلما وضح لهَذِهِ الْحَرَكَة الْمُبَارَكَة السَّبِيل ورد من مَائِهَا العذب السلسبيل وَتقدم أَمر الله لهَذَا الْخَاطِب حَيْثُ قدم الاستخارة بالتقديم ثمَّ استفتح راقع هَذَا الرقيم
وَقَالَ بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة نِكَاح عَالم من عُلَمَاء الْمُسلمين
الْحَمد لله الَّذِي أَعلَى منَازِل الْعلمَاء بِالْعلمِ وَالْفَتْوَى وجعلهم وَرَثَة الْأَنْبِيَاء وميزهم بِالدّينِ وَالتَّقوى وجملهم بِمن إِذا هز قلم فَتَاوِيهِ عنت لَهُ وُجُوه الْأَحْكَام فِي السِّرّ والنجوى
وَسمعت مِنْهُ أَحَادِيث الْعُلُوم الصَّحِيحَة كَمَا عَنهُ أَخْبَار الْفَضَائِل تروى وَإِذا جرى بحث سبق بِالْجَوَابِ وَبلغ من قَول الصَّوَاب الْغَايَة القصوى
نحمده على نعمه الَّتِي نظمت جَوْهَر العقد السعيد فِي أجل الْعُقُود وجمعت بَين النيرين فِي أفق السُّعُود
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يبْدَأ فِيهَا بالمهم الْمُقدم ونقدمها فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة بَين يَدي من علم وَعلم
ونشهد أَن سيدنَا(2/56)
مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خير من اقْتضى وَقضى وأشرف الْخلق بخلقه الرضي
وَحكمه المرتضي
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين مَا مِنْهُم إِلَّا من اتبع شَرعه وأمضى أَحْكَامه وَخَافَ مقَام ربه فَشكر الله مقَامه صَلَاة تمنح قَائِلهَا السرُور النَّقْد عِنْد أَخذ الْكتاب وترجح ميزَان حَسَنَاته يَوْم تطيش الْأَلْبَاب وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح مَنْدُوب إِلَيْهِ بِالْأَمر المطاع الْوَاجِب الِاتِّبَاع لقَوْله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع} وَهُوَ سنة مُؤَكدَة حَسَنَة الأوضاع
ضامنة لمن وَفقه الله للمحافظة عَلَيْهَا حسن الاستيداع لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النِّكَاح سنتي فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ منيوهذا حَدِيث صَحِيح لَيْسَ فِيهِ نزاع ونفوس الْعَالم مائلة إِلَى الْعَمَل بِهِ على مَا يسر الْقُلُوب ويشنف الأسماع
وَهُوَ شِفَاء من دَاء الْعِصْيَان وَسبب لحفظ أَنْسَاب الْإِنْسَان
كم أعرب عَن فَضله لحن خطيب وانتظم بسلكه شَمل بَيت نسيب
يشْتَمل على المصافاة الَّتِي صقلت الألفة الرحمانية رونق صفائها والموافاة الَّتِي تشرفت باقترابها إِلَى السّنة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة وانتمائها
وَكَانَ فلَان مِمَّن رغب فِي هَذِه السّنة السّنيَّة والطريقة الْحَسَنَة المرضية
ودلت محاسنه العلمية وَصِفَاته العملية على التَّمَسُّك من كل فضل بأطرافه والتنسك بِهَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي تكمل بهَا جميل أَوْصَافه مَعَ مَا فِيهِ من شَوَاهِد الْعُلُوم الَّتِي بلغ بهَا من الْعُلُوّ الوطر وَدَلَائِل الْفَضَائِل الَّتِي تكفلت لَهُ بِحسن الأدوات فِي كل ورد وَصدر
وَلَقَد وَالله جمل الْبيُوت الَّتِي ينْسب إِلَيْهَا وَإِن كَانَت طباقها عالية ومنازلها من أَنْوَاع المآثر غير خَالِيَة
كم شهد الْعقل والسمع بِعُمُوم فَضله الْمُطلق واعترف أهل الْقيَاس خُصُوصا وَالنَّاس عُمُوما بِالْمَفْهُومِ من منطوقه الْمُحكم الْمُحَقق
وَكم سلم الْمُقْتَدِي بِعُلُومِهِ من فَسَاد الْوَضع وَالِاعْتِبَار وَرجح الْمُجْتَهد فِي بَيَان حَقِيقَة أَهْلِيَّته للاستنباط أَنه فِي سَائِر الْفُنُون حسن الِاخْتِيَار وَأَنه الْمُوفق الرشيد
وَمن توفيقه ورشده خُصُوص هَذِه الْحَرَكَة الْكَامِلَة وَعُمُوم الْبركَة الشاملة وَحُصُول هَذَا العقد الْمُبَارك السعيد وسريان سره فِي الْكَوْن معطرا بنفحات أمره السديد
وَحين دنا من صَاحبه سفوره وأشرق على صفحات الدَّهْر نوره ضربت بشائر التهاني والإقبال وَقَامَ اليراع خَطِيبًا على مِنْبَر الطروس
وَقَالَ هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة نِكَاح
وَالزَّوْج لقبه شُجَاع الدّين الْحَمد لله الَّذِي أيد عِصَابَة الدّين المحمدي بشجاعه ووفقه لاقتفاء سنَن الشَّرْع(2/57)
الشريف واتباعه وَقرن بالحلال بَين النُّفُوس والقلوب وَسَهل بالشريعة المطهرة كل مَطْلُوب
نحمده على مَا عَم من فَضله وغمر ونشكره وَالشُّكْر يُضَاعف الْمَزِيد لمن شكر
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
شَهَادَة انبلج بإخلاصها نور الْهدى وَظهر وتألق سنا برقها فِي الْآفَاق فبهر
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أعز الله بِهِ الدّين وَنصر وأذل بِهِ من جحد وَكفر
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه السَّادة الْغرَر مَا جرى بالأمور قدر وهمع ذيل الْغَمَام على الأكمام ودر
صَلَاة تسفر عَن وُجُوه المسرة والهنا وتتكفل لقائلها فِي الدَّاريْنِ ببلوغ المنى
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن أَفْخَر الْعُقُود قدرا وَقِيمَة وأنقى النُّقُود مَا بذل فاستخرج بِهِ من حجب السعد كَرِيمَة وأبرك المحافل مَا هيئت لَهُ الْأَسْبَاب
وهنئت بِهِ الْأَنْسَاب وَحصل الِاجْتِمَاع بِهِ على سنة وَكتاب
وَهُوَ مِمَّا أَمر الْمَرْء أَن يتَخَيَّر فِيهِ لنطفه وَمَا يسْتَخْرج بِهِ الدّرّ الْمكنون من صدفه
وَكَانَ فلَان رفع الله قدره فِي الْأَمْلَاك وأدار بسعادته الأفلاك مِمَّن تزينت بِهِ الْجَوَاهِر فِي الأسلاك وعقدت ذوائب الجوزاء بمعاقد مناسبه وتقابلت فِي بَيت السعد سعوده وافتخرت بمناقبه ونظمت فِي جيد الْمعَانِي عُقُود درره وأطلعت فِي سَمَاء الْأَمَانِي نُجُوم بره فَاخْتَارَ لقمره أشرف الْمنَازل
وآوى فِي النَّاس إِلَى بَيت فِيهِ طالع السعد نَازل
وخطب العقيلة الَّتِي تقف الْجَوَارِي الكنس دون حجابها
فَكَانَت أولى بِهِ وَكَانَ هُوَ أولى بهَا
وَكَانَ من شرف هَذَا الْمحل الَّذِي حلا جَوْهَر جمعه وكرم هَذَا الْجمع الَّذِي أغنت وُجُوه ساداته عَن أضواء شمعه
وفخر هَذَا الْمقَام الَّذِي لم يكن فِيهِ وليجة وأرجاء بَنَاته طيبَة أريجة
وَعَن هَذَا العقد الَّذِي شَمله بركَة أول عقد كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خَدِيجَة وَهِي الَّتِي مثلهَا فِي نسَاء الْعَالمين لم يصب وَهِي المبشرة بعد بَيتهَا هَذَا إِن شَاءَ الله بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب
وَهَذِه سَعَادَة مُؤَبّدَة مرقومة فِي أذيال برودها ونسيمة فاح ثناؤها العاطر فسرت نفحات وُرُودهَا
فأمتع الله بوجودها وأمتع بحياة والدها الَّذِي حَاز من كل وصف أحْسنه ونطقت بشكره الأقلام والألسنة
فأنعم بِهِ وَمَا برح مُعْلنا وَأحسن وَمَا زَالَ ثوب السِّيَادَة بِهِ معلما
وَأجَاب لعلمه بموافقة التَّوْفِيق إِن شَاءَ الله بِهَذَا المرام
وَأَن السعد والإقبال توافيا فِيهِ على أكمل نظام
ولبى داعيه لما لَهُ من الْحُقُوق الجمة وَأسْندَ العقد فِيهِ إِلَى خير الْأمة وَملك الْأَئِمَّة
سيدنَا ومولانا قَاضِي(2/58)
الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام حَسَنَة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام
عَلامَة الْعلمَاء الْأَعْلَام أبي فلَان فلَان
أدام الله رفع لِوَاء الشَّرْع الشريف بدوامه وَثَبت بِوُجُودِهِ قَوَاعِد نظامه وَجمع الْكَلِمَة المحمدية على إِمْضَاء نقضه وإبرامه فَعِنْدَ ذَلِك أشرقت شمس السَّعَادَة فِي أفق هَذَا العقد النظيم وَبَرقَتْ وُجُوه المحاسن من كل جَانب واتسمت بِكُل معنى وسيم وافتتح الْقَلَم لصون هَذَا الرقيم
بقوله بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة نِكَاح شرِيف اسْمه عَليّ
وَأَبُو الزَّوْجَة من أكَابِر الرؤساء واسْمه أَحْمد
الْحَمد لله الَّذِي جعل قدر من اتبع السّنة عليا وَقدر لمن سلك منهاجها أَن رأى الْخَيْر منهاجا سويا
وَأحسن نشأة من كَانَ برا بِوَالِديهِ وَلم يكن جبارا عصيا وَأهل أهل الطَّاعَة لمراضيه حَتَّى ادخر لَهُم الْجنَّة لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا إِلَى سَلاما وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا
نحمده أَن جعل بَيت الشّرف عليا وخلد فِيهِ السِّيَادَة أَحْمد تخليد
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يَتَجَدَّد بهَا عَن الْعِصَابَة المحمدية آكِد تَجْدِيد
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي عقد العقد لأمته وأخد عَلَيْهِم العهدين
أَحدهمَا الْعَمَل بِكِتَاب الله وسنته وَثَانِيهمَا مُوالَاة أهل بَيته وعترته
فسر النُّفُوس المؤمنة هداه وَأقر الْعُيُون من أهل بَيته وأسرته بِكُل ولي سرى تبرق أنوار النُّبُوَّة من أسرته
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله حَبل النجَاة للمتمسك وسبل الْهِدَايَة للمتنسك وعَلى جَمِيع أَصْحَابه نُجُوم الْهدى ورجوم العدى وأئمة الْخيرَات لمن اقْتدى
صَلَاة تشنف أذن سامعها وتنير بِالْإِيمَان وَجه رافعها مَا تطرزت حلل الغمائم بالبروق اللوامع وَشرع أهل السَّعَادَة فِي إتْمَام أُمُورهم على أَيمن طَائِر وأسعد طالع
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح سنة أَمر الشَّارِع عَلَيْهِ السَّلَام باتباعها وَأفهم الْعُقَلَاء عدم الانتفاء من انتفاعها
وَلذَلِك قَالَ الدُّنْيَا مَتَاع وَالْمَرْأَة الصَّالِحَة خير متاعها وَالنِّكَاح يحفظ مَا انساب من الْأَنْسَاب وَهُوَ سَبَب فِي عود مَا انجاب عَن الْإِيجَاب كم برع فِيهِ بدر تمّ(2/59)
وكمل وَكم طلع نجم سعد ببلوغ قَصده وأمل وَكم بشر حمله بِأَن الشَّمْس بِهِ فِي شرف الْحمل
وَكَانَ من فضلت سلوك هَذِه السطور بدرر مفاخره واستفتح بِأم الْكتاب فِي استهلال كِتَابه المتضمن ذكر جميل مآثره اللاحقة من السّلف بالخلف وَكم علا بهَا علوي ذَوي شرف وَهُوَ السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب الطَّاهِر الْأَصِيل الْعَفِيف المعتزي من أبوة النُّبُوَّة إِلَى من أعلت نسبتها قدره وأجلسته من علو شَأْن الْحسب وَالنّسب صَدره وشرفت الزهراء زهرَة أبوة النِّسْبَة المحمدية وَلَا شُبْهَة فِي شرف الزهرة
ضاعف الله نعْمَته وَقرن بالتوفيق عزمته مِمَّن نبت غصنه فِي روض السِّيَادَة وربى فِي حجر الشّرف والسعادة
وَقد حسن سمة وسمتا وسلك من طَهَارَة الشيم طَرِيقا لَا عوج فِيهَا وَلَا أمتا
وراق منْظرًا وشاق خَبرا وخبرا وَأسرى بغرض شرِيف الانتماء الْمَعْرُوف بالبشر فَحَمدَ عِنْد صباحه عَاقِبَة السرى وَهُوَ مِمَّن قدم فِي السِّيَادَة بَيته وارتفع بخفض الْعَيْش لِقَرَابَتِهِ بديانته وصيانته صيته
وتنزه كل شين
وانتمى بِنِسْبَة الشريف إِلَى مَوْلَانَا الإِمَام سيد الشُّهَدَاء الْحُسَيْن وتضلع مَعَ ذَلِك من الْفَضَائِل الأدبية واتصف من نِهَايَة الشّرف بِمَا فَاتَ بِهِ وفَاق على كثير من أَرْبَاب الرتب الْعلية وَرغب وَمَا أسعدها رَغْبَة زادته رُتْبَة إِلَى رتبته وَاقْتضى بهَا من شوارد المودات نِهَايَة مُعينَة وحسبك بهَا من رَغْبَة سَارَتْ بهَا أَحَادِيث أصالته بِبَيْت مرغوبته كالمثل وتناقلت الروَاة عَن سلفها وَخَلفهَا عوارف الْعلم ومعارف الْعَمَل وحوى سترهَا الرفيع وحجابها المنيع مَا عدا شأوه من المسامع والأفواه والمقل
وَمَا أَشَارَ إِلَّا وتلقيت إِشَارَته بالتكريم
وَحين استفهم والدها أَسْبغ الله ظله مَسْأَلته قدمهَا على كل مُهِمّ
لعلمه أَن الِاسْتِفْهَام دينه الْقَدِيم
وَكَانَ مِمَّا قدره الْعَزِيز الْعَلِيم
مَا سَيذكرُ فِي هَذَا الرقيم
وَهُوَ بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
صُورَة عقد نِكَاح وَالزَّوْج اسْمه طَاهِر
ووالد الزَّوْجَة لقبه كَمَال الدّين الْحَمد لله الَّذِي نسب إِلَى الْكَمَال كل طَاهِر المناقب وَجعل النِّكَاح من السّنَن المحمودة العواقب ووهب بِهِ من اتِّفَاق الْأَهْل واجتماع الشمل أحسن الْمَوَاهِب
وَبِه ذهبت بِنَا شَرِيعَة الْإِسْلَام إِلَى أحسن المسالك وأشرف الْمذَاهب وَأرْسل إِلَيْنَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فحض على المكارم وَنهى عَن المعايب وأوضح لنا سنته الَّتِي من اتبعها فَهُوَ غير خائب
نحمده على مواهب إحسانه وَهُوَ خير واهب ونشكره شكر معترف بنعمته غير جَاحد وَلَا ذَاهِب
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يقوم بهَا قَائِلهَا من الْإِيمَان بِكُل وَاجِب(2/60)
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي زلزل الْكفَّار بِمَا لَهُ من مواكب وكتائب وصدع بِنور نبوته دجى الشّرك فبدت لوامعه منيرة فِي الْمَشَارِق والمغارب
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين طلعوا فِي أفق سَمَاء الْإِسْلَام كالكواكب وتبادروا لنصرته مَا بَين ماش وراكب
صَلَاة يرقى بهَا قَائِلهَا من مَرَاتِب العلياء إِلَى أَعلَى الْمَرَاتِب
ويبلغ بهَا فِي الدَّاريْنِ أقْصَى المآرب
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح سنة ذَوي الاهتداء وَأحد مسالك الشَّرِيعَة الْمُسْتَحقَّة الِاتِّبَاع والاقتداء لَا يَأْخُذ بِهِ إِلَّا كل من ركن إِلَى التَّقْوَى وَعمل بِالسنةِ الَّتِي تتشرف بهَا النُّفُوس وتقوى
وَلما كَانَ فلَان مِمَّن كَسَاه الْعلم أثوابه وَفتح التَّوْفِيق لَهُ أبوابه
فَلبس من التَّقْوَى أحسن شعار
وَسَار من اتِّبَاع السّنة على أوضح آثَار
وَرغب فِي سنة النِّكَاح الَّتِي هِيَ كَمَال الدّين وَطَرِيقَة من ارتضع ثدي الْيَقِين
وَعلم أَن هَذِه السّنة لَا تحصل إِلَّا عِنْد حُصُول الْأَكفاء وَحُصُول الْقَصْد من التخير والاصطفاء وبلوغ الأمنية من كَيْفيَّة الِاكْتِفَاء
فَخَطب من هُوَ فِي علو الْقدر نظيرها ومصيره من الأَصْل الطّيب إِلَى حَيْثُ اسْتَقر مصيرها
فقد نشأت فِي حجر الْحَلَال وأودعها الصون فِي خلال ستائر الْكَمَال
وَلما كَانَ الْخَاطِب كفوءا لسلوك هَذِه الطَّرِيقَة وطاهر الصِّفَات على الْحَقِيقَة
خطب فأجيبت خطبَته بنعم وتلقى بِحسن الْقبُول تلقى النعم وانعقد هَذَا العقد الْمُبَارك على أتم حَال وأنعم بَال وَوَافَقَهُ أَنْوَاع المسرة بالتمام والكمال
وَتَبَسم قلم السَّعَادَة وَقَالَ
فيا لله مَا أصدق مَا قَالَ
هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة نِكَاح وَالزَّوْج لقبه شهَاب الدّين
الْحَمد لله الَّذِي زين سَمَاء الْمعَانِي بشهابها الْمُنِير وَأَعْلَى دوحة السَّعَادَة بنمو فرعها النَّضِير وَشد بَيت الرياسة بِمن رفع قَوَاعِد الْفضل الغزير
ونحمده على نعمه الَّتِي شملت الْغَنِيّ وَالْفَقِير وعمت الصَّغِير وَالْكَبِير
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَلَا مثيل وَلَا نَظِير وَلَا صَاحِبَة وَلَا ولد وَلَا وَزِير وَلَا مشير
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الشَّاهِد البشير النذير الدَّاعِي إِلَيْهِ بِإِذْنِهِ(2/61)
السراج الْمُنِير الْآمِر بالتناكح والتناسل لفائدة التكثير
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس وَأكْرمهمْ بالتطهير وعَلى أَصْحَابه الَّذين سَار على طَرِيقَته المثلى الْمَأْمُور مِنْهُم والأمير صَلَاة دائمة بَاقِيَة لَا يخالطها ملل وَلَا يشوب استمرارها تَقْصِير
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَالنِّكَاح سنة ساطعة السنا يانعة الجنى جَامِعَة لأنواع السرُور والهنا بهَا يرغم أنف الشَّيْطَان ويتوصل إِلَى رضى الرَّحْمَن وَهُوَ سَبَب يتَمَسَّك بِهِ أهل التَّقْوَى والديانة ومنهل عذب يردهُ أهل الْعِفَّة والصيانة
وَكَانَ فلَان مِمَّن نَشأ فِي حجر السِّيَادَة وارتضع ثدي الزهادة
وَتعبد بالإخلاص
فظهرت على وَجهه الْمُنِير آثَار الْعِبَادَة
وجلت صِفَات محاسنه اللائقة وحلت فِي الأفواه موارد سجاياه الرائقة
وَهَا قد أَضَاء هَذَا الْكتاب بِنور شهابه وتعطر بِذكر اسْمه الرفيع وجنابه
وَحين سلك مَنْهَج الْحق الْمُسْتَقيم وَاتبع سنَن الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم
فاح فِي مجْلِس عقده عرف الْفَلاح
ولاح علم التَّوْفِيق والنجاح
وَأَقْبَلت طلائع السعد والإقبال
وَقَامَ الْقَلَم على مِنْبَر الطرس خَطِيبًا وَقَالَ فيالله مَا أصدق قَوْله هَذَا مَا أصدق إِلَخ
خطْبَة نِكَاح شرِيف على شريفة
الْحَمد لله الَّذِي رفع ذَوَات الشّرف الْعلي من منَازِل الْعلَا أَعْلَاهَا وَخص الْخيرَات من إمائه الصَّالِحَات هَذِه الْمنزلَة الرفيعة وَفِي أحصن الْحجب آواها
نحمده حمدا يستوعب من مُوجبَات الشُّكْر أقصاها
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يحلنا الله بهَا من مَرَاتِب الْإِخْلَاص أسماها
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أدّى أفْصح الْأَوَامِر الدِّينِيَّة وجلاها وخلصها من معضلات ظلمات الشّرك وحماها
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه ذَوي الْمجد الَّذِي لَا يتناهى وَالْفضل الَّذِي لَا يضاهى صَلَاة لَا يدْرك مداها وَلَا يلْحق مُنْتَهَاهَا
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن النِّكَاح سنة مَا برح نورها بصلات أَنْسَاب هَذِه الْأمة يتبلج وعقودها تنتظم فِي أسلاكها كل يتيمة نشرها بِحسن هَذِه الْوَاسِطَة من روض الْأنس يتأرج وناهيك(2/62)
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا معشر الشَّبَاب من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوجوأهل بَيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق من تمسك بسنته الْوَاضِحَة وَظهر بالمآثر الصَّالِحَة
فَمن دوحة حَسبه ظهر ذَلِك الْفَرْع
وَمن ذرْوَة نسبه تفجر ذَلِك النبع وَمن مزن كرمه لمع ذَلِك الْبَرْق وَمن تَقْرِير أَحْكَام شَرِيعَته وضح ذَلِك الْفرق
وَلَا عجب لمن كَانَ من هَذَا الْبَيْت الشريف وَعلا بِهِ شرف ذَلِك الْحسب المنيف أَن يقوم من اتِّبَاع هَذِه السّنة النَّبَوِيَّة بالأوجب وَيضم إِلَيْهِ من حصل لكل مِنْهُ وَمِنْهَا لصَاحبه الفخار والتشريف فهما أصل كل فخار سما وَفرع نجاء نما وغيث فضل همى
ورثا السِّيَادَة كَابِرًا عَن كَابر كالرمح أنبوبا على أنبوب وَكَانَ فلَان مِمَّن اقتفى آثَار بَيته الطَّاهِر فِي الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة
فأعظم الله عَلَيْهِ الْمِنَّة
وَقد كمل هَذَا العقد السعيد الْمُبَارك فِي الْحَال والمآل
فَحِينَئِذٍ قَامَ اليراع خَطِيبًا على مِنْبَر الطرس
وَقَالَ حِين أطرق
هَذَا مَا أصدق الْمجْلس العالي السيدي الشريفي الحسيبي النسيبي الطاهري الْأصيلِيّ العريقي الأثيلي
فَخر العترة الزاكية العلوية شرف السلالة الطاهرة النَّبَوِيَّة فلَان الْفُلَانِيّ بخطوبته الْجِهَة الْكَرِيمَة السيدة الشَّرِيفَة الحسيبة النسيبة الناشئة فِي أعلا دَرَجَات الشّرف وَدِيعَة الصون فِي حجر السَّعَادَة والترف فُلَانَة الْفُلَانِيَّة الَّذِي هُوَ فِي الْقدر نظيرها ومصيره من الأَصْل الطّيب مصيرها
فَهُوَ وَهِي من شَجَرَة طيبَة أَصْلهَا ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء وهما من سلالة قوم شرفوا بالانتماء إِلَى العظماء فنسبهما مُتَّصِل بِنسَب أهل الصدْق وَالْوَفَاء وجوهرهما إِذا اعتزى فَهُوَ من جَوْهَر مِنْهُ النَّبِي الْمُصْطَفى أصدقهَا الْمُصدق الْمشَار إِلَيْهِ على كتاب الله وَسنة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدَاقا مبلغه كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
خطْبَة نِكَاح أُخْرَى
الْحَمد لله الَّذِي فصل بَين الْحَلَال وَالْحرَام وَفرق وَجمع بِالنِّكَاحِ مَا تشَتت من شَمل عباده وتمزق وجعلهم شعوبا وقبائل ليحصل التعارف ويتحقق وَقَالَ تَعَالَى {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم}
ليعلم أَن أكرمنا من يتحلى بتقوى الله(2/63)
ويتخلق وَجعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا إِذْ هُوَ أسكن للنفوس وأرفق
وخيركم حَيْثُ قَالَ {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع}
ليَكُون الْعَمَل بِمَا هُوَ أليق وأوفق
وَسن النِّكَاح لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فلسنته الْوَاضِحَة ينْهض ويسبق
نحمده على نعمه الَّتِي ظهر نور عمومها على الْعَامَّة والخاصة وأشرق
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة عبد لمع برق إيمَانه فِي كَون الْإِخْلَاص وأبرق
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الصَّادِق الْمُصدق والناطق المسدد وَالْعَامِل الْمُوفق
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه ذَوي الْفضل الْمُطلق وَالْمجد الْمُحَقق صَلَاة لَا يدْرك شأوها وَلَا يلْحق وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن الله تَعَالَى جعل النِّكَاح سنة نبيه الَّذِي مَا خلق بشر مثله وَلَا يخلق وكف بِهِ الْأَبْصَار والفروج عَن مآثم السفاح ووثق وانتدب إِلَى ذَلِك من هُوَ أنهض النَّاس فأسبق
فابتدر إِلَى التَّزْوِيج ابْتِدَاء من تحلى بِالسنةِ الشَّرِيفَة وتخلق وَأخذ بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تخَيرُوا لنطفكموالآخذ بسنته يرشد ويسعد ويوفق وخطب العقيلة الَّتِي تضوع عرف ثنائها بَين النَّاس وعبق وَمَا هما إِلَّا قرينان جَمعهمَا أشأم فِي الْفضل وأعرق
فَأُجِيب إِلَى ذَلِك إِذْ هُوَ الْكُفْء الَّذِي تبين فَضله وَتحقّق
وانتظم بَينهمَا عقد نِكَاح تنظم على السّنة الشَّرِيفَة وتنسق
وانعقد بَينهمَا
مَا نَصه بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ ويكمل على نَحْو مَا سبق
خطْبَة أُخْرَى
الْحَمد لله الَّذِي لَيْسَ لسهام الأوهام فِي عجائب صَنعته مجْرى وَلَا تزَال لطائف مننه على الْعَالمين تترى
فَهِيَ تتوالى عَلَيْهِم سرا وجهرا
وتصوب فِي أرجاء ساحاتهم برا وبحرا {وَهُوَ الَّذِي خلق من المَاء بشرا فَجعله نسبا وصهرا} سلط على الْخلق شَهْوَة اضطرهم بهَا إِلَى الحراثة فانجروا إِلَيْهَا جرا واستبقى بهَا نسلهم اقتهارا وقسرا
نحمده على مَا من بِهِ من تَعْظِيم الْأَنْسَاب الَّتِي أطاب لَهَا ذكرا وَعظم لَهَا قدرا(2/64)
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك شَهَادَة تكون لقائلها حِجَابا من النَّار وسترا
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث بالإنذار والبشرى والمخصوص بِعُمُوم الرسَالَة والذكرى
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين جردوا لنصرة دينه القويم واعتقلوا لقِتَال أعدائه بيضًا وسمرا صَلَاة لَا يُطيق أحد لَهَا حصرا وَلَا تنفد وَلَا تبيد شهرا وَلَا دهرا
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن الله جلّ اسْمه أحل النِّكَاح وَندب إِلَيْهِ وحث عَلَيْهِ اسْتِحْبَابا وأمرا
وَحرم بمشروعيته السفاح وَبَالغ فِي تقبيحه ردعا وزجرا
وَجعل اقتحامه جريمة كبرى وفاحشة وإمرا وَبت بأدرار النطف فِي الْأَرْحَام النسم
وَأَنْشَأَ مِنْهَا خلقا
وبأرزاقهم وآجالهم فِي بطُون أمهاتهم أَقْلَام قدرته أجْرى
وَكَانَ من نضدت جَوَاهِر هَذَا الطرس باسمه ورسمت برسمه مِمَّن سلك من اتِّبَاع هَذِه السّنة النَّبَوِيَّة سَبِيل الرشاد فَمَا كَانَ سلوكه سدى
واهتدى بنجومها الزاهرة وبأئمتها الْأَعْلَام اقْتدى
وَاخْتَارَ من تغار الأقمار من محاسنها المجلوة وتكتب فِي صحف الْأُصُول الزكية آيَات فَضلهَا المتلوة
فَأُجِيب وَكَانَ حَقِيقا بالإجابة ووافقت سِهَام عرضه مرامي التسديد والإصابة
وَكَانَ من خُصُوص هَذِه الْحَرَكَة الْمُبَارَكَة الَّتِي هِيَ بِالْيمن محكمَة الْعُقُود ممنوحة من وعود السُّعُود بأهنأ النُّقُود ودوام النّفُوذ
وَكَانَ مِمَّا قدره الله وأراده ووعد عَلَيْهِ الْحسنى وَزِيَادَة مَا سَيذكرُ فِي هَذَا الرقيم بِفضل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ مخطوبته فُلَانَة على نَحْو مَا تقدم شَرحه
خطْبَة أُخْرَى
الْحَمد لله الَّذِي أحسن كل شَيْء خلقه وَبَدَأَ خلق الْإِنْسَان من طين
ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين
ثمَّ سواهُ وَنفخ فِيهِ من روحه
فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ
نحمده حمد عبد تمسك بِالْكتاب وَالسّنة ونشكره شكر من أرشد إِلَى طَرِيق الْجنَّة
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تبلج نور الْهدى بإخلاصها وتألق سنا برق بركاتها فِي الْآفَاق
فَعم هَذِه الْأمة تشريف اختصاصها
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أعز الله بشرعه الشريف دينه الحنيف(2/65)
وَجعله خير نَبِي أرْسلهُ
وعَلى جَمِيع الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ فَضله
وَجعل من سنته أَن أحل النِّكَاح لأمته
وشرعه عِنْد الْحَاجة لواجد أهبته
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه أَئِمَّة الْإِسْلَام وجنده القائمين بسنته والموفين بعهده
وَسلم وَعظم وَشرف وكرم
وَبعد فَإِن النِّكَاح من سنَن الْأَنْبِيَاء وشعار الْأَوْلِيَاء ودثار الأتقياء وزينة الأصفياء
اقْتَرَبت بِهِ الأباعد واتصلت بِهِ الْأَنْسَاب اتِّصَال الْعَضُد بالساعد
وَهُوَ لَا تخفى مشروعيته
وَلَا يُنكر بَين أهل الْإِسْلَام فضيلته
وَكَانَ فلَان مِمَّن تحلى من الْفَضَائِل بِمَا تحلى وتجلى لَهُ من مسالك السّنة الشَّرِيفَة مَا تجلى وخطب من ذَوَات الْفضل من هِيَ كَالشَّمْسِ بَين الْكَوَاكِب
وَرغب فِيمَن هِيَ غَايَة الأمل للراغب ومنتهى الْقَصْد للخاطب
فَهِيَ ذَات أصل ثَابت وَفرع نابت وصيانة شَامِلَة ونعمة كَامِلَة وَذكر جميل وَحسب ظلّ ظَلِيل
وَمَا هِيَ إِلَّا دوحة أَصْلهَا الْمُلُوك الْكِرَام ورئيسة خَفَقت على رُؤُوس آبائها الْعلمَاء الْأَعْلَام
فَأَجَابُوا خطبَته ولبوا دَعوته
وبادر ولي هَذَا الْأَمر إِلَيْهِ مجيبا
وَقَالَ الْقَلَم على مِنْبَر الطرس خَطِيبًا
فأسفر لَهُ وَجه الْقبُول وأشرق
فيا لله مَا أصدق قَوْله هَذَا مَا أصدق فلَان الْفُلَانِيّ مخطوبته فُلَانَة ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَأما صور الأصدقة فَمِنْهَا مَا هُوَ جَائِز عِنْد أبي حنيفَة بَاطِل عِنْد البَاقِينَ
مِنْهَا أصدق فلَان فُلَانَة صَدَاقا مبلغه كَذَا إِلَى آخِره وَقد وكلت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِي تَزْوِيج نَفسهَا من الزَّوْج الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهَا عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبها عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من تمّ العقد بحضورهم شرعا
ويندرج الْخلاف تَحت قَوْله بِمحضر من تمّ العقد بحضورهم شرعا فَإِن مَذْهَب أبي حنيفَة انْعِقَاد العقد بِحُضُور فاسقين وكافرين كتابيين
إِذا كَانَ الزَّوْج وَالزَّوْجَة كتابيين
وَصُورَة أُخْرَى أصدق فلَان فُلَانَة صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولى تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها فلَان الْأَجْنَبِيّ مَعَ وجود الْأَوْلِيَاء أَو الْحَاكِم
فَهَذَا العقد صَحِيح عِنْده وَحده
وَصُورَة أُخْرَى أصدق فلَان فُلَانَة صَدَاقا جملَته كَذَا زَوجته مِنْهَا بِإِذْنِهَا ورضاها فُلَانَة ابْنة فلَان تزويجا شَرْعِيًّا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور من الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة عقد هَذَا التَّزْوِيج(2/66)
وَهَذِه الصُّور الثَّلَاثَة إِذا اتّفق شَيْء مِنْهَا وَكَانَ الْقَصْد تَصْحِيحه
فطريقه أَن يرفع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
صُورَة نِكَاح مُتَّفق على صِحَّته أصدق فلَان فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل الْحرَّة الْمسلمَة صَدَاقا مبلغه كَذَا من الدَّرَاهِم أَو الدَّنَانِير أَو غَيرهمَا من كل طَاهِر جَائِز بَيْعه عِنْد الشَّافِعِي احْتِرَازًا من أَن يصدقها شَيْئا من النَّجَاسَات أَو المعازف الْجَائِز بيعهَا عِنْد أبي حنيفَة
فَإِن الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة أَن مَا جَازَ أَن يكون ثمنا جَازَ أَن يكون صَدَاقا
وَهَذَا مَمْنُوع عِنْد الشَّافِعِي
جَائِز عِنْد أبي حنيفَة زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها والدها الْمَذْكُور
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل
ويكمل إِلَى آخِره
صُورَة نِكَاح مُخْتَلف فِيهِ أصدق فلَان فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ إجبارا والدها الْمَذْكُور أَو جدها لأَبِيهَا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور من المزوج عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل
فَهَذِهِ الصُّورَة صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا وَلها ابْن وَأَوْلَاد ابْن زَوجهَا أَبوهَا مَعَ وجود ابْنهَا وَابْن ابْنهَا خلافًا لمَالِك
فَإِن عِنْده يقدمان على الْأَب وَالْجد
وَهُوَ صَحِيح عِنْد أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى مَتى بلغت تسع سِنِين فَلَا تزوج بِغَيْر إِذْنهَا
وَهُوَ صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة
وَغير صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي
فَإِنَّهَا إِذا كَانَت بَالِغَة لَا تزوج إجبارا وَلَا بُد من إِذْنهَا
صُورَة مُخْتَلف فِيهَا أصدق فلَان فُلَانَة الْمَرْأَة النّصْف العانس الْبكر الَّتِي بلغت من الْعُمر أَرْبَعِينَ سنة أَو الْبِنْت الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل الْحرَّة الْمسلمَة الَّتِي زوجت وخلا الزَّوْج بهَا وَعرفت مضارها ومنافعها وَطلقت بعد الْخلْوَة وَقبل الْإِصَابَة صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ والدها الْمَذْكُور أَعْلَاهُ إجبارا وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل بعد الِاعْتِبَار الشَّرْعِيّ
فَهَذِهِ الصُّورَة بَاطِلَة عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة
وَفِي أظهر روايتي أَحْمد
صُورَة مُخْتَلف فِيهَا أَيْضا أصدق فلَان فُلَانَة الْبِنْت الْبكر الَّتِي وافت تسع سِنِين صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها والدها أَو غَيره من الْعَصَبَات على التَّرْتِيب السَّابِق تَعْيِينه فِي الْعَصَبَات فِي مَذْهَب أَحْمد وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل(2/67)
فَهَذَا العقد صَحِيح عِنْد الشَّافِعِي إجبارا إِذا كَانَ الْوَلِيّ أَبَا أَو جدا وإذنها وَقع لَغوا
وَكَذَلِكَ وَقع عِنْد أبي حنيفَة
وَلَا يحْتَاج عِنْده إِلَى إِذْنهَا أَيْضا
وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك
وَإِنَّمَا اعْتبرنَا إِذْنهَا لرِوَايَة عَن أَحْمد
فَإِنَّهُ قَالَ إِذا بلغت تسع سِنِين لم تزوج إِلَّا بِإِذْنِهَا فِي حق كل ولي أَبَا كَانَ أَو غَيره
صُورَة مُخْتَلف فِيهَا أصدق فلَان فُلَانَة بنت عبد الله الْجَارِيَة فِي رق فُلَانَة الْمَرْأَة الْمسلمَة الْبَالِغ الأيم المعترفة لفلانة الْمَذْكُورَة بِالرّقِّ والعبودية وَإِن كَانَت الزَّوْجَة مُعتقة
فَيَقُول الْمَرْأَة الْمسلمَة الْبَالِغ الْعَاقِل الأيم عتيقة فُلَانَة ابْنة فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَوليت تَزْوِيجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها سيدتها الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ
وَقبل الزَّوْج مِنْهَا عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبته عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل وَإِن كَانَت مُعتقة
فَيَقُول بِإِذْنِهَا ورضاها معتقتها الْمَذْكُورَة ويكمل على الْعَادة فِي كتب الأصدقة
فَهَذِهِ الصُّورَة صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة فِي الرقيقة مَعَ عدم وجود الشَّرْطَيْنِ خوف الْعَنَت وَأَن لَا يجد صدَاق حرَّة
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة من مَذْهَب أَحْمد بَاطِلَة عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَفِي أظهر الرِّوَايَات عَن أَحْمد وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ وَأَبُو بكر
وَصُورَة تَزْوِيج الْبِنْت الصَّغِيرَة أصدق فلَان فُلَانَة الْبِنْت الصَّغِيرَة الثّيّب الَّتِي لم تبلغ الِاحْتِلَام
صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ والدها الْمَذْكُور وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج من المزوج الْمَذْكُور
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل ويكمل على نَحْو مَا سبق
فَهَذِهِ الصُّورَة جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة
وَفِي أحد الْوَجْهَيْنِ لأَصْحَاب أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى
صُورَة تَزْوِيج الصَّغِيرَة الْبكر أصدق فلَان فُلَانَة الصَّغِيرَة الْبكر الَّتِي هِيَ فِي حجر والدها الْمَذْكُور بِحكم الْأُبُوَّة شرعا صَدَاقا مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك والدها الْمَذْكُور أَو جدها لأَبِيهَا فلَان الْفُلَانِيّ تزويجا شَرْعِيًّا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور النِّكَاح لنَفسِهِ على الْمُسَمّى فِيهِ قبولا شَرْعِيًّا
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل
فَإِن زوج الْأَب كَانَ صَحِيحا إِجْمَاعًا
وَإِن زوج الْجد كَانَ صَحِيحا عِنْد الشَّافِعِي وَأبي حنيفَة
غير صَحِيح عِنْد مَالك وَأحمد
صُورَة أُخْرَى فِي تَزْوِيج الصَّغِيرَة أصدق فلَان فُلَانَة الْبِنْت الصَّغِيرَة الَّتِي لم تبلغ الْحلم أَو المعصر صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ أَخُوهَا لأَبِيهَا فلَان لعدم ولي(2/68)
أقرب مِنْهُ أَو أحد الْأَوْلِيَاء على ترتيبهم عِنْد أبي حنيفَة مِنْهُم الْأُم
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل
ويكمل على نَحْو مَا سبق
فَهَذَا العقد صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة خلافًا للباقين مَعَ أَنه مَوْقُوف عِنْده على إمضائها إِذا بلغت
صُورَة تَزْوِيج الْوَصِيّ بِمَا اسْتَفَادَ من الْولَايَة الشَّرْعِيَّة بِالْوَصِيَّةِ تَزْوِيج إِجْبَار أصدق فلَان فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل ابْنة فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ إجبارا وصيها الشَّرْعِيّ فلَان بِمَا آل إِلَيْهِ فِي ذَلِك من الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من وَالِد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة المؤرخة بِكَذَا الثَّابِت مضمونها بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
المؤرخ بِكَذَا وَقبل الزَّوْج مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَهَذَا العقد صَحِيح عِنْد مَالك وَحده إجبارا مَعَ تعْيين الزَّوْج
وَظَاهر مَذْهَب أَحْمد صِحَّته على الْإِطْلَاق وَإِن لم يكن ثمَّ شُهُود
وَعقد الْوَصِيّ العقد إجبارا بِغَيْر شُهُود فَهُوَ أَيْضا صَحِيح عِنْد مَالك
فَإِن الشَّاهِدين ليسَا عِنْده شرطا فِي صِحَة العقد
فَهَذَا عقد عقده الْوَصِيّ إجبارا على بنت بكر بَالغ بِغَيْر شُهُود خلافًا للباقين من الْأَئِمَّة
ثمَّ إِذا كَانَ الْقَصْد إمضاؤه وتصحيحه فيرفع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ الْقَصْد إِبْطَاله فيرفع إِلَى حَنَفِيّ أَو شَافِعِيّ فيثبته وَيحكم بِبُطْلَانِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَعند أَحْمد هُوَ صَحِيح
وَلَا بُد من شَاهِدين عَدْلَيْنِ يحضرانه
وَلَا بُد عِنْده من تقدم إِذْنهَا أَيْضا للْوَصِيّ
صُورَة تَزْوِيج الْوَصِيّ الْبِنْت الْبكر الصَّغِيرَة التساعية الْعُمر بِإِذْنِهَا على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ وَحده أصدق فلَان فُلَانَة الْبِنْت الْبكر الصَّغِيرَة الَّتِي لَهَا من الْعُمر تسع سِنِين
ابْنة فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ فلَان بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة الشَّرْعِيَّة المفوضة إِلَيْهِ من والدها الْمَذْكُور المؤرخة بِكَذَا الثَّابِت مضمونها بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ المؤرخ بِكَذَا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج لنَفسِهِ
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/69)
صُورَة تَزْوِيج مَوْقُوف على الْإِجَازَة أصدق فلَان فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل
ابْنة فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها فلَان الْفُلَانِيّ ليشاور والدها الْمَذْكُور على ذَلِك
وَيطْلب مِنْهُ الْإِجَازَة للْعقد الْمَذْكُور
وَقبل الزَّوْج مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج إِلَى آخِره بعد الِاعْتِبَار الشَّرْعِيّ
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَصُورَة أُخْرَى فِي ذَلِك أصدق فلَان فُلَانَة الْمَرْأَة الْكَامِل ابْنة فلَان عَن فلَان
صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولي تَزْوِيجهَا من الْمُصدق عَنهُ فلَان بِإِذْنِهَا ورضاها والدها أَو جدها أَو أحد الْعَصَبَات بِشَرْط إجَازَة الْمُصدق عَنهُ فلَان الْمَذْكُور وَرضَاهُ بذلك وَقبل الْمُصدق الْمَذْكُور للمصدق عَنهُ الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من تمّ العقد بحضورهم شرعا بعد الِاعْتِبَار الشَّرْعِيّ
فَهَذِهِ الصُّور الثَّلَاثَة صَحِيحَة عِنْد أبي حنيفَة على الْإِطْلَاق مَوْقُوفَة على الْإِجَازَة من الْوَلِيّ وَفِي الصُّورَة الأولى وَمن الزَّوْجَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة
وَهِي مَا إِذا أصدق رجل امْرَأَة غَائِبَة وَزوجهَا الْوَلِيّ من الْمُصدق بِغَيْر إِذْنهَا وَلَا حُضُورهَا
وَسَيَأْتِي مثل هَذِه الصُّورَة فِي تَزْوِيج الْفُضُولِيّ
وَمن الزَّوْج فِي الصُّورَة الثَّالِثَة
وَكَذَلِكَ عِنْد مَالك رَحمَه الله بِشَرْط أَن تكون الْإِجَازَة عقب العقد قريبَة مِنْهُ فِي غير تراخ كثير
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد أَن ذَلِك صَحِيح مَعَ الْإِجَازَة كمذهب أبي حنيفَة وَذَلِكَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي على الْإِطْلَاق
وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَفِي الرِّوَايَة المختارة لِأَحْمَد
وَقد يتَصَوَّر صُورَة رَابِعَة جَارِيَة مجْرى الصُّور الثَّلَاث الْمَذْكُورَات وَهِي أَن يقوم فضوليان أجنبيان بِحُضُور عَدْلَيْنِ ويزوج أَحدهمَا امْرَأَة غَائِبَة من رجل غَائِب على صدَاق مَعْلُوم
وَيقبل الآخر للرجل الْغَائِب العقد
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن ذَلِك يَقع صَحِيحا
وَإِذا أجَاز الزَّوْجَانِ ذَلِك
ثَبت
ويبنى على ذَلِك صور أُخْرَى
وَهِي مَا إِذا كَانَ فضوليا من جِهَة ووكيلا من جِهَة أَو فضوليا من جِهَة
ووليا من الْجِهَة الْأُخْرَى
وصوره جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَحده
وَهِي أَن يُزَوّج الرجل ابْنة أَخِيه من ابْن أَخِيه وهما صغيران
وَيقبل وَيُوجب
وَكَذَا إِن قَالَ رجل لرجل زوجت فُلَانَة مِنْك
فَقَالَ تزوجت أَو قبل مِنْهُ العقد ثمَّ بلغَهَا الْخَبَر فأجازت
جَازَ بالِاتِّفَاقِ بَين أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا زوجت الْمَرْأَة نَفسهَا من غَائِب فَبَلغهُ الْخَبَر فَأجَاز يجوز عِنْده خلافًا لأبي حنيفَة وَمُحَمّد(2/70)
وعَلى هَذَا الْخلاف إِذا قَالَ الْفُضُولِيّ اشْهَدُوا عَليّ أَنِّي قد زوجت فُلَانَة من فلَان
فبلغهما الْخَبَر فأجازا
صَحَّ عِنْد أبي يُوسُف خلافًا لَهما
فَالْحَاصِل أَن الْوَاحِد يصلح أَن يكون وَكيلا وَأَصِيلا من الْجَانِبَيْنِ حَتَّى ينْعَقد العقد
وَعند أبي يُوسُف يجوز أَن يكون الْوَاحِد فضوليا من الْجَانِبَيْنِ أصيلا من جَانب فضوليا من جَانب
ووكيلا من جَانب فضوليا من جَانب
ويتوقف الْأَمر فِي هَذِه الصُّور كلهَا على الْإِجَازَة خلافًا لأَصْحَابه
صُورَة تَزْوِيج الْوَلِيّ الْفَاسِق موليته أصدق فلَان فُلَانَة ابْنة فلَان ضَامِن الْأَسْوَاق أَو جابي المكوس مثلا والدها الْمَرْأَة الْبَالِغ الْعَاقِل الثّيّب
صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولى تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها والدها الْمَذْكُور
وَقبل الزَّوْج مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل بعد الِاعْتِبَار الشَّرْعِيّ
ويكمل
فَهَذِهِ الصُّورَة جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَينْعَقد النِّكَاح عِنْدهمَا
وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي غير مُنْعَقد
وممنوع فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
صُورَة تَزْوِيج الْوَلِيّ موليته بِإِذْنِهَا ورضاها بِغَيْر شُهُود إِمَّا لعدم مُسلمين حاضرين فِي ذَلِك الْوَقْت أَو إهمالا لحضور شُهُود أصدق فلَان فُلَانَة الْبِنْت الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل الْحرَّة الْمسلمَة ابْنة فلَان مَا مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها والدها الْمَذْكُور أَو ولي شَرْعِي على تَرْتِيب الْأَوْلِيَاء عِنْد مَالك
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِغَيْر حُضُور شُهُود
ويكمل
فَهَذَا العقد جَائِز عِنْد مَالك صَحِيح مُنْعَقد لِأَن الشُّهُود لَيْسُوا بِشَرْط عِنْده
وَفِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَهُوَ بَاطِل عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَعند أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وَصُورَة التَّزْوِيج مَعَ الْوَصِيَّة بكتمان النِّكَاح
وَهُوَ كثيرا مَا يَقع فِيهِ النَّاس
وَهُوَ أَن يتَزَوَّج الرجل على زَوجته بِامْرَأَة أُخْرَى
فيخفي التَّزْوِيج ويوصي بكتمانه مَعَ كَونه يشْتَمل على ولي مرشد وشاهدي عدل وَإِذن الزَّوْجَة ورضاها وَهُوَ بَاطِل عِنْد مَالك وَحده
وَصُورَة مَا إِذا زوج الْوَلِيّ وَعقد العقد بِحَضْرَة فاسقين
فقد قَالَ أَبُو حنيفَة بانعقاده وَهُوَ مُنْعَقد عِنْد مَالك أَيْضا
لِأَن الأَصْل عِنْده أَن الشَّهَادَة لَيست ركنا فِي العقد
وَهُوَ غير مُنْعَقد عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد(2/71)
وَصُورَة مَا إِذا عقد الْوَلِيّ العقد بِحُضُور رجل وَامْرَأَتَيْنِ فَهُوَ صَحِيح عِنْد مَالك على أَصله فِي عدم اشْتِرَاط الشُّهُود
وَعند أبي حنيفَة يثبت
وَيصِح بالتداعي إِلَى حَاكم حَنَفِيّ
فيدعي وَيُؤَدِّي الرجل والمرأتان الشَّهَادَة
فَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَلِكَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَهُوَ بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي
وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَصُورَة مَا إِذا عقد الْوَلِيّ النِّكَاح بِحَضْرَة أعميين انْعَقَد النِّكَاح عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد فَقَط
وَصُورَة مَا إِذا عقد الْوَلِيّ الْكِتَابِيّ النِّكَاح وَالزَّوْج مُسلم بِحُضُور كتابيين انْعَقَد عِنْد أبي حنيفَة وَحده
وَصُورَة مَا إِذا عقد الْوَلِيّ الْكِتَابِيّ نِكَاح موليته على مُسلم بِحُضُور شَاهِدين مُسلمين
فَهُوَ صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ خلافًا لِأَحْمَد
وَصُورَة مَا إِذا زوج الْمُسلم أمته الْكَافِرَة
فَهُوَ جَائِز عِنْدهم إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي
هَكَذَا ذكره صَاحب الإفصاح وَقَالَ الإِمَام الرَّافِعِيّ ويزوج الْمُسلم أمته الْكِتَابِيَّة
وَلم يذكر فِيهِ الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ
وَصُورَة مَا إِذا زوج السَّيِّد عَبده الْبَالِغ إجبارا انْعَقَد عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَفِي القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ
وَعند الشَّافِعِي على الْجَدِيد وَأحمد أَنه لَا يملك الْإِجْبَار
وَصُورَة مَا إِذا تزوج العَبْد إجبارا لسَيِّده مَعَ طلب العَبْد وَامْتِنَاع السَّيِّد من التَّزْوِيج
فَيصح العقد عِنْد أَحْمد
وَفِي أحد قولي الشَّافِعِي وَهُوَ بَاطِل عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر
وَقد تقدم بَيَان الْخلاف فِي ذَلِك فِي مسَائِل الْبَاب بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة
صُورَة إعفاف الْوَالِد بِالتَّزْوِيجِ وإجبار وَلَده على إعفافه عِنْد أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وَفِي قَول عَن الشَّافِعِي أصدق فلَان ابْن فلَان لوالده فلَان الْمَذْكُور فُلَانَة صَدَاقا مبلغه كَذَا فِي ذمَّته عَن وَالِده الْمَذْكُور
وَولى تَزْوِيجهَا من وَالِده الْمَذْكُور وَليهَا فلَان بِإِذْنِهَا ورضاها
وَقبل هُوَ لوالده عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها مجبرا على ذَلِك أَو بِاخْتِيَارِهِ وَرضَاهُ برا بوالده الْمَذْكُور وَعَلِيهِ الْقيام بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة من نَفَقَة مثلهَا وَكِسْوَة مثلهَا عَن وَالِده الْمَذْكُور بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا
وَصُورَة مَا إِذا زوج السَّيِّد أم وَلَده إجبارا بِغَيْر رِضَاهَا أصدق فلَان فُلَانَة أم وَلَده(2/72)
فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك سَيِّدهَا الْمشَار إِلَيْهِ إجبارا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج بِمحضر من تمّ العقد بحضورهم شرعا
ويكمل
فَهَذَا العقد صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَفِي رِوَايَة عَن مَالك وَفِي أحد الْقَوْلَيْنِ عَن الشَّافِعِي
صُورَة مَا إِذا أعتق الرجل جَارِيَته وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا أعتق فلَان جَارِيَته فُلَانَة وَيذكر جِنْسهَا ونوعها وَجعل عتقهَا صَدَاقهَا
وانعقد بَينهمَا بذلك النِّكَاح انعقادا شَرْعِيًّا
وَصَارَت زوجا لَهُ
وَصَارَ عتقهَا صَدَاقهَا
وَذَلِكَ بِحُضُور شَاهِدي عدل من غير اعْتِبَار رِضَاهَا فِي ذَلِك
وَوَقع الْإِشْهَاد على الْمُعْتق الْمَذْكُور بذلك فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
فَهَذِهِ الصُّورَة تصح عِنْد أَحْمد وَحده فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ بَاطِلَة عِنْد البَاقِينَ
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد
وَصُورَة أُخْرَى فِي ذَلِك أصدق فلَان عتيقته فُلَانَة صَدَاقا هُوَ عتقهَا بِمُقْتَضى أَنَّهَا قَالَت لَهُ أعتقني على أَن أتزوجك وَيكون عتقي صَدَاقي عَلَيْك
فَأعْتقهَا على ذَلِك
فَقبلت ورضيت وأذنت فِي إِيجَاب العقد مِنْهُ على صدَاق هُوَ الْعتْق فَزَوجهَا ولي شَرْعِي من الْمُعْتق
وَقَبله مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا
فَهَذِهِ الصُّورَة جَائِزَة عِنْد أَحْمد وَحده
صُورَة صدَاق مَحْجُور عَلَيْهِ فِي الشَّرْع الشريف أصدق فلَان الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَو المستمر يَوْمئِذٍ تَحت حجر الشَّرْع الشريف بِمَدِينَة كَذَا عِنْد مَا رغب هَذَا الزَّوْج فِي التَّزْوِيج ودعت حَاجته إِلَى النِّكَاح
وتاقت نَفسه إِلَيْهِ بِإِذن صدر لَهُ فِي ذَلِك من سيدنَا فلَان الدّين النَّاظر فِي الحكم الْعَزِيز الْإِذْن الصَّحِيح الشَّرْعِيّ بخطوبته فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ أَو الْمَرْأَة الْكَامِل الْمُطلقَة من فلَان الْفُلَانِيّ طَلَاقا بَائِنا أَو المفسوخ نِكَاحهَا من فلَان الْفُلَانِيّ أَو مختلعة فلَان الْفُلَانِيّ أصدقهَا الْمُصدق الْمَذْكُور بِالْإِذْنِ الْمَذْكُور من مَاله الَّذِي تَحت حوطة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَو المستقر بمودع الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ صَدَاقا مبلغه كَذَا
قبضت مِنْهُ الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أَو والدها أَو جدها أَو وَليهَا الشَّرْعِيّ على يَد القَاضِي فلَان الدّين الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ من مَال الزَّوْج الْمَذْكُور كَذَا قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا
وَبَاقِي ذَلِك وَهُوَ كَذَا مقسطا عَلَيْهِ من اسْتِقْبَال كل سنة كَذَا
ويكمل إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول وَشهِدت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة أَن الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ صدَاق مثله على مثلهَا
ويؤرخ
تَنْبِيه الصَدَاق على مَحْجُور عَلَيْهَا أَو من مَحْجُور عَلَيْهِ يكْتب كَمَا تقدم
غير أَن(2/73)
ذكر الْقَبْض لَا يكون إِلَّا من الْوَصِيّ أَو الْحَاكِم أَو أَمِينه
فَيَقُول عجل لَهَا من ذَلِك كَذَا
فَقبض لَهَا سيدنَا فلَان الدّين ليصرفه فِي مصالحها وَيذكر الْوَصِيَّة وثبوتها وأهلية الْمُوصى إِلَيْهِ وَحكم الْحَاكِم بذلك وَيَقُول فِي آخر الْكتاب وَذَلِكَ بعد أَن شهِدت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة أَن الْمهْر الْمُسَمّى أَعْلَاهُ مهر مثلهَا على مثله
ويؤرخ
فَإِن لم يكن فِي الْبَلَد حَاكم أَو امْتنع الْوَلِيّ من تَزْوِيج الْمَحْجُور عَلَيْهِ
فَهَل يسْتَقلّ بِالتَّزْوِيجِ كَمَا لَو امْتنع من الْإِنْفَاق عَلَيْهِ أَو من اسْتِيفَاء دينه قد تقدم أَن الرَّافِعِيّ وَمن وَافقه من أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يجوزون ذَلِك
وَذهب صَاحب الْبَحْر الصَّغِير وَصَاحب التَّهْذِيب إِلَى الْجَوَاز
انْتهى
صُورَة تَزْوِيج مَحْجُور عَلَيْهِ بِامْرَأَة مَحْجُور عَلَيْهَا أصدق فلَان الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ عِنْدَمَا دعت حَاجته إِلَى النِّكَاح وأبى الْوَلِيّ من تَزْوِيجه
وتاقت نَفسه إِلَيْهِ مخطوبته فُلَانَة ابْنة فلَان الْمَحْجُور عَلَيْهَا فِي الحكم الْعَزِيز بِمَدِينَة كَذَا أَو المستمرة تَحت حجر والدها الْمَذْكُور صَدَاقا مبلغه كَذَا
قبض ذَلِك والدها الْمَذْكُور أَو أَمِين الحكم الْعَزِيز من مَال الْمُصدق الَّذِي تَحت يَده ليصرفه فِي مصَالح الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَيصْلح بِهِ شَأْنهَا
وَضمن الدَّرك فِي ذَلِك من قبلهَا فِي حَال بُلُوغهَا وَقَبله وَبعده فِي مَاله وذمته ضمانا شَرْعِيًّا
وَولى تَزْوِيجهَا إِيَّاه بذلك والدها الْمَذْكُور بِحَق ولَايَته عَلَيْهَا شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق وَيَقُول وَذَلِكَ بعد أَن شهِدت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة أَن الْمهْر الْمَذْكُور مهر الْمثل لكل مِنْهُمَا على الآخر
وَيقبل النِّكَاح بِإِذن الْوَصِيّ أَو الْحَاكِم
ويؤرخ
صُورَة مَا إِذا أصدق رجل امْرَأَة عَن مُوكله بعد أَن سمى لَهُ الزَّوْجَة على صدَاق عينه لَهُ وَعرفهَا الْوَكِيل أصدق فلَان عَن مُوكله فلَان ويشرح الْوكَالَة وثبوتها فُلَانَة بنت فلَان الْبكر الْبَالِغ صَدَاقا مبلغه كَذَا
عجل لَهَا من مَال مُوكله الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا
فقبضته وَصَارَ بِيَدِهَا وحوزها قبضا شَرْعِيًّا
وَبَاقِي الصَدَاق على مَا يتفقان عَلَيْهِ فِي التقسيط يقوم بِهِ الْمُوكل فِي سلخ كل شهر كَذَا وَقبل الْوَكِيل الْمُسَمّى أَعْلَاهُ عقد هَذَا النِّكَاح لمُوكلِه فلَان الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين فِيهِ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
صُورَة صدَاق حر لمملوكة لعدم الطول أصدق فلَان مخطوبته فُلَانَة مَمْلُوكَة فلَان المعترفة لَهُ بِالرّقِّ والعبودية عِنْد مَا خشِي على نَفسه الْعَنَت والوقوع فِي الْمَحْظُور لعدم الطول
وَلم يكن فِي عصمته زَوْجَة وَلَا يقدر على صدَاق حرَّة
بعد أَن وضح ذَلِك لَدَى سيدنَا فلَان الدّين بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان وَأَن الزَّوْج الْمَذْكُور فَقير من فُقَرَاء(2/74)
الْمُسلمين عادم الطول لَيْسَ فِي عصمته زَوْجَة وَلَا يقدر على نِكَاح حرَّة بخبرة الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة الشاهدة لَهُ بذلك بباطن حَاله
وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَحكم بِهِ حكما شَرْعِيًّا صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَولى تَزْوِيجهَا إِيَّاه بذلك سَيِّدهَا الْمَذْكُور بِحَق ولَايَته عَلَيْهَا شرعا أَو مَوْلَاهَا مَالك رقبَتهَا فلَان الْمَذْكُور وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذْنهَا وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور النِّكَاح الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ قبولا شَرْعِيًّا
واعترف بِمَعْرِِفَة معنى هَذَا التَّزْوِيج وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا
ويؤرخ
وَقد تقدم القَوْل فِي اخْتِلَاف الْعلمَاء وَأَن مَذْهَب أبي حنيفَة يجوز تزوج الْأمة مَعَ الْقُدْرَة على الْحرَّة
صُورَة صدَاق مَمْلُوك تزوج حرَّة بِرِضَاهَا ورضى سَائِر أوليائها أصدق فلَان الْمُسلم الدّين وَيذكر جنسه وحليته مَمْلُوك فلَان الْحَاضِر مَعَه عِنْد شُهُوده الْمُعْتَرف لسَيِّده الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية بسؤال مِنْهُ لسَيِّده الْمَذْكُور وَأذن سَيّده لَهُ فِي ذَلِك الْإِذْن الشَّرْعِيّ فُلَانَة الْحرَّة
أصدقهَا بِإِذن مَوْلَاهُ الْمَذْكُور صَدَاقا مبلغه كَذَا
دَفعه من مَال مَوْلَاهُ الْمَذْكُور لهَذِهِ الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أَو يقوم بِهِ الزَّوْج الْمَذْكُور من كَسبه دون سَيّده فِي كل سنة كَذَا وَأذن لَهُ سَيّده فِي السَّعْي فِي ذَلِك والتكسب وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء إِذْنا شَرْعِيًّا وَولى تَزْوِيجهَا إِيَّاه بذلك وَليهَا الشَّرْعِيّ فلَان أَو وَكيله فلَان بِإِذْنِهَا فِي ذَلِك بعد أَن علمت هِيَ ووليها فلَان الْمَذْكُور أَن الزَّوْج الْمَذْكُور مَمْلُوك لفُلَان
ورضيا بذلك وأسقطا حَقّهمَا من الدَّعْوَى بِمَا يُنَافِي ذَلِك إِسْقَاطًا شَرْعِيًّا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور التَّزَوُّج على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ بِإِذن مَوْلَاهُ الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا
صُورَة صدَاق مَمْلُوك تزوج بمملوكة أصدق فلَان الْمُسلم الدّين وَيذكر جنسه وحليته مَمْلُوك فلَان بِإِذن من مَوْلَاهُ فِي ذَلِك مخطوبته فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ أَو الثّيّب الْبَالِغ مَمْلُوكَة فلَان بِإِذْنِهِ لَهَا فِي ذَلِك
أصدقهَا كَذَا وَكَذَا
دفع ذَلِك من مَال مَوْلَاهُ بِإِذْنِهِ لوَلِيّ الزَّوْجَة أَو لمولاتها فُلَانَة
فقبضته لتصلح بِهِ شَأْنهَا
وَولي تَزْوِيجهَا إِيَّاه بذلك مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور بِحَق ملكه وولايته عَلَيْهَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ المملوكان لشخص وَاحِد
فَيكْتب بِغَيْر صدَاق لِأَن الصَدَاق رَاجع إِلَى السَّيِّد
وَجَمِيع مَا يملكهُ العَبْد وَالْأمة للسَّيِّد
فَلَا يعْتَبر الصَدَاق جملَة كَافِيَة كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى
وَمِنْهُم من يذكر الصَدَاق تبركا
وَصُورَة ذَلِك أنكح فلَان أَو زوج فلَان مَمْلُوكه فلَان الْمُسلم الدّين الْبَالِغ وَيذكر جنسه وحليته من مملوكته فُلَانَة الْمسلمَة الدينة الْبَالِغَة وَيذكر جِنْسهَا وحليتها(2/75)
على صدَاق قدره كَذَا
دَفعه من مَاله عَن مَمْلُوكه فلَان لمملوكته فُلَانَة
فقبضت ذَلِك مِنْهُ
وَأذن لَهَا أَن تصرفه فِي مصالحها
وَعقد نِكَاحهَا عَلَيْهِ عقدا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَقبل فلَان هَذَا النِّكَاح من سَيّده الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَأقر كل وَاحِد من الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ أَنه مَمْلُوك لفُلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وبمضمونه أشهد السَّيِّد والزوجان عَلَيْهِم فِي صِحَة مِنْهُم وسلامة
ويؤرخ
صُورَة صدَاق أخرس لَهُ إِشَارَة مفهمة أصدق فلَان وَهُوَ يَوْمئِذٍ أخرس لَا يتَكَلَّم أَصمّ لَا يسمع بَصِير عَاقل عَارِف بتدبير نَفسه وبالمضرة وَالْمَنْفَعَة وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء
ويعارض النَّاس ويخالطهم ويفاوضهم
وَيعرف من لَهُ نسب مِنْهُم وَوَلَاء مِمَّن لَيْسَ لَهُ نسب مِنْهُم وَلَا وَلَاء
كل ذَلِك بِإِشَارَة مفهمة مفهومة
قَائِمَة مِنْهُ مقَام النُّطْق
وَصَارَت كاللغة
لَا يجهلها من عرفهَا وَلَا ينكرها من علمهَا
وساغ للشُّهُود الشَّهَادَة عَلَيْهِ لمعرفتهم مَقْصُوده مخطوبته فُلَانَة
أصدقهَا بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَة صَدَاقا مبلغه كَذَا دَفعه من مَاله لهَذِهِ الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وأقبضها إِيَّاه
فقبضته مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور النِّكَاح لنَفسِهِ بِالْإِشَارَةِ الْمَذْكُورَة قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة أَيْضا خرساء كتب مخطوبته فُلَانَة وكل مِنْهُمَا أخرس أبكم لَا ينْطق بِلِسَانِهِ أَصمّ لَا يسمع بآذانه صَحِيح الْعقل وَالْبَصَر
عَالم بِمَا يجب عَلَيْهِ شرعا
كل ذَلِك بِالْإِشَارَةِ المفهمة الَّتِي يعلمهَا مِنْهُ شُهُوده وَلَا ينكرها من يعلمهَا عَنهُ صَدَاقا مبلغه كَذَا
ويكمل
وَيكْتب الْإِشَارَة بِالْإِذْنِ وَالْقَبُول
ويؤرخ على نَحْو مَا سبق
صُورَة صدَاق مجبوب أصدق فلَان المحبوب الَّذِي لَا ذكر لَهُ مخطوبته فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ أَو الثّيّب صَدَاقا مبلغه كَذَا
ويكمل ثمَّ يَقُول فِي آخِره وَذَلِكَ بعد أَن علمت الزَّوْجَة أَن الزَّوْج مجبوب لَا قدرَة لَهُ على النِّكَاح ورضيت بذلك الرِّضَا الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ ويؤرخ
كَمَا تقدم
وَصُورَة صدَاق نَصْرَانِيَّة على نَصْرَانِيّ أَو يَهُودِيَّة على يَهُودِيّ أصدق فلَان النَّصْرَانِي أَو الْيَهُودِيّ مخطوبته فُلَانَة النَّصْرَانِيَّة أَو الْيَهُودِيَّة
وهما ذميان مقران بمذهبهما داخلان بقلبهما وذمتهما تَحت ظلال الدولة الطاهرة الزكية والخلافة العباسية راتعان فِي عدلها مغموران بإحسانها ملتزمان الْوَفَاء بعهدها أصدقهَا عِنْد تزَوجه بهَا كَذَا وَكَذَا دِينَارا إِن كَانَ حَالا كتب أَو منجما كتب وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ أَبوهَا أَو أَخُوهَا
ويكمل على مَا جرت بِهِ الْعَادة فِي أنكحة الْمُسلمين(2/76)
صُورَة دَائِرَة بَين الْأَوْلِيَاء فِي تَقْدِيم الابْن وَابْنه على الْأَب وَالْجد عِنْد مَالك وَيقدم الْأَب وَالْجد على الابْن وَابْن الابْن وَغَيرهمَا من الْأَوْلِيَاء بل لَا يكون للِابْن وَابْن الابْن ولَايَة عِنْد الشَّافِعِي إِلَّا إِذا كَانَ ابْن مُعتق لأم عِنْد الشَّافِعِي وَتَقْدِيم الابْن على الْجد عِنْد أبي حنيفَة
وَتَقْدِيم الْجد على الْأَخ عِنْده
وَتَقْدِيم الْجد على بَقِيَّة الْأَوْلِيَاء غير الْأَب عِنْد أَحْمد
وَتَقْدِيم الْأَخ لِلْأَبَوَيْنِ على الْأَخ للْأَب عِنْدهم خلافًا لِأَحْمَد فَإِنَّهُمَا عِنْده سَوَاء
فَهَذِهِ الصُّور الخلافية جَمِيعهَا قد تقدم ذكرهَا فِي الْخلاف فِي مسَائِل الْبَاب
فَإِذا اتّفق وُقُوع شَيْء مِنْهَا فَليرْفَعْ إِلَى حَاكم تكون تِلْكَ الصُّورَة عِنْده صَحِيحَة فيثبتها وَيحكم بموجبها مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَا لَو كَانَ الْقَصْد الْبطلَان فيرفع إِلَى حَاكم يرى ذَلِك
فَيحكم بِالْبُطْلَانِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَلِكَ يفعل فِيمَا عدا ذَلِك من الصُّور الْمُخْتَلف فِيهَا
مثل أَن يُزَوّج الْوَلِيّ الْأَبْعَد مَعَ وجود الْأَقْرَب وَقدرته على أَن يعْقد وَهُوَ من غير تشاح وَلَا عضل
فَإِن هَذَا العقد بَاطِل عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَيكون مَوْقُوفا عِنْد أبي حنيفَة على الْإِجَازَة من الْوَلِيّ الْأَقْرَب أَو إِن كَانَت الزَّوْجَة صَغِيرَة فَإلَى أَن تبلغ وتجيز
وَعند مَالك إِذا زوج الْأَبْعَد من غير تشاح حصل من الْوَلِيّ الْأَقْرَب صَحَّ العقد
وَأما الْكَفَاءَة فقد تقدم ذكر الْخلاف فِيهَا بَين الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا صور كَثِيرَة الحاذق يعرفهَا وَيدْرك مَا يكون فِيهَا من الصِّحَّة والبطلان وَيرْفَع كل صُورَة إِلَى حَاكم يرى مَا يَقْصِدهُ صَاحب الْوَاقِعَة فِيهَا من الصِّحَّة والبطلان
وَكَذَلِكَ فِيمَا إِذا زَوجهَا بعض الْأَوْلِيَاء بِغَيْر كُفْء بِإِذْنِهَا ورضاها
فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يبطل النِّكَاح ولبقية الْأَوْلِيَاء الِاعْتِرَاض
وَعند أبي حنيفَة يسْقط حَقهم
فَإِن كَانَ الْقَصْد تَصْحِيحه
فيرفع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِصِحَّتِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَكَذَلِكَ إِذا زوجت الْمَرْأَة بِدُونِ مهر مثلهَا فَلَا اعْتِرَاض للأولياء عَلَيْهَا إِلَّا عِنْد أبي حنيفَة
فَإِن لَهُم الِاعْتِرَاض
وَلنَا ثَلَاث صور الأولى أصدق فلَان فُلَانَة بنت عَمه أخي أَبِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان ابْن فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
تولى الْمُصدق الْمَذْكُور الْإِيجَاب من نَفسه لنَفسِهِ بِإِذْنِهَا ورضاها وَقبل من نَفسه لنَفسِهِ عقد هَذَا التَّزْوِيج قبولا شَرْعِيًّا لعدم ولي أقرب مِنْهُ أَو مُنَاسِب بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا(2/77)
الثَّانِيَة أصدق فلَان فُلَانَة بنت عبد الله عتيقته يَوْم تَارِيخه صَدَاقا مبلغه كَذَا
تولى الْمُصدق الْمَذْكُور الْإِيجَاب من نَفسه بِإِذْنِهَا ورضاها
وَقبل من نَفسه لنَفسِهِ عقد هَذَا التَّزْوِيج قبولا شَرْعِيًّا لعدم عصبات معتقته الْمَذْكُورَة بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا
الثَّالِثَة أصدق فلَان ابْن فلَان الْحَاكِم بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ فُلَانَة بنت عبد الله الْمَرْأَة الْبَالِغ الْعَاقِل الأيم صَدَاقا مبلغه كَذَا
تولى الْمُصدق الْمشَار إِلَيْهِ تَزْوِيج الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة من نَفسه بِإِذْنِهَا لَهُ فِي ذَلِك ورضاها
وَقبل من نَفسه لنَفسِهِ العقد الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ قبولا شَرْعِيًّا بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا
فَهَذِهِ الْعُقُود جَائِزَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك على الْإِطْلَاق خلافًا للشَّافِعِيّ وَأحمد
فرع لَا يَصح العقد عِنْد الشَّافِعِي إِلَّا باجتماع أَربع زوج وَولي وشاهدين
وَلنَا صُورَة يَصح فِيهَا العقد باجتماع أقل من الْعدَد الْمَذْكُور وَهِي مَا إِذا زوج الْجد للْأَب ابْنة ابْنه بِابْن ابْنه الآخر وهما صغيران
فالجد فِي هَذِه الصُّورَة يتَوَلَّى الطَّرفَيْنِ وَيقبل من نَفسه لِابْنِ ابْنه
فَهَذِهِ الصُّورَة صَحِيحَة عِنْد الشَّافِعِي مَعَ اجْتِمَاع أقل من الْعدَد الْمَشْرُوط فِي الصِّحَّة عِنْده
صُورَة جمع الْمَمْلُوك بَين زَوْجَتَيْنِ فَأكْثر أصدق فلَان ابْن عبد الله الْجَارِي فِي رق فلَان بن عبد الله الْفُلَانِيّ الَّذِي تَحْتَهُ يَوْمئِذٍ زوجتان أَو ثَلَاثَة فُلَانَة بنت عبد الله صَدَاقا مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها سَيِّدهَا فلَان الْمَذْكُور لعدم عصباتها
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج قبولا شَرْعِيًّا بِإِذن سَيّده الْمَذْكُور بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا وَصَارَ تَحْتَهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاث زَوْجَات أَو أَربع زَوْجَات
فَهَذِهِ الصُّورَة صَحِيحَة عِنْد مَالك وَحده
فَإِن العَبْد كَالْحرِّ عِنْده فِي الْجمع بَين الزَّوْجَات
صُورَة تَزْوِيج باغية من غير تَوْبَة وَلَا اسْتِبْرَاء أصدق فلَان فُلَانَة الباغية صَدَاقا مبلغه كَذَا وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بذلك وَليهَا فلَان الْفُلَانِيّ من غير تَوْبَة صدرت مِنْهَا وَلَا اسْتِبْرَاء
قبل الزَّوْج الْمَذْكُور ذَلِك لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا ويؤرخ
فَهَذَا العقد صَحِيح عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَكَذَلِكَ الْوَطْء جَائِز عِنْد الشَّافِعِي وَحده من غير اسْتِبْرَاء وَعند أبي حنيفَة لَا يطَأ إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء بِحَيْضَة أَو بِوَضْع الْحمل إِن كَانَت حَامِلا
وَأما مَالك وَأحمد فقد تقدم ذكر مَذْهَبهمَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
صُورَة مَا إِذا تزوج الْحر أَربع إِمَاء من سيد وَاحِد فِي عقد وَاحِد أَو عُقُود أَو كل وَاحِدَة من سيد أصدق فلَان ابْن فلَان فُلَانَة وفلانة وفلانة وفلانة النِّسَاء البالغات(2/78)
العاقلات الرقيقات إِمَاء فلَان الْجَارِيَات فِي رقّه وولايته شرعا لكل وَاحِدَة مِنْهُنَّ صَدَاقا مبلغه كَذَا
زوجهن مِنْهُ فِي عُقُود مُتعَدِّدَة سيدهن فلَان الْمشَار إِلَيْهِ أَو زوج كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ بِعقد وَاحِد مُسْتَقل سَيِّدهَا فلَان وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه على ذَلِك شفاها بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا
وَذَلِكَ مَعَ عدم الشَّرْطَيْنِ
وَلَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَلَا هِيَ فِي عدَّة مِنْهُ
صُورَة تزوج الرجل جَارِيَة ابْنه على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة خلافًا للباقين أصدق فلَان فُلَانَة رقيقَة وَلَده لصلبه صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَزوجهَا مِنْهُ وَلَده الْمَذْكُور
وَقبل مِنْهُ عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِحُضُور من تمّ العقد بحضورهم شرعا لكَون أَن الْمُصدق الْمَذْكُور لَيْسَ تَحْتَهُ حرَّة وَلَا فِي عدته حرَّة ويكمل
صُورَة صدَاق والمزوج الْحَاكِم بِإِذن الْوَلِيّ أصدق فلَان فُلَانَة الْبكر الْبَالِغ الْعَاقِل الخالية عَن الْأزْوَاج والموانع الشَّرْعِيَّة صَدَاقا مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها أَو إِذن أَخِيهَا لأبويها فلَان الْآذِن الْمُرَتّب الشَّرْعِيّ سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ تزويجا شَرْعِيًّا
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور عقد هَذَا التَّزْوِيج
وخاطبه عَلَيْهِ شفاها بِمحضر من ذَوي عدل بعد الِاعْتِبَار الشَّرْعِيّ وَبعد أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ خلو الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة عَن الْأزْوَاج والموانع الشَّرْعِيَّة وَأَنَّهَا بكر بَالغ وَأَنَّهَا أَذِنت فِي التَّزْوِيج من الزَّوْج الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ وَأَن الْآذِن الْمَذْكُور أَخُوهَا لأبويها وَعدم ولي أقرب مِنْهُ وَإِذن الْآذِن الْمُرَتّب على إِذن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
فَإِذا كَانَ الْوَلِيّ أَبَا أَو جدا فَلهُ أَن يُوكل فِي التَّزْوِيج
وَإِن كَانَ غير أَب أَو جد فَلَا يجوز لَهُ أَن يُوكل وَكيلا بل يَأْذَن للْحَاكِم أَو نَائِبه فِي التَّزْوِيج
وَإِن كَانَ الزَّوْج غير كُفْء فِي النّسَب أَو غَيره من أَصْنَاف الْكَفَاءَة
فَيَقُول وَقد علمت الزَّوْجَة ووليها أَو وَجَمِيع أوليائها وهم فلَان وَفُلَان أَن الزَّوْج الْمَذْكُور غير كُفْء فِي النّسَب أَو غَيره مِمَّا يظهره الْحَال
ورضيا أَو وَرَضوا بِهِ
وأسقطوا حَقهم من الْكَفَاءَة بِسَبَبِهِ
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة قد علمت ورضيت هِيَ وَولي وَاحِد وَالْبَاقُونَ غير راضين فيرفع إِلَى حَاكم حَنَفِيّ يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن دعت الْمَرْأَة إِلَى كُفْء
وعضل الْوَلِيّ ودعته إِلَى حَاكم
فَأمره بِالتَّزْوِيجِ
فَإِن(2/79)
أصر على العضل زَوجهَا الْحَاكِم أَو نَائِبه
وَكتب آخر كتاب الصَدَاق وَذَلِكَ بعد أَن طلب الْحَاكِم المزوج أَو الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ وَالِد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أَو وَليهَا فلَان وَأمره بِالتَّزْوِيجِ
وأعلمه أَنه ثَبت عِنْده أَن الزَّوْج الْمَذْكُور كُفْء للزَّوْجَة الْمَذْكُورَة كفاءة مثله لمثلهَا فعضل وَامْتنع من التَّزْوِيج
فوعظه وَأخْبرهُ بِمَالِه من الْأجر فِي إجابتها وَمَا عَلَيْهِ من الْإِثْم إِن امْتنع من تَزْوِيجهَا
فَلم يصغ إِلَى وعظه وأصر على الِامْتِنَاع وعضلها العضل الشَّرْعِيّ
وَقَالَ بِحَضْرَة شُهُوده وَالْحَاكِم عضلتها وَلَا أزوجها
وَثَبت عضله لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي غيبَة الْوَلِيّ وَأَن الْولَايَة تنْتَقل إِلَى السُّلْطَان كالعضل وَهُوَ مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
فَإِذا حصل التَّزْوِيج وَكَانَ الْوَلِيّ الْأَقْرَب غَائِبا فَإِن كَانَ الْعَاقِد شافعيا فَلَا يلْتَفت إِلَى الْوَلِيّ الْأَبْعَد بل يُزَوّج هُوَ بِإِذْنِهَا
وَإِن كَانَ الْعَاقِد حنفيا فيزوج بِإِذن الْوَلِيّ الْأَبْعَد
وَيَقُول إِذا كَانَ شافعيا وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها لغيبة وَليهَا الْأَقْرَب وَلعدم مُنَاسِب لَهُ حَاضر فلَان الشَّافِعِي
وَإِن كَانَ حنيفيا فَيَقُول وَولي تَزْوِيجهَا مِنْهُ بِإِذْنِهَا ورضاها وَإِذن ابْن أَخِيهَا لأبويها فلَان لغيبة وَالِد أَخِيهَا لأبويها الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة وَلعدم ولي أقرب من الْغَائِب أَو مُنَاسِب لَهُ فلَان الْحَنَفِيّ
فصل الزَّوْجَة
إِمَّا أَن تكون بكرا
فَيكْتب فِي صَدَاقهَا الْبكر الْبَالِغ أَو تكون زَالَت بَكَارَتهَا بِعَارِض
فَهِيَ فِي حكم الْبكر وَيكْتب فِي صَدَاقهَا الَّتِي زَالَت بَكَارَتهَا
أَو تكون طَلقهَا زَوجهَا ثَلَاثًا أَو وَاحِدَة بَائِنا أَو ثِنْتَيْنِ بَائِنا أَو رَجْعِيًا وَبَانَتْ بِانْقِضَاء الْعدة
أَو توفّي عَنْهَا زَوجهَا أَو فسخ نِكَاحهَا من زَوجهَا
أَو زَوجهَا مَمْسُوح أَو صَغِير لَا يتَصَوَّر مِنْهُ إِنْزَال وَلَا جماع أَو غير ذَلِك
فَيكْتب فِي كل وَاحِدَة بحسبها
وَيسْتَشْهد فِي الْمُطلقَة بِمحضر الطَّلَاق
وَفِي المفسوخ نِكَاحهَا بِمحضر الْفَسْخ
وَيذكر السَّبَب ويحكي خَصمه
وَإِن كَانَت رَجْعِيَّة وصيرها بهَا بَائِنا كتب على مَذْهَب من يرى ذَلِك
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة مُشركَة وَأسْلمت وَلم يسلم زَوجهَا فِي الْعدة وَحصل التَّفْرِيق بَينهمَا
فَيكْتب وَذَلِكَ بِحكم أَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة كَانَت مُشركَة
وَهِي فِي عصمَة زَوجهَا فلَان الْمُشرك وَأسْلمت وَهِي فِي عصمته وَهِي مَدْخُول بهَا قبل الْإِسْلَام
وَحصل التَّفَرُّق(2/80)
الشَّرْعِيّ وَلم يسلم زَوجهَا الْمَذْكُور
فبحكم ذَلِك بَانَتْ من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور
وحلت للأزواج
فَإِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا وَالْحَالة هَذِه وتعجلت الْفرْقَة
فَيكْتب وَذَلِكَ بِحكم أَن الزَّوْجَة مُشركَة وَهِي فِي عصمَة زَوجهَا فلَان الْمُشرك وَلم يدْخل بهَا وَلم يصبهَا وَأسْلمت وتعجلت الْفرْقَة لَهَا مِنْهُ بذلك
صُورَة نِكَاح الْمَوْقُوفَة تزوج فلَان بفلانة مَوْقُوفَة فلَان الَّتِي وَقفهَا على فلَان بِمُقْتَضى كتاب الْوَقْف الْمحْضر لشهوده المؤرخ بِكَذَا بِصَدَاق مبلغه كَذَا يسْتَحقّهُ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ على الزَّوْج الْمَذْكُور فِي كَذَا وَكَذَا سنة
عقده بَينهمَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ بِإِذن الْمَوْقُوف عَلَيْهِ بعد الوضوح الشَّرْعِيّ
وَقَبله الزَّوْج الْمَذْكُور لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا
وَعلم الزَّوْج الْمَذْكُور فِيهِ أَن أَوْلَاده الحادثون من الزَّوْجَة بِحكم هَذَا النِّكَاح يستحقهم الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فِيهِ
وَرَضي بذلك الرضى الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
تَنْبِيه الْمَوْقُوف عَلَيْهِ يسْتَحق نتاجا وصوفا وَأَجرا ومهرا وثمرا وَولد جَارِيَة
لَا وطئا
وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي كتاب الْوَقْف
انْتهى
صُورَة تَزْوِيج المبعضة أصدق فلَان فُلَانَة المبعضة الَّتِي نصفهَا حر وَنِصْفهَا الآخر رَقِيق جَار فِي ملك فلَان الْفُلَانِيّ صَدَاقا مبلغه كَذَا وَكَذَا يسْتَحق مَوْلَاهَا النّصْف من ذَلِك بنظير مَا يملكهُ مِنْهَا استحقاقا شَرْعِيًّا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك مَوْلَاهَا الْمَذْكُور إجبارا فِيمَا يملكهُ مِنْهَا ومعتقها الَّذِي أعتق الْجُزْء الْحر مِنْهَا فلَان أَو وَلَده أَو الْحَاكِم بِإِذْنِهَا لَهُ فِي ذَلِك الْإِذْن الشَّرْعِيّ
وَقبل الزَّوْج الْمَذْكُور النِّكَاح لنَفسِهِ على الْمُسَمّى فِيهِ قبولا شَرْعِيًّا
وَعلم حكم الْوَلَد الْحَادِث وَأَن مَالك النّصْف يسْتَحق نصفه
وَرَضي بذلك الرضى الشَّرْعِيّ
صُورَة نِكَاح الْمبعض أصدق فلَان الْمبعض الَّذِي نصفه حر وَنصفه رَقِيق جَار فِي ملك فلَان الْفُلَانِيّ
بِإِذن مَوْلَاهُ فلَان الْمَذْكُور فُلَانُهُ
صَدَاقا مبلغه كَذَا ويكمل
وَيكْتب فِي الْقبُول وَقَبله الزَّوْج لنَفسِهِ على ذَلِك بِإِذن مَالك نصفه الْمَذْكُور الْإِذْن الشَّرْعِيّ ورضيه
صُورَة نِكَاح الْمَجْنُون أصدق فلَان عَن وَلَده فلَان الْمَجْنُون المطبق الَّذِي هُوَ تَحت حجره وَولَايَة نظره لما رأى لَهُ فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة من مَال وَلَده الْمَذْكُور أَو من مَال الْوَالِد أَو من المَال الَّذِي يخلفه لَهُ وَالِده الْمَذْكُور فُلَانَة ابْنة فلَان صَدَاقا مبلغه كَذَا
وَقَبله لمحجوره الْمَذْكُور على ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا ورضيه(2/81)
وَعلمت الزَّوْجَة ووليها الشَّرْعِيّ بذلك ورضيا بِهِ
واعترف الْمُصدق أَن الصَدَاق مهر مثله لمثلهَا إِذا كَانَ من مَال الْوَلَد وَإِن من مَال الْوَالِد كتب برا بِهِ وحنوا عَلَيْهِ
صُورَة تَزْوِيج الْمَجْنُونَة المطبقة تزوج فلَان فُلَانَة الْمَرْأَة أَو الْبكر أَو المعصر الْمَجْنُونَة الزائلة الْعقل الَّتِي رأى لَهَا والدها فِي تَزْوِيجهَا الْحَظ والمصلحة بِصَدَاق مبلغه كَذَا
ويكمل
وَيكْتب بعد التكملة وَالْقَبُول وَعلم الْمُصدق الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ مَجْنُونَة مطبقة زائلة الْعقل
وَرَضي بذلك
وَإِن كَانَ السُّلْطَان ولي الْمَجْنُونَة كتب الصَّدْر ثمَّ يَقُول عقده بَينهمَا فلَان الْحَاكِم لوُجُود الْحَاجة وبسبب توقع الشِّفَاء لَهَا أَو غَلَبَة الشَّهْوَة وَيكْتب فِي آخِره وشاور الْأَقَارِب لَهَا وهم فلَان وَفُلَان وَرَضوا بذلك
صُورَة نِكَاح الَّتِي تجن وتفيق تزوج فلَان بفلانة الْبَالِغَة الَّتِي زَالَ عقلهَا أَو الَّتِي تجن وتفيق وَهِي الْآن مفيقة بِصَدَاق مبلغه كَذَا
عقده بَينهمَا بِإِذْنِهَا ورضاها الصَّادِر مِنْهَا فِي حَال الْإِفَاقَة وَهِي مستمرة على ذَلِك إِلَى الْآن فلَان
ويكمل إِلَى آخِره
وَيكْتب علم الزَّوْج بِمَا يعرض لَهَا وَبِكُل شَيْء يُوجب الْفَسْخ بِسَبَبِهِ وَرَضي بذلك حَتَّى يَنْقَطِع التَّنَازُع
صُورَة نِكَاح الْمكَاتب تزوج فلَان مكَاتب فلَان بِمُقْتَضى الْكِتَابَة الصادرة مِنْهُ فِي حَقه قبل تَارِيخه باعترافهما بذلك لشهوده أَو بِمُقْتَضى ورقة أحضرها لشهوده متضمنة لذَلِك مؤرخ بَاطِنهَا بِكَذَا وَأذن لمكاتبه فِي تعَاطِي ذَلِك وقبوله على الحكم الَّذِي سيعين فِيهِ بفلانة
بِصَدَاق مبلغه كَذَا
وَقَبله الزَّوْج لنَفسِهِ على ذَلِك ورضيه
وَذَلِكَ بِإِذن مَوْلَاهُ الْمَذْكُور
فَإِن كَانَت الزَّوْجَة حرَّة كتب وَعلمت أَنه مكَاتب ورضيت بِهِ الرِّضَا الشَّرْعِيّ وَكَذَلِكَ وَليهَا
فَإِن كَانَ وَليهَا الْحَاكِم
فالشافعي لَا يرى تَزْوِيجهَا إِلَّا من كُفْء وَغَيره يرى تَزْوِيجهَا بِرِضَاهَا
وَإِن كَانَ لَهَا ولي وَالْحَالة هَذِه فالشافعي يُزَوّجهَا بِرِضَاهَا ووليها
وَإِن كَانَت معصرا
وَزوجهَا من يرى تَزْوِيجهَا غير الْأَب وَالْجد فَيصح وَلها الْخِيَار إِذا بلغت
صُورَة نِكَاح الْمُكَاتبَة تزوج فلَان بفلانة مُكَاتبَة فلَان الْكِتَابَة الشَّرْعِيَّة ويحكى مَا تقدم وَإِقْرَار الْوَلِيّ وَالزَّوْجَة بذلك بِصَدَاق مبلغه كَذَا
زَوجهَا مِنْهُ بذلك بِإِذْنِهَا ورضاها مكاتبها الْمَذْكُور
وَيكْتب الْقبُول وَعلم الزَّوْج الْمَذْكُور أَن الزَّوْجَة إِن عجزت نَفسهَا وعادت إِلَى الرّقّ فَالْوَلَد يتبعهَا وَإِن صَارَت حرَّة فَالْوَلَد يتبعهَا
وَرَضي بذلك
ويؤرخ(2/82)
صُورَة نِكَاح المفوضة زوج فلَان بفلانة الرشيدة الَّتِي قَالَت لوَلِيّهَا الشَّرْعِيّ زَوجنِي بِلَا مهر
فامتثل مقالتها
وَزوجهَا من الْمُصدق الْمَذْكُور بِلَا مهر بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا
قبله الزَّوْج الْمَذْكُور لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا
وَعلم الزَّوْج الْمَذْكُور أَن بِالْوَطْءِ لَهَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهر مثلهَا أَكثر مهر من يَوْم العقد إِلَى يَوْم الْوَطْء وَرَضي بذلك
تَنْبِيه إِذا جرى تَفْوِيض فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب شَيْء بِنَفس العقد
فَإِذا وطىء فمهر مثل وَيعْتَبر أَكثر مهر من يَوْم العقد إِلَى يَوْم الْوَطْء
وللمفوضة قبل الْوَطْء مُطَالبَة الزَّوْج بِأَن يفْرض مهْرا وَحبس نَفسهَا ليفرض وَكَذَا ليسلم الْمَفْرُوض فِي الْأَصَح
وَيشْتَرط رِضَاهَا بِمَا يفرضه الزَّوْج لَا علمهَا بِقدر مهر الْمثل فِي الْأَظْهر
وَيجوز بمؤجل وَفَوق مهر الْمثل
وَلَو امْتنع من الْفَرْض أَو تنَازعا فِيهِ فرض القَاضِي نقد الْبَلَد حَالا
وَلَو رضيت بمؤجل لم يُؤَجل
وَقيل لَهَا التَّأْخِير وَلَا يزِيد على مهر الْمثل وَلَا ينقص
انْتهى
صُورَة نِكَاح الْوَلَد وَجعل الْوَالِد أمه صَدَاقا لَهُ أصدق فلَان عَن وَلَده لصلبه فلَان الَّذِي هُوَ تَحت حجره وَولَايَة نظره
وَرَأى لَهُ فِي ذَلِك الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة فُلَانَة
صَدَاقا هُوَ وَالِدَة الزَّوْج الْمَذْكُور فُلَانَة الَّتِي هِيَ فِي ملك وَالِده الْمَذْكُور وَهِي معترفة لَهُ بسابق الرّقّ والعبودية إِلَى الْآن
وَقَبله لوَلَده الْمَذْكُور على ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
فبحكم ذَلِك عتقت الوالدة الْمَذْكُورَة بِدُخُولِهَا فِي ملك الابْن لِأَنَّهَا لَا تصير صَدَاقا حَتَّى يقدر دُخُولهَا فِي ملك الابْن
فَإِذا دخلت فِي ملك الابْن عتقت عَلَيْهِ
وَإِذا عتقت عَلَيْهِ وَجب للزَّوْجَة وَالْحَالة هَذِه مهر الْمثل على الزَّوْج الْمُسَمّى أَعْلَاهُ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
وَاعْتَرَفت الزَّوْجَة ووالد الزَّوْج أَن مهر الْمثل الْقدر الْمعِين أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَإِن لم يعلم مِقْدَار مهر الْمثل فيفرض مَا تقدم إِمَّا بِأَن يتوافق الزَّوْجَة ووالد الزَّوْج على فَرْضه أَو يفرضه الْحَاكِم
صُورَة نِكَاح جَارِيَة من مَال الْقَرَاض تزوج فلَان الَّذِي فِيهِ شُرُوط نِكَاح الْإِمَاء من خوف الْعَنَت وَعدم طول حرَّة وَلم يكن تَحْتَهُ حرَّة بفلانة الَّتِي هِيَ من جملَة مَال الْقَرَاض الَّذِي هُوَ من جِهَة فلَان وَالْعَامِل فِي ذَلِك فلَان بِصَدَاق مبلغه كَذَا يسْتَحقّهُ عَلَيْهِ رب المَال الْمَذْكُور دون الْعَامِل
عقده بَينهمَا رب المَال الْمَذْكُور وَقَبله الزَّوْج لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد اعْتِرَاف رب المَال وَالْعَامِل الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ أَن ذَلِك قبل الْقِسْمَة وَأَن مَال الْقَرَاض بَاقٍ بِغَيْر قسْمَة الرِّبْح(2/83)
وَإِن كَانَ الزَّوْج حرا فَيكْتب وَعلم الزَّوْج الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أَن الْوَلَد الْحَادِث لَهُ من الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة بِحكم هَذَا الترويج يفوز بِهِ رب المَال وَيكون رَقِيقا
وَرَضي بذلك
وَإِن كَانَ الزَّوْج عبدا فَيعلم مَوْلَاهُ وَالْعَبْد بذلك
وَقد تقدم فِي كتاب الْقَرَاض أَن الْعَامِل لَا يملك على الصَّحِيح إِلَّا بعد الْقِسْمَة لَا بِظُهُور الرِّبْح وثمار الْأَشْجَار والنتاج وَكسب الرَّقِيق وَمهر الْجَارِيَة الْوَاقِعَة من مَال الْقَرَاض وَالْولد وبذل الْمَنَافِع يفوز بهَا الْمَالِك
وَصُورَة نِكَاح رب المَال
وَجعله مهْرا جَارِيَة الْقَرَاض صَدَاقا للْمَرْأَة الَّتِي يتَزَوَّج بهَا تزوج فلَان بفلانة على صدَاق مبلغه كَذَا وَالْبَاقِي منجم لَهَا عَلَيْهِ فِي سلخ كل سنة تمْضِي من تَارِيخه كَذَا
عقده بَينهمَا فلَان وَليهَا الشَّرْعِيّ
وَقَبله الزَّوْج لنَفسِهِ قبولا شَرْعِيًّا ثمَّ بعد ذَلِك أحَال الزَّوْج الْمَذْكُور أَعْلَاهُ زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة مَعَه أَعْلَاهُ على ذمَّة زوج جَارِيَة الْقَرَاض الَّذِي المزوج رب المَال وَفِيه وعامله فلَان بمبلغ الصَدَاق الَّذِي هُوَ فِي ذمَّة الزَّوْج الْمَذْكُور ويستحقه رب المَال الْمَذْكُور عَلَيْهِ دون الْعَامِل الشَّاهِد بِهِ كتاب الزَّوْجِيَّة بَينهمَا الْمحْضر لشهوده وَيكْتب عَلَيْهِ مَا يَنْبَغِي كِتَابَته شرعا وَهُوَ نَظِير مَا للزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِي ذمَّة زَوجهَا فلَان وَهُوَ رب المَال الْمَذْكُور الْمُوَافق لَهُ فِي الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة والحلول والتأجيل حِوَالَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
قبلتها مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بِحُضُور زوج جَارِيَة الْقَرَاض وَرضَاهُ بذلك حَتَّى يخرج من الْخلاف
وَإِذا لم يشْهد عَلَيْهِ زوج جَارِيَة الْقَرَاض بالرضى أَو لم يَتَيَسَّر ذَلِك فيثبته عِنْد حَاكم يرى صِحَة ذَلِك حَتَّى لَا ينْقض
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة محجورة قبل لَهَا الْحِوَالَة وَليهَا الشَّرْعِيّ ويرضاه لَهَا إِذا كَانَت الْمصلحَة لَهَا فِي ذَلِك
صُورَة مَا يكْتب على كتاب جَارِيَة الْقَرَاض صَار جَمِيع مبلغ الصَدَاق الْمعِين بَاطِنه
وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا لفلانة الَّتِي تزَوجهَا فلَان رب المَال الْمَذْكُور بَاطِنه بِالسَّبَبِ الَّذِي سيعين فِيهِ وَهُوَ أَن فلَان رب المَال الْمَذْكُور تزوج بفلانة الْمَذْكُورَة تزويجا شَرْعِيًّا على صدَاق جملَته كَذَا وَهُوَ نَظِير مبلغ الصَدَاق الْمعِين بَاطِنه حَاله ومؤجله
وحصلت الْحِوَالَة مِنْهُ للزَّوْجَة الْمَذْكُورَة على ذمَّة زوج الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة بَاطِنه بِحكم توَافق ذَلِك جِنْسا وَقدرا وَصفَة وحلولا وتأجيلا
وَحصل الْقبُول الشَّرْعِيّ من فُلَانَة أَو من وَليهَا الشَّرْعِيّ فلَان بذلك وَرَضي الزَّوْج الْمحَال عَلَيْهِ بذلك إِن كَانَ حصل الْإِشْهَاد بِرِضَاهُ وَكتب ذَلِك بِظَاهِر صدَاق المحتالة الْمَذْكُورَة على رب المَال الْمُحِيل الْمَذْكُور الشَّاهِد بَينهمَا بِأَحْكَام الزَّوْجِيَّة
فبحكم ذَلِك صَار الصَدَاق الْمعِين بَاطِنه ملكا لفلانة(2/84)
زوج رب المَال الْمَذْكُور دونه وَدون كل أحد بِسَبَبِهِ
وبرئت ذمَّة رب المَال من مبلغ الصَدَاق الْمَذْكُور بِحكم انْتِقَال ذَلِك من ذمَّته بالحوالة إِلَى ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ الْمَذْكُور
تَنْبِيه الْأَحْسَن أَن يفعل ذَلِك بعد أَن يدْخل رب المَال بِزَوْجَتِهِ ويصيبها وَبعد أَن يدْخل زوج جَارِيَة الْقَرَاض بهَا ويصيبها حَتَّى يَتَقَرَّر الْمهْر
فَإِذا طلق كل مِنْهُمَا قبل الدُّخُول تقرر النّصْف من ذَلِك لكل من زَوْجَة رب المَال وَتصير الْحِوَالَة بَاقِيَة على حكمهَا فِي النّصْف
وَإِن طلق رب المَال فيتقرر النّصْف من الصَدَاق الَّذِي كَانَ فِي ذمَّته وَصَارَ فِي ذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ
وَيبقى النّصْف الثَّانِي من الصَدَاق الَّذِي هُوَ فِي ذمَّة زوج جَارِيَة الْقَرَاض
فيتقرر النّصْف الَّذِي فِي ذمَّته لزوجة رب المَال بِحكم الْحِوَالَة الْمَذْكُورَة
وَيسْقط النّصْف الثَّانِي
وَيُطَالب زَوْجَة رب المَال زَوجهَا الْمَذْكُور بِالنِّصْفِ الثَّانِي لفساد الْحِوَالَة فِيهِ بِحكم الدُّخُول وَتَقْرِير الصَدَاق جَمِيعه
انْتهى
فصل إِذا اعْترف رجل وَامْرَأَة أَنَّهُمَا زوجان
متناكحان وَأَن صدَاق الزَّوْجَة عدم وَأَرَادُوا تَجْدِيد صدَاق يشْهد بَينهمَا بِأَحْكَام الزَّوْجِيَّة فالطرفين فِي ذَلِك على أَرْبَعَة أَنْوَاع الأول أقرّ فلَان أَن فِي ذمَّته بِحَق صَحِيح شَرْعِي لزوجته الَّتِي اعْترف أَنَّهَا الْآن فِي عصمته وَعقد نِكَاحه وَدخل بهَا وأصابها واستولدها أَوْلَادًا ويسميهم وَهِي فُلَانَة من الذَّهَب كَذَا حَالا أَو مُؤَجّلا أَو بعضه حَال وَبَعضه منجم
وَأَن ذَلِك مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الشَّاهِد بِهِ كتاب الزَّوْجِيَّة بَينهمَا الَّذِي ادَّعَت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة عَدمه عدما لَا يقدر على وجوده وَحلفت على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيّ وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك ويكمل إِلَى آخِره
وَقد سبق ذكر هَذِه فِي كتاب الْإِقْرَار لتعلقها بِهِ
الثَّانِي أشهد عَلَيْهِ فلَان وفلانة أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل من قبل تَارِيخه على الْوَضع الشَّرْعِيّ
دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها واستولدها على فرَاشه أَوْلَادًا ويسميهم إِن كَانُوا وَأقر الزَّوْج مِنْهُمَا أَن مبلغ صدَاق زَوجته الْمَذْكُورَة عَلَيْهِ وَقدره كَذَا وَكَذَا حَالا أَو منجما أَو بعضه حَال وَبَعضه منجم لَهَا عَلَيْهِ فِي سلخ كل سنة تمْضِي من تَارِيخ جَرَيَان عقد النِّكَاح الشَّرْعِيّ بَينهمَا كَذَا وَكَذَا بَاقٍ لَهَا فِي ذمَّته وَلَا يسْقط ذَلِك وَلَا شَيْء مِنْهُ عَن ذمَّته بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب إِلَى يَوْم تَارِيخه وَأَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة لم تبن من عصمته بِطَلَاق رَجْعِيّ وَلَا بَائِن وَلَا فسخ وَلَا غَيره مُنْذُ تزَوجهَا إِلَى الْآن وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بَاقِيَة بَينهمَا إِلَى يَوْم تَارِيخه
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا ويؤرخ(2/85)
الثَّالِث أقرَّت فُلَانَة أَنَّهَا مُوَاصلَة من زَوجهَا بذكرهما فلَان بكسوتها ونفقتها الواجبتين لَهَا عَلَيْهِ شرعا من حِين بنى بهَا وَإِلَى يَوْم تَارِيخه مُوَاصلَة شَرْعِيَّة وَأَنَّهَا عارفة بِقدر الْكسْوَة ونوعها وجنسها وَبِمَا وصل إِلَيْهَا من ذَلِك الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة النافية للْجَهَالَة
وَذَلِكَ بِحُضُور زَوجهَا الْمَذْكُور وتصديقه لَهَا على ذَلِك واعترافه أَن مبلغ صدَاق زَوجته الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ الشَّاهِد بَينهمَا بِأَحْكَام الزَّوْجِيَّة الَّذِي ادَّعَت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة عَدمه عدما لَا يقدر على وجوده
وَقدره كَذَا وَكَذَا بَاقٍ فِي ذمَّته لَهَا إِلَى يَوْم تَارِيخه وَأَنه ملك عَلَيْهَا الطلقات الثَّلَاث وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة قَائِمَة بَينهمَا إِلَى تَارِيخه
وَذَلِكَ بعد اعترافهما بِالدُّخُولِ والإصابة وَالِاسْتِيلَاد وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
الرَّابِع وَهُوَ أقوى الطّرق بِاعْتِبَار مَا يثبت عِنْد الْحَاكِم
وَصُورَة ذَلِك
لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون قبل الْمَوْت أَو بعد موت الزَّوْج
فَإِن كَانَت قبل موت الزَّوْج
فَيكْتب على لِسَان الزَّوْجَة سُؤال صورته الْمَمْلُوكَة فُلَانَة تقبل الأَرْض وتنهي أَن شخصا يُسمى فلَان تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِصَدَاق جملَته كَذَا حَالا أَو منجما وَأَن صَدَاقهَا الشَّاهِد بَينهمَا بِالزَّوْجِيَّةِ عدم أَو لم يكْتب لَهَا مَا يشْهد بِهِ وَلها بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد بذلك
وسؤالها من الصَّدقَات العميمة إِذن كريم بِكِتَابَة محْضر شَرْعِي بذلك صَدَقَة عَلَيْهَا وإحسانا إِلَيْهَا
أنهت ذَلِك ثمَّ ترفع السُّؤَال إِلَى الْحَاكِم
فَيكْتب عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ على الْعَادة فِي ذَلِك ثمَّ يكْتب الشُّهُود تَحت السُّؤَال المشروح أَعْلَاهُ بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة شُهُوده الواضعون خطوطهم إِلَى آخِره يعوقون فلَانا وفلانة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَامِعَة لاسمهما وعينهما ونسبهما
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي صدر العقد بَينهمَا بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها بِشَرْطِهِ الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ وَأَن مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الَّذِي صدر عَلَيْهِ العقد بَينهمَا جملَته كَذَا وَكَذَا إِمَّا على حكم الْحُلُول أَو التنجيم وَيشْهدُونَ على إِقْرَار الزَّوْج الْمَذْكُور أَنه دخل بِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَة وأصابها واستولدها على فرَاشه أَوْلَادًا ويسميهم وَأَنَّهَا لم تبن مِنْهُ بِطَلَاق رَجْعِيّ وَلَا بَائِن وَلَا فسخ وَلَا غَيره وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة قَائِمَة بَينهمَا إِلَى الْآن يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
وَكتب فِي تَارِيخ كَذَا بِالْإِذْنِ الْكَرِيم العالي الحاكمي الْفُلَانِيّ
وَيكْتب الشُّهُود رسم شَهَادَتهم فِيهِ
شهد بمضمونه فلَان ورفيقه كَذَلِك(2/86)
وَإِن كَانَ الْمحْضر بعد الْمَوْت
فَإِن كَانَ الشُّهُود يشْهدُونَ بِمهْر الْمثل
فَيكْتب بعد الصَّدْر الْمُتَقَدّم وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها وَإِن كَانَ ثمَّ أَوْلَاد فيذكرهم وَأَن الزَّوْج مِنْهُمَا توفى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه وَأَن مهر مثلهَا على مثله كَذَا وَكَذَا وَأَن ورثته الْمُسْتَحقّين لميراثه المستوعبين لجميعه فلَان وَفُلَان وَفُلَان من غير شريك لَهُم فِي ذَلِك وَلَا حَاجِب
وَإِن كَانَت الْبَيِّنَة تشهد على إِقْرَار الزَّوْج أَن مبلغ الصَدَاق كَذَا وَكَذَا
فيكتبه
وَإِن كَانَت تشهد بمبلغ الصَدَاق فَيكْتب وَأَن مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَيثبت عِنْد الْحَاكِم وَيصير هَذَا الْمحْضر مُسْتَند الزَّوْجَة فِي الزَّوْجِيَّة
وَفِي مبلغ الصَدَاق
وَصُورَة فسخ الزَّوْجِيَّة بالجنون أَو الْمَرَض أَو الجذام أَو الرتق أَو الْقرن حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فُلَانَة وَادعت على زَوجهَا فلَان لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا بولِي مرشد وشاهدي عدل وصداق شَرْعِي
وَلم تعلم بِهِ عَيْبا يثبت لَهَا خِيَار فسخ وَأَنَّهَا وجدت بِهِ برصا أَو غير ذَلِك وَهُوَ بِهِ الْآن وَأَنَّهَا حِين علمهَا بذلك اخْتَارَتْ فِرَاقه وَالْفَسْخ لنكاحه
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا
ثمَّ سَأَلت الْحَاكِم أَن يفرق بَينهمَا وَيحكم بتحريمها عَلَيْهِ وَانْقِطَاع عصمَة الزَّوْجِيَّة بَينهمَا بِحكم الْفَسْخ الْمَذْكُور الْوَاقِع بِشَرْطِهِ الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ بعد ثُبُوت الزَّوْجِيَّة بَينهمَا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يحكم لَهَا بذلك
فأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا بِالْمُوجبِ الشَّرْعِيّ أَو حكم بِمُوجب ذَلِك
ويكمل
وَإِن كَانَ الْعَيْب بِالزَّوْجَةِ فَتَقَع الدَّعْوَى من الزَّوْج
وَيكْتب مَا يُوَافق ذَلِك من هَذَا الأنموذج
وَإِن كَانَ الْفَسْخ بوكيل الزَّوْج أَو وَكيل الزَّوْجَة أَو بوكيليهما فَيكْتب ذَلِك بعد ثُبُوت عقد النِّكَاح أَو يكون التَّوْكِيل جرى بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز فَيكْتب فِي إسجال الْحَاكِم وَثَبت صُدُور التَّوْكِيل الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ بِحكم صدوره فِيهِ واعتراف الْمُوكل بِهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَلَا يكون الْفَسْخ إِلَّا عِنْد الْحَاكِم(2/87)
فرع قَالَت وطِئت عَالما بِالْعَيْبِ
فَأنْكر الْعَمَل
أَو قَالَت مكنت وَأَنت عَالم بعيبي
صدق الْمُنكر فِي الْأَصَح
وَالْفَسْخ قبل الدُّخُول يسْقط الْمهْر والمتعة وَبعده يجب مهر الْمثل إِن فسخ بمقارن أَو بحادث بعد العقد وَالْوَطْء جَهله الواطىء
والمسمى إِن حدث بعد وَطْء
وَإِذا طلق قبل الدُّخُول ثمَّ علم بعيبها لم يسْقط حَقّهَا من النّصْف
وَمن فسخ نِكَاحهَا بعد دُخُول فَلَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى لَهَا فِي الْعدة وَإِن كَانَت حَامِلا مَعَ الْخلاف فِي ذَلِك
وَإِن أَرَادَ أَن يسكنهَا حفظا لمائه
فَلهُ ذَلِك وَعَلَيْهَا الْمُوَافقَة
وَلَو فسخ بِعَيْب ثمَّ بَان أَن لَا عيب بَطل الْفَسْخ على الصَّحِيح من الْوَجْهَيْنِ
وَلَو رَضِي أَحدهمَا بِعَيْب الآخر ثمَّ حدث عيب آخر ثَبت الْفَسْخ فِيهِ
لَا إِن زَاد الأول على الصَّحِيح
مَسْأَلَة شَرط بَكَارَتهَا فَوجدت ثَيِّبًا
فَقَالَت زَالَت عنْدك
فَأنْكر فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا لرفع الْفَسْخ
وَقَوله بِيَمِينِهِ لرفع كَمَال الْمهْر
فرع ظَنّهَا مسلمة أَو حرَّة فَبَانَت كِتَابِيَّة أَو أمة وَهِي تحل لَهُ فَلَا خِيَار فِي الْأَظْهر
وَصُورَة الْقسم بَين الزَّوْجَات أشهد عَلَيْهِ فلَان أَن فِي عصمته وَعقد نِكَاحه من الزَّوْجَات فُلَانَة وفلانة وفلانة الْحَرَائِر
وَقسم لَهُنَّ بِالْقُرْعَةِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
فَصَارَت نوبَة فُلَانَة كَذَا ونوبة فُلَانَة كَذَا ونوبة فُلَانَة كَذَا
وَعَلِيهِ الْعَمَل فِي ذَلِك بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته ووفاء حقهن بِمَا قسم لَهُنَّ من غير ضَرَر وَلَا ضرار بِهن وَلَا حيف وَلَا شطط وَلَا مشقة عَلَيْهِنَّ وَلَا إيلام قلب والطلب من الله تَعَالَى الْإِعَانَة لَهُ والتوفيق للْقِيَام بِالْعَدْلِ بَينهُنَّ والإنصاف على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ بحضورهن وإشهادهن على أَنْفسهنَّ بِالرِّضَا بذلك على حكم الطواعية وَالِاخْتِيَار من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار
وَكَانَ الْحَظ والمصلحة لَهُنَّ فِي ذَلِك على مَا نَص وَشرح فِيهِ
وتصادقوا على ذَلِك تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(2/88)
كتاب الْخلْع
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
سمي الْخلْع خلعا لِأَن الْمَرْأَة تخلع نَفسهَا مِنْهُ وَهِي لِبَاس لَهُ لقَوْله تَعَالَى {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} وَسمي الافتداء لِأَنَّهَا تَفْتَدِي نَفسهَا مِنْهُ بِمَا تبذله لَهُ من الْعِوَض
وَالْخلْع يَنْقَسِم على ثَلَاثَة أَقسَام
قِسْمَانِ مباحان وَقسم مَحْظُور
فأحد المباحين إِذا كرهت الْمَرْأَة خلق الزَّوْج أَو خلقه أَو دينه وخافت أَن لَا تُؤدِّي حَقه فبذلت لَهُ عوضا ليُطَلِّقهَا
جَازَ ذَلِك وَحل لَهُ أَخذه بِلَا خلاف
لقَوْله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} وروى الشَّافِعِي عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن حَبِيبَة بنت سهل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى صَلَاة الصُّبْح وَهِي على بَابه
فَقَالَ من هَذِه فَقَالَت أَنا حَبِيبَة بنت سهل
فَقَالَ مَا شَأْنك فَقَالَت يَا رَسُول الله لَا أَنا وَلَا ثَابت تَعْنِي زَوجهَا ثَابت بن قيس فَلَمَّا جَاءَ ثَابت قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه حَبِيبَة تذكر مَا شَاءَ الله أَن تذكر
فَقَالَت يَا رَسُول الله كل مَا أَعْطَانِي عِنْدِي
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِثَابِت خُذ مِنْهَا
فَأخذ مِنْهَا
وَجَلَست فِي أَهلهَا
وَفِي رِوَايَة عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا اخْتلعت من زَوجهَا وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق جميلَة بنت سهل
وَرُوِيَ أَن الرّبيع بنت بن معوذ بن عفراء اخْتلعت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْقسم الثَّانِي من الْمُبَاح أَن تكون الْحَالة مُسْتَقِيمَة بَين الزَّوْجَيْنِ وَلَا يكره أَحدهمَا الآخر
فيتراضيا على الْخلْع
فَيصح
وَيحل للزَّوْج مَا بذلت لَهُ
لقَوْله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا}
الْقسم الثَّالِث وَهُوَ أَن يضْربهَا أَو يخوفها بِالْقَتْلِ أَو يمْنَعهَا نَفَقَتهَا أَو كسوتها(2/89)
ليخالعها
فَهَذَا الْمَحْظُور
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} والعضل الْمَنْع فَإِن خالعته فِي هَذِه الْحَالة
وَقع الطَّلَاق
وَلَا يملك الزَّوْج مَا بذلته لَهُ على ذَلِك
فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول كَانَ رَجْعِيًا لِأَن الرّجْعَة إِنَّمَا سَقَطت لأجل ملكه المَال فَإِذا لم يملك المَال كَانَ لَهُ الرّجْعَة
فَإِن ضربهَا للتأديب فِي النُّشُوز
فخالعته عقب الضَّرْب صَحَّ الْخلْع لِأَن ثَابت بن قيس كَانَ قد ضرب زَوجته فخالعته مَعَ علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَال وَلم يُنكر عَلَيْهِمَا
وَلِأَن كل عقد صَحَّ مَعَ الضَّرْب صَحَّ بعده
كَمَا لَو حد الإِمَام رجلا ثمَّ اشْترى مِنْهُ شَيْئا عقبه
قَالَ الطَّبَرِيّ وَهَكَذَا لَو ضربهَا لتفتدي مِنْهُ فافتدت نَفسهَا مِنْهُ عقبه طَائِعَة صَحَّ لما ذَكرْنَاهُ
وَإِن زنت فَمنعهَا حَقّهَا لتخالعه فخالعته فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه من الْخلْع الْمُبَاح لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة} فَدلَّ على أَنَّهَا إِذا أَتَت بِفَاحِشَة مبينَة جَازَ عضلها
وَالثَّانِي أَنه من الْخلْع الْمَحْظُور لِأَنَّهُ خلع أكرهت عَلَيْهِ بِمَنْع حَقّهَا
فَهُوَ كَمَا لَو أكرهها على ذَلِك من غير زنا
وَأما الْآيَة فَقيل إِنَّهَا مَنْسُوخَة بالإمساك فِي الْبيُوت وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا} ثمَّ نسخ ذَلِك بِالْجلدِ وَالرَّجم
وَهُوَ فرقة بعوض بِلَفْظ طَلَاق أَو خلع وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فَيشْتَرط لصحتهما من الزَّوْج أَن يكون مِمَّن ينفذ طَلَاقه فَلَا يَصح خلع الصَّبِي وَالْمَجْنُون
وَيصِح خلع الْمَحْجُور عَلَيْهِ بالفلس والسفه
وَإِذا خَالع السَّفِيه على مَال فَلَا يسلم المَال إِلَيْهِ بل إِلَى وليه
وَيصِح خلع العَبْد وَيسلم المَال إِلَى السَّيِّد
وَيشْتَرط فِيمَن يقبل الْخلْع أَن يكون مُطلق التَّصَرُّف فِي المَال
فَإِن كَانَت الزَّوْجَة المختلعة أمة واختلعت بِغَيْر إِذن السَّيِّد حصلت الْبَيْنُونَة سَوَاء اخْتلعت بِعَين مَال السَّيِّد أَو بدين
وَهل يسْتَحق الزَّوْج فِي ذمَّتهَا مهر الْمثل أَو قيمَة الْعين إِذا اخْتلعت بِعَين وَمهر الْمثل أَو الْمُسَمّى فِي صُورَة الدّين فيهمَا قَولَانِ
الْأَظْهر الأول
وَإِن اخْتلعت بِإِذن السَّيِّد فَإِن عين مَالا من أَمْوَاله يختلع عَلَيْهِ وامتثلت أمره(2/90)
صَحَّ الْخلْع
وَكَذَا إِن قدر دينا فامتثلت وَيتَعَلَّق المَال بكسبها
فَإِن أطلق الْإِذْن اقْتضى الاختلاع بِمهْر الْمثل
وَلَو خَالع السَّفِيه زَوجته أَو قَالَ طَلقتك على كَذَا
فَقبلت وَقع الطَّلَاق رَجْعِيًا وَإِن لم تقبل لم يَقع الطَّلَاق
واختلاع الْمَرِيضَة فِي مرض الْمَوْت بِمهْر الْمثل أَو بِمَا دونه نَافِذ
وَلَا يعْتَبر من الثُّلُث
فَإِن زَادَت اعْتبرت الزِّيَادَة من الثُّلُث
وَلَا يَصح خلع البائنة
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ صِحَة خلع الرَّجْعِيَّة
وَيجوز أَن يكون عوض الْخلْع قَلِيلا وَكَثِيرًا أَو عينا أَو دينا
وسبيله سَبِيل الصَدَاق
وَلَو جرى الْخلْع على مَجْهُول نفذت الْبَيْنُونَة وَكَانَ الرُّجُوع إِلَى مهر الْمثل
وَإِن جرى على خمر أَو خِنْزِير فالرجوع إِلَى مهر الْمثل فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَيجوز التَّوْكِيل بِالْخلْعِ من الْجَانِبَيْنِ
وَإِذا قَالَ الزَّوْج لوَكِيله خَالعهَا بِمِائَة فَلَا ينقص عَن الْمِائَة
وَإِن أطلق فَلَا ينقص عَن مهل الْمثل
فَإِن نقص عَن الْقدر أَو عَن مهر الْمثل فِي صُورَة الْإِطْلَاق
فأصح الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق
وَالثَّانِي يَقع وَيجب مهر الْمثل
وَإِن قَالَت الزَّوْجَة لوكيلها اخلعني بِمِائَة فاختلع بهَا أَو بِمَا دونهَا بِالْوكَالَةِ نفذ
وَإِن اختلع بِأَكْثَرَ وَقَالَ اخْتلعت بِكَذَا فِي مَالهَا بوكالتها حصلت الْبَيْنُونَة
وَأَصَح الْقَوْلَيْنِ أَن الْوَاجِب على الْمَرْأَة مهر الْمثل
وَالثَّانِي أَكثر الْأَمريْنِ من مهر الْمثل وَمَا سمته هِيَ
وَهل الْفرْقَة بِلَفْظ الْخلْع طَلَاق أَو فسخ لَا ينقص بِهِ عدد الطَّلَاق فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا طَلَاق
وَإِن قُلْنَا بِهِ فَلفظ الْفَسْخ كِنَايَة فِيهِ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
الْخلْع مُسْتَمر الحكم بِالْإِجْمَاع
ويحكى عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ أَنه قَالَ الْخلْع مَنْسُوخ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء
وَاتفقَ الْأَئِمَّة على أَن الْمَرْأَة إِذا كرهت زَوجهَا لقبح منظر أَو سوء عشرَة جَازَ لَهَا أَن تخالعه على عوض وَإِن لم يكن شَيْء من ذَلِك وتراضيا على الْخلْع من غير سَبَب جَازَ وَلم يكره
وَحكي عَن الزُّهْرِيّ وَعَطَاء وَدَاوُد أَن الْخلْع لَا يَصح فِي هَذِه الْحَالة
وَالْخلْع طَلَاق بَائِن عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك
وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد(2/91)
وَالصَّحِيح الْجَدِيد من أَقْوَال الشَّافِعِي الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ فسخ لَا ينقص عددا
وَلَيْسَ بِطَلَاق
وَهُوَ الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي
وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من متأخري أَصْحَابه بِشَرْط أَن يكون ذَلِك مَعَ الزَّوْجَة وبلفظ الْخلْع وَلَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاق
وَللشَّافِعِيّ قَول ثَالِث أَنه لَيْسَ بِشَيْء
فصل وَهل يكره الْخلْع
بِأَكْثَرَ من الْمُسَمّى قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يكره ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ النُّشُوز من قبلهَا كره أَخذ أَكثر من الْمُسَمّى
وَإِن كَانَ من قبله كره أَخذ شَيْء مُطلقًا
وَصَحَّ مَعَ الْكَرَاهَة
وَقَالَ أَحْمد يكره الْخلْع على أَكثر من الْمُسَمّى مُطلقًا
فصل وَإِذا طلق المختلعة
مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة يلْحقهَا طَلَاقه فِي مُدَّة الْعدة وَقَالَ مَالك إِن طَلقهَا عقب خلعه طَلْقَة مُتَّصِلَة بِالْخلْعِ طلقت
وَإِن انْفَصل الطَّلَاق عَن الْخلْع لم تطلق
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يلْحقهَا الطَّلَاق بِحَال
وَلَو خَالع زَوجته على إِرْضَاع وَلَدهَا سنتَيْن جَازَ
فَإِن مَاتَ الْوَلَد قبل الْحَوْلَيْنِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يرجع عَلَيْهَا بِقِيمَة الرَّضَاع للمدة الْمَشْرُوطَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يسْقط الرَّضَاع وَلَا يقوم غير الْوَلَد مقَامه
وَالثَّانيَِة لَا يسْقط الرَّضَاع بل يَأْتِيهَا بِولد مثله ترْضِعه
وَإِذا قُلْنَا بالْقَوْل الأول فإلام ترجع قَولَانِ
الْجَدِيد إِلَى مهر الْمثل
وَالْقَدِيم إِلَى أُجْرَة الرَّضَاع
فصل لَيْسَ للْأَب أَن يخلع ابْنَته
الصَّغِيرَة بِشَيْء من مَالهَا عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك يسْتَحق عَلَيْهَا الْألف سَوَاء طَلقهَا ثَلَاثًا أَو وَاحِدَة لِأَنَّهَا تملك نَفسهَا بالواحدة
كَمَا تملك بِالثلَاثِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يسْتَحق ثلث الْألف فِي الْحَالَتَيْنِ
وَقَالَ أَحْمد لَا يسْتَحق شَيْئا فِي الْحَالَتَيْنِ
وَلَو قَالَت طَلقنِي وَاحِدَة بِأَلف
فَطلقهَا ثَلَاثًا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تطلق ثَلَاثًا
وَيسْتَحق الْألف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَحق شَيْئا
وَتطلق ثَلَاثًا
فصل وَيصِح الْخلْع
من غير زَوجته بالِاتِّفَاقِ وَهُوَ أَن يَقُول أَجْنَبِي للزَّوْج طلق امْرَأَتك بِأَلف
وَقَالَ أَبُو ثَوْر لَا يَصح
انْتهى
فَائِدَة من فَتَاوَى الْبَغَوِيّ
لَو قَالَت لوكيلها اخلعني على مَا استصوبت كَانَ لَهُ اختلاعها على مَاله فِي ذمَّتهَا وعَلى مَالهَا من الصَدَاق فِي ذمَّة الزَّوْج وَلَا تخالع على عين من أَعْيَان أموالها لِأَن مَا يُفَوض إِلَى الرَّأْي ينْصَرف إِلَى الذِّمَّة عَادَة(2/92)
قَالَ القَاضِي تَاج الدّين فِي الطَّبَقَات وَهُوَ فرع غَرِيب
مَسْأَلَة رجل لَهُ امْرَأَتَانِ
إِذا خَالع إِحْدَاهمَا انْفَسَخ نِكَاح الْأُخْرَى
صورتهَا هَذَا الرجل كَانَ قد تزوج بِأمة المختلعة ثمَّ أيسر
فَتزَوج بسيدتها ثمَّ خَالع السَّيِّد بِهَذِهِ الْأمة
انْفَسَخ نِكَاح الْأمة لِأَن ملك الْيَمين وَالنِّكَاح لَا يَجْتَمِعَانِ
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور وللخلع عمد ذكر الزَّوْجَة وَالزَّوْج وأسمائهما وَطلب المختلعة مِنْهُ أَن يخلعها على بدل مَعْلُوم الْقدر وَالصّفة إِن كَانَ مِمَّا يُوصف
وَذكر إِجَابَة الخالع إِلَى مَا سَأَلت عَلَيْهِ وخوفهما أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله
وَذكر دفع الْبَدَل إِلَى الزَّوْج
وَذكر قَبضه مِنْهَا وَذكر خلعه إِيَّاهَا على مَا اتفقَا عَلَيْهِ من عدد الْخلْع وَذكر الدُّخُول بهَا إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا وَصِحَّة الْعقل وَالْبدن وَجَوَاز الْأَمر وإقرارهما بذلك
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهما
والتاريخ بِالْيَوْمِ والشهر وَالسّنة
وَالْخلْع تَارَة يكون مَعَ الزَّوْجَيْنِ
وَتارَة يكون من وكيليهما
وَتارَة يكون من وَكيل أَحدهمَا مَعَ الآخر
وَتارَة يكون مَعَ الْأَجْنَبِيّ
وَتارَة يكون مَعَ الزَّوْجَة
وَالزَّوْج سَفِيه
وَتارَة يكون مَعَ وَالِد الزَّوْجَة أَو جدها إِذا كَانَت تَحت حجرهما
وَتارَة يكون بعد الدُّخُول
وَتارَة يكون قبل الدُّخُول
وَصُورَة خلع الزَّوْجَيْنِ على الْمُسَمّى وَحده وَهُوَ غير مَكْرُوه خَالع فلَان زَوجته فُلَانَة على جَمِيع صَدَاقهَا الْمعِين بَاطِنه إِن كتب ذَلِك فِي فصل بِظَاهِر كتاب الصَدَاق وَقدره كَذَا وَكَذَا خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بسؤالها إِيَّاه فِي ذَلِك وَقد بَانَتْ مِنْهُ بذلك
وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة
فبمقتضى ذَلِك بَرِئت ذمَّة المخالع الْمَذْكُور من جَمِيع مبلغ الصَدَاق الْمعِين فِيهِ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة أُخْرَى فِي ذَلِك سَأَلت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بَاطِنه زَوجهَا فلَان الْمَذْكُور مَعهَا بَاطِنه أَن يخلعها من عصمته وَعقد(2/93)
نِكَاحه على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين بَاطِنه
وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا
فأجابها إِلَى سؤالها وخلعها على الْبَدَل الْمَذْكُور خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ملكت بِهِ نَفسهَا عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة
ويؤرخ
وَصُورَة أُخْرَى فِي ذَلِك سَأَلت فُلَانَة زَوجهَا فلَان أَن يخلعها من عصمته وَعقد نِكَاحه على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين بَاطِنه وعَلى مبلغ ألف دِرْهَم فِي ذمَّتهَا لَهُ على حكم الْحُلُول
فأجابها إِلَى سؤالها وخلعها الْخلْع الْمَذْكُور على الْعِوَض الْمَذْكُور خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة وبرئت ذمَّة المخالع الْمَذْكُور من جَمِيع مبلغ الصَدَاق الْمعِين فِيهِ وَاسْتحق هُوَ عَلَيْهَا الْألف الْمَذْكُورَة استحقاقا شَرْعِيًّا
وطالبها بهَا فدفعتها إِلَيْهِ فقبضها مِنْهَا قبضا شَرْعِيًّا بَرِئت بِهِ ذمَّتهَا من الْمبلغ الْمَذْكُور وَمن كل جُزْء مِنْهُ بَرَاءَة شَرْعِيَّة
ويذيل بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق
ويؤرخ
وَصُورَة الْخلْع على الرَّضَاع سَأَلت فُلَانَة زَوجهَا فلَان أَن يخلعها عَن عصمته وَعقد نِكَاحه الْخلْع الشَّرْعِيّ على أَن ترْضع لَهُ وَلَده لصلبه مِنْهَا فلَان الْمُقدر عمره يَوْمئِذٍ بِكَذَا بَقِيَّة أمد الرَّضَاع الشَّرْعِيّ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه
فأجابها إِلَى سؤالها وخلعها على ذَلِك خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا ملكت بِهِ نَفسهَا عَلَيْهِ
وَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَاسْتحق هُوَ عَلَيْهَا إِرْضَاع وَلَده الْمَذْكُور الْمدَّة الْمَذْكُورَة استحقاقا شَرْعِيًّا وَسلم إِلَيْهَا الْوَلَد الْمَذْكُور لترضعه بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
فتسلمته مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
وشرعت فِي إرضاعه بِحكم السُّؤَال المشروح أَعْلَاهُ
وَالْقِيَام بمصالحه بِحَق مَالهَا من الْحَضَانَة إِن كَانَت الْحَضَانَة لَهَا
وَذَلِكَ بعد اعترافهما بِالدُّخُولِ والإصابة وَالِاسْتِيلَاد وَهُوَ الْوَلَد الْمَذْكُور
وَإِن كَانَ اسْتَوْلدهَا غَيره ذكره
ويؤرخ
وَصُورَة الْخلْع بسؤال أبي الزَّوْجَة على مَذْهَب مَالك رَحمَه الله خلافًا للباقين سَأَلَ فلَان فلَانا أَن يخلع ابْنَته الصَّغِيرَة فُلَانَة الَّتِي هِيَ تَحت حجره وَولَايَة نظره بالأبوة الشَّرْعِيَّة من عصمته وَعقد نِكَاحه على جَمِيع صَدَاقهَا الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ المسؤول الْمَذْكُور
وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وخلع ابْنَته الْمَذْكُورَة على الْبَدَل الْمَذْكُور خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بَانَتْ مِنْهُ بذلك
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وبرئت بذلك ذمَّة المسؤول الْمَذْكُور من جَمِيع الصَدَاق الْمعِين فِيهِ الْبَرَاءَة الشَّرْعِيَّة
ويؤرخ
صُورَة الْخلْع على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى سَأَلَ فلَان أَو سَأَلت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمُسَمَّاة بَاطِنه زَوجهَا الْمَذْكُور بَاطِنه أَن يخلعها من عصمته وَعقد نِكَاحه خلعا عَارِيا عَن لفظ الطَّلَاق وَنِيَّته على مَذْهَب الإِمَام الرباني أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ وأرضاه على دِرْهَم وَاحِد فِي ذمَّتهَا أَو على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ
وَقدره كَذَا وَكَذَا أَو على مَا يتفقان عَلَيْهِ فأجابها إِلَى سؤالها
وخلعها الْخلْع(2/94)
الْمَذْكُور على الْعِوَض الْمَذْكُور
وَبَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة وَالِاسْتِيلَاد إِن كَانَ بَينهمَا أَوْلَاد
ويؤرخ
وَهَذَا الْخلْع لَا ينقص عدد الطَّلَاق الثَّلَاث
فَإِذا أَرَادَ المختلع أَن يجدد نِكَاح مختلعته
فَالْأَحْسَن أَن يستحكم بِالْخلْعِ حَاكم حنبلي لَا سِيمَا إِن كَانَ من ثَالِثَة
كَيْلا يحكم بِبُطْلَان ذَلِك على مَذْهَب من يرى أَن الْفَسْخ طَلَاق
وَإِذا كَانَ لَهَا ولي يَأْذَن الْوَلِيّ لحَاكم حنبلي أَو لعاقد حنبلي
وَالْأَحْسَن أَن يكون حَاكما حَتَّى يحكم بِصِحَّتِهِ وَأَنه فسخ لَا ينقص عدد الطَّلَاق الثَّلَاث
وَإِن عقده عَاقد حنبلي
فَيحكم بِهِ حَاكم آخر حنبلي
حَتَّى يخرج من الْخلاف ويأمن من تعرضه للبطلان
صُورَة الْخلْع مَعَ السَّفِيه بِمُبَاشَرَة الزَّوْجَة سَأَلت فُلَانَة زَوجهَا فلَان أَن يخلعها من عصمته وَعقد نِكَاحه على مبلغ كَذَا وَكَذَا فِي ذمَّتهَا على حكم الْحُلُول
فأجابها إِلَى سؤالها وخلعها خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الْعِوَض الْمَذْكُور
وَبَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة ثمَّ بعد ذَلِك تسلم فلَان وَصِيّ المخالع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ ويشرح الْوَصِيَّة جَمِيع مَا اسْتَحَقَّه لمحجوره المخالع الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِحكم هَذَا السُّؤَال وَالْخلْع الْمعِين أَعْلَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا تسلما شَرْعِيًّا ليَكُون تَحت يَده لمحجوره الْمَذْكُور
وَعَلِيهِ الْخُرُوج من ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَلَا يخفى على الحاذق مَا يكْتب إِذا كَانَ السُّؤَال من وَكيل الزَّوْجَيْنِ وَلَا مَا يكْتب إِذا كَانَ التَّوْكِيل من جِهَة الزَّوْجَة أَو من جِهَة الزَّوْج
صُورَة سُؤال الْأَجْنَبِيّ سَأَلَ فلَان فلَانا أَن يخلع زَوجته فُلَانَة من عصمته وَعقد نِكَاحه على كَذَا وَكَذَا فِي ذمَّته على حكم الْحُلُول
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وخلعها خلعا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الْعِوَض الْمَذْكُور
ثمَّ يحيلها المخالع على ذمَّة الْأَجْنَبِيّ بِمَا وَقع السُّؤَال عَلَيْهِ
فَيَقُول ثمَّ بعد حُصُول ذَلِك ولزومه شرعا أحَال المخالع الْمَذْكُور مختلعته الْمَذْكُورَة على ذمَّة فلَان السَّائِل الْمَذْكُور بِمَا ترَتّب لَهُ فِي ذمَّته بالحكم المشروح أَعْلَاهُ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا فِي نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمُوَافق لذَلِك فِي الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة والحلول حِوَالَة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
فَإِن قبلت الْحِوَالَة على الْأَجْنَبِيّ صرح بقبولها ورضاها بذلك
وَإِن كَانَت محجورة
فَيقبل لَهَا وَليهَا الشَّرْعِيّ وَإِن لم يقبل فالمخالع يُطَالب الْأَجْنَبِيّ والمختلعة تطالب المخالع
وَفِي التخالع مَعَ وَالِد الزَّوْجَة يكْتب سُؤَاله وَالْحوالَة على والدها ويقبلها لَهَا إِن(2/95)
كَانَت تَحت حجره وَولَايَة نظره وَإِن لم تكن تَحت حجره فَلَا يكْتب حِوَالَة وَيبقى الصَدَاق فِي ذمَّة المخالع
وَيبقى الْقدر المسؤول عَلَيْهِ فِي ذمَّة وَالِد المختلعة للمخالع
وَكَذَلِكَ يفعل فِي سُؤال الْجد للْأَب
وَإِن وَقع بِلَفْظ الطَّلَاق كتب مَا سَيَأْتِي ذكره فِي الصُّورَة الْآتِيَة فِي كتاب الطَّلَاق
فصل فِي الْفَسْخ
وَهُوَ تَارَة يكون بغيبة الزَّوْج
فَذَلِك على مَذْهَب مَالك وَأحمد
وَتارَة يكون فسخ نِكَاح الصَّبِي الَّذِي لَا يتَصَوَّر مِنْهُ إِنْزَال وَلَا جماع
وَتارَة يكون الْفَسْخ فِي الْغَيْبَة أَو الْحُضُور بالإعسار بِالنَّفَقَةِ أَو الْكسْوَة بعد الدُّخُول أَو بِالْمهْرِ قبل الدُّخُول على مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقد سبق ذكر الْفَسْخ بِوُجُود الْعَيْب فِي أحد الزَّوْجَيْنِ
وَأما فسخ الْغَيْبَة على مَذْهَب مَالك فتسأل الزَّوْجَة القَاضِي فِي كِتَابَة محْضر
فَإِذا أذن فِي ذَلِك كتب بِحُضُور شُهُود يعْرفُونَ فُلَانَة وَفُلَانًا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل بشرائطه الشَّرْعِيَّة دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها
ثمَّ غَابَ عَنْهَا مُدَّة تزيد على كَذَا وَكَذَا من الْحُكَّام من لَا يفْسخ إِلَّا بعد مُضِيّ سنة
وَلَكِن مَاله مُدَّة مُعينَة إِلَّا على سَبِيل الِاحْتِيَاط من الْحَاكِم
وَأَقل الْمدَّة عِنْد أَحْمد سِتَّة أشهر وَتركهَا بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وَلَا ترك عِنْدهَا مَا تنفقه على نَفسهَا فِي حَال غيبته وَلَا مُتَبَرعا بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا فِي حَال غيبته وَلَا أرسل لَهَا شَيْئا فوصل إِلَيْهَا وَلَا مَال لَهَا تنفقه على نَفسهَا وَترجع بِهِ عَلَيْهِ
وَهِي مُقِيمَة على طَاعَته بِالْمَكَانِ الَّذِي تَركهَا فِيهِ
وَهِي متضررة بِفَسْخ نِكَاحهَا مِنْهُ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين إِلَى آخِره
وتقام الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم ثمَّ يُمْهِلهَا على مُقْتَضى رَأْيه واجتهاده ثمَّ يكْتب الْمحْضر لتحلف ثمَّ يكْتب فصل الْحلف
وَصورته أحلفت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِيهِ بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم
يَمِينا شَرْعِيَّة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَن زَوجهَا الْمَذْكُور غَابَ عَنْهَا من مُدَّة تزيد على كَذَا
وَتركهَا بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وتعدد الشُّرُوط الْمَذْكُورَة فِي الْمحْضر كلهَا إِلَى آخرهَا ثمَّ تَقول وَأَن من شهد لَهَا بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وَأَنَّهَا مُقِيمَة على طَاعَته متضررة بِفَسْخ نِكَاحهَا مِنْهُ فَحَلَفت كَمَا أحلفت بالتماسها لذَلِك
ويؤرخ
وتقام الشَّهَادَة فِيهِ عِنْد الْحَاكِم
ثمَّ إِن الزَّوْجَة تسْأَل الْحَاكِم الْفَسْخ
فيعظها الْحَاكِم وَيَقُول لَهَا إِن صبرت فلك الْأجر
فتأبى إِلَّا الْفَسْخ
فيمكنها من الْفَسْخ
فَتَقول بِصَرِيح لَفظهَا فسخت نِكَاحي من(2/96)
زَوجي فلَان الْفُلَانِيّ الْمَذْكُور بِطَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَإِن كَانَ عِنْد الْحَنْبَلِيّ فَلفظ الْفَسْخ كَاف
وَقد تقدم القَوْل أَنه إِذا حضر فِي الْعدة كَانَ أَحَق برجعتها لَكِنَّهَا تبين عِنْد الْحَنْبَلِيّ بِالْفَسْخِ
فَلَا يُرَاجِعهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا
ثمَّ تسْأَل الْحَاكِم الحكم لَهَا بذلك على مُقْتَضى مذْهبه واعتقاده
فَيكْتب على الْمحْضر ليسجل بِثُبُوتِهِ
وَالْحكم بِمُوجبِه ثمَّ يكْتب على ظَهره لما قَامَت الْبَيِّنَة عِنْد سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْفُلَانِيّ بمضمون الْمحْضر المسطر بَاطِنه وجريان الْحلف المشروح بَاطِنه وبمعرفة الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين فِيهِ
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بالشرائط الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك شرعا
سَأَلت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِيهِ سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ أَو الْمُسَمّى فِيهِ أَن يُمكنهَا من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور مَعهَا فِي الْمحْضر المسطر بَاطِنه
فوعظها فَأَبت إِلَّا ذَلِك
وَحصل الْإِمْهَال الشَّرْعِيّ
فكرر عَلَيْهَا الْوَعْظ وَقَالَ لَهَا إِن صبرت فلك الْأجر
فَأَبت إِلَّا ذَلِك
فاستخار الله تَعَالَى وأجابها إِلَى سؤالها ومكنها من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور بِطَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة
فَقَالَت بعد ذَلِك بِصَرِيح لَفظهَا فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي فلَان الْمَذْكُور بكيب أَو كَيْت أَو تَقول أوقعت على نَفسِي طَلْقَة وَاحِدَة أولى رَجْعِيَّة فسخت بهَا نِكَاحي من عصمَة زَوجي فلَان الْمَذْكُور أَو فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي الْمَذْكُور فسخا شَرْعِيًّا ثمَّ بعد ذَلِك سَأَلت الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك
فأجابها إِلَى سؤالها وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره على مُقْتَضى مذْهبه واعتقاده
وَرَأى إِمَامه الْأَمَام مَالك بن أنس رَضِي الله عَنهُ وأرضاه أَو الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويؤرخ
وَإِن كَانَ الْفَسْخ من الْحَاكِم فَيكْتب ثمَّ سَأَلت الْحَاكِم فسخ نِكَاحهَا الْمَذْكُور
وأصرت على ذَلِك وزالت الْأَعْذَار من قبلهَا
فَحِينَئِذٍ استخار الله تَعَالَى وأجابها إِلَى ذَلِك وَفسخ نِكَاحهَا من زَوجهَا الْمَذْكُور الْفَسْخ الشَّرْعِيّ
وَفرق بَينهمَا فِي مجْلِس حكمه وقضائه
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الْفَسْخ على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ لَا يفْسخ إِلَّا بالإعسار بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة أَو الْمهْر قبل الدُّخُول بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْفُلَانِيّ ادَّعَت فُلَانَة على زَوجهَا فلَان أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَدخل بهَا وأصابها واستحقت عَلَيْهِ كسوتها ونفقتها لمُدَّة كَذَا وَكَذَا وَلم يدْخل بهَا وَلم يصبهَا(2/97)
وَأَنَّهَا تسْتَحقّ عَلَيْهِ مهرهَا
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وطالبته بذلك
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب إِنَّه فَقير مُعسر عَاجز عَن نَفَقَتهَا وكسوتها أَو عَن مهرهَا الْمَذْكُور
وبصحة دَعْوَاهَا فِي التَّزْوِيج وَالدُّخُول بهَا والإصابة أَو عدم الدُّخُول
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يفْسخ نِكَاحهَا من عصمته بِمُقْتَضى مَا ادَّعَاهُ من الْإِعْسَار الثَّابِت اعترافه بِهِ لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ لجوازه عِنْده شرعا أَو يُمكنهَا من ذَلِك فأمهلها الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ ثَلَاثَة أَيَّام
أَولهَا يَوْم تَارِيخه
ثمَّ فِي الْيَوْم الرَّابِع من الدَّعْوَى الْمَذْكُورَة حضرا بَين يَدَيْهِ وأعادت الزَّوْجَة السُّؤَال الْمُتَقَدّم ذكره للْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فوعظها ووعدها بِالْأَجْرِ إِن صبرت
فَأَبت إِلَّا ذَلِك
فَحِينَئِذٍ استخار الله تَعَالَى الحاكمة الْمشَار إِلَيْهِ ومكنها من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور
فَقَالَت بِصَرِيح لَفظهَا فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي الْمَذْكُور
ثمَّ سَأَلت الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك
فَأجَاب سؤالها وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه(2/98)
ويكمل على نَحْو مَا سبق
ثمَّ يَقُول وَذَلِكَ بعد أَن قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده بجريان عقد النِّكَاح بَين المتداعيين الْمَذْكُورين ومعرفتهما الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة أَو تشخيصهما عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ فَإِن صدق الزَّوْج على ذَلِك فَلَا حلف
وَإِن قَامَت بَيِّنَة على ذَلِك وَطلب حَلفهَا فتحلف كَمَا سبق ذكره فِي محْضر الْغَيْبَة على وفْق الدَّعْوَى
وَإِن كَانَ الْفَسْخ فِي غيبته بالإعسار فتحلف بعد إِقَامَة الْبَيِّنَة بِالزَّوْجِيَّةِ بَينهمَا والإعسار
وَفِي حَال الْغَيْبَة إِن نصب الْحَاكِم مسخرا فيعذر إِلَيْهِ
وَصُورَة أُخْرَى وَهِي أَن يكْتب محضرا أَنَّهُمَا زوجان متناكحان دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها وَأَن الزَّوْج الْمَذْكُور مُعسر بنفقتها كَنَفَقَة المعسرين أَو كسْوَة المعسرين أَو بِالْمهْرِ قبل الدُّخُول
فَيكْتب وَأَنه تزَوجهَا على كَذَا وَكَذَا
وَأَنه عَاجز عَن ذَلِك بِحكم أَنه اعْترف أَنه لم يدْخل بهَا وَلم يصبهَا وصدقته على ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ قبيل الدُّخُول وَكَانَ قد دفع الْمهْر إِلَيْهَا وأرادت الْفَسْخ بِالنَّفَقَةِ أَو الْكسْوَة فطريقه أَن تعرض نَفسهَا عَلَيْهِ ليدْخل بهَا ويأبى
وَصُورَة ذَلِك أَن يكْتب الدَّعْوَى أَو الْمحْضر إِلَى عِنْد النَّفَقَة أَو الْكسْوَة فَيَقُول وَأَن الزَّوْجَة عرضت نَفسهَا أَو الْوَلِيّ عرضهَا على الزَّوْج الْمَذْكُور ليدْخل بهَا
فَأبى
ويكمل على نَحْو مَا سبق فِي الْفَسْخ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة وَذَلِكَ يجب على الزَّوْج بِالدُّخُولِ والإصابة أَو الْإِعْرَاض
وَصُورَة فسخ نِكَاح الصَّبِي الَّذِي لَا يتَصَوَّر مِنْهُ إِنْزَال وَلَا جماع يفْسخ بالإعسار كَمَا تقدم وَتَقَع الدَّعْوَى على ولي الصَّبِي
وَكَذَلِكَ مَا يَتَرَتَّب على الدَّعْوَى من الْجَواب والأعذار للْوَلِيّ إِذا كَانَ ذَلِك بِالْبَيِّنَةِ
فَإِن ثَبت بِالدَّعْوَى على الْوَلِيّ وتصديقه فِي ذَلِك فَلَا يعْذر إِلَيْهِ
وتحلف الزَّوْجَة احْتِيَاطًا إِن كَانَت من أهل الْحلف
وعَلى هَذَا الأنموذج تفسخ محَاضِر الفسوخ على اخْتِلَاف حالاتها فِي كل مَذْهَب من مَذَاهِب أَئِمَّة الْمُسلمين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
مَعَ مُرَاعَاة الوقائع وإجرائها على مُقْتَضى ذَلِك الْمَذْهَب
وَلَا يخفى ذَلِك على ممارسي هَذِه الصِّنَاعَة من المشتغلين بِالْعلمِ الشريف
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(2/99)
كتاب الطَّلَاق
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الطَّلَاق ملك للأزواج
وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
وَأما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} وَقَوله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
وَأما السّنة فَروِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلق حَفْصَة بنت عمر ثمَّ رَاجعهَا
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ كَانَ تحتي امْرَأَة أحبها
وَكَانَ أبي يكرهها
فَأمرنِي أَن أطلقها
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك
فَأمرنِي أَن أطلقها
وأجمعت الْأمة على جَوَاز الطَّلَاق
وَهُوَ على خَمْسَة أضْرب وَاجِب وَهُوَ طَلَاق لمولي بعد التَّرَبُّص يُؤمر أَن يفِيء أَو يُطلق وَطَلَاق الْحكمَيْنِ فِي الشقاق إِذا رأياه
ومكروه وَهُوَ الطَّلَاق من غير حَاجَة
لما رُوِيَ ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق
ومباح وَهُوَ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ لضَرُورَة وَاقعَة بالْمقَام على النِّكَاح
فَيُبَاح لَهُ دفع الضَّرَر عَن نَفسه
ومستحب وَهُوَ عِنْد تضرر الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ إِمَّا لبغضه أَو غَيره
فَيُسْتَحَب إِزَالَة الضَّرَر عَنْهَا وَعنهُ وَكَونهَا مفرطة فِي حُقُوق الله تَعَالَى الْوَاجِبَة كَالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا وَعجز(2/100)
عَن إجبارها عَلَيْهِ
وَكَونهَا غير عفيفة لِأَن فِي إِِمْسَاكهَا نقصا ودناءة
وَرُبمَا أفسدت فرَاشه وألحقت بِهِ ولدا من غَيره
ومحظور وَهُوَ طَلَاق الْمَدْخُول بهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر أَصَابَهَا فِيهِ وَيُسمى طَلَاق الْبِدْعَة
وروى ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته
وَهِي حَائِض
فَسَأَلَ عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مرّة فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليتركها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر ثمَّ إِن شَاءَ أمسك بعده وَإِن شَاءَ طلق قبل أَن يمْسِكهَا
فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء مُتَّفق عَلَيْهِ
وَيصِح طَلَاق الْمُكَلف وَإِن هزل وَإِن ظَنّهَا غير زَوجته
وصريحه الطَّلَاق والسراح والفراق
وخالعت وفاديت
وَأَنت طَالِق ومطلقة
ومسرحة ومفارقة وَيَا طَالِق وحلال الله على حرَام وَنعم لمن قَالَ أطلقت زَوجتك لطلب الْإِنْشَاء وترجمتها بِأَيّ لِسَان
وكناياته بنية الطَّلَاق
كَأَنْت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وحرة ومعتقة واعتدي وَلَو قبل الطَّلَاق واستبرئي رَحِمك والحقي بأهلك وحبلك على غاربك وأمرك بِيَدِك واغربي واذهبي واخرجي وتجرعي وذوقي وتزودي وكلي واشربي
وَلَا تقع الْكِنَايَة إِلَّا إِذا قرنت بِالنِّيَّةِ فِي أَولهَا
وَإِن غربت قبل التَّمام
فَلَو قَالَ لزوجته أَو أمته أَنْت حرَام
فَإِن أطلق وَقصد تَحْرِيم الْعين وَجَبت كَفَّارَة يَمِين
وَإِن عين الطَّلَاق أَو الظِّهَار فِي الزَّوْجَة أَو الْعتْق فِي الْأمة صَحَّ مَا نَوَاه
وَإِشَارَة الْأَخْرَس فِي كل عقد وَحل كإشارة النَّاطِق فِي كل عقد وَحل
وصريحها مَا يفهمهُ الْكل
وكنايتها مَا يفهمهُ الفطن
ويعتد بِإِشَارَة أخرس فِي الطَّلَاق وَفِي جَمِيع الْعُقُود والحلول والأقارير والدعاوى
وَفِي شَهَادَته خلاف
فَلَو أَشَارَ فِي صلَاته بِطَلَاق أَو غَيره نفذ
وَالصَّحِيح أَن صلَاته لَا تبطل(2/101)
وَإِن قَالَ لزوجته أَنْت حرَام أَو مُحرمَة أَو حرمتك
فَإِن نوى الطَّلَاق وَقع رَجْعِيًا وَإِن نوى عددا وَقع مَا نوى
وَإِن كتب نَاطِق طَلَاقا فَإِن تلفظ بِمَا كتب وقرأه حَالَة الْكِتَابَة أَو بعْدهَا طلقت وَإِلَّا فَإِن لم ينْو الطَّلَاق لم تطلق على الصَّحِيح
وَإِن نَوَاه وَقع فِي الْأَظْهر
وَللزَّوْج تَفْوِيض الطَّلَاق لزوجته
وَهُوَ تمْلِيك
ويتضمن الْقبُول
وَيشْتَرط لوُقُوعه تطليقها على الْفَوْر إِلَّا أَن يَقُول طَلِّقِي نَفسك مَتى شِئْت
وَله الرُّجُوع قبل تطليقها على الصَّحِيح
وَالثَّانِي لَا
والتصرفات القولية من الْمُكْره عَلَيْهَا بَاطِلَة
كالردة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وتعليقه وَغَيرهَا وَحقّ كاستسلام الْمُرْتَد وَالْحَرْبِيّ لَا الذِّمِّيّ فِي الْأَصَح
وَينفذ طَلَاق مول أكرهه الْحَاكِم عَلَيْهِ بِولَايَة لَيْسَ بإكراه حَقِيقَة
وَشرط الْإِكْرَاه الْمقدرَة من الكره على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ بِولَايَة أَو تغلب وفرط هجوم وَعجز الْمُكْره عَن الدّفع بفرار أَو غَيره
وظنه أَنه إِن امْتنع حَقَّقَهُ
وَمن زَالَ عقله بِسَبَب يعْذر فِيهِ كجنون أَو إِغْمَاء أَو أوجر خمرًا أَو أكره عَلَيْهَا أَو لم يعلم أَن المشروب من جنس مَا يسكر أَو شرب دَوَاء يزِيل الْعقل بِقصد التَّدَاوِي
وَنَحْو ذَلِك لم يَقع طَلَاقه
وَلَو تعدى بِشرب مُسكر أَو دَوَاء مجنن بِغَيْر غَرَض صَحِيح
فَزَالَ عقله وَقع طَلَاقه على الْمَذْهَب
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي حد السَّكْرَان إِنَّه هُوَ الَّذِي اخْتَلَّ مِنْهُ المنظوم
وانكشف سره المكتوم
وَالْأَقْرَب الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعَادة
وَطَلَاق الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ
ويتوارثان فِي عدَّة رَجْعِيّ لَا بَائِن
وَفِي الْقَدِيم تَرثه
فَإِن برىء من ذَلِك الْمَرَض لم تَرث قطعا
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الطَّلَاق فِي استقامة حَال الزَّوْجَيْنِ مَكْرُوه
بل قَالَ أَبُو حنيفَة بِتَحْرِيمِهِ
وَهل يَصح تَعْلِيق الطَّلَاق وَالْعِتْق بِالْملكِ أم لَا وَصورته أَن يَقُول لأجنبية إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق أَو يَقُول لعبد إِن مَلكتك فَأَنت حر أَو كل عبد اشْتَرَيْته فَهُوَ حر
قَالَ أَبُو حنيفَة يَصح التَّعْلِيق وَيلْزم الطَّلَاق وَالْعِتْق سَوَاء أطلق أَو عمم أَو خصص(2/102)
وَقَالَ مَالك يلْزم إِذا خصص أَو عين من قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو امْرَأَة بِعَينهَا لَا إِن أطلق أَو عمم
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يلْزم مُطلقًا
فصل وَالطَّلَاق
هَل يعْتَبر بِالرِّجَالِ أم بِالنسَاء قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يعْتَبر ذَلِك بِالرِّجَالِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر بِالنسَاء
وَصورته عِنْد الْجَمَاعَة أَن الْحر يملك ثَلَاث تَطْلِيقَات وَالْعَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ
وَعند أبي حنيفَة الْحرَّة تطلق ثَلَاثًا وَالْأمة اثْنَتَيْنِ حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا
فصل وَإِذا علق طَلاقهَا
بِصفة كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أَبَانهَا وَلم تفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فِي حَال الْبَيْنُونَة ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ دخلت
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِن كَانَ الطَّلَاق الَّذِي أَبَانهَا بِهِ دون الثَّلَاث فاليمين بَاقِيَة فِي النِّكَاح الثَّانِي لم تنْحَل
فَيحنث بِوُجُود الصّفة مرّة أُخْرَى
وَإِن كَانَ ثَلَاثًا انْحَلَّت الْيَمين
وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا كمذهب أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا تنْحَل الْيَمين وَإِن بَانَتْ بِالثلَاثِ
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه إِن طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا ثمَّ تزَوجهَا وَإِن لم يحصل فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ انْحَلَّت الْيَمين على كل حَال
وَقَالَ أَحْمد تعود الْيَمين بِعُود النِّكَاح
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق فِي الْحيض لمدخول بهَا أَو فِي طهر جَامع فِيهِ محرم إِلَّا أَنه يَقع
وَكَذَلِكَ جَمِيع الطَّلَاق الثَّلَاث محرم وَيَقَع
وَاخْتلفُوا بعد وُقُوعه
هَل هُوَ طَلَاق سنة أَو طَلَاق بِدعَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ طَلَاق بِدعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ طَلَاق سنة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَاخْتِيَار الْخرقِيّ أَنه طَلَاق سنة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق عدد الرمل وَالتُّرَاب
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع طَلْقَة تبين الْمَرْأَة بهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقع بِهِ الطَّلَاق الثَّلَاث
وَاتفقَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد على أَن من قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا بعد ذَلِك وَقع طَلْقَة منجزة
وَيَقَع بِالشّرطِ تَمام الثَّلَاث فِي الْحَال
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك
فَالْأَصَحّ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة وُقُوع الْمُنجز فَقَط دفعا للدور وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج وَابْن الْحداد والقفال وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَصَاحب(2/103)
الْمُهَذّب وَغَيرهم لَا يَقع طَلَاق أصلا
وَحكي ذَلِك عَن نَص الشَّافِعِي
وَمن أَصْحَابه من يَقُول بِوُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث كمذهب الْجَمَاعَة
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة
وَهِي خلية بَريَّة وبائن وبتة وبتلة وحبلك على غاربك وَأَنت حرَّة وأمرك بِيَدِك واعتدي والحقي بأهلك هَل تفْتَقر إِلَى نِيَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال
وَقَالَ مَالك يَقع الطَّلَاق بِمُجَرَّد اللَّفْظ
وَلَو انْضَمَّ إِلَى هَذِه الْكِنَايَات دلَالَة حَال من الْغَضَب أَو ذكر الطَّلَاق فَهَل تفْتَقر إِلَى النِّيَّة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَا فِي ذكر الطَّلَاق وَقَالَ لم أرده لم يصدق فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ اعتقدي واختاري وأمرك بِيَدِك وَيصدق فِي غَيرهَا
وَقَالَ مَالك جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة مَتى قَالَهَا مبتدئا أَو مجيبا لَهَا على سؤالها الطَّلَاق كَانَت طَلَاقا وَلَا يقبل قَوْله لم أرده
وَقَالَ الشَّافِعِي جَمِيع ذَلِك يفْتَقر إِلَى النِّيَّة مُطلقًا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَالْأُخْرَى لَا يفْتَقر
وَيَكْفِي دلَالَة الْحَال
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق والفراق والسراح صَرِيح لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِن الصَّرِيح عِنْده لفظ وَاحِد وَهُوَ الطَّلَاق وَأما لفظا السراح والفراق فَلَا يَقع بهما طَلَاق عِنْده
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا نوى بهَا الطَّلَاق وَلم ينْو عددا أَو كَانَت جَوَابا عَن سؤالها الثَّلَاث كم يَقع بهَا من الْعدَد فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع وَاحِدَة مَعَ نِيَّته وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الزَّوْجَة مَدْخُولا بهَا لم يقبل مِنْهُ إِلَّا أَن يكون فِي خلع
فَإِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا قبل مَا يَدعِيهِ مَعَ يَمِينه
وَيَقَع مَا يَنْوِي بِهِ أَي إِلَّا فِي أَلْبَتَّة فَإِن قَوْله اخْتلف فِيهَا
فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يصدق فِي أقل من الثَّلَاث وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَقَالَ الشَّافِعِي يقبل مِنْهُ كل مَا يَدعِيهِ فِي ذَلِك من أصل الطَّلَاق وأعداده
وَقَالَ أَحْمد مَتى كَانَ مَعهَا دلَالَة حَال أَو نوى الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث نوى ذَلِك أَو دونه مَدْخُولا بهَا كَانَت أَو غير مَدْخُول بهَا
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الْخفية كاخرجي واذهبي وَأَنت مخلاة وَنَحْو ذَلِك(2/104)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ كالكنايات الظَّاهِرَة
إِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة
وَإِن نوى الثَّلَاث وَقعت
وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد إِن نوى بهَا طَلْقَتَيْنِ كَانَت طَلْقَتَيْنِ
وَاخْتلفُوا فِي لفظ اعْتدي واستبرئي رَحِمك إِذا نوى بهَا ثَلَاثًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع وَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَقَالَ مَالك لَا يَقع هَذَا الطَّلَاق إِلَّا إِذا وَقعت ابْتِدَاء وَكَانَت فِي ذكر طَلَاق أَو فِي غضب فَيَقَع مَا نَوَاه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَقع الطَّلَاق بهَا إِلَّا أَن يَنْوِي بهَا الطَّلَاق
وَيَقَع مَا نَوَاه من الْعدَد فِي الْمَدْخُول بهَا وَإِلَّا فطلقة
وَعند أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يَقع الثَّلَاث
وَالْأُخْرَى أَنه يَقع مَا نَوَاه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أَنا مِنْك طَالِق أَو رد الْأَمر إِلَيْهَا
فَقَالَت أَنْت مني طَالِق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يَقع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يَقع وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة يَقع الثَّلَاث
وَلَو قَالَ لزوجته أَمرك بِيَدِك وَنوى الطَّلَاق وَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن نوى الزَّوْج ثَلَاثًا وَقعت أَو وَاحِدَة لم يَقع شَيْء
وَقَالَ مَالك يَقع مَا أوقعت من عدد الطَّلَاق إِذا أقرها عَلَيْهِ
فَإِن ناكرها أَحْلف وَحسب من عدد الطَّلَاق مَا قَالَه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَقع الثَّلَاث إِلَّا أَن ينويها الزَّوْج
فَإِن نوى دون ثَلَاث وَقع مَا نَوَاه
وَقَالَ أَحْمد يَقع الثَّلَاث سَوَاء نوى الزَّوْج ثَلَاثًا أَو وَاحِدَة
وَلَو قَالَ لزوجته طَلِّقِي نَفسك
فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يَقع شَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يَقع وَاحِدَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّوْج إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق بِأَلْفَاظ متتابعة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث
فَإِن قَالَ ذَلِك للمدخول بهَا
وَقَالَ أردْت إفهامها بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة(2/105)
وَمَالك يَقع الثَّلَاث
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَلَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يَقع وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الصَّبِي الَّذِي يعقل الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَقع
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه يَقع
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السَّكْرَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَقع
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أصَحهمَا يَقع
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا يَقع
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ والكرخي من الْحَنَفِيَّة والمزني وَأَبُو ثَوْر من الشَّافِعِيَّة إِنَّه لَا يَقع
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره وإعتاقه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع الطَّلَاق وَيحصل الْإِعْتَاق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَقع إِذا نطق بِهِ مدافعا عَن نَفسه
وَاخْتلفُوا فِي الْوَعيد الَّذِي يغلب على الظَّن حُصُول مَا توعد بِهِ
هَل يكون إِكْرَاها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ نعم
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهُنَّ كمذهب الْجَمَاعَة
وَالثَّانيَِة لَا
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ
وَالثَّالِثَة إِذا كَانَ بِالْقَتْلِ أَو بِقطع طرف فإكراه وَإِلَّا فَلَا
وَاخْتلفُوا فِي الْإِكْرَاه هَل يخْتَص بالسلطان أم لَا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا فرق بَين السُّلْطَان وَغَيره كلص أَو متغلب
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا يكون إِلَّا الْإِكْرَاه إِلَّا من السُّلْطَان
وَالثَّانيَِة كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالمذهبين
فصل وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق
إِن شَاءَ الله
فَقَالَ مَالك وَأحمد يَقع الطَّلَاق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا يَقع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَبْنِي على الْيَقِين
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ يغلب الْإِيقَاع
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرِيض إِذا طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا ثمَّ مَاتَ من مَرضه الَّذِي طلق فِيهِ(2/106)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تَرث إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط فِي إرثها أَن لَا يكون الطَّلَاق عَن طلب مِنْهَا
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أظهرهمَا الْإِرْث
وَإِلَى مَتى تَرث على قَول من يُورثهَا قَالَ أَبُو حنيفَة تَرث مَا دَامَت فِي الْعدة فَإِن مَاتَت بعد انْقِضَاء عدتهَا لم تَرث
وَقَالَ أَحْمد تَرث مَا لم تتَزَوَّج
وَقَالَ مَالك تَرث وَإِن تزوجت
وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق إِلَى سنة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تطلق فِي الْحَال
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تطلق حَتَّى تنسلخ السّنة
وَاخْتلفُوا فِيمَن طلق وَاحِدَة من زَوْجَاته لَا بِعَينهَا أَو بِعَينهَا ثمَّ أنسيها طَلَاقا رَجْعِيًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن أبي هُرَيْرَة من الشَّافِعِيَّة لَا يُحَال بَينه وَبَين وَطئهَا وَله وَطْء أيتهن شَاءَ
فَإِذا وطىء وَاحِدَة انْصَرف الطَّلَاق إِلَى غير الْمَوْطُوءَة
وَمذهب الشَّافِعِي أَنه إِذا أبهم طَلْقَة بَائِنَة تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ مُبْهما
وَيلْزمهُ التَّعْيِين
وَيمْنَع من قربانهن إِلَى أَن يعين
وَيلْزمهُ ذَلِك على الْفَوْر
فَلَو أبهم طَلْقَة رَجْعِيَّة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه التَّعْيِين فِي الْحَال لِأَن الرَّجْعِيَّة زَوجته
وتستحب عدَّة من عينهَا من حِين اللَّفْظ لَا من وَقت التَّعْيِين
وَقَالَ مَالك يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ
وَقَالَ أَحْمد يُحَال بَينه وبينهن وَلَا يجوز لَهُ وطئهن حَتَّى يقرع بَينهُنَّ فأيتهن خرجت عَلَيْهَا الْقرعَة كَانَت هِيَ الْمُطلقَة
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة
لزمَه طَلْقَة
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَحكي عَن دَاوُد إِن الرجل إِذا قَالَ لزوجته نصفك طَالِق أَو أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة إِنَّه لَا يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَالْفُقَهَاء على خِلَافه
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَهُ أَربع زَوْجَات فَقَالَ زَوْجَتي طَالِق وَلم يعين
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ
وَله صرف الطَّلَاق إِلَى من شَاءَ مِنْهُنَّ
وَقَالَ مَالك وَأحمد يطلقن كُلهنَّ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَبْنِي على الْأَقَل وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور من مذْهبه يغلب الْإِيقَاع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَشَارَ بِالطَّلَاق إِلَى مَا ينْفَصل من الْمَرْأَة فِي السَّلامَة كَالْيَدِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أَضَافَهُ إِلَى أحد خَمْسَة أَعْضَاء الْوَجْه وَالرَّأْس والرقبة وَالظّهْر والفرج وَقع
وَفِي معنى ذَلِك عِنْده الْجُزْء الشَّائِع كالنصف وَالرّبع
قَالَ وَإِن أَضَافَهُ إِلَى مَا(2/107)
ينْفَصل فِي حَال السَّلامَة كالسن وَالظفر وَالشعر لم يَقع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقع الطَّلَاق بِجَمِيعِ الْأَعْضَاء الْمُتَّصِلَة كالإصبع وَأما الْمُنْفَصِلَة كالشعر فَيَقَع بهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَلَا يَقع عِنْد أَحْمد
انْتهى
وَيَنْبَنِي على هَذَا الْخلاف مسَائِل
الأولى رجل قَالَ لامْرَأَته نسَاء الْعَالمين طَوَالِق وَأَنت يَا زَوْجَتي لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
لِأَنَّهُ عطف طَلاقهَا على طَلَاق نسْوَة لَا يَقع طلاقهن قطعا
الثَّانِيَة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق عِنْد موتِي لم تطلق
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر عِنْد موتِي عتق
وَالْفرق أَن للزوجية حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْت
فَلَا تطلق كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد موتِي
وَلَيْسَت الْحُرِّيَّة كَذَلِك
فَإِنَّهُ لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي عتق
الثَّالِثَة طَلْقَة حرمت حَلَالا وَأحلت حَرَامًا وأبطلت مُطَالبَة وأسقطت نَفَقَة وأوجبت نَفَقَة وأفادت مَالا
وأفادت نِكَاحا
فَذَلِك الرجل يُطلق زَوجته قبل الدُّخُول وَهِي ذِمِّيَّة فقيرة وَأُخْتهَا مَمْلُوكَة
وَكَانَ الزَّوْج آلى مِنْهَا وَانْقَضَت مُدَّة الْإِيلَاء
فبطلاقه إِيَّاهَا بطلت الْمُطَالبَة بالفيئة وَسَقَطت نَفَقَتهَا عَنهُ
وَوَجَبَت نَفَقَتهَا على الْمُوسر من وَلَدهَا وَحرمت على زَوجهَا وَحل وَطْء أُخْتهَا وأبيح لَهُ تزوج أُخْتهَا الْحرَّة وأفادت الزَّوْجَة نصف صَدَاقهَا
الرَّابِعَة شخص تكلم بِكَلَام مرّة لم يُؤثر فِي الْحَال
وَإِذا كَرَّرَه أثر فِي الْحَال
وَهُوَ مَا إِذا قَالَ لزوجته إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق لم يَقع بِهِ شَيْء
فَإِذا قَالَه مرَّتَيْنِ وَقع عَلَيْهِ طَلْقَة وَاحِدَة
وَإِن قَالَه ثَلَاثًا وَقع طَلْقَتَانِ وَإِن قَالَه أَرْبعا وَقع ثَلَاث
الْخَامِسَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد شهور وَنوى عددا
فَذَاك وَإِلَّا فَبعد ثَلَاثَة أشهر
وَلَو قَالَ بعد الشُّهُور وَنوى
فعلى مَا نوى من الْعدَد
وَإِن لم ينْو
فَقيل تطلق بعد اثْنَي عشر شهرا
لقَوْله تعلى {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا}
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد أَيَّام فعلى مَا نوى من الْعدَد
وَإِن لم ينْو طلقت بعد ثَلَاثَة أَيَّام
وَقيل تطلق بعد سَبْعَة لقَوْله تَعَالَى {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس}
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد سَاعَات وَنوى
فعلى مَا نوى وَإِن لم ينْو فَبعد ثَلَاث(2/108)
سَاعَات
وَلَو قَالَ بعد السَّاعَات وَنوى عددا
فعلى مَا نوى وَإِن لم ينْو قيل تطلق بعد أَربع وَعشْرين لِأَن ذَلِك كَمَال سَاعَات الْيَوْم وَاللَّيْلَة
السَّادِسَة قَالَ رجل لامْرَأَته إِن كَانَ فِي كمي دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة فَأَنت طَالِق
وَكَانَ فِي كمه أَرْبَعَة
قَالَ أَبُو عبد الله البوشنجي حَدثنِي الرّبيع بن سُلَيْمَان أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا يَقع لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كمه دَرَاهِم هِيَ أَكثر من ثَلَاثَة إِنَّمَا الزَّائِد على الثَّلَاثَة فِي كمه دِرْهَم لَا دَرَاهِم
السَّابِعَة وَقع حجر من سطح
فَقَالَ إِن لم تخبريني من رَمَاه السَّاعَة فَأَنت طَالِق
قَالَ القَاضِي حُسَيْن فَتَقول رَمَاه مَخْلُوق وَلَا تطلق
قَالَ وَإِن قَالَت رَمَاه آدَمِيّ طلقت لاحْتِمَال كَونه كَلْبا أَو ريحًا
كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ
وَأَقُول قد لَا يكون رَمَاه مَخْلُوق بل وَقع بِنَفسِهِ بِإِرَادَة الله تَعَالَى
فقد يُقَال الْخَلَاص أَن تَقول رَمَاه الله تَعَالَى وَلَا يمْتَنع إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ لقَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى}
الثَّامِنَة رجل حلف بِالطَّلَاق لَا أكلم امْرَأَتي قبل أَن تكلمني
فَقَالَت إِن كلمتك فَعَبْدي حر
كَيفَ تصنع قيل إِن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة
فَقَالَ للْحَالِف اذْهَبْ فكلمها وَلَا حنث عَلَيْكُمَا
فَإِنَّهَا لما قَالَت لَك إِن كلمتك فَعَبْدي حر شافهتك بالْكلَام
فانحلت يَمِينك
وَذهب أَصْحَابنَا إِلَى هَذَا مَعَ الْمُوَافقَة عَلَيْهِ
وَخَرجُوا عَلَيْهِ مَا لَو قَالَ لرجل إِن بدأتك بِالسَّلَامِ فَعَبْدي حر
فَقَالَ الآخر إِن بدأتك بِالسَّلَامِ فَعَبْدي حر
فَسلم كل مِنْهُمَا على الآخر دفْعَة وَاحِدَة لم يعْتق عبد وَاحِد مِنْهُمَا لعدم ابْتِدَاء كل وَاحِد
وتنحل اليمينان
فَإِذا سلم أَحدهمَا على الآخر وَلم يعْتق وَاحِد من عبديهما
نَقله الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام
التَّاسِعَة مُسلم قَالَ لزوجته إِن لم أكن من أهل الْجنَّة فَأَنت طَالِق
هَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت لهارون الرشيد فاحتجبت عَنهُ زَوجته
فاستفتى عُلَمَاء عصره فَقَالُوا لَا يَقع عَلَيْك طَلَاق
فَقَالَت لَا أسمع إِلَّا فتيا اللَّيْث بن سعد
فَسئلَ اللَّيْث
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
هَل هَمَمْت بِمَعْصِيَة فَذكرت الله فخفته فتركتها فَقَالَ نعم
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ جنَّة وَاحِدَة بل جنتان
قَالَ الله تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}(2/109)
وَفِي الرَّافِعِيّ أَنَّهَا لَو قَالَت لزَوجهَا أَنْت من أهل النَّار
فَقَالَ إِن كنت من أهل النَّار فَأَنت طَالِق لم تطلق إِن كَانَ الزَّوْج مُسلما لِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة ظَاهرا
الْعَاشِرَة رجل قَالَ إِن لم يكن الشَّافِعِي أفضل من أبي حنيفَة فامرأتي طَالِق
فَقَالَ آخر إِن لم يكن أَبُو حنيفَة أفضل من الشَّافِعِي فامرأتي طَالِق لم تطلق امْرَأَة وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْأَمر فِي ذَلِك ظَنِّي
وَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح
وَلَو قَالَ معتزلي إِن كَانَ الْخَيْر وَالشَّر من الله فامرأتي طَالِق
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ إِن لم يَكُونَا من الله فامرأتي طَالِق طلقت امْرَأَة المعتزلي
لِأَن خطأه قَطْعِيّ بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا
الْحَادِيَة عشرَة رجل قَالَ إِن مَضَت امْرَأَتي مَعَ أمتِي إِلَى السُّوق فَهِيَ طَالِق طَلَاقا وَإِن مَضَت أمتِي مَعَ امْرَأَتي إِلَى السُّوق فَهِيَ حرَّة
فمضتا جَمِيعًا فِي حَالَة وَاحِدَة
قَالَ الجيلي إِذا مَضَت الْمَرْأَة وَالْأمة فِي خدمتها أَو مرافقتها فِي الطَّرِيق حصلت الصفتان
فَتطلق وتعتق وَإِن اتّفق خروجهما مَعًا من غير توَافق واستخدام بل على سَبِيل الِاتِّفَاق لم يَقع الطَّلَاق
الثَّانِيَة عشرَة قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار وَالْحمام فَأَنت طَالِق
فَدخلت الأولى وَقعت طَلْقَة وانحلت الْيَمين فَلَا يَقع بِالثَّانِيَةِ شَيْء
وَلَو قَالَ أَنْت إِن دخلت الدَّار طَالقا
وَاقْتصر عَلَيْهِ
قَالَ فِي التَّهْذِيب إِن قَالَ نصبت على الْحَال وَلم أتم الْكَلَام
قبل مِنْهُ وَلم يَقع شَيْء
وَإِن أَرَادَ مَا يُرَاد عَن الرّفْع ولحن
وَقع الطَّلَاق إِن دخلت الدَّار
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق مَرِيضَة بِالنّصب لم تطلق إِلَّا فِي حَال الْمَرَض
فَلَو رفع
فَقيل تطلق فِي الْحَال حملا على أَن مَرِيضَة صفة
وَاخْتَارَ ابْن الصّباغ الْحمل على الْحَال النَّحْوِيّ
وَإِن كَانَ لحنا فِي الْإِعْرَاب
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وتعليل الأول بِكَوْنِهِ صفة ضَعِيف بل الْأَقْرَب جعله خَبرا آخر
الثَّالِثَة عشرَة امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا سَمِعت أَو قَالَ لي شخص إِنَّك فعلت كَذَا
فَقَالَ إِن لم تقولي لي من قَالَ لَك فَأَنت طَالِق
وَلم يكن قَالَ لَهَا أحد
وَلَا سَمِعت من أحد لَا يَقع الطَّلَاق
لِأَنَّهُ يعْتَقد أَن أحدا قَالَ لَهَا فعلق على محَال
الرَّابِعَة عشرَة رجل قَالَ لامْرَأَته وَهِي فِي نهر جَار إِن خرجت من هَذَا المَاء(2/110)
فَأَنت طَالِق
لم تطلق سَوَاء خرجت أَو لم تخرج لِأَنَّهُ جرى وانفصل
الْخَامِسَة عشرَة ملك كَانَ يلْعَب بالكرة
فَوَقَعت فِي جوزته
فَحلف لَا يُخرجهَا هُوَ وَلَا غَيره وَلَا بُد أَن تخرج كَيفَ يصنع الْجَواب يصب المَاء فِي تِلْكَ الجوزة فيفيض المَاء فَتخرج الكرة بِنَفسِهَا وَلَا حنث عَلَيْهِ
السَّادِسَة عشرَة لَو قَالَ لزوجته إِن لم أقل لَك مثل قَوْلك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَت الْمَرْأَة لزوحها أَنْت طَالِق ثَلَاثًا
فَالْحِيلَةُ فِيهِ كَيْلا يَقع الطَّلَاق أَن يَقُول لَهَا أَنْت قلت لي أَنْت طَالِق ثَلَاثًا
وَبِذَلِك لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ ذكره على وَجه الْحِكَايَة
وَإِن كَانَت الْمَرْأَة تخرج من دارها
وَحلف الزَّوْج بِطَلَاقِهَا أَن لَا تخرج إِلَّا بِإِذْنِهِ وخشي أَن تخرج بِغَيْر إِذْنه عِنْد الْغَضَب فَلَو احتال وَأذن لَهَا من حَيْثُ لَا تعلم فَخرجت بعد ذَلِك لم يَحْنَث
فَإِن كَانَ الْحلف عِنْد شُهُود
فَيَأْذَن عِنْد الشُّهُود ويشهدهم على إِذْنه
فَإِن كَانَ قَالَ كلما خرجت إِلَّا بإذني يَقُول قد أَذِنت لَهَا أَن تخرج كلما أَرَادَت
نُكْتَة حكى أَن رجلا حلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَنه لَا بُد أَن يزن فيلا كَانَ قد قدم إِلَى الْبَصْرَة
فعجز عَن وَزنه
فَسَأَلَ عليا عَن ذَلِك فَقَالَ أنزلوا الْفِيل إِلَى سفينة كَبِيرَة
وَعَلمُوا أَيْن يصل المَاء من جانبيها ثمَّ أخرجُوا الْفِيل واطرحوا فِي السَّفِينَة حِجَارَة حَتَّى يلْحق المَاء الْعَلامَة فَمَا كَانَ وزن الْحِجَارَة فَهُوَ وزن الْفِيل
فَائِدَة رُوِيَ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه جِيءَ بِرَجُل إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ حلف فَقَالَ امْرَأَته طَالِق إِن لم يَطَأهَا فِي شهر رَمَضَان نَهَارا
فَقَالَ يُسَافر بهَا ثمَّ يَطَؤُهَا نَهَارا
اسْتِدْرَاك اعْلَم أَن الْحُرُوف الَّتِي تسْتَعْمل فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالصِّفَاتِ سَبْعَة إِن وَإِذا وَمَتى وَمَتى مَا وَأي وَقت وَأي حِين وَأي زمَان دَخلهَا الْعِوَض أَو لم يدْخل
وَإِن وَإِذا على طَرِيقين وَإِن دَخلهَا الْعِوَض أَعنِي هَذِه الأحرف
ف إِن فورية وَمَتى متراخية وَإِذا على وَجْهَيْن
ويجمعهما بيتان قَالُوا التَّعَالِيق فِي الْأَسْبَاب وَاسِعَة إِلَّا بخلع وَإِلَّا بالمسيئات أَو مازجت حرف نفي فَهِيَ فورية إِلَّا بإن فَهِيَ فِي نفي كإثبات
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور وللطلاق عمد ذكر الْمُطلق والمطلقة وأنسابهما
وَإِقْرَار الْمُطلق أَنه طَلقهَا مواجها لَهَا إِذا كَانَت حَاضِرَة وَتَعْيِين الطَّلَاق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَصِحَّة الْعقل(2/111)
وَالْبدن وَذكر الدُّخُول بهَا والإصابة إِن كَانَ كَذَلِك
وَذكر عدم الدُّخُول والإصابة إِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهما
والتاريخ
وَأما الصُّور فَمِنْهَا صُورَة إِيقَاع طَلَاق على غير عوض أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه أوقع على زَوجته فُلَانَة الطَّلَاق الثَّلَاث فِي يَوْم تَارِيخه بعد الدُّخُول بهَا والإصابة حرمت عَلَيْهِ بذلك
فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وصدقته على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ أقرّ فلَان أَنه فِي يَوْم تَارِيخه أوقع على زَوجته فُلَانَة طَلْقَة أولى أَو ثَانِيَة رَجْعِيَّة من غير عوض أَو رَجْعِيَّة تكون فِيهَا فِي عدَّة مِنْهُ إِلَى انْقِضَائِهَا وَهُوَ مَالك رَجعتهَا مَا لم تنقض عدتهَا
فَإِذا انْقَضتْ ملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
وَصَارَت بعد ذَلِك لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا وَلَا يملك رَجعتهَا إِلَّا بأمرها وإذنها ورضاها
وصدقته على ذَلِك
وأقرت أَنَّهَا فِي طهر ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق الْمسند أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من مُدَّة شهر أَو شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة أَو أقل من ذَلِك أَو أَكثر تقدم على تَارِيخه أوقع على زَوجته فُلَانَة طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى رَجْعِيَّة من غير عوض
بعد الدُّخُول بهَا والإصابة وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى مُضِيّ الْمدَّة الْمَذْكُورَة الْوَاقِع طَلَاقه عَلَيْهَا فِي ابتدائها بَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
واعترف أَنه لم يُرَاجِعهَا من ذَلِك الْوَقْت إِلَى الْآن
وصدقها عل انْقِضَاء عدتهَا التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ أَو وَهِي مَدِينَة بِانْقِضَاء عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاث يحلفها على ذَلِك إِذْ لَا يعرف ذَلِك إِلَّا من قبلهَا على مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف ويوجبه ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق على الْعِوَض وَيكْتب على ظهر الصَدَاق سَأَلت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فلَان الْمَذْكُور مَعهَا بَاطِنه أَن يطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى أَو ثَالِثَة على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا
وَقدره كَذَا وَكَذَا على مبلغ كَذَا من جملَة صَدَاقهَا عَلَيْهِ
فأجابها إِلَى سؤالها وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَإِن كَانَت ثَالِثَة فَيَقُول حرمت عَلَيْهِ بذلك
فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة
ويذيل بِإِقْرَار بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق
ويؤرخ
وَإِن كَانَ الطَّلَاق قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة كتب وَأَن شطر صَدَاقهَا عَلَيْهِ الشَّاهِد بِهِ كتاب الزَّوْجِيَّة بَينهمَا الْمعِين بَاطِنه الَّذِي سلم لَهَا عَلَيْهِ بِحكم الطَّلَاق(2/112)
المشروح فِيهِ وَعدم الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا بَاقٍ لَهَا فِي ذمَّته إِلَى يَوْم تَارِيخه لم تَبرأ ذمَّته من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة قبضت الصَدَاق جَمِيعه قبل الطَّلَاق
فتعيد إِلَيْهِ النّصْف مِنْهُ
وَيكْتب بعد صُدُور الطَّلَاق ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا أعادت فُلَانَة الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة فِيهِ لمطلقها فلَان الْمَذْكُور مَعهَا فِيهِ مَا سلم لَهُ من مبلغ الصَدَاق الْمعِين بَاطِنه قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَبعد الطَّلَاق وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فاستعاده مِنْهَا استعادة شَرْعِيَّة
وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره
وَصُورَة الطَّلَاق قبل الدُّخُول سَأَلت فُلَانَة زَوجهَا فلَان أَن يطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة أولى
قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى على شطر صَدَاقهَا السَّالِم لَهَا عَلَيْهِ قبل الدُّخُول
فأجابها إِلَى سؤالها وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك أَو حرمت عَلَيْهِ بذلك
وحلت للأزواج
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
والطلقة إِذا وَقعت قبل الدُّخُول وَقعت بَائِنا
لَا يملك رَجعتهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذن وَليهَا الشَّرْعِيّ
وَصُورَة الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة إِذا صيرها بهَا بَائِنا على مَذْهَب أبي حنيفَة أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه طلق زَوجته فُلَانَة الَّتِي اعْترف أَنَّهَا الْآن فِي عصمته وَعقد نِكَاحه الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة الْفُلَانِيَّة بعد الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة ثمَّ بعد ذَلِك أشهد عَلَيْهِ أَنه صيرها بَائِنا على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء فَإِذا أَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا من ذَلِك بِغَيْر إِذْنهَا على مَذْهَب الشَّافِعِي
فَلَا بُد من استئذانها لحَاكم شَافِعِيّ يعقده بِإِذْنِهَا وَإِذن وَليهَا الشَّرْعِيّ ويتلفظ الزَّوْج بالرجعة وَيحصل الْإِقْرَار بهَا
وَيحكم الْحَاكِم الشَّافِعِي بِصِحَّة ذَلِك على مُقْتَضى مذْهبه خوفًا من بُطْلَانه عِنْد من يرى بُطْلَانه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بجريان عقد النِّكَاح المشروح بَاطِنه وَالرَّجْعَة من الطَّلقَة المشروحة بَاطِنه وصدورها من الْمُطلق الْمَذْكُور فِي زمن الْعدة عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ وَحلف الزَّوْج المراجع الْمَذْكُور أَن ذَلِك صدر على الحكم المشروح فِيهِ وَأَن الرّجْعَة صدرت قبل انْقِضَاء الْعدة على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَثَبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ سَأَلَهُ(2/113)
من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه وبصحة الرّجْعَة من الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة بِغَيْر إِذن الزَّوْجَة
فَأجَاب سُؤَاله
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك وبصحة الرّجْعَة من الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة بِغَيْر إِذن الزَّوْجَة حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن حكم بذلك حَاكم حَنَفِيّ فَلَا تبقى رَجْعَة وَلَا يعْمل فِي ذَلِك إِلَّا على مُقْتَضى مَذْهَب أبي حنيفَة
وَصُورَة الحكم بذلك على مُقْتَضى مذْهبه لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين بَاطِنه وبالطلاق المشروح فِيهِ على الحكم المشروح فِيهِ عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ
سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت الطَّلقَة الْمَذْكُورَة وصيرورتها بَائِنا بِحَيْثُ لَا تحل لَهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا بالشرائط الشَّرْعِيَّة
وأجراها من الطَّلَاق الْبَائِن غير الطَّلَاق الثَّلَاث
فَأجَاب السَّائِل إِلَى ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك
وَمن مُوجبه صيرورتها بَائِنا على مُقْتَضى مذْهبه حكما شَرْعِيًّا مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِذا عقده عَاقد حَنَفِيّ من غير حكم
فيحتاط ويعقد بِالْإِذْنِ بالشرائط
وَيُرَاجع بَينهمَا
كَمَا سبق
ويحتاط الْعَاقِد الشَّافِعِي
فيراجع بَينهمَا ثمَّ يجدد النِّكَاح بِالْإِذْنِ من الزَّوْجَة بالشرائط الشَّرْعِيَّة وَأَن يكون ذَلِك فِي زمن الْعدة
أما إِذا انْقَضتْ الْعدة من غير رَجْعَة
فقد صَارَت بَائِنا على كل حَال
وارتفع الْخلاف
وَصُورَة الطَّلَاق بسؤال من غير الزَّوْجَة من أَب أَو غَيره سَأَلَ فلَان فلَانا أَن يُطلق ابْنَته فُلَانَة على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَقدره كَذَا وَكَذَا
فَأجَاب إِلَى سُؤَاله وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك
وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
فَإِن اتَّفقُوا على الْحِوَالَة كتب كَمَا تقدم فِي الْخلْع
وَإِن كَانَت بَالِغَة رَشِيدَة قبلت الْحِوَالَة لنَفسهَا
وَإِن كَانَت محجورة أَبِيهَا
فَيقبل لَهَا الْحِوَالَة
وَاسْتِيفَاء ألفاظها الْمُعْتَبرَة فِي صِحَّتهَا بَرِئت بذلك ذمَّة الْمُحِيل الْمَذْكُور من جَمِيع مبلغ الصَدَاق الْمعِين فِيهِ
وَذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ من الْقدر المسؤول عَلَيْهِ
وَاسْتقر فِي ذمَّة السَّائِل لابنته الْمَذْكُورَة استقرارا شَرْعِيًّا(2/114)
هَذَا إِذا كَانَت الْمُطلقَة بَالِغَة عَاقِلَة حَاضِرَة
فَإِن كَانَت غَائِبَة
فَيَقُول قبلهَا لَهَا من جَازَ قبُوله شرعا أَو قبلهَا لَهَا وكيلها الشَّرْعِيّ فلَان قبولا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا كَانَت الزَّوْجَة فِي سُؤال الزَّوْج فِي الطَّلَاق على الصَدَاق
ووكل الزَّوْج فِي إِجَابَة سُؤال السَّائِل وإيقاع الطَّلَاق وَقبل الْعِوَض سَأَلَ فلَان وَكيل فُلَانَة فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ فعله فِيهِ بِمُقْتَضى كتاب التَّوْكِيل المتضمن لذَلِك وَلغيره الْمحْضر بشهوده المؤرخ بَاطِنه بِكَذَا الثَّابِت مضمونه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ المؤرخ بِكَذَا فلَانا وَكيل زوج الموكلة الْمَذْكُورَة هُوَ فلَان فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ فعله فِيهِ بِمُقْتَضى الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة كَمَا تقدم ثمَّ يَقُول أَن يُطلق الموكلة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة أَو ثَالِثَة على جَمِيع مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَقدره كَذَا وَكَذَا بعد الدُّخُول بهَا والإصابة أَو على نصف صَدَاقهَا السَّالِم لَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا قبل الدُّخُول بهَا والإصابة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وطلق الموكلة الْمَذْكُورَة عَن مُوكله الْمَذْكُور على الْعِوَض الْمَذْكُور
وَقبل الْقدر المسؤول عَلَيْهِ لمُوكلِه الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا بَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويؤرخ
فصل فِي التَّعْلِيق
وَهُوَ جَائِز
وَلَا يجوز الرُّجُوع فِيهِ
وَلَا يَقع قبل الشَّرْط
وَلَا يحرم الْوَطْء قبله
وَلَو قَالَ عجلت تِلْكَ الصّفة الْمُعَلقَة لم يعجل
كَمَا لَو نذر صَوْم يَوْمَيْنِ مُعينين
وَإِذا علقه بِصفة مستحيلة عرفا كَإِن صعدت السَّمَاء أَو عقلا
كَإِن أَحييت مَيتا لم يَقع فِي الْأَصَح
وَقد سبق ذكر أدوات التَّعْلِيق
وَمِنْهَا مهما وَكلما وَلَا تَكْرِير إِلَّا فِي كلما
وَصُورَة تَعْلِيق الطَّلَاق بِصفة قَالَ فلَان مَتى غبت عَن زَوْجَتي فُلَانَة مُدَّة كَذَا وَكَذَا وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة
وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين من شُهَدَاء الْمُسلمين أَو تعينهما أَو غَيرهمَا من الْعُدُول وأحضرت مَعهَا مُسلمين وأخبرت أَنِّي غبت عَنْهَا الْمدَّة الْمُعَلق طَلاقهَا عَلَيْهَا
وَهِي كَذَا وَكَذَا وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وصدقها المسلمان على ذَلِك وأبرأت ذِمَّتِي من كَذَا وَكَذَا من جملَة صَدَاقهَا عَليّ كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أَو ثَانِيَة تملك بهَا نَفسهَا واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
وصدقته على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
قَالَ ذَلِك بِصَرِيح لَفظه
ويؤرخ
أَو يَقُول علق فلَان طَلَاق زَوجته فُلَانَة بِأَن قَالَ بِصَرِيح لَفظه مَتى حضرت زَوْجَتي فُلَانَة إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأبرأتني من صَدَاقهَا عَليّ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أَو ثَانِيَة أَو ثَالِثَة
واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/115)
أَو يَقُول قَالَ فلَان بِصَرِيح لَفظه مَتى سَافَرت عَن زَوْجَتي فُلَانَة إِلَى فَوق مَسَافَة الْقصر وَعلمت بسفري وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأخبرتهما بذلك وأحضرت مَعهَا مُسلمين وصدقاها على ذَلِك
وأبرأتني من مبلغ صَدَاقهَا عَليّ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَو من دِرْهَم وَاحِد من مبلغ صَدَاقهَا عَليّ
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة
أَو مَتى سَافَرت عَن زَوْجَتي فُلَانَة من بلد كَذَا واستمرت غيبتي عَنْهَا مُدَّة كَذَا وَكَذَا من ابْتِدَاء سَفَرِي عَنْهَا
وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا منفق شَرْعِي
وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأحضرت مَعهَا من يصدقها على ذَلِك وأبرأتني من كَذَا وَكَذَا
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة
أَو مَتى تزوجت على زَوْجَتي فُلَانَة أَو تسريت عَلَيْهَا أَو غير ذَلِك من الْأَنْوَاع الَّتِي يَقع اتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهَا
وَصُورَة مَا إِذا وَقعت الصّفة الْمُعَلق عَلَيْهَا
وَجَاءَت الْمَرْأَة تطلب الْإِشْهَاد عَلَيْهَا بِالْإِبْرَاءِ وتختار وُقُوع الطَّلَاق
بعد أَن علق الزَّوْج الْمَذْكُور بَاطِنه طَلَاق زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة مَعَه بَاطِنه على الصّفة المشروحة فِي فصل التَّعْلِيق المسطر فِيهِ حضرت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِيهِ إِلَى شاهديه الواضعين خطهما آخِره
وأحضرت مَعَهُمَا كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان
وصدقاها على وجود الصّفة الْمُعَلق عَلَيْهَا من السّفر أَو الْغَيْبَة أَو غير ذَلِك
وأبرأته من جَمِيع صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين فِيهِ أَو من كَذَا وَكَذَا من جملَة مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين فِيهِ بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط
طلقت مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَالْأَمر فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف
وَفِي صُورَة تَعْلِيق الطَّلَاق على الْغَيْبَة لَا بُد من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة عِنْد حَاكم
وَصُورَة الثُّبُوت فِي ذَلِك لما قَامَت الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين بَاطِنه وهما فلَان وفلانة على الحكم المشروح بَاطِنه وغيبة الزَّوْج الْمَذْكُور الْمدَّة الْمُعَلق عَلَيْهَا الْمَذْكُورَة بَاطِنه وتصديق الْمُسلمين وبلفظ الزَّوْجَة بِالْبَرَاءَةِ الْمُعَلق عَلَيْهَا الطَّلَاق المشروح فِيهِ عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه
فَأجَاب إِلَى ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره أَو تثبت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة ويكمل التَّعْلِيق من غير ثُبُوت(2/116)
حَاكم
لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَّا إِلَى ثُبُوت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة
وَمَا تثبت الْغَيْبَة حَتَّى يثبت جَرَيَان عقد النِّكَاح لينبني على صِحَة لفظ الزَّوْج وتعليقه
لِأَن التَّعْلِيق فرع الزَّوْجِيَّة
تَنْبِيه إِذا طلق الرجل زَوجته دون الطلقات الثَّلَاث وَتَزَوَّجت بِغَيْرِهِ
ثمَّ طَلقهَا وعادت للْأولِ
فعلى مَذْهَب الشَّافِعِي تعود إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من عدد الطَّلَاق فَإِن كَانَ قد طَلقهَا وَاحِدَة فتعود إِلَيْهِ بطلقتين
وَمذهب الْغَيْر تعود وَيملك عَلَيْهَا الطَّلَاق الثَّلَاث كَالنِّكَاحِ الأول
لِأَن النِّكَاح عِنْده بِغَيْر الْمُطلق يهدم
وَمَا رَأَيْت فِي زَمَاننَا هَذَا من يعْمل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
مَسْأَلَة إِذا عتقت تَحت عبد لَهَا الْفَسْخ إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة
وَهِي أَن سَيِّدهَا يملكهَا وَقيمتهَا مائَة وصداقها على زَوجهَا مائَة وسيدها يملك مائَة ووصى سَيِّدهَا بِعتْقِهَا
وَالزَّوْج لم يدْخل بهَا
وَمَات سَيِّدهَا
فَإِن اخْتَارَتْ الْفَسْخ سقط الْمهْر لِأَن الْفَسْخ من جِهَتهَا
وَإِذا سقط الْمهْر صَار بَعْضهَا رَقِيقا
فَلَا يجوز لَهَا الْفَسْخ
وَهَذِه من مسَائِل الدّور
فَإِذا آل الْأَمر إِلَى ثُبُوت بَقَائِهَا تَحت الزَّوْج وَالْحَالة هَذِه كتب لما قَامَت الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين فِيهِ وهما فلَان وفلانة وَوَصِيَّة فلَان سيد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بِعتْقِهَا
ووفاة الْمُوصي الْمَذْكُور إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَقِيمَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَهِي مائَة دِرْهَم وَأَن المخلف عَن الْمُوصي الْمَذْكُور جَمِيعه مائَة دِرْهَم عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بشرائطه الشَّرْعِيَّة وأعذر فِي ذَلِك لمن لَهُ الْإِعْذَار
وَثَبت الْإِعْذَار لَدَيْهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وتصادق الزَّوْجَانِ الْمَذْكُورَان فِيهِ على عدم الدُّخُول والإصابة بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد بِثُبُوت ذَلِك
وَالْحكم بِمُوجبِه وإبقاء الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِي عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور من غير جَوَاز فسخ بِحكم صُدُور مَا شرح فِيهِ
فَأجَاب السَّائِل لذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِذا عتقت الْجَارِيَة فِي غير هَذِه الصُّورَة
وَهِي متزوجة بِعَبْد
وأرادت فسخ نِكَاحهَا من عصمته بِحكم الْعتْق
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان مُعتق الزَّوْجَة فُلَانَة وَالزَّوْجَة الْمُعتقَة الْمَذْكُورَة وَزوجهَا فلَان
وَادعت الزَّوْجَة على زَوجهَا الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا تزويجا(2/117)
شَرْعِيًّا وَهِي رقيقَة وَأَنَّهَا عتقت
وَصَارَت حرَّة من حرائر المسلمات
وَأَن زَوجهَا رَقِيق إِلَى الْآن وَلم ترض بالْمقَام مَعَه
واختارت فسخ نِكَاحهَا من عصمته وَعقد نِكَاحه
وتسأل سُؤَاله
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا وَسَأَلَ الْمُعْتق الْمَذْكُور عَن الْعتْق فاعترف بِصِحَّتِهِ ثمَّ خَيرهَا الْحَاكِم بَين الْإِقَامَة مَعَه من غير فسخ
ووعظها ووعدها الْأجر إِن صبرت
فَأَبت إِلَّا ذَلِك
فَحِينَئِذٍ مكنها الْحَاكِم من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور
فَقَالَت بِصَرِيح لَفظهَا فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي فلَان الْمَذْكُور فسخا شَرْعِيًّا
ثمَّ بعد ذَلِك سَأَلت الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك
فَأجَاب سؤالها وَحكم بِمُوجب ذَلِك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غيبَة الْمُعْتق
فتقوم الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح وبالعتق والإعذار لمن لَهُ الْإِعْذَار
وَحلف الزَّوْجَة أَنَّهَا لم ترض بِالْإِقَامَةِ فِي صُحْبَة زَوجهَا الْمَذْكُور بعد الْعتْق
وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور بِهَذَا الْمُقْتَضى
وَيثبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم وَيحكم بِمُوجبِه
وَإِن كَانَ الْفَسْخ بِعَيْب حدث بعده وَإِلَّا فمهر الْمثل
فصل إِذا جعل طَلَاق زَوجته بِيَدِهَا
فَهُوَ تمْلِيك وَشَرطه الْفَوْرِيَّة
وَصورته قَالَ فلَان لزوجته الْمَذْكُورَة بَاطِنه جعلت طَلَاقك بِيَدِك
فطلقي نَفسك بِمَا اخْتَرْت من عدد الطَّلَاق الثَّلَاث أَو يعين لَهَا طَلْقَة بِعَينهَا
فأجابت سُؤَاله على الْفَوْر
وَقَالَت بِصَرِيح لَفظهَا طلقت نَفسِي طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو أَكثر بِحكم أَنَّك جعلت إِلَى ذَلِك أَو ملكتني إِيَّاه
وَقد حصل لي بذلك الْفِرَاق من عصمتك وَعقد نكاحك
وصرت بِمُقْتَضى ذَلِك أَجْنَبِيَّة مِنْك لَا نِكَاح بَيْننَا وَلَا زوجية
وَذَلِكَ بعد اعترافهما بِالدُّخُولِ والإصابة وَإِن كَانَ ثمَّ أَوْلَاد فيذكرهم
أَو كَانَ الْأَمر قبل الدُّخُول فَيكْتب كَذَلِك ثمَّ يَقُول وَالْأَمر بَينهمَا فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف
وَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك مَتى شِئْت
فَذَلِك لَا يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّة
وَله الرُّجُوع قبل التَّطْلِيق مِنْهَا
فصل وَالِاسْتِثْنَاء
يضر فِيهِ تخَلّل يسير على الصَّحِيح لَا سكتة تنفس وعي
وَيشْتَرط نِيَّة الِاسْتِثْنَاء بِأول الْكَلَام فِي الْأَصَح
لِأَن هَذَا هُوَ الْعرف فِي الِاسْتِثْنَاء
فَإِن انْفَصل لضيق نفس كَانَ كالمتصل لِأَنَّهُ انْفِصَال بِعُذْر
وَمَتى تعْتَبر النِّيَّة فِيهِ وَجْهَان(2/118)
أَحدهمَا تعْتَبر من أول الْكَلَام إِلَى آخِره
لِأَن الطَّلَاق يَقع بِجَمِيعِ اللَّفْظ
وَالثَّانِي إِذا نوى قبل الْفَرَاغ من الْكَلَام
صَحَّ لِأَن النِّيَّة قد وجدت مِنْهُ قبل الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا بِهِ
وَسَوَاء فِيمَا ذكر فِي الِاسْتِثْنَاء إِلَّا وَأَخَوَاتهَا وَالتَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وَسَائِر التعليقات
وَيشْتَرط عدم استغراقه
فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ طلقت وَاحِدَة أَو قَالَ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا طلقت ثَلَاثًا
تذييل سُئِلَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام عَالم الْحجاز جمال الدّين بن ظهيرة الْقرشِي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عَن قَول الرجل لامْرَأَته مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي أَو إِذا وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق
وَهَذِه مَسْأَلَة الدّور الْمَشْهُورَة بالسريجية
وَهل لَهُ مخلص مِنْهَا إِذا قُلْنَا بِصِحَّة الدّور فَأجَاب بِأَن مآخذ الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَابِتَة الْبُنيان وَاضِحَة الْبُرْهَان مشيدة الْأَركان
وَلكُل مَسْلَك محجة ولعمري لقد دارت فِيهَا الرؤوس وانفحمت فِيهَا أكباد الفحول فِي الدُّرُوس وسئمت من دورانها النُّفُوس
فَإِذا قَالَ لامْرَأَته إِذا طَلقتك أَو مهما طَلقتك
فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا
فَالْمَذْهَب فِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء وَهُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن سُرَيج وَإِلَيْهِ ذهب ابْن الْحداد والقفال الشَّاشِي والقفال الْمروزِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَالرُّويَانِيّ
وَبِه أجَاب الْمُزنِيّ والمتتور
وَحَكَاهُ صَاحب لإفصاح عَن نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ الإِمَام وَعَلِيهِ مُعظم الْأَصْحَاب
وَنقل فِي الْبَحْر عَن القَاضِي أبي الطّيب أَن للشَّافِعِيّ مصنفا اقْتصر فِيهِ على عدم الْوُقُوع
وَاقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا أَبُو حَامِد الْقزْوِينِي فِي كتاب الْحِيَل
وَصَححهُ الشَّاشِي فِي الْمُعْتَمد
وَكَانَ ابْن الْخَلِيل شَارِح التَّنْبِيه يُفْتِي بِهِ بِبَغْدَاد كَمَا نقل عَنهُ ابْن خلكان فِي تَارِيخه وَعمِلُوا بِصِحَّة الدّور لِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُنجز لوقع قبله ثَلَاثًا وَإِذا وَقع الثَّلَاث قبله لَا يَقع الْمُنجز للبينونة
الْوَجْه الثَّانِي يَقع الْمُنجز فَقَط وَلَا يَقع الْمُعَلق وَلَا شَيْء مِنْهُ
وَهُوَ اخْتِيَار صَاحب التَّلْخِيص وَالشَّيْخ أبي مزِيد وَابْن الصّباغ
وَصَاحب التَّتِمَّة والشريف نَاصِر الدّين الْعمريّ وَاخْتَارَهُ الْغَزالِيّ
وصنف فِيهِ مصنفا
سَمَّاهُ علية الْغَوْر فِي دراية الدّور ثمَّ رَجَعَ عَنهُ
وصنف تصنيفا فِي إِبْطَاله سَمَّاهُ الْغَوْر فِي الدّور وَاخْتَارَ فِيهِ وُقُوع الْمُنجز
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَيُشبه أَن يكون بِهِ أولى
وَصَححهُ فِي الشَّرْح الصَّغِير(2/119)
وَكَلَام الْفَقِيه نجم الدّين بن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة وَالْمطلب يمِيل إِلَيْهِ
وَبِه أفتى الْمُتَأَخّرُونَ
وَالْعَمَل عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان
وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي التَّصْحِيح
وَفِي الْمِنْهَاج تبعا للمحرر
وَنقل عَن ابْن سُرَيج تَصْحِيحه فِي نَظِير الْمَسْأَلَة
وعللوه بِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُعَلق لمنع وُقُوع الْمُنجز
فَإِذا لم يَقع الْمُنجز فَيَقَع
وَقد يتَخَلَّف الْجَزَاء عَن الشَّرْط بِأَسْبَاب
وَشبه بِمَا إِذا أقرّ الْأَخ بِابْن للْمَيت ثَبت النّسَب دون الْإِرْث
قَالَ فِي التَّتِمَّة وَإِنَّمَا لم يَقع الْمُعَلق لاستحالته لفظا وَمعنى
أما اللَّفْظ فَلِأَن قَوْله مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي شَرط
وَقَوله فَأَنت طَالِق قبله جَزَاء وَالْجَزَاء يجب أَن يكون مُرَتبا على الشَّرْط
وَبَيَانه أَنه لَو قَالَ لَو جئتني أكرمتك قبل أَن تَجِيء لم يكن كلَاما
وَمن جِهَة الْمَعْنى أَن الْمَشْرُوط لَا يثبت قبل شَرطه
وَإِذا أوقعنا الَّذِي قبله أوقعنا الْمَشْرُوط قبل شَرطه
وَأَيْضًا فَإِن مَا قبل الزَّمَان الَّذِي يتَلَفَّظ فِيهِ بِالطَّلَاق زمَان مَاض
وَالزَّوْج لَا يملك إِيقَاع الطَّلَاق فِيمَا مضى حَتَّى لَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق أمس
فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال
وَالْجمع بَين الْجَزَاء وَالشّرط شَرط
وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ هُنَا
كالمتضادين تبطل التَّعْلِيق ضَرُورَة
وَإِذا بَطل التَّعْلِيق وَقع الْمُنجز
وَهَذَا
قَالَ أَبُو الْفَتْح البَجلِيّ لَو صَحَّ هَذَا التَّعْلِيق وَقع مِنْهُ محَال وتمليك أَربع طلقات لِأَنَّهُ علق ثَلَاث طلقات على وجود طَلْقَة
وَالثَّلَاث غير تِلْكَ الْوَاحِدَة
وَلَا بُد أَن يكون الشَّرْط وَالْجَزَاء كِلَاهُمَا مملوكان لَهُ
وَهنا لَا يملكهما
فَأشبه مَا لَو علق طَلَاق زَوجته على نِكَاحهَا
وَوَجهه ابْن الصّباغ بِأَن وُقُوع الْمُنجز شَرط فِي وُقُوع الثَّلَاث وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَشْرُوط على الشَّرْط
وَلَو كَانَ كَذَلِك لبطل كَونه شرطا
وَقد ذكر أَصْحَابنَا مَا يدل عَلَيْهِ
فَقَالُوا لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق الْيَوْم إِذا جَاءَ غَد
فَإِنَّهَا لَا تطلق إِذْ لَا يَصح وُقُوعه قبل الشَّرْط
فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان التَّعْلِيق وَوُقُوع الْمُنجز
الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه يَقع عَلَيْهِ ثَلَاث طلقات وَفِيه تنزيلان
أظهرهمَا تقع الطَّلقَة المنجزة وطلقتان من الثَّلَاث الْمُعَلقَة
وَالثَّانِي يَقع الثَّلَاث المعلقات وَلَا تقع المنجزة فَكَأَنَّهُ قَالَ مَتى تلفظت بأنك طَالِق
فَأَنت طَالِق قبلهَا ثَلَاثًا
وَإِذا تقرر ذَلِك
فَاعْلَم أَن بَاب الطَّلَاق لَا ينسد على القَوْل الثَّانِي وَلَا على القَوْل(2/120)
الثَّالِث
وَإِنَّمَا ينسد على القَوْل الأول
فَإِذا أَرَادَ الزَّوْج التَّخَلُّص من التَّعْلِيق وَأَرَادَ أَن يَقع الطَّلَاق وَقُلْنَا بِصِحَّة الدّور أَنه لَا يَقع عَلَيْهِ طَلَاق منجز وَلَا مُعَلّق نظر
فَإِن كَانَ صِيغَة التَّعْلِيق إِن طَلقتك أَو مهما طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فطريقه أَن يُوكل شخصا فِي طَلاقهَا
فَإِذا طَلقهَا وَكيله وَقع لِأَن طَلَاق الْوَكِيل وُقُوع لَا تَعْلِيق
وَكَذَا لَو كَانَ قَالَ لَهَا قبل ذَلِك إِن فعلت كَذَا فَأَنت طَالِق فَإِذا أَرَادَ الْوُقُوع يتحيل فِي وُقُوع الصّفة
فَإِذا وجدت الصّفة وَقع الطَّلَاق لِأَن وجودهَا وُقُوع لَا تطليق
وَلَا يَنْفَعهُ فِي التَّخَلُّص أَن يُوقع طَلاقهَا على صفة بعد أَن قَالَ لَهَا إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا لِأَن وجود الصّفة وَالْحَالة هَذِه تطليق وإيقاع وَوُقُوع وَإِن لم يكن التَّعْلِيق بِلَفْظ الْوُقُوع كَمَا مثل بِهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي التَّنْبِيه
كَقَوْلِه مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَإِنَّهُ إِذا وكل فِي طَلاقهَا لم يَقع الطَّلَاق أَو علق طَلاقهَا على صفة ثمَّ قَالَ لَهَا ذَلِك لَا يخلصه وَلَا يحصل لَهُ مَقْصُوده
انْتهى وَالله أعلم(2/121)
كتاب الرّجْعَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
إِذا طلق الرجل امْرَأَته الْمَدْخُول بهَا وَلم يسْتَوْف مَا يملكهُ عَلَيْهَا من عدد الطَّلَاق وَكَانَ الطَّلَاق بِغَيْر عوض
فَلهُ أَن يُرَاجِعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك إِن أَرَادوا إصلاحا} فَقَوله بردهن يَعْنِي رجعتهن وَقَوله إِن أَرَادوا إصلاحا أَي إصْلَاح مَا تشعث من النِّكَاح بالرجعة
وَقَوله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فَأخْبر أَن من طلق طَلْقَتَيْنِ فَلهُ الْإِمْسَاك
وَهُوَ الرّجْعَة
وَله التسريح وَهِي الثَّالِثَة
وَقَوله تَعَالَى {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن بِمَعْرُوف أَو فارقوهن بِمَعْرُوف} وَوَلِهَ تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا} فالإمساك هُوَ الرّجْعَة
وَقَوله لَعَلَّ الله يحدث بعد ذَلِك أمرا يَعْنِي الرّجْعَة
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلق حَفْصَة وراجعها وطلق ابْن عمر امْرَأَته وَهِي حَائِض
فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُرَاجِعهَا وَرُوِيَ أَن ركَانَة ابْن عبد يزِيد قَالَ يَا رَسُول الله طلقت امْرَأَتي سهيمة أَلْبَتَّة
وَمَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة فَقَالَ ركَانَة وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة
فَردهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالرَّدّ هُوَ الرّجْعَة
وأجمعت الْأمة على جَوَاز الرّجْعَة فِي الْعدة لَا فِي الرِّدَّة
وَتحصل بقوله رجعت وراجعت وارتجعت إِلَى نِكَاحي
وَأَمْسَكت وَمَا فِي مَعْنَاهَا
وبكناية ك تزوجت وأعدت الْحل وَرفعت التَّحْرِيم
وَلَا تحصل بإنكار الطَّلَاق وَلَا بِالْوَطْءِ
وَيحرم وَطْء رَجْعِيَّة
وَلَا حد وَيُوجب مهر الْمثل بِخِلَاف مرتدة عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام
وَلَا يشْتَرط فِيهَا الْإِشْهَاد وَللزَّوْج أَن(2/122)
يُطلق الرَّجْعِيَّة فِي عدتهَا وبولي مِنْهَا ويظاهر
والمختلعة لَا يلْحقهَا طَلَاقه لَا فِي الْعدة وَلَا بعْدهَا
لانْقِطَاع أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بَينهمَا
وَلِأَن الْخلْع للتَّحْرِيم
وَهِي مُحرمَة عَلَيْهِ بِالْخلْعِ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على جَوَاز الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة
وَاخْتلفُوا فِي الرَّجْعِيَّة هَل تحرم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَا تحرم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تحرم
وَاخْتلفُوا هَل يصير بِالْوَطْءِ مراجعا أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه نعم
وَلَا يحْتَاج مَعَه إِلَى لفظ نوى الرّجْعَة أَو لم ينوها
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ إِن نوى حصلت الرّجْعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تحصل الرّجْعَة إِلَّا بِلَفْظ
وَهل من شَرط الرّجْعَة الْإِشْهَاد أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة عَنهُ لَيْسَ من شَرطهَا الْإِشْهَاد بل هُوَ مُسْتَحبّ
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا الِاسْتِحْبَاب
وَالثَّانِي أَنه شَرط وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد
وَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيّ من أَن الْإِشْهَاد شَرط عِنْد مَالك لم أره فِي مشاهير كتب الْمَالِكِيَّة بل صرح القَاضِي عبد الْوَهَّاب والقرطبي فِي تَفْسِيره بِأَن مَذْهَب مَالك الِاسْتِحْبَاب وَلم يحكيا فِيهِ خلافًا عَنهُ وَكَذَلِكَ ابْن هُبَيْرَة من الشَّافِعِيَّة فِي الإفصاح
وَاتَّفَقُوا على أَن من طلق امْرَأَته ثَلَاثًا لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويطؤها فِي نِكَاح صَحِيح وَأَن المُرَاد بِالنِّكَاحِ هُنَا الْوَطْء
وَأَنه شَرط فِي جَوَاز حلهَا للْأولِ وَأَن الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد لَا يحل إِلَّا فِي قَول للشَّافِعِيّ
وَاخْتلفُوا هَل يحصل حلهَا بِالْوَطْءِ فِي حَال الْحيض وَالْإِحْرَام أم لَا فَقَالَ مَالك لَا
وَقَالَ الثَّلَاثَة نعم
وَاخْتلفُوا فِي الصَّبِي الَّذِي يُمكن جمَاعه هَل يحصل بِوَطْئِهِ فِي نِكَاح صَحِيح الْحل أم لَا فَقَالَ مَالك لَا
وَقَالَ الثَّلَاثَة نعم
انْتهى
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور مِنْهَا صُورَة مَا إِذا طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ أَرَادَ رَجعتهَا بعد أَن طلق فلَان زَوجته فُلَانَة طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى من غير عوض من مُدَّة كَذَا وَكَذَا يَوْمًا أَو فِي أمس تَارِيخه رَاجعهَا إِلَى عصمته وَعقد نِكَاحه من الطَّلقَة الْمَذْكُورَة مُرَاجعَة شَرْعِيَّة
وَأقر(2/123)
أَن مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الشَّاهِد بَينهمَا بِأَحْكَام الزَّوْجِيَّة وَقدره كَذَا وَكَذَا بَاقٍ ذَلِك فِي ذمَّته لَهَا لم تَبرأ ذمَّته من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ إِلَى تَارِيخه
وصدقته على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَإِلَّا فَيكْتب رَاجع فلَان زَوجته فُلَانَة إِلَى عصمته وَعقد نِكَاحه من الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة الصادرة مِنْهُ فِي أمس تَارِيخه مُرَاجعَة شَرْعِيَّة
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه راجعتها وارتجعتها وأمسكتها وأبقيتها على مَا كَانَت عَلَيْهِ من أَحْكَام الزَّوْجِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ يفعل إِذا حلف وَحنث فِي طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ
وَيذكر فِي كل صُورَة من هَذِه الصُّور تصادقهما على الدُّخُول والإصابة وصدور الْمُرَاجَعَة فِي الْعدة
وَصُورَة الْمُرَاجَعَة من الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة إِذا صيرها بهَا بَائِنا سبق ذكرهَا فِي كتاب الطَّلَاق وَإِذا طلق الزَّوْج زَوجته ثَلَاثًا
وَتَزَوَّجت بعده بِرَجُل أحلهَا لَهُ
وَانْقَضَت عدتهَا من الزَّوْج الثَّانِي وأرادت العودة إِلَى الأول
فَالْأَحْسَن أَن يكْتب عَادَتْ فُلَانَة إِلَى عصمَة مُطلقهَا الأول فلَان ويكمل ثمَّ يذكر بعد تَمام العقد بشرائطه الشَّرْعِيَّة وَهَذِه الزَّوْجَة كَانَت زوجا للمصدق الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
وَبَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَو بِطَلْقَة وَاحِدَة مكملة لعدد الطَّلَاق الثَّلَاث
وَانْقَضَت عدتهَا مِنْهُ الِانْقِضَاء الشَّرْعِيّ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاث يحلفها على ذَلِك
وَتَزَوَّجت بعده بفلان تزويجا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها ثمَّ أَبَانهَا من عصمته وَعقد نِكَاحه بِالطَّلَاق الثَّلَاث بِشَهَادَة شُهُوده أَو بِمُقْتَضى الْفَصْل المسطر بِظَاهِر صَدَاقهَا الْخِرْقَة أَو الكاغد المتضمن لذَلِك مؤرخ الْفَصْل الْمَذْكُور بِكَذَا وَكَذَا
وَانْقَضَت عدتهَا من الثَّانِي الْمَذْكُور الِانْقِضَاء الشَّرْعِيّ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاث
وَحلفت على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق فِي الْأَنْكِحَة
فَائِدَة إِذا طلق الرجل زَوجته ثمَّ علق طَلاقهَا على عودهَا
وَهُوَ أَن يَقُول لمطلقته بعد أَن تبين من عصمته مَتى أعدتك كنت طَالقا ثَلَاثًا
أَو مَتى أعدت مطلقتي فُلَانَة الْمَذْكُورَة إِلَى عصمتي كَانَت طَالقا ثَلَاثًا
أَو كلما أعدتها بنفسي أَو بوكيلي كَانَت طَالقا ثَلَاثًا
فالطريق فِي ذَلِك أَن تستأذن لوَلِيّهَا الشَّرْعِيّ إِن كَانَ لَهَا من الْأَوْلِيَاء من يُزَوّجهَا وَيَأْذَن الْوَلِيّ لحَاكم شَافِعِيّ يُعِيدهَا إِلَى مُطلقهَا
وَيَقَع الحكم من الْحَاكِم الشَّافِعِي قبل الدُّخُول وَبعد تَمام العقد
وَصُورَة ذَلِك أَن يصدر بِالْعودِ على الْعَادة فِي ذَلِك فَإِذا انْتهى ذكر ذَلِك يَقُول(2/124)
عقده بَينهمَا بِإِذْنِهَا ورضاها وَإِذن وَليهَا الشَّرْعِيّ فلَان الْآذِن الْمُرَتّب الشَّرْعِيّ أَو بِإِذْنِهَا ورضاها وَإِن لم يكن لَهَا ولي سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي بعد وضوحه وَقبُول الزَّوْج النِّكَاح لنَفسِهِ الْقبُول الشَّرْعِيّ ثمَّ يَقُول وَلما تَكَامل ذَلِك حكم سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ بِصِحَّة العقد الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
وباستمرار الْعِصْمَة بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وبعدم تَأْثِير التَّعْلِيق الصَّادِر من الزَّوْج الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على زَوجته الْمَذْكُورَة فِي حَال بينونتها مِنْهُ فِي اسْتِمْرَار الْعِصْمَة الْمَذْكُورَة حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويؤرخ
وَصُورَة الْعَمَل فِي ذَلِك على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى بعد أَن أَذِنت فُلَانَة لوَلِيّهَا فلَان أَن يُعِيدهَا لمطلقها فلَان على صدَاق مبلغه كَذَا وأذنت لَهُ أَن يَأْذَن فِي عودهَا لمطلقها الْمَذْكُور على الصَدَاق الْمَذْكُور لكل قَاض من قُضَاة السَّادة الْحَنَفِيَّة وَلكُل عَاقد من عقادهم وَلكُل رَسُول متصرف فِي الشَّرْع الشريف وَلكُل مُسلم
وَأذن فلَان الْمَأْذُون لَهُ الْمَذْكُور لكل مِمَّن ذكر فِي عود أُخْته أَو ابْنة أَخِيه أَو ابْنة عَمه الْمَذْكُورَة لمطلقها فلَان الْمَذْكُور بِالصَّدَاقِ الْمعِين أَعْلَاهُ على حكمه الْإِذْن الشَّرْعِيّ
وَثَبت ذَلِك لَدَى سيدنَا فلَان الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة شُهُوده
فَعِنْدَ ذَلِك زوج فلَان الْمُتَصَرف فِي مجْلِس الشَّرْع الشريف الْمشَار إِلَيْهِ فلَانا الْمَذْكُور مطلقته الْمَذْكُور بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُور على حكم حَاله ومنجمه بِحَضْرَة شُهُوده بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ
أدام الله علاهُ
وَقَبله لفُلَان الْمَذْكُور فُضُولِيّ هُوَ فلَان الْفُلَانِيّ على الصَدَاق الْمعِين أَعْلَاهُ من غير حُضُوره وَلَا إِذْنه وَلَا تَوْكِيله إِيَّاه فِي ذَلِك
وعقداه على ذَلِك العقد الشَّرْعِيّ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول الشرعيين
ثمَّ بعد تَمام العقد الْمَذْكُور على الحكم المشروح أَعْلَاهُ حضر فلَان الْمَذْكُور بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أيد الله أَحْكَامه بِصِحَّة التَّزْوِيج على الحكم المشروح أَعْلَاهُ ولزومه وَلَا أثر لما علقه فلَان الْمَذْكُور حِين طَلَاقه لَهَا قبل تَارِيخه من أَن قَالَ كلما أعدت فُلَانَة الْمَذْكُورَة إِلَى عصمتي تكون طَالقا ثَلَاثًا بِمُقْتَضى أَنه لم يعْقد وَلم يُوكل حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(2/125)
كتاب الْإِيلَاء
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْإِيلَاء فِي اللُّغَة هُوَ الْحلف لَا يتَعَلَّق بِمدَّة مَخْصُوصَة
بقول الرجل آلَيْت لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو لَا فعلت كَذَا
أولي إِيلَاء وألية
والألية الْيَمين
قَالَ الشَّاعِر وَلَا خير فِي مَال عَلَيْهِ ألية وَلَا فِي يَمِين عقدت بالمآثم وَأما الْإِيلَاء فِي الشَّرْع فَهُوَ أَن يحلف أَن لَا يطَأ امْرَأَته مُطلقًا أَو مُدَّة مَعْلُومَة
وَقد كَانَ ذَلِك فرقة مُؤَبّدَة فِي الْجَاهِلِيَّة
وَقيل إِنَّه عمل بِهِ فِي أول الْإِسْلَام
وَالأَصَح أَنه لم يعْمل بِهِ فِي الْإِسْلَام
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم}
وَالْإِيلَاء يَصح من كل زوج بَالغ عَاقل قَادر على الْوَطْء
فَلَو قَالَ لأجنبية
وَالله لَا وَطئتك
فيمين مَحْضَة
فَلَو نَكَحَهَا فَلَا إِيلَاء على الصَّحِيح
وَيصِح إِيلَاء مَرِيض وَخصي وَمن بَقِي لَهُ قدر الْحَشَفَة وإيلاء عَرَبِيّ بالعجمية
وَعَكسه إِن عرف الْمَعْنى
وَإِن وطىء بعد الْمُطَالبَة لزمَه كَفَّارَة يَمِين
وصريحه الْإِيلَاج وتغييب الْحَشَفَة فِي الْفرج والنيك وَالْوَطْء وَالْجِمَاع والإصابة وافتضاض الْبكر
وَلَو قَالَ لم أرد بهَا الْوَطْء يدين فِي غير الثَّلَاثَة الأول
وكنايته المباضعة والمباشرة وَالْمُلَامَسَة والقربان والغشيان والإتيان وَأَن تجمع رأسهما وسَادَة وَأبْعد عَنْك وَحَتَّى ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم أَو يخرج الدَّجَّال
فَلَو قَالَ إِن وَطئتك فَعَبْدي حر فَمَاتَ العَبْد أَو عتق لم ينْحل الْإِيلَاء أَو زَالَ ملكه بِبيع أَو هبة وَنَحْوهمَا فَكَذَلِك
فَإِن عَاد الْملك أَو دبره أَو كَاتبه
فَلَا(2/126)
وَالْإِيلَاء الْمُعَلق كَإِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا وَطئتك وَيصير موليا بِالدُّخُولِ
وَلَو علق بمستحيل كطيرانها فِي السَّمَاء فمول أَو بمستبعد فِي أَرْبَعَة أشهر كنزول عِيسَى ابْن مَرْيَم
فَكَذَلِك على الصَّحِيح
ويمهل أَرْبَعَة أشهر من الْإِيلَاء بِلَا قَاض
وَفِي رجعته من الرَّجْعِيَّة والمدخول بهَا
وَلها الْمُطَالبَة بِأَن يَفِي أَو يُطلق وَمَا لم يُطَالب لَا يُؤمر بِشَيْء
وَلَيْسَ لوَلِيّ مراهقة ومجنونة مُطَالبَته وَلَا لسَيِّد أمة أَيْضا
فَإِن أَبَا الْفَيْئَة وَالطَّلَاق
فَالْقَاضِي يُطلق عَلَيْهِ وَلَا يشْتَرط حُضُوره
وَلَو استمهل كَإِن كَانَ صَائِما بفطر وَنَحْو ذَلِك
فيمهل يَوْمًا فَمَا دونه
وَالْأَظْهَر لَا يُمْهل
وَإِنَّمَا يُطَالب إِذا لم يكن مَانع
فَلَو آلى وَغَابَ أَو وَهُوَ غَائِب حسبت الْمدَّة
فَإِذا انْقَضتْ طالبته بالفيئة أَو الطَّلَاق
فَإِن لم يفعل حَتَّى مَضَت مُدَّة الْإِمْكَان ثمَّ قَالَ أرجع لم يُمكن وَيُطلق عَلَيْهِ القَاضِي
وَهُوَ الْأَصَح
وَعَلِيهِ التَّفْرِيع
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من حلف بِاللَّه عز وَجل أَنه لَا يُجَامع زَوجته مُدَّة أَكثر من أَرْبَعَة أشهر كَانَ موليا أَو أقل لم يكن موليا
وَاخْتلفُوا فِي الْأَرْبَعَة الْأَشْهر هَل يحصل بِالْحلف عَن الِامْتِنَاع الْوَطْء فِيهَا إِيلَاء أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة نعم
ويروى مثل ذَلِك عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور وَعنهُ لَا
فَإِذا مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر هَل يَقع الطَّلَاق بمضيها أم يُوقف قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَقع بِمُضِيِّ الْمدَّة طَلَاق بل يُوقف الْأَمر ليفيء أَو يُطلق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة مَتى مَضَت الْمدَّة وَقع الطَّلَاق
وَاخْتلف من قَالَ بالإيقاف إِذا امْتنع الْوَلِيّ من الطَّلَاق
هَل يُطلق عَلَيْهِ الْحَاكِم أم لَا فَقَالَ مَالك وَأحمد يُطلق الْحَاكِم عَلَيْهِ
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه يضيق عَلَيْهِ حَتَّى يُطلق
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أظهرهمَا أَن الْحَاكِم يُطلق عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه يضيق عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا آلى بِغَيْر يَمِين بِاللَّه عز وَجل كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق وَصدقَة المَال وَإِيجَاب الْعِبَادَات
هَل يكون موليا أم لَا(2/127)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يكون موليا سَوَاء قصد الْإِضْرَار بهَا أَو دَفعه عَنْهَا كالمرضعة والمريضة أَو عَن نَفسه
وَقَالَ مَالك لَا يكون موليا إِلَّا أَن يحلف حَال الْغَضَب أَو إِذا قصد الْإِضْرَار بهَا
فَإِن كَانَ للإصلاح أَو لنفعها فَلَا
وَقَالَ أَحْمد لَا يكون موليا إِلَّا إِذا قصد الْإِضْرَار بهَا
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أصَحهمَا كَقَوْل أبي حنيفَة
وَإِذا فَاء الْمولى لَزِمته كَفَّارَة يَمِين بِاللَّه عز وَجل بالِاتِّفَاقِ إِلَّا فِي قَول قديم للشَّافِعِيّ
وَاخْتلفُوا فِيمَن ترك وَطْء زَوجته للإضرار بهَا من غير يَمِين أَكثر من أَرْبَعَة أشهر
هَل يكون موليا أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى روايتيه نعم
وَاخْتلفُوا فِي مُدَّة إِيلَاء العَبْد
فَقَالَ مَالك شَهْرَان حرَّة كَانَت زَوجته أَو أمة
وَقَالَ الشَّافِعِي مدَّته أَرْبَعَة أشهر مُطلقًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الِاعْتِبَار فِي الْمدَّة بِالنسَاء
فَمن تَحْتَهُ أمة فشهران حرا كَانَ أَو عبدا
وَمن تَحْتَهُ حرَّة فَأَرْبَعَة أشهر حرا كَانَ أَو عبدا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب مَالك
وَالثَّانيَِة كمذهب الشَّافِعِي
وَاخْتلفُوا فِي إِيلَاء الْكَافِر
هَل يَصح أم لَا فَقَالَ مَالك لَا يَصح
وَقَالَ الثَّلَاثَة يَصح
وَفَائِدَته مُطَالبَته بعد إِسْلَامه
انْتهى
فَائِدَة لَا تطالب الْمَرْأَة زَوجهَا بِالْجِمَاعِ إِلَّا فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
الأول إِذا آلى مِنْهَا وَمَضَت
الثَّانِي إِذا أقرّ بالعنة
الثَّالِث إِذا جَامع زَوجته فِي لَيْلَة غَيرهَا
فَعَلَيهِ أَن يُجَامِعهَا فِي لَيْلَة أُخْرَى
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور مِنْهَا إِذا حلف الرجل بِاللَّه الْعَظِيم أَنه لَا يطَأ زَوجته مُدَّة أَرْبَعَة أشهر
وَانْقَضَت الْمدَّة وَلم يفِيء وأحضرته إِلَى الْحَاكِم والتمست مِنْهُ الْفَيْئَة أَو الطَّلَاق
وَهُوَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يصدقها على الْحلف وَالْإِيلَاء مِنْهَا أم لَا
فَإِن صدقهَا على الْحلف وانقضاء الْمدَّة وطلق كتب(2/128)
حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فُلَانَة وَادعت بَين يَدي الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ على زَوجهَا فلَان أَنه كَانَ حلف بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا آله إِلَّا هُوَ الْيَمين الشَّرْعِيَّة أَنه لَا يَطَؤُهَا إِلَى انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر كوامل أَولهَا الْيَوْم الْفُلَانِيّ وَأَنه تَمَادى على الْإِيلَاء حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة الْمَذْكُورَة
ولف وَاسْتمرّ على ذَلِك إِلَى يَوْم تَارِيخه وَأَنَّهَا التمست مِنْهُ الْفَيْئَة أَو الطَّلَاق وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا وَذكر أَنه لم يفِيء وَلم يعْتَذر بِعُذْر يمنعهُ من الْوَطْء فَعِنْدَ ذَلِك خَيره فِي الْفَيْئَة أَو الطَّلَاق فَامْتنعَ من الْفَيْئَة وطلق زَوجته الْمَذْكُورَة طَلْقَة وَاحِدَة رَجْعِيَّة تكون بهَا جَارِيَة فِي عصمته إِلَى انْقِضَاء عدتهَا
فَإِذا انْقَضتْ فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا ورضاها وَعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَإِن طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا أَو اخْتلعت من عصمته بِشَيْء كتب على نَحْو مَا تقدم فِي صُورَة الْخلْع
وَإِن امْتنع من الْفَيْئَة وَمن الطَّلَاق وعظه الْحَاكِم
فَإِن امْتنع من ذَلِك وأصر على الِامْتِنَاع عرض الْحَاكِم على الزَّوْجَة الصَّبْر فَإِذا أَبَت سَأَلت الْحَاكِم انفصالها بِمُوجب الشَّرْع الشريف وَمُقْتَضَاهُ ثمَّ يَقُول فأجابها الْحَاكِم إِلَى ذَلِك وَطَلقهَا على زَوجهَا الْمَذْكُور طَلْقَة وَاحِدَة أولى رَجْعِيَّة تكون بهَا جَارِيَة فِي عصمته إِلَى انْقِضَاء عدتهَا وَهُوَ أملك لرجعتها مَا لم تنقض عدتهَا
وَحكم لَهَا بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك ويؤرخ
وَإِذا حلف الرجل على عدم وَطْء زَوجته مُدَّة تزيد على أَرْبَعَة أشهر فَإِن وطىء قبل انْقِضَائِهَا بَطل حكم الْإِيلَاء وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة
وَإِن انْقَضتْ وَلم يَفِ ورفعته إِلَى القَاضِي وَادعت عَلَيْهِ بذلك فَأقر بِالزَّوْجِيَّةِ وَلم يصدقها على الْإِيلَاء وَلَا على تقضي مدَّته وَلم يفِيء وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم أَنه لَا يَطَؤُهَا مُدَّة يكون موليا مِنْهَا فَيَقُول بعد تَمام الدَّعْوَى وحلفه فَعِنْدَ ذَلِك التمست الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة من زَوجهَا الْمَذْكُور أَن يضْرب لَهَا أَََجَلًا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا فَيضْرب لَهَا الْمدَّة الْمَذْكُورَة
وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك من حَضَره من الْعُدُول
وَالْأَمر مَحْمُول بَينهمَا فِي ذَلِك على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف ويؤرخ
فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة وَلم يفِيء كتب(2/129)
حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فُلَانَة وَادعت على فلَان بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا بولِي مرشد وشاهدي عدل وبإذنها ورضاها وَدخل بهَا وأصابها وَأَنه حلف بِاللَّه الْعَظِيم أَو بِعِتْق أَو غير ذَلِك مِمَّا ينْعَقد بِهِ الْإِيلَاء أَنه لَا يَطَؤُهَا مُدَّة يكون موليا فِيهَا إِلَّا بعد انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر وَانْقَضَت الْمدَّة وَلم يفِيء وَأَنَّهَا دَعَتْهُ إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وتنازعا فِي ذَلِك
وَأنكر الْإِيلَاء
وَحلف أَنه لَا يَطَؤُهَا مُدَّة يكون موليا فِيهَا وَضرب لَهَا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَقد انْقَضتْ وَلم يفِيء
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا واعترف لَدَيْهِ بذلك وَأَن مُدَّة الْأَجَل الَّذِي ضربه لَهَا انْقَضتْ وَلم يفِيء لزوجته هَذِه
وَلم يعْتَذر بِعُذْر يمنعهُ عَن الْوَطْء
فَحِينَئِذٍ أعلمهُ الْحَاكِم أَن الْخِيَار لَهُ فِي الْفَيْئَة أَو الطَّلَاق فَإِن اخْتَار الطَّلَاق كَمَا تقدم
وَإِن امْتنع وأصر على الِامْتِنَاع وعظها وطلق عَلَيْهِ الْحَاكِم كَمَا تقدم شَرحه
وَهَذَا الطَّلَاق وَاجِب
وَصُورَة مَا إِذا تنَازع الزَّوْجَانِ وَخيف شقَاق بَينهمَا حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وفلانة وتصادقا أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي
وَثَبت عِنْده صِحَة الزَّوْجِيَّة على الأوضاع الشَّرْعِيَّة وَتكلم كل مِنْهُمَا فِي حق الآخر
وَزعم أَنه لَا يُقيم مَعَه حُدُود الله
وأشكل عَلَيْهِ أَمرهمَا وَاخْتِلَاف حَالهمَا
وَهُوَ أَنَّهُمَا وَعدا بوفاء كل مِنْهُمَا فِي حق الآخر بِمَا يجب عَلَيْهِ من الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة وَالْأَحْوَال المرضية وَخيف شقَاق بَينهمَا
فَأَمرهمَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بتقوى الله وطاعته وسلوك الْمنْهَج القويم والصراط الْمُسْتَقيم على مَا جَاءَ بِهِ نَص الْقُرْآن الْعَظِيم وَسنة النَّبِي الْكَرِيم
وَكرر ذَلِك عَلَيْهِمَا وَزَاد فِي وعظهما
فَلم يرجع كل مِنْهَا عَمَّا قَالَه فِي حق الآخر
وَتَمَادَى الْأَمر بَينهمَا وَاسْتمرّ حَالهمَا على ذَلِك
فأنفذ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ رجلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ عَالمين بحالهما عارفين بِوَجْه الحكم للنَّظَر بَينهمَا والإصلاح مَا استطاعا والتسديد مَا قدرا وهما فلَان وَفُلَان أَحدهمَا وَهُوَ فلَان من أهل الزَّوْج
وَالْآخر وَهُوَ فلَان من أهل الزَّوْجَة
وَأَمرهمَا بالكشف عَن حَالهمَا بعد أَن أخبرهما الْحَاكِم بِمَا جرى لَدَيْهِ مِنْهُمَا وَبِمَا وعظهما بِهِ وخوفهما وَمَا أَمرهمَا بِهِ من تقوى الله وامتثال أوامره وَاجْتنَاب نواهيه
فامتثلا أَمر الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
وَإِلَّا فيفرقا بَينهمَا إِذا رَأيا ذَلِك أَو يجمعا وَأَن يأخذا مِمَّا لكل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مَا يره
وصارا والزوجان بصحبتهما إِلَى مكانهما وكشفا عَن حَالهمَا وبحثا عَن أَمرهمَا
وخوفاهما وحذراهما وأمراهما بتقوى الله وطاعته وأعلماهما بِمَا يجب على كل وَاحِد مِنْهَا للْآخر على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَالسّنَن(2/130)
المرضي مِمَّا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة
وَطَالَ الْخطب بَينهمَا فِي ذَلِك
فَلم يذعنا للصلح وَلَا رغبا فِيهِ
وَلم يرجع كل مِنْهُمَا عَمَّا قَالَه فِي حق الآخر
وأشكل أَمرهمَا عَلَيْهِمَا
فَإِن كَانَا حكمين اعتمدا فِي حق الزَّوْجَيْنِ مَا يجب اعْتِمَاده إِمَّا بإقرارهما على الزَّوْجِيَّة أَو انفصالهما بِالطَّلَاق
ثمَّ يَقُول وأنهما ألزما أَنفسهمَا بِمَا قضى بِهِ الحكمان لَهما وَعَلَيْهِمَا
وقبلا ذَلِك مِنْهُمَا ورضيا مَا جعلاه إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا
مَا اخْتَارَهُ القَاضِي بمخاطبتهما على ذَلِك
وَإِن كَانَا وكيلين عَنْهُمَا اختلعا عَن الزَّوْجَة وطلقا على الزَّوْج بإذنهما
وَيكْتب ذَلِك كَمَا تقدم ذكره فِي صُورَة وَكيل الزَّوْج
ووكيل الزَّوْجَة
وَإِن رغب الزَّوْج فِي طَلَاق زَوجته على عوض تقوم بِهِ الزَّوْجَة فيفعل فِي ذَلِك كَمَا تقدم فِي صُورَة الْخلْع وَيحصل التَّفْرِيق بَينهمَا
تذييل إِذا تنَازع الزَّوْجَانِ وَظهر من تنازعهما بطلَان النِّكَاح أَو وَطْء شُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد
وطالت الْخُصُومَة بَينهمَا وصارا إِلَى قَبِيح وفحش من القَوْل وَالْفِعْل وَآل أَمرهمَا إِلَى تَفْرِيق الْحَاكِم بَينهمَا
كتب حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وفلانة
وَادّعى فلَان الْمَذْكُور على فُلَانَة الْمَذْكُورَة وَيذكر الصِّيغَة الْوَاقِعَة بَينهمَا المؤدية إِلَى فَسَاد النِّكَاح ويشرحها على حكم مَا وَقعت بَينهمَا على أَي وَجه مُفسد كَانَ من مفسدات النِّكَاح ثمَّ يَقُول وَأَنه تَمَادى بِهِ وَبهَا الْأَمر بِسَبَب ذَلِك إِلَى كَثْرَة التَّنَازُع
وطالت الْخُصُومَة بَينهمَا
وَصَارَ الْأَمر بَينه وَبَينهَا إِلَى قَبِيح وفحش من القَوْل وَالْفِعْل
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا الْحَاكِم فأجابت بِعَدَمِ صِحَة دَعْوَاهُ
فَتبين الْحَاكِم أثر الرِّيبَة المفهمة بِفساد أصل العقد الْجَارِي بَينهمَا وَعدم حَقِيقَته وفقدان وجوده
وَوجد تنَاقض دعواهما وَتَكْذيب أَحدهمَا الآخر فِي دَعْوَاهُ وَاخْتِلَاف قَوْلهمَا بِظُهُور الرِّيبَة الْوَاقِعَة مِنْهُ القادحة فِي تَزْوِيجهَا إِيَّاه ومعاشرته لَهَا بِغَيْر مسوغ شَرْعِي
فَعِنْدَ ذَلِك أَمر بإيداعهما السجْن لينْظر فِي أَمرهمَا تحريا فِي الثُّبُوت قبل بت الحكم بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي لَا يضر مثله فِي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة
ثمَّ أحضرهما بعد ذَلِك وسألهما عَن حَقِيقَة الْحَال الْجَارِي بَينهمَا فاعترفا بترتب دعواهما الزَّوْجِيَّة على أصل كَاذِب
وتصادقا على أَن لَا نِكَاح بَينهمَا وَلَا زوجية
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ سَائل شَرْعِي ثُبُوت ذَلِك عِنْده
والتفريق بَينهمَا لوُجُود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضِي لذَلِك(2/131)
فَتَأمل الْحَاكِم ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره وأمعن فِيهِ نظره
واستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَفرق بَين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ تفريقا شَرْعِيًّا تكون بِهِ فِي عدَّة مِنْهُ إِلَى حِين انْقِضَائِهَا شرعا
وَأمره بترك التَّعَرُّض لَهَا بِمُوجب النِّكَاح الْمَذْكُور إِلَّا بمستند شَرْعِي بطريقه الشَّرْعِيّ
وألزمه لَهَا بِمهْر مثلهَا بِمُقْتَضى ثُبُوت إقرارهما بِالْوَطْءِ الْمُوجب لدرء الْحَد عَنْهُمَا بِمُقْتَضى قيام الشُّبْهَة فِي نفس الْوَطْء وقوتها
وَأَمرهمَا بتقوى الله تَعَالَى وطاعته وخشيته ومراقبته وحذرهما من الْوُقُوع فِي الْمَحْذُور
وتوعدهما على تعَاطِي مَا يُخَالف ذَلِك فِي مَشْرُوعِيَّة النِّكَاح
وَفِي سَائِر الْأُمُور
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل ويؤرخ
وَالله أعلم(2/132)
كتاب الظِّهَار
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الظِّهَار مُشْتَقّ من الظّهْر
وَإِنَّمَا خصوا الظّهْر من بَين أَعْضَاء الْأُم لِأَن كل مركوب يُسمى ظهرا
لحُصُول الرّكُوب على الظّهْر
فشبهت بِهِ الزَّوْجَة
وَقد كَانَ الظِّهَار فِي الْجَاهِلِيَّة طَلَاقا
ثمَّ نقل فِي الشَّرْع إِلَى التَّحْرِيم وَالْكَفَّارَة
وَقيل إِنَّه كَانَ طَلَاقا فِي أول الْإِسْلَام
وَالْأول أصح
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {الَّذين يظاهرون مِنْكُم من نِسَائِهِم مَا هن أمهاتهم إِن أمهاتهم إِلَّا اللائي ولدنهم وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا وَإِن الله لعفو غَفُور} وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم ثمَّ يعودون لما قَالُوا فَتَحْرِير رَقَبَة من قبل أَن يتماسا ذَلِكُم توعظون بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}
وَرُوِيَ أَن خَوْلَة بنت مَالك بن ثَعْلَبَة وَقيل اسْمهَا خُوَيْلَة قَالَت ظَاهر مني زَوجي أَوْس بن الصَّامِت
فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْكُو إِلَيْهِ وَذكرت أمورا وَقلت قدمت مَعَه صحبتي وَنَثَرت لَهُ كِنَانَتِي
ولي مِنْهُ صبية إِن ضمهم إِلَيْهِ ضَاعُوا وَإِن ضمتهم إِلَيّ جَاعُوا
أَشْكُو إِلَى الله عجري وبجري وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجادلني فِيهِ يَقُول اتَّقِ الله فَإِنَّهُ ابْن عمك
فَمَا بَرحت حَتَّى نزل الْقُرْآن {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} الْآيَات فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتق رَقَبَة
قلت لَا يجد
قَالَ فيصوم شَهْرَيْن مُتَتَابعين
قلت يَا رَسُول الله شيخ كَبِير مَا بِهِ صِيَام
قَالَ فليطعم سِتِّينَ مِسْكينا
قلت مَا عِنْده شَيْء يتَصَدَّق بِهِ
قَالَ فَأتى بعرق من تمر
قلت يَا رَسُول الله وَأَنا أعينه بعرق آخر
قَالَ قد أَحْسَنت اذهبي فأطعمي عَنهُ سِتِّينَ مِسْكينا وارجعي إِلَى ابْن عمك قَالَ الْأَصْمَعِي الْعرق بِفَتْح الْعين وَالرَّاء مَا نسج من خوص كالزنبيل الْكَبِير(2/133)
وروى سُلَيْمَان بن يسَار عَن سَلمَة بن صَخْر قَالَ كنت رجلا أُصِيب من النِّسَاء مَا لَا يُصِيبهُ غَيْرِي
فَلَمَّا دخل شهر رَمَضَان خشيت أَن أُصِيب من امْرَأَتي شَيْئا فظاهرت مِنْهَا حَتَّى يَنْسَلِخ شهر رَمَضَان
فَبينا هِيَ تُحَدِّثنِي ذَات لَيْلَة انْكَشَفَ لي شَيْء مِنْهَا
فَلم ألبث أَن نزوت عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصبَحت خرجت إِلَى قومِي فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَقلت امشوا معي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا لَا وَالله
فَانْطَلَقت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته الْخَبَر
فَقَالَ حرر رَقَبَة فَقلت وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أملك رَقَبَة غَيرهَا وَضربت صفحة رقبتي قَالَ فَصم شَهْرَيْن مُتَتَابعين
قلت وَهل أصبت الَّذِي أصبت إِلَّا من الصّيام قَالَ فأطعم وسْقا من تمر سِتِّينَ مِسْكينا
قلت وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لقد بتنا مَا لنا طَعَام
قَالَ فَانْطَلق إِلَى صَاحب صَدَقَة بني زُرَيْق فليدفعها إِلَيْك فأطعم سِتِّينَ مِسْكينا وسْقا من تمر وكل أَنْت وَعِيَالك بقيتها
فَرَجَعت إِلَى قومِي فَقلت وجدت عنْدكُمْ الضّيق وَسُوء الرَّأْي
وَوجدت عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السعَة وَحسن الرَّأْي وَقد أَمر لي بصدقتكم
وَالظِّهَار محرم لقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا} وَمعنى ذَلِك أَن الزَّوْجَة لَا تكون مُحرمَة كالأم
وَيصِح الظِّهَار من كل زوج يَصح طَلَاقه
حرا كَانَ أَو عبدا مُسلما كَانَ أَو كَافِرًا وَخصي ومجبوب
وظهار السَّكْرَان كطلاقه
وصريحه أَنْت عَليّ أَو مني أَو معي أَو عِنْدِي أَو لي كَظهر أُمِّي وَكَذَلِكَ أَنْت كَظهر أُمِّي على الصَّحِيح وَقَوله جملتك أَو نَفسك أَو ذاتك أَو جسمك أَو بدنك كبدن أُمِّي أَو جسمها أَو ذَاتهَا صَرِيح
وَمَتى أَتَى بِصَرِيح وَقَالَ أردْت غَيره لم يقبل على الصَّحِيح
وَيصِح تَعْلِيقه
وَيصير بِوُجُود الصّفة مُظَاهرا
فصل وعَلى الْمظَاهر كَفَّارَة
بِالْعودِ وَهُوَ أَن يمْسِكهَا بعد ظِهَاره زمَان إِمْكَان فرقة على الْمَشْهُور
وَيحرم قبل التَّكْفِير وَطْء لَا لمس وَنَحْوه بِشَهْوَة فِي الْأَظْهر
وأقصى التَّلَذُّذ فِي الْإِنْزَال
وَفِيمَا بَين السُّرَّة وَالركبَة الِاحْتِمَالَات(2/134)
وَإِذا عَاد وَوَجَبَت الْكَفَّارَة لم تسْقط بفرقة وَإِن جدد النِّكَاح فالتحريم مُسْتَمر حَتَّى يكفر
وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة أَو صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين أَو تمْلِيك سِتِّينَ مِسْكينا كل مِسْكين مد بِمد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جنس الْفطْرَة
وَالْأَظْهَر اعْتِبَار الْيَسَار بِوَقْت الْأَدَاء
فَإِن كَانَ مُوسِرًا ففرضه الْإِعْتَاق أَو مُعسرا فالصوم
فَإِن تكلّف الْإِعْتَاق باستقراض أَو غَيره أَجزَأَهُ على الصَّحِيح أوصام ثمَّ أيسر فِي أَثْنَائِهِ لم يلْزمه على الصَّحِيح وَبعد فَرَاغه لم يلْزمه قطعا
فَإِن أعتق كَانَ وَوَقع الصَّوْم تَطَوّعا
وَكَذَا لَو أطْعم الْبَعْض ثمَّ قدر على الصَّوْم لم يلْزمه
وَالْعَبْد يكفر فِي الظِّهَار بِالصَّوْمِ
وَلَيْسَ للسَّيِّد مَنعه إِلَّا فِي الْعتْق وَالْإِطْعَام
فَإِن عتق وأيسر قبل الْكَفَّارَة لزمَه الْإِعْتَاق فِي الْأَرْجَح
وَتجب النِّيَّة فِي الصَّوْم لكل يَوْم وَكَذَا نِيَّة التَّتَابُع فِي الْأَصَح
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْمُسلم إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنه مظَاهر مِنْهَا لَا يحل لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يقدم الْكَفَّارَة وَهِي عتق رَقَبَة إِن وجدهَا
فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين
فَإِن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا
وَاخْتلفُوا فِي ظِهَار الذِّمِّيّ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يَصح
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يَصح
وَلَا يَصح ظِهَار السَّيِّد من أمته إِلَّا عِنْد مَالك
وَاتَّفَقُوا على ظِهَار العَبْد وَأَنه يكفر بِالصَّوْمِ وبالإطعام عِنْد مَالك إِن ملكه السَّيِّد
وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته أمة كَانَت أَو حرَّة أَنْت عَليّ حرَام فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن نوى الطَّلَاق كَانَ طَلَاقا
فَإِن نوى ثَلَاثًا فَهُوَ ثَلَاث
وَإِن نوى وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فَوَاحِدَة بَائِنَة
وَإِن نوى التَّحْرِيم وَلم ينْو الطَّلَاق أَو لم يكن لَهُ نِيَّة
فَهُوَ يَمِين وَهُوَ مول إِن تَركهَا أَرْبَعَة أشهر وَقعت طَلْقَة بَائِنَة وَإِن نوى الظِّهَار كَانَ مُظَاهرا
وَإِن نوى الْيَمين كَانَت يَمِينا
وَيرجع إِلَى نِيَّته كم أَرَادَ بهَا وَاحِدَة أَو أَكثر سَوَاء الْمَدْخُول بهَا أَو غَيرهَا
وَقَالَ مَالك هُوَ طَلَاق ثَلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا وَوَاحِدَة فِي غير الْمَدْخُول بهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن نوى الطَّلَاق أَو الظِّهَار كَانَ مَا نَوَاه
وَإِن نوى الْيَمين لم يكن يَمِينا وَلَكِن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَإِن لم ينْو شَيْئا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا وَهُوَ الرَّاجِح لَا(2/135)
شَيْء عَلَيْهِ
وَالثَّانِي عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ أظهرهمَا أَنه صَرِيح فِي الظِّهَار نَوَاه أَو لم يُنَوّه
وَفِيه كَفَّارَة الظِّهَار
وَالثَّانيَِة أَنه يَمِين وَعَلِيهِ كَفَّارَة
وَالثَّالِث أَنه طَلَاق
وَاخْتلفُوا فِي الرجل يحرم طَعَامه وَشَرَابه أَو أمته
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هُوَ حَالف
وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين بِالْحِنْثِ
وَيحصل الْحِنْث عِنْدهمَا بِفعل جُزْء مِنْهُ وَلَا يحْتَاج إِلَى أكل جَمِيعه
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن حرم الطَّعَام أَو الشَّرَاب أَو اللبَاس فَلَيْسَ بِشَيْء وَلَا كَفَّارَة
وَإِن حرم الْأمة فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَالثَّانِي لَا تحرم
وَلَكِن عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين
وَهُوَ الرَّاجِح
وَقَالَ مَالك لَا يحرم عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك على الْإِطْلَاق
وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا هَل يحرم على الْمظَاهر الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يحرم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
الْجَدِيد الْإِبَاحَة وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا التَّحْرِيم
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا وطىء الْمظَاهر مِنْهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي أظهر روايتيه يسْتَأْنف الصّيام إِن وطىء فِي خلال الشَّهْرَيْنِ لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا عَامِدًا كَانَ أَو نَاسِيا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن وطىء بِاللَّيْلِ مُطلقًا لم يلْزمه الِاسْتِئْنَاف وَإِن وطىء بِالنَّهَارِ عَامِدًا فسد صَوْمه وَانْقطع التَّتَابُع
وَلَزِمَه الِاسْتِئْنَاف لنَصّ الْقُرْآن
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْأَثْمَان فِي الرَّقَبَة الَّتِي يكفر بهَا الْمظَاهر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يشْتَرط
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شرع فِي الصّيام ثمَّ وجد الرَّقَبَة
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد إِن شَاءَ مضى على صَوْمه وَإِن شَاءَ أعتق
وَقَالَ مَالك إِن صَامَ يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة عَاد إِلَى الْعتْق
وَإِن كَانَ قد مضى فِي صَوْمه أتمه وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزم الْعتْق مُطلقًا(2/136)
وَاتَّفَقُوا على أَن لَا يجوز لَهُ الْوَطْء حَتَّى يكفر وَأَنه لَا يجوز دفع شَيْء من الْكَفَّارَات إِلَى الْكَافِر وَالْحَرْبِيّ
وَاخْتلفُوا فِي الدّفع إِلَى الذِّمِّيّ فَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يجوز
وَلَو قَالَت الْمَرْأَة لزَوجهَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي
فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهَا بالِاتِّفَاقِ إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ
انْتهى
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا إِذا قَالَ الرجل لزوجته أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت طَالِق وواصل كَلَامه كَانَ مُطلقًا مُظَاهرا
وَسَقَطت الْكَفَّارَة عَنهُ
وَكَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا إِن كَانَ قد دخل بهَا
صُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه كَانَ فِي التَّارِيخ الْفُلَانِيّ قَالَ لزوجته فُلَانَة الَّتِي دخل بهَا وأصابها أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت طَالِق بِكَلَام مُتَّصِل غير مُنْفَصِل وصدقته على ذَلِك وترافعا إِلَى حَاكم من حكام الْمُسلمين
وتحاكما عِنْده بِسَبَب ذَلِك وَحكم عَلَيْهِ بالطلقة الْمَذْكُورَة
تكون بهَا جَارِيَة فِي عصمته إِلَى انْقِضَاء عدتهَا فَإِذا انْقَضتْ فَلَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا ورضاها وَعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويؤرخ
وَصُورَة إِشْهَاد الْمظَاهر عَلَيْهِ بالظهار وَلُزُوم الْكَفَّارَة لَهُ أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه قَالَ لزوجته فُلَانَة فِي تَارِيخ كَذَا أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو لفظا من صرائح الظِّهَار الْمُتَقَدّم ذكرهَا وَأَنه أمْسكهَا عقب قَوْله ذَلِك إِلَى الْآن
وَأَنه قَادر على الْكَفَّارَة الَّتِي تلْزمهُ شرعا وَهُوَ مُمْتَنع عَن الْوَطْء حَتَّى يكفر وملتزم أَحْكَام ذَلِك الشَّرْعِيَّة
وَعَلِيهِ الْخُرُوج من الْكَفَّارَة على مُقْتَضى مَا يجب عَلَيْهِ شرعا وصدقته زَوجته الْمَذْكُورَة على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
وَصُورَة مَا إِذا ترافعا إِلَى حَاكم شَرْعِي بِسَبَب ذَلِك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَزَوجته فُلَانَة
وَادعت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة على زَوجهَا فلَان الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل بشرائطه الشَّرْعِيَّة وَدخل بهَا وأصابها أَو لم يدْخل بهَا وَلم يصبهَا وَأَنه قَالَ لَهَا بِصَرِيح لَفظه أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو لفظ من صرائح الظِّهَار الْمُقدم ذكرهَا وأمسكها عقيب ذَلِك وَأَن الْكَفَّارَة وَاجِبَة عَلَيْهِ
وَأَنه دَعَاهَا للْوَطْء فامتنعت حَتَّى يكفر
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك(2/137)
فَسئلَ فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا وَأَنه قَالَ ذَلِك بِلَفْظِهِ فِي الْمجْلس الْمشَار إِلَيْهِ فَأمره الْحَاكِم بِعَدَمِ الْوَطْء حَتَّى يكفر واعترف لَدَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ من الْكَفَّارَة كَذَا وَكَذَا
وَإِن لم يصدقها على الظِّهَار وصدقها على الزَّوْجِيَّة فيأمرها الْحَاكِم بِإِقَامَة الْبَيِّنَة ثمَّ يَقُول فَحِينَئِذٍ قَامَت بينتها الشَّرْعِيَّة على الظِّهَار
وهما فلَان وَفُلَان
وَلَا ينقص عَن اثْنَيْنِ من الشُّهَدَاء
وَأقَام كل من الشَّاهِدين الْمَذْكُورين شَهَادَته عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك وقبلهما لما رأى مَعَه قبولهما
وَأمره الْحَاكِم بِعَدَمِ الْوَطْء حَتَّى يكفر
فَإِن فعل الْكَفَّارَة
كتب أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه فعل مَا وَجب عَلَيْهِ من الْكَفَّارَة الشَّرْعِيَّة بِسَبَب الظِّهَار الْمَذْكُور ويعين ذَلِك إِمَّا بِعِتْق أَو صَوْم أَو إطْعَام وصدقته زَوجته الْمَذْكُورَة على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا وَإِن لم تصدقه على الْكَفَّارَة فترفعه إِلَى الْحَاكِم وَتَقَع الدَّعْوَى كَمَا تقدم وَتقدم الْبَيِّنَة بذلك
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَالله تَعَالَى أعلم(2/138)
كتاب اللّعان
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام اللّعان مُشْتَقّ من اللَّعْن
واللعن هُوَ الطَّرْد والإبعاد
وَسمي المتلاعنان بذلك لِأَن فِي الْخَامِسَة اللَّعْنَة وَلما يتعقب اللّعان من المأثم والطرد لِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون أَحدهمَا كَاذِبًا
فَيكون ملعونا
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين} الْآيَة
ولاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين عُوَيْمِر الْعجْلَاني وَبَين امْرَأَته كَمَا روى سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ أَتَى عُوَيْمِر الْعجْلَاني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أم كَيفَ يفعل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبَتك مَا فِي هِلَال بن أُميَّة وَامْرَأَته يَعْنِي قَوْله {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين} لِأَنَّهَا عَامَّة
ولاعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِلَال بن أُميَّة كَمَا روى ابْن عَبَّاس أَن هِلَال ابْن أُميَّة قذف زَوجته بِشريك بن سَحْمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة أَو حد فِي ظهرك
فَقَالَ وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق
ولينزلن الله فِي أَمْرِي مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} الْآيَة
فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أبشر يَا هِلَال وَقد جعل الله لَك فرجا ومخرجا
قَالَ قد كنت أَرْجُو ذَلِك من رَبِّي
فَإِذا رأى الرجل امْرَأَته تَزني أَو أقرَّت عِنْده بِالزِّنَا أَو أخبرهُ بذلك ثِقَة أَو استفاض فِي النَّاس أَن رجلا يَزْنِي بهَا ثمَّ وجده عِنْدهَا وَلم يكن هُنَاكَ نسب يلْحقهُ من(2/139)
هَذَا الزِّنَا فَلهُ أَن يقذفها بِالزِّنَا
لِأَنَّهُ إِذا رَآهَا فقد تحقق زنَاهَا
وَإِذا أقرَّت عِنْده أَو أخبرهُ ثِقَة أَو استفاض فِي النَّاس وَوجد الرجل عِنْدهَا غلب على ظَنّه زنَاهَا
فَجَاز لَهُ قَذفهَا
وَلَا يجب عَلَيْهِ قَذفهَا لما رُوِيَ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن امْرَأَتي لَا ترد يَد لامس تعريضا مِنْهُ بزناها فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلقهَا
فَقَالَ إِنِّي أحبها
قَالَ أمْسكهَا
وروى عبد الله بن مَسْعُود أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن وجد رجل مَعَ امْرَأَته رجلا فَتكلم جلدتموه أَو قتل قَتَلْتُمُوهُ أَو سكت سكت على غيظ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ افْتَحْ
فَنزلت آيَة اللّعان فَظهر أَنه يتَكَلَّم أَو يسكت وَلم يُنكر عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما إِذا لم يظْهر على الْمَرْأَة بَيِّنَة بِالزِّنَا وَلَا سَبَب حرم عَلَيْهِ قَذفهَا
لقَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم لَا تحسبوه شرا لكم بل هُوَ خير لكم لكل امْرِئ مِنْهُم مَا اكْتسب من الْإِثْم وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم}
وَلما رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قذف مُحصنَة أحبط الله عمله ثَمَانِينَ عَاما
وَإِن أخبرهُ بزناها من لَا يَثِق بقوله حرم عَلَيْهِ قَذفهَا
لِأَنَّهُ لَا يغلب على الظَّن إِلَّا قَول الثِّقَة
وَإِن وجد عِنْدهَا رجلا وَلم يستفض فِي النَّاس أَنه يَزْنِي بهَا حرم عَلَيْهِ قَذفهَا لجَوَاز أَن يكون دخل إِلَيْهَا هَارِبا أَو لطلب الزِّنَا وَلم تجبه فَلَا يجوز قَذفهَا بِأَمْر مُحْتَمل
وَاللّعان يَمِين مُؤَكدَة بِلَفْظ شَهَادَة
وَقيل فِيهَا ثُبُوت شَهَادَة
وَيشْتَرط فِي الْملَاعن أَهْلِيَّة الْيَمين والزوجية
فَلَا يَصح لعان صبي وَمَجْنُون
وَيصِح من ذمِّي ورقيق ومحدود فِي الْقَذْف
فَإِذا نفى الرجل حمل زَوجته وَلم يقر بِهِ ترافعا إِلَى الْحَاكِم ولاعن لإِسْقَاط الْحَد عَن نَفسه وَنفي ذَلِك النّسَب عَنهُ(2/140)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
أجمع الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من قذف امْرَأَته أَو رَمَاهَا بِالزِّنَا أَو نفى حملهَا
وأكذبته وَلَا بَيِّنَة لَهُ أَنه يجب عَلَيْهِ الْحَد وَله أَن يُلَاعن وَهُوَ أَن يُكَرر الْيَمين أَربع مَرَّات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين ثمَّ يَقُول فِي الْخَامِسَة إِن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
فَإِذا لَاعن لَزِمَهَا حِينَئِذٍ الْحَد
وَلها درؤه بِاللّعانِ
وَهُوَ أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين ثمَّ تَقول فِي الْخَامِسَة إِن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
فَإِن نكل الزَّوْج عَن اللّعان لزمَه الْحَد عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَن الشَّافِعِي يَقُول إِذا نكل فسق وَمَالك يَقُول لَا يفسق حَتَّى يحد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حد عَلَيْهِ بل يحبس حَتَّى يُلَاعن أَو يقر
وَإِن نكلت الزَّوْجَة حبست حَتَّى تلاعن أَو تقر عِنْد أبي حنيفَة وَفِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجب عَلَيْهَا الْحَد
وَاخْتلفُوا هَل اللّعان بَين كل زَوْجَيْنِ حُرَّيْنِ كَانَا أَو عدين أَو أَحدهمَا عَدْلَيْنِ كَانَا أَو فاسقين أَو أَحدهمَا فَعِنْدَ مَالك إِن كل مُسلم صَحَّ طَلَاقه صَحَّ لِعَانه حرا كَانَ أَو عبدا عدلا كَانَ أَو فَاسِقًا
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد غير أَن الْكَافِر يجوز طَلَاقه ولعانه عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَالْكَافِر عِنْد مَالك لَا يَقع طَلَاقه
لِأَن أنكحة الْكفَّار عِنْده فَاسِدَة فَلَا يَصح لِعَانه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة اللّعان شَهَادَة
فَمَتَى قذف وَلَيْسَ هُوَ من أهل الشَّهَادَة حد
وَهل يَصح اللّعان لنفي الْحمل قبل وَضعه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد إِذا نفى حمل امْرَأَته فَلَا لعان بَينهمَا
وَلَا يَنْتَفِي عَنهُ
فَإِن قَذفهَا بِصَرِيح الزِّنَا لَا عَن الْقَذْف وَلم ينف نسبه سَوَاء وَلدته لسِتَّة أشهر أَو لأَقل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُلَاعن لنفي الْحمل إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن يكون استبراؤها بِثَلَاث حيضات أَو بِحَيْضَة على خلاف بَين أَصْحَابه
فصل وَفرْقَة التلاعن
بَين الزَّوْجَيْنِ بالِاتِّفَاقِ
وَاخْتلفُوا بِمَاذَا تقع فَقَالَ مَالك تقع بلعانها خَاصَّة من غير تَفْرِقَة الْحَاكِم وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد أظهر روايتيه لَا تقع إِلَّا بلعانهما وَحكم الْحَاكِم
فَيَقُول فرقت بَينهمَا
وَقَالَ الشَّافِعِي تقع بِلعان الزَّوْج خَاصَّة كَمَا يَنْتَفِي النّسَب بلعانه وَإِنَّمَا لعانهما يسْقط الْحَد عَنْهُمَا(2/141)
وَاخْتلفُوا هَل ترْتَفع الْفرْقَة بتكذيب الزَّوْج نَفسه أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة ترْتَفع
فَإِذا كذب نَفسه جلد الْحَد
وَكَانَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه هِيَ فرقة مُؤَبّدَة لَا ترفع بِحَال
وَاخْتلفُوا هَل فرقة اللّعان فسخ أَو طَلَاق فَقَالَ أَبُو حنيفَة طَلَاق بَائِن
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فسخ
وَفَائِدَته أَنه إِذا كَانَ طَلَاقا لم يتأبد التَّحْرِيم
وَإِن أكذب نَفسه جَازَ لَهُ أَن يَتَزَوَّجهَا
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ هُوَ تَحْرِيم مؤبد كالرضاع فَلَا تحل لَهُ أبدا
وَبِه قَالَ عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَعَطَاء وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري
وَقَالَ سعيد بن جُبَير إِنَّمَا يَقع بِاللّعانِ تَحْرِيم الِاسْتِمْتَاع
فَإِذا أكذب نَفسه ارْتَفع التَّحْرِيم وعادت زَوجته إِن كَانَت فِي الْعدة
فصل وَلَو قذف زَوجته
بِرَجُل بِعَيْنِه فَقَالَ زنى بك فلَان فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تلاعن الزَّوْجَة وَيحد للرجل الَّذِي قذفه إِن طلب الْحَد
وَلَا يسْقط بِاللّعانِ
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا يحد حدا وَاحِدًا لَهما وَهُوَ الرَّاجِح
وَالثَّانِي يحد لكل وَاحِد مِنْهُمَا حدا
فَإِن ذكر الْمَقْذُوف فِي لِعَانه سقط الْحَد
وَقَالَ أَحْمد عَلَيْهِ حد وَاحِد لَهما وَيسْقط بلعانهما
وَلَو قَالَ لزوجته يَا زَانِيَة وَجب عَلَيْهِ الْحَد إِن لم يُثبتهُ
وَلَيْسَ عِنْد مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ أَن يُلَاعن حَتَّى يَدعِي رُؤْيَته بِعَيْنِه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَهُ أَن يُلَاعن وَإِن لم يذكر رُؤْيَة
فصل لَو شهد على الْمَرْأَة
أَرْبَعَة مِنْهُم الزَّوْج
فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَصح
وَكلهمْ قذفة
يحدون إِلَّا الزَّوْج فَيسْقط حَده بِاللّعانِ
وَعند أبي حنيفَة تقبل شَهَادَتهم وتحد الزَّوْجَة
وَلَو لاعنت الْمَرْأَة قبل الزَّوْج اعْتد بِهِ عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يعْتد بِهِ
فصل والأخرس
إِذا كَانَ يعقل الْإِشَارَة وَيفهم الْكِتَابَة وَيعلم مَا يَقُوله
فَإِنَّهُ يَصح لِعَانه وقذفه عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَكَذَلِكَ الخرساء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا(2/142)
وَإِذا بَانَتْ زَوجته مِنْهُ ثمَّ رَآهَا تَزني فِي الْعدة فَلهُ عِنْد مَالك أَن يُلَاعن
وَكَذَا إِن تبين بهَا حمل بعد طَلَاقه وَلَو قَالَ كنت استبرأتها بِحَيْضَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ هُنَاكَ حمل أَو ولد فَلهُ أَن يُلَاعن وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَيْسَ لَهُ أَن يُلَاعن أصلا
وَلَو تزوج امْرَأَة وَطَلقهَا عقب العقد من غير إِمْكَان وَطْء وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر من العقد لم يلْحق بِهِ عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد كَمَا لَو أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا عقد عَلَيْهَا بِحَضْرَة الْحَاكِم ثمَّ طَلقهَا عقب العقد فَأَتَت بِولد لسِتَّة أشهر لحق بِهِ وَإِن لم يكن هُنَاكَ إِمْكَان وَطْء
وَإِنَّمَا يعْتَبر أَن تَأتي بِهِ لسِتَّة أشهر فَقَط لَا أَكثر مِنْهَا وَلَا أقل
لِأَنَّهَا إِن أَتَت بِهِ لأكْثر من سِتَّة أشهر يكون الْوَلَد حَادِثا بعد الطَّلَاق الثَّلَاث فَلَا يلْحقهُ
وَإِن أَتَت بِهِ لأَقل من سِتَّة أشهر كَانَ الْوَلَد حَادِثا قبل العقد فَلَا يلْحق بِهِ
وَقَالَ أَيْضا لَو تزوج امْرَأَة وَغَابَ عَنْهَا السنين الطوَال فَأَتَاهَا خبر وَفَاته فاعتدت
ثمَّ تزوجت وَأَتَتْ بأولاد من الثَّانِي ثمَّ قدم الأول
فَإِن الْأَوْلَاد يلحقون بِالْأولِ وينتفون من الثَّانِي
وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يكونُونَ للثَّانِي
وَقَالَ أَيْضا لَو تزوج وَهُوَ بالمشرق امْرَأَة وَهِي بالمغرب وَأَتَتْ بِولد لسِتَّة أشهر من العقد
كَانَ الْوَلَد مُلْحقًا بِهِ وَإِن كَانَ بَينهمَا مَسَافَة لَا يُمكن أَن يلتقيا أصلا لوُجُود العقد
انْتهى
فَائِدَة قَالَ ابْن عبد السَّلَام فِي الْقَوَاعِد إِذا قَالَ الرجل أَنْت أزنى النَّاس أَو أَنْت أزنى من زيد فَظَاهر هَذَا اللَّفْظ أَن زِنَاهُ أَكثر من زنا سَائِر النَّاس أَو من زنا زيد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا حد عَلَيْهِ حَتَّى يَقُول أَنْت أزنى زناة النَّاس أَو فلَان زَان وَأَنت أزنى مِنْهُ وَفِي هَذَا بعد من جِهَة أَن الْمجَاز قد غلب على هَذَا اللَّفْظ
فَيُقَال فلَان أَشْجَع النَّاس وأسخى النَّاس وَأعلم النَّاس
وَالنَّاس كلهم يفهمون من هَذَا اللَّفْظ أَنه أَشْجَع شجعان النَّاس وأسخى أسخياء النَّاس
وَالتَّعْبِير الَّذِي وَجب الْحَد لأَجله حَاصِل من هَذَا اللَّفْظ حُصُوله بقوله أَنْت زَان
فرع كل حد أَو تَعْزِير ثَبت بِطَلَب شخص سقط بعفوه بِشَرْط أَهْلِيَّته
المصطلح
وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة مَا إِذا نفى الرجل حمل زَوجته وَكَانَ حملا ظَاهرا وترافعا إِلَى الْحَاكِم
فَإِن كَانَ بَينهمَا كتاب يشْهد بِالزَّوْجِيَّةِ كتب محضرا صورته حضر شُهُود يعْرفُونَ فلَانا(2/143)
وفلانة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا ويؤرخ
وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي الحاكمي الْفُلَانِيّ
ثمَّ يثبت هَذَا الْمحْضر عِنْد الْحَاكِم بِشَهَادَة من شهد فِيهِ ثمَّ يكْتب على ظهر كتاب الزَّوْجَة أَو على ظهر هَذَا الْمحْضر حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ هَذَا الْحَاكِم أَو غَيره فلَان وفلانة
واعترفا أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي إِن كَانَ ذَلِك على ظهر كتاب الزَّوْجَة ثمَّ يَقُول على الحكم المشروح بَاطِنه
وَإِن كَانَ على ظهر الْمحْضر فَيَقُول لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة فِي الْمحْضر المسطر بَاطِنه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بَاطِنه
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ على الحكم المشروح بَاطِنه
وَإِن كَانَ الثُّبُوت عِنْد غير الْحَاكِم الَّذِي أثبت الْمحْضر فَتَقَع الدَّعْوَى عِنْده
وَلَا بُد من إِيصَال ثُبُوت النِّكَاح بِهِ ادّعى الزَّوْج الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أَن زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة مَعَه فِيهِ حَامِل وَلَيْسَ هَذَا الْحمل مِنْهُ
وَإِنَّمَا زنت بِهِ وَنفى الْحمل الْمَذْكُور
وَادعت الزَّوْجَة أَن الْحمل مِنْهُ وَلم يصدقها عَلَيْهِ
فخوفهما الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِاللَّه تَعَالَى ووعظهما وَزَاد فِي تخويفهما وتحذيرهما
فأصر كل مِنْهُمَا على مَا قَالَه وَلم يرجع واستمرا على ذَلِك
فَاقْتضى الْحَال الحكم بَينهمَا بِمَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة المطهرة
وبرز أَمر الإِمَام الْأَعْظَم بذلك
فَقضى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِاللّعانِ بَين هذَيْن الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين
وَأمر بتحليفهما بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع بِحُضُور جمَاعَة من الْفُقَهَاء الْعُدُول المتميزين والصلحاء والأخيار وَمن حضر من الْمُسلمين
على نَص كتاب الله الْعَظِيم
فَتقدم الزَّوْج الْمَذْكُور
وَقَامَ قَائِما على قَدَمَيْهِ بالجامع فِي دبر صَلَاة الْعَصْر من يَوْم الْجُمُعَة من شهر كَذَا سنة كَذَا عِنْد الْمِنْبَر واستقبل الْقبْلَة بِحَضْرَة زَوجته وَمن حضر بِالْمَجْلِسِ الْمَذْكُور من الْمُسلمين
وَحلف أَرْبَعَة أَيْمَان بِاللَّه كَمَا أوجب الله أَن يحلف بِهِ فِي الْوَقْت الْمَذْكُور وَهُوَ يُشِير إِلَى زَوجته الْمَذْكُورَة أَنه فِيمَا قَالَه لمن الصَّادِقين
وَقَالَ فِي الْخَامِسَة وَأَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين
وَحلفت الزَّوْجَة فِي الْموضع الْمَذْكُور عَقِيبه وَهِي مُسْتَقْبلَة الْقبْلَة أَرْبَعَة أَيْمَان بِاللَّه إِنَّه لمن الْكَاذِبين
وَقَالَت فِي الْخَامِسَة وَأَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين(2/144)
وَتثبت أَيْمَان كل مِنْهُمَا على مَا نَص فِي كتاب الله الْعَزِيز عِنْد سيدنَا الْمشَار إِلَيْهِ وتشخيصهما عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فبحكم ذَلِك وَقَضيته وَقعت الْفرْقَة بَين هذَيْن المتلاعنين بِمُقْتَضى اللّعان الْوَاقِع بَينهمَا على الحكم المشروح أَعْلَاهُ وَحرم عَلَيْهِمَا أَن يتناكحا أبدا
وَأسْقط هَذَا اللّعان نسب حمل الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة من فلَان الْمَذْكُور
وَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ بِمُوجب هَذَا اللّعان وَقَضيته وَقضى بذلك وأمضاه
وألزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وإبقاء كل ذِي حجَّة مُعْتَبرَة على حجَّته إِن كَانَت
وَأسْقط الْقَذْف عَن فلَان فِيمَا رمى بِهِ فُلَانَة من لِعَانه وَأسْقط الْحَد عَنْهَا فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مَوضِع لعانها
واعترف الْمَحْكُوم عَلَيْهِمَا أَن لَا دَافع لَهما فِيمَا حكم بِهِ عَلَيْهِمَا
وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
صُورَة الْإِقْرَار بِنَفْي ولد جَارِيَته مملوكته بعد الْوَطْء والاستبراء وَعدم الْوَطْء بعد أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه كَانَ قبل تَارِيخه وطىء مملوكته فُلَانَة وَيذكر جِنْسهَا الْمسلمَة المقرة لَهُ بِالرّقِّ والعبودية ثمَّ استبرأها بعد الْوَطْء اسْتِبْرَاء صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأَنه لم يَطَأهَا بعد الِاسْتِبْرَاء وَأَنَّهَا بعد ذَلِك أَتَت بِولد وسمته فلَانا وَأَنه الْآن فِي قيد الْحَيَاة
وَأَن هَذَا الْوَلَد الْمَذْكُور لَيْسَ هُوَ من صلبه وَلَا نسب بَينه وَبَينه
وَأشْهد على نَفسه بذلك بِحُضُور جَارِيَته الْمَذْكُورَة
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا أقرّ بِولد رزقه من جَارِيَته سبق فِي كتاب الْإِقْرَار
وَالله أعلم(2/145)
كتاب الْعدَد
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي وجوب الْعدة قَوْله تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء}
وَجُمْلَة ذَلِك أَن الزَّوْجَة يجب عَلَيْهَا الْعدة بِطَلَاق الزَّوْج أَو بوفاته
فَأَما عدَّة الطَّلَاق فَينْظر فِيهَا
فَإِن طَلقهَا قبل الدُّخُول بهَا وَالْخلْوَة لم تجب الْعدة لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} الْأَحْزَاب 94
وَإِن طَلقهَا بعد أَن دخل بهَا وَجَبت عَلَيْهَا الْعدة
لِأَن الله تَعَالَى لما لم يُوجب عَلَيْهَا الْعدة إِذا طلقت قبل الدُّخُول دلّ على أَنَّهَا تجب عَلَيْهَا الْعدة بعد الدُّخُول
لِأَن رَحمهَا قد صَار مَشْغُولًا بِمَاء الزَّوْج
فَوَجَبت عَلَيْهَا الْعدة لبراءته مِنْهُ
وَإِن طَلقهَا بعد الْخلْوَة وَقبل الدُّخُول
فقد نَص الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد على أَن الْخلْوَة لَا تَأْثِير لَهَا فِي اسْتِقْرَار الْمهْر وَلَا فِي إِيجَاب الْعدة وَلَا فِي قُوَّة قَول من يَدعِي الْإِصَابَة
وَسَيَأْتِي الْخلاف بَين الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم فِي ذَلِك
وعدة النِّسَاء قِسْمَانِ
أَحدهمَا يتَعَلَّق بفرقة تحصل بعد الدُّخُول كَمَا تقدم
فَإِذا وَجَبت الْعدة على الْمُطلقَة فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون حَامِلا أَو حَائِلا
فَإِن كَانَت حَامِلا لم تنقض عدتهَا إِلَّا بِوَضْع الْحمل حرَّة كَانَت أَو أمة
لقَوْله تَعَالَى {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} الطَّلَاق 4 وَلِأَن الْعدة ترَاد لبراءة الرَّحِم
وَبَرَاءَة الرَّحِم تحصل بِوَضْع الْحمل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السبايا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض(2/146)
والحرة الَّتِي تطهر وتحيض تَعْتَد بعد الطَّلَاق بِثَلَاثَة قُرُوء
والقرء الطُّهْر فَإِذا طلقت وَهِي طَاهِرَة فَحَاضَت ثمَّ طهرت ثمَّ حَاضَت ثمَّ طهرت ثمَّ حَاضَت فقد مَضَت الْعدة
وَالأَصَح أَنه لَا حَاجَة إِلَى مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة من الْحَيْضَة الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة
وَهل يحْسب طهر الَّتِي لم تَحض أصلا قرءا فِيهِ قَولَانِ
بِنَاء على أَن الْمُعْتَبر فِي الْقُرْء الِانْتِقَال من الطُّهْر إِلَى الْحيض أَو الطُّهْر المحتوش بَين دمين
وَالْأَظْهَر الثَّانِي
والمستحاضة تَعْتَد بأقرائها الْمَرْدُودَة إِلَيْهَا من الْعَادة أَو الْأَقَل أَو الْغَالِب
والناسية الْمَأْمُورَة بِالِاحْتِيَاطِ تَنْقَضِي عدتهَا بِثَلَاثَة أشهر على أصح الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّالِث أَنَّهَا تَتَرَبَّص إِلَى سنّ الْيَأْس ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر
وَأما الْأمة فَإِنَّهَا تَعْتَد بقرأين
وَالْمُكَاتبَة والمستولدة وَمن بَعْضهَا رَقِيق كالقنة
وَإِن عتقت الْأمة فِي الْعدة فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة
فالجديد وَأحد قولي الْقَدِيم أَنَّهَا تكمل عدَّة الْحَرَائِر
وَإِن كَانَت بَائِنَة
فالقديم وَأحد قولي الْجَدِيد إِنَّهَا تَعْتَد بقرأين
والحرة الَّتِي لَا ترى الدَّم لصِغَر أَو يأس إِذا طلقت تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر هلالية
فَإِن طلقت فِي أثْنَاء الشَّهْر وانكسر ذَلِك الشَّهْر فَيعْتَبر بعده شَهْرَان بالهلال
ويكمل المنكسر ثَلَاثِينَ
وَلَو كَانَت تَعْتَد بِالْأَشْهرِ فَحَاضَت قبل تَمامهَا انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء
وَالْأمة الَّتِي لَا ترى الدَّم هَل تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر أَيْضا أَو بشهرين أَو بِشَهْر وَنصف فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أولاها الثَّالِث
وللواتي انْقَطع دمهن لعِلَّة مَعْرُوفَة كرضاع وَمرض يَتَرَبَّصْنَ إِلَى أَن يحضن فيعتددن بِالْأَقْرَاءِ أَو يئسن فيعتددن بِالْأَشْهرِ
واللواتي انْقَطع دمهن لَا لعِلَّة تعرف كَذَلِك حكمهن على الْجَدِيد
وَفِي الْقَدِيم لَا يكلفن التَّرَبُّص إِلَى سنّ الْيَأْس بل يَتَرَبَّصْنَ تِسْعَة أشهر فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَأَرْبع سِنِين فِي الثَّانِي ثمَّ يعتددن بِالْأَشْهرِ(2/147)
وعَلى الْجَدِيد لَو رَأَتْ إِحْدَاهُنَّ الدَّم بعد سنّ الْيَأْس قبل تَمام الْأَشْهر انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء
وَإِن رَأَتْ بعد تَمام الْأَشْهر فَأشبه الْأَقْوَال بالترجيح أَنَّهَا إِن لم تنْكح بعد فتنتقل إِلَى الْأَقْرَاء وَإِن نكحت لم تُؤثر رُؤْيَة الدَّم
وَهل النّظر فِي سنّ الْيَأْس إِلَى جَمِيع النِّسَاء أَو إِلَى نسَاء الْعَشِيرَة قَولَانِ
الثَّانِي أقرب إِلَى التَّرْجِيح
وَهَذَا جَمِيعه فِي الْحَائِل
وَأما الْحَوَامِل فأجلهن أَن يَضعن حَملهنَّ
وَيشْتَرط فِي انْقِضَاء الْعدة بِوَضْع الْحمل شَرْطَانِ
أَحدهمَا أَن يكون الْحمل مَنْسُوبا إِلَى من يعْتد مِنْهُ ظَاهرا أَو احْتِمَالا كَمَا فِي النَّفْي بِاللّعانِ
أما إِذا لم يتَصَوَّر أَن يكون الْوَلَد مِنْهُ فَلَا تَنْقَضِي الْعدة مِنْهُ بِالْوَضْعِ
وَالثَّانِي أَن ينْفَصل الْحمل بِتَمَامِهِ
فَلَو كَانَت حَامِلا بتوأمين لم تنقض الْعدة حَتَّى ينْفَصل الثَّانِي بِكَمَالِهِ
وَمهما كَانَ الزَّمن المتخلل بَين الْوَلَدَيْنِ دون سِتَّة أشهر فهما توأمان
وَلَا فرق فِي انْقِضَاء الْعدة بَين أَن يكون الْوَلَد ولد حَيا أَو مَيتا
وَلَا تَنْقَضِي بِإِسْقَاط الْعلقَة
وتنقضي بِإِسْقَاط المضغة إِن ظَهرت فِيهَا صُورَة الْآدَمِيّين
إِمَّا بَيِّنَة كيد أَو إِصْبَع يَرَاهَا كل من ينظر إِلَيْهَا أَو خُفْيَة يخْتَص بمعرفتها القوابل
وَإِن لم يظْهر فِيهَا صُورَة بَيِّنَة وَلَا خُفْيَة وَقَالَت القوابل إِنَّهَا أصل الْآدَمِيّ فَكَذَلِك
وَلَو كَانَت تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ أَو الْأَشْهر فَظهر بهَا حمل من الزَّوْج فعدتها بِالْوَضْعِ
وَإِن ارتابت فَلَيْسَ لَهَا أَن تنْكح حَتَّى تَزُول الرِّيبَة
وَإِن عرضت الرِّيبَة بعد تَمام الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر أَو بَعْدَمَا نكحت زوجا آخر فَلَا يحكم يبطلان النِّكَاح إِلَّا إِذا تحققنا كَونهَا حَامِلا يَوْم النِّكَاح بِأَن ولدت لأَقل من سِتَّة أشهر من يَوْمئِذٍ
وَإِن كَانَت قبل نِكَاح زوج آخر
فَالْأولى الصَّبْر إِلَى زَوَال الرِّيبَة
فَإِن لم تصبر ونكحت فَالْأَصَحّ أَنه لَا يحكم بِبُطْلَانِهِ فِي الْحَال فَإِن تحقق الْحَاكِم مَا يَقْتَضِيهِ حكم حِينَئِذٍ بِالْبُطْلَانِ
وَمن أبان زَوجته بِالْخلْعِ أَو غَيره ثمَّ أَتَت بِولد لأَرْبَع سِنِين فَمَا دونهَا لحقه
وَإِن كَانَ لأكْثر من هَذِه الْمدَّة لم يلْحقهُ
وَلَو طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فالمدة تحسب من وَقت انصرام الْعدة أَو من وَقت الطَّلَاق فِيهِ قَولَانِ
رجح مِنْهُمَا الثَّانِي(2/148)
وَلَو نكحت بعد انْقِضَاء الْعدة وَأَتَتْ بِولد لما دون سِتَّة أشهر فَكَأَنَّهَا لم تنْكح
وَإِن كَانَ لسِتَّة أشهر فَأكْثر فَالْوَلَد للثَّانِي
وَإِن نكحت الْمُطلقَة نِكَاحا فَاسِدا بِأَن نكحت فِي الْعدة وَأَتَتْ بِولد
فَإِن أَتَت بِهِ لزمان الْإِمْكَان من الأول دون الثَّانِي
فَيلْحق بِالْأولِ
وتنقضي الْعدة بِوَضْعِهِ ثمَّ تَعْتَد عَن الثَّانِي
وَإِن كَانَ الْإِمْكَان من الثَّانِي دون الأول
فَيلْحق بِالثَّانِي
وَإِن وجد الْإِمْكَان مِنْهُمَا جَمِيعًا فَيعرض على الْقَائِف
فَإِن ألحقهُ بِأَحَدِهِمَا فَالْحكم كَمَا لَو كَانَ الْإِمْكَان مِنْهُ خَاصَّة
وَإِذا اجْتمع على الْمَرْأَة عدتان من شخص وَاحِد من جنس وَاحِد بِأَن طَلقهَا ثمَّ وَطئهَا وَهِي فِي عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ أَو الْأَشْهر جَاهِلا إِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا وعالما أَو جَاهِلا إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فتتداخل العدتان
وَمعنى التَّدَاخُل أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء أَو بِثَلَاثَة أشهر من وَقت الْوَطْء
فيندرج فِيهِ مِنْهَا مَا بَقِي من عدَّة الطَّلَاق
وَإِن كَانَ فِي إِحْدَى العدتين بِالْحملِ وَالْأُخْرَى بِالْأَقْرَاءِ بِأَن طَلقهَا وَهِي حَائِل ثمَّ وَطئهَا فِي الْأَقْرَاء وأحبلها أَو طَلقهَا وَهِي حَائِل ثمَّ وَطئهَا قبل الْوَضع فَفِي دُخُول الْأَقْرَاء فِي الْحمل وَجْهَان
أشبههما الدُّخُول وانقضاء العدتين جَمِيعًا بِالْوَضْعِ
وَله الرّجْعَة إِلَى أَن تضع إِن طَرَأَ الْوَطْء وَهِي تَعْتَد بِالْحملِ
وَكَذَا إِن وجد الْحمل وَهِي تَعْتَد بِالْأَقْرَاءِ عَن الطَّلَاق فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِن كَانَت العدتان من شَخْصَيْنِ كَمَا إِذا كَانَت فِي عدَّة عَن زوج أَو وَطْء شُبْهَة فَوَطِئَهَا آخر بِالشُّبْهَةِ أَو فِي نِكَاح فَاسد أَو كَانَت الْمَنْكُوحَة فِي عدَّة وَطْء شُبْهَة فَطلقهَا زَوجهَا فَلَا تدَاخل
وَتعْتَد عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عدَّة كَامِلَة ثمَّ تنظر
فَإِن لم يكن حمل وَسبق الطَّلَاق وَطْء الشُّبْهَة
أتمت عدَّة الطَّلَاق
فَإِذا فرغت استأنفت الْعدة الْأُخْرَى
وَللزَّوْج الرّجْعَة فِي عدته إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا فَإِذا رَاجع تَنْقَطِع عدته
وتشرع فِي عدَّة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ
وَلَا يسْتَمْتع الزَّوْج بهَا إِلَى أَن تَنْقَضِي الْعدة
وَإِن سبق الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ الطَّلَاق فَتقدم عدَّة الْوَطْء أَو عدَّة الطَّلَاق فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا الثَّانِي
وَإِن كَانَ هُنَاكَ حمل
فَتقدم عدَّة الْحمل مِنْهُ سَابِقًا كَانَ الْحمل أَو لاحقا(2/149)
وَإِذا هجر الزَّوْج الْمُطلقَة أَو غَابَ عَنْهَا انْقَضتْ عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ أَو الْأَشْهر
وَلَو كَانَ يخالطها أَو يعاشرها معاشرة الْأزْوَاج
فَالَّذِي رَجحه المعتبرون أَنه إِن كَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا لم تنقض الْعدة
وَإِن كَانَ بَائِنا انْقَضتْ
قَالُوا وَلَيْسَ لَهُ الرّجْعَة إِلَّا فِي الْأَقْرَاء أَو الْأَشْهر وَإِن لم يحكم بِانْقِضَاء الْعدة فِي الرَّجْعِيَّة
وَلَو نكح مُعْتَدَّة على ظن الصِّحَّة وَوَطئهَا لم تحسب زمَان استفراشه إِيَّاهَا من مُدَّة الطَّلَاق
وَمن أَي وَقت يحكم بِانْقِطَاع الْعدة فِيهِ قَولَانِ أَو وَجْهَان
أَحدهمَا من وَقت العقد
وأصحهما من وَقت الْوَطْء
وَلَو رَاجع الْمُطلقَة ثمَّ طَلقهَا نظر
إِن أَصَابَهَا بعد الرّجْعَة فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْعدة وَإِن لم يصبهَا فَكَذَلِك على الْجَدِيد
هَذَا إِذا كَانَت حَائِلا
فَإِن كَانَت حَامِلا فَطلقهَا بَائِنا قبل الْوَضع
انْقَضتْ الْعدة بِالْوَضْعِ أَصَابَهَا أَو لم يصبهَا
وَإِن وضعت ثمَّ طَلقهَا وَجب اسْتِئْنَاف الْعدة إِن أَصَابَهَا
وَكَذَا إِن لم يصبهَا على الْأَصَح
وَلَو جَامع الْمَدْخُول بهَا
ثمَّ جدد نِكَاحهَا وأصابها ثمَّ طَلقهَا أَو خَالعهَا ثَانِيًا
فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْعدة
وَتدْخل فِيهَا بَقِيَّة الْعدة السَّابِقَة
عدَّة الْوَفَاة
وَأما الْقسم الثَّانِي فَهُوَ عدَّة الْفِرَاق بوفاة الزَّوْج
ومدتها فِي حق الْحرَّة أَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام بلياليها
وَفِي حق الْأمة شَهْرَان وَخَمْسَة أَيَّام لَا فرق فِي وُجُوبهَا بَين ذَوَات الْأَقْرَاء وغيرهن والمدخول بِهن وَغير الْمَدْخُول بِهن
وَتعْتَبر الْمدَّة بالهلال مَا أمكن
فَإِن انطبق الْمَوْت على أول الْهلَال حسبت أَرْبَعَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وضمت إِلَيْهَا عشرَة أَيَّام من الشَّهْر الْخَامِس
وَإِن مَاتَ الزَّوْج فِي خلال شهر هِلَال وَكَانَ الْبَاقِي دون الْعشْرَة فتعد وتحسب أَرْبَعَة أشهر بعده بِالْأَهِلَّةِ ثمَّ تكمل الْعشْرَة
وَلَو مَاتَ الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِي عدَّة الطَّلَاق
فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة
انْتَقَلت إِلَى عدَّة الْوَفَاة
وَإِن كَانَت بَائِنا أكملت عدَّة الطَّلَاق وَلم تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة(2/150)
هَذَا إِذا لم تكن الْمُتَوفَّى عَنْهَا حَامِلا
فَإِن كَانَت حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل بِتَمَامِهِ
وَيشْتَرط أَن يكون الْحمل مِنْهُ ظَاهرا أَو احْتِمَالا كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا فِي عدَّة الطَّلَاق
أما الصَّبِي الَّذِي لَا ينزل إِذا مَاتَ وَامْرَأَته حَامِل فعدتها بِالْأَشْهرِ لَا بِالْوَضْعِ وَكَذَا الحكم فِي الْمَمْسُوح الَّذِي لم يبْق ذكره وَلَا أنثياه
فَلَا يلْحقهُ الْوَلَد على ظَاهر الْمَذْهَب
والمجبوب الذّكر الْبَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ يلْحقهُ الْوَلَد فَتعْتَد امْرَأَته عَن الْوَفَاة بِوَضْع الْحمل وَكَذَا المسلول الخصيتين الْبَاقِي الذّكر على الْأَظْهر
وَلَو طلق إِحْدَى امرأتيه وَمَاتَتْ قبل الْبَيَان أَو التَّعْيِين فَإِن لم يكن قد دخل بِوَاحِدَة مِنْهُمَا اعتدتا عدَّة الْوَفَاة
وَإِن كَانَ قد دخل بهما وهما من ذَوَات الْأَقْرَاء وَكَانَ الطَّلَاق رَجْعِيًا اعتدتا عدَّة الْوَفَاة
وَإِن كَانَ الطَّلَاق بَائِنا فَتعْتَد كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بأقصى الْأَجَليْنِ من عدَّة الْوَفَاة وَمن ثَلَاثَة أَقراء من أقرائها
وتحسب الْأَقْرَاء من وَقت الطَّلَاق
وعدة الْوَفَاة من وَقت الْوَفَاة
وَأما الْغَائِب الْمُنْقَطع الْخَبَر فَلَا يجوز لزوجته أَن تنْكح زوجا آخر حَتَّى تتيقن مَوته أَو طَلَاقه
وَفِي الْقَدِيم أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد عدَّة الْوَفَاة ثمَّ تنْكح
وَلَو حكم بِمُقْتَضى الْقَدِيم حَاكم فَهَل ينْقض حكمه تَفْرِيعا على الْجَدِيد فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا نعم ينْقض
وَلَو نكحت بعد التَّرَبُّص وَالْعدة وَبَان أَن الْمَفْقُود كَانَ مَيتا حِينَئِذٍ فَفِي صِحَة النِّكَاح على الْجَدِيد وَجْهَان بِنَاء على الْخلاف فِيمَا إِذا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن حَيَاته فَبَان أَنه كَانَ مَيتا
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن عدَّة الْحَامِل مُطلقًا بِالْوَضْعِ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا والمطلقة
وعَلى أَن عدَّة من لم تَحض أَو يئست ثَلَاثَة أشهر
وعَلى أَن عدَّة من لم تَحض ثَلَاثَة أَقراء إِذا كَانَت حرَّة
فَإِن كَانَت أمة فقرآن بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ دَاوُد ثَلَاثَة(2/151)
والأقراء الْأَطْهَار عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَعند أبي حنيفَة الْأَقْرَاء الْحيض
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة الَّتِي مَاتَ زَوجهَا فِي طَرِيق الْحَج
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمهَا الْإِقَامَة على كل حَال إِن كَانَت فِي بلد أَو مَا يُقَارِبه
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِن خَافت فَوَات الْحَج بِالْإِقَامَةِ لقَضَاء الْعدة جَازَ لَهَا السّفر
وَاخْتلفُوا فِي زَوْجَة الْمَفْقُود
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد الرَّاجِح وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا تحل للأزواج حَتَّى تمْضِي عَلَيْهَا مُدَّة لَا يعِيش فِي مثلهَا غَالِبا
وَحدهَا أَبُو حنيفَة بِمِائَة وَعشْرين سنة
وَحدهَا الشَّافِعِي وَأحمد بتسعين سنة
فعلى الْجَدِيد للزَّوْجَة طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا
فَإِن تَعَذَّرَتْ كَانَ لَهَا الْفَسْخ لتعذر النَّفَقَة على أظهر قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من متأخري أَصْحَابه وَهُوَ قوي فعله وَلم تنكره الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تَتَرَبَّص أَربع سِنِين
وَهِي أَكثر مُدَّة الْحمل وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرا مُدَّة الْوَفَاة
ثمَّ تحل للأزواج
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمَفْقُود
فَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد هُوَ الَّذِي اندرس أَثَره
وَانْقطع خَبره
وَغلب على الظَّن مَوته
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم لَا فرق بَين أَن يَنْقَطِع خَبره بِسَبَب ظَاهره الْهَلَاك أم لَا
وَقَالَ أَحْمد هُوَ الَّذِي يَنْقَطِع خَبره بِسَبَب ظَاهره الْهَلَاك كالمفقود بَين الصفين أَو يكون فِي مركب فتغرق الْمركب
فَيسلم قوم ويغرق قوم
أما إِذا سَافر بِتِجَارَة وَانْقطع خَبره وَلم يعلم أَحَي هُوَ أَو ميت فَلَا تتَزَوَّج زَوجته حَتَّى تتيقن مَوته أَو يَأْتِي عَلَيْهِ زمَان لَا يعِيش مثله فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمَفْقُود هُوَ من غَابَ وَلم يعلم خَبره
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو قدم زَوجهَا الأول وَقد تزوجت بعد التَّرَبُّص
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يبطل العقد
وَهِي للْأولِ فَإِن كَانَ الثَّانِي وَطئهَا فَعَلَيهِ مهر الْمثل
وَتعْتَد من الثَّانِي وَترد إِلَى الأول
وَقَالَ مَالك إِن دخل بهَا الثَّانِي صَارَت زَوجته
وَوَجَب عَلَيْهِ دفع الصَدَاق الَّذِي أصدقهَا الأول وَإِن لم يدْخل بهَا فَهِيَ للْأولِ
وَعند مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا للْأولِ بِكُل حَال
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ أصَحهمَا(2/152)
بطلَان نِكَاح الثَّانِي
وَالْآخر بطلَان نِكَاح الأول بِكُل حَال
وَقَالَ أَحْمد إِن لم يدْخل بهَا الثَّانِي فَهِيَ للْأولِ
وَإِن دخل بهَا فَالْأول بِالْخِيَارِ بَين إِِمْسَاكهَا وَدفع الصَدَاق إِلَيْهِ وَبَين تَركهَا على نِكَاح الثَّانِي وَأخذ الصَدَاق الَّذِي أصدقهَا مِنْهُ
وَاخْتلفُوا فِي عدَّة أم الْوَلَد إِذا مَاتَ سَيِّدهَا أَو أعْتقهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة عدتهَا ثَلَاث حيضات سَوَاء أعْتقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ عدتهَا حَيْضَة وَاحِدَة فِي الْحَالين
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا حَيْضَة
واختارها الْخرقِيّ
وَالثَّانيَِة من الْعتْق حَيْضَة وَمن الْوَفَاة عدَّة الْوَفَاة
وَاتَّفَقُوا على أَن أقل مُدَّة الْحمل سِتَّة أشهر
وَاخْتلفُوا فِي أَكْثَرهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة سنتَانِ
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ أَرْبَعَة سِنِين وَخمْس سِنِين وَسبع سِنِين
وَقَالَ الشَّافِعِي أَربع سِنِين
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
الْمَشْهُورَة كمذهب الشَّافِعِي وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة
وَاخْتلفُوا فِي الْمُعْتَدَّة إِذا وضعت علقَة أَو مُضْغَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَا تَنْقَضِي عدتهَا بذلك
وَلَا تصير أم ولد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه تَنْقَضِي عدتهَا بذلك
وَتصير أم ولد وَبِذَلِك قَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى
فصل والإحداد
وَاجِب فِي عدَّة الْوَفَاة بالِاتِّفَاقِ
وَهُوَ ترك الزِّينَة وَمَا يَدْعُو إِلَى النِّكَاح
وَحكي عَن الْحسن وَالشعْبِيّ أَنه لَا يجب
وَفِي الْمُعْتَدَّة المبتوتة للشَّافِعِيّ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يجب عَلَيْهَا الْإِحْدَاد
وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد الْإِحْدَاد عَلَيْهَا وَبِه قَالَ مَالك
وَهِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد
وَهل للبائن أَن تخرج من بَيتهَا نَهَارا لحاجتها قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تخرج إِلَّا لضَرُورَة
قَالَ مَالك وَأحمد لَهَا الْخُرُوج مُطلقًا
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ كالمذهبين
أصَحهمَا كمذهب أبي حنيفَة
والكبيرة وَالصَّغِيرَة فِي الْإِحْدَاد سَوَاء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِحْدَاد على الصَّغِيرَة والذمية إِذا كَانَت تَحت مُسلم وَجَبت عَلَيْهَا الْعدة والإحداد(2/153)
وَإِذا كَانَ زوج الذِّمِّيَّة ذِمِّيا وَجب عَلَيْهَا الْعدة والإحداد عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهَا الْإِحْدَاد وَلَا الْعدة
فصل وَاخْتلفُوا فِي المبتوتة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَهَا السُّكْنَى دون النَّفَقَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ رِوَايَة كقولهما
وَالثَّانيَِة لَا سُكْنى لَهَا وَلَا نَفَقَة إِلَّا أَن تكون حَامِلا
وَهِي أظهر الرِّوَايَتَيْنِ
انْتهى
وَيتَفَرَّع على الْخلاف الْمَذْكُور مسَائِل الأولى مُطلقَة قبل الدُّخُول يجب عَلَيْهَا الْعدة
وَهِي الْمَرْأَة الَّتِي طَلقهَا زَوجهَا بعد الدُّخُول طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ بعوض فشرعت فِي الْعدة ثمَّ رَاجعهَا قبل انْقِضَائِهَا ثمَّ طَلقهَا قبل الدُّخُول أَتَت بِمَا بَقِي عَلَيْهَا من الْعدة
الثَّانِيَة امْرَأَة طَلقهَا زَوجهَا
فَوَجَبَ عَلَيْهَا ثَلَاث عدد
صورتهَا أمة صَغِيرَة تَحت حر طَلقهَا
فعلَيْهَا الِاعْتِدَاد بِشَهْر وَنصف
فَلَمَّا دنت مُدَّة انْقِضَاء الْعدة بلغت بِالْحيضِ
فانتقلت إِلَى الْحيض
فَلَمَّا قرب فراغها مَاتَ عَنْهَا
فانتقلت إِلَى عدَّة الْوَفَاة
الثَّالِثَة رجل تزوج امْرَأَة وَولدت فِي الْحَال لحقه
صورتهَا وَطئهَا بِشُبْهَة ثمَّ تزَوجهَا
وَكَذَا لَو خَالعهَا وَهِي حَامِل
ثمَّ تزَوجهَا فِي الْعدة
الرَّابِعَة مُعْتَدَّة من زوج لَا سُكْنى لَهَا عَلَيْهِ
صورتهَا امْرَأَة ادَّعَت على زَوجهَا أَنه وَطئهَا وَأنكر الزَّوْج
فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَيجب عَلَيْهَا الْعدة مُؤَاخذَة لَهَا بقولِهَا وَلَا سُكْنى لَهَا على الزَّوْج
المصطلح
ويشتمل على صُورَة على حالات وَهِي مَا إِذا كَانَت الْمَرْأَة ثَيِّبًا
فَيعْتَبر الْحَاكِم أَو الْعَاقِد حَالهَا وعدتها
وَهل هِيَ عدَّة الْوَفَاة أَو الطَّلَاق أَو اللّعان أَو الْفَسْخ أَو الْمُرْتَد زَوجهَا وَهل هِيَ منقضية بِوَضْع الْحمل أَو بِالْأَقْرَاءِ أَو بالشهور أَو بِالسِّنِينَ أَو بأقصى الْأَجَليْنِ من وضع الْحَامِل أَو أقرائها
وَفِي هَذَا النّظر خلاف كَبِير بَين الْأَئِمَّة رَحِمهم الله
فَإِن كَانَت قد انْقَضتْ عدتهَا بِوَضْع الْحمل وفراغها من النّفاس فَيَقُول وَذَلِكَ بعد تقضي عدتهَا من مُطلقهَا فلَان الْفُلَانِيّ التقضي الشَّرْعِيّ بِوَضْع الْحمل الَّذِي كَانَت مُشْتَمِلَة عَلَيْهِ مِنْهُ
وَإِن لم تكن حَامِلا وَتوفى عَنْهَا زَوجهَا فَيَقُول(2/154)
الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا فلَان الْفُلَانِيّ من مُدَّة تزيد على عدَّة الْوَفَاة
وَهِي أَرْبَعَة أشهر وَعشر
وَإِن كَانَت مُطلقَة فَيَقُول الْمَرْأَة الْكَامِلَة الْمُطلقَة من فلَان طَلَاقا بَائِنا أَو الْبَائِن من عصمَة مُطلقهَا فلَان بِطَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى أَو وَاحِدَة مكملة لعدد الطَّلَاق الثَّلَاث أَو بِالطَّلَاق الثَّلَاث بِمُقْتَضى فصل الطَّلَاق المكتتب بِظَاهِر صَدَاقهَا على الْمُطلق الْمَذْكُور
الشَّاهِد بذلك المؤرخ الْفَصْل الْمَذْكُور بِكَذَا
وَانْقَضَت عدتهَا التقضي الشَّرْعِيّ بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاث بحلفها على ذَلِك الْيَمين الشَّرْعِيَّة
وَإِن كَانَت مُطلقَة قبل الدُّخُول فَلَا عدَّة لَهَا
وفيهَا يَقُول مُطلقَة فلَان الْفُلَانِيّ قبل الدُّخُول بهَا والإصابة
وَيسْتَشْهد بفصل الطَّلَاق وَيَقُول وحلفها على انْقِضَاء عدتهَا من الزَّوْج الَّذِي كَانَ قبله
وَهَذَا الْحلف لَا يكون إِلَّا على سَبِيل الِاحْتِيَاط
وَإِن كَانَ بِفَسْخ فَيَقُول المحضرة من يَدهَا كتاب فسخ شَرْعِي مكتتب من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
يشْهد لَهَا بِفَسْخ نِكَاحهَا من زَوجهَا فلَان الْفُلَانِيّ الْغَائِب عَن مَدِينَة كَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة
وَهُوَ مؤرخ بِكَذَا
وَهِي مُدَّة مُحْتَملَة لانقضاء الْعدة شرعا
وَإِن كَانَت تَعْتَد بِالْأَشْهرِ فَيَقُول وأقرت أَن عدتهَا الشَّرْعِيَّة انْقَضتْ من الطَّلَاق المشروح أَعْلَاهُ بِالْأَشْهرِ الثَّلَاثَة بِحكم أَنَّهَا لم تَحض أبدا أَو بِحكم أَنَّهَا آيسة وَأَنَّهَا الْآن تحل للأزواج بالشرائط الشَّرْعِيَّة
وصدقها الْمُطلق الْمَذْكُور على ذَلِك
وَالْأمة يشْهد عَلَيْهَا بِإِذن مَوْلَاهَا
وَالصَّغِيرَة يشْهد على وَليهَا
وَإِن كَانَت فِي الْعدة وَآل الْأَمر إِلَى كِتَابَة فرض بِسَبَب الْعدة
فَإِن كَانَ بِسَبَب الْحمل كتب فرض قَرَّرَهُ على نَفسه فلَان لمطلقته فُلَانَة لما تحْتَاج إِلَيْهِ فِي زمن عدتهَا بِسَبَب حملهَا الْمُشْتَملَة مِنْهُ عَلَيْهِ إِلَى حِين الْوَضع فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون وأجرتي حمام ومسكن وَكِسْوَة وَأرش غطاء ووطاء ولوازم شَرْعِيَّة فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا تقريرا شَرْعِيًّا حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأذن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ الْفَرْض بِسَبَب الْعدة بِالْأَقْرَاءِ أَو بِالْأَشْهرِ كتب على حكم ذَلِك
فَيكْتب كَمَا تقدم
ثمَّ يَقُول فِي آخِره على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم
وَفِي الْمَحْجُور عَلَيْهَا يكْتب حَسْبَمَا اتّفق هُوَ ووليها فلَان على ذَلِك وتراضيا(2/155)
عَلَيْهِ
وَأذن لوَلِيّهَا الْمَذْكُور فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق إِلَى آخِره
وَإِذا خَالعهَا على مبلغ الصَدَاق وعَلى مَا سيجب لَهَا عَلَيْهِ بعد الطَّلَاق من نَفَقَة وَكِسْوَة وَأرش غطاء ووطاء ومتعة وَنَفَقَة عدَّة إِلَى حِين انْقِضَائِهَا شرعا بِالْأَقْرَاءِ أَو بِالْأَشْهرِ أَو بِوَضْع الْحمل وَأُجْرَة منزل ولوازم شَرْعِيَّة
كتب ذَلِك إِلَى آخِره فِي السُّؤَال
وَيكْتب فِي آخِره على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ ليمتنع بذلك إِلْزَامه بتقرير فرض عدَّة عِنْد من يرى إِلْزَامه
وَالله تَعَالَى أعلم(2/156)
كتاب الِاسْتِبْرَاء
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
وَهُوَ وَاجِب بسببين أَحدهمَا حُصُول الْملك فَمن ملك جَارِيَة بشرَاء اَوْ إِرْث أَو اتهاب أَو سبي لزمَه الِاسْتِبْرَاء وَكَذَا لَو زَالَ الْملك ثمَّ عَاد بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَو بالتخالف أَو الْإِقَالَة
وَلَا فرق بَين الْبكر وَالثَّيِّب وَلَا بَين أَن يَسْتَبْرِئهَا البَائِع قبل البيع أَو لَا يَسْتَبْرِئهَا وَلَا بَين أَن يكون الِانْتِقَال من صبي أَو امْرَأَة أَو مِمَّن يتَصَوَّر اشْتِغَال الرَّحِم بمائه
وَلَو كَاتب جَارِيَة ثمَّ عجزت وَجب الِاسْتِبْرَاء وَإِن حرمت بِصَوْم أَو اعْتِكَاف أَو إِحْرَام ثمَّ حلت لم يجب الِاسْتِبْرَاء وَفِي الْإِحْرَام وَجه أَنه يجب وَلَو ارْتَدَّت ثمَّ أسلمت فَوَجْهَانِ أصَحهمَا وجوب الِاسْتِبْرَاء وَلَو اشْترى زَوجته فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب الِاسْتِبْرَاء وَلَو اشْترى زَوجته فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب الِاسْتِبْرَاء ويدوم فِي الْحَال
وَإِن كَانَت الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة وَهُوَ عَالم بِحَالِهَا أَو جَاهِل وَاخْتَارَ إِمْضَاء البيع فَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال
فَإِذا زَالَ الْمحرم فأظهر الْقَوْلَيْنِ وجوب الإستبراء وَالثَّانِي زَوَال الْفراش عَن الْأمة الْمَوْطُوءَة والمستولدة بِالْإِعْتَاقِ أَو بِمَوْت السَّيِّد يُوجب الإستبراء
وَلَو مَضَت مدى الِاسْتِبْرَاء على الْمُسْتَوْلدَة ثمَّ أعْتقهَا أَو مَاتَ عَنْهَا وَجب الِاسْتِبْرَاء تَزْوِيجهَا وَالأَصَح أَنه إِذا عتق مُسْتَوْلدَة جَازَ لَهُ أَن ينْكِحهَا قبل تَمام الِاسْتِبْرَاء
وَلَو أعتق مستولدته أَو مَاتَ عَنْهَا وَهِي مُزَوّجَة فَلَا اسْتِبْرَاء عَلَيْهَا والاستبراء فِي ذَوَات الْأَقْرَاء بقرء وَاحِد والجديد ان الِاعْتِبَار فِيهِ بِالْحيضِ لَا كالعدة وَلَا يَكْفِي بَقِيَّة الْحيض بل يعْتَبر حَيْضَة وَاحِدَة كَامِلَة(2/157)
وَذَات الْأَشْهر تستبرأ بِشَهْر وَاحِد أَو بِثَلَاثَة أشهر فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا الأول فَإِذا زَالَ الْفراش عَن أمته أَو مستولدته وَهِي حَامِل فاستبراؤها بِالْوَضْعِ
وَإِن ملك أمة بِالسَّبْيِ وَهِي حَامِل فَكَذَلِك وَإِن ملكهَا بِالشِّرَاءِ فقد تقدم أَنه لَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال بل إِذا كَانَت مُزَوّجَة أَو مُعْتَدَّة وَهُوَ عَالم بِحَالِهَا أَو جَاهِل وَاخْتَارَ إِمْضَاء البيع فَلَا اسْتِبْرَاء فِي الْحَال
فَإِذا زَالَ الْمحرم فأظهر الْقَوْلَيْنِ وجوب الِاسْتِبْرَاء وَإِن اشْترى أمة مَجُوسِيَّة فَحَاضَت ثمَّ أسلمت لم يعْتد بِتِلْكَ الْحَيْضَة بل استبراؤها من حِين إسْلَامهَا
وكما يحرم وَطْء الْأمة الَّتِي ملكهَا قبل الِاسْتِبْرَاء كَذَلِك يحرم سَائِر الاستمناعات إِلَّا فِي المسبية فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يحرم
وَإِذا قَالَت الْأمة المتملكة حِضْت اعْتد بقولِهَا وَلَو اعتزلت عَن السَّيِّد فَقَالَ أَخْبَرتنِي بِتمَام الِاسْتِبْرَاء فَهُوَ الْمُصدق
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من ملك أمة بِبيع أَو هبة أَو سبي أَو إِرْث لزمَه استبراؤها إِن كَانَت حَائِلا تحيض فبقرء وَإِن كَانَت مِمَّن لَا تحيض لصِغَر أَو كبر فبشهر
وَلَو بَاعَ أمة من امْرَأَة أَو خصي ثمَّ تَقَايلا لم يكن لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا عِنْد الثَّلَاثَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا تَقَايلا قبل الْقَبْض فَلَا اسْتِبْرَاء أَو بعده لزمَه الِاسْتِبْرَاء
وَلَا فرق فِي الِاسْتِبْرَاء بَين الصَّغِيرَة والكبيرة وَالْبكْر وَالثَّيِّب عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ مَالك إِن كَانَت مِمَّن يُوطأ مثلهَا لم يجز وَطْؤُهَا قبل الِاسْتِبْرَاء وَإِن كَانَت مِمَّن لَا يُوطأ مثلهَا جَازَ وَطْؤُهَا من غير اسْتِبْرَاء وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر
وَمن ملك أمة جَازَ لَهُ بيعهَا قبل الِاسْتِبْرَاء وَإِن كَانَ قد وَطئهَا عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَالْحسن وَابْن سِيرِين يجب الِاسْتِبْرَاء على البَائِع كَمَا يجب على المُشْتَرِي وَقَالَ عُثْمَان البتي الِاسْتِبْرَاء يجب على البَائِع دون المُشْتَرِي
فصل
وَلَو كَانَ لرجل أمة فَأَرَادَ أَن يُزَوّجهَا وَقد وَطئهَا لم يجز حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا وَكَذَلِكَ إِذا اشْترى أمة قد وَطئهَا البَائِع لم يجز لَهُ أَن يُزَوّجهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا(2/158)
وَكَذَا إِذا أعْتقهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا لم يجز لَهُ تَزْوِيجهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا وَيجوز عِنْده أَن يتَزَوَّج أمته الَّتِي اشْتَرَاهَا وأعتقها قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا
قَالَ الشَّافِعِي فِي الْحِلْية وَهَذِه مَسْأَلَة القَاضِي أبي يُوسُف مَعَ الرشيد فَإِن اشْترى أمة وتاقت نَفسه إِلَى جِمَاعهَا قبل أَن يَسْتَبْرِئهَا فجوز لَهُ أَبُو يُوسُف أَن يعتقها ويتزوجها ويطأها
وَإِذا عتق أم وَلَده أَو عتقت بِمَوْتِهِ وَجب عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد بقرء وَهُوَ حَيْضَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَقَالَ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ إِذا مَاتَ عَنْهَا الْوَلِيّ اعْتدت بأَرْبعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام ويروى ذَلِك عَن أَحْمد ودواد
فَائِدَة إِذا وطىء أمته ثمَّ استبرأها بقرء ثمَّ أَتَت بِولد لتسعة أشهر من حِين الْوَطْء فَإِنَّهُ لَا يلْحقهُ عِنْد الشَّافِعِي
وَهَذَا مُشكل من جِهَة أَن الْأمة فرَاش حَقِيقِيّ وَهَذِه مُدَّة غالبة فَكيف لَا يلْحق الْوَلَد بفراش حَقِيقِيّ مَعَ غَلَبَة الْمدَّة وَيلْحق بِإِمْكَان الْوَطْء من الزَّوْجَة مَعَ قلَّة الْمدَّة وندرة الْولادَة فِي مثلهَا وَقد قَالَه بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ مُتَّجه كَذَا ذكره ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِده
وَيتَفَرَّع على الْخلاف الْمَذْكُور مسَائِل
الأولى ظهر بالمستبرأة حمل فَقَالَ البَائِع هُوَ مني فَإِن صدقه المُشْتَرِي فَالْبيع بَاطِل وَهِي أم ولد للْبَائِع وَإِن كذبه وَلم يقر البَائِع بِوَطْئِهَا عِنْد البيع وَلَا قبله لم يقبل مِنْهُ كَمَا لَو قَالَ بعد البيع كنت أَعتَقته لَكِن لَهُ تَحْلِيف المُشْتَرِي لِأَنَّهُ لَا يعلم كَونه مِنْهُ وَفِي ثُبُوت نسبه من البَائِع خلاف
الثَّانِيَة لَو أعتق مُسْتَوْلدَة أَو مَاتَ وَهِي فِي نِكَاح أَو عدَّة زوج فَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب وَمَتى انْقَضتْ عدَّة الزَّوْج عَادَتْ فراشا للسَّيِّد إِن كَانَ حَيا وَلَو أعْتقهَا أَو مَاتَ عقيب انْقِضَائِهَا فَالصَّحِيح وجوب الِاسْتِبْرَاء فَلَو مَاتَ بعد ذَلِك لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاء
الثَّالِثَة مَاتَ سيد الْمُسْتَوْلدَة ثمَّ مَاتَ زَوجهَا فَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب لَكِن تَعْتَد عدَّة حرَّة بعد موت الزَّوْج وَكَذَا لَو طَلقهَا
وَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا اعْتدت عدَّة أمة ثمَّ إِن مَاتَ السَّيِّد فِيهَا كملت عدَّة أمة فِي(2/159)
الْأَظْهر وَلَا اسْتِبْرَاء على الْمَذْهَب أَو بعْدهَا لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاء فِي الْأَصَح وَإِن مَاتَا فِي الِاسْتِبْرَاء فَهَل تَعْتَد كحرة أَو أمة وَجْهَان
الرَّابِعَة لَو قَالَت الْمَرْأَة حِضْت صدقت بِلَا يَمِين
وَهل لِلْجَارِيَةِ أَن تمْتَنع من سَيِّدهَا إِذا كَانَ أبرص أَو مجذوما فِيهِ خلاف وَلَو ادَّعَت وطئا واستيلادا فَأنْكر أصل الْوَطْء لم يحلف على الصَّحِيح وقطعا إِن لم يكن ولد وَلَو قَالَ كنت أَطَأ وأعزل لحقه فِي الْأَصَح أَو فِي الدّين فَلَا على الصَّحِيح أَو فِيمَا دون الْفرج فَكَذَا فِي الْأَصَح
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
أَحدهَا أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه اتِّبَاع جَمِيع الْجَارِيَة المدعوة فُلَانَة وَيذكر نوعها وجنسها ابتياعا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول أَو يذكر الْملك وَأَنه استبرأها بعد ذَلِك بِحَيْضَة كَامِلَة يحصل بهَا الِاسْتِبْرَاء الشَّرْعِيّ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَإِن كَانَ ذَلِك بِوَضْع الْحمل فيذكره أَو بِشَهْر فيذكره ثمَّ يَقُول وَذَلِكَ بحضورها وتصديقها على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ ويؤرخ
الصُّورَة الثَّانِيَة أشهدت عَلَيْهَا فُلَانَة بِإِذن مَوْلَاهَا فلَان أَنَّهَا لما حصلت فِي ملك مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور وَيذكر جِهَة الْملك استبرأت بعد ذَلِك بِحَيْضَة كَامِلَة اَوْ بِشَهْر كَامِل أَو بِوَضْع الْحمل اسْتِبْرَاء شَرْعِيًّا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَأَنَّهَا صَارَت فِي حق مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور خَالِيَة من كل الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة وصدقها مَوْلَاهَا على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا ويؤرخ
الصُّورَة الثَّالِثَة صَارَت فُلَانَة بِإِقْرَار مَوْلَاهَا فلَان وإقرارها بِإِذْنِهِ بريئة الرَّحِم بالاستبراء الشَّرْعِيّ بِحكم حُصُولهَا بعد دُخُولهَا فِي ملك مَوْلَاهَا فلَان الْمَذْكُور وَهِي حَيْضَة وَاحِدَة كَامِلَة أَو بِشَهْر كَامِل هلالي أَو بِوَضْع الْحمل وَهُوَ كَذَا وَصَارَت بمقتضي ذَلِك خَالِيَة من الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة فِي حق مَوْلَاهَا الْمَذْكُور وَحل لَهُ وَطْؤُهَا والاستمتاع بهَا وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا وَالله تَعَالَى أعلم(2/160)
كتاب الرَّضَاع
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
للرضاع تَأْثِير فِي تَحْرِيم النِّكَاح
وَفِي ثُبُوت الْحُرْمَة وَفِي جَوَاز النّظر وَالْخلْوَة
وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة}
فَذكر الله تَعَالَى فِي جملَة النِّسَاء الْمُحرمَات الْأُمَّهَات من الرضَاعَة وَالْأَخَوَات من الرضَاعَة
فَدلَّ على أَن لَهُ تَأْثِيرا فِي التَّحْرِيم
وروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من الْولادَة وروى سعيد بن الْمسيب عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ قلت يَا رَسُول الله هَل لَك فِي ابْنة عمك حَمْزَة
فَإِنَّهَا أجمل فتاة فِي قُرَيْش فَقَالَ أما علمت أَن حَمْزَة أخي من الرضَاعَة
وَأَن الله حرم من الرضَاعَة مَا حرم من النّسَب
وَيدل على ثُبُوت الْحُرْمَة مَا رُوِيَ أَن وَفد هوَازن قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلموه فِي سبي أَوْطَاس فَقَالَ رجل من بني سعد يَا مُحَمَّد إِنَّا لَو كُنَّا ملحنا لِلْحَارِثِ بن أبي شمر أَو للنعمان بن الْمُنْذر ثمَّ نزل مَنْزِلك هَذَا منا لحفظ ذَلِك لنا
وَأَنت خير المكفولين فاحفظ ذَلِك وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُ ذَلِك لِأَن حليمة الَّتِي أرضعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت من(2/161)
بني سعد بن بكر بن وَائِل
وَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْلهم
وَمعنى قَوْله ملحنا أَي أرضعنا وَالْملح هُوَ الرَّضَاع
وروى السَّاجِي فِي كِتَابه عَن أبي الطُّفَيْل أَنه قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجعرانة وَهُوَ يقسم لَحْمًا
فَجَاءَتْهُ امْرَأَة فدنت مِنْهُ
ففرش لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إزَاره فَجَلَست عَلَيْهِ
فَقلت من هَذِه فَقَالُوا هَذِه أمه الَّتِي أَرْضَعَتْه وَإِنَّمَا أكرمها لأجل الْحُرْمَة الَّتِي حصلت بَينهمَا بِالرّضَاعِ
فَدلَّ على أَن الْحُرْمَة تثبت بِهِ
وأركان الرَّضَاع ثَلَاثَة مرضع وَشَرطه امْرَأَة حَيَّة بلغت تسع سِنِين
وَلَو بكرا على الصَّحِيح
وَلبن الْخُنْثَى لَا يَقْتَضِي أنوثته على الْمَذْهَب وَيُوقف
فَإِن بَان أُنْثَى حرم فِيمَن أَرْضَعَتْه وَإِلَّا فَلَا
وَلبن الْميتَة لَا يثبت الْحُرْمَة كَمَا لَا يثبت الْمُصَاهَرَة بِوَطْئِهَا وكما يسْقط حُرْمَة الْأَعْضَاء بِالْمَوْتِ حَتَّى لَا يضمن قاطعها وَلَا حلب من حَيَّة وأوجر بعد مَوتهَا
الثَّانِي اللَّبن وَلَا يشْتَرط بَقَاؤُهُ على صفته
فَلَو تغير بحموضة أَو انْعِقَاد أَو غليان
وَصَارَ جبنا أَو أقطا أَو زبدا أَو مخيضا أَو ثرد فِيهِ طَعَام حرم أَو عجن بِهِ دَقِيق وخبز
فَكَذَلِك على الصَّحِيح
وَلَو خلط بمائع حرم إِن غلب
وَإِن غلب وَشرب الْكل حرم على الْأَظْهر
وَيشْتَرط أَن يكون قدر أَن يشرب مِنْهُ خمس مَرَّات لَو انْفَرد فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَصَححهُ السَّرخسِيّ
وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بالغلبة الصِّفَات من لون أَو طعم أَو ريح
فَإِن ظهر مِنْهَا شَيْء فِي الْمَخْلُوط فاللبن غَالب وَإِلَّا فمغلوب
وَالثَّالِث الْمحل
وَهِي معدة حَيّ أَو مَا فِي مَعْنَاهُ سَوَاء ارتضع أَو حلب وأوجر
وَلَو حقن اللَّبن أَو قطر فِي إحليله
فوصل شَيْء مِنْهُ أَو صب على جِرَاحَة فِي بَطْنه فوصل جَوْفه لم يحرم فِي الْأَظْهر
وَإِن وصل الْمعدة بخرق فِي الأمعاء أَو صب فِي مأمومة
فوصل دماغه
حرم قطعا
أَو فِي أَنفه فوصل دماغه حرم أَو فِي عينه فَلَا أَو فِي أُذُنه فخلاف
وَلَو ارتضع وتقيأ فِي الْحَال حرم على الصَّحِيح
وَشرط الصَّبِي أَن لَا يبلغ حَوْلَيْنِ بِالْأَهِلَّةِ
فَإِن انْكَسَرَ الشَّهْر الأول حسب الْبَاقِي بِالْأَهِلَّةِ وكمل المنكسر ثَلَاثِينَ من الشَّهْر الْخَامِس وَالْعِشْرين
وَلَو ارتضع قبل انْفِصَال جَمِيعه فَوَجْهَانِ وَلَا أثر للرضاع بعد الْحَوْلَيْنِ(2/162)
وَشَرطه خمس رَضعَات على الصَّحِيح
وَلَو حكم حَاكم بِتَحْرِيم رضعة لم ينْقض على الصَّحِيح
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَنه يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب
وَاخْتلفُوا فِي الْعدَد الْمحرم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رضعة وَاحِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي خمس رَضعَات
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات خمس وَثَلَاث ورضعة
وَاتَّفَقُوا على أَن التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ يثبت إِذا حصل وللطفل سنتَانِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا زَاد على الْحَوْلَيْنِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يثبت إِلَى حَوْلَيْنِ وَنصف
وَقَالَ زفر إِلَى ثَلَاث سِنِين
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد الأمد الحولان فَقَط وَاسْتحْسن مَالك أَن يحرم مَا بعدهمَا إِلَى الشَّهْر
وَقَالَ دَاوُد رضَاع الْكَبِير يحرم
وَهُوَ مُخَالف لكافة الْفُقَهَاء
ومحكي عَن عَائِشَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الرَّضَاع الْمحرم إِذا كَانَ من لبن أُنْثَى سَوَاء كَانَت بكرا أَو ثَيِّبًا مَوْطُوءَة أَو غير مَوْطُوءَة إِلَّا أَحْمد
فَإِنَّهُ يَقُول إِنَّمَا يحصل التَّحْرِيم بِلَبن امْرَأَة ثار لَهَا لبن من الْحمل
وَاتَّفَقُوا على أَن الرجل إِذا در لَهُ لبن فأرضع مِنْهُ طفْلا
لم يثبت بِهِ تَحْرِيم
وَاتَّفَقُوا على أَن السعوط والوجور يحرم إِلَّا فِي رِوَايَة عَن أَحْمد
فَإِنَّهُ شَرط الارتضاع من الثدي
وَاتَّفَقُوا على أَن الحقنة بِاللَّبنِ لَا تحرم إِلَّا فِي قَول قديم للشَّافِعِيّ
وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك
وَاخْتلفُوا فِي اللَّبن إِذا خلط بِالْمَاءِ واستهلك بِطَعَام
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ اللَّبن غَالِبا حرم أَو مَغْلُوبًا فَلَا
وَأما الْمَخْلُوط بِالطَّعَامِ فَلَا يحرم عِنْده بِحَال سَوَاء كَانَ غَالِبا أَو مَغْلُوبًا
وَقَالَ مَالك يحرم اللَّبن الْمَخْلُوط بِالْمَاءِ لم يستهلك
فَإِن خلط اللَّبن بِمَاء اسْتهْلك اللَّبن فِيهِ من طبيخ أَو دَوَاء أَو غَيره مَا لم يحرم عِنْد جُمْهُور أَصْحَابه وَلم يُوجد لمَالِك فِيهِ نَص
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يتَعَلَّق التَّحْرِيم بِاللَّبنِ المشوب بِالطَّعَامِ وَالشرَاب إِذا سقيه الْمَوْلُود خمس مَرَّات سَوَاء كَانَ اللَّبن مُسْتَهْلكا أَو غَالِبا
انْتهى
وَيتَفَرَّع على الْخلاف الْمَذْكُور مسَائِل الأولى إِذا ظهر للخنثى الْمُشكل لبن وارتضع مِنْهُ طِفْل وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إِن اللَّبن لَا يدل على الْأُنُوثَة لم يثبت شَيْء من الْآثَار المترتبة على الرَّضَاع
نعم لَو كَانَ الرَّضِيع(2/163)
ذكرا فَبلغ
جَازَ لَهُ الْخلْوَة بالخنثى لِأَنَّهُ إِن كَانَ رجلا فَوَاضِح
وَإِن كَانَ أُنْثَى فَهُوَ أمه بِخِلَاف مَا لَو كَانَ الرَّضِيع أُنْثَى
فَإِنَّهُ لَا يجوز
وَلَو أَرَادَ الْمَذْكُور وَهُوَ الذّكر بعد الْبلُوغ الْخلْوَة بِأم الْخُنْثَى وَأُخْتهَا لم يجز لاحْتِمَال أَن يكون رجلا
الثَّانِيَة شخص مَأْمُور بِفعل إِذا أَتَى بِهِ يتَضَرَّر بِفِعْلِهِ وَهُوَ أَن الْحَاكِم إِذا حكم على مُوَرِثه بِالْقَتْلِ وَقَتله
سقط حَقه من الْإِرْث
وَكَذَلِكَ الْمُرضعَة إِذا كَانَت لَهَا ضرَّة صَغِيرَة وَلم تُوجد مُرْضِعَة سواهَا يجب عَلَيْهَا للزَّوْج نصف مهر الصَّغِيرَة
وَفِي قَول كُله وَيسْقط مهر الْكَبِيرَة إِن كَانَ الْإِرْضَاع قبل الدُّخُول
فَائِدَة قَالَ ابْن الملقن فِي عَامَّة السُّؤَال
قَالَ أَصْحَابنَا الأمومة ثَلَاثَة
وأحكامها مُخْتَلفَة
أمومة الْولادَة يثبت فِيهَا جَمِيع أَحْكَام الأمومة
وأمومة أَزوَاجه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا يثبت فِيهَا إِلَّا تَحْرِيم النِّكَاح
وأمومة الرَّضَاع وَهِي متوسطة بَينهمَا
فصل الرَّضَاع
يثبت بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو أَربع نسْوَة لَا دونهَا
وَلَا يثبت الْإِقْرَار بِهِ إِلَّا برجلَيْن
وَلَا تقبل شَهَادَة الْمُطلقَة إِن كَانَ بَينهمَا رضَاع أَو حُرْمَة رضَاع أَو أخوة أَو بنوة عِنْد الْأَكْثَرين
بل يشْتَرط التَّفْصِيل وَذكر الشُّرُوط
وَيحسن بقول فَقِيه موثوق بمعرفته دون غَيره
وَلَا يَكْفِي أَن يشْهد على فعل الرَّضَاع أَو الْإِرْضَاع
كَذَا فِي الْإِقْرَار بل يجب ذكر وَقت وَعدد
وَكَذَا وُصُول اللَّبن جَوْفه
وللقاضي أَن يستفصله وَيعرف وُصُول اللَّبن الْجوف بمشاهدة حلب وإيجار وازدرار وقرائن
كالتقام ثدي ومصه وحركة حلقه بتجرع وازدراد بعد علمه أَنَّهَا لبون لَا إِن جهل فِي الْأَصَح
وَلَا يَكْفِي رُؤْيَة الطِّفْل تَحت ثِيَابهَا
وَتَحْرِيم الرَّضَاع يتَعَلَّق بالمرضعة والفحل الَّذِي لَهُ اللَّبن والرضيع
وتسري الْحُرْمَة إِلَى غَيرهم
فَائِدَة مَا معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما مَاتَ وَلَده إِبْرَاهِيم إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة تتمّ(2/164)
رضاعه هَل ذَلِك لَهُ خَاصَّة أَو لكل من مَاتَ من أَطْفَال الْمُسلمين قبل تَمام الرَّضَاع الْجَواب هُوَ لَهُ خَاصَّة
وَهَذَا القَوْل مَنْسُوب إِلَى الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى من غير فَتَاوِيهِ الْمَشْهُورَة
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا صُورَة اسْتِئْجَار الْمُطلقَة لإرضاع وَلَده مِنْهَا أَو غير الْمُطلقَة لإرضاع الطِّفْل أَو الْجد للْأَب لإرضاع ولد ابْنه أَو الْوَصِيّ أَو أَمِين الحكم
وَمَا فِي معنى ذَلِك سبق ذكرهَا فِي كتاب الْإِجَارَة
وَصُورَة مَا إِذا تبرعت مُرْضِعَة بالإرضاع أشهدت عَلَيْهَا فُلَانَة أَنَّهَا تبرعت بإرضاع فلَان وَغسل خروقه إِلَى آخِره بَقِيَّة مُدَّة الرَّضَاع الشَّرْعِيّ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا من تَارِيخه من غير أُجْرَة تَبَرعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
لما علمت لنَفسهَا فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة
وَذَلِكَ مَعَ وَلَدهَا فلَان وبحضور زَوجهَا فلَان وَالِد الطِّفْل الْمَذْكُور وَرضَاهُ بذلك
قبل ذَلِك مِنْهَا فلَان وَالِد الرَّضِيع الْمُتَبَرّع بإرضاعه الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة الْإِقْرَار بِالرّضَاعِ وتحريمه أشهدت عَلَيْهَا فُلَانَة أَنَّهَا أرضعت فلَانا الْإِرْضَاع الشَّرْعِيّ
وَهُوَ خمس رَضعَات كاملات من غير مَانع شَرْعِي يمْنَع الطِّفْل الْمَذْكُور من استكمالها بالشرائط الشَّرْعِيَّة
وسنه دون الْحَوْلَيْنِ
وَأَن الرضعات الْمَذْكُورَات وصلت إِلَى جَوْفه من فَمه الْوُصُول الشَّرْعِيّ
وَذَلِكَ مَعَ وَلَدهَا فلَان ارتضاعا صَحِيحا شَرْعِيًّا
يحصل بِهِ التَّحْرِيم من الرَّضَاع كَمَا يحرم لمثله
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا احْتَاجَ الْأَمر إِلَى كِتَابَة محْضر بذلك شُهُوده يعْرفُونَ فُلَانَة زوج فلَان وَفُلَانًا ابْن فلَان معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا الْمَذْكُور ارتضع من فُلَانَة الارتضاع الشَّرْعِيّ وَهُوَ خمس رَضعَات متفرقات
وسنه يَوْم ذَلِك دون الْحَوْلَيْنِ فِي وَقت كَذَا
وَوصل اللَّبن مِنْهَا إِلَى جَوْفه من فَمه بمصه وتجرعه وازدراده بحركة مِنْهُ على الْعَادة فِي مثل ذَلِك وَأَن الْمُرضعَة الْمَذْكُورَة حِين ذَاك كَانَت لبونا
وَأَن ذَلِك صدر على الأوضاع الشَّرْعِيَّة
الْمُعْتَبرَة فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَأَن الْمُرضعَة الْمَذْكُورَة أمه من الرَّضَاع
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
ويؤرخ
ثمَّ يَقُول وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي الحاكمي الْفُلَانِيّ
فَإِن كَانَت الْمُرضعَة تزوجت بِمن أَرْضَعَتْه
وَلم يعلم كل مِنْهُمَا ذَلِك
وَتبين بعد ذَلِك
فإمَّا أَن يكون دخل بهَا أَولا
فَإِن توافقا على أَنه دخل بهَا وتصادقا عَلَيْهِ فَلَا(2/165)
كَلَام
وَفرق بَينهمَا
وَإِن كَانَ ثمَّ أَوْلَاد فنسب الْأَوْلَاد لَاحق بنسبهما وَالْحَالة هَذِه
وَإِن لم يكن دخل بهَا فَلَا مهر لَهَا
وَإِن كَانَت قد دخل بهَا فَالْوَاجِب لَهَا عَلَيْهِ مهر الْمثل لِأَنَّهُ وَطْء بِشُبْهَة وَإِن أقرّ بِالرّضَاعِ وكذبته
وَجب لَهَا عَلَيْهِ نصف الْمهْر قبل الدُّخُول
وَتَمَامه بِالدُّخُولِ
وَإِن أقرَّت هِيَ وكذبها فَلَا فسخ
وَإِن ترافعا إِلَى الْحَاكِم فِي ذَلِك كتب الْمحْضر الْمُقدم ذكره
وتقام بَيِّنَة جَرَيَان عقد النِّكَاح بَينهمَا عِنْد الْحَاكِم الْآذِن فِي كِتَابَة هَذَا الْمحْضر وتقام عِنْده الْبَيِّنَة فِي الْمحْضر ثمَّ يعْذر إِلَى الْمُنكر من الزَّوْجَيْنِ
وَيشْهد عَلَيْهِ بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ
وتقام بَيِّنَة الْإِعْذَار عِنْد الْحَاكِم ثمَّ يحلف الْمُعْتَرف بذلك
وَيَقُول فِي حلفه إِن الارتضاع صدر كَمَا نَص وَشرح فِي الْمحْضر الْمَذْكُور على الحكم المشروح فِيهِ وَأَن من شهد بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وتقام الْبَيِّنَة فِيهِ عِنْد الْحَاكِم
وَصُورَة مَا يكْتب من مجْلِس الحكم الْعَزِيز فِي ذَلِك على ظهر الْمحْضر لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْد سيدنَا فلَان الْحَاكِم الْمُسَمّى بَاطِنه بِجَمِيعِ مَا شرح فِي الْمحْضر المسطر بَاطِنه من جَرَيَان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ المسميين بَاطِنه وصدور الارتضاع المشروح بَاطِنه على الحكم المشروح بَاطِنه وجريان الْحلف والإعذار المشروح بَاطِنه على حكمه الْمَنْصُوص عَلَيْهِ بَاطِنه
وباطنه مؤرخ بِكَذَا
وَثَبت صُدُور ذَلِك جَمِيعه لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وتكامل عِنْده بطريقه الْمُعْتَبر المرعي بِالْبَيِّنَةِ العادلة المرضية الَّتِي تثبت بِمِثْلِهَا الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة
سَأَلَ سيدنَا الْمُسَمّى فِيهِ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيم بِثُبُوت الارتضاع الْمَذْكُور
وَفسخ النِّكَاح المشروح فِيهِ
والتفريق بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين بذلك التَّفْرِيق الشَّرْعِيّ
فاستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
وبالحكم بِمُوجبِه
وَأمر بِالتَّفْرِيقِ بَين فلَان وفلانة الْمَذْكُورين فِيهِ التَّفْرِيق الشَّرْعِيّ لوُجُود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضِي لذَلِك
وَأَن فُلَانَة الْمَذْكُورَة صَارَت أم فلَان الْمَذْكُور من الرَّضَاع حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأذن لفلانة الْمَذْكُورَة أَن تمْضِي لوفاء عدتهَا الشَّرْعِيَّة إِن كَانَت مَدْخُولا بهَا
وَإِن كَانَ ثمَّ أَوْلَاد
فَيكْتب وَثَبت أَيْضا عِنْده ثَبت الله مجده اعْتِرَاف فلَان وفلانة الْمَذْكُورين فِيهِ أَن بَينهمَا أَوْلَادًا وَيذكرهُمْ وَأَن نسبهم لَاحق بنسبهما(2/166)
وَإِن تعرض للمهر
فَإِن اتفقَا عَلَيْهِ فَلَا كَلَام وَإِن لم يتَّفقَا عَلَيْهِ فتقوم الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بِمهْر الْمثل
وَيحكم بِهِ حَالا بِنَقْد الْبَلَد
كَمَا تقدم
وَإِن لم يدْخل بهَا وَلم يصبهَا
فَيكْتب وَأَن فُلَانَة الْمَذْكُورَة لم يجب عَلَيْهَا عدَّة لعدم الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل وَاقعَة تتَعَلَّق بِمثل ذَلِك فِي كل مَا يحرم الرَّضَاع
تَنْبِيه يثبت الرَّضَاع بِشَهَادَة الْمُرضعَة مَعَ ثَلَاث نسْوَة أَو مَعَ امْرَأَة وَرجل أضافت الْإِرْضَاع إِلَى نَفسهَا
وَإِنَّمَا لم تقبل إِذا لم تطلب أُجْرَة
قَالَ الفوراني وصيغتها أَن تَقول ارتضع مني وَلَا تَقول أَرْضَعَتْه
وَصُورَة مَا إِذا وَقعت الدَّعْوَى بِالرّضَاعِ الْمحرم عِنْد الْحَاكِم من أحد الزَّوْجَيْنِ أَو من مدعي حسبَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَزَوجته فُلَانَة أَو فلَان وَادّعى بطرِيق الْحِسْبَة بِقصد الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن فلَانا الْحَاضِر بِحُضُورِهِ تزوج فُلَانَة الْحَاضِرَة بحضورهما
وعقدها أَنه يحل لَهَا وَتحل لَهُ بِعقد النِّكَاح
ثمَّ علمت أَنه أَخُوهَا من الرَّضَاع ارتضع من لَبنهَا وَهُوَ صَغِير لَهُ دون الْحَوْلَيْنِ كَذَا وَكَذَا رضعة متفرقات ويعين قدر الرضعات على قدر اخْتِلَاف النَّاس فِي ذَلِك وَرَأى القَاضِي الْمُدَّعِي عِنْده فِي ذَلِك ثمَّ يَقُول وَأَنه مُقيم على حَاله فِي نِكَاحهَا غير مُمْتَنع مِنْهَا وَلَا مُلْتَزم لما يَقْتَضِيهِ حكم التَّحْرِيم بِالرّضَاعِ بَينهمَا وَسَأَلت سُؤَاله أَو سَأَلَ سُؤَاله
يَعْنِي مدعي الْحِسْبَة عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك
فَأجَاب إِن فُلَانَة الْحَاضِرَة مَعَه زَوجته
وَلَا علم لَهُ بسوى ذَلِك مِمَّا ادَّعَتْهُ من الرَّضَاع أَو مِمَّا ادعِي عَلَيْهِ بِهِ من الرَّضَاع فَذكرت أَو فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة على مَا ادَّعَاهُ من ذَلِك
وَسَأَلَ الْإِذْن لَهُ فِي إِحْضَار الْبَيِّنَة
فَأذن لَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك فأحضرت أَو فأحضر من النسْوَة الثِّقَات العدلات الأمينات المقبولات فُلَانَة وفلانة حَتَّى يَأْتِي على عددهن وأقمن شَهَادَتهنَّ عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن فلَان ابْن فلَان الَّذِي عرفنه بِعَيْنِه واسْمه وَنسبه معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ارتضع من فُلَانَة بنت فلَان وَالِدَة فُلَانَة الَّتِي أحضرتهن لهَذِهِ الشَّهَادَة أَو الْحَاضِرَة وَهُوَ صَغِير طِفْل لم يبلغ الْحَوْلَيْنِ خمس رَضعَات متفرقات بحضورهن
وصل اللَّبن بِهِ إِلَى جَوْفه من فَمه بمصه وتجرعه وازدراده بحركة مِنْهُ على الْعَادة فِي مثل ذَلِك وَأَن الْمُرضعَة الْمَذْكُورَة حِين ذَاك كَانَت لبونا
وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ(2/167)
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلته فُلَانَة الْمَذْكُورَة أَو سَأَلَهُ سَائل شَرْعِي إِنْفَاذ الْقَضَاء بِمَا ثَبت عِنْده من ارتضاع فلَان وفلانة فِي صغره الرضعات الْخمس الَّتِي ثَبت بِهن حكم الرَّضَاع وتحريمه حَسْبَمَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده وَالْحكم بِفَسْخ النِّكَاح بَينه وَبَين فُلَانَة الْمَذْكُورَة
فَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك
وَمن مُوجبه فسخ النِّكَاح بَين فلَان وفلانة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
فَإِن كَانَ قد دخل بهَا أوجب لَهَا مهر الْمثل وَأوجب عَلَيْهَا الْعدة
كَمَا تقدم
وَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا فعل كَمَا تقدم شَرحه
وَإِن تَضَمَّنت الدَّعْوَى أَنَّهُمَا يرومان النِّكَاح ويريدان إِيقَاعه وَإِن لم يكن بَين الزَّوْجَيْنِ نِكَاح فسخ على منوال هَذِه الصُّورَة
وأتى بِمَا يَلِيق بِهَذَا الْمحل من الْأَلْفَاظ الْمُقْتَضِيَة لتعليق الْفرْقَة إِذا وَقع النِّكَاح وَهُوَ بعد عقد النِّكَاح أولى وَأقوى
وَالله أعلم(2/168)
كتاب النَّفَقَات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي وجوب نَفَقَة الزَّوْجَات الْكتاب وَالسّنة
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ}
والمولود لَهُ هُوَ الزَّوْج
وَإِنَّمَا نَص على وجوب نَفَقَة الزَّوْجَة حَال الْولادَة ليدل على أَن النَّفَقَة تجب لَهَا حَال اشتغالها عَن الِاسْتِمْتَاع بالنفاس لِئَلَّا يتَوَهَّم متوهم أَنَّهَا لَا تجب لَهَا
وَقَوله تَعَالَى {فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} قَالَ الشَّافِعِي مَعْنَاهُ أَن لَا تكْثر عيالكم وَمن تمونونه
وَقَالَ إِن أَكثر السّلف قَالَ إِن معنى أَن لَا تعولُوا أَن لَا تَجُورُوا
يُقَال عَال يعول
إِذا جَار وأعال يعيل إِذا كثرت عِيَاله إِلَّا زيد بن أسلم
فَإِنَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ أَن لَا تكْثر عيالكم
وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشْهد لذَلِك حَيْثُ قَالَ ابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول
وَيدل على وجوب نَفَقَة الزَّوْجَات قَوْله تَعَالَى {الرِّجَال قوامون على النِّسَاء بِمَا فضل الله بَعضهم على بعض وَبِمَا أَنْفقُوا من أَمْوَالهم} وَقَوله تَعَالَى {لينفق ذُو سَعَة من سعته وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه فلينفق مِمَّا آتَاهُ الله لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا مَا آتاها سَيجْعَلُ الله بعد عسر يسرا} وَقَوله وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه أَي ضيق عَلَيْهِ
وَمن السّنة مَا روى حَكِيم بن مُعَاوِيَة الْقشيرِي عَن أَبِيه
قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا حق الزَّوْجَة فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تطعمها إِذا طعمت وَأَن تكسوها إِذا اكتسيت(2/169)
وروى جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس وَقَالَ اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله
واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله
ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ
وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله عِنْدِي دِينَار
فَقَالَ أنفقهُ على نَفسك
فَقَالَ عِنْدِي آخر
فَقَالَ أنفقهُ على ولدك
فَقَالَ عِنْدِي آخر
فَقَالَ أنفقهُ على أهلك
فَقَالَ عِنْدِي آخر
فَقَالَ أنفقهُ على خادمك
فَقَالَ عِنْدِي آخر
فَقَالَ أَنْت أعلم بِهِ
وَالْمرَاد بالأهل هَهُنَا الزَّوْجَة
بِدَلِيل مَا روى أَبُو سعيد المَقْبُري أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ إِذا روى هَذَا الحَدِيث ولدك يَقُول أنْفق عَليّ
إِلَى من تَكِلنِي وزوجك تَقول أنْفق عَليّ أَو طَلقنِي وخادمك يَقُول أنْفق عَليّ أَو بِعني
وروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن هِنْد امْرَأَة أبي سُفْيَان جَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح وَإنَّهُ لَا يعطيني وَوَلَدي إِلَّا مَا أَخَذته مِنْهُ سرا وَلَا يعلم
فَهَل عَليّ فِي ذَلِك شَيْء فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خذي مَا يَكْفِيك وولدك بِالْمَعْرُوفِ
قَالَ أَصْحَابنَا فِي هَذَا الْخَبَر فَوَائِد
أَحدهَا وجوب نَفَقَة الزَّوْجَة
الثَّانِيَة وجوب نَفَقَة الْوَلَد(2/170)
الثَّالِثَة أَن نَفَقَة الزَّوْجَة مُقَدّمَة على نَفَقَة الْوَلَد لِأَنَّهُ قدم فِي الحكم نَفَقَتهَا على نَفَقَة الْوَلَد
الرَّابِعَة أَن نَفَقَة الْوَلَد على الْكِفَايَة
الْخَامِسَة أَن للْمَرْأَة أَن تخرج من بَيتهَا لحَاجَة لَا بُد مِنْهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهَا الْخُرُوج
السَّادِسَة أَن للْمَرْأَة أَن تستفتي الْعلمَاء
السَّابِعَة أَن صَوت الْمَرْأَة لَيْسَ بِعَوْرَة
الثَّامِنَة إِن تَأْكِيد الْكَلَام جَائِز لِأَنَّهَا قَالَت إِن أَبَا سُفْيَان رجل والشحيح من منع حَقًا عَلَيْهِ
التَّاسِعَة أَنه يجوز أَن يذكر الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ
لِأَنَّهَا قَالَت إِن أَبَا سُفْيَان رجل شحيح
الْعَاشِرَة أَن الحكم على الْغَائِب جَائِز
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم على أبي سُفْيَان وَهُوَ غَائِب
وَهَذَا قَول أَكثر الْأَصْحَاب
قَالَ ابْن الصّباغ وَالْأَشْبَه أَن هَذَا فتيا
وَلَيْسَ بِحكم
لِأَنَّهُ لم ينْقل أَن أَبَا سُفْيَان كَانَ غَائِبا
الْحَادِيَة عشرَة أَنه يجوز للْحَاكِم أَن يحكم بِعِلْمِهِ
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسْأَلهَا الْبَيِّنَة
وَإِنَّمَا حكم لَهَا بِعِلْمِهِ
الثَّانِيَة عشرَة أَن من لَهُ حق على غَيره فَمَنعه
جَازَ لَهُ أَخذه من مَاله
الثَّالِثَة عشرَة أَن لَهُ أَخذه من مَاله
وَإِن كَانَ من غير جنس حَقه
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يفصل
الرَّابِعَة عشرَة أَنه إِذا أَخذه وَكَانَ من غير جنس حَقه
فَلهُ بَيْعه بِنَفسِهِ
الْخَامِسَة عشرَة أَنه يسْتَحق الْخَادِم على الزَّوْج إِن كَانَت مِمَّن تخْدم لِأَنَّهُ روى أَنَّهَا قَالَت إِلَّا مَا يدْخل عَليّ
السَّادِسَة عشرَة أَن للْمَرْأَة أَن تقبض نَفَقَة وَلَدهَا
وتتولى الْإِنْفَاق على وَلَدهَا
وَلِأَن الزَّوْجَة محبوسة على الزَّوْج وَله منعهَا من التَّصَرُّف
فَكَانَت نَفَقَتهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ
كَنَفَقَة العَبْد على سَيّده
وَنَفَقَة الزَّوْجَة تخْتَلف باخْتلَاف حَال الزَّوْج فِي الْيَسَار والإعسار
فعلى الْمُوسر فِي(2/171)
كل يَوْم مدان من الطَّعَام
وعَلى الْمُعسر مد
وعَلى الْمُتَوَسّط مد وَنصف
وَقدر الْمَدّ مائَة دِرْهَم وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ درهما وَثلث دِرْهَم
وَالنَّظَر فِي الْجِنْس إِلَى غَالب قوت الْبَلَد
فَهُوَ الْوَاجِب
وَيجب فِيهَا مَعَ الطَّعَام الإدام
وجنسه غَالب إدام الْبَلَد على اخْتِلَاف الْفُصُول
وَتَقْدِير النَّفَقَة إِلَى القَاضِي بِالِاجْتِهَادِ
وَيجب اللَّحْم أَيْضا على عَادَة الْبَلَد كَمَا سبق بيسار الزَّوْج وإعساره
وَتجب النَّفَقَة على الزَّوْج الصَّغِير وَلَا تجب للزَّوْجَة الصَّغِيرَة
وَتجب نَفَقَة الْبَائِن الْحَامِل إِلَى أَن تضع
وَيجب عَلَيْهِ كسوتها على قد كفايتها حَتَّى تحتلف بِطُولِهَا وقصرها وهزالها وسمنها
وكسوتها فِي الصَّيف الْقَمِيص والسراويل والخمار
وتزيد فِي الشتَاء الْجُبَّة
وجنسها الْمُتَّخذ من الْقطن
فَإِن جرت عَادَة الْبَلَد بالكتان وَالْحَرِير لمثله
فأظهر الْوَجْهَيْنِ لُزُومه
وَيلْزمهُ لَهَا مَا تفرشه للقعود وفراش النّوم ولحاف ومخدة
وَمَا تتنظف بِهِ من الأوساخ كالمشط والدهن
وَمَا تغسل بِهِ رَأسهَا
وَيجب عَلَيْهِ إخدام الَّتِي لَا يَلِيق بهَا أَن تخْدم نَفسهَا بحرة أَو أمة
وَالنَّفقَة تجب بالتمكين دون العقد
حَتَّى لَو اخْتلفَا فِي أَنَّهَا هَل مكنت فَالْقَوْل قَول الزَّوْج
وَعَلَيْهَا الْبَيِّنَة
وَيجب تَسْلِيم النَّفَقَة إِلَى الزَّوْجَة
وَلَو سلمهَا نَفَقَة مُدَّة فَمَاتَتْ قبل انْقِضَائِهَا رَجَعَ فِيمَا بَقِي
وَيجب تَسْلِيم الْكسْوَة إِلَى الْمَرْأَة فِي أول الْفَصْل
فَإِن سلمهَا كسْوَة فصل ثمَّ مَاتَت قبل انقضائه لم يرجع
وَقيل يرجع
وَالْأول أصح
فصل والنشوز يسْقط النَّفَقَة
وَالْخُرُوج من بَيت الزَّوْج بِغَيْر إِذْنه نشوز
وبإذنه فِي حَاجَتهَا وَهُوَ مَعهَا لَا تجب لَهَا النَّفَقَة
وَلَو نشزت فَغَاب الزَّوْج فَعَادَت إِلَى الطَّاعَة
فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يعود الِاسْتِحْقَاق حَتَّى ترفع الْأَمر إِلَى القَاضِي
وَإِذا أَحرمت بِغَيْر إِذْنه فَهِيَ نَاشِزَة
والمعتدة الرَّجْعِيَّة تسْتَحقّ النَّفَقَة وَسَائِر المؤنات إِلَّا مُؤنَة التَّنْظِيف
فصل وَإِذا أعْسر الزَّوْج
بِالنَّفَقَةِ فأصح الْقَوْلَيْنِ أَن الْمَرْأَة بِالْخِيَارِ بَين أَن تصبر وترضى وَتَكون النَّفَقَة دينا فِي ذمَّته وَبَين أَن تطلب الْفَسْخ(2/172)
وقدرة الزَّوْج على الْكسْب كقدرته على المَال
والإعسار بالكسوة كالإعسار بِالنَّفَقَةِ
فَيثبت الْخِيَار لَهُ
وَتجب النَّفَقَة للْوَلَد على الْوَالِد وللوالد على الْوَلَد
والوالدة والأجداد والجدات كَالْوَلَدِ
والأحفاد كالأولاد
وَيَسْتَوِي فِي الِاسْتِحْقَاق الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْوَارِث وَغَيره
والقريب من الأحفاد والأجداد كالبعيد
وَتجب على الْقَرِيب الْمُوسر
وَيُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب مَا يُبَاع فِي الدّين
وَتسقط نَفَقَة الْقَرِيب بِمُضِيِّ الزَّمَان
وَفِيه قَول إِنَّه يجب نَفَقَة الأَصْل على الْفَرْع دون الْعَكْس
وَلَا تصير دينا فِي الذِّمَّة إِلَّا أَن يفْرض القَاضِي أَو يَأْذَن فِي الاستقراض لغيبة أَو امْتنَاع
وَصفَة من تجب نَفَقَتهم من الْوَالِدين أَن يَكُونُوا فُقَرَاء زمنى أَو فُقَرَاء مجانين
فَإِن كَانُوا أصحاء فَفِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنَّهَا لَا تجب نَفَقَتهم
وَمن الْأَوْلَاد أَن يَكُونُوا فُقَرَاء زمنى أَو فُقَرَاء مجانين
أَو فُقَرَاء أطفالا
فَإِن كَانُوا أصحاء بالغين لم تجب نَفَقَتهم
وَمن وَجَبت نَفَقَته وَجَبت نَفَقَة زَوجته
وَيجب على الْمكَاتب نَفَقَة وَلَده
وَلَا تجب نَفَقَة الْأَقَارِب
وَلَا يلْزم عبد نَفَقَة وَلَده
وَإِن كَانَت أمه حرَّة فَهُوَ حر وَنَفَقَته عَلَيْهَا أَو رقيقَة وَالْولد رَقِيق فعلى مَالِكه أَو حر فَفِي بَيت المَال
وَالظَّاهِر أَن من نصفه حر يلْزمه نَفَقَة الْقَرِيب تَامَّة أَو نصفهَا وَجْهَان أصَحهمَا الأول
وَلَو كَانَ مُحْتَاجا هَل تلْزمهُ نَفَقَة قَرِيبه الْحر نَفَقَة الْحُرِّيَّة وَجْهَان
أرجحهما نعم
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على وجوب النَّفَقَة لمن تلْزم نَفَقَته كَالزَّوْجَةِ وَالْأَب وَالْولد الصَّغِير
وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَة الزَّوْجَات هَل هِيَ مقدرَة بِالشَّرْعِ أَو مُعْتَبرَة بِحَال الزَّوْجَيْنِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تعْتَبر بِحَال الزَّوْجَيْنِ
فَيجب على الْمُوسر نَفَقَة الموسرين
وعَلى الْمُعسر للفقيرة أقل الكفايات وعَلى الْمُوسر للفقيرة نَفَقَة متوسطة بَين النفقتين
وعَلى الْفَقِير للموسرة أقل الْكِفَايَة وَالْبَاقِي فِي ذمَّته
وَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ مقدرَة بِالشَّرْعِ لَا اجْتِهَاد فِيهَا مُعْتَبرَة بِحَال الزَّوْج وَحده
فعلى الْمُوسر مدان
وعَلى الْمُتَوَسّط مد وَنصف وعَلى الْمُعسر مد
وَاخْتلفُوا فِي الزَّوْجَة إِذا احْتَاجَت إِلَى خَادِم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يلْزمه إِلَّا خَادِم وَاحِد
وَإِن احْتَاجَت إِلَى أَكثر
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ إِن احْتَاجَت إِلَى خادمين وَثَلَاثَة لزمَه ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي نَفَقَة الصَّغِيرَة(2/173)
الَّتِي لَا يُجَامع مثلهَا إِذا تزَوجهَا كَبِير
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا نَفَقَة لَهَا
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا أَن لَا نَفَقَة لَهَا
فَلَو كَانَت الزَّوْجَة كَبِيرَة وَالزَّوْج صَغِير لَا يُجَامع مثله وَجَبت عَلَيْهِ النَّفَقَة عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك لَا نَفَقَة عَلَيْهِ
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا الْوُجُوب
فصل الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة
هَل يثبت للزَّوْجَة الْفَسْخ مَعهَا أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت لَهَا الْفَسْخ
وَلَكِن ترفع يَده عَنْهَا لتكتسب
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد نعم يثبت لَهَا الْفَسْخ بالإعسار عَن النَّفَقَة وَالْكِسْوَة والمسكن
فَإِذا مضى زمَان وَلم ينْفق على زَوجته
فَهَل تَسْتَقِر النَّفَقَة عَلَيْهِ أم تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان قَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط مَا لم يحكم بهَا حَاكم أَو يتفقان على قدر مَعْلُوم
فَيصير ذَلِك دينا باصطلاحهما
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَا تسْقط نَفَقَة الزَّوْجَة بِمُضِيِّ الزَّمَان بل تصير دينا عَلَيْهِ
لِأَنَّهَا فِي مُقَابلَة التَّمْكِين والاستمتاع
وَاتَّفَقُوا على أَن الناشز لَا نَفَقَة لَهَا
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة إِذا سَافَرت بِإِذن زَوجهَا فِي غير وَاجِب عَلَيْهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط نَفَقَتهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تسْقط
فصل والمبتوتة
إِذا طلبت أُجْرَة مثلهَا فِي الرَّضَاع لولدها فَهَل هِيَ أَحَق من غَيرهَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ ثمَّ مُتَطَوّع أَو من يرضع بِدُونِ أُجْرَة الْمثل كَانَ للْأَب أَن يسترضع غَيرهَا بِشَرْط أَن يكون الْإِرْضَاع عِنْد الْأُم
لِأَن الْحَضَانَة لَهَا
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن الْأُم أولى
وَالثَّانيَِة كمذهب أبي حنيفَة
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ قَول أَحْمد أَن الْأُم أَحَق بِكُل حَال وَإِن وجد من يتَبَرَّع بِالرّضَاعِ
فَإِنَّهُ يجْبر على إِعْطَاء الْوَلَد لأمه بِأُجْرَة مثلهَا وَالثَّانِي كَقَوْل أبي حنيفَة رَحمَه الله
وَاتَّفَقُوا على أَنه يجب على الْمَرْأَة أَن ترْضع وَلَدهَا اللبأ
وَهل تجبر الْأُم على إِرْضَاع وَلَدهَا بعد شرب اللبأ قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تجبر إِذا وجد غَيرهَا
وَقَالَ مَالك تجبر مَا دَامَت فِي زوجية أَبِيه إِلَّا أَن يكون مثلهَا لَا يرضع لشرف أَو عز وإيسار أَو لسقم بهَا أَو لفساد فِي اللَّبن
فَلَا تجبر
وَاخْتلفُوا فِي الْوَارِث هَل يجْبر على نَفَقَة من يَرِثهُ بِفَرْض أَو تعصيب قَالَ أَبُو(2/174)
حنيفَة يجْبر على نَفَقَة كل ذِي رحم محرم فَيدْخل فِيهِ الْخَالَة عِنْده والعمة
وَيخرج مِنْهُ ابْن الْعم وَمن ينْسب إِلَيْهِ بِالرّضَاعِ
وَقَالَ مَالك لَا تجب النَّفَقَة إِلَّا للْوَالِدين الْآدَمِيّين وَأَوْلَاد الصلب
وَقَالَ الشَّافِعِي تجب النَّفَقَة على الْأَب وَإِن علا وعَلى الابْن وَإِن سفل وَلَا يتَعَدَّى عمودي النّسَب
وَقَالَ أَحْمد كل شَخْصَيْنِ جرى بَينهمَا الْمِيرَاث بِفَرْض أَو تعصيب من الطَّرفَيْنِ لزمَه نَفَقَة الآخر
كالأبوين وَأَوْلَاد الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات والعمومة وبنيهم رِوَايَة وَاحِدَة
فَإِن كَانَ الْإِرْث جَارِيا بَينهم من أحد الطَّرفَيْنِ وهم ذَوُو الْأَرْحَام كَابْن الْأَخ مَعَ عمته وَابْن الْعم مَعَ بنت عَمه فَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
وَاخْتلفُوا هَل يلْزم السَّيِّد نَفَقَة عتيقه فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا يلْزمه
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَالْأُخْرَى إِن أعْتقهُ صَغِيرا لَا يَسْتَطِيع السَّعْي لزمَه نَفَقَته إِلَى أَن يسْعَى
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا بلغ الْوَلَد مُعسرا وَلَا حِرْفَة لَهُ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط نَفَقَة الْغُلَام إِذا بلغ صَحِيحا
وَلَا تسْقط نَفَقَة الْجَارِيَة إِلَّا إِذا تزوجت
وَقَالَ مَالك كَذَلِك إِلَّا أَنه أوجب نَفَقَة الْجَارِيَة حَتَّى يدْخل بهَا الزَّوْج
وَقَالَ الشَّافِعِي تسْقط نفقتهما جَمِيعًا
وَقَالَ أَحْمد لَا تسْقط نَفَقَة الْوَلَد عَن أَبِيه وَإِن بلغ إِذا لم يكن لَهُ مَال وَلَا كسب
وَإِذا بلغ الابْن مَرِيضا تستمر نَفَقَته على أَبِيه بالِاتِّفَاقِ
فَلَو برأَ من مَرضه ثمَّ عاوده الْمَرَض
عَادَتْ نَفَقَته عِنْد الثَّلَاثَة إِلَّا مَالِكًا
فَإِن عِنْده لَا تعود
وَلَو تزوجت الْجَارِيَة وَدخل بهَا الزَّوْج ثمَّ طَلقهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تعود نَفَقَتهَا على الْأَب
وَقَالَ مَالك لَا تعود
فصل وَلَو اجْتمع وَرَثَة
مثل أَن يكون للصَّغِير أم وجد
وَكَذَلِكَ إِن كَانَت بنت وَابْن أَو بنت وَابْن ابْن أَو كَانَ لَهُ أم وَبنت فعلى من تكون النَّفَقَة قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد النَّفَقَة للصَّغِير على الْأُم وَالْجد بَينهمَا أَثلَاثًا
وَكَذَلِكَ الْبِنْت وَالِابْن
فَأَما ابْن(2/175)
الابْن وَالْبِنْت فَقَالَ أَبُو حنيفَة النَّفَقَة على الْبِنْت دونه
وَقَالَ أَحْمد النَّفَقَة بَينهمَا نِصْفَانِ
وَأما الْأُم وَالْبِنْت فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد النَّفَقَة على الْأُم وَالْبِنْت بَينهمَا
الرّبع على الْأُم وَالْبَاقِي على الْبِنْت
وَقَالَ الشَّافِعِي النَّفَقَة على الذُّكُور خَاصَّة الْجد وَالِابْن وَابْن الابْن دون الْبِنْت وعَلى الْبِنْت دون الْأُم
وَقَالَ مَالك النَّفَقَة على ابْن الصلب الذّكر وَالْأُنْثَى بَينهم سَوَاء إِذا اسْتَويَا فِي الْجدّة
فَإِن كَانَ أَحدهمَا واجدا وَالْآخر فَقِيرا
فالنفقة على الْوَاجِد
فصل من لَهُ حَيَوَان
لَا يقوم بِنَفَقَتِهِ هَل للْحَاكِم إِجْبَاره عَلَيْهَا أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يَأْمُرهُ الْحَاكِم على طَرِيق الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من غير إِجْبَار
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد للْحَاكِم أَن يجْبر مَالِكهَا على نَفَقَتهَا أَو بيعهَا
وَزَاد مَالك وَأحمد فَقَالَا ويمنعه من تحميلها مَا لَا تطِيق
انْتهى
وَيتَفَرَّع على الْخلاف الْمَذْكُور مسَائِل
الأولى إِذا اخْتلف الزَّوْجَانِ فِي النَّفَقَة مَعَ اجْتِمَاعهمَا وملازمتهما ومشاهدة مَا يَنْقُلهُ الزَّوْج إِلَى مسكنهما من الْأَطْعِمَة والأشربة
فالشافعي يَجْعَل القَوْل قَول الْمَرْأَة
لِأَن الأَصْل عدم قبضهَا كَسَائِر الدُّيُون
لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي الْعَادة
وَقَوله ظَاهر
وَالْفرق بَين النَّفَقَة وَسَائِر الدُّيُون أَن الْعَادة الْغَالِبَة مثيرة للظن بِصدق الزَّوْج بِخِلَاف الِاسْتِصْحَاب فِي الدُّيُون
فَإِنَّهُ لَا معَارض لَهُ وَلَو جعل لَهُ معَارض كالشاهد وَالْيَمِين لأسقطناه مَعَ أَن الظَّن الْمُسْتَفَاد من الشَّاهِد وَالْيَمِين أَضْعَف من الظَّن الْمُسْتَفَاد من الْعَادة المطردة فِي إِنْفَاق الْأزْوَاج على نِسَائِهِم مَعَ المخالطة الدائمة
نعم لَو اخْتلفَا فِي نَفَقَة يَوْم أَو يَوْمَيْنِ لم يبعد كَمَا قَالَه الشَّافِعِي
الثَّانِيَة نَفَقَة زَوْجَات النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِبَة عَلَيْهِ بعد مَوته
لِأَن زوجيتهن لم تَنْقَطِع
وَلم يجز لَهُنَّ نِكَاح غَيره لبَقَاء زوجيتهن
فَلم تسْقط نفقتهن بِمَوْتِهِ
وَلَيْسَ كَون مَا خَلفه صَدَقَة مُخْتَصًّا بِهِ بل هُوَ عَام لجَمِيع الْأَنْبِيَاء
فَلَا حَاجَة إِلَى أَن يقفوا ذَلِك
لِأَن مغله ومنافعه جَارِيَة عَلَيْهِم مَا دَامَ بَاقِيا
وَهَذَا مِمَّا ميز بِهِ الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم
كَذَا ذكره ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِده
وَقَالَ أَيْضا فِي الْقَوَاعِد فَائِدَة إِذا ملك حَيَوَانا يُؤْكَل وحيوانا لَا يُؤْكَل وَلم يُوجد إِلَّا نَفَقَة أَحدهمَا وَتعذر بيعهمَا
احْتمل أَن يقدم نَفَقَة مَا لَا يُؤْكَل
ويذبح الْمَأْكُول
وَاحْتمل أَن يسوى بَينهمَا(2/176)
فَإِن كَانَ الْمَأْكُول يُسَاوِي ألفا وَغَيره يُسَاوِي درهما
فَفِي هَذَا نظر وَاحْتِمَال
فرع قَالَت الزَّوْجَة أَنا أخدم نَفسِي وآخذ الْأُجْرَة أَو نَفَقَة الْخَادِم
لم يلْزمه على الْمَذْهَب
أَو قَالَ أَنا أخدمها لتسقط عني مُؤنَة الْخَادِم
فَلَيْسَ لَهُ ذَلِك فِي الْأَصَح
وَقيل لَهُ ذَلِك فِيمَا لَا يستحيي مِنْهُ كَغسْل ثوب واستقاء مَاء
وكنس الْبَيْت والطبخ دون مَا يخْتَص بهَا كصب المَاء على يَدهَا وَحمله إِلَى المستحم وَنَحْو ذَلِك
وتستحق النَّفَقَة يَوْمًا فيوما
وَلها الْمُطَالبَة بِطُلُوع الْفجْر
وَقيل بِطُلُوع الشَّمْس
وَلَو قبضت نَفَقَة يَوْم ثمَّ نشزت فِي أثْنَاء النَّهَار
استردها بِخِلَاف الْمَوْت والبينونة على الصَّحِيح
وَلَو لم تقبضها فَهِيَ دين عَلَيْهِ
وَلَو أبان زَوجته بِطَلَاق ثمَّ ظهر بهَا حمل فلاعن لنَفسِهِ
سَقَطت النَّفَقَة
وَهَذِه أولى بِالسُّكْنَى
وَالْمذهب أَن النَّفَقَة للحامل مقدرَة
كصلب النِّكَاح
وَلَا تجب نَفَقَتهَا قبل ظُهُور حمل
فَإِذا ظهر وَجَبت يَوْمًا فيوما
وَقيل حَتَّى تضع
فَلَو ادَّعَت وَأنكر فعلَيْهَا الْبَيِّنَة
وَتقبل فِيهِ النِّسَاء
وَلَو اتّفق على ظن حمل
فَبَان خِلَافه
رَجَعَ عَلَيْهَا
وَلَا تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان
وَلَو مَاتَ الزَّوْج قبل الْوَضع سَقَطت فِي أحد الْوُجُوه
وَصَححهُ الإِمَام
وعَلى الْأَظْهر لَو أبرأت الزَّوْج من النَّفَقَة صحت أَو أعتق أم وَلَده وَهِي حَامِل مِنْهُ لم تلْزمهُ نَفَقَتهَا
وَلَو مَاتَ وَترك أَبَاهُ وَامْرَأَته حُبْلَى لم يكن لَهَا مُطَالبَة الْجد بِالنَّفَقَةِ
وَلَو أنْفق على زَوجته فَبَان فَسَاد النِّكَاح
لم يسْتَردّ مَا أنْفق سَوَاء كَانَت حَامِلا أَو حَائِلا
وَلَو نشزت الْحَامِل الْبَائِن سَقَطت نَفَقَتهَا
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا صُورَة فرض حمل فرض قَرَّرَهُ على نَفسه بِرِضَاهُ فلَان أَو فرض فلَان على نَفسه لمطلقته الطَّلقَة الْوَاحِدَة الأولى أَو الثَّانِيَة الْبَائِن أَو الثَّلَاث فُلَانَة الْمُشْتَملَة مِنْهُ على حمل ظَاهر بتصادقهما على ذَلِك لما تحْتَاج إِلَيْهِ الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون وأجرتي حمام ومنزل ولوازم شَرْعِيَّة وَمَا لَا بُد لَهَا مِنْهُ فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا إِلَى حِين وَضعهَا حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأذن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والاتفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
صُورَة فرض عصمَة فرض قَرَّرَهُ على نَفسه بِرِضَاهُ فلَان الْفُلَانِيّ لزوجته فُلَانَة الَّتِي(2/177)
اعْترف أَنَّهَا فِي عصمته وَعقد نِكَاحه وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة بَاقِيَة بَينهمَا إِلَى تَارِيخه
وصدقته على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا لما تحْتَاج إِلَيْهِ الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون وأجرتي حمام ومنزل وَكِسْوَة إِن كَانَا اتفقَا عَلَيْهَا ولوازم شَرْعِيَّة فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخ كَذَا وَكَذَا مَا دَامَت فِي عصمته وَعقد نِكَاحه تقريرا شَرْعِيًّا حَسْبَمَا اتفقَا وتراضيا على ذَلِك وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأذن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِن كَانَت الْكسْوَة خَارِجَة عَن فرض الْعِصْمَة واتفقا عَلَيْهَا
فَيكْتب بهَا فرض مُسْتَقل
وَصُورَة فرض بِنَفَقَة الْوَلَد فرض قَرَّرَهُ على نَفسه بِرِضَاهُ فلَان لوَلَده لصلبه فلَان الصَّغِير أَو لولد وَلَده الصَّغِير أَو لولد وَلَده لصلبه فلَان الدارج وَالِده بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى أَو لوَلَده لصلبه فلَان الْبَالِغ الْفَقِير الْعَاجِز عَن الْكسْب الزَّمن
فَإِن كَانَ صَغِيرا أَو لَهُ أم مُطلقَة من أَبِيه وَهُوَ فِي حضانتها فَيَقُول الَّذِي فِي حضَانَة والدته فُلَانَة الْمُطلقَة من وَالِده الْمُقَرّر الْمَذْكُور لما يحْتَاج إِلَيْهِ الصَّغِير الْمَذْكُور فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون وأجرتي حمام ومنزل وَكِسْوَة وَأُجْرَة حضَانَة ولوازم شَرْعِيَّة فِي غرَّة كل يَوْم من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا
مَا دَامَ الْوَلَد الْمَذْكُور فِي حضَانَة والدته الْمَذْكُورَة متصفة بِصِفَات الحاضنات أَو لمُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه أَو مَا دَامَ الْوَلَد الْمَذْكُور صَغِيرا إِلَى أَن يبلغ أشده أَو إِلَى أَن يَتَّصِف الْمَفْرُوض لَهُ الْمَذْكُور بِصفة الْغَنِيّ وَالْقُدْرَة على الْكسْب وَيبرأ مِمَّا بِهِ من الزمانة
وَإِن قدر ذَلِك بِمدَّة
فَهُوَ أَجود فِي حق الصَّغِير ثمَّ يَقُول حَسْبَمَا اتّفق الْمقر الْمَذْكُور ووالدة وَلَده أَو وَالِدَة ولد وَلَده الْمَذْكُور أَعْلَاهُ على ذَلِك
وتراضيا عَلَيْهِ تقريرا شَرْعِيًّا
وَأوجب ذَلِك لوَلَده الْمَفْرُوض لَهُ الْمَذْكُور أَو لولد وَلَده الْمَذْكُور على نَفسه فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن للحاضنة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
قبلت ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَإِن كَانَ الْفَرْض للبالغ الْعَاجِز الزَّمن
فَيكون الْإِذْن فِي الِاسْتِدَانَة للمفروض لَهُ
صُورَة فرض الرجل لِأَبِيهِ أَو لأمه أَو لجده أَو لمن هُوَ أَعلَى من الْأَبَوَيْنِ من(2/178)
أصولهما فرض فلَان ابْن فلَان لوالده الْمَذْكُور أَو لجده الْمَذْكُور أَو أَبِيه الْفَقِير الزَّمن الْمَجْنُون أَو الْعَاجِز عَن الْكسْب أَو لوالدته فُلَانَة بنت فلَان أَو لوَاحِد من أُصُوله أَو فروعه بِحكم عَجزه وَفَقره وفاقته وزمانته أَو لكَونه أشل أَو مَجْنُونا لما يحْتَاج إِلَيْهِ الْوَالِد الْمَذْكُور أَو الْجد أَو الوالدة الْمَذْكُورَة فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون وسكر وشراب وأدوية وأجرتي حمام ومنزل وَكِسْوَة ولوازم شَرْعِيَّة وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ شرعا فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا
فرضا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَال نَفسه إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن لَهُ فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
ويؤرخ
وَإِن كَانَت النَّفَقَة للزَّوْجَة الَّتِي هِيَ فِي الْعِصْمَة ولأولاده مِنْهَا كتب كَمَا تقدم وأضاف الْأَوْلَاد إِلَى الزَّوْجَة فِي التَّقْرِير
وَيَأْذَن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق على نَفسهَا وعَلى أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة إِشْهَاد الزَّوْجَة بِالْإِنْفَاقِ لترجع على الزَّوْج حضر إِلَى شُهُوده فُلَانَة
وأشهدت عَلَيْهَا أَن فلَانا تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَدخل بهَا وأصابها واستولدها على فرَاشه ولدا يَدعِي فلَان أَو أَوْلَادًا ويسميهم ثمَّ إِنَّه سَافر عَنْهَا وَغَابَ الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة
وَلم يتْرك عِنْدهَا نَفَقَة وَلَا أرسل إِلَيْهَا شَيْئا فوصل إِلَيْهَا وَأَنَّهَا من حِين غَابَ عَنْهَا تنْفق على نَفسهَا وعَلى وَلَدهَا مِنْهُ الْمَذْكُورين مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي ثمن طَعَام وإدام إِلَى آخِره وَأَنَّهَا مستمرة فِي الْإِنْفَاق على نَفسهَا أَو على نَفسهَا وَوَلدهَا لَا الْمَذْكُور أَو على أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين وَأَن جَمِيع مَا أنفقته وَمَا تنفقه على نَفسهَا وعَلى وَلَدهَا الْمَذْكُور بنية الرُّجُوع على زَوجهَا الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عِنْد إيابه من سَفَره ورجوعه إِلَيْهَا غير متبرعة بذلك وَلَا بِشَيْء مِنْهُ
وأشهدت على نَفسهَا بذلك فَوَقع الْإِشْهَاد عَلَيْهَا بِهِ على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
ويؤرخ
وَهَذِه الصُّورَة صَحِيحَة عِنْد مَالك وَأحمد
صُورَة فرض حَاكم شَرْعِي لأيتام لَهُم مَال من والدهم وإقطاع بِأَيْدِيهِم
وَفِي حضَانَة والدتهم
فرض سيدنَا فلَان الدّين لأَوْلَاد المرحوم فلَان
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان الصغار الَّذين هم فِي حجر الشَّرْع الشريف فِي حضَانَة والدتهم فُلَانَة فِي مَالهم المخلف لَهُم عَن والدهم الْمَذْكُور أَو فِي مَالهم مُطلقًا برسم طعامهم وشرابهم وإدامهم وحمامهم وزيتهم وصابونهم وَمَا لَا بُد لَهُم مِنْهُ شرعا من اللوازم الشَّرْعِيَّة وَلمن يخدمهم عِنْد والدتهم الحاضنة الْمَذْكُورَة
لكل وَاحِد مِنْهُم جَارِيَة وخادم ملك لَهُ مبتاع من مَاله فِي كل شهر يمْضِي من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا إِن كَانُوا ثَلَاثَة أَو أَربَاعًا إِن كَانُوا أَرْبَعَة أَو(2/179)
نِصْفَيْنِ إِن كَانُوا اثْنَيْنِ
وَفرض لَهُم ولخدامهم فِي مَالهم برسم كسوتهم لفصلي الشتَاء والصيف فِي كل سنة كَذَا وَكَذَا لكل صبي وخادميه كَذَا وَكَذَا مَا هُوَ لنَفسِهِ خَاصَّة كَذَا ولخادميه كَذَا
وَفرض أَسْبغ الله ظله وَرفع مَحَله فِي متحصل إقطاعهم الشَّاهِد بِهِ مناشيرهم الشَّرِيفَة لكل وَاحِد مِنْهُم برسم كلفة خيله من جوامك الغلمان وجراياتهم وعليق الْخَيل لكل وَاحِد مِنْهُم فَحل وحجرة وإكديش أَو إكديشان خصيان وبغل وعليق جماله وَهِي قطار كَامِل سِتَّة أجمال وجامكية تبعه فِي الإمرة للَّذي يخرج فِي البياكير والمهمات السُّلْطَانِيَّة عوضه وسد مسده مثله من الْأُمَرَاء العشراوات والعشرينات فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة كَذَا وَكَذَا
فَمن ذَلِك مَا هُوَ جامكية الركبدار كَذَا فِي كل شهر وجامكية السايس فِي كل شهر كَذَا وجامكية الْجمال والمهمرد فِي كل شهر كَذَا وجامكية التبع الْمَذْكُور فِي كل شهر كَذَا
وَالْبَاقِي وَهُوَ كَذَا فِي كل شهر برسم شعير وتبن برسم عليق الْخَيل وَالْجمال الْمَذْكُورَة يصرف ذَلِك من خَاص الإمرة خَارِجا عَمَّا هُوَ معِين من الإقطاع لعشر مماليك ملازمين الْخدمَة وَالْخُرُوج فِي البياكير والمهمات السُّلْطَانِيَّة حَسْبَمَا يشْهد بِهِ ديوَان الجيوش المنصورة
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُم ذَلِك فِي مَالهم إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن لوصيهم الشَّرْعِيّ فلَان الثَّابِت إيصاؤه وأهليته للْوَصِيَّة عَلَيْهِم عِنْده شرعا الْمُتَكَلّم فِي مَالهم وإقطاعهم بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ أَن يصرف إِلَى حاضنتهم الْمَذْكُورَة مَا هُوَ مَفْرُوض لَهُم مِمَّا دخل تَحت يَده من مَالهم الْمُنْتَقل إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ عَن مُورثهم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ كل شهر فِي أَوله لتصرفه فِي مصرفه الشَّرْعِيّ على التَّفْصِيل المشروح أَعْلَاهُ
وَأذن لَهُ أَن يصرف من متحصل إقطاعهم مَا هُوَ مَفْرُوض فِيهِ برسم مَا ذكر أَعْلَاهُ فِي كل شهر من شهور الْأَهِلّة على حكم التَّفْصِيل الْمعِين أَعْلَاهُ
وَإِذا حصلت الْكِفَايَة للكراع الْمَذْكُور بِأَقَلّ مِمَّا عين أَعْلَاهُ صرف الْأَقَل وأضرب عَن الزَّائِد
وَأَن يصرف خَارِجا عَن ذَلِك مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من قيام ناموس الإمرة من عدَّة وبرك ولبوس وسروج ولجم ومقاود وعبى وَغير ذَلِك مِمَّا لَا بُد مِنْهُ وَلَا يقوم دست الإمرة إِلَّا بِهِ إِذْنا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن ضَرُورَة الْمَفْرُوض لَهُم دَاعِيَة إِلَى مثل ذَلِك وَأَن هَذَا الْقدر الْمَفْرُوض لقِيَام دست الإمرة وناموسها هُوَ أقل مَا يفْرض لمثل الْمَفْرُوض لَهُم فِيهِ وَأَن حَالهم لَا يقوم بِأَقَلّ من ذَلِك مَعَ الِاحْتِيَاط الْكَافِي(2/180)
وَالِاجْتِهَاد الوافي ومراعاة جَانب الْأَيْتَام وَحُصُول الْحَظ والمصلحة لَهُم فِي ذَلِك
وَأَن الْمَفْرُوض من الجوامك لمن فرضت أُجْرَة الْمثل لمثلهم وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَحضر الْوَصِيّ الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ
واعترف عِنْد الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أدام الله علاهُ بِالِاحْتِيَاطِ على أَمْوَال الْأَيْتَام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
وَأَنه تسلمها وأحرزها تَحت يَده
وجملتها حَسْبَمَا تشهد بِهِ أوراق الحوطة وَالْمَبِيع المشمولة بخطوط السَّادة الْعُدُول المندوبين لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ المخلدة بديوان نظر الْأَيْتَام
وَعند الْوَصِيّ الْمشَار إِلَيْهِ نُسْخَة بذلك كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ خَارج عَن الْأَمْلَاك وريعها
وَعَن ريع الإقطاعات مِمَّا ذَلِك مُتَوَقف على محاسبة الْوَصِيّ الْمشَار إِلَيْهِ فِي انْقِضَاء كل سنة بعد ذَلِك
وَأشْهد سيدنَا الْمشَار إِلَيْهِ على نَفسه الْكَرِيمَة بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ من الْفَرْض وَالْإِذْن وَثُبُوت مَا ثَبت لَدَيْهِ على الحكم المشروح أَعْلَاهُ وَالْوَصِيّ الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي تَارِيخ كَذَا
وَيثبت الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بخطة ويتوج أعلا الْفَرْض بِالْإِذْنِ والحمدلة بِخَطِّهِ ويكمل بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِشُهُود الْمجْلس
فَإِن رأى الْحَاكِم أَن يكْتب بِهَذَا الْفَرْض نُسْخَة ويخلدها فِي مجْلِس الحكم
كَانَ ذَلِك ضابطا حسنا
صُورَة فرض ليتيم وَاحِد فرض سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر الشَّرْع الشريف أَو فِي حجر الحكم الْعَزِيز أَو فِي حضَانَة والدته فُلَانَة أَو جدته أم أَبِيه أَو أم أمه فُلَانَة أَو خَالَته فُلَانَة أَو غَيْرهنَّ من الحاضنات الشرعيات على تَرْتِيب اسْتِحْقَاق الْحَضَانَة برسم طَعَامه وَشَرَابه إِلَى آخِره فِي كل شهر كَذَا
وَفرض لَهُ أَيْضا برسم كسوته فِي كل شهر من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا لفصلي الشتَاء والصيف وَثمن أقباع ونعال وَأُجْرَة الْمُؤَدب مَا مبلغه كَذَا فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن لمن فِي يَده شَيْء من مَاله فِي صرف ذَلِك إِلَى حاضنته الْمَذْكُورَة فِي أول كل شهر لتصرفه عَلَيْهِ بطريقه الشَّرْعِيّ إِذْنا شَرْعِيًّا ويكمل
وَيكْتب التَّارِيخ والحسبلة بِخَط الْحَاكِم
وَيشْهد عَلَيْهِ بذلك
صُورَة فرض ليتيم
لَيْسَ لَهُ حاضنة من أَقَاربه وَلَا من أقَارِب أَبِيه وَلَا وَصِيّ فرض سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان الْيَتِيم الصَّغِير الَّذِي هُوَ فِي حجر الشَّرْع الشريف الَّذِي أَقَامَ لَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ امْرَأَة مخدرة صينة تحضنه وتربيه وتطعمه إِذا جَاع وتسقيه المَاء إِذا عَطش وَتغَير ثِيَابه إِذا اتسخت بِثِيَاب نظيفة وتغسل الوسخة وتدهن رَأسه وبدنه فِي(2/181)
الْبَيْت وَفِي الْحمام وتفرش تَحْتَهُ وتغطيه إِذا نَام
وَهِي فُلَانَة بنت فلَان لعدم وجود حاضنة شَرْعِيَّة من أقَارِب أمه وَلَا من أقَارِب أَبِيه وَلَا وَصِيّ شَرْعِي برسم طعامهما وشرابهما وصابونهما وزيتهما وحمامهما وَأُجْرَة مسكنهما وَأُجْرَة الحاضنة الْمَذْكُورَة وتمريض الصَّغِير الْمَذْكُور وَمَا لَا بُد لَهُ مِنْهُ من لَوَازِم شَرْعِيَّة فِي كل شهر من اسْتِقْبَال يَوْم تَارِيخه كَذَا وَكَذَا فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا وَأذن للْقَاضِي فلَان الدّين أَمِين الحكم الْعَزِيز أَو النَّاظر فِي أَمر الْأَيْتَام بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ أَن يدْفع إِلَى الحاضنة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ الْقدر الْمَفْرُوض أَعْلَاهُ من مَال الْيَتِيم الْمَذْكُور المستقر تَحت يَده بديوان الْأَيْتَام فِي كل شهر بشهره إِذْنا شَرْعِيًّا
بعد أَن ثَبت عِنْده ثَبت الله مجده أَن الْقدر الْمَفْرُوض أَعْلَاهُ هُوَ فرض الْمثل للْيَتِيم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
وحاضنته الْمُسَمَّاة مَعَه أَعْلَاهُ
وَأَن ذَلِك مَا يفْرض لمثل الْيَتِيم الْمَذْكُور وحاضنته الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
ويكمل صُورَة فرض لأَوْلَاد رجل سَأَلَ الْفَرْض لَهُم فِي مَالهم أَو فِي ريع ملكهم الْمُنْتَقل إِلَيْهِم من أمّهم أَو فِي ريع وقفهم الآيل إِلَيْهِم من أمّهم أَو فِيمَا يكسبه لَهُم وينميه من أَمْوَالهم فرض سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان وَفُلَان وفلانة وَيذكر عمر كل وَاحِد مِنْهُم أَوْلَاد فلَان فِي مَالهم الْحَاصِل لَهُم تَحت يَد والدهم الْمَذْكُور الَّذِي جَرّه الْإِرْث الشَّرْعِيّ إِلَيْهِم من والدتهم فُلَانَة أَو فِيمَا فِي ذمَّته لَهُم من صدَاق والدتهم فُلَانَة أَو من دين والدتهم الَّذِي هُوَ فِي ذمَّته أَو من أجور ملكهم المخلف لَهُم عَن والدتهم فُلَانَة أَو من ريع مَا هُوَ وقف عَلَيْهِم برسم طعامهم وشرابهم إِلَى آخِره فِي كل شهر كَذَا
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا بالتماس والدهم الْمَذْكُور مِنْهُ ذَلِك وسؤاله إِيَّاه فِيهِ
وَقرر ذَلِك لَهُم فِي مَالهم تقريرا شَرْعِيًّا
وأوجبه فِيهِ إِيجَابا شَرْعِيًّا لَازِما مُعْتَبرا مرضيا
وَأذن لوالدهم الْمَذْكُور فِي صرف ذَلِك عَلَيْهِم نَفَقَة وَكِسْوَة من مَالهم الْمعِين أَعْلَاهُ حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ إِذْنا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد اعْتِرَاف والدهم الْمَذْكُور أَن تَحت يَده من مَالهم وَمن جِهَات استحقاقهم مَا يصرف مِنْهُ ذَلِك الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَوَقع الْإِشْهَاد بذلك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة فرض لأيتام تَحت حجر وَصِيّ شَرْعِي فرض سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان وَفُلَان وَفُلَان أَيْتَام فلَان وَيذكر أعمارهم الجارين تَحت نظر فلَان ووصيته بِمُقْتَضى الْوَصِيَّة(2/182)
الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من والدهم الْمَذْكُور
الْمُتَقَدّم تاريخها على تَارِيخه الثَّابِت مضمونها شرعا بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وهم الْآن فِي حضَانَة والدتهم فُلَانَة برسم طَعَام وشرابهم إِلَى آخِره فِي كل شهر كَذَا
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأذن لوصيهم الْمَذْكُور فِي دفع ذَلِك من مَالهم الْحَاصِل تَحت يَده إِلَى والدتهم الحاضنة الْمُسَمَّاة أَعْلَاهُ لتصرفه عَلَيْهِم وعَلى خادمهم نَفَقَة وَكِسْوَة حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ إِذْنا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ الْوَصِيّ هُوَ الَّذِي يصرف عَلَيْهِم بِنَفسِهِ
فَيَقُول وَأذن لوصيهم الْمَذْكُور فِي صرف ذَلِك عَلَيْهِم بِنَفسِهِ
وبمن هُوَ أهل لذَلِك
وَإِن كَانَ الْقَبْض وَالصرْف للحاضنة
فَيَقُول وَأذن للحاضنة الْمَذْكُورَة فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق على الصغار الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ عِنْد تعذر الْأَخْذ من الْوَصِيّ الْمَذْكُور وَالرُّجُوع بِهِ فِي مَال الْأَيْتَام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ إِذْنا شَرْعِيًّا
واعترف الْوَصِيّ الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أَن تَحت يَده من مَال الْأَيْتَام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ مَا يصرف مِنْهُ ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا تقدم
صُورَة فرض غيبَة لزوجة وَأَوْلَاد فرض سيدنَا فلَان الدّين لفلانة زَوْجَة فلَان الْغَائِب يَوْمئِذٍ عَن مَدِينَة كَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَأَوْلَادهَا مِنْهُ فلَان وَفُلَان فِي مَال زَوجهَا الْغَائِب الْمَذْكُور أَعْلَاهُ برسم طعامهم وشرابهم إِلَى آخِره فِي كل يَوْم من تَارِيخه كَذَا وَكَذَا
وَقرر لَهُم ذَلِك فِي مَاله تقريرا شَرْعِيًّا تَاما لَازِما مُعْتَبرا مرضيا
وَأذن للزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِي قبض ذَلِك من مَاله مِمَّن هُوَ فِي يَده
وَفِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر وصولها إِلَى ذَلِك وإنفاقه على نَفسهَا وعَلى أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين
وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك فِي مَال زَوجهَا الْغَائِب الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد ثُبُوت مَا ذكر ثُبُوته أَعْلَاهُ وَثُبُوت الزَّوْجِيَّة بَينهمَا عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَبعد إحلاف الزَّوْجَة أَن الزَّوْج الْمَذْكُور لم يتْرك عِنْدهَا نَفَقَة وَلَا واصلها بِنَفَقَة
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة لَيْسَ لَهَا أَوْلَاد أفردها القَاضِي بِالْفَرْضِ
وَكتب لَهَا بذلك
وَإِن كَانُوا أَوْلَادًا مَحْضا
كتب لَهُم بذلك
وَذكر حاضنتهم على حسب الْحَال
وَمَا اتّفق عَلَيْهِ الْأَمر
صُورَة فرض لبالغ تَحت نظر مُتَكَلم فِي مَاله فرض سيدنَا فلَان الدّين لفُلَان الْبَالِغ المستمر على حجر الصَّبِي الَّذِي هُوَ تَحت نظر فلَان الْمُتَكَلّم فِي أمره وَمَاله بِالْإِذْنِ الْكَرِيم العالي الْفُلَانِيّ لما يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ثمن طَعَام وإدام إِلَى آخِره فِي كل شهر(2/183)
كَذَا فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَقرر ذَلِك فِي مَاله تقريرا شَرْعِيًّا لَازِما مُعْتَبرا مرضيا
وَأذن للمتكلم فِي مَاله الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فِي صرف الْقدر الْمَفْرُوض الْمعِين أَعْلَاهُ من مَاله عَلَيْهِ وعَلى خادمه نَفَقَة وَكِسْوَة على الحكم المشروح أَعْلَاهُ إِذْنا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة فرض حكمي إجباري على مَذْهَب أبي حنيفَة لمن يجوز الْفَرْض لَهُ عِنْده
وَهُوَ على كل ذِي رحم بالرحم
فَتدخل فِيهِ الْخَالَة والعمة خلافًا للباقين
فرض سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ على فلَان لِعَمَّتِهِ أَو خَالَته مثلا فُلَانَة الفقيرة الْكَبِيرَة السن العاجزة عَن تَحْصِيل مَا تسد بِهِ الرمق
وَيقوم بأودها أَو لقيمات يقمن صلبها الثَّابِت وصفهَا بِالصّفةِ الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ لما تحْتَاج إِلَيْهِ من ثمن طَعَام وإدام إِلَى آخِره فِي كل يَوْم أَو فِي كل شهر كَذَا
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهَا ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا وَأذن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه
وسدد نقضه وإبرامه لَهَا بذلك حكما شَرْعِيًّا تَاما مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَذَلِكَ بعد أَن ترافع الْمَفْرُوض عَلَيْهِ والمفروض لَهَا الْمَذْكُور أَعْلَاهُ إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ وتصادقا على اتِّصَال الْقَرَابَة بَينهمَا وَأَنَّهَا من ذَوي رَحمَه وطلبها من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْفَرْض لَهَا عَلَيْهِ
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة فرض على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد لمن يجوز لَهُ الْفَرْض عِنْده
وَهُوَ كل شَخْصَيْنِ جرى بَينهمَا الْمِيرَاث بِفَرْض أَو تعصيب من الطَّرفَيْنِ كالأبوين وَالْأَوْلَاد وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات
كَمَا تقدم ذكره فِي مسَائِل الْخلاف
فرض سيدنَا فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ على فلَان التَّاجِر لِابْنِ عمته أُخْت أَبِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان الْفَقِير الْمُعسر الَّذِي لَا مَال لَهُ الْعَاجِز عَن الِاكْتِسَاب لكبر سنه فِي مَاله برسم ابْن عمته الْمَذْكُور لما يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ثمن طَعَام وإدام إِلَى آخِره فِي كل يَوْم كَذَا إِلَى آخِره
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَاله إِيجَابا شَرْعِيًّا
وَأذن لَهُ فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق على نَفسه عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع على الْمَفْرُوض عَلَيْهِ بنظير ذَلِك إِذْنا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد أَن ترافعا إِلَيْهِ ومثلا بَين يَدَيْهِ واعترفا باتصال الْقَرَابَة بَينهمَا
وتصادقا عَلَيْهَا تَصَادقا شَرْعِيًّا(2/184)
وَإِن كَانَ الْمَفْرُوض عَلَيْهِ أنكر الْقَرَابَة وَأقَام الْمَفْرُوض لَهُ بَيِّنَة فَيَقُول وَذَلِكَ بعد أَن ترافعا إِلَيْهِ وَادّعى الْمَفْرُوض لَهُ على المفرض عَلَيْهِ أَنه ابْن عمته أُخْت أَبِيه لِأَبَوَيْهِ
وَأَنه فَقير مُعسر لَا مَال لَهُ وَأَنه عَاجز عَن الِاكْتِسَاب
وَأنكر الْمَفْرُوض عَلَيْهِ ذَلِك
وَأقَام الْمَفْرُوض لَهُ بَيِّنَة شهِدت بذلك وبتشخيصهما عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ
وَسمع الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْبَيِّنَة وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا
وَبعد أَن ثَبت عِنْده فقر الْمَفْرُوض لَهُ وعجزه عَن الِاكْتِسَاب الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده
وَثَبت لَدَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَفرض الْفَرْض الْمَذْكُور سَأَلَهُ الْمَفْرُوض لَهُ الحكم بذلك وَالْإِجَازَة لَهُ وَالْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِهِ
فاستخار الله وأجابه إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
تَاما مُعْتَبرا مرضيا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة فرض لمعتوق على عتيقه
على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ سَوَاء كَانَ الْعَتِيق بَالغا ساعيا أَو صَغِيرا لَا يَسْتَطِيع السَّعْي فرض سيدنَا فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ لفُلَان ابْن عبد الله
الْبَالِغ أَو الصَّغِير عَتيق فلَان على مُعْتقه الْمَذْكُور برسم طَعَامه وَشَرَابه إِلَى آخِره فِي كل يَوْم أَو فِي كل شهر كَذَا فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأوجب لَهُ ذَلِك فِي مَال مُعْتقه الْمَذْكُور إِيجَابا شَرْعِيًّا وَأذن لَهُ أَن يستدين وَينْفق على نَفسه وَيرجع على مُعْتقه بنظير ذَلِك إِذْنا شَرْعِيًّا
وَهَذَا إِذا كَانَ الْمَفْرُوض لَهُ بَالغا
أما فِي الصَّغِير
فَيَقُول وَجعل الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمَفْرُوض لَهُ عِنْد مُعْتقه الْمَذْكُور
فَإِن كَانَ مُعْتقه غَائِبا أَو أبي أَن يَجعله عِنْده
فَيَقُول الَّذِي وَضعه الْحَاكِم عِنْد ثِقَة أَمِين
وَهُوَ فلَان
وَأذن لَهُ أَن ينْفق الْقدر الْمَفْرُوض عَلَيْهِ إِلَى أَن يسْعَى إِذْنا شَرْعِيًّا بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمَفْرُوض لَهُ الْمَذْكُور عَتيق الْمَفْرُوض عَلَيْهِ أَو بعد أَن اعْترف الْمَفْرُوض عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن الْمَفْرُوض لَهُ عتيقه اعترافا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِصِحَّة الْفَرْض الْمَذْكُور حكما شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ
مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة فرض على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد للْوَلَد الْبَالِغ على أَبِيه
فَإِنَّهُ قَالَ لَا تسْقط نَفَقَة الْوَلَد عَن أَبِيه وَإِن بلغ ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى إِذا لم يكن لَهُ كسب وَلَا مَال خلافًا(2/185)
لأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الذّكر وَالْأُنْثَى وَخِلَافًا لمَالِك فِي الذّكر
فَإِنَّهُ قَالَ لَا تسْقط نَفَقَة الْجَارِيَة عَن أَبِيهَا وَإِن تزوجت حَتَّى يدْخل بهَا الزَّوْج
وَيتَفَرَّع على ذَلِك صور
وَهِي فرض الصَّغِير إِذا كَانَت لَهُ قرَابَة مثل أم وجد
فالنفقة تفرض لَهُ على الْأُم وَالْجد أَثلَاثًا
وَإِن كَانَ شَيخا كَبِيرا وَله ابْن وَبنت
فالفرض لَهُ عَلَيْهِمَا أَثلَاثًا
وَأما إِذا كَانَ لَهُ بنت وَابْن ابْن
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْفَرْض على الْبِنْت وَحدهَا
وَقَالَ أَحْمد هُوَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ
وَإِن كَانَ لَهُ أم وَبنت
فَقَالَا النَّفَقَة عَلَيْهِمَا أَربَاعًا الرّبع على الْأُم وَالْبَاقِي على الْبِنْت
خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن النَّفَقَة عِنْده على الذُّكُور خَاصَّة من الْأُصُول وَالْفُرُوع
وَعند مَالك أَن النَّفَقَة على أَوْلَاد الصلب الذّكر وَالْأُنْثَى مِنْهُم سَوَاء إِذا اسْتَويَا فِي الْيَسَار
فَإِن كَانَ أَحدهمَا واجدا وَالْآخر فَقِيرا
فالنفقة على الْوَاجِد
وَقد تقدم هَذَا التَّفْرِيق فِي مسَائِل الْخلاف من هَذَا الْبَاب مَبْسُوطا
فَإِذا أَرَادَ الْعَمَل فِي صُورَة من هَذِه الصُّور المتفرعة نسخ على المنوال السَّابِق
وأتى فِي كل صُورَة بصيغها الَّتِي تعْتَبر فِيهَا وتليق بهَا
صُورَة فرض على مُبَاشرَة نظر أَو تدريس أَو غير ذَلِك
فرض سيدنَا فلَان الدّين أَو هَذَا فرض فَرْضه سيدنَا فلَان الدّين أَو هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا فلَان الدّين أَنه فرض لفُلَان الدّين على مُبَاشرَة وَظِيفَة النّظر فِي الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة الْمَنْسُوب إيقافها إِلَى فلَان على مَذْهَب الإِمَام فلَان وقيامه بالوظيفة الْمَذْكُورَة أُسْوَة أَمْثَاله من النظار من عمل مصالحها وعمارتها وَعمارَة أوقافها وتنمية ريعها وَصَرفه فِي مصارفه الشَّرْعِيَّة على مستحقيه من مدرس ومعيدين وفقهاء وأرباب الْوَظَائِف بهَا أَوَان الْوُجُوب والاستحقاق وَاعْتِبَار أَحْوَال المرتبين بهَا والتزام كل وَاحِد مِنْهُم بِالْقيامِ بوظيفته وملازمتها وأدائها على الْوَجْه الْمُعْتَبر فِي مثلهَا بِنَفسِهِ أَو بنوابه الْعُدُول الثِّقَات الثّمن كَامِلا من ريع أوقافها أَو السُّدس أَو الرّبع أَو أقل أَو أَكثر فِي كل سنة من السنين بعد صرف مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْمدرسَة الْمَذْكُورَة فِي عمارتها وَعمارَة أوقافها
فرضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأذن لَهُ فِي تنَاول ذَلِك من ريع وقف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة لنَفسِهِ على قِيَامه بالوظيفة الْمشَار إِلَيْهَا إِذْنا شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وواجباته الْمُعْتَبرَة المرضية(2/186)
وَإِن كَانَ الْفَرْض للمدرس فَيَقُول على مُبَاشرَة وَظِيفَة التدريس بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّة وإلقاء الدَّرْس بهَا على الْفُقَهَاء والمتفقهة كَذَا وَكَذَا فِي كل سنة من متحصل أوقاف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة من أجور مسقفات وَثمن مغلات وَغير ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَيكْتب التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ وَيكْتب فِي أعلا الطرة على يسَار الْبَسْمَلَة فرضت ذَلِك
وأذنت فِيهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
ويكمل بِالْإِشْهَادِ على نَحْو مَا سبق
وَالله أعلم(2/187)
كتاب الْحَضَانَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الْحَضَانَة حفظ من لَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ وتربيته بِمَا يصلحه ووقايته عَمَّا يُؤْذِيه
وَهِي ولَايَة
لَكِنَّهَا بالإناث أليق
وأولاهن الْأُم
وَشَرطهَا الْعَدَالَة وَالْحريَّة وَالْإِسْلَام للْمُسلمِ
فَلَو كَانَ مُسلما وَالأُم كَافِرَة
فحضانته لأقاربه الْمُسلمين
فَإِن لم يكن فعلى الْمُسلمين والمؤنة فِي مَاله
فَإِن لم يكن فعلى أمه إِن كَانَت موسرة
وَإِلَّا فَهُوَ من محارم الْمُسلمين
وَولد الذميين أمه أَحَق بحضانته
فَإِن وصف بِالْإِسْلَامِ نزع مِنْهُم
والمحضون من لَا يسْتَقلّ بمراعاة نَفسه وَلَا يَهْتَدِي لمصالحه لصِغَر أَو جُنُون أَو خبل وَقلة تَمْيِيز
فَإِذا بَانَتْ الزَّوْجَة وَبَينهمَا ولد
نظرت فَإِن كَانَ بَالغا رشيدا لم يجْبر على الْكَوْن مَعَ أَحدهمَا بل يجوز لَهُ أَن ينْفَرد عَنْهُمَا
إِلَّا أَن الْمُسْتَحبّ لَهُ أَن ينْفَرد عَنْهُمَا كَيْلا يَنْقَطِع بره وخدمته عَنْهُمَا
وَهل يكره لَهُ الِانْفِرَاد عَنْهُمَا ينظر فِيهِ
فَإِن كَانَ رجلا لم يكره لَهُ الِانْفِرَاد عَنْهُمَا
وَإِن كَانَت امْرَأَة فَإِن كَانَت بكرا كره لَهَا الِانْفِرَاد عَنْهُمَا
لِأَنَّهَا لم تجرب الرِّجَال وَلَا يُؤمن أَن تخدع
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا فَارقهَا زَوجهَا لم يكره لَهَا الِانْفِرَاد عَنْهُمَا
لِأَنَّهَا قد جربت الرِّجَال وَلَا يخْشَى عَلَيْهَا أَن تخدع
وَقَالَ مَالك يجب على الِابْنَة أَن لَا تفارق أمهَا حَتَّى تتَزَوَّج وَيدخل بهَا الزَّوْج
وَمَوْضِع الدَّلِيل أَنَّهَا إِذا بلغت رَشِيدَة ارْتَفع الْحجر عَنْهَا
فَكَانَ لَهَا أَن تنفرد بِنَفسِهَا وَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهَا كَمَا لَو تزوجت من بَانَتْ مِنْهُ
وَإِن كَانَ الْوَلَد صَغِيرا لَا يُمَيّز وَهُوَ الَّذِي لَهُ دون سبع أَو أَكثر إِلَّا أَنه مَجْنُون أَو مختلط الْعقل وَجَبت حضانته
لِأَنَّهُ إِذا ترك مُنْفَردا ضَاعَ(2/188)
والحضانة هِيَ كَفَالَة الطِّفْل
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وكفلها زَكَرِيَّا} وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفله أَبُو طَالب وحضنته حليمة مُدَّة رضاعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ونتيجة الْحَضَانَة حفظ من لَا يسْتَقلّ بأموره كَمَا تقدم وَالأُم أولى بهَا ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث
وَيقدم مِنْهُم الْقُرْبَى فالقربى
والجديد أَنه يقدم بعدهن أم الْأَب ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث ثمَّ أم أَب الْأَب كَذَلِك ثمَّ أم أَب الْجد كَذَلِك
وَتقدم الْأَخَوَات على الخالات والخالات على بَنَات الْأَخَوَات
وَتقدم بَنَات الْإِخْوَة وَبَنَات الْأَخَوَات على العمات
وَتقدم الْأُخْت من الْأَبَوَيْنِ على الْأُخْت من الْأَب وَالْأُخْت من الْأُم
وَتقدم الْأُخْت من الْأَب على الْأُخْت من الْأُم
وَتقدم الْخَالَة والعمة من الْأَب على الْخَالَة والعمة من الْأُم
وَأما الذُّكُور فالمحرم الْوَارِث كَالْأَبِ وَالْجد وَالْأَخ وَابْن الْأَخ وَالْعم لَهُم الْحَضَانَة
كترتيب الْعَصَبَات
وَالْوَارِث الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كَابْن الْعم لَهُ الْحَضَانَة لَكِن إِن كَانَت صَغِيرَة فِي حد تشْتَهى لم تسلم إِلَيْهِ بل إِلَى بنته أَو امْرَأَة ثِقَة بِعَينهَا
وَالْأَظْهَر أَن الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بوارث كالخال وَأبي الْأُم والقريب الَّذِي لَيْسَ بوارث وَلَا محرم كَابْن الْخَال وَابْن الْعمة لَا حضَانَة لَهما
وَإِذا اجْتمع الذُّكُور وَالْإِنَاث من أهل للحضانة
فَإِن كَانَت فيهم الْأُم فَهِيَ أولى من غَيرهَا وَأم الْأُم عِنْد فقدها فِي مَعْنَاهَا
وَالْأَب أولى من الْجدَّات من قبله وَكَذَا من الْخَالَة وَالْأُخْت المدلية بِالْأُمِّ
وَتقدم الْأُصُول على الْأَقَارِب الواقعين على حَوَاشِي النّسَب
فَإِذا فقدت الْأُصُول فَالْأَظْهر تقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
فَإِن اسْتَوَى اثْنَان فِي الْقرب فالتقديم للأنوثة
فَإِن اسْتَويَا من كل وَجه فَيقطع النزاع بِالْقُرْعَةِ
وَيشْتَرط فِي ثُبُوت حق الْحَضَانَة الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْعَدَالَة كَمَا تقدم
فَلَا حضَانَة للمجنونة والرقيقة والكافرة وَلَا الفاسقة
وَلَو نكحت أم الطِّفْل بعد فِرَاق أَبِيه أَجْنَبِيّا بطلت حضانتها
وَلَا أثر لرضى الزَّوْج
وَلَو نكحت عَم الطِّفْل أَو ابْن أَخِيه أَو ابْن عمته فالأشبه أَنه لَا يبطل حَقّهَا من الْحَضَانَة
وَهل يشْتَرط لاستحقاقها الْحَضَانَة أَن ترْضع الْوَلَد إِذا كَانَ رضيعا فَأجَاب الْأَكْثَرُونَ بالاشتراط(2/189)
وَإِذا أسلمت الْكَافِرَة أَو أفاقت الْمَجْنُونَة أَو عتقت الْأمة أَو حسن حَال الفاسقة
ثَبت لَهَا حق الْحَضَانَة
وَإِذا طلقت الْمَرْأَة بعد مَا سقط حَقّهَا من الْحَضَانَة بِالنِّكَاحِ عَاد اسْتِحْقَاقهَا للحضانة
وَلَو غَابَتْ الْأُم أَو امْتنعت من الْحَضَانَة
انْتقل حق الْحَضَانَة إِلَى الْجدّة
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْحَضَانَة تثبت للْأُم مَا لم تتَزَوَّج
وَإِذا تزوجت وَدخل بهَا الزَّوْج سَقَطت حضانتها
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا طلقت بعد طَلَاقا بَائِنا هَل تعود حضانتها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تعود
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ لَا تعود بِالطَّلَاق
وَإِذا افترق الزَّوْجَانِ وَبَينهمَا ولد
قَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى روايتيه الْأُم أَحَق بالغلام حَتَّى يسْتَقلّ بِنَفسِهِ فِي مطعمه ومشربه وملبسه ووضوئه واستنجائه ثمَّ الْأَب أَحَق
وَالأُم أَحَق بِالْأُنْثَى إِلَى أَن تبلغ وَلَا يجْبر وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ مَالك الْأُم أَحَق بِالْأُنْثَى إِلَى أَن تتَزَوَّج وَيدخل بهَا الزَّوْج وبالغلام أَيْضا فِي الْمَشْهُور عَنهُ إِلَى الْبلُوغ
وَقَالَ الشَّافِعِي الْأُم أَحَق بهما إِلَى سبع سِنِين ثمَّ يخيران
فَمن اختاراه كَانَا عِنْده
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا الْأُم أَحَق بالغلام إِلَى سبع ثمَّ يُخَيّر وَالْجَارِيَة بعد السَّبع تجْعَل مَعَ الْأُم بِلَا تَخْيِير
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة
وَالْأُخْت من الْأَب هَل هِيَ أولى بالحضانة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة الْأُخْت من الْأُم أولى من الْأُخْت للْأَب وَمن الْخَالَة للْأُم
وَالْخَالَة أولى من الْأُخْت
وَقَالَ مَالك الْخَالَة أولى مِنْهُمَا
وَالْأُخْت من الْأُم أولى من الْأُخْت للْأَب
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد الْأُخْت للْأَب أولى من الْأُخْت للْأُم وَمن الْخَالَة
فصل وَإِذا أخذت الْأُم الطِّفْل بالحضانة
فَأَرَادَ الْأَب السّفر بولده بنية الاستيطان فِي بلد آخر
فَهَل لَهُ أَخذ الْوَلَد مِنْهَا أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ ذَلِك
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ لَهُ ذَلِك
فَإِذا كَانَت الزَّوْجَة هِيَ المنتقلة بِوَلَدِهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة لَهَا أَن تنْتَقل بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن تنْتَقل إِلَى بَلَدهَا
وَالثَّانِي أَن يكون العقد ببلدها الَّذِي تنْتَقل إِلَيْهِ
فَإِذا فَاتَ أحد الشَّرْطَيْنِ منعت إِلَّا بِوَضْع يُمكن لِأَبِيهِ الْمُضِيّ إِلَيْهِ وَيعود قبل اللَّيْل
فَإِن كَانَ انتقالها إِلَى دَار حَرْب أَو من مصر إِلَى سَواد وَإِن قرب
منعت أَيْضا(2/190)
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه الْأَب أَحَق بولده سَوَاء كَانَ الْمُنْتَقل هِيَ أَو هُوَ
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَن الْأُم أَحَق بِهِ مَا لم تتَزَوَّج
اه
المصطلح وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة حضَانَة أَهْلِيَّة صادرة بِالتَّرَاضِي بَين وَالِد الطِّفْل وَبَين الحاضنة الشَّرْعِيَّة حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان ومطلقته الطَّلقَة الْوَاحِدَة الأولى الْبَائِن أَو الثَّانِيَة المسبوقة بِأولى الْبَائِن أَو الطَّلقَة الثَّالِثَة المكملة لعدد الطَّلَاق الثَّلَاث فلَان
وَأشْهد عَلَيْهِ أَنه كَانَ قد تزوج بفلانة الْمَذْكُورَة من قبل تَارِيخه تزويجا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يُسمى فلَان أَو أُنْثَى تسمى فُلَانَة الْمُقدر عمره أَو عمرها يَوْمئِذٍ كَذَا وَكَذَا سنة أَو الْمُرْضع أَو الفطيم وَبَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاق الْمعِين أَعْلَاهُ
وَأَن والدته الْمَذْكُورَة أهل للحضانة وَأَنه سلم إِلَيْهَا وَلَده الْمَذْكُور لتحضنه مَا دَامَت متصفة بِصِفَات الحاضنات
وَتقوم بمصالحه وَغسل ثِيَابه وَرَأسه ودهنه وكحله وتنظيفه وتغيير ثِيَابه والفرش لَهُ وتغطيته إِذا نَام
وَالْقِيَام بمصالحه وتربيته مُقِيمَة بِهِ فِي الْمسكن الْفُلَانِيّ لما يعلم من خَيرهَا ودينها وعفتها وسدادها وشفقتها
فتسلمته بِمُقْتَضى مَالهَا من حضانته على الْوَجْه الشَّرْعِيّ بِحكم اتصافها بهَا الاتصاف الشَّرْعِيّ تسلما شَرْعِيًّا
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ فرض للْوَلَد فرضا
فَيَقُول وَفرض وَالِد الطِّفْل الْمَذْكُور لوَلَده الْمَذْكُور على نَفسه بِرِضَاهُ لما يحْتَاج إِلَيْهِ فِي ثمن طَعَام وإدام إِلَى آخِره وبرسم حضَانَة حاضنته الْمَذْكُورَة
وخادمه الْقَائِم بِقَضَاء حَوَائِجه وَشِرَاء مَا يحْتَاج إِلَى شِرَائِهِ من الطَّعَام وَالشرَاب وَغير ذَلِك من اللوازم الشَّرْعِيَّة وَمَا لَا بُد لَهُ ولخادمه مِنْهُ شرعا فِي كل يَوْم كَذَا لمُدَّة كَذَا فرضا شَرْعِيًّا حَسْبَمَا اتّفق وَالِد الطِّفْل الْمَذْكُور ووالدته الْمَذْكُورَة على ذَلِك وتراضيا عَلَيْهِ
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأذن لَهَا فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق إِلَى آخِره
ويكمل
ويؤرخ على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ يكْتب فِي جَمِيع الحضانات على التَّرْتِيب الْمعِين فِي اسْتِحْقَاق الْحَضَانَة من الْأُمَّهَات والجدات وَالْأَخَوَات والخالات
هَذَا إِذا اتفقَا على أَهْلِيَّة الْحَضَانَة
وَأما إِذا اخْتلفَا فِيهَا فَلَا بُد من ترافعهما إِلَى حَاكم شَرْعِي وتدعي عِنْده على وَالِد الطِّفْل
وتقيم الْبَيِّنَة عِنْده أَنَّهَا سالكة الطَّرِيق الحميدة والمناهج السديدة وَأَنَّهَا مواظبة على الصَّلَوَات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا
أهل لحضانة وَلَدهَا فلَان الَّذِي رزقته من مُطلقهَا فلَان الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْمَذْكُور متصفة بِصفة الْأَهْلِيَّة الْمُعْتَبرَة شرعا من الْخدمَة والشفقة وَالرِّعَايَة(2/191)
والسداد وَالْقِيَام بمصلحة الْوَلَد الْمَذْكُور لَيْلًا وَنَهَارًا
وَتقول فِي دَعْوَاهَا وَأَنه أَرَادَ انتزاع الْوَلَد مِنْهَا
وَقد آلت الْحَضَانَة إِلَيْهَا
وتسأل إبْقَاء وَلَدهَا عِنْدهَا وَفِي حضانتها
فَإِن أجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا
وَإِلَّا فتقيم الْبَيِّنَة عِنْده
وَتثبت لَدَيْهِ
وَيبقى الْوَلَد عِنْد الْأُم ويأمره الْحَاكِم بِعَدَمِ التَّعَرُّض لَهَا فِي أَخذ وَلَده مِنْهَا
وتسأل الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك بعد الْإِعْذَار إِلَيْهِ
وَإِن حصلت الدَّعْوَى وَلم تحضر وَالِدَة الطِّفْل شُهُودًا يشْهدُونَ بأهليتها وأحضر الْوَالِد شُهُودًا يشْهدُونَ بِعَدَمِ أهليتها
فَتكون الدَّعْوَى من الْوَالِد على الوالدة وَيذكر فِي دَعْوَاهُ قصد انْتِزَاعه مِنْهَا بِحكم أَنَّهَا لم تكن أَهلا لحضانة الْوَلَد الْمَذْكُور
فَإِن صدقته انتزعه مِنْهَا
وَإِن كَذبته أَقَامَ الْبَيِّنَة أَنَّهَا مفرطة فِيمَا يجب عَلَيْهَا من حُقُوق الْكفَالَة لولدها فلَان الْمَذْكُور من الصيانة وَالنَّظَر فِي أَحْوَاله فِي اللَّيْل وَالنَّهَار والخدمة وَأَنَّهَا تتركه فِي الْبَيْت وَالْبَاب مغلق عَلَيْهِ وَحده وَهُوَ صارخ وتغيب عَنهُ فِي قَضَاء حوائجها عِنْد الْجِيرَان فِي أَكثر الْأَوْقَات
وَهِي غير مواظبة على الصَّلَوَات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا مرتكبة مَا يُخرجهَا عَن أَهْلِيَّة الْحَضَانَة لولدها الْمَذْكُور
وتقام الشَّهَادَة بذلك بحضورها
ويعذر إِلَيْهَا الْحَاكِم
وَيسْأل القَاضِي الحكم لَهُ بذلك وبسقوط حضانتها للْوَلَد وانتزاعه مِنْهَا وتسليمه لَهُ بِمُقْتَضى مَا ثَبت عَلَيْهَا من عدم أهليتها لذَلِك
فَيحكم لَهُ الْحَاكِم بِمُوجب ذَلِك
وَيسلم الْوَلَد لَهُ بعد انْتِزَاعه من والدته
فَإِذا حسن حَالهَا وَصَارَت أَهلا للحضانة فَلَا بُد من كِتَابَة محْضر
صورته شُهُوده يعْرفُونَ فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهَا قد حسنت سيرتها وَصَارَت مواظبة على الصَّلَوَات الْخمس مسددة فِي أفعالها وأقوالها وَأَحْوَالهَا مُقِيمَة فِي بَيتهَا لَا تخرج مِنْهُ إِلَّا لضَرُورَة شَرْعِيَّة وتعود سَرِيعا
أَهلا للحضانة لولدها فلَان وللنظر فِي أَحْوَاله وتربيته كَغَيْرِهَا من الحاضنات الجيدات مَعَ سلوك الطَّرِيق الحميدة والمناهج السديدة
وَالْعَمَل بتقوى الله وطاعته
وَأَنَّهَا صَارَت متصفة بِصِفَات حميدة توصلها إِلَى أهليتها لحضانة وَلَدهَا الْمَذْكُور اتصافها بهَا الاتصاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت هَذَا الْمحْضر عِنْد الْحَاكِم
وَيَدعِي على الْوَلَد وَينْزع الْوَلَد مِنْهُ
وَيسلم إِلَيْهَا وَيحكم لَهَا بذلك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة حضَانَة أَهْلِيَّة وَتَقْرِير فرض لمطلقة عازبة أَو مُزَوّجَة مسافرة أَو مُقِيمَة على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
قرر فلَان لوَلَده فلَان الَّذِي رزقه على فرَاشه(2/192)
قبل تَارِيخه من مطلقته فُلَانَة الْمُقدر عمره يَوْمئِذٍ كَذَا أَو الرَّضِيع أَو الفطيم الَّذِي هُوَ فِي حضَانَة والدته الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ لما يحْتَاج إِلَيْهِ الْوَلَد الْمَذْكُور فِي ثمن طَعَام وإدام وَمَاء وزيت وصابون
وأجرتي حمام ومنزل وَكِسْوَة ولوازم شَرْعِيَّة لمُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة من تَارِيخه فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخه من الْفُلُوس الجدد عشرَة دَرَاهِم مثلا تقريرا شَرْعِيًّا حَسْبَمَا اتّفق هُوَ ومطلقته الْمَذْكُورَة على ذَلِك وتراضيا عَلَيْهِ
وَأقر بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وَأذن الْمُقَرّر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ لمطلقته الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ فِي الِاقْتِرَاض والإنفاق عِنْد تعذر الْأَخْذ مِنْهُ وَالرُّجُوع بنظير ذَلِك عَلَيْهِ إِذْنا شَرْعِيًّا
ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا التزمت الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ بِالْقيامِ لولدها الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عَن وَالِده الْمُقَرّر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ فِي غرَّة كل يَوْم يمْضِي من تَارِيخه بِمَا مبلغه خَمْسَة دَرَاهِم مثلا أَو أقل من جملَة التَّقْرِير الْمعِين أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ فِي نَظِير إبْقَاء الْوَلَد الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِيَدِهَا
وَفِي حضانتها تحضنه وتكفله لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ عزبا كَانَت أَو متزوجة مسافرة كَانَت أَو مُقِيمَة
مُسَافِرًا كَانَ هُوَ أَو مُقيما التزاما شَرْعِيًّا على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَرَضي الْمُقَرّر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بذلك
وَأقر الْوَلَد الْمَذْكُور بيد والدته الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة تكفله وتحضنه على الحكم المشروح أَعْلَاهُ لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ لما علم لنَفسِهِ ولولده الْمَذْكُور فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة
وَأسْقط حَقه من طلب الْوَلَد الْمَذْكُور وَمن السّفر بِهِ من بلد كَذَا إِلَى بلد كَذَا وَإِلَى غَيره من الْجِهَات عِنْد قَصده السّفر بِنَفسِهِ وبوكيله لطول الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ إِسْقَاطًا شَرْعِيًّا
قبلت ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وأقرت بالملاءة وَالْقُدْرَة على ذَلِك
وبمعرفة معنى الِالْتِزَام المشروح أَعْلَاهُ وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شرعا
واعترف الْمُطلق الْمَذْكُور أَن مطلقته الْمَذْكُورَة أهل للحضانة
متصفة بِصِفَات الحاضنات
وَلما تَكَامل ذَلِك ادّعى بِهِ بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمَالِكِي وَثَبت اعْتِرَاف كل مِنْهُمَا بذلك لَدَيْهِ
أحسن الله إِلَيْهِ بِشَهَادَة شُهُوده الواضعين خطوطهم آخِره بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وتشخيصها عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ
واعتراف كل مِنْهُمَا بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك وبشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا
مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
وَبِه تمّ الْإِشْهَاد فِي تَارِيخ كَذَا
صُورَة حضَانَة للجدة أم الْأُم إِذا كَانَت متزوجة بالجد أبي الْأُم على مَذْهَب الإِمَام(2/193)
أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فُلَانَة وأحضرت مَعهَا ابْنَتهَا لبطنها فُلَانَة بنت فلَان زوج المدعية الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ يَوْمئِذٍ وَادعت عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنَّهَا تزوجت التَّزْوِيج الشَّرْعِيّ بأجنبي وَأَنَّهَا سَقَطت حضانتها لولدها الصَّغِير الفطيم فلَان ابْن فلَان وَأَنَّهَا الْآن هِيَ الْمُسْتَحقَّة لحضانة الصَّغِير الْمَذْكُور
وَسَأَلت سُؤال ابْنَتهَا الْمَذْكُورَة عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك
فَأجَاب بالاعتراف
فَسَأَلت المدعية الْمَذْكُورَة سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهَا بحضانة الصَّغِير الْمَذْكُور مَعَ كَونهَا مُزَوّجَة بالجد أبي الْأُم لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده
فأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بحضانته حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
مَعَ الْعلم الْخلاف فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك من اسْتِحْقَاق الْجدّة الْحَضَانَة مَعَ كَونهَا متزوجة بِأبي الْأُم
وأمرها بِتَسْلِيم الصَّغِير الْمَذْكُور أَعْلَاهُ لجدته الْمَذْكُورَة
فسلمته لَهَا
فتسلمته مِنْهَا تسلما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة حضَانَة الْمَرْأَة وَلَدهَا بعد سُقُوط حَقّهَا من الْحَضَانَة بِالنِّكَاحِ وطلاقها من الزَّوْج وعود الِاسْتِحْقَاق إِلَيْهَا بِالطَّلَاق
خلافًا لمَالِك
حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي أَو الْحَنَفِيّ أَو الْحَنْبَلِيّ فُلَانَة
وأحضرت مَعهَا مُطلقهَا فلَان
وَادعت عَلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه ولدا يَدعِي فلَان الثلاثي الْعُمر أَو الرباعي
وَبَانَتْ مِنْهُ بِالطَّلَاق الْفُلَانِيّ من قبل تَارِيخه
وَأَنَّهَا تسلمت وَلَدهَا الْمَذْكُور مِنْهُ بعد الطَّلَاق بمالها من حق الْحَضَانَة الشَّرْعِيَّة
ثمَّ إِنَّهَا بعد ذَلِك نكحت رجلا آخر يَدعِي فلَان
وَسقط حَقّهَا من الْحَضَانَة لولدها الْمَذْكُور بِمُقْتَضى ذَلِك
وَأَن وَالِده الْمَذْكُور انتزعه من يَدهَا بعد مَا نكحت فلَانا الْمَذْكُور
ثمَّ إِنَّهَا طلقت من الناكح الْمَذْكُور طَلَاقا بَائِنا
وَأَنَّهَا حَال الدَّعْوَى خَالِيَة عَن الزَّوْج وَأَنَّهَا تسْتَحقّ حضَانَة وَلَدهَا الْمَذْكُور
وانتزاعه من يَد وَالِده الْمَذْكُور وتسليمه إِلَيْهَا وَأَنه مُمْتَنع من تَسْلِيمهَا الْوَلَد الْمَذْكُور
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة الدَّعْوَى
وصدقها على جَمِيع مَا ذكرته غير أَنه لَا يعلم طَلاقهَا من زَوجهَا الثَّانِي الْمَذْكُور
فَذكرت المدعية الْمَذْكُورَة أَن لَهَا بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد لَهَا بِالطَّلَاق الْبَائِن من الْمُطلق الثَّانِي الْمَذْكُور
وَسَأَلت الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهَا
فأحضرت شَاهِدين عَدْلَيْنِ هما فلَان وَفُلَان واستشهدتهما
فشهدا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِالطَّلَاق الْبَائِن الثَّانِي(2/194)
الْمَذْكُور
عرفهما سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع شَهَادَتهمَا وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَثَبت الطَّلَاق عِنْده
وَتبين لَهُ اسْتِحْقَاقهَا لحضانة وَلَدهَا الْمَذْكُور
فَحِينَئِذٍ سَأَلت المدعية الْمَذْكُورَة سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهَا بحضانة وَلَدهَا الْمَذْكُور وتسليمه إِلَيْهَا
وَالْعَمَل بِمُقْتَضى مَذْهَب إِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي أَو الإِمَام الْأَعْظَم أبي حنيفَة النُّعْمَان بن ثَابت أَو الإِمَام الرباني أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنْهُم وأرضاهم
فاستخار الله وأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بحضانة وَلَدهَا الْمَذْكُور وإبقائه فِي يَدهَا وَفِي حضانتها
مَا دَامَت متصفة بِصِفَات الحاضنات حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
وَأمره سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِتَسْلِيم الْوَلَد الْمَذْكُور إِلَيْهَا
فسلمه إِلَيْهَا
فتسلمته مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا
والتزمت الْقيام بحضانته وتربيته وَإِصْلَاح شَأْنه وملازمة الْإِقَامَة مَعَه فِي مسكن شَرْعِي يَلِيق بِهِ وَتَوَلَّى إطعامه الطَّعَام والإدام وَغسل ثِيَابه وتنظيفها وتغييرها وغسله فِي الْحمام وَعمل مَصَالِحه كلهَا بِمَا هُوَ مَفْرُوض لَهُ وَلها وَلمن يخدمها
وَهُوَ فِي غرَّة كل يَوْم كَذَا خَارِجا عَن الْكسْوَة بتصادقهما على ذَلِك
وانفصلا عَن مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ على ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن سبقها الْمُطلق إِلَى الْمَالِكِي وَادّعى عَلَيْهَا عِنْده بِسُقُوط حضانتها بِالتَّزْوِيجِ وَعدم عود اسْتِحْقَاقهَا عِنْده
فيقلب هَذِه الصِّيغَة
وَتَكون الدَّعْوَى مِنْهُ وَيحكم الْحَاكِم الْمَالِكِي للمطلق
صُورَة إبْقَاء الْحَضَانَة للْمَرْأَة بعد التداعي على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فلَان
وأحضر مَعَه مطلقته فُلَانَة
وَادّعى عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَدخل بهَا وأصابها وأولدها على فرَاشه وَلدين توأمين ابْنا وبنتا
أَحدهمَا يَدعِي فلَان
وَالْأُخْرَى فُلَانَة
وَأَنه أَبَانهَا بِالطَّلَاق
وَاسْتمرّ الْولدَان بِيَدِهَا وحضانتها إِلَى الْآن
وأنهما بلغا من الْعُمر سبع سِنِين
وَأَنه قصد انتزاعهما بالتخيير وأنهما مختاران لَهُ وأنهما يستقلان بالمطعم وَالْمشْرَب والملبس وَالْوُضُوء والاستنجاء وَلبس السَّرَاوِيل
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسُئِلت
فأجابت أَنه تزَوجهَا وأولدها الْوَلَدَيْنِ الْمَذْكُورين
وأنهما بلغا سبع سِنِين وأنهما يختاران الرُّجُوع إِلَيْهِ وَالْإِقَامَة عِنْده لكنهما لَا يستقلان بِجَمِيعِ مَا ذكر(2/195)
أَعْلَاهُ
وَطلبت الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ امتحان الصغيرين الْمَذْكُورين
وأحضرهما بَين يَدَيْهِ
فَسَأَلَهُمَا عَن ذَلِك وامتحنهما فِيهِ
فَلم يأتيا بِجَمِيعِهِ
وَتبين عِنْده عدم استقلالهما بِهَذِهِ الْأُمُور
فَحِينَئِذٍ سَأَلت الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل بِمَا يَعْتَقِدهُ من مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ
فاستخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بحضانة الصغيرين الْمَذْكُورين إِلَى حِين بَيَان استقلالهما بِمَا عين أَعْلَاهُ من الابْن وبلوغ الْبِنْت لجَوَاز ذَلِك عِنْده
وموافقته لمَذْهَب مقلده الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ وأرضاه حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وتقلب هَذِه الصُّورَة بِعَينهَا عِنْد الشَّافِعِي بِدَعْوَى الْأَب
وَينْزع ولديه لِكَوْنِهِمَا بلغا سبع سِنِين واختاراه بَين يَدي الْحَاكِم الشَّافِعِي
صُورَة إبْقَاء الْوَلَد فِي حضَانَة أمه إِلَى حِين التَّزْوِيج وَدخُول الزَّوْج بالبنت على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَضِي الله عَنهُ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمَالِكِي بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وأحضر مَعَه مطلقته فُلَانَة
وَادّعى عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزَوجهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه بِنْتا تدعى فُلَانَة
وَأَنَّهَا جَاوَزت سبع سِنِين وميزت واستقلت بِالطَّعَامِ وَالشرَاب وَالْوُضُوء والاستنجاء وَطلب انتزاعها من يَدهَا وتسليمها إِلَيْهِ
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فأجابت بالاعتراف بِمَا ادَّعَاهُ
وَطلبت مِنْهُ الْعَمَل بمذهبه وَبِمَا يَعْتَقِدهُ من صِحَة الْحَضَانَة لَهَا إِلَى حِين تَزْوِيج الْبِنْت وَدخُول الزَّوْج بهَا وَالْحكم لَهَا بذلك وَالْقَضَاء بِهِ والإلزام بِمُقْتَضَاهُ
فأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بذلك لجوازه عِنْده شرعا حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وواجباته الْمُعْتَبرَة المرضية مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَ الْأَب قد وضع يَده على الْبِنْت وَأَخذهَا بِيَدِهِ من يَد أمهَا
فتدعي الْأُم عَلَيْهِ عِنْد الْحَاكِم وَيحكم لَهَا بهَا وَيلْزمهُ بتسليمها لَهَا وَيَقَع التَّسْلِيم
ويكمل
صُورَة انتزاع الْبِنْت من أمهَا عِنْد إِدْرَاك سبع سِنِين على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ فلَان وأحضر مَعَه مطلقته فُلَانَة وَادّعى عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا(2/196)
صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه بِنْتا تدعى فُلَانَة وَأَنَّهَا بلغت من الْعُمر سبع سِنِين وَدخلت فِي الثَّامِنَة
وَطلب من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل بمذهبه على مُعْتَقد مقلده الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَالْحكم بابنته الْمَذْكُورَة وتسليمها إِلَيْهِ
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَبعد أَن ثَبت عِنْده أَن الْبِنْت الْمَذْكُورَة بلغت سبع سِنِين باعتراف والدتها الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وبالبينة الشَّرْعِيَّة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة حضَانَة الْأُخْت للْأُم
إِذا وصل اسْتِحْقَاق الْحَضَانَة إِلَيْهَا على الْخلاف فِي ذَلِك أَو إِلَى الْأُخْت للْأَب أَو إِلَى الْخَالَة على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فُلَانَة وفلانة وفلانة
وَادعت الْحَاضِرَة المبدي بذكرها على الحاضرتين المثني بذكرهما بِحُضُور فلَان وَالِد الطِّفْل الْآتِي ذكره أَن فلَانا الْحَاضِر الْمَذْكُور تزوج أُخْتهَا لأمها فُلَانَة أُخْت الْحَاضِرَة المثني بذكرها لأَبِيهَا
وَهِي بنت أُخْت الْحَاضِرَة الثَّالِثَة لأبويها تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها وأولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يدعى فلَان الفطيم
وَأَنَّهَا درجت بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَأَن لَيْسَ أحد من أقرباء المتوفاة الْمَذْكُورَة مَوْجُودا مُسْتَحقّا للحضانة سواهَا
وَسَأَلت سُؤال وَالِد الصَّغِير الْمَذْكُور وَأُخْت أمه لأَبِيهَا وخالتها لأبويها الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ عَن ذَلِك
فَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَالِد الطِّفْل الْمَذْكُور فَأجَاب بالتصديق
وَلكنه لَا يعلم من الْمُسْتَحقَّة للحضانة من هَؤُلَاءِ النسْوَة الثَّلَاث الْمَذْكُورَات أَعْلَاهُ
فَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ النسْوَة الثَّلَاث الْمَذْكُورَات أَعْلَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَت الْأُخْت من الْأَب أَنا أولى بالحضانة على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَت الْخَالَة أَنا أولى بالحضانة على مَذْهَب الإِمَام مَالك
وَقَالَت الْأُخْت للْأُم أَنا أَحَق بالحضانة على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة
وَسَأَلت الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل مَعهَا بِمَا يَعْتَقِدهُ من مذْهبه وَالْحكم لَهَا بالحضانة على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فاستخار الله وأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بحضانة الطِّفْل الْمَذْكُور لجَوَاز ذَلِك عِنْده شرعا حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وتسلمت الْأُخْت من الْأُم الْمَذْكُورَة الْوَلَد الْمَذْكُور من وَالِده الْمَذْكُور(2/197)
بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ تسلما شَرْعِيًّا ملتزمة بخدمته وتربيته وَالْقِيَام بمصالحه على مُقْتَضى الشَّرْع الشريف المطهر ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَت النسْوَة الْمَذْكُورَات
إِحْدَاهُنَّ أُخْت الطِّفْل لأمه
وَالْأُخْرَى أُخْته لِأَبِيهِ
وَالْأُخْرَى خَالَته أُخْت أمه لأبويها
فالصورة عِنْد الْحَنَفِيّ الْحَضَانَة لأخته لأمه
وَعند الشَّافِعِي وَأحمد لأخته لِأَبِيهِ
وَعند مَالك لخالته
فَإِذا تنازعت النسْوَة الثَّلَاث فِي ذَلِك وترافعن إِلَى حَاكم الشَّرْع الشريف
فَإِن ترافعن إِلَى شَافِعِيّ أَو حنبلي حكم بالحضانة للْأُخْت من الْأَب
وَإِن ترافعن إِلَى مالكي حكم بهَا للخالة
أَو إِلَى حَنَفِيّ حكم بهَا للْأُخْت من الْأُم
وَالصُّورَة فِي ذَلِك كالصورة فِي الَّتِي قبل هَذِه
وَالدَّعْوَى على وَالِد الطِّفْل
وَجَوَابه التَّصْدِيق على مَا ادَّعَتْهُ المدعية من التَّزْوِيج وَالِاسْتِيلَاد وَأَن من كَانَت الْمُسْتَحقَّة لحضانة وَلَده شرعا سلمه إِلَيْهَا
وتذكر أُخْت الصَّغِير الْمَذْكُور لِأَبِيهِ أَنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحقَّة للحضانة
وَتقول خَالَته إِنَّهَا هِيَ الْمُسْتَحقَّة للحضانة
فيعلمها الْحَاكِم أَن الْحَضَانَة عِنْده للْأُخْت للْأُم
وتسأل المدعية الحكم لَهَا بذلك
فَيحكم لَهَا بِهِ
مَعَ الْخلاف
وَالْكَاتِب يتَصَرَّف فِي هَذِه الصُّورَة على الْوَجْه السائغ عِنْد كل من أَصْحَاب الْمذَاهب الْأَرْبَعَة على مَا يَقْتَضِيهِ مذْهبه
صُورَة انتزاع الْوَلَد من أمه وَالسّفر بِهِ بنية الاستيطان فِي بلد آخر على مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة خلافًا لأبي حنيفَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي أَو الْمَالِكِي أَو الْحَنْبَلِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه مطلقته فُلَانَة
وَادّعى عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزَوجهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها
واستولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يدعى فلَان الرباعي الْعُمر أَو الخماسي
ثمَّ إِنَّه أَبَانهَا بِالطَّلَاق الْفُلَانِيّ
وَأَنه الْآن قد عزم على السّفر بولده إِلَى مَدِينَة كَذَا بنية الْإِقَامَة والاستيطان وطالبها بِتَسْلِيم الْوَلَد إِلَيْهِ
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك
فأجابت بالتصديق على صِحَة دَعْوَاهُ غير أَنَّهَا لَا تقدر على فِرَاق وَلَدهَا
ورضيت أَن تحضنه متبرعة بِكُل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
فَأبى إِلَّا أَن يتسلمه ويسافر بِهِ
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بمذهبه وَتَسْلِيم وَلَده إِلَيْهِ
فاستخار الله وأجابه إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بِتَسْلِيم وَلَده الْمَذْكُور إِلَيْهِ وَالسّفر بِهِ إِلَى الْبَلَد الْمَذْكُور والاستيطان حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وأمرها بِتَسْلِيم الْوَلَد الْمَذْكُور إِلَيْهِ عِنْد(2/198)
قَصده السّفر على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الحكم بِمَنْع الْوَالِد من السّفر بولده على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى
وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد رَضِي الله عَنهُ حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فُلَانَة أَو فلَان وَهُوَ مُتَكَلم شَرْعِي جَائِز كَلَامه مسموعة دَعْوَاهُ عَن فُلَانَة
وأحضرت مَعهَا أَو أحضر مَعَه فلَانا
وَادعت عَلَيْهِ أَو ادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
أَنه تزوج بهَا أَو أَنه تزوج بموكلته الْمَذْكُورَة تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يدعى فلَان الرباعي أَو الخماسي
ثمَّ إِنَّه أَبَانهَا بِالطَّلَاق
وَسَأَلت الْحَاكِم أَو سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم باستمرار الْوَلَد الْمَذْكُور بيد والدته وبمنع وَالِده الْمَذْكُور من السّفر بِهِ عِنْد قَصده السّفر من مَدِينَة كَذَا وَإِلَى غَيرهَا من الْجِهَات على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فاستخار الله تَعَالَى وأجابها أَو وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهَا بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(2/199)
كتاب الْجراح
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من أَحْكَام
الْجِنَايَات وَتَحْرِيم الْقَتْل وَمن يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَمن لَا يجب عَلَيْهِ الْقَتْل بِغَيْر حق حرَام
وَالْأَصْل فِيهَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ} فَأخْبر أَنه لَيْسَ لِلْمُؤمنِ أَن يقتل مُؤمنا
وَقَوله إِلَّا خطأ لم يرد أَن قَتله خطأ يجوز وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا قَتله خطأ فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة وَالدية
وقوه تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما}
وَأما السّنة فَمَا روى عُثْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِيمَان وزنى بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر نفس
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعَان على قتل مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله تَعَالَى
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزوَال الدُّنْيَا أَهْون على الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق
وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أهل السَّمَاء وَالْأَرْض(2/200)
اشْتَركُوا فِي قتل مُؤمن لكبهم الله فِي النَّار
وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أهل السَّمَاء وَالْأَرْض اشْتَركُوا فِي قتل مُؤمن لعذبهم الله إِلَّا أَن يَشَاء ذَلِك
وروى عبد الله بن مَسْعُود الوَاسِطِيّ عَن ابْن وَائِل الوَاسِطِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يقْضى بَين الْعباد فِي الدِّمَاء
وَأما الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْأَئِمَّة فِي تَحْرِيم الْقَتْل بِغَيْر حق
وجماع ذَلِك أَن من قتل مُؤمنا مُتَعَمدا بِغَيْر حق فسق
واستوجب النَّار إِلَّا أَن يَتُوب
وَالنَّص أَن قتل النَّفس بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر
وَقيل إِنَّه أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر
وَتقبل التَّوْبَة مِنْهُ
وَإِن مَاتَ قبلهَا لم يتَّجه دُخُوله النَّار بل هُوَ تَحت الْمَشِيئَة
وَإِن دخل لم يخلد
وَيتَعَلَّق بِهِ الْقصاص أَو الدِّيَة وَالْكَفَّارَة وَالتَّعْزِير فِي صور
وَيجْرِي فِي طرف وَغَيره
وَالْقَتْل هُوَ كل فعل عمد مَحْض مزهق للروح عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا
والعمد هُوَ قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا بجارح أَو مثقل
فَإِن فقد قصد أَحدهمَا بِأَن رمى شَجَرَة فَأَصَابَهُ
فخطأ
وَإِن قصدهما بِمَا لَا يقتل غَالِبا فَشبه عمد
وَمِنْه الضَّرْب بِالسَّوْطِ والعصى غرز الإبرة
فِي المقتل كالدماغ وَالْحلق
يَقْتَضِي الْقصاص
وَكَذَا فِي غير المقتل إِن تورم الْموضع وَبَقِي متألما إِلَى أَن مَاتَ وَإِن لم يظْهر مِنْهُ أثر وَمَات فِي الْحَال
فأقوى الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ الْقصاص
وعَلى هَذَا فالأشبه أَنه شبه عمد
والغرز فِي جلدَة الْعقب وَمَا لَا يؤلم لَا أثر لَهُ بِحَال
وَلَو حَبسه فِي بَيت وَمنعه من الطَّعَام وَالشرَاب وَمنعه من الطّلب حَتَّى مَاتَ
فَإِن مَضَت مُدَّة يَمُوت مثله فِيهَا(2/201)
غَالِبا من الْجُوع والعطش
تعلق بِهِ الْقصاص
وَإِلَّا فَإِن لم يكن جوع وَلَا عَطش سَابق
فَهُوَ شبه عمد
فَإِن كَانَ بِهِ بعض الْجُوع والعطش وَعلم الحابس الْحَال
فَعَلَيهِ الْقصاص
وَإِلَّا فَالْأَصَحّ الْمَنْع
وَإِذا أكره إِنْسَان إنْسَانا على قتل آخر بِغَيْر حق فَقتله وَجب على الْمُكْره الْقصاص
وَلَو شهد اثْنَان على إِنْسَان بوجب الْقصاص
فَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَقتل
ثمَّ رجعا وَقَالا تعمدنا الْكَذِب
لزمهما الْقصاص إِلَّا إِذا اعْترف الْوَلِيّ أَنه كَانَ عَارِفًا بكذبهما فَلَا قصاص عَلَيْهِمَا
وَلَو أَضَافَهُ على طَعَام مَسْمُوم فَأَكله وَمَات لزمَه الْقصاص
وَإِذا أمسك إنْسَانا حَتَّى قَتله آخر أَو حفر بِئْرا فردى فِيهَا غَيره
قالقصاص على الْقَاتِل والمردي دون الممسك والحافر
وَلَو رمى إنْسَانا من شَاهِق فَتَلقاهُ متلق فَقده نِصْفَيْنِ
فالقصاص على المتلقي دون الملقي
وَلَو أَلْقَاهُ فِي مَاء فغرق أَو فالتقمه الْحُوت
وَجب الْقصاص على الملقي
وَلَو لم يكن المَاء مغرقا فالتقمه حوت
فَلَا قصاص
وَإِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ
وللولي أَن يقتل بَعضهم وَيَأْخُذ حِصَّة البَاقِينَ من الدِّيَة
وتوزع الدِّيَة على قدر رؤوسهم
وَإِن كَانَ أحد القاتلين مخطئا سقط الْقصاص عَن البَاقِينَ
وَيجب الْقصاص على شريك الْأَب وعَلى العَبْد إِذا شَارك الْحر فِي قتل العَبْد
وعَلى الذِّمِّيّ إِذا شَارك الْمُسلم فِي قتل الذِّمِّيّ
وعَلى شريك الْحَرْبِيّ فِي قتل الْمُسلم الذِّمِّيّ
وعَلى شريك الْجَارِح قصاصا
وعَلى شريك دَافع الصَّائِل
وَإِذا جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا بِقطع عُضْو أَو غَيره فَأسلم ثمَّ مَاتَ من تِلْكَ الْجراحَة
فَلَا قصاص وَلَا دِيَة
وَلَا ضَمَان على من جرح عبد نَفسه ثمَّ أعْتقهُ فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ
وَلَو رمى حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فَأسلم قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ ثمَّ أَصَابَهُ وَمَات فَلَا قصاص
وَلَكِن تجب دِيَة مُسلم
وَلَو جرح عبدا لغيره فَعتق ثمَّ مَاتَ بِالسّرَايَةِ
وَجب فِيهِ دِيَة حر مُسلم
فَإِذا كَانَت قيمَة العَبْد نَظِير دِيَة مُسلم أَو أقل
فَهِيَ للسَّيِّد جَمِيعهَا
وَإِن كَانَت الدِّيَة أَكثر
فللسيد قيمَة العَبْد
وَالْبَاقِي لوَرَثَة العَبْد
فصل وَيجب الْقصاص من الشجاج
وَهِي جراحات الْوَجْه وَالرَّأْس
فالموضحة الَّتِي توضح الْعظم لَا قصاص فِيمَا بعْدهَا من الهاشمة الَّتِي تهشم الْعظم(2/202)
أَي تكسره
والمنقلة الَّتِي تنقل الْعظم
والمأمومة وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
والدامغة وَهِي الَّتِي تخرق الخريطة وَتصل إِلَى الدِّمَاغ
وَلَا قصاص على الْأَظْهر فِي الحارصة وَهِي الَّتِي تشق الْجلد قَلِيلا أَي تقطعه
والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي بَين اللَّحْم والعظم
والسمحاق وَهِي الَّتِي تبلغ الْجلْدَة الفاصلة بَين الْعظم وَاللَّحم
وَفِي وجوب الْقصاص بِقطع بعض المارن وَالْأُذن من غير إبانة وَجْهَان
أظهرهمَا الْوُجُوب
وَيجب فِي الْقطع من المفاصل الْقصاص
وَيجب فِي فقء الْعين وَقطع الْأذن والجفن والشفة وَاللِّسَان وَالذكر والأنثيين والشفرين والأليتين الْقصاص
وَلَا قصاص فِي كسر الْعِظَام لَكِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يقطع أقرب مفصل إِلَى مَوضِع الْكسر وَيَأْخُذ الْحُكُومَة للْبَاقِي
وَلَو أوضح رَأسه من الهشم فَلهُ أَن يقْتَصّ فِي الْمُوَضّحَة
وَيَأْخُذ مَا بَين أرش الْمُوَضّحَة والهاشمة وَهُوَ خمس من الْإِبِل
وَإِذا أوضح رَأسه فَذهب ضوء عَيْنَيْهِ وَجب الْقصاص فِي الضَّوْء والموضحة جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ لَو زَالَ بطشه أَو ذوقه أَو شمه
وَلَا يقطع الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الشّفة الْعليا بالسفلى وَلَا السبابَة بالوسطى
وَلَا بِالْعَكْسِ وَلَا أُنْمُلَة إِصْبَع بأنملة أُخْرَى من تِلْكَ الْأَصَابِع وَلَا إِصْبَع زَائِدَة بزائدة أُخْرَى
وَإِذا اشْترك جمَاعَة فِي مُوضحَة
فيوزع عَلَيْهِم
ويوضح من كل وَاحِد بِالْقِسْطِ فِي وَجه
وَالثَّانِي يُوضح من كل وَاحِد مِنْهُم مثل تِلْكَ الْمُوَضّحَة
وَلَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء
وَلَو خَالف الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَقطع الصَّحِيحَة
لم يَقع فرضا
وَعَلِيهِ دِيَتهَا
وَلَو سرى فَعَلَيهِ قصاص النَّفس
وَحكم الذّكر الأشل وَالصَّحِيح حكم الْيَد الصَّحِيحَة والشلاء
وَيقطع الْأنف الصَّحِيح بالأنف الأخشم وَأذن السَّمِيع بأذن الْأَصَم
وَلَا تُؤْخَذ الْعين الصَّحِيحَة بالحدقة العمياء وَلَا لِسَان النَّاطِق بِلِسَان الْأَخْرَس(2/203)
وَفِي السن الْقصاص
لَكِن عِنْد الْقلع دون الْكسر
وَإِن قلع سنّ صَغِير لم يثغر فَلَا قصاص فِي الْحَال وَلَا دِيَة
فَإِن جَاءَ وَقت نباتها وَنبت جَمِيع الْأَسْنَان وعادت وَلم تعد هِيَ وَقَالَ أهل الْخِبْرَة قد فسد المنبت
وَجب الْقصاص
لَكِن لَا يسْتَوْفى فِي صغره
وَالصَّحِيح أَن الْقصاص يسْتَحقّهُ جَمِيع الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى
فَإِن كَانَ بَعضهم غَائِبا انْتظر حُضُوره أَو مُرَاجعَته
وَإِن كَانَ بَعضهم صَبيا أَو مَجْنُونا انْتظر بُلُوغ الصَّبِي وإفاقة الْمَجْنُون
وَإِن انْفَرد صبي أَو مَجْنُون بِالِاسْتِحْقَاقِ انْتظر كَمَاله
وَلَا يَسْتَوْفِيه الْقيم بأَمْره
وَيحبس الْقَاتِل فِي هَذِه الصُّورَة وَلَا يخلى بالكفيل وليتفق مستحقو الْقصاص على وَاحِد أَو ليوكلوا أَجْنَبِيّا
فَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم
وَالْأَظْهَر أَنه يدْخل فِي الْقرعَة من عجز عَن الِاسْتِيفَاء كالشيخ وَالْمَرْأَة
فَإِذا خرجت لَهُ استناب
وَإِذا بَادر أحد الْوَرَثَة فَقتل الْجَانِي
فأصح الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يلْزمه الْقصاص
وللآخرين نصِيبهم
وَهل يأخذونه من شريكهم المبادر أَو من تَركه الْجَانِي الْأَصَح الثَّانِي
ثمَّ إِن كَانَت الْمُبَادرَة بعد عَفْو سَائِر الشُّرَكَاء أَو بَعضهم فَالْأَظْهر وجوب الْقصاص
وَلَيْسَ لمن يسْتَحق الْقصاص أَن يسْتَقلّ بِهِ بل يسْتَوْفى بِإِذن الإِمَام
فَإِن اسْتَقل عذر
وَإِذا رَاجع الإِمَام فَرَآهُ أَهلا فوض إِلَيْهِ قصاص النَّفس وَلَا يُفَوض إِلَيْهِ قصاص الطّرف
وَإِذا أذن لَهُ فِي ضرب الرَّقَبَة
فَأصَاب غَيرهَا عَامِدًا عذره وَلم يعزله
وَإِن قَالَ أَخْطَأت وَهُوَ مُحْتَمل فَلَا يعْذر
وَلَكِن يعْزل
وَأُجْرَة الجلاد على الْمُقْتَص مِنْهُ وللمستحق الاقتصاص على الْفَوْر
وَلَو التجأ الْجَانِي إِلَى الْحرم فَلهُ الِاسْتِيفَاء فِيهِ
وَلَا يُؤَخر لشدَّة الْحر وَالْبرد وَالْمَرَض
وَالْمَرْأَة الْحَامِل لَا يقْتَصّ مِنْهَا فِي النَّفس وَلَا فِي الطّرف حَتَّى تضع الْوَلَد وترضعه اللبأ
فَإِن لم يُوجد من ترْضِعه فيؤخر الِاسْتِيفَاء إِلَى أَن تُوجد مُرْضِعَة أَو إِلَى أَن ترْضِعه هِيَ حَوْلَيْنِ وتفطمه
وتحبس الْحَامِل فِي الِاسْتِيفَاء إِلَى أَن يُمكن الِاسْتِيفَاء
وَإِذا قتل بمحدد أَو غَيره من تخنيق أَو تحريق أَو تجويع اقْتصّ مِنْهُ بِمثلِهِ
وَلَو قَتله بِالسحرِ أَو بإسقائه الْخمر أَو باللواط اقْتصّ بِالسَّيْفِ(2/204)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْقَاتِل لَا يخلد فِي النَّار
وَتَصِح تَوْبَته من الْقَتْل
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَالضَّحَّاك أَنه لَا تقبل لَهُ تَوْبَة
وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل نفسا مسلمة مكافئة لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَلم يكن الْمَقْتُول ابْنا للْقَاتِل
وَكَانَ فِي قَتله لَهُ مُتَعَمدا وَجب عَلَيْهِ الْقود
وَأَن السَّيِّد إِذا قتل عَبده
فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ وَإِن تعمد
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَافِر إِذا قتل مُسلما قتل بِهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل مُسلم ذِمِّيا أَو معاهدا
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يقتل بِهِ وَقَالَ مَالك كَذَلِك إِلَّا أَنه اسْتثْنى
فَقَالَ إِن قتل ذِمِّيا أَو معاهدا أَو مستأمنا غيلَة قتل حتما
وَلَا يجوز للْوَلِيّ الْعَفو
لِأَنَّهُ تعلق قَتله بالافتيات على الإِمَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُسلم بالذمي لَا بالمستأمن
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقتل بِالْحرِّ وَأَن العَبْد يقتل بِالْعَبدِ
وَاخْتلفُوا فِي الْحر إِذا قتل عبد غَيره
هَل يقتل بِهِ أم لَا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل بِهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الابْن إِذا قتل أحد أَبَوَيْهِ قتل بِهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْأَب ابْنه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل بِهِ
وَقَالَ مَالك يقتل بِهِ بِمُجَرَّد الْقَصْد
كإضجاعه وذبحه
فَإِن حذفه بِالسَّيْفِ غير قَاصد لقَتله
فَلَا يقتل بِهِ
وَالْجد عِنْده فِي ذَلِك كَالْأَبِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة تقتل بِالرجلِ وَالرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ
وَاخْتلفُوا هَل يجْرِي الْقصاص بَين الرجل وَالْمَرْأَة فِيمَا دون النَّفس وَبَين العبيد بَعضهم على بعض فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجْرِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجْرِي
فصل وَالْجَمَاعَة إِذا اشْتَركُوا فِي قتل الْوَاحِد
هَل يقتلُوا بِهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل الْجَمَاعَة كلهم بِالْوَاحِدِ إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتثْنى من ذَلِك الْقسَامَة
فَقَالَ لَا يقتل بالقسامة إِلَّا وَاحِد
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب الْجَمَاعَة واختارها الْخرقِيّ
وَالْأُخْرَى لَا تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ
وَتجب الدِّيَة دون الْقود
وَهل تقطع الْأَيْدِي بِالْيَدِ قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تقطع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقطع
وَتُؤْخَذ دِيَة الْيَد من الْقَاطِع بالسواء
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا جرح رجلا عمدا
فلازم الْفراش حَتَّى مَاتَ
فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْقَتْل بمثقل كالخشبة الْكَبِيرَة وَالْحجر الْكَبِير الْغَالِب فِي مثله أَن يقتل
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجب الْقصاص بذلك(2/205)
وَلَا فرق بَين أَن يخدشه بِحجر أَو عَصا أَو يغرقه أَو يحرقه بالنَّار أَو يخنقه أَو يطين عَلَيْهِ بَيْتا
ويمنعه الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى يَمُوت جوعا أَو يضغطه أَو يهدم عَلَيْهِ بَيْتا
أَو يضْربهُ بِحجر عَظِيم أَو خَشَبَة عَظِيمَة محددة أَو غير محددة
وَبِذَلِك قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا الْقصاص عِنْد الْقَتْل بالنَّار أَو بالمحدد من الْحَدِيد أَو الْخَشَبَة المحددة أَو الْحجر المحدد
فَأَما إِن غرقه بِالْمَاءِ أَو قَتله بِحجر أَو خَشَبَة غير محددة فَإِنَّهُ لاقود
وَقَالَ الشَّافِعِي وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ لاقود إِلَّا فِي حَدِيد
وَلَو ضربه فاسود الْموضع أَو كسر عِظَامه فِي دَاخل الْجلد
فَعَن أبي حنيفَة فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
وَاخْتلفُوا فِي عمد الْخَطَأ
وَهُوَ أَن يتَعَمَّد الْفِعْل ويخطىء فِي الْقَصْد أَو يضْرب بِسَوْط لَا يقتل مثله غَالِبا أَو يلكزه أَو يلطمه لطما بليغا
فَفِي ذَلِك الدِّيَة دون الْقود عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
إِلَّا أَن الشَّافِعِي وَأحمد قَالَا إِن كرر الضَّرْب حَتَّى مَاتَ
فَعَلَيهِ الْقود
وَقَالَ مَالك بِوُجُوب الْقود فِي ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أكره رجل رجلا على قتل آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُكْره دون الْمُبَاشر
وَقَالَ مَالك وَأحمد يقتل الْمُبَاشر
وَقَالَ الشَّافِعِي يقتل الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء قولا وَاحِدًا
وَفِي قتل الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء قَولَانِ
الرَّاجِح من مذْهبه أَن عَلَيْهِمَا الْقصاص جَمِيعًا
فَإِن كافأه أَحدهمَا فَقَط
فالقصاص عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمُكْره
فَقَالَ مَالك إِذا كَانَ سُلْطَانا أَو متغلبا أَو سيدا مَعَ عَبده
أقيد بهما جَمِيعًا إِلَّا أَن يكون العَبْد أعجميا جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك
فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقود
وَقَالَ الْبَاقُونَ يَصح الْإِكْرَاه من كل ذِي يَد عَادِية
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أمسك رجل رجلا فَقتله آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ الْقود على الْقَاتِل دون الممسك
وَلم يُوجب على الممسك شَيْئا إِلَّا التَّعْزِير
وَقَالَ مَالك الممسك وَالْقَاتِل شريكان فِي الْقَتْل
فَيجب عَلَيْهِمَا الْقود إِذا كَانَ الْقَاتِل لَا يُمكنهُ قَتله إِلَّا بالإمساك وَكَانَ الْمَقْتُول لَا يقدر على الْهَرَب بعد الْإِمْسَاك
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه يقتل الْقَاتِل وَيحبس الممسك حَتَّى يَمُوت
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يقتلان جَمِيعًا على الْإِطْلَاق
فصل لَو شهدُوا بِالْقَتْلِ
ثمَّ رجعُوا عَن الشَّهَادَة بعد اسْتِيفَاء الْقصاص وَقَالُوا تعمدنا أَو جَاءَ الْمَشْهُود بقتْله حَيا
قَالَ أَبُو حنيفَة لاقود بل يجب دِيَة مُغَلّظَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب الْقصاص
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنهم لَو رجعُوا أَو قَالُوا أَخْطَأنَا لم يجب عَلَيْهِم قصاص
وَإِنَّمَا(2/206)
تجب دِيَة
وَاخْتلفُوا فِي الْوَاجِب بقتل الْعمد هَل هُوَ معِين أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه الْوَاجِب معِين وَهُوَ الْقود
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى التَّخْيِير بَين الدِّيَة والقود
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا الْوَاجِب لَا بِعَيْنِه
وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَن الْوَاجِب الْقصاص عينا وَلَكِن لَهُ الْعُدُول إِلَى الدِّيَة
وَإِن لم يرض الْجَانِي
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَفَائِدَة الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه إِذا عَفا مُطلقًا سَقَطت الدِّيَة
وَلَو عَفا الْوَلِيّ عَن الْقصاص عَاد إِلَى الدِّيَة بِغَيْر رضى الْجَانِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ الْعُدُول إِلَى المَال إِلَّا برضى الْجَانِي
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَهُ ذَلِك مُطلقًا
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عَفا رجل من أَوْلِيَاء الدَّم سقط الْقصاص
وانتقل الْأَمر إِلَى الدِّيَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عفت الْمَرْأَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يسْقط الْقود
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك
فَنقل عَنهُ أَنه لَا مدْخل للنِّسَاء فِي الدَّم
وَنقل عَنهُ أَن لَهُنَّ مدْخل فِي الدِّمَاء كالرجال إِذا لم يكن فِي درجتهن عصبَة
فعلى هَذَا فَفِي أَي شَيْء لَهُنَّ مدْخل عَنهُ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا فِي الْقود دون الْعَفو
وَالثَّانيَِة فِي الْعَفو دون الْقود
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَوْلِيَاء الْبَالِغين الْمُسْتَحقّين إِذا حَضَرُوا وطلبوا الْقصاص لم يُؤَخر إِلَّا أَن يكون الْجَانِي امْرَأَة حَامِلا فتؤخر حَتَّى تضع
وعَلى أَنه إِذا كَانَ المستحقون صغَارًا أَو غائبين
فَإِن الْقصاص يُؤَخر إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصغار إِذا كَانَ لَهُم أَب استوفى الْقصاص وَلم يُؤَخر
وَلَو كَانَ من الْمُسْتَحقّين صغَار أَو غَائِب أَو مَجْنُون
فقد اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْقصاص يُؤَخر فِي مَسْأَلَة الْغَائِب
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّغِير وَالْمَجْنُون
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يُؤَخر الْقصاص لأجلهما
وَقَالَ الشَّافِعِي يُؤَخر الْقصاص حَتَّى يفِيق الْمَجْنُون ويبلغ الصَّغِير
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه يُؤَخر
وَالثَّانيَِة لَا يُؤَخر
فصل وَلَيْسَ للْأَب أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص
لوَلَده الْكَبِير بالِاتِّفَاقِ
وَهل لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه لوَلَده الصَّغِير قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَيْسَ لَهُ ذَلِك سَوَاء كَانَ شَرِيكا لَهُ أم لَا وَسَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو الطّرف
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه
وَاخْتلفُوا فِي الْوَاحِد يقتل الْجَمَاعَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقود لجماعتهم وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء آخر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قتل وَاحِدًا بعد وَاحِد
قتل(2/207)
بِالْأولِ
وللباقين الدِّيات
وَإِن قَتلهمْ فِي حَالَة وَاحِدَة أَقرع بَين أَوْلِيَاء المقتولين
فَمن خرجت قرعته قتل لَهُ وللباقين الدِّيات
وَقَالَ أَحْمد إِذا قتل وَاحِد جمَاعَة
فَحَضَرَ الْأَوْلِيَاء وطلبوا الْقصاص قتل لجماعتهم
وَلَا دِيَة عَلَيْهِ
وَإِن طلب بَعضهم الْقصاص وَبَعْضهمْ الدِّيَة
قتل لمن طلب الْقصاص
وَوَجَبَت الدِّيَة لمن طلبَهَا
وَإِن طلبُوا الدِّيَة كَانَ لكل وَاحِد دِيَة كَامِلَة
فصل وَلَو جنى رجل على رجل
فَقطع يَده الْيُمْنَى
ثمَّ على آخر فَقطع يَده الْيُمْنَى ثمَّ طلبا مِنْهُ الْقصاص
فَقَالَ أَبُو حنيفَة تقطع يَمِينه بهما وَتُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة أُخْرَى لَهما
وَقَالَ مَالك يقطع يَمِينه بهما
وَلَا دِيَة عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي تقطع يَمِينه للْأولِ وَيغرم الدِّيَة للثَّانِي
فَإِن كَانَ قطع يديهما مَعًا أَقرع بَينهمَا كَمَا قَالَ فِي النَّفس
وَكَذَا إِن اشْتبهَ الْأَمر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن طلبا الْقصاص قطع لَهما وَلَا دِيَة
وَإِن طلب أَحدهمَا الْقصاص وَأَحَدهمَا الدِّيَة قطع لمن طلب الْقصاص وَأخذت الدِّيَة للْآخر
وَلَو قتل مُتَعَمدا ثمَّ مَاتَ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يسْقط حق ولي الدَّم من الْقصاص وَالدية جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تبقى الدِّيَة فِي تركته لأولياء الْمَقْتُول
وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام إِذا قطع السَّارِق فسرى ذَلِك إِلَى نَفسه أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطعه مقتص فسرى إِلَى نَفسه
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد السَّرَايَة غير مَضْمُونَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ مَضْمُونَة تتحملها عَاقِلَة الْمُقْتَص
وَلَو قطع ولي الْمَقْتُول يَد الْقَاتِل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن عَفا عَنهُ الْوَلِيّ غرم دِيَة يَده وَإِن لم يعف لم يلْزمه شَيْء
وَقَالَ مَالك تقطع يَده بِكُل حَال عَفا عَنهُ الْوَلِيّ أَو لم يعف
وَقَالَ أَحْمد يلْزمه دِيَة الْيَد فِي مَاله بِكُل حَال
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء وَلَا يَمِين بيسار وَلَا يسَار بِيَمِين
وَاخْتلفُوا هَل يسْتَوْفى الْقصاص فِيمَا دون النَّفس قبل الِانْدِمَال أَو بعده فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يسْتَوْفى إِلَّا بعد الِانْدِمَال
وَقَالَ الشَّافِعِي يسْتَوْفى فِي الْحَال
وَاخْتلفُوا فِيمَا يسْتَوْفى بِهِ الْقصاص من الْآلَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَوْفى إِلَّا بِالسَّيْفِ
سَوَاء قتل بِهِ أَو بِغَيْرِهِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل فِي الْحرم جَازَ قَتله
وَاخْتلفُوا فِيمَن قتل خَارج الْحرم ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم أَو وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل لكفر أَو زنى أَو وردة ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يقتل فِيهِ
وَلَكِن يضيق عَلَيْهِ فَلَا يُبَايع وَلَا يشارى حَتَّى يخرج مِنْهُ فَيقْتل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل فِي الْحرم
انْتهى(2/208)
بَاب كَيْفيَّة الْقصاص ومستوفيه وَالْخلاف فِيهِ
الْقصاص فِيمَا دون النَّفس شَيْئَانِ جرح يشق
وطرف يقطع
وَالْقصاص يجب فِيمَا دون النَّفس من الجروح والأعضاء
لقَوْله تَعَالَى {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص}
وَلما رُوِيَ أَن الرّبيع بنت معوذ وَقيل بنت أنس كسرت ثنية جَارِيَة من الْأَنْصَار
فعرضوا عَلَيْهِم الْأَرْش فَلم يقبلُوا
وطلبوا الْعَفو فَأَبَوا
فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأمر بِالْقصاصِ
فَقَالَ أنس بن النَّضر وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لَا تكسر ثنيتها
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب الله الْقصاص
فَعَفَا الْقَوْم
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره
وَلِأَن الْقصاص فِي النَّفس إِنَّمَا جعل لحفظ النُّفُوس
وَهَذَا مَوْجُود فِيمَا دون النَّفس
فعلى هَذَا كل شَخْصَيْنِ جرى الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس جرى الْقصاص بَينهمَا فِيمَا دون النَّفس
فتقطع يَد الْحر الْمُسلم بيد الْحر الْمُسلم وَيَد الْكَافِر بيد الْكَافِر وَيَد الْمَرْأَة بيد الْمَرْأَة
وَهَذَا إِجْمَاع
وتقطع يَد الْمَرْأَة بيد الرجل وَيَد الرجل بيد الْمَرْأَة وَيَد العَبْد بيد الْحر وَالْعَبْد على خلاف فِيهِ
والأطراف الْمقدرَة إِذا صدر الصُّلْح على الدِّيَة فِيهَا هِيَ الأول مِنْهَا الأذنان
ففيهما على الْمَذْهَب وَلَو من أَصمّ دِيَة وَاحِدَة نصف دِيَة
وَفِي بعضه بِقسْطِهِ بِقدر مساحته
وَلَو أيبسهما فديَة
وَفِي قَول حُكُومَة
الثَّانِي العينان
ففيهما دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَلَو عين أَحول وأعمش وأعشى وأخفش
وَكَذَا من بِعَيْنِه بَيَاض لَا ينقص الضَّوْء
وَكَذَا فِي الْقصاص
فَإِن نقصت فبقسطه
فَإِن لم يَنْضَبِط فَحُكُومَة
الثَّالِث الأجفان الْأَرْبَعَة
وفيهَا دِيَة
وَفِي كل جفن ربعهَا وَلَو من أعمى وأعمش
وَفِي بعضه بِقسْطِهِ
وَفِي يَابِس حُكُومَة
الرَّابِع الْأنف
فَفِي الْأنف وَهُوَ مالان من الْأنف دِيَة فِي كل من طَرفَيْهِ فِي المارن ثلث الدِّيَة
وَفِي الحاجز حُكُومَة
وَفِيهِمَا دِيَة
الْخَامِس الشفتان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَفِي بَعْضهَا بِقسْطِهِ
وَهِي فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين
وَفِي طوله من جَوف الْفَم إِلَى مَا يستر اللِّحْيَة فِي(2/209)
الْأَصَح وَلَو شقّ شفته وَلم يبْق مِنْهَا شَيْء فَحُكُومَة أَو قطع مشقوقة فديَة أَو نَاقِصَة فَحُكُومَة
السَّادِس اللِّسَان
وَفِيه دِيَة
وَلَو ألكن ومبرسم وأرت وألثغ وطفل
وَلَو بلغ الطِّفْل فِي وَقت النُّطْق أَو التحريك وَلم يُوجد
فَحُكُومَة
السَّابِع الْأَسْنَان
وَفِي كل سنّ لذكر حر مُسلم خَمْسَة أَبْعِرَة بِشَرْط كَونهَا أَصْلِيَّة تَامَّة مثغورة غير مقلقلة
وَفِي سنّ زَائِدَة حُكُومَة
وَلَو قلع سنّ صَغِير لم يثغر وَمَضَت مُدَّة يتَوَقَّع فِيهَا الْعود وَلم تعد وَفَسَد المنبت وَجب قصاص أَو دِيَة
فَإِن مَاتَ قبل النَّبَات فَحُكُومَة
وَلَو قلع سنّ صَغِير فطلع بَعْضهَا وَمَات قبل أَن يتم نباتها فَحُكُومَة
الثَّامِن اللحيان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَالصَّحِيح أَنه تكمل الدِّيَة فِي بسيط الْأَصَابِع
وَفِي كل إِصْبَع عشرَة أَبْعِرَة
وَفِي أُنْمُلَة ثلثهَا وَفِي أُنْمُلَة إِبْهَام نصفهَا
التَّاسِع الرّجلَانِ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
والأعرج وَكَذَا إِن تعطل مشيها بِكَسْر الفقار فِي الْأَصَح
الْعَاشِر حلمتا الْمَرْأَة
وَفِيهِمَا دِيَتهَا
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
والحلمة الْمُجْتَمع الناتىء على الثدي يُخَالف لَونه لون الثدي غَالِبا وبجوانبها دارة على لَوْنهَا
وَهِي من الثدي لَا من الحلمة
فَلَو قطع الثدي مَعَ الحلمة لم يجز إِلَّا دِيَة
وَلَو قطع مَعَ الثدي جلدَة الصَّدْر وَجَبت حُكُومَة فِي الْجلد أَيْضا
وَفِي حلمة الرجل حُكُومَة
وَفِي قَول دِيَة
وَفِي حلمتي الْخُنْثَى حُكُومَة على الْأَظْهر
الْحَادِي عشر الذّكر
وَفِيه دِيَة
وَلَو لشيخ وصغير وعنين وَخصي وَغَيرهم
وَفِي أشل حُكُومَة
وَلَو ضربه فشل فديَة وحشفة كَذَلِك
وَبَعضهَا بِقسْطِهِ مِنْهَا
وَقيل من الذّكر
الثَّانِي عشر الْأُنْثَيَيْنِ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
الثَّالِث عشر الأليتان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَفِي بَعْضهَا بِقسْطِهِ إِن عرف قدره وَضَبطه وَإِلَّا فَحُكُومَة
والألية الشَّيْء الناتىء على اسْتِوَاء الظّهْر والفخذ
وَلَا نظر إِلَى اخْتِلَاف قدره
وَلَا يشْتَرط وُصُول إِلَى الْعظم وَلَو نَبتَت الألية والتحم الْموضع لم تسْقط الدِّيَة على الْمَذْهَب
الرَّابِع عشر الشفران
وهما اللحمان الملتقيان على المنفذ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي(2/210)
أَحدهمَا نصفهَا وَلَو ضربهما فشلا فديَة
وَلَو قطع مَعَهُمَا عانتها فَحُكُومَة أَيْضا
الْخَامِس عشر سلخ الْجلد إِن بَقِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وحز غير السالخ رقبته
فَفِيهِ دِيَة
فَلَو قطع يَدَاهُ وسلخ رجل الْجلد وزعت مساحة الْجلد على جَمِيع الْبدن
فَمَا خص الْيَدَيْنِ حط من دِيَتهمَا
وعَلى هَذَا لَو قطع يَدَاهُ ثمَّ سلخ آخر جلده
لزم السالخ دِيَة الْجلد إِلَّا قسط الْيَدَيْنِ
وَفِي الترقوتين حُكُومَة على الْمَذْهَب كالضلع وَسَائِر الْعِظَام
فصل فِي إِزَالَة الْمَنَافِع
الأول الْعقل
فِيهِ دِيَة لَا قصاص
فَلَو قطع يَدَاهُ وَرجلَاهُ فَزَالَ عقله
وَجب ثَلَاث ديات
وَإِن انتظم قَوْله وَفعله صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَإِن لم يَنْتَظِم قَوْله وَفعله فَلهُ دِيَة بِلَا يَمِين
الثَّانِي السّمع
وَفِيه دِيَة
وَمن أذن نصفهَا وَلَو أَزَال أُذُنَيْهِ وسمعيه فديتان
الثَّالِث الْبَصَر
وَفِي إذهابه من الْعَينَيْنِ دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا وَلَو من أَحول وأعمش وَنَحْوهمَا
وَلَو فَقَأَ عَيْنَيْهِ لم يجب إِلَّا دِيَة
وَلَا يقبل فِي إذهاب الْبَصَر عمدا إِلَّا رجلَانِ أَو خطأ فَرجل وَامْرَأَتَانِ
وَإِن نقص ضوء الْعَينَيْنِ وَعرف قدره فبقسط الذَّاهِب من الدِّيَة وَإِلَّا فَحُكُومَة عِنْد الْأَكْثَر بِاجْتِهَاد القَاضِي
الرَّابِع الشم
وَفِيه دِيَة على الصَّحِيح
وَمن منخر نصفهَا
وَلَو قطع أَنفه فَذهب شمه وَجَبت ديتان
فَإِن عَاد استردت الدِّيَة
فَإِن ادّعى ذَهَابه وَأنكر الْجَانِي يزعج فِي خلواته
فَإِن لم يظْهر مِنْهُ شَيْء حلف كأخرس
وَأديت دِيَة
وَفِي بعض الْحُرُوف قسط من الدِّيَة
والموزع عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي لُغَة الْعَرَب
فصل والحكومة جُزْء نسبته إِلَى دِيَة
النَّفس وَقيل إِلَى عُضْو الْجِنَايَة نِسْبَة نَقصهَا من قِيمَته لَو كَانَ رَقِيقا بصفاته
وجنسها إبل
فَإِن كَانَت مقدرَة شَرط أَن لَا تبلع مقدرَة
فَإِن بلغته نقص القَاضِي شَيْئا بِاجْتِهَادِهِ
وَيجوز أَن تبلغ حُكُومَة الْكَفّ دِيَة إِصْبَع فِي الْأَصَح
فصل فِي نفس الرَّقِيق
قِيمَته وَلَو مُدبرا ومكاتبا وَأم ولد
وَفِي غَيرهَا مَا نقص
وَإِن لم تتقدر من الْحر وَإِلَّا فبنسبته من قِيمَته فِي الْأَظْهر
فَفِي يَده نصف قِيمَته
وَفِي يَدَيْهِ كلهَا وَفِي ذكره وأنثييه قيمتان(2/211)
وَهَكَذَا
فَلَو لم تنقص الْقيمَة بِقطع الذّكر والأنثيين أَو ازدادت لم يجب شَيْء فِي الْأَصَح
بَاب مُوجبَات الدِّيَة والعاقلة وَالْكَفَّارَة
الْعقل اسْم للدية
وَسميت الدِّيَة الْعقل لِأَنَّهَا تعقل بِبَاب ولي الْمَقْتُول
والعصبة الَّذين يتحملون الدِّيَة يسمون الْعَاقِلَة وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم يأْتونَ بِالدِّيَةِ فيعقلونها عِنْد بَاب ولي الْمَقْتُول
وَقيل لأَنهم يمْنَعُونَ من الْقَاتِل
وَالْعقل الْمَنْع
وَلذَلِك سمي الْعقل عقلا لِأَنَّهُ يمْنَع صَاحبه من فعل الْقَبِيح
وَالْأَصْل فِي وجوب الْكَفَّارَة فِي الْقَتْل قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ الله عليما حكيما} فَذكر الله تَعَالَى فِي الْآيَة ثَلَاث كَفَّارَات
إِحْدَاهُنَّ إِذا قتل مُسلما فِي دَار الْإِسْلَام
لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}
الثَّانِيَة إِذا قتل مُؤمنا فِي دَار الْحَرْب بِأَن كَانَ أَسِيرًا فِي صفهم أَو مُقيما بِاخْتِيَارِهِ لقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَمَعْنَاهُ فِي قوم عَدو لكم
وَقد تقدم بَيَانه
الثَّالِثَة إِذا قتل ذِمِّيا لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة} وَظَاهر الْآيَة أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يقْتله عمدا وَله أَن يقْتله خطأ
لِأَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن قتل الْخَطَأ محرم كَقَتل الْعمد إِلَّا أَن قتل الْعمد يتَعَلَّق بِهِ الْإِثْم وَقتل الْخَطَأ لَا إِثْم عَلَيْهِ
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اخْتلف الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى فِيمَا إِذا صَاح بصبي أَو معتوه وهما على سطح أَو حَائِط
فَوَقع فَمَاتَ
أَو ذهب عقل الصَّبِي أَو عقل الْبَالِغ
فصاح بِهِ فَسقط
وَإِذا بعث الإِمَام إِلَى امْرَأَة يستدعيها إِلَى مجْلِس الحكم
فأجهضت جَنِينا فَزعًا أَو زَالَ عقلهَا(2/212)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان فِي شَيْء من ذَلِك على أحد
وَقَالَ الشَّافِعِي الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة إِلَّا فِي حق الْبَالِغ
فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على الْعَاقِلَة فِيهِ
وَمن أَصْحَابه من أوجب أَيْضا الضَّمَان فِيهِ
وَهُوَ ابْن أبي هُرَيْرَة
وَقَالَ أَحْمد الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة
وعَلى الإِمَام فِي حق المستدعاة
وَقَالَ مَالك الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة مَا عدا الْمَرْأَة
فَإِنَّهُ لَا دِيَة فِيهَا على أحد
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة إِذا ضرب أحد بَطنهَا فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ مَاتَت
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا ضَمَان لأجل الْجَنِين
وعَلى من ضربهَا الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي ذَلِك الدِّيَة كَامِلَة
وغرة الْجَنِين
وَاخْتلفُوا فِي قيمَة جَنِين الْأمة إِذا كَانَ مَمْلُوكا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِيهِ عشر قيمَة أمه سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى
وَتعْتَبر قيمَة الْأُم يَوْم جني عَلَيْهَا
وَأما جَنِين أم الْوَلَد من مَوْلَاهَا فَفِيهِ غرَّة تكون قيمتهَا نصف عشر دِيَة الْأَب
وَكَذَلِكَ فِي جَنِين الذِّمِّيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ مُسلما ولجنين الْكِتَابِيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ مجوسيا قيمتهَا نصف عشر قِيمَته
وَفِي الْأُنْثَى الْعشْر وَيعرف عشر دِيَة الْأُم اعْتِبَارا بأوفى الديتين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الذّكر نصف عشر قِيمَته
وَفِي الْأُنْثَى الْعشْر
وَلم يفرق
وَاخْتلفُوا فِيمَن حفر بِئْرا فِي فنَاء دَاره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يضمن مَا هلك فِيهَا
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَن بسط بَارِية فِي الْمَسْجِد أَو حفر فِيهِ بِئْرا لمصلحته أَو علق قِنْدِيلًا فَعَطب بذلك أَو بِشَيْء مِنْهُ إِنْسَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يَأْذَن لَهُ الْجِيرَان فِي ذَلِك ضمن
وَعَن الشَّافِعِي فِي الضَّمَان وَإِسْقَاط قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا ضَمَان
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَهِي أظهرهمَا
وَالْأُخْرَى يضمن
وَلَا خلاف أَنه لَو بسط فِيهِ الْحَصِير
فزلق بِهِ إِنْسَان أَنه لَا ضمار عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك فِي دَاره كَلْبا عقورا فَدخل فِي دَاره إِنْسَان وَقد علم أَن ثمَّ كَلْبا عقورا فعقره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا ضَمَان عَلَيْهِ على الْإِطْلَاق
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الضَّمَان بِشَرْط أَن لَا يكون صَاحب الدَّار يعلم أَنه عقور
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي أظهرهمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى يضمن سَوَاء علم أَنه عقور أم لَا(2/213)
فصل وَاتَّفَقُوا على أَن الدِّيَة
فِي قتل الْخَطَأ على عَاقِلَة الْجَانِي
وَأَنَّهَا تجب عَلَيْهِم مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَاخْتلفُوا هَل يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة فَيُؤَدِّي مَعَهم فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ كَأحد الْعَاقِلَة يلْزمه مَا يلْزم أحدهم
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك
فَقَالَ ابْن الْقَاسِم كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ غَيره لَا يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن اتسعت الْعَاقِلَة أَو لم تتسع وعَلى هَذَا إِذا لم تتسع الْعَاقِلَة لتحمل جَمِيع الدِّيَة انْتقل ذَلِك إِلَى بَيت المَال
وَإِن كَانَ الْجَانِي من أهل الدِّيوَان
فَهَل يلْحق أهل ديوانه بالعصبة فِي الدَّم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة ديوانه عَاقِلَته ويقدمون على الْعصبَة فِي التَّحَمُّل
فَإِن عدموا فَحِينَئِذٍ تتحمل الْعصبَة
وَكَذَا عَاقِلَة السوقي أهل سوقه ثمَّ قرَابَته
فَإِن عجزوا فَأهل محلته
فَإِن لم تتسع فَأهل بلدته
وَإِن كَانَ الْجَانِي من أهل الْقرى وَلم يَتَّسِع فالمصر الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقرْيَة من سوَاده
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا مدْخل لَهُم فِي الدِّيَة إِذا لم يَكُونُوا أقَارِب الْجَانِي
وَاخْتلفُوا فِيمَا تحمله الْعَاقِلَة من الدِّيَة
هَل هُوَ مُقَدّر
أم هُوَ على قدر الطَّاقَة وَالِاجْتِهَاد فَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوى بَين جَمِيعهم
فَيُؤْخَذ من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَرْبَعَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَيْسَ فِيهِ مُؤَقّت وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسب التسهيل وَلَا يضر بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يتَقَدَّر فَيُوضَع على الْغَنِيّ نصف دِينَار وعَلى متوسط الْحَال ربع دِينَار وَلَا ينقص من ذَلِك
وَهل يَسْتَوِي الْفَقِير والغني من الْعَاقِلَة فِي تحمل الدِّيَة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يستويان
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يتَحَمَّل الْغَنِيّ زِيَادَة على الْمُتَوَسّط
وَالْغَائِب من الْعَاقِلَة هَل يحمل شَيْئا من الدِّيات كالحاضر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هما سَوَاء
وَقَالَ مَالك لَا يتَحَمَّل الْغَائِب مَعَ الْحَاضِر شَيْئا إِذا كَانَ الْغَائِب من الْعَاقِلَة فِي إقليم آخر سوى الإقليم الَّذِي فِيهِ بَقِيَّة الْعَاقِلَة
وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِمَّن هُوَ محَارب مَعَهم
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين
وَاخْتلفُوا فِي تَرْتِيب التَّحَمُّل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقَرِيب والبعيد فِيهِ سَوَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تَرْتِيب التَّحَمُّل على تَرْتِيب الْأَقْرَب من الْعَصَبَات
فَإِن استغرقوه لم يقسم على غَيرهم
فَإِن لم يَتَّسِع الْأَقْرَب لتحمله دخل الْأَبْعَد
وَهَكَذَا حَتَّى يدْخل فيهم أبعدهم دَرَجَة على حسب الْمِيرَاث
وَابْتِدَاء حول الْعقل هَل يعْتَبر بِالْمَوْتِ أَو بِحكم(2/214)
الْحَاكِم قَالَ أَبُو حنيفَة اعْتِبَاره من حِين حكم الْحَاكِم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد من حِين الْمَوْت
وَمن مَاتَ من الْعَاقِلَة بعد الْحول هَل يسْقط مَا كَانَ يلْزمه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط وَلَا يُؤْخَذ من تركته
وَأما مَذْهَب مَالك فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يجب فِي مَاله وَيُؤْخَذ من تركته
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه ينْتَقل مَا عَلَيْهِ إِلَى تركته
فصل إِذا مَال حَائِط إِنْسَان
إِلَى طَرِيق أَو إِلَى ملك غَيره ثمَّ وَقع على شخص فَقتله
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَلم يفعل مَعَ التَّمَكُّن
ضمن مَا تلف بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فَلَا يضمن
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيهما إِن تقدم إِلَيْهِ بنقضه فَلم ينْقضه
فَعَلَيهِ الضَّمَان
زَاد مَالك وَأشْهد عَلَيْهِ
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِذا بلغ من شدَّة الْخَوْف إِلَى مَا لَا يُؤمن مَعَه الْإِتْلَاف ضمن مَا تلف بِهِ سَوَاء تقدم أم لَا وَسَوَاء أشهد أم لَا
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى وَهِي الْمَشْهُورَة أَنه لَا يضمن مُطلقًا
ولأصحاب الشَّافِعِي فِي الضَّمَان وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يضمن
فصل وَاتَّفَقُوا على وجوب الْكَفَّارَة
فِي قتل الْخَطَأ إِذا لم يكن الْمَقْتُول ذِمِّيا وَلَا عبدا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ ذِمِّيا أَو عبدا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب الْكَفَّارَة فِي قتل الذِّمِّيّ على الْإِطْلَاق وَفِي قتل العَبْد الْمُسلم على الْمَشْهُور
وَقَالَ مَالك لَا تجب الْكَفَّارَة فِي قتل الذِّمِّيّ
وَهل تجب فِي قتل الْعمد قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا تجب
وَقَالَ الشَّافِعِي تجب
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَلَو قتل الْكَافِر مُسلما خطأ
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَهل تجب الْكَفَّارَة على الصَّبِي وَالْمَجْنُون إِذا قتلا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب
وَاتَّفَقُوا على أَن كَفَّارَة الْخَطَأ عتق رَقَبَة مُؤمنَة
فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين
وَاخْتلفُوا فِي الْإِطْعَام
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا يجزىء الْإِطْعَام فِي ذَلِك
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد أَنه يجزىء
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا إطْعَام
وَهل تجب الْكَفَّارَة على الْقَاتِل بِسَبَب تعديه كحفر الْبِئْر وَنصب السكين وَوضع الْحجر فِي الطَّرِيق قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب مُطلقًا
وَإِن كَانُوا قد أَجمعُوا على وجوب الدِّيَة فِي ذَلِك
انْتهى(2/215)
كتاب الدِّيات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
تجب الدِّيَة بقتل الْمُسلم وَالذِّمِّيّ
وَالْأَصْل فِيهِ من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ الله عليما حكيما} وَقد تقدم بَيَانهَا
وَمن السّنة مَا روى أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل الْيَمين وَفِي النَّفس مائَة من الْإِبِل وَهُوَ إِجْمَاع لَا خلاف فِيهِ
فَإِن كَانَت الدِّيَة فِي الْعمد الْمَحْض أَو فِي شبه الْعمد وَجَبت مائَة مُغَلّظَة
وَهِي ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة والخلفة الْحَامِل
بِدَلِيل مَا روى عبَادَة ابْن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا إِن فِي الدِّيَة الْعُظْمَى مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ دِيَة شبه الْعمد ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَقد علم أَن الخلفة لَا تكون إِلَّا حَامِلا قُلْنَا لَهُ تَأْوِيلَانِ(2/216)
أَحدهمَا أَنه أَرَادَ التَّأْكِيد فِي الْكَلَام
وَذَلِكَ جَائِز
كَقَوْلِه تَعَالَى {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة}
وَالثَّانِي أَن الخلفة اسْم للحامل الَّتِي لم تضع
وَاسم للَّتِي وضعت ويتبعها وَلَدهَا
فَأَرَادَ أَن يُمَيّز بَينهمَا
وَإِن كَانَت الْجِنَايَة خطأ وَلم يكن الْقَتْل فِي الْحرم وَلَا فِي الْأَشْهر الْحرم وَلَا كَانَ الْمَقْتُول ذَا رحم محرم للْقَاتِل فَإِن الدِّيَة تكون مُخَفّفَة أَخْمَاسًا
وَهِي مائَة من الْإِبِل عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
بِدَلِيل مَا روى مُجَاهِد عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بدية الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَإِن كَانَ قتل الْخَطَأ فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم وَهِي رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم أَو كَانَ الْمَقْتُول ذَا رحم محرم للْقَاتِل كَانَت دِيَة الْخَطَأ مُغَلّظَة كدية الْعمد
بِدَلِيل أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم غلظوا فِي دِيَة الْخَطَأ فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة
وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من قتل فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو ذَا رحم محرم
فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَن امْرَأَة وطِئت فِي الطّواف فَمَاتَتْ
فَقضى أَن دِيَتهَا سِتَّة آلَاف دِرْهَم
وألفا دِرْهَم للحرم
وروى ابْن جُبَير أَن رجلا قتل رجلا فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي الشَّهْر الْحَرَام
فَقَالَ ابْن عَبَّاس دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة آلَاف تَغْلِيظًا للشهر الْحَرَام وَأَرْبَعَة آلَاف للبلد الْحَرَام فكملها عشْرين ألفا
وَلَا مُخَالف لَهُم من الصَّحَابَة
وَإِن قتل خطأ فِي حرم الْمَدِينَة
فَهَل تتغلظ الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تغلظ كَمَا تغلظ فِي الْبَلَد الْحَرَام
فَإِنَّهُ كالحرم فِي تَحْرِيم الصَّيْد
فَكَانَ كالحرم فِي تَغْلِيظ دِيَة الْخَطَأ
وَالثَّانِي لَا تغلظ وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ دون الْحرم
بِدَلِيل أَنه يجوز قَصده بِغَيْر إِحْرَام
فَلم يلْحق بِهِ فِي الْحُرْمَة وَلَا فِي تَغْلِيظ الدِّيَة(2/217)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن دِيَة الْمُسلم الْحر الذّكر مائَة من الْإِبِل فِي مَال الْقَاتِل الْعَامِد إِذا عدل إِلَى الدِّيَة
ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْعَمَل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه هِيَ أَربَاع
لكل سنّ من أَسْنَان الْإِبِل مِنْهَا خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَمثلهَا بنت لبون وَمثلهَا حقاق وَمثلهَا جذاع
وَقَالَ الشَّافِعِي تُؤْخَذ مُثَلّثَة ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
أَي حوامل
وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَته الْأُخْرَى
وَأما دِيَة شبه الْعمد فَهِيَ مثل دِيَة الْعمد الْمَحْض عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك
وَأما دِيَة الْخَطَأ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هِيَ مخمسة عشرُون جَذَعَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض
وَبِذَلِك قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا مَكَان ابْن مَخَاض ابْن لبون
فصل وَاخْتلفُوا فِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم
هَل يجوز أَن تُؤْخَذ فِي الدِّيات أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يجوز أَخذهَا فِي الدِّيات مَعَ وجود الْإِبِل
وعنهما رِوَايَتَانِ
وَهل هِيَ أصل بِنَفسِهَا أم الأَصْل الْإِبِل وَالذَّهَب
وَالدَّرَاهِم وَالْفِضَّة بدل عَنْهَا قَالَ مَالك هِيَ أصل بِنَفسِهَا مقدرَة بِالشَّرْعِ
وَلم يَعْتَبِرهَا بِالْإِبِلِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعدل عَن الْإِبِل إِذا وجدت إِلَّا بِالتَّرَاضِي
فَإِن أعوزت فَعَنْهُ قَولَانِ
الْجَدِيد الرَّاجِح أَنه يعدل إِلَى قيمتهَا حِين الْقَبْض زَائِدَة أَو نَاقِصَة وَالْقَدِيم الْمَعْمُول بِهِ ضَرُورَة يعدل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم
وَاخْتلفُوا فِي مبلغ الدِّيَة من الدَّرَاهِم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَاخْتلفُوا فِي الْبَقر وَالْغنم هَل لَهَا أصل فِي الدِّيَة أم تُؤْخَذ على وَجه الْقيمَة قَالَ أَحْمد الْبَقر وَالْغنم أصل مُقَدّر فِيهَا
فَمن الْبَقر مِائَتَا بقرة وَمن الْغنم ألفا شَاة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ أَنَّهَا لَيست بِبَدَل
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل فِي الْحرم أَو قتل وَهُوَ محرم أَو فِي شهر حرَام أَو قتل ذَا رحم محرم هَل تغلظ الدِّيَة فِي ذَلِك(2/218)
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تغلظ الدِّيَة فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ مَالك تغلظ فِي قتل الرجل وَلَده فَقَط
والتغليظ أَن تُؤْخَذ الْإِبِل أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
وَعَن مَالك فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا تغلظ الدِّيَة فيهمَا
وَالْأُخْرَى تغلظ
وَفِي صفة تغليظها عَنهُ رِوَايَتَانِ
أشهرهما أَنه يلْزم من الذَّهَب وَالْوَرق قيمَة الْإِبِل الْمُغَلَّظَة بَالِغَة مَا بلغت
وَقَالَ الشَّافِعِي تغلظ فِي الْحرم وَالْمحرم وَالْأَشْهر الْحرم
وَقيل تغلظ فِي الْإِحْرَام
ولأصحابه وَجْهَان
أظهرهمَا لَا تغلظ
وَلَا تغلظ عِنْده إِلَّا فِي الْإِبِل
وَأما الذَّهَب وَالْوَرق فَلَا يدْخل التَّغْلِيظ فِيهِ
وَصفَة التَّغْلِيظ عِنْده أَن تكون بأسنان الْإِبِل فَقَط
وَقَالَ أَحْمد تغلظ الدِّيَة
وَصفَة التَّغْلِيظ إِن كَانَ الضَّمَان بِالذَّهَب وَالْفِضَّة فبزيادة الْقدر
وَهُوَ ثلث الدِّيَة نصا عَنهُ
وَإِن كَانَ بِالْإِبِلِ فَقِيَاس مذْهبه أَنه كالأثمان
وَأَنَّهَا مُغَلّظَة بِزِيَادَة الْقدر لَا بِالسِّنِّ
وَاخْتلف الشَّافِعِي وَأحمد هَل يتداخل تَغْلِيظ الدِّيَة أم لَا مِثَاله قتل فِي شهر حرَام فِي الْحرم ذَا رحم محرم
فَقَالَ الشَّافِعِي يتداخل وَيكون التَّغْلِيظ فيهمَا وَاحِدًا
وَقَالَ أَحْمد لَا يتداخل بل لكل وَاحِد من ذَلِك ثلث الدِّيَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الجروح قصاص فِي كل مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقصاص
وَأما مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقصاص
وَهُوَ عشرَة الحارصة
وَهِي الَّتِي تشق الْجلد
والدامية وَهِي الَّتِي تخرج الدَّم
والباضعة وَهِي الَّتِي تشق اللَّحْم
والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم
والسمحاق وَهِي الَّتِي يبْقى بَينهَا وَبَين الْعظم قشرة رقيقَة
فَهَذِهِ الجروح الْخَمْسَة لَيْسَ فِيهَا مُقَدّر شَرْعِي بِاتِّفَاق الْأَرْبَعَة إِلَّا مَا روى أَحْمد أَن زيدا رَضِي الله عَنهُ حكم فِي الدامية بِبَعِير
وَفِي الباضعة ببعيرين
وَفِي المتلاحمة بِثَلَاثَة أَبْعِرَة
وَفِي السمحاق بأَرْبعَة أَبْعِرَة قَالَ أَحْمد وَأَنا أذهب إِلَى ذَلِك
فَهَذِهِ رِوَايَة عَنهُ
وَالظَّاهِر من مذْهبه كالجماعة
وَأَجْمعُوا على أَن فِي كل وَاحِدَة من هَذِه الْخَمْسَة حُكُومَة بعد الِانْدِمَال
والحكومة أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجِنَايَة كَأَنَّهُ كَانَ عبدا
فَيُقَال كم قِيمَته قبل الْجِنَايَة وَكم قِيمَته بعْدهَا فَيكون لَهُ بِقدر التَّفَاوُت من دِيَته(2/219)
فصل وَأما الْخَمْسَة الَّتِي فِيهَا مُقَدّر شَرْعِي
فَهِيَ الْمُوَضّحَة
وَهِي الَّتِي توضح عَن الْعظم
فَإِذا كَانَت فِي الْوَجْه فَفِيهَا خمس من الْإِبِل عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِيهَا عشر
وَقَالَ مَالك فِي مُوضحَة الْأنف واللحى الْأَسْفَل حُكُومَة خَاصَّة
وَبَاقِي الْمَوَاضِع من الْوَجْه فِيهَا خمس من الْإِبِل
وَإِن كَانَت فِي الرَّأْس فَهَل هِيَ بِمَنْزِلَة الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هِيَ بمنزلتها
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كالجماعة
وَالثَّانيَِة إِن كَانَت فِي الْوَجْه فَفِيهَا عشر وَإِن كَانَت فِي الرَّأْس فَفِيهَا خمس
وَأَجْمعُوا على أَن فِي الْمُوَضّحَة الْقصاص إِن كَانَ عمدا
الثَّانِيَة الهاشمة
وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم وتكسره
وفيهَا عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد عشر من الْإِبِل وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك فَقيل خمس وحكومة
وَقيل خَمْسَة عشر
وَقَالَ أَشهب فِيهَا عشر كمذهب الْجَمَاعَة
الثَّالِثَة المنقلة
وَهِي الَّتِي توضح وتهشم وتنقل الْعِظَام
وفيهَا خَمْسَة عشر من الْإِبِل بِالْإِجْمَاع
الرَّابِعَة المأمومة
وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
وفيهَا ثلث الدِّيَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
الْخَامِسَة الْجَائِفَة
وَهِي الَّتِي تصل إِلَى الْجوف كبطن وَصدر وثغرة نحر وجنب وخاصرة
وفيهَا ثلث الدِّيَة بِالْإِجْمَاع
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ
وعَلى أَن فِي الْعَينَيْنِ دِيَة كَامِلَة
وَفِي الْأنف إِذا جدع الدِّيَة
وَفِي اللِّسَان الدِّيَة
وَفِي الشفتين الدِّيَة
وَفِي مَجْمُوع الْأَسْنَان وَهِي اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنا الدِّيَة
وَفِي كل سنّ خَمْسَة أَبْعِرَة
وَفِي اللحييين الدِّيَة وَفِي لحي إِن نَبتَت الْأُخْرَى نصفهَا
وَاسْتشْكل وجوب الدِّيَة فِي اللحيين صَاحب التَّتِمَّة من الشَّافِعِيَّة
لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ خبر
وَالْقِيَاس لَا يَقْتَضِيهِ
بل هُوَ كالترقوة والضلع
بل هُوَ من الْعِظَام الدَّاخِلَة
وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَعند مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كالجماعة وَالثَّانيَِة حُكُومَة(2/220)
وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الأجفان الْأَرْبَعَة الدِّيَة فِي كل وَاحِد ربع إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا حُكُومَة
وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْقَائِمَة الَّتِي لَا يبصر بهَا وَالْيَد الشلاء وَالذكر الأشل وَذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس والإصبع الزَّائِدَة وَالسّن السَّوْدَاء
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه فِيهَا حُكُومَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا فِيهَا الدِّيَة
وَالْأُخْرَى كالجماعة
وَاخْتلفُوا فِي الترقوة والضلع والذراع والساعد والزند والفخذ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي ذَلِك حُكُومَة
وَقَالَ أَحْمد فِي الضلع بعير وَفِي الترقوة بعير وَفِي كل وَاحِد من الذِّرَاع والساعد والزند والفخذ بعيران فَفِي الزندين أَرْبَعَة أَبْعِرَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو ضرّ بِهِ فأوضحه فَذهب عقله فَهَل تنْتَقل الْمُوَضّحَة فِي دِيَة الْعقل أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه عَلَيْهِ الدِّيَة لِلْعَقْلِ وَيدخل فِي ذَلِك أرش الْمُوَضّحَة
وَالْقَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَصْحَابه أَن عَلَيْهِ لذهاب الْعقل دِيَة كَامِلَة
وَعَلِيهِ أرش الْمُوَضّحَة
وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأحمد
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قلع سنّ من قد ثغر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان
وَقَالَ مَالك بِوُجُوبِهِ وبعدم سُقُوطه بعودها
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أصَحهمَا الْوُجُوب وَعدم السُّقُوط
وَلَو ضرب سنّ رجل فاسودت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه يجب أرش سنّ خمس من الْإِبِل
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى ثلث دِيَة السن
وَزَاد مَالك على ذَلِك فَقَالَ إِن وَقعت السن السَّوْدَاء بعد ذَلِك لزمَه دِيَة أُخْرَى وَقَالَ فِي ذَلِك حُكُومَة فَقَط
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطع لِسَان صبي لم يبلغ حد النُّطْق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ حُكُومَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِيهِ دِيَة كَامِلَة
وَلَو قلع عين أَعور
فَقَالَ مَالك وَأحمد يلْزمه دِيَة كَامِلَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يجب الْقصاص
فَإِن عَفا فَنصف دِيَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ الْقصاص
وَهل لَهُ دِيَة كَامِلَة أَو نصفهَا عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَحْمد لَا قصاص بل دِيَة كَامِلَة
وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة فِي كل وَاحِدَة نصفهَا بِالْإِجْمَاع
وَكَذَا الْأَمر فِي الرجلَيْن
وَأَجْمعُوا على أَن فِي اللِّسَان الدِّيَة
وَأَن فِي الذّكر الدِّيَة وَأَن فِي ذهَاب الْعقل دِيَة وَفِي ذهَاب السّمع دِيَة(2/221)
وَإِذا ضرب رجل رجلا فَذهب شعر لحيته فَلم ينْبت أَو ذهب شعر رَأسه أَو شعر حَاجِبه أَو أهداب عَيْنَيْهِ فَلم تعد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي ذَلِك الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِيهِ حُكُومَة
وَأَجْمعُوا على أَن دِيَة الْمَرْأَة الْحرَّة الْمسلمَة فِي نَفسهَا على النّصْف من دِيَة الرجل الْحر الْمُسلم
ثمَّ اخْتلفُوا هَل تساويه فِي الْجراح أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد لَا تساويه فِي شَيْء من الْجراح بل جراحها على النّصْف من جراحه فِي الْقَلِيل وَالْكثير
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه تساويه فِي الْجراح فِيمَا دون ثلث الدِّيَة
فَإِذا بلغت الثُّلُث كَانَت دِيَة جراحها على النّصْف من دِيَة الرجل
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي أظهر روايتيه واختارها الْخرقِيّ تساويه إِلَى ثلث الدِّيَة
فَإِذا زَادَت على الثُّلُث فَهِيَ على النّصْف
وَلَو وطىء زَوجته وَلَيْسَ مثلهَا يُوطأ فأفضاها
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ الدِّيَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
أشهرهما فِيهِ حُكُومَة
وَالْأُخْرَى دِيَة
وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْكِتَابِيّ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة دِيَته كدية الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ من غير فرق
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَو الْيَهُودِيّ عهد وَقَتله مُسلم عمدا فديته كدية الْمُسلم
وَإِن قَتله خطأ فروايتان
إِحْدَاهمَا نصف دِيَة الْمُسلم
واختارها الْخرقِيّ
وَالثَّانِي دِيَة مُسلم
فصل والمجوسي دِيَته
عِنْد أبي حنيفَة كدية الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ من غير فرق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ دِيَة الْمَجُوسِيّ فِي الْخَطَأ ثَمَانمِائَة دِرْهَم
وَفِي الْعمد ألف وسِتمِائَة
وَاخْتلفُوا فِي ديات الكتابيات والمجوسيات
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ دياتهن على النّصْف من ديات رِجَالهنَّ
لَا فرق بَين الْخَطَأ والعمد
وَقَالَ أَحْمد على النّصْف فِي الْخَطَأ وَفِي الْعمد كَالرّجلِ مِنْهُم سَوَاء
فصل وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة
فَتَارَة تكون خطأ
وَتارَة تكون عمدا
فَإِن كَانَت خطأ فقد اخْتلف الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى فِي ذَلِك
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه الْمولى بِالْخِيَارِ بَين الْفِدَاء
وَبَين(2/222)
دفع العَبْد إِلَى ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَيملكهُ بذلك
سَوَاء زَادَت قِيمَته على أرش الْجِنَايَة أَو نقصت
فَإِن امْتنع ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ من قبُوله وطالب الْمولى بِبيعِهِ وَدفع الْقيمَة فِي الْأَرْش لم يجْبر الْمولى على ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمولى بِالْخِيَارِ بَين الْفِدَاء وَبَين الدّفع إِلَى الْوَلِيّ للْبيع
فَإِن فضل من ثمنه شَيْء فَهُوَ لسَيِّده
فَإِن امْتنع الْوَلِيّ من قبُوله وطالب الْمولى بِبيعِهِ وَدفع الثّمن إِلَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِك
وَإِن كَانَت الْجِنَايَة عمدا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر روايتيه ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَبَين الْعَفو على مَال
وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو على رَقَبَة العَبْد أَو استرقاقه
وَلَا يملكهُ بِالْجِنَايَةِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يملكهُ الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ
فَإِن شَاءَ قَتله
وَإِن شَاءَ استرقه وَإِن شَاءَ أعْتقهُ
وَيكون فِي جَمِيع ذَلِك متصرفا فِي ملكه
إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن تكون الْجِنَايَة قد ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ لَا بالاعتراف
وَهل يضمن العَبْد بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يبلغ بِهِ دِيَة الْحر بل ينقص عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه يضمن بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت
وَالْحر إِذا قتل عبدا خطأ
قَالَ أَبُو حنيفَة قِيمَته على عاقله الْجَانِي
وَقَالَ مَالك وَأحمد قِيمَته على الْجَانِي دون عَاقِلَته
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي على عَاقِلَة الْجَانِي
وَاخْتلفُوا فِي الْجِنَايَة على أَطْرَاف العَبْد
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد كل ذَلِك فِي مَال الْجَانِي لَا على عَاقِلَته
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
والجنايات الَّتِي لَهَا أروش مقدرَة فِي حق الْحر كَيفَ الحكم فِي مثلهَا فِي العَبْد قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه كل جِنَايَة لَهَا أرش مُقَدّر فِي الْحر من الدِّيَة فَإِنَّهَا مقدرَة من العَبْد بذلك الْأَرْش من قِيمَته
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يضمن مَا نقص من قِيمَته
وَزَاد مَالك فَقَالَ إِلَّا فِي المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة
فَإِن مذْهبه فِيهَا كمذهب الْجَمَاعَة
فصل وَإِذا اصطدم الفارسان
الحران فماتا
قَالَ مَالك وَأحمد على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الآخر كَامِلَة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة
فَقَالَ الدَّامغَانِي فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالْأُخْرَى على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة الآخر
وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ وَفِي تَرِكَة كل وَاحِد نصف قيمَة دَابَّة الآخر
وَله(2/223)
قَول آخر أَن هلاكهما وهلاك الدابتين يكون هدرا
لِأَنَّهُ لَا صنع لَهما فِيهِ
كالآفة السماوية
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
بَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْقسَامَة
ومدعي الدَّم يَنْبَغِي أَن يعين من يَدعِي عَلَيْهِ من وَاحِد أَو جمَاعَة
وَالْقَتْل فِي مَحل اللوث يَقْتَضِي الْقسَامَة
واللوث قرينَة حَال توقع فِي الْقلب صدق الْمُدَّعِي مثل أَن يُوجد قَتِيل فِي قَبيلَة أَو قَرْيَة صَغِيرَة بَين الْمَقْتُول وَبَين أَهلهَا عَدَاوَة ظَاهِرَة
فَهُوَ لوث فِي حَقهم
وَكَذَا لَو تفرق جمَاعَة عَن قَتِيل فِي دَار أَو مَسْجِد أَو بُسْتَان أَو ازْدحم قوم على بِئْر ثمَّ تفَرقُوا عَن قَتِيل
وَمعنى الْقسَامَة أَن يحلف الْمُدَّعِي على الْقَتْل الَّذِي يَدعِيهِ خمسين يَمِينا
وَكَيْفِيَّة الْيَمين كَمَا فِي سَائِر الدَّعَاوَى
وَإِذا مَاتَ قَامَ وَارثه مقَامه
ويستأنف الْوَارِث
وَإِن كَانُوا جمَاعَة وزعت الْخمسين عَلَيْهِم على قدر مواريثهم وَيجْبر الْكسر فِي الْيَمين
وَإِذا أقسم الْمُدَّعِي على قتل الْخَطَأ أَو شبه الْعمد أَخذ الدِّيَة من الْعَاقِلَة
وَإِن حلف على الْعمد فيقتص من الْمقسم عَلَيْهِ
وَإِذا حلف على ثَلَاثَة أَخذ من كل مِنْهُم ثلث الدِّيَة
وَإِن كَانَ وَاحِد مِنْهُم حَاضرا والآخران غائبين حلف على الْحَاضِر خمسين يَمِينا وَأخذ مِنْهُ ثلث الدِّيَة
فَإِذا حضر الْآخرَانِ حلف عَلَيْهِمَا خمسين يَمِينا وَأخذ مِنْهُمَا الثُّلثَيْنِ على خلاف فِيهِ
وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن سهل السَّرخسِيّ رَحمَه الله من أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي الْمَبْسُوط إِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي محلّة قوم فَعَلَيْهِم أَن يقسم مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
قَالَ بلغنَا هَذَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِيه أَحَادِيث مَشْهُورَة
مِنْهَا حَدِيث سهل ابْن أبي حثْمَة بن عبد الله وَعبد الرَّحْمَن بن سهل وحويصة ومحيصة وَهُوَ أَنهم خَرجُوا فِي التِّجَارَة إِلَى خَيْبَر وَتَفَرَّقُوا(2/224)
لحوائجهم
فوجدوا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قلب خَيْبَر
فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخبروه
فَقَامَ عبد الرَّحْمَن وَهُوَ أَخُو الْقَتِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكبر الْكبر
فَتكلم أحد عميه حويصة أَو محيصة
وَهُوَ الْأَكْبَر مِنْهُمَا
وَأخْبر بذلك فَقَالَ وَمن قَتله فَقَالُوا من يقْتله سوى الْيَهُود قَالَ يبرئكم الْيَهُود بأيمان خمسين مِنْهُم
قَالُوا لَا نرضى بأيمان قوم كفار لَا يبالون مَا حلفوا عَلَيْهِ
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم فَقَالُوا كَيفَ نحلف على أَمر لم يعاين وَلم يُشَاهد قَالَ فألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود الدِّيَة والقسامة
وَذكر الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل خَيْبَر إِن هَذَا قَتِيل قد وجد بَين أظْهركُم
فَمَا الَّذِي يُخرجهُ عَلَيْكُم فَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِن مثل هَذِه الْحَادِثَة وَقعت فِي بني إِسْرَائِيل
فَأنْزل الله على مُوسَى أمرا
فَإِن كنت نَبيا فاسأل الله مثل ذَلِك
فَكتب إِلَيْهِم إِن الله تَعَالَى أَرَانِي أَن أخْتَار مِنْكُم خمسين رجلا
فَيحلفُونَ بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
فَقَالُوا قد قضيت فِينَا بالناموس يَعْنِي بِالْوَحْي
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْقسَامَة مَشْرُوعَة فِي الْقَتْل إِذا وجد قَتِيل وَلم يعلم قَائِله
وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الْمُوجب للقسامة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمُوجب للقسامة وجود الْقَتِيل فِي مَوضِع هُوَ حفظ قوم أَو حمايتهم كالمحلة وَالدَّار وَمَسْجِد الْمحلة والقرية
فَإِنَّهُ يُوجب الْقسَامَة على أَهلهَا
لَكِن الْقَتِيل الَّذِي يشرع فِيهِ الْقسَامَة اسْم لمَيت بِهِ أثر من جِرَاحَة أَو ضرب أَو خنق
وَلَو كَانَ الدَّم يخرج من أَنفه وَدبره فَلَيْسَ بقتيل
وَلَو خرج من أُذُنه وعينه فَهُوَ قَتِيل فِيهِ الْقسَامَة
وَقَالَ مَالك السَّبَب الْمُعْتَبر فِي الْقسَامَة أَن يَقُول الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان عمدا(2/225)
وَيكون الْمَقْتُول بَالغا مُسلما حرا سَوَاء كَانَ فَاسِقًا أَو عدلا ذكرا أَو أُنْثَى
أَو يقوم لأولياء الْمَقْتُول شَاهد وَاحِد
وَاخْتلف أَصْحَابه فِي اشْتِرَاط عَدَالَة الشَّاهِد وذكوريته
فشرطها ابْن الْقَاسِم
وَاكْتفى أَشهب بالفاسق وَالْمَرْأَة
وَمن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للقسامة عِنْد مَالك من غير خلاف عَنهُ أَن يُوجد الْمَقْتُول فِي مَكَان خَال من النَّاس
وعَلى رَأسه رجل مَعَه سلَاح مخضب بِالدَّمِ
وَقَالَ السَّبَب الْمُوجب للقسامة اللوث
وَهُوَ عِنْده قرينَة لصدق الْمُدَّعِي بِأَن يرى قَتِيل فِي مَحَله أَو قَرْيَة صَغِيرَة وَبَينه وَبينهمْ عَدَاوَة ظَاهِرَة أَو تفرق جمع عَن قَتِيل وَإِن لم يكن بَينهم وَبَينه عَدَاوَة
وَشَهَادَة الْعدْل عِنْده لوث
وَكَذَا عبيد وَنسَاء وصبيان
وَكَذَا فسقة وكفار على الرَّاجِح من مذْهبه لَا امْرَأَة وَاحِدَة
وَمن أَقسَام اللوث عِنْده لهج أَلْسِنَة الْعَام وَالْخَاص بِأَن فلَانا قتل فلَانا
وَمن اللوث وجود الرجل مُلَطَّخًا بالدماء بِيَدِهِ سلَاح عِنْد الْقَتِيل
وَمِنْه يزدحم النَّاس بِموضع أَو فِي بَاب فيوجد بَينهم قَتِيل
قَالَ أَحْمد لَا يحكم بالقسامة إِلَّا أَن يكون بَين الْمَقْتُول وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ لوث
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي اللوث
فَروِيَ عَنهُ أَنه الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة والعصبية خَاصَّة كَمَا بَين الْقَبَائِل من الْمُطَالبَة بالدماء
وكما بَين أهل الْبَغي وَأهل الْعدْل
وَهَذَا قَول عَامَّة أَصْحَابه
وَأما دَعْوَى الْمَقْتُول أَن فلَانا قتلني فَلَا يكون لوثا إِلَّا عِنْد مَالك
فصل وَإِذا وجد الْمُقْتَضِي للقسامة
عِنْد كل وَاحِد من الْأَئِمَّة حلف المدعون على قَاتله خمسين يَمِينا واستحقوا دَمه إِذا كَانَ الْقَتْل عمدا عِنْد مَالك وَأحمد
وعَلى الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد يسْتَحق دِيَة مُغَلّظَة
وَاخْتلفُوا هَل يبْدَأ بأيمان المدعين فِي الْقسَامَة أم بأيمان الْمُدعى عَلَيْهِم قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بأيمان المدعين
فَإِن نكل المدعون وَلَا بَيِّنَة حلف الْمُدعى عَلَيْهِ خمسين يَمِينا وبرىء
وَقَالَ مَالك يبْدَأ بأيمان المدعين
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي الحكم إِن نكلوا
فَفِي رِوَايَة يبطل الدَّم وَلَا قسَامَة
وَفِي رِوَايَة يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِن كَانَ رجلا بِعَيْنِه حلف وبرىء
وَإِن نكل لَزِمته الدِّيَة فِي مَاله وَلَا يلْزم الْعَاقِلَة مِنْهَا شَيْء
لِأَن النّكُول عِنْده كالاعتراف والعاقلة لَا تحمل(2/226)
الِاعْتِرَاف
وَفِي رِوَايَة تحمل الْعَاقِلَة قلت أَو كثرت
فَمن حلف مِنْهُم برىء وَمن تخلف فَعَلَيهِ بِقسْطِهِ من الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تشرع الْيَمين فِي الْقسَامَة إِلَّا على الْمُدعى عَلَيْهِم المعينون
فَإِذا لم يعين المدعون شخصا بِعَيْنِه يدعونَ عَلَيْهِ
فَيحلف من الْمُدعى عَلَيْهِم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا مِمَّن يختارهم المدعون
فَيحلفُونَ بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
فَإِن لم يَكُونُوا خمسين كررت الْيَمين
فَإِن تَكَلَّمت الْأَيْمَان وَجَبت الدِّيَة على عَاقِلَة أهل الْمحلة
وَإِن عين المدعون قَاتلا فَلَا قسَامَة
وَيكون تعيينهم الْقَاتِل تبرئة لباقي أهل الْمحلة
وَيلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين بِاللَّه عز وَجل أَنه مَا قتل وَيتْرك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْأَوْلِيَاء جمَاعَة
فَقَالَ مَالك وَأحمد تقسم الْأَيْمَان بَينهم بِالْحِسَابِ
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تكَرر الْأَيْمَان عَلَيْهِم بالإدارة بعد أَن يبْدَأ أحدهم بِالْقُرْعَةِ
وَاخْتلفُوا هَل تثبت الْقسَامَة فِي العبيد فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تثبت وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا تثبت
وَهل تسمع أَيْمَان النِّسَاء فِي الْقسَامَة قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا تسمع مُطلقًا لَا فِي عمد وَلَا فِي خطأ
وَقَالَ الشَّافِعِي تسمع مُطلقًا فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَهن فِي الْقسَامَة كَالرّجلِ
وَقَالَ مَالك تسمع أيمانهن فِي الْخَطَأ دون الْعمد
انْتهى
فَالْحَاصِل من تَقْرِير أَحْكَام هَذِه الْجِنَايَات فَوَائِد مِنْهَا مَا حكى عَن صدر الدّين الخابوري
قَالَ سَمِعت القَاضِي شرف الدّين الْبَارِزِيّ بحماه يَقُول لَو وَقع شخص على شخص
فَإِن اسْتمرّ عَلَيْهِ مَاتَ وَإِن انْتقل إِلَى غَيره أَي انْقَلب عَلَيْهِ مَاتَ
فَمَاذَا يفعل الْجَواب الِاسْتِمْرَار على من وَقع عَلَيْهِ
لِأَن انقلابه إِحْدَاث فعل من جِهَته وَلَا يجوز لَهُ إِحْدَاث فعل
وَمِنْهَا لَو وَقع رجل على طِفْل بَين أَطْفَال إِن أَقَامَ على أحدهم قَتله
وَإِن انْتقل إِلَى آخر قَتله
وَكَانَ أحدهم كَافِرًا
قَالَ ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِده الْأَظْهر عِنْدِي أَنه يلْزمه الِانْتِقَال إِلَيْهِ لِأَن قَتله أخف مفْسدَة من قتل الطِّفْل الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ
ولأنا نجوز قتل أَوْلَاد الْكفَّار عِنْد التترس بهم بِحَيْثُ لَا يجوز ذَلِك فِي أَطْفَال الْمُسلمين(2/227)
وَمِنْهَا لَو وَقع فِي نَار لَا ينجو مِنْهَا
وَأمكنهُ أَن يلقِي نَفسه فِي مَاء يغرق
فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الصَّبْر على ألم النَّار على الْأَصَح بِشَرْط أَن تستوي مُدَّة الْحَيَاة فِي الإغراق والإحراق
ذكره أَيْضا فِي الْقَوَاعِد
وَمِنْهَا الْكَافِر لَا يقْتَصّ مِنْهُ إِذا أسلم لمن قَتله من الْمُسلمين وَلَا يغرمون مَا أتلفوه على الْمُسلمين من الْأَمْوَال
لأَنا لَو ألزمناهم لتقاعدوا عَن الْإِسْلَام
وَمِنْهَا أَن كل عُضْو زوج من أَعْضَاء بني آدم فَهُوَ مؤنث إِلَّا الحاجبين والثديين
وكل عُضْو فَرد من أعضائهم يذكر إِلَّا الكبد وَالطحَال
وَمِنْهَا الخصيان بِغَيْر تَاء هَذَا هُوَ الْمَشْهُور
وَنقل الْجَوْهَرِي وَغَيره عَن أبي عَمْرو قَالَ الخصيان البيضتان والخصيان بِحَذْف التَّاء الجلدتان اللَّتَان فيهمَا البيضتان
قَالَ الْجَوْهَرِي وَيُقَال خصية بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وَالْمَشْهُور الضَّم
وَمِنْهَا الحدقة هِيَ السوَاد الْأَعْظَم الَّذِي فِي الْعين
وَأما الْأَصْغَر فَهُوَ النَّاظر
وَفِيه إِنْسَان الْعين
والمقلة شحمة الْعين الَّتِي تجمع السوَاد وَالْبَيَاض
ذكره ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب
وَجمع الحدقة أحداق
وَقيل حداق
وَيُقَال حدق
وَمِنْهَا أَن جمع رَجَب رجبات وأرجاب ورجاب ورجوب
وَفِي اشتقاقه أَقْوَال
أَحدهَا لتعظيمهم إِيَّاه
يُقَال رجبته بِالتَّشْدِيدِ ورجبته بِكَسْر الْجِيم وَالتَّخْفِيف وَإِذا عظمه
قَالَ النّحاس وَقَالَ الْمبرد سمي رجبا لِأَنَّهُ فِي وسط السّنة
مُشْتَقّ من الرواجب
وَقيل لترك الْقِتَال فِيهِ من الرجب
وَهُوَ الْقطع وَقَالَ الْجَوْهَرِي إِنَّمَا قيل رَجَب مُضر لأَنهم كَانُوا أَشد تَعْظِيمًا لَهُ
قَالَ وَإِذا ضمُّوا إِلَيْهِ شعْبَان قَالُوا الرجبان
وَيُقَال لرجب الْأَصَم لأَنهم يتركون الْقِتَال فِيهِ
فَلَا يسمع فِيهِ صَوت سلَاح وَلَا استغاثة
وَهُوَ اسْتِعَارَة
وَتَقْدِيره يصم النَّاس فِيهِ كَمَا قَالُوا ليل نَائِم أَي نيام فِيهِ
ذكره صَاحب تَحْرِير التَّنْبِيه
وَمِنْهَا مَا إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة
فَقَالَ رجل أَنا تَعَمّدت قتل هَذَا الْقَتِيل وَلم يشركني فِيهِ أحد
وَقَالَ آخر مثله
فَسئلَ ولي الْمَقْتُول عَن ذَلِك فَإِن صدقهما سقط حَقه من الْقود وَالدية
لِأَن فِي تَصْدِيق كل وَاحِد مِنْهُمَا تَكْذِيبًا للْآخر
وَإِن صدق أَحدهمَا ثَبت حَقه إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَأخذ الدِّيَة
وَمِنْهَا الِاصْطِلَاح فِي لُغَة الْعَرَب جبهة الْأَمِير جماعته
والعرقوب الطَّرِيق فِي الْجَبَل
والثنية الطَّرِيق بَين جبلين
وَالرجل الْقطعَة من الْجَرَاد
وَالْعين عين الْبِئْر
وفلا راس الرجل إِذا ضربه بِالسَّيْفِ
والدهن الضَّرْب بالعصا
والبلبل الرجل(2/228)
الْخَفِيف اللَّحْم
وقطاة الْمَرْأَة مَا بَين الْوَرِكَيْنِ
والخسيس الْجَنِين الْملقى مَيتا
المصطلح وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة قتل الْعمد وَبَيَانه وَمَا يجب فِيهِ من دِيَة الْعمد حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه عمد إِلَى وَالِد الْحَاضِر الثَّانِي فلَان الْمَذْكُور أَو إِلَى وَلَده لصلبه فلَان أَو إِلَى أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان المنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِيهِ وَإِن كَانَ للْمَيت وَرَثَة جمَاعَة عينهم وَحصر كل وَاحِد بِحِصَّتِهِ على حكم الْمِيرَاث وضربه بِسيف أَو سكين أَو شفرة أَو حَدِيدَة أَو بمثقل خَشَبَة أَو فسطاط أَو حجر كَبِير قَاصِدا مُتَعَمدا قَتله
فَمَاتَ من ذَلِك
واتفقا على أَن يَأْخُذ ولي الدَّم مِنْهُ الدِّيَة
وَيَعْفُو عَن الْقصاص
فَدفع إِلَيْهِ دِيَة الْعمد الْوَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا
فَإِن اتفقَا على أَخذهَا على مَذْهَب أبي حنيفَة
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَهِيَ أَربَاع خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة
وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَإِن اتفقَا على أَخذهَا على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد
فَهِيَ من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وَسلم هَذِه الدِّيَة من مَاله إِلَى ولي الْمَقْتُول أَو إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
فتسلموها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا صَحِيحا غير مراض وَلَا معيبات
وَإِن كَانَ الْأَخْذ على مَذْهَب أبي حنيفَة فيكتبها مقسطة فِي ثَلَاث سِنِين من أَرْبَعَة أَسْنَان
وَأقر الْوَلِيّ الْمَذْكُور أَو الْأَوْلِيَاء المذكورون أَنه عَفا أَو أَنهم عفوا عَن الْقصاص
وَرَجَعُوا إِلَى الدِّيَة الشَّرْعِيَّة
وَرَضوا بهَا عفوا شَرْعِيًّا ورضا مُعْتَبرا مرضيا
وَإِن كَانَ الْمَكْتُوب على مَذْهَب الشَّافِعِي فَيَقُول ورضى الْقَاتِل بالعدول من الْقصاص إِلَى الدِّيَة
وَقد سبق فِي كتاب الْإِقْرَار صُورَة قبض الدِّيَة وَالْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق وَالْإِبْرَاء بِسَبَب ذَلِك
وَإِن عَفا الْوَلِيّ عَن الْقصاص مجَّانا كتب صُورَة الْعَفو مُجَرّدَة
وَلَا يتَعَرَّض لذكر شَيْء مِمَّا تقدم من أَسْنَان الْإِبِل ثمَّ يعقب الْإِشْهَاد بِالْعَفو بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق وإبراء شَامِل
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/229)
وَصُورَة مَا إِذا أَبى الْوَلِيّ وَلم يرض إِلَّا بِالْقصاصِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي أَو الْمَالِكِي فلَان وأحضر مَعَه فلَان
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قتل وَلَده لصلبه فلَانا عمدا مَحْضا ظلما وعدوانا
وَأَنه ضربه بِسيف أَو بمحدد أَو بمثقل وَيذكر صفة المحدد أَو المثقل ضَرْبَة أَو ضربتين أَو أَكثر
فَمَاتَ مِنْهُ أَو فأزهق روحه وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار أَو قَالَ لم أفعل ذَلِك أَو يثبت مَا يَدعِيهِ أَو يثبت مَا ادّعى بِهِ فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك
فأحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان وشهدوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ إِمَّا على إِقْرَاره بذلك أَو بِالْمُشَاهَدَةِ للْفِعْل وَأَنه عمد إِلَى فلَان ولد الْمُدَّعِي الْمَذْكُور لصلبه وضربه بالشَّيْء الْفُلَانِيّ إِمَّا المحدد أَو المثقل الَّذِي يقتل مثله غَالِبا ضَرْبَة أَو ضربتين أَو أَكثر فَمَاتَ
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَقبل شَهَادَتهم بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا أَو بعد التَّزْكِيَة الشَّرْعِيَّة وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْقَاتِل بِالْقصاصِ عملا بمذهبه ومعتقده
فأعذر إِلَى الْقَاتِل
فَلم يَأْتِ بدافع شَرْعِي واعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت اعترافه بذلك لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ نظر الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره وَنَظره واستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بِالْقصاصِ إِذْ لَا يجوز للْوَلِيّ الْعَفو عَن الْقصاص عِنْده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده مسؤولا فِي ذَلِك مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وللولي اسْتِيفَاء الْقصاص بِنَفسِهِ بِأَمْر السُّلْطَان أَو نَائِبه بِأَمْر السُّلْطَان
وَإِلَّا فَمَتَى وثب بِنَفسِهِ كَانَ ذَلِك افتئاتا على السُّلْطَان
وَالصُّورَة فِي قتل الْعمد عِنْد أبي حنيفَة بالمحدد وَحده
وَعند البَاقِينَ بالمحدد والمثقل
صُورَة شبه الْعمد وديته حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه ضرب ولد الْحَاضِر الثَّانِي لصلبه فلَان بِسَوْط أَو عصى حَتَّى مَاتَ من ذَلِك الضَّرْب أَو غرز(2/230)
فِي مَقْتَله إبرة أَو غرز فِي دماغه أَو حلقه إبرة فتورم وَمَات مِنْهُ أَو مَاتَ فِي الْحَال وَصدق على أَن هَذَا الْفِعْل قتل شبه الْعمد وَأَنه يَقْتَضِي الْقصاص
وَسَأَلَ الْوَلِيّ أَن يعْفُو عَن الْقصاص ويعدل إِلَى الدِّيَة على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
فَأَجَابَهُ الْوَلِيّ إِلَى ذَلِك إِذْ الْعُدُول عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة من رضى الْجَانِي
وَهِي عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد مثل دِيَة الْعمد الْمَحْض من أَرْبَعَة أَسْنَان خمس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَهِي على مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة
وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَرضِي مِنْهُ بذلك وأجابه إِلَيْهِ
وتسلم مِنْهُ الدِّيَة الْمَذْكُورَة من أَرْبَعَة أَسْنَان أَو من ثَلَاثَة أَسْنَان على مَا يتفقان عَلَيْهِ تسلما شَرْعِيًّا تَاما كَامِلا وافيا
وَيكْتب بَينهمَا بَرَاءَة على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن تَرَاضيا على الْإِبِل بِالدَّرَاهِمِ
فَعِنْدَ الشَّافِعِي يُعْطي قيمَة الْإِبِل بَالِغَة مَا بلغت
وَلَا يعدل عَن الْإِبِل إِذا وجدت إِلَّا بِالتَّرَاضِي
وَإِن أعوزت الْإِبِل فَقَوْلَانِ للشَّافِعِيّ الْقَدِيم أَنه يعدل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم
والجديد تجب الْقيمَة حِين الْقَبْض
وَعند أبي حنيفَة وَأحمد الدِّيَة مقدرَة بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم
وَيجوز أَخذهَا مَعَ وجود الْإِبِل
وَعند مَالك أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أصل بِنَفسِهَا مقدرَة فِي الذِّمَّة وَلم يعْتَبر الدِّيَة بِالْإِبِلِ
ومبلغها من الدَّرَاهِم عِنْد أبي حنيفَة عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَعند البَاقِينَ اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي ذَلِك مُبينًا
وَفِي الْبَقر وَالْغنم وَالْحلَل
وَهل هِيَ أصل فِي الدِّيَة أم تُؤْخَذ على وَجه الْقيمَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ لشَيْء من ذَلِك أصل فِي الدِّيَة وَلَا هُوَ مُقَدّر
وَإِنَّمَا يرجع إِلَيْهِ بِالتَّرَاضِي على وَجه الْقيمَة
وَقَالَ أَحْمد الْبَقر وَالْغنم أصلان مقدران فِي الدِّيَة
فَمن الْبَقر مِائَتَا بقرة
وَمن الْغنم ألفا شَاة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي الْحلَل
فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا مقدرَة بِمِائَتي حلَّة
كل حلَّة إِزَار ورداء
وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا لَيست بِبَدَل
فَإِذا اتّفق الخصمان على شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء نزل الْكَاتِب الصُّورَة على أوضاعها الشَّرْعِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهَا الْمُوَافقَة لأحد هَذِه الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مَعَ مُرَاعَاة الْإِيضَاح
وَصُورَة وجوب الْقصاص على من حبس آخر حَتَّى مَاتَ جوعا حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول حبس ولد الْحَاضِر الثَّانِي فلَان الرجل الْكَامِل وَمنعه من الْخُرُوج وَمن الطَّعَام وَالشرَاب
وَمن طلبهما مُدَّة يَمُوت مثله فِيهَا غَالِبا(2/231)
من الْجُوع والعطش وَأَنه مَاتَ فِي حَبسه من الْجُوع والعطش
وَأَنه علم أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ بذلك الْقصاص
وَسَأَلَ الْحَاضِر الثَّانِي ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور الْعَفو عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَرَضي مِنْهُ بِالدِّيَةِ وَعَفا عَن الْقصاص
فَسَأَلَهُ ثَانِيًا أَن يقبض الدِّيَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك
وَرَضي بِقَبض الدِّيَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَأَن الْحَاضِر الأول دفع إِلَى الْحَاضِر الثَّانِي مَا مبلغه اثْنَا عشر ألف دِرْهَم أَو مَا مبلغه ألف دِينَار وَارثه
فَقبض ذَلِك مِنْهُ بِحَضْرَة شُهُوده وَإِن قبضهَا على مَذْهَب أبي حنيفَة
فَتكون عشرَة آلَاف دِرْهَم قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وَهُوَ مبلغ الدِّيَة الَّتِي عَفا عَلَيْهَا الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَيكْتب بَرَاءَة شَامِلَة بَينهمَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن لم يرض الْوَلِيّ إِلَّا بِالْإِبِلِ
فَالْوَاجِب دِيَة الْعمد
وَإِن اتفقَا على الْبَقر فمائتا بقرة
أَو على الْغنم فألفا شَاة
وَحَيْثُ وَجب الْقصاص وتراضيا على الدِّيَة
وَجب دِيَة الْعمد
وَصُورَة وجوب الْقصاص على الْمُكْره والعدول مِنْهُ إِلَى الدِّيَة حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه أكره فلَانا بِالْيَدِ العادية وَالْقُوَّة الْغَالِبَة حَتَّى قتل فلَانا ولد الْحَاضِر الثَّانِي وأزهق روحه بِسيف أَو بمثقل
فَمَاتَ مِنْهُ وَسَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى الدِّيَة
وَهِي اثْنَا عشر ألف دِرْهَم
فَأجَاب إِلَى ذَلِك وَرَضي مِنْهُ بِالدِّيَةِ الْمَذْكُورَة
فَدفع الْمبلغ الْمَذْكُور إِلَيْهِ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَإِن اتفقَا على عشرَة آلَاف دِرْهَم
كتب ذَلِك لموافقة مَذْهَب أبي حنيفَة ثمَّ يكمل بِالْإِبْرَاءِ على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَهَذِه الصُّورَة جَائِزَة عِنْد الثَّلَاثَة إِلَّا مَالِكًا
فَإِن الْإِكْرَاه لَا يَتَأَتَّى عِنْده إِلَّا من سُلْطَان أَو متغلب أَو سيد مَعَ عَبده
فَإِذا أكره السَّيِّد عَبده على قتل آخر فَقتله
فَهَذِهِ الصُّورَة تصح عِنْد مَالك
فالجناية على السَّيِّد وعَلى عَبده
فَإِنَّهَا عِنْده على الْمُكْره وَالْمكْره جَمِيعًا
هَذَا إِذا كَانَ العَبْد يعرف لِسَان سَيّده فَإِن كَانَ السَّيِّد عَرَبيا وَالْعَبْد أعجميا
فَلَا يجب عِنْده على العَبْد شَيْء
وَبِالْعَكْسِ أَيْضا
وَإِن كتب ذَلِك على مَذْهَب مَالك وَأحمد
فَيجب الْقصاص على السَّيِّد وعَلى عَبده إِذا كَانَ العَبْد مستعربا غير أعجمي(2/232)
وَصُورَة الدَّعْوَى بِالْقَتْلِ خطأ وَوُجُوب دِيَة الْخَطَأ على الْعَاقِلَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده لصلبة فلَان العشاري الْعُمر مثلا وضربه بِحجر أَو عَصا ضَرْبَة
فَمَاتَ من ذَلِك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب إِنَّنِي لم أتعمده بِالضَّرْبِ
وَإِنَّمَا كنت قَاصِدا الرَّمْي إِلَى شَجَرَة أَو غَيرهَا
فَوَقَعت الضَّرْبَة فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا
وَكَانَ ذَلِك خطأ مني
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَنه لم يَقْصِدهُ بِالضَّرْبِ مُتَعَمدا قَتله
فبذل الْيَمين وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا أَنه لم يتَعَمَّد ضربه وَإِنَّمَا رمى بِالْحجرِ إِلَى غَيره
فَوَقَعت الضَّرْبَة فِيهِ
فَمَاتَ مِنْهُ
كل ذَلِك من غير قصد مِنْهُ وَلَا تعمد لقَتله
فَقَالَ الْحَاكِم للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة تشهد أَنه قَتله عمدا فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا بَيِّنَة لَهُ
فَقَالَ لَهُ الْحَاكِم الْوَاجِب لَك على عَاقِلَته دِيَة مُخَفّفَة وَهِي مائَة من الْإِبِل مخمسة من خَمْسَة أَسْنَان عشرُون جَذَعَة وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض
أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم بِالتَّرَاضِي
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِالدِّيَةِ على عَاقِلَته على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقد مقلده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم لَهُ بِالدِّيَةِ الْمَذْكُورَة إبِلا أَخْمَاسًا أَو قيمتهَا بَالِغَة مَا بلغت حَال الْقَبْض عِنْد إعواز الْإِبِل مقسطة على عَاقِلَة الْقَاتِل الْمَذْكُور حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور ولي الْمَقْتُول أَن يَأْخُذ الدِّيَة مبلغ اثْنَا عشر ألف دِرْهَم
فَرضِي بذلك وقسطها على الْعَاقِلَة تقسيطا شَرْعِيًّا
وانفصلوا من مجْلِس الحكم الْمشَار إِلَيْهِ على ذَلِك
وَصُورَة دَعْوَى تَتَضَمَّن أَن مُسلما قتل ذِمِّيا
وَوُجُوب دِيَة الذِّمِّيّ عَلَيْهِ وَالْحكم لوَارث الْمَقْتُول بهَا على الْقَاتِل
فَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حَنَفِيّ كَانَت الدِّيَة مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَعدل الْوَلِيّ عَن الْقصاص عِنْده إِلَى الدِّيَة
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد مالكي كَانَت الدِّيَة مثل نصف دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد الشَّافِعِي كَانَت مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حنبلي كَانَت الدِّيَة فِي قتل الذِّمِّيّ الَّذِي لَهُ عهد مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَحده
وَأما فِي الْخَطَأ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا(2/233)
ثلث دِيَة الْمُسلم
وَالْأُخْرَى مثل نصف دِيَة الْمُسلم
وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ
وَصُورَة ذَلِك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي
وأحضر مَعَه فلَان الشريف الْحُسَيْنِي أَو الْمُسلم الْأَصْلِيّ
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده فلَان وضربه بِسيف أَو سكين أَو غير ذَلِك ضَرْبَة أَو أَكثر
فأزهق روحه فَهَذَا قتل الْعمد وَهُوَ فِي مَال الْقَاتِل أَو ضرب بِسَهْم إِلَى غَايَة أَو طير أَو شَجَرَة
فَأَصَابَهُ السهْم
فَمَاتَ مِنْهُ فَهَذَا قتل الْخَطَأ
وَفِيه الدِّيَة على عَاقِلَة الْقَاتِل أَو ضربه بِسَوْط أَو عَصا أَو غرز فِي دماغه إبرة وَمَا أشبه ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَهَذَا شبه عمد وَقد بَينا دِيَة الْعمد ودية الْخَطَأ ودية شبه الْعمد
وَذكرنَا الْخلاف فِي ذَلِك بَين الْعلمَاء فِي الصُّورَة الَّتِي تقدّمت
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية وَلَده على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بِالدِّيَةِ على مَا هِيَ مقدرَة عِنْده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى على رجل قتل عبد غَيره عمدا وَوُجُوب الْقصاص على الْقَاتِل عِنْد أبي حنيفَة خلافًا للباقين
فَإِنَّهُ لَا يقتل عِنْدهم قَاتل العَبْد بِحَال
وَعند أبي حنيفَة إِذا عدل عَن الْقصاص إِلَى الْقيمَة
فَالْوَاجِب قيمَة العَبْد بِحَيْثُ لَا تبلغ الْقيمَة مِقْدَار الدِّيَة بل تنقص عشرَة دَرَاهِم
وَالْوَاجِب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ قيمَة العَبْد بَالِغَة مَا بلغت
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عِنْد أَحْمد أَنه لَا يبلغ بهَا دِيَة الْحر وَلم يقدر بِالنُّقْصَانِ
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ أَنه عمد إِلَى عَبده فلَان بن عبد الله
وضربه بِسيف فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَة أَو فَمَاتَ مِنْهُ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمَذْكُور وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
عرفهم الْحَاكِم وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ خير الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سيد العَبْد بَين الْقصاص وَالْقيمَة فَاخْتَارَ الْقيمَة
وَسَأَلَ الْحَاكِم الحكم لَهُ بهَا على الْقَاتِل(2/234)
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بِقِيمَة العَبْد الْمَذْكُور مَا لم تبلغ دِيَة الْمُسلم
وبالتنقيص عَن مبلغ الدِّيَة عشرَة دَرَاهِم على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة دَعْوَى على جمَاعَة قتلوا وَاحِدًا عمدا وَوُجُوب الْقصاص عَلَيْهِم كلهم عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ خلافًا لِأَحْمَد
فَإِن عِنْده إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا
فَعَلَيْهِم الدِّيَة وَلَا قصاص فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وَإِذا عدل الْوَارِث عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة جَازَ
وَإِن اخْتَار الْوَلِيّ أَن يَأْخُذ الْقصاص من وَاحِد وَيَأْخُذ من البَاقِينَ قسطهم من الدِّيَة جَازَ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا
وَادّعى عَلَيْهِم أَنهم عَمدُوا إِلَى وَلَده لصلبه فلَان وضربوه بِالسُّيُوفِ حَتَّى برد
وَمَات من ذَلِك
وَسَأَلَ سُؤَالهمْ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُمْ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأَجَابُوهُ بالاعتراف أَو بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ
فأحضر جمَاعَة من الْمُسلمين
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى مسموعة شرعا أَن الْمُدعى عَلَيْهِم الْمَذْكُورين عَمدُوا إِلَى فلَان ولد الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وضربوه بسيوفهم حَتَّى مَاتَ مُشَاهدَة مِنْهُم لذَلِك
عرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الشُّهُود الْمَذْكُورين وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ثمَّ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بِالْقصاصِ من القاتلين الْمَذْكُورين لجوازه عِنْده شرعا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم عَلَيْهِم بِالْقصاصِ حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة بعد الْإِعْذَار الشَّرْعِيّ
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من تشخيص القاتلين الْمَذْكُورين وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمَذْكُور الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
وَإِن كَانَ قد طلب الْقصاص من أحدهم وَأخذ من البَاقِينَ قسطهما من الدِّيَة
فَيَقُول فَحِينَئِذٍ طلب ولي الْمَقْتُول أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص من فلَان المبدأ بِذكرِهِ أَعْلَاهُ وَأَن يَأْخُذ من الآخرين مَا وَجب عَلَيْهِمَا من دِيَة الْعمد
وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا على كل وَاحِد مِنْهُمَا الثُّلُث(2/235)
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بذلك
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم على فلَان المبدأ بِذكرِهِ بِالْقصاصِ وعَلى كل وَاحِد من الآخرين بِثلث دِيَة الْعمد حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره وَرَضي ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور أَن يَأْخُذ بَدَلا عَن الْإِبِل ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم
فدفعاها إِلَيْهِ فقبضها مِنْهُمَا قبضا شَرْعِيًّا ويكمل
وَإِن كَانَ الْعمد على مَذْهَب أبي حنيفَة فتقسط الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَإِن حصل الْعَفو عَن الْجَمِيع كتب صُورَة الْعَفو كَمَا تقدم
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حنبلي وَاخْتَارَ الْعَمَل بالرواية الثَّانِيَة فَيُوجب عَلَيْهِم الدِّيَة لَا الْقصاص
صُورَة دَعْوَى على مُسلم قتل مجوسيا عمدا وَوُجُوب دِيَته وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم أَو قتل عَابِد الوثن أَو الشَّمْس أَو الْقَمَر
وَهَؤُلَاء لَيْسَ لَهُم عقد ذمَّة فَلَا دِيَة لَهُم لَكِن لَو دخل أحدهم إِلَى دَار الْإِسْلَام رَسُولا لم يتَعَرَّض إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ
فَإِن قَتله قَاتل فَفِيهِ أخس الدِّيات دِيَة الْمَجُوس وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي فلَان الْمَجُوسِيّ وأحضر مَعَه فلَانا الْمُسلم
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده لصلبه فلَان وضربه بِالسَّيْفِ أَو بمثقل فَمَاتَ مِنْهُ وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك فِي وَجه الْخصم
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وَقبل الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَتهم بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِمَا يجب لَهُ عَلَيْهِ شرعا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤال
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بدية وَلَده الْقَتِيل الْمَذْكُور
وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم وقدرها سِتّ وَثُلُثَانِ من ثَلَاثَة أَسْنَان عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَمن أَرْبَعَة أَسْنَان عِنْد أبي حنيفَة حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من إعذار وتشخيص الْقَاتِل وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن حصل التَّرَاضِي على الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جَازَ
وَقد بَينا فِي هَذِه الصُّور مقادير الدِّيات فِي الْقَتْل على اخْتِلَاف الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى زِيَادَة على مَا ذكرنَا فِي الْخلاف السَّابِق فِي مسَائِل الْبَاب
فصل وَأما صور الْمجَالِس الْحكمِيَّة
المتضمنة الدَّعَاوَى بالشجاج فِي الْوَجْه(2/236)
وَالرَّأْس
وَمَا يجب فِيهِ الْقصاص وَمَا لَا يجب وَمَا يجب فِي جراحات الْوَجْه وَالرَّأْس وَالْبدن من الدِّيات والحكومات
وَمَا يجب فِيهِ الدِّيَة من الْأَطْرَاف والحواس وَمَا يجب الضَّمَان بِفِعْلِهِ
وَمَا لَا يجب فِيهَا
صُورَة دَعْوَى بالموضحة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِسيف أَو حجر أَو غَيره فِي وَجهه أَو رَأسه فأوضح الْعظم
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
أَو بالإنكار
وَتقوم الْبَيِّنَة فِي وَجه الْخصم أَنه ضربه بِكَذَا
فجرحه هَذَا الْجرْح وشخصوه لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَأَشَارَ إِلَيْهِ
وأشاروا إِلَيْهِ فِي مَوْضِعه
فَذكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذِه الْجراحَة لَيست بموضحة
وَإِنَّمَا هِيَ دونهَا
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل الْمعرفَة والخبرة بالجراحات
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنَّهَا مُوضحَة
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَعرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْقصاص أَو أرش مُوضحَة إِذا رَضِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ بالعدول عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة وَهِي خمس من الْإِبِل أَو قيمتهَا من الذَّهَب أَو الدَّرَاهِم برضى الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَسَأَلَ الْجَانِي الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى الْأَرْش
فَعرض الْحَاكِم ذَلِك على الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَأجَاب إِلَيْهِ
وَسَأَلَ الحكم لَهُ على الْجَانِي بِأَرْش الْمُوَضّحَة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل
وَإِن كَانَت المشجوجة امْرَأَة فَالْوَاجِب النّصْف من أرش مُوضحَة الرجل
وَإِن كَانَ المشجوج يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة كأرش مُوضحَة الْمُسلم
وَعند مَالك كالنصف مِنْهَا
وَعند الشَّافِعِي كالثلث مِنْهَا
وَعند أَحْمد كموضحة الْمُسلم إِذا كَانَ للكتابي عهد
وَيعْتَبر الْحَال فِي موضحات النِّسَاء على النّصْف من ذَلِك وَيعْتَبر ذَلِك فِي مُوضحَة الْمَجُوسِيّ نصف عشر أخس الدِّيات
وَهَذَا التَّفْصِيل فِي جَمِيع ديات الشجاج الْحَاصِلَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس
وجراحات الْبدن والجائفات والحكومات المتقومة
وَمَا يلْزم بِالضَّمَانِ
وَصُورَة دَعْوَى بالهاشمة
وفيهَا عشر من الْإِبِل إِذا أوضح وهشم الْعظم
فَإِن(2/237)
هشمت الْعظم من غير إيضاحه
فَفِيهَا خمس من الْإِبِل حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان الْفُلَانِيّ
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِكَذَا
فجرحه بِوَجْهِهِ أَو بِرَأْسِهِ
وأوضح الْعظم وكسره
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف مثلا أَنه ضربه فجرحه وَأَنه لم يُوضح الْعظم وَلَا هشمه فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل الْمعرفَة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
ووقفوا على الْجراح الْمَذْكُور وعاينوه
وعرفوه وحققوه وشهدوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذَا الْجرْح أوضح فِيهِ الْعظم وهشمه
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع شَهَادَتهم وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْحَاكِم لَهُ بدية الهاشمة الْمَذْكُورَة على مُقْتَضى قَاعِدَة مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بِعشر من الْإِبِل حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا بعد ثُبُوت الْإِعْذَار إِلَى الْجَانِي الْمَذْكُور وتشخيصه
واعترافه بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ويكمل
صُورَة دَعْوَى بالمنقلة
وفيهَا خمس عشرَة من الْإِبِل حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِكَذَا فِي وَجهه أَو رَأسه
فجرحه جرحا أوضح الْعظم وهشمه وَنَقله من مَكَانَهُ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب أَنه جرحه هَذَا الْجرْح وَأَنه لَا يعلم صِحَة الدَّعْوَى فِيمَا عداهُ
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ
فأحضر جمَاعَة من أهل النّظر والمعرفة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمَذْكُور بعد تشخيص الْجرْح ومعاينته أَن هَذِه الْجراحَة أوضحت الْعظم وهشمته ونقلته
عرفهم الْحَاكِم وَسمع شَهَادَتهم وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْجَانِي الْمَذْكُور بِالدِّيَةِ الشَّرْعِيَّة الْوَاجِبَة فِي هَذِه الْجراحَة على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى(2/238)
سُؤَاله
وَحكم لَهُ بِخمْس عشرَة من إبل الدِّيَة حكما شَرْعِيًّا مُعْتَبرا مرضيا ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى بالمأمومة
وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
وفيهَا ثلث الدِّيَة
ثَلَاثًا وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه فِي رَأسه فَشَجَّهُ
ووصلت الشَّجَّة إِلَى أم رَأسه
وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ وَأَن الْوَاجِب لَهُ عَلَيْهِ بذلك ثلث الدِّيَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
وطالبه بذلك وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب أَنه ضربه وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا مأمومة فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل النّظر والمعرفة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بعد تشخيص الْجرْح ومعاينته أَن هَذِه الشَّجَّة وصلت إِلَى أم الرَّأْس خريطة الدِّمَاغ
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْد الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية هَذِه الْجراحَة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بدية المأمومة
وَهِي الثُّلُث من دِيَة النَّفس ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل حكما شَرْعِيًّا
ويكمل
صُورَة دَعْوَى بِمَا تجب فِيهِ الْحُكُومَة من الشجاج بِالرَّأْسِ وَالْوَجْه وجراحات الْبدن حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه شجه فِي وَجهه أَو رَأسه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالاعتراف
فَقَالَ المشجوج هَذِه مُوضحَة
وَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا هِيَ الدامية
فَطلب الْحَاكِم أَرْبَاب الْخِبْرَة فِي ذَلِك
فكشفوا الشَّجَّة ونظروها وعاينوها
فوجدوها الباضعة قد بضعت اللَّحْم وَلم تصل إِلَى الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي بَين اللَّحْم والعظم
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
فَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
ثمَّ طلب أَرْبَاب الْخِبْرَة بتقويم الْأَبدَان وَأمرهمْ أَن ينْظرُوا إِلَى هَذَا الْجرْح الْمُدعى بِهِ الْمَذْكُور ويقوموا الْمَجْرُوح صَحِيحا وجريحا وَأَن ينْظرُوا إِلَى مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ من التَّفَاوُت
فَمَا بلغ فَهُوَ أرش الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة من الدِّيَة
فوقفوا على ذَلِك(2/239)
وقوموه صَحِيحا وجريحا
فَإِذا التَّفَاوُت مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ أرش هَذِه الْجِنَايَة من الدِّيَة
وَأَقَامُوا شهاداتهم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك فِي وَجه الْخصم
فَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك الْقدر الْمَشْهُود بِهِ من الدِّيَة حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَيْفِيَّة التَّقْوِيم أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ ثملا بِمِائَة دِرْهَم صَحِيحا وبثمانية وَتِسْعين درهما جريحا
فالتفاوت خمس عشر الْقيمَة
فَيكون الْوَاجِب خمس عشر الدِّيَة
وَهَذِه صُورَة مَا يكْتب فِي جَمِيع مَا تجب فِيهِ الْحُكُومَة من الرَّأْس وَالْوَجْه وَالْبدن
وَلَا يكْتب فِيمَا يتَعَلَّق بِالْبدنِ حكم بِشَيْء مُقَدّر من الدِّيَة إِلَّا الْجَائِفَة
فَإِن فِيهَا ثلث الدِّيَة
وَصُورَة الدَّعْوَى بالجائفة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَهُوَ مُتَكَلم شَرْعِي جَائِز كَلَامه مسموعة دَعْوَاهُ عَن فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضرب الْمُتَكَلّم عَنهُ وَهُوَ فلَان الْمَذْكُور ضَرْبَة بسنان أَو بِرُمْح أَو بِسيف
فوصل السنان إِلَى دَاخل جَوْفه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَنه ضربه بِالرُّمْحِ وَلَكِن لم يصل السنان إِلَى جَوْفه
فَذكر الْمَنْصُوب الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة من أَرْبَاب الْخِبْرَة بالجراحات والجائفات تشهد بِمَا ادَّعَاهُ
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ فأحضر جمَاعَة من أهل الْخِبْرَة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وكشفوا الْجرْح الْمَذْكُور كشفا شافيا وعاينوه
وأدخلوا فِيهِ الْميل
وقاسوا أعماقه فوجدوه قد أجافه
وَأَقَامُوا شَهَادَتهم بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذَا الْجرْح دخل السنان فِيهِ إِلَى الْجوف وَأَنه الْجَائِفَة
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ على الْجَانِي الْمَذْكُور بدية هَذِه الْجِنَايَة
وَهِي ثلث دِيَة النَّفس ثَلَاث وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم على الْجَانِي الْمَذْكُور بذلك حكما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَأما صور الدَّعَاوَى المتضمنة الْقصاص فِي الْعين وَالْأنف وَالْأُذن وَالسّن أَو الدِّيَة عِنْد ذَلِك
فَمِنْهَا صُورَة دَعْوَى على شخص بِأَنَّهُ قلع عينه أَو قطع أَنفه أَو أُذُنَيْهِ أَو بِشَيْء مِمَّا تجب فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة على مَا تقدم بَيَانه
وَالْخلاف فِيهِ على اخْتِلَاف مقادير(2/240)
الدِّيات من الْحر الْمُسلم والكتابي الذِّمِّيّ وَغير الْكِتَابِيّ وَالذكر وَالْأُنْثَى
وَهِي كالديات الْوَاجِبَة فِي فَوَات النَّفس فِي قتل الْعمد
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قلع عينه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو ضربه
فأزال ضوء عينه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو قطع أجفان عَيْنَيْهِ أَو قطع أَنفه أَو أُذُنَيْهِ أَو أُذُنه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو ضربه فَقلع سنه الْفُلَانِيّ إِمَّا ثنيته أَو رباعيته أَو ضرسه الْأَسْفَل أَو الْأَعْلَى أَو قلع جَمِيع أَسْنَانه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ بِالْقصاصِ
فَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الْمُدَّعِي الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى دِيَة الْعين أَو الْأنف أَو الْأذن أَو الْأَسْنَان الْمقدرَة فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَرَضي بِهِ
ثمَّ سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم على الْجَانِي بدية عينه
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَحكم لَهُ بِخَمْسِينَ من الْإِبِل مفصلة من الْأَسْنَان مُعينَة فِي دِيَة النَّفس
وَهِي دِيَة عين الْمُدَّعِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْمَذْكُور حكما شرعا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ تكْتب صور الدَّعَاوَى فِي جَمِيع مَا يجب من الدِّيات
وَيتَصَوَّر فِي الْعَينَيْنِ ديتان كاملتان كَمَا لَو فَقَأَ الحدقتين وَقطع الأجفان الْأَرْبَعَة أَو أَزَال ضوء عَيْنَيْهِ وَقطع الأجفان الْأَرْبَعَة
وَطَرِيق التَّوَصُّل إِلَى معرفَة مِقْدَار مَا نقص من ضوء عَيْني الْمَجْنِي عَلَيْهِ ليحكم الْحَاكِم لَهُ بِحقِّهِ من الدِّيَة هُوَ أَن يجلس الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي مَكَان وَيجْلس إِلَى جَانِبه رجل آخر صَحِيح النّظر
ثمَّ يقف بَين يديهما رجل آخر وَوَجهه إِلَيْهِمَا
ثمَّ يمشي إِلَى وَرَائه وهما ينْظرَانِ إِلَى وَجهه إِلَى أَن لَا يحققا النّظر إِلَى مقلتيه
وَهل هُوَ مغمض عَيْنَيْهِ أم لَا فَإِن تَسَاويا فِي ذَلِك لم يكن نقص من ضور عَيْني الْمَجْنِي عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن خَفِي على الْمَجْنِي عَلَيْهِ معرفَة كَون الْمَاشِي مَفْتُوحَة عَيناهُ أَو مغموضتان
وَقَالَ لَا أَدْرِي هَل هما مفتوحتان أَو مغموضتان فَيجْعَل عِنْد رجل الْمَاشِي عَلامَة
ثمَّ يمشي إِلَى وَرَائه وَالرجل الْجَالِس إِلَى جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ ينظر فِي حدقتي الْمَاشِي
فحين يخفي عَلَيْهِ هَل هما مفتوحتان أَو مغموضتان فيقف الْمَاشِي هُنَاكَ وَيعلم عِنْد قَدَمَيْهِ عَلامَة ثمَّ يذرع الأَرْض مَا بَين الْمَجْنِي عَلَيْهِ والماشي ويضبط ذَلِك الذرع ثمَّ يذرع مَا بَين انْتِهَاء نظر الْمَجْنِي عَلَيْهِ وانتهاء نظر الْجَالِس إِلَى جَانِبه
فمهما خرج حسب من الذرع الأول وَحكم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بِقسْطِهِ من الدِّيَة(2/241)
مِثَاله إِذا كَانَ الذرع الأول مائَة ذِرَاع وَهُوَ انْتِهَاء نظر الْجَالِس إِلَى جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ
وَكَانَ انْتِهَاء نظر الْمَجْنِي عَلَيْهِ سبعين ذِرَاعا فَتبين أَن النَّقْص ثَلَاثِينَ
أَو يكون تسعين
فَيكون النَّقْص عشرَة
فجملة مَا نقص عشر الضَّوْء
فَيجب عشر الدِّيَة
وعَلى هَذَا الْحساب يكون الْعَمَل فِي امتحان نقص ضوء الْعين
وَإِذا ادّعى رجل على رجل آخر أَنه ضربه ضَرْبَة أَزَال سَمعه
وَثَبت عِنْد الْحَاكِم أَنه ضربه تِلْكَ الضَّرْبَة
فطريق اعْتِبَار ذَلِك أَن الْحَاكِم يَأْمر رجلا يقف خلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ على حِين غَفلَة مِنْهُ
وَيَرْمِي خَلفه قَرِيبا مِنْهُ حجرا كَبِيرا أَو جرسا كَبِيرا أَو شَيْئا من أواني النّحاس من شَاهِق
فَإِن الْتفت أَو ظهر مِنْهُ إِشْعَار بِتِلْكَ الرَّمية فَلَا يحكم لَهُ
وَإِن لم يلْتَفت وَلم يظْهر مِنْهُ إِشْعَار وَلَا علم فَيحكم لَهُ بِالدِّيَةِ كَامِلَة
وَفِي لِسَان الْأَخْرَس الْحُكُومَة وَهِي أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ حَال كَونه ناطقا وَحَال كَونه أخرس وَينظر فِي التَّفَاوُت بَينهمَا
فَمَا كَانَ فَهُوَ قدر الْحُكُومَة من الدِّيَة
وَفِي إِزَالَة الْعقل بِالضَّرْبِ على الرَّأْس وَغَيره الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال المضغ الدِّيَة
وَفِي كسر الصلب الدِّيَة
وَفِي إِزَالَة الْبَطْش الدِّيَة
وَفِي الْمَنْع من الْمَشْي الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال الصَّوْت الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال الذَّوْق الدِّيَة
وَيتَصَوَّر فِي الْأُذُنَيْنِ ديتان
كَمَا لَو قطع أُذُنَيْهِ وأزال سَمعه
وَيتَصَوَّر فِي الْفَم خمس ديات
كَمَا لَو قطع شَفَتَيْه ثمَّ قطع لِسَانه أَو أَزَال حَرَكَة لِسَانه وأزال صَوته
أَو قلع جَمِيع أَسْنَانه وأزال ذوقه بِحَيْثُ إِنَّه لَا يعرف الحلو من المر وَلَا يفرق بَينهمَا
فَتجب هَذِه الدِّيات على الْجَانِب كلهَا إِذا كَانَت الْحَيَاة بَاقِيَة فِيهِ
وَيتَصَوَّر فِي الْفَم نصف دِيَة أُخْرَى كَمَا لَو أَزَال إِحْدَى لحييْهِ وَأمكن وقُوف الآخر ثَابتا فِي مَكَانَهُ مَعَ الْحَيَاة
وَيتَصَوَّر فِي الْأنف ديتان بِقطع الْأنف وَزَوَال الشم
وَيتَفَرَّع على ذَلِك صور كَثِيرَة لَا يُمكن الْإِتْيَان بهَا لطولها وَبسط الْكَلَام فِيهَا
وَمَا تقدم ذكره من الصُّور فِي ذَلِك كَاف
وَفِيه مِثَال لغيره مِمَّا يحْتَاج إِلَى كِتَابَته
والحاذق الفهيم يُوقع الوقائع ويعتني بتنزيلها على الْقَوَاعِد المستقرة بلطيف تصرفه وَحسن وَضعه
ويراعى فِي كل صُورَة مَا هُوَ مَطْلُوب فِيهَا ومقصود بهَا الْخلاف بَين أَئِمَّة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة رَحِمهم الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة بمنه وَكَرمه
وَأما صور دَعْوَى الدَّم والقسامة فَمِنْهَا صُورَة دَعْوَى بالقسامة وَاسْتِيفَاء الْأَيْمَان من الْمُدعى عَلَيْهِم وَالْحكم بِالدِّيَةِ مقسطة(2/242)
فِي ثَلَاث سِنِين على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنَفِيّ فلَان وأحضر مَعَه جمَاعَة
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وَادّعى عَلَيْهِم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن وَلَده فلَانا وجد قَتِيلا فِي الْموضع الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ فِي حماية هَؤُلَاءِ وحفظهم أَو فِي محلتهم أَو فِي دَارهم أَو فِي مَسْجِد محلتهم فِي قريتهم وَالدَّم يخرج من أُذُنَيْهِ وَعَيْنَيْهِ أَو مَضْرُوب أَو بِهِ جراحات بِالسَّيْفِ أَو هُوَ مخنوق
وَسَأَلَ سُؤَالهمْ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُمْ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأَجَابُوا أَنهم مَا قَتَلُوهُ وَلَا علمُوا لَهُ قَاتلا
وَلَكِن اعْتَرَفُوا أَنه وجد قَتِيلا فِي محلتهم
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل فِي ذَلِك بِمُقْتَضى مذْهبه
وَالْحكم فِيهِ بِمَا يرَاهُ من معتقده
فَأعلمهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يخْتَار خمسين رجلا من أهل الْمحلة أَو الْقرْيَة إِن شِئْت من مشايخهم وصلحائهم وَإِن شِئْت من شبابهم وَنِسَائِهِمْ يحلفُونَ خمسين يَمِينا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
وتستحق الدِّيَة على الْعَاقِلَة
وهم أهل الْمحلة الْقَرِيب والبعيد من الْمُدعى عَلَيْهِم فِي ذَلِك سَوَاء
تقسط عَلَيْهِم فِي ثَلَاث سِنِين
فَأجَاب الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك
وَعين خمسين رجلا من مَشَايِخ تِلْكَ الْمحلة وصلحائهم وهم فلَان وَفُلَان وَيذكر أسمائهم كلهم وَقَالَ هَؤُلَاءِ يحلفُونَ
فَعرض الْحَاكِم الْأَيْمَان عَلَيْهِم
فبذلوها
وحلفوا بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي أنزل الْقُرْآن على نبيه وَرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمسين يَمِينا جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَنا مَا قتلنَا هَذَا الْقَتِيل
وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة مِنْهُم سَأَلَ الْخصم الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِالدِّيَةِ على مَا يرَاهُ من مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بدية قتيله
وَهِي مائَة من الْإِبِل من أَرْبَعَة أَسْنَان
خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة مقسطة على ثَلَاث سِنِين
يَسْتَوِي فِي أَدَائِهَا أقرباء الْمُدعى عَلَيْهِم الْأَقَارِب والأباعد حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
وَفِي السَّبَب الَّذِي يملك بِهِ أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْقسَامَة مَا هُوَ
وبمن يبْدَأ بأيمانهم من المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم
وَفِي الدِّيَة ووجوبها حَالَة أَو مقسطة
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/243)
صُورَة الْقسَامَة على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى والبداءة عِنْده بأيمان المدعين
وَتَعْيِين المدعين وَاحِدًا أَو جمَاعَة أَنه قتل قتيلهم عمدا ظلما وعدوانا
وَوُجُوب الْقود والعدول إِلَى الدِّيَة برضى المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمَالِكِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قتل مُوَرِثه فلَانا عمدا ظلما وعدوانا أَو يَقُول إِن مُوَرِثه فلَانا أشهد عَلَيْهِ قبل مَوته فِي حَال جَوَاز الْإِشْهَاد عَلَيْهِ شرعا وَهُوَ حر بَالغ مُسلم أَنه قَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَن دمي عِنْد فلَان وَهُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو يكون الْمَقْتُول قد مَاتَ وَيَدعِي وَارثه أَن هَذَا قتل مورثي أَو أَنه وجد فِي مَكَان خَال من النَّاس وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَاقِف على رَأسه رَافع السِّلَاح مخضب بالدماء أَو يَقُول فَادّعى عَلَيْهِ الْوَارِث
وَذكر أَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد أَنه جرحه
وَأَنه عَاشَ بعد ذَلِك وَأكل وَشرب ثمَّ مَاتَ أَو يَقُول وَادّعى أَنه لما التقى الفئتان وانفصلتا فَوجدَ مورثي قَتِيلا بَينهمَا
وَقد عينت هَذِه الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ أَن مُوَرِثه أشهد عَلَيْهِ قبل مَوته بالتدمية
وَأَنه قَالَ دمي عِنْد فلَان أَو تشهد أَنهم رَأَوْا الْمَقْتُول فِي مَكَان خَال من النَّاس
وَأَن هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ وَاقِف على رَأسه رَافع السِّلَاح مخضب بالدماء أَو غير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من الْأَسْبَاب وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ الْحَاكِم فأحضرهم
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
وَسمع الْحَاكِم شَهَادَتهم وَقبلهَا
وَأوجب على الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عمد إِلَى مُوَرِثه وَقَتله عمدا ظلما وعدوانا
فبذل الْيَمين وَحلف خمسين يَمِينا بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم أيمانا شَرْعِيَّة مستوفاة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَن هَذَا الْحَاضِر عمد إِلَى مُوَرِثه وَقَتله ظلما وعدوانا بِغَيْر حق
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَن دَافع شَرْعِي
فَلم يَأْتِ بدافع
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ بِالْقصاصِ
فَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الْعُدُول إِلَى الدِّيَة
فَأَجَابَهُ الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك
فوداه بِمِائَة من الْإِبِل من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وأحضر ذَلِك إِلَيْهِ
وَسلمهُ إِيَّاه
فتسلمه كتسلم مثله لمثل ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن رد الْمُدَّعِي الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ
فَإِن حلف خمسين يَمِينا أَنه مَا قَتله(2/244)
وَلَا علم لَهُ قَاتلا برىء
وَإِن نكل عَن الْيَمين لَزِمته الدِّيَة فِي مَاله وَلَا يلْزم الْعَاقِلَة شَيْء
لِأَن النّكُول عِنْده كالاعتراف
والعاقلة لَا تحمل الِاعْتِرَاف
وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ
كَمَا تقدم
صُورَة الْقسَامَة على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن مُوَرِثه وجد قَتِيلا فِي قَرْيَة الْمُدعى عَلَيْهِ أَو فِي محلته
وَأَنه كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره فِيهَا
وَأَن ذَلِك بِمُقْتَضى وجود الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورين لوث
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم عَن ذَلِك
فَأجَاب بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ الْحَاكِم
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من الْمُسلمين
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور كَانَ بَينه وَبَين مورث الْمُدَّعِي الْمَذْكُور عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره فِيهَا
ثمَّ أحضر بَيِّنَة أُخْرَى
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وَهُوَ فلَان وجد قَتِيلا فِي محلّة الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو قريته
وَسمع الْحَاكِم شَهَادَتهم
وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَتبين أَن ذَلِك لوث عِنْده اسْتحق الْمُدَّعِي بذلك الْقسَامَة الشَّرْعِيَّة وَاسْتِحْقَاق الدِّيَة
وَأَن مذْهبه اقْتضى أَن الْمُدَّعِي يبْدَأ فَيحلف خمسين يَمِينا بِاللَّه الْعَظِيم الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور قتل مُوَرِثه الْمَذْكُور وَأَنه ضربه بِسيف أَو بِكَذَا فَمَاتَ مِنْهُ وَأَنه كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره مَعَه فِيهَا
فَحلف على ذَلِك كَذَلِك
وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة مِنْهُ على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
وَثَبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أعلم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور اسْتوْجبَ الدِّيَة
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية قتيله على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقد مقلده
وَهِي مائَة من الْإِبِل من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن الْإِبِل غير مَوْجُودَة الْآن هَهُنَا
وَأَنَّهَا أعوزت
وَسَأَلَ الْعُدُول عَنْهَا إِلَى الدَّرَاهِم
فَأجَاب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إِلَى ذَلِك
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية قتيله بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم عِنْد إعواز الْإِبِل
وَعدم وجودهَا(2/245)
فَإِن كَانَ أقسم على قتل الْعمد حكم للْمُدَّعِي بِالدِّيَةِ فِي مَال الْمُدعى عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ أقسم على شبه الْعمد أَو الْخَطَأ حكم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَيَقُول فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بذلك لجوازه عِنْده شرعا حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ أقسم على قتل الْعمد
فَيَقُول وَحكم لَهُ بذلك فِي مَال الْمُدعى عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ أقسم على شبه الْعمد أَو الْخَطَأ
فَيَقُول وَحكم لَهُ بذلك على عَاقِلَة الْمُدعى عَلَيْهِ
وهم أَقَاربه على تَرْتِيب الْمِيرَاث
فَإِن لم يقدر على تحملهَا الْأَقَارِب حمل مَعَهم الأباعد بقسطهم فِي ثَلَاث سِنِين على كل مِنْهُم ربع دِينَار ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الدَّعْوَى فِي ذَلِك على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنْبَلِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَو أحضر مَعَه جمَاعَة وَيذكر أَسْمَاءَهُم وَإِن كَانَ المدعون جمَاعَة
فيذكر أَسْمَاءَهُم وَادّعى عَلَيْهِ أَو وَادعوا عَلَيْهِم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَيذكر نوعا من الْأَنْوَاع الْمُوجبَة للقسامة عِنْد أَحْمد مثل أَن يكون اللوث الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة والعصبية كَمَا بَين الْقَبَائِل إِذا طَالب بَعضهم بَعْضًا بِالدَّمِ أَو يكون اللوث مَا بَين أهل الْبَغي وَأهل الْعدْل
وَهُوَ اخْتِيَار عَامَّة أَصْحَابه أَو يُوجد قَتِيل فِي صحراء بادية
وَعِنْده رجل بِسيف مُجَرّد ملطخ بِالدَّمِ
وَمثله يقتل أَو يَجِيء شُهُود من فساق وَنسَاء وصبيان أَن فلَانا قتل فلَانا
أَو يشْهد بِهِ رجل وَاحِد عدل أَو يدْخل قوم دَارا فَيَتَفَرَّقُونَ عَن قَتِيل ثمَّ يَقُول وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالإنكار
فَإِن كَانَ قد ادّعى أَنه كَانَ بَينه وَبَين الْمَقْتُول عَدَاوَة ظَاهِرَة أَقَامَ الْبَيِّنَة
كَمَا تقدم
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ من أهل الْبَغي والقتيل من أهل الْعدْل ثمَّ يُقيم الْبَيِّنَة أَنه وجد قَتِيلا فِي الصَّحرَاء وَعِنْده هَذَا الرجل مُجَرّد سَيْفه
وَهُوَ ملطخ بالدماء أَو غير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من أَسبَاب اللوث عِنْد أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ يَقُول عرف الْحَاكِم الشُّهُود
وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَثَبت عِنْد السَّبَب الْمُوجب للقسامة الثُّبُوت الشَّرْعِيَّة
وَاسْتحق الْمُدَّعِي الْقسَامَة على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَهُوَ أَن يحلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا شَرْعِيَّة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا
فَعرض الْأَيْمَان على الْمُدَّعِي أَو على المدعين
فَأَجَابُوا إِلَيْهَا وبذلوا الْأَيْمَان بعد أَن أوجبهَا عَلَيْهِم بِالْحِسَابِ(2/246)
فَإِن كَانُوا خَمْسَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة أَيْمَان
وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة حلف كل وَاحِد سبع عشرَة يَمِينا وجبر الْكسر
ثمَّ يَقُول وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة شرعا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَالِف الْمَذْكُور أَو المدعون الحالفون الحكم لَهُم على الْمُدعى عَلَيْهِ
أَو على الْمُدعى عَلَيْهِم بدية الْعمد فِي مَالهم
هَذَا إِذا كَانَ عمدا وَإِن كَانَ خطأ فعلى عَاقِلَة الْمُدعى عَلَيْهِ أَو الْمُدعى عَلَيْهِم
فاستخار الله
وَحكم لَهُ أَوَّلهمْ بذلك مقسطة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَإِن كَانَ عمدا فَفِي مَالهم حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه الْبَعِير فِي أول سنه يُسمى حوار
وَفِي الثَّانِيَة ابْن مَخَاض لِأَن أمه فِي الثَّانِيَة فِيهَا من الْمَخَاض وَهن الْحَوَامِل فنسب إِلَيْهَا
وَوَاحِد الْمَخَاض خلفة من غير لَفظهَا ثمَّ ابْن لبون فِي الثَّالِثَة
لِأَن أمه فِيهَا تكون ذَات لبن ثمَّ حق فِي الرَّابِعَة
يُقَال سمي بذلك لاستحقاقه أَن يحمل عَلَيْهِ ثمَّ جذع فِي السّنة الْخَامِسَة ثمَّ يلقِي ثنيته فِي السَّادِسَة فَهُوَ ثنى ثمَّ يلقِي رباعيته فِي السَّابِعَة
فَهُوَ رباع ثمَّ يلقِي السن الَّتِي بعد الرّبَاعِيّة
فَهُوَ سداس وسديس وَذَلِكَ فِي الثَّامِنَة ثمَّ يفْطر نابه فِي التَّاسِعَة
فَهُوَ باذل فَإِذا أَتَى عَلَيْهِ عَام بعد ذَلِك فَهُوَ مخلف وَلَيْسَ لَهُ اسْم بعد الإخلاف
وَلَكِن يُقَال مخلف عَام ومخلف عَاميْنِ وَمَا زَاد فعلى ذَلِك
ثمَّ لَا يزَال على ذَلِك حَتَّى يكون عودا إِذا هرم
فَإِذا انْتهى هرمه فَهُوَ بنت وَالْأُنْثَى أَب وَقَالَ أَبُو زيد الْمُؤَنَّث فِي هَذِه الْأَسْنَان بهاء تلْحق آخِره إِلَّا السديس والسداس والبازل
فَإِن هَؤُلَاءِ بِغَيْر هَاء
وَقَالَ الْكسَائي النَّاقة مخلف أَيْضا بِغَيْر هَاء
وَأما أَسْنَان الْإِنْسَان فعدتها اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنا
أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات والواحدة ربَاعِية مُخَفّفَة وَأَرْبع أَنْيَاب وَأَرْبَعَة ضواحك واثنتا عشرَة رحى ثَلَاث فِي كل شقّ وَأَرْبع نواجذ
وَهِي أقصاها
قَالَ أَبُو زيد لكل ذِي ظلف وخف ثنيتان من أَسْفَل فَقَط
وَلِذِي الْحَافِر وَالسِّبَاع كلهَا أَربع ثنايا وَلِذِي الْحَافِر بعد الثنايا أَربع رباعيات وَأَرْبع قوارح وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَثَمَانِية أضراس
وَصُورَة مَا إِذا قبض الْمُسْتَحق الدِّيَة قسط كل سنة من الْعَاقِلَة أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه قبض وتسلم من عَاقِلَة فلَان كَذَا وَكَذَا بِالسَّبَبِ الَّذِي سيعين فِيهِ
وَهُوَ أَن فلَانا الْفُلَانِيّ ثَبت عَلَيْهِ قتل فلَان مورث الْقَابِض الْمَذْكُور خطأ أَو شبه عمد بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وتحملت الْعَاقِلَة الْمَذْكُورَة الدِّيَة
وَالْقدر الْمَذْكُور هُوَ الْوَاجِب(2/247)
على الْعَاقِلَة الْمَقْبُوض مِنْهُم الْمَذْكُورين فِيهِ للسّنة الأولى
وَآخِرهَا كَذَا وَكَذَا فَمن ذَلِك مَا قَبضه من فلَان كَذَا وَمَا قَبضه من فلَان كَذَا وَمَا قَبضه من فلَان كَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وتصادقوا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل سنة
فَإِذا تغلق ذَلِك كتب آخر الْقَبْض فِي السّنة الثَّالِثَة إِقْرَارا بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق وَبَرَاءَة شَامِلَة
وَيَقُول فِي الْإِقْرَار وَلَا قصاص ولَايَة وَلَا خطأ وَلَا عمد وَلَا شبه عمد
كَمَا تقدم ذكره فِي كتاب الْإِقْرَار
وَصُورَة مَا إِذا عَفا الْوَارِث على الدِّيَة من غير قصاص
واعترف الْقَاتِل أَن الدِّيَة بَاقِيَة فِي ذمَّته أشهد عَلَيْهِ فلَان وَارِث فلَان أَنه أَبْرَأ فلَانا الَّذِي بَاشر قتل مُوَرِثه فلَان قتلا عمدا أزهق بِهِ روحه من قبل تَارِيخه من غير حق وَلَا مُوجب إِبْرَاء شَرْعِيًّا مقسطا للْقصَاص
وَرَضي بِأخذ الدِّيَة الشَّرْعِيَّة
وَهِي مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة فِي مَال الْجَانِي من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا حَالَة
وَذَلِكَ بِحُضُور فلَان الْقَاتِل الْمَذْكُور وتصديقه على ذَلِك
واعترافه أَن الدِّيَة الْمَذْكُورَة بَاقِيَة فِي ذمَّته لفُلَان الْمَذْكُور بِالسَّبَبِ الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى تَارِيخه
لم تَبرأ ذمَّته من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ إِلَى الْآن
وَأَن الْكَفَّارَة فِي ذمَّته
وَعَلِيهِ الْخُرُوج من ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَ الْقَتْل خطأ فيفعل فِيهِ كَذَلِك
وَلَكِن الدِّيَة مخمسة كَمَا تقدم إِلَّا أَن يكون الْقَتْل فِي الْحرم أَو فِي شهر حرَام أَو محرما ذَا رحم
فَتكون مُثَلّثَة
وَكَذَلِكَ فِي شبه الْعمد
وَقد تقدم فِي هَذَا الْمَعْنى مَا فِيهِ كِفَايَة
وَصُورَة مَا إِذا وَجَبت غرَّة فِي جَنِين ظَهرت فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قَالَت القوابل إِن فِيهِ صُورَة آدَمِيّ
أَو قُلْنَ لَو بَقِي لتصور
وَإِذا شككن لم تجب قطعا
وَإِنَّمَا تكمل الْغرَّة فِي جَنِين حكم بحريَّته وإسلامه تبعا لأحد أَبَوَيْهِ
وَفِي جَنِين يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ ثلث غرَّة مُسلم
وَفِي مَجُوسِيّ ثلثا عشرهَا
والغرة عبد أَو أمة سليمَة من الْعَيْب
وَيجْبر الْمُسْتَحق على قبُوله من كل نوع لَا من خصي وَخُنْثَى وَكَافِر
وَإِن رَضِي بِالْعَيْبِ جَازَ
وَهِي لوَرَثَة الْجَنِين إِذا اتفقَا عَلَيْهَا وتسلمها الْمُسْتَحق
كتب أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان كَذَا وَكَذَا بِالسَّبَبِ الَّذِي سيعين فِيهِ
وَهُوَ أَن فلَانا المقبض الْمَذْكُور جنى على حمل فُلَانَة فأجهضت جَنِينا فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قَالَ القوابل التقيات الأمينات أَن فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قُلْنَ لَو بَقِي لتصور
وَأَنه وَجب عَلَيْهِ بذلك الْغرَّة وَهُوَ الْقدر الْمَقْبُوض فِيهِ
يسْتَحقّهُ الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ استحقاقا شَرْعِيًّا بتصادقهما على ذَلِك التصادق الشَّرْعِيّ
ويذيل بِإِقْرَار بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق(2/248)
وَبَرَاءَة شَامِلَة كَمَا تقدم
وَإِن حصل ذَلِك وتنازعا فِيهِ وترافعا إِلَى حَاكم شَرْعِي وَادّعى بِهِ عِنْده
وَوَقع الْإِنْكَار من الْجَانِي
فتقام الْبَيِّنَة بِاسْتِحْقَاق الْوَارِث وَصفَة الْجَنِين ويعذر للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَيحلف الْمُدَّعِي على وفْق مَا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة وَيَقَع التشخيص وَحكم الْحَاكِم
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الدَّعْوَى فِي الْقَتْل بِالسحرِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي أَنه قتل فلَانا بسحره وَأَن سحره مِمَّا يقتل غَالِبا
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَإِن أجَاب بالاعتراف فَلَا كَلَام
وَيفْعل مَعَه فِي ذَلِك مُقْتَضَاهُ شرعا
وَإِن أجَاب بالإنكار
فيقيم الْبَيِّنَة على إِقْرَاره
وَصفَة مَا يشْهد بِهِ الشُّهُود أَنه أقرّ أَنه قتل فلَانا الْمَذْكُور مورث الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بسحره
وسحره مِمَّا يقتل غَالِبا وَأَن فلَانا الْمَذْكُور توفّي وَلم يخلف وَارِثا سوى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَقبل الْحَاكِم شَهَادَتهم لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا ثمَّ اسْتحْلف الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَحلف بِاللَّه الْعَظِيم عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم يَمِينا شَرْعِيَّة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَن دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَة صَحِيحَة وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ أَنه قتل مُوَرِثه الْمَذْكُور بسحره وَأَن سحره مِمَّا يقتل غَالِبا وَأَنه مَا أَبرَأَهُ من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ وَأَنه يسْتَحق عَلَيْهِ الْقصاص بذلك وَأَن من شهد لَهُ بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وَلما تَكَامل ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده فِيهِ
وَاسْتِيفَاء الْقصاص الشَّرْعِيّ من الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الِاسْتِيفَاء الشَّرْعِيّ
فأعذر للْمُدَّعى الْمَذْكُور
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت اعترافه لَدَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من تشخيص الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ
وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَأذن للْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي اسْتِيفَاء الْقصاص من الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَهَذَا الْقَاتِل يقتل بِالسَّيْفِ
فصل السَّاحر من أهل الْكتاب
هَل يقتل أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل كَمَا يقتل السَّاحر الْمُسلم
وَهل حكم الساحرة الْمسلمَة(2/249)
حكم الرجل السَّاحر الْمُسلم قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد حكمهَا حكم الرجل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحبس وَلَا تقتل
4 - فصل من الْحُدُود الْمرتبَة
على الْجِنَايَات الرِّدَّة وَهِي قطع الْإِسْلَام بنية أَو قَول كفر أَو فعل سَوَاء قَالَه استهزاء أَو عنادا أَو اعتقادا
وَاتفقَ الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل
وَاخْتلفُوا هَل يتحتم قَتله فِي الْحَال
أم يُوقف على استتابته وَهل استتابته وَاجِبَة أم مُسْتَحبَّة وَإِذا استتيب فَلم يتب هَل يُمْهل أم لَا فَقَالَ أَبُو حينفة لَا تجب استتابته وَيقتل فِي الْحَال إِلَّا أَن يطْلب الْإِمْهَال فيمهل ثَلَاثًا
وَمن أَصْحَابه من قَالَ وَإِن لم يطْلب الْإِمْهَال اسْتِحْبَابا
وَقَالَ مَالك تجب استتابته
فَإِن تَابَ فِي الْحَال قبلت تَوْبَته وَإِن لم يتب أمْهل ثَلَاثًا لَعَلَّه يَتُوب
فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
وَللشَّافِعِيّ فِي وجوب الاستتابة قَولَانِ
أظهرهمَا الْوُجُوب
وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِمْهَال قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يُمْهل وَإِن طلب بل يقتل فِي الْحَال إِذا أصر على ردته
وعَلى أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا كمذهب مَالك
وَالثَّانيَِة لَا تجب الاستتابة
وَأما الْإِمْهَال فَإِنَّهُ يخْتَلف مذْهبه فِي وُجُوبه ثَلَاثًا
وَهل الْمُرْتَد كالمرتدة أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد الرجل وَالْمَرْأَة فِي حكم الرِّدَّة سَوَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحبس الْمَرْأَة وَلَا تقتل
وَهل تصح ردة الصَّبِي أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة تصح
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تصح ردة الصَّبِي
وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن أَحْمد
وَاتَّفَقُوا على أَن الزنديق وَهُوَ الَّذِي يسر الْكفْر وَيظْهر الْإِسْلَام يقتل
ثمَّ اخْتلفُوا فِي قبُول تَوْبَته إِذا تَابَ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أظهر روايتيه وَهُوَ الْأَصَح من خَمْسَة أوجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي تقبل تَوْبَته
وَقَالَ مَالك وَأحمد يقتل وَلَا يُسْتَتَاب
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك
المصطلح وَفِيه صُورَة مَا إِذا وَقع شخص فِي كفر
وَاحْتَاجَ إِلَى الحكم بِإِسْلَامِهِ وحقن دَمه عِنْد الشَّافِعِي وَعند من يرى قبُول تَوْبَته(2/250)
بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي أَو الْحَنَفِيّ
ادّعى فلَان بطرِيق الْحِسْبَة لما فِيهِ من حق الله تَعَالَى وَحقّ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقصد الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر على فلَان أَنه فِي يَوْم تَارِيخه أَو فِي أمس تَارِيخه أَو فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ قَالَ بِصَرِيح لَفظه كَذَا وَكَذَا وَيذكر لفظ الْمُكَفّر الَّذِي وَقع فِيهِ بِحُرُوفِهِ على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ من غير إخلال بِشَيْء مِمَّا تلفظ بِهِ ثمَّ يَقُول وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فبادر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور على الْفَوْر
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وَأَنا مُسلم وَأَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام
وَأَنا بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيّ وَمِمَّا ادعِي بِهِ عَليّ وَمن كل جُزْء مِنْهُ مُوجب للتكفير أَو الرِّدَّة
ثمَّ يَقُول وَلما تلفظ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بذلك بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَثَبت تلفظه بِهِ لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة
سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سَائل شَرْعِي الحكم لَهُ بِإِسْلَامِهِ وحقن دَمه وَإِسْقَاط التعزيرات عَنهُ وَقبُول تَوْبَته على مُقْتَضى مذْهبه الشريف واعتقاد مقلده
فاستخار الله كثيرا واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم أيد الله أَحْكَامه وسدد نقضه وإبرامه بِصِحَّة إِسْلَام الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وحقن دَمه وَقبُول تَوْبَته وَإِسْقَاط التعزيرات عَنهُ
وَمنع من يتَعَرَّض لَهُ أَو ينْسب إِلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ مُسْتَندا فِي حكمه الْمَذْكُور لنَصّ مذْهبه الشريف
واعتقاد مقلده إِمَام الْأَئِمَّة الْحجَّة مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة متقلبه ومثواه
المسطر فِي الْأُم
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي ادّعى على رجل أَنه ارْتَدَّ وَهُوَ مُسلم لم أكشف عَن الْحَال
وَقلت قل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام
انْتهى
وَمَا أفتى بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ
وَذكره فِي فَتَاوِيهِ
وَهُوَ قَوْله مَسْأَلَة هَل يجوز للْحَاكِم الشَّافِعِي أَن يحكم بِإِسْلَام شخص وعصمة دَمه وَإِسْقَاط التَّعْزِير عَنهُ وَمنع من يتَعَرَّض لَهُ إِذا نسب إِلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر وَلم تأت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَهل يحْتَاج إِلَى اعترافه بصدور القَوْل مِنْهُ أجَاب رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يجوز للْحَاكِم الشَّافِعِي الَّذِي يرى قبُول التَّوْبَة إِذا تلفظ الرجل بَين يَدَيْهِ بِكَلِمَة الْإِسْلَام
وَطلب مِنْهُ الحكم لَهُ وَقد ادّعى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ أَن(2/251)
يحكم للمذكور بِإِسْلَامِهِ وعصمة دَمه وَإِسْقَاط التَّعْزِير عَنهُ
وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على اعترافه
فَإِنَّهُ قد يكون بَرِيئًا فِي نفس الْأَمر
وإلجاؤه إِلَى الِاعْتِرَاف على نَفسه بِخِلَاف مَا وَقع إِنَّمَا يحكم القَاضِي بِإِسْلَامِهِ مُسْتَندا إِلَى مَا سَمعه مِنْهُ من كلمة الْإِسْلَام
العاصمة للدم المبقية للمهجة الماحية لما قبلهَا وَيمْنَع بِحكمِهِ ذَلِك من ادّعى عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا يُنَافِي ذَلِك وَمن التَّعَرُّض لَهُ بِمَا يَقْتَضِي الْكفْر
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ على الْعَادة
انْتهى
وَالله أعلم(2/252)
كتاب الْأَيْمَان
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي انْعِقَاد الْيَمين الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم واحفظوا أَيْمَانكُم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تشكرون} وَقَوله تَعَالَى {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم}
وَأما السّنة فَروِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لأغزون قُريْشًا وَالله لأغزون قُريْشًا وَالله لأغزون قُريْشًا إِن شَاءَ الله وروى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كثيرا مَا يحلف لَا ومقلب الْقُلُوب بلَى ومقلب الْقُلُوب
وأجمعت الْأمة على انْعِقَاد الْيَمين
وَالْيَمِين تَنْعَقِد من كل بَالغ عَاقل مُخْتَار قَاصد إِلَى الْيَمين
فَأَما الصَّبِي وَالْمَجْنُون والنائم فَلَا تَنْعَقِد أَيْمَانهم لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث عَن الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ وَعَن الْمَجْنُون حَتَّى يفِيق
وَلَا تَنْعَقِد يَمِين الْمُكْره لما روى أَبُو أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ على مقهور يَمِين(2/253)
وَأما لَغْو الْيَمين فَلَا تَنْعَقِد وَهُوَ الَّذِي سبق لِسَانه إِلَى الْحلف بِاللَّه من غير أَن يقْصد الْيَمين أَو قصد أَن يحلف بِاللَّه لَا أفعل كَذَا
فَسبق لِسَانه وَحلف بِاللَّه ليفعلن كَذَا
والأيمان على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا يَمِين تقع فِي خُصُومَة
وَالثَّانِي يَمِين تقع فِي غير خُصُومَة
فَأَما الَّتِي تقع فِي خُصُومَة فعلى ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا يَمِين يَقع جَوَابا
وَهِي يَمِين الْمُنكر
وَالثَّانيَِة يَمِين اسْتِحْقَاق
وَهِي فِي خمس مسَائِل
أَولهَا اللّعان
ثَانِيهَا الْقسَامَة
ثَالِثهَا الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فِي الْأَمْوَال والنكول خَاصَّة
رَابِعهَا رد الْيَمين فِي سَائِر الدَّعَاوَى
وَهل طَرِيقه الْإِقْرَار أم لَا على قَوْلَيْنِ
خَامِسهَا الْيَمين مَعَ الشَّاهِد
وَذَلِكَ فِي سبع مسَائِل
الأولى الرَّد بِالْعَيْبِ
الثَّانِيَة فِي دَعْوَى الْإِعْسَار
الثَّالِثَة فِي دَعْوَى الْعنَّة
الرَّابِعَة فِي الدَّعْوَى على جراح بَاطِن
الْخَامِسَة فِي الدَّعْوَى على ميت
السَّادِسَة فِي الدَّعْوَى على غَائِب
السَّابِعَة أَن يَقُول رجل لامْرَأَته أَنْت طَالِق أمس
وَيَقُول إِنَّهَا كَانَت مُطلقَة من غَيْرِي
وَيُقِيم فِي هَذِه الْمسَائِل الشَّاهِدين وَيحلف مَعَهُمَا
وَأما الْيَمين الَّتِي تقع فِي خُصُومَة
فَثَلَاثَة أَنْوَاع أَحدهَا لَغْو الْيَمين
كَقَوْلِه لَا وَالله وبلى وَالله وَنَحْو ذَلِك
فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِد بِحَال
لِأَن اللَّغْو هُوَ الْكَلَام الَّذِي لَا يقْصد إِلَيْهِ الْمُتَكَلّم
الثَّانِي يَمِين الْمُكْره فَإِنَّهُ لَا ينْعَقد بِحَال للْحَدِيث الْمُتَقَدّم ذكره
وَالثَّالِث الْيَمين المعقودة
وَهِي على وَجْهَيْن
أَحدهمَا الْيَمين على فعل مَاض وَالثَّانِي على فعل مُسْتَقْبل
فَإِن حلف على فعل مَاض أَنه لم يكن وَقد كَانَ فَذَلِك الْيَمين الْغمُوس
وَهُوَ الَّذِي يَأْثَم بِهِ لما روى الشّعبِيّ عَن ابْن عمر أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ يَا رَسُول الله مَا الْكَبَائِر قَالَ الْإِشْرَاك بِاللَّه
قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ عقوق الْوَالِدين
قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ الْيَمين الْغمُوس قيل لِلشَّعْبِيِّ وَمَا الْيَمين الْغمُوس قَالَ الَّذِي يقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم وَهُوَ فِيهَا كَاذِب
وروى ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حلف على يَمِين وَهُوَ فِيهَا فَاجر(2/254)
ليقتطع بهَا مَال امرىء مُسلم لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان
وَسميت الْغمُوس لِأَنَّهَا تغمس من حلف بهَا فِي النَّار
وَأما الْيَمين على الْمُسْتَقْبل فَتَصِح أَيْضا
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأغزون قُريْشًا
وَالْيَمِين على الْمُسْتَقْبل تَنْقَسِم على خَمْسَة أَقسَام الْقسم الأول يَمِين عقدهَا طَاعَة وَالْمقَام عَلَيْهَا طَاعَة وحلها مَعْصِيّة مثل أَن يحلف ليصلين الصَّلَوَات الْخمس الْوَاجِبَات أَو أَنه لَا يشرب الْخمر أَو أَنه لَا يَزْنِي
وَإِنَّمَا كَانَ عقدهَا طَاعَة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا طَاعَة لِأَنَّهَا قد تَدعُوهُ إِلَى الْمُوَاظبَة على فعل الْوَاجِب وَيخَاف من الْحِنْث فِيهَا الْكَفَّارَة
وحلها مَعْصِيّة لِأَن حلهَا إِنَّمَا يكون بالامتناع من فعل الْوَاجِب أَو بِفعل مَا حرم عَلَيْهِ
الْقسم الثَّانِي يَمِين عقدهَا مَعْصِيّة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا مَعْصِيّة
وحلها طَاعَة مثل أَن يحلف أَن لَا يفعل مَا يجب عَلَيْهِ أَو ليفعلن مَا حرم عَلَيْهِ
الْقسم الثَّالِث يَمِين عقدهَا طَاعَة وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا طَاعَة وحلها مَكْرُوه مثل أَن يحلف ليصلين النَّوَافِل أَو ليصومن التَّطَوُّع أَو ليتصدقن بِصَدقَة التَّطَوُّع
الْقسم الرَّابِع يَمِين عقدهَا مَكْرُوه وَالْإِقَامَة عَلَيْهَا مَكْرُوه
وحلها طَاعَة مثل أَن يحلف أَن لَا يُصَلِّي صَلَاة النَّافِلَة أَو لَا يَصُوم صَوْم التَّطَوُّع أَو لَا يتَصَدَّق صَدَقَة التَّطَوُّع
وَإِنَّمَا قُلْنَا عقدهَا وَالْمقَام عَلَيْهَا مَكْرُوه لِأَنَّهُ قد يمْنَع من فعل الْبر خوف الْحِنْث
وَإِنَّمَا كَانَ حلهَا طَاعَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير(2/255)
فَإِن قيل كَيفَ يكون عقدهَا مَكْرُوه وَالْمقَام عَلَيْهَا مَكْرُوه وَقد سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعرَابِي الَّذِي سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة
يَقُول هَل عَليّ غَيرهَا فَقَالَ لَا إِلَّا أَن تطوع
فَقَالَ وَالله لَا أَزِيد على ذَلِك وَلَا أنقص مِنْهُ وَلم يُنكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ
قُلْنَا يحْتَمل أَنه لما حلف أَن لَا يزِيد وَلَا ينقص تَضَمَّنت يَمِينه مَا هُوَ طَاعَة وَهُوَ ترك النُّقْصَان عَنْهَا
فَلذَلِك لم يُنكر عَلَيْهِ
وَيحْتَمل أَن يكون لِسَانه سبق إِلَى الْيَمين
وَعلمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يُنكره عَلَيْهِ
لِأَنَّهَا لَغْو
وَيحْتَمل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر عَلَيْهِ ليدل على أَن ترك التَّطَوُّع جَائِز
وَإِن كَانَت الْيَمين مَكْرُوهَة
وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل الْمَكْرُوه
كالالتفات فِي الصَّلَاة ليدل على الْجَوَاز
الْقسم الْخَامِس يَمِين عقدهَا مُبَاح وَالْمقَام عَلَيْهَا مُبَاح
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي حلهَا
وَذَلِكَ مثل أَن يحلف لادخلت هَذِه الدَّار ولاسلكت هَذَا الطَّرِيق وَإِنَّمَا كَانَ عقدهَا وَالْمقَام عَلَيْهَا مُبَاحا لِأَنَّهُ يُبَاح لَهُ ترك دُخُول الدَّار وَترك سلوك الطَّرِيق
وَهل حلهَا أفضل أم الْمقَام عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا الْمقَام عَلَيْهَا أفضل
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها}
الثَّانِي حلهَا أفضل
لِأَنَّهُ إِذا أَقَامَ على الْيَمين منع نَفسه من فعل مَا أُبِيح لَهُ
وَالْيَمِين لَا تغير الْمَحْلُوف عَلَيْهِ عَن حكمه
فرع قَالَ الشَّافِعِي وَمن حلف بِغَيْر الله فَهُوَ يَمِين مَكْرُوه مثل أَن يحلف بِأَبِيهِ أَو بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو بِالْكَعْبَةِ أَو بِأحد من الصَّحَابَة
وَذَلِكَ لَا يَخْلُو من ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا أَن يقْصد بذلك قصد الْيَمين وَلَا يعْتَقد فِي الْمَحْلُوف بِهِ من التَّعْظِيم مَا يعْتَقد فِي الله تَعَالَى
فَهَذَا يكره لَهُ ذَلِك وَلَا يكفر
لما روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ وَلَا تحلفُوا إِلَّا بِاللَّه وَلَا تحلفُوا بِاللَّه إِلَّا وَأَنْتُم صَادِقُونَ وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرك عمر رَضِي الله عَنهُ فِي ركب وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ
فَمن كَانَ حَالفا(2/256)
فليحلف بِاللَّه أَو لِيَسْكُت قَالَ عمر فَمَا حَلَفت بهَا بعد ذَلِك ذَاكِرًا وَلَا آثرا وَمعنى قَوْله ذَاكِرًا أَي أذكرهُ عَن غَيْرِي
وَمعنى قَوْله آثرا أَي حاكيا عَن غَيْرِي
الثَّانِي أَن يحلف بذلك ويقصد الْيَمين
ويعتقد فِي الْمَحْلُوف بِهِ من التَّعْظِيم مَا يَعْتَقِدهُ فِي الله
فَهَذَا يحكم بِكُفْرِهِ
لما روى ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حلف بِغَيْر الله فقد كفر وَرُوِيَ فقد أشرك
الثَّالِث أَن يجْرِي ذَلِك على لِسَانه من غير قصد إِلَى الْحلف بِهِ
فَلَا يكره بل يكون بِمَعْنى لَغْو الْيَمين
فَإِن قيل ورد فِي الْقُرْآن أَقسَام كَثِيرَة بِغَيْر الله
فَالْجَوَاب أَن الله تَعَالَى أقسم بمصنوعاته الدَّالَّة على قدرته تَعْظِيمًا لَهُ تَعَالَى لَا لَهَا
وتنعقد الْيَمين بِخمْس إِذا حلف بِاللَّه أَو باسم من أَسْمَائِهِ أَو بِصفة من صِفَاته أَو بِالطَّلَاق أَو بالعتاق أَو نذر إِخْرَاج الْأَمْوَال أَو الْإِتْيَان بالعبادات وحروف الْقسم الْبَاء وَالْوَاو وَالتَّاء وَالْألف
فَتَقول آللَّهُ وَبِاللَّهِ وَوَاللَّه وتالله
وألفاظ الْيَمين ثَلَاثَة أقسم بِاللَّه وأعزم بِاللَّه وَأشْهد بِاللَّه
فَإِن لم يذكر لفظ الله فِي هَذَا فَلَيْسَ بِيَمِين
وَيقطع حكم الْيَمين خَمْسَة معَان الْبر والحنث
وَالِاسْتِثْنَاء الْمُتَّصِل وانحلال الْيَمين واستحالة الْبر
وَإِذا وَقع الْحِنْث كفر عَن يَمِينه
وَإِن قدم الْكَفَّارَة جَازَ إِلَّا الصّيام فَإِنَّهُ لَا يقدم
وَإِذا حلف على زَوجته بِطَلَاقِهَا أَن لَا يتَزَوَّج عَلَيْهَا
فَتزَوج عَلَيْهَا فِي عدَّة مِنْهُ رَجْعِيَّة حنث
فَإِن حلف أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا فَتزَوج عَلَيْهَا فِي عدَّة مِنْهُ رَجْعِيَّة لم(2/257)
يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يسكن وَلَا يساكن وَلَا يلبس وَلَا يركب
فَإِن خرج أَو نزع أَو ترك وَإِلَّا حنث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذِه التمرة وَلَا يُخرجهَا وَلَا يمْسِكهَا
وَلَا يَرْمِي بهَا
فَأكل بَعْضهَا لم يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذِه التمرة فَسَقَطت فِي تمر
فَأكل الْكل إِلَّا تَمْرَة وَاحِدَة لم يَحْنَث حَتَّى يتَيَقَّن أَنه قد أكلهَا
والورع أَن يَحْنَث نَفسه
وَلَو حلف لَا يَأْكُل الْحِنْطَة فَأكل دَقِيقًا أَو سويقا لم يَحْنَث
وَلَو حلف أَن لَا يكلم فلَانا فَسلم على قوم والمحلوف عَلَيْهِ فيهم وَلم يُنَوّه بِقَلْبِه أَو كتب إِلَيْهِ كتابا أَو أرسل إِلَيْهِ رَسُولا لم يَحْنَث
وَكَذَا لَو حلف لَا يَأْكُل شَيْئا فشربه أَو لَا يشرب شَيْئا فذاقه
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من حلف على يَمِين فِي طَاعَة لزمَه الْوَفَاء بهَا
وَهل لَهُ أَن يعدل عَن الْوَفَاء إِلَى الْكَفَّارَة مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا
وَقَالَ الشَّافِعِي الأولى أَن لَا يعدل
فَإِن عدل جَازَ وَلَزِمتهُ الْكَفَّارَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يَجْعَل اسْم الله عرضة للأيمان يمْنَع من بر وصلَة وَأَن الأولى أَن يَحْنَث وَيكفر إِذا حلف على ترك بر
وَيرجع فِي الْإِيمَان إِلَى النِّيَّة
وَاتَّفَقُوا على أَن الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى منعقدة
وبجميع أَسْمَائِهِ الْحسنى كالرحمن الرَّحِيم والحي وبجميع صِفَات ذَاته كعزة الله وجلاله إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة اسْتثْنى علم الله
فَلم يره يَمِينا
وَاخْتلفُوا فِي الْيَمين الْغمُوس وَهِي الْحلف بِاللَّه على أَمر مَاض مُتَعَمدا للكذب بِهِ هَل لَهَا كَفَّارَة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا كَفَّارَة لَهَا
لِأَنَّهَا أعظم من أَن تكفر
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى تكفر
وَأما إِذا حلف على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل أَن يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله
فَإِذا حنث وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة بِالْإِجْمَاع
فصل وَلَو قَالَ أقسم بِاللَّه
أَو أشهد بِاللَّه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هِيَ يَمِين وَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة
وَقَالَ مَالك مَتى قَالَ أقسم بِاللَّه أَو أَقْسَمت
فَإِن قَالَ بِاللَّه لفظا وَنِيَّة
كَانَ يَمِينا
وَإِن لم يتَلَفَّظ بِهِ وَلَا نَوَاه فَلَيْسَتْ بِيَمِين
وَقَالَ الشَّافِعِي فِيمَن قَالَ أقسم بِاللَّه إِن نوى بِهِ الْيَمين كَانَ يَمِينا وَإِن نوى الْإِخْبَار فَلَا(2/258)
وَإِن أطلق اخْتلف أَصْحَابه فَمنهمْ من رجح كَونه لَيست بِيَمِين
وَقَالَ فِيمَن قَالَ أشهد بِاللَّه وَنوى الْيَمين كَانَ يَمِينا وَإِن أطلق فَالْأَصَحّ من مذْهبه أَنه لَيْسَ بِيَمِين
وَلَو قَالَ أشهد لَا فعلت وَلم ينْو
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أظهر روايتيه يكون يَمِينا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لَا تكون يَمِينا
فصل وَلَو قَالَ وَحقّ الله
فيمين عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكون يَمِينا
وَلَو قَالَ لعمر الله أَو وأيم الله قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ هِيَ يَمِين نوى بِهِ الْيَمين أم لَا
وَقَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي إِن لم ينْو فَلَيْسَ بِيَمِين
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
فصل وَلَو حلف بالمصحف
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تَنْعَقِد يَمِينه
وَإِن حنث لَزِمته الْكَفَّارَة وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة وَنقل فِي الْمَسْأَلَة خلاف عَمَّن لَا يعْتد بقوله
وَحكى ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد فِي الْمَسْأَلَة أقوالا للصحابة وَالتَّابِعِينَ واتفاقهم على إِيجَاب الْكَفَّارَة فِيهَا
قَالَ وَلم يُخَالف فِيهَا إِلَّا من لَا يعْتد بقوله
وَاخْتلفُوا فِي قدر الْكَفَّارَة فِيهَا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يلْزم كَفَّارَة وَاحِدَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَفَّارَة وَاحِدَة
وَالْأُخْرَى يلْزم بِكُل آيَة كَفَّارَة
وَإِن حلف بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه تَنْعَقِد يَمِينه
فَإِن حنث لَزِمته الْكَفَّارَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تَنْعَقِد يَمِينه
وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
فصل وَيَمِين الْكَافِر هَل تَنْعَقِد
أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تَنْعَقِد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تَنْعَقِد يَمِينه
وَتلْزَمهُ الْكَفَّارَة بِالْحِنْثِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة تجب بِالْحِنْثِ فِي الْيَمين سَوَاء كَانَت فِي طَاعَة أَو فِي مَعْصِيّة أَو فِي مُبَاح
وَاخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة هَل تتقدم الْحِنْث أَو تكون بعده فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجزىء إِلَّا بعد الْحِنْث مُطلقًا
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز تَقْدِيمهَا على الْحِنْث الْمُبَاح
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يجوز تَقْدِيمهَا
وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد
وَالْأُخْرَى لَا يجوز
وَإِذا كفر قبل الْحِنْث فَهَل بَين الصّيام وَالْعِتْق وَالْإِطْعَام فرق قَالَ مَالك لَا فرق(2/259)
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يجوز تَقْدِيم التَّكْفِير بالصيام وَيجوز بِغَيْرِهِ
وَاخْتلفُوا فِي لَغْو الْيَمين
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة هُوَ أَن يحلف بِاللَّه على أَمر يَظُنّهُ على مَا حلف عَلَيْهِ ثمَّ يتَبَيَّن أَنه بِخِلَافِهِ سَوَاء قَصده أَو لم يَقْصِدهُ فَسبق على لِسَانه إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة ومالكا قَالَا لَا يجوز أَن يكون فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَال
وَقَالَ أَحْمد هُوَ فِي الْمَاضِي فَقَط
وَاتفقَ الثَّلَاثَة على أَنه لَا إِثْم فِيهَا وَلَا كَفَّارَة
وَعَن مَالك أَن لَغْو الْيَمين أَن يَقُول لَا وَالله وبلى وَالله على وَجه المحاورة من غير قصد إِلَى عقدهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي لَغْو الْيَمين مَا لم يعقده
وَإِنَّمَا يتَصَوَّر ذَلِك فِي قَوْله لَا وَالله وبلى وَالله عِنْد المحاورة وَالْغَضَب واللجاج من غير قصد سَوَاء كَانَ على مَاض أَو مُسْتَقْبل
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَلَو قَالَ وَالله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فيمين مَعَ الْإِطْلَاق نوى أَو لم ينْو خلافًا لبَعض أَصْحَاب الشَّافِعِي
فصل وَلَو قَالَ وَالله لَا شربت
لزيد المَاء يقْصد بِهِ قطع الْمِنَّة
فَقَالَ مَالك وَأحمد مَتى انْتفع بِشَيْء من مَاله بِأَكْل أَو شرب أَو عَارِية أَو ركُوب أَو غير ذَلِك
حنث
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا يَحْنَث إِلَّا بِمَا تنَاوله نطقه
من شرب المَاء فَقَط
فصل وَلَو حلف لَا يسكن هَذِه الدَّار
وَهُوَ ساكنها فَخرج مِنْهَا بِنَفسِهِ دون أَهله ورحله
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يبر حَتَّى يخرج بِنَفسِهِ وَأَهله ورحله
وَقَالَ الشَّافِعِي يبر بِخُرُوجِهِ بِنَفسِهِ
وَلَو حلف لَا يدْخل دَارا
فَقَامَ على سطحها أَو حائطها أَو دخل بَيْتا مِنْهَا فِيهِ شَارِع إِلَى طَرِيق حنث عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث ولأصحابه فِي السَّطْح وَالْحجر وَجْهَان
وَلَو حلف لَا يدْخل دَار زيد هَذِه
فَبَاعَهَا زيد ثمَّ دَخلهَا الْحَالِف
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَحْنَث
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
فصل وَلَو حلف لَا يكلم ذَا الصَّبِي
فَصَارَ شَيخا أَو لَا يَأْكُل ذَا الخروف فَصَارَ كَبْشًا أَو ذَا الْبُسْر فَصَارَ رطبا
أَو ذَا الرطب فَصَارَ تَمرا أَو ذَا التَّمْر فَصَارَ حلوى أَو لَا يدْخل ذِي الدَّار فَصَارَت ساحة
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث فِي الْبُسْر وَالرّطب وَالتَّمْر
وَيحنث فِي الْبَاقِي
وللشافعية وَجْهَان
وَمَالك وَأحمد يَحْنَث فِي الْجَمِيع(2/260)
فصل وَلَو حلف لَا يدْخل بَيْتا
فَدخل الْمَسْجِد أَو الْحمام
قَالَ الثَّلَاثَة لَا يَحْنَث
وَقَالَ أَحْمد يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يسكن بَيْتا
فسكن بَيْتا من شعر أَو جلد أَو خيمة وَكَانَ من أهل الْأَمْصَار
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
فَإِن كَانَ من أهل الْبَادِيَة حنث وَلَا نَص عِنْد مَالك فِي ذَلِك إِلَّا أَن أُصُوله تَقْتَضِي الْحِنْث
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يَحْنَث إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة قرويا كَانَ أَو بدويا
وَمن أَصْحَابه من فرق بَينهمَا
وَلَو حلف أَن لَا يفعل شَيْئا
فَأمر غَيره فَفعله
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَحْنَث فِي النِّكَاح وَالطَّلَاق
لَا فِي البيع وَالْإِجَارَة إِلَّا أَن يكون مِمَّن جرت عَادَته أَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ
فَيحنث مُطلقًا
وَقَالَ مَالك إِن لم يتول ذَلِك بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ سُلْطَانا أَو مِمَّن لَا يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ أَو كَانَت لَهُ نِيَّة فِي ذَلِك حنث وَإِلَّا فَلَا
وَقَالَ أَحْمد يَحْنَث مُطلقًا
وَلَو حلف ليقضينه دينه فِي غَد فقضاه قبله
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي يَحْنَث
وَلَو مَاتَ صَاحب الْحق قبل الْغَد حنث عِنْد أبي يُوسُف وَأحمد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث
وَقَالَ مَالك إِن قَضَاهُ الْوَرَثَة أَو القَاضِي فِي الْغَد لم يَحْنَث
وَإِن أَخّرهُ حنث
وَإِن حلف ليشربن مَاء هَذَا الْكوز فِي غَد فأهريق قبل الْغَد
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِن تلف قبل الْغَد بِغَيْر اخْتِيَاره لم يَحْنَث
وَلَو حلف ليشربن مَاء هَذَا الْكوز فَلم يكن مَاء
لم يَحْنَث بالِاتِّفَاقِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَحْنَث
فصل لَو فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ نَاسِيا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَحْنَث مُطلقًا سَوَاء كَانَ الْحلف بِاللَّه أَو بِالطَّلَاق أَو بالعتاق أَو بالظهار
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أظهرهمَا لَا يَحْنَث مُطلقًا
وَعند أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهَا إِن كَانَت الْيَمين بِاللَّه تَعَالَى أَو بالظهار لم يَحْنَث
وَإِن كَانَت بِالطَّلَاق أَو بالعتاق حنث
الثَّانِيَة يَحْنَث فِي الْجَمِيع
وَالثَّالِثَة لَا يَحْنَث فِي الْجَمِيع
وَاخْتلفُوا فِي يَمِين الْمُكْره فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تَنْعَقِد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تَنْعَقِد
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ وَالله لَا كلمت فلَانا حينا وَنوى بِهِ شَيْئا معينا أَنه على مَا نَوَاه
وَإِن لم يُنَوّه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يكلمهُ سِتَّة أشهر
وَقَالَ مَالك سنة
وَقَالَ الشَّافِعِي سَاعَة(2/261)
وَلَو حلف لَا يكلم فلَانا فكاتبه أَو راسله أَو أَشَارَ بِيَدِهِ أَو عينه أَو رَأسه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد لَا يَحْنَث
وَقَالَ مَالك يَحْنَث بالمكاتبة
وَفِي المراسلة وَالْإِشَارَة عَنهُ رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَحْمد يَحْنَث
وَهُوَ الْقَدِيم عِنْد الشَّافِعِي
فصل لَو قَالَ لزوجته إِن خرجت
بِغَيْر إذني
فَأَنت طَالِق وَنوى شَيْئا معينا
فَإِنَّهُ على مَا نَوَاه
وَإِن لم ينْو شَيْئا أَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن خرجت إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى آذن لَك قَالَ أَبُو حنيفَة إِن قَالَ إِن خرجت بِغَيْر إذني فَلَا بُد من الْإِذْن فِي كل مرّة
وَإِن قَالَ إِلَّا أَن آذن لَك أَو حَتَّى آذن لَك أَو إِلَى أَن آذن لَك كفى مرّة وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ الْخُرُوج الأول يحْتَاج إِلَى الْإِذْن فِي الْجَمِيع
وَلَو أذن لَهَا من حَيْثُ لَا تسمع لم يكن ذَلِك إِذْنا عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ إِذن صَحِيح
فصل وَلَو حلف لَا يَأْكُل الرؤوس
وَلَا نِيَّة لَهُ
بل أطلق وَلَا يُوجد سَبَب يسْتَدلّ بِهِ على النِّيَّة
قَالَ مَالك وَأحمد يحمل على جَمِيع مَا سمى رَأْسا حَقِيقَة فِي وضع اللُّغَة وَعرفهَا من الْأَنْعَام والطيور وَالْحِيتَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحمل على رُؤُوس الْبَقر وَالْغنم خَاصَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي يحمل على الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
فصل لَو حلف ليضربن زيدا
مائَة سَوط
فَضَربهُ بضغث فِيهِ مائَة شِمْرَاخ
فَهَل يبر بذلك قَالَ مَالك وَأحمد لَا يبر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يبر
وَلَو حلف لَا يهب فلَانا هبة فَتصدق عَلَيْهِ
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَحْنَث
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
وَلَو حلف ليقْتلن فلَانا وَكَانَ مَيتا وَهُوَ لَا يعلم بِمَوْتِهِ لم يَحْنَث
وَإِن كَانَ يعلم حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك لَا يَحْنَث مُطلقًا علم أَو لم يعلم
وَلَو حلف أَنه لَا مَال لَهُ وَله دُيُون
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل فَاكِهَة
فَأكل رطبا أَو رمانا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَحده لَا يَحْنَث
وَقَالَ الثَّلَاثَة يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل أدما
فَأكل اللَّحْم أَو الْخبز أَو الْبيض
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث إِلَّا بِأَكْل مَا يطْبخ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَحْنَث فِي أكل الْكل
وَلَو حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا فَأكل سمكًا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل لَحْمًا
فَأكل شحما
لم يَحْنَث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل شحما فَأكل من شَحم الظّهْر حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا(2/262)
يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يشم البنفسج فشم دهنه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد يَحْنَث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يستخدم هَذَا العَبْد فخدمه من غير أَن يستخدمه وَهُوَ سَاكِت لَا ينهاه عَن خدمته
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن لم يسْبق مِنْهُ خدمَة قبل الْيَمين فخدمه بِغَيْر إِذْنه لم يَحْنَث
وَإِن كَانَ قد استخدمه قبل الْيَمين وَبَقِي على الْخدمَة لَهُ حنث
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث فِي عبد غَيره
وَفِي عبد نَفسه لأَصْحَابه وَجْهَان
وَقَالَ مَالك وَأحمد يَحْنَث مُطلقًا
وَلَو حلف لَا يتَكَلَّم
فَقَرَأَ الْقُرْآن
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَحْنَث مُطلقًا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن قَرَأَ فِي الصَّلَاة لم يَحْنَث أَو فِي غَيرهَا حنث
وَلَو حلف لَا يدْخل على فلَان بَيْتا فَأدْخل فلَان عَلَيْهِ فاستدام الْمقَام مَعَه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه لَا يَحْنَث
وَقَالَ مَالك وَأحمد يَحْنَث
وَهُوَ القَوْل الثَّانِي للشَّافِعِيّ
وَلَو حلف لَا يسكن مَعَ فلَان دَارا بِعَينهَا فاقتسماها وَجعلا بَينهمَا حَائِطا وَلكُل وَاحِد بَابا وغلقا وَسكن كل وَاحِد مِنْهُمَا من جنب
قَالَ مَالك يَحْنَث وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يَحْنَث
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ
وَلَو قَالَ مماليكي أَو عَبِيدِي أَحْرَار
قَالَ أَبُو حنيفَة يدْخل فِيهِ الْمُدبر وَأم الْوَلَد
وَأما الْمكَاتب فَلَا يدْخل إِلَّا بنية والشقص لَا يدْخل أصلا
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ يدْخل الْكل
وَهُوَ مَذْهَب مَالك
وَقَالَ الشَّافِعِي يدْخل الْمُدبر وَالْعَبْد وَأم الْوَلَد
وَعنهُ فِي الْمكَاتب قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يدْخل
وَقَالَ أَحْمد يدْخل الْكل
وَعنهُ رِوَايَة فِي الشّقص أَنه لَا يدْخل إِلَّا بنية
فصل وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَفَّارَة
إطْعَام عشرَة مَسَاكِين أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة
والحالف مُخَيّر فِي أَي ذَلِك شَاءَ
فَإِن لم يجد انْتقل إِلَى صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام
وَهل يجب التَّتَابُع فِي صَومهَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يجب
وَقَالَ مَالك لَا يجب
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
الْجَدِيد الرَّاجِح أَنه لَا يجب
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجزىء فِي الْإِعْتَاق إِلَّا رَقَبَة مُؤمنَة سليمَة من الْعُيُوب خَالِيَة من شركَة إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ لم يعْتَبر فِيهَا الْإِيمَان
وَهُوَ مُشكل
لِأَن الْعتْق ثَمَرَته تَخْلِيص رَقَبَة لعبادة الله عز وَجل
فَإِذا أعتق رَقَبَة كَافَّة فَإِنَّمَا فرغها لعبادة إِبْلِيس
وَالْعِتْق قربَة أَيْضا
وَلَا يحسن التَّقَرُّب بِكَافِر(2/263)
وَأَجْمعُوا على أَنه لَو أطْعم مِسْكينا وَاحِدًا عشرَة أَيَّام لم تحسب إِلَّا عَن إطْعَام وَاحِد إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ قَالَ يُجزئهُ عَن عشرَة مَسَاكِين
وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يطعم كل مِسْكين
فَقَالَ مَالك مد وَهُوَ رطلان بالبغدادي وَشَيْء من الْأدم
فَإِن اقْتصر على مد أَجزَأَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أخرج برا
فَنصف صَاع أَو تَمرا أَو شَعِيرًا فصاعا
وَقَالَ أَحْمد رَحمَه الله مد من حِنْطَة أَو دَقِيق أَو مدان من شعير أَو تمر أَو رطلان من خبز
وَقَالَ الشَّافِعِي لكل مِسْكين مدا
وَالْكِسْوَة مقدرَة بِأَقَلّ مَا تجزىء بِهِ الصَّلَاة عِنْد مَالك وَأحمد
فَفِي حق الرجل ثوب كقميص وَإِزَار
وَفِي حق الْمَرْأَة قَمِيص وخمار
وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يجزىء أقل مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَله قبَاء أَو قَمِيص أَو كسَاء أَو رِدَاء
وَلَهُم فِي الْعِمَامَة والمنديل والسراويل والمئزر رِوَايَتَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يجزىء جَمِيع ذَلِك
وَفِي القلنسوة لأَصْحَابه وَجْهَان
وَأَجْمعُوا على أَنه يجوز دَفعهَا إِلَى الْفُقَرَاء الْمُسلمين الْأَحْرَار وَإِلَى صَغِير يقبضهَا وليه
وَهل يجزىء لصغير لم يطعم الطَّعَام قَالَ الثَّلَاثَة نعم
وَقَالَ أَحْمد لَا
وَلَو أطْعم خَمْسَة وكسا خَمْسَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تجزىء
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجزىء
فصل لَو كرر الْيَمين
على شَيْء وَاحِد أَو على أَشْيَاء وَحنث
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَلَيْهِ لكل يَمِين كَفَّارَة إِلَّا أَن مَالِكًا اعْتبر إِرَادَة التَّأْكِيد
فَقَالَ إِن أَرَادَ التَّأْكِيد فكفارة وَاحِدَة أَو الِاسْتِئْنَاف فَلِكُل يَمِين كَفَّارَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة فِي الْجَمِيع
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَت على شَيْء وَاحِد وَنوى بِمَا زَاد على الأولة التَّأْكِيد فَهُوَ على مَا نوى
وَيلْزمهُ كَفَّارَة وَاحِدَة
وَإِن أَرَادَ بالتكرار الِاسْتِئْنَاف فهما يمينان
وَفِي الْكَفَّارَة قَولَانِ
أَحدهمَا كَفَّارَة
وَالثَّانِي كفارتان
وَإِن كَانَت على أَشْيَاء مُخْتَلفَة فَلِكُل شَيْء مِنْهَا كَفَّارَة
فصل لَو أَرَادَ العَبْد التَّكْفِير
بالصيام
فَهَل يملك سَيّده مَنعه قَالَ الشَّافِعِي إِن(2/264)
أذن لَهُ فِي الْيَمين والحنث لم يمنعهُ
وَإِلَّا فَلهُ مَنعه
وَقَالَ أَحْمد لَيْسَ لَهُ مَنعه على الْإِطْلَاق
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة لَهُ مَنعه مُطلقًا إِلَّا فِي كَفَّارَة الظِّهَار
وَقَالَ مَالك إِن أضربه الصَّوْم فَلهُ مَنعه وَإِلَّا فَلَا
وَله الصَّوْم من غير إِذْنه إِلَّا فِي كَفَّارَة الظِّهَار
فَلَيْسَ لَهُ مَنعه مُطلقًا
فصل وَلَو قَالَ إِن فعل كَذَا
فَهُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو كَافِر أَو برىء من الْإِسْلَام أَو الرَّسُول ثمَّ فعله حنث
وَوَجَبَت الْكَفَّارَة عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا كَفَّارَة
وَلَو قَالَ وعهد الله وميثاقه فَهُوَ يَمِين إِلَّا عِنْد أبي حنيفَة إِلَّا أَن يَقُول عَليّ عهد الله وميثاقه فيمين بالِاتِّفَاقِ
وَلَو قَالَ وَأَمَانَة الله فيمين إِلَّا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
فصل وَلَو حلف لَا يلبس حليا
فَلبس خَاتمًا
حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث
وَلَو حَلَفت الْمَرْأَة لَا تلبس حليا فَلبِست اللُّؤْلُؤ والجوهر حنثت
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تَحنث إِلَّا أَن يكون مَعَه ذهب أَو فضَّة
وَلَو قَالَ الله لَا أكلت هَذَا الرَّغِيف فَأكل بعضه أَو لَا شربت مَاء هَذَا الْكوز فَشرب بعضه أَو لَا لبست من غزل فُلَانَة فَلبس ثوبا فِيهِ من غزلها أَو لَا دخلت هَذِه الدَّار فَأدْخل رجله أَو يَده لم يَحْنَث عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالك وَأحمد يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يَأْكُل طَعَاما اشْتَرَاهُ فلَان فَأكل مِمَّا اشْتَرَاهُ هُوَ وَغَيره حنث عِنْد مَالك وَأحمد
وَكَذَلِكَ لَو حلف لَا يلبس ثوبا اشْتَرَاهُ فلَان أَو لَا يسكن دَارا اشْتَرَاهَا وَمَا فِي معنى ذَلِك
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَحْنَث بِأَكْل الطَّعَام وَحده
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث فِي الْجَمِيع
فصل وَلَو حلف لَا يَأْكُل
هَذَا الدَّقِيق فاستف مِنْهُ أَو خبزه وَأكله حنث عِنْد مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن استف لم يَحْنَث وَإِن خبزه وَأكل حنث
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن استف حنث وَإِن خبز وَأكل لم يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يدْخل دَار فلَان حنث بِمَا يسكنهُ بالكراء عِنْد الثَّلَاثَة
وَكَذَا لَو حلف لَا يركب دَابَّة فلَان فَركب دَابَّة عَبده حنث عِنْدهم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث إِن لم يكن لَهُ نِيَّة
وَلَو حلف لَا يشرب من الدجلة أَو الْفُرَات أَو النّيل
فغرف من مَائِهَا بِيَدِهِ أَو بِإِنَاء وَشرب حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَحْنَث حَتَّى يكرع بِفِيهِ مِنْهَا كرعا
وَلَو حلف لَا يشرب مَاء هَذَا الْبِئْر(2/265)
فَشرب مِنْهُ قَلِيلا حنث عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
إِلَّا أَن يَنْوِي أَن لَا يشرب جَمِيعه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث
فصل وَلَو حلف لَا يضْرب زَوجته
فخنقها أَو عضها أَو نتف شعرهَا
حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث
وَلَو حلف لَا يستبرىء وجامعها حنث
وَإِن عصبها
يطْلب وَلَدهَا عِنْد مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أحصنها وجامعها حنث
وَزَاد الشَّافِعِي وَطلب وَلَدهَا
وَلَو حلف لَا يهب فلَانا شَيْئا ثمَّ وهبه فَلم يقبله حنث عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَحْنَث حَتَّى يقبله ويقبضه
وَلَو حلف لَا يَبِيع فَبَاعَ بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ حنث عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك لَا يَحْنَث
فصل وَإِذا كَانَ لَهُ مَال غَائِب
أَو دين وَلم يجد مَا يعْتق أَو يكسو أَو يطعم لم يجزه الصّيام
وَعَلِيهِ أَن يصبر حَتَّى يصل إِلَى مَاله ثمَّ يكفر بِالْمَالِ عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ الصّيام عِنْد غيبَة المَال
انْتهى
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور كَثِيرَة مُتعَدِّدَة بِتَعَدُّد الوقائع فِي الدَّعَاوَى الشَّرْعِيَّة
وتختلف باخْتلَاف حالاتها
وَلكنهَا لَا تخرج عَن الْأَقْسَام الَّتِي تقدم ذكرهَا
وَهِي تَارَة تقع جَوَابا عَن الدَّعْوَى
وَتلك يَمِين الْمُنكر وَتَقَع مُخَالفَة لدعوى الْمُدَّعِي غير ملزمة لما ادَّعَاهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَة
وَتارَة تكون يَمِين الْحجَّة وَهِي المكملة لبينة الْمُدَّعِي
وَهِي لَا تقع إِلَّا مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد فِي الْأَمْوَال عِنْد من يرى الْعَمَل بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين
وَلَا يجْرِي إِلَّا على وفْق مَا يشْهد بِهِ الشَّاهِد الْوَاحِد لفظا لَا معنى ليكمل بهَا الْحجَّة فِي الْمُدعى بِهِ
وَتارَة تكون يَمِين اسْتِحْقَاق مَعَ الشَّاهِد
وَهِي الَّتِي يَأْتِي فِيهَا الْحَالِف بِصفة اسْتِحْقَاقه لما يحلف عَلَيْهِ
وعَلى عدم الْمسْقط لذَلِك ولشيء مِنْهُ إِلَى حِين الْحلف
وَقد تقدم تَقْرِير هَذِه الْيَمين فِي سبع مسَائِل
وَأما صور الْأَيْمَان الَّتِي تجْرِي بَين وُلَاة العهود من الْمُلُوك والسلاطين وكفال الممالك وأمراء الدولة والأمناء من أَرْبَاب وظائفها
ونواب القلاع وَغَيرهم على الْعَادة الْجَارِيَة بَينهمَا فِي مثل ذَلِك وأيمان أهل الْكتاب
فَمِنْهَا(2/266)
صُورَة يَمِين السلاطين والأمراء أَقُول وَأَنا فلَان وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الطَّالِب الْغَالِب الْمدْرك المهلك المنتقم الْجَبَّار الَّذِي يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور الْقَائِم على كل نفس بِمَا كسبت والمجازي لَهَا بِمَا عملت وَحقّ جلال الله وقدرة الله وكبرياء الله وعظمة الله
وَسَائِر أَسْمَائِهِ الْحسنى وَصِفَاته الْعليا إِنَّنِي من وقتي هَذَا
وَمَا أمد الله فِي عمري قد أخلصت نيتي وأصفيت طويتي وَلَا أَزَال مُجْتَهدا فِي إخلاص النِّيَّة وإصفاء الطوية لمولانا السُّلْطَان فلَان أَو لأوالين مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان بِصدق من نيتي وإخلاص من طويتي واستواء من باطني وظاهري وسري وجهري وَقَوْلِي وفعلي ولأعادين أعداءه وَلَا أصحبهم فِي سَائِر مَا أتصرف فِيهِ من علمه ولأقطعن مَا بيني وَبَين أعدائه أَو بَين فلَان من سَبَب وعصمة وذمام وعلقة وتبعة ولأحاربن من حاربه ولأسالمن من سالمه ولأعادين من عداهُ ولأوالين من وَالَاهُ من سَائِر النَّاس أَجْمَعِينَ
وإنني وَالله الْعَظِيم لَا أضمر لمولانا السُّلْطَان سوءا وَلَا غدرا وَلَا مكرا وَلَا خديعة وَلَا خِيَانَة فِي نفس وَلَا مَال وَلَا سلطنة وَلَا قلاع وَلَا حصون وَلَا بِلَاد وَلَا غير ذَلِك وَلَا أسعى فِي تَفْرِيق كلمة أَحْمد من أمرائه وَلَا مماليكه وَلَا عساكره وَلَا جُنُوده وَلَا أستميل طَائِفَة مِنْهُم وَلَا من غَيرهم على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس لغيره وَلَا أوافق على ذَلِك بقول وَلَا فعل وَلَا نِيَّة وَلَا مُكَاتبَة وَلَا مراسلة وَلَا إِشَارَة وَلَا صَرِيح وَلَا كِنَايَة
وَإِن ورد عَليّ كتاب من أحد من خلق الله بِمَا فِيهِ مضرَّة على مَوْلَانَا السُّلْطَان أَو على دولته لَا أعمل بِهِ وَلَا أصغي إِلَيْهِ
وأنفذ الْكتاب أَو أحملهُ إِلَى بَين يَدَيْهِ الشَّرِيفَة وَمن أحضرهُ إِن قدرت على إِمْسَاكه
ولأكونن كَأحد أوليائه فِي مناصبة أعدائه ومباينتهم والتصدي لطلبهم وَالدّلَالَة على عَوْرَاتهمْ والإنهاء لما يتَّصل بِي من أخبارهم وَلَا قبلت أحدا يأوي إِلَيّ من أَصْحَابهم إِلَّا أَن يكون مستأمنا دَاخِلا فِي الطَّاعَة
فأقبله وأنفذه إِلَى حَضرته وأصدق عَن أمره وَلَا حملت إِلَى معسكر فلَان وَلَا أحد من أَصْحَابه ميرة وَلَا أعنتهم بمعونة وَلَا وَافَقت أحدا من أَصْحَابِي على أَن يميرهم وَلَا تأولت فِي ذَلِك وَلَا وريت عَنهُ وَلَا تواطأت عَلَيْهِ
وَمَتى بَلغنِي أَن أحدا من النَّاس فعل ذَلِك ذكرت خَبره لمولانا السُّلْطَان
وَاجْتَهَدت فِي الْخدمَة والنصيحة الْمَحْضَة وَالطَّاعَة الْخَالِصَة من امْتِثَال مراسيم مَوْلَانَا السُّلْطَان
وَالْعَمَل بأوامره الشَّرِيفَة
وَفِي كل مَا يقربنِي إِلَيْهِ وَلَا تَأَخَّرت مَتى رسم لي بالحضور
وَإِن خَالَفت ذَلِك أَو شَيْئا مِنْهُ أَو تأولت فِيهِ أَو فِي شَيْء مِنْهُ أَو نقضته أَو شَيْئا مِنْهُ
فأيمان الْبيعَة لَازِمَة لي بحلالها وحرامها وطلاقها وعتاقها
وَكَانَ كل مَا أملكهُ من(2/267)
صَامت وناطق صَدَقَة على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
وَكَانَت كل زَوْجَة فِي عقد نِكَاحه أَو يَتَزَوَّجهَا فِي الْمُسْتَقْبل طَالقا ثَلَاثًا بتاتا طَلَاق الْحَرج وَالسّنة على سَائِر الْمذَاهب
وَكَانَ كل مَمْلُوك أَو أمة أَو يملكهم فِي الْمُسْتَقْبل أحرارا لوجه الله تَعَالَى
وَكَانَ عَلَيْهِ الْحَج إِلَى بَيت الله الْحَرَام بِمَكَّة المشرفة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة ثَلَاثَة حجَّة مُتَوَالِيَات مُتَتَابِعَات كوامل حافيا حاسرا
وَكَانَ عَلَيْهِ صَوْم الدَّهْر كُله إِلَّا الْأَيَّام الْمنْهِي عَنْهَا
وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يفك ألف رَقَبَة مُؤمنَة من أسر الْكفَّار وبرئت إِذْ ذَاك من الله وَرَسُوله وَمن الْقُرْآن وَمن أنزلهُ وَأنزل عَلَيْهِ
وأكون قد خلعت عصمَة الْإِسْلَام وخلعت رقبته من عنقِي
وَلَقِيت الله خَارِجا عَنْهَا
وَعَن كل ذمَّة من ذممه وَعَن كل عهد من عهوده
وَهَذِه الْيَمين يَمِيني حَلَفت بهَا طَائِعا رَاغِبًا مُخْتَارًا مذعنا لطاعة الله وَطَاعَة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَولي الْأَمر
وَالنِّيَّة فِيهَا بأسرها نِيَّة مَوْلَانَا السُّلْطَان
وَنِيَّة مستحلفي لَهُ بهَا لَا نِيَّة لي فِي باطني وظاهري سواهَا أشهد الله عَليّ بذلك وَكفى بِاللَّه شَهِيدا
وَالله على مَا أَقُول وَكيل
وَيكْتب الْحَالِف اسْمه فِي نُسْخَة هَذَا الْحلف فِي أَولهَا وَآخِرهَا
وَيكْتب عَنهُ بأَمْره وإذنه إِن كَانَ مِمَّن لَا يكْتب وَإِن أشهد عَلَيْهِ فِي ذَلِك من حضر من أهل الشَّهَادَة
فَهُوَ حسن
وَهَذِه الْيَمين تصلح لِلْبيعَةِ الْعَامَّة
تلخص ويفرد مِنْهَا مَا هُوَ الْمَقْصُود من ذَلِك الْحَالِف وَيحلف عَلَيْهِ
وَأما الوزراء وأرباب التَّصَرُّفَات فِي الْأَمْوَال فَيَزْدَاد فِي تحليفهم وإنني أحفظ أَمْوَال مَوْلَانَا السُّلْطَان خلد الله ملكه من التبذير والإسراف والضياع والخونة وتفريط أهل الْعَجز وَلَا أستخدم فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ إِلَّا أهل الْكِفَايَة وَالْأَمَانَة وَلَا أضمن جِهَة من الْجِهَات الديوانية إِلَّا من الأملياء القادرين أَو مِمَّن زَاد زِيَادَة ظَاهِرَة وَأقَام عَلَيْهِ الضَّمَان الثِّقَات وَلَا أؤخر مُطَالبَة أحد بِمَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ بِوَجْه حق من حُقُوق الدِّيوَان الْمَعْمُور وَالْمُوجِبَات السُّلْطَانِيَّة على اختلافها
وإنني وَالله الْعَظِيم لَا أرخص فِي تسجيل وَلَا قِيَاس وَلَا أسامح أحدا بِمُوجب يجب عَلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة يتَعَيَّن مَعهَا الْمُسَامحَة وَلَا أخرج عَن أَمر مَوْلَانَا السُّلْطَان فِيمَا يَأْمُرنِي بِهِ وَلَا أعدل عَن مصلحَة تتَعَيَّن لَهُ ولدولته الشَّرِيفَة وَلَا أعلق أَمر مباشري ديوَان دولته الشَّرِيفَة إِلَّا بِمن يصلح أَحْوَاله بِاجْتِهَاد فِي تثمير أَمْوَاله
وكف أَيدي الخونة عَنهُ
وغل أَيْديهم أَن تصل إِلَى شَيْء مِنْهُ بِغَيْر حق وَلَا أدع حَاضرا وَلَا غَائِبا من أُمُور هَذِه الْمُبَاشرَة حَتَّى أجتهد فِيهِ الِاجْتِهَاد الْكُلِّي
وأجرى أُمُوره على السداد وَحسن الِاعْتِمَاد ومحض النَّصِيحَة(2/268)
وإنني لَا استجديت شَيْئا على المستقر إِطْلَاقه لأحد من خلق الله مَا لم يرسم لي بِهِ إِلَّا مَا فِيهِ مصلحَة ظَاهِرَة
وغبطة وافرة ونفع بَين لهَذِهِ الدولة الْقَاهِرَة
وإنني وَالله الْعَظِيم أؤدي الْأَمَانَة فِي كل كلما علق بِي ووليته من الْقَبْض وَالصرْف وَالْولَايَة والعزل والتقديم وَالتَّأْخِير وجهات الاستحقاقات الْقَلِيل مِنْهَا وَالْكثير والجليل والحقير
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَأما الدوادارية وَكتاب السِّرّ فيزاد فِي تحليفهم وإنني مهما اطَّلَعت عَلَيْهِ من مصَالح مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان ونصائحه وَأمر أَتَى ملكه ونازحه أوصله وأعرضه عَلَيْهِ وَلَا أخفيه شَيْئا مِنْهُ
وَلَو كَانَ عَليّ وَلَا أكتمه وَلَو خفت وُصُول ضَرَره إِلَيّ
ويفرد الدوادار وإنني لَا أؤدي عَن مَوْلَانَا السُّلْطَان رِسَالَة فِي إِطْلَاق مَال وَلَا اسْتِخْدَام مستخدم وَلَا اقتطاع إقطاع وَلَا تَرْتِيب مُرَتّب وَلَا تَجْدِيد مستجد وَلَا سداد شاغر وَلَا فصل مُنَازعَة وَلَا كِتَابَة توقيع وَلَا مرسوم وَلَا كتاب صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا جَلِيلًا كَانَ أَو حَقِيرًا إِلَّا بعد عرضه على مسامع مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان ومشاورته ومعاودة أمره الشريف ومراجعته فِيهِ
ويفرد كتاب السِّرّ وإنني وَالله الْعَظِيم مهما تَأَخَّرت قِرَاءَته من الْكتب الْوَارِدَة على مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان من الْبعيد والقريب
أعاوده فِيهِ فِي وَقت آخر
فَإِن لم أعاود فِيهِ لمجموع لَفظه لطوله
عاودته فِيهِ بِمَعْنَاهُ مُلَخصا
وإنني لَا أجاوب فِي شَيْء لم ينص المرسوم الشريف فِيهِ بِنَصّ خَاص
مِمَّا لم تجر الْعَادة بِالنَّصِّ فِيهِ لَا أجاوب فِيهِ إِلَّا بأكمل مَا أرى أَن فِيهِ مصلحَة مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان ومصلحة دولته الشَّرِيفَة بأسد جَوَاب أقدر عَلَيْهِ
ويصل اجتهادي إِلَيْهِ
وَمهما أمكن الْمُرَاجَعَة فِيهِ لمولانا السُّلْطَان فلَان راجعته فِيهِ وَقت الْإِمْكَان
وعملت بِنَصّ مَا يرسم لي بِهِ فِيهِ
وَأما نواب القلاع فيزاد فِي تحليفهم وإنني أجمع رجال هَذِه القلعة ويسمي القلعة الَّتِي هُوَ فِيهَا على طَاعَة مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان وخدمته فِي حفظ هَذِه القلعة وحمايتها وتحصينها والذب عَنْهَا وَالْجهَاد دونهَا والمدافعة بِكُل طَرِيق
وإنني أحفظ حواصلها وذخائرها وَسلَاح خاناتها على اخْتِلَاف أَنْوَاع مَا فِيهَا من الأقوات والأسلحة حفظا تَاما
وَلَا أخرج شَيْئا مِنْهَا إِلَّا فِي أَوْقَات الْحَاجة والضرورة الداعية الْمُتَعَيّن فِيهَا تَفْرِيق الأقوات وَالسِّلَاح على قدر الْحَاجة
وإنني أكون فِي ذَلِك كواحد مِمَّن يتبع اتِّبَاع رجال هَذِه القلعة وَلَا أتخصص وَلَا أمكن من التَّخْصِيص فِيمَا لَا يُمكن فِيهِ التَّخْصِيص(2/269)
قلت بدين التَّوْحِيد
وتعبدت غير الأرباب
وَقلت إِن الْمعَاد غير روحاني وَأَن نَبِي المعمودية لَا يسبح فِي فسيح السَّمَاء وأبيت من وجود الْحور الْعين فِي الْمعَاد
وَأَن فِي الدَّار الْآخِرَة التلذذات الجسمانية وَخرجت خُرُوج الشعرة من الْعَجِين من دين النَّصْرَانِيَّة وبرأت من اعتقادي فِي الْمَسِيح وَأمه وأكون محروما من ديني
وَقلت إِن جرجس لم يقتل مَظْلُوما
فَإِن كَانَ الْحَالِف يعقوبيا بدل قَوْله اللاهوت بالناسوت بقوله ممارسة اللاهوت الناسوت وَيبْطل قَوْله ووافقت البردعان بإنطاكية
وجحدت مَذْهَب الملكانية ويبدله بقوله وكذبت يَعْقُوب
وَقلت إِنَّه غير نَصْرَانِيّ وجحدت اليعقوبية
وَقلت إِن الْحق مَعَ الملكية
وكذبت مَا تضمنه الْإِنْجِيل الْمُقَدّس
ومزقت شَدَائِد مَرْيَم وعصبت بهَا رَأْسِي
وذبحت القسوس وَتركت على المذبح حَيْضَة يَهُودِيَّة
وطفأت قناديل نَار جرجس وَإِلَّا تزوجت يَهُودِيَّة طمثاء حَتَّى لَا أطهر أبدا وَإِلَّا غسلت أثوابي صَبِيحَة الْجمع
ورميت القاذورات فِي الْكَنَائِس وَالْبيع وعصيت اللاهوت وجحدت الناسوت
صُورَة يَمِين السامرة وَهِي على نَحْو يَمِين الْيَهُود لأَنهم مِنْهُم
وَقد قَالَ الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم إِن وَافَقت أصولهم أصُول الْيَهُود أقرُّوا وَإِلَّا فَلَا
وَصُورَة يمينهم تفرد بِموضع خلافهم لفرق الْيَهُود
فَإِنَّهُم يوافقونهم فِي شَيْء ويخالفونهم فِي أَشْيَاء
وَهِي وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم الْبَارِي الْقَادِر القاهر الْقَدِيم الأزلي رب مُوسَى وَهَارُون منزل التَّوْرَاة والألواح الْجَوْهَر بِمَا فِيهَا من الْآيَات الْعَظِيمَة منقذ بني إِسْرَائِيل وناصب الطّور قبْلَة للمتعبدين وَإِلَّا كفرت بِمَا فِي التَّوْرَاة وبرئت من نبوة مُوسَى
وَقلت بِأَن الْإِمَامَة فِي غير بني هَارُون ودكيت الطّور
وقلعت بيَدي أثر الْبَيْت الْمَعْمُور واستبحت حرمات السبت
وَقلت بالتأويل فِي الدّين وأقررت بِصِحَّة توراة الْيَهُود وَأنْكرت القَوْل بِأَنَّهُ لَا مساس وَلم أتجنب شَيْئا من الذَّبَائِح
وأكلت الجدي بِلَبن أمه
وسعيت فِي الْخُرُوج إِلَى الأَرْض الْمَحْظُور على سكنها وأتيت النِّسَاء الْحيض زمَان الطمث مستبيحا لَهُنَّ وَبت مَعَهُنَّ فِي الْمضَاجِع وَكنت أول كَافِر بخلافة هَارُون وأنفت مِنْهَا أَن تكون
وَصُورَة يَمِين الْمَجُوس إِنَّنِي وَالله وَالله الرب الْعَظِيم الْقَدِيم النُّور الأزلي رب الأرباب وإله الْآلهَة ماحي آيَة الظُّلم والموجد من الْعَدَم مُدبر الأفلاك ومسيرها ومنور الشهب ومصورها خَالق الشَّمْس وَالْقَمَر ومنبت النَّجْم وَالشَّجر وَالنَّار والنور(2/270)
والظل والحرور وَحقّ حيومرت وَمَا أولد من كرائم النَّسْل وزرادشت وَمَا جَاءَ بِهِ من القَوْل الْفَصْل والزبد وَمَا تضمن والخط المستدير وَمَا بَين وَإِلَّا أنْكرت أَن زرادشت لم يَأْتِ بالدائرة الصَّحِيحَة بِغَيْر آلَة وَأَن مملكة أفريدون كَانَت ضَلَالَة وأكون قد أشركت بهراسف فِيمَا سفك طعما لحيته
وَقلت إِن دانيال لم يُسَلط عَلَيْهِ
وَحرقت بيد الدرفش
وَأنْكرت مَا عَلَيْهِ من الْوَضع الَّذِي أشرقت عَلَيْهِ أجرام الْكَوَاكِب وتمازجت فِيهِ القوى الأرضية بالقوى السماوية وكذبت هاني وصدقت مدرك واستبحت فُصُول الْفروج وَالْأَمْوَال وَقلت بإنكار التَّرْتِيب فِي طَبَقَات الْعَالم وَأَنه لَا مرجع فِي الْأُبُوَّة إِلَّا إِلَى آدم
وفضلت الْعَرَب على الْعَجم
وَجعلت الْفرس كَسَائِر الْأُمَم ومسحت بيَدي خطوط الفهلوية
وجحدت السياسة الساسانية
وَكنت مِمَّن غزا الْفرس مَعَ الرّوم
وَمِمَّنْ خطأ سَابُور فِي خلع أكتاف الْعَرَب وجلبت الْبلَاء إِلَى بابل وَدنت بِغَيْر دين الْأَوَائِل وَإِلَّا أطفأت النَّار وأنكزت فعل الْفلك الدوار
ومالأت فَاعل اللَّيْل على فَاعل النَّهَار
وأبطلت حكم النيروز والمهرجان وَأَطْفَأت لَيْلَة الصدْق مصابيح النيرَان وَإِلَّا أكون مِمَّن حرم فروج الْأُمَّهَات
وَقَالَ بِأَنَّهُ لَا يجوز الْجمع بَين الْأَخَوَات وأكون مِمَّن أنكر صَوَاب أزدشير وَكتب لفيومي بئس الْمولى وَبئسَ العشير
وَأما صُورَة أَيْمَان أهل الْبدع من الرافضة وأنواع الشِّيعَة فهم طوائف كَثِيرَة يجمعهُمْ حب عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وتختلف فرقهم فِي سواهُ
فَأَما مَعَ إِجْمَاعهم على حبه فهم مُخْتَلفُونَ فِي اعْتِقَادهم فِيهِ
فَمنهمْ أهل غلو مفرط وعتو زَائِد وَمِنْهُم من أدّى بِهِ الغلو إِلَى أَن اتخذ عليا إِلَهًا
وَمِنْهُم النصيرية
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه النَّبِي الْمُرْسل وَلَكِن غلط جِبْرِيل
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه شريك فِي النُّبُوَّة والرسالة
وَمِنْهُم من قَالَ إِنَّه وصّى النُّبُوَّة بِالنَّصِّ الْجَلِيّ
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْإِمَامَة بعده
وَأَجْمعُوا بعده على الْحسن ثمَّ الْحُسَيْن
قَالَت فرقة وبعدهما مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة
وجماهير الْقَوْم الْمَوْجُودين الْآن فرق ظَاهِرَة فِي هَذِه الممالك
مِنْهُم النصيرية والإسماعيلية والإمامية والزيدية
فَأَما النصرية فهم الْقَائِلُونَ بألوهية عَليّ
وَإِذا مر بهم السَّحَاب
قَالُوا السَّلَام عَلَيْك أَبَا الْحسن يَزْعمُونَ أَن السَّحَاب مَسْكَنه
وَيَقُولُونَ إِن الرَّعْد صَوته وَإِن الْبَرْق ضحكه وَإِن سلمَان الْفَارِسِي رَسُوله وَيُحِبُّونَ ابْن ملجم
وَيَقُولُونَ إِنَّه خلص اللاهوت من الناسوت
وَلَهُم خطاب بَينهم من خاطبوه بِهِ لَا يعود يرجع عَنْهُم
وَلَا يذيع مَا(2/271)
وإنني وَالله وَالله وَالله لَا أفتح أَبْوَاب هَذِه القلعة إِلَّا فِي الْأَوْقَات الْجَارِي بهَا عَادَة أَبْوَاب الْحُصُون وأغلقها فِي الْوَقْت الْجَارِي بِهِ الْعَادة وَلَا أفتحها إِلَّا بشمس وَلَا أغلقها إِلَّا بشمس وإنني أطالب الحراس والدراجة وأرباب النوب فِي هَذِه القلعة بِمَا جرت بِهِ العوائد اللَّازِمَة لكل مِنْهُم مِمَّا فِي ذَلِك جَمِيعه مصلحَة مَوْلَانَا السُّلْطَان فلَان وَلَا أسلم هَذِه القلعة إِلَّا لمولانا السُّلْطَان فلَان أَو بمرسومه الشريف وأمارته الصَّحِيحَة وأوامره الصَّرِيحَة
وإنني لَا أستخدم فِي هَذِه القلعة إِلَّا من فِيهِ نفع لَهَا وأهلية للْخدمَة وَلَا أعمل فِي ذَلِك بغرض نفس
وَلَا أرخص فِيهِ لمن يعْمل بغرض نفس لَهُ وَلَا أواطىء وَلَا أداجي وَلَا أوالس وَلَا أدس دسيسة وَلَا أعمل حِيلَة فِي إِطْلَاق أحد مِمَّن يبرز مرسوم مَوْلَانَا السُّلْطَان بسجنه والاعتقال عَلَيْهِ بالقلعة الْمشَار إِلَيْهَا
وأعتمد فِيهِ جَمِيع مَا يَأْمُرنِي بِهِ من غير تَفْرِيط وَلَا إهمال وَلَا فَتْرَة وَلَا تماد
وإنني أبذل فِي نصيحته الْجهد وأشمر فِيهَا عَن ساعد الْجد
وأؤدي أَمَانَته وأجتنب خيانته فِي سري وجهري وباطني وظاهري وَأشْهد الله عَليّ بذلك
وَكفى بِاللَّه شَهِيدا
وَأما صور أَيْمَان أهل الْكتاب
فَمِنْهَا صُورَة يَمِين الْيَهُود وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم الْقَدِيم الأزلي الْفَرد الصَّمد الْوَاحِد الْأَحَد الْمدْرك المهلك
الطَّالِب الْغَالِب باعث مُوسَى بِالْحَقِّ
وشاد عضده وأزره بأَخيه هَارُون ومنجيه من الْغَرق
وَحقّ التَّوْرَاة المكرمة
وَمَا فِيهَا من الْكَلِمَات المعظمة وَحقّ الْعشْر كَلِمَات الَّتِي أنزلت على مُوسَى فِي الصُّحُف الْجَوْهَر وَإِلَّا تعبدت فِرْعَوْن وهامان وبرئت من إِسْرَائِيل وَدنت دين النَّصْرَانِيَّة وصدقت مَرْيَم فِي دَعْوَاهَا وبرأت يُوسُف النجار وَأنْكرت الْخطاب وتعمدت الطّور بالقاذورات ورميت الصَّخْرَة المقدسة بالنجاسات
وشاركت بخنتصر فِي هدم بَيت الْمُقَدّس وَقتل بني إِسْرَائِيل وألقيت الْعذرَة على مَكَان الْأَسْفَار
وَكنت مِمَّن شرب من النَّهر وَمَال إِلَى جالوت
وَفَارَقت شيعَة طالوت
وَأنْكرت نبوة الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل ودللت على دانيال وأعلمت جَبَّار مصر مَكَان أرمياء وَكنت مَعَ الْبُغَاة والفواجر يَوْم يحيى
وَقلت إِن النَّار المضيئة من شَجَرَة العوسج نَار إفْك
وَأخذت الطّرق على مَدين
وَقلت بالعظائم فِي بَنَات شُعَيْب وأجلبت مَعَ السَّحَرَة على مُوسَى ثمَّ بَرِئت مِمَّن آمن مِنْهُم
وَكنت مَعَ من قَالَ اللحاق ليدرك من(2/272)
فر وأشرت بتخليف تَابُوت يُوسُف فِي مصر وسلمت إِلَى السامري فِي قَوْله
وَنزلت أريحاء مَدِينَة الجبارين
ورضيت بِفعل سكنة سدوم وخالفت أَحْكَام التَّوْرَاة واستبحت السبت وعدوت فِيهِ
وَقلت إِن المضلة ضلال
وَقلت بالبداءة على الله فِي الْأَحْكَام واخترت نسخ الشَّرَائِع
واعتقدت أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم الْمَسِيح الْمَوْعُود بِهِ على لِسَان مُوسَى بن عمرَان وانتقلت من الْيَهُودِيَّة إِلَى سواهَا من الْأَدْيَان
واستبحت لحم الْجمل والشحم والحوايا وَمَا اخْتَلَط بِعظم
وَقلت مقَالَة أهل بابل فِي إِبْرَاهِيم
وَإِلَّا أكون محروما من دين الْيَهُودِيَّة حُرْمَة تجمع عَلَيْهَا الْأَحْبَار
ونقلت عَلَيْهَا حصر الْكَنَائِس
ورددت إِلَى التيه
وَحرمت الْمَنّ والسلوى وبرئت من جَمِيع الأسباط
وَقَعَدت عَن حَرْب الجبارين مَعَ الْقُدْرَة والنشاط
وَالله وَالله وَالله إِنَّه لصَادِق فِيمَا حلف
صُورَة يَمِين النَّصَارَى إِنَّنِي وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم وَحقّ الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم وَأمه السيدة مَرْيَم
وَإِلَّا بَرِئت من دين النَّصْرَانِيَّة وَالْملَّة المسيحية وَإِلَّا أَبْرَأ من المعمودية وَأَقُول إِن ماءها نجس
وَأَن القرابين رِجْس
وبرئت من يحيى المعمدان
والأناجيل الْأَرْبَع والصلبان
وَقلت إِن مَتى كذوب
وَأَن مَرْيَم المجدلانية بَاطِلَة الدَّعْوَى فِي أَخْبَارهَا عَن السَّيِّد يشوع الْمَسِيح وَقلت فِي السيدة مَرْيَم قَول الْيَهُود
وَدنت دينهم فِي الْجُحُود وَأنْكرت اتِّحَاد اللاهوت والناسوت وبرئت من الآب وَالأُم وَالروح الْقُدس
وكذبت القسوس وَقطعت زناري وَكسرت صليبي ولعنت الشمامسة والديرانيين وهدمت الْكَنَائِس
وَكنت مِمَّن بَال على قسطنطين بن هيلانة وتعمدته بالعظائم
وخالفت المجامع الَّتِي أجمع عَلَيْهَا الأساقفة برومية والقسطنطينية ووافقت البردعان بأنطاكية
وجحدت مَذْهَب الملكانية
وسفهت رَأْي الرهبان وَأنْكرت وُقُوع الصَّلِيب على السَّيِّد يشوع وَكنت مَعَ الْيَهُود حِين صلبوه وجذبت رِدَاء الْكِبْرِيَاء عَن البطريك وَقَعَدت عَن أهل الشعانين
وأبيت عبيد الصَّلِيب والغطاس وَلم أحفل بعيد السيدة
وأكلت لحم الْجمل
وَدنت بدين الْيَهُود
وأبحت حُرْمَة الطَّلَاق
وخنت الْمَسِيح فِي وديعته
وَتَزَوَّجت فِي قرن بامرأتين وهدمت بيَدي كَنِيسَة قمامة وَكسرت صَلِيب الصلبوت
وَقلت فِي النُّبُوَّة مقَالَة نسطورس
ووجهت إِلَى الصَّخْرَة وَجْهي
وصديت عَن الشرق الْمُنِير حَيْثُ كَانَ الْمظهر الْكَرِيم
وَإِلَّا برأت من النورانيين والشعشونيين
وَدنت غير دين النَّصَارَى وأبغضت عهدي
وَأنْكرت أَن السَّيِّد يشوع أَحْيَا الْمَوْتَى وَأَبْرَأ الأكمه والأبرص
وَقلت إِنَّه مربوب وَأَنه مَا رُؤِيَ وَهُوَ مصلوب وَأنْكرت أَن القربان الْمُقَدّس على المذبح مَا صَار لحم الْمَسِيح وَدَمه حَقِيقَة
وَخرجت فِي النَّصْرَانِيَّة عَن الطَّرِيقَة
وَإِلَّا(2/273)
خاطبوه بِهِ وَلَو ضربت عُنُقه
وَهِي طَائِفَة ملعونة مَجُوسِيَّة المعتقد
لَا يحرمُونَ الْبَنَات وَلَا الْأَخَوَات وَلَا الْأُمَّهَات وَلَهُم اعْتِقَاد فِي عدم تَحْرِيم الْخمر ويرون أَنَّهَا من النُّور وَلَهُم قَول فِي تَعْظِيم النُّور مثل قَول الْمَجُوس أَو مَا يُقَارِبه
وَصُورَة أَيْمَانهم إِنَّنِي وَالله وَحقّ الْعلي الْأَعْلَى وَمَا أعتقده فِي الْمظهر الأسني وَحقّ النُّور وَمَا نَشأ مِنْهُ السَّحَاب وساكنه وَإِلَّا بَرِئت من مولَايَ عَليّ الْعلي الْأَعْظَم وولائي لَهُ وَمن مظَاهر الْحق
وكشفت حجاب سلمَان بِغَيْر إِذن وبرئت من دَعْوَة الْحجَّة نصير
وخضت مَعَ الخائضين فِي لعنة ابْن ملجم وكفرت بِالْخِطَابِ وأذعت السِّرّ المصون وَأنْكرت دَعْوَى أهل التَّحْقِيق
وَإِلَّا قلعت أصل شَجَرَة الْعِنَب من الأَرْض بيَدي حَتَّى اجتنيت أُصُولهَا وَأَمْنَع سَبِيلهَا وَكنت مَعَ قابيل على هابيل وَمَعَ النمروذ على إِبْرَاهِيم وَهَكَذَا مَعَ كل فِرْعَوْن قَامَ على صَاحبه إِلَى أَن ألْقى الْعلي الْعَظِيم وَهُوَ عَليّ ساخط
وَأَبْرَأ من قَول قنبر
وَأَقُول إِنَّه بالنَّار مَا تطهر
وَأما الإسماعيلية وهم الْقَائِلُونَ بانتقال الْإِمَامَة بعد جَعْفَر الصَّادِق إِلَى ابْنه الْأَكْبَر إِسْمَاعِيل وَهُوَ جد الْخُلَفَاء الفاطميين بِمصْر
وَهَذِه الطَّائِفَة هم شيعَة تِلْكَ الدولة والقائلين بِتِلْكَ الدعْوَة وَتلك الْكَلِمَة وهم وَإِن أظهرُوا الْإِسْلَام وَقَالُوا بقول الإمامية
ثمَّ خالفوهم فِي مُوسَى الكاظم
وَقَالُوا بِأَنَّهَا لم تصر إِلَى أَخِيه إِسْمَاعِيل فَإِنَّهُم طَائِفَة كَافِرَة تعتقد التناسخ والحلول ثمَّ هم مُخْتَلفُونَ فِيمَا بعد
فَمنهمْ نزارية وَمِنْهُم الْقَائِلُونَ بإمامة نزار والبقية على صرافهم
وَهَؤُلَاء يجمعهُمْ يَمِين وَاحِدَة
وَمَوْضِع الْخلاف بَينهم يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَصُورَة الْيَمين الجامعة لَهُم إِنَّنِي وَالله وَالله الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد الْقَادِر القاهر الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَحقّ الله الْحق وَهُدَاة الْخلق عَليّ وبنيه أَئِمَّة الظُّهُور والخفاء وَإِلَّا بَرِئت من صَحِيح الْوَلَاء وصدقت أهل الْبَاطِل وَقمت مَعَ فرقة الضلال وانتصبت مَعَ النواصب فِي تَقْرِير الْمحَال وَلم أقل بانتقال الْإِمَامَة إِلَى السَّيِّد الْحُسَيْن ثمَّ إِلَى بنيه بِالنَّصِّ الْجَلِيّ وموصولة إِلَى جَعْفَر الصَّادِق ثمَّ إِلَى ابْنه إِسْمَاعِيل صَاحب الدعْوَة الهادية والأثرة الْبَاقِيَة وَإِلَّا قدحت فِي القداح وأثمت الدَّاعِي الأول وسعيت فِي اخْتِلَاف النَّاس
ومالأت على السَّيِّد الْمهْدي وخذلت النَّاس عَن الْقَائِم ونقضت الدولة على الْمعز وَأنْكرت أَن خم يَوْم غَدِير لَا يعد فِي الأعياد
وَقلت أَن لَا علم للأئمة بِمَا يكون وخالفت من ادّعى لَهُم الْعلم بالحدثان ورميت آل بَيت مُحَمَّد بالعظائم وَقلت(2/274)
فيهم الْكَبَائِر وواليت أعداءهم وعاديت أولياءهم
وَمن هُنَا تزاد الزنارية وَإِلَّا فَجحدت أَن صَار الْأَمر إِلَى نزار وَأَنه أَتَى حملا فِي بطن جَارِيَة بخوف خوض بِلَاد الْأَعْدَاء
وَأَن الِاسْم لم يُغير لتغيير الصُّورَة وَإِلَّا طغيت على الْحسن بن صباح وبرئت من الْمولى عَلَاء الدّين صَاحب الأسلوب وَمن نَاصِر الدّين سِنَان الملقب براشد الدّين
وَكنت أول الْمُعْتَدِينَ
وَقلت إِن مَا أروه من الأباطيل
وَدخلت فِي أهل الْقرْيَة والأضاليل
وَأما من سواهُم من الإسماعيلية المنكرين لإمامة نزار
فَيُقَال فِي تحليفهم وَإِلَّا قلت بِأَن الْأَمر صَار إِلَى نزار وصدقت الْقَائِلين بِأَنَّهُ خرج حملا فِي بطن جَارِيَة
وَأنْكرت ميتَته الظَّاهِرَة بالإسكندرية وادعيت أَنه لم يُنَازع الْحق أَهله ويجاذب الْخلَافَة رَبهَا ووافقت شيعته وتبعت الْحسن بن صباح وَكنت فِي النزارية آخر الأدوار
ثمَّ تجمع هَذِه الطوائف الإسماعيلية على اخْتلَافهمْ فِي آخر الْيَمين بقَوْلهمْ وَإِلَّا قلت مقَالَة ابْن السلار فِي النِّفَاق وسددت رَأْي ابْن أَيُّوب وألقيت بيَدي الرَّايَة الصُّغْرَى
وَرفعت السَّوْدَاء
وَفعلت فِي أهل الْقصر تِلْكَ الفعال
وتمحلت مثل تِلْكَ الْمحَال
وَأما الإمامية فهم الْقَائِلُونَ إِن الْأَئِمَّة اثْنَا عشر إِمَامًا أَوَّلهمْ عَليّ وَآخرهمْ المنتظر فِي آخر الزَّمَان
وهم الَّذين خالفتهم الإسماعيلية
فَقَالُوا بإمامة إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر
وَقَالَ هَؤُلَاءِ بإمامة مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر
وهم مُسلمُونَ إِلَّا أَنهم أهل بدع كَبِيرَة
وهم سبابون
وَصُورَة يَمِين هَؤُلَاءِ إِنَّنِي وَالله وَالله الْعَظِيم الرب الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد وَمَا أعتقده من صدق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَنَصه على إِمَامَة ابْن عَمه ووارث علمه عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه يَوْم غَدِير خم فِي قَوْله من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ
وَعَاد من عَادَاهُ وأدر الْحق على لِسَانه كَيْفَمَا دَار وَإِلَّا كنت مَعَ أول قَائِم يَوْم السَّقِيفَة وَآخر مُتَأَخّر يَوْم الدَّار
وَلم أقل بِجَوَاز التقية خوفًا على النَّفس وأعنت ابْن الْخطاب واضطهدت فَاطِمَة الزهراء ومنعتها حَقّهَا من الْإِرْث
وساعدت فِي تَقْدِيم تيم(2/275)
وعدي وَأُميَّة
ورضيت بِحكم الشورى
وكذبت حسان بن ثَابت يَوْم عَائِشَة وَقمت مَعهَا يَوْم الْجمل وشهرت السَّيْف مَعَ مُعَاوِيَة فِي صفّين وصدقت دَعْوَى زِيَاد وَنزلت على حكم ابْن مرْجَانَة وَكنت مَعَ عمر بن سعد فِي قتال الْحُسَيْن
وَقلت إِن الْأَمر لم يصر بعد الْحسن إِلَى الْحُسَيْن وساعدت شمر بن جوشن على أهل تِلْكَ البلية
وسبيت أهل الْبَيْت وسقتهم بالعصى إِلَى دمشق ورضيت بإمارة يزِيد وأطعت الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَكنت ظهيرا لعَمْرو بن الْعَاصِ ثمَّ لبسر بن أَرْطَاة
وَفعلت فعل عقبَة بن عبد الله الْمُزنِيّ وصدقت رَأْي الْخَوَارِج
وَقلت إِن الْأَمر لم ينْتَقل بعد الْحُسَيْن بن عَليّ فِي أبنائه إِلَى تَمام الْأَئِمَّة إِلَى الإِمَام الْمهْدي المنتظر ودللت على مقَاتل أهل الْبَيْت بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وأبطلت حكم التَّمَتُّع وزدت فِي حد الْخمر مَا لم يكن وَحرمت بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد
وَقلت برأيي فِي الدّين
وبرئت من شيعَة الْمُؤمنِينَ وَكنت تبعا لهوى أهل الشَّام وَمَعَ غوغاء الْقَائِد بالنهروان وَاتَّبَعت خطأ أبي مُوسَى وأدخلت فِي الْقُرْآن مَا لم يُثبتهُ ابْن مَسْعُود وشاركت ابْن ملجم فِي صدَاق قطام
وبرئت من محبَّة هَمدَان وَلم أقل بِاشْتِرَاط الْعِصْمَة فِي الإِمَام
وَدخلت مَعَ أهل النصب فِي الظلام
وَأما الزيدية فهم أقرب الْقَوْم إِلَى الْقَصْد الْأُمَم
وَقَوْلهمْ إِن أَبَا بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَئِمَّة عدل وَأَن ولايتهما كَانَت لما اقتضته الْمصلحَة مَعَ أَن عليا رَضِي الله عَنهُ أفضل مِنْهُمَا ويرون جَوَاز ولَايَة الْمَفْضُول على الْفَاضِل فِي بعض الأحيان لما تَقْتَضِيه الْمصلحَة أَو لخوف الْفِتْنَة
ولهذه الطَّائِفَة إِمَام بِالْيمن وَصَنْعَاء دَاره ومقامه وَهَؤُلَاء الطَّائِفَة لَا يدينون إِلَّا بِطَاعَة ذَلِك الإِمَام وأمراؤهم لَا يرَوْنَ إِلَّا أَنهم نوابه وَكَانَت لهَؤُلَاء دولة قديمَة بطبرستان
فَزَالَتْ وَلم يبْق مِنْهَا الْآن إِلَّا شرذمة قَليلَة
وَصُورَة يَمِين هَؤُلَاءِ يَمِين أهل السّنة وَيُزَاد فِيهِ وَإِلَّا بَرِئت من مُعْتَقد زيد بن عَليّ وَرَأَيْت أَن أَقُول فِي الْأَذَان إِن حَيّ على خير الْعَمَل بِدعَة وخلعت طَاعَة الإِمَام الْمَعْصُوم الْوَاجِب الطَّاعَة وادعيت أَن الْمهْدي المنتظر لَيْسَ من ولد الْحسن بن عَليّ
وَقلت بتفضيل الشَّيْخَيْنِ على أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ وعَلى بنيه وطعنت فِي رَأْي ابْنه الْحسن على مَا اقتضته الْمصلحَة وطعنت عَلَيْهِ فِيهِ
وَغير هَؤُلَاءِ مِمَّن يحْتَاج إِلَى تَحْلِيفه طَائِفَة الدرزية
وَهِي تسمى الطَّائِفَة الآمنة الخائفة
وشأنهم شَأْن النصيرية فِي اسْتِبَاحَة فروج الْمَحَارِم وَسَائِر الْفروج الْمُحرمَة(2/276)
وهم أَشد كفرا ونفاقا مِنْهُم وأجدر أَن لَا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله
وهم أبعد من كل خير
وَأقرب من كل شَرّ
وانتماؤهم إِلَى أبي مُحَمَّد الدرزي
وَكَانَ من أهل مُوالَاة الْحَاكِم أبي عَليّ الْمَنْصُور بن الْعَزِيز خَليفَة مصر
وَكَانُوا أَولا من الإسماعيلية ثمَّ خَرجُوا عَن كل مَا تمحلوه وهدموا كل مَا أثلوه
وهم يَقُولُونَ برجعة الْحَاكِم وَأَن الألوهية انْتَهَت إِلَيْهِ وتديرت ناسوته وَهُوَ يغيب وَيظْهر بهيئته وَيقتل أعداءه قتل إبادة لَا معاد بعده
وهم يُنكرُونَ الْمعَاد من حَيْثُ هُوَ وَيَقُولُونَ نَحْو قَول الطبائعية إِن الطبائع هِيَ المولدة وَالْمَوْت بِفنَاء الْحَرَارَة الغريزية كانطفاء السراج بِفنَاء الزَّيْت إِلَّا من اعتبط
وَيَقُولُونَ دهر دَائِم وعالم قَائِم أَرْحَام تدفع وَأَرْض تبلع
وَهَذِه الطَّائِفَة هم الَّذين زادوا فِي الْبَسْمَلَة أَيَّام الْحَاكِم وَكَتَبُوا بِسم الْحَاكِم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَلَمَّا أنكر عَلَيْهِم كتبُوا بِسم الله الْحَاكِم الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَجعلُوا فِي الأول الله صفة الْحَاكِم وَجعلُوا فِي الثَّانِي الْعَكْس
وَمن هَؤُلَاءِ أهل كسروان وَكَانَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية رَحمَه الله تَعَالَى يرى أَن قِتَالهمْ وقتال النصيرية أولى من قتال الأرمن لأَنهم أَعدَاء فِي دَار الْإِسْلَام وَشر بقائهم أضرّ
وَصُورَة يَمِين هَؤُلَاءِ إِنَّنِي وَالله وَحقّ الْحق الْحَاكِم وَمَا أعتقده من موالاته وَمَا أعتقده أَبُو عبد الله الدرزي الْحجَّة الْوَاضِحَة وَرَآهُ الدرزي مثل الشَّمْس اللائحة
وَإِلَّا قلت إِن مولَايَ الْحَاكِم مَاتَ وبلى وَتَفَرَّقَتْ أوصاله وفنى
واعتقدت تَبْدِيل الأَرْض وَالسَّمَاء وعود الرمم بعد الفناء
وتبعت كل جَاهِل وحظرت على نَفسِي مَا أُبِيح لي وعملت بيَدي مَا فِيهِ فَسَاد بدني وكفرت بالبيعة الْمَأْخُوذَة وجعلتها وَرَاء ظَهْري منبوذة
وَأما الْخَوَارِج فهم الْفرْقَة المباينة للسّنة والشيعة
وهم الَّذين أَنْكَرُوا التَّحْكِيم وَقَالُوا لَا حكم إِلَّا لله كفرُوا بالذنب وَكَفرُوا عليا وَمُعَاوِيَة وَسَائِر من خالفهم مِمَّن لَا يرى رَأْيهمْ
وهم طوائف كَثِيرَة
وَمِنْهُم الوهية بِبِلَاد الغرب
وَصُورَة يَمِين هَؤُلَاءِ صُورَة يَمِين أهل السّنة
وَيُزَاد فِيهَا وَإِلَّا أجزت التَّحْكِيم
وصوبت قَول الْفَرِيقَيْنِ فِي صفّين وأطعت بالرضى حكم أهل الْجور
وَقلت فِي كتاب الله بالتأويل وأدخلت فِي الدّين مَا لَيْسَ فِيهِ
وَقلت إِن إِمَارَة بني أُميَّة عدل وَأَن قضاءهم حق وَأَن عَمْرو بن الْعَاصِ أصَاب وَأَن أَبَا مُوسَى مَا أَخطَأ واستبحت الْأَمْوَال والفروج بِغَيْر حق واجترحت الْكَبَائِر والصغائر وَلَقِيت الله مُثقلًا بالأوزار
وَقلت إِن مَا فعله(2/277)
عبد الرَّحْمَن بن ملجم كفر
وَإِن قَاتل خَارجه آثم وبرئت من فعلة قطام
وخلعت طَاعَة الرؤوس
وَأنْكرت أَن تكون الْخلَافَة إِلَّا فِي قُرَيْش وَإِلَّا فَلَا أرويت سَيفي ورمحي من دِمَاء المخطئين
وَصُورَة يَمِين الْحُكَمَاء إِنَّنِي وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد الأبدي السرمدي الأزلي الَّذِي لم يزل علمه عِلّة الْعِلَل رب الأرباب ومدبر الْكل الْقَدِير الْقَدِيم الأول بِلَا بداية وَالْآخر بِلَا نِهَايَة المنزه عَن أَن يكون حَادِثا أَو عرضا للحوادث الْحَيّ المتصف بِصِفَات الْبَقَاء والسرمدية والكمال والمتردي برداء الْكِبْرِيَاء والجلال مُدبر الأفلاك ومسير الشهب ومفيض القوى على الْكَوَاكِب باث الْأَرْوَاح فِي الصُّور مكون الكائنات ومنمي الْحَيَوَان والمعدن والنبات وَإِلَّا فَلَا رقت روحي إِلَى مَكَانهَا وَلَا اتَّصَلت نَفسِي بعالمها وَبقيت فِي ظلم الْجَهَالَة وحجب الضَّلَالَة وَفَارَقت نَفسِي غير مرتسمة بالمعارف
وَلَا تَكَلَّمت بِالْعلمِ وَلَا نطقت بالحكمة وَبقيت فِي غرر النَّقْص
وتنحيت فِي زمرة الْبَغي وَأخذت بِنَصِيب من الشّرك وَأنْكرت المعالم وَقلت بِفنَاء الْأَرْوَاح ورضيت فِي هَذَا بمقالة أهل الطبيعة ودمت فِي قيد المركبات وشواغل الْحِين وَلم أدْرك الْحَقَائِق على مَا هِيَ عَلَيْهِ
وَإِلَّا فَقلت إِن الهيولي غير قَابِلَة لتركيب الْأَجْسَام وَأنْكرت الْمَادَّة وَالصُّورَة وخرقت النواميس
وَقلت إِن التحسين والتقبيح إِلَى غير الْعقل وخلدت مَعَ النُّفُوس الشريرة وَلم أجد سَبِيلا إِلَى النجَاة
وَقلت إِن الْإِلَه لَيْسَ فَاعِلا بِالذَّاتِ وَلَا عَالما بالكليات وَدنت بِأَن النبوات متناهية وَأَنَّهَا غير كسبية وحدت عَن طَرِيق الْحُكَمَاء ونقضت تَقْرِير القدماء
وخالفت الفلاسفة الإلهية
ووافقت على إِفْسَاد الصُّور للعبث وحيزت الرب فِي جِهَة
وَأثبت أَنه جسم
وَجَعَلته مِمَّا يدْخل تَحت الْحَد والماهية ورضيت بالتقليد فِي الألوهية
وَصُورَة يَمِين الْقَدَرِيَّة وَالله وَالله وَالله الْعَظِيم ذِي الْأَمر الْأنف خَالق الْأَفْعَال والمشيئة
وَإِلَّا قلت بِأَن العَبْد مكتسب وَأَن الْجَعْد بن دِرْهَم محتقب وَقلت إِن هِشَام بن عبد الْملك أصَاب دَاخِلا لأمية وَأَن مَرْوَان بن مُحَمَّد كَانَ ضَالًّا فِي أَتْبَاعه وَآمَنت بِالْقدرِ خَيره وشره
وَقلت إِن مَا أصابني لم يكن ليخطئني وَمَا أخطأني لم يكن ليصيبني وَلم أقل إِنَّه إِذا كَانَ أَمر قد فرغ مِنْهُ
فَفِيمَ أسدد وأقارب وَلم أطعن فِي رُوَاة الحَدِيث اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ وَلم أتأول معنى(2/278)
قَوْله تَعَالَى {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا لعَلي حَكِيم} وبرئت مِمَّا أعتقد وَلَقِيت الله وَأَنا أَقُول الْأَمر غير أنف
اسْتِدْرَاك اعْلَم أَن صور الْأَيْمَان الْمَذْكُورَة الْمُتَعَلّقَة بِهَذِهِ الطوائف البدعية والشيعية والقدرية والخوارج وَمَا هُوَ فِي حكمهم
وَإِن كَانَت غير مَقْصُودَة فِي الْبَاب وَلَا تعلق للشُّهُود وَلَا لحكام الشَّرِيعَة المطهرة فِيهَا
وَرُبمَا يَقُول الْوَاقِف عَلَيْهَا ذَلِك أَو إِن وَضعهَا فِي هَذَا الْكتاب عَبث
فَأَقُول الْبَاعِث على وَضعهَا فِي هَذَا الْكتاب هُوَ أَن الْغَالِب على أُمَرَاء الشرق وَمَا والاها من أَطْرَاف الممالك الإسلامية الَّذين يراسلون سُلْطَان الديار المصرية ويوالونه على هَذَا الِاعْتِقَاد
وَفِي أُمَرَاء الْحجاز الشريف من ينْسب إِلَى انتحال مَذْهَب زيد بن عَليّ وَفِي أَشْرَاف الْمَدِينَة الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة على الْحَال بهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام من فِي اعْتِقَاده مَا هُوَ أَسْوَأ حَالا من اعْتِقَاد الزيدية
وَرُبمَا جرد السُّلْطَان تجريدة وَأخرج عسكرا إِلَى جِهَة من هَذِه الْجِهَات لخُرُوج فرقة من هَذِه الْفرق أَو طَائِفَة من طوائف الْخَوَارِج وَالْعِيَاذ بِاللَّه على جمَاعَة الْمُسلمين أَو هرب عَدو من أَعدَاء السلطنة الشَّرِيفَة وانتمى إِلَى أحد من أُمَرَاء تِلْكَ الْأَطْرَاف الْقَائِلين بِهَذِهِ الْمذَاهب
واحتيج إِلَى تَحْلِيفه أَن عَدو السلطنة الشَّرِيفَة لَيْسَ هُوَ عِنْده وَلَا دخل إِلَى بِلَاده وَأَنه لَا يدْخل إِلَى بِلَاد الممالك الإسلامية وَلَا يفْسد فِيهَا وَأَنه يحفظ طرفه الَّذِي هُوَ مُقيم فِيهِ وَلَا يتعداه إِلَى غَيره من بِلَاد الممالك الإسلامية
فَحِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى قَاضِي الْعَسْكَر لحضور هَذِه الْيَمين
وَرُبمَا تعذر حُضُور كَاتب السِّرّ الشريف أَو نَائِبه لغَرَض أَو لمَرض
فَيقوم قَاضِي الْعَسْكَر مقَامه فِي ذَلِك وَيكون على بَصِيرَة من هَذِه الاعتقادات المقررة فِي هَذِه الصُّور
فَمن نسب إِلَى اعْتِقَاد شَيْء مِنْهَا حلفه على مُقْتَضى اعْتِقَاده إِذا كَانَ مِمَّن يعلم مِنْهُ ذَلِك الِاعْتِقَاد أَو يُؤثر عَنهُ
وَيكون تَحْلِيفه على مُقْتَضى معتقده أوقع فِي النُّفُوس وَأقوى فِي إِقَامَة حُرْمَة الناموس الشريف
وَلَقَد وَقع لي ذَلِك فِي بِلَاد ابْن قرمان مَعَ مخدومي الَّذِي كنت فِي خدمته وَهُوَ إِذْ ذَاك نَائِب حلب
انْتهى
وَالله أعلم(2/279)
كتاب الْقَضَاء
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي ثُبُوته فِي الشَّرْع الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض فاحكم بَين النَّاس بِالْحَقِّ} وَقَوله تَعَالَى {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا} وَقَوله تَعَالَى {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا وَإِذا حكمتم بَين النَّاس أَن تحكموا بِالْعَدْلِ إِن} وَقَوله تَعَالَى {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم واحذرهم أَن يفتنوك عَن بعض مَا أنزل الله إِلَيْك فَإِن توَلّوا فَاعْلَم أَنما يُرِيد الله أَن يصيبهم بِبَعْض ذنوبهم وَإِن كثيرا من النَّاس لفاسقون}
وَأما السّنة فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم بَين النَّاس وَبعث عليا إِلَى الْيمن للْقَضَاء بَين النَّاس وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله
وَمن عَصَانِي فقد عصى الله
وَمن أطَاع أَمِيري فقد أَطَاعَنِي وَمن عصى أَمِيري فقد عَصَانِي
وَجُمْلَة ذَلِك أَن من عصى إِمَامًا أَو قَاضِيا أَو حَاكما من الْحُكَّام فِيمَا أَمر بِهِ من الْحق أَو حكم فِيهِ بِوَجْه الْحق وَالْعدْل
فقد عصى الله وَرَسُوله وتعدى حُدُوده
وَأما إِن قضى بِغَيْر الْعدْل أَو أَمر بِغَيْر الْحق فطاعته غير لَازِمَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا طَاعَة لمخلوق فِي مَعْصِيّة الْخَالِق إِلَّا أَن يخْشَى أَن تُؤدِّي مُخَالفَته إِلَى الْهَرج وَالْفساد وَسَفك الدِّمَاء(2/280)
واستباحة الْأَمْوَال وهتك الحرمات
فَتجب طَاعَته حِينَئِذٍ على كل حَال
وَأما الْإِجْمَاع فَإِن الْخُلَفَاء الرَّاشِدين حكمُوا بَين النَّاس
وَبعث أَبُو بكر أنس بن مَالك إِلَى الْبَحْرين ليقضي بَين النَّاس
وَبعث عمر أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِلَى الْبَصْرَة قَاضِيا
وَبعث عبد الله بن مَسْعُود إِلَى الْكُوفَة قَاضِيا
وَأما الْقيَاس فَلِأَن الظُّلم من شيم النُّفُوس وطبع الْعَالم
وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِر وَالظُّلم من شيم النُّفُوس فَإِن تَجِد ذَا عفة فلعلة لَا يظلم وَقد وَردت أَخْبَار تدل على ذمّ الْقَضَاء وأخبار تدل على مدحه
فَأَما الَّتِي تدل على ذمه فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من استقضي فَكَأَنَّمَا ذبح بِغَيْر سكين قيل ل بن عَبَّاس وَمَا الذّبْح قَالَ نَار جَهَنَّم وروت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بِالْقَاضِي الْعَادِل فَيلقى من شدَّة الْحساب مَا يود أَنه لم يكن قضى بَين اثْنَيْنِ فِي تَمْرَة وَاحِدَة وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي ذَر إِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي
فَلَا تأمرن على اثْنَيْنِ وَلَا تتول مَال يَتِيم
وَلِأَن الْقَضَاء محنة وبلية
فَمن دخل فِيهِ فقد عرض نَفسه للهلاك لعسر التَّخَلُّص مِنْهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جعل قَاضِيا فقد ذبح بِغَيْر سكين وَقَالَ إِنَّكُم ستختصمون على الْإِمَارَة وستكون حسرة وندامة
وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وددت أَن أنجو من هَذَا الْأَمر كفافا لَا عَليّ وَلَا لي
وَأما الْأَخْبَار الَّتِي تدل على مدحه فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا اجْتهد الْحَاكِم فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ
وَإِن أَخطَأ فَلهُ أجر(2/281)
وروى ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته بِالْحَقِّ وَرجل آتَاهُ الله حِكْمَة
فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا
وَتَأْويل ذَلِك أَن الْأَخْبَار الَّتِي تدل على ذمه مَحْمُولَة على من علم من نَفسه أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يقوم بِالْقضَاءِ إِمَّا لجهله أَو لقلَّة أَمَانَته
وَالْأَخْبَار الَّتِي تدل على مدحه مَحْمُولَة على من علم من نَفسه الْقُدْرَة على الْقيام بِالْقضَاءِ لعلمه وأمانته
وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل مَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْقُضَاة ثَلَاثَة وَاحِد فِي الْجنَّة
وَاثْنَانِ فِي النَّار
فَأَما الَّذِي فِي الْجنَّة فَرجل علم الْحق وَقضى بِهِ
فَهُوَ فِي الْجنَّة
وَرجل عرف الْحق فجار فِي حكمه
فَهُوَ فِي النَّار
وَرجل قضى للنَّاس على جهل فَهُوَ فِي النَّار وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من طلب الْقَضَاء حَتَّى يَنَالهُ
فَإِن غلب عدله جوره فَهُوَ فِي الْجنَّة وَإِن غلب جوره عدله فَهُوَ فِي النَّار وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا جلس القَاضِي بعث الله إِلَيْهِ ملكَيْنِ يسددانه
فَإِن عدل أَقَامَا
وَإِن جَار عرجا وتركاه وَعَن عبد الله ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من حَاكم يحكم بَين النَّاس إِلَّا يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة وَملك آخذ بقفاه حَتَّى يستوقفه على شَفير جَهَنَّم حَتَّى يلْتَفت إِلَيْهِ مغضبا
فَإِن قَالَ ألقه أَلْقَاهُ فِي الْهَوِي أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَفِي رِوَايَة سبعين خَرِيفًا وَفِي حَدِيث أم سَلمَة قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر
وأنكم تختصمون إِلَيّ
فَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من أَخِيه فأقضي لَهُ على نَحْو مَا(2/282)
أسمع من كَلَامه
فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يَأْخُذهُ فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ بن جبل حِين بَعثه إِلَى الْيمن كَيفَ تقضي إِذا عرض لَك قَضَاء قَالَ أَقْْضِي بِكِتَاب الله
قَالَ فَإِن لم يكن فِي كتاب الله قَالَ فبسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ فَإِن لم يكن فِي سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أجتهد رَأْيِي وَلَا آلو
قَالَ فَضرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَدره
وَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي وفْق رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما يرضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَالْقَضَاء فرض كِفَايَة
فَإِن قَامَ بِهِ من يصلح سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ وَإِن امْتنع الْجَمِيع أثموا
وَالصَّحِيح أَن الإِمَام يجْبر أحدهم
وَشرط القَاضِي إِسْلَام وتكليف وحرية وذكورة وعدالة وَسمع وبصر على الصَّحِيح ونطق وكفاية واجتهاد
وَهُوَ أَن يعرف من الْقُرْآن وَالسّنة مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَالْخَاص وَالْعَام وَالْمُطلق والمقيد والمجمل والناسخ والمنسوخ ومتواتر السّنة والآحاد والمرسل والمتصل وَحَال الروَاة جرحا وتعديلا
ولسان الْعَرَب لُغَة ونحوا وأقوال الْعلمَاء من الصَّحَابَة فَمن بعدهمْ إِجْمَاعًا واختلافا
وَالْقِيَاس وأنواعه وَأَن يكون عَارِفًا بأصول الِاعْتِقَاد
وَلَا يشْتَرط الْكِتَابَة فِي الْأَصَح وَلَا التبحر فِي هَذِه الْعُلُوم وَلَا حفظ الْقُرْآن
وَفِيه نزاع
فَإِن تَعَذَّرَتْ هَذِه الشُّرُوط فولى سُلْطَان لَهُ شَوْكَة فَاسِقًا نفذ قَضَاؤُهُ للضَّرُورَة
وَينْدب للْإِمَام أَن يَأْذَن للْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَاف
فَإِن نَهَاهُ لم يسْتَخْلف
فَإِن كَانَ مَا فوضه إِلَيْهِ لَا يُمكنهُ الْقيام بِهِ
فَقيل هَذَا النَّهْي كَالْعدمِ
وَشرط الْمُسْتَخْلف كَالْقَاضِي إِلَّا أَن يستخلفه فِي أَمر خَاص
فَيَكْفِي علمه بِمَا يتَعَلَّق بِهِ
وَيجوز للْإِمَام أَن يولي قَاضِيا فِي الْبَلَد الَّذِي هُوَ فِيهِ
لما رُوِيَ أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن الْعَاصِ اقْضِ بَينهمَا
فَقَالَ أَقْْضِي بَينهمَا(2/283)
وَأَنت حَاضر فَقَالَ اقْضِ بَينهمَا فَإِن أصبت فلك أَجْرَانِ وَإِن أَخْطَأت فلك أجر وَفِي رِوَايَة إِن أصبت فلك عشر حَسَنَات وَإِن أَخْطَأت فلك حَسَنَة وَاحِدَة
فَإِن كَانَ الإِمَام بِبَلَد وَاحْتَاجَ أهل بلد آخر إِلَى قَاض وَجب على الإِمَام أَن يبْعَث إِلَيْهِم قَاضِيا
لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عليا وَمعَاذًا إِلَى الْيمن قُضَاة
وَلِأَنَّهُ يشق عَلَيْهِم قصد بلد الإِمَام لخصوماتهم
فَإِن كَانَ الإِمَام يعرف أهل الِاجْتِهَاد وَالْعَدَالَة بعث قَاضِيا مِنْهُم وَإِن كَانَ لَا يعرفهُمْ جمع أهل الْمذَاهب فِي مَجْلِسه وسألهم أَن يتناظروا بَين يَدَيْهِ
فَإِذا علم الْمُجْتَهد مِنْهُم بحث عَن عَدَالَته
فَإِذا ثبتَتْ عَدَالَته ولاه الْقَضَاء وَبَعثه إِلَيْهِم
فَإِن ولاه مَعَ جَهله بِهِ لم تَنْعَقِد ولَايَته وَإِن عرف أَهْلِيَّته بعد
وَإِذا جن قَاض أَو أُغمي عَلَيْهِ أَو عمي أَو خرس أَو ذهبت أَهْلِيَّة اجْتِهَاده وَضَبطه لغفلة أَو نِسْيَان لم ينفذ حكمه
وَإِن فسق فَكَذَا فِي الْأَصَح فَإِن زَالَت هَذِه الْأَسْبَاب لم تعد ولَايَته
بَاب أدب القَاضِي
وَمن أدبه خَمْسَة عشر أدبا الأول إِذا قصد عمله أرسل رَسُولا أَو كتابا يعلمهُمْ بذلك ليصيروا على أهبة لَهُ
الثَّانِي إِذا وصل إِلَى عمله أَن ينزل فِي وسط الْبَلَد ليهون على أَهله الْمَجِيء إِلَيْهِ
وَفِيه تَسْوِيَة بَينهم وَيدخل يَوْم الْإِثْنَيْنِ
فَإِن تعذر فالخميس وَإِلَّا فالسبت
وَيسْأل عَن عُلَمَاء بَلَده وعدولهم
الثَّالِث أَن لَا يتَّخذ بوابا
الرَّابِع أَن لَا يتَّخذ حاجبا
الْخَامِس الْخَامِس أَن يرتب مزكين
السَّادِس أَن يتَّخذ عَاقِلا أَمينا عَارِفًا بالصناعة جيد الْخط حسن الضَّبْط بَعيدا عَن الطمع
والفقيه أَشد اسْتِحْبَابا(2/284)
السَّابِع يكره الْجُلُوس فِي الْمَسْجِد لفصل الْقَضَاء لِكَثْرَة من يَغْشَاهُ من الْخُصُوم وَلما يجْرِي بَينهم من الْأَلْفَاظ الَّتِي يصان الْمَسْجِد عَنْهَا
الثَّامِن أَن يحضر الْعلمَاء مَجْلِسه
التَّاسِع أَن يخرج وَعَلِيهِ السكينَة وَالْوَقار وَيَدْعُو بِدُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أذلّ أَو أذلّ أَو أضلّ أَو أضلّ أَو أظلم أَو أظلم أَو أَجْهَل أَو يجهل عَليّ وَأَن يجلس مُسْتَقْبل الْقبْلَة من غير استكبار
ويتثبت فِي أُمُوره كلهَا
وَلَا يطمح ببصره إِلَى أحد الْخَصْمَيْنِ
وَيَقُول لَهما مَعًا تكلما أَو يسكت حَتَّى يبتدىء أَحدهمَا
الْعَاشِر أَن يتفقد أَحْوَال نَفسه من جوع وعطش وَغَضب بل يجلس وَهُوَ سَاكن الْحَواس من الْأُمُور الَّتِي تفْسد بَاطِنه وَظَاهره
الْحَادِي عشر أَن يرتب عدُول بَلَده على طبقاتهم
وَلَا يقبل الْجرْح وَالتَّعْدِيل والترجمة إِلَّا من شَاهِدين عَدْلَيْنِ
وَإِن ارتاب فِي الشُّهُود سَأَلَهُمْ مُتَفَرّقين
وَلَا يقبل فِي التَّعْدِيل إِلَّا قَول الْمعدل هُوَ عدل لي وَعلي
الثَّانِي عشر يكره لَهُ البيع وَالشِّرَاء بِنَفسِهِ أَو بوكيل خصوصي
وَلَا يمْتَنع من شُهُود الْجَنَائِز وعيادة المرضى وَالسَّلَام على الْغَائِب عِنْد مقدمه ويحضر الولائم كلهَا أَو يمْتَنع مِنْهَا كلهَا
الثَّالِث عشر يحرم عَلَيْهِ قبُول هَدِيَّة من الْخَصْمَيْنِ
أَو من أَحدهمَا
قَالَت الْحَنَفِيَّة وَلَا يحل للْقَاضِي قبُول الْهَدِيَّة إِلَّا من ذِي رحم محرم مِنْهُ أَو مِمَّن جرت عَادَته قبل الْقَضَاء بمهاداته بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن لَا يكون بَينه وَبَين أحد خُصُومَة وَقت الْهَدِيَّة
وَالثَّانِي أَن لَا يزِيد الْمهْدي فِي هديته على مَا هُوَ الْمُعْتَاد قبل الْقَضَاء
فَإِن زَاد رد الزِّيَادَة
قَالُوا وَلَا يحل للْقَاضِي أَن يستعير شَيْئا أَو يستقرض مِمَّن لم يكن قبل الْقَضَاء يستعير مِنْهُ أَو يستقرضه
وَمن تقلد الْقَضَاء برشوة أَعْطَاهَا لَا يصير قَاضِيا
وَيرْحَم عَلَيْهِ إِعْطَاء الرِّشْوَة
وَيحرم على السُّلْطَان أَخذهَا(2/285)
الرَّابِع عشر أول مَا ينظر فِي أَمر المحبسين والأيتام والأوصياء والأمناء واللقطاء والقوام والأوقاف وَمَا يتَعَلَّق بذلك
الْخَامِس عشر أَن لَا يتعقب حكم من قبله بِنَقْض
بل يطْلب مَا كَانَ بيد القَاضِي الْمَعْزُول
فَإِن بَان لَهُ خطأ فَلَا يشهره بل يوقفه عَلَيْهِ ويسأله عَنهُ وَلَا يُبينهُ لغيره
فرع وَالشَّهَادَة على مَرَاتِب الأولى مِنْهَا مَا يثبت بِشَهَادَة أَرْبَعَة من الرِّجَال الْعُدُول
وَهُوَ الزِّنَا واللواط
الثَّانِيَة مَا لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ ذكرين
وَهِي الْعقُوبَة كَحَد الشّرْب وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق وَالْقَتْل بِالرّدَّةِ وَالْقصاص فِي النَّفس أَو الطّرف وحد الْقَذْف وَالتَّعْزِير وَالْإِقْرَار بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا أَو مَا لَا يطلع عَلَيْهِ غَالِبا إِلَّا الرِّجَال كَالنِّكَاحِ وفسخه وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة وَالْعِتْق وَالْإِسْلَام وَالرِّدَّة وَالْبُلُوغ وَالْإِيلَاء وَالظِّهَار وَاللّعان والإعسار وَالْمَوْت وَالْوَلَاء وانقضاء الْعدة وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل وَالْعَفو عَن الْقصاص واستيفائه وَاسْتِيفَاء الْحُدُود والإحصان وَالْكَفَالَة بِالْبدنِ
وَالشَّهَادَة بِهِلَال غير رَمَضَان وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْولَايَة وَالتَّدْبِير وَالِاسْتِيلَاد وَالْكِتَابَة وَالنّسب والوديعة والقراض وَالشَّرِكَة وَالْوكَالَة والوصاية وَإِن كَانَت فِي المَال
وَالْخلْع من جَانب الْمَرْأَة وَالْعَيْب فِي وَجه الْحرَّة وكفيها وَالْإِقْرَار بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا
وَالثَّالِثَة مَا يثبت برجلَيْن وبرجل وَامْرَأَتَيْنِ وبأربع نسْوَة
وَهُوَ مَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَيخْتَص بمعرفته النِّسَاء غَالِبا وَهُوَ الْولادَة والبكارة والثيوبة والرتق والقرن وَالْحيض وَالرّضَاع واستهلال الْوَلَد وعيب الْمَرْأَة من البرص وَغَيره مِمَّا تَحت الْإِزَار والجراحة على فرجهَا وَالْعَيْب فِي فرج الْأمة وَمَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْد المهنة
الرَّابِعَة مَا لَا يثبت إِلَّا برجلَيْن أَو بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ أَو بِرَجُل وَيَمِين
وَلَا يثبت بِالنسَاء منفردات
وَهُوَ البيع وَالْإِقَالَة وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ وَالسّلم وَالرَّهْن وَالْحوالَة وَالضَّمان وَالصُّلْح وَالْإِبْرَاء وَالْقَرْض وَالْعَارِية وَالْإِجَارَة وَالشُّفْعَة وَالْهِبَة والمسابقة وَحُصُول السَّبق وَالْغَصْب والإتلاف وَالْوَصِيَّة بِالْمَالِ وَالْمهْر فِي النِّكَاح وَوَطْء الشُّبْهَة والسراية الْمُوجبَة لِلْمَالِ وَضَمان الْمُتْلفَات
وَقتل الْحر للْعَبد وَالْوَالِد الْوَلَد وَالسَّرِقَة الَّتِي لَا قطع فِيهَا
وَكَذَا حُقُوق الْأَمْوَال والعقود
كالخيار وَشرط الرَّهْن وَالْأَجَل وَقبض الْأَمْوَال وَإِن كَانَ النَّجْم الْأَخير وَطَاعَة الزَّوْجَة لاسْتِحْقَاق النَّفَقَة
وَقتل الْكَافِر لاسْتِحْقَاق السَّلب وأزمان الصَّيْد للتَّمَلُّك وَعجز الْمكَاتب عَن(2/286)
النُّجُوم
وَالْإِقْرَار بِهَذِهِ الْأَشْيَاء كلهَا
ذكره الأردبيلي فِي كتاب الْأَنْوَار
فصل وَأما كتاب القَاضِي
إِلَى القَاضِي قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا يقبل كتاب قَاض إِلَى قَاض إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ
وَمعنى ذَلِك لإِثْبَات الْحق
لِأَن الْكتاب إِذا كَانَ مُطلقًا لم يحكم بِهِ
لِأَنَّهُ إِن حكم بِهِ فقد حكم بِغَيْر حق
وَذَلِكَ أَنه يدْخلهُ الشَّك وَلَا يعلم هَل هُوَ مِنْهُ أَو من غَيره أَو مزور عَلَيْهِ وَذكر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي كتاب الْإِقْرَار من الْأُم فَإِذا أشهد القَاضِي شَاهِدين على كِتَابه إِلَى قَاض آخر
فيقرؤه عَلَيْهِمَا وَيَقُول لَهما اشهدا عَليّ أَنِّي قد كتبت هَذَا الْكتاب إِلَى فلَان ابْن فلَان ويذكره باسمه وَأَبِيهِ وجده وَإِن مد فِي نسبه كَانَ حسنا
وَيذكر عدد الْحُرُوف وَعدد السطور كَيْلا يدْخل فِيهِ زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
فَإِذا جَاءَ الشَّاهِدَانِ إِلَى القَاضِي الْمَكْتُوب إِلَيْهِ
فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ هَذَا كتاب فلَان ابْن فلَان القَاضِي إِلَيْك بِكَذَا وَكَذَا
ويذكران المُرَاد الْمَكْتُوب إِلَيْهِ فِيهِ
وَالْمَطْلُوب من جِهَته ويذكران اسْمه وَاسم أَبِيه وَنسبه ويذكران حليته وَصفته لِئَلَّا يُشَارِكهُ فِيهِ غَيره
فيدعي أَنِّي لست الْمُخَاطب فِيهِ وَلَا الْكتاب من جهتي ويذكران كنيته
وَيَقُول الشَّاهِدَانِ قَرَأَ فلَان القَاضِي هَذَا الْكتاب علينا
وَإِن علما أَنه كتبه بحضرتهما ذكرَاهُ وأشهدنا على نَفسه بِأَن هَذَا الْكتاب مِنْهُ إِلَيْك
فَإِن كَانَ مَعَهُمَا الْكتاب سلماه إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ مَعَ الْغَيْر فَلَا يَشْهَدَانِ بِهِ إِلَّا مَا ذكرت
بَاب الْقَضَاء
على الْغَائِب وَهُوَ جَائِز
فَإِذا ادّعى رجل على غَائِب عَن مجْلِس الحكم بِحَق
فَإِن لم يكن مَعَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ لم يسمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ
لِأَنَّهُ لَا فَائِدَة فِي سماعهَا
وَإِن كَانَ مَعَه بَيِّنَة بِمَا ادَّعَاهُ نظر فِي الْمُدعى عَلَيْهِ
فَإِن كَانَ غَائِبا عَن الْبَلَد وَجب على الْحَاكِم أَن يسمع الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَة
وَكَذَلِكَ لَو كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ حَاضرا فِي الْبَلَد مستترا أَو متعززا أَو متواريا لَا يصل الْمُدَّعِي إِلَيْهِ
فَإِنَّهُ يجب على الْحَاكِم أَن يسمع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ لَو حضر الْمُدعى عَلَيْهِ مجْلِس الحكم
فَلَمَّا ادّعى عَلَيْهِ أنكر
فَلَمَّا أَرَادَ الْمُدَّعِي إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ قَامَ الْمُدعى عَلَيْهِ وهرب
فَإِن الْحَاكِم يسمع الْبَيِّنَة عَلَيْهِ
وَإِذا كَانَ الْمُدَّعِي حَاضرا فِي الْبَلَد غَائِبا عَن مجْلِس الحكم غير مُمْتَنع من الْحُضُور فَلَا يجوز سَماع الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَة من غير حُضُوره
وَهُوَ الْمَذْهَب
وحد الْغَيْبَة أقلهَا مَسَافَة الْقصر(2/287)
وكل مَوضِع يجوز فِيهِ الْقَضَاء على الْغَائِب فَإِن الْحَاكِم إِذا سمع الدَّعْوَى فِيهِ وَشهِدت الْبَيِّنَة عِنْده بِالْحَقِّ الْمُدعى بِهِ وَعرف عدالتها وَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَن يحكم لَهُ بذلك فَلَا يجوز لَهُ أَن يحكم لَهُ بذلك حَتَّى يحلف الْمُدَّعِي على اسْتِحْقَاق ذَلِك فِي ذمَّة الْغَائِب وَأَنه ثَابت عَلَيْهِ إِلَى الْآن مَا قَبضه وَلَا شَيْئا مِنْهُ وَلَا أَبرَأَهُ من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ وَلَا أحَال بِهِ وَلَا احتال بِهِ وَلَا بِشَيْء مِنْهُ وَلَا قبض بأَمْره وَلَا شَيْء مِنْهُ وَلَا تعوض عَن ذَلِك وَلَا شَيْء مِنْهُ بِنَفسِهِ وَلَا بوكيله فِي الْحَالَات كلهَا
وَلَا سقط ذَلِك عَن ذمَّته بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَلَا شَيْء مِنْهُ إِلَى الْآن وَأَنه يسْتَحق قبض ذَلِك مِنْهُ حَال حلفه وَأَن من شهد لَهُ بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وَهَذِه الْيَمين وَاجِبَة
لِأَن الْحَاكِم مَأْمُور بِالِاحْتِيَاطِ فِي حق الْغَائِب
وَمن الِاحْتِيَاط أَن يحلف لَهُ الْمُدَّعِي
وَإِن ادّعى رجل على ميت حَقًا وَأقَام عَلَيْهِ الْبَيِّنَة سَمِعت
فَإِن كَانَ لَهُ وَارِث معِين عَلَيْهِ وَجب على الْحَاكِم إحلاف الْمُدعى عَلَيْهِ إِن ادّعى قَضَاء أَو إِبْرَاء
وَإِن لم يكن لَهُ وَارِث معِين وَجب على الْحَاكِم أَن يحلف الْمُدَّعِي مَعَ بَينته
لِأَن الْوَارِث غير معِين
فَقَامَ الْحَاكِم مقَامه
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على صبي أَو مَجْنُون وَكَانَ للْمُدَّعِي بَيِّنَة وَجب على الْحَاكِم سماعهَا
وَالْحكم بهَا بعد يَمِين الْمُدَّعِي
فَإِن الْجَواب مُتَعَذر من جهتهما
فَجَاز الْقَضَاء عَلَيْهِمَا بِالْبَيِّنَةِ مَعَ الْيَمين كالغائب
وَيبقى القَاضِي الْحجَّة فِي الحكم على الْغَائِب وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون
فَإِذا حضر الْغَائِب وَبلغ الصَّبِي وأفاق الْمَجْنُون وَأقَام الْبَيِّنَة على جرح الشُّهُود عِنْد الشَّهَادَة أَو الْإِبْرَاء أَو الْقَضَاء نقض الحكم
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
لَا يجوز أَن يُولى الْقَضَاء من لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد
كالجاهل بطرق الْأَحْكَام عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ولَايَة من لَيْسَ بمجتهد
وَاخْتلف أَصْحَابه
فَمنهمْ من شَرط الِاجْتِهَاد
وَمِنْهُم من أجَاز ولَايَة الْعَاميّ
وَقَالُوا يُقَلّد وَيحكم
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح وَالصَّحِيح من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن من شَرط الِاجْتِهَاد إِنَّمَا عَنى بِهِ مَا كَانَ الْحَال عَلَيْهِ قبل اسْتِقْرَار هَذِه الْمذَاهب الْأَرْبَعَة الَّتِي أَجمعت(2/288)
الْأمة على أَن كل وَاحِد مِنْهَا يجوز الْعَمَل بِهِ
لِأَنَّهُ مُسْتَند إِلَى سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَالْقَاضِي الْآن وَإِن لم يكن من أهل الِاجْتِهَاد وَلَا سعى فِي طلب الْأَحَادِيث وانتقاد طرقها لَكِن عرف من لُغَة النَّاطِق بالشريعة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا لَا يعوزه مَعَه مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ
وَغير ذَلِك من شُرُوط الِاجْتِهَاد
فَإِن ذَلِك مِمَّا قد فرغ لَهُ مِنْهُ ودأب لَهُ فِيهِ سواهُ
وانْتهى الْأَمر من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين إِلَى تَقْرِير مَا أراحوا بِهِ من بعدهمْ
وانحصر الْحق فِي أقاويلهم
وتدونت الْعُلُوم وانتهت إِلَى مَا اتَّضَح فِيهِ الْحق الْجَلِيّ وَإِنَّمَا على القَاضِي فِي أقضيته الْعَمَل بِمَا يَأْخُذهُ عَنْهُم أَو عَن الْوَاحِد مِنْهُم
فَإِنَّهُ فِي معنى من كَانَ اجْتِهَاده إِلَى قَول قَالَه
وعَلى ذَلِك فَإِنَّهُ إِذا خرج من خلافهم متوخيا مَوَاطِن الِاتِّفَاق مَا أمكنه كَانَ آخِذا بالحزم عَاملا بِالْأولَى
وَكَذَلِكَ إِذا قصد فِي مَوَاطِن الْخلاف أَن يتوخى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر مِنْهُم وَالْعَمَل بِمَا قَالَه الْجُمْهُور دون الْوَاحِد
فَإِنَّهُ أَخذ بالحزم مَعَ جَوَاز عمله بقول الْوَاحِد إِلَّا أَنه يكره لَهُ أَن يكون من حَيْثُ إِنَّه قَرَأَ مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم أَو نَشأ فِي بَلْدَة لم يعرف فِيهَا إِلَّا مَذْهَب إِمَام وَاحِد مِنْهُم
أَو كَانَ أَبوهُ أَو شَيْخه على مَذْهَب وَاحِد مِنْهُم
فقصر نَفسه على اتِّبَاع ذَلِك الْمَذْهَب
حَتَّى إِنَّه إِذا حضر عِنْده خصمان وَكَانَ مَا تشاجرا فِيهِ مِمَّا يُفْتِي الْفُقَهَاء الثَّلَاثَة بِجَوَازِهِ نَحْو التَّوْكِيل بِغَيْر رضى الْخصم وَكَانَ الْحَاكِم حنفيا وَعلم أَن مَالِكًا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد اتَّفقُوا على جَوَاز هَذَا التَّوْكِيل
وَأَن أَبَا حنيفَة مَنعه
فَعدل عَمَّا اجْتمع عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة إِلَى مَا ذهب أَبُو حنيفَة إِلَيْهِ بمفرده من غير أَن يثبت عِنْده بِالدَّلِيلِ مَا قَالَه وَلَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد
فَإِنِّي أَخَاف على هَذَا من الله عز وَجل بِأَنَّهُ اتبع فِي ذَلِك هَوَاهُ
وَأَنه لَيْسَ من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ القَاضِي مالكيا فاختصم إِلَيْهِ اثْنَان فِي سُؤْر الْكَلْب فَقضى بِطَهَارَتِهِ مَعَ علمه بِأَن الْفُقَهَاء كلهم قضوا بِنَجَاسَتِهِ
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ القَاضِي شافعيا
فاختصم إِلَيْهِ اثْنَان فِي مَتْرُوك التَّسْمِيَة عمدا
فَقَالَ أَحدهمَا هَذَا مَنَعَنِي من بيع شَاة مذكاة
وَقَالَ الآخر إِنَّمَا منعته من بيع الْميتَة
فَقضى عَلَيْهِ بمذهبه
وَهُوَ يعلم أَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة على خِلَافه
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ القَاضِي حنبليا
فاختصم إِلَيْهِ اثْنَان
فَقَالَ أَحدهمَا لي عَلَيْهِ مَال
وَقَالَ الآخر كَانَ لَهُ عَليّ مَال وَقَضيته
فَقضى عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ
وَقد علم أَن الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة على خِلَافه
فَهَذَا وَأَمْثَاله مِمَّا يرجع إِلَى الْأَكْثَرين فِيهِ عِنْدِي أقرب إِلَى الْإِخْلَاص
وأرجح فِي الْعَمَل
وَمُقْتَضى هَذَا أَن ولايات الْحُكَّام فِي وقتنا هَذَا صَحِيحَة وَأَنَّهُمْ قد سدوا ثغرا من ثغور الْإِسْلَام سَده فرض كِفَايَة
وَلَو أهملت هَذَا القَوْل وَلم أذكرهُ ومشيت على الطَّرِيق الَّتِي يمشي عَلَيْهَا الْفُقَهَاء فِي كتاب صنفوه أَو كَلَام قَالُوهُ(2/289)
أَنه لَا يصلح أَن يكون قَاضِيا إِلَّا من يكون من أهل الِاجْتِهَاد ثمَّ يذكرُونَ من شُرُوط الِاجْتِهَاد أَشْيَاء لَيست مَوْجُودَة فِي الْحُكَّام
فَهَذَا كالإحالة والتناقض لَا سِيمَا إِن قُلْنَا قَالَ ابْن دَاوُد شَرط الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي القَاضِي والمفتي شَرَائِط لَا تُوجد إِلَّا فِي الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم
أَو قُلْنَا إِن من أَصْحَابه من قَالَ شَرط الشَّافِعِي فِي الْحَاكِم والمفتي شُرُوطًا تمنع أَن يكون أحدا بعده حَاكما أَو مفتيا
فَفِي ذَلِك تَعْطِيل للْأَحْكَام وسد لباب الحكم
وَهَذَا غير مُسلم بل الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة أَن ولَايَة الْحُكَّام وَإِن اخْتلفت أَقْوَال الْعلمَاء فِي شروطهم جَائِزَة
وَأَن حكوماتهم صَحِيحَة نَافِذَة
وَالله أعلم
فصل الْمَرْأَة هَل يَصح أَن تلِي الْقَضَاء
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَصح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح أَن تكون قاضية فِي كل شَيْء تقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء
وَعِنْده أَن شَهَادَة النِّسَاء تقبل فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود والجراح
فَهِيَ عِنْده تقضي فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود والجراح
وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ يَصح أَن تكون قاضية فِي كل شَيْء
وَقَالَ عَليّ لَا يجوز أَن يكون القَاضِي عبدا
فصل وَهل الْقَضَاء من فروض الكفايات
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ نعم
وَيجب على من تعين عَلَيْهِ الدُّخُول فِيهِ
وَإِن لم يُوجد غَيره
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر روايتيه لَيْسَ هُوَ من فروض الكفايات وَلَا يتَعَيَّن الدُّخُول فِيهِ وَإِن لم يُوجد غَيره
وَلَو أَخذ الْقَضَاء بالرشوة لَا يصير قَاضِيا بالِاتِّفَاقِ
وَهل يكره الْقَضَاء فِي الْمَسْجِد أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره
وَقَالَ مَالك بل هُوَ السّنة
وَقَالَ الشَّافِعِي يكره إِلَّا أَن يدْخل الْمَسْجِد للصَّلَاة فَتحدث حُكُومَة يحكم فِيهَا
فصل وَلَا يقْضِي القَاضِي بِغَيْر علمه
بِالْإِجْمَاع
وَهل يجوز لَهُ أَن يقْضِي بِعِلْمِهِ أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة مَا شَاهده الْحَاكِم من الْأَفْعَال الْمُوجبَة للحدود قبل الْقَضَاء وَبعده لَا يحكم فِيهَا بِعِلْمِهِ
وَمَا علمه من حُقُوق النَّاس حكم فِيهَا بِمَا علمه قبل الْقَضَاء وَبعده
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ أصلا
وَسَوَاء فِي ذَلِك حُقُوق الله عز وَجل وَحُقُوق الْآدَمِيّين
وَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي يقْضِي بِعِلْمِهِ إِلَّا فِي حُدُود الله
وَهل يكره للْقَاضِي البيع وَالشِّرَاء بِنَفسِهِ أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره ذَلِك
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يكره
وَطَرِيقه أَن يُوكل(2/290)
وَإِذا كَانَ القَاضِي لَا يعرف لِسَان الْخصم لاخْتِلَاف لغتهما
فَلَا بُد للْقَاضِي مِمَّن يترجم عَن الْخصم
وَاخْتلفُوا فِي عدد من يقبل فِي ذَلِك
وَكَذَلِكَ فِي التَّعْرِيف بِمن لَا يعرف وتأدية رسَالَته وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه تقبل شَهَادَة الرجل الْوَاحِد فِي ذَلِك كُله بل قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يكون امْرَأَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لَا يقبل أقل من رجلَيْنِ
وَقَالَ مَالك لَا بُد من اثْنَيْنِ
فَإِن كَانَ التخاصم فِي إِقْرَار بِمَال قبل فِيهِ عِنْده رجل وَامْرَأَتَانِ
وَإِن كَانَ يتَعَلَّق بِأَحْكَام الْأَبدَان لم يقبل إِلَّا رجلَانِ
فصل وَإِذا عزل القَاضِي نَفسه
فَهَل يَنْعَزِل أم لَا نقل الْمُحَقِّقُونَ من أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن القَاضِي كَيفَ عزل نَفسه انْعَزل إِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ وَإِن تعين عَلَيْهِ لم يَنْعَزِل فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ إِن عزل نَفسه لعذر جَازَ
أَو لغيره لم يجز
وَلَكِن لَا يجوز أَن يعْزل نَفسه إِلَّا بعد إِعْلَام الإِمَام واستعفائه
لِأَنَّهُ موكول بِعَمَل يحرم عَلَيْهِ إضاعته
وعَلى الإِمَام أَن يعفيه إِذا وجد غَيره
فَيتم عَزله باستعفائه وإعفائه وَلَا يتم بِأَحَدِهِمَا
وَلَا يكون قَوْله عزلت نَفسِي عزلا
لِأَن الْعَزْل يكون من الْمولي
وَهُوَ لَا يولي نَفسه
فَلَا يعزلها
وَقَالَ الْأَصْحَاب لَو فسق القَاضِي ثمَّ تَابَ وَحسن حَاله فَهَل يعود قَاضِيا من غير تَجْدِيد ولَايَة وَجْهَان
أصَحهمَا لَا يعود بِخِلَاف الْجُنُون وَالْإِغْمَاء إِذْ لَا يَصح فيهمَا الْعود
وَقَالَ الْهَرَوِيّ فِي الإشراف لَو فسق القَاضِي وانعزل
ثمَّ تَابَ صَار واليا
نَص عَلَيْهِ يَعْنِي الشَّافِعِي لِأَن ذَلِك يسد بَاب الْأَحْكَام
فَإِن الْإِنْسَان لَا يَنْفَكّ غَالِبا من أُمُور يَعْصِي بهَا فيفتقر إِلَى مطالعة الإِمَام
فجوز للْحَاجة
وَقَالَ القَاضِي إِن حدث الْفسق فِي القَاضِي وَأخر التَّوْبَة انْعَزل
وَإِن عجل الإقلاع بتوبة وَنَدم لم يَنْعَزِل لانْتِفَاء الْعِصْمَة عَنهُ
وَلِأَن هفوات ذَوي الهيئات مقَالَة قل من يسلم إِلَّا من عظم وَاخْتلفُوا فِي سَماع من لَا تعرف عَدَالَته الْبَاطِنَة
قَالَ أَبُو حنيفَة يسْأَل الْحَاكِم عَن بَاطِن الْعَدَالَة فِي الْحُدُود وَالْقصاص قولا وَاحِدًا
وَفِيمَا عدا ذَلِك لَا يسْأَل إِلَّا أَن يطعن الْخصم فِي الشَّاهِد
فَمَتَى طعن سَأَلَ وَمَتى لم يطعن لم يسْأَل
وَتسمع الشَّهَادَة
ويكتفي بِعَدَالَتِهِمْ فِي ظَاهر أَحْوَالهم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا يَكْتَفِي الْحَاكِم بِظَاهِر الْعَدَالَة حَتَّى يعرف الْعَدَالَة الْبَاطِنَة سَوَاء طعن الْخصم أَو لم(2/291)
يطعن وَسَوَاء كَانَت الشَّهَادَة فِي حد أَو فِي غَيره
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أقوى اخْتَارَهَا بعض أَصْحَابه أَن الْحَاكِم يَكْتَفِي بِظَاهِر الْإِسْلَام
وَلَا يسْأَل على الْإِطْلَاق
وَهل يقبل الدَّعْوَى بِالْجرْحِ الْمُطلق فِي الْعَدَالَة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يقبل
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أشهر روايتيه لَا يقبل حَتَّى يعين سَببه
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الْجَارِح عَالما بِمَا يُوجب الْجرْح مبرزا قبل جرحه مُطلقًا
وَإِن كَانَ غير متصف بِهَذِهِ الصّفة لم يقبل إِلَّا بتبيين السَّبَب
وَهل يقبل جرح النِّسَاء وتعديلهن قَالَ أَبُو حنيفَة يقبل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أشهر روايتيه لَا مدْخل لَهُنَّ فِي ذَلِك
وَإِذا قَالَ فلَان عدل رَضِي قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يَكْفِي ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَكْفِي حَتَّى يَقُول هُوَ عدل رَضِي لي وَعلي
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ الْمُزَكي عَالما بِأَسْبَاب الْعَدَالَة قبل قَوْله فِي تزكيته عدل رَضِي وَلم يفْتَقر إِلَى قَوْله لي وَعلي
فصل وَاتَّفَقُوا على أَن كتاب القَاضِي
إِلَى القَاضِي فِي الْحُدُود وَالْقصاص وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْخلْع غير مَقْبُول إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ يقبل عِنْده كتاب القَاضِي فِي ذَلِك كُله
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكتاب فِي الْحُقُوق الْمَالِيَّة جَائِز مَقْبُول
وَاخْتلفُوا فِي صفة تأديته الَّتِي يقبل مَعهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقبل حَتَّى يشْهد اثْنَان أَنه كتاب القَاضِي فلَان إِلَى القَاضِي فلَان قَرَأَهُ علينا أَو قرىء عَلَيْهِ بحضرتنا
وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَقَوْل الْجَمَاعَة
وَالْأُخْرَى يَكْفِي قَوْلهمَا هَذَا كتاب القَاضِي فلَان الْمَشْهُور عِنْده
وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَلَو تكاتب القاضيان فِي بلد وَاحِد
فقد اخْتلف أَصْحَاب أبي حنيفَة
فَقَالَ الطَّحَاوِيّ يقبل ذَلِك
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ مَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ مَذْهَب أبي يُوسُف
وَمذهب أبي حنيفَة أَنه لَا يقبل
وَيحْتَاج إِلَى إِعَادَة الْبَيِّنَة عِنْد الآخر بِالْحَقِّ وَإِنَّمَا يقبل ذَلِك فِي الْبلدَانِ النائية
فصل وَإِذا حكم رجلَانِ رجلا
من أهل الِاجْتِهَاد فِي شَيْء وَقَالَ رَضِينَا بحكمك فاحكم بَيْننَا
فَهَل يلْزمهُمَا حكمه وَلَا يعْتَبر رضاهما بذلك
وَلَا يجوز لحَاكم الْبَلَد نقضه وَإِن خَالف رَأْيه رَأْي غَيره قَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمهُمَا حكمه
إِن وَافق حكمه رَأْي قَاضِي الْبَلَد نفذ ويمضيه قَاضِي الْبَلَد إِذا رفع إِلَيْهِ وَإِن لم يُوَافق رَأْي حَاكم الْبَلَد فَلهُ أَن(2/292)
يُبطلهُ
وَإِن كَانَ فِيهِ خلاف بَين الْأَئِمَّة
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا يلْزمه حكمه
وَالثَّانِي لَا يلْزم إِلَّا بتراضيهما بل يكون ذَلِك كالفتوى مِنْهُ
وَهَذَا الْخلاف فِي مَسْأَلَة التَّحْكِيم إِنَّمَا يعود إِلَى الحكم فِي الْأَمْوَال
فَأَما النِّكَاح وَاللّعان وَالْقَذْف وَالْقصاص وَالْحُدُود فَلَا يجوز التَّحْكِيم فِيهَا إِجْمَاعًا
فصل وَلَا يقْضِي على غَائِب
إِلَّا أَن يحضر من يقوم مقَامه كوكيل أَو وَصِيّ عِنْد أبي حنيفَة
وَعند الثَّلَاثَة
يقْضِي عَلَيْهِ مُطلقًا
وَإِذا قضى لإِنْسَان بِحَق على غَائِب أَو صبي أَو مَجْنُون
فَهَل يحْتَاج إِلَى تَحْلِيفه للشَّافِعِيّ وَجْهَان
أصَحهمَا نعم
وَقَالَ أَحْمد لَا يحْتَاج إِلَى إحلافه
وَلَو نسي الْحَاكِم مَا حكم بِهِ فَشهد عِنْده شَاهِدَانِ أَنه حكم بذلك
قَالَ مَالك وَأحمد تقبل شَهَادَتهمَا
وَيحكم بهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل شَهَادَتهمَا وَلَا يرجع إِلَى قَوْلهمَا حَتَّى يذكر أَنه حكم بِهِ
فصل لَو قَالَ القَاضِي فِي حَال
ولَايَته قضيت على هَذَا الرجل بِحَق أَو بِحَدّ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقبل مِنْهُ ويستوفى الْحق وَالْجد
وَقَالَ مَالك لَا يقبل قَوْله حَتَّى يشْهد مَعَه عَدْلَانِ أَو عدل
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا كمذهب أبي حنيفَة
وَهُوَ الْأَصَح
وَالثَّانِي كمذهب مَالك
وَلَو قَالَ بعد عَزله قضيت بِكَذَا فِي حَال ولايتي
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يقبل مِنْهُ
وَقَالَ أَحْمد يقبل مِنْهُ
فصل حكم الْحَاكِم
لَا يخرج الْأَمر عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِن
وَإِنَّمَا ينفذ حكمه فِي الظَّاهِر
فَإِذا ادّعى مُدع على رجل حَقًا وَأقَام شَاهِدَانِ بذلك
فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِمَا
فَإِن كَانَا قد شَهدا بِحَق وَصدق
فقد حل ذَلِك الشَّيْء الْمَشْهُود بِهِ للْمَشْهُود لَهُ ظَاهرا وَبَاطنا
وَإِن كَانَا قد شَهدا بزور
فقد ثَبت ذَلِك الشَّيْء للْمَشْهُود لَهُ ظَاهرا بالحكم
وَأما فِي الْبَاطِن فِيمَا بَينه وَبَين الله عز وَجل فَهَل هُوَ على ملك الْمَشْهُود عَلَيْهِ كَمَا كَانَ سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي الْفروج أَو فِي الْأَمْوَال هَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة حكم الْحَاكِم إِذا كَانَ عقدا أَو فسخا يحِيل الْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَينفذ الحكم بِهِ ظَاهرا وَبَاطنا
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَاكِم إِذا حكم بِاجْتِهَادِهِ ثمَّ بَان لَهُ اجْتِهَاد يُخَالِفهُ
فَإِنَّهُ لَا ينْقض(2/293)
الأول
وَكَذَا إِذا وَقع حكم غَيره فَلم يره
فَإِنَّهُ لَا ينْقضه
فروع أوصى إِلَيْهِ وَلم يعلم بِالْوَصِيَّةِ
فَهُوَ وَصِيّ بِخِلَاف الْوَكِيل بالِاتِّفَاقِ
وَتثبت الْوكَالَة بِخَير وَاحِد عِنْد أبي حنيفَة
وَلَا يثبت عزل الْوَكِيل إِلَّا بِعدْل أَو مستورين
وَعند الثَّلَاثَة يشْتَرط فيهمَا العدلان
قَالَ وَلَو قَالَ قَاض عزل لرجل حكمت عَلَيْك لفُلَان بِأَلف ثمَّ أَخذهَا ظلما
فَالْقَوْل قَول القَاضِي بالِاتِّفَاقِ
وَكَذَا لَو قَالَ قطعت يدك بِحَق فَقَالَ بل ظلما
انْتهى
المصطلح وَهُوَ نَوْعَانِ النَّوْع الأول فِي معرفَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ القَاضِي
وَمَا يسْتَحبّ لَهُ فعله وَمَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ إتقان وَضعه وَمَعْرِفَة كيفيته مِمَّا هُوَ مُتَعَلق بوظيفة الْقَضَاء من رسم الْكِتَابَة الَّتِي يَكْتُبهَا القَاضِي من الْعَلامَة وموضعها إِلَى الرقم وموضعه وَكَيْفِيَّة مَا يكْتب لكل وَاحِد على اخْتِلَاف الْمَرَاتِب
وَكَيْفِيَّة وضع التوقيع على الْهَامِش وَبَيَان التَّارِيخ وَكَيْفِيَّة وضع الحسبلة وموضعها وَمَا يكْتب على المحاضر وَصُورَة الْمجَالِس وأوراق الاعتقالات وقصص الاستدعاء والتقارير والفروض
وَغير ذَلِك مِمَّا يَنْبَغِي الاعتناء بِهِ وَكَثْرَة التَّأَمُّل لَهُ وإتقانه إتقانا جيدا لَا يحْتَاج مَعَه إِلَى تردد فِي حَالَة من الْحَالَات
النَّوْع الثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بوظيفة الْقَضَاء من التواقيع والتسجيلات وتفويض الأنظار والتداريس
وَالنَّظَر على الْأَوْقَاف الْجَارِيَة تَحت نظر الحكم الْعَزِيز وَنصب الْأُمَنَاء والقوام على الْأَيْتَام الداخلين تَحت حجر الشَّرْع الشريف وَغير ذَلِك من التعلقات الَّتِي هِيَ منوطة بحكام الشَّرِيعَة المطهرة
ويشتمل هَذَا النَّوْع على صور سَيَأْتِي بَيَانهَا
أما النَّوْع الأول فَأول مَا يذكر فِيهِ مَوضِع الْعَلامَة
وَهُوَ نَوْعَانِ
أَحدهمَا مَا هُوَ مصطلح المصريين
وَالثَّانِي مَا هُوَ مصطلح الشاميين
فَأَما مصطلح المصريين فَهُوَ أَن القَاضِي إِذا حكم بِحكم أَو ثَبت عِنْده شَيْء فِي مَضْمُون كتاب من الْكتب
فَذَلِك الْكتاب لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْحَاكِم الَّذِي يكْتب علامته فِيهِ هُوَ الْحَاكِم فِي أَصله بعد سَماع الدَّعْوَى فِيهِ وَسَمَاع الْبَيِّنَة وَاسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة أَولا
فَإِن كَانَ هُوَ فَالْقَاضِي يكْتب علامته فِي بَاطِن هَذَا الْمَكْتُوب عَن يسَار الْبَسْمَلَة
وَإِن كَانَ الحكم فِي ظَاهر الْمَكْتُوب كتب الْعَلامَة فِي ظَاهره عَن يسَار الْبَسْمَلَة(2/294)
وَيكْتب فِي الْموضع الَّذِي يخليه الْكَاتِب فِي وسط السطور بعد التَّرْجَمَة التَّارِيخ بِخَطِّهِ
وَيكْتب فِي آخِره الحسبلة بِخَطِّهِ
وَيشْهد عَلَيْهِ فِي آخر هَذَا الإسجال
وَأما فِي اصْطِلَاح الشاميين وهم الَّذين يَكْتُبُونَ إشهادا على القَاضِي بالثبوت وَالْحكم والتنفيذ فَإِن القَاضِي يكْتب علامته فِي بَاطِن الْمَكْتُوب عَن يسَار الْبَسْمَلَة ثمَّ يكْتب فِي هامشه بِخَطِّهِ مَا يشْهد عَلَيْهِ من الثُّبُوت وَالْحَاكِم والتنفيذ ثمَّ يرقم للشُّهُود وَيكْتب الْكَاتِب الْإِشْهَاد عَلَيْهِ فِي ظَاهر الْمَكْتُوب مُجَردا عَن عَلامَة وَغَيرهَا
وَلَا بُد للْقَاضِي من عَلامَة يعرف بهَا من بَين الْحُكَّام
وَإِذا اخْتَار عَلامَة لَا يغيرها
فَهُوَ الأولى إِلَّا أَن يكون نَائِبا فيرتقي أصلا أَو ينْتَقل من بلد إِلَى بلد فَيكون للتغيير مُوجب وَلَا يلتبس على النَّاس
فَأَما إِذا كَانَ نَائِبا فمدة نيابته لَا يُغير علامته
وَكَذَا إِذا كَانَ أصلا وَلم ينْتَقل فَلَا يُغير علامته
وَصُورَة الْعَلامَة الْحَمد لله على نعمه الْحَمد لله رب الْعَالمين
الْحَمد لله على كل حَال
الْحَمد لله اللَّطِيف فِي قَضَائِهِ الْحَمد لله الْهَادِي للحق الْحَمد لله الحكم الْعدْل الْحَمد لله نَاصِر الْحق
أَو أَحْمد الله كثيرا أَو أَحْمد الله بِجَمِيعِ محامده أَو الْحَمد الله الْغَنِيّ الْقوي
وَهَذِه كَانَت عَلامَة شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر
رَحمَه الله تَعَالَى
وَتَكون الْعَلامَة فِي الْمحل الْمَذْكُور من الرَّحِيم إِلَى آخر الْمَكْتُوب بالقلم الغليظ
وَاعْلَم أَن الْعَلامَة لَا تكْتب إِلَّا بعد تأدية شَهَادَة الشُّهُود عِنْد القَاضِي فِي الْمَكْتُوب
فَإِذا تكمل أداؤهم أَو أَدَاء من يَسْتَغْنِي بِهِ الْحَاكِم مِنْهُم من اثْنَيْنِ فَصَاعِدا رقم لَهُم
وَلَا يعلم قبل الْأَدَاء
وَهُوَ بِالْخِيَارِ بعد الْأَدَاء إِن شَاءَ علم ثمَّ رقم للشُّهُود وَإِن شَاءَ رقم لَهُم ثمَّ علم
فَإِذا فرغ من الْعَلامَة انْتقل إِلَى التوقيع على الْمَكْتُوب وموضعه تَحت بَاء الْبَسْمَلَة على جنب الْمَكْتُوب على رَأس أول سطر مِنْهُ
فَإِن كَانَ التوقيع على طَريقَة المصريين كتب ليسجل خَاصَّة وَكَاتب الحكم يتَصَرَّف فِي أَلْفَاظ التسجيل وَيَأْتِي بالثبوت وَالْحكم أَو بالتنفيذ على مُقْتَضى الْقَاعِدَة الْمَطْلُوبَة فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة
ويخلي موضعا للتاريخ
ويخلي للحسبلة كَمَا تقدم
وَإِن كَانَ فِي الْقَضِيَّة خلاف نبه عَلَيْهِ فِي إسجاله
وَإِن شَاءَ القَاضِي كتب ليسجل بِثُبُوتِهِ أَو ليسجل بِثُبُوتِهِ وَالْحكم بِمُوجبِه أَو ليسجل بِثُبُوتِهِ وتنفيذه أَو ليسجل بِثُبُوتِهِ وَالْحكم بِهِ أَو ليسجل بِثُبُوت مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة فِيهِ وَالْحكم بِهِ
وَإِذا كَانَ التوقيع على طَريقَة الشاميين كتب القَاضِي على الْهَامِش(2/295)
من ابْتِدَاء أول سطر من سطور الْمَكْتُوب مَا صورته ليشهد بِثُبُوتِهِ وَالْحكم بِمُوجبِه وَيذكر فِي خطه جَمِيع مَا يشْهد بِهِ عَلَيْهِ أصلا وفصلا
وَإِن كَانَ فِي الْمَسْأَلَة خلاف
فَيَقُول مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان والإسجال أقوى من الْإِشْهَاد
وَسَيَأْتِي بَيَان معرفَة الإسجال وَالْإِشْهَاد فِي مَوْضِعه
وَاعْلَم أَن التوقيع على المكاتيب الشَّرْعِيَّة مُرَتّب على مقتضيات مَا شرح فِيهَا وعَلى مَا شهد بِهِ فيهمَا مِمَّا يسوغه الشَّرْع الشريف المطهر
وكل مَكْتُوب يُوقع فِيهِ على هامشه بِحَسب مَا شهد فِيهِ
وَذَلِكَ كُله دائر بَين ثُبُوت وَحكم بِالْمُوجبِ أَو ثُبُوت وَحكم بِالصِّحَّةِ أَو ثُبُوت وتنفيذ أَو ثُبُوت مُجَرّد
وَأما مَا يتَعَلَّق بِمَعْرِِفَة الرقم فِي المكاتيب الشَّرْعِيَّة ومساطير الدُّيُون وَغَيرهَا
فَذَلِك متفاوت بِاعْتِبَار شَهَادَة الشُّهُود
فَإِن كَانُوا من المعدلين الجالسين فِي المراكز على رَأْي الشاميين أَو فِي الحوانيت على رَأْي المصريين
فيرقم لكل وَاحِد مِمَّن شهد عِنْده شهد عِنْدِي بذلك وَإِن كَانُوا من غير الجالسين
فَإِن كَانَ القَاضِي يعرف عدالتهم فيرقم لَهُم على نَحْو مَا تقدم ذكره أَيْضا
وَإِن كَانَ لَا يعرف عدالتهم
فيطلب التَّزْكِيَة من صَاحب الْحق
فَإِذا زكوا بَين يَدَيْهِ رقم تَحت كل وَاحِد شهد بذلك وزكى والأحوط أَن يكْتب الْمُزَكي تزكيته تَحت خطّ الشَّاهِد فِي الْمَكْتُوب الَّذِي أدّى عِنْد القَاضِي فِيهِ
وَصُورَة مَا يكْتب الْمُزَكي أشهد أَن فلَان ابْن فلَان الْوَاضِع خطه أَعْلَاهُ عدل رَضِي لي وَعلي وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَارف فِي التَّزْكِيَة فِي زَمَاننَا
وَأما على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة لَو قَالَ عدل فَقَط كَانَ كَافِيا أَو قَالَ لَا أعلم إِلَّا خيرا من غير أَن يَقُول أشهد كَانَ كَافِيا أَيْضا
وَاعْلَم أَن الْمُزَكي لَا بُد أَن تكون عَدَالَته مَعْرُوفَة عِنْد الْحَاكِم بِحَيْثُ يَثِق بقوله فِي التَّزْكِيَة
وَإِن كَانَ القَاضِي يعرف عَدَالَة الْبَعْض دون الْبَعْض كتب لمن عرف عَدَالَته
وزكى بَين يَدَيْهِ شهد عِنْدِي بذلك وَيكْتب للَّذي لم يعرف عَدَالَته وزكى بَين يَدَيْهِ شهد بذلك عِنْدِي وزكى وَأما الَّذِي يكون بَين هَذَا وَذَاكَ فَيكْتب لَهُ شهد بذلك عِنْدِي وَالَّذِي شهد وَمَا زكى يكْتب لَهُ شهد فَقَط وَمن هُوَ أَعلَى مِنْهُ بِقَلِيل كالمستور يكْتب لَهُ شهد بذلك فلَان الْفُلَانِيّ
وَقد يشْهد فِي بعض المكاتيب من يكون كَبِيرا يصلح للْقَضَاء أَو وزيرا مُعظما أَو وَكيل بَيت المَال أَو كَاتب السِّرّ أَو نَاظر الْجَيْش أَو مِمَّن يكون فِي هَذِه الرُّتْبَة
فَإِذا(2/296)
شهد عِنْد القَاضِي أحد من هَؤُلَاءِ فيرقم لَهُ أعلمني بذلك أَو أَخْبرنِي بذلك بِلَفْظ الشَّهَادَة
أَسْبغ الله ظلاله أَو أعَاد الله علينا من بركته
أَو فسخ الله فِي مدَّته أَو نفع الله بِهِ وبعلومه أَو مَا يُنَاسب هَذِه الْأَدْعِيَة
فَإِن كَانَ نَائِب السُّلْطَان كتب لَهُ أعلمني بذلك بِلَفْظ الشَّهَادَة أعز الله أنصاره وَقد يشْهد عِنْده من يكون من أهل الْفَتْوَى والتدريس أَو رَئِيسا كَبِيرا أَو موقعا فِي الدست
فيرقم لَهُ شهد عِنْدِي بذلك أيده الله تَعَالَى أَو أعزه الله تَعَالَى أَو زَاده الله تَعَالَى من فَضله أَو أدام الله سعادته أَو أعز الله نَصره
والرقم تَحت شَهَادَة من ذكرنَا يكون بالقلم الثخين قلم الْعَلامَة
وَالْأولَى أَن يرقم لكل شَهَادَة برقم على حِدة تحتهَا
وَإِن جمع ورقم فَهُوَ كَاف
مثل أَن يكْتب شهد الثَّلَاثَة عِنْدِي بذلك أَو شَهدا عِنْدِي بذلك أَو شهد الْأَرْبَعَة أَو الْخَمْسَة عِنْدِي بذلك بِشَرْط أَن يَكُونُوا فِي الْعَدَالَة سَوَاء
هَذَا مَا يتَعَلَّق بِالرَّقْمِ
فَأَما مَا يتَعَلَّق بِالْكِتَابَةِ على الأوصال فَيكْتب بقلم الْعَلامَة على كل وصل حسبي الله أَو ثقتي بِاللَّه أَو الْوَصْل صَحِيح
كتبه فلَان أَو يقيني بِاللَّه يقيني أَو الْحَمد لله أَو الْحَمد وَالشُّكْر لله تَعَالَى فَإِن حصل التوقيع على بعض الأوصال اكْتفى بذلك
وَأول شَرط يحْتَاج إِلَيْهِ القَاضِي فِيمَا يُثبتهُ أَو يحكم بِمُوجبِه أَو بِصِحَّتِهِ مِمَّا يدْخل تَحت قلم الْعَلامَة والتوقيع والرقم كَمَا تقدم تَصْحِيح الدَّعْوَى فِي ذَلِك كُله وسماعها
إِمَّا على الْمقر نَفسه أَو البَائِع أَو الرَّاهِن أَو الْوَاقِف أَو غَيره أَو على وَكيله الَّذِي تثبت وكَالَته عِنْده بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على وَكيل بَيت المَال فِي وَجهه أَو على شخص من جِهَته أَو على نَاظر الْأَيْتَام
فقد جرت الْعَادة فِي ذَلِك على أَن القَاضِي يكْتب فِي قرنة الْمَكْتُوب الْيُمْنَى على يَمِين قارىء الْمَكْتُوب عِنْد قِرَاءَته ادّعى بِهِ بالقلم الغليظ الَّذِي يكْتب بِهِ الْعَلامَة
وَالْأولَى أَن يكْتب ادّعى بِهِ فِي وَجه القَاضِي فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور أيده الله تَعَالَى وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على شخص من جِهَته بِإِذْنِهِ وتوكيله إِيَّاه فِي سماعهَا كتب ادّعى بِهِ فِي وَجه فلَان الدّين الْوَكِيل الشَّرْعِيّ فِي سَماع الدَّعْوَى عَن القَاضِي فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور أيده الله تَعَالَى وَكَذَلِكَ فِي حق نَاظر الْأَيْتَام لَكِن فِي هَذَا التَّوْكِيل من جِهَته وَكيل بَيت المَال أَو نَاظر الْأَيْتَام يحْتَاج إِلَى كِتَابَة فصل بِالتَّوْكِيلِ
وَصورته أشهدني سيدنَا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى القَاضِي فلَان أَو الشَّيْخ فلَان الدّين وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِالْمَدِينَةِ الْفُلَانِيَّة أَو نَاظر الْأَيْتَام بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
أَسْبغ(2/297)
الله ظلاله على نَفسه الْكَرِيمَة أَنه وكل فلَان ابْن فلَان فِي سَماع الدَّعْوَى بِسَبَب كَذَا وَكَذَا المتضمن ذَلِك الْمَكْتُوب المسطر بأعاليه توكيلا صَحِيحا شَرْعِيًّا قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَشهِدت عَلَيْهِمَا بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
فَإِذا أدّى الشُّهُود شَهَادَتهم فِي هَذَا الْفَصْل عِنْد القَاضِي سمع الدَّعْوَى وَعمل بِمُقْتَضى مَا ذَكرْنَاهُ
وَكتب مَا قدمْنَاهُ من عَلامَة الدَّعْوَى فِي الْموضع الَّذِي بَيناهُ
وَاعْلَم أَن ثمَّ مسَائِل لَا يحْتَاج إِلَى دَعْوَى فِيهَا يَأْتِي بَيَانهَا فِي كتاب الدَّعْوَى والبينات
وَصُورَة مَا يَكْتُبهُ القَاضِي على البعدية فِي مَوضِع الْعَلامَة جرى ذَلِك أَو جرى الْأَمر كَذَلِك أَو جرى ذَلِك كَذَلِك وَيكْتب فِي أَسْفَل الْمَكْتُوب بعد انْتِهَاء الْكَلَام التَّارِيخ بِخَطِّهِ فَقَط وَالسّنة بِخَط كَاتب الحكم
ثمَّ يكْتب القَاضِي الحسبلة بِخَطِّهِ
وَمِنْهُم من يَقُول لَا يحْتَاج إِلَى كِتَابَة القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة فِي البعدية بل كِتَابَته جرى ذَلِك فِيهِ كِفَايَة
وَكَذَلِكَ يكْتب القَاضِي على صور الدَّعَاوَى الَّتِي يَدعِي بهَا عِنْده وَتقوم فِيهَا الْبَيِّنَة ويسبك الحكم فِي آخرهَا بِمَا يَقع بِهِ الحكم
وعَلى هَذَا جرت عَادَة الْحُكَّام فِي صور الدَّعَاوَى الَّتِي يَقع الحكم فِيهَا
وَفِي الْمُجَرَّدَة عَن الحكم إِذْ هِيَ صُورَة حَال
وَإِن وَقع الْإِشْهَاد على شخص بِشَيْء من الْأَشْيَاء الَّتِي تقع عِنْد الشُّهُود وَآل الْأَمر إِلَى صُدُور الْإِشْهَاد بذلك الشَّيْء فِي مجْلِس الحكم الْعَزِيز
فَهَذَا الْإِشْهَاد لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يصدر الْكَاتِب إشهاده بِذكر مجْلِس الحكم الْعَزِيز أَو يُؤَخر ذكره عَن الْإِشْهَاد وَيخْتم بِهِ
وَمِثَال الأول حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان أَو بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي متوليه سيدنَا فلَان أشهد عَلَيْهِ فلَانا أَو بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين
أشهد عَلَيْهِ فلَانا
وَمِثَال الثَّانِي حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ بِكَذَا وَكَذَا
أَو أشهد عَلَيْهِ فلَان شُهُوده إشهادا شَرْعِيًّا أَو أقرّ فلَان الْفُلَانِيّ إِقْرَارا شَرْعِيًّا أَو تصادق فلَان وَفُلَان على كَذَا وَكَذَا
فَإِذا انْتهى الْكَلَام فِي ذَلِك إِلَى آخِره
كتب قبل التَّارِيخ وَذَلِكَ بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَو وَقع الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بذلك بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ أَو وَذَلِكَ بعد تقدم دَعْوَى شَرْعِيَّة صدرت بَينهمَا فِي ذَلِك بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ واعتراف الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا بذلك لَدَيْهِ
أحسن الله إِلَيْهِ ويؤرخ(2/298)
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على هَذَا الْإِشْهَاد إِن احْتِيجَ إِلَى خطه فِيهِ اعْترف عِنْدِي بذلك أَو اعترفا بذلك عِنْدِي أَو سَمِعت اعْتِرَاف الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَو عَلَيْهِمَا بذلك فِي تَارِيخه
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على الْفُرُوض مَوضِع الْعَلامَة فرضت ذَلِك وأذنت فِيهِ وَيكْتب التَّارِيخ بِخَطِّهِ والحسبلة كَمَا تقدم
وَصُورَة مَا يكْتب للْقَاضِي فِي كتاب الْقِسْمَة الصادرة بَين الشَّرِيكَيْنِ بِإِذْنِهِ مَوضِع الْعَلامَة
وَيكْتب تحتهَا أَذِنت فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَيكْتب التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ أَيْضا
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على تَفْوِيض أَمر صَغِير إِلَى شخص أَقَامَهُ متكلما عَلَيْهِ مَوضِع الْعَلامَة فوضت ذَلِك إِلَيْهِ وأذنت لَهُ فِيهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَكَذَلِكَ يكْتب لمن فوض إِلَيْهِ التحدث على وقف من الْأَوْقَاف الْجَارِيَة تَحت نظره
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على مَكْتُوب قد اتَّصل بِهِ بِالنَّقْلِ إِمَّا نُسْخَة أَو سجل على هَامِش الْمَكْتُوب محاذاة رَأس الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة لينقل بِهِ نُسْخَة أَو لينقل بِهِ سجل وَإِن كَانَ المُرَاد أَكثر من ذَلِك كتب لينقل بِهِ نسختان أَو سجلان وَسَيَأْتِي بَيَان الْفرق بَين النُّسْخَة والسجل فِيمَا يتَعَلَّق بكاتب الحكم
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على تَنْفِيذ حكم آخر تضمن إِذْنا من ذَلِك القَاضِي ليسجل بِثُبُوتِهِ وتنفيذه وإمضاء الْآذِن الْمَذْكُور فِيهِ
وَإِن كَانَ التَّنْفِيذ يَشْمَل الْكل
فعلى هَذَا لقَائِل أَن يَقُول التَّنْفِيذ يتَعَلَّق بِصِيغَة الحكم لَهُ بِالْإِذْنِ
فَكَأَن الثَّانِي نفذ الحكم وَمَا أمضى الْآذِن
فَإِذا خرج بإمضاء الْآذِن زَاده قُوَّة وَرفع قَول من يَقُول بِهَذَا التَّوَهُّم
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على المحاصر من الْإِذْن فِي كتَابَتهَا على سَائِر أَنْوَاعهَا
فَأول مَا يرفع إِلَيْهِ السُّؤَال فِي كِتَابَة محْضر يتَضَمَّن كَيْت وَكَيْت
فَإِذا رفع إِلَيْهِ
نظر فِي نَفسه وفكر ودقق النّظر
فَإِذا رَآهُ مِمَّا يسوغه الشَّرْع الشريف كتب تَحت السُّؤَال من جِهَة الْيَسَار ليكتب فَإِذا سطره كَاتب الحكم وأرخه وذيله
يذكر إِذن الْحَاكِم الْآذِن فِي كِتَابَته بِمُقْتَضى خطه الْكَرِيم أَعْلَاهُ
ويكمل بالشهود الْعُدُول ادّعى بِهِ عِنْد القَاضِي الْآذِن وَيكْتب القَاضِي عَلامَة الدَّعْوَى كَمَا تقدم
فَإِذا(2/299)
قَامَت الْبَيِّنَة رقم لَهَا كَمَا تقدم وَكتب على هامشه ليسجل بِثُبُوتِهِ وَالْحكم بِهِ أَو بِمُوجبِه على مَا تقدم أَو ليشهد بِثُبُوتِهِ أَو الحكم بِهِ أَو بِمُوجبِه وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَان كَمَا تقدم
ويكمله كَاتب الحكم بالإسجال أَو الْإِشْهَاد بِمَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة فِيهِ على اخْتِلَاف الْأَنْوَاع
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على صلح ليتيم ادّعى لَهُ على شخص بِإِذْنِهِ أَذِنت فِي ذَلِك والمنسوب إِلَيّ فِيهِ صَحِيح وَيكْتب فِي آخر الصُّلْح حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل من غير عَلامَة وَلَا توقيع على هَامِش
وَكَذَلِكَ يكْتب على صُورَة الْمجْلس المتضمنة الحكم بشفعة الْخلطَة أَو الْجوَار أَذِنت فِي ذَلِك سطرا بِغَيْر عَلامَة
وَتَحْت أَذِنت فِي ذَلِك سطرا آخر الْمَنْسُوب إِلَيّ فِيهِ صَحِيح وَيكْتب التَّارِيخ بِخَطِّهِ ويحسبل
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على قصَص السؤالات بالاستقرار فِي الْوَظَائِف الدِّينِيَّة الْجَارِيَة تَحت نظر الحكم الْعَزِيز
مثل إِمَامَة مَسْجِد أَو قِرَاءَة أَو نظر أَو خدمَة
أَو غير ذَلِك بِحكم وَفَاة أَو شغور ليجب إِلَى سُؤَاله على الْوَجْه الشَّرْعِيّ أَو ليجب إِلَى سُؤَاله وليستقر فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على أوراق الإشهادات بالنزول لشخص من النَّاس عَن وَظِيفَة من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة ليمض فِي ذَلِك بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ أَو ليمض النُّزُول الْمَذْكُور وليستقر الْمنزل لَهُ فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ أَو أمضيت ذَلِك وقررت النُّزُول لَهُ فِي الْوَظِيفَة الْمَذْكُورَة بِمَا لَهَا من الْمَعْلُوم وأذنت لَهُ فِي الْمُبَاشرَة وَقبض الْمَعْلُوم المستقر صرفه إِلَى آخر وَقت على الْوَجْه الشَّرْعِيّ ويؤرخ
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على ورقة الْإِحْضَار الَّتِي ترفع إِلَيْهِ بِطَلَب غَرِيم للطَّالِب عَلَيْهِ دَعْوَى شَرْعِيَّة ليحضر إِلَى مجْلِس الشَّرْع الشريف المطهر بالقلم الغليظ قلم الْعَلامَة وَمن الْحُكَّام من يكْتب ليحضر فَقَط
وَمِنْهُم من يكْتب ليحضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز وَمِنْهُم من يكْتب أجب خصمك إِلَى مجْلِس الحكم
كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَان وَمِنْهُم من يكْتب أجب خصمك إِلَى مجْلِس الْقَضَاء
كَمَا نَص عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة وَفِي الْحَقِيقَة الْمَعْنى وَاحِد
وَإِن تغاير اللَّفْظ
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي على ورقة الاعتقال ليعتقل بقلم الْعَلامَة فِي وسط الطرة فَإِن كَانَ صَاحب الْحق يخْتَار الترسيم واتفقا عَلَيْهِ
أَو رأى القَاضِي الترسيم دون الْحَبْس
فَيكْتب ليرسم عَلَيْهِ بقلم الْعَلامَة من غير ليعتقل وَإِن اتفقَا قبل أَن يعلم القَاضِي عَلَيْهَا على مبلغ أقل مِمَّا فِي ورقة الاعتقال كتب ليعتقل على مبلغ كَذَا فَقَط(2/300)
وَصُورَة مَا يَكْتُبهُ القَاضِي على توقيع نَائِبه فِي الحكم إِذا كتبه كَاتب حكمه عَنهُ بِإِذْنِهِ يكْتب تَحت الْبَسْمَلَة وسطر من الْخطْبَة علامته الَّتِي يَكْتُبهَا على الإسجالات والمكاتيب الْحكمِيَّة بقلم ثخين وَيكْتب الحسبلة فِي آخِره بعد أَن يكْتب كَاتب الحكم التَّارِيخ بِخَطِّهِ
وَصُورَة مَا يكْتب القَاضِي فِي عقد عقده أَو عقد بِحُضُورِهِ
وَهَذِه الْكِتَابَة محلهَا من الصَدَاق مَوضِع الْعَلامَة
فَإِن كَانَ الْعَاقِد لَهُ قَاضِي قُضَاة الشَّافِعِيَّة كتب فِي الْموضع الْمَذْكُور بالقلم الغليظ عقده بَينهمَا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ فِي التَّارِيخ الْمعِين فِيهِ فلَان ابْن فلَان الشَّافِعِي وَإِن كَانَ حنفيا وَلم يحضرهُ شَافِعِيّ كتب كَذَلِك فِي الْموضع الْمَذْكُور
وَإِن احْتِيجَ إِلَى كِتَابَة أحد من بَقِيَّة الْقُضَاة غير الشَّافِعِي مِمَّن حضر
فَيكْتب مِمَّا يَلِي هَذَا الْموضع إِلَى جِهَة الْبَسْمَلَة أَو على رَأس الْهَامِش مِمَّا يَلِي بَاء الْبَسْمَلَة عقده بَينهمَا
أيده الله تَعَالَى بحضوري فِي تَارِيخه وَكتبه فلَان الْفُلَانِيّ وَمن دون هَؤُلَاءِ يكْتب فِي هَامِش الصَدَاق عقده بَينهمَا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ فلَان الْفُلَانِيّ أَو حضر هَذَا العقد الْمُبَارك الميمون فلَان الْفُلَانِيّ
وَصُورَة مَا يَكْتُبهُ القَاضِي على إِشْهَاد قَاض آخر كَانَ قد شهد عَلَيْهِ فِي تَارِيخ مُتَقَدم ثمَّ مَاتَ شُهُود ذَلِك الأَصْل وَلم يبْق مِمَّن شهد على ذَلِك القَاضِي الْمُتَقَدّم غير هَذَا القَاضِي الْحَيّ يُوقع على هَامِش الْمَكْتُوب الَّذِي يُرِيد صَاحبه ثُبُوته أَو على نسخته المنقولة من أَصله ليسجل بِثُبُوتِهِ بطرِيق مَشْرُوع
وَإِن كَانَ فِيهِ حكم فَيكْتب ليسجل بِثُبُوتِهِ وتنفيذه بطرِيق مَشْرُوع وَهَذَا معنى الْقَضَاء بِالْعلمِ
وَذَلِكَ الْحَاكِم لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون شافعيا أَو حنفيا أَو غَيرهمَا مِمَّن لَا يقْضِي بِالْعلمِ
فَإِن كَانَ غير شَافِعِيّ فَلَا يُصَرح الْكَاتِب فِي الإسجال على الْحَاكِم بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقع لَهُ بِهِ بل يزِيد بطرِيق مَشْرُوع يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة فِي الشَّرْع الشريف وَشرط هَذَا القَاضِي الَّذِي يفعل هَذَا بطرِيق الشَّهَادَة على القَاضِي الأول أَن يكون مُقَلدًا للْقَضَاء فِي مَحل ولَايَته فِي الْمصر الَّذِي هُوَ قَاض فِيهِ كَمَا هُوَ مَشْرُوط فِي جَوَاز الْقَضَاء بِالْعلمِ
وَالله أعلم
فَائِدَة الثُّبُوت الْمُجَرّد لَيْسَ بِحكم
وَقَالَت الْحَنَفِيَّة هُوَ حكم
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ الشَّافِعِي اخْتلف أَصْحَابنَا
هَل الثُّبُوت حكم أم لَا وَالْمُخْتَار عِنْدِي التَّفْصِيل بَين أَن يثبت الْحق وَبَين أَن يثبت السَّبَب
فَإِذا ثَبت السَّبَب كَقَوْلِه ثَبت(2/301)
عِنْدِي أَن فلَانا وقف هَذَا فَلَيْسَ بِحكم
لِأَنَّهُ بعد ذَلِك يتَوَقَّف على نظر آخر
هَل ذَلِك الْوَقْف صَحِيح أم بَاطِل لِأَنَّهُ قد يكون على نَفسه أَو مُنْقَطع الأول وَنَحْو ذَلِك
وَإِن أثبت الْحق كَقَوْلِه ثَبت عِنْدِي أَن هَذَا وقف على الْفُقَرَاء أَو على فلَان فَهُوَ فِي معنى الحكم
لِأَنَّهُ تعلق بِهِ حق الْمَوْقُوف عَلَيْهِ
وَلَا يحْتَاج إِلَى نظر آخر
وَإِن كَانَ صُورَة الحكم وَهُوَ الْإِلْزَام لم تُوجد فِيهِ
فَتبين من هَذَا أَن فِي الْقسم الأول لَو طلب الْمُدَّعِي من الْحَاكِم أَن يحكم لَهُ لم يلْزمه حَتَّى يتم نظره
وَفِي الثَّانِي يلْزمه
لِأَن فِي الثُّبُوت مَا يجب الحكم بِهِ قطعا
وَرُجُوع الشَّاهِد بعد الثُّبُوت وَقبل الحكم لم أره مَنْقُولًا
وَالَّذِي أختاره أَن فِي الْقسم الثَّانِي كالرجوع بعد الحكم وَلَا يمْنَع الحكم
وَفِي الْقسم الأول يمْنَع
انْتهى كَلَامه
فرع قَالَ وَنقل الثُّبُوت فِي الْبَلَد فِيهِ خلاف
وَالْمُخْتَار عِنْدِي فِي الْقسم الثَّانِي الْقطع بِجَوَاز النَّقْل وَتَخْصِيص مَحل الْخلاف بِالْأولِ
وَالْأولَى فِيهِ الْجَوَاز وفَاقا لإِمَام الْحَرَمَيْنِ تَفْرِيعا على أَنه حكم بِقبُول الْبَيِّنَة
فَائِدَة الحكم بِالْمُوجبِ صَحِيح
وَمَعْنَاهُ الصِّحَّة مصونا عَن النَّقْض
كَالْحكمِ بِالصِّحَّةِ وَإِن كَانَ أحط رُتْبَة مِنْهُ
فَإِن الحكم بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَة أَشْيَاء أَهْلِيَّة التَّصَرُّف وَصِحَّة صيغته وَكَون التَّصَرُّف فِي مَحَله
وَالْحكم بِالْمُوجبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلين فَقَط
وهما صِحَة التَّصَرُّف وَصِحَّة الصِّيغَة
وَالأَصَح أَن الثُّبُوت لَيْسَ بِحكم
وَقَالَت الْحَنَفِيَّة الثُّبُوت حكم
انْتهى
النَّوْع الثَّانِي فِيمَا هُوَ مُتَعَلق بوظيفة الْقَضَاء من التواقيع وَغير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من الْأُمُور المنوطة بحكام الشَّرِيعَة المطهرة
ويشتمل هَذَا النَّوْع على صور
مِنْهَا توقيع بنيابة الحكم والمستنيب قَاضِي الْقُضَاة شهَاب الدّين أَحْمد
والنائب شمس الدّين مُحَمَّد الْحَمد لله الَّذِي نور مطالع أفق المناصب الدِّينِيَّة بشمس الدّين وأوضح بِهِ منهاج الْحق فَأصْبح النَّاس من سلوك سَبيله على يَقِين وَرفع لَهُ مَعَ الَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات ورقاه فِيهَا بطرِيق الِاسْتِحْقَاق إِلَى أَعلَى رتب المرتقين
وزينه بالتقوى والورع وتولاه فِيمَا ولاه
وَالله ولي الْمُتَّقِينَ
أَحْمَده حمد عبد ألهمه الله الْحِكْمَة
فَوضع الشَّيْء فِي مَحَله وَأقَام شعار الْعلمَاء(2/302)
حِين وسد الْأَمر إِلَى أَهله
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
شَهَادَة مقرونة بالإخلاص فِي حب مُحَمَّد ضامنة لقائلها حسن الْعَاقِبَة
فَمَا ذهب لَهُ وَقت إِلَّا وَعَاد وَالْعود أَحْمد
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي سل سيف الشَّرِيعَة المطهرة
فأنفذ الله حكمه وأمضاه وَأقَام بَيِّنَة شرفه على الْمُرْسلين والأنبياء
فَمَا مِنْهُم إِلَّا من أجَاز ذَلِك وارتضاه
وألزم نَفسه وَأمته الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين نفذوا مَا ثَبت عِنْده وأوصلوه بأئمة الْإِسْلَام من أمته
صَلَاة ترشد من أعرب بأدائها عَن السُّؤَال أَن يلحن بحجته وتدوم مَا فرج الْعلمَاء مضايق الْجِدَال فِي الدُّرُوس وَقبلت ثغور الأقلام وجنات الطروس وسجدت خلف الإِمَام أَحْمد فِي محراب تَقْلِيد على الرؤوس
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن منصب الحكم الْعَزِيز محجة الْحق الَّتِي لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتا وَحجَّة الصدْق الَّتِي بهَا يتفرق أهواء الَّذين تحسبهم جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى وبهديه يَهْتَدِي المهتدون إِلَى سلوك أرشد الطَّرِيقَيْنِ
ويعتصم بِسَبَبِهِ الْقوي من مَال إِلَى مُوَافقَة أسعد الْفَرِيقَيْنِ
وَهُوَ إِذا فوض إِلَى ذِي أَمَانَة وديانة وَأسْندَ إِلَى ذِي عفة وصيانة أجْرى قضاياه على نهج السداد والاستقامة وسلك فِيهَا مسلكا مَا ظَهرت فِيهِ لغيره عَلامَة عَلامَة
فأعز بِهِ الله أَحْكَامه
وَكَانَ فلَان ضاعف الله نعْمَته وأدام رفعته وبلغه من خيرى الدَّاريْنِ أمْنِيته هُوَ الَّذِي نفح عطر مَعْرفَته وفاح ووضحت دَلَائِل كِفَايَته غَايَة الْإِيضَاح وَقَامَت الْبَينَات لدعاوى أولويته بِهَذَا المنصب الْعَزِيز وأعربت فِي هَذَا النَّحْو عَن وصف فَضله الْمُفْرد جمل الْكَلَام
فَلَا غرو إِن انتصب فِي الْحَال على التَّمْيِيز لِأَنَّهُ الْعَالم الَّذِي أصبح فِي عَالم الْوُجُود ندرة
وأرشد فِي طَرِيق السّنة الشَّهْبَاء إِلَى توليد النُّصْرَة
وَهُوَ الألمعي الَّذِي كَأَن أفكاره مُشْتَمِلَة على مسامع وأبصار واللوذعي الَّذِي تتطفل على شمس ذكاه مَشَارِق الْأَنْوَار
وَهُوَ الْعَلامَة الَّذِي إِذا تَفَرَّقت أهواء الْمُتَكَلِّمين جمع أشتات الْفَضَائِل بعبارته المعربة عَن التحبير والتحرير على الْقَوَاعِد
والبارع الَّذِي لَهُ فِي كل علم مُقَدّمَة تنْتج إِذا سكت الواصفون فَوَائِد وَهُوَ الْخَطِيب الَّذِي إِذا تُسنم ذرْوَة مِنْبَر جَاءَ بِمَا يذكر فصل الْخطاب فِي الْخطب وأتى من الْعجب العجاب بِمَا يسحر الْأَلْبَاب إِذا قَالَ أَو كتب والمنشىء الَّذِي لَيْسَ لحمائم درج الْأَدَب فِي رياض الطروس تغريد إِلَّا بسجعه وَلَا لقلم التوقيعات غُبَار فِي عوارض ريحَان الرّقاع إِلَّا ونسخها الْمُحَقق من كَمَال وَضعه
كم هبت نسمات سماته الطاهرة فترنم النَّاس بِحسن إيقاعها فِي الصَّعِيد والحجاز وَكم ريح برِيح(2/303)
أريحيته أعطاف الدوح الشَّامي
فسرى مِنْهُ نسيم قبُول لَهُ إِلَى الْقُلُوب على الْحَقِيقَة مجَاز وَكم لَهُ من أَحَادِيث فضل تسلسل مَعَ الروَاة سَنَد لَفظهَا الدُّرِّي وَثَبت إيرادها الْحسن الصَّحِيح فِي مُسْند أَحْمد بطرِيق الرِّوَايَة عَن الزُّهْرِيّ فَلذَلِك استخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة شيخ الْإِسْلَام شهَاب الدّين أَحْمد الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
وفوض إِلَى الجناب الْكَرِيم الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ وَظِيفَة نِيَابَة الحكم الْعَزِيز وَالْقَضَاء بالمملكة الْفُلَانِيَّة أَو بِالْمَدِينَةِ الْفُلَانِيَّة وأعمالها وَكَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره على أجمل العوائد وأكمل الْقَوَاعِد تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا وولاه ذَلِك ولَايَة تَامَّة عَامَّة
فليتلق مَا فوض إِلَيْهِ بِالْقبُولِ عَن شيخ الْإِسْلَام
ولينشر علم علمه بَين الْعلمَاء الْأَعْلَام ولينظر فِيمَا يرفع إِلَيْهِ من القضايا وَالْأَحْكَام نظرا تَبرأ بِهِ الذِّمَّة
وَيحصل بِهِ الْفَوْز الْعَظِيم يَوْم الْوُقُوف بَين يَدي الْملك العلام وليطلق أَلْسِنَة أقلامه فِي ذَلِك الْمِضْمَار
وليجتهد كل الِاجْتِهَاد أَن يكون ذَلِك الرجل الَّذِي قَالَ فِي حَقه الصَّادِق المصدوق قَاض فِي الْجنَّة لَا من القاضيين اللَّذين هما فِي النَّار
وليباشر ذَلِك مُبَاشرَة تفتح أَبْوَاب الْعلم الَّتِي عهِدت من بَيت جده الْمدرس
وليقم فِيهَا على قدم يحمده النَّاس عَلَيْهِ فِي كل مجْلِس
والوصايا كَثِيرَة
وَهُوَ باستضاءة نور شمس دينه المتين فِي غنية عَنْهَا وَلَكِن لَا بُد فِي كل الْأُمُور مِنْهَا
وملاكها تقوى الله وَهُوَ بِحَمْد الله مِمَّن يهتدى بتقواه وفضله
وَينْتَفع بِهِ فِي مصَالح مدارس الْعلم وَأَهله
وَالله تَعَالَى يزِيد أَيَّامه الشمسية نورا يتألق كوكبه الزُّهْرِيّ فِي جبين الدَّهْر وعرنينه وَرَايَة هَذِه الدَّعْوَى يتلقاها كل سامع بِيَمِينِهِ وتديم ثناءا ودعاءا يتلقاهما الْقلب بتصديقه وَاللِّسَان بتأمينه
والخط الْكَرِيم أَعلَى الله تَعَالَى علاهُ حجَّة بمضمونه وَمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ويؤرخ
وَيخْتم بالحمدلة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ويخلى للْقَاضِي بَيَاضًا يكْتب فِيهِ الحسبلة
توقيع بنيابة الحكم الْعَزِيز
والمستنيب قَاضِي الْقُضَاة تَاج الدّين مُحَمَّد
والنائب شمس الدّين مُحَمَّد الْحَمد لله الَّذِي سير فِي بروج سَمَاء الشَّرِيعَة المطهرة شمس الدّين المحمدي وَنور بِعُلُومِهِ عوالم الْوُجُود
وَأعَاد عُيُون المناصب الدِّينِيَّة بعوده إِلَى منصب الحكم الْعَزِيز(2/304)
قريرة وطالما تشوف إِلَى أَنه إِلَيْهِ يعود
وَكَيف لَا يكون كَذَلِك وَقد سلك فِي إِيضَاح منهاج الْحق مسلكا حل بِهِ مَحل الْجَوْهَرَة من التَّاج
وَكَانَ فِي أَيَّام الشهَاب مَحْمُود
أَحْمَده حمد من أحكم فِي ولَايَته لما يَتَوَلَّاهُ عقد ولائه
وَخص بَين أهل الْعلم الشريف بالأفضال الَّتِي عد بهَا من فضلائه
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ
شَهَادَة مَوْصُولَة فِي الدَّاريْنِ بالسعادة مَقْبُولَة لَدَيْهِ مقرونة بالإخلاص عِنْد عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي شرع الشَّرْع الشريف وأعز أَحْكَامه وَمَا بَرحت بَيِّنَة شرفه معلنة لَهُ بِالْأَدَاءِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين تمسكوا من هَدْيه بسننه وسنته وأوضحوا منهاج شَرعه لمن سلكه من أَئِمَّة أمته
صَلَاة تكسو مفرق منصب الحكم الْعَزِيز تاجا
وتفيد الْمَرَاتِب الْعلية بِمُبَاشَرَة من خطب إِلَيْهَا سُرُورًا وابتهاجا
وتصون القضايا عَن أَن يتَطَرَّق إِلَيْهَا مَعَ وجوده خلل أَو يخْشَى أحد مَعَه عَن طَرِيق الْحق اعوجاجا
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن أولى من رقمت حلل الشَّرْع الشريف بمفاخره وأوصافه وَأَلْقَتْ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة مقاليدها إِلَى يَد عدله وإنصافه من جددت عوائد رتبته السّنيَّة
ووطدت قَوَاعِد سيرته الْحَسَنَة المرضية
وَأخذ من الْعلم الشريف بأوفر نصِيبه
وتشوفت إِلَيْهِ رتبته بعد فِرَاق تشوف الْمُحب إِلَى حَبِيبه ونطقت أَدِلَّة التقاليد الْحكمِيَّة بِفضل فصل قَضَائِهِ وَقضى قلمه فِي الحكم وَالْقَضَاء بِمَا يَرْبُو على السهْم فِي نُفُوذه
وَالسيف فِي مضائه
وَكَانَ فلَان مِمَّن نوه لِسَان الْإِحْسَان بِذكرِهِ
وَنبهَ التقي على رفْعَة قدره
ولهجت الْأَلْسِنَة بشكره
وأضاءت فضائله حَتَّى اشْترك فِي إِدْرَاكهَا السّمع وَالْبَصَر
ووضحت فَوَائده حَتَّى كَاد يَتَنَاوَلهَا من فِي بَاعَ فهمه قصر
لله دره من شَافِعِيّ مَلأ صُدُور الْمَلأ بِعِلْمِهِ
وقاض لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم وَلَا تعرف لَهُ مداهنة فِي حكمه
هممه الْعلية لَا يدْرك مداها
وشيمه الطاهرة قد جعل الله إِلَى مراضيه هداها
فَلذَلِك استخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين
وفوض إِلَى الجناب الْكَرِيم العالي الْمشَار إِلَيْهِ وَظِيفَة نِيَابَة الحكم الْعَزِيز وَالْقَضَاء بالمملكة الْفُلَانِيَّة أَو بِمَدِينَة كَذَا وأعمالها على جاري عَادَته ومستقر قَاعِدَته تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا
فليتلق مَا فوض إِلَيْهِ بِالْقبُولِ وليعلم أَنه فِي كل مَا يرفع فِيهِ من الْأُمُور غَدا بَين(2/305)
يَدي الله مسؤول
وليباشر ذَلِك على مَا عهد إِلَيْهِ من جميل أَوْصَافه
وليمض فِيهِ على مَا ألف من ديانته وصيانته وعفافه
وَفِيمَا نعت من محاسنه الجميلة مَا يُغني عَن الْوَصَايَا الْمُؤَكّدَة والإشارات المرددة
وَهُوَ بِحَمْد الله غَنِي عَمَّا تُشِير إِلَيْهِ مِنْهَا أنامل الأقلام وَتحقّق بِهِ من قعقعة الطروس الْأَعْلَام
وملاكها تقوى الله
والذكرى بهَا تَنْفَع الْمُؤمنِينَ وَيجمع بَين مصَالح الدُّنْيَا وَالدّين
فليجعلها خلقه مَا اسْتَطَاعَ
فَإِن حكمهَا هُوَ المتبع وأمرها هُوَ المطاع
وَالله تَعَالَى يجريه من جميل العوائد على أجمل عَادَة وَيجْرِي جِيَاد أقلامه فِي ميادين الطروس بالسعادة بمنه وَكَرمه والخط العالي أَعلَى الله تَعَالَى علاهُ حجَّة بمضمونه وَمُقْتَضَاهُ ويكمل على نَحْو مَا سبق
توقيع بنيابة الحكم الْعَزِيز
والمستنيب قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين مُحَمَّد
والنائب نَاصِر الدّين مُحَمَّد الْحَمد لله نَاصِر الدّين القويم
وحافظ نظامه ومعيد بركَة التَّقْوَى على متزودها فِي بداية كل أَمر وختامه ومؤيد كلمة الشَّرْع الشريف بإحكام قَوَاعِد أَحْكَام حكامه وجامع طرفِي السَّعَادَة والسيادة لمن قَلّدهُ مِنْهُم أَمَانَة هَدْيه وشكر فِي إِقَامَة منار الْحق حسن مقَامه
نحمده حمد من نَشد ضالته فَوَجَدَهَا
ووعدت وظيفته برده إِلَيْهَا فسرت حِين أنْجز الله لَهَا مَا وعدها
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة ندخرها ليَوْم فصل الْقَضَاء
وَنَرْجُو أَن يمنحنا بهَا فِي جنَّات عدن الرضى
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أعَاد بِهِ الْحق إِلَى نصابه ووسد بِشَرِيعَتِهِ الْأَمر إِلَى أربابه
ومهد بسنته سنَن الْعدْل فَدخلت إِلَيْهِ الْأمة من أبوابه
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه قُضَاة الدّين وهداته
وكفاة الْحق وحماته
صَلَاة دائمة بَاقِيَة مَا تتَابع الدَّهْر بشهوره وأيامه وساعاته
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَلَمَّا كَانَ منصب الحكم الْعَزِيز محجة الْهَدْي لمن اهْتَدَى وَحجَّة الصدْق الَّذِي لَا يمحى اسْمه وَلَا يندرس رسمه أبدا وَهُوَ الشَّرْع الَّذِي تحوم على ورده الهمم ويكشف بِهِ خطب الْبَاطِل إِذا ألم وادلهم
تعين أَن لَا يؤهل لارتقاء ذروته الْعلية وإعلاء دَرَجَته الرفيعة السّنيَّة إِلَّا من ترقى بالديانة وَالْعلم أحسن رقى
وسحب ذيل الصيانة وَالْحكم سحب طَاهِر نقي وَشهد شرف سلفه بصلف خَلفه واستند إِلَى بَيت علم مَشْهُور وحلم عِنْد أَرْبَاب الدولة مشكور
وَكَانَ فلَان أدام الله تأييده وتسديده ووفر من الْخيرَات مزيده مِمَّن علمت أَمَانَته(2/306)
واشتهرت ديانته
وَحسنت سيرته
وحمدت سَرِيرَته
وَعرف بالورع والعفاف واتصف بجميل الْأَوْصَاف
وراض نَفسه حَتَّى ملكهَا
وَعرف طرق الصَّوَاب فسلكها
وافتخرت بِهِ المناصب الدِّينِيَّة افتخار السَّمَاء بشمسها والدوحة بغرسها والإفهام بِإِدْرَاك حسها والدولة بأمينها والشريعة المطهرة بِمُحَمد حامي حوزتها وناصر دينهَا
فَلذَلِك استخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين أدام الله أَيَّامه الزاهرة
وأسبغ نعمه عَلَيْهِ باطنة وظاهرة وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وفوض إِلَى الجناب العالي الْفُلَانِيّ
الْمشَار إِلَيْهِ أَفَاضَ الله نعمه عَلَيْهِ نِيَابَة الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ عوضا عَمَّن هُوَ بِهِ بمفرده من غير شريك لَهُ فِي ذَلِك على جاري عَادَته ومستقر قَاعِدَته تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا لما تحَققه من نزاهته وخيره واستحقاقه لذَلِك دون غَيره ووثوقه بأمانته وديانته
واعتمادا على كفاءته وكفايته راجيا بَرَاءَة الذِّمَّة بولايته
فليباشر مَا فوض إِلَيْهِ من هَذِه النِّيَابَة راقيا ذروتها الْعلية بقدم التَّمْكِين
متلقيا رايتها المحمدية بِالْيَمِينِ وَالْيَمِين
عَالما أَن مقلده شدّ الله بِهِ عضده
وكبت أعداءه وحسده قد قَلّدهُ عقد ولائه الْيَمين وَاعْتمد على كِفَايَته فِي بَرَاءَة ذمَّته وَمَا اعْتمد إِلَّا على الْقوي الْأمين فليرع بسداد أَحْكَامه الرعايا وليفصل بقوله الْفَصْل الْأَحْكَام والقضايا
وليحفظ أَمْوَال الغياب والأيتام
وليمعن النّظر فِيمَا يرفع إِلَيْهِ من دعاوى الأخصام ولينظر فِي الْأَوْقَاف المبرورة وليجريها على مُقْتَضى شَرط واقفيها وليسترفع حسباناتها لمستحقيها من جباتها ومباشريها والمتحدثين فِيهَا
ولينتصب لتنفيذ الْأَحْكَام وكشف الْمَظَالِم ولينصف الْمَظْلُوم من الظَّالِم ولينظر فِي أَمر الشُّهُود بذلك الْقطر نظر المحاسب فِيمَا جلّ ودق
وَلَا يرخص لأحد مِنْهُم فِي الْعُدُول عَن الْحق
وليراجع مستنيبه فِيمَا يشكل عَلَيْهِ
ليَكُون اعْتِمَاده فِيمَا يُشِير بِهِ إِلَيْهِ
والوصايا كَثِيرَة
وَهُوَ بِحَمْد الله إِمَام هدى يَهْتَدِي بِهِ من ائتم
وفاضل كمل بِهِ شرف بَيته الْكَرِيم وَتمّ
وَمثله لَا يحْتَاج إِلَى تَأْكِيد وَصِيَّة لما لَدَيْهِ من مواد الْأَدَب ومزايا الألمعية
وملاك ذَلِك كُله التَّقْوَى
والتمسك بِسَبَبِهَا الْأَقْوَى فِي السِّرّ والنجوى وَهُوَ من سلوك نهجها القويم على يَقِين
وَالله ولي الْمُتَّقِينَ
وَالله تَعَالَى ينفعنا وإياه بِهَذِهِ الذكرى الَّتِي ألزمته تأهيل الْغَرِيب
وأنزلته فِي جوَار سيد وحبِيب
والخط العالي أَعْلَاهُ الله تَعَالَى أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
ويؤرخ
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/307)
توقيع بالاستمرار فِي نِيَابَة الحكم الْعَزِيز والنائب شهَاب الدّين أَحْمد أما بعد حمد الله الَّذِي جعل شهَاب الدّين لم يزل ينْتَقل فِي دَرَجَات سعده
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام الأتمين الأكملين الأفضلين على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي أيده الله بنصر من عِنْده وعَلى آله وَصَحبه الَّذين عرفُوا قدر مَا أنعم الله عَلَيْهِم بِهِ
فَزَادَهُم من فيض بره ورفده
صَلَاة وَسلَامًا دائمين دواما لَا غَايَة لحده
وَلَا نِهَايَة لعده
وَبعد فَإِن أولى من رفعت مراتبه وأنارت بِنور الإقبال كواكبه ونشرت بَين فضلاء الزَّمَان عصائبه من فَضله الله بالمعرفة الْكَامِلَة والخبرة التَّامَّة وَخَصه بمزيد تَمْيِيز شهِدت بِهِ الْخَاصَّة والعامة
وتكررت على الأسماع محَاسِن أَفعاله
واشتهرت نباهته وبراعته بمداومته على اشْتِغَاله
وحمدت فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة طَرِيقَته
وَعرفت بَين ذَوي الْمعرفَة سيرته وديانته وعفته
وانحصرت فِيهِ الْحَالَات الْمَطْلُوبَة وشكرت همته فِي ولَايَته حَتَّى صَار بَين أقرانه أعجوبة إِن حمدت أَوْصَاف غَيره أَو طلعت شهب الْفَضَائِل فِي الْآفَاق ونورها يتوقد
فشهابه فِي أفق الْفضل زَاهِر وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على أَنه أَحْمد
وَكَانَ الْمجْلس الْفُلَانِيّ أدام الله نعْمَته وَمن الْخَيْر قسمته مِمَّن اسْتحق أَن تجدّد لَهُ ملابس الإنعام
وَأَن يجْرِي من الْفضل العميم على عوائد الْبر وَالْإِكْرَام ليعود بمزيد الْبشر والإقبال إِلَى مَحل ولَايَته مجبورا وينقلب إِلَى أَهله مَسْرُورا
فَلذَلِك رسم بِالْأَمر العالي القاضوي الحاكمي الْفُلَانِيّ أَسْبغ الله ظلاله
وَختم بالصالحات أَعماله أَن يسْتَمر الْمجْلس العالي الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ فِيمَا بِيَدِهِ من وظيفته نِيَابَة الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ بمفرده على جاري عَادَته وقاعدته
فليتلق ذَلِك بِالْقبُولِ الزَّائِد وَالشُّكْر المتزايد وليعلم أَنه فِي حلبة السَّابِقين إِلَى هَذَا المنصب الْجَلِيل بذلك الْقطر نعم الصِّلَة وَنعم الْعَائِد
وليباشر ذَلِك على مَا عهد من كَمَال أدواته وَجَمِيل صِفَاته
والوصايا كَثِيرَة
وَهُوَ بِحَمْد الله أول دَاع إِلَيْهَا ومجيب
وَله فِي سلوك مناهج التَّقْوَى أَحْمد العواقب الْمُغنيَة عَن التشبيب بذكرى منزل وحبِيب
وَالله تَعَالَى يجريه من دوَام السَّعَادَة على أجمل عَادَة
ويمنحه من مواهبه الْحَسَنَة الْحسنى وَزِيَادَة بمنه وَكَرمه
والخط العالي أَعْلَاهُ الله تَعَالَى أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
ويؤرخ ويكمل على نَحْو مَا سبق
توقيع قَاض اسْمه مُحَمَّد ولقبه شمس الدّين(2/308)
الْحَمد لله الَّذِي جعل شمس الشَّرِيعَة المطهرة فِي سَمَاء السمو مشرقة الْأَنْوَار وَأقر الْعُيُون بِمَا اخْتصّت بِهِ من دوَام الرّفْعَة وَحسن الِاسْتِقْرَار
وَاخْتَارَ لتنفيذ الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة من دلّت محَاسِن أَوْصَافه على أَنه من المصطفين الأخيار
وَمن يسْتَوْجب بوفور الألمعية الرتب الْعلية على الدَّوَام والاستمرار وَأَن يبلغ بمآثره الجليلة من الإقبال غَايَة الإيثار
وَمن تدل سيماه فِي وَجهه من أثر السُّجُود على أَنه من المستغفرين بالأسحار
نحمده حمدا خصصنا بِهِ فِي مَوَاطِن كَثِيرَة بالانتصار والاستظهار
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة نقوم فِيهَا بِمَا يجب من الِاعْتِرَاف وَالْإِقْرَار
وَنَرْجُو بالإخلاص فِي أَدَائِهَا الخلود فِي دَار الْقَرار
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الْمَبْعُوث إِلَى أهل الْآفَاق والأقطار والمشرفة بنصره طوائف الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه الَّذين بلغُوا عَنهُ مَا جَاءَ بِهِ من ربه بِصَحِيح الْأَخْبَار والْآثَار
صَلَاة دائمة بَاقِيَة مَا تعاقب اللَّيْل وَالنَّهَار
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن أولى من تأكدت أَسبَاب تَقْدِيمه
وأحكمت مُوجبَات تحكيمه ونفذت فَتَاوِيهِ وأقضيته فِي الرعايا
وعول على عرفانه فِي فصل القضايا من اشتهرت مآثره فِي الْبِلَاد وجربت أَحْكَامه فَلم يخرج عَن مناهج السداد واختبرت تَصَرُّفَاته فدلت على دينه المتين وفضله الْمُبين
وَكَانَ فلَان هُوَ الجدير بِهَذِهِ الْمعَانِي والحقيق بنشر المحامد وَبث الثَّنَاء المتوالى أَحْوَاله فِي مُبَاشرَة الحكم الْعَزِيز جَارِيَة على مَا يُرْضِي الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصدره الرحب محتو على خَزَائِن الْعُلُوم
فَلهَذَا تلقى إِلَيْهِ مقاليدها وتسلم وَهُوَ فِي الله شَدِيد الْبَأْس قوي العزائم
فَإِذا ظهر لَهُ الْحق عمل بِهِ وَلَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم
وَلم يلف فِي أَفعاله مَا ينْتَقد بل ينتقى وَلَا يسند إِلَيْهِ من الْأَفْعَال إِلَّا مَا يُوجب الخلود فِي دَار الْبَقَاء
فَلذَلِك استخار الله سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين أَسْبغ الله ظلاله
وَختم بالصالحات أَعماله وفوض إِلَى الجناب الْمشَار إِلَيْهِ نِيَابَة الحكم الْعَزِيز بالمملكة الْفُلَانِيَّة وأعمالها على أجمل العوائد وأكمل الْقَوَاعِد تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا
فليتلق هَذَا التَّفْوِيض الْمُبَارك بأتم اجْتِهَاد وَأسد اعْتِمَاد
وليباشر ذَلِك مُجَردا فِي تأييد الشَّرْع الشريف عزمه متحليا بخشية الله فخشية الله رَأس كل حِكْمَة محترزا أَن يداخل شَيْئا من أَحْكَامه مَا يُوجب نقض مظْهرا خفايا الْحُقُوق إِذا جَاءَهُ خصمان بغي(2/309)
بَعْضهَا على بعض
معملا فِيهَا فكرة عَن الْحق غير زائغة وَلَا زائلة مراجعا عَزِيز علمه
فالعلم ثَلَاثَة آيَة محكمَة وَسنة قَائِمَة وفريضة عادلة
مستوضحا للقضايا المشكلة لتنجلي لَهُ كالعيان متوخيا مواقع الْإِصَابَة
فَإِن الْحَاكِم إِذا اجْتهد فَأصَاب فَلهُ أَجْرَانِ
مستوصلا من غَايَة المراقبة إِلَى أقصاها متذكرا فِي إبدائه وإعادته من لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها
محافظا على عدم الاحتجاب عَن ذَوي الْحَاجَات مسويا بَين الْخُصُوم فِي الْمجْلس والإقبال والإنصات
متأملا من أَحْوَال الشُّهُود مَا تحقق فِيهِ التأميل
مُعْتَبرا شهاداتهم الدَّالَّة على مقتضيات الْجرْح وَالتَّعْدِيل
وملاك الْوَصَايَا تقوى الله
فلتكن حلية لأوقاته وحلة صَافِيَة على تَصَرُّفَاته
فَإِنَّهَا النِّعْمَة الوافرة والخلة المحصلة لسعادتي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَقد علم مَا يتَعَيَّن من حسن الْخلق الَّذِي أثنى الله بِهِ على نبيه الْكَرِيم ومدحه بقوله تَعَالَى {وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم} وليعتمد الرِّفْق فَإِنَّهُ أزين
وليعمل بقوله تَعَالَى {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن} وليتصد آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار لنصر الشَّرِيعَة
وَالله تَعَالَى يَجْعَل تَصَرُّفَاته لاتصال الْحُقُوق إِلَى مستحقيها ذَرِيعَة
بمنه وَكَرمه
والخط العالي أَعْلَاهُ الله تَعَالَى أَعْلَاهُ والعلامة الْعَالِيَة أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
ويؤرخ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
توقيع آخر الْحَمد لله الَّذِي تفرد فِي أزليته بعز كبريائه وتوحد فِي صمديته بدوام بَقَائِهِ وَنور بِنور مَعْرفَته قُلُوب أوليائه وَطيب أسرار الطالبين بِطيب ثنائه وَسكن خوف الْخَائِفِينَ بِحسن رجائه وأسبغ على الكافة جزيل عطائه
أَحْمَده حمد رَاض بِقَضَائِهِ شَاكر لنعمائه معترف بِالْعَجزِ عَن إحصاء آلائه
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تكون عدَّة لنائلها يَوْم لِقَائِه وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله خَاتم أنبيائه وَسيد أصفيائه الْمَخْصُوص بالْمقَام الْمَحْمُود فِي الْيَوْم الْمَشْهُود
فَجَمِيع الْأَنْبِيَاء تَحت لوائه
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه وخلفائه
صَلَاة دائمة بدوام أرضه وسمائه
وَبعد فَلَمَّا كَانَ الْقَضَاء من أهم الْأُمُور وَبِه سداد الْأمة وَصَلَاح الْجُمْهُور وَجب تَقْدِيم النّظر إِلَيْهِ على سَائِر الْمُهِمَّات وتعجيل الإقبال عَلَيْهِ بِوَجْه الاعتناء والالتفات
وَصرف الْعِنَايَة نَحوه فِي حالتي النَّفْي وَالْإِثْبَات
وَلما كَانَ فلَان مِمَّن تحلى بِالْعلمِ وتزين بالتقى والحلم
وَصفا قلبا وجاد سريرة(2/310)
وَسَار فِي الْأَنَام أحسن سيرة
استخار سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم
توقيع آخر الْحَمد لله اللَّطِيف بِعَبْدِهِ الوفي بوعده الَّذِي منع ومنح فعزل وَولى وضر ونفع فَمر وحلى
نحمده حمدا لَا يُحْصى أمده ونشكره شكرا لَا يَنْتَهِي عدده
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة ليَوْم لِقَائِه أعدهَا
وَمن نعمه الشاملة أعدهَا
ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي قضى بِالْحَقِّ فَعدل فِي قَضَائِهِ وَمَا جَار
وحماه من الْبَأْس وَعَصَمَهُ من النَّاس وأجار
المنعوت بالتبجيل والتعظيم الْمَوْصُوف بالتشريف والتكريم الْمَأْمُور بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيم
الَّذِي سد الذرائع وَشرع لأمته من الدّين أحسن الشَّرَائِع
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله النُّجُوم الطوالع وَأَصْحَابه الممدوحين بالركع السُّجُود
فَأكْرم بِكُل ساجد مِنْهُم وَرَاكِع
صَلَاة دائمة مَا ابتسمت الرياض لبكاء الغيوث الهواطل والمزن الهوامع
وَمَا تمايلت الأغصان لغناء المطوقات السواجع
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن منصب الحكم وَالْقَضَاء لَا ميزَان أعدل من مِيزَانه وَلَا ميدان أخطر من الرّكُوب فِي ميدانه وَلَا بَحر أصعب من الولوج فِي مركبه وَلَا نصب أبلغ مِمَّا شويت الْقُلُوب على منصبه بِهِ تستخلص الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة وبالقيام بِهِ تقوم الْمصَالح المرعية
وَالْأولَى أَن يخْتَار لَهُ من سَارَتْ بسيرته الجميلة الْأَمْثَال وَنسخت أقلامه بِحسن وشيها حلَّة الْجمال على أحسن منوال
فبدور معاليه طالعة فِي أوج فلك شمسه وسطور مَعَانِيه ساطعة بسواد مداده فِي بَيَاض طرسه
وَلما كَانَ فلَان هُوَ الْمَعْنى بِهَذِهِ الْعبارَة والمشار إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْإِشَارَة
فَلذَلِك استخار الله الَّذِي مَا خَابَ من استخاره وَلَا نَدم من استجاره
سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين
وفوض إِلَى الجناب الْمشَار إِلَيْهِ الحكم وَالْقَضَاء بِمَدِينَة كَذَا وأعمالها تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وولاه ولَايَة تَامَّة ركونا إِلَى ديانته المشكورة ووثوقا بأمانته الْمَشْهُورَة واعتمادا على أَوْصَافه الحميدة الَّتِي هِيَ غير محصورة
فليباشر ذَلِك مُجْتَهدا فِي مصَالح الرعايا مُعْتَمدًا على مَا يعلم من حكم الله فِي الْعدْل الَّذِي هُوَ رابطة الْأَحْكَام وزبدة القضايا
ولينظم أَمر وظائف الشَّرِيعَة المطهرة فِي أحسن السلوك وَيفرق فِي الْحق بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالْمَالِك والمملوك
ليحتط كل الِاحْتِيَاط فِي أَمر الْيَتَامَى وَلَا يُولى عَلَيْهِم إِلَّا من يراقب الله فِي أَمْوَالهم ويخشى الله فِي معاملاتهم
فَكفى مَا بهم من سوء حَالهم(2/311)
وَلَا يركن فِي حَال الْأَيْتَام إِلَّا إِلَى من اختبره الْمرة بعد الْمرة وَعلم أَن عفته لَا تسامحه فِي التمَاس الذّرة
والأوقاف فليجر أمورها على النظام المتتابع وَلَا يتَعَدَّى بهَا شُرُوط واقفيها
فَإِن نَص الْوَاقِف مثل نَص الشَّارِع وليعقد أنكحة الْأَبْكَار والأيامى
وليزوجهن من أكفائهن شرعا وَيمْنَع من تلبسهن من الْفضل درعا
وَمَال الْمَحْجُور عَلَيْهِ يودعه حرْزا يحفظ فِيهِ
وَمَال الْغَائِب كَذَلِك وَالْمَجْنُون وَالسَّفِيه
ووقائع بَيت المَال فلتكن مضبوطة النظام مَحْفُوظَة الزِّمَام ومقطوعة الجدل وَالْخِصَام
وليحذر أَن يُولى فِي ذَلِك أَو فِي شَيْء مِنْهُ من يرَاهُ فِي الصُّورَة الظَّاهِرَة فَقِيها
فَيكون هُوَ الَّذِي إِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا
فَهُوَ الْمَطْلُوب عِنْد الله بجنايتهم والمحاسب على مَا اجترحوه فِي ولايتهم بل يتحَرَّى فِي أُمُورهم ويراعي أَحْوَالهم فِي غيبتهم وحضورهم لَا سِيمَا الْعُدُول
فَلَا يهمل لَهُم أَمر وَينظر فِي شَهَادَتهم بذكاء إِيَاس وفطنة عَمْرو
وقاضي الشَّرِيعَة أدرى بِمَا الْأَمر إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنى وَمثله يؤول وهم المخاطبون بقوله كلكُمْ رَاع وكل رَاع عَن رَعيته مسؤول والوصايا كَثِيرَة
وَهُوَ بِحَمْد الله غَنِي عَنْهَا عَارِف بِجَمِيعِ آدَاب قُضَاة السّلف وَهُوَ خير خلف مِنْهَا
وَالله تَعَالَى يعصمه من الْخَطَأ والخطل والزيغ والزلل فِي القَوْل وَالْعَمَل بمنه وَكَرمه
ويؤرخ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن شَاءَ كتب هَذِه الْوَصِيَّة بعد تَمام التَّفْوِيض
وَبعد قَوْله فليباشر ذَلِك عَاملا فِيهِ بتقوى الله عز وَجل فِي قَوْله وَفعله وعقده وحله وَأَن يفصل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بَين المترافعين إِلَيْهِ بِحكم الشَّرِيعَة المطهرة مَاشِيا فِي ذَلِك على الطَّرِيق المألوفة والقوانين الْمُعْتَبرَة
وليساو فِي الْحق بَين الْخُصُوم وينتصف من الظَّالِم للمظلوم وَأَن يتَوَلَّى عُقُود الْأَنْكِحَة من الْأَبْكَار والأيامى وَينظر فِي أَمْوَال الغياب واليتامى وَيجْعَل أَمْوَال الْأَيْتَام فِي يَد عدل يوثق بعدالته
ويعتمد على نهضته وأمانته وكفايته وَأَن يعْتَبر أَحْوَال الشُّهُود ويجريهم على العوائد المستقرة وَالسّنَن الْمَعْهُود وَلَا يقبل مِنْهُم إِلَّا من يرتضيه مِمَّن جمعت شُرُوط الْمُرُوءَة وَالْعَدَالَة فِيهِ
وَيعْتَبر أَحْوَال الْوَصَايَا وَيَأْمُرهُمْ بِاتِّبَاع الْحق فِي تَحْرِير حسابهم وَينظر فِي أَمر الْأَوْقَاف الَّتِي نظرها للْحَاكِم وَيعْمل فِيهَا بِشُرُوط واقفيها ويسلك فِيهَا مناهج الصَّوَاب ويقتفيها
وَيقدر الْفُرُوض الْحكمِيَّة(2/312)
والنفقات
ويتيقظ فِي سَماع الدَّعَاوَى والبينات وَيفْسخ الفسوخ السائغ فَسخهَا شرعا مراعيا فِي ذَلِك مَا يجب أَن يُرَاعى وَالله تَعَالَى يبلغهُ من السَّعَادَة غَايَة مَطْلُوبه وَأَن يتداركه بمغفرة ذنُوبه وَستر عيوبه
بمنه وَكَرمه
ويكمل على نَحْو مَا سبق
ضَابِط اعْلَم أَن المرسوم باستقراره فِي وَظِيفَة الحكم وَالْقَضَاء لَا يَخْلُو إِمَّا أَن تكون الْولَايَة لَهُ فِي الْمَدِينَة الَّتِي فِيهَا المستنيب أَو فِي عمل من أَعمالهَا
وَذَلِكَ النَّائِب لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون حَاضرا فِي بَاب مستنيبه أَو غَائِبا عَنهُ فَإِن كَانَت الْولَايَة فِي الْمَدِينَة
فقد جرت عَادَة المصريين فِي ذَلِك بِكِتَابَة قصَّة يسْأَل فِيهَا استقراره فِي نِيَابَة الحكم وَالْقَضَاء أَو بِسَمَاع الدَّعْوَى فِي مَكَان معِين يجلس فِيهِ وترفع إِلَى قَاضِي الْقُضَاة
فَيكْتب فِي هامشها ليجب إِلَى سُؤَاله أَو ليستقر فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ وَيكْتب التَّارِيخ بِخَطِّهِ
وَإِن أَرَادَ النَّائِب كِتَابَة توقيع بذلك
فَهُوَ أَمِين وَإِن كَانَت الْولَايَة فِي عمل من الْأَعْمَال وَالْغَائِب حَاضر فِي بَاب مستنيبه
فَهَذَا يكْتب لَهُ توقيع على مَا تقدم شَرحه وَإِن كَانَ غَائِبا عَن بَاب مستنيبه وجهزت الْولَايَة إِلَيْهِ على يَد قاصده أَو على يَد قَاصد من الْبَاب العالي
فقد جرت الْعَادة أَن يكْتب إِلَيْهِ فِي هَذَا الْمَعْنى مُكَاتبَة إِذا لم يُجهز إِلَيْهِ توقيع
ورسم الْمُكَاتبَة إِلَيْهِ فِي ذَلِك على أَرْبَعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول ضاعف الله تَعَالَى نعْمَة الجناب الْكَرِيم العالي إِلَى آخر ألقابه الَّتِي تلِيق بِهِ إِلَى أَن يَنْتَهِي مِنْهَا ثمَّ يَقُول وأدام رفعته
أصدرناها إِلَيْهِ تهدي إِلَيْهِ سَلاما وتحية وإكراما
وتوضح لعلمه الْكَرِيم أَنا قد استخرنا الله تَعَالَى وفوضنا للجناب الْكَرِيم كَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
النَّوْع الثَّانِي أدام الله نعْمَة الجناب العالي إِلَى آخر ألقابه ثمَّ يَقُول وجدد سعادته وبلغه من خيري الدَّاريْنِ إِرَادَته
صدرت هَذِه الْمُكَاتبَة إِلَيْهِ تبدي لعلمه أَنا قد استخرنا الله تَعَالَى وفوضنا للجناب العالي كَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
النَّوْع الثَّالِث هَذِه الْمُكَاتبَة إِلَى الْمجْلس العالي إِلَى آخر ألقابه ثمَّ يَقُول أدام الله توفيقه وَسَهل إِلَى كل خير طَرِيقه
نعلمهُ أَنا قد استخرنا الله تَعَالَى وفوضنا للمجلس العالي كَذَا وَكَذَا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/313)
النَّوْع الرَّابِع المرسوم بِالْأَمر الْكَرِيم العالي المولوي ويسوق ألقاب قَاضِي الْقُضَاة ونعوته كلهَا إِلَى آخرهَا مستوفاة وَيَدْعُو لَهُ بِالدُّعَاءِ اللَّائِق بِهِ ثمَّ يَقُول أَن يسْتَقرّ الْمجْلس العالي الْفُلَانِيّ وَيذكر ألقابه ثمَّ يَقُول أعزه الله تَعَالَى فِي كَذَا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول فليباشر ذَلِك بصدر منشرح وأمل منفسح عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته
فليعتمد هَذَا المرسوم الْكَرِيم كل وَاقِف عَلَيْهِ وناظر إِلَيْهِ
وليعمل بِحَسبِهِ وَمُقْتَضَاهُ من غير عدُول عَن حكمه وَلَا خُرُوج عَن مَعْنَاهُ والعلامة الْكَرِيمَة حجَّة لفحواه
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَاعْلَم أَن الْعَلامَة فِي الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة الْمَذْكُورَة الْعَلامَة الْمُعْتَادَة بالقلم الغليظ بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة وسطر وَاحِد من التسطير
والأنواع الثَّلَاثَة الأول تعنون وتختم فعنوان الأولى الجناب الْكَرِيم العالي إِلَى آخر الألقاب ثَلَاثَة أسطر
وَفِي السطر الرَّابِع على يَمِين الْكَاتِب ضاعف الله نعْمَته وَفِي آخِره بعد خلو بَيَاض التَّعْرِيف وَهُوَ خَليفَة الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي مثلا بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أَو الْحَاكِم بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وعنوان الثَّانِي الجناب العالي إِلَى آخِره ثَلَاثَة أسطر وَفِي أول السطر الرَّابِع أدام الله تَعَالَى نعْمَته وَفِي آخِره بعد خلو بَيَاض خَليفَة الحكم الْعَزِيز أَو الْحَاكِم بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وعنوان الثَّالِث الْمجْلس العالي إِلَى آخِره ثَلَاثَة أسطر وَفِي أول السطر الرَّابِع أدام الله توفيقه وَفِي آخِره الْحَاكِم بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ بعد خلو بَيَاض بَين الدُّعَاء والتعريف
وَأما النَّوْع الرَّابِع وَهُوَ المرسوم فَلَا يخْتم
وعنوانه فِي رَأس طرة الْوَصْل الأول من دَاخل ثَلَاثَة أسطر
أَولهَا مرسوم كريم من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي بالمملكة الْفُلَانِيَّة
أدام الله أَيَّامه الزاهرة
وأسبغ عَلَيْهِ نعمه باطنة وظاهرة أَن يسْتَقرّ الْمجْلس العالي الْفُلَانِيّ إِلَى آخِره فِي كَذَا وَكَذَا مُلَخصا ثمَّ يكْتب فِي آخر السطر الرَّابِع على مَا شرح
وَفِي الْأَرْبَعَة أَنْوَاع الطرة تكون بَين وصلين بَيَاض
والبسملة فِي أول الْوَصْل الثَّالِث
توقيع بوظيفة خطابة أما بعد حمد الله المقسط الْجَامِع الْمَانِع الضار النافع
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الْمَبْعُوث إِلَى عرب الْخلق وعجمهم بأسجع خطيب فَوق أَعْوَاد منبره
وَضم يَده الْبَيْضَاء إِلَى جنَاح علمه
فَإِن منصب الخطابة أولى مَا خطبت لَهُ الْأَكفاء من أهل الْعلم وَالْعَمَل واستدعى لمنابره من تَفْخَر الدَّرَجَات برقية وتبلغ بِهِ من الشّرف غَايَة السول والأمل(2/314)
وَلما كَانَ فلَان الشَّافِعِي أَو غَيره أدام الله شرفه ورحم سلفه مِمَّن هُوَ بالفصاحة والبلاغة مَلِيء ووعظه بتحقيق الْأَوَامِر والنواهي
فاستخار الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين وَقَررهُ فِي وَظِيفَة الخطابة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ عوضا عَن فلَان بِحكم كَذَا وَكَذَا بالمعلوم الشَّاهِد بِهِ ديوَان الْوَقْف المبرور تقريرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وولاه ذَلِك ولَايَة تَامَّة
اعْتِمَادًا على فَصَاحَته الَّتِي تملأ الأسماع وبلاغته الَّتِي تبهر الْأَلْبَاب واستنادا إِلَى رقائق مواعظه الَّتِي ينْطق فِيهَا بالحكمة وَفصل الْخطاب
فليباشر ذَلِك مُبَاشرَة تبرىء الذِّمَّة وتقر عِنْده النِّعْمَة وليتناول الْمَعْلُوم المستقر صرفه إِلَى آخر وَقت ميسرًا هَنِيئًا
وَالله تَعَالَى يَجْعَل قدره ساميا وشأنه عَالِيا
بمنه وَكَرمه
والعلامة الْعَالِيَة أَعْلَاهُ الله حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وتوقيع بتولية عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة
والعاقد شرف الدّين بن كَمَال الدّين الْحَمد لله الَّذِي كمل شرف الدّين بشرف كَمَاله وأجزل لِلْمُتقين وافر كرمه وإفضاله وجمل بعقود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة أَعْنَاق من أوضح لَهُ منهاج شَرعه
ونبهه على معرفَة حرَامه وَحَلَاله وأسبل على من تمسك بأسبابه وتنسك بموجبات كِتَابه وارف ظلاله
أَحْمَده حمدا يَلِيق بِجلَال جماله وجمال جَلَاله وأشكره شكرا أستوجب بِهِ مزِيد نواله
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة مخلص فِي اعْتِقَاده وانتحاله
وَأشْهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أنقذ الله بِهِ هَذِه الْأمة من ظلمات الغي وضلاله
وهداهم إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بِمَا أدبهم بِهِ من حسن أخلاقه وَجَمِيل خصاله نَبِي شهر سيف الشَّرْع الشريف الَّذِي بهر النواظر صفاء صقاله وجدع بِهِ أنف الشَّيْطَان وَأَتْبَاعه المتبعين لَهُ الْقَائِلين بأقواله وأفعاله
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى المختارين من أَصْحَابه وَجَمِيع آله
صَلَاة دائمة بَاقِيَة مُتَّصِلَة مَا اتّصف الزَّمَان باتصاله وتعاقب الدَّهْر ببكره وآصاله
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة من المناصب الْعلية والمراتب السّنيَّة
والأمور الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إِيجَاد النَّسْل والذرية
لَا يَنْبَغِي أَن يَليهَا إِلَّا كل نحرير من الْعلمَاء العاملين
وَلَا يتولاها إِلَّا كل ذِي عفة ويقين وَصَلَاح وَدين ليتحرى الْحق فِي ذَلِك وَيعْمل فِيهِ بتقوى الله الْعَظِيم ويسلك فِيهِ منهاج الشَّرْع الشريف والصراط الْمُسْتَقيم
وَلما كَانَ فلَان هُوَ الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات أجمعها والواضع لهَذِهِ الشُّرُوط(2/315)
الشَّرْعِيَّة فِي موضعهَا
استخار الله سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين
وفوض إِلَيْهِ عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة من الْأَيَامَى والأبكار على الأوضاع الْمُعْتَبرَة المرضية والقوانين المحررة المرعية وَأَن يسمع الْبَيِّنَة العادلة ويتوصل إِلَى معرفَة انْقِضَاء الْعدَد من ذَوَات الْأَقْرَاء والآيسات وَذَوَات الْحمل والرجعيات والبائنات
وَيعلم الَّتِي حصل لَهَا التَّدَاخُل بَين الْعدَد
وَمن يكون انْقِضَاء عدتهَا لَا بِالْأَهِلَّةِ بل بِالْعدَدِ
تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وولاه ذَلِك ولَايَة تَامَّة
ووصاه بتقوى الله الْعَظِيم وسلوك منهاجها القويم الَّذِي من سلكه فَازَ بالنجاة من نَار الْجَحِيم
فليباشر هَذِه الْوَظِيفَة الْعَالِيَة الْمِقْدَار الرفيعة الْمنَار
وَالله تَعَالَى يوفقه ويسدده ويهديه ويرشده بمنه وَكَرمه
والعلامة الْعَالِيَة حجَّة بمضمونه وَمُقْتَضَاهُ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
توقيع آخر بتولية عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة
والعاقد شمس الدّين الْحَمد الله الَّذِي أطلع شمس الدّين المحمدي فِي سَمَاء السِّيَادَة
وكسى حلله الفاخرة من تحلى بِالْعلمِ الشريف وبذل فِي طلبه اجْتِهَاده
وقلد بعقوده النفيسة الْجَوَاهِر من دوَام على الِاشْتِغَال ورقاه أَعلَى دَرَجَات السَّعَادَة
وَأهل للعقود والأنكحة الشَّرْعِيَّة من شمر عَن ساعد الْجد وَصدق فِي دَعْوَى الزّهْد وَالْعِبَادَة
وَجعله فِي مبدأ أمره من الَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة
وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد الَّذِي وطد مهاد الشَّرْع وَرفع عماده
صَلَاة وَسلَامًا يبلغان قائلهما فِي الدَّاريْنِ مرامه وَمرَاده
وَبعد فَإِن عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة من أَعلَى مناصب ذَوي الدّيانَة وَأجل مَرَاتِب أهل الْعلم وَالْأَمَانَة بهَا تحفظ الْأَنْسَاب وتصان الأحساب وَتثبت الْعُقُود وتتأكد العهود
وَعَلَيْهَا اعْتِمَاد الْحُكَّام
وإليها يسْتَند فِي النَّقْض والإبرام وَلَا تفوض إِلَّا لمن اتّصف بصفاتها واتسم بسماتها
وَعرف منهجها القويم واقتفى سَبِيل صراطها الْمُسْتَقيم
وَكَانَ فلَان مِمَّن قَامَ من حُقُوقهَا بِالْوَاجِبِ ورقى بهمته الْعلية إِلَى رتبتها الَّتِي هِيَ أَعلَى الْمَرَاتِب وَحسن سيرة وسيرا واشتغل بِالْعلمِ الشريف فأثنت عَلَيْهِ الْحُكَّام خيرا
وعندما حَاز هَذِه الصِّفَات الْحَسَنَة ونطقت بِحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ الْأَلْسِنَة اسْتحق أَن يُنَوّه بِذكرِهِ وَأَن ينظم فِي سلك فُقَهَاء عصره وَأَن يُوفي لَهُ بالعهود وَأَن تفوض إِلَيْهِ الْعُقُود
فَلذَلِك استخار الله سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين وفوض إِلَى فلَان الْمشَار إِلَيْهِ أَو الْمُسَمّى أَعْلَاهُ عُقُود الْأَنْكِحَة الشَّرْعِيَّة على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ(2/316)
وأرضاه وَجعل لَهُ تَزْوِيج البالغات العاقلات الخليات عَن الْمَوَانِع الشَّرْعِيَّة من الْأَكفاء على الأوضاع الْمُعْتَبرَة المرضية بِمَدِينَة كَذَا وأعمالها تفويضا صَحِيحا شرعا
وَأذن لَهُ فِي ذَلِك إِذْنا شَرْعِيًّا بعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شَرْعِيًّا
فليحمد الله على هَذِه النِّعْمَة
وليبذل جهده فِي قَول الْحق وَبَرَاءَة الذِّمَّة وليعلم أَن من سلك طَرِيق الْحق نجا
وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا
وَالله تَعَالَى يَحْرُسهُ بِعَيْنِه
ويمده بعونه بمنه وَكَرمه
والعلامة الْكَرِيمَة أَعْلَاهُ حجَّة بِمُقْتَضَاهُ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
إسجال عَدَالَة الْحَمد لله الَّذِي أطلع بدر السَّعَادَة فِي فلك سَمَاء العلياء والسيادة وأنال من اخْتَارَهُ من ذَوي الْبيُوت العريقة رُتْبَة الشَّهَادَة
وأحله منَازِل أهل التقى والإفادة
نحمده على منحه المستجادة
ومننه الَّتِي كم بهَا تطوقت الطروس وابتسمت الأقلام عَن قلادة
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَإِنَّهَا لأصدق شَهَادَة
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أشرف نَاطِق رَوَت الْعُدُول من طرق العوالي إِسْنَاده
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين سبقت لَهُم السَّعَادَة
صَلَاة دائمة يُوَجه إِلَيْهَا كل مُسلم تَهَجُّده وجهاده
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن الْعَدَالَة من أَعلَى المناصب الدِّينِيَّة
وأجمل الْمَرَاتِب السّنيَّة وَأولى صفة اتّصف بهَا الْإِنْسَان وَأجل منزلَة رقاها الْأَعْيَان
وَأَبْنَاء الْأَعْيَان إِذْ هِيَ منصب رَفعه الله وَرَسُوله وَسبب يَتَّضِح بِهِ نهج الْحق وسبيله ومورد حق من ورد بِصدق سَاغَ لَهُ سلسبيله
والعدول تحفظ بهم الْحُقُوق لأربابها
وتضبط قوانين الدَّعَاوَى بِحكم أَسبَابهَا
وَكفى بهَا شرفا ومجدا مشيدا قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا وَمَا}
وَلما كَانَ من نضد هَذَا العقد لتقليده ورصع هَذَا السمط لتحلية جيده مِمَّن وصف بأوصافها الْحسنى واعتصم بحبلها المتين فرقاه إِلَى محلهَا الْأَسْنَى وتخلق بخلائقها
واقتفى آثَار بَيته المشكور فِي سلوك طرائقها
فَكَانَ حَقِيقا بِاسْتِحْقَاق حُقُوقهَا والمتجنب لعقوقها والمحافظ على ترقي رتبتها حَتَّى اسْتوْجبَ الاعتناء بأَمْره والتنويه بِذكرِهِ
وَهُوَ فلَان أدام الله علاهُ ورحم جده وأباه فَلذَلِك نظمت لَهُ هَذِه الْعُقُود ورقمت لمفاخره هَذِه البرود
واستخار سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة من(2/317)
حضر مجْلِس حكمه وقضائه
وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ بِخَطِّهِ ثمَّ يَقُول الْكَاتِب سنة كَذَا وَكَذَا أَنه ثَبت عِنْده وَصَحَّ لَدَيْهِ أحسن الله تَعَالَى إِلَيْهِ على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ والقانون الْمُحَرر المرعي بِالْبَيِّنَةِ العادلة المرضية الَّتِي تثبت بِمِثْلِهَا الْحُقُوق الشَّرْعِيَّة عَدَالَة فلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ وَأَنه عدل رَضِي أَمِين ثِقَة أهل لتحمل الشَّهَادَات وأدائها عِنْد الْحُكَّام ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَحكم بِمَا ثَبت عِنْده من ذَلِك حكما شَرْعِيًّا
أجَازه وأمضاه
وألزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وواجباته الْمُعْتَبرَة المرضية وَأذن لَهُ فِي تحمل الشَّهَادَة وأدائها عِنْد الْحُكَّام
ونصبه عدلا أَمينا بَين الْأَنَام تقبل بَينهم شَهَادَته وَتعْتَبر فيهم مقَالَته أجراه مجْرى الْعُدُول المقبولين وَالشُّهَدَاء المعتبرين
ووصاه بِمَا يجب على مثله من تجنب هوى النَّفس
وَتقدم إِلَيْهِ بالاحتراز فِيهَا
وَالْعَمَل بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مثل هَذَا فاشهد وَأَشَارَ إِلَى الشَّمْس ونبهه على مَا يزْدَاد بِهِ عِنْد الله قربه
ووعظه بقوله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} والوصايا كَثِيرَة
وَهُوَ بِحَمْد الله فِي غنية عَنْهَا
وَلَكِن لَا بُد فِي كل الْأُمُور مِنْهَا
وَقد قَالَ رب الْعَالمين {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ}
وَكتب ذَلِك حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي المولوي وَيذكر ألقاب قَاضِي الْقُضَاة بكمالها وَيَدْعُو لَهُ ثمَّ يَقُول لنائبه الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أدام الله علاهُ بِمُقْتَضى قصَّة رَفعهَا فلَان الْمَذْكُور من مضمونها كَذَا وَكَذَا ويشرح الْقِصَّة ثمَّ يَقُول وتوج هامشها بالخط الْكَرِيم العالي الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا مِثَاله كَذَا وَكَذَا ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَهَذِه الْقِصَّة تكون عِنْد كَاتب الحكم الَّذِي سطر الإسجال
إسجال عَدَالَة أَيْضا الْحَمد لله الَّذِي رفع رُتْبَة الْعَدَالَة وَأَعْلَى منارها
وَحفظ بهَا نظام الْحُكَّام فأقاموا للملة الحنيفية شعارها
وأوضح الله بهَا مناهج القضايا الدِّينِيَّة وَبَين آثارها
أَحْمَده وأشكره على جزيل مواهبه شكرا يُوجب الْمَزِيد لمن عرف مقدارها
وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة تلبس قُلُوبنَا من التقى شعارها وتبصر بصائرنا من ظلمات الشكوك أنوارها
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي اجتبى رسَالَته(2/318)
لإِقَامَة دينه واختارها وأطلع من أنوار أفلاك الْهِدَايَة شموسها وأقمارها
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَأَصْحَابه حماة الشَّرِيعَة وأنصارها صَلَاة تتصل بدوام الْأَبَد أعمارها ونجد بركتها يَوْم تحدث الأَرْض أَخْبَارهَا
وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَبعد فَإِن ملبس الْعَدَالَة من أصلف الملابس ودرجتها مِمَّا ينافس فِيهِ المتنافس وَهِي حلية ذَوي النهى وزينة من ملك نَفسه فَوقف عِنْد أمره إِن أَمر وَنَهْيه إِن نهى وأتعبها فِي مرضاة الله إِلَى أَن هَب لَهُ ريح الْقبُول
فتلذذ بِهِ واستروح وطهر وعاءه من دنس الشُّبُهَات حَتَّى اتّصف بالشرف وكل إِنَاء بِالَّذِي فِيهِ ينضح
وَلما كَانَ فلَان مِمَّن نَشأ فِي حجر العفاف
وتحلى بجميل الْأَوْصَاف
واشتمل على الْخلال الرضية وَالْخَلَائِق المرضية والديانة الظَّاهِرَة والمروءة الوافرة
وَعرف بالتيقظ فِي أُمُوره وأحواله والصدق فِي أَقْوَاله والتسديد فِي أَفعاله سالكا شُرُوط الْعَدَالَة مَاشِيا على نهجها الَّذِي وضحت بِهِ الدّلَالَة
وَحين عرف ذَلِك من أمره وَدلّ وَصفه على علو قدره
استخار الله سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ بِخَطِّهِ ثمَّ يَقُول الْكَاتِب سنة كَذَا وَكَذَا
أَنه ثَبت عِنْده وَصَحَّ لَدَيْهِ أحسن الله إِلَيْهِ على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ
والقانون الْمُحَرر المرعي بِالْبَيِّنَةِ العادلة المرضية الَّتِي قَامَت عِنْده
وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ عَدَالَة فلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه وأدام أَيَّامه بعدالته وَقبُول قَوْله فِي شَهَادَته حكما شَرْعِيًّا
أجَازه وأمضاه وَاخْتَارَهُ وارتضاه
وألزم الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَأذن أيده الله تَعَالَى لفُلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ فِي تحمل الشَّهَادَة وأدائها
وَبسط قلمه فِيهَا
وأجراه مجْرى أَمْثَاله من الْعُدُول المعتبرين وَالشُّهُود المبرزين ونصبه شَاهدا عدلا بَين الْمُسلمين يُوصل بِشَهَادَتِهِ وَيقطع
وَيُعْطِي وَيمْنَع
ووصاه بتقوى الله وطاعته وخشيته ومراقبته فِي سره وعلانيته
فليحمد الله على هَذِه الْمرتبَة الْعلية والمنزلة السّنيَّة
وليأخذ كتاب هَذِه الْعَدَالَة بِقُوَّة وليشكر الله الَّذِي بلغه مرجوه
وَالله تَعَالَى يُعينهُ على مَا فوض إِلَيْهِ من ذَلِك ويسلك بِهِ من التَّوْفِيق والسداد أحسن المسالك
وَكتب ذَلِك بِالْإِذْنِ الْكَرِيم العالي إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة تَفْوِيض نظر فِي وقف(2/319)
هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا فلَان الدّين أَنه فوض إِلَى فلَان الْفُلَانِيّ النّظر فِي أَمر الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة ويحددها وَيذكر بقعتها وَفِي أوقافها المنسوبة إِلَى إيقاف واقفها فلَان فَإِن كَانَ ثمَّ كتاب وقف مَوْجُود أَشَارَ إِلَيْهِ
وَذكر تَارِيخه وثبوته واتصاله بالحاكم الْمُفَوض الْمشَار إِلَيْهِ
وَإِن كَانَ بِغَيْر كتاب وقف يَقُول الثَّابِت عِنْد الْوَقْف الْمَذْكُور بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأذن لَهُ أَسْبغ الله ظلاله فِي قبض متحصلات الْوَقْف الْمَذْكُور ومغلاته وريعه وَاسْتِيفَاء مَنَافِعه وَتَحْصِيل أجوره وَفِي عِمَارَته وإصلاحه وترميمه وتقوية فلاحيه وَصرف كلفه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ شرعا وَأَن يصرف الْبَاقِي بعد ذَلِك إِلَى مستحقيه شرعا من أَرْبَاب الْوَظَائِف أَوَان الْوُجُوب والاستحقاق على مُقْتَضى شَرط واقفه على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وأوصاه فِي ذَلِك كُله بتقوى الله عز وَجل وَاتِّبَاع الْأَمَانَة وتجنب الْخِيَانَة وَفعل كل رَأْي سديد وَاتِّبَاع كل مَنْهَج حميد واعتماد مَا فِيهِ النَّمَاء والمزيد وخلاص كل حق يتَعَيَّن وَيتَوَجَّهُ لَهُ قَبضه شرعا بِكُل طَرِيق مُعْتَبر شَرْعِي وَأَن يتَوَلَّى ذَلِك بِنَفسِهِ ووكيله وأمينه ويسنده إِلَى من رأى
لَيْسَ لأحد عَلَيْهِ فِي ذَلِك نظر وَلَا إشراف وَلَا اعْتِرَاض
إِذْنا مُعْتَبرا مرضيا
وَبسط يَده فِي ذَلِك بسطا تَاما وأقرها عَلَيْهِ تقريرا كَامِلا بعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل
وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
صُورَة تَفْوِيض نظر من الْحَاكِم فِي وقف لعدم الرشيد من أَهله أشهد على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين أَنه فوض إِلَى فلَان النّظر فِي أَمر الْوَقْف الْمَنْسُوب إِلَى إيقاف فلَان على كَذَا وَكَذَا
حَسْبَمَا تضمنه كتاب وقف ذَلِك الْوَاقِف الْمُتَقَدّم التَّارِيخ الثَّابِت مضمونه شرعا تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأذن لَهُ أَن يُبَاشر ذَلِك ويتولى إيجاره واستغلاله وَقبض أجوره ومغلاته وَيقوم بمصالحه وعمارته ويتصرف فِيهِ على مُقْتَضى شَرط واقفه وَيصرف مِنْهُ مَا يجب صرفه شرعا فِي عمَارَة وَإِصْلَاح وترميم وفرش وتنوير وَغير ذَلِك
وَصرف الْبَاقِي بعد ذَلِك إِلَى مستحقي الْوَقْف الْمَذْكُور على مُقْتَضى شَرط واقفه
وولاه ذَلِك تَوْلِيَة شَرْعِيَّة تَامَّة كَامِلَة مُعْتَبرَة لعدم الرشيد عِنْده من أهل الْوَقْف الْمَذْكُور حَالَة هَذَا التَّفْوِيض
وَأذن أَسْبغ الله ظلاله لَهُ أَن يُوكل فِي ذَلِك من شَاءَ من الْأُمَنَاء ويعزله إِذا شَاءَ وَأَن يتَنَاوَل لنَفسِهِ مَا فرض لَهُ فِي ريع الْوَقْف الْمَذْكُور على مُبَاشرَة مصالحها كلهَا وَهُوَ فِي كل شهر كَذَا
وَفِي كل سنة كَذَا على الْوَجْه الشَّرْعِيّ إِذْنا شَرْعِيًّا بعد أَن اتَّصل بِهِ كتاب الْوَقْف(2/320)
الْمَذْكُور اتِّصَالًا شَرْعِيًّا
وَبعد أَن ثَبت عِنْده أَهْلِيَّة الْمُفَوض إِلَيْهِ وكفايته لمباشرة النّظر فِي أَمر الْوَقْف الْمَذْكُور الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
وَيكْتب التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
ويكمل بِالْإِشْهَادِ على نَحْو مَا سبق
صُورَة تَفْوِيض مُبَاشرَة على أَيْتَام وَأَمْوَالهمْ بِمَعْلُوم مِنْهَا فوض سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقَضَاء فلَان الدّين أَو هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين أَنه فوض إِلَى فلَان مُبَاشرَة الْأَيْتَام محاجير الشَّرْع الشريف بِمَدِينَة كَذَا أَو مُبَاشرَة أَمر أَيْتَام فلَان
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان الصغار القاصرين عَن دَرَجَة الْبلُوغ الداخلين تَحت حجر الحكم الْعَزِيز بِمَدِينَة كَذَا
وَالْعَمَل فِي أَمْوَالهم وَالتَّصَرُّف لَهُم فِيهَا على الأوضاع الشَّرْعِيَّة والقوانين الْمُعْتَبرَة المرضية من البيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وَالْإِجَارَة والعمارة والمعاملة والمداينة وَفِي أَخذ الضمناء والكفلاء وَقبُول الحوالات على الأملياء وَفِي اشْتِرَاط الرَّهْن وَالْكَفِيل فِي عقد البيع
وَفِي الْمُعَامَلَة وَفعل مَا تَقْتَضِيه الْمصلحَة لَهُم من سَائِر الْأَفْعَال الشَّرْعِيَّة والتصرفات الْمُعْتَبرَة على وَجه الْغِبْطَة الوافرة لَهُم فِي ذَلِك
وَفِي الْإِنْفَاق عَلَيْهِم من مَالهم مَا هُوَ مَفْرُوض لَهُم من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ تفويضا صَحِيحا شَرْعِيًّا وإذنا تَاما مُعْتَبرا مرضيا
وَقرر لَهُ على هَذَا الْعَمَل فِي كل شهر من اسْتِقْبَال يَوْم تَارِيخه كَذَا مِمَّا يربحه ويكسبه فِي مَالهم تقريرا شَرْعِيًّا
وَأذن لَهُ فِي تنَاوله إِذْنا شَرْعِيًّا
وَجعل النّظر عَلَيْهِ فِي ذَلِك لفُلَان بِحَيْثُ لَا يتَصَرَّف فِي شَيْء مِمَّا فوض إِلَيْهِ من ذَلِك إِلَّا بِنَظَر النَّاظر الْمشَار إِلَيْهِ ومراجعته ومشاورته فِيهِ وإجازته وإمضائه لَهُ
وَأشْهد عَلَيْهِ سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة كتاب حكمي بِمَا يثبت عِنْد الْحَاكِم من الْأُمُور الشَّرْعِيَّة من إِقْرَار أَو بيع أَو غير ذَلِك هَذِه الْمُكَاتبَة الْحكمِيَّة إِلَى كل من تصل إِلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين وحكامهم أدام الله تأييدهم وتسديدهم وأجزل من إحسانه مزيدهم بِمَا ثَبت فِي مجْلِس الحكم الْعَزِيز عِنْد القَاضِي فلَان الدّين الْحَاكِم بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أعز الله أَحْكَامه وأسبغ عَلَيْهِ إنعامه وَصَحَّ لَدَيْهِ فِي مجْلِس حكمه وقضائه بِمحضر من مُتَكَلم شَرْعِي جَائِز كَلَامه مسموعة دَعْوَاهُ فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ هما فلَان وَفُلَان الَّذِي مضمونه(2/321)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم أقرّ فلَان وينقل جَمِيع مَا فِيهِ من أَوله إِلَى آخِره بالحرف والتاريخ وبآخره رسم شَهَادَة العدلين الْمشَار إِلَيْهِمَا فِيهِ وَقد أَقَامَ كل مِنْهُمَا شَهَادَته عِنْده بذلك
وَقَالَ إِنَّه بالمقر الْمَذْكُور عَارِف
وَقبل ذَلِك من كل مِنْهُمَا الْقبُول السائغ فِيهِ
وَأعلم لَهما تلو رسم شَهَادَتهمَا مَا جرت الْعَادة بِهِ من عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول على الرَّسْم الْمَعْهُود فِي مثله
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْده ثَبت الله مجده على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ هما فلَان وَفُلَان الواضعين رسم شَهَادَتهمَا فِي مسطور الدّين الْمَذْكُور غيبَة الْمقر الْمَذْكُور عَن الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَذْكُور الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة
وَبعد أَن أَحْلف الْمقر لَهُ بِاللَّه الْعَظِيم الْيَمين الشَّرْعِيَّة المتوجهة عَلَيْهِ المشروحة فِي مسطور الدّين أَو فِي فصل الْحلف المسطور بِهَامِش مسطور الدّين
أَو بذيل مسطور الدّين الْمَذْكُور وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأَنه حكم بذلك وأمضاه وألزم بِمُقْتَضَاهُ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ مَعَ إبقائه كل ذِي حجَّة مُعْتَبرَة فِيهِ على حجَّته
وَهُوَ فِي ذَلِك كُله نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما بعد تقدم الدَّعْوَى المسموعة وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا شرعا
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْمُكَاتبَة عَنهُ بذلك فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَتقدم بِكِتَابَة هَذَا الْكتاب الْحكمِي
فَكتب عَن إِذْنه الْكَرِيم متضمنا لذَلِك
فَمن وقف عَلَيْهِ من قُضَاة الْمُسلمين وحكامهم أدام الله نعمتهم وَرفع درجتهم وَاعْتمد تنفيذه وأمضاه حَاز من الْأجر أجزله وَمن الثَّنَاء أجمله
وَكتب ذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ بالمملكة الْفُلَانِيَّة فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ
ويؤرخ
وَيكْتب القَاضِي بعد الْبَسْمَلَة والسطر الأول علامته الْمُعْتَادَة بالقلم الغليظ ثمَّ يكْتب عدد الأوصال وَعدد السطور
وَيخْتم الْكتاب
وَصُورَة مَا يكْتب فِي عنوانه من فلَان ابْن فلَان الْحَاكِم بالديار المصرية أَو بالمملكة الْفُلَانِيَّة وَيشْهد رجلَيْنِ بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَيَأْخُذ خطهما بذلك
وَصُورَة مَا يكْتب على ظهر الْكتاب الْحكمِي
إِذا ورد على حَاكم من حَاكم آخر وَفك خَتمه ورد على القَاضِي فلَان الدّين الْكتاب الْحكمِي الصَّادِر عَن مصدره القَاضِي فلَان الدّين وَشهد بوروده عَن مصدره فلَان وَفُلَان عِنْد سيدنَا القَاضِي فلَان الدّين
وَقَالَ كل مِنْهُمَا إِن مصدره الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
أشهدهما على نَفسه بِمَا صدر بِهِ كِتَابه الْحكمِي
فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِهِ وَأَن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ قبل شَهَادَتهمَا بذلك
وَأعلم لكل مِنْهُمَا تلو رسم شَهَادَته عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول على الرَّسْم الْمَعْهُود والتشخيص الشَّرْعِيّ(2/322)
وَالْأَمر فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف ويقتضيه
ويكمل
والكتب الْحكمِيَّة الْآن قَليلَة الِاسْتِعْمَال
وَبَطل الْعَمَل بهَا
وَصَارَ كل من لَهُ حق وأثبته عِنْد حَاكم من حكام الْمُسلمين واستحكم فِيهِ وكل من مَعَه مَكْتُوب شَرْعِي ثَابت مَحْكُوم فِيهِ فِي مملكة من الممالك منفذ عِنْد حكام تِلْكَ المملكة إِذا أَرَادَ نقل ذَلِك الحكم أَو ذَلِك التَّنْفِيذ أحضر شُهُودًا إِلَى عِنْد الْحَاكِم فِي ذَلِك الْمَكْتُوب أَو ذَلِك المنفذ الَّذِي نفذ الحكم
وأشهدهم عَلَيْهِ
وَأخذ الشُّهُود مَعَه إِلَى الْبَلَد الَّتِي يُرِيد إِيصَال الحكم فِيهَا
فَيَشْهَدُونَ على الْحَاكِم الأول بِمَا فِيهِ
فَيعلم لَهُم تَحت رسم شَهَادَتهم فِيهِ ويوصله
وَهَؤُلَاء يسمون شُهُود الطَّرِيق
وَاسْتقر حَال النَّاس على ذَلِك
وَصُورَة مَا إِذا تحاكم رجلَانِ إِلَى رجل من أهل الْعلم والمعرفة بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة وَشَرطه أَن تكون فِيهِ أَهْلِيَّة الْقَضَاء وسألاه الحكم بَينهمَا حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وأشهدا عَلَيْهِمَا طَوْعًا فِي صحتهما وسلامتهما أَنه جرت بَينهمَا منازعات وخصومات ودعاوى فِي كَذَا وَكَذَا وأنهما ترافعا إِلَى فلَان الْفُلَانِيّ ورضيا بِهِ
وحكماه على أَنفسهمَا وجعلاه نَاظرا بَينهمَا
وفاصلا لخصومتهما وقاطعا لدعاويهما وحاسما لمنازعتهما بعد أَن سألاه أَن يحكم بَينهمَا
وَأَن يلْزم كل وَاحِد مِنْهُمَا الْوَاجِب لَهُ وَعَلِيهِ
وَبعد أَن عرفا من علمه وثقته ومعرفته بِالْقضَاءِ ووجوه الْأَحْكَام مَا جَازَ لَهما مَعَه تحكيمهما إِيَّاه
فَقبل فلَان مِنْهُمَا ذَلِك
وَحكم بَينهمَا بِمَا أوجبه الشَّرْع الشريف وَبت الْقَضَاء بِمَا قطع بِهِ الْخُصُومَة بَينهمَا
وألزم كلا مِنْهُمَا بِمُقْتَضى ذَلِك
فرضيا بِمَا حكم بِهِ بعد أَن حكم
وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك
ويؤرخ
وَصُورَة كتاب صَرِيح سجل أما بعد حمد الله حمد الشَّاكِرِينَ وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ
صَلَاة دائمة بَاقِيَة إِلَى يَوْم الدّين
فَهَذَا مَا شهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ بِخَطِّهِ ثمَّ يَقُول الْكَاتِب من سنة كَذَا وَكَذَا بِجَمِيعِ مَا نسب إِلَيْهِ فِي هَذَا السّجل الْمُبَارك الَّذِي التمس إنشاؤه مِنْهُ
وَصدر بِإِذْنِهِ الْكَرِيم عَنهُ جَامعا لمضامين الْكتب الْآتِي ذكرهَا المختصة بسيدنا فلَان ابْن فلَان مِمَّا جَمِيعه بِمَدِينَة كَذَا وظاهرها وعملها شَامِلًا لَهَا فروعا وأصولا
وناطقا بثبوتها عَلَيْهِ ابْتِدَاء واتصالا(2/323)
حَسْبَمَا يشْرَح فِيهِ جملَة وتفصيلا معينا تواريخ الْكتب وتواريخ ثُبُوتهَا مستوعبا مقاصدها بِمَا يُوضح نعوتها
مَقْصُودا بذلك حصرها فِي هَذَا السّجل بمفرده ليَكُون حجَّة وَاحِدَة بِمَا تضمنته فِي الْيَوْم وَفِي غده
وَذَلِكَ بعد أَن استعرض سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ جَمِيع الْكتب والثبوتات والاتصالات الْمَنْقُول مضامينها أدناه
واستحضر مَا نسب إِلَيْهِ فِيهِ
وعاود خاطره الْكَرِيم فِيمَا تقدم بِهِ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ
فَتذكر ذَلِك جَمِيعه بِحَمْد الله تذكر تَحْقِيق
وَسَأَلَهُ جلّ ذكره المعونة ودوام التَّوْفِيق
ثمَّ استخار الله تَعَالَى وَتقدم أمره الْكَرِيم بتسطير هَذَا السّجل بسؤال من هُوَ جَائِز الْمَسْأَلَة شرعا مُعْتَبرا شُرُوطه الْمُعْتَبرَة على مَا يجب أَن يعْتَبر فِي مثله ويرعى
وَأَن يحرز مَا نقل فِيهِ من الْمَقَاصِد
ويقابل ذَلِك بأصوله تَأْكِيدًا لصِحَّته على أحسن العوائد
فامتثل أمره الْكَرِيم
وحرر هَذَا السّجل على الرَّسْم الْمُعْتَاد
وَالسّنَن المتكفل بِحُصُول المُرَاد
وعدة الْكتب الْمشَار إِلَيْهَا كَذَا وَكَذَا كتابا
وَالْكتاب الأول مِنْهَا نسخته بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَيكْتب كتابا بعد كتاب وَكلما انْتهى من كتاب يَقُول الْكتاب الثَّانِي الْكتاب الثَّالِث
وينسخ كل كتاب بِحُرُوفِهِ من غير زِيَادَة وَلَا نقص وَيكْتب ثُبُوته واتصاله بالحاكم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ إِلَى أَن تَنْتَهِي الْكتب جَمِيعهَا ثمَّ يَقُول وَلما تَكَامل ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ وَصَحَّ لَدَيْهِ على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة حرسها الله تَعَالَى بِمَا نسب إِلَيْهِ فِي هَذَا السّجل الْمُبَارك من الثُّبُوت وَالْحكم والتنفيذ وَالْقَضَاء وَالْإِجَازَة والإمضاء وَغير ذَلِك مِمَّا نسب إِلَيْهِ فِيهِ
فَتَأمل ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره
وأمعن فِيهِ نظره
واستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله لجوازه شرعا
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك بعد أَن ثَبت عِنْده صِحَة مُقَابلَة مَا نسخ فِي هَذَا السّجل بأصوله الْمَنْقُول مِنْهَا الْمُوَافق لذَلِك الثُّبُوت الشَّرْعِيّ فِي التَّارِيخ الْمُقدم ذكره الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ الْكَرِيم أَعْلَاهُ
شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ
وأدام علاهُ
وَيكْتب القَاضِي الحسبلة بِخَطِّهِ ويكمل
صُورَة صَرِيح آخر أما بعد حمد الله الَّذِي بعث رَسُوله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحنيفية السمحة السهلة وَخَصه بِعُمُوم الرسَالَة الَّتِي أبان بهَا على الرُّسُل فَضله
وسلك بِنَا على سنته من الْحق منهاجا قويما
هدَانَا باتباعه إِلَيْهِ صراطا مُسْتَقِيمًا
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا(2/324)
فَهَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة حرسها الله تَعَالَى وحماها سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ بِخَطِّهِ ثمَّ الْكَاتِب من سنة كَذَا وَكَذَا
بِجَمِيعِ مَا نسب وأضيف إِلَيْهِ فِي هَذَا السّجل الْمُبَارك الَّذِي التمس إنشاؤه مِنْهُ
وَصدر بِإِذْنِهِ الْكَرِيم عَنهُ
جَامعا لمضامين الْكتب الْآتِي ذكرهَا المختصة بمولانا الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ مِمَّا جَمِيعه بِمَدِينَة كَذَا وعملها وَهِي كتب الابتياعات والأوقاف والإجارات وَغير ذَلِك شَامِلًا لَهَا فروعا وأصولا ناطقا بثبوتها عَلَيْهِ ابْتِدَاء واتصالا حَسْبَمَا شرح فِيهِ جملَة وتفصيلا معينا فِيهِ تواريخ الْكتب وتواريخ ثُبُوتهَا مستوعبا مقاصدها بأوضح نعوتها
مَقْصُودا بذلك حصرها فِي هَذَا السّجل بمفرده ليَكُون حجَّة وَاحِدَة بِمَا تضمنه فِي الْيَوْم وَفِي غده
يتوالى اتِّصَال ثُبُوته بالحكام
وَيشْهد بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ مدا الْأَيَّام
وَذَلِكَ بعد أَن استعرض سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ جَمِيع الْكتب والثبوتات والاتصالات الْمَنْقُول مضامينها أدناه
وتأملها كتابا كتابا
واستحضر مَا نسب إِلَيْهِ فِيهِ
وعاود خاطره الْكَرِيم فِيمَا تقدم بِهِ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ
فَتذكر ذَلِك جَمِيعه بِحَمْد الله تَعَالَى تذكر تَحْقِيق
وَسَأَلَ الله جلّ ذكره المعونة ودوام التَّوْفِيق
ثمَّ استخار الله وَتقدم أمره الْكَرِيم بتسطير هَذَا السّجل
إِجَابَة لسؤال جَائِز الْمَسْأَلَة شرعا مُعْتَبرا فِيهِ الشَّرَائِط المعبرة على مَا يجب أَن يعْتَبر فِي مثله ويرعى وَأَن يحرر مَا نقل فِيهِ من الْمَقَاصِد وَأَن يُقَابل ذَلِك بأصوله تَأْكِيدًا لصِحَّته على أحسن العوائد
فامتثل أمره الْكَرِيم
وحرر هَذَا السّجل على الرَّسْم الْمُعْتَاد وَالسّنَن الشَّرْعِيّ المتكفل بِحُصُول المُرَاد
وعدة الْكتب الْمشَار إِلَيْهَا كَذَا وَكَذَا كتابا
الْكتاب الأول نسخته
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَيكْتب كتابا بعد كتاب إِلَى آخِره وَيذكر التَّارِيخ ثمَّ يَقُول بعد ذَلِك كُله فَهَذِهِ جملَة الْكتب الْمَنْقُول مضامينها فِي هَذَا السّجل من أُصُولهَا الْمشَار إِلَيْهَا أَعْلَاهُ حَسْبَمَا أذن فِيهِ سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ ومقابلة مَا نسخ فِي هَذَا السّجل بأصوله الْمَنْقُول مِنْهَا المضامين الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ
فَصحت الْمُقَابلَة والموافقة بِشَهَادَة من يضع خطه آخِره بذلك وَأَدَاء الشَّهَادَة عِنْده وقبولها بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَبعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
فَلَمَّا تَكَامل ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ
وَصَحَّ لَدَيْهِ
سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا تَقْرِير مَوْلَانَا الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ الْمشَار إِلَيْهِ على مَا فِيهَا من جَمِيع مَا عين وَبَين فِي هَذَا الْكتاب السّجل وتثبيتها وبسطها وتصريفها وتمكينها
وَالْحكم بِالصِّحَّةِ فِي جَمِيع مَا قَامَت فِيهِ الْبَيِّنَة بِالْملكِ والحيازة من(2/325)
كتب الابتياعات المشروحة فِي هَذَا الْكتاب السّجل وَالْقَضَاء بذلك والالتزام بِمُقْتَضَاهُ وَالْإِجَازَة والإمضاء وَالْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِجَمِيعِ مَا نسب إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكتاب السّجل
فَتَأمل ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره وَنَظره
واستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله لجوازه شرعا
وَأقر يَد مَوْلَانَا ملك الْأُمَرَاء الْمشَار إِلَيْهِ أدام الله نعْمَته عَلَيْهِ على مَا فِيهَا من جَمِيع مَا عين وَبَين فِي هَذَا الْكتاب السّجل تقريرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وثبتها تثبيتا كَامِلا مُعْتَبرا مرضيا وبسطها بسطا شَامِلًا شَرْعِيًّا
وصرفها تصريفا تَاما نَافِذا
ومكنها تمكينا شَرْعِيًّا وَحكم بِالصِّحَّةِ فِي جَمِيع مَا قَامَت فِيهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بِالْملكِ والحيازة من كتب الابتياعات المشروحة فِي هَذَا الْكتاب السّجل حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
نَافِذا لَازِما مُعْتَبرا مرضيا موثوقا بِهِ مسكونا إِلَيْهِ
قضى بذلك وأمضاه
وَأَجَازَهُ وارتضاه
ورتب عَلَيْهِ مُوجبه وَمُقْتَضَاهُ بعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار واجباته المرعية وَثُبُوت مَا يتَوَقَّف الحكم على ثُبُوته
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي التَّارِيخ الْمُقدم ذكره
الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ الْكَرِيم أَعْلَاهُ
شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ
وأدام علاهُ
وَيكْتب القَاضِي الحسبلة بِخَطِّهِ
ويكمل
الْفرق بَين النُّسْخَة والسجل
اعْلَم أَن كِتَابَة النّسخ والسجلات يحْتَاج فِيهَا أَولا إِلَى أَن يتَّصل أَصْلهَا بِالْقَاضِي فَإِذا اتَّصل أَصْلهَا بِالْقَاضِي كتب على هامشها بِالْقربِ من مَوضِع التوقيع لينقل بِهِ نُسْخَة كَمَا تقدم
فَإِذا كتب ذَلِك شرع كَاتب الحكم فِي النَّقْل ونقلها حرفا حرفا
فَإِذا فرغ من نقل الأَصْل كتب(2/326)
ونقلت هَذِه النُّسْخَة بِالْأَمر الْكَرِيم العالي المولوي القاضوي الْفُلَانِيّ بِمُقْتَضى خطه الْكَرِيم أَعْلَاهُ فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَمن الموقعين من إِذا أَرَادَ أَن ينْقل نُسْخَة يكْتب قبل أَن يشرع فِي النَّقْل نُسْخَة نقلت من أصل كصورته بِإِذن حكمي فَإِذا انْتهى النَّقْل كتب ونقلت هَذِه النُّسْخَة بِالْأَمر الْكَرِيم العالي الْفُلَانِيّ فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَمن الموقعين من يحْتَاط أَيْضا وَيكْتب على لِسَان صَاحب الْمَكْتُوب قصَّة يسْأَل فِيهَا نقل نُسْخَة
وترفع تِلْكَ الْقِصَّة والمكتوب إِلَى قَاضِي الْقُضَاة
فَيكْتب على هامشه لينقل مِنْهُ نُسْخَة وَيكْتب فِي هَامِش الْقِصَّة مثل ذَلِك ويؤرخ
فَإِذا انْتهى النَّقْل كتب ونقلت هَذِه النُّسْخَة بِالْأَمر الْكَرِيم العالي المولولي الْفُلَانِيّ وَاضع خطه الْكَرِيم أَعْلَاهُ بِالنَّقْلِ بِمُقْتَضى قصَّة مشمولة بالخط الْكَرِيم بِمثل ذَلِك فِي تَارِيخه
مُسْتَقِرَّة تَحت يَد ناقله
حجَّة فِيهِ وَهَذَا فِيهِ غَايَة الِاحْتِيَاط
ثمَّ يكْتب مِثَال شَهَادَات الشُّهُود
فَمن كَانَ مِنْهُم قد مَاتَ كتب مِثَال خطه
وَمن كَانَ فِي قيد الْحَيَاة بعثها إِلَيْهِ لينقل خطه من النُّسْخَة الْأَصْلِيَّة إِلَى النُّسْخَة المنقولة
وَصُورَة مَا يَكْتُبهُ الشَّاهِد الْحَيّ صُورَة رسم شَهَادَته الأولى وَيزِيد فِيهَا
ونقلت خطي إِلَى هَذِه النُّسْخَة بِإِذن حكمي فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا وَمن كَانَ بَاقِيا من الْحُكَّام يَأْخُذهَا وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِ لينقل علامته وتاريخه فِي إسجاله الَّذِي يكْتب فِي النُّسْخَة المنقولة كَمَا فِي الأَصْل
وَلَا يحْتَاج أَن يكْتب القَاضِي نقلت خطي كَمَا يكْتب الشَّاهِد
فَإِذا تَكَامل نقل شَهَادَات الشُّهُود فِيهَا الْأَحْيَاء والأموات شهد هُوَ وَعدل آخر بالمقابلة عِنْد القَاضِي الْآذِن فِي النَّقْل
وَصُورَة مَا يكْتب فِي الْمُقَابلَة وقفت على نُسْخَة الأَصْل
وقابلتها بِهَذِهِ النُّسْخَة مُقَابلَة تَامَّة
فَصحت
وَأشْهد بذلك فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور
وَكتبه فلَان الْفُلَانِيّ
وَيكْتب رَفِيقه كَذَلِك ويشهدا عِنْد القَاضِي الْآذِن وَيثبت عِنْده أَن مَضْمُون النُّسْخَة المنقولة مَنْقُول من الأَصْل الْمَذْكُور بعد الْمُقَابلَة الصَّحِيحَة الشَّرْعِيَّة ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَالْفرق أَيْضا بَين النُّسْخَة والسجل أَن النُّسْخَة يبتدىء الْكَاتِب أَولا فِي كتَابَتهَا
وَبعد ذَلِك يَحْكِي الإسجالات وينقل خطوط الشُّهُود فِيهَا الْأَحْيَاء والأموات والقضاة كَمَا تقدم شَرحه والسجل بعد أَن يتَّصل الأَصْل بِالْقَاضِي وَيكْتب لينقل بِهِ سجل فَإِذا كتب شرع فِي نَقله
وَصُورَة مَا يبتدىء فِيهِ هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين إِلَى آخر مَا تقدم ثمَّ يَحْكِي بعد ذَلِك مَضْمُون إسجال القَاضِي وَبعد كِتَابَته التَّارِيخ فِي وسط الإسجالات المتضمنة لَهُ وَاحِدًا بعد وَاحِد آخر الإسجالات
فَإِذا وصل إِلَى الإسجال الَّذِي على القَاضِي الثَّابِت عِنْده ذَلِك الأَصْل وَحكى أَنه حكم بِمَا حكم فِيهِ مثل أَن يكون كتاب وقف أَو غَيره فَإِذا انْتهى ذكر ذَلِك جَمِيعه
يَقُول ونسخة كتاب الْوَقْف مثلا الْمَوْعُود بذكرها فِي هَذَا الْكتاب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَيذكر مَا فِيهِ بِحُرُوفِهِ إِلَى آخِره وتاريخه فَإِذا فرغ مِنْهُ كتب الْإِشْهَاد(2/327)
على القَاضِي الْآذِن بِمَا نسب إِلَيْهِ فِي هَذَا السّجل
ثمَّ يَقُول فَشَهِدت عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ بِخَطِّهِ فِي وسط الصَّدْر الأول وَيكْتب الحسبلة فِي آخِره
وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين السّجل وَالنُّسْخَة أقوى وأمتن
فَافْهَم ذَلِك
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم(2/328)
كتاب الْقِسْمَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
يجوز قسْمَة الْأَمْلَاك من الْأَرَاضِي والحبوب والأدهان وَغَيرهَا
وَيجوز للشركاء أَن يتقاسموا بِأَنْفسِهِم
وَيجوز أَن ينصبوا من يقسم بَينهم
وَيجوز أَن يترافعوا إِلَى الْحَاكِم لينصب من يقسم بَينهم
فَإِن ترافعوا إِلَيْهِ فِي قسْمَة ملك من غير بَيِّنَة
فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يقسم بَينهم
وَالثَّانِي يقسم إِلَّا أَنه يكْتب أَنه قسم بَينهم بدعواهم وَإِن كَانَ فِي الْقِسْمَة رد اعْتبر التَّرَاضِي فِي ابْتِدَاء الْقِسْمَة وَبعد الْفَرَاغ مِنْهَا
وَقيل لَا يعْتَبر التَّرَاضِي بعد خُرُوج الْقرعَة
وَإِن لم يكن فِيهَا رد فَإِن تقاسموا بِأَنْفسِهِم لَزِمت الْقِسْمَة بِإِخْرَاج الْقرعَة
وَإِن نصبوا من يقسم بَينهم
اعْتبر التَّرَاضِي بعد خُرُوج الْقرعَة
وَفِيه قَول مخرج فِي التَّحْكِيم أَنه لَا يعْتَبر التَّرَاضِي
وَإِن ترافعوا إِلَى الْحَاكِم نصب من يقسم بَينهم ولزمهم ذَلِك بِإِخْرَاج الْقرعَة وَلَا يجوز للْحَاكِم أَن ينصب للْقِسْمَة إِلَّا حرا بَالغا عَاقِلا عدلا عَالما بِالْقِسْمَةِ
فَإِن لم يكن فِي الْمَسْأَلَة تَقْوِيم جَازَ قَاسم وَاحِد
وَإِن كَانَ فِيهَا تَقْوِيم لم يجز إِلَّا قاسمان
وَأُجْرَة الْقَاسِم فِي بَيت المَال
فَإِن لم يكن فعلى الشُّرَكَاء تقسم الْأُجْرَة عَلَيْهِم على قدر أملاكهم
فَإِن طلب الْقِسْمَة أحد الشَّرِيكَيْنِ وَامْتنع الآخر
نظرت
فَإِن لم يكن على كل وَاحِد مِنْهُمَا ضَرَر كالحبوب والأدهان وَالثيَاب الغليظة والأراضي والدور أجبر الْمُمْتَنع
وَإِن كَانَ على أَحدهمَا ضَرَر
فَإِن كَانَ على الطَّالِب لم يجْبر الْمُمْتَنع
وَإِن كَانَ على الْمُمْتَنع
فقد قيل يجْبر
وَقيل لَا يجْبر
وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن كَانَ بَينهمَا دور ودكاكين أَو أَرض فِي بَعْضهَا شجر وَبَعضهَا بَيَاض وَطلب(2/329)
أَحدهمَا أَن يقسم أعيانا بِالْقيمَةِ
وَطلب أَحدهمَا قسْمَة كل عين قسم كل عين
وَإِن كَانَ بَينهمَا عضائد صغَار متلاصقة وَطلب أَحدهمَا قسمتهَا وَامْتنع الآخر
فقد قيل يجْبر
وَقيل لَا يجْبر
وَإِن كَانَ بَينهمَا عبيد أَو مَاشِيَة أَو ثِيَاب وأخشاب
فَطلب أَحدهمَا قسمتهَا أعيانا وَامْتنع الآخر أجبر الْمُمْتَنع
وَقيل لَا يجْبر
وَإِن كَانَ بَينهمَا دَار
فَطلب أَحدهمَا قسمتهَا
فَيجْعَل الْعُلُوّ لأَحَدهمَا
والسفل للْآخر وَامْتنع شَرِيكه لم يجْبر الْمُمْتَنع
وَإِن كَانَ بَين ملكيهما عَرصَة حَائِط وَأَرَادَ أَحدهمَا أَن يقسمها طولا
فَيجْعَل لكل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الطول فِي كَمَال الْعرض
فَامْتنعَ الآخر أجبر عَلَيْهِ
فَإِن أَرَادَ أَن يقسم عرضا فَيجْعَل لكل وَاحِد مِنْهُمَا نصف الْعرض فِي كَمَال الطول
فقد قيل يجْبر
وَقيل لَا يجْبر وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن كَانَ بَين رجلَيْنِ مَنَافِع
فأرادا قسمتهَا بَينهمَا بالمهايأة
جَازَ
وَإِن أَرَادَ أَحدهمَا وَامْتنع الآخر لم يجْبر الْمُمْتَنع
وَمَتى أَرَادَ الْقَاسِم أَن يقسم عدل السِّهَام
إِمَّا بِالْقيمَةِ إِن كَانَت مُخْتَلفَة أَو بِالْأَجْرِ إِن كَانَت غير مُخْتَلفَة أَو بِالرَّدِّ إِن كَانَت الْقِسْمَة تَقْتَضِي الرَّد
فَإِن كَانَت الْأَنْصِبَاء مُتَسَاوِيَة كالأرض بَين ثَلَاثَة أنفس أَثلَاثًا
أَقرع بَينهم
فَإِن شَاءَ كتب أَسمَاء الْملاك فِي رقاع مُتَسَاوِيَة وَجعلهَا فِي بَنَادِق مُتَسَاوِيَة وَجعلهَا فِي حجر رجل لم يحضر ذَلِك ليخرج على السِّهَام
وَإِن شَاءَ كتب السِّهَام ليخرجها على الْأَسْمَاء
وَإِن كَانَت الْأَنْصِبَاء مُخْتَلفَة مثل أَن يكون لوَاحِد السُّدس وَالثَّانِي الثُّلُث وَالثَّالِث النّصْف قسمهَا على أقل الْأَجْزَاء وَهِي سِتَّة أسْهم
وَكتب أَسمَاء الشُّرَكَاء فِي سِتّ رقاع لصَاحب السُّدس رقْعَة وَلِصَاحِب الثُّلُث رقعتان وَلِصَاحِب النّصْف ثَلَاثَة رقاع
وَيخرج على السِّهَام
فَإِن خرج اسْم صَاحب السُّدس أعْطى السهْم الأول ثمَّ يقرع بَين الآخرين
فَإِن خرج اسْم صَاحب الثُّلُث أعْطى السهْم الثَّانِي وَالثَّالِث وَالْبَاقِي لصَاحب النّصْف
وَإِن خرج أَولا لصَاحب النّصْف أعْطى ثَلَاثَة أسْهم ثمَّ يقرع بَين الآخرين على نَحْو مَا تقدم
وَلَا يخرج السِّهَام على الْأَسْمَاء فِي هَذَا الْقسم
وَهل يقْتَصر على ثَلَاث رقاع لكل وَاحِدَة رقْعَة وَإِذا تقاسموا وَادّعى بَعضهم على بعض غَلطا
فَإِن كَانَ فِيمَا تقاسموا بِأَنْفسِهِم لم تقبل دَعْوَاهُ
وَإِن كَانَت قسْمَة قَاسم من جِهَة الْحَاكِم قالقول قَول الْمُدعى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينه وعَلى الْمُدَّعِي الْبَيِّنَة
وَإِن نصبا من يقسم بَينهمَا
فَإِن قُلْنَا يعْتَبر التَّرَاضِي بعد(2/330)
خُرُوج الْقرعَة لم يقبل قَوْله
وَإِن قُلْنَا لَا يعْتَبر فَهُوَ كقسمة الْحَاكِم
وَإِن تقاسموا ثمَّ اسْتحق من حِصَّة أحدهم شَيْء معِين لم يسْتَحق مثله من حِصَّة الآخر بطلت الْقِسْمَة
وَإِن اسْتحق مثله من حِصَّة الآخر لم تبطل
وَإِن اسْتحق من الْجَمِيع جُزْء مشَاع بطلت الْقِسْمَة
وَقيل لَا تبطل فِي الْمُسْتَحق
وَفِي الْبَاقِي قَولَانِ
وَإِن تقاسم الْوَرَثَة التَّرِكَة ثمَّ ظهر دين مُحِيط بِالتَّرِكَةِ
فَإِن قُلْنَا الْقِسْمَة تَمْيِيز الْحَقَّيْنِ لم تبطل الْقِسْمَة
فَإِن لم يقْض الدّين بطلت الْقِسْمَة
وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع
فَفِي بيع التَّرِكَة قبل قَضَاء الدّين قَولَانِ
وَفِي قسمتهَا قَولَانِ
وَإِن كَانَ بَينهمَا نهر أَو قناة أَو عين يَنْبع مِنْهَا المَاء
فالماء بَينهم على قدر مَا شرطُوا من التَّسَاوِي أَو التَّفَاضُل
وَإِن قيل إِن المَاء لَا يملك
وَالْمذهب الأول
فَإِن أَرَادوا سقِِي أراضيهم من ذَلِك المَاء بالمهايأة جَازَ وَإِن أَرَادوا الْقِسْمَة جَازَ
فينصب قبل أَن يصل المَاء إِلَى أراضيهم خَشَبَة مستوية وَيفتح فِيهَا كوي على قدر حُقُوقهم وَيجْرِي فِيهَا المَاء إِلَى أراضيهم فَإِن أَرَادَ أحدهم أَن يَأْخُذ قدر حَقه قبل أَن يبلغ إِلَى الْمقسم ويجريه على ساقية لَهُ إِلَى أرضه أَو يُدِير بِهِ رحى لم يكن لَهُ ذَلِك
وَإِن أَرَادَ أَن يَأْخُذ المَاء ويسقي بِهِ أَرضًا لَيْسَ لَهَا رسم شرب من هَذَا النَّهر لم يكن لَهُ ذَلِك
وَإِن كَانَ مَاء مُبَاحا فِي نهر غير مَمْلُوك سقى الأول أرضه حَتَّى يبلغ الكعب ثمَّ يُرْسِلهُ إِلَى الثَّانِي
فَإِن احْتَاجَ الأول إِلَى سقِِي أرضه دفْعَة أُخْرَى قبل أَن يسْقِي الثَّالِث سقى ثمَّ يُرْسل إِلَى الثَّالِث
وَإِن كَانَ لرجل أَرض عالية وتحتها أَرض مستفلة وَلَا يبلغ المَاء فِي الْعَالِيَة إِلَى الكعب حَتَّى يبلغ فِي المستفلة إِلَى الْوسط
سقى المستفلة حَتَّى يبلغ المَاء إِلَى الكعب ثمَّ يسدها ويسقي الْعَالِيَة
فَإِن أَرَادَ بَعضهم أَن يحيي أَرضًا ويسقيها من هَذَا النَّهر
فَإِن كَانَ لَا يضر أهل الْأَرَاضِي لم يمْنَع وَإِن كَانَ يضرهم منع
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
الْقِسْمَة جَائِزَة بالِاتِّفَاقِ فِيمَا يقبل الْقِسْمَة إِذْ الشُّرَكَاء قد يتضررون بالمشاركة
وَاخْتلف الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى هَل هِيَ بيع أم إِفْرَاز قَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الْقِسْمَة تكون بِمَعْنى البيع وَهُوَ فِيمَا يتَفَاوَت كالعقار وَالثيَاب
وَلَا يجوز بَيْعه مُرَابحَة
وَالَّتِي هِيَ فِيهِ بِمَعْنى الْإِفْرَاز هُوَ فِيمَا لَا يتَفَاوَت(2/331)
كالمكيلات والموزونات والمعدودات الَّتِي لَا تَتَفَاوَت كالجوز وَالْبيض
فَهِيَ فِي هَذِه إِفْرَاز وتمييز حق حَتَّى إِن لكل وَاحِد أَن يَبِيع نصِيبه مُرَابحَة
وَقَالَ مَالك إِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات كَانَت إفرازا
وَإِن اخْتلفت كَانَت بيعا
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا هِيَ بيع
وَالثَّانِي إِفْرَاز
وَالَّذِي تقرر من مذْهبه آخرا أَن الْقِسْمَة ثَلَاثَة أَنْوَاع
الأول بالأجزاء كمثلي وَدَار متفقة الْأَبْنِيَة وَأَرْض متشابهة الْأَجْزَاء
فتعدل السِّهَام ثمَّ يقرع
الثَّانِي بالتعديل
كأرض تخْتَلف قيمَة أَجْزَائِهَا بِحَسب قُوَّة إنبات وَقرب مَاء
الثَّالِث بِالرَّدِّ بِأَن يكون فِي أحد الْجَانِبَيْنِ بِئْر أَو شجر لَا يُمكن قسمته
فَيرد من يَأْخُذ قسط قِيمَته
فقسمة الرَّد وَالتَّعْدِيل بيع وَقِسْمَة الْأَجْزَاء إِفْرَاز
وَقَالَ أَحْمد هِيَ إِفْرَاز
فعلى قَول من يَرَاهَا إفرازا يجوز عِنْد قسْمَة الثِّمَار الَّتِي يجْرِي فِيهَا الرِّبَا بالخرص
وَمن يَقُول إِنَّهَا بيع يمْنَع ذَلِك
وَلَو طَالب أحد الشَّرِيكَيْنِ بِالْقِسْمَةِ وَكَانَ فِيهَا ضَرَر على الآخر
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ الطَّالِب للْقِسْمَة مِنْهُمَا هُوَ المتضرر بِالْقِسْمَةِ لَا يقسم
وَإِن كَانَ الطَّالِب لَهَا ينْتَفع أجبر الْمُمْتَنع مِنْهُمَا عَلَيْهَا
وَقَالَ مَالك يجْبر الْمُمْتَنع على الْقِسْمَة بِكُل حَال
ولأصحاب الشَّافِعِي إِذا كَانَ الطَّالِب هُوَ المتضرر وَجْهَان
أصَحهمَا يجْبر
وَقَالَ أَحْمد لَا يقسم ذَلِك بل يُبَاع وَيقسم ثمنه
فصل وَهل أُجْرَة الْقَاسِم
على قدر رُؤُوس المقتسمين أَو على قدر الْأَنْصِبَاء قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه هِيَ على قدر الرؤوس
وَقَالَ مَالك فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَالشَّافِعِيّ وَأحمد على قدر الْأَنْصِبَاء
وَهل هِيَ على الطَّالِب خَاصَّة أم عَلَيْهِ وعَلى الْمَطْلُوب مِنْهُ قَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ على الطَّالِب خَاصَّة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب أَحْمد هِيَ على الْجَمِيع
وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الرَّقِيق بَين جمَاعَة إِذا طلبَهَا أحدهم هَل تصح أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح
وَقَالَ الْبَاقُونَ تصح الْقِسْمَة بِالْقيمَةِ كَمَا يقسم سَائِر الْحَيَوَان بالتعديل والقرعة
وَإِن تَسَاوَت الْأَعْيَان وَالصِّفَات
انْتهى(2/332)
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا صُورَة قسْمَة إِفْرَاز على مَذْهَب مَالك وَأحمد
قَاسم فِيهَا وَكيل شَرْعِي بتداعي المتقاسمين إِلَيْهَا ورضاهما بهَا هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان الْقَائِم فِي الْمُقَاسَمَة الْآتِي ذكرهَا فِيهِ عَن مَوْلَانَا الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ بِإِذْنِهِ العالي فِي ذَلِك على الْوَجْه الَّذِي سيشرح فِيهِ وتوكيله إِيَّاه فِي ذَلِك التَّوْكِيل الصَّحِيح الشَّرْعِيّ الْمُتَقَدّم على تَارِيخه بِشَهَادَة شُهُوده أَو بِشَهَادَة من يضع خطه بذلك آخِره وَفِي التسلم وَالتَّسْلِيم وَالْمُكَاتبَة وَالْإِشْهَاد على الرَّسْم الْمُعْتَاد
وَفُلَان ابْن فلَان وَهُوَ المقاسم عَن نَفسه وَعَن أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان بطرِيق مُعْتَبر شَرْعِي
وبإذن الْحَاكِم فلَان بِحُضُور المقاسم عَنهُ الْمَذْكُور حِين جَرَيَان هَذِه الْمُقَاسَمَة
ووقوعها على الْوَجْه الْآتِي بَيَانه فِي هَذَا الْكتاب فِي صِحَة من هذَيْن المتقاسمين وسلامة
وَجَوَاز أَمر وطواعية
اقْتَسمَا جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة ويصف ذَلِك ويحدده بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره خلا مَا فِي ذَلِك من مَسْجِد لله تَعَالَى وَطَرِيق الْمُسلمين ومقبرة برسم دفن موتاهم
فَإِن ذَلِك خَارج عَن هَذِه الْقِسْمَة وَغير دَاخل فِيهَا قسْمَة ترَاض صَحِيحَة ممضاة جَامِعَة لشرائط الصِّحَّة عرية عَن الشَّرَائِط الْمفْسدَة
تداعى المتقاسمان إِلَيْهَا ورغبا فِيهَا بِإِذن من لَهُ الْإِذْن فِي ذَلِك شرعا وَعلم كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا فِيهَا من الْحَظ وَالْغِبْطَة والمصلحة للجهتين المذكورتين أَعْلَاهُ بعد أَن ثَبت عِنْد فلَان الْحَاكِم الْآذِن الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْقرْيَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ وقف وَملك وَأَنَّهَا قَابِلَة للْقِسْمَة نِصْفَيْنِ مُحْتَملَة لَهَا وَأَن الْمصلحَة فِي ذَلِك لجِهَة الْوَقْف وجهة الْملك جَمِيعًا
وَأَن لكل وَاحِد من المتقاسمين الْمشَار إِلَيْهِمَا ولَايَة الْمُقَاسَمَة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
جرت الْمُقَاسَمَة على سداد واحتياط من غير غبن وَلَا حيف وَلَا شطط
بتولي قَاسم من قسام الْمُسلمين مِمَّن لَهُ علم وخبرة بقسم ذَلِك
وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل فلَان الدّين جمال الْحساب شرف الْكتاب فلَان الْفُلَانِيّ الْعدْل الْخَبِير والماهر النحرير الَّذِي انتدبه المتقاسمان الْمشَار إِلَيْهِمَا لهَذِهِ الْمُقَاسَمَة وإفراز الْقرْيَة المحدودة نِصْفَيْنِ بعد التَّعْدِيل الشَّرْعِيّ فِي ثُبُوت دمنة الْقرْيَة وَبعد التَّمَاثُل فِي أَرَاضِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره ورضى من يعْتَبر رِضَاهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَة بعد وُقُوعهَا على الْوَجْه الْآتِي تَعْيِينه فِي هَذَا الْكتاب وَإِخْرَاج الْقرعَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي تمت بهَا الْقِسْمَة
وَثُبُوت ذَلِك جَمِيعه عِنْد قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَكَانَ مَا أصَاب جِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ بِحَق النّصْف الْجَانِب القبلي من الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ الْمُخْتَص ذَلِك بالموكل الْمشَار إِلَيْهِ(2/333)
أَعْلَاهُ
وَمَا أصَاب المقاسم الثَّانِي وأخاه لجِهَة الْملك بِحَق النّصْف الْجَانِب الشمالي من الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ
وَكَانَ مَا أصَاب كل جِهَة من الْجِهَتَيْنِ المذكورتين بِهَذِهِ الْقِسْمَة وَفَاء بِحَق كل جِهَة وإكمالا لنصيبهما
وتسلم كل وَاحِد من المتقاسمين الْمَذْكُورين مَا أفرزه بِهَذِهِ الْقِسْمَة
وَصَارَ النّصْف القبلي من هَذِه الْقرْيَة وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الْمُوكل الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ وعَلى من ذكر مَعَه فِي كتاب وقف ذَلِك الثَّابِت لَدَى الْحُكَّام رَحِمهم الله تَعَالَى الْمُتَّصِل ثُبُوته وَعلمه بالحاكم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَصَارَ النّصْف الشمالي من هَذِه الْقرْيَة ملكا طلقا للقاسم الثَّانِي وأخيه الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
يتصرفان فِيهِ تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم مصيرا تَاما
وَقد وقف المتقاسمان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على ذَلِك كُله أَو جَمِيعه وعَلى حُدُوده وحقوقه وعايناه وشاهداه
وتفرقا عَن الرِّضَا بِهَذِهِ الْقِسْمَة وإمضائها ولزومها وقبلاها قبولا شَرْعِيًّا
فَإِن كَانَت الْقِسْمَة فِي قَرْيَة جَمِيعهَا وقف وَقد قَاسم فِيهَا الناظران
وَقد أذن فِي ذَلِك حَاكم فَيَقُول هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَهُوَ النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها وَفِي أوقافها المحدودة الموصوفة فِي كتاب وَقفهَا وَفُلَان وَهُوَ النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي الْجَامِع الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَيذكر بقعته وَفِي أوقافه الموصوفة المحدودة فِي كتاب وَقفه
وهما مقاسمان بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمَالِكِي أَو الْحَنْبَلِيّ الْحَاكِم بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وَأمره الْكَرِيم لما فِي هَذِه الْمُقَاسَمَة من الْمصلحَة الظَّاهِرَة للجهتين الْمشَار إِلَيْهِمَا بعد أَن ثَبت عِنْده ثَبت الله مجده أَن الْقرْيَة المحدودة الموصوفة أدناه قَابِلَة للْقِسْمَة نِصْفَيْنِ مُحْتَملَة لَهَا وَأَن الْمصلحَة فِي ذَلِك لجهتي الوقفين الْمَذْكُورين وَأَن الْقرْيَة المحدودة أدناه وقف صَحِيح شَرْعِي على الْجِهَتَيْنِ المذكورتين نِصْفَيْنِ وَأَن المتقاسمين الْمَذْكُورين هما الناظران فِي الوقفين الْمَذْكُورين بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
وَبعد اسْتِيفَاء شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
تقاسم المتقاسمان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ الْمشَار إِلَيْهَا مَا هُوَ وقف على الْجِهَتَيْنِ المذكورتين أَعْلَاهُ بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَذَلِكَ جَمِيع الْقرْيَة وأراضيها المنسوبة إِلَى إيقاف فلَان رَحمَه الله تَعَالَى على الْجِهَتَيْنِ المذكورتين الَّتِي هِيَ من بلد كَذَا
وَعمل كَذَا وتشتمل على كَذَا وَكَذَا ويحيط بهَا وبأراضيها حُدُود أَرْبَعَة ويكمل الْحُدُود إِلَى آخرهَا ثمَّ يَقُول بِحُقُوق ذَلِك إِلَى آخِره مقاسمة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جرت بَين(2/334)
المتقاسمين الْمَذْكُورين على سداد واحتياط من غير غبن وَلَا حيف وَلَا شطط بتولي قَاسم من قسام الْمُسلمين مِمَّن لَهُ علم وخبرة بقسم ذَلِك
وَهُوَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل فلَان الدّين جمال الْحساب وَشرف الْكتاب الْعدْل الْخَبِير والماهر النحرير فلَان الْفُلَانِيّ الَّذِي انتدبه المتقاسمان الْمشَار إِلَيْهِمَا لهَذِهِ الْمُقَاسَمَة وإفراز الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ نِصْفَيْنِ بعد التَّعْدِيل الشَّرْعِيّ فِي ثُبُوت دمنة الْقرْيَة وَبعد التَّمَاثُل فِي أراضيها وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره ورضا من يعْتَبر رِضَاهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَة بعد وُقُوعهَا على الْوَجْه الْآتِي تَعْيِينه فِي هَذَا الْكتاب وَإِخْرَاج الْقرعَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي ثبتَتْ بهَا الْقِسْمَة وَثُبُوت ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَكَانَ مَا خص جِهَة وقف الْمدرسَة الْمشَار إِلَيْهَا بِحَق النّصْف الْجَانِب الشَّرْقِي من الْقرْيَة الْمَذْكُورَة
وَمَا خص جِهَة وقف الْجَامِع الْمشَار إِلَيْهِ بِحَق النّصْف الْجَانِب الغربي من الْقرْيَة الْمَذْكُورَة بِمُقْتَضى إِخْرَاج الْقرعَة الشَّرْعِيَّة والفصل بَين كل جَانب وجانب بفاصل مَعْلُوم لَا يكَاد يخفى
عرفه المتقاسمان الْمشَار إِلَيْهِمَا معرفَة تَامَّة نَافِيَة للْجَهَالَة
وَكَانَ مَا أصَاب كل جِهَة وقف من هَاتين الْجِهَتَيْنِ وَفَاء لحقها وإكمالا لنصيبها
وتسلم كل وَاحِد من الناظرين المتقاسمين مَا أصَاب جِهَته حَسْبَمَا أفرز لَهَا فِي هَذِه الْقِسْمَة
وَصَارَ مَا أصَاب كل جِهَة وقف على جِهَته ومختصا بهَا دون الْجِهَة الْأُخْرَى
وَقد وقف المتقاسمان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على جَمِيع الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ وعَلى حُدُودهَا وحقوقها
وعاينا ذَلِك ونظراه وشاهداه وخبراه الْخِبْرَة النافية للْجَهَالَة
وتفرقا عَن الرِّضَا التَّام بِهَذِهِ الْقِسْمَة واعترفا بِصِحَّتِهَا وإمضائها ولزومها
فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من دَرك أَو تبعة فضمانه حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف بعدله وقبلاه قبولا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَت الْمُقَاسَمَة وَقعت على قطع أَرضين
فيذكر الصَّدْر من أَوله إِلَى هَهُنَا
ثمَّ يَقُول أفرز المقاسم الْمشَار إِلَيْهِ هَذِه الْقرْيَة قطعا وَعدل كل قِطْعَة أَرض قسمَيْنِ نِصْفَيْنِ متساويين
فَمن ذَلِك مَا اقتسم عَلَيْهِ المتقاسمان الْمَذْكُورَان قسْمَة أولى أَرض كَذَا ذرعها قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا ويحددها ويعين ذرعها من كل جَانب من جوانبها الْأَرْبَع
وَإِن كَانَت مربعة فيذكر أَنَّهَا مربعة
وَإِن كَانَت مبنقة فيذكر التبنيق
وَهل هُوَ مثلث لَا يظْهر فِيهِ الْحَد الرَّابِع أَو يكون الذرع فِي جِهَة أقل ذرعا من الذرع فِي الْجِهَة الْأُخْرَى
فيحرره ثمَّ يَقُول(2/335)
فَأصَاب جِهَة المقاسم الأول بِحِصَّتِهِ من هَذِه الْقطعَة وَهِي النّصْف الْجَانِب الْفُلَانِيّ مِنْهَا
وذرعه فِي قبليه شرقا بغرب كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
وَفِي شماليه شرقا بغرب كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
ثمَّ يكمل الذرع من الْجَانِبَيْنِ الآخرين وَهُوَ الشَّرْقِي والغربي
فَيَقُول وذرعه فِي شرقيه قبْلَة بشمال كَذَا وَفِي غربيه قبْلَة بشمال كَذَا وَكَذَا
وَأصَاب جِهَة المقاسم الثَّانِي بِحِصَّتِهِ وَهِي النّصْف الآخر الْجَانِب الْفُلَانِيّ ويصف ذرعه من الجوانب الْأَرْبَع على نَحْو مَا وصف فِي الْجَانِب الَّذِي قبله ثمَّ يَقُول وَمِنْه مَا اقتسماه ثَانِيَة أَرض كَذَا وَكَذَا وَيفْعل فِيهَا مَا فعله فِي الْقطعَة الأولى
ثمَّ يَقُول وَمِنْه مَا اقتسماه
قسْمَة ثَالِثَة وَيفْعل ذَلِك قِطْعَة بعد قِطْعَة إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى آخر الْقطع ويفصل بَين كل جَانب من قِطْعَة أَرض وَبَين جَانبهَا الآخر بفاصل مَعْلُوم
ثمَّ يَقُول عرفه المقاسمان الْمَذْكُورَان معرفَة تَامَّة نَافِيَة للْجَهَالَة
وَكَانَ مَا أصَاب كلا من المتقاسمين الْمَذْكُورين بِهَذِهِ الْقِسْمَة وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه وتسلم كل وَاحِد من المتقاسمين الْمَذْكُورين مَا أفرزه بِهَذِهِ الْقِسْمَة
وَصَارَ ذَلِك بِيَدِهِ يتَصَرَّف فِيهِ بطريقه الشَّرْعِيّ
وَقد وقف المتقاسمان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على ذَلِك كُله وعَلى حُدُوده وحقوقه وفواصله
ورأياه وشاهداه وخبراه الْخِبْرَة التَّامَّة الْكَامِلَة النافية للْجَهَالَة
وتفرقا عَن رضَا بِهَذِهِ الْقِسْمَة والإمضاء واللزوم
فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من دَرك أَو تبعة فضمانه لَازم حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف بعدله
وقبلاه قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة مقاسمة أُخْرَى تقاسم فلَان وَفُلَان وشهوده بهَا عارفون
فالمقاسم الأول مقاسم عَن نَفسه وبالإذن الْكَرِيم العالي المولوي الْفُلَانِيّ قَاضِي الْقُضَاة بِبَلَد كَذَا أَو يَقُول وبإذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم على الْأَيْتَام الصغار الَّذين هم تَحت حجر الشَّرْع الشريف
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان لما رأى لَهُم فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة الوافرة الظَّاهِرَة المسوغة للْقِسْمَة عَلَيْهِم شرعا
والمقاسم الثَّانِي فلَان مقاسم عَن نَفسه أَيْضا فِي جَمِيع الْأَمْلَاك الْجَارِيَة فِي ملك الْأَيْتَام الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين وَفِي ملك المتقاسمين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
وَهُوَ بَينهمَا وَبَين الْأَيْتَام الْمَذْكُورين على ثَلَاثَة أسْهم سهم للأيتام الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا
وَلكُل وَاحِد من المتقاسمين سهم وَاحِد وَهُوَ الثُّلُث
وَذَلِكَ جَمِيع كَذَا وَكَذَا وَجَمِيع كَذَا وَكَذَا ويحدد كل مَكَان ويصفه على حِدة وَصفا تَاما ثمَّ يَقُول بحدود ذَلِك كُله وحقوقه إِلَى آخِره مقاسمة صَحِيحَة شَرْعِيَّة قسْمَة ترَاض تداعى المتقاسمان إِلَيْهَا ورغبا فِيهَا
فَأصَاب فلَان المقاسم الأول عَن نَفسه جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود أَولا
وَأصَاب(2/336)
الْأَيْتَام الْمَذْكُورين عَن نصِيبهم جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود ثَانِيًا
وَأصَاب فلَان المقاسم الثَّانِي عَن نَفسه جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَحْدُود آخرا
وَكَانَ مَا أصَاب كل فريق من المتقاسمين والمقاسم عَنْهُم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ إكمالا لحقه ووفاء لنصيبه
اخْتصَّ بِهِ دون البَاقِينَ وَدون كل وَاحِد
وَصَارَ ذَلِك لَهُ وَملكه وَبِيَدِهِ وَتَحْت تصرفه بِحكم هَذِه الْمُقَاسَمَة الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة والتفرق عَن ترَاض
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ أَسْبغ الله ظلاله بِشَهَادَة من يعين ذَلِك فِي رسم شَهَادَته آخِره أَن الْعقار الْمَحْدُود أَعْلَاهُ ملك للمتقاسمين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وَملك للأيتام المقاسم عَلَيْهِم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ منتقل إِلَيْهِم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من والدهم بَينهم بِالسَّوِيَّةِ أَثلَاثًا وَهُوَ بِأَيْدِيهِم وَتَحْت تصرفهم وَأَن مَا خص الْأَيْتَام الْمَذْكُورين بيد والدهم إِلَى حِين وَفَاته وَأَن فِي الْقِسْمَة المشروحة أَعْلَاهُ على الْوَجْه الْمعِين أَعْلَاهُ حَظّ بَين وغبطة وافرة ومصلحة ظَاهِرَة للأيتام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ حَال الْقِسْمَة
وَبعد ثُبُوت سَائِر الْمُقدمَات الشَّرْعِيَّة المسوغة لجَوَاز الْقِسْمَة عَلَيْهِم شرعا وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَوَقع الْإِشْهَاد بذلك على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ فِي الْيَوْم الْمُبَارك
وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ وَيكْتب فِي أَعْلَاهُ مَوضِع الْعَلامَة على مَا تقدم ذكره فِي بَاب الْقَضَاء ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة مقاسمة فِي ملك ووقف على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان
فالمقاسم الأول مقاسم عَن نَفسه والمقاسم الثَّانِي مقاسم بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ
وَأمره الْكَرِيم على جِهَة الْوَقْف الْآتِي ذكره طَوْعًا فِي صِحَة من هذَيْن المتقاسمين الْمَذْكُورين وسلامة وَجَوَاز أَمر
اقْتَسمَا جَمِيع الْأَمَاكِن الْآتِي ذكرهَا الَّتِي النّصْف مِنْهَا وقف على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة
وَالْملك الثَّانِي ملك المقاسم الأول الْمُسَمّى أَعْلَاهُ
وَهَذِه الْأَمَاكِن الْمشَار إِلَيْهَا هِيَ عدَّة قطع أَرضين متلاصقة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
ويحيط بهَا حُدُود أَرْبَعَة ويذكرها ثمَّ يَقُول بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره قسْمَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ممضاة جَامِعَة لشرائط الصِّحَّة عَارِية عَن المفسدات خَالِيَة عَن الرَّد تداعى المتقاسمان الْمَذْكُورَان إِلَيْهَا
وعلما مَا فِيهَا من الْحَظ والمصلحة
أذن فِيهَا سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ إِذْنا صَحِيحا شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ جَامعا شَرَائِطه لوُجُود الْحَظ والمصلحة فِي هَذِه الْمُقَاسَمَة لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ
ولكونه أَسْبغ الله ظله يرى أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز وَلَيْسَت بِبيع
وَيرى الحكم بِصِحَّتِهِ لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده مَعَ علمه باخْتلَاف الْعلمَاء فِي ذَلِك بعد أَن(2/337)
ثَبت عِنْده أَن الْأَمَاكِن الْمشَار إِلَيْهَا المتقاسم فِي هَذَا الْكتاب عَلَيْهَا ملك ووقف حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ وَأَنَّهَا قَابِلَة للْقِسْمَة نِصْفَيْنِ مُحْتَملَة لَهَا وَأَن الْمصلحَة فِي ذَلِك لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ بعد التَّمَاثُل والتسوية فِي الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره ورضا من يعْتَبر رِضَاهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَة بعد وُقُوعهَا على الْوَجْه الْآتِي شَرحه وَبعد إِخْرَاج الْقرعَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي تمت بهَا الْقِسْمَة
واستجماع سَائِر الشَّرَائِط الْمُعْتَبرَة فِي جَوَاز هَذِه الْقِسْمَة وصحتها شرعا وَثُبُوت ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فجرت هَذِه الْقِسْمَة على سداد واحتياط من غير غبن وَلَا حيف وَلَا شطط بتولي قَاسم من قسام الْمُسلمين مِمَّن لَهُ علم وخبرة بقسمة ذَلِك
وَهُوَ فلَان ابْن فلَان الحاسب الَّذِي انتدبه القاسمان الْمَذْكُورَان لهَذِهِ الْقِسْمَة وإفراز كل نصيب مِنْهَا حَسْبَمَا تعين فِيهِ
فَيقسم ذَلِك عدَّة قسم
الْقِسْمَة الأولى قِطْعَة أَرض صفتهَا ويحددها ويذرعها أصَاب الْقَاسِم الأول من ذَلِك بِحِصَّتِهِ وَهِي النّصْف الْجَانِب القبلي مِنْهَا الَّذِي ذرعه من الْجَانِب القبلي كَذَا
وَمن جَانِبه الشمالي كَذَا وَمن جَانِبه الشَّرْقِي كَذَا وَمن جَانِبه الغربي كَذَا
وَأصَاب جِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَهِي النّصْف الْجَانِب الشمالي مِنْهَا وَيذكر ذرعه من الجوانب الْأَرْبَعَة
ويسوق الْكَلَام كَذَلِك وَجَمِيع الْقطع الْأَرْضين إِلَى آخرهَا ثمَّ يَقُول هَذَا آخر مَا وَقعت عَلَيْهِ الْمُقَاسَمَة فِي هَذَا الْكتاب
وَقد جعل بَين كل قِطْعَة وَقطعَة فاصل مَعْرُوف مَعْلُوم ظَاهر مَفْهُوم لَا يكَاد يخفى يُمَيّز كل جَانب من الآخر
وَكَانَ مَا أصَاب الْقَاسِم بِحِصَّتِهِ وَهُوَ النّصْف وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه وَمَا أصَاب جِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ وَفَاء لحقها وإكمالا لنصيبها وتسلم المقاسم الأول مَا أَصَابَهُ من ذَلِك وأفرز لَهُ بِهَذِهِ الْمُقَاسَمَة حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ تسلما صَحِيحا شَرْعِيًّا وَصَارَ ذَلِك ملكا مُطلقًا مفروزا للقاسم الأول
يتَصَرَّف فِيهِ تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم من غير مَانع وَلَا مُنَازع وَلَا مشارك لَهُ فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وتسلم المقاسم الثَّانِي بِالْإِذْنِ الْحكمِي الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ مَا أصَاب جِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْقِسْمَة حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك وَقفا مفروزا لجهته الْمعينَة أَعْلَاهُ بِغَيْر شريك وَلَا معَارض وَلَا مُنَازع وَلَا متأول بل هُوَ مُخْتَصّ بِجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهَا
تصرف أجوره ورائعه ومغلاته فِي مصَالح الْجِهَة الْمَذْكُورَة على مستحقيها شرعا
وَقد وقف المقاسمان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ على ذَلِك جَمِيعه
وعايناه وشاهداه
وخبراه الْخِبْرَة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة
فَمَا كَانَ فِي ذَلِك من دَرك أَو تبعة فضمانه حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع(2/338)
الشريف ويقتضيه قبلا ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَوَقع الْإِشْهَاد على الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وعَلى المتقاسمين الْمَذْكُورين فِيهِ بِمَا نسب إِلَيْهِم فِيهِ بتاريخ وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ وَيشْهد شُهُود الْمجْلس عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ
فَإِن أُرِيد الحكم بِصِحَّة الْمُقَاسَمَة كتب الشُّهُود بمقدمات الْقِسْمَة
فَيَقُول كل وَاحِد مِنْهُم أشهد أَن الْأَمَاكِن الْمشَار إِلَيْهَا المقاسم عَلَيْهَا فِي هَذَا الْكتاب ملك ووقف حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ
وَأَنَّهَا قَابِلَة للْقِسْمَة نِصْفَيْنِ مُحْتَملَة لَهَا وَأَن الْحَظ والمصلحة لجِهَة الْوَقْف فِي ذَلِك وَأشْهد بالتماثل والتسوية فِي الْأَرَاضِي الْمشَار إِلَيْهَا فِيهِ فلَان ابْن فلَان ثمَّ يشْهد شُهُود الْقِسْمَة
فَيكْتب كل وَاحِد مِنْهُم شهِدت على المتقاسمين الْمشَار إِلَيْهِمَا فِيهِ بِمَا نسب إِلَيْهِمَا فِي هَذَا الْكتاب على الْوَجْه المشروح فِيهِ من تَارِيخه الْمعِين أَعْلَاهُ
كتبه فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَإِن شَاءَ كتب مُقَدمَات الْقِسْمَة الْمُقدم ذكرهَا فِي فصل مُسْتَقل
يصدره بقوله يشْهد من يضع خطه آخِره أَو يوضع عَنهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ أَن الْأَمَاكِن الْمشَار إِلَيْهَا إِلَى آخِره وبرسم شُهُود الْمُقدمَات خطوطهم فِي الْفَصْل الْمَذْكُور وَبعد ذَلِك يدعى بِهِ عِنْد الْحَاكِم الْآذِن
وَيُؤَدِّي شُهُود الْمُقَاسَمَة الشَّهَادَة
ويرقم لَهُم
ثمَّ يُوقع فِيهِ بالإسجال أَو بِالْإِشْهَادِ بعد أَن يعلم
ويسجله كَاتب الحكم وَيذكر فِي إسجاله أَو فِي إشهاده ثُبُوت الْقِسْمَة وَفصل الْمُقدمَات وَالْحكم بِصِحَّة الْمُقَاسَمَة فِيهِ على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده لكَونه يرى أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز وَلَيْسَت بِبيع مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة قسْمَة إِفْرَاز فِي قِطْعَة أَرض إجبارا من الْحَاكِم هَذَا كتاب قسْمَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة مَاضِيَة مُعْتَبرَة مرضية جرت بَين فلَان وشريكه فلَان على مَا هُوَ جَار فِي ملكهمَا وحيازتهما ويدهما ثَابِتَة عَلَيْهِ بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ على حكم الإشاعة
وَذَلِكَ جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها تولى قسمتهَا بَينهمَا عدل خَبِير مَنْدُوب لذَلِك من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنْبَلِيّ
فَوقف عَلَيْهَا الْعدْل الْمَذْكُور وَعلم تَسَاوِي أَجْزَائِهَا وذرعت بِحُضُورِهِ
فَكَانَ ذرعها قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا وشرقا وغربا كَذَا بالذراع الْفُلَانِيّ فجزأها جزءين قبليا وشماليا
وَكتب رقعتين
ذكر فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا جُزْءا من الجزءين الْمَذْكُورين
وجعلهما فِي بَنَادِق من طين مُتَسَاوِيَة وسلمهما إِلَى رجل لم يحضر ذَلِك
فَدفع رقْعَة إِلَى فلَان المبدى بِذكرِهِ ورقعة إِلَى فلَان الْمثنى بِذكرِهِ
فَأصَاب المقاسم الأول الْجُزْء القبلي وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا بالذراع الْمَذْكُور
وَأصَاب شَرِيكه الْمَذْكُور الْجُزْء الشمالي وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا(2/339)
وغربا كَذَا بالذراع الْمَذْكُور
وتسلم المقاسم الأول مَا أَصَابَهُ من ذَلِك وأحرزه لَهُ وَكَانَ مَا أصَاب كلا مِنْهُمَا وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه
جرت هَذِه الْقِسْمَة بَين المتقاسمين الْمَذْكُورين فِيهِ على سداد واحتياط من غير حيف وَلَا شطط بعد الرُّؤْيَة والمعرفة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة وَبعد أَن أحضر المقاسم الأول فلَان شَرِيكه فلَان إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أَن جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ملك من أملاكهما بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ مشَاعا
وَأقَام عِنْد الْحَاكِم بَيِّنَة بذلك وأنهما مُتَسَاوِيَة الْأَجْزَاء قَابِلَة للْقِسْمَة والإفراز الَّتِي لَا حيف فِيهَا وَلَا شطط وَلَا رد بل قسْمَة إِفْرَاز وتعديل وَطلب مِنْهُ أَن يقاسمه عَلَيْهَا
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ خَصمه من أَن ذَلِك ملك بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَامْتنع من الْقِسْمَة
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شَرْعِيَّة
شهِدت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْملك وتساوي الْأَجْزَاء وَقبُول قسْمَة الْإِفْرَاز حَسْبَمَا ذكر أَعْلَاهُ
وَقبلهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَثَبت عِنْده مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَتقدم أمره الْكَرِيم إِلَى الْقَاسِم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بِالْقِسْمَةِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
فَأذن فِيهِ إِذْنا شَرْعِيًّا مَاضِيا وَحكم بجوازها وإمضائها ولزومها حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَوَقع الْإِشْهَاد بمضمونه على مَا شرح فِيهِ بتاريخ وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ وَيكْتب شُهُود مُقَدمَات الْقِسْمَة وشهود الْمُقَاسَمَة على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة قسْمَة التَّعْدِيل هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان المقاسم عَن نَفسه وَهُوَ فريق أول وأختاه لِأَبَوَيْهِ فُلَانَة وفلانة المقاسمتان عَن أَنفسهمَا وهما فريق ثَان وَفُلَان أَمِين الحكم الْعَزِيز وَهُوَ فريق ثَالِث مقاسم بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين وَأمره الْكَرِيم على إخْوَة المتقاسمين المبدى بذكرهم فِيهِ لأبويهم فلَان وَفُلَان وفلانة الْأَيْتَام الصغار الَّذين هم تَحت حجر الحكم الْعَزِيز لظُهُور الْحَظ والمصلحة وَالْغِبْطَة لَهُم فِي هَذِه الْمُقَاسَمَة الْآتِي ذكرهَا فِيهِ على الْوَجْه الَّذِي سيشرح فِيهِ مَا ذكرُوا أَنه ملك مخلف للمتقاسمين والمقاسم عَنْهُم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ عَن والدهم الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
الْمُتَوفَّى إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه وَهُوَ بيدهم وَتَحْت تصرفهم حَالَة هَذِه الْمُقَاسَمَة من غير(2/340)
مُنَازع لَهُم فِيهِ وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا مشارك وَلَا معَارض
وَهُوَ بَينهم على تِسْعَة أسْهم لكل ذكر سَهْمَان وَلكُل أُنْثَى سهم
وَذَلِكَ جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة الْمُشْتَملَة على أَرض معتمل ومعطل وَسقي وعذي وعيون مَاء جَارِيَة وغروس وكروم وتين ولوز وَغير ذَلِك وجباب وصهاريج ومغارات ومسارح ومراع ومصايف ومشاتي ودمنة عامرة برسم سُكْنى فلاحيها
وتحيط بِهَذِهِ الْقرْيَة وأراضيها حُدُود أَرْبَعَة ويذكرها ثمَّ يَقُول بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك إِلَى آخِره قسْمَة تَعْدِيل صَحِيحَة شَرْعِيَّة لَازِمَة ممضاة مرعية جَائِزَة تَامَّة مرضية
رضى المتقاسمون المذكورون بهَا وأجازوها وأمضوا حكمهَا وَمَشوا على رسمها
وَوَقعت بَينهم على الْوَضع الشَّرْعِيّ مَعَ الِاحْتِيَاط الشافي وَالِاجْتِهَاد الْكَافِي والتحري من أَمِين الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ فِي عمل مصلحَة الْأَيْتَام المقاسم عَلَيْهِم الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ على الْوَضع الشَّرْعِيّ بِمحضر من الشُّهُود الواضعين خطوطهم آخِره
بتولي قَاسم عدل خَبِير عَارِف بمسح الْأَرَاضِي وتعديلها وتبيين الْحُدُود والفواصل وتفصيلها
فَاعْتبر مساحة الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فِي الطول وَالْعرض والمبنق والمثلث من ذَلِك والمستوى وذرع كل قِطْعَة قِطْعَة على حِدة بالذراع الْفُلَانِيّ الْمُتَعَارف وَضبط الذرع
فَكَانَت جملَته كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع الْمَذْكُور وجزأ الْأَرَاضِي جَمِيعهَا تِسْعَة أَجزَاء مُتَسَاوِيَة لكل جُزْء ذرع مَعْلُوم قدره كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا حد الْجُزْء الأول من الْقبْلَة كَذَا ويكمل حُدُوده ثمَّ يحدد كل جُزْء على حِدته وَكتب تسع رقاع وَعين بالرقاع أَسمَاء الْأَجْزَاء وضعت فِي حجر رجل لم يحضر ذَلِك
وَأمر بِإِخْرَاج رقعتين على اسْم الْقَاسِم الأول
فأخرجا فَإِذا بهما الْجُزْء الْمَحْدُود ثَالِثا والجزء الْمَحْدُود آخرا ثمَّ أَمر بِإِخْرَاج رقعتين على اسْم الْأُخْتَيْنِ المقاسمتين عَن أَنفسهمَا أَعْلَاهُ
فَأخْرج رقعتين ثمَّ أَمر أَن تدفع إِلَى كل وَاحِدَة رقْعَة قبل فتحهَا
فَدفع إِلَى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا رقْعَة ثمَّ فتحتا
فَإِذا الَّتِي بيد فُلَانَة الْمُقَاسَمَة أَعْلَاهُ الْجُزْء الْمَحْدُود ثَانِيًا
وَالَّتِي بيد أُخْتهَا فُلَانَة الْجُزْء الْمَحْدُود أَولا ثمَّ أَمر بِإِخْرَاج رقعتين على اسْم فلَان الْيَتِيم المثني باسمه فِي جملَة الْأَيْتَام الْمَذْكُورين
فَأخْرج رقعتين
فَإِذا بهما الْجُزْء الْمَحْدُود رَابِعا والجزء الْمَحْدُود خَامِسًا وَبَقِي فِي حجره رقْعَة وَاحِدَة
فتعينت لليتيمة فُلَانَة الْمَذْكُورَة آخرا وَهُوَ الْجُزْء الْمَحْدُود سادسا
فَكَانَ مَا أصَاب كل فريق من المتقاسمين الْمَذْكُورين
والمقاسم عَلَيْهِم المسمين أَعْلَاهُ وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه
وتسلم كل من المقاسم الأول وأختيه التَّالِي ذكرهمَا لاسمه بأعاليه مَا أَصَابَهُ من ذَلِك
وتسلم الْأمين الْمشَار إِلَيْهِ بِإِذن الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أنصباء الْأَيْتَام الْمَذْكُورين تسلما شَرْعِيًّا
وأحرز كل مِنْهُم مَا تسلمه وحازه حِيَازَة تَامَّة(2/341)
وأحرزه
وَجعل بَين كل جُزْء وجزء من الْأَجْزَاء المحدودة أَعْلَاهُ علائم فاصلة بَين كل جُزْء وجزء بتوابيع حِجَارَة كبار مَعْلُومَة بَينهم مفهومة لَهُم
جرت هَذِه الْمُقَاسَمَة بَين المتقاسمين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ على سداد واحتياط من غير حيف وَلَا غبن وَلَا شطط وَلَا جور
مَعَ مَا فِي ذَلِك من الْمصلحَة الظَّاهِرَة وَالْغِبْطَة الوافرة للأيتام الْمَذْكُورين
وَلم يبْق كل فريق يسْتَحق قبل البَاقِينَ فِيمَا صَار إِلَيْهِم بِهَذِهِ الْقِسْمَة حَقًا قَلِيلا وَلَا كثيرا
وَذَلِكَ بعد أَن وقف المتقاسمون المذكورون أَعْلَاهُ على ذَلِك كُله
وعاينوه وعرفوه الْمعرفَة التَّامَّة النافية للْجَهَالَة وَتَفَرَّقُوا عَن الرضى بذلك جَمِيعه والإنفاذ لَهُ وَالْإِجَازَة لجميعه
وَمَا كَانَ فِي ذَلِك من دَرك أَو تبعة فضمانه حَيْثُ يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف بعدله ويقتضيه
وَجَرت هَذِه الْقِسْمَة وَالْإِذْن فِيهَا بعد أَن ثَبت عِنْد سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْقرْيَة المحدودة الموصوفة بأعاليه بحقوقها كلهَا ملك مخلف عَن الْمُورث الْمُسَمّى أَعْلَاهُ للْوَرَثَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وبيدهم حَالَة الْقِسْمَة بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة وَأَن الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ صَالِحَة للْقِسْمَة مُحْتَملَة لَهَا وَأَن فِي هَذِه الْقِسْمَة على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ حظا وغبطة ومصلحة للأيتام الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
كَذَا وَوَقع الْإِشْهَاد بمضمونه على مَا شرح فِيهِ بتاريخ وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة قسْمَة الرَّد هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان المتقاسمان عَن أَنفسهمَا
اقْتَسمَا على بركَة الله تَعَالَى وَحسن توفيقه مَا هُوَ لَهما وبيدهما وملكهما وَتَحْت تصرفهما إِلَى حِين هَذِه الْمُقَاسَمَة وَبَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ مشَاعا
وَذَلِكَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وَالدَّار الْفُلَانِيَّة ويصف كل مَكَان مِنْهُمَا ويحدده على حِدة ثمَّ يَقُول بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره قسْمَة صَحِيحَة لَازِمَة شَرْعِيَّة
تداعيا إِلَيْهَا ورغابا فِيهَا ورضيا بهَا وَعلم كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا لَهُ فِيهَا من الْمصلحَة بعد أَن وقف على الدَّاريْنِ المحدودتين أَعْلَاهُ عَدْلَانِ خبيران بالعقار وتقويمه وَالْملك وتثمينه
وأحاطا بالدارين المذكورتين علما وخبرة
فَكَانَ ثمن الْمثل وَقِيمَة الْعدْل للدَّار المحدودة أَولا خَمْسَة آلَاف دِرْهَم مثلا
وَقِيمَة الدَّار المحدودة ثَانِيًا سِتَّة آلَاف دِرْهَم
فَصَارَت قيمَة الدَّار المحدودة أَولا مَعَ مَا يرد عَلَيْهَا من قيمَة القاعة المحدودة ثَانِيًا وَهُوَ خَمْسمِائَة دِرْهَم نَصِيبا كَامِلا وَصَارَت الدَّار المحدودة ثَانِيًا مَعَ مَا يردهُ من إِصَابَته من مَاله مبلغ خَمْسمِائَة دِرْهَم نَصِيبا كَامِلا ثمَّ أَقرع بَينهمَا قرعَة
فَخرجت الدَّار المحدودة أَولا للمقاسم الأول وَهُوَ فلَان مَعَ خَمْسمِائَة دِرْهَم يردهَا عَلَيْهِ المقاسم الثَّانِي وَالدَّار المحدودة ثَانِيًا للمقاسم الثَّانِي فلَان وَيرد إِلَى(2/342)
المقاسم الأول خَمْسمِائَة دِرْهَم الْمَذْكُورَة من مَاله
فَردهَا إِلَيْهِ
فقبضها مِنْهُ قبضا تَاما وافيا
وتسلم الدَّار المحدودة أَولا تسلما شَرْعِيًّا
وتسلم المقاسم الثَّانِي الدَّار المحدودة ثَانِيًا تسلما شَرْعِيًّا
وأحرز كل مِنْهُمَا مَا تسلمه وَملكه ملكا تَاما
وَكَانَ مَا أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه
وَجَرت هَذِه الْمُقَاسَمَة بَينهمَا على سداد واحتياط من غير غبن وَلَا شطط وَلَا حيف وَلم يبْق كل مِنْهُمَا يسْتَحق على الآخر فِيمَا صَار إِلَيْهِ من ذَلِك حَقًا قَلِيلا وَلَا كثيرا
وَذَلِكَ بعد الرُّؤْيَة التَّامَّة والمعرفة الْكَامِلَة النافية للْجَهَالَة
والتفرق عَن ترَاض
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة قسْمَة وقف وَملك أَيْضا بِإِذن الْحَاكِم الْحَنْبَلِيّ هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَهُوَ مقاسم عَن نَفسه وَفُلَان وَهُوَ مقاسم بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ وَأمره الْكَرِيم على جِهَة الْوَقْف الْآتِي ذكره
واقتسما على بركَة الله تَعَالَى وعونه وَحسن توفيقه ويمنه جَمِيع المزرعة الْفُلَانِيَّة الَّتِي مبلغها أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ سَهْما
مِنْهَا ثَمَانِيَة أسْهم مُخْتَصَّة بِملك المقاسم الأول الْمُسَمّى أَعْلَاهُ وحيازته وَيَده ثَابِتَة عَلَيْهِ إِلَى حِين هَذِه الْقِسْمَة
وَالْبَاقِي مِنْهَا وَهُوَ سِتَّة عشر سَهْما وقف مؤبد وَحبس محرم مخلد مَنْسُوب إِلَى إيقاف فلَان على مصَالح الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة وعَلى الْفُقَهَاء والمتفقهة بهَا ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة حَسْبَمَا يشْهد بِهِ كتاب وقف ذَلِك الْمحْضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ
المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت لَدَى الْحُكَّام الثُّبُوت الشَّرْعِيّ فِي تواريخ مُتَقَدّمَة على تَارِيخه الْمُتَّصِل الثُّبُوت بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ بتاريخ كَذَا
حد هَذِه المزرعة بكمالها كَذَا وَكَذَا وَيذكر حُدُودهَا الْأَرْبَعَة ثمَّ يَقُول بِحُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره قسْمَة صَحِيحَة لَازِمَة شَرْعِيَّة أذن فِيهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ إجبارا وَحكم بجوازها ونفوذها وإمضائها بعد أَن ثَبت عِنْده بِشَهَادَة من يضع خطه آخِره أَن المقاسم عَن نَفسه مَالك حائز لحصته الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ إِلَى حِين هَذِه الْقِسْمَة وَأَن الْحصَّة الْبَاقِيَة الْمعينَة أَعْلَاهُ وقف على الْجِهَة الْمعينَة أَعْلَاهُ إِلَى حِين هَذِه الْقِسْمَة حَسْبَمَا ثَبت عِنْده فِي كتاب الْوَقْف الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَأَن المزرعة الْمَذْكُورَة مُحْتَملَة لقسمة التَّعْدِيل قَابِلَة لإفراز كل حِصَّة من الحصتين المذكورتين أَعْلَاهُ وَأَن الْمصلحَة لجِهَة الْوَقْف فِي هَذِه الْقِسْمَة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَبعد أَن طلب المقاسم عَن نَفسه الْمُقَاسَمَة على المزرعة الْمَذْكُورَة وإفراز نصِيبه مِنْهَا وَأَن ينصب أَمينا مقاسما عَن حِصَّة الْوَقْف الْمَذْكُور مَعَ كَونه يرى جَوَاز قسْمَة الْوَقْف الْمحبس من الْملك الْمُطلق إفرازا لكل وَاحِد من النَّصِيبَيْنِ وَيرى أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز وَلَيْسَت بِبيع ويختار ذَلِك من مذْهبه وَيرى الْعَمَل(2/343)
بِهِ
فجرت هَذِه الْقِسْمَة على سداد واحتياط بِمحضر من الْعُدُول وَأهل الْخِبْرَة بقسمة أَمْثَال ذَلِك من غير حيف وَلَا شطط
بتولي قَاسم من قسام الْمُسلمين مَنْدُوب من جِهَة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وقف على المزرعة الْمَذْكُورَة وعَلى حُدُودهَا وفواصلها وأراضيها وبقاعها وسلائحها وَعلم تَسَاوِي أَجْزَائِهَا وذرعها
وجزأها جزءين
أَحدهمَا قبلي
وَالْآخر شمَالي
فَأصَاب المقاسم الأول بِحِصَّتِهِ وَهِي الثُّلُث من ذَلِك جَمِيع الْجَانِب القبلي من المزرعة
وَقدره الثُّلُث من أَرَاضِي المزرعة
وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من أَشجَار مثمرة وَغير مثمرة
وَبِمَا اخْتصَّ بِهِ من المَاء الَّذِي هُوَ من جملَة حُقُوق المزرعة الْمَذْكُورَة عدات بِحَق الاستطراق إِلَى هَذَا الْقسم من الطَّرِيق الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ من أَرَاضِي الثُّلثَيْنِ من المزرعة الْمَذْكُورَة
وَأصَاب جِهَة الْوَقْف بِحِصَّتِهِ من ذَلِك جَمِيع الْجَانِب الشمالي من هَذِه المزرعة
وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا
بِمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من أَشجَار مثمرة وَغير مثمرة وَمَا اخْتصَّ بِهِ من المَاء الَّذِي هُوَ من حُقُوق المزرعة الْمَذْكُورَة
وقدرها ثلثا عدات
وَقد جعل بَين الْجَانِبَيْنِ الْمَذْكُورين فاصل مَعْلُوم
عرفه المتقاسمان معرفَة تَامَّة وَأَن على كل جَانب من الْخراج مَا يذكر فِيمَا هُوَ مُقَرر على الثُّلُث مبلغ كَذَا وَمَا هُوَ مُقَرر على الثُّلثَيْنِ مبلغ كَذَا
اطلع المتقاسمان على ذَلِك وتصادقا عَلَيْهِ
وَكَانَ مَا أصَاب كل فريق مِنْهُمَا وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه
وَقد وَقفا على ذَلِك وعايناه
وتسلم المقاسم الأول مَا أَصَابَهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَة تسلما صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَبَان بِهِ وأحرزه
وتسلم المقاسم الثَّانِي مَا أصَاب جِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ تسلما شَرْعِيًّا
وَصَارَ فِي يَده لمستحقيه شرعا بعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره فِيهِ
وَوَقع الْإِشْهَاد بمضمونه على الْوَجْه المشروح فِيهِ بتاريخ
وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة قسْمَة الْوَقْف من الْوَقْف بِإِذن الْحَاكِم الْحَنْبَلِيّ هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان ولدا فلَان
اقْتَسمَا على بركَة الله تَعَالَى ويمنه وَحسن توفيقه وَمِنْه بِإِذن سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين الْحَنْبَلِيّ وَأمره الْكَرِيم مَا هُوَ وقف محرم وَحبس مخلد جَارِيَة أجوره ومنافعه عَلَيْهِمَا بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ مَنْسُوب إيقافه إِلَى والدهما الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ أوجدهما على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على نَسْله وعقبه ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة بالفقراء وَالْمَسَاكِين
حَسْبَمَا تضمنه كتاب وقف ذَلِك الْمحْضر من أَيْدِيهِمَا الَّذِي تَأمله الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
ووقف عَلَيْهِ وأمعن النّظر فِيهِ وعرفه المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت على القَاضِي فلَان الدّين الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
الْمُتَّصِل الثُّبُوت بالحاكم الْآذِن(2/344)
الْمشَار إِلَيْهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ فِي تَارِيخ كَذَا
وَذَلِكَ جَمِيع الْبُسْتَان الْفُلَانِيّ بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ الْمُشْتَمل على أَشجَار غراس مُخْتَلفَة الْأَنْوَاع وَالثِّمَار وعَلى أَرَاضِي وحظائر مُحِيطَة بِهِ
وَله حق شرب مَاء من نهر كَذَا أَو قناة كَذَا بِحَق قديم وَاجِب ويحدده ثمَّ يَقُول بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره قسْمَة إِفْرَاز صَحِيحَة شَرْعِيَّة ممضاة مُعْتَبرَة مرضية
أذن فِيهَا سيدنَا قَاضِي الْقُضَاة الْمشَار إِلَيْهِ
وَحكم بجوازها ونفوذها وإمضائها حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا بعد علمه باخْتلَاف الْعلمَاء فِي ذَلِك وَبعد أَن ثَبت عِنْده مَضْمُون كتاب الْوَقْف الْمَذْكُور حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ
واتصل بِهِ وَأَن الْبُسْتَان الْمَذْكُور مُحْتَمل لقسمة التَّعْدِيل الثُّبُوت الشَّرْعِيّ ثمَّ طلب المتقاسمان الْمَذْكُورَان من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ تقدم أمره الْكَرِيم بالمقاسمة على الْبُسْتَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وإفرازه بَينهمَا
فأجابهما إِلَى سؤالهما وَنصب أَمينا وَهُوَ فلَان لقسمة ذَلِك بَينهمَا
فَوقف الْأمين الْمَذْكُور على الْبُسْتَان الْمَحْدُود أَعْلَاهُ
وَجعله جانبين قبليا وشماليا وقسمه قسْمَة شَرْعِيَّة بِإِذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي هَذِه الْقِسْمَة الْإِذْن الشَّرْعِيّ إجبارا لمن امْتنع مِنْهُمَا
وَرَأى جَوَاز قسْمَة الْوَقْف بَين أربابه ولزومها فِي حق الْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورين
وَحقّ من تَلقاهُ بعدهمَا من الْبُطُون فِي الْمَآل
وَحكم بذلك وَأَجَازَهُ وأمضاه مَعَ علمه بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك وَكَونه يرى أَن الْقِسْمَة إِفْرَاز وَلَيْسَت بِبيع ويختار ذَلِك من مذْهبه وَيرى الْعَمَل بِهِ
فجرت هَذِه الْقِسْمَة على سداد واحتياط من غير غبن وَلَا حيف
بتولي الْمَنْدُوب الْمشَار إِلَيْهِ لذَلِك بِمحضر من الْعُدُول أَرْبَاب الْخِبْرَة الواضعين خطوطهم آخِره بعد التَّعْدِيل الشَّرْعِيّ بَين الْجَانِبَيْنِ الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بِالْقيمَةِ العادلة وَإِخْرَاج الْقرعَة الشَّرْعِيَّة الَّتِي تمت بهَا الْقِسْمَة
فَأصَاب فلَان المقاسم الأول بِحِصَّتِهِ وَهِي كَذَا الْجَانِب القبلي
وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا
وَأصَاب فلَان المقاسم الثَّانِي الْمُسَمّى أَعْلَاهُ بِحِصَّتِهِ وَهِي كَذَا الْجَانِب الشمالي
وذرعه قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا
ويفصل بَين الْجَانِبَيْنِ الْمَذْكُورين فاصل مَعْلُوم مَعْرُوف بَينهمَا الْمعرفَة الثَّابِتَة الشَّرْعِيَّة
وَكَانَ مَا أصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا وَفَاء لحقه وإكمالا لنصيبه بعد الرُّؤْيَة النافية للْجَهَالَة وَالتَّسْلِيم الشَّرْعِيّ
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة قسْمَة التَّرَاضِي هَذَا مَا اقتسم عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان وكل وَاحِد مِنْهُمَا مقاسم عَن نَفسه
اقْتَسمَا على بركَة الله تَعَالَى وعونه مَا ذكرا أَنه لَهما وبيدهما وملكهما وَتَحْت تصرفهما حَالَة الْقِسْمَة بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ على حكم الإشاعة
وَذَلِكَ جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْفُلَانِيَّة وتحدد بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره قسْمَة صَحِيحَة(2/345)
شَرْعِيَّة لَازِمَة صدرت بَينهمَا عَن ترَاض مِنْهُمَا وَاخْتِيَار
من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار على أَنَّهُمَا جعلا الْقطعَة الأَرْض الْمَذْكُورَة جانبين جانبا شرقيا وجانبا غربيا ذرع الْجَانِب الشَّرْقِي الْمَذْكُور قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا وذرع الْجَانِب الغربي قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وشرقا وغربا كَذَا
وَصَارَ للمقاسم الأول جَمِيع الْجَانِب الشَّرْقِي الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
وَصَارَ للمقاسم الثَّانِي جَمِيع الْجَانِب الغربي الْمَذْكُور أَعْلَاهُ مصيرا تَاما بِحُقُوق ذَلِك كُله
تعاقدا على هَذِه الْقِسْمَة بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول الشَّرْعِيّ وتسلم كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا صَار إِلَيْهِ تسلما شَرْعِيًّا وَبَان بِهِ وأحرزه
وَلم يبْق يسْتَحق كل وَاحِد مِنْهُمَا على الآخر حَقًا وَلَا شِقْصا وَلَا شركَة وَلَا نَصِيبا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا وَلَا محاكمة وَلَا مخاصمة وَلَا مُنَازعَة وَلَا علقَة وَلَا تبعة وَلَا شَيْئا قل وَلَا جلّ
وَذَلِكَ بعد الْوُقُوف والرؤية النافية للْجَهَالَة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَأقر المتقاسمان الْمَذْكُورَان أَن هَذِه الْقِسْمَة جرت على نهج الْعدْل والسداد وَمُقْتَضى الشَّرْع الشريف باتفاقهما عَلَيْهَا وتراضيهما بهَا
وَأَن لَا غلط فِيهَا وَلَا حيف وَلَا شطط وَلَا غبن وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَكَذَلِكَ يَقُول فِي قسم الرَّقِيق إِمَّا بالتعديل والقرعة أَو بِالْقيمَةِ وَالرَّدّ عِنْد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة
خلافًا لأبي حنيفَة
وَكَذَلِكَ قسْمَة الْحُبُوب والأدهان وَغَيرهَا مِمَّا تتساوى فِيهِ الْأَعْيَان وَالصِّفَات
فَإِنَّهُ يقسم بالتعديل
وَتَكون الْقِسْمَة فِيهِ قسْمَة إِفْرَاز بالِاتِّفَاقِ
خلافًا لأحد قولي الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
وَالله أعلم(2/346)
كتاب الشَّهَادَات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إِلَى قَوْله {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} إِلَى قَوْله {علمه الله فليكتب} فَمنع من كتمان الشَّهَادَة
فَدلَّ على أَنه إِذا أدّى الشَّهَادَة تعلق الحكم بهَا
وَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة}
وَقَوله {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وغيرذلك من الْآيَات
وَأما السّنة فَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للحضرمي أَلَك بَيِّنَة
وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الشَّهَادَة فَقَالَ هَل ترى الشَّمْس فَقَالَ نعم
قَالَ على مثلهَا فاشهد أَو دع وَغير ذَلِك من الْأَخْبَار
وَأما الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْأَئِمَّة فِي تعلق الحكم بِالشَّهَادَةِ
وَتحمل الشَّهَادَة فرض
وَحَاصِله أَنه إِذا دعِي رجل ليتحمل الشَّهَادَة على نِكَاح أَو دين وَجب عَلَيْهِ الْإِجَابَة
لقَوْله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَقَوله تَعَالَى {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} وَقد قرىء بِرَفْع يضار وبنصبه
فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع
فَمَعْنَاه لَا يضر الْكَاتِب والشهيد بِمن يَدعُوهُ فَيمْتَنع من إجَابَته من غير عذر
وَقيل لَا يكْتب الْكَاتِب مَا لم يسْتَكْتب
وَلَا يشْهد الشَّاهِد مَا لم يشْهد عَلَيْهِ
وَمن قَرَأَهَا(2/347)
بِالنّصب فَمَعْنَاه لَا يضر بالكاتب والشهيد بِأَن يدعوهما للكتابة وَالشَّهَادَة من غير حَاجَة إِلَى ذَلِك
فيقطعهما عَن حوائجهما
وَهِي فرض على الْكِفَايَة إِذا دعى إِلَى الشَّهَادَة جمَاعَة
فَأجَاب شَاهِدَانِ سقط الْفَرْض عَن البَاقِينَ
لِأَن الْقَصْد من الشَّهَادَة التَّوَثُّق
وَذَلِكَ يحصل بِشَاهِدين
فَإِن امْتنع جَمِيعهم من الْإِجَابَة أثموا
فَإِن لم يكن فِي مَوضِع إِلَّا شَاهِدَانِ فدعيا إِلَى تحمل الشَّهَادَة
تعيّنت عَلَيْهِمَا الْإِجَابَة
فَإِن امتنعا أثما
لِأَن الْمَقْصُود لَا يحصل إِلَّا بهما
وَكَذَلِكَ أَدَاء الشَّهَادَة فرض وَهُوَ إِذا كَانَ مَعَ رجل شَهَادَة لآخر
فَدَعَاهُ الْمَشْهُود إِلَى أَدَائِهَا عِنْد الْحَاكِم وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا عِنْد الْحَاكِم لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه} فَنهى عَن كتمان الشَّهَادَة وتوعد على كتمها
فَدلَّ على أَنه يجب إظهارها
وَقَوله تَعَالَى {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَهَذَا يعم حَال التَّحَمُّل وَحَال الْأَدَاء
فَإِن امْتنع جَمِيع الشُّهُود من الْأَدَاء أثموا
وَقد يتَعَيَّن الْأَدَاء على شَاهِدين
فَإِن لم يشْهد على الْحق إِلَّا اثْنَان أَو شهد جمَاعَة لكِنهمْ غَابُوا أَو مَاتُوا أَو كَانُوا فساقا إِلَّا اثْنَيْنِ
فَإِنَّهُ يتَعَيَّن عَلَيْهِمَا الْأَدَاء إِذا دعيا إِلَيْهِ
لِأَن الْمَقْصُود لَا يحصل إِلَّا بهما
وَمن تعين عَلَيْهِ فرض تحمل الشَّهَادَة أَو أَدَائِهَا لم يجز لَهُ أَن يَأْخُذ على ذَلِك أُجْرَة
لِأَنَّهُ فرض توجه عَلَيْهِ
فَلَا يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة كَالصَّلَاةِ
وَإِن لم يتَعَيَّن عَلَيْهِ
فَهَل يجوز لَهُ أَن يَأْخُذ عَلَيْهِ أُجْرَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز لِأَنَّهَا وَثِيقَة بِالْحَقِّ لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ
فَجَاز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهِ
ككتب الْوَثِيقَة
وَالثَّانِي لَا يجوز لَهُ ذَلِك
لِأَن التُّهْمَة تلْحقهُ بِأخذ الْعِوَض
وَلَا تقبل الشَّهَادَة إِلَّا من عدل
لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} فَدلَّ على أَنه إِذا جَاءَ من لَيْسَ بفاسق لَا يتَبَيَّن
وَلقَوْله تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} فَدلَّ على أَن شَهَادَة من لَيْسَ بِعدْل لَا تقبل
وَالْعدْل فِي اللُّغَة هُوَ الَّذِي اسْتَوَت أَحْوَاله واعتدلت
يُقَال فلَان عديل فلَان
إِذا كَانَ مُسَاوِيا لَهُ
وَسمي الْعدْل عدلا لِأَنَّهُ يُسَاوِي مثله على الْبَهِيمَة
وَأما الْعدْل فِي الشَّرْع فَهُوَ الْعدْل فِي أَحْكَامه وَدينه ومروءته
فالعدل فِي الْأَحْكَام أَن يكون بَالغا عَاقِلا حرا
وَالْعدْل فِي الدّين أَن يكون مُسلما(2/348)
مجتنبا للكبائر غير مصر على الصَّغَائِر
وَالْعدْل فِي الْمُرُوءَة أَن يجْتَنب الْأُمُور الدنية الَّتِي تسْقط الْمُرُوءَة
وَحَاصِله أَنه لَا تقبل شَهَادَة صَاحب كَبِيرَة وَلَا مصر على صَغِيرَة لِأَن المتصف بذلك فَاسق
وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه فَاسق لِأَن الْفسق لُغَة الْخُرُوج
لهَذَا يُقَال فسقت الرّطبَة إِذا خرجت من قشرها
وَالْفِسْق فِي الشَّرْع الْميل عَن الطَّرِيقَة
وحد الْكَبِيرَة ارْتِكَاب مَا يُوجب الْحَد
ذكره الْبَغَوِيّ
وَقيل مَا يلْحق صَاحبهَا وَعِيد شَدِيد بِنَصّ كتاب أَو سنة
قَالَه الرَّافِعِيّ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ الْكَبِيرَة مَا أوجبت الْحَد أَو توجه بِسَبَبِهَا إِلَى الْفَاعِل وَعِيد
وَالصَّغِيرَة مَا قل فِيهَا الْإِثْم
وَمن شُرُوط الْعَدَالَة أَن يكون الْعدْل سليم السريرة مَأْمُونا عِنْد الْغَضَب محافظا على مُرُوءَة مثله
فَلَا تقبل شَهَادَة القمام وَهُوَ الَّذِي يجمع القمامة أَي الكناسة ويحملها
وَكَذَا الْقيم فِي الحمامات وَمن يلْعَب بالحمام أَي يطيرها لينْظر تقلبها فِي الجو
وَكَذَا الْمُغنِي سَوَاء أَتَاهُم أَو أَتَوْهُ
وَكَذَا الرقاص كالصوفية الَّذين يسعون إِلَى ولائم الظلمَة والمكاسين ويظهرون التواجد عِنْد رقصهم وتحريك رؤوسهم وتلويح لحاهم الخسيسة كصنع المجانين
وَإِذا قرىء الْقُرْآن لَا ينصتون
وَإِذا تغنى مزمار الشَّيْطَان صَاح بَعضهم بِبَعْض أَو شاش وأزبد وأرغى وتواجد
قَاتلهم الله تَعَالَى
مَا أفسقهم وأزهدهم فِي كتاب الله وَمَا أرغبهم فِي مَزَامِير الشَّيْطَان
وَمَا أسبقهم إِلَى التفاخر فِي الْبدع وَمَا أشبههم بالشياطين
وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة من يَأْكُل فِي الْأَسْوَاق وَمثله لَا يعتاده بِخِلَاف من يَأْكُل قَلِيلا على بَاب دكانه مِمَّن عَادَتهم الْغَدَاء فِي الْأَسْوَاق
كالصباغين والسماسرة وَغَيرهم
مِمَّن هُوَ فِي مَعْنَاهُ
وَكَذَا لَا تقبل شَهَادَة من يمد رجله عِنْد النَّاس بِغَيْر مرض وَلَا من يلْعَب بالشطرنج على قَارِعَة الطَّرِيق وَلَا من يكْشف من بدنه مَا لَا يعْتَاد وَإِن لم يكن عَورَة وَلَا من يكثر من الحكايات المضحكة أَو يذكر أَهله أَو زَوجته بالسخف
ومدار ذَلِك كُله على حفظ الْمُرُوءَة
لِأَن حفظهَا من الْحيَاء ووفور الْعقل
وحد الْمُرُوءَة أَن يصون نَفسه عَن الأدناس وَمَا يشينها بَين النَّاس
وَقيل أَن يسير سير أشكاله فِي زَمَانه ومكانه
وَالتَّوْبَة فِيمَا بَين العَبْد وَبَين الله تَعَالَى
وَهِي تسْقط الْإِثْم
وَيشْتَرط فِيهَا إقلاع(2/349)
وَنَدم وعزم أَن لَا يعود
وتبرئة ذمَّته من حق مَالِي إِن تعلّقت بِهِ
كمنع زَكَاته أَو غصب يردهُ أَو بدله إِن تلف
وَأما التَّوْبَة فِي الظَّاهِر الَّتِي تعود بهَا الشَّهَادَة وَالْولَايَة فالمعاصي إِن كَانَت قولية شَرط فِيهَا القَوْل
فَيَقُول فِي الْقَذْف قذفي بَاطِل وَلَا أَعُود إِلَيْهِ أَو مَا كنت محقا فِي قذفي
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الشَّهَادَة شَرط فِي النِّكَاح
وَأما سَائِر الْعُقُود كَالْبيع فَلَا يشْتَرط الشَّهَادَة فِيهَا
وَاتَّفَقُوا على أَن القَاضِي لَيْسَ لَهُ أَن يلقن الشُّهُود بل يسمع مَا يَقُولُونَ
وَاخْتلفُوا هَل يثبت النِّكَاح بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ قَالَ أَبُو حنيفَة يثبت عِنْد التداعي
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يثبت
وَعند أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يثبت
وَاخْتلفُوا هَل يثبت بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَأحمد يثبت وَينْعَقد النِّكَاح بِشَهَادَة أعميين
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك
وَالْمُخْتَار أَن الْإِشْهَاد فِي البيع مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب
وَحكي عَن دَاوُد أَن الشَّهَادَة تعْتَبر فِي البيع
فصل وَالنِّسَاء لَا يقبلن فِي الْحُدُود
وَالْقصاص ويقبلن مُفْرَدَات فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال
كالولادة وَالرّضَاع وَمَا يخفى على الرِّجَال غَالِبا
وَاخْتلفُوا هَل تقبل شَهَادَتهنَّ فِيمَا الْغَالِب فِي مثله أَن يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْق وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ أَبُو حنيفَة تقبل شَهَادَتهنَّ فِي ذَلِك كُله
سَوَاء انفردن فِي ذَلِك أَو كن مَعَ الرِّجَال
وَقَالَ مَالك لَا يقبلن فِي غير المَال وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْعُيُوب الَّتِي بِالنسَاء والمواضع الَّتِي لَا يطلع عَلَيْهَا غَيْرهنَّ
وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَأحمد
وَاخْتلفُوا فِي الْعدَد الْمُعْتَبر مِنْهُنَّ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي أشهر روايتيه تقبل شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة أُخْرَى لَا يقبل فِيهَا أقل من امْرَأتَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقبل إِلَّا شَهَادَة أَربع نسْوَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا يثبت استهلال الطِّفْل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل(2/350)
وَامْرَأَتَيْنِ
لِأَنَّهُ ثُبُوت أرش
فَأَما فِي حق الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالْغسْل فَيقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك يقبل فِيهِ امْرَأَتَانِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يقبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء منفردات إِلَّا أَنه على أَصله فِي اشْتِرَاط الْأَرْبَع
وَقَالَ أَحْمد يقبل فِي الاستهلال شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة
وَاخْتلفُوا فِي الرَّضَاع
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقبل فِيهِ إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ
وَلَا يقبلن فِيهِ عِنْده منفردات
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يقبلن فِيهِ منفردات إِلَّا أَن مَالِكًا فِي الْمَشْهُور عَنهُ يشْتَرط شَهَادَة امْرَأتَيْنِ
وَالشَّافِعِيّ يشْتَرط شَهَادَة أَربع
وَعَن مَالك رِوَايَة تقبل وَاحِدَة إِذا فَشَا ذَلِك فِي الْجِيرَان
وَقَالَ أَحْمد يقبلن فِيهِ منفردات
وتجزىء مِنْهُنَّ امْرَأَة وَاحِدَة فِي الْمَشْهُور عَنهُ
فصل وَلَا تقبل شَهَادَة
الصّبيان عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَقَالَ مَالك تقبل فِي الْجراح إِذا كَانُوا قد اجْتَمعُوا لأمر مُبَاح قبل أَن يتفرقوا
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَعَن أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة أَن شَهَادَة الصَّبِي تقبل فِي كل شَيْء
فصل الْمَحْدُود فِي الْقَذْف
هَل تقبل شَهَادَته أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقبل شَهَادَته وَإِن تَابَ
إِذا كَانَت تَوْبَته بعد الْحَد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تقبل شَهَادَته إِذا تَابَ
سَوَاء كَانَت تَوْبَته قبل الْحَد أَو بعده إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط مَعَ التَّوْبَة أَن لَا تقبل شَهَادَته فِي مثل الْحَد الَّذِي أقيم عَلَيْهِ
وَهل من شَرط تَوْبَته إصْلَاح الْعَمَل والكف عَن الْمعْصِيَة سنة أم لَا قَالَ مَالك يشْتَرط ظُهُور أَفعَال عمله والتقرب بالطاعات من غير حد سنة وَلَا غَيرهَا
وَقَالَ أَحْمد مُجَرّد التَّوْبَة كَاف
وَاخْتلفُوا فِي صفة تَوْبَته
فَقَالَ الشَّافِعِي هِيَ أَن يَقُول الْقَذْف بَاطِل محرم وَلَا أَعُود إِلَى مَا قلت
وَقَالَ مَالك وَأحمد هِيَ أَن يكذب نَفسه
وَتقبل شَهَادَة ولد الزِّنَا بِالزِّنَا وَغَيره عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ مَالك لَا تقبل شَهَادَة ولد الزِّنَا فِي الزِّنَا
فصل واللعب بالشطرنج
مَكْرُوه بالِاتِّفَاقِ
وَهل يحرم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ محرم
فَإِن أَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يحرم إِذا لم يكن على عوض وَلم يشغل عَن فرض الصَّلَاة وَلم يتَكَلَّم عَلَيْهِ بسخف
والنبيذ الْمُخْتَلف فِيهِ فشربه لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة مَا لم يسكر عِنْد الشَّافِعِي
وَإِن كَانَ(2/351)
يحد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة النَّبِيذ مُبَاح لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة
وَقَالَ مَالك هُوَ محرم
يفسق بشربه وَترد بِهِ الشَّهَادَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
كمذهب أبي حنيفَة وَمَالك
فصل شَهَادَة الْأَعْمَى
هَل تقبل أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقبل شَهَادَته أصلا
وَقَالَ مَالك وَأحمد تقبل فِيمَا طَرِيقه السماع
كالنسب وَالْمَوْت وَالْملك الْمُطلق وَالْوَقْف وَالْعِتْق وَسَائِر الْعُقُود
كَالنِّكَاحِ وَالْبيع وَالصُّلْح وَالْإِجَارَة وَالْإِقْرَار
وَنَحْو ذَلِك
سَوَاء تحملهَا أعمى أَو بَصيرًا ثمَّ أعمى
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء مَا طَرِيقه الاستفاضة والترجمة وَالْمَوْت
وَلَا تقبل شَهَادَته فِي الضَّبْط حَتَّى يتَعَلَّق بِإِنْسَان فَيسمع إِقْرَاره ثمَّ لَا يتْركهُ من يَده حَتَّى يُؤَدِّي الشَّهَادَة عَلَيْهِ
وَلَا تقبل فِيمَا عدا ذَلِك
فصل وَشَهَادَة الْأَخْرَس
لَا تقبل عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد
وَإِن فهمت إِشَارَته
وَقَالَ مَالك تقبل إِذا كَانَت لَهُ إِشَارَة تفهم
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي
فَمنهمْ من قَالَ لَا تقبل
وَهُوَ الصَّحِيح
وَمِنْهُم من قَالَ تقبل إِذا كَانَت لَهُ إِشَارَة تفهم
فصل وَشَهَادَة العبيد
غير مَقْبُولَة على الْإِطْلَاق عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ
وَالْمَشْهُور من مَذْهَب أَحْمد أَنَّهَا تقبل فِيمَا عدا الْحُدُود وَالْقصاص
وَلَو تحمل العَبْد شَهَادَة حَال رقّه
ثمَّ أَدَّاهَا بعد عتقه
فَهَل تقبل أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تقبل
وَقَالَ مَالك إِن شهد بِهِ فِي حَال رقّه فَردَّتْ شَهَادَته
لم تقبل شَهَادَته بِهِ بعد عتقه
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا تحمله الْكَافِر قبل إِسْلَامه
وَالصَّبِيّ قبل بُلُوغه
فَإِن الحكم فِيهِ عِنْد كل مِنْهُم على مَا ذَكرْنَاهُ فِي مَسْأَلَة العَبْد
فصل وَتجوز الشَّهَادَة بالاستفاضة
عِنْد أبي حنيفَة فِي خَمْسَة أَشْيَاء فِي النِّكَاح وَالدُّخُول وَالنّسب وَالْمَوْت وَولَايَة الْقَضَاء
وَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي جَوَاز ذَلِك فِي ثَمَانِيَة أَشْيَاء فِي النِّكَاح وَالنّسب وَالْمَوْت وَولَايَة الْقَضَاء وَالْعِتْق وَالْملك وَالْوَقْف وَالْوَلَاء
وَقَالَ أَحْمد بِالْجَوَازِ فِي تِسْعَة وَهِي الثَّمَانِية الْمَذْكُورَة عِنْد الشَّافِعِيَّة
والتاسعة الدُّخُول
وَهل تجوز الشَّهَادَة بالأملاك من جِهَة الْبُنيان يرَاهُ فِي يَده يتَصَرَّف فِيهِ مُدَّة طَوِيلَة فمذهب الشَّافِعِي أَنه يجوز أَن يشْهد لَهُ بِالْيَدِ
وَهل يجوز أَن يشْهد لَهُ بِالْملكِ وَجْهَان
أَحدهمَا عَن أبي سعيد الأصطخري أَنه يجوز الشَّهَادَة فِيهِ بالاستفاضة
ويروى ذَلِك عَن أَحْمد
وَالثَّانِي عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه لَا يجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجوز الشَّهَادَة(2/352)
فِي الْملك بالاستفاضة
وَتجوز من جِهَة ثُبُوت الْيَد
ويروى ذَلِك عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك تجوز الشَّهَادَة بِالْيَدِ خَاصَّة فِي الْمدَّة الْيَسِيرَة دون الْملك
فَإِن كَانَت الْمدَّة طَوِيلَة كعشر سِنِين فَمَا فَوْقهَا
قطع لَهُ بِالْملكِ إِذا كَانَ الْمُدَّعِي حَاضرا حَال تصرفه فِيهَا وحوزه إِلَّا أَن يكون قرَابَته أَو يخَاف من سُلْطَان إِن عَارضه
فصل هَل تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة
بَعضهم على بعض أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة تقبل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَهل تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة
وَفِي السّفر خَاصَّة إِذا لم يُوجد غَيرهم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تقبل
وَقَالَ أَحْمد تقبل
ويحلفان بِاللَّه مَعَ شَهَادَتهمَا أَنَّهُمَا مَا حافا وَلَا بَدَلا وَلَا كتما وَلَا غيرا
وَأَنَّهَا لوَصِيَّة الرجل
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يَصح الحكم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين فِيمَا عدا الْأَمْوَال وحقوقها
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَمْوَال وحقوقها
هَل يَصح الحكم فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحكم بِهِ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَقَوْل الْجَمَاعَة
وَالْأُخْرَى يحلف الْمُعْتق مَعَ شَاهده وَيحكم لَهُ بذلك
وَهل يحكم فِي الْأَمْوَال وحقوقها بِشَهَادَة امْرَأتَيْنِ مَعَ الْيَمين أم لَا قَالَ مَالك يحكم بذلك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يحكم
وَإِذا حكم الْحَاكِم بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين
ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِد
قَالَ الشَّافِعِي يغرم الشَّاهِد نصف المَال
وَقَالَ مَالك وَأحمد يغرم الشَّاهِد المَال كُله
فصل وَهل تقبل شَهَادَة الْعَدو
على عدوه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة تقبل إِذا لم تكن الْعَدَاوَة بَينهمَا تخرج إِلَى الْفسق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تقبل على الْإِطْلَاق
وَهل تقبل شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده
وَالْولد لوالده أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تقبل شَهَادَة الْوَالِدين من الطَّرفَيْنِ للولدين
وَلَا شَهَادَة الْوَلَدَيْنِ للْوَالِدين الذُّكُور وَالْإِنَاث بعدوا أَو قربوا
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهَا كمذهب الْجَمَاعَة
وَالثَّانيَِة تقبل شَهَادَة الابْن لِأَبِيهِ وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَب لِابْنِهِ
وَالثَّالِثَة تقبل شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مَا لم تجر إِلَيْهِ نفعا فِي الْغَالِب
وَأما شَهَادَة كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فمقبولة عِنْد الْجَمِيع إِلَّا مَا يرْوى عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ لَا تقبل شَهَادَة الْوَلَد على وَالِده فِي الْقصاص وَالْحُدُود لاتهامه فِي الْمِيرَاث
فصل وَهل تقبل شَهَادَة الْأَخ لِأَخِيهِ
وَالصديق لصديقه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ(2/353)
وَأحمد تقبل
وَقَالَ مَالك لَا تقبل
وَهل تقبل شَهَادَة أحد الزَّوْجَيْنِ للْآخر قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا تقبل
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل
فصل أهل الْأَهْوَاء والبدع
هَل تقبل شَهَادَتهم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا متجنبين الْكَذِب إِلَّا الخطابية من الرافضة فَإِنَّهُم يصدقون من حلف عِنْدهم أَن لَهُ على فلَان كَذَا
فَيَشْهَدُونَ لَهُ بذلك
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تقبل شَهَادَتهم على الْإِطْلَاق
وَهل تقبل شَهَادَة بدوي على قروي إِذا كَانَ البدوي عدلا أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تقبل فِي كل شَيْء
وَقَالَ أَحْمد لَا تقبل مُطلقًا
وَقَالَ مَالك تقبل فِي الْجراح وَالْقَتْل خَاصَّة
وَلَا تقبل فِيمَا عدا ذَلِك من الْحُقُوق الَّتِي يُمكن إِشْهَاد الْحَاضِر فِيهَا إِلَّا أَن يكون تحملهَا فِي الْبَادِيَة
وَمن تعيّنت عَلَيْهِ شَهَادَة
لم يجز لَهُ أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا
وَمن لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ جَازَ لَهُ أَخذ الْأُجْرَة إِلَّا على وَجه من مَذْهَب الشَّافِعِي
فصل فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة
قَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ هِيَ جَائِزَة فِي كل شَيْء من حُقُوق الله تَعَالَى وَحُقُوق الْآدَمِيّين سَوَاء كَانَت فِي مَال أَو حد أَو قصاص
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقبل فِي حُقُوق الْآدَمِيّين سوى الْقصاص
وَلَا تقبل فِي حق الله عز وَجل كالحدود
وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل فِي حُقُوق الْآدَمِيّين قولا وَاحِدًا
وَهل تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى كَحَد الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالشرب فِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا الْقبُول
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تجوز شَهَادَة الْفَرْع مَعَ وجود شَاهد الأَصْل إِلَّا لعذر من مرض أَو غيبَة تقصر فِي مثل مسافتها الصَّلَاة إِلَّا مَا يحْكى فِي رِوَايَة عَن أَحْمد أَنه لَا تقبل شَهَادَة الْفَرْع إِلَّا بعد شُهُود الأَصْل
وَهل يجوز أَن يكون فِي شُهُود الْفَرْع نسَاء أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يجوز
وَاخْتلفُوا فِي عدد شُهُود الْفَرْع
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تجزىء شَهَادَة اثْنَيْنِ على كل وَاحِد مِنْهُمَا على شَاهد من شَاهِدي الأَصْل
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا كَقَوْل الْجَمَاعَة
وَهُوَ الْأَصَح
وَالثَّانِي يحْتَاج أَن يكون أَرْبَعَة
فَيكون على كل شَاهد من شُهُود الأَصْل شَاهِدَانِ
وشهود الْفَرْع إِذا زكيا شُهُود الأَصْل أَو عدلاهما وأثنيا عَلَيْهِمَا وَلم يذكرَا اسميهما(2/354)
ونسبهما للْقَاضِي
فَهَل تقبل شَهَادَتهمَا على شَهَادَتهمَا قَالَ الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وكافة الْفُقَهَاء لَا تقبل شَهَادَتهمَا
وَحكى عَن ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنه أجَاز ذَلِك مثل أَن يَقُول نشْهد أَن رجلا عدلا أشهدنا على شَهَادَته أَن فلَان ابْن فلَان أقرّ لفُلَان ابْن فلَان بِأَلف دِرْهَم
فصل إِذا شهد شَاهِدَانِ بِمَال
ثمَّ رجعا بعد الحكم بِهِ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد عَلَيْهِمَا الْغرم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد لَا شَيْء عَلَيْهِمَا
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا ينْقض الحكم الَّذِي حكم بِشَهَادَتِهِمَا فِيهِ وأنهما إِذا رجعا قبل الحكم لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا
وَإِذا حكم حَاكم بِشَهَادَة فاسقين ثمَّ علم بعد الحكم حَالهمَا
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ينْقض حكمه
وَقَالَ مَالك وَأحمد ينْقض حكمه
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا ينْقضه
وَالثَّانِي لَا ينْقضه
وَاخْتلفُوا فِي عُقُوبَة شَاهد الزُّور
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تَعْزِير عَلَيْهِ بل يُوقف فِي قومه وَيُقَال لَهُم إِنَّه شَاهد زور
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يُعَزّر وَيُوقف فِي قومه ويعرفون أَنه شَاهد زور
وَزَاد مَالك فَقَالَ ويشهر فِي الْجَوَامِع والأسواق ومجامع النَّاس
انْتهى
المصطلح وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا بَيَان معرفَة حفظ الرَّسْم
وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْعدْل من معرفَة رسم شَهَادَته فِي الوقائع على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا من الأقارير والمبايعات والتمليكات والإجارات والأصدقة والأوقاف والوصايا وَغير ذَلِك
مِمَّا هُوَ وَاقع بَين النَّاس وَبَيَان معرفَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ موقع الحكم من معرفَة اصْطِلَاح الْإِشْهَاد والإسجال والسجل والمحاضر والمناقلات وفروض النَّفَقَات والبعديات وصور الدَّعَاوَى والمجالس والتنافيذ وتنافيذ التنافيذ وَغير ذَلِك مِمَّا يضع بِهِ موقع الحكم خطه
الثَّانِي فِي بَيَان مَا تقوم بِهِ الْبَيِّنَة عِنْد القَاضِي وَمَا يجْرِي تَحت تحمل شَهَادَة 362 الشَّاهِد على اخْتِلَاف الْحَالَات والوقائع
وَذَلِكَ مَحْصُور فِي قسمَيْنِ
الْقسم الأول مَا تقوم بِهِ الْبَيِّنَة قبل الدَّعْوَى بِإِذن الْحَاكِم
وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا فِي صفة المحاضر
وَهَذَا الْقسم هُوَ الْمَقْصُود المحصور فِي هَذَا الْبَاب
وَالْقسم الثَّانِي مَا تقوم بِهِ الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بعد الدَّعْوَى وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا(2/355)
وَتسَمى صور الْمجَالِس وصور الدَّعَاوَى
وَهَذَا الْقسم يَأْتِي ذكره فِي كتاب الدَّعْوَى والبينات إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهَذَانِ النوعان من أهم الْأُمُور الَّتِي تتَعَلَّق بِهَذَا التَّأْلِيف
وَعَلَيْهَا مدَار أَحْكَامه
وإليهما يرجع فِي حل كل أَمر وعقده وعَلى مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا يكون الْعَمَل فِي حالتي النَّقْض والإبرام
النَّوْع الأول فِي بَيَان معرفَة حفظ الرَّسْم وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْعدْل عِنْد رسم شَهَادَته فِي الوقائع على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا كَمَا تقدم
اعْلَم أَن كَيْفيَّة رسم الشَّهَادَة بعد التَّارِيخ فِيمَا يكْتب عِنْد شُهُود المراكز على رَأْي الشاميين وَعند شُهُود الحوانيت على رَأْي المصريين فِي الْإِقْرَار بِالدّينِ إِذا كَانَ الْمقر وَالْمقر لَهُ حاضرين أشهد على الْمقر وَالْمقر لَهُ الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بِمَا نسب إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ فِي تَارِيخه
كتبه فلَان
وَإِن كَانَ الْمقر رجلا كَبِير الْقدر مثل أَن يكون قَاضِيا أَو قَرِيبا مِنْهُ
فَلَا يكْتب فِي رسم الشَّهَادَة أشهد على الْمقر بل يكْتب أشهدني سيدنَا فلَان الدّين الْمشَار إِلَيْهِ على نَفسه الْكَرِيمَة بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
فَشَهِدت عَلَيْهِ بذلك وَشهِدت على الْمقر الْمَذْكُور أَعْلَاهُ بذلك فِي تَارِيخه
وَكتبه فلَان وَإِن خشِي الشَّاهِد من إِدْخَال تَغْيِير فِي التَّارِيخ أَو خَافَ فِيهِ من إِلْحَاق زِيَادَة أَو نقص كتب فِي رسم شَهَادَته بعد قَوْله فَشَهِدت عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا وَلَا يكْتب فِي تَارِيخه فَيسلم بذلك من تَغْيِيره فِي الأَصْل لِأَن بَاب الشَّهَادَة مَوْضُوعه الِاحْتِرَاز وَالِاحْتِيَاط
وَهَذَا مِنْهُ
وَإِن كَانَ الْمقر لَهُ أَيْضا بِهَذِهِ الصّفة من علو الْمِقْدَار نظر إِلَى أَيهمَا أكبر قدرا من صَاحبه وأعلا مرتبَة
فَيقدم اسْمه فِي الْكِتَابَة بِصِيغَة أشهدني ويجمعهما فِي الذّكر
فَيَقُول أشهدني كل وَاحِد من سيدنَا القَاضِي فلَان الدّين وَيقدم ذكر الْأَكْبَر مِنْهُمَا
أيده الله تَعَالَى على أَنفسهمَا الْكَرِيمَة بِجَمِيعِ مَا نسب إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ
فَشَهِدت عَلَيْهِمَا بذلك فِي تَارِيخ كَذَا أَو فِي تَارِيخه
كتبه فلَان
وَاعْلَم أَن الْمنزلَة الْعَالِيَة فِي مَوَاضِع الشَّهَادَة من جِهَة الْيَسَار وَبعدهَا جِهَة الْيَمين وَمَا بَينهمَا رُتْبَة وَاحِدَة وَالْأَدب أَن يكْتب المورق رسم شَهَادَته فِي الْوسط تواضعا وَإِن(2/356)
كَانَ أكبر من بَقِيَّة الْعُدُول الَّذين يشْهدُونَ مَعَه فِي ذَلِك الْمَكْتُوب
فَإِن التَّوَاضُع يرفع صَاحبه والحمق يَضَعهُ
وَالْأولَى أَن جَمِيع شُهُود الْمَكْتُوب أَي مَكْتُوب كَانَ أَن يضع رسم شَهَادَته مثل الَّذِي ورق الْمَكْتُوب بِحُرُوفِهِ
فَإِنَّهُم تبعا لَهُ
وَيشْتَرط أَن تكون أسطر رسم الشَّهَادَة ملاصقة لأسطر الْمَكْتُوب من غير خلو بَيَاض بَينهمَا يسع كِتَابَة شَيْء
وَاعْلَم أَن كِتَابَة الشَّاهِد فِي رسم شَهَادَته مَا قدمنَا ذكره من ذكر الْمقر وَالْمقر لَهُ إِلَى آخِره أقوى وَأبين وَأبْعد للشُّبْهَة بِخِلَاف مَا يَكْتُبهُ بعض الشُّهُود بِقصد الِاخْتِيَار
وَهُوَ شهد عَلَيْهِمَا بذلك أَو شهد بذلك وَمِنْهُم من يكْتب شطبه ثمَّ يكْتب اسْمه تحتهَا
فَيخرج عَن مَاهِيَّة الشَّهَادَة ورسمها حسا وَمعنى
وَذَلِكَ مِمَّا لَا يجوز اعْتِمَاده بل يَنْبَغِي للعدل الْجَالِس بَين الْعُدُول أَن يضع رسم شَهَادَته واسْمه وضعا بَينا وَاضحا يعرف بِهِ من بَين بَقِيَّة رسوم الشَّهَادَات
ويتميز بذلك الْوَضع بِحَيْثُ إِنَّه إِذا زورت شَهَادَته فِي مَكْتُوب تكون تِلْكَ الْعَلامَة الَّتِي فِي الرَّسْم مُعينَة على معرفَة التزوير
وَلَا يكْتب فِي وَقت باصطلاح وَفِي وَقت بِغَيْرِهِ
فَيدْخل عَلَيْهِ الدخيل
وَصُورَة مَا يكْتب فِي حجَّة بدين
وفيهَا كَفِيل مثل رسم الشَّهَادَة الَّتِي قبلهَا
وعَلى الْحَاضِر الْكَفِيل أَو الْحَاضِرين إِن كَانُوا جمَاعَة كفلاء بِمَا نسب إِلَيْهِم فِي تَارِيخ كَذَا أَو فِي تَارِيخه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي حجَّة بدين
وَبِه رهن أشهد على الْمقر الرَّاهِن الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَالْمقر لَهُ الْمُرْتَهن الْمُسَمّى أَعْلَاهُ بِمَا نسب إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ فِي تَارِيخ كَذَا أَو فِي تَارِيخه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي إِقْرَار بِقَبض دين أَو غَيره أشهد على إِقْرَار الْمقر الْقَابِض وعَلى الدَّافِع الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بِمَا نسب إِلَيْهِمَا أَعْلَاهُ فِي تَارِيخه
وَاعْلَم أَن بعض الْفُضَلَاء من أهل هَذِه الصِّنَاعَة يُنكرُونَ التَّصْرِيح بالتعلية على الْإِقْرَار مثل قَوْله أشهد على إِقْرَار الْمقر بل يَقُول الصَّوَاب أَن يَقُول أشهد بِإِقْرَار الْمقر الْقَابِض وَلَا يَقُول على إِقْرَار وَكِلَاهُمَا حسن
وَإِن كَانَ الْقَبْض بِحَضْرَة الشُّهُود كتب فِي أصل الْمَكْتُوب بعد قَوْله قبضا شَرْعِيًّا بِحَضْرَة شُهُوده ومعاينتهم لذَلِك وَيُزَاد فِي رسم الشَّهَادَة وعاينت الْقَبْض الْمَذْكُور فِيهِ
وعَلى هَذَا النمط تجْرِي الرسوم فِي جَمِيع الْعُقُود الشَّرْعِيَّة على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا(2/357)
فَإِن الْقَصْد مِنْهَا التَّصْرِيح الَّذِي يُؤمن مَعَه الِاخْتِلَاط والالتباس
وَيكون الشَّاهِد مِنْهُ على بَصِيرَة
وَلَو أَخذنَا فِي استقصاء أَبْوَاب الْعُقُود لضاق الْوَقْت عَن ذكر الْوَاقِع واتسع الْخرق على الراقع
وَأما بَيَان معرفَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ موقع الحكم وَهُوَ الَّذِي يسجل على الْحَاكِم إثباتاته وَأَحْكَامه حَتَّى عرف بهَا وَصَارَ مَقْصُودا بِسَبَبِهَا من بَين الْعُدُول لمعرفته باصطلاحها وشروطها فقد سبق فِي مُقَدّمَة هَذَا التَّأْلِيف مَا يتَعَلَّق بِذَات موقع الحكم وَمَا يشْتَرط فِيهِ من حسن السِّيرَة والنزاهة والعفة والديانة والصيانة والمروءة وبروز الْعَدَالَة
وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فعله من الْأُمُور اللائقة بِهِ وبأمثاله
وَالْكَلَام الْآن فِي هَذَا الْمحل على تَصْحِيح أَهْلِيَّته قبل الْكَلَام على بَيَان مَا يَكْتُبهُ
فَإِنَّهُ من كالشرط من الْمَشْرُوط أَو كالركن من الْمَاهِيّة الَّذِي لَا قيام لَهَا بِدُونِهِ ويتوقف وجودهَا على وجوده
فَأَقُول يشْتَرط فِي كَاتب الحكم أَن يكون حرا بَالغا عَاقِلا غير أَصمّ وَلَا أعمى وَلَا بِهِ آفَة من الْآفَات عدلا عفيفا
ضابطا لما يَقع فِي الْمجْلس شرِيف النَّفس طَاهِر الْعرض والذيل كثير الْحيَاء قَلِيل الطمع غاض الطّرف خَبِيرا بِمَا يطْلب مِنْهُ من تحمل شَهَادَة وَمَا يُوَافق من ذَلِك ظَاهر الشَّرْع عَلَيْهِ الْوَقار والسكينة ثقيل الرَّأْس قَلِيل الْكَلَام سريع الْإِدْرَاك عَالما بِالشُّرُوطِ
واصطلاح الْحُكَّام
عِنْده طرف من النَّحْو بِحَيْثُ تكون كِتَابَته مصانة عَن التحريف والتصحيف واللحن الْفَاحِش وَاقِفًا عِنْد مَا يشهده القَاضِي عَلَيْهِ من غير أَن يزِيد من عِنْده عبارَة يكون فِيهَا إِجْمَال أَو يظْهر مَا فِيهِ إِجْمَال مِمَّا وَقع بِهِ القَاضِي بل يقْتَصر على ذَلِك التوقيع الَّذِي وَقع بِهِ بعبارته إِن كَانَ على طَريقَة الشاميين
وَإِن كتب على طَريقَة المصريين إِذا كَانَ توقيع الْحَاكِم لَهُ ليسجل خَاصَّة فَينزل الْإِثْبَات وَالْحكم على مَوْضِعه السائغ فِي مَذْهَب ذَلِك الْحَاكِم
وَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء لَا يسوغ فِي مذْهبه وَلَا ينْدَرج تَحت الحكم
صرح فِي إسجاله بِثُبُوت مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة عِنْده فِيهِ من كَذَا وَكَذَا
ويسكت عَن ذكر مَا لَا ينْدَرج تَحت الحكم
فَإِن الْموقع فِي الحكم عَلَيْهِ فِي طَريقَة المصريين بدار القَاضِي فِي بَيَان صفة حكمه
وَأَن يكون موقع الحكم صَاحب يقظة بِحَيْثُ إِن القَاضِي إِذا سَهَا عَن شَيْء ينبهه عَلَيْهِ بَينه وَبَينه من غير إِظْهَار ذَلِك السَّهْو لأحد مِمَّن يكون حَاضر الْمجْلس
وَإِن نبهه عَلَيْهِ بعد قِيَامه من الْمجْلس سرا كَانَ أولى(2/358)
وَيكون مَعَ ذَلِك كُله لَهُ معرفَة بالفقه وَالْفُرُوع الْوَاقِعَة بَين النَّاس عَارِفًا بمراتب الشُّهُود الجالسين فِي الحوانيت والمراكز
وعدالتهم وَالْكَلَام فيهم
بِحَيْثُ إِنَّه لَا يدْخل على القَاضِي دخيل من جهتهم
وَيسْتَحب أَن يكون عَارِفًا بِأَهْل الْبَلَد الَّذِي القَاضِي حَاكم بِهِ وبأنسابهم وسيرتهم وأحوالهم وَأَن يكون ملازما لمجلس القَاضِي خُصُوصا إِذا خرج للْحكم
فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَة رَفِيقه وَهُوَ القطب الَّذِي يَدُور عَلَيْهِ أَمر القَاضِي
فَإِن لم يُوجد من بِهِ هَذِه الصِّفَات طلب الأمثل فالأمثل
وَأما بَيَان معرفَة مَا يتَعَلَّق بكتابته
فَمِنْهَا صُورَة إسجال هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة سيدنَا ومولانا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة إِن كَانَ الْحَاكِم قَاضِي الْقُضَاة إِلَى آخر ألقابه ونعوته اللائقة بِهِ مستوفاة وَيَدْعُو لَهُ ثمَّ يَقُول النَّاظر فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بالديار المصرية والممالك الإسلامية مثلا وَإِن كَانَ فِي الشَّام
فَيَقُول النَّاظر فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بالمملكة الشامية المحروسة مثلا ومعاملاتها ونواحيها وضواحيها ومضافاتها وَمَا أضيف إِلَى ذَلِك
وَكَذَلِكَ يَقُول فِي كل مملكة من الممالك الَّتِي تصدر الْولَايَة فِيهَا من السُّلْطَان
وَإِن كَانَ الْحَاكِم نَائِبا فِي الحكم الْعَزِيز
كتب هَذَا مَا أشهد بِهِ على نَفسه الْكَرِيمَة أَو أشهد على نَفسه الْكَرِيمَة أَو أشهد على نَفسه سيدنَا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى
الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم أقضى الْقُضَاة فلَان الدّين إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول خَليفَة الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وَيَدْعُو لَهُ ثمَّ يَقُول من حضر مجْلِس حكمه وقضائه
وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء
وَالْحكم ماضيهما
وَذَلِكَ فِي الْيَوْم الْمُبَارك ويخلي بَيَاضًا يكْتب القَاضِي فِيهِ التَّارِيخ بِخَطِّهِ ثمَّ يَقُول من سنة كَذَا وَكَذَا
أَنه ثَبت عِنْده وَصَحَّ لَدَيْهِ أحسن الله تَعَالَى إِلَيْهِ على الْوَضع الْمُعْتَبر الشَّرْعِيّ والقانون الْمُحَرر المرعي بِشَهَادَة من أعلم لَهُ تلو رسم شَهَادَته بَاطِنه عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول على الرَّسْم الْمَعْهُود فِي مثله إِشْهَاد فلَان وَفُلَان أَو إِشْهَاد فلَان البَائِع أَو الْوَاقِف أَو غير ذَلِك مَا تضمنه ذَلِك الْمَكْتُوب إِلَى آخِره بِلَفْظ مُخْتَصر وجيز يحِيل فِيهِ على الْبَاطِن ثمَّ يَقُول على الحكم المشروح بَاطِنه وباطنه مؤرخ بِكَذَا وَكَذَا
وَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء من الْفُصُول
كتب بعد ذكر تَارِيخ الْبَاطِن ومضمون الْفُصُول الثَّلَاثَة أَو الْأَرْبَعَة المتضمن أحدهم كَذَا وَكَذَا ومضمون الثَّانِي كَذَا ومضمون الثَّالِث كَذَا
ومضمون الرَّابِع كَذَا
فَإِذا استوفى ذكرهَا(2/359)
كتب على مَا نَص وَشرح فِي كل من الْفُصُول المسطرة بَاطِنه على الْوَجْه الشَّرْعِيّ ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله تَعَالَى أَحْكَامه وسدد نقضه وإبرامه بِمُوجب ذَلِك أَو بِمُوجب مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده فِيهِ أَو بِصِحَّة البيع أَو بِصِحَّة الْوَقْف على النَّفس أَو بِصِحَّة المداينة أَو غير ذَلِك مِمَّا يُرَاد فِيهِ الحكم بِالصِّحَّةِ إِلَى آخِره
ثمَّ يَقُول حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَإِن كَانَ الْمَحْكُوم بِهِ مِمَّا يشْتَرط فِيهِ التشخيص صرح بِهِ فِي الحكم ثمَّ يَقُول مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي التَّارِيخ الْمُقدم ذكره الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ الْكَرِيم أَعْلَاهُ شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ وأدام علاهُ ويخلي بَيَاضًا يكْتب القَاضِي فِيهِ الحسبلة
وَإِن كتب الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَطِّهِ قبل الحسبلة فَهُوَ أَجود وأبرك وأيمن
وَصُورَة مَا يكْتب فِي إسجال التَّنْفِيذ الصَّدْر الْمُقدم ذكره إِلَى قَوْله إِنَّه ثَبت عِنْده إِلَى آخِره
إِشْهَاد سيدنَا ومولانا فلَان الدّين وَيذكر ألقابه المشروحة فِي إسجاله الصَّادِر عَنهُ الَّذِي يُرَاد تنفيذه أَو إِشْهَاد سيدنَا فلَان الدّين إِن كَانَ نَائِبا الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِي إسجاله المسطر بَاطِنه أَو بهامشه أَو بِظَاهِرِهِ أَو عَن يَمِينه أَو عَن يسرته المتضمن كَذَا وَكَذَا ثمَّ يَقُول المؤرخ بِخَطِّهِ الْكَرِيم بِكَذَا وَكَذَا ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَنفذ سيدنَا ومولانا فلَان الدّين الْحَاكِم الشَّافِعِي مثلا الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ أدام الله علاهُ حكم سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْحَنَفِيّ مثلا الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِي إسجاله المسطر أَعْلَاهُ أَو تنفيذه الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فِي إسجاله المسطر أَعْلَاهُ على مَا نَص وَشرح تنفيذا صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ
مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق من الْعَلامَة عَن يسرة الْبَسْمَلَة والتاريخ فِي الْوسط والحسبلة فِي آخِره
كل ذَلِك بِخَط الْحَاكِم على مَا تقدم بَيَانه
وَصُورَة مَا يكْتب موقع الحكم وَهُوَ المسجل بِالشَّهَادَةِ على الْحَاكِم أشهدني سيدنَا ومولانا وَيذكر ألقاب الْحَاكِم الْمُقدم ذكرهَا فِي الإسجال الْمَشْهُود فِيهِ من غير تَطْوِيل وَلَا اخْتِصَار على نَفسه الْكَرِيمَة بِمَا نسب إِلَيْهِ فِي إسجاله المسطر أَعْلَاهُ
على مَا نَص وَشرح فِيهِ
فَشَهِدت عَلَيْهِ بذلك فِي التَّارِيخ الْمُقدم ذكره الْمَكْتُوب بِخَطِّهِ الْكَرِيم أَعْلَاهُ شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ بِحَيْثُ يَنْتَهِي ذَلِك فِي سطرين
وَفِي السطر الثَّالِث الصَّغِير وَكتبه فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَيكْتب كل وَاحِد من رفقته تَحت هَذَا الأول على(2/360)
سمت أسطر الإسجال سطرا وَاحِدًا يَقُول فِيهِ وَكَذَلِكَ أشهدني أيد الله أَحْكَامه وأدام أَيَّامه على نَفسه الْكَرِيمَة بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
فَشَهِدت عَلَيْهِ بِهِ فِي تَارِيخه وسطر صَغِير جدا تَحْتَهُ وَكتبه فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ وَكَذَلِكَ يكْتب الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع
فَصَاعِدا
وَصُورَة مَا يكْتب فِي البعدية وَغَيرهَا مِمَّا فِيهِ حكم أَو ثُبُوت مُجَرّد أشهدني سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أيده الله تَعَالَى وَفِي سطر ثَان تَحْتَهُ على نَفسه الْكَرِيمَة بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
فَشَهِدت عَلَيْهِ بِهِ
وَفِي سطر ثَالِث تَحْتَهُ وعَلى كل وَاحِد من المتؤاجرين أَو الْمُتَبَايعين أَو الْمُتَعَاقدين بِمَا نسب إِلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي تَارِيخه
وَفِي سطر رَابِع تَحت هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَكتب فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ
وَإِن شَاءَ كتب هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا فِي سطرين أَو ثَلَاثَة وَيكْتب رَفِيقه إِلَى جَانِبه كَذَلِك
وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِيمَا عَلامَة الْحَاكِم عَلَيْهِ جرى ذَلِك أَو فرضت ذَلِك وأذنت فِيهِ أَو أَذِنت فِي ذَلِك خَاصَّة أَو فوضت ذَلِك أَو أمضيت ذَلِك وَنَحْوه
وَصُورَة الْإِشْهَاد على الْحَاكِم الْقَائِم مقَام الإسجال على طَريقَة الشاميين فِيمَا يُوقع القَاضِي فِيهِ بالعلامة فِي بَاطِن الْمَكْتُوب ويوقع فِي هامشه بِمَا يشْهد بِهِ عَلَيْهِ من الثُّبُوت وَالْحكم والتنفيذ وَغَيره على الصِّيغَة الْمُقدم ذكرهَا أشهدني سيدنَا ومولانا إِن كَانَ قَاضِي الْقُضَاة ذكر ألقابه اللائقة بِهِ ودعا لَهُ بقوله أدام الله أَيَّامه وأعز أَحْكَامه وأسبغ ظلاله
وَختم بالصالحات أَعماله وَإِن كَانَ نَائِبا ذكر ألقابه ودعا لَهُ بأيده الله تَعَالَى مَعَ اسْتِيفَاء ذكر الْحَاكِم وَالتَّصْرِيح باسمه وَاسم أَبِيه وَاسم جده ليخرج بذلك من الْخلاف ثمَّ يَقُول الشَّافِعِي أَو الْحَنَفِيّ مثلا بالمملكة الْفُلَانِيَّة ثمَّ يَقُول على نَفسه الْكَرِيمَة حرسها الله تَعَالَى فِي مجْلِس حكمه الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ أَنه ثَبت عِنْده إِشْهَاد الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين بَاطِنه على أَنفسهمَا بِجَمِيعِ مَا نسب إِلَيْهِمَا بَاطِنه وجريان عقد التبايع بَينهمَا فِي البيع الْمعِين بَاطِنه على الْوَجْه المشروح بَاطِنه ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَشَهِدت عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَإِن كَانَت الْبَيِّنَة قَامَت عِنْد الْحَاكِم بِأَكْثَرَ مِمَّا ذكرنَا فيزاد وأصل ذَلِك اعْتِبَار مَا وَقع بِهِ الْحَاكِم بِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان
وَكَذَلِكَ يفعل فِي الإشهادات بالتنافيذ وتنافيذ التنافيذ
انْتهى
النَّوْع الثَّانِي فِي بَيَان مَا تقوم بِهِ الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم وَمَا يجْرِي تَحت تحمل شاهدة(2/361)
الشَّاهِد على اخْتِلَاف الْحَالَات والوقائع
وَذَلِكَ مَحْصُور فِي قسمَيْنِ
الْقسم الأول مَا تقوم بِهِ الْبَيِّنَة قبل الدَّعْوَى بِإِذن الْحَاكِم
وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا فِي صِيغَة المحاضر
وَهَذَا الْقسم هُوَ الْمَقْصُود المحصور فِي هَذَا الْبَاب لغَلَبَة تعلقه بِهِ
وَهِي متنوعة
وَقد جرت الْعَادة أَن الْمحْضر إِذا كتب بِبَلَد فِيهِ قَاضِي الْقُضَاة فَلَا يَأْمر بِكِتَابَة الْمحْضر إِلَّا هُوَ
وَإِن التمس مِنْهُ ثُبُوته على نَفسه فعل
وَإِن طلب مِنْهُ ثُبُوته على نَائِبه عينه عَلَيْهِ
وَعِنْده تُقَام الدَّعْوَى بعد ثُبُوت التَّوْكِيل إِن كَانَت الدَّعْوَى من وَكيل أَو على وَكيل ثمَّ تُقَام بَيِّنَة الأَصْل ثمَّ بَيِّنَة الْفُصُول إِن كَانَ مِمَّا يحْتَاج إِلَى مُقَدمَات أَو فُصُول
ثمَّ يرقم القَاضِي للشُّهُود ويسجل أَو يشْهد فِيهِ بالثبوت وَالْحكم كَمَا تقدم
وَاعْلَم أَن الْقَاعِدَة فِي كل محْضر يكْتب بِإِذن الْحَاكِم أَن يكْتب فِي طرة الورقة سؤالا بالغرض الْمَطْلُوب
فَإِن كتبه على طَريقَة المصريين فَيَقُول الْمَمْلُوك فلَان يقبل الأَرْض وَينْهى كَيْت وَكَيْت
فَإِذا انْتهى من الإنهاء فَيَقُول وللمملوك بَيِّنَة تشهد بذلك
وسؤاله من الصَّدقَات العميمة إِذن كريم بِكِتَابَة محْضر شَرْعِي بذلك
ويكمل
وَإِن كتب على طَريقَة الشاميين
فَيَقُول الْمَمْلُوك فلَان يقبل الأَرْض وَيسْأل الصَّدقَات العميمة والعواطف الرحيمة سيدنَا ومولانا قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين إِذن كريم بِكِتَابَة محْضر شَرْعِي بَكَيْت وَكَيْت
فَإِذا انْتهى من ذكر قَصده يَقُول صَدَقَة عَلَيْهِ وإحسانا لَدَيْهِ
وَفِي الطَّرِيقَة الأولى يكْتب تَحت الإنهاء بعد خلو بَيَاض يسير نَحْو أصبعين الْبَيِّنَة فِي الْوسط
وَيكْتب تحتهَا من محاذاة رَأس السطور الإنهاء الْعدْل فلَان الْفُلَانِيّ
وَإِن لم يُصَرح بعدالته
فَيَقُول فلَان ابْن فلَان الْفُلَانِيّ
وَيكْتب الآخر إِلَى جَانِبه وَاحِدًا بعد وَاحِد على صفة الرَّسْم فِي الشَّهَادَة
ثمَّ يكْتب الْحَاكِم الْآذِن فِي أَسْفَل طرف السُّؤَال على يسَار القارىء ليكتب ثمَّ يكْتب الْموقع فِي أَسْفَل رسوم الْبَيِّنَة وَأَسْمَاء من ذكر مِنْهَا بعد خلو بَيَاض نَحْو ثَلَاثَة أَصَابِع الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة وَبعدهَا شُهُوده الواضعين خطوطهم آخِره من أهل الْخِبْرَة الْبَاطِنَة وَالْعلم التَّام يعْرفُونَ فلَانا الْفُلَانِيّ معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَامِعَة لعَينه واسْمه وَنسبه
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك شَهَادَة لَا يَشكونَ فِيهَا وَلَا يرتابون هم بهَا عالمون وَلها محققون وعنها غَدا بَين يَدي أحكم الْحَاكِمين مسؤولون أَن الْأَمر كَيْت وَكَيْت
وَالْقَاعِدَة فِي الْفُصُول الَّتِي تكْتب بمقدمات الْعُقُود فِي ديوَان المكاتيب أَو فِي(2/362)
هوامشها يشْهد من سيضع خطه آخِره وَمن سيوضع عَنهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ أَن الْأَمر كَيْت وَكَيْت يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
ويؤرخ
وَإِذا أرخ الْمحْضر المقتضب الناشىء عَن إنهاء وسؤال يَقُول وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي المولوي ويستوفي ألقاب قَاضِي الْقُضَاة الْآذِن فِي كِتَابَته إِلَى آخرهَا بإلحاق يَاء الْإِضَافَة وَيَدْعُو لَهُ
ثمَّ يَقُول بِمُقْتَضى خطه الْكَرِيم أَعْلَاهُ
شرفه الله تَعَالَى وَأَعلاهُ وأدام رفعته وعلاه
صُورَة المحاضر المختصة بِبَيْت المَال لما كَانَ بتاريخ كَذَا وَكَذَا ورد من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة السُّلْطَانِيَّة الملكية الْفُلَانِيَّة خلد الله ملك مَالِكهَا وَنَصره وكبت عدوه وقهره مرسوم شرِيف مربع متوج بِالِاسْمِ الشريف فلَان
مكمل العلائم مضمونه كَذَا وَكَذَا مؤرخ بِكَذَا
فَحِينَئِذٍ برز مرسوم الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ
كافل المملكة الْفُلَانِيَّة إِلَى وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْمشَار إِلَيْهَا وَهُوَ فلَان الْفُلَانِيّ بامتثال مَا برزت بِهِ المراسيم الشَّرِيفَة
فقابل وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ المرسوم الْكَرِيم بالامتثال والسمع وَالطَّاعَة
وَتقدم هُوَ وشهود الْقيمَة وأرباب الْخِبْرَة
وَمن جرت عَادَته بِالْوُقُوفِ على مِثَال ذَلِك
ووقفوا جَمِيعًا على الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فِي المرسوم الشريف الَّتِي هِيَ من عمل مَدِينَة كَذَا ومضافاتها وعَلى أراضيها وحدودها وفواصلها
وحرروا ذَلِك وأمعنوا النّظر فِيهِ
فوجدوها تشْتَمل على أَرَاضِي معتمل ومعطل وَسقي وعدي وبيادر وأنادر وَسَهل ووعر وجباب وصهاريج ودمن ومساكن وَحُقُوق
وعَلى قَائِم أَشجَار مُخْتَلف الثِّمَار وغراس مستجد مثمر وَغير مثمر ويحدد الْقرْيَة وأراضيها ثمَّ جعلُوا أَرَاضِي هَذِه الْقرْيَة الدَّاخِلَة فِي حُدُودهَا كَذَا وَكَذَا قِطْعَة
وذرعوا كل قِطْعَة
وأحصوا ذرعها من نَوَاحِيهَا الْأَرْبَع فَكَانَت الْقطعَة الأولى مربعة مُتَسَاوِيَة الْأَطْرَاف لَيْسَ فِيهَا تبنيق
فَكَانَت قبْلَة وَشمَالًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا وشرقا وغربا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا
فَضربُوا الذرع الأول وَهُوَ كَذَا فِي الذرع الثَّانِي
وَهُوَ كَذَا فَبلغ على حكم الضَّرْب والمساحة قَاعِدَة فِي ريح كَذَا وَكَذَا ألف ذِرَاع ثمَّ ذرعوا الْقطعَة الثَّانِيَة
وَهِي مبنقة مُخْتَلفَة الْأَطْرَاف فَكَانَ ذرعها من رَأسهَا القبلي شرقا وغربا كَذَا
وَمن رَأسهَا الشمالي شرقا وغربا كَذَا ثمَّ ضربوا الذرعين فِي بعضهما بَعْضًا
فَبلغ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا ثمَّ يذكر ذرع كل قِطْعَة وَقطعَة كَذَلِك
وَيذكر حُدُود كل قِطْعَة على حِدة ثمَّ يَقُول فَصَارَت مساحة أَرَاضِي هَذِه الْقرْيَة كَذَا وَكَذَا ذِرَاعا بالذراع الْهَاشِمِي أَو النجاري أَو ذِرَاع الْعَمَل
وَلما وقف شُهُود الْقيمَة على هَذِه الْأَرَاضِي جَمِيعهَا وعرفوها الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة وَأَحَاطُوا بهَا علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة شهدُوا(2/363)
شَهَادَة هم بهَا عالمون وَلها محققون
وفيهَا محقون
لَا يَشكونَ فِيهَا وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا يرتابون أَن هَذِه الْقرْيَة بحقوقها كلهَا ملك من أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا يَوْم تَارِيخه
وَأَن قيمَة هَذِه الْقرْيَة وأراضيها مبلغ كَذَا وَكَذَا الْقيمَة العادلة لَهَا يَوْم تَارِيخه على شُهُوده ذَلِك وشهدوا بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
ويؤرخ
محْضر على صُورَة أُخْرَى يكْتب صدر الْمحْضر كَمَا تقدم أَولا
وَهُوَ شُهُوده الواضعون خطوطهم إِلَى آخِره يعْرفُونَ جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة وأراضيها الْمُشْتَملَة على كَذَا وَكَذَا ويصفها ويحددها ثمَّ يَقُول بِحُقُوق ذَلِك كُله وأراضيه معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهَا ملك جَار فِي أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور وبيد من لَهُ الْولَايَة عَلَيْهِ شرعا وَأَن قيمَة الْقرْيَة المحدودة الموصوفة بأعاليه يَوْم تَارِيخه كَذَا وَكَذَا
وَأَن ذَلِك قيمَة عادلة لَهَا لَا حيف فِيهَا وَلَا شطط وَلَا غبينة وَلَا فرط
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
وَذَلِكَ بعد أَن ورد مرسوم شرِيف مربع وَيذكر مضمونه وتاريخه ويكمل على نَحْو مَا تقدم فِي الصُّورَة الَّتِي قبل هَذِه
محْضر يتَضَمَّن الْوُقُوف على أَرَاضِي قَرْيَة بِمُقْتَضى مرسوم شرِيف وَبطلَان البيع فِيهَا وارتجاعها إِلَى بَيت المَال
لما كَانَ بتاريخ كَذَا وَكَذَا
ورد مرسوم شرِيف مربع من الْأَبْوَاب الشَّرِيفَة
مكمل بالعلائم متوج بِالِاسْمِ الشريف فلَان
مؤرخ بِكَذَا وقرينه مِثَال شرِيف لمولانا الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ
كافل المملكة الْفُلَانِيَّة على يَد الْمجْلس العالي الْفُلَانِيّ
أحد البريدية بالأبواب الشَّرِيفَة
مَضْمُون المرسوم الشريف المربع بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة والصدر الشريف أَن يتَقَدَّم وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بالمملكة الْفُلَانِيَّة بالتوجه هُوَ وشهود الْقيمَة وأرباب الْخِبْرَة بِالْوُقُوفِ على قَرْيَة كَذَا وعَلى أراضيها وتحرير أمرهَا وَقطع حُدُودهَا
وَالْقيمَة عَنْهَا حِين برزت المراسيم الشَّرِيفَة بتقويمها فِي سنة كَذَا وبيعت بِمُقْتَضى تِلْكَ الْقيمَة من فلَان ووقفها وَعمل محَاضِر شَرْعِيَّة بِقِيمَتِهَا من ذَلِك التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وثبوتها لَدَى الْحُكَّام قُضَاة الْإِسْلَام وَبِنَاء الْأَمر فِي ذَلِك كُله على مُقْتَضى الشَّرْع المطهر فِي بطلَان البيع الصَّادِر فِيهَا من وَكيل بَيت المَال فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَبطلَان الْوَقْف الَّذِي وَقفه المُشْتَرِي ورجوعها إِلَى أَمْلَاك بَيت المَال إِذا ظهر(2/364)
أَنَّهَا بِيعَتْ بِدُونِ الْقيمَة العادلة وَالْحكم بِبُطْلَان البيع وَبطلَان الْوَقْف الْمُتَرَتب على ذَلِك
وَالْعَمَل فِي ذَلِك بِمُوجب الشَّرْع الشريف
ومضمون الْمِثَال الشريف الْوَارِد قرينه على كافل المملكة الْفُلَانِيَّة الْمشَار إِلَيْهِ بعد الْبَسْمَلَة الشَّرِيفَة والصدر الشريف أَنه اتَّصل بالمسامع الشَّرِيفَة أَنه لما قومت قَرْيَة كَذَا فِي تَارِيخ كَذَا وبيعت من بَيت المَال الْمَعْمُور من فلَان الْفُلَانِيّ ووقفها حصل التَّفْرِيط والإهمال فِي تَحْرِير قيمتهَا وَأَنَّهَا قومت بِدُونِ قيمتهَا العادلة بِنَقص فَاحش
وَأَنه حصل التَّدْلِيس على شُهُود الْقيمَة فِي أَمر أراضيها بِمِقْدَار كثير
وَقد أفتى الْعلمَاء بِبُطْلَان البيع وَالْوَقْف الْمُتَرَتب عَلَيْهِ إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك ومرسومنا للجناب الْكَرِيم أَن يتَقَدَّم أمره لوكيل بَيت المَال الْمَعْمُور وللمجلس العالي الْفُلَانِيّ أحد البريدية بالأبوب الشَّرِيفَة ولأحد الْحجاب بالمملكة الْفُلَانِيَّة الْمشَار إِلَيْهَا وصحبتهم شُهُود الْقيمَة وأرباب الْخِبْرَة بالأراضي وَقيمتهَا
وَمن جرت عَادَتهم بِالْوُقُوفِ على ذَلِك بالتوجه إِلَى الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَالْوُقُوف عَلَيْهَا بِحُضُور مشايخها وفلاحيها وجيرة الْقرْيَة الْمَذْكُورَة من الْقرى الَّتِي حولهَا
المجاورين لَهَا المتاخمين لأرضها وتحرير الْأَمر فِيهَا وكشفها كشفا شافيا وتحريرا وافيا
وَعمل محَاضِر شَرْعِيَّة بِقِيمَتِهَا حِين قومت فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم
وَإِذا ظهر الْأَمر فِي الْقيمَة حَسْبَمَا ذكر فليحمل الْأَمر فِيهِ على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف ويقتضيه وَيعْمل فِي بطلَان البيع وَالْوَقْف بِمُقْتَضَاهُ
فقابل مَوْلَانَا ملك الْأُمَرَاء أعز الله أنصاره المراسيم الشَّرِيفَة بالامتثال والسمع وَالطَّاعَة
وبرز أمره الْكَرِيم بتجهيز من ذكر إِلَى الْقرْيَة الْمَذْكُورَة
فتوجهوا جَمِيعًا إِلَيْهَا
ووقفوا على أراضيها وحدودها وفواصلها
فوجدوها تشْتَمل على كَذَا وَكَذَا وَيذكر اشتمالاتها وحدودها من جهاتها الْأَرْبَع وكشفوا عَن متحصل مغلاتها حَال تقويمها فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم
فوجدوه كَذَا وَكَذَا
ووقفوا على محْضر الْقيمَة الْقَدِيم
فوجدوا أَنَّهَا قومت يَوْم ذَاك بمبلغ كَذَا يكون متحصل مغلاتها كَذَا وَكَذَا فِي كل سنة وَأَن الْقرْيَة إِذا كَانَ متحصل مغلاتها فِي السّنة ألف دِرْهَم مثلا
تكون قيمتهَا مَا يتَحَصَّل من مغلها فِي عشْرين سنة
فَحصل التَّقْوِيم فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم على هَذَا الحكم
ووجدوا متحصل الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فِي التَّارِيخ الَّذِي قومت فِيهِ وَمَا قبله لسني كَثِيرَة وَمَا بعده وَإِلَى الْآن فِي كل سنة مَا يزِيد على مائَة ألف وَخمسين ألف
فَشهد شُهُود الْقيمَة الَّذين شاهدوا ذَلِك وعرفوه وحرروه التَّحْرِير الشافي أَن قيمَة الْقرْيَة حَال تقويمها بالمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ مَا مبلغه ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم الْقيمَة العادلة لَهَا يَوْم التَّقْوِيم الْمُتَقَدّم وَهُوَ نَظِير مَا يتَحَصَّل(2/365)
مِنْهَا فِي عشْرين سنة
وَلما جرى الْأَمر كَذَلِك
وَوضع شُهُود الْقيمَة خطوطهم ورسم شَهَادَتهم آخِره بذلك
وطالعوا بِهِ مسامع مَوْلَانَا ملك الْأُمَرَاء برز مرسومه الْكَرِيم يحمل الْأَمر فِي ذَلِك إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَالْعَمَل فِيهِ بِمَا تَقْتَضِيه الشَّرِيعَة المطهرة
فتوجهوا إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ
وَتقدم فلَان وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور بِرَفْع الْمحْضر الْمَذْكُور إِلَى بَين يَدي الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ والمحضر الْقَدِيم
وَكتاب التبايع
وَكتاب الْوَقْف الْمشَار إلَيْهِنَّ أَعْلَاهُ
فَوقف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ على ذَلِك جَمِيعه وتأمله وتدبره وأمعن فِيهِ فكره وَنَظره
فَحِينَئِذٍ سَأَلَهُ وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ سَماع دَعْوَاهُ الشَّرْعِيَّة بذلك
فَأجَاب فَادّعى وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ على فلَان الْمُبْتَاع الْوَاقِف الْمَذْكُور أَو على فلَان الْوَكِيل الشَّرْعِيّ عَن فلَان الْمُبْتَاع الْوَاقِف الْمَذْكُور أَعْلَاهُ
الثَّابِت تَوْكِيله عَنهُ فِي ذَلِك شرعا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أَو على فلَان الْفُلَانِيّ مَنْصُوب الحكم الْعَزِيز بعد ثُبُوت غيبَة المُشْتَرِي الْوَاقِف الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عَن مَدِينَة كَذَا وعملها يَوْمئِذٍ الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة المسوغة لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَالْحكم على الْغَائِب بِمَا يسوغ شرعا الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أَن الْأَمر جرى فِي محْضر الْقيمَة الأول وَالثَّانِي على الْوَجْه المشروح فيهمَا وَأَنه بِمُقْتَضى مَا شرح فيهمَا وَقع عقد البيع بَاطِلا وَأَن الْوَقْف مترتب بُطْلَانه على بطلَان البيع
وَسَأَلَ سُؤال الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو وَسَأَلَ سُؤال الْوَكِيل الْمَذْكُور أَو وَسَأَلَ سُؤال الْمَنْصُوب الْمَذْكُور عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بقوله يثبت مَا يَدعِيهِ
فأحضر وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور الْمشَار إِلَيْهِ شُهُود الْقيمَة
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى صَحِيحَة الْعبارَة والفحوى فِي وَجه الْمُشْتَرى الْوَاقِف الْمَذْكُور أَو فِي وَجه الْوَكِيل الْمَذْكُور أَو فِي وَجه الْمَنْصُوب الْمَذْكُور أَن قيمَة الْقرْيَة الْمَذْكُورَة فِي التَّارِيخ الَّذِي قومت فِيهِ بمبلغ ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف مثلا مَا مبلغه ثَلَاثَة آلَاف ألف
عرف سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شُهُود الْقيمَة الْمشَار إِلَيْهِم وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَأعلم لكل مِنْهُم تلو رسم شَهَادَته عَلامَة الْأَدَاء وَالْقَبُول على الرَّسْم الْمَعْهُود فِي مثله وَثَبت عِنْده جَرَيَان عقد التبايع الأول الْجَارِي بَين الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين فِي مَكْتُوب التبايع الْمحْضر لَدَيْهِ بِالْقيمَةِ الأولى وإشهاد المُشْتَرِي الْوَاقِف الْمَذْكُور على نَفسه بوقفية ذَلِك على الحكم المشروح(2/366)
فِي كتاب وقف ذَلِك الْمَنْسُوب إِلَيْهِ على مَا نَص وَشرح فِيهِ ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَتبين عِنْده بطلَان الْقيمَة فِي الْمحْضر الْقَدِيم وَبطلَان عقد البيع الْمُتَرَتب على الْقيمَة الْمَذْكُورَة أَولا
وَبطلَان الْوَقْف الْمُتَرَتب على هَذَا البيع الْفَاسِد
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ وَكيل بَيت المَال الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان الْمحْضر الْقَدِيم وَبطلَان عقد البيع وَبطلَان الْوَقْف تبعا لَهُ الْمُتَّصِل ذَلِك بِهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ الثَّابِت لَدَيْهِ شرعا
فاستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بِبُطْلَان الْقيمَة فِي الْمحْضر الْقَدِيم وَبطلَان عقد البيع الْمُتَرَتب على الْقيمَة الْمَذْكُورَة أَولا
وَبطلَان الْوَقْف الْمُتَرَتب على ذَلِك لوُجُود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضِي لذَلِك الثَّابِت لَدَيْهِ بطريقه الشَّرْعِيّ حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك وَإِن كَانَ الحكم فِي غيبَة المُشْتَرِي الْوَاقِف فَيبقى كل ذِي حجَّة مُعْتَبرَة على حجَّته إِن كَانَت
ويكمل
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
وَيشْهد عَلَيْهِ شُهُود مجْلِس حكمه وَغَيرهم وَيَضَع شُهُود الْقيمَة خطوطهم فِيهِ
محْضر آخر على صفة أُخْرَى إِذا وَقع الِاخْتِصَار من أَرَاضِي الْقرْيَة يكْتب الصَّدْر الْمَذْكُور إِلَى قَوْله
ووقفوا جَمِيعًا على الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وعَلى أراضيها وحدودها وبينوا فواصلها من نَوَاحِيهَا الْأَرْبَع فوجدوا أَن الْأَرَاضِي الَّتِي وَقعت عَلَيْهَا الْقيمَة أَولا نَحوا من الثُّلثَيْنِ من أَرَاضِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَأَن الْأَرَاضِي الَّتِي أهملت بِغَيْر قيمَة نَحوا من الثُّلُث
وَذكر شُهُود الْقيمَة أَنهم لما وقفُوا أَولا على أَرَاضِي الْقرْيَة لم يبلغُوا هَذِه الْحُدُود الْمعينَة يَوْمئِذٍ
وَإِنَّمَا وقفهم المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَمن مَعَه من فلاحي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة دونهَا وَعين شُهُود الْقيمَة الْحُدُود الَّتِي وقفُوا عَلَيْهَا أَولا
فَإِذا هِيَ دَاخل حُدُود الْقرْيَة الْمَذْكُورَة بِنَحْوِ من الثُّلُث ونظروا فِيمَا قومُوا بِهِ أَولا
فَإِذا هُوَ مائَة ألف مثلا
فَظهر لَهُم أَن النَّقْص فِي الْقيمَة عَن أراضيها جَمِيعهَا خمسين ألف دِرْهَم
فَحِينَئِذٍ شهدُوا شَهَادَة هم بهَا عالمون وَلها محققون أَن قيمَة الْقرْيَة الْمَذْكُورَة بِجَمِيعِ أراضيها وحقوقها وأشجارها وغراسها ونصوبها وجدرانها خلا مَا بهَا من مَسْجِد ومقبرة وَطَرِيق للْمُسلمين مبلغ مائَة ألف وَخمسين ألف دِرْهَم ثمَّ يطالع ملك الْأُمَرَاء بذلك ويرفعهم إِلَى حَاكم الشَّرْع الشريف
وَيَدعِي وَكيل بَيت المَال على المُشْتَرِي أَو على وَكيله الشَّرْعِيّ أَو مَنْصُوب الشَّرْع(2/367)
وتقام الْبَيِّنَة عِنْد الْحَاكِم بالقيمتين الأولى وَالثَّانيَِة ويتصل بالحاكم البيع وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ من وقف أَو غَيره ثمَّ يسْأَل وَكيل بَيت المَال الحكم بِبُطْلَان عقد البيع وَمَا ترَتّب عَلَيْهِ وانتزاع الْقرْيَة من الْمُدعى عَلَيْهِ وَرفع يَده عَنْهَا
وارتجاعها إِلَى أَمْلَاك بَيت المَال
فيعذر إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ
ويسأله عَن دَافع شَرْعِي
فيعترف عَنهُ أَنه ابتاعها بِالثّمن الْمعِين أَولا
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَأَنه دفع الثّمن إِلَى وَكيل بَيت المَال الْمَعْمُور وَحمل الثّمن إِلَى بَيت المَال وَتقوم الْبَيِّنَة عِنْده بذلك فِي الْمحْضر المكتتب أَولا
فيعلمه الْحَاكِم أَنه ثَبت عِنْده أَن الْقيمَة عَن الْقرْيَة الْمَذْكُورَة حَالَة الشِّرَاء مائَة ألف وَخمسين ألفا وَأَنه تبين عِنْده بطلَان البيع بِمُقْتَضى ذَلِك
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
ثمَّ يحكم بِبُطْلَان البيع وانتزاع الْقرْيَة من يَد المُشْتَرِي وارتجاعها إِلَى أَمْلَاك بَيت المَال الْمَعْمُور حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول وَوَجَب للْمُشْتَرِي الْمَذْكُور الرُّجُوع بِالثّمن الَّذِي دَفعه فِي بَيت المَال وجوبا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بملكية قَرْيَة وصلت إِلَى بَيت المَال بِغَيْر حق وبيعت من بَيت المَال بِقصد الانتزاع مِمَّن هِيَ فِي يَده الْآن شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بِكَذَا ثمَّ يصفها ويحددها بِجَمِيعِ حُقُوق ذَلِك كُله إِلَى آخِره معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهَا لم تزل ملكا وَاجِبا مُسْتَحقّا للْجَمَاعَة الْآتِي ذكرهم فِيهِ المعروفين لشهوده وَأَنَّهَا حق من حُقُوقهم
وواجب من واجباتهم
وَبينهمْ على أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما
من ذَلِك عشرَة أسْهم لفُلَان وَثَمَانِية أسْهم لفُلَان وَسِتَّة أسْهم لفُلَان
ملكوها ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا من وَجه شَرْعِي لَازم مُتَقَدم على تَارِيخه بطرِيق أوجبه الشَّرْع الشريف واقتضاه
وسوغه الحكم الْعَزِيز وأمضاه
وَأَنَّهَا انْتَقَلت إِلَيْهِم بَينهم حَسْبَمَا فصل أَعْلَاهُ انتقالا صَحِيحا شَرْعِيًّا بطرِيق مُعْتَبر شَرْعِي لَازم جَائِز من مَالك جَائِز مُسْتَحقّ مستوجب جَائِز التَّصَرُّف من غير مَانع وَلَا معَارض وَلَا مُنَازع وَهُوَ فلَان
وَأَن كلا مِنْهُم لم يزل مَالِكًا حائزا مُسْتَحقّا مستوجبا لحصته الْمعينَة لَهُ أَعْلَاهُ من الْقرْيَة المحدودة الموصوفة أَعْلَاهُ متصرفا فِيهَا التَّصَرُّف التَّام بيد ثَابِتَة مستمرة إِلَى أَن وضع مباشروا بَيت المَال الْمَعْمُور أَيْديهم عَلَيْهَا بِغَيْر حق وباعوها بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي وَأَنَّهَا الْآن فِي يَد فلَان بِغَيْر حق وَأَنَّهَا لم تخرج وَلم تنْتَقل عَن ملك الْمَذْكُورين بِنَوْع من أَنْوَاع الِانْتِقَالَات الشَّرْعِيَّة بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب إِلَى الْآن وَأَنَّهُمْ مستحقون لَهَا مستوجبون لانتزاعها مِمَّن هِيَ فِي يَده الْآن أَو من يَد فلَان الْمَذْكُور استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ
مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
ويؤرخ ثمَّ(2/368)
يَقُول وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم العالي الحاكمي الْفُلَانِيّ حسب المرسوم الشريف السلطاني الْوَارِد على الْمقر الْأَشْرَف العالي الْفُلَانِيّ كافل المملكة الْفُلَانِيَّة المتضمن تَمْكِين الْمَشْهُود لَهُم من عمل محْضر شَرْعِي فِي ذَلِك بِمَا يسوغه الشَّرْع الشريف ويقتضيه المؤرخ بِكَذَا
صُورَة محْضر بملكية دَار مُسْتَقِرَّة بيد مَالِكهَا شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه لم يزل مَالِكًا حائزا مُسْتَحقّا مستوجبا لجَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وتوصف ويحدد بحقوقها كلهَا ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا وحيازة تَامَّة واستحقاقا كَامِلا وَأَنَّهَا لم تزل فِي يَده وَملكه وحيازته
يتَصَرَّف فِيهَا تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم بالسكن والإسكان وَسَائِر وُجُوه الانتفاعات الشَّرْعِيَّة فِي مثل ذَلِك من مُدَّة طَوِيلَة تتقدم على تَارِيخه بيد ثَابِتَة مُسْتَقِرَّة مستمرة شَرْعِيَّة من غير معَارض وَلَا مُنَازع لَهُ فِي ذَلِك وَلَا فِي شَيْء مِنْهُ وَلَا يعلمُونَ أَنَّهَا خرجت عَنهُ وَلَا انْتَقَلت عَن ملكه بِنَوْع من أَنْوَاع الِانْتِقَالَات الشَّرْعِيَّة على سَائِر الْوُجُوه إِلَى الْآن
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا
ويؤرخ
وَيكْتب الْآذِن على نَحْو مَا تقدم
محْضر بإنشاء ملك شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه ابْتَاعَ من فلَان أَو من بَيت المَال الْمَعْمُور بِمُبَاشَرَة وَكيله فلَان الدّين جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الساحة الْكَشْف الخالية من الْعِمَارَة والسقف والأساسات والآلات الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحدد شِرَاء صَحِيحا شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه دفع إِلَى البَائِع الثّمن الْمَذْكُور فَقَبضهُ مِنْهُ بِحَضْرَة شُهُوده قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم الأَرْض الْمَذْكُورَة إِلَيْهِ
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا وتعاقدا على ذَلِك تعاقدا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَالنَّظَر والمعرفة وَأَنه بعد ذَلِك أنشأ على الأَرْض الْمَذْكُورَة من مَاله وصلب حَاله دَارا مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ العجالية والهرقلية والأعتاب والسهام والسيور الطوَال وَالسَّلب والسجف والكسور والقرميد
وَالتُّرَاب الْأَحْمَر والأصفر والكلس والرماد وفرشه بالرخام الملون وأسبل جدره بالبياض والمنجور الدقي والجبلي
وَجعلهَا ذَات بوابة مربعة أَو مقنطرة يدْخل مِنْهَا إِلَى كَذَا وَكَذَا وتوصف وَصفا تَاما على هيئاتها الَّتِي هِيَ قَائِمَة عَلَيْهِ ثمَّ يَقُول وَعند مَا تَكَامل بنيانها وَارْتَفَعت حيطانها وعقدت قبابها وغمست قباؤها وأسترت ظُهُورهَا وسدلت جدرانها بالبياض والجبصين
وكمل تركيب منجورها وأبوابها وشبابيكها وَسَائِر مَا تحْتَاج إِلَيْهِ إِلَى حِين انتهائها على الصّفة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْآن لم تزل(2/369)
بِيَدِهِ وحيازته وَتَحْت تصرفه بِحَق إنشائه لذَلِك جَمِيعه
يتَصَرَّف فِي ذَلِك كُله تصرف الْملاك فِي أملاكهم وَذَوي الْحُقُوق فِي حُقُوقهم وَأَنه سَاكن بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور بِنَفسِهِ وَأَوْلَاده وَأَهله وَذَوِيهِ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين بسؤال من جَازَ سُؤَاله شرعا بتاريخ كَذَا وَكتب حسب الْإِذْن الْكَرِيم الْفُلَانِيّ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
ثمَّ يكْتب الشُّهُود خطوطهم آخِره بِالشَّهَادَةِ بمضمونه وَيرْفَع إِلَى الْحَاكِم الْآذِن يُثبتهُ
وَيحكم بِمُوجبِه كَمَا تقدم
محْضر بفكاك أَسِير شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن الْأَعْدَاء المخذولين أسروه من الْبَلَد الْفُلَانِيّ ونقلوه إِلَى الْجِهَة الْفُلَانِيَّة من بِلَادهمْ وَهُوَ عِنْدهم فِي ذل الْأسر والهوان مترقبا من الله تَعَالَى الْفرج والفكاك من أَيْديهم إِلَى الْيُسْر والأمان وَأَنَّهُمْ قطعُوا عَلَيْهِ فِي فديته وفكاكه مبلغ كَذَا وَكَذَا وَأَنه فَقير لَا مَال لَهُ وَأَن فلَانا السَّاعِي فِي فكاكه وفديته ثِقَة أَمِين على مَا يَقْتَضِيهِ لَهُ فِي فكاكه وافتدائه من الْأَوْقَاف الْجَارِيَة على فكاك الأسرى الْمُسلمين من أَيدي الْكَافرين
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بدين مُتَعَيّن حَال أَو غير حَال على مُنكر شُهُوده يعْرفُونَ كلا من فلَان وَفُلَان معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك على إِقْرَار فلَان المبدي بِذكرِهِ فِي صِحَّته وسلامته وَجَوَاز أمره أَن فِي ذمَّته بِحَق صَحِيح شَرْعِي لفُلَان المثني بِذكرِهِ مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا على حكم الْحُلُول أَو مُؤَجّلا إِلَى مُضِيّ كَذَا وَكَذَا شهرا من تَارِيخ الْإِقْرَار الصَّادِر مِنْهُ بذلك وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَأَن ذَلِك بدل قرض شَرْعِي اقترضه وتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا أَو أَن ذَلِك ثمن مَبِيع كَيْت وَكَيْت أَو أَن ذَلِك ثمن مَا ابتاعه وتسلمه مِنْهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا بعد النّظر والمعرفة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة بتصادقهما على ذَلِك فِي تَارِيخ الْإِقْرَار الْمعِين أَعْلَاهُ لَا يعلمُونَ أَن ذمَّته بَرِئت من الدّين الْمَذْكُور وَلَا من شَيْء مِنْهُ بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
وَإِن كَانَ الْمقر غَائِبا كتب وَأَن فلَانا الْمقر الْمَذْكُور غَائِب الْآن عَن مَدِينَة كَذَا وَكَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة المسوغة لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَالْحكم على الْغَائِب بِمَا يسوغ شرعا
وَإِن كَانَ الْمقر توفّي وَخلف تَرِكَة وورثة وكلفوه الْإِثْبَات
فَيَقُول وَأَن فلَانا يَعْنِي الْمقر توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من قبل تَارِيخه وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي ورثته(2/370)
الْمُسْتَحقّين لميراثه المستوعبين لجميعه
وهم فلَان وَفُلَان وفلانة
وَخلف مَوْجُودا فِيهِ وَفَاء للدّين الْمعِين أَعْلَاهُ وَأَن موجوده المخلف عَنهُ دخل تَحت يَد ورثته الْمَذْكُورين
وَوَضَعُوا أَيْديهم عَلَيْهِ وتصرفوا فِيهِ تَصرفا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَ شُهُود الأَصْل غير شُهُود الْمُقدمَات مثل الْغَيْبَة أَو الْوَفَاة وَوضع الْيَد وَحصر الْوَرَثَة كتب الْمحْضر بِأَصْل الدّين وَكتب الْمُقدمَات فِي فُصُول
فَإِذا انْتَهَت الْفُصُول كتب فصل الْحلف على الِاسْتِحْقَاق
وعَلى عدم الْمسْقط
ثمَّ فصل الْإِعْذَار لمن لَهُ الْإِعْذَار وَيرْفَع إِلَى الْحَاكِم الْآذِن أَو نَائِبه يُثبتهُ وَيحكم بِمُوجبِه وَيَأْذَن لمن فِي يَده شَيْء من مَوْجُود الْغَائِب أَو الْمُتَوفَّى فِي إِيصَال الْحَالِف مَا حلف عَلَيْهِ وَتبقى الْحجَّة للْغَائِب كَمَا تقدم
محْضر بِإِثْبَات سكن دَار على شخص مُنكر شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَفُلَانًا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا المثني بِذكرِهِ سكن فِي دَار فلَان المبدي بِذكرِهِ الكائنة بالموضع الْفُلَانِيّ الْجَارِيَة فِي يَده وَملكه وتصرفه بِنَفسِهِ وعائلته مُدَّة كَذَا وَكَذَا شهرا أَو سنة أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا وَأَنه أشهدهم على نَفسه بالسكن فِي الدَّار الْمَذْكُورَة الْمدَّة الْمعينَة أَعْلَاهُ
فَإِن كَانَ تقرر بَينهمَا أُجْرَة ذكرهَا وإلإ كمل الْمحْضر كَمَا تقدم شَرحه
محْضر بِإِثْبَات الْإِجْبَار وَالْإِكْرَاه فِي بيع دَار شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَفُلَانًا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
ويشهدن مَعَ ذَلِك أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ أجبر فلَان المثني بِذكرِهِ وَأَخذه بالإرجاف والتخويف والتهديد
ورسم عَلَيْهِ وأحرق فِيهِ وضربه
واعتقل عَلَيْهِ
وَطلب مِنْهُ بيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الْجَارِيَة فِي يَده وَملكه وتوصف وتحدد بِغَيْر ثمن وَأَن يشْهد عَلَيْهِ بِالْبيعِ وَقبض الثّمن
وَأَنه امْتنع من ذَلِك
فَأَعَادَ عَلَيْهِ الضَّرْب والإحراق وهدده وتوعده بِالْقَتْلِ وسجنه وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن أكرهه وجبره حَتَّى بَاعه الدَّار الْمَذْكُورَة بِكَذَا وَكَذَا
واعترف بِقَبض الثّمن وَلم يقبض مِنْهُ شَيْئا قل وَلَا جلّ
وَأَنه وضع يَده على الدَّار الْمَذْكُورَة وَسكن فِيهَا وأسكنها وَقبض أجرتهَا وَأَنَّهَا بِيَدِهِ من مُدَّة كَذَا وَكَذَا سنة تتقدم على تَارِيخه وَإِلَى تَارِيخه أَولهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا وَأَنَّهُمْ بِالدَّار الْمَذْكُورَة عارفون
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر يتَضَمَّن أَمر دَار كَانَت فِي ملك رجل ثمَّ سَافر
فتغلب عَلَيْهَا غَيره وسكنها بِالْيَدِ القوية
وَادّعى أَنه مَالِكهَا شُهُوده يعْرفُونَ كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان معرفَة صَحِيحَة(2/371)
شَرْعِيَّة ويشهدن أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ مَالك لجَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وتوصف وتحدد ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا من وَجه حق لَا شُبْهَة فِيهِ وَأَنَّهَا كَانَت فِي يَده وحوزه وَهُوَ متصرف فِيهَا بالسكن والإسكان وَالْإِجَارَة والعمارة سِنِين عديدة تزيد على كَذَا وَكَذَا سنة
وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن سَافر عَن مَدِينَة كَذَا فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ
فَوضع فلَان المثني باسمه يَده على الدَّار الْمَذْكُورَة فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا على سَبِيل الْعدوان وَطَرِيق التَّعَدِّي
وَادّعى ملكيتها وَسكن فِي بَعْضهَا وأسكن بَاقِيهَا
وَقبض أجرتهَا
وَلم يزل على ذَلِك إِلَى يَوْم تَارِيخه
وهم بِالدَّار الْمَذْكُورَة فِي مَكَانهَا عارفون
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر يتَضَمَّن دَعْوَى رجل أَن رجلا أَبرَأَهُ من دينه الَّذِي لَهُ فِي ذمَّته شُهُوده يعْرفُونَ كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ أشهدهم على نَفسه فِي حَال صِحَّته وسلامته وَجَوَاز أمره أَنه أَبْرَأ فلَانا المثني بِذكرِهِ مِمَّا كَانَ لَهُ فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ بِمُقْتَضى مسطور شَرْعِي
مبلغه كَذَا وَكَذَا بَرَاءَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط
قبلهَا مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وَلم يبْق لَهُ قبله مُطَالبَة بِسَبَب الدّين الْمَذْكُور وَلَا بِسَبَب شَيْء مِنْهُ
فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا وَكَذَا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِمَا يملكهُ الْإِنْسَان من المَال الَّذِي يجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة ويخبرون حَاله خبْرَة باطنة ويعلمون مَاله ومتجره وغالب مَا يملكهُ
ويقفون على أُمُوره فِي تَصَرُّفَاته فِي أَكثر أَحْوَاله وغالب أوقاته
وَيشْهدُونَ أَن الَّذِي يملك من المَال الَّذِي تجب فِيهِ الزَّكَاة مَا هُوَ بِيَدِهِ يتجر فِيهِ الْآن من قماش الْبَز قِيمَته ثَمَانُون دِينَارا
وَيشْهدُونَ أَنه لَا يملك مَالا تجب فِيهِ الزَّكَاة من عين وَلَا دين وَلَا عرُوض التِّجَارَة وَلَا زرع وَلَا مواش
سوى الْقدر الْمعِين أَعْلَاهُ بِغَيْر زَائِد عَلَيْهِ
وَأَن الَّذِي كَانَ يُؤَدِّيه للمستخدمين بديوان الزَّكَاة فِي كل عَام زَائِد على ذَلِك
وَلَا يجب عَلَيْهِ الْآن
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بِعَدَمِ المَال الَّذِي كَانَ يتجر فِيهِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ أَنه ذهب مَا كَانَ بِيَدِهِ من المَال الَّذِي يتجر فِيهِ ويزكى عَنهُ
وَلم يبْق بِيَدِهِ شَيْء تجب عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاة لكساد المتاجر وتزايد الكلف وَكَثْرَة العائلة وَعجز الْمَذْكُور عَن الْحَرَكَة وحوادث اللَّيَالِي وَالْأَيَّام
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل(2/372)
محْضر بجدار ملك لرجل وَأَن جَاره حمل عَلَيْهِ أخشابه شُهُوده يعْرفُونَ كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ مَالك لجَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وتوصف وتحدد ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا
من وَجه صَحِيح شَرْعِي وَأَن من حُقُوقهَا جَمِيع الْجِدَار الَّذِي فِي الْحَد القبلي وَيذكر ذرعه وَطوله وارتفاعه وثخانته وَأَنه دَاخل فِي ملكه مَنْسُوب لداره وَأَن فلَانا المثني بِذكرِهِ حمل عَلَيْهِ روشن كَذَا وَكَذَا خَشَبَة حوراء أَو نخلا أَو غير ذَلِك من نوع الْخشب سلطها على الْجِدَار الْمَذْكُور مُتَّصِلَة من دَاره الْمُجَاورَة للدَّار الْمَذْكُورَة بِغَيْر حق وَلَا ملك
وَأَنه أحدث ذَلِك وتعدى بِهِ
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِقِيمَة دَار تبَاع على مَحْجُور عَلَيْهِ شُهُوده الواضعون خطوطهم آخِره وهم من أهل الْخِبْرَة والعقارات وتقويمها والأملاك وتثمينها يعْرفُونَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة وتوصف وتحدد المنسوبة لفُلَان الْفُلَانِيّ الْمَحْجُور عَلَيْهِ فِي الحكم الْعَزِيز بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن الْقيمَة لَهَا كَذَا وَكَذَا
وَأَن ذَلِك ثمن الْمثل وَقِيمَة الْعدْل يَوْمئِذٍ لَا حيف فِيهِ وَلَا شطط وَلَا غبينة وَلَا فرط وَأَن الْحَظ والمصلحة فِي بيع الدَّار الْمَذْكُورَة على الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْمَذْكُور لما يحْتَاج إِلَيْهِ من نَفَقَة وَكِسْوَة ولوازم شَرْعِيَّة بِمَا قومت بِهِ أَعْلَاهُ
وَذَلِكَ بعد أَن صَارُوا إِلَى الدَّار الْمَذْكُورَة بِإِذن شَرْعِي
وشملوها بِالنّظرِ
وَأَحَاطُوا بهَا علما وخبرة
وقوموها بِالْقدرِ الْمعِين أَعْلَاهُ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بوديعة ادّعى الْمُودع أَنَّهَا سرقت وكلف إِثْبَات ذَلِك شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سَاكن فِي الْموضع الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد وَأَنه لما كَانَ فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ سرق اللُّصُوص جَمِيع مَا كَانَ فِي الْموضع الْمَذْكُور
وَأَنه اسْتَغَاثَ عَلَيْهِم وَلم يجد من ينجده وينصره عَلَيْهِم لِكَثْرَة عَددهمْ وعددهم وَأَنَّهُمْ جرحوه فِي مَوضِع من جسده إِن كَانَ قد جرح يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِمَال قِرَاض جلس بِهِ الْعَامِل فِي حَانُوت
فَسرق شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنهم عاينوه
وَقد غلق حانوته الْمَعْرُوف بسكنه الْكَائِن بالموضع الْفُلَانِيّ فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ على جَمِيع مَا فِيهِ من بز وقماش على اخْتِلَاف أصنافه إغلاقا مُمكنا وأحرز عَلَيْهِ حرز مثله وَانْصَرف عَنهُ وَلم يعلمُوا(2/373)
أَنه عَاد إِلَيْهِ بِوَجْه وَلَا سَبَب إِلَى أَن عاينوا الْحَانُوت الْمَذْكُور فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ وَهُوَ مكسر الأقفال مَفْتُوح الْأَبْوَاب
وَلَيْسَ فِيهِ من البضائع شَيْء
وَحضر الْمَشْهُود لَهُ الْمَذْكُور واستغاث وتظلم وَأَنَّهُمْ لم يعلمُوا أَن ذَلِك حدث عَن إِذْنه وَلَا بتفريط مِنْهُ وهم بالحانوت الْمَذْكُور عارفون يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ
مسؤولين ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِغَصب دَار وسكناها شُهُوده يعْرفُونَ كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ تعدى على فلَان المثني بِذكرِهِ فِي دَاره الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وتوصف وتحدد الْجَارِيَة فِي يَده وَملكه وتصرفه
وغصبها مِنْهُ وَكسر أقفالها وَفتح أَبْوَابهَا
وَسكن فِيهَا بِنَفسِهِ وعائلته على حكم الْغَصْب وَاسْتولى عَلَيْهَا بطرِيق التَّعَدِّي مُدَّة أَو لَهَا كَذَا وَآخِرهَا كَذَا
وَأَنه منع مَالِكهَا الْمَذْكُور من الدُّخُول إِلَيْهَا والسكن فِيهَا وَالِانْتِفَاع بهَا وهم بِالدَّار الْمَذْكُورَة فِي مَكَانهَا عارفون
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بغرق مركب إِنْسَان كَانَ بِيَدِهِ مَال قِرَاض اشْترى بِهِ بضَاعَة فغرقت شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنهم شاهدوه عِنْد عوده من الْمَدِينَة الْفُلَانِيَّة وَهُوَ فِي بَحر كَذَا
وَقد غرق الْمركب الَّذِي كَانَ فِيهِ الْموضع الْفُلَانِيّ بِجَمِيعِ مَا كَانَ فِيهِ من البضائع والمتاجر
وَهِي كَذَا وَكَذَا بِقَضَاء الله تَعَالَى وَقدره
وَلم يطلع من الْبَحْر شَيْء من البضائع الْمَذْكُورَة
وَبقيت الْمركب غريقة راسية فِي الْبَحْر
وَأَنَّهُمْ شاهدوا ذَلِك وعاينوه فِي الْيَوْم الْمَذْكُور
وَلم يعلمُوا مَا يُخَالف ذَلِك وَلَا مَا يُنَافِيهِ يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر برشد مَحْجُور عَلَيْهِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه رشيد فِي أَفعاله سديد فِي أَقْوَاله مصلح لدينِهِ وَمَاله
حسن التَّصَرُّف فِي أَحْوَاله خَبِير بمصالح نَفسه مُسْتَحقّ لفك الْحجر عَنهُ وَإِطْلَاق تَصَرُّفَاته الشَّرْعِيَّة يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِسَفَه شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سَفِيه
مبذر لمَاله مُفسد لَهُ وَأَنه يصرف أَمْوَاله فِيمَا لَا يكْتَسب بِهِ خيرا دنيويا وَلَا أخرويا وَأَنه مُسْتَحقّ الْمَنْع من(2/374)
التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة مستوجب لضرب الْحجر عَلَيْهِ أَو يُقَال إِنَّه بلغ سَفِيها مبذرا سيىء التَّصَرُّف
واستمرار الْحجر عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَن أَهْلِيَّة التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة وسلوكها وَبعده عَن الطرائق المرضية
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بعقوق ولد لوالده وبالتبرؤ من أَفعاله شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَولده فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن الْوَلَد الْمَذْكُور لما ارْتكب الطرائق الذميمة ومعاملة النَّاس بالأباطيل
وخالط الأوباش وسلك مسالك الأنذال والأطراف والأنجاس وَنَهَاهُ وَالِده الْمَذْكُور عَن ذَلِك غير مرّة فخالفه وعقه
فَحلف وَالِده بِاللَّه الْعَظِيم أَنه لَا يقر بِهِ وَلَا يدينه وَلَا يساعده وَلَا يُعينهُ وَلَا ينْفق عَليّ وَأَن من عَامله كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ وَأَنه تَبرأ من جَمِيع أَفعاله لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من مُخَالفَته وعقوقه وارتكابه الْأُمُور الَّتِي هُوَ غير رَاض بهَا وَأَن الْأَمر مُسْتَمر فِيهِ إِلَى الْآن
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بسيرة رجل وَأَنه من أهل الشَّرّ والغيبة والنميمة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الشَّرّ والغيبة والنميمة معرفَة بِصُحْبَة الأراذل والأنذال والأنجاس وَأهل الريب يستغيب النَّاس ويبحث عَن مساوئهم وينتقص الأماثل مِنْهُم ويعين الظلمَة على ظلمهم وَيسْعَى فِي فَسَاد نظام الْحُكَّام وَهُوَ متصف بالأفعال الذميمة والأمور القبيحة مصر على ارْتِكَاب الجرائم والوقوع فِي العظائم ويتسبب فِي إِيذَاء الْمُسلمين وإضرارهم وبهتك عَوْرَاتهمْ وانتهاك حرماتهم وَأَن الْمصلحَة فِي ردعه وزجره والتنكيل بِهِ لتعود الْمصلحَة بذلك على نَفسه وعَلى النَّاس
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بذهاب عقل إِنْسَان شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه مَجْنُون عديم الْعقل مفسود الذِّهْن دَائِم الخبل دَائِم السَّلب مُسْتَمر على ذَلِك لَيْسَ لَهُ إفاقة من الْجُنُون فِي وَقت من الْأَوْقَات
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بعدالة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الْعَدَالَة والديانة والعفة وَالْأَمَانَة وَالتَّقوى والصيانة مشتغل بِالْعلمِ الشريف مجَالِس للْعُلَمَاء مصاحب للأتقياء ملازم للمساجد ظَاهر الْمُرُوءَة وافر النزاهة مَقْبُول القَوْل فِي الشَّهَادَة عدل رَضِي لَهُم وَعَلَيْهِم لَا يعلمُونَ فِيهِ مَا يقْدَح فِي الْمُرُوءَة وَلَا مَا يُخرجهُ عَن الاتصاف بِصفة الْعَدَالَة متيقظ فِي أُمُوره أهل لتحمل الشَّهَادَة صَالح(2/375)
لِأَن يكون من الْعُدُول المبرزين وَالشُّهُود المعتبرين
مُسْتَحقّ أَن يضع خطه فِي مساطير الْمُسلمين
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر تَزْكِيَة لشخص من الصلحاء أَو من التُّجَّار شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح والصدق وَالْوَفَاء والعفة والصفاء صَادِق فِي أَقْوَاله محق فِي أَفعاله حسن السِّيرَة طَاهِر السريرة وافر الْمُرُوءَة مَعْرُوف بالديانة والصيانة والعفة وَالْأَمَانَة محافظ على الصَّلَوَات مَأْمُون على استيداع الودائع والأمانات عدل ثِقَة أَمِين ملازم مجَالِس الذّكر أهل لِأَن يجلس بَين أظهر الْمُسلمين فِي صناعَة كَذَا لَا يعلمُونَ فِيهِ نقيصة وَلَا رذيلة وَلَا شَيْئا يشوبه فِي دينه وَلَا فِي عرضه يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِنسَب شرِيف شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك بالشائع الذائع وَالنَّقْل الصَّحِيح الْمُتَوَاتر أَنه صَحِيح النّسَب صَرِيح الْحسب شرِيف من ذُرِّيَّة الإِمَام الشَّهِيد
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَأَن نسبه مُتَّصِل بِهِ من أَوْلَاد الصلب أَبَا عَن أَب إِلَى السَّيِّد الْحُسَيْن أَو إِلَى السَّيِّد الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنْهُم
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل ذَلِك
محْضر بِجرح عَدَالَة إِنْسَان وَهُوَ لَا يقبل إِلَّا مُفَسرًا شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سيىء السِّيرَة مَذْمُوم الطَّرِيقَة مرتكب كَذَا وَكَذَا مصر عَلَيْهِ ملازم لَهُ وَيذكر مَا هُوَ عَلَيْهِ من الْأُمُور الَّتِي توجب الْجرْح صَرِيحًا
من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال الَّتِي ترد بهَا الشَّهَادَة وَقد تقدم ذكرهَا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بعداوة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه عَدو لفُلَان الْفُلَانِيّ عَدَاوَة دنيوية وَأَنه يسوءه مَا يسره ويسره مَا يسوءه
ظَاهر الْعَدَاوَة لَهُ
وَأَنه يبغضه بغضا يتَمَنَّى مَعَه زَوَال نعْمَته ويحزن لسروره ويفرح بمصيبته وَأَن بَينهمَا عَدَاوَة تمنع قبُول شَهَادَته عَلَيْهِ
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بأهلية شخص لمباشرة الْوَظَائِف الدِّينِيَّة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الْعلم الشريف وَالْخَيْر وَالصَّلَاح(2/376)
والديانة
والعفة والورع والصيانة وَالْعَدَالَة والنزاهة وَالْأَمَانَة
عَالم بالمعقول وَالْمَنْقُول
عَارِف بالفروع وَالْأُصُول خَبِير بالآثار المروية عَن الرَّسُول وَأَنه هَاجر فِي طلب الْعلم الشريف إِلَى الْبِلَاد
وَأدْركَ شأو الْعلمَاء الْأَبْرَار وساد
وَحصل مِنْهُم واستفاد وَأفَاد وَجمع من الْعُلُوم مَا أوجب أَهْلِيَّته للتدريس والإفادة والتصدير والإعادة
وَأَنه أهل لما يَتَوَلَّاهُ من المناصب الدِّينِيَّة والوظائف الشَّرْعِيَّة لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْفَضِيلَة
وانطوى عَلَيْهِ من حسن الطوية مَعَ مَا تميز بِهِ من الْأَوْصَاف الجميلة وَتفرد بِهِ من المناقب الجليلة وَأَنه كَاف فِيمَا يباشره من سَائِر الولايات
موثوق بأقواله وأفعاله فِي جَمِيع الْحَالَات
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بأهلية نَاظر وقف وانفراده بِهِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الْعَدَالَة وَالْأَمَانَة والعفة والصيانة والديانة عدل رَضِي أَمِين
أهل للنَّظَر فِي الْوَقْف الْفُلَانِيّ كَاف فِي ذَلِك
وَأَنه مُنْفَرد بِاسْتِحْقَاق النّظر الْمَذْكُور بِحكم أَنه لم يبْق أحد من نسل الْوَاقِف سواهُ وَإِن كَانَ بِحكم أَنه أرشد الْمَوْجُودين
فَيَقُول بعد قَوْله كَاف فِي ذَلِك وَأَنه أرشد الْمَوْجُودين يَوْمئِذٍ من مستحقي الْوَقْف الْفُلَانِيّ الْمَنْسُوب إيقافه إِلَى فلَان
فَإِن كَانَت كِتَابَة ذَلِك فِي فصل على ظَاهر كتاب الْوَقْف فيحيل فِي الوقفية على بَاطِن الْكتاب ثمَّ يَقُول وَأَنه أولاهم بِالنّظرِ فِي أَمر الْوَقْف الْمَذْكُور
وَأَنه مُسْتَحقّ النّظر فِي ذَلِك بِمُقْتَضى أَنه أرشد الْمَوْجُودين من مستحقي الْوَقْف الْمَذْكُور الِاسْتِحْقَاق الشَّرْعِيّ يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بأهلية متطبب شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَو يشْهد من يضع خطه آخِره من الشُّهَدَاء الْأُمَنَاء الثِّقَات الْعُدُول الْفُضَلَاء
الحاذقين الْعُقَلَاء النبلاء الَّذين أتقنوا علم الطِّبّ إتقانا كَافِيا
وحرروه تحريرا شافيا
وَظَهَرت فضيلتهم بَين الْأَنَام واشتهروا بِمَعْرِِفَة الطِّبّ وَأَحْكَامه شهرة انْتَفَى مَعهَا الشَّك والإبهام أَنهم يعْرفُونَ الْحَكِيم الْأَجَل الْفَاضِل المتقن المحصل فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه اشْتغل بصناعة الطِّبّ علما وَعَملا وَحصل مِنْهَا تفاصيلا وجملا
وَحفظ مَا يتَعَيَّن حفظه من هَذَا الْعلم وَبحث فِيمَا لَا بُد لَهُ من الْبَحْث عَنهُ على أوضح الطّرق وَأبين المسالك
وتدرب مَعَ مَشَايِخ الْأَطِبَّاء الألباء وباشر معالجة الْأَبدَان مُبَاشرَة دلّت على حذقه ومعرفته وَأَنه حَكِيم طَبِيب معالج طبائعي(2/377)
خَبِير فَاضل أهل للمعالجة ومداواة المرضى مَأْمُون فِي ذَلِك كُله عَارِف بتركيب مَا يحْتَاج إِلَيْهِ لبرء الأدواء من الدَّوَاء على أوضاعها الْمُعْتَبرَة وقوانينها المحررة من غير إخلال بجزئية وَلَا كُلية يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بأهلية جرائحي شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الثِّقَة وَالْأَمَانَة
والعفة والصيانة سالك الطَّرِيق الحميدة والمناهج السديدة
سيرته مشكورة ومعرفته ظَاهِرَة مأثورة مَأْمُون الغائلة فِي اطِّلَاعه على الْجِرَاحَات والطلوعات والدماميل والقروحات وَمَا يعرض فِيهَا بِالْقربِ من مَحل عورات النِّسَاء المخدرات خَبِير بتركيب المراهم والذرورات وَأَنه ذُو فطنة وَمَعْرِفَة وخبرة بالجراحات من المأمومات والمتلاحمات
والموضحات والمنقلات
ذُو خفَّة فِي الشَّرْط والبط والفصد مدرك لما مكنه أهل هَذَا الْعلم من اللقط والخط إدراكا يُؤمن مَعَه الِاشْتِبَاه والتصحيف عليم بمداواة الشجاج بِالرَّأْسِ ومداواة أمراض الْفَم والأضراس
ظَاهر الْمعرفَة والخبرة صَحِيح التَّدْبِير والفكرة كَاف فِيمَا هُوَ بصدده حسن الْمُبَاشرَة بِلِسَانِهِ وَيَده مُسْتَحقّ لإِطْلَاق تَصَرُّفَاته فِي صَنعته أُسْوَة حذاق جماعته أهل للدخول إِلَى بيُوت النَّاس بِسَبَب مَا يدعى إِلَيْهِ من المعالجة والأشغال الْعَارِضَة
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بأهلية كَحال شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سالك الطرائق الحميدة والمناهج السديدة مُتبع الْأَمَانَة متجنب الْفُحْش والتدليس والخيانة
عَالم بصناعة الْكحل عَارِف بأمراض الْعين وأوجاعها ومتولداتها خَبِير بِمَا يكون فِي الْعين من الشرانق والسبل والرمد والأوجاع عى اختلافها عَالم بتركيب الأكحال والإشيافات وأجزائها والذرورات والسعوطات
ناهض فِيمَا هُوَ بصدده
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر إعسار شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه فَقير مُعسر لَا مَال لَهُ عَاجز عَن وَفَاء مَا عَلَيْهِ من الدُّيُون الشَّرْعِيَّة
وَعَن بَعْضهَا وَعَن عشرَة دَرَاهِم فضَّة
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بإعسار الزَّوْج بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَة وغيبته شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي
دخل(2/378)
الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها واستولدها على فرَاشه أَوْلَادًا ويسميهم إِن كَانَ بَينهمَا أَوْلَاد وَإِن كَانَ لم يدْخل بهَا
فَيَقُول وَأَن الزَّوْج لم يدْخل بهَا وَأَنَّهَا عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَامْتنعَ من الدُّخُول بهَا
ثمَّ إِنَّه سَافر عَنْهَا من مُدَّة كَذَا وَكَذَا أَو غَابَ عَنْهَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة من مُدَّة تزيد على كَذَا
أَو على سنة أَو أَكثر تتقدم على تَارِيخه وَأَنَّهَا مُقِيمَة على طَاعَته مُلَازمَة للسكن الَّذِي تَركهَا فِيهِ وَلم يتْرك لَهَا نَفَقَة وَلَا واصلها بِنَفَقَة وَأَنَّهَا عاجزة عَن التَّوَصُّل إِلَى نَظِير مَا يجب لَهَا عَلَيْهِ من النَّفَقَة وَالْكِسْوَة واللوازم الشَّرْعِيَّة وَأَنه فَقير مُعسر عَاجز لَا مَال لَهُ مُتَعَيّن وَلَا مَوْجُود حَاضر
وَقد تضررت زَوجته الْمَذْكُورَة بِسَبَب غيبته وتعذرت مصلحتها ووصولها إِلَى مَا يجب لَهَا عَلَيْهِ شرعا من جِهَته وجهة أحد بِسَبَبِهِ وَأَنه مُسْتَمر الْغَيْبَة إِلَى الْآن
فَإِن كَانَ الْإِعْسَار بِالصَّدَاقِ قبل الدُّخُول كتب وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه فَقير مُعسر عَاجز عَن وَفَاء صدَاق زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة الَّذِي تزَوجهَا عَلَيْهِ
وَقدره كَذَا وَكَذَا وَأَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وَلَا على بعضه وَلَا يعلم لَهُ مَال يقوم بِهِ
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بحريّة من ادّعى رقّه شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه حر الأَصْل لم يمسهُ رق وَلَا أحدا من أَبَوَيْهِ وَلَا عبودية لأحد عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَيْهِ
وَأَنه مُسلم بَين مُسلمين أصليين
وَلم يكن الْإِسْلَام طارئا عَلَيْهِم
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِعَيْب فِي جَارِيَة شُهُوده الواضعون خطوطهم آخِره وهم من أهل الْخِبْرَة بالرقيق وعيوبه نظرُوا الْجَارِيَة المدعوة فُلَانَة الحبشية الْجِنْس الْمسلمَة الَّتِي بيد فلَان نظر مثلهم لمثلهَا بِمحضر من الْخَصْمَيْنِ
فوجدوا بهَا من الْعُيُوب البرص فِي سَائِر جَسدهَا
والحمى المزمنة فِي أعضائها
وَأَن ذَلِك من زمن مُتَقَدم على تَارِيخ الْعهْدَة الَّتِي أظهرها من يَده المُشْتَرِي الْمَذْكُور وَأَن ذَلِك عيب شَرْعِي مُوجب للرَّدّ منقص للثّمن
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ
ويكمل على نَحْو مَا تقدم
محْضر بوقف قَرْيَة على جمَاعَة شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة وأراضيها ويصفها ويحددها بحقوقها كلهَا وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهَا وقف مؤبد وَحبس محرم مخلد صَحِيح لَازم شَرْعِي مَنْسُوب إِلَى إيقاف فلَان على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على نَسْله وعقبه بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة(2/379)
بالفقراء وَالْمَسَاكِين الْمُسلمين وَمن شَرطه أَن لَا يُؤجر فِي عقد وَاحِد أَكثر من سنة وَاحِدَة أَو سنتَيْن فَمَا دونهمَا وَأَن النّظر فِيهِ للأرشد فالأرشد من أهل الْوَقْف ومستحقيه
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِاسْتِحْقَاق جمَاعَة لوقف شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنهم هم المستحقون يَوْمئِذٍ لمنافع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الْمَنْسُوب إيقافه إِلَى فلَان ويوصف الْمَكَان ويحدد بحقوقه كلهَا على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على ذُريَّته ونسله وعقبه استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا بَينهم على مَا يفصل فِيهِ
فَالَّذِي يسْتَحقّهُ فلَان المبدي بِذكرِهِ كَذَا
وَالَّذِي يسْتَحقّهُ فلَان المثني بِذكرِهِ كَذَا
وَالَّذِي يسْتَحقّهُ فلَان الثَّالِث كَذَا
وهم من ذُرِّيَّة الْوَاقِف الْمُسَمّى أَعْلَاهُ مُتَّصِلَة أنسابهم بِهِ وَأَنه آل إِلَيْهِم مَآلًا صَحِيحا شَرْعِيًّا على حكم شَرط الْوَاقِف الْمَذْكُور فِي كتاب وَقفه وَأَنه لم يبْق يَوْم تَارِيخه من يسْتَحق مَنَافِع الْمَوْقُوف الْمعِين أَعْلَاهُ سوى المسمين أَعْلَاهُ بَينهم حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ وَأَنَّهُمْ انفردوا بِهِ وباستحقاقه جَمِيعه بَينهم على الحكم المشروح أَعْلَاهُ
ويكمل
محْضر بِاسْتِحْقَاق وقف يكْتب بذيل كتاب الْوَقْف شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَولا فِي كتاب الْوَقْف المسطر بأعاليه معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي فِي شهر كَذَا من سنة كَذَا بعد أَن انْتَهَت إِلَيْهِ مَنَافِع الْوَقْف الْمعِين فِي كِتَابه المسطر بأعاليه أَو يَقُول بعد أَن آل إِلَيْهِ الْوَقْف الْمَذْكُور مَآلًا صَحِيحا شَرْعِيًّا وانتهت إِلَيْهِ مَنَافِعه بِتَمَامِهَا وكمالها انْتِهَاء لَازِما
وَانْفَرَدَ باستحقاقها بِمُقْتَضى شَرط الْوَاقِف الْمشَار فِيهِ وتناوله إِلَى حِين وَفَاته من غير دَافع وَلَا مَانع وَلَا انْتقل من يَده إِلَى يَد أحد من خلق الله تَعَالَى إِلَى حِين وَفَاته وَأَنه خلف وَترك ابْنَته لصلبه فُلَانَة لم يخلف ولدا غَيرهَا وَلَا نَسْلًا وَلَا عقبا سواهَا وَأَن ذَلِك آل إِلَيْهَا مَآلًا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وانفردت باستحقاقه بِمُقْتَضى شَرط الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بانتقال وقف شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى عَن غير ولد وَلَا ولد ولد وَلَا نسل وَلَا عقب
وَخلف فِي دَرَجَته أَخَوَيْهِ شقيقيه هما فلَان وَفُلَان لم يخلف فِي دَرَجَته من نسل أَبَوَيْهِ سواهُمَا
وانتقل مَا كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ من الْوَقْف الْفُلَانِيّ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا سَهْما إِلَى أَخَوَيْهِ(2/380)
الْمَذْكُورين بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ
بِمُقْتَضى شَرط الْوَاقِف انتقالا صَحِيحا شَرْعِيًّا وانفردا بِنَصِيبِهِ كُله
واختصا بِهِ اختصاصا كَامِلا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر باستمرار النَّاظر فِي وقف شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه هُوَ النَّاظر والمستحق النّظر فِي أَمر الْوَقْف الْفُلَانِيّ الْمَنْسُوب إِلَى إيقاف فلَان وَأَنه مبَاشر لوظيفة النّظر فِي ذَلِك مُسْتَقر ومستمر فِيهَا من مُدَّة مُتَقَدّمَة على تَارِيخه بطرِيق شَرْعِي لَازم مُعْتَبر مرعي بِمُقْتَضى شَرط الْوَاقِف الْمَذْكُور
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بوقف على جِهَة شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد بحقوقه كلهَا
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن جَمِيع الْمَكَان الْمَحْدُود الْمَوْصُوف بأعاليه وقف مؤبد وَحبس صَرِيح محرم مخلد مَنْسُوب إِلَى إيقاف فلَان على من يُوجد من نسل الْوَاقِف الْمَذْكُور وعقبه وَأَن الْمَوْجُودين من نسل الْوَاقِف الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ فِي قيد الْحَيَاة فلَان وَفُلَان وَأَن شُهُوده يعرفونهم معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَامِعَة
وَأَنَّهُمْ ينتسبون إِلَى الْوَاقِف الْمَذْكُور بِالْآبَاءِ والأمهات وَأَن مَنَافِع الْوَقْف الْمَذْكُور انْتَهَت إِلَيْهِم واستحقوها بَينهم على سِهَام مَعْلُومَة عِنْدهم وأيديهم ثَابِتَة عَلَيْهَا لَيْسَ لَهُم شريك فِيهَا وَلَا مُنَازع
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بانحصار الْوَقْف فِي شخص بمفرده شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه يسْتَحق يَوْمئِذٍ بِحكم الْوَقْف الصَّحِيح الشَّرْعِيّ والتحبيس الصَّرِيح المرعي الْمُنْتَقل إِلَيْهِ المنحصر فِيهِ شرعا جَمِيع الْحصَّة الْفُلَانِيَّة من الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وحقوقه استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِمُقْتَضى شَرط الْوَاقِف لذَلِك
وَأَن الْحصَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ فِي تصرفه وَيَده ثَابِتَة عَلَيْهَا وَأَن تصرفه تَامّ فِيهَا بِحكم الْوَقْف الْمَذْكُور من غير مَانع وَلَا معَارض وَلَا مُنَازع وَلَا رَافع
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بوفاة شخص وانتقال مَا بِيَدِهِ من الْوَقْف إِلَى أَوْلَاده شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَخلف أَوْلَاده لصلبه
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
لم يخلف سواهُم وَأَن الَّذِي كَانَ يسْتَحقّهُ من الْوَقْف الْمَنْسُوب إِلَى إيقاف جده فلَان وَهُوَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد(2/381)
بحقوقه كلهَا أَو الْحصَّة الْفُلَانِيَّة كَانَ بِيَدِهِ إِلَى حِين وَفَاته
وانتقل إِلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ بَينهم بِالسَّوِيَّةِ انتقالا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَأَنه آل إِلَيْهِم مَآلًا تَاما
وانفردوا بِاسْتِحْقَاق ذَلِك أَو بِنَصِيب والدهم الْمَذْكُور بِمُقْتَضى شَرط واقفه الْمَذْكُور فِي كتاب وَقفه
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ
مسؤولين ويكمل
محْضر بملكية فرس هِيَ بيد الْغَيْر شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه لم يزل مَالِكًا حائزا مُسْتَحقّا مستوجبا لجَمِيع الْحُجْرَة الخضراء الْعَرَبيَّة الْعَالِيَة الْقدر أَو المدورة الَّتِي صفتهَا كَذَا وَكَذَا وَيذكر مَا بهَا من غرَّة أَو تحجيل أَو وسم نَار أَو غير ذَلِك من الصِّفَات الَّتِي لَا تَتَغَيَّر بطول الزَّمَان ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا واستحقاقا تَاما مرضيا وَأَنَّهَا عدمت مُدَّة تزيد على كَذَا وَكَذَا شهرا أَو سنة من تَارِيخه وَأَنَّهَا الْآن بيد فلَان بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي وَأَنَّهَا بَاقِيَة على ملك فلَان الْمُسَمّى أَعْلَاهُ إِلَى الْآن
لَا يعلمُونَ أَنَّهَا انْتَقَلت عَن ملكه بِبيع وَلَا هبة وَلَا نوع من أَنْوَاع الِانْتِقَالَات الشَّرْعِيَّة وَأَنه يسْتَحق انتزاعها مِمَّن هِيَ فِي يَده الْآن وتسليمها إِلَيْهِ استحقاقا شَرْعِيًّا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
وَكَذَلِكَ يفعل فِي جَمِيع الْحَيَوَانَات الَّتِي تسرق أَو تضيع وَتظهر بيد الْغَيْر مثل الْجمل وَالْحمار والبغل
وَمَا شابه ذَلِك مَعَ التشخيص الشَّرْعِيّ
محْضر بِالْملكِ والحيازة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه لم يزل مَالِكًا حائزا لجَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها بحقوقها كلهَا متصرفا فِيهَا بالسكن والإسكان وَالْإِجَارَة والعمارة وَالْإِبَاحَة
وَقبض الْأُجْرَة
وَأَنَّهَا بَاقِيَة فِي يَده وَملكه وتصرفه إِلَى الْآن
لم تخرج عَنهُ بِبيع وَلَا هبة وَلَا نوع من أَنْوَاع الِانْتِقَالَات الشَّرْعِيَّة إِلَى تَارِيخه أَو لَا يعلمُونَ لملكه نَاقِلا وَلَا مغيرا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ
مسؤولين
ويكمل
محْضر بِمَرَض اتَّصل بِالْمَوْتِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه مرض مَرضا شَدِيدا مخوفا
كَانَ مَعَه صَاحب فرَاش وَأَنه لم يزل بذلك الْمَرَض إِلَى أَن اتَّصل بِمَوْتِهِ وَتُوفِّي فِي تَارِيخ كَذَا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بوفاة رجل عَن زَوْجَة وَحمل ولد بعد أَبِيه شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَزَوجته فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيًّا وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي وَخلف زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة(2/382)
حَامِلا
وَأَنَّهَا ولدت بعد وَفَاته ولدا ذكرا يدعى فلَان
فورثه مَعَ أمه وَأُخْته فُلَانَة من أَبَوَيْهِ وَأَن إِرْثه انحصر فيهم من غير شريك وَلَا حَاجِب وَلَا وَارِث لَهُ سواهُم وَلَا مُسْتَحقّا لتركته غَيرهم
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بوفاة عبد وانتقال إِرْثه إِلَى سَيّده شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا ابْن عبد الله الرُّومِي أَو الأرمني الْجِنْس وسيده فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك
أَنه توفّي وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي سَيّده فلَان الْمَذْكُور وَأَن العَبْد الْمَذْكُور لم يزل فِي يَد سَيّده الْمَذْكُور وَفِي رقّه أَو فِي ملكه ورق عبوديته إِلَى حِين وَفَاته وَأَنه مُسْتَحقّ لجَمِيع مَا خَلفه تَرِكَة عَنهُ من غير شريك لَهُ فِي ذَلِك وَلَا حَاجِب يَحْجُبهُ عَن استكماله
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
وَإِن كَانَ قد أعْتقهُ وَمَات العَبْد
فَيَقُول وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه عَتيق لفُلَان وَأَنه يسْتَحق إِرْث مُعْتقه بِحكم أَنه مَاتَ عَن غير عصبَة وَلَا زَوْجَة وَأَن إِرْثه انحصر فِي عتيقه الْمَذْكُور بمفرده
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويكمل
محْضر بوفاة من لَهُ أَب وَأم وَأَخَوَانِ حجبا الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس وَهُوَ حجب تنقيص
وحجبهما الْأَب عَن الْإِرْث حجب حرمَان شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَخلف من الْوَرَثَة الْمُسْتَحقّين لميراثه الحائزين لتركته أَبَاهُ فلَانا وَأمه فُلَانَة
وَلم يخلف وَارِثا سواهُمَا وَلَا مُسْتَحقّا لتركته غَيرهمَا وَأَن الَّذِي خص أمه من ذَلِك السُّدس بِحكم أَن الْمَوْرُوث لَهُ أَخَوان حجباها من الثُّلُث إِلَى السُّدس
وحجبهما الْأَب
واختص بباقي التَّرِكَة وَهُوَ النّصْف وَالثلث
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بوفاة شخص بالاستفاضة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك بالاستفاضة الشَّرْعِيَّة وَالْخَبَر الشَّائِع الذائع وَالنَّقْل الصَّحِيح الْمُتَوَاتر أَنه درج بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى من مُدَّة تزيد على كَذَا بِالْبَلَدِ الْفُلَانِيّ
وَأَن إِرْثه انحصر فِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان
لم يخلف وَارِثا سواهُم وَلَا مُسْتَحقّا لتركته غَيرهم
وَمَعَ ذَلِك فَلَا بُد أَن يشْهدُوا بِمَوْتِهِ على ألبت وَلَا يجْعَلُونَ مُسْتَنده الشَّهَادَة بالاستفاضة
وَإِن كَانَت الشَّهَادَة بالوفاة
وَحضر الْوَرَثَة عِنْد قَاض مالكي الْمَذْهَب فَيَقُول وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه درج بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/383)
محْضر بوفاة قوم بعد قوم وانحصار الْإِرْث فيهم شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي زَوجته فُلَانَة وَأَوْلَاده مِنْهَا فلَان وَفُلَان وَفُلَان بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة
لم يخلف وَارِثا سواهُم ثمَّ توفّي فلَان من الْوَرَثَة الْمَذْكُورين وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي والدته وَإِخْوَته الْمَذْكُورين أَو فِي وَلَده لصلبه فلَان وَزَوجته فُلَانَة ثمَّ توفّي فلَان
وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي أَخِيه وَأمه بَقِيَّة الْوَرَثَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
ثمَّ توفيت الْأُم وانحصر إرثها الشَّرْعِيّ فِي وَلَدهَا فلَان
وَهُوَ بَاقٍ من الْمَسْأَلَة الأولى
ثمَّ توفّي فلَان الْمَذْكُور وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي ابْن أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ ثمَّ توفّي فلَان وَهُوَ ابْن الْأَخ الْمَذْكُور وانحصر إِرْثه فِي أمه فُلَانَة وَبَيت المَال الْمَعْمُور ثمَّ توفيت فُلَانَة
وانحصر إرثها فِي عصباتها
فَإِن لم يكن فَفِي بَيت المَال الْمَعْمُور
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِاسْتِحْقَاق مَاء من ساقية تجْرِي إِلَى عدَّة بساتين شُهُوده يعْرفُونَ الساقية الْفُلَانِيَّة الْمَعْرُوفَة بِكَذَا المفتتحة فِي كتف النَّهر الْفُلَانِيّ الْمَعْرُوف بِكَذَا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة غير مَجْهُولَة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن ماءها يَنْقَسِم بَين بُسْتَان كَذَا وبستان كَذَا ويعدد الْبَسَاتِين إِلَى آخرهَا ويحدد كل وَاحِد مِنْهَا على كَذَا وَكَذَا إِصْبَع وَأَن الَّذِي يخْتَص بالبستان الأول الْمَحْدُود الْمَوْصُوف أَعْلَاهُ من ذَلِك إصبعان من أَصَابِع الذِّرَاع النجاري
يجْرِي هَذَا المَاء إِلَيْهِ أبدا دَائِما مستمرا
بِحَق قديم وَاجِب مَا جرى المَاء فِي النَّهر الْمَذْكُور وَجرى فِي الساقية الْمَذْكُورَة على الْوَجْه الْآتِي شَرحه
وَالتَّفْصِيل الَّذِي يذكر فِيهِ
وَهُوَ أَنه إِذا انْتهى إِلَى الْمقسم الَّذِي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ فينقسم على نوب أَهله وَيجْرِي دوائر مَعْلُومَة مَفْرُوضَة فِي قرم من الْخشب محررة
وَإِن كَانَ مَاء الساقية قَلِيلا لَا يعم جَمِيع هَذِه الْبَسَاتِين فِي جَرَيَانه إِلَى كل مِنْهَا دَائِما وَإِنَّمَا يجْرِي إِلَى كل بُسْتَان بجملته فِي نوبَته
فَيَقُول يجْرِي مَاء هَذِه الساقية إِلَى الْبَسَاتِين الْمَذْكُورَة
حَسْبَمَا يَأْتِي تَفْصِيله
فَيوم السبت وَلَيْلَته من حُقُوق الْبُسْتَان الْمَحْدُود أَولا
وَيَوْم كَذَا وَلَيْلَته من حُقُوق الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بِكَذَا إِلَى آخر الْبَسَاتِين يجْرِي المَاء إِلَى هَذِه الْأَمَاكِن الْمَذْكُورَة على مَا فصل وَعين بِحَق وَاجِب مُسْتَمر دَائِم من غير منع وَلَا نقض أَو من غير مَانع وَلَا معَارض وَلَا نقض وَلَا وضع حجر فِي رَأس هَذِه الساقية وَلَا فِي شَيْء مِنْهَا وَأَن ذَلِك مُسْتَمر من السنين الْقَدِيمَة والأعوام الْمَاضِيَة وأيدي مستحقي هَذِه الْأَمَاكِن من ملاكها متصرفة فِي ذَلِك التَّصَرُّف التَّام ثَابِتَة عَلَيْهِ مُخْتَصَّة بِهِ من غير مشارك وَلَا مُنَازع لَهُم فِي ذَلِك وَلَا(2/384)
فِي شَيْء مِنْهُ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
وَإِن كَانَ هَذَا الْمحْضر عمل بِسَبَب أَن أحدا اعْتدى على المَاء وَأَخذه بِغَيْر حق أَو قطعه وَمنع جَرَيَانه إِلَى الْبُسْتَان
فيذكر ذَلِك جَمِيعه وَيذكر صفة استحقاقهم
وَإِن كَانَ حق المَاء مَذْكُورا فِي كتاب الْوَقْف أَو كتاب التبايع نبه عَلَيْهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ ثمَّ يَقُول وَأَن أهل الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة تعدوا على المَاء وسدوا هَذِه الساقية فِي ليَالِي الْأُسْبُوع الْمُسْتَحقَّة للمكان الْمَذْكُور بِالْيَدِ العادية وَمنعُوا مستحقي هَذَا المَاء الْجَارِي فِيهَا من إجرائه إِلَى أماكنهم الْمَذْكُورَة بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِاسْتِحْقَاق دَار مَاء من الْقَنَاة شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة الْجَارِيَة فِي ملك فلَان ويصفها ويحددها معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن لهَذِهِ الدَّار حَقًا قَدِيما من المَاء الْجَارِي فِي الْقَنَاة الْفُلَانِيَّة أَو النَّهر الْفُلَانِيّ الْوَاصِل إِلَى مَدِينَة كَذَا يجْرِي المَاء الْمَذْكُور من الْقَنَاة الْمَذْكُورَة فِي طوالع ونوازل وقساطل مدفونة إِلَى أَن يصل إِلَيْهَا مدرارا لَيْلًا وَنَهَارًا
وَأَن ذَلِك بِحَق وَاجِب صَحِيح شَرْعِي لَازم مُسْتَمر أبدا مَا جرى المَاء فِي الْقَنَاة الْمَذْكُورَة وَوصل إِلَى هَذِه الدَّار
وَأَن مَالك الدَّار الْمَذْكُور أَعْلَاهُ يسْتَحق إِجْرَاء المَاء الْمَذْكُور إِلَى دَاره الْمَذْكُورَة حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ استحقاقا صَحِيحا شَرْعِيًّا من غير منع وَلَا سد وَلَا دَافع وَلَا معترض وَأَن يَده ثَابِتَة على ذَلِك بِحَق وَاجِب لَازم
وَتصرف تَامّ فِيهِ يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر قيمَة فِيهَا استظهار شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد بحقوقه كلهَا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَأَنَّهُمْ صَارُوا إِلَيْهِ
ووقفوا عَلَيْهِ وكشفوه وعاينوه وشاهدوه وعرفوه ونظروه وتأملوه
وَأَحَاطُوا بِهِ علما وخبرة نَافِيَة للْجَهَالَة
وَقَالُوا إِن ثمن الْمثل وَقِيمَة الْعدْل لَهُ يَوْمئِذٍ كَذَا وَكَذَا وَأَن هَذِه الْقيمَة قيمَة عادلة لَا حيف فِيهَا وَلَا شطط وَلَا غبن وَلَا فرط
وَأَن فِي بيع الْمَكَان الْمَذْكُور بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ أَو بِالْقيمَةِ الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ حظا وافرا وغبطة ظَاهِرَة ومصلحة تَامَّة بَيِّنَة
وَقد تقدم نَظِير هَذَا الْمحْضر فِي البيع على الْمَحْجُور عَلَيْهِ
أَو يَقُول وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن قيمَة الْعدْل عَنهُ وَثمن الْمثل لَهُ يَوْمئِذٍ بِمَا فِيهِ الْغِبْطَة الزَّائِدَة المسوغة للْبيع على بَيت المَال الْمَعْمُور كَذَا وَكَذَا
من ذَلِك كَذَا قيمَة(2/385)
الْعدْل وَثمن الْمثل
وَالْبَاقِي وَهُوَ كَذَا غِبْطَة ظَاهِرَة وَزِيَادَة وافرة مستظهرة يسوغ مَعَ موجودها البيع على جِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور
وَمن النَّاس من يفرز سدس الْمَجْمُوع يَجعله غِبْطَة مستظهرة لجِهَة بَيت المَال أَو الْأَيْتَام أَو للْوَقْف أَو غير ذَلِك مِمَّا يحْتَاج فِيهِ إِلَى محْضر الْقيمَة
وَمَا عدا السُّدس يكون ثمنا
وَتقوم الْبَيِّنَة أَنه ثمن الْمثل
مِثَاله كَانَ الْمَجْمُوع سِتَّة آلَاف دِرْهَم
فَيَقَع عقد البيع على الْمَجْمُوع
فَيَقُول بِثمن مبلغه سِتَّة آلَاف مثلا من ذَلِك مَا هُوَ ثمن الْمثل وَقِيمَة الْعدْل خَمْسَة آلَاف دِرْهَم
وَبَاقِي ذَلِك وَهُوَ ألف دِرْهَم غِبْطَة وافرة ومصلحة ظَاهِرَة مستظهرة لجِهَة بَيت المَال الْمَعْمُور
فَإِذا انْتهى عقد البيع على ذَلِك كتب مَا ذَكرْنَاهُ فِي فصل الْقيمَة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِعَيْب فِي دَار فسخ البيع فِيهَا بِالْعَيْبِ شُهُوده يعْرفُونَ جَمِيع الدَّار الْفُلَانِيَّة ويصفها ويحددها الَّتِي ابتاعها فلَان من فلَان فِي تَارِيخ كَذَا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن جدارها الْفُلَانِيّ الْخَاص بهَا معيب بِسَبَب كَذَا ويصف الْعَيْب وَصفا تَاما ثمَّ يَقُول وَهُوَ عيب قديم مُتَقَدم على تَارِيخ الشِّرَاء الْمَذْكُور يخفى على المُشْتَرِي وعَلى أَمْثَاله
وَهُوَ ينقص الْقيمَة وَيُوجب الرَّد وَأَن المُشْتَرِي حِين اطِّلَاعه على الْعَيْب الْمَذْكُور بَادر على الْفَوْر وَفسخ عقد البيع الصَّادِر بَينه وَبَين البَائِع الْمُسَمّى أَعْلَاهُ فسخا شَرْعِيًّا مُوجبا لرد الْمَبِيع على بَائِعه واسترجاع الثّمن الْمَقْبُوض مِنْهُ بِسَبَب ذَلِك وَأَنه رفع عَن ذَلِك يَده من حِين الْفَسْخ الْمَذْكُور وأشهدهم عَلَيْهِ بذلك رفعا تَاما
ويكمل
وَقد تقدم ذكر محْضر الرَّقِيق وعَلى نَحوه يكْتب فِي الْحَيَوَانَات كلهَا النَّاطِق مِنْهَا إِن كَانَ الْعَيْب الَّذِي ظهر فِيهَا بهقا أَو برصا أَو جنونا أَو جذاما أَو طلوعا أَو آثَار طُلُوع أَو قروحا أَو دماميل أَو كيات نَار ذكرهَا وَذكر موَاضعهَا على قدر مَا يسْتَحقّهُ الشَّاهِد فِيهَا وَفِي الْحَيَوَانَات الصامتة
مثل العرج والزمن والعفل والنمل والجرد والنقرس والسرطان والحمر والعنز والتكميد والاصطكاك والرفص والتشريخ والمدغ للمقود واللجام وَغير ذَلِك
فيذكر فِي كل دَابَّة مَا يكون فِيهَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِنسَب بِالشَّهَادَةِ على الْبَتّ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة(2/386)
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه ولد فلَان لصلبه وَأَن نسبه مُتَّصِل بنسبه وَأَن فلَانا من نسل الْوَاقِف الْمَذْكُور بَاطِنه أَو من نسل فلَان الْفُلَانِيّ الْوَاقِف الْمَذْكُور مُتَّصِل النّسَب إِلَيْهِ بِالْآبَاءِ والأمهات إِلَى أَن يرجع بنسبه إِلَيْهِ وَإِن انْضَمَّ إِلَى الشَّهَادَة بِالنّسَبِ وَفَاة وَحصر وَرَثَة فَيَقُول وَأَن فلَانا الْمَذْكُور توفّي بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ وانحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِي أَوْلَاده لصلبه أَو غير ذَلِك من الْوَرَثَة
وهم فلَان وَفُلَان من غير شريك لَهُم فِي ذَلِك وَلَا حَاجِب يحجبهم عَن اسْتِيفَائه واستكماله
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بِإِسْلَام ذمِّي شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه تلفظ بِالشَّهَادَتَيْنِ المعظمتين
وهما شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ بِالْهَدْي وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ
وَأَن مُوسَى عبد الله وكليمه إِذا كَانَ الْمَشْهُود لَهُ يَهُودِيّا وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا
فَيَقُول وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ
وَقَالَ أَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام
وَدخل فِي ذَلِك طَائِعا رَاغِبًا فِيمَا عِنْد الله من الثَّوَاب الَّذِي أعده الله لِعِبَادِهِ الْمُؤمنِينَ طَائِعا مُخْتَارًا من غير إِكْرَاه وَلَا إِجْبَار وَالْتزم بِالْقيامِ بِمَا يجب عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك من أَحْكَام الْإِسْلَام على الِاسْتِمْرَار والدوام
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بكفاءة فِي التَّزْوِيج شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه من أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح وَالدّين والعفاف كُفؤًا لِأَن يتَزَوَّج فُلَانَة بنت فلَان فِي النّسَب وَالدّين والصنعة وَالْحريَّة وَالْمَال والكفاءة الشَّرْعِيَّة
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِمهْر الْمثل شُهُوده يعْرفُونَ فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن مهر مثلهَا مَا مبلغه من الذَّهَب كَذَا أَو من الدَّرَاهِم كَذَا على حكم شرع الْإِسْلَام وَشَرطه يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر بكر وَقعت فَزَالَتْ بَكَارَتهَا شُهُوده يعْرفُونَ فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك وهم من الرِّجَال وَالنِّسَاء الْأَحْرَار الْمُسلمين الأتقياء الْأُمَنَاء الأخيار أَنَّهَا فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ وَقعت من الدَّار الْفُلَانِيَّة وَخرج مِنْهَا دم لوث ثِيَابهَا
وَشهِدت النسْوَة أَيْضا أَنَّهُنَّ نظرنها عقب الْوَقْعَة نظرة مِثْلهنَّ لمثلهَا
فوجدن بَكَارَتهَا قد ذهبت(2/387)
وزالت بِسَبَب الْوَقْعَة الْمَذْكُورَة
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويكمل
محْضر بنشوز الزَّوْجَة وخروجها من منزل زَوجهَا وَلم يعلم مَكَانهَا شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَزَوجته فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي
دخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ وأصابها واستولدها على فرَاشه أَوْلَادًا ويسميهم ثمَّ يَقُول وَأَن الزَّوْجَة لم تبن مِنْهُ بِطَلَاق بَائِن وَلَا رَجْعِيّ إِلَى الْآن وَأَن أَحْكَام الزَّوْجِيَّة قَائِمَة بَينهمَا إِلَى يَوْم تَارِيخه
وَأَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة نشزت وَخرجت من منزل زَوجهَا الْمَذْكُور الْكَائِن بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ من غير إِضْرَار كَانَ مِنْهُ لَهَا وَلَا إساءة بَدَت مِنْهُ فِي حَقّهَا
وَلَا يعلمُونَ مستقرها وَلَا أَنَّهَا عَادَتْ إِلَى منزله الْمَذْكُور
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويكمل
محْضر بِعَدَمِ أَهْلِيَّة امْرَأَة للحضانة شُهُوده يعْرفُونَ فُلَانَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهَا مفرطة فِي كفالتها لولدها فلَان الَّذِي رزقته قبل تَارِيخه من مُطلقهَا فلَان
وَأَنَّهَا تتركه وَحده بِلَا حَافظ يحفظه لَيْسَ لَهَا شَفَقَة عَلَيْهِ
تتركه يبكي من الْجُوع والعطش مُهْملَة لتعاهد أَحْوَاله ومصالحه مُعَاملَة لَهُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى ضعفه وَأَنَّهَا مستمرة على ذَلِك
وَأَن الْوَلَد الْمَذْكُور إِن دَامَ فِي كفالتها وَهِي على ذَلِك هلك وَفَسَد حَاله وَخيف عَلَيْهِ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين ويكمل
محْضر بِإِسْلَام نَصْرَانِيَّة ذَات زوج نَصْرَانِيّ شُهُوده يعْرفُونَ فلَان النَّصْرَانِي وَزَوجته فُلَانَة الْمسلمَة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا كَانَا زَوْجَيْنِ متناكحين بِنِكَاح صَحِيح بولِي مُسْتَحقّ لذَلِك وَأَنه دخل بهَا وأصابها
وَكَانَت هَذِه الْمسلمَة نَصْرَانِيَّة وَكَانَ نِكَاحهَا على مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبهمَا مَعًا وأولدها على فرَاشه ولدا يُسمى فلَان
وعمره الْآن سنة أَو أقل أَو أَكثر
وَإِن كَانَت حَامِلا كتب وَهِي مُشْتَمِلَة على حمل مِنْهُ وصدقها على ذَلِك
وَأَن هَذِه الْمَرْأَة رغبت فِي الدُّخُول فِي دين الْإِسْلَام لما علمت أَنه دين الْحق الَّذِي اخْتَارَهُ الله لِعِبَادِهِ وَجعله مخلصا لَهُم فِي الْآخِرَة من عَذَاب النَّار
وارتضاه لَهُم دينا قيمًا
وَأَن الْحَاكِم الْفُلَانِيّ أعلمهما عِنْد ترافعهما إِلَيْهِ فِي ذَلِك أَنه الدّين الْحق لَا ريب فِيهِ وَأَنَّهَا إِذا دخلت فِيهِ فَلَا سَبِيل لَهَا إِلَى الْخُرُوج عَنهُ
وَأَنَّهَا إِن كَانَت فعلت ذَلِك خوفًا من سَبَب من الْأَسْبَاب الدُّنْيَوِيَّة
فَإِنَّهُ يتسبب فِي إِزَالَة ذَلِك عَنْهَا
فَذكرت أَنَّهَا لم ترغب فِي دين الْإِسْلَام إِلَّا هِدَايَة من الله سُبْحَانَهُ لَهَا إِلَيْهِ
وبدأت من نَفسهَا بِالْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ المعظمتين
فَعِنْدَ ذَلِك لقنها الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ مَا يجب تلقينه(2/388)
لمن يرغب فِي الْإِسْلَام بِمحضر من جمَاعَة الْمُسلمين
وَهِي شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وَأَن عِيسَى عبد الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ
وَأَنَّهَا بريئة من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام وأمرها أَن تتطهر بِالْمَاءِ من دنس مَا كَانَت عَلَيْهِ
وَأَن تتعلم شَيْئا من الْقُرْآن الْعَظِيم مَا تصحح بِهِ صلَاتهَا وَلُزُوم الصَّلَوَات الْخمس فِي أَوْقَاتهَا
فَقبلت مِنْهُ وَعرض على زَوجهَا الْحَاضِر مَعهَا أَن يسلم ويأخذها كَمَا كَانَت لَا تبين عَن نِكَاحه وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا إِلَّا أَن يسلم وَيدخل فِي دين الْإِسْلَام مَا دَامَت فِي عدته وَأَنَّهَا إِن خرجت من عدته
كَانَ لَهَا أَن تتَزَوَّج من تحب وتختار وَلَا يردهَا إِلَيْهِ إِلَّا إِسْلَامه حَسْبَمَا تَقْتَضِيه الشَّرْعِيَّة المطهرة
فَأبى وَامْتنع من الْإِسْلَام
وتفرقا بالأبدان بعد أَن عرض عَلَيْهِ كَونهَا فِي مُودع الحكم وإنفاقه عَلَيْهَا إِلَى حِين انْقِضَاء عدتهَا
فائتمنها على نَفسهَا حَيْثُ أَقَامَت
وتسلمت وَلَدهَا مِنْهُ الْمَذْكُور
وَصَارَ تَحت يَدهَا وَفِي كفالتها
ويكمل على نَحْو مَا سبق فِي المحاضر
وَإِن وَقع ذَلِك فِي مجْلِس الحكم الْعَزِيز عِنْد حَاكم شَرْعِي صدر بحضورهما إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَأقر إِقْرَارا شَرْعِيًّا فِي صحتهما وسلامتهما
وَيذكر مَا تقدم إِلَى آخِره
محْضر فِي مُشْرِكين قَالَ الزَّوْج مِنْهُمَا أسلمنَا مَعًا وهما قبل الدُّخُول
وَقَالَت الزَّوْجَة أسلم أَحَدنَا قبل الآخر حَتَّى تتعجل الْفرْقَة شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة الْمُشْركين معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ على إقرارهما أَنَّهُمَا زوجان متناكحان
وَلم يصدر بَينهمَا دُخُول وَلَا إِصَابَة
وأسلما مَعًا بحضورهم وَسَمَاع ذَلِك مِنْهُمَا
وتلفظا بِالشَّهَادَتَيْنِ المعظمتين مَعًا فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بتعجيل الْفرْقَة بِإِسْلَام أَحدهمَا قبل الآخر شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة الْمُشْركين معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ على اعترافهما أَنَّهُمَا زوجان متناكحان وَلم يدْخل الزَّوْج مِنْهُمَا بِالزَّوْجَةِ
وَأَن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة أسلمت فِي التَّارِيخ الْفُلَانِيّ وَأَن زَوجهَا الْمَذْكُور أسلم بعْدهَا فِي التَّارِيخ الْفُلَانِيّ
وتلفظ كل مِنْهُمَا بِالشَّهَادَتَيْنِ المعظمتين وَإِن أسلم الزَّوْج قبل الزَّوْجَة فيعكس ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بتزكية وزان فِي القبان شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سالك الطرائق الحميدة والمناهج السديدة
وَقد تدرب فِي وزن(2/389)
القبان
واشتغل فِيهِ على مشايخه العارفين بِهِ الْمَأْذُون لَهُ فِي التَّعْلِيم وَالْوَزْن من جِهَة أَرْبَاب الْأُمُور بِإِذن شَرْعِي لَهُ فِي التَّعْلِيم لذَلِك من جِهَة فلَان الْفُلَانِيّ وَأَن فلَانا الْمَذْكُور اشْتغل بذلك اشتغالا حسنا
وأتقنه إتقانا جيدا
وَصَارَ كَغَيْرِهِ من القبانيين الأجياد الصَّادِقين الْأُمَنَاء الأخيار
يزن بِهِ وَيخرج الأوزان من الْقَلِيل إِلَى الْكثير وَأَنه ثِقَة أَمِين عدل لَا يعرف الْكَذِب وَلَا يعاشر أهل اللَّهْو واللعب
وَهُوَ أهل لِأَن يكون قَائِما فِي الْوَزْن بِالْقِسْطِ لما عرف من طَرِيقَته الحميدة
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ ويكمل
محْضر بأهلية ريس مِيقَات شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه سالك الطرائق الحميدة والمناهج السديدة وَأَنه من أهل الْخَيْر وَالدّين وَالصَّلَاح
عدل أَمِين عَارِف بأوقات الصَّلَوَات الْخمس ودخولها فِي الصحو والغيم
وَفِي السّفر والحضر لَيْلًا وَنَهَارًا بالآلات الْمَوْضُوعَة لذَلِك وَيعرف تقاسيمها ورموزها ودوائر سموتها وَمَا يتَعَلَّق بذلك من الرسوم والشهور والبروج والميل وَالتَّعْدِيل وَالْعرُوض والمطالع وانتقالات الْكَوَاكِب فِيهَا والنجوم السيارة الْمُتَعَلّقَة بذلك وَيَأْخُذ ارتفاعها بآلاتها الْمَوْضُوعَة لَهَا
عَارِف بِصِحَّتِهَا وسقمها وحسابها ودرجها ودقائقها وساعاتها
وَفضل الدائر وَنصف قَوس النَّهَار وقوس الظل والساعات الزمانية
وأتقن ذَلِك إتقانا جيدا
وَهُوَ صَالح أَن يكون رَئِيسا بالجوامع أَو بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ لما حواه من الْعُلُوم المنسوبة لذَلِك وَلما اشْتَمَل عَلَيْهِ من الْأَمَانَة والصدق وَالِاحْتِيَاط الْكَافِي وَهُوَ أهل لِأَن يَعْلُو على المؤذنين لما هُوَ متلبس بِهِ من الْخَيْر وَالدّين وغض الْبَصَر عَن الْمُحرمَات والاحتراز فِي فعله عَن الْكَبَائِر الموبقات وَهُوَ مِمَّن عرف خَيره وَوُقِيَ شَره يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر بِالسَّرقَةِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك على إِقْرَاره أَنه تعاطى السّرقَة بنصاب شَرْعِي وَهُوَ ربع دِينَار خَالص مَضْرُوب أَو مَا قِيمَته ربع دِينَار من حرز شَرْعِي من الْمَكَان الْفُلَانِيّ يُوجب عَلَيْهِ الْقطع وَدفع المَال إِلَى صَاحبه
وَإِن كَانَت السّرقَة بِشَيْء كثير من نقد أَو عرض ذكره وَوَصفه ويعتمد على إِقْرَاره بسرقته بِشَرْط وجود صِحَة الْإِقْرَار
ويكمل
وَإِن كَانَت الشَّهَادَة بِالْمُشَاهَدَةِ فَيَقُول وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنهم شاهدوه سرق كَذَا وَكَذَا من الْمَكَان الْفُلَانِيّ فِي(2/390)
الْوَقْت الْفُلَانِيّ لَيْلًا كَانَ أَو نَهَارا وَإِن وَقع اعترافه بِالسَّرقَةِ فِي مجْلِس الْحَاكِم صدر بِحُضُورِهِ إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
واعترافه أَنه فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ سرق كَذَا وَكَذَا
وَيذكر مَا تقدم إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول وَالْأَمر فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف
محْضر بِشرب مُسكر شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْحر الْمُكَلف معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه تعاطى بحضورهم شرب مُسكر طَوْعًا يُوجب عَلَيْهِ بِهِ الْحَد الشَّرْعِيّ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ
وَإِن كَانَت الشَّهَادَة على الْإِقْرَار
فَيَقُول وَأَنه أقرّ عِنْدهم بِكَذَا وَكَذَا
محْضر بِالرّدَّةِ وَالْعِيَاذ بِاللَّه تَعَالَى شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْمُسلم الْمُكَلف
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه تلفظ بِكَذَا وَكَذَا ويحكي مقَالَته بحروفها على نَحْو مَا صدرت مِنْهُ ويكمل
محْضر بالزنى شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْحر الْمُكَلف
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك على إِقْرَاره أَنه بَاشر وَطْء فُلَانَة وطئا يُوجب عَلَيْهِ الْحَد وَهُوَ مائَة جلدَة وتغريب عَام وَلَاء
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بِالنذرِ شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا الْمُسلم الْمُكَلف معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه ألزم نَفسه
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه لله عَليّ نذر كَذَا وَكَذَا ويشرح مقَالَته أَو لله عَليّ كَذَا وَكَذَا نذرا يلْزَمنِي الْوَفَاء بِهِ أَو على سَبِيل النّذر الشَّرْعِيّ وَأَن ذمَّته مَشْغُولَة بذلك إِلَى حِين وَفَاته بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
محْضر بجب الزَّوْج حِين دَعْوَى الزَّوْجَة ذَلِك
وتكليفها ثُبُوته شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل وَأَن الزَّوْج الْمَذْكُور مجبوب لم يقدر بِهَذَا الْعَيْب على وَطْء الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ عيب مُوجب لفسخ النِّكَاح مَعَ عدم رضى الزَّوْجَة بِهِ
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر فِيمَن كَاتب عَبده وَأنكر الْكِتَابَة وكلف الْمكَاتب الثُّبُوت شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وَفُلَان ابْن عبد الله وَيذكر نَوعه وجنسه معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ
كَاتب مَمْلُوكه فلَانا الْمَذْكُور
الْجَارِي فِي يَده وَملكه وتصرفه
الْمقر لَهُ بسابق الرّقّ والعبودية كِتَابَة شَرْعِيَّة بِكَذَا وَكَذَا وعَلى أَنه إِن أدّى ذَلِك فِي كَيْت وَكَيْت أَن يسْقط عَنهُ فِي آخر النُّجُوم كَذَا وَكَذَا(2/391)
لقَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} ثمَّ يكون حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
وَإِن بَقِي عَلَيْهِ وَلَو دِرْهَم وَاحِد
فَهُوَ قن
لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَصدر ذَلِك بَينهمَا على الأوضاع الشَّرْعِيَّة
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بتدبير عبد دبره سَيّده وَمَات السَّيِّد وَأنكر الْوَرَثَة ذَلِك شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَنه كَانَ مَالِكًا حائزا لمملوكه فلَان ابْن عبد الله وَيذكر نَوعه وجنسه وَأَن مَوْلَاهُ الْمَذْكُور قَالَ لَهُ فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ قبل وَفَاته إِذا مت فَأَنت حر وَأَن مَوْلَاهُ الْمَذْكُور توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى قبل تَارِيخه وَأَحْكَام التَّدْبِير بَاقِيَة وَأَن مدبره الْمَذْكُور لم يخرج عَن ملكه إِلَى حِين وَفَاته بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا بِسَبَب من الْأَسْبَاب وَأَنه صَار حرا من أَحْرَار الْمُسلمين بِحكم التَّدْبِير وَمَوْت مَوْلَاهُ وَعدم خُرُوجه عَن ملكه إِلَى حِين وَفَاته
يعْرفُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر فِيمَن مَاتَ عَن مستولدته وَأنكر الْوَرَثَة استيلاده إِيَّاهَا شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك على إِقْرَاره فِي التَّارِيخ الْفُلَانِيّ أَنه افترش مملوكته فُلَانَة بنت عبد الله
وَحدث لَهُ مِنْهَا على فرَاشه ولد يدعى فلَان
وَأَن مَوْلَاهَا الْمَذْكُور توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَصَارَت فُلَانَة الْمَذْكُورَة بِحكم الافتراش الْمَذْكُور مُسْتَوْلدَة تعْتق بِمَوْتِهِ أَو بتنجيز عتقهَا
جَار عَلَيْهَا حكم أُمَّهَات الْأَوْلَاد
وهم بهَا وبمستولدها عارفون يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
محْضر بتنجيز عتق مُسْتَوْلدَة حَال الْحَيَاة ثمَّ توفّي وَأنكر الْوَرَثَة عتقهَا شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة بنت عبد الله معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا الْمَذْكُور أقرّ فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ أَنه وطىء مملوكته فُلَانَة الْمَذْكُورَة واستولدها على فرَاشه ولدا
وَصَارَت بِهِ مُسْتَوْلدَة شَرْعِيَّة
وَأَنه نجز عتقهَا بعد ذَلِك
وَأَن فلَانا الْمَذْكُور توفّي بعد أَن صَارَت فُلَانَة الْمَذْكُورَة بِحكم تَنْجِيز عتقهَا فِي حَال حَيَاة مَوْلَاهَا الْمَذْكُور حرَّة من حرائر المسلمات
لَيْسَ لأحد عَلَيْهَا وَلَاء إِلَّا الْوَلَاء الشَّرْعِيّ
فَإِنَّهُ لمعتقها(2/392)
الْمَذْكُور وَلمن يسْتَحقّهُ من بعده شرعا
يعلمُونَ ذَلِك وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
محْضر فِي رجل تزوج أمة وَحدث لَهُ أَوْلَاد مِنْهَا
وَادّعى الزَّوْج حريَّة الْأُم ليصير أَوْلَاده أحرارا
وَادّعى مَالك الْأمة الرّقّ وَآل الْحَال إِلَى كِتَابَة محْضر شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا مَالك الْأمة الْفُلَانِيَّة وَفُلَانًا زوج الْأمة الْمَذْكُورَة
وَأَوْلَادهَا من زَوجهَا الْمَذْكُور
وهم فلَان وَفُلَان
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك أَن فلَانا الْمَذْكُور تزوج فُلَانَة الْمَذْكُورَة تزوجا شَرْعِيًّا بِولَايَة مَوْلَاهَا الْمَذْكُور وشاهدي عدل وعَلى أَنَّهَا أمة وَأَن فُلَانَة الْمَذْكُورَة رقيقَة فِي ملك مَوْلَاهَا الْمَذْكُور إِلَى الْآن وَيشْهدُونَ على إِقْرَار زَوجهَا الْمَذْكُور أَن أَوْلَادهَا الْمَذْكُورين فِيهِ حدثوا لَهُ من زَوجته الْمَذْكُورَة بِالنِّكَاحِ الْمَذْكُور
وَأَن الْأمة وَالْأَوْلَاد الْمَذْكُورين فِيهِ بِهَذَا الْمُقْتَضى فِي ملك فلَان مَالك الْأمة الْمَذْكُورَة
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
محْضر فِيمَن زَوجهَا الْحَاكِم وَالزَّوْجَة فِي غير مَحل ولَايَته شُهُوده يعْرفُونَ فلَانا وفلانة معرفَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
وَيشْهدُونَ مَعَ ذَلِك على إقرارهما أَنَّهُمَا حِين عقد الْحَاكِم الْفُلَانِيّ عقدهما على بعضهما بَعْضًا
وَكَانَ الْحَاكِم الْوَلِيّ الشَّرْعِيّ
كَانَ إِذن الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة للْحَاكِم فِي تَزْوِيجهَا من فلَان الْمَذْكُور وَهِي مُقِيمَة فِي غير مَحل ولَايَة الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
يعلمُونَ ذَلِك
وَيشْهدُونَ بِهِ مسؤولين
ويكمل
تذييل اعْلَم أَن الْفرق بَين الْمحْضر والسجل أَن الْمحْضر ذكر مَا كَانَ
لينبني عَلَيْهِ مَا يُوجب الحكم
والسجل هُوَ تَمام ذكر الحكم وإنفاذ الْقَضَاء بِمَا تضمنه الْمحْضر
والمحاضر فِي التَّقْدِير أصُول السجلات أَي الَّتِي تنشأ السجلات عَلَيْهَا
وَيَنْبَغِي للْحَاكِم أَنه إِذا أَرَادَ أَن يشْهد على حكمه أَن يحضر الْخَصْمَيْنِ إِلَى مَجْلِسه وَيشْهد الشُّهُود على عينهما ويخبرهم أَن هَذَا هُوَ الْمَحْكُوم لَهُ
وَهَذَا هُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ
وَإِذا استعدى الْحَاكِم على خصم ظَاهر فِي الْبَلَد يُمكن إِحْضَاره وَجب
وَقيل يحضر ذَوي الهيئات فِي دَاره ويحضر الْيَهُودِيّ يَوْم السبت وَيكسر عَلَيْهِ سبته
وَمؤنَة الْمحْضر على الْمَطْلُوب
وَقيل على الْمُدَّعِي
وَإِذا اختفى الْخصم بعث من يُنَادي على بَاب دَاره بِأَنَّهُ إِن لم يحضر إِلَى ثَلَاث سمر بَابه أَو ختم
فَإِن لم يحضر بعد الثَّلَاث
وَسَأَلَ الْمُدَّعِي التسمير أَو الْخَتْم أَجَابَهُ بعد أَن تقرر عِنْده أَنَّهَا دَاره
وَإِذا عرف لَهُ مَوضِع بعث القَاضِي جمَاعَة من نسْوَة وصبيان(2/393)
يهجمون عَلَيْهِ على هَذَا التَّرْتِيب
ويفتشون عَلَيْهِ
فَإِن كَانَ بِهِ عذر شَرْعِي كَمَرَض أَو غير ذَلِك يمنعهُ من الْحُضُور
بعث إِلَيْهِ من يحكم بَينهمَا أَو ينصب وَكيلا يُخَاصم عَنهُ
فَإِن وَجب تَحْلِيفه بعث إِلَيْهِ من يحلفهُ
وَالأَصَح أَن المخدرة لَا تحضر
وَهِي الَّتِي لَا تخرج إِلَّا لضَرُورَة
وَكَذَا من لَا تخرج إِلَّا نَادرا لعزاء أَو زِيَارَة أَو حمام وسبيلها كَالْمَرِيضِ
فَإِذا حضر نَائِب القَاضِي إِلَى دارها تَكَلَّمت من وَرَاء السّتْر إِن شهد اثْنَان من محارمها أَنَّهَا هِيَ واعترف بهَا الْخصم
وَإِلَّا تلفعت بملحفة وَخرجت من السّتْر
وَمن هُوَ فِي غير ولَايَة الْحَاكِم لَيْسَ لَهُ إِحْضَاره
أَو فِيهَا وَله هُنَاكَ نَائِب فَكَذَا على الصَّحِيح بل يسمع بَينته وَيكْتب إِلَيْهِ
فَإِن تعذر فَالْأَصَحّ يحضر من مَسَافَة الْعَدْوى فَقَط بعد الْبَحْث عَن جِهَة دَعْوَاهُ فِي قَول الْجُمْهُور
وَلَو استعدى على امْرَأَة خَارِجَة عَن الْبَلَد
فَفِي إحضارها اشْتِرَاط أَمن الطَّرِيق ونسوة ثِقَات وَجْهَان
وَالأَصَح أَنه يبْعَث إِلَيْهَا محرما أَو نسْوَة ثِقَات
وَإِذا ثَبت على غَائِب دين وَله مَال حَاضر
فعلى القَاضِي توفيته مِنْهُ إِذا طلب الْمُدَّعِي
وَالأَصَح أَنه لَا يُطَالب الْمُدَّعِي بكفيل
وَالْمَشْهُور جَوَاز الْقَضَاء على الْغَائِب فِي قصاص وحد قذف وَمنعه فِي حُدُود الله تَعَالَى
انْتهى
وَالله أعلم(2/394)
كتاب الدَّعْوَى والبينات
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الْمُدَّعِي فِي اللُّغَة هُوَ من ادّعى شَيْئا لنَفسِهِ سَوَاء كَانَ فِي يَده أَو فِي يَد غَيره
وَفِي الشَّرْع هُوَ من ادّعى شَيْئا فِي يَد غَيره أَو دينا فِي ذمَّته
وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فِي اللُّغَة وَالشَّرْع هُوَ من ادّعى عَلَيْهِ بِشَيْء فِي يَده أَو فِي ذمَّته
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي مَوضِع الْمُدَّعِي من يَدعِي أمرا بَاطِنا وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من يَدعِي أمرا ظَاهرا
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الْمُدَّعِي من إِذا سكت ترك وسكوته
وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ من لَا يتْرك وسكوته
والدعاوى على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا فَاسد
وَالْآخر صَحِيح
فَأَما الْفَاسِد فَثَلَاثَة أَنْوَاع
أَحدهَا أَن يَدعِي محالا مثل أَن يَدعِي مثل جبل أحد ذَهَبا أَو فضَّة أَو نَحْو ذَلِك
وَالثَّانِي أَن يَدعِي دَعْوَى أبطلها الشَّرْع مثل من يَدعِي ثمن كلب أَو خِنْزِير أَو ثمن مَا يتناسل مِنْهُمَا أَو ثمن ميتَة أَو نَجَاسَة مائعة كَانَت أَو جامدة أَو ثمن شَيْء حرَام حرمه الشَّرْع
مجمع عَلَيْهِ أَو مُخْتَلف فِيهِ
وَالثَّالِث أَن يَدعِي من لَا قَول لَهُ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ بِسَفَه
فَأَما الدَّعْوَى الصَّحِيحَة فَإِنَّهَا مسموعة
فَإِن أقرّ بهَا الْمُدعى عَلَيْهِ وَإِلَّا حلف
إِن لم يكن للْمُدَّعِي بَيِّنَة إِلَّا فِي خمس مسَائِل إِحْدَاهَا أَن يَدعِي على صبي أَنه بَالغ
فَأنْكر الصَّبِي
وَالثَّانيَِة أَن يَدعِي على رجل مَالا ثمَّ يقر بِهِ لوَلَده الطِّفْل
وَالثَّالِثَة أَن يَدعِي عقدين فِي عقد وَاحِد
فَيقر الْمُدعى عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا وينكر الآخر مثل بيع وَإِجَارَة أَو نِكَاح وخلع
وَالرَّابِعَة أَن يَدعِي على حَاكم أَنه جَائِر فِي حكمه
وَالْخَامِسَة أَن يَدعِي على شَاهد أَنه شهد بالزور
فأتلف مَا أوجبت شَهَادَته
فَعَلَيهِ الغرامة إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة وَإِن لم يقم الْبَيِّنَة فعلى الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين على أحد الْوَجْهَيْنِ
وَالْوَجْه الآخر أَن يحلف الْمُدَّعِي(2/395)
وَلَا يَمِين فِي شَيْء من الْحُدُود إِلَّا فِي ثَلَاث مسَائِل اللّعان والقسامة وحد الْقَذْف
وَالْيَمِين على ضَرْبَيْنِ
أَحدهمَا على الْبَتّ
وَالثَّانِي على نفي الْعلم
فَأَما الْيَمين على الْبَتّ فَهُوَ أَن يحلف على أَمر يرجع فِيهِ إِلَى ذَاته وَنَحْو ذَلِك
وَأما الْيَمين على نفي الْعلم فَفِي ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن يَدعِي أمرا يُعلمهُ مثل نِكَاح الوليين وَنَحْو ذَلِك
وَالثَّانيَِة أَن يَبِيع حَيَوَانا بِشَرْط الْبَرَاءَة من الْعُيُوب ثمَّ يجد بِهِ المُشْتَرِي عَيْبا حلف البَائِع على علمه
وَالثَّالِثَة من كَانَ لَهُ حق على إِنْسَان
فَمَنعه مِنْهُ فَلم يتَوَصَّل إِلَى أَخذه وَقدر بعد ذَلِك على مَال من أَمْوَاله كَانَ لَهُ أَخذه عَن حَقه سَوَاء كَانَ ذَلِك من جنسه أَو من غير جنسه
وَفِي إِلَى الْحَاكِم قَولَانِ
أَحدهمَا يرفع وَيُقِيم الْبَيِّنَة
وَالثَّانِي لَا يرفع وَيَأْخُذ حَقه
فصل فِي النّكُول
وَلَا يحكم بِالنّكُولِ فِي شَيْء من الْأَحْكَام
وَهنا مسَائِل تشبه الحكم بِالنّكُولِ وَلَيْسَ ذَلِك حكم بِالنّكُولِ أَحدهَا أَن يَقُول رب المَال للساعي أدّيت زَكَاة مَالِي فِي بلد آخر
فَإِن اتهمَ حلف
وَإِن نكل حكمنَا عَلَيْهِ بِالزَّكَاةِ بِالْوُجُوب السَّابِق عَلَيْهِ
وَالثَّانيَِة أَن يكون بدل الزَّكَاة جِزْيَة
وَالثَّالِثَة أَن يكون بدل الْجِزْيَة خراجا
وَالرَّابِعَة أَن يَدعِي رب الْحَائِط خطأ الخارص
فَإِذا اتهمَ أَحْلف
وَإِن نكل حكمنَا عَلَيْهِ بخرصه
وَالْخَامِسَة لَو طلب سهم الْمُعَامَلَة من الْغَنِيمَة
فَإِن اتهمَ أَحْلف وَإِن نكل لم يُعْط شَيْئا
وَزَاد الشَّيْخ أَبُو حَامِد مَسْأَلَة سادسة فَقَالَ لَو وجد الإِمَام فِي دَار الْحَرْب من قد أنبت وَأمر بقتْله
فَقَالَ مسحت عَلَيْهِ دَوَاء حَتَّى نبت
فَإِن اتهمَ أَحْلف وَإِن نكل قَتَلْنَاهُ
وَالدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ فِي غير الْوَصِيَّة وَالْإِقْرَار لَا تصح
لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ رُبمَا صدقه فِيمَا ادَّعَاهُ
فَلَا يعلم الْحَاكِم بِمَاذَا يحكم عَلَيْهِ فَإِن ادّعى عَلَيْهِ شَيْئا من الْأَثْمَان
فَلَا بُد أَن يذكر الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة
فَيَقُول ألف دِينَار مثلا وَيبين الضرائب لِأَنَّهَا تخْتَلف وَإِن اخْتلف الْوَزْن فِي ذَلِك فَلَا بُد من ذكر الْوَزْن
وَإِن ادّعى شَيْئا غير الْأَثْمَان
فَإِن كَانَ مِمَّا يضْبط بِالصّفةِ وَصفه بِمَا يُوصف بِهِ فِي السّلم وَلَا يفْتَقر إِلَى ذكر قِيمَته مَعَ ذَلِك
لِأَنَّهُ يصير مَعْلُوما من غير ذكر قِيمَته وَإِن ذكر قِيمَته كَانَ آكِد
وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يضْبط بِالصّفةِ كالجواهر فَلَا بُد من ذكر قيمَة
وَإِن كَانَ الْمُدَّعِي تَالِفا فَإِن كَانَ لَهُ مثل ذكر مثله
وَإِن ذكر قِيمَته مَعَ ذَلِك كَانَ آكِد
وَإِن لم(2/396)
يكن لَهُ مثل لم يدع إِلَّا بِقِيمَتِه من نقد الْبَلَد لِأَنَّهُ لَا يجب لَهُ إِلَّا ذَلِك
وَإِن كَانَ الْمُدعى أَرضًا أَو دَارا
فَلَا بُد من أَن يذكر اسْمه وَاسم الْوَادي
والبلد الَّذِي هُوَ فِيهِ وحدوده الَّتِي تليه
وَإِن ادّعى عَلَيْهِ سَيْفا محلى بِذَهَب تَالِفا
قومه بِدَرَاهِم من الْفضة
وَإِن كَانَ محلى بِالْفِضَّةِ قومه بِدَنَانِير من الذَّهَب
وَإِن كَانَ محلى بِالذَّهَب وَالْفِضَّة قومه بِالذَّهَب أَو الْفضة لِأَنَّهُ مَوضِع ضَرُورَة
وَإِن ادّعى عَلَيْهِ مَالا مَجْهُولا من وَصِيَّة أَو إِقْرَار صحت الدَّعْوَى لِأَن الْوَصِيَّة والأقرار يصحان فِي الْمَجْهُول
فَصحت الدَّعْوَى فِي الْمَجْهُول مِنْهُمَا
وَإِن ادّعى عَلَيْهِ دينا فِي ذمَّته أَو عينا فِي يَده فَلَا يفْتَقر إِلَى ذكر السَّبَب الَّذِي ملك ذَلِك بِهِ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَهُوَ إِجْمَاع
وَلِأَن المَال يملك بجهات مُخْتَلفَة من الابتياع وَالْهِبَة وَالْإِرْث وَالْوَصِيَّة وَغير ذَلِك
وَقد يملك ذَلِك من جِهَات ويشق عَلَيْهِ ذكر سَبَب كل ذَلِك
فَإِن ادّعى قتلا أَو جراحا فَلَا بُد من ذكر سَببه فَيَقُول عمدا أَو خطأ أَو شبه عمد
ويصف الْعمد وَالْخَطَأ وَشبه الْعمد
وَلَا بُد أَن يذكر أَنه انْفَرد بِالْجِنَايَةِ أَو شَاركهُ غَيره فِيهَا
لِأَن الْقصاص يجب بذلك
فَإِذا لم يذكر سَببه لم يُؤمن أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص فِيمَا لَا قصاص فِيهِ
فَإِن ادّعى عَلَيْهِ جِرَاحَة فِيهَا أرش مُقَدّر كالموضحة من الْحر لم يفْتَقر إِلَى ذكر الْأَرْش فِي الدَّعْوَى
وَإِن لم يكن لَهَا أرش مُقَدّر بالجراحة الَّتِي لَيْسَ لَهَا أرش مُقَدّر من الْحر والجراحات كلهَا فِي العَبْد فَلَا بُد من ذكر الْأَرْش فِي الدَّعْوَى
لِأَن الْأَرْش غير مُقَدّر فِي الشَّرْع فَلم يكن بُد من تَقْدِيره فِي الدَّعْوَى
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَنه إِذا حضر رجل وَادّعى على رجل وَطلب إِحْضَاره من بلد آخر فِيهِ حَاكم إِلَى الْبَلَد الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعِي
فَإِنَّهُ لَا يُجَاب سُؤَاله
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ فِي بلد لَا حَاكم فِيهِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه الْحُضُور إِلَّا أَن يكون بَينهمَا مَسَافَة يرجع مِنْهَا فِي يَوْمه إِلَى بَلَده
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يحضرهُ(2/397)
الْحَاكِم سَوَاء قربت الْمسَافَة أَو بَعدت
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَاكِم يسمع دَعْوَى الْحَاضِر وبينته على الْغَائِب
ثمَّ اخْتلفُوا هَل يحكم بهَا على الْغَائِب أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا على من هرب قبل الحكم وَبعد إِقَامَة الْبَيِّنَة
وَلَكِن يَأْتِي من عِنْد القَاضِي ثَلَاثَة إِلَى بَابه يَدعُونَهُ إِلَى الحكم
فَإِن جَاءَ وَإِلَّا فتح عَلَيْهِ بَابه
وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه يحكم عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحكم على غَائِب بِحَال إِلَّا أَن يتَعَلَّق الحكم بالحاضر مثل أَن يكون الْغَائِب وَكيلا أَو وَصِيّا أَو يكون جمَاعَة شُرَكَاء فِي شَيْء
فيدعي على أحدهم وَهُوَ حَاضر فَيحكم عَلَيْهِ وعَلى الْغَائِب
وَقَالَ مَالك يحكم على الْغَائِب للحاضر إِذا أَقَامَ الْحَاضِر الْبَيِّنَة وَسَأَلَهُ الْحَاكِم لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يحكم على الْغَائِب للحاضر إِذا أَقَامَ الْبَيِّنَة للْمُدَّعِي على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا جَوَاز ذَلِك على الْإِطْلَاق
كمذهب الشَّافِعِي
وَكَذَلِكَ اخْتلَافهمْ فِيمَا إِذا كَانَ الَّذِي قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة حَاضرا وَامْتنع من أَن يحضر مجْلِس الحكم
وَاخْتلف الْقَائِلُونَ بالحكم على الْغَائِب فِيمَا إِذا قَامَت الْبَيِّنَة على غَائِب أَو صبي أَو مَجْنُون
فَهَل يحلف الْمُدَّعِي مَعَ بَينته أَو يحكم بِالْبَيِّنَةِ من غير استحلافه قَالَ مَالك وَهُوَ الْأَصَح من مَذْهَب الشَّافِعِي يحلف
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يحلف
وَالثَّانيَِة لَا يحلف
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا ثَبت الْحق على حَاضر بعدلين حكم بِهِ وَلَا يحلف الْمُدَّعِي مَعَ شاهديه
فصل وَلَو مَاتَ رجل وَخلف ابْنا
مُسلما وابنا نَصْرَانِيّا
فَادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه مَاتَ على دينه وَأَنه يَرِثهُ
وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة وَعرف أَنه كَانَ نَصْرَانِيّا أَو شهِدت إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ أَنه مَاتَ وَآخر كَلَامه الْإِسْلَام
وَشهِدت الْأُخْرَى أَنه مَاتَ وَآخر كَلَامه الْكفْر
فهما متعارضتان
ويسقطان فِي إِحْدَى قولي الشَّافِعِي وَيصير كَأَن لَا بَيِّنَة
فَيحلف النَّصْرَانِي وَيقْضى لَهُ وعَلى قَوْله الآخر يستعملان
فيقرع بَينهمَا
وَإِن لم يعرف أصل دينه فَقَوْلَانِ
فَإِن قُلْنَا يسقطان رَجَعَ إِلَى من فِي يَده المَال وَإِن قُلْنَا يستعملان وَقُلْنَا يقرع بَينهمَا أَقرع
وَإِن قُلْنَا يُوقف وقف إِلَى أَن ينْكَشف
وَإِن قُلْنَا يقسم قسم على الْمَنْصُوص
وَفِي الْمسَائِل كلهَا يغسل وَيصلى عَلَيْهِ ويدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين
وَبِه قَالَ(2/398)
أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي جَمِيع الْمسَائِل تقدم بَيِّنَة الْإِسْلَام
فصل لَو تنَازع اثْنَان
حَائِطا بَين ملكيهما غير مُتَّصِل بِبِنَاء أَحدهمَا اتِّصَال الْبُنيان جعل بَينهمَا
وَإِن كَانَ لأَحَدهمَا جُذُوع عِنْد الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ لأَحَدهمَا عَلَيْهِ جُذُوع قدم على الآخر
وَلَو كَانَ فِي يَد إِنْسَان غُلَام بَالغ وَادّعى أَنه عَبده وَكذبه فَالْقَوْل قَول المكذب مَعَ يَمِينه أَنه حر
وَإِن كَانَ الْغُلَام طفْلا صَغِيرا لَا تَمْيِيز لَهُ فَالْقَوْل قَول صَاحب الْيَد
فَإِن ادّعى رجل نسبه لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة
هَذَا كُله مُتَّفق عَلَيْهِ بَين الْأَئِمَّة
وَلَو كَانَ الْغُلَام مراهقا
فلأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان
أَحدهمَا كَالْبَالِغِ
وَالثَّانِي كالصغير
وَاتَّفَقُوا على أَن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر
وَلَو قَالَ لَا بَيِّنَة لي أَو كل بَيِّنَة لي زور ثمَّ أَقَامَ بَيِّنَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يقبل
وَقَالَ أَحْمد لَا يقبل
وَاخْتلفُوا فِي بَين الْخَارِج هَل هِيَ أولى من بَيِّنَة صَاحب الْيَد أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه صَاحب الْيَد أولى
وَهل بَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة صَاحب الْيَد على الْإِطْلَاق أم فِي أَمر مَخْصُوص قَالَ أَبُو حنيفَة بَيِّنَة الْخَارِج مُقَدّمَة على بَيِّنَة صَاحب الْيَد فِي الْملك الْمُطلق
وَأما إِذا كَانَ مُضَافا إِلَى سَبَب لَا يُنكره كالنسج فِي الثِّيَاب الَّتِي لَا تنسج إِلَّا مرّة وَاحِدَة
والنتاج الَّذِي لَا يتَكَرَّر فَبَيِّنَة صَاحب الْيَد تقدم حِينَئِذٍ
وَإِذا أرخا وَصَاحب الْيَد أسبق تَارِيخا فَإِنَّهُ مقدم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ بَيِّنَة صَاحب الْيَد مُقَدّمَة على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا بَيِّنَة الْخَارِج مُطلقًا
وَالْأُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة
فصل إِذا تَعَارَضَت بينتان
إِلَّا أَن إِحْدَاهمَا أشهر عَدَالَة
فَهَل ترجح أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا ترجح
وَقَالَ مَالك ترجح بذلك
وَلَو ادّعى رجل دَارا فِي يَد إِنْسَان وتعارضت الْبَيِّنَتَانِ
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تسقطان
وَيقسم بَينهمَا
وَقَالَ مَالك يَتَحَالَفَانِ ويقتسماها
فَإِن حلف أَحدهمَا وَنكل الآخر قضى للْحَالِف دون الناكل
وَإِن نكلا جَمِيعًا
فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا تقسم بَينهمَا وَلَا توقف حَتَّى يَتَّضِح(2/399)
الْحَال
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا يسقطان مَعًا كَمَا لَو لم تكن بَيِّنَة
وَالثَّانِي يسقطان
ثمَّ فِيمَا يفعل ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا الْقِسْمَة
وَالثَّانِي الْقرعَة
وَالثَّالِث الْوَقْف
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يسقطان مَعًا
وَالثَّانيَِة لَا يسقطان
وَيقسم بَينهمَا
وَإِذا ادّعى اثْنَان شَيْئا فِي يَد ثَالِث وَلَا بَيِّنَة لوَاحِد مِنْهُمَا
فَأقر بِهِ لوَاحِد مِنْهُمَا لَا بِعَيْنِه
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن اصطلحا على أَخذه فَهُوَ لَهما
وَإِن لم يصطلحا وَلم يعين أَحدهمَا يحلف كل وَاحِد مِنْهُمَا على الْيَقِين أَنه لَيْسَ لهَذَا
فَإِذا حلف لَهَا فَلَا شَيْء لَهما
وَإِن نكل لَهما أَخذ ذَلِك أَو قِيمَته مِنْهُ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يُوقف الْأَمر حَتَّى ينْكَشف الْمُسْتَحق أَو يصطلحا
وَقَالَ أَحْمد يقرع بَينهمَا
فَمن خرجت قرعته حلف واستحقه
وَلَو ادّعى رجل أَنه تزوج امْرَأَة تزويجا صَحِيحا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تسمع دَعْوَاهُ من غير ذكر شُرُوط الصِّحَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يسمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ حَتَّى يذكر الشَّرْط الَّذِي يَقْتَضِي صِحَة النِّكَاح وَهُوَ أَن يَقُول تَزَوَّجتهَا بولِي مرشد وشاهدي عدل ورضاها إِن كَانَت بكرا
فصل إِذا نكل الْمُدعى عَلَيْهِ
عَن الْيَمين فَهَل ترد على الْمُدَّعِي أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ترد وَيَقْضِي بِالنّكُولِ
وَقَالَ مَالك ترد
وَيَقْضِي على الْمُدعى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين وَشَاهد وَامْرَأَتَيْنِ
وَقَالَ الشَّافِعِي ترد الْيَمين على الْمُدَّعِي وَيَقْضِي على الْمُدعى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي جَمِيع الْأَشْيَاء
فصل الْيَمين هَل تغلظ بِالزَّمَانِ
وَالْمَكَان أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تغلظ وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تغلظ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَلَو ادّعى اثْنَان عبدا فَأقر أَنه لأَحَدهمَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقبل إِقْرَاره إِذا كَانَ مدعياه اثْنَيْنِ فَإِن كَانَ مدعيه وَاحِد قبل إِقْرَاره
وَقَالَ الشَّافِعِي يقبل إِقْرَاره فِي الْحَالين
وَمذهب مَالك وَأحمد أَنه لَا يقبل إِقْرَاره لوَاحِد مِنْهُمَا إِذا كَانَا اثْنَيْنِ
فَإِن كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا فروايتان
وَلَو شهد عَدْلَانِ على رجل أَنه أعتق عَبده فَأنْكر العَبْد
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا تصح الشَّهَادَة مَعَ إِنْكَار العَبْد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يحكم بِعِتْقِهِ(2/400)
فصل لَو اخْتلف الزَّوْجَانِ
فِي مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يسكنانه ويدهما عَلَيْهِ ثَابِتَة وَلَا بَيِّنَة
قَالَ أَبُو حنيفَة مَا كَانَ فِي يدهما مشَاهد فَهُوَ لَهما
وَمَا كَانَ فِي يدهما من طَرِيق الحكم فَمَا يصلح للرِّجَال فَهُوَ للرجل وَالْقَوْل قَوْله فِيهِ
وَمَا يصلح للنِّسَاء فَهُوَ للْمَرْأَة وَالْقَوْل قَوْلهَا فِيهِ
وَمَا يصلح لَهما فَهُوَ للرِّجَال فِي الْحَيَاة
وَبعد الْمَوْت فَهُوَ للْبَاقِي مِنْهُمَا
وَقَالَ مَالك كل مَا يصلح لوَاحِد مِنْهُمَا فَهُوَ للرجل
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ بَينهمَا بعد التَّحَالُف
وَقَالَ أَحْمد إِذا كَانَ الْمُتَنَازع عَلَيْهِ مِمَّا يصلح للرِّجَال كالطيالسة والعمائم فَالْقَوْل قَول الرجل فِيهِ
وَإِن كَانَ مِمَّا يصلح للنِّسَاء كالمقانع والوقايات فَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة فِيهِ
وَإِن كَانَ مِمَّا يصلح لَهما كَانَ بَينهمَا بعد الْوَفَاة
ثمَّ لَا فرق بَين أَن تكون يدهما عَلَيْهِ من طَرِيق الْمُشَاهدَة أَو من طَرِيق الحكم
وَكَذَا الحكم فِي اخْتِلَاف ورثتهما وورثة أَحدهمَا وورثة الآخر
فَالْقَوْل قَول الثَّانِي مِنْهُمَا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف القَوْل قَول الْمَرْأَة فِيمَا جرت الْعَادة أَنه قدر جهاز مثلهَا
فصل وَمن لَهُ دين على إِنْسَان
يجحده إِيَّاه وَقدر لَهُ على مَال فَهَل لَهُ أَن يَأْخُذ مِنْهُ مِقْدَار دينه بِغَيْر إِذْنه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك من حنس ملكه
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه إِن لم يكن على غَرِيمه غير دينه فَلهُ أَن يَسْتَوْفِي حَقه بِغَيْر إِذْنه وَإِن كَانَ عَلَيْهِ غير دينه استوفى بِقدر حِصَّته من المقاصصة ورد مَا فضل
وَالثَّانيَِة وَهِي من مَذْهَب أَحْمد أَنه لَا يَأْخُذ بِغَيْر إِذْنه سَوَاء كَانَ من جنس حَقه أَو من غير جنسه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَهُ أَن يَأْخُذ ذَلِك مُطلقًا بِغَيْر إِذْنه
وَكَذَا لَو كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَة وَأمكنهُ أَخذ الْحق بالحاكم
فَالْأَصَحّ من مذْهبه جَوَاز الْأَخْذ
وَلَو كَانَ مقرا بِهِ وَلكنه يمْنَع الْحق سُلْطَانه فَلهُ الْأَخْذ
انْتهى
فرع قَالَ أَبُو حَاتِم الْقزْوِينِي لَو ادّعى
رجل على رجل حَقًا مَعْلُوما وَكَانَ الْمُدَّعِي قد أَبْرَأ الْمُدعى عَلَيْهِ
فَلَو قَالَ قد أبرأتني من هَذَا لزمَه الْحق وَجعل مُدعيًا للإبراء وَلَو احتال فَقَالَ قد أبرأتني من هَذِه الدَّعْوَى لم يصر مقرا
فَائِدَة لَو ادّعى العَبْد الْعتْق وَأنكر السَّيِّد وَكَانَت قِيمَته نِصَابا غلظت الْيَمين وَإِن نقصت عَن نِصَاب لم تغلظ وَإِن نكل السَّيِّد ردَّتْ الْيَمين على العَبْد وغلظت بِكُل حَال قلت قِيمَته أَو كثرت
وَالْفرق بَينهمَا هُوَ أَن السَّيِّد يحلف على اسْتِدَامَة الْملك وَهِي مَال
فتغلظ يَمِينه فِي حَالَة دون حَالَة
وَالْعَبْد يحلف على إِثْبَات الْعتْق وَلَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد بِهِ مَال(2/401)
فتغلظت عَلَيْهِ الْيَمين بِكُل حَال
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور مِنْهَا صُورَة دَعْوَى فِي عقار وَقع فِيهِ تبَايع بَين شَخْصَيْنِ وَأنكر البَائِع البيع حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وَفُلَان وَادّعى المبدي بِذكرِهِ وَهُوَ فلَان على فلَان المثني بِذكرِهِ أَنه بَاعه جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد بيعا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِثمن مبلغه كَذَا على حكم الْحُلُول
وَقبض مِنْهُ جَمِيع الثّمن الْوَاقِع عَلَيْهِ عقد البيع بَينهمَا وَلم يُسلمهُ الْمَكَان الْمَذْكُور وَهُوَ مُمْتَنع من تَسْلِيمه إِيَّاه
وطالبه بِتَسْلِيم الْمَكَان الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك
فَأجَاب بِصِحَّة الدَّعْوَى وصدور البيع مِنْهُ للْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي الْمَكَان الْمَذْكُور على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
فَأمره سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِتَسْلِيم ذَلِك للْمُدَّعِي الْمَذْكُور فسلمه إِلَيْهِ
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بِالتَّخْلِيَةِ الشَّرْعِيَّة الْمُوجبَة للتسليم شرعا
وَإِن أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بالإنكار وَطلب من الْمُدَّعِي بَيَان مَا ادَّعَاهُ كتب فَخرج الْمُدَّعِي ثمَّ عَاد وَمَعَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة وهم فلَان وَفُلَان وَشهد بجريان عقد التبايع بَين المتداعيين الْمَذْكُورين فِي الْمَكَان الْمَذْكُور بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ وَهُوَ كَذَا فِي تَارِيخ كَذَا وَأَن البَائِع الْمَذْكُور تسلم الثّمن الْمَذْكُور بِتَمَامِهِ وكماله بِإِقْرَارِهِ عِنْدهم بذلك أَو بمعاينتهم للقبض وحضورهم وصدور التبايع بَينهمَا فِي ذَلِك بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول
وشخصا الْمُتَبَايعين الْمَذْكُورين الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عرفهما وَسمع شَهَادَتهمَا
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَأمر البَائِع الْمَذْكُور بِالتَّسْلِيمِ
فَسلم إِلَيْهِ الْمَكَان الْمَذْكُور بِالتَّخْلِيَةِ الشَّرْعِيَّة الْمُوجبَة للتسليم شرعا
فَإِن طلب المُشْتَرِي من الْحَاكِم ثُبُوت ذَلِك وَالْحكم بِمُوجبِه كتب بعد ذكر التَّسْلِيم فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ ثُبُوت مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده فِيهِ
وَالْحكم بِهِ
فأعذر للْمُدَّعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ وَثَبت اعترافه بذلك لَدَيْهِ ثبوتا شَرْعِيًّا
وَإِن طلب الحكم بِالصِّحَّةِ فَلَا بُد من ثُبُوت الْملك والحيازة للْبَائِع إِلَى حِين صُدُور(2/402)
البيع
فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة عِنْده بذلك فَيَقُول فاستخار الله تَعَالَى وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِهِ أَو بِمُوجبِه أَو بِصِحَّة البيع حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا ويكمل
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
صُورَة دَعْوَى بحيوان وانتزاعه مِمَّن هُوَ فِي يَده الصُّورَة بِعَينهَا غير أَنه يحْتَاج فِي الدَّعْوَى إِلَى تشخيص الْحَيَوَان فِي مجْلِس الحكم وَيَدعِي على عَيبه
وَإِن كَانَ تَالِفا
فَالْقيمَة كَمَا تقدم ذكره
وَكَذَلِكَ فِي القماش وَغَيره
وَإِن كَانَ الْمُدعى بِهِ من ذَلِك عدم من يَد الْمُدَّعِي أَو سرق من يَده
قَالَ فِي دَعْوَاهُ إِنَّه سرق من يَده من مُدَّة كَذَا
وَهُوَ بَاقٍ على ملكه وَأَنه بيد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي
وَكَذَلِكَ يشْهد الشُّهُود ثمَّ يحلف الْمُدَّعِي أَنه يسْتَحق الْمُدعى بِهِ وَأَنه سرق من مُدَّة كَذَا
وَأَنه لم يخرج عَن ملكه لأحد من خلق الله تَعَالَى بِبيع وَلَا هبة وَلَا ناقل شَرْعِي بِوَجْه من الْوُجُوه وَلَا سَبَب من الْأَسْبَاب وَأَنه بَاقٍ على ملكه إِلَى تَارِيخ حلفه وَأَن من شهد لَهُ بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وَبعد ذَلِك يسْأَل الْحَاكِم وَيحكم لَهُ
وَيَأْمُر الْمُدعى عَلَيْهِ بِالتَّسْلِيمِ
صُورَة دَعْوَى فِي قَرْيَة وقف وانتزاعها حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وَفُلَان وَادّعى المبدي بِذكرِهِ على المثني بِذكرِهِ أَن جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة أَو جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها كَذَا من أصل كَذَا من جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة وتوصف وتحدد وقف مؤبد وَحبس محرم مخلد على الْجِهَة الْفُلَانِيَّة
وَأَنَّهَا فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي وَأَنه مُسْتَحقّ للْوَقْف الْمَذْكُور وطالب بِرَفْع يَده عَن الْقرْيَة الْمَذْكُورَة أَو عَن الْحصَّة الْمُدعى بهَا من الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وتسليمها لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فَسئلَ
فَأجَاب أَن الَّذِي فِي يَده من الْقرْيَة الْمَذْكُورَة ملكه وَبِيَدِهِ وحيازته واختصاصه وَأَن أهل الْوَقْف لَا يسْتَحقُّونَ مَعَه شَيْئا فِي ذَلِك
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَو وَكيله الشَّرْعِيّ فلَان كتاب الْوَقْف الثَّابِت مضمونه شرعا الْمُتَّصِل ثُبُوته بالحاكم الْمُدَّعِي عِنْده الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ وأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ من يَده كتابا يشْهد أَنه ابْتَاعَ الْحصَّة الْمَذْكُورَة من فلَان
فَتَأمل الْحَاكِم الْكِتَابَيْنِ الْمَذْكُورين فَوجدَ تَارِيخ الْوَقْف مُتَقَدم على تَارِيخ البيع
وَقد ثَبت فِيهِ الْملك والحيازة للْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ إِلَى حَالَة الْوَقْف
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي من الْحَاكِم الحكم بِصِحَّة الْوَقْف وَبطلَان البيع
وَرفع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَن(2/403)
الْحصَّة أَو عَن الْعين الْمُدعى بهَا وتسليمها إِلَيْهِ
فأعذر إِلَى الْخصم الْمُدعى عَلَيْهِ
فاعترف لَدَيْهِ بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ
وَثَبت اعترافه بذلك عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فاستخار الله تَعَالَى وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بِمَا سَأَلَهُ الحكم لَهُ بِهِ
فِيهِ حكما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن كَانَت الْحصَّة الْمُدعى بهَا وَقفا من قَرْيَة كلهَا وقف أَو الْحصَّة وقف من قَرْيَة فِيهَا ملك
والجميع بيد الْمُدعى عَلَيْهِ الصُّورَة بِحَالِهَا فِي الدَّعْوَى
وَجَوَاب الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الْقرْيَة جَمِيعهَا ملكه وَفِي يَده وَأَن المدعين أَو الْمُدَّعِي من جهتهم لَا يسْتَحقُّونَ عِنْده ذَلِك وَلَا شَيْئا مِنْهُ
فأحضر الْمُدَّعِي كتابا يتَضَمَّن أَن الْحصَّة الْمَذْكُورَة وقف صَحِيح شَرْعِي على الْجِهَة الْمَذْكُورَة ثمَّ على جِهَات مُتَّصِلَة بالفقراء وَالْمَسَاكِين حَسْبَمَا هُوَ مَنْصُوص عَلَيْهِ فِي كتاب الْوَقْف الْمَذْكُور ثَابت مضمونه
وَملك الْوَاقِف الْمَوْقُوف الْمعِين فِيهِ والحيازة لَهُ إِلَى حَالَة الْوَقْف بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ مُتَّصِل بالحاكم الْمشَار إِلَيْهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ
وأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ كتاب ملكه أَو كتاب وَقفه
فَوجدَ كتاب الْوَقْف الْمُتَقَدّم ذكره مُتَقَدم التَّارِيخ على كِتَابه
فَأعلمهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك ثمَّ سَأَلَ الْخصم الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الحكم من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وشيوع الْحصَّة الْمَذْكُورَة فِي جَمِيع أَرَاضِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة وَالْقَضَاء بذلك والإلزام بِمُقْتَضَاهُ
فَتَأمل الْحَاكِم ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره وأمعن فِيهِ نظره
وَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَن حجَّة دافعة
فَلم يَأْتِ بِحجَّة
غير أَنه ذكر أَن هَذِه الْقرْيَة مقسومة
فَأعلمهُ أَن الأَصْل الإشاعة
وطالبه بِإِثْبَات قسمتهَا فَلم يقم على ذَلِك بَيِّنَة وَلم يَأْتِ بدافع شَرْعِي
فَعِنْدَ ذَلِك حكم بِصِحَّة الْوَقْف وشيوع الْحصَّة الْمَذْكُورَة فِي أَرَاضِي جَمِيع الْقرْيَة المحدودة الموصوفة أَعْلَاهُ حكما شَرْعِيًّا
ويكمل إِلَى آخِره
صُورَة دَعْوَى بوقف ظهر أَن نصفه ملك وَالْحكم بتفريق الصَّفْقَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي فلَان وَهُوَ النَّاظر فِي أَمر الْوَقْف الْفُلَانِيّ أَو الْمُتَكَلّم الشَّرْعِيّ عَن مستحقي ريع الْوَقْف الْفُلَانِيّ وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ أَن فلَانا الْفُلَانِيّ وقف وَحبس جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها عشرَة أسْهم مثلا من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما هِيَ جَمِيع الْقرْيَة الْفُلَانِيَّة وأراضيها الْمَعْرُوفَة بِكَذَا وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على مصَالح الْمَسْجِد الْفُلَانِيّ أَو الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة وَأَن الْحصَّة الْمَذْكُورَة فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي
وطالبه بِرَفْع يَده عَنْهَا وتسليمها إِلَيْهِ بِحكم الْوَقْف(2/404)
الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ نَاظر فِيهِ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب أَن جده فلَانا لم يزل مَالِكًا حائزا لجَمِيع الْحصَّة الْمَذْكُورَة
وَأَنه توفّي وَتركهَا مخلفة لِوَلَدَيْهِ وهما فلَان وَالِد الْمُدعى عَلَيْهِ
وَفُلَان عَمه
وَأَن وَالِد الْمُدعى عَلَيْهِ توفّي عَن نصف الْحصَّة وانتقلت إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ وَهِي فِي يَده ملكا لَهُ لَا يسْتَحق الْمُدَّعِي الْمَذْكُور رفع يَده عَنْهَا وَلَا عَن شَيْء مِنْهَا
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور كتابا يتَضَمَّن أَن فلَانا الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وقف جَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها عشرَة أسْهم من الأَصْل الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَهِي جَمِيع الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ وَقفا صَحِيحا شَرْعِيًّا على مصَالح الْمَسْجِد أَو الْمدرسَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة حَسْبَمَا هُوَ مشروح ومنصوص عَلَيْهِ فِي كتاب الْوَقْف الْمَذْكُور المؤرخ بِكَذَا الثَّابِت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمُتَّصِل ثُبُوته بالحاكم الْمشَار إِلَيْهِ أَعْلَاهُ
فَأعْلم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بذلك وَسَأَلَهُ عَن حجَّة دافعة لما ثَبت عِنْده من ذَلِك
فأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور كتابا يتَضَمَّن أَن جده فلَانا الْمَذْكُور لم يزل مَالِكًا حائزا لجَمِيع الْحصَّة الشائعة وقدرها عشرَة أسْهم من الأَصْل الْمَذْكُور من جَمِيع الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا وحيازة تَامَّة إِلَى أَن توفّي
وَترك ذَلِك مخلفا عَنهُ لِوَلَدَيْهِ الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وهما فلَان وَالِد الْمُدعى عَلَيْهِ وَفُلَان عَمه مؤرخ بِكَذَا ثَابت مضمونه بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ واتصل ثُبُوته بالحاكم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ثمَّ أحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور كتابا يتَضَمَّن أَن فلَانا الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ اشْترى من فلَان عَم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أخي وَالِده جَمِيع الْحصَّة الَّتِي وَقفهَا الْمعينَة أَعْلَاهُ
بِثمن مبلغه كَذَا وأقبضه الثّمن الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ وتسلم مِنْهُ الْمَبِيع الْمَذْكُور مؤرخ الْكتاب الْمَذْكُور بِكَذَا الثَّابِت مضمونه شرعا واتصل ثُبُوته بالحاكم الْمشَار إِلَيْهِ الِاتِّصَال الشَّرْعِيّ
وَثَبت عِنْده أَن الْمُخْتَص بِملك الْمُدعى عَلَيْهِ من الْحصَّة المخلفة عَن جده فلَان الْمَذْكُور نصفهَا وَهُوَ خَمْسَة أسْهم من عشرَة أسْهم من أصل أَرْبَعَة وَعشْرين سَهْما من جَمِيع الْقرْيَة المحدودة أَعْلَاهُ انْتَقَلت إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من وَالِده الْمَذْكُور وَأَن الْمُخْتَص بِملك عَمه فلَان الْمَذْكُور النّصْف من الْحصَّة الْمَذْكُورَة وَهُوَ خَمْسَة أسْهم إِلَى حِين وُرُود عقد البيع الْمَذْكُور ثبوتا شَرْعِيًّا
فَعِنْدَ ذَلِك طلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِصِحَّة البيع وبصحة الْوَقْف الْمُتَرَتب عَلَيْهِ فِي نصف الْحصَّة المخلفة عَن جده الْمُدعى عَلَيْهِ وَهِي الَّتِي صَحَّ البيع فِيهَا
وَالْقَضَاء بذلك والإلزام بِمُقْتَضَاهُ وَالْإِجَازَة لَهُ والإمضاء وَالْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
فَنظر الْحَاكِم فِي هَذِه الْوَاقِعَة وَتَأمل ثُبُوت مَا ذكر ثُبُوته عِنْده مِمَّا شرح فِي هَذَا(2/405)
الْكتاب
وَعلم صِحَة ذَلِك وموافقته لمذهبه
فَرَأى الحكم بتفريق الصَّفْقَة فِي البيع الْمَذْكُور وإمضاءه فِي نصيب البَائِع الْمَذْكُور الْمُخْتَص بِهِ من الْحصَّة الْمَذْكُورَة وَجَوَاز الْوَقْف الْمُتَرَتب على الشِّرَاء فِيمَا ترجح عِنْده
وَاخْتَارَ من مذْهبه تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي البيع وتقسيط الثّمن على مَا أمضى فِيهِ البيع وعَلى مَا أبْطلهُ
وَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَن حجَّة دافعة لما ثَبت عِنْده من ذَلِك
فَلم يَأْتِ بدافع
فاستخار الله كثيرا واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَحكم بتفريق الصَّفْقَة فِي البيع الْمَذْكُور وإمضاء البيع فِي نصيب البَائِع الْمُخْتَص بِهِ من الْمَبِيع الْمَذْكُور إِلَى حِين البيع
وَهُوَ النّصْف من الْحصَّة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ بِقسْطِهِ من الثّمن الْمُقدم ذكره حكما شَرْعِيًّا مُعْتَبرا مرضيا
وأبطل البيع فِيمَا عدا ذَلِك
وَحكم بِصِحَّة الْوَقْف فِي الْحصَّة الَّتِي أمضى البيع فِيهَا
وأبطله فِيمَا عَداهَا من الْوَقْف الْمَذْكُور لعدم اسْتِقْرَار ملك الْوَاقِف عَلَيْهِ إبطالا شَرْعِيًّا
قضى بذلك كُله وأمضاه
وَالْتزم بِمُقْتَضَاهُ بعد أَن ثَبت عِنْده ثَبت الله مجده أَن الأسهم الْعشْرَة الَّتِي اشْتَرَاهَا الْوَاقِف الْمَذْكُور وَهِي الَّتِي وَقفهَا
وَلم يظْهر لَهُ فِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة ملك سوى الْحصَّة الْمَذْكُورَة وَأَن البَائِع لم يظْهر لَهُ ملك فِي الْقرْيَة الْمَذْكُورَة أَيْضا سوى مَا بَاعه من المُشْتَرِي الْمَذْكُور بعد اعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
وَأذن للْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي تسلم الْحصَّة الَّتِي حكم بِصِحَّة الْوَقْف فِيهَا لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ فِي مجَالِس آخرهَا يَوْم كَذَا
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة دَعْوَى لوقف على غَائِب وانتزاعه حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي فلَان وَادّعى على مَنْصُوب شَرْعِي عَن فلَان المستولي على الْوَقْف الْآتِي ذكره الْغَائِب يَوْمئِذٍ عَن مَدِينَة كَذَا الْغَيْبَة الشَّرْعِيَّة الثَّابِتَة عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ المسوغة لسَمَاع الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَة وَالْحكم على الْغَائِب مِمَّا يسوغ شرعا
أَنه اتَّصل إِلَيْهِ بِمُقْتَضى الْوَقْف الشَّرْعِيّ عَن حَده فلَان جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويصفه ويحدده وَأَن فلَانا الْغَائِب الْمَذْكُور استولى على ذَلِك بِالْيَدِ العادية وَأَنه بِيَدِهِ بِغَيْر حق وَلَا طَرِيق شَرْعِي وَطلب انْتِزَاعه وتسليمه إِلَيْهِ
وَسَأَلَ سُؤال الْمَنْصُوب الْمَذْكُور عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بِعَدَمِ الْعلم بِصِحَّة مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فأحضر الْمُدَّعِي محضرا شَرْعِيًّا يتَضَمَّن أَن فلَانا جده وقف الْمَكَان الْمَذْكُور على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على نَسْله وعقبه
وَهُوَ مؤرخ بِكَذَا ثَابت مضمونه عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَعرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمَنْصُوب الْمَذْكُور بِثُبُوت ذَلِك عِنْده(2/406)
فَأجَاب إِن الْمحْضر الْمَذْكُور يتَضَمَّن أَن فلَانا الْمَذْكُور وقف ذَلِك على أَوْلَاده ثمَّ على أَوْلَاد أَوْلَاده ثمَّ على ذُريَّته ونسله وعقبه حَسْبَمَا شرح فِيهِ
وَسُئِلَ هَل يثبت اسْتِحْقَاق الْمَذْكُور لذَلِك وطالبه بِثُبُوت أَنه من ذُرِّيَّة الْوَاقِف الْمَذْكُور وَأَن مَنَافِعه واستحقاقه آلت إِلَيْهِ
فأحضر فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور ولد فلَان ابْن فلَان الْوَاقِف الْمَذْكُور لصلبه وَأَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور يسْتَحق الْوَقْف الْمَذْكُور بِحكم مآله إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ على مَا شَرطه الْوَاقِف الْمشَار إِلَيْهِ وَأَنه يسْتَحق انْتِزَاعه من يَد الْغَائِب المستولى عَلَيْهِ وتسليمه إِلَيْهِ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ أَو يَقُول فأحضر محضرا شَرْعِيًّا يتَضَمَّن وَفَاة جده الْمَذْكُور وانحصار إِرْثه فِي وَلَده الْمَذْكُور مؤرخ بِكَذَا ثَابت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم الْمَذْكُور
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِرَفْع يَد الْغَائِب الْمَذْكُور عَن الْمَكَان الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وتسليمه إِلَيْهِ بِمُقْتَضى مَا ثَبت لَدَيْهِ
فاستخار الله تَعَالَى وَحكم بِرَفْع يَد الْغَائِب الْمَذْكُور أَعْلَاهُ عَن الْمَكَان أَعْلَاهُ وتسليمه إِلَى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى فِي ذَلِك على حَاضر فالصورة بِحَالِهَا غير أَن الدَّعْوَى تكون على الْحَاضِر وَالْجَوَاب مِنْهُ وَالْحكم عَلَيْهِ
وَفِي الصُّورَة الأولى يبْقى الْحَاكِم الْحجَّة للْغَائِب
وَفِي الصُّورَة الثَّانِيَة يعْذر إِلَيْهِ
فَإِذا ثَبت إعذاره عِنْده حكم عَلَيْهِ وَأمره بِتَسْلِيم الْمُدعى بِهِ للْمُدَّعِي
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى بِتَمْلِيك غراس فِي أَرض مَوْقُوفَة مستأجرة لجِهَة الْوَقْف حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمَالِكِي فلَان مبَاشر الْوَقْف الْفُلَانِيّ أَو النَّاظر الشَّرْعِيّ فِي الْوَقْف الْفُلَانِيّ
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه اسْتَأْجر جَمِيع الْقطعَة الأَرْض الْفُلَانِيَّة الْوَقْف الْجَارِي على مصَالح الْمدرسَة الْفُلَانِيَّة حَسْبَمَا يشْهد بذلك كتاب الْوَقْف الْمُتَقَدّم على تَارِيخه
الثَّابِت مضمونه شرعا ويحددها إِجَارَة شَرْعِيَّة لَازِمَة للزِّرَاعَة وَالْغِرَاس وَالِانْتِفَاع بالمأجور بِالْمَعْرُوفِ مُدَّة كَذَا بِأُجْرَة مَعْلُومَة حَسْبَمَا يشْهد بذلك كتاب الْإِجَارَة المؤرخ بِكَذَا وَأَنه غرس فِي الْقطعَة الْمَذْكُورَة من الْأَشْجَار كَذَا وَيذكر عدتهَا ونوعها وَأَن مُدَّة هَذِه الْإِجَارَة انْقَضتْ وَطلب تملك الْغِرَاس الْمَذْكُور لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور من ريعه بِقِيمَتِه مقلوعا بعد إِسْقَاط قيمَة قلعه وتسوية الأَرْض من قيمَة ذَلِك لظُهُور الْمصلحَة فِي ذَلِك لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك(2/407)
فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة الِاسْتِئْجَار وانقضاء الْمدَّة وبالغراس الْمَذْكُور
وَعين قيمَة الْغِرَاس الْمَذْكُور
فَلم يصدقهُ الْمُدَّعِي على ذَلِك
فَحَضَرت بَيِّنَة شَرْعِيَّة عادلة مِمَّن لَهُ علم وخبرة بتقويم الْغِرَاس والأعشاب شهِدت عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن قيمَة الْغِرَاس الْمَذْكُور مقلوعا بعد إِسْقَاط قيمَة الْقلع وتسوية الأَرْض كَذَا وَكَذَا درهما وَأَن إبْقَاء الْغِرَاس الْمَذْكُور بِالْقيمَةِ الْمَذْكُورَة مصلحَة للْوَقْف
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِرَفْع يَده عَن الأَرْض الْمَذْكُورَة وَعَن الْغِرَاس الْمعِين أَعْلَاهُ وَالْحكم بِبَقَاء الْغِرَاس لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ
فاستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وألزم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِرَفْع يَده عَن الأَرْض الْمَذْكُورَة وَعَن الْغِرَاس الْقَائِم بهَا
وَحكم بِبَقَاء الْغِرَاس الْمَذْكُور لجِهَة الْوَقْف الْمشَار إِلَيْهِ حكما شَرْعِيًّا لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَذَلِكَ بعد أَن بذل الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْقيمَة الْمَشْهُود بهَا الْمعينَة أَعْلَاهُ من ريع الْوَقْف الْمَذْكُور إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
وأحضرها إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ وأقبضه إِيَّاهَا
فقبضها مِنْهُ وَكيل شَرْعِي عَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو فقبضها الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَلم يتَأَخَّر لَهُ من ذَلِك شَيْء قل وَلَا جلّ
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة دَعْوَى على مُشْتَر من صبي وَالْحكم بِبُطْلَان البيع حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي فلَان وَهُوَ مُتَكَلم شَرْعِي جَائِز كَلَامه مسموعة دَعْوَاهُ شرعا عَن فلَان الصَّبِي الْمُمَيز أَو الْمُرَاهق الْقَاصِر عَن دَرَجَة الْبلُوغ وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ابْتَاعَ من فلَان الصَّبِي الْمَذْكُور الَّذِي هُوَ تَحت يَده وَفِي حجره وَولَايَة نظره أَو تَحت حجر فلَان بِالْوَصِيَّةِ الشَّرْعِيَّة المسندة إِلَيْهِ من وَالِده الْمَذْكُور من قبل تَارِيخه الثَّابِت مضمونها شرعا بِحُضُور وَصيته الْمَذْكُورَة وإذنه لَهُ فِي البيع جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويحدده بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه أقبضهُ الثّمن وتسلم مِنْهُ الْمَبِيع الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالاعتراف
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان البيع فِي الْمَبِيع الْمَذْكُور ورده إِلَى ملك الصَّبِي البَائِع الْمَذْكُور وَالثمن إِلَى المُشْتَرِي الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
فأعذر الْحَاكِم إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ
فَذكر أَنه ابْتَاعَ من الصَّبِي الْمَذْكُور بِإِذن الْوَصِيّ وحضوره وَلم يَأْتِ بدافع غير ذَلِك ثمَّ اعْترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ
فَحِينَئِذٍ أجَاب الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم بِبُطْلَان البيع وإبقاء الْمَبِيع على ملك(2/408)
الصَّبِي البَائِع وَرُجُوع الثّمن إِلَى المُشْتَرِي الْمَذْكُور حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ وَإِن كَانَ الصَّبِي قد قبض الثّمن من المُشْتَرِي وأتلفه
فَيَقُول فِي الحكم وَحكم بِبُطْلَان البيع وَرُجُوع الْمَبِيع إِلَى ملك الصَّبِي وإبقائه فِي ملكه وَعدم الرُّجُوع بِالثّمن فِي مَاله لكَون أَن الصَّبِي لَا يضمن مَا يتلفه أَو يَقُول وبإسقاط الثّمن عَن الصَّبِي وَعدم الرُّجُوع بِهِ فِي مَاله حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى بالحكم بِبُطْلَان البيع الْوَاقِع بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول الصُّورَة بِحَالِهَا عِنْد الشَّافِعِي فَيَقُول وَأَن البيع وَقع بَينهمَا بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول وَلَكِن على سَبِيل المعاطاة بِغَيْر عقد صَحِيح لَازم وَيَقَع السُّؤَال من الْحَاكِم
فَإِن أجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ بالاعتراف
سَأَلَ الْمُدَّعِي من الْحَاكِم الحكم بِبُطْلَان البيع الْمَذْكُور لكَونه وَقع على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
وَإِن أجَاب بالإنكار
فتقوم الْبَيِّنَة فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ على عين الْمَبِيع إِن كَانَ مِمَّا ينْقل ويشخص لَدَى الْحَاكِم وَيثبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَعِنْدَ ذَلِك يَقع السُّؤَال من الْمُدَّعِي بالحكم بِبُطْلَان البيع
فَيحكم بعد الْإِعْذَار إِلَى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَكَذَلِكَ يكون الحكم من الشَّافِعِي بِبُطْلَان البيع من الصَّبِي أَو الرجل الْكَامِل فِي سلْعَة بِغَيْر معاقدة شَرْعِيَّة سَوَاء كَانَت خطيرة أَو حقيرة
وَكَذَلِكَ الحكم من الشَّافِعِي فِي الْأَشْيَاء النَّجِسَة مثل الْكَلْب وَالزَّيْت النَّجس والأدهان النَّجِسَة والسرجين
ويسوق الْكَلَام فِي كل مجْلِس بِحَسبِهِ على نَحْو مَا تقدم
صُورَة دَعْوَى وَحكم بِبُطْلَان البيع الْوَاقِع بَين الْمُتَبَايعين فِي الْمَسْجِد على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد يكْتب الصَّدْر كَمَا تقدم إِلَى آخر وصف الْمَبِيع ثمَّ يَقُول وَأَنه ابتاعه مِنْهُ بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع أَو بِمَسْجِد بني فلَان بِحُضُور جمَاعَة من الْمُسلمين وَيَقَع السُّؤَال وَالْجَوَاب بالاعتراف أَو الْإِنْكَار وَتقوم الْبَيِّنَة على أَن عقد البيع وَقع فِي الْمَسْجِد الْجَامِع
فَإِذا ثَبت ذَلِك بالاعتراف أَو بِالْبَيِّنَةِ
يسْأَل الْمُدَّعِي من الْحَاكِم الْعَمَل مَعَه بِمُقْتَضى مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَمَا يرَاهُ من عدم صِحَة البيع وجوازه بِالْمَسْجِدِ وَالْحكم بِبُطْلَان البيع بِمُقْتَضى ذَلِك وثبوته لَدَيْهِ
فَيحكم الْحَاكِم بِبُطْلَان عقد البيع الصَّادِر على(2/409)
الْمَبِيع الْمَذْكُور بِالْمَسْجِدِ وَرُجُوع الْمَبِيع إِلَى ملك البَائِع وَالثمن إِلَى المُشْتَرِي حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ يكون الحكم بِبُطْلَان البيع فِي الْأَعْيَان الثَّابِتَة الموصوفة أَو الَّتِي لم تُوصَف وَلم تكن مرئية للمتعاقدين عِنْد الشَّافِعِي أَو الْمَالِكِي
وَكَذَلِكَ يكون الحكم من الشَّافِعِي فِي أحد قوليه بِبُطْلَان البيع بَين أعميين أَو أعمى وبصير
وَكَذَلِكَ يكون الحكم بِصِحَّة البيع بَين أعميين أَو أعمى وبصير عِنْد الثَّلَاثَة خلافًا للشَّافِعِيّ
وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي كتاب الْبيُوع
وَأما الملاهي فَإِن ترافع الخصمان فِي شَيْء مِنْهَا إِلَى حَنَفِيّ كتب صُورَة الدَّعْوَى كَمَا تقدم
وَيحكم الْحَاكِم بتضمين الْمُتْلف وإلزام الْمُدعى عَلَيْهِ بِقِيمَة مَا أتْلفه مِنْهَا أَو أَلْوَاح غير مؤلفة تأليفا يلهى
وَكَذَلِكَ يكْتب صُورَة الدَّعْوَى عِنْده فِي تَصْحِيح البيع وإلزام المُشْتَرِي بِالثّمن وَالْحكم بذلك
وَإِن ترافعا إِلَى شَافِعِيّ كتب صُورَة الدَّعْوَى وَوصف الْمَبِيع وَيَقَع الحكم بِبُطْلَان البيع وَعدم تغريم الْمُتْلف إِلَّا أَن يكون الْمَبِيع طبل الحجيج
فَإِن الْإِجْمَاع على جَوَاز بَيْعه وتغريم الْمُتْلف
صُورَة دَعْوَى بِالصُّلْحِ على الْإِنْكَار عِنْد من يرَاهُ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنَفِيّ أَو الْمَالِكِي فلَان
وَهُوَ الْمُتَكَلّم الشَّرْعِيّ عَن مستحقي أوقاف الزاوية الْفُلَانِيَّة أَو الْمدرسَة أَو غير ذَلِك
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن جَمِيع الدَّار الكائنة بِالْمَكَانِ الْفُلَانِيّ ويحددها وقف محرم وَحبس مخلد جَارِيَة أجوره ومنافعه على الزاوية الْفُلَانِيَّة على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين المقيمين بهَا ثمَّ على جِهَة مُتَّصِلَة
وَأَن فلَانا الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وضع يَده على الدَّار الْمَذْكُورَة وأخربها وأزال عينهَا وَتصرف فِي جَمِيع آلاتها تَصرفا معينا عُدْوانًا بِغَيْر حق على سَبِيل الْغَصْب والتعدي
وَطلب عود هَذِه الدَّار إِلَى حالتها الَّتِي كَانَت عَلَيْهِ قبل الْهدم إِلَى غير ذَلِك مِمَّا تحررت مَعَه الدَّعْوَى شرعا وَسَأَلَ سُؤال الْمُدعى عَلَيْهِ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق
فَطلب الْحَاكِم من الْمُدَّعِي بَيِّنَة تشهد لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ
فَذكر أَنه لَيْسَ لَهُ بَيِّنَة وَطلب يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ على ذَلِك
فتوقف وَقَالَ أَنا أصالحه بِمَال رفعا للأيمان ودفعا لهَذِهِ الْخُصُومَة
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْعَمَل بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف
فَأجَاب إِلَى ذَلِك(2/410)
وَرَضي الْخصم الْمُدَّعِي بذلك
فَعِنْدَ ذَلِك أحضر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور من الدَّرَاهِم كَذَا وَكَذَا وَدفع الْجُمْلَة الْمعينَة أَعْلَاهُ صلحا على الْمُدعى بِهِ ودفعا للخصومة
فَقبل الْمُدَّعِي مِنْهُ ذَلِك لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور لما رأى لَهَا فِي ذَلِك من الْحَظ والمصلحة
وَقبض ذَلِك مِنْهُ على هَذِه الصّفة
وَصَارَت هَذِه الْجُمْلَة فِي يَده ليصرفها فِي ثمن عقار يبتاعه لجِهَة الْوَقْف الْمَذْكُور
وَوَقع هَذَا الصُّلْح مَعَ إِصْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ على الْإِنْكَار إِلَى حِين الصُّلْح وَبعده
وَجرى هَذَا الصُّلْح بَين المتداعيين الْمَذْكُورين على ذَلِك بَين يَدي الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بطريقه الشَّرْعِيّ وَحكم أيد الله تَعَالَى أَحْكَامه بِصِحَّة هَذَا الصُّلْح ولزومه ونفوذه وبسقوط الدَّعْوَى بالمدعى بِهِ الْمَذْكُور وباستحقاق الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور للمكان الْمُدعى بِهِ وَمَا هُوَ من حُقُوقه وَمن حُقُوق الرّكُوب والتعلي وَغير ذَلِك من سَائِر حُقُوقه مَعَ إِصْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ على الْإِنْكَار إِلَى حِين الصُّلْح وَبعده بالمدعى بِهِ الْمَذْكُور حكما شرعا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك
وَحضر فلَان النَّاظر على الزاوية الْمَذْكُورَة وَرَضي بِهَذَا الصُّلْح وَأقر بِصِحَّتِهِ ولزومه
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى بِمَال وَصَالح الْمُدعى عَلَيْهِ على مَال
فَيَقُول فالتمس يَمِينه على ذَلِك
فَرَأى الْمُدعى عَلَيْهِ أَن يُصَالح عَن هَذِه الدَّعْوَى بِمَال افتداء ليمينه ودفعا للخصومة مَعَ اعْتِقَاده بطلَان هَذِه الدَّعْوَى
فَدفع إِلَيْهِ من مَاله كَذَا
فَقَبضهُ مِنْهُ صلحا عَن هَذِه الدَّعْوَى
وَرَأى سيدنَا الْحَاكِم صِحَة هَذَا الصُّلْح وجوازه ونفوذه فِي حق الْخَصْمَيْنِ المتداعيين
وَحكم بذلك حكما شرعا إِلَى آخِره مَعَ علمه باخْتلَاف الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم فِي صِحَة الصُّلْح على الْإِنْكَار
ويكمل
صُورَة دَعْوَى شُفْعَة الْجوَار وَالْحكم بهَا حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنَفِيّ فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ أَنه اشْترى فِي سقبه فِي تَارِيخ كَذَا جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويحدده بحقوقه كلهَا بِثمن مبلغه كَذَا وَأَنه مَالك لجَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ الملاصق للمكان الْمَشْفُوع من جِهَة الشرق مثلا ويحدده ملكا صَحِيحا شَرْعِيًّا مُتَقَدما على تَارِيخ الشِّرَاء مستمرا إِلَى حِين هَذِه الدَّعْوَى وَأَن الْمَكَان الْمَحْدُود فِي يَد المُشْتَرِي الْمَذْكُور
وطالبه بِتَسْلِيمِهِ إِلَيْهِ بِحكم الشُّفْعَة بِحَق الْجوَار والتلاصق لذَلِك فِي الْحُدُود من جِهَة كَذَا
وبذل لَهُ نَظِير الثّمن الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب أَنه اشْترى الْمَكَان الْمَحْدُود فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور لنَفسِهِ أَو لأيتام فلَان بِإِذن الْحَاكِم(2/411)
فلَان الدّين لَهُ فِي ذَلِك وَأمره الْكَرِيم فِي ثَلَاث عُقُود الثُّلُث مِنْهُ لفُلَان الْيَتِيم وَالثلث لفُلَان وَالثلث لفُلَان بِالثّمن الْمعِين أَعْلَاهُ
بعد أَن ثَبت عِنْد الْحَاكِم الْمُسَمّى أَعْلَاهُ أَن قيمَة الْمثل لَهُ كَذَا وأحضر الْمُدعى عَلَيْهِ الْكتب الثَّلَاثَة
وَثَبت مَضْمُون كل مِنْهُنَّ على الحكم المشروح أَعْلَاهُ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَحكم بِمَا ثَبت عِنْده من ذَلِك
ثمَّ طلب الْمُدَّعِي من الْحَاكِم الحكم لَهُ بِالشُّفْعَة الْمَذْكُورَة
فَعرض عَلَيْهِ الْيَمين الشَّرْعِيَّة المتوجهة عَلَيْهِ شرعا
فَأجَاب إِلَيْهَا وبذلها فحلفه الْحَاكِم فِي مجْلِس حكمه الْيَمين الشَّرْعِيَّة المستوفاة أَنه حِين علم بشرَاء الْمَكَان الْمَذْكُور سارع لطلب الشُّفْعَة الْوَاجِبَة لَهُ بِحكم الْجوَار والتلاصق لملكه الْمَذْكُور وَأشْهد عَلَيْهِ بِالطَّلَبِ عِنْد ذَلِك وَلم يُؤَخر الطّلب وَلَا صدر مِنْهُ مَا يبطل حَقه من الشُّفْعَة بقول وَلَا فعل وَأَنه يسْتَحق أَخذ الْمَكَان الْمَذْكُور بِالشُّفْعَة
فَحلف كَمَا أَحْلف بالتماسه لذَلِك
فَعِنْدَ ذَلِك أَجَابَهُ إِلَى مَا سَأَلَ وَحكم لَهُ بِالشُّفْعَة الْمَذْكُورَة
وَالْتزم المُشْتَرِي فلَان بِتَسْلِيم الْمَكَان الْمَذْكُور إِلَيْهِ وَأذن لَهُ فِي قبض نَظِير الثّمن الْمَذْكُور من الشَّفِيع الْمُبْتَاع لَهُم حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا سلم المُشْتَرِي الْمَذْكُور إِلَى الشَّفِيع الْمَذْكُور جَمِيع الْمَكَان الْمَذْكُور
فتسلمه مِنْهُ وَلم يبْق للْمُبْتَاع لَهُم فِي ذَلِك حق وَلَا بَقِيَّة من حق وَلَا ملك وَلَا شُبْهَة ملك وَلَا حِصَّة وَلَا نصيب وَقبض الْمُتَكَلّم للأيتام نَظِير الثّمن الْمَذْكُور بِقدر حصصهم المختصة بهم من ذَلِك قبضا شَرْعِيًّا وَأَبْرَأ الشَّفِيع من ذَلِك بَرَاءَة شَرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة دَعْوَى بمَكَان بيد شخص وادعاه شخص آخر وَالْحكم بِتَقْدِيم بَيِّنَة صَاحب الْيَد حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى المبدي بِذكرِهِ على فلَان المثني بِذكرِهِ أَنه يملك جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد ملكا شَرْعِيًّا وَأَن يَده عَلَيْهِ يَد عدوان وَأَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد بذلك وطالبه بِرَفْع يَده عَن الْمَكَان الْمَذْكُور وتسليمه إِلَيْهِ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن ذَلِك ملكه وَأَن يَده عَلَيْهِ يَد حق غير عدوان
فَأَقَامَ كل مِنْهُمَا بَيِّنَة أَن الْمَكَان لَهُ
وَقبلهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا ثمَّ بعد ذَلِك سَأَلَ صَاحب الْيَد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يحكم لَهُ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُور لحُصُول الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة مَعَ الْيَد واستقرار ملكه على الْمَكَان الْمَذْكُور دون الْمُدَّعِي بِحكم إِقَامَة الْبَيِّنَة وَحُصُول(2/412)
على ثُبُوت الْيَد على ذَلِك
فأعذر لغريمه الْمَذْكُور بعد أَن حلف الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه مُسْتَحقّ لذَلِك وَأَن من شهد لَهُ بِهِ صَادِق فِي شَهَادَته
فاعترف المعذر إِلَيْهِ بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك وبشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ وَثَبت اعترافه بذلك وجريان حلف الْحَالِف الْمَذْكُور على ذَلِك لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَعِنْدَ ذَلِك أجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه وَمن مُوجبه تَقْدِيم بَيِّنَة صَاحب الْيَد وَإِن عارضتها بَيِّنَة ملك أَو وقف واستقرار ملك فلَان على الْمَكَان الْمَذْكُور لانضمام يَده إِلَى بَينته حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى على مُمْتَنع عَن الْحُضُور إِلَى مجْلِس متعزز متمرد حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وَادّعى على فلَان الْمَنْصُوب الشَّرْعِيّ عَن فلَان الْمُمْتَنع عَن الْحُضُور إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز المتعزز المتمرد أَو المتواري وَسَمَاع الدَّعْوَى عَلَيْهِ ورد الْجَواب عَنهُ الثَّابِت امْتِنَاعه وتعززه وتمرده واختفاؤه وتواريه لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة بعد أَن أنفذ إِلَيْهِ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَولا وَأمره بالحضور فَلم يحضر ثمَّ تقدم إِلَيْهِ ثَانِيًا مَعَ جمَاعَة من ذَوي الشَّوْكَة
فاختفى وَلم يظفروا بِهِ
فنصب عَنهُ الْمَنْصُوب الْمَذْكُور لعلمه بقدرته على الْقيام بأَدَاء مَا فوض إِلَيْهِ من سَماع الدَّعْوَى على فلَان المتمرد الْمَذْكُور ورد الْجَواب عَنهُ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
ادّعى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور على الْمَنْصُوب الْمَذْكُور أَنه يسْتَحق فِي ذمَّة فلَان المتمرد الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا
وَسَأَلَ سُؤال الْمَنْصُوب عَن ذَلِك
فَسئلَ فَأجَاب بقوله يثبت مَا يَدعِيهِ
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فأقاموا شَهَادَتهم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك فِي وَجه الْمَنْصُوب الْمَذْكُور
وقبلهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْقبُول الشَّرْعِيّ
ثمَّ طلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بذلك وَالْتمس الْمَنْصُوب يَمِين الْمُدَّعِي الْمَذْكُور على اسْتِحْقَاق ذَلِك فِي ذمَّة المتمرد الْمَذْكُور وعَلى عدم الْمسْقط لذَلِك ولشيء مِنْهُ
فَحلف كَمَا أَحْلف بالتماسه لذَلِك
وَثَبت جَرَيَان حلفه على ذَلِك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ثمَّ أرسل الْحَاكِم ونادى بِصُورَة الْحَال وَمَا جرى فِي هَذِه الْقَضِيَّة فِي محلّة الْمُدعى عَلَيْهِ وبإحضاره حَتَّى يعْذر إِلَيْهِ فِي ذَلِك
وَأعلم أصدقاءه بِمَا جرى عِنْده بِسَبَب الدَّعْوَى الْمَذْكُورَة وَأَنه أوقف الْأَمر إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام من تَارِيخه
فَإِن بَان خلاف مَا صدر من الدَّعْوَى وَشَهَادَة الشُّهُود وَإِلَّا حكمت عَلَيْهِ
فَإِذا مَضَت الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَاسْتمرّ المتمرد(2/413)
على عدم الْحُضُور لمجلس الحكم وَلم يصل جَوَاب عَن ذَلِك وَنفذ إِلَيْهِ مرَارًا بعد ذَلِك وَثَبت بذلك تمرده واختفاؤه وتعززه عَن الْحُضُور لمجلس الحكم الْعَزِيز بِسَبَب الدَّعْوَى الْمَذْكُورَة
وَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بذلك أعذر إِلَى الْمَنْصُوب الْمَذْكُور
فَإِذا اعْترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن ولشيء مِنْهُ
أجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم بِمُوجبِه حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من تشخيص الْمُدَّعِي الْمَذْكُور التشخيص الشَّرْعِيّ وَمَعْرِفَة المتعزز الْمَذْكُور الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن شَاءَ كتب أَولا لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْد سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْفُلَانِيّ بتعزز فلَان عَن الْحُضُور لمجلس الحكم الْعَزِيز وتمرده بعد طلبه مرَارًا والنداء فِي مَجْلِسه بذلك
وَثَبت ذَلِك لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ ادّعى فلَان على فلَان الْمَنْصُوب الشَّرْعِيّ عَن فلَان الثَّابِت تعززه وتمرده وامتناعه من الْحُضُور الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أَنه يسْتَحق فِي ذمَّة فلَان المتمرد الْمَذْكُور كَذَا وَكَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق من الْجَواب وَإِقَامَة الْبَيِّنَة وجريان الْحلف والإعذار للمنصوب بعد الْإِمْهَال كَمَا تقدم وَالْحكم بِالْمُوجبِ إِلَى آخِره
صُورَة دَعْوَى الزَّوْجَة بجب الزَّوْج حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز فلَان وفلانة وَادعت فُلَانَة الْمَذْكُورَة على زَوجهَا فلَان الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا تزويجا شَرْعِيًّا بولِي مرشد وشاهدي عدل وصداق مَعْلُوم وَلم تعلم الْمَذْكُورَة بِهِ عَيْبا يثبت بِهِ لَهَا الْخِيَار وَالْفَسْخ
وَالْعقد على ظَاهر السَّلامَة وَأَنه سليم من الْعُيُوب
خلي من الْجب والعنة وَأَنَّهَا اطَّلَعت الْآن على أَنه مجبوب وَلم يقدر بِهَذَا الْعَيْب على وَطئهَا
وَلَا يُمكنهَا الْمقَام مَعَه لما فِي ذَلِك من الضَّرَر وَأَنَّهَا حِين علمت بذلك اخْتَارَتْ الْفَسْخ والمفارقة على الْفَوْر دون التَّرَاخِي
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا
فَعِنْدَ ذَلِك خَيرهَا الْحَاكِم بَين الْمقَام مَعَه أَو الْفَسْخ
فَإِن اخْتَارَتْ الْمقَام مَعَه فَلَا كَلَام
وَإِن اخْتَارَتْ الْفَسْخ سَأَلت الْحَاكِم أَن يُمكنهَا من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور
فَقَالَ لَهَا مكنتك من ذَلِك
فَتَقول بعد ذَلِك فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي فلَان بِالسَّبَبِ الْمَذْكُور فسخا شَرْعِيًّا ثمَّ تسْأَل الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك
فيجيبها إِلَى ذَلِك بعد أَن يعْذر الزَّوْج ثمَّ يَقُول حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره وَفرق بَينهمَا التَّفْرِيق الشَّرْعِيّ(2/414)
وَكَذَلِكَ يفعل فِي الْجُنُون والجذام والبرص
فَإِن اعْترف بِصِحَّة دَعْوَاهَا وَإِلَّا فتقام الْبَيِّنَة
فَإِذا ثبتَتْ دَعْوَاهَا يَقع اخْتِيَار الْفَسْخ وَالْحكم بِمُوجبِه كَمَا تقدم شَرحه
وَيفرق القَاضِي بَينهمَا
صُورَة دَعْوَى بِالْفَسْخِ بالعنة حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز فُلَانَة وَزوجهَا فلَان
وَادعت فُلَانَة الْمَذْكُورَة على زَوجهَا الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا تزويجا شَرْعِيًّا إِلَى آخر مَا تقدم وَأَنه عنين لَا قدرَة لَهُ على وَطئهَا وَلَا يُمكنهَا الْمقَام مَعَه لما عَلَيْهَا فِي ذَلِك من الضَّرَر وَأَنَّهَا حِين علمت بذلك اخْتَارَتْ الْفَسْخ والمفارقة لَهُ
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَإِن أجَاب بالاعتراف وَإِلَّا فتقام الْبَيِّنَة بِالزَّوْجِيَّةِ
وعَلى إِقْرَاره بِالْعَجزِ عَن إصابتها وجماعه لَهَا لكَونه عنينا لَا قدرَة لَهُ عَلَيْهَا بِدَعْوَى محررة وَقبُول الْحَاكِم الْبَيِّنَة ثمَّ بعد ذَلِك يُؤَجل القَاضِي هَذَا الزَّوْج سنة شمسية اثْنَا عشر شهرا
كل شهر ثَلَاثُونَ يَوْمًا من وَقت الْمَسْأَلَة لذَلِك ويأمرها بتمكينه من الْجِمَاع
فَإِذا مَضَت السّنة الْمَذْكُورَة المتضمنة للفصول الْأَرْبَعَة
فيتبين بانقضائها عدم الْجِمَاع مَعَ تمكينها إِيَّاه من نَفسهَا مَعَ سَلامَة شَأْنهَا واعتدال أحوالها
فَإِذا مَضَت الْمدَّة سَأَلت الزَّوْجَة الْحَاكِم بِحُضُور زَوجهَا الْمَذْكُور الْفِرَاق مِنْهُ وَفسخ نِكَاحهَا من عصمته بِحَق عَجزه عَن الْجِمَاع
وصدقها على عَجزه وَعدم الْجِمَاع مِنْهُ لَهَا وَبَقَاء بَكَارَتهَا
فَعِنْدَ ذَلِك يخيرها الْحَاكِم بَين الْمقَام مَعَه على مَا هُوَ عَلَيْهِ لحق الزَّوْجِيَّة الْقَائِمَة بَينهمَا وَبَين الْفرْقَة بَينه وَبَينهَا
فَإِن اخْتَارَتْ التَّفْرِيق فسخ الْحَاكِم عقد الزواج وَرَفعه وأبانها مِنْهُ وَقطع عصمَة الزَّوْجِيَّة بَينهمَا قطعا حرمت بِهِ عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِرُجُوع حكم الزَّوْجِيَّة الشَّرْعِيَّة إِلَى آخِره
وَإِن ادّعى الْإِصَابَة فِي مُدَّة التَّأْجِيل وَأنْكرت
فَيَقُول ثمَّ بعد مُضِيّ الْمدَّة الْمَذْكُورَة سَأَلت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة الْحَاكِم بِحُضُور زَوجهَا الْمَذْكُور الْفِرَاق مِنْهُ وَفسخ نِكَاحهَا من عصمته بِحَق عَجزه عَن الْجِمَاع
فَادّعى الزَّوْج إِصَابَة زَوجته الْمَذْكُورَة وَأنْكرت
فَأمر الْحَاكِم نسْوَة عفيفات صالحات مسلمات حرائر أجنبيات من أولات الْخِبْرَة بالبكارة
فنظرن أكمل نظر ثمَّ شهدن أَن بَكَارَتهَا الْأَصْلِيَّة غير مصابة
وَيثبت ذَلِك ويكمل الْفَسْخ كَمَا تقدم
وَإِن حَلَفت الْمَرْأَة مَعَ شَهَادَة النسْوَة كَانَ أحسن وأحوط لِلْخُرُوجِ من الْخلاف على قَول من قَالَ إِن الْبكارَة تعود
فَيَقُول وحلفها الْحَاكِم احْتِيَاطًا على نفي الْإِصَابَة وَعدم الْجِمَاع
وَحِينَئِذٍ حصل الْفَسْخ وَإِن طلب الزَّوْج(2/415)
تحليفها من غير بَيِّنَة
فَيَقُول بعد تَمام الدَّعْوَى وَالْجَوَاب ومضي مُدَّة التَّأْجِيل وطلبها للفراق فالتمس الزَّوْج يَمِينهَا على عدم الْإِصَابَة فَحَلَفت بِاللَّه الْعَظِيم يَمِينا شَرْعِيًّا جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَنَّهَا على الْبكارَة وَأَن هَذَا الزَّوْج مَا أَصَابَهَا وَلَا وَطئهَا
وَهُوَ على الْعنَّة إِلَى الْآن
وَيثبت عِنْد الْحَاكِم بذلك عَجزه عَن الْإِصَابَة
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن كَانَت ثَيِّبًا فَيكْتب صدر الدَّعْوَى كَمَا تقدم إِلَى قَوْله الْفُصُول الْأَرْبَعَة فادعت الزَّوْجَة بَقَاءَهُ على الْعَجز عَن الْإِصَابَة
فاعترف الزَّوْج بذلك
وَإِن ادّعى الْإِصَابَة وَأنْكرت حَلفهَا كَمَا تقدم
وَيذكر الْفَسْخ على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى الزَّوْج أَن بِالزَّوْجَةِ جنونا أَو جذاما أَو رتقا أَو قرنا حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وفلانة واعترفا أَنَّهُمَا زوجان متناكحان بولِي مرشد وشاهدي عدل وصداق مَعْلُوم وَأَن الزَّوْج تزوج بِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَة على أَنَّهَا سليمَة من الْعُيُوب خلية من الْقرن أَو الرتق أَو الْجُنُون أَو الجذام أَو البرص وَأَنه علم قبل وَطئهَا أَن بهَا كَذَا وَكَذَا
وَلَا يُمكنهُ الْمقَام مَعهَا وَلَا تتأتى الْمَقَاصِد الْأَصْلِيَّة من النِّكَاح وَالْعشرَة بذلك وَأَنه لما علم بِهَذَا الْعَيْب أمسك نَفسه عَنْهَا
وَطلب الْفَسْخ والفراق على الْفَوْر دون التَّرَاخِي ويختار ذَلِك
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسُئِلت
فأجابت بالإنكار
فَأَقَامَ الزَّوْج جمَاعَة من الشُّهُود الْعُدُول
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا فِي وَجه الْمَرْأَة أَنه تزوج بهَا على وَجه الْخُلُو من الْعُيُوب الْمَذْكُورَة وَأَنَّهَا مَجْنُونَة أَو مجذومة أَو برصاء أَو غير ذَلِك
وَإِن كَانَ الْعَيْب مِمَّا تَحت الْإِزَار مِمَّا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال غَالِبا كالرتق والقرن فيكشفها النِّسَاء اللَّاتِي يثبت بِهن ذَلِك
فَإِن شهدن بذلك وقبلهن الْحَاكِم وَحكم بِصِحَّة مَا ادَّعَاهُ
فَيَقُول ثمَّ إِن الزَّوْج اخْتَار الْفَسْخ
وَطلب الْفرْقَة
وَصرح بذلك
وَكَانَ قبل الدُّخُول بِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَة وإصابتها ثمَّ سَأَلَ الْحَاكِم الْإِشْهَاد على نَفسه بِثُبُوت ذَلِك وَالْحكم بِمُوجبِه
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم بذلك وبرفع النِّكَاح الَّذِي كَانَ بَينهمَا وبقطع الْعِصْمَة بَينهمَا حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى فِي متزوجة عتقت زَوجهَا عبد حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان ابْن عبد الله مَمْلُوك فلَان وفلانة بنت عبد الله عتيقة فلَان وَادعت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة على زَوجهَا الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا وَهِي رقيقَة وَهُوَ رَقِيق بِنِكَاح صَحِيح شَرْعِي بولِي مرشد وشاهدي عدل على الْوَجْه الشَّرْعِيّ بِإِذن سَيّده الْمَذْكُور بِصَدَاق(2/416)
مَعْلُوم عِنْدهمَا وَأَنَّهَا عتقت وَهُوَ رَقِيق الْآن
وتختار فسخ نِكَاحهَا من عصمته وَعدم الْمقَام مَعَه
وتسأل سُؤَاله عَن ذَلِك
فكلفها الثُّبُوت لذَلِك
فأثبتت التَّزْوِيج وَالْإِعْتَاق وَبَقَاء الزَّوْج على الرّقّ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة فِي وَجه الزَّوْج الْمَذْكُور بعد تشخيصهما عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ
وَحِينَئِذٍ سَأَلت الزَّوْجَة من الْحَاكِم فسخ نِكَاحهَا من زَوجهَا الْمَذْكُور بِهَذَا الْمُقْتَضى
فَخَيرهَا بَين الْبَقَاء وَالْفَسْخ
فَاخْتَارَتْ الْفَسْخ والفرقة
وصرحت بذلك
فأنفذ الْحَاكِم مِنْهَا ذَلِك وأمضاه وأوقع الْفرْقَة بَينهمَا وَصَارَت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة مُفَارقَة عَنهُ بَائِنَة عَن نِكَاحه لَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة دَعْوَى فِي زَوْجَيْنِ ثَبت بَينهمَا رضَاع وَفرق بَينهمَا يكْتب على ظهر الصَدَاق وَإِن كَانَ قد كتب محْضر فَيكْتب على ظَهره
لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْد سيدنَا فلَان الدّين الْحَاكِم الْفُلَانِيّ بجريان عقد النِّكَاح بَين فلَان وفلانة الْمَذْكُورين بَاطِنه بِشَهَادَة فلَان وَفُلَان وقبلهما الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْقبُول الشَّرْعِيّ وبشهادة فلَان وَفُلَان الواضعين خطوطهم آخر الْمحْضر المسطر بَاطِنه أَنَّهُمَا أَخَوان من الرَّضَاع أَو أَن بَينهمَا رضَاعًا شَرْعِيًّا محرما قبل الْحَوْلَيْنِ من امْرَأَة حَيَّة بلغت تسع سِنِين أَو أَكثر بِخمْس رَضعَات متفرقات كاملات من غير قطع وَلَا تبعيض وَوُجُود السَّبَب الْمُقْتَضى للرضاع الْمحرم للنِّكَاح الشَّرْعِيّ وتشخيص الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ واستنطاقهما بِالْمَجْلِسِ الْمشَار إِلَيْهِ
فاعترفا بذلك وَأَن ذَلِك ظهر لَهما الْآن وَثَبت ذَلِك جَمِيعه لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ فسخ نِكَاحهمَا وَفرق بَينهمَا التَّفْرِيق الشَّرْعِيّ وَحرم الْجمع بَينهمَا بِالرّضَاعِ الْمَذْكُور كَمَا يحرم بِالنّسَبِ
وَتارَة لَا يعْتَرف الزَّوْجَانِ بذلك فَيثبت بِشَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ أَو بِأَرْبَع نسْوَة وَلَا يثبت الْإِقْرَار بِهِ إِلَّا برجلَيْن
وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي بَاب الْقَضَاء
وَلَا تقبل الشَّهَادَة بِهِ مُطلقًا أَن بَينهمَا رضَاع أَو حُرْمَة عِنْد الْأَكْثَر بل يشْتَرط التَّفْصِيل وَذكر الشُّرُوط
وَلَا يَكْفِي فِي الْأَدَاء حِكَايَة الْقَرَائِن بِلَا تعرض لوصول اللَّبن إِلَى الْجوف وَلَا الرَّضَاع الْمحرم وَإِن حصل الْوَطْء مَعَ الْجَهْل
وَالْحَالة هَذِه وَجب لَهَا مهر الْمثل
صُورَة دَعْوَى فِي إبِْطَال بيع الْوَصِيّ بِغَيْر غِبْطَة وَلَا مصلحَة وبتفريطه حضر إِلَى(2/417)
مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان الْمَنْصُوب الشَّرْعِيّ عَن فلَان الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِحجر الشَّرْع الشريف أَو فلَان الثَّابِت رشده وَفك الْحجر عَنهُ وَإِطْلَاق تَصَرُّفَاته الشَّرْعِيَّة من مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ وَفُلَان
وَادّعى المبدي بِذكرِهِ على المثني بِذكرِهِ أَن من الْجَارِي فِي ملكه وتصرفه واختصاصه جَمِيع الْمَكَان الْفُلَانِيّ ويوصف ويحدد انْتقل ذَلِك إِلَيْهِ بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ من وَالِده فلَان الْمَذْكُور
وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ وَاضع الْيَد على الْمَكَان الْمَذْكُور بِغَيْر طَرِيق شَرْعِي وطالبه بِرَفْع يَده عَنهُ وتسليمه إِلَيْهِ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة الدَّعْوَى فِي وضع الْيَد بِمُقْتَضى أَنه ابْتَاعَ ذَلِك من فلَان الْفُلَانِيّ الْوَصِيّ على فلَان الْمَذْكُور من جِهَة وَالِده الْمَذْكُور بِمُقْتَضى وَصِيَّة شَرْعِيَّة ثَابِتَة بِالشَّرْعِ الشريف من قبل تَارِيخه بِثمن مبلغه كَذَا
وتسلم الْمُبْتَاع من بَائِعه الْمَذْكُور بِمُقْتَضى ذَلِك وَهُوَ فِي يَده وَملكه
فَأجَاب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن الْوَصِيّ الْمَذْكُور بَاعَ الْمَكَان الْمَذْكُور من غير احْتِيَاط وَلَا غِبْطَة
وَكَانَ مقصرا مفرطا فِيهِ
وَبَاعه بِدُونِ ثمن مثله
وَأَن البيع بَينهمَا فِي ذَلِك كَانَ فَاسِدا لما حصل فِيهِ من الشُّرُوط الْفَاسِدَة الْمُخَالفَة للْبيع على الْمَحْجُور عَلَيْهِ
فَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حنبلي
فَيَقُول مَعَ ذَلِك وَأَنه غبن فِي ثمنه غبنا فَاحِشا وَقِيمَته يَوْم تَارِيخه أَكثر مِمَّا بَاعه بِهِ وَأَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد بذلك
ثمَّ أحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وَأَقَامُوا شَهَادَتهم بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وقبلهم الْقبُول الشَّرْعِيّ
فَإِن كَانَ البيع من وَكيل قد خَالف أَمر مُوكله
فَيَقُول فِي الْجَواب من الْمُدَّعِي إِنَّه كَانَ وكل فلَانا فِي بيع الْمَكَان الْمَذْكُور بِثمن مثله
على وَجه النّظر وَالِاحْتِيَاط مِمَّن يرغب فِي ابتياعه مِنْهُ لفُلَان بِعَيْنِه أَو مُطلقًا بِكَذَا وَكَذَا
وَأَن الْوَكِيل الْمَذْكُور خَالف أمره وَبَاعه بِدُونِ ثمن مثله وَهُوَ غبن فَاحش أَو كَانَت قِيمَته يَوْم العقد كَذَا وَكَذَا وَقد بَاعه بِكَذَا وَسلم الْمَكَان الْمَذْكُور إِلَى المُشْتَرِي وَلَيْسَ لَهُ ذَلِك شرعا لكَونه مُخَالفا لأَمره مقصرا فِيمَا تولى عقده وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور لم يملك الْمَكَان الْمَذْكُور وَهُوَ بَاقٍ على ملك الْمُوكل
وَيلْزمهُ رد إِلَيْهِ وَرفع يَده عَنهُ لما حصل من الْمُخَالفَة المشروحة أَعْلَاهُ وَأَن بَيْعه بَاطِل بِمُقْتَضى ذَلِك وأحضر بَيِّنَة شَرْعِيَّة شهِدت لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك وبالتوكيل على الصّفة المشروحة أَعْلَاهُ
قبلهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَعند ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِلْزَام المُشْتَرِي الْمَذْكُور بِرَفْع يَده عَن الْمَكَان الْمَذْكُور وتسليمه لَهُ
فأعذر إِلَيْهِ بذلك
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت ذَلِك لَدَى الْحَاكِم(2/418)
الْمشَار إِلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَحِينَئِذٍ أمره الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِرَفْع يَده عَن الْمَكَان الْمَذْكُور وتسليمه لمستحقه شرعا
فسلمه إِيَّاه
فتسلمه مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بِالتَّخْلِيَةِ الشَّرْعِيَّة
ويكمل
وَإِن أذن الْمُوكل للْوَكِيل فِي الدَّعْوَى
فيدعي لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشر للْبيع
وَذَلِكَ أحسن وَكَذَلِكَ يفعل فِي بيع أَمِين الحكم على الْيَتِيم بِدُونِ ثمن الْمثل
وَقد تقدم شَرحه
صُورَة دَعْوَى بحوالة على شخص بدين
وَأنكر الْحِوَالَة
وطالب الْمُحِيل بِالدّينِ الْأَصْلِيّ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
فَادّعى الأول مِنْهُمَا على الثَّانِي أَن لَهُ فِي ذمَّته بِحَق شَرْعِي كَذَا وَكَذَا
وطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهُ وَأَنه أَحَالهُ بذلك على شخص يُسمى فلَانا حِوَالَة شَرْعِيَّة بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول والرضى الْمُعْتَبر من كل مِنْهُمَا بِحكم أَن للمبدي بِذكرِهِ فِي ذمَّة فلَان الْمَذْكُور دينا شَرْعِيًّا مُوَافقا لذَلِك فِي الْقدر وَالْجِنْس وَالصّفة والحلول
أَو التَّأْجِيل
فَسَأَلَ الْحَاكِم الْمُحْتَال الْمَذْكُور وَهُوَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور فَأنْكر الْحِوَالَة
فَخرج الْمُدعى عَلَيْهِ الْمُحِيل الْمَذْكُور ثمَّ عَاد وبصحبته شَاهِدَانِ عَدْلَانِ هما فلَان وَفُلَان
فشهدا بصدور الْحِوَالَة الْمَذْكُورَة على الْمحَال عَلَيْهِ وبالرضى بالحوالة الْمَذْكُورَة
وقبلهما الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْقبُول الشَّرْعِيّ
وَثَبت ذَلِك
عِنْده ثبوتا شَرْعِيًّا ثمَّ سَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُحِيل الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْإِشْهَاد على نَفسه بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه
فَأجَاب إِلَى ذَلِك وَحكم بِمُوجبِه وَمن مُوجبه رفع الطّلب عَن الْمُدعى عَلَيْهِ وإلزام الْمحَال عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِحكم صُدُور الْحِوَالَة الْمَذْكُورَة على الْوَجْه الشَّرْعِيّ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى على شخص ضمن شخصا فِي دين فِي ذمَّته لشخص وَأنكر الضَّمَان حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الأول مِنْهُمَا على الثَّانِي أَنه ضمن لَهُ فلَان الْفُلَانِيّ بِمَا كَانَ لَهُ فِي ذمَّته من الدّين الشَّرْعِيّ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا ضمانا شَرْعِيًّا فِي الذِّمَّة بِإِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِك وَأقر أَنه مَلِيء بِمَا ضمنه قَادر عَلَيْهِ عَارِف بِمَعْنى الضَّمَان ولزومه شرعا وبالمضمون لَهُ
وطالبه بالمبلغ الْمَضْمُون الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالإنكار
فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شَرْعِيَّة بِالدّينِ وَالضَّمان وَالْإِذْن وَإِقْرَار الضَّامِن بالمعرفة بالمضمون لَهُ فِيهِ وَبِمَعْنى الضَّمَان
وَثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَعند ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إِلْزَام الْمُدعى عَلَيْهِ(2/419)
الْمَذْكُور لَهُ بِالْقدرِ الْمَضْمُون فِيهِ
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وألزم الضَّامِن الْمَذْكُور بذلك إلزاما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق فِي صور الْحِوَالَة
صُورَة دَعْوَى فِي قَضَاء الْحَاكِم بِعِلْمِهِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الأول مِنْهُمَا على الثَّانِي بِكَذَا وَكَذَا
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالإنكار ثمَّ زعم الْمُدَّعِي أَن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ يشْهد لَهُ بذلك
وَكَانَ الْحَاكِم ذَاكِرًا لهَذِهِ الْوَاقِعَة ولصحة مَا ادَّعَاهُ
فَسَأَلَ الْحَاكِم أَن يحكم لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِك
فَقَالَ الْحَاكِم للْمُدَّعى عَلَيْهِ لي علم وَمَعْرِفَة بِمَا يَدعِيهِ عَلَيْك من الدّين وَهُوَ كَذَا أقضيته أَو أبرأك أَو سقط ذَلِك عَن ذِمَّتك بطرِيق شَرْعِي فَإِن أَقمت على ذَلِك بَيِّنَة وَإِلَّا قضيت عَلَيْك بعلمي
فَمَا أَقَامَ على ذَلِك بَيِّنَة وَلَا اعْترف الْمُدَّعِي بِقَبض ذَلِك وَلَا بسقوطه عَن ذمَّة الْمُدعى عَلَيْهِ بِوَجْه شَرْعِي إِلَى حِين الدَّعْوَى
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يحكم لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِك
فَأجَاب سُؤَاله وَرَأى فِي مذْهبه وَمَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده جَوَاز الحكم وتنفيذ الْقَضَاء بِعِلْمِهِ
وَكَانَ فَقِيها عَالما بأدلة الشَّرْع وَعلل الْمسَائِل
فَحكم على الْمُدعى عَلَيْهِ للْمُدَّعِي الْمَذْكُور بِعِلْمِهِ
وَقضى عَلَيْهِ بالمبلغ الْمُدَّعِي بِهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَكَونه ثَابتا فِي ذمَّته
وألزمه الْخُرُوج من عهدته وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك من حضر مجْلِس حكمه وقضائه وَهُوَ نَافِذ الْقَضَاء وَالْحكم ماضيهما
وَيكْتب التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
انْتهى وَالله أعلم(2/420)
كتاب الْعتْق
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الأَصْل فِي الْعتْق قَوْله تَعَالَى {وَإِذ تَقول للَّذي أنعم الله عَلَيْهِ وأنعمت عَلَيْهِ} قَالَ أهل التَّفْسِير {أنعم الله عَلَيْهِ} بِالْإِسْلَامِ {وأنعمت عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ
وَقَوله تَعَالَى {فَتَحْرِير رَقَبَة} فِي مَوَاضِع من الْقرَان
وروى وَاثِلَة بن بن الْأَسْقَع قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَاحب لنا أوجب النَّار بِالْقَتْلِ
فَقَالَ أعتقوا عَنهُ رَقَبَة يعْتق الله بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَاء لمن أعتق
وأجمعت الْأمة على صِحَة الْعتْق وَحُصُول الْقرْبَة إِلَى الله تَعَالَى بِهِ
وَلَا يَصح الْإِعْتَاق إِلَّا من الْمُكَلف الْمُطلق سَوَاء كَانَ كَافِرًا أَو مُسلما
وَلَا يَصح من الصَّبِي وَالْمَجْنُون والمحجور عَلَيْهِ بالسفه
وَيصِح تَعْلِيقه بِالصِّفَاتِ وإضافته إِلَى جُزْء شَائِع ومعين
وصريح لَفظه بالتحرير وَالْإِعْتَاق فَإِذا قَالَ أَعتَقتك أَو أَنْت عَتيق أَو مُعتق أَو حررتك أَو أَنْت حر أَو مُحَرر عتق وَإِن لم ينْو
وَفِي فك الرَّقَبَة وَجْهَان(2/421)
أظهرهمَا أَنه صَرِيح أَيْضا
والكنايات كَقَوْلِه
لَا ملك لي عَلَيْك أَو لَا يَد أَو لَا سُلْطَان أَو لَا سَبِيل أَو لَا خدمَة إِن نوى الْإِعْتَاق بهَا عتق
وَكَذَا لَو قَالَ لأمته أَنْت سائبة أَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت مولَايَ وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر ولأمته أَنْت حرَّة حصل الْعتْق بِلَا نِيَّة
وَلَو أَخطَأ فِي التَّذْكِير والتأنيث
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ جعلت عتقك إِلَيْهِ أَو خيرتك وَنوى تَفْوِيض الْعتْق إِلَيْهِ فَأعتق نَفسه فِي الْمجْلس عتق وَلَو قَالَ أَعتَقتك على ألف أَو أَنْت حر على ألف فَقبل
أَو قَالَ لَهُ عَبده أعتقني على ألف فَأَجَابَهُ عتق فِي الْحَال
وَلَزِمَه الْألف وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ بِعْتُك نَفسك مِنْك بِكَذَا فَقَالَ اشْتريت صَحَّ البيع وَعتق فِي الْحَال
وَعَلِيهِ مَا الْتزم
وَيكون للسَّيِّد الْوَلَاء عَلَيْهِ
وَلَو أعتق جَارِيَة حَامِلا عتق الْحمل أَيْضا وَلَو اسْتثْنى فَقَالَ أَعتَقتك دون الْحمل لم يَصح الِاسْتِثْنَاء
وَلَو أعتق الْحمل عتق دون الْأُم
وَلَو كَانَت الْجَارِيَة لوَاحِد وَالْحمل لآخر
فَأعتق أَحدهمَا ملكه لم يعْتق ملك الآخر
وَإِن كَانَ بَين شَرِيكَيْنِ عبد
فَأعْتقهُ أَحدهمَا أَو أعتق نصِيبه عتق نصِيبه إِن كَانَ مُعسرا وَبَقِي نصيب الشَّرِيك رَقِيقا
وَإِن كَانَ مُوسِرًا سرى الْعتْق
وَعَلِيهِ قيمَة ذَلِك النَّصِيب
واستيلاد أحد الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَة وَهُوَ مُوسر
فَعَلَيهِ قيمَة نصيب الشَّرِيك
وللشريك أَيْضا حِصَّته من مهر الْمثل
وتدبير أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يسري إِلَى نصيب الآخر
وَمن ملك وَهُوَ من أهل التَّبَرُّع أحد أُصُوله وَإِن علا أَو أحد فروعه وَإِن سفل عتق عَلَيْهِ سَوَاء ملكه بشرَاء أَو اتهاب أَو إِرْث أَو غير ذَلِك
وَلَا يَشْتَرِي للطفل قَرِيبه
وَلَو وهب مِنْهُ أَو أوصى لَهُ بِهِ
فَإِن كَانَ كسوبا فللولي أَن يقبله وَيعتق
وَينْفق على نَفسه من كَسبه
وَإِن كَانَ الصَّبِي مُعسرا فللولي الْقبُول أَيْضا
وَيعتق وَتَكون نَفَقَته فِي بَيت المَال
وَإِن كَانَ الصَّبِي مُوسِرًا لم يقبل الْوَلِيّ الْهِبَة وَلَا الْوَصِيَّة ثمَّ يعْتق على الصَّبِي
وَإِن دخل فِي ملك شخص فِي مرض مَوته من يعْتق عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قد ملكه بِإِرْث أَو هبة أَو وَصِيَّة لَهُ بِهِ عتق عَلَيْهِ
وَيعْتَبر عتقه من الثُّلُث
وَإِن كَانَ على الشَّخْص دُيُون فَاشْترى قَرِيبه صَحَّ(2/422)
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْعتْق من أعظم القربات الْمَنْدُوب إِلَيْهَا
فَلَو عتق شِقْصا لَهُ فِي مَمْلُوك مُشْتَرك وَكَانَ مُوسِرًا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يعْتق عَلَيْهِ جَمِيعه وَيضمن حِصَّة شَرِيكه
وَإِن كَانَ مُعسرا عتق نصِيبه فَقَط
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تعْتق حِصَّته فَقَط
ولشريكه الْخِيَار بَين أَن يعْتق نصِيبه أَو يستسعي العَبْد أَو يضمن لشَرِيكه الْمُعْتق إِن كَانَ مُوسِرًا
فَإِن كَانَ مُعسرا فَلهُ الْخِيَار بَين الْعتْق والسعاية وَلَيْسَ لَهُ التَّضْمِين
وَلَو كَانَ عبد بَين ثَلَاثَة
لوَاحِد نصفه
وَللْآخر ثلثه وَللْآخر سدسه فَأعتق صَاحب النّصْف وَالسُّدُس ملكهمَا مَعًا فِي زمَان وَاحِد أَو وكلا وَكيلا فَأعتق ملكهمَا
قَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ يعْتق كُله وَعَلَيْهِمَا قيمَة الشّقص الْبَاقِي بَينهمَا على قدر حصتهما من العَبْد
وَيكون لكل وَاحِد مِنْهُمَا من ولائه مثل ذَلِك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد عَلَيْهِمَا قيمَة حِصَّة شريكهما بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ على كل وَاحِد نصف قيمَة حِصَّة شَرِيكه
وَعَن مَالك رِوَايَة مثل ذَلِك
فصل لَو أعتق عَبده
فِي مَرضه وَلَا مَال لَهُ وَلم تجز جَمِيع الْوَرَثَة الْعتْق
قَالَ أَبُو حنيفَة يعْتق من كل وَاحِد ثلثه ويستسعي فِي الْبَاقِي
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يعْتق الثُّلُث بِالْقُرْعَةِ
وَلَو أعتق عبدا من عبيده لَا بِعَيْنِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يخرج أَيهمَا شَاءَ
وَقَالَ مَالك وَأحمد يخرج أحدهم بِالْقُرْعَةِ
وَلَو أعتق عبدا فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره وَعَلِيهِ دين يستغرقه
قَالَ أَبُو حنيفَة يستسعي العَبْد فِي قِيمَته
فَإِذا أَدَّاهَا صَار حرا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا ينفذ الْعتْق
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ الَّذِي هُوَ أكبر مِنْهُ سنا هَذَا ابْني
قَالَ أَبُو حنيفَة يعْتق
وَلَا يثبت نسبه
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يعْتق بذلك
وَلَو قَالَ ذَلِك لمن هُوَ أَصْغَر سنا لَا يعْتق أَيْضا
إِلَّا فِي قَول للشَّافِعِيّ
صَححهُ بعض أَصْحَابه
وَالْمُخْتَار إِن قصد إكرامه لم يعْتق
وَلَو قَالَ إِنَّه لله وَنوى بِهِ الْعتْق
قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتق وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يعْتق(2/423)
فصل وَمن ملك أَبَوَيْهِ
أَو أَوْلَاده أَو أجداده أَو جداته قربوا أَو بعدوا فبنفس الْملك يعتقون عَلَيْهِ عِنْد مَالك
وَكَذَلِكَ عِنْده إِذا ملك إخْوَته أَو أخواته من قبل الْأُم أَو الْأَب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتق هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ وكل ذِي رحم محرم عَلَيْهِ من جِهَة النّسَب
وَلَو كَانَت امْرَأَة لم يجز لَهُ تزَوجهَا
وَقَالَ الشَّافِعِي من ملك أَصله من جِهَة الْأَب أَو الْأُم أَو فَرعه وَإِن سفل ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى عتق عَلَيْهِ سَوَاء اتّفق الْوَلَد وَالْوَالِد أَو اخْتلفَا وَسَوَاء ملكه قهرا بِالْإِرْثِ أَو اخْتِيَارا كالشراء وَالْهِبَة
وَقَالَ دَاوُد لَا عتق بِقرَابَة
وَلَا يلْزمه إِعْتَاق من ذكر
انْتهى
فرع شخص عتق عَلَيْهِ رَقِيق وَلَا وَلَاء لَهُ وَصورته مَا إِذا شهد بحريّة عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ
فَإِنَّهُ يعْتق عَلَيْهِ وَلَا وَلَاء لَهُ وَلَا للْبَائِع
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور حكمِيَّة وأهلية وَلها عمد ذكر الْمُعْتق وَنسبه وَذكر العَبْد وَصفته وحليته وَأَنه أعْتقهُ لله من غير عوض وَأَنه لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهِ بعد عتقه إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء الشَّرْعِيّ وَذكر إِقْرَار العَبْد لَهُ بسابق الرّقّ والعبودية إِلَى حِين الْعتْق
وَوُقُوع ذَلِك فِي حَال صِحَة العقد وَالْبدن وَجَوَاز الْأَمر وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهما والتاريخ
لَطِيفَة نذكرها على سَبِيل الْبركَة
قَالَ الْأَصْمَعِي سَمِعت شبيبا يَقُول كُنَّا فِي طَرِيق مَكَّة
فجَاء أَعْرَابِي فِي يَوْم صَائِف شَدِيد الْحر وَمَعَهُ جَارِيَة سَوْدَاء وصيفة
فَقَالَ أفيكم كَاتب فَقُلْنَا نعم
وَحضر غداؤنا فَقُلْنَا لَهُ أصب من طعامنا
فَقَالَ إِنِّي صَائِم
فَقُلْنَا أَفِي هَذَا الْحر الشَّديد وجفاء الْبَادِيَة تَصُوم فَقَالَ إِن الدُّنْيَا كَانَت وَلم أكن فِيهَا
وَتَكون وَلَا أكون فِيهَا وَإِنَّمَا لي مِنْهَا أَيَّام قَلَائِل وَمَا أحب أَن أعين أيامي ثمَّ نبذ إِلَيْنَا الصَّحِيفَة
وَقَالَ اكْتُبْ وَلَا تزد على مَا أَقُول لَك حرفا هَذَا مَا أعتق عبد الله بن عقيل الْكلابِي جَارِيَة سَوْدَاء يُقَال لَهَا لؤلؤة لابتغاء وَجه الله تَعَالَى وَجَوَاز الْعقبَة الْعُظْمَى وَأَنه لَا سَبِيل لي عَلَيْهَا إِلَّا الْوَلَاء
والْمنَّة لله الْوَاحِد القهار
قَالَ الْأَصْمَعِي فَحدثت بِهَذَا الرشيد فَأمر أَن يَشْتَرِي لَهُ ألف نسمَة ويعتقون وَيكْتب لَهُم هَذَا الْكتاب
وَأما الصُّور فَمِنْهَا صُورَة أَهْلِيَّة أعتق فلَان أَو أشهد على نَفسه فلَان أَنه أعتق مَمْلُوكه فلَانا وَيذكر(2/424)
جنسه وَصفته وحليته الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمُعْتَرف لسَيِّده الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين هَذَا الْعتْق وَهُوَ مَعْرُوف لشهوده عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا محررا مُنجزا مرضيا ابْتِغَاء وَجه الله الْكَرِيم وطلبا لثوابه الجسيم أَو وطلبا لما عِنْده من الزلفى وَالنَّعِيم الْمُقِيم صَار بِهِ فلَان الْعَتِيق الْمَذْكُور حرا من أَحْرَار الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم لَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ بِوَجْه رق وَلَا عبودية إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء الشَّرْعِيّ
فَإِنَّهُ لمعتقه الْمَذْكُور وَلمن يسْتَحقّهُ من بعده شرعا
وَإِن شَاءَ كتب بعد قَوْله وَالنَّعِيم الْمُقِيم وَعمل بقول النَّبِي عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالتَّسْلِيم من أعتق نسمَة مُؤمنَة أعتق الله تَعَالَى بِكُل عُضْو مِنْهَا عضوا مِنْهُ من النَّار حَتَّى الْفرج بالفرج صَار بذلك فلَان الْعَتِيق الْمَذْكُور حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
وَخرج بِهَذَا الْعتْق من ضيق الْعُبُودِيَّة إِلَى سَعَة الْحُرِّيَّة
أَو يَقُول خرج الْمُعْتق الْمَذْكُور بِهَذَا الْعتْق من ربقة الرّقّ إِلَى سَعَة الْعتْق
وكل ذَلِك حسن مهما أَرَادَ مِنْهُ كتبه
ثمَّ يَقُول وَأشْهد كل مِنْهُمَا عَلَيْهِ بذلك فِي حَال الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار
وَجَوَاز الْأَمر شرعا فِي تَارِيخ كَذَا
وَكَذَلِكَ يكْتب فِي عتق الْجَارِيَة
فَيَقُول أعتق فلَان جَارِيَته فُلَانَة وَيذكر جِنْسهَا ونوعها وصفتها وحليتها المدعوة فُلَانَة
الْمسلمَة الدّين الْبَالِغ الْبكر أَو الثّيّب المعترفة لمعتقها الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين صُدُور هَذَا الْعتْق عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة عتق بِلَفْظ التَّحْرِير حرر فلَان رَقَبَة عَبده فلَان الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمُعْتَرف لمحرره الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين صُدُور هَذَا التَّحْرِير تحريرا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة أُخْرَى بِلَفْظ الفك فك فلَان رَقَبَة عَبده فلَان ابْن عبد الله الْمُعْتَرف للفاك بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين صُدُور هَذَا الفك الْمَعْرُوف لشهوده فكا صَحِيحا شَرْعِيًّا نوى بِهِ الْعتْق الصَّحِيح الصَّرِيح
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة الْعتْق بالكنايات أقرّ فلَان أَنه شافه عَبده فلَانا الْفُلَانِيّ بِأَن قَالَ لَهُ لَا خدمَة لي عَلَيْك أَو لَا ملك لي عَلَيْك أَو لَا يدلى عَلَيْك أَو لَا سُلْطَان لي عَلَيْك(2/425)
وَنوى بقوله ذَلِك الْعتْق لعَبْدِهِ الْمَذْكُور فبمقتضى ذَلِك عتق عَلَيْهِ
وَصَارَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة الْعتْق بِلَفْظ التَّفْوِيض إِلَى العَبْد فوض فلَان عتق عَبده فلَان الْفُلَانِيّ الْمُعْتَرف للمفوض الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين هَذَا التَّفْوِيض بِأَن قَالَ لَهُ فوضت عتقك لَك أَو جعلت عتقك إِلَيْك
فَقَالَ العَبْد أعتقت نَفسِي فِي الْمجْلس الَّذِي فوض إِلَيْهِ فِيهِ عتق نَفسه فَعتق بذلك عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا متلفظا بذلك بِحَضْرَة شُهُوده
فبمقتضى ذَلِك صَار فلَان الْمُفَوض إِلَيْهِ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة عتق العَبْد الْكَافِر أعتق فلَان عَبده فلَان الأرمني الْجِنْس النَّصْرَانِي الدّين الْبَالِغ الْكَامِل الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين هَذَا الْعتْق عتقا محررا مُنجزا
صَار بذلك حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم لَا سَبِيل لأحد عَلَيْهِ بِوَجْه رق وَلَا عبودية وَلَا وَلَاء وَلَا إِرْث لمعتقه إِلَّا إِذا أسلم وَمَات مُسلما
فَإِن ولاءه وإرثه يكون لمعتقه ولمستحقه بعده شرعا على مَا يَقْتَضِيهِ حكم الشَّرِيعَة المطهرة ويؤرخ
صُورَة الْعتْق على مبلغ بِقبُول العَبْد أعتق فلَان عَبده أَو مَمْلُوكه فلَان الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية إِلَى حِين صُدُور هَذَا الْعتْق الْمَعْرُوف لشهوده على الصّفة الْآتِي تَعْيِينهَا بِأَن قَالَ لَهُ أَعتَقتك على ألف دِرْهَم أَو أَنْت حر على ألف
فَقبل الْمُعْتق مِنْهُ ذَلِك
فَإِن كَانَ العَبْد قد سَأَلَ الْإِعْتَاق فيذكر سُؤَاله كَمَا وَقع
فَيَقُول بِأَن قَالَ العَبْد الْمَذْكُور لسَيِّده الْمشَار إِلَيْهِ أعتقني على ألف فَقَالَ أَعتَقتك أَو أَنْت حر على ألف
فَعتق العَبْد الْمَذْكُور بذلك عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَوَجَب لسَيِّده الْمشَار إِلَيْهِ عَلَيْهِ الْألف الْمَذْكُورَة وجوبا شَرْعِيًّا
فَإِن دَفعهَا إِلَيْهِ فِي الْحَال
يَقُول وَدفعهَا إِلَيْهِ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وَإِن لم يكن دَفعهَا إِلَيْهِ فِي الْحَال فَيَقُول وصبر عَلَيْهِ بِالْألف إِلَى مُدَّة كَذَا
ويؤرخ
صُورَة الْعتْق بِلَفْظ البيع عتق فلَان ابْن عبد الله على سَيّده فلَان عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا بِوُجُود الصّفة الْآتِي تَعْيِينهَا فِيهِ بِأَن قَالَ لَهُ سَيّده بِعْت نَفسك مِنْك بِأَلف دِرْهَم
فَقَالَ اشْتريت
فبمقتضى ذَلِك عتق العَبْد الْمَذْكُور
وَلَزِمَه الْألف الْمعينَة
فَدَفعهَا إِلَى سَيّده الْمَذْكُور
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ العَبْد الْمَذْكُور بذلك حرا من أَحْرَار الْمُسلمين إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/426)
صُورَة عتق الْجَارِيَة الْحَامِل وَعتق حملهَا مَعهَا تبعا لَهَا أعتق فلَان جَارِيَته فُلَانَة المعترفة لَهُ بِالرّقِّ والعبودية الْمُشْتَملَة على حمل ظَاهر
فعتقت هِيَ وَحملهَا عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا محررا مُنجزا إِلَى آخِره
وَصَارَت فُلَانَة الْمَذْكُورَة هِيَ وَحملهَا حُرَّيْنِ من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة عتق الْحمل دون الْأُم أعتق فلَان حمل جَارِيَته فُلَانَة الْفُلَانِيَّة الْمَعْرُوفَة لشهوده الْبَاقِيَة فِي رقّه وعبوديته عتقا محررا مُنجزا
وَصَارَ حملهَا بذلك حرا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَكَذَلِكَ يفعل إِذا أعتق الْجَارِيَة مَالِكهَا وَحملهَا الآخر
فَيَقُول وَبَقِي حملهَا فِي ملك مَالِكه فلَان
صُورَة إِعْتَاق الْوَلَد أَبَاهُ أَو بِالْعَكْسِ أقرّ فلَان ابْن فلَان الْوَافِد إِلَى دَار الْإِسْلَام من دَار الْحَرْب أَنه لما دخلت عَسَاكِر الْمُسلمين إِلَى دَار الْحَرْب
فأسروا أَبَاهُ الْمَذْكُور وَأمه فُلَانَة بنت فلَان وَابْنه لصلبه فلَان وأحضروهم فِي جملَة الأسرى إِلَى دَار الْإِسْلَام وَأَنه ابتاعهم مِمَّن خَرجُوا فِي نصِيبهم من الْغَنِيمَة
وَأَنَّهُمْ بعد أَن دخلُوا فِي ملكه عتقوا عَلَيْهِ عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَمن الصُّور الْحكمِيَّة صُورَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان ابْن عبد الله الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الرجل الْكَامِل وأحضر مَعَه سَيّده فلَان
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه أعْتقهُ الْعتْق الصَّحِيح الصَّرِيح الشَّرْعِيّ
متلفظا بِعِتْقِهِ أَو أَنه عتق بذلك
وَخرج بِهِ من الرّقّ
وَصَارَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالإنكار
فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إحلافه بِاللَّه الْعَظِيم الْيَمين الشَّرْعِيَّة أَنه لم يكن أعْتقهُ وَلَا تلفظ بذلك وَأَنه جَار الْآن فِي رقّه وَلَا يعلم خلاف ذَلِك وَلَا مَا يُنَافِيهِ
فَعرض الْحَاكِم عَلَيْهِ الْيَمين
فَحلف بالتماسه لذَلِك حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ
وَلم يَأْتِ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بِبَيِّنَة
وانفصلا على ذَلِك وَاسْتمرّ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي رق الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْأَمر مَحْمُول بَينهمَا على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف ويؤرخ
وَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة
فَيَقُول فَأجَاب بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فأحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور على إِقْرَاره بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَسمع شَهَادَتهم(2/427)
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا بالتزكية الشَّرْعِيَّة
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بحريَّته وَرفع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ عَنهُ وَإِطْلَاق سَبيله
فأعذر الْحَاكِم إِلَى الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت اعترافه بذلك عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وتشخيص المتداعين لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ استخار الله تَعَالَى وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم بحريَّته وَرفع يَد الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَنهُ وَأطلق سَبيله حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على وَرَثَة السَّيِّد بعد أَن أَنْكَرُوا الْعتْق من والدهم
فَإِن طلب الْمُدَّعِي إحلافهم أَنهم لَا يعلمُونَ أَن مُورثهم أعتق الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة أَقَامَهَا فِي وجههم وَعتق وَإِن لم يكن لَهُ بَيِّنَة اسْتمرّ فِي الرّقّ
صُورَة أُخْرَى حكمِيَّة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان ابْن فلَان وأحضر مَعَه فلَان ابْن فلَان
وَادّعى عَلَيْهِ أَن جَمِيع الْمَمْلُوك الْفُلَانِيّ الْمُسلم الدّين الْمَدْعُو فلَان ابْن عبد الله ملك من أملاكهم بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أعتق نصِيبه فِيهِ وَهُوَ مُوسر وَأَنه يسْتَحق عَلَيْهِ قيمَة نصِيبه وَهُوَ كَذَا وَكَذَا ويطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فَسئلَ
فَأجَاب أَنه أعتق نصِيبه وَأَنه مُعسر لَا مَال لَهُ وَله بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ فأحضر جمَاعَة من الْمُسلمين وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور فَقير مُعسر لَا مَال لَهُ
وشخصوه عِنْده التشخيص الشَّرْعِيّ
عرفهم الْحَاكِم وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
فَاقْتضى الشَّرْع عتق نصيب الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وإبقاء نصيب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي رقّه بِحكم إعسار الْمُعْتق وَوُجُود المسوغ الشَّرْعِيّ الْمُقْتَضِي لذَلِك
وانفصلا على ذَلِك
وَإِن كَانَ مُوسِرًا يَقُول فَسَأَلَهُ الْحَاكِم عَن ذَلِك
فَأجَاب بالتصديق
فَسَأَلَ الْمُدعى الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْمُعْتق الْمَذْكُور بِالسّرَايَةِ وَدفع قيمَة نصيب شَرِيكه إِلَيْهِ لكَونه مُوسِرًا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم عَلَيْهِ بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة مَا إِذا قوم الشريكان الْحصَّة وَقبض الشَّرِيك الثَّانِي الْقيمَة من شَرِيكه(2/428)
الْمُعْتق
وَهِي تكْتب على ظهر كتاب الْعتْق الصَّادِر أَولا من الشَّرِيك الْمُوسر أقرّ كل وَاحِد من فلَان ابْن فلَان الْمُعْتق الْمعِين بَاطِنه
وَفُلَان شَرِيكه الْمَذْكُور مَعَه بَاطِنه أَن فلَانا المبدي بِذكرِهِ أَعْلَاهُ كَانَ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور بَاطِنه أعتق وَهُوَ مُوسر مَا يملكهُ من عَبده فلَان الْمَذْكُور بَاطِنه
وَهُوَ النّصْف مِنْهُ عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا على الحكم المشروح بَاطِنه
وَأَنه بِحكم ذَلِك وَجب عَلَيْهِ الْقيام لشَرِيكه المثني بِذكرِهِ أَعْلَاهُ بِقِيمَة مَا يملكهُ مِنْهُ
وأنهما أحضرا رجلَيْنِ مُسلمين مقبولين خبيرين بتقويم الْإِمَاء وَالْعَبِيد
وهما فلَان وَفُلَان وقوما الشّقص الَّذِي يملكهُ فلَان المثني بِذكرِهِ أَعْلَاهُ من العَبْد الْمَذْكُور وَهُوَ النّصْف يَوْم أعْتقهُ فلَان المبدي بِذكرِهِ
فَكَانَ كَذَا وَكَذَا وأنهما رَضِيا بتقويمهما وإمضاء قَوْلهمَا لَهما وَعَلَيْهِمَا وعلما أَن الْقيمَة عَن الشّقص الْمَذْكُور قيمَة عادلة لَا حيف فِيهَا وَلَا شطط وَأَن فلَانا الْمُعْتق الْمَذْكُور دفع الْقيمَة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ لشَرِيكه الْمَذْكُور مَعَه أَعْلَاهُ
فقبضها مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وبحكم ذَلِك عتق الشّقص الثَّانِي من العَبْد الْمَذْكُور على فلَان الْمَذْكُور عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَصَارَ جَمِيعه حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَ الْإِشْهَاد مقتضبا كتب هَذِه الصُّورَة بمعناها
مراعيا من الْأَلْفَاظ مَا يَلِيق بذلك
وَيكْتب بيد الْمُعْتق نُسْخَة تَنْفَعهُ فِي نفي الْملك عَنهُ ونسخة بيد الشَّرِيك الْمُعْتق تَنْفَعهُ فِي دفع الْمُطَالبَة بِقِيمَة نصيب شَرِيكه
وَتشهد لَهُ بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ
صُورَة أُخْرَى حكمِيَّة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن جَمِيع الْجَارِيَة الْفُلَانِيَّة الْجِنْس الْمسلمَة الدّين المدعوة فُلَانَة بنت عبد الله
ملك من أملاكهما بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ نِصْفَيْنِ وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَطئهَا وأحبلها واستولدها ولدا يدعى فلَان وَأَنه يسْتَحق عَلَيْهِ قيمَة نصِيبه وَنَظِير حِصَّته من مهر الْمثل لِلْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَة وَأَنه مُوسر قَادر على ذَلِك
ويطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ أَو بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ فأحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى صَحِيحَة الْعبارَة والفحوى مسموعة شرعا فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور على إِقْرَاره أَن الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة ملكه وَملك شَرِيكه الْمَذْكُور بَينهمَا نِصْفَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ وَأَنه غشيها وأحبلها واستولدها الْوَلَد الْمَذْكُور
وَأَنه قَادر ومليء مُوسر غير مُعسر وَلَا معدم
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى(2/429)
مَعَه قبُولهَا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْخصم الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْمُدعى عَلَيْهِ بِقِيمَة نصِيبه من الْجَارِيَة وَهُوَ النّصْف وبالنصف من مهر مثلهَا
فاستخار الله وأجابه إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة أُخْرَى حكمِيَّة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان وأحضروا مَعَهم فلَان ابْن فلَان وَادعوا عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بديون شَرْعِيَّة لَهُم فِي ذمَّته مستغرقة لجَمِيع مَاله
وَسَأَلَ المدعون المذكورون والغرماء ضرب الْحجر عَلَيْهِ وتحرير مَاله وتفرقته عَلَيْهِم محاصصة
فأجابهم الْحَاكِم إِلَى ذَلِك حسب سُؤَالهمْ
وَضرب الْحجر عَلَيْهِ وَضبط مَاله وَمنعه من التَّصَرُّف فِيهِ وَفرض لَهُ ولزوجته نَفَقَتهم مُدَّة الْحجر عَلَيْهِ
فَذكر الْغُرَمَاء أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْمَذْكُور ابْتَاعَ أَبَاهُ بمبلغ كَذَا وَكَذَا
وَأَن الثّمن الَّذِي ابْتَاعَ بِهِ أَبَاهُ وَمَا ضبط وتحرر لَهُ من المَال جَمِيعه مُسْتَغْرق فِي الدُّيُون وَأَنه إِذا كَانَت الدُّيُون مُحِيطَة بِجَمِيعِ المَال أَن الْقَرِيب الْمُبْتَاع من المَال لَا يعْتق وَيُبَاع فِي الدّين
وسألوا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل فِي ذَلِك وَحمل الْأَمر فِيهِ على مُقْتَضى مذْهبه واعتقاد مقلده الإِمَام مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَالْحكم بِبيع أَبِيه الْمَذْكُور وَإِضَافَة الثّمن إِلَى المَال
وقسمه عَلَيْهِم محاصصة
فَأجَاب الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سُؤَالهمْ لجوازه عِنْده شرعا وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَذَلِكَ بعد أَن ثبتَتْ الدُّيُون الْمُدعى بهَا عِنْده بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة وَثَبت اسْتِحْقَاق أَرْبَاب الدُّيُون لَهَا فِي ذمَّة الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْمَذْكُور الِاسْتِحْقَاق الشَّرْعِيّ وإحلافهم على عدم الْمسْقط لذَلِك ولشيء مِنْهُ إِلَى حِين الْحلف
ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَعند ذَلِك تقدم أمره الْكَرِيم إِلَى أَمِين الحكم الْعَزِيز أَن يقسم المَال بَينهم على قدر أَمْوَالهم
فَقَسمهُ بَينهم
فجَاء لكل مائَة سَبْعُونَ درهما وَصدق أَرْبَاب الدُّيُون أَن الْمُفلس الْمَذْكُور لم يبْق لَهُ مَال وخلوا سَبيله إِلَى أَن يَتَجَدَّد لَهُ مَال
وانفصلوا على ذَلِك
وَأشْهد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ ويكمل
وَإِن تبرع أَرْبَاب الدُّيُون بعد الدَّعْوَى بقضية أَبِيه
فَيَقُول عِنْد قوم فَذكر الْغُرَمَاء أَن الْمَحْجُور عَلَيْهِ الْمَذْكُور ابْتَاعَ أَبَاهُ بمبلغ كَذَا
فَقَالَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِن الْقَرِيب لَا يعْتق إِذا كَانَ المُشْتَرِي مُعسرا وَأَنه يُبَاع فِي الدّين وَعرض ذَلِك على الْغُرَمَاء
وَقَالَ لَو تبرعتم بذلك لَكَانَ لكم الْأجر عِنْد الله تَعَالَى
فتبرع الْغُرَمَاء بِثمنِهِ للمحجور عَلَيْهِ وَرَضوا(2/430)
بذلك وأجازوه وأمضوا حكمه إِمْضَاء شَرْعِيًّا لَازِما نَافِذا
فَعتق عَلَيْهِ أَبوهُ الْمَذْكُور عتقا شَرْعِيًّا
وَصَارَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة أُخْرَى حكمِيَّة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي
فلَان ابْن فلَان وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ أَنه يسْتَحق على وَالِده الْمَذْكُور مبلغ كَذَا وَكَذَا وَأَنه درج بالوفاة إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى وَترك موروثا عَنهُ يُوفي الدّين الْمُدعى بِهِ وَأَنه بيد الْمُدعى عَلَيْهِ
وطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالتصديق على وَفَاة وَالِده الْمَذْكُور وَلكنه لم يتْرك وَفَاء
وَأَنه أعتق عبدا فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيره
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ إِحْضَار العَبْد الْمَذْكُور إِلَى مجْلِس الشَّرْع الشريف
فأحضر وَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ هَل تعلم لمعتقك مَالا مخلفا عَنهُ أَو لَك بَيِّنَة تشهد أَنه ترك مَالا فَذكر أَنه لَا يعلم لَهُ مَال وَأَن لَا بَيِّنَة لَهُ بذلك
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِصِحَّة الْعتْق فِي ثلث العَبْد الْمَذْكُور وإبقاء الثُّلثَيْنِ فِي الرّقّ وَبيع الثُّلثَيْنِ فِي دينه أَو تعويضه بالثلثين عَن دينه الْمَذْكُور
فاستخار الله تَعَالَى وأجابه إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَ الْخصم الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْإِذْن فِي تعويضه عَن دينه الْمعِين الثَّابِت لَدَيْهِ شرعا بالثلثين الباقيين من العَبْد الْمَذْكُور
فَتقدم أمره الْكَرِيم إِلَى ولد الْمَدِين الْمَذْكُور بتقويم الثُّلثَيْنِ من العَبْد الْمَذْكُور وَعرضه والنداء عَلَيْهِ وتعويضه للْمُدَّعِي الْمَذْكُور عَن دينه
فَيقوم بذلك وَعوض الْمُدَّعِي الْمَذْكُور فلَان عَن دينه الْمعِين فِيهِ وَهُوَ كَذَا بِجَمِيعِ الثُّلثَيْنِ من العَبْد الْمَذْكُور تعويضا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيّ بعد ثُبُوت مَا تتَوَقَّف صِحَة التعويض على ثُبُوته وَكَون الدّين الْمَذْكُور أَكثر من قيمَة الْعِوَض الْمَذْكُور الثُّبُوت الشَّرْعِيّ وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن كَانَ قد أعتق عَبده وَعَلِيهِ دين مُسْتَغْرق لقيمة العَبْد
فَيَقُول فِي صُورَة الدَّعْوَى وَأَنه أعتق عَبده فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ
وَأَن دينه يسْتَغْرق قيمَة العَبْد
وَسَأَلَ الحكم بإبقائه فِي الرّقّ وَبيعه فِي الدّين الْمَذْكُور
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره بعد أَن ثَبت عِنْده مُقَدمَات جَوَاز الحكم شرعا ثبوتا شَرْعِيًّا
ثمَّ سَأَلَهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور تقدم أمره الْكَرِيم بِعرْض العَبْد والنداء عَلَيْهِ وَبيعه فِي الدّين الْمعِين أَعْلَاهُ أَو تَفْوِيض الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إِيَّاه عَن الدّين
فَأمر بذلك ودنوي على العَبْد الْمَذْكُور فِي مَوَاطِن الرغبات مُدَّة ثمَّ عوض الْمُدَّعِي الْمَذْكُور فلَان بِهِ عَن دينه من(2/431)
معوض شَرْعِي تعويضا شَرْعِيًّا مُشْتَمِلًا على الْإِيجَاب وَالْقَبُول والتسلم وَالتَّسْلِيم بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيّ بعد النّظر والمعرفة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة أُخْرَى حكمِيَّة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان وَفُلَان وأحضروا مَعَهم فلَان ابْن عبد الله وَفُلَان ابْن عبد الله وَفُلَان ابْن عبد الله وَيذكر جنس كل وَاحِد مِنْهُم وَادعوا عَلَيْهِم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن والدهم الْمَذْكُور أعتق فِي مرض مَوته مماليكه الثَّلَاثَة الْمُدعى عَلَيْهِم الْحَاضِرين بحضورهم جَمِيعهم جملَة وَاحِدَة فِي مجْلِس وَاحِد وَأَنه لَا مَال لَهُ غَيرهم
وسألوا سُؤَالهمْ عَن ذَلِك فسئلوا
فَأَجَابُوا بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ الْوَرَثَة المذكورون أَعْلَاهُ
فَحِينَئِذٍ طلب المدعون المذكورون من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل فِي ذَلِك بِمُقْتَضى الشَّرِيعَة المطهرة
فَتقدم أمره الْكَرِيم إِلَى أحد الْأُمَنَاء بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْمشَار إِلَيْهِ بتقويم العبيد الْمَذْكُورين وَاعْتِبَار قيمتهم
فَإِن كَانَت قيمتهم مُتَسَاوِيَة
فيقرع بَينهم
وَيعتق من خرجت عَلَيْهِ رقْعَة الْعتْق
فَتقدم الْأمين الْمشَار إِلَيْهِ بتقويمهم وَكتب ثَلَاث رقاع بِوَاحِدَة عتق وباثنتين رق
وَجعلهَا فِي بَنَادِق من طين مُتَسَاوِيَة وَجعلهَا فِي حجر رجل لم يحضر ذَلِك وَأمره أَن يخرج رقْعَة على اسْم فلَان المبدي بِذكر
فَأخْرج رقْعَة فَإِذا بهَا رق فرق الأول
ثمَّ أُعِيدَت الْقرعَة بَين الِاثْنَيْنِ الباقيين وَأمر ذَلِك الرجل بِإِخْرَاج رقْعَة على اسْم الثَّانِي
فَأخْرج رقْعَة
فَإِذا بهَا عتق فَعتق الثَّانِي ورق الثَّالِث
فَسَأَلَ الْوَرَثَة المذكورون الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ تَسْلِيم الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورين اللَّذين خرجت الْقرعَة عَلَيْهِمَا بِالرّقِّ وَالْحكم لَهُم بِالتَّصَرُّفِ فيهمَا بِالْبيعِ وَغَيره
فأجابهم إِلَى ذَلِك وَحكم لَهُم بِهِ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وخلى للْعَبد الَّذِي خرج لَهُ الْعتْق سَبيله
بِمُقْتَضى أَنه عتق عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَصَارَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَكَذَلِكَ يفعل فِيمَا إِذا قَالَ لثَلَاثَة أعبد ثلث كل وَاحِد مِنْكُم حر
فيقرع بَينهم
وَيعتق وَاحِد مِنْهُم
صُورَة أُخْرَى بعد أَن أعتق فلَان مماليكه الثَّلَاثَة فِي مرض مَوته وَلَا مَال لَهُ غَيرهم
وأقرع بَينهم
وَخرجت الْقرعَة لأَحَدهم فَعتق ورق اثْنَان
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان ابْن عبد الله
وَفُلَان ابْن عبد الله
وهما اللَّذَان خرج الرّقّ عَلَيْهِمَا بِالْقُرْعَةِ وأحضرا مَعَهُمَا وَرَثَة الْمُعْتق الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وادعيا عَلَيْهِم أَنه بعد أَن جرى الْأَمر حَسْبَمَا عين أَعْلَاهُ ظهر للْمُعْتق الْمَذْكُور أَعْلَاهُ مَال(2/432)
خرج المعتقون الثَّلَاثَة المذكورون أَعْلَاهُ من الثُّلُث
وسألا سُؤال الْوَرَثَة الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُمْ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأَجَابُوا بالتصديق
فَسَأَلَ المدعيان الْمَذْكُورَان أَعْلَاهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بعتقهما وَأَن يخلوا سبيلهما
فاستخار الله تَعَالَى
وأجابهما إِلَى سؤالهما
وَحكم بِعِتْق المدعيين الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ وخلى سبيلهما حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة مَا إِذا علق رجل عتق عَبده على مَوته ليخرج من رَأس مَاله أشهد عَلَيْهِ فلَان شُهُوده إشهادا شَرْعِيًّا فِي صِحَّته وسلامته أَنه علق عتق عَبده فلَان الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمُعْتَرف لسَيِّده الْمَذْكُور بسابق الرّقّ والعبودية على مَوته إِلَى آخر يَوْم من أَيَّام صِحَّته
وَقَالَ لَهُ بِصَرِيح لَفظه إِذا مت فَأَنت حر قبل موتِي فِي آخر يَوْم من أَيَّام صحتي الْمُتَقَدّمَة على وفاتي الْقَابِلَة لاستكمال عتقك من رَأس مَالِي
وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَصُورَة تَعْلِيق الْعتْق على خدمَة العَبْد حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه لعَبْدِهِ فلَان الْمُعْتَرف لَهُ بسابق الرّقّ والعبودية الَّذِي أحضرهُ عِنْد شُهُوده وشخصه لَهُم مَتى خدمتني مُدَّة عشر سِنِين مثلا كاملات مُتَوَالِيَات من يَوْم تَارِيخه بِقدر طاقتك واستطاعتك
فَأَنت حر يَوْم ذَلِك من أَحْرَار الْمُسلمين لَا سَبِيل لأحد عَلَيْك إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
فَإِذا وفى العَبْد الْخدمَة كتب على ظهر كتاب التَّعْلِيق أقرّ فلَان الْمُعَلق الْمَذْكُور بَاطِنه أَنه كَانَ علق عتق عَبده فلَان الْمَذْكُور بَاطِنه على خدمته لَهُ الْمدَّة الْمعينَة بَاطِنه على الحكم المشروح بَاطِنه فِي التَّارِيخ الْمعِين بَاطِنه وَأَنه خدمه الْمدَّة الْمَذْكُورَة واجتهد فِي خدمته وَفعل مَا يَفْعَله المماليك الأخيار مَعَ مواليهم وَلم يزل على ذَلِك إِلَى أَن انْقَضتْ الْمدَّة الْمَذْكُورَة فِيهِ
وَأَنه بِحكم ذَلِك عتق فلَان الْمَذْكُور عتقا شَرْعِيًّا
وَصَارَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم لَيْسَ لأحد عَلَيْهِ سَبِيل إِلَّا سَبِيل الْوَلَاء الشَّرْعِيّ
فَإِنَّهُ لمعتقه الْمَذْكُور وَلمن يسْتَحقّهُ من بعده شرعا
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا أعتق رجل عَبده على مَال تبرع لَهُ بِهِ رجل أَجْنَبِي حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَسَأَلَ فلَانا أَن يعْتق عَبده الَّذِي فِي يَده وَملكه الْمَدْعُو فلَان الْمُعْتَرف لَهُ بسابق الرّقّ والعبودية على مَال تبرع لَهُ بِهِ
جملَته كَذَا وَكَذَا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَقبض مِنْهُ الْمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ قبضا شَرْعِيًّا وَأعْتق عَبده فلَانا الْمَذْكُور عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
صَار بِهِ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
ويكمل على نَحْو مَا سبق(2/433)
وَصُورَة مَا إِذا بَاعَ عَبده لآخر بِشَرْط الْعتْق وَأَرَادَ المُشْتَرِي عتقه حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ طَوْعًا فِي صِحَّته وسلامته أَنه لما ابْتَاعَ عَبده فلَانا الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْمَذْكُور بَاطِنه إِن كَانَت الْكِتَابَة على ظهر الْمُبَايعَة من فلَان البَائِع الْمَذْكُور بَاطِنه بِالثّمن الْمعِين بَاطِنه ابتاعه مِنْهُ بِشَرْط الْعتْق عَنهُ أَو مُطلقًا فَبَاعَهُ إِيَّاه بِالثّمن الْمعِين بَاطِنه على الحكم المشروح بَاطِنه وتعاقدا على ذَلِك معاقدة شَرْعِيَّة مُشْتَمِلَة على الْإِيجَاب وَالْقَبُول
والتسلم وَالتَّسْلِيم الشرعيين وَأَن المُشْتَرِي الْمَذْكُور فِي يَوْم تَارِيخه تلفظ بِعِتْق عَبده الْمَذْكُور
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه مملوكي فلَان الْفُلَانِيّ حر من أَحْرَار الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم لَيْسَ لأحد عَلَيْهِ وَلَا إِلَّا الْوَلَاء الشَّرْعِيّ فَإِنَّهُ لي وَلمن يسْتَحقّهُ من بعدِي شرعا
ويكمل
فَائِدَة الْأَصَح أَن هَذَا الْعتْق حق لله تَعَالَى فَلَا يسْقط بِإِسْقَاط البَائِع
وَله الْمُطَالبَة بِهِ على الْأَصَح
فَإِن امْتنع المُشْتَرِي من الْمُعْتق هَل يعتقهُ الْحَاكِم عَلَيْهِ أَو يحْبسهُ حَتَّى يعتقهُ فِيهِ الْخلاف
وَقد سبق فِي مسَائِل الْخلاف
صُورَة مَا إِذا امْتنع المُشْتَرِي من عتقه وَرفع إِلَى الْحَاكِم حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى الأول مِنْهُمَا على الثَّانِي أَنه بَاعه جَمِيع العَبْد الْفُلَانِيّ بِكَذَا بِشَرْط الْعتْق
فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ على هَذَا الشَّرْط وتسلم العَبْد الْمَذْكُور
وَقبض مِنْهُ الثّمن
وَامْتنع من عتقه
وطالبه بِعِتْق العَبْد الْمَذْكُور
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَأمره الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بِعِتْقِهِ
فَإِن أعْتقهُ كتب فَعِنْدَ ذَلِك تلفظ المُشْتَرِي الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِعِتْقِهِ
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه مملوكي حر من أَحْرَار الْمُسلمين ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن امْتنع
وَقُلْنَا إِن الْحَاكِم يُبَاشر الْعتْق
كتب وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فَسئلَ
فَأجَاب بِصِحَّة الابتياع بِالشّرطِ الْمَذْكُور
وَامْتنع من الْعتْق
فَعِنْدَ ذَلِك أعتق الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ العَبْد الْمَذْكُور عتقا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وخلى سَبيله
وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت عِنْده دَعْوَى المتداعيين الْمَذْكُورين فِيهِ
وصدور الابتياع على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
وَامْتِنَاع المُشْتَرِي الْمَذْكُور من الْعتْق
وَبعد أَن كرر عَلَيْهِ ذَلِك فأصر على الِامْتِنَاع الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بطريقه الْمُعْتَبر شرعا
وَإِن قُلْنَا يحبس المُشْتَرِي فَتحصل الدَّعْوَى ويعرض عَلَيْهِ الْحَاكِم الْعتْق
فَإِن امْتنع كرر عَلَيْهِ
فَإِن أصر على الِامْتِنَاع أَمر الْحَاكِم بسجنه فيسجن
فَإِذا أعتق العَبْد كتب مَا شرح أَعْلَاهُ
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ(2/434)
كتاب التَّدْبِير
وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
التَّدْبِير مأخود من الدبر وَهُوَ أَن يعلق عتق عَبده بِمَوْتِهِ وَهُوَ مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الله تَعَالَى
لِأَن الْمَقْصُود بِهِ الْعتْق
فَهُوَ كَالْعِتْقِ الْمُنجز
وَقَول الْقَائِل لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي أَو عَتيق بعد موتِي أَو إِذا مت فَأَنت حر
أَو أَعتَقتك بعد موتِي صَرِيح فِيهِ
وَكَذَا قَوْله دبرتك أَو أَنْت مُدبر
وَيصِح التَّدْبِير بكنايات الْعتْق مَعَ النِّيَّة مثل أَن يَقُول خليت سَبِيلك بعد موتِي
وَيجوز التَّدْبِير مُطلقًا على مَا صورنا
ومقيدا مثل أَن يَقُول إِن مت فِي هَذَا الشَّهْر أَو من مرضِي هَذَا
فَأَنت حر
فَإِن مَاتَ على تِلْكَ الصّفة عتق العَبْد وَإِلَّا فَلَا
وَيجوز تَعْلِيق التَّدْبِير
مثل أَن يَقُول إِذا دخلت الدَّار أَو مَتى دخلت الدَّار
فَأَنت حر بعد موتِي
فَإِذا دخل الدَّار صَار مُدبرا
فَيشْتَرط أَن يدْخل قبل موت السَّيِّد إِلَّا إِذا قَالَ إِذا مت ثمَّ دخلت الدَّار فَأَنت حر فَيشْتَرط الدُّخُول بعد الْمَوْت
وَيكون على التَّرَاخِي
وَلَيْسَ للْوَارِث بَيْعه قبل الدُّخُول
وَلَو قَالَ إِذا مت وَمضى شهر فَأَنت حر فللوارث استخدامه فِي الشَّهْر وَلَيْسَ لَهُ بَيْعه
وَلَو قَالَ إِن شِئْت فَأَنت مُدبر
أَو أَنْت حر بعد موتِي إِن شِئْت فتشترط الْمَشِيئَة على الِاتِّصَال على الْفَوْر
فَإِذا وصل بقول سَيّده شِئْت عتق
وَلَو قَالَ مَتى شِئْت فَهُوَ على التَّرَاخِي
وَلَو كَانَ بَين شَرِيكَيْنِ عبد
فَقَالَا مَتى متْنا فَأَنت حر لم يعْتق العَبْد مَا لم يموتا جَمِيعًا
وَإِذا مَاتَ أَحدهمَا فَلَيْسَ لوَارِثه بيع نصِيبه
وَيصِح الرُّجُوع عَن التَّدْبِير بِأَن يَقُول أبطلت التَّدْبِير أَو نقضته أَو فسخته أَو رجعت فِيهِ
وَيصِح بيع الْمُدبر
وَيعتق الْمُدبر من الثُّلُث(2/435)
وَإِذا كَانَ على الْمُدبر دين يسْتَغْرق التَّرِكَة لم يعْتق مِنْهُ شَيْء
وَإِن كَانَ يسْتَغْرق نصف قيمَة الْمُدبر بيع نصفه وَعتق نصفه وتدبير أحد الشَّرِيكَيْنِ لَا يسري إِلَى نصيب الآخر
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن السَّيِّد إِذا قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي صَار العَبْد مُدبرا يعْتق بعد موت سَيّده
وَاخْتلفُوا هَل يجوز بيع الْمُدبر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز بَيْعه إِذا كَانَ التَّدْبِير مُطلقًا وَإِن كَانَ مُقَيّدا بِشَرْط الرُّجُوع من سفر بِعَيْنِه أَو مرض بِعَيْنِه
فبيعه جَائِز
وَقَالَ مَالك لَا يجوز بَيْعه فِي حَال الْحَيَاة
وَيجوز بَيْعه بعد الْمَوْت إِن كَانَ على السَّيِّد دين
وَإِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَكَانَ يخرج من الثُّلُث عتق جَمِيعه
وَإِن لم يحْتَملهُ الثُّلُث عتق مَا يحْتَملهُ
وَلَا فرق عِنْده بَين الْمُطلق والمقيد
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز بَيْعه على الْإِطْلَاق
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي
وَالْأُخْرَى يجوز بَيْعه بِشَرْط أَن يكون على السَّيِّد دين
وَولد الْمُدبرَة عِنْد أبي حنيفَة حكمه حكم أمه إِلَّا أَنه يفرق بَين الْمُقَيد وَالْمُطلق كَمَا تقدم
وَقَالَ مَالك وَأحمد كَذَلِك إِلَّا أَنَّهُمَا لَا فرق عِنْدهمَا بَين مُطلق التَّدْبِير ومقيده
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي لَا يَبِيع أمه وَلَا يكون مُدبرا
انْتهى
فرع مُدبر لَا يجوز بَيْعه
وَهُوَ إِذا كَاتبه سَيّده
وتدبير لَا يعْتَبر من الثُّلُث
وَهُوَ إِذا قَالَ إِن مَرضت مَرضا أَمُوت فِيهِ فَأَنت حر قبله بساعة فَإِذا مَاتَ عتق
وَيكون الْعتْق سَابِقًا على الْمَرَض وَالْمَوْت
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور
مِنْهَا صُورَة تَدْبِير بِلَفْظ مَتى دبر فلَان مَمْلُوكه فلَانا الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْبَالِغ الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية تدبيرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
بِأَن قَالَ لَهُ مَتى مت لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وَحكم بِمُوجب ذَلِك سيدنَا فلَان الدّين فَأَنت حر بعد موتِي قَالَ ذَلِك بِصَرِيح لَفظه بِحَضْرَة شُهُوده وَأشْهد عَلَيْهِ بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَإِن كَانَ التَّدْبِير بِلَفْظ إِن مت من مرضِي هَذَا فَأَنت حر فَيَقُول بِأَن قَالَ لعَبْدِهِ(2/436)
الْمَذْكُور بِصَرِيح لَفظه إِن مت من مرضِي هَذَا فَأَنت حر بعد موتِي فَإِذا مَاتَ عتق بِمَوْتِهِ إِلَّا إِذا قَالَ السَّيِّد ذَلِك أَو قَالَ لَهُ إِن شِئْت فَأَنت حر بعد موتِي وَقَالَ العَبْد شِئْت وَشَرطه أَن يكون قَوْله شِئْت مُتَّصِلا بقول السَّيِّد
فَيَقُول ذَلِك فِي كتاب التَّدْبِير
وينبه على اتِّصَال قَوْله بقول السَّيِّد إِن شِئْت وَإِلَّا لم يعْتق
وَكَذَلِكَ يَقُول فِي جَمِيع صور التَّدْبِير فِيمَا يحصل بِهِ التَّدْبِير من الصرائح المبينة والكنايات
وَصُورَة مَا إِذا أقرّ الْوَرَثَة بِخُرُوج العَبْد الْمُدبر من ثلث مَال الْمُورث أقرّ فلَان وَفُلَان وَفُلَان أَوْلَاد فلَان الْمُدبر الْمَذْكُور بَاطِنه إِذا كَانَت الْكِتَابَة على ظهر كتاب التَّدْبِير أَن العَبْد الْمُسَمّى بَاطِنه الْمَدْعُو فلَان كَانَ والدهم الْمَذْكُور دبره تدبيرا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَأَنه توفّي إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَأَحْكَام التَّدْبِير بَاقِيَة إِلَى حِين وَفَاته وَأَنَّهُمْ قومُوا العَبْد الْمَذْكُور بَاطِنه بِأَهْل الْخِبْرَة والمعرفة بقيم الرَّقِيق
فَكَانَت قِيمَته كَذَا وَكَذَا دِينَارا
وَأَنَّهَا قيمَة عادلة يحْتَمل خُرُوجهَا من ثلث مَال مُورثهم الْمَذْكُور وَأَن العَبْد الْمُدبر الْمَذْكُور بَاطِنه صَار حرا من أَحْرَار الْمُسلمين إِلَى آخِره
وَإِن ثَبت التَّدْبِير على حَاكم
فَيَقُول بعد ثُبُوت ذَلِك كُله وتشخيصهم وَمن مُوجبه صيرورة العَبْد الْمَذْكُور حرا من أَحْرَار الْمُسلمين بِمُقْتَضى ثُبُوت اتساع المَال لإِخْرَاج العَبْد الْمَذْكُور من ثلثه حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَإِن كَانَ التَّدْبِير فِي الصِّحَّة والسلامة فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر ثلث المَال وَيعتق العَبْد من رَأس المَال
انْتهى
وَالله أعلم(2/437)
كتاب الْكِتَابَة
وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
الْكِتَابَة هِيَ الْعتْق على مَال يُؤَدِّيه الْمكَاتب فِي نجمين أَو نُجُوم
قَالَ ابْن الصّباغ وَأَصلهَا مُشْتَقّ من الْكتب والكتب هُوَ الضَّم وَالْجمع
يُقَال كتبت الْقرْبَة إِذا ضممت رَأسهَا
وَسميت الكتيبة بذلك لضم بعض الجيوش إِلَى بعض وَسمي الْخط كِتَابَة لضم بعض الْحُرُوف إِلَى بعض
وَسمي هَذَا العقد كِتَابَة لضم بعض النُّجُوم إِلَى بعض
والنجوم هِيَ الْأَوْقَات الَّتِي يحل بهَا مَال الْكِتَابَة وَإِنَّمَا سميت نجوما لِأَن الْعَرَب كَانَت لَا تعرف الْحساب
وَإِنَّمَا تعرف الْأَوْقَات بِطُلُوع النَّجْم
فسميت الْأَوْقَات نجوما
وَالْأَصْل فِي جَوَاز الْكِتَابَة الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا}
وَأما السّنة فَمَا روى سهل بن حنيف أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعَان عادما أَو غارما أَو مكَاتبا فِي كِتَابَته
أظلهُ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن وَفِي رِوَايَة عبد مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم من الْكِتَابَة(2/438)
وَأما الْإِجْمَاع فقد أَجمعت الْأمة على جَوَاز الْكِتَابَة
وَالْكِتَابَة مُسْتَحبَّة إِذا طلبَهَا العَبْد وَكَانَ أَمينا قَوِيا على الْكسْب وَلَا تكره بِحَال
فَإِن لم يكن أَمينا لم تسْتَحب كِتَابَته وَإِن لم يكن قَوِيا على الْكسْب فَكَذَلِك
وَلَا تكره بِحَال
وصيغتها أَن يَقُول كاتبتك على كَذَا منجما إِذا أديته فَأَنت حر وَيبين عدد النُّجُوم وَمَا يُؤَدِّي فِي كل نجم
وَلَو لم يُصَرح بِالتَّعْلِيقِ وَأَدَّاهُ كفى
وَيَقُول العَبْد قبلت وَتَصِح كِتَابَة الْكَافِر
وَلَا تصح الْكِتَابَة فِي العَبْد الْمَرْهُون وَلَا الْمُسْتَأْجر
وَشرط الْكِتَابَة أَن تكون دينا
فَلَا تصح على الْعين
وَتَصِح الْكِتَابَة على الْمَنَافِع
وَلَا تصح على الْحَال بل أَن يكون منجما نجمين فَصَاعِدا
وَلَو كَاتبه على خدمَة شهر ودينار عِنْد انْقِضَاء الشَّهْر صحت الْكِتَابَة
وَتَصِح كِتَابَة بعض العَبْد إِذا كَانَ بَاقِيه حرا وَإِن كَانَ جَمِيعه رَقِيقا وَكَاتب بعضه بطلت الْكِتَابَة
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتَّفقُوا على أَن كِتَابَة العَبْد الَّذِي لَهُ كسب مُسْتَحبَّة مَنْدُوب إِلَيْهَا
بل قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة عَنهُ بِوُجُوبِهَا إِذا دَعَا العَبْد سَيّده إِلَيْهَا على قدر قِيمَته أَو كثر
وصيغتها أَن يُكَاتب السَّيِّد عَبده على مَال معِين
يسْعَى فِيهِ العَبْد ويؤديه إِلَى سَيّده
وَأما العَبْد الَّذِي لَا كسب لَهُ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تكره كِتَابَته
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا تكره
وَالثَّانيَِة لَا تكره
وَكِتَابَة الْأمة الَّتِي هِيَ غير مكتسبة مَكْرُوهَة إِجْمَاعًا
فصل وأصل الْكِتَابَة
أَن تكون مُؤَجّلَة
فَلَو كَانَت حَالَة
فَهَل تصح أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تصح حَالَة ومؤجلة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا تصح حَالَة وَلَا تجوز إِلَّا منجمة
وَأقله نجمان
فَلَو امْتنع الْمكَاتب من الْوَفَاء وَبِيَدِهِ مَال يَفِي بِمَا عَلَيْهِ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ لَهُ مَال أجبر على الْأَدَاء وَإِن لم يكن لَهُ مَال لم يجْبر على الِاكْتِسَاب
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ تعجيز نَفسه مَعَ الْقُدْرَة على الِاكْتِسَاب
فَيجْبر على(2/439)
الِاكْتِسَاب حِينَئِذٍ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يجْبر بل يكون للسَّيِّد الْفَسْخ
فصل وَإِذا كَاتب السَّيِّد عَبده
على مَال أعطَاهُ مِنْهُ شَيْئا
قَالَ الله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} وَهل ذَلِك مُسْتَحبّ أم وَاجِب قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ مُسْتَحبّ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد هُوَ وَاجِب لِلْآيَةِ الْكَرِيمَة
وَاخْتلف من أوجبه
هَل لَهُ قدر معِين أم لَا قَالَ الشَّافِعِي لَا تَقْدِير فِيهِ
وَقَالَ بعض أَصْحَابه مَا اخْتَارَهُ السَّيِّد
وَقَالَ بَعضهم يقدرها الْحَاكِم بِاجْتِهَادِهِ كالمتعة
وَقَالَ أَحْمد هُوَ مُقَدّر وَهُوَ أَن يحط السَّيِّد عَن الْمكَاتب ربع الْكِتَابَة أَو يُعْطِيهِ مِمَّا قَبضه ربعه
فصل وَلَا يجوز بيع رَقَبَة الْمكَاتب
عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك إِلَّا أَن مَالِكًا أجَاز بيع مَال الْمُكَاتبَة وَهُوَ الدّين الْمُؤَجل بِثمن حَال إِن كَانَ عينا فبعرض
أَو عرضا فبعين
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
الْجَدِيد مِنْهُمَا أَنه لَا يجوز
وَقَالَ أَحْمد إِنَّه يجوز بيع رَقَبَة الْمكَاتب
وَلَا يكون البيع فسخا لكتابته
فَيقوم المُشْتَرِي فِيهِ مقَام السَّيِّد الأول
وَلَو قَالَ كاتبتك على ألف دِرْهَم
فَإِنَّهُ مَتى أَدَّاهَا عتق عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد
وَلم يفْتَقر إِلَى أَن يَقُول فَإِذا أدّيت إِلَيّ فَأَنت حر أَو يَنْوِي الْعتْق
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا بُد من ذَلِك
وَلَو كَاتب أمته وَشرط وَطأهَا فِي عقد الْكِتَابَة
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يجوز ذَلِك
وَقَالَ أَحْمد يجوز
انْتهى
فرع لَيْسَ لنا عقد فَاسد يَقع فِيهِ التَّمْلِيك كَمَا يَقع بِالْعقدِ الصَّحِيح إِلَّا الْكِتَابَة الْفَاسِدَة
فَإِن الْمكَاتب يعْتق بِالْأَدَاءِ
وَيملك مَا اكْتَسبهُ فِي حَال كِتَابَته
فرع سيد يقتل بِعَبْدِهِ
وَعبد لَا يقتل بسيده
وَكِلَاهُمَا عَاقل مُسلم بَالغ غير مَنْسُوب إِلَى بغي وَلَا إِلَى محاربة
وَصورته فِي الْمكَاتب إِذا اشْترى أَبَاهُ أَو ابْنه بِإِذن سَيّده
فَإِنَّهُ يَصح فِي الْأَظْهر
وَلَيْسَ لَهُ بيعهمَا
فَإِن عتق عتقا وَإِن عجز رقا
فَإِن قتل الْمكَاتب أَبَاهُ الَّذِي هُوَ عَبده قتل بِهِ
وَإِن قَتله أَبوهُ الَّذِي هُوَ عَبده لَا يقتل بِهِ
وَهَكَذَا الحكم فِي الْأَطْرَاف إِذا قطعت
مَسْأَلَة رجل قتل رجلا ظلما وَلم يجب عَلَيْهِ قصاص وَلَا دِيَة وَاسْتحق جَمِيع مَا فِي يَده
وَصورتهَا فِي السَّيِّد
يقتل مكَاتبه(2/440)
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور أَهْلِيَّة وحكمية
فَمن الْأَهْلِيَّة صُورَة كَاتب فلَان عَبده أَو مَمْلُوكه فلَانا الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين
الرجل الْبَالِغ الْمُعْتَرف للْمكَاتب الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية لما علم فِيهِ من الْخَيْر والديانة والعفة وَالْأَمَانَة وَالْقُوَّة والصيانة عملا بقول الله جلّ جَلَاله فِي كِتَابه الْعَزِيز {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} على مبلغ كَذَا وَكَذَا يقوم بِهِ الْمكَاتب الْمَذْكُور منجما فِي نجمين متساويين من تَارِيخه سلخ كل سنة تمْضِي نجم وَاحِد أَو فِي ثَلَاثَة نُجُوم أَو أَكثر وعَلى السَّيِّد أَن يحط من مكَاتبه الْمَذْكُور من مَال الْكِتَابَة عِنْد أَدَاء المَال مبلغ كَذَا وَكَذَا كِتَابَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
قبلهَا مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وَأذن لَهُ سَيّده الْمَذْكُور فِي الِاكْتِسَاب وَالْبيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء
فَمَتَى أدّى النُّجُوم الْمعينَة أَعْلَاهُ
كَانَ حرا من أَحْرَار الْمُسلمين لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم
وَمَتى عجز عَن شَيْء من مَال الْكِتَابَة وَلَو دِرْهَم
كَانَ رَقِيقا بَاقِيا على حكم الْعُبُودِيَّة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك وهما بِحَال الصِّحَّة والسلامة والطواعية وَالِاخْتِيَار
ويؤرخ
صُورَة أُخْرَى أَهْلِيَّة هَذِه مُكَاتبَة شَرْعِيَّة جرت بالألفاظ الْمُعْتَبرَة المحررة المرعية بَين فلَان وَعَبده فلَان الْبَالِغ الْعَاقِل الْمُسلم الْمُعْتَرف لمكاتبه الْمَذْكُور بِالرّقِّ والعبودية بِأَن قَالَ السَّيِّد الْمَذْكُور لعَبْدِهِ الْمَذْكُور كاتبتك على ألف دِرْهَم تؤديها إِلَيّ فِي كَذَا وَكَذَا نجما سلخ كل شهر نجم وَاحِد
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فَإِذا أدّيت إِلَيّ ذَلِك
فَأَنت حر من أَحْرَار الْمُسلمين
مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وَمَتى عجز عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة كَانَ قِنَا وَيملك السَّيِّد مَا دَفعه إِلَيْهِ عَبده الْمَذْكُور
وَمَتى أدّى إِلَيْهِ النُّجُوم الْمَذْكُورَة آتَاهُ من المَال الْمعِين مَا شَاءَ السَّيِّد
قبل الْمكَاتب ذَلِك من سَيّده الْمَذْكُور
قبولا شَرْعِيًّا
ويؤرخ على نَحْو مَا سبق
صُورَة مُكَاتبَة الْكَافِر عَبده الْمُسلم على مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة خلافًا للشَّافِعِيّ كَاتب فلَان الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي مَمْلُوكه الَّذِي تشرف بدين الْإِسْلَام فلَان ابْن عبد الله(2/441)
الْبَالِغ الأرمني الْجِنْس بِأَن قَالَ كاتبتك على ألف دِرْهَم تؤديها إِلَيّ فِي نجمين أَو ثَلَاثَة أَو أَكثر على مَا يحصل عَلَيْهِ الِاتِّفَاق بَينهمَا من تَارِيخه سلخ كل شهر يمْضِي كَذَا
فَإِذا أدّيت إِلَيّ فَأَنت حر وَحط عَنهُ من مَال الْكِتَابَة النَّجْم الآخر حطا شَرْعِيًّا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك
ويؤرخ
صُورَة مُكَاتبَة أَهْلِيَّة على مبلغ حَال على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك خلافًا للشَّافِعِيّ وَأحمد كَاتب فلَان عَبده فلَانا الْفُلَانِيّ الْجِنْس الْمُسلم الدّين الْمُعْتَرف لَهُ بِالرّقِّ والعبودية بِأَن قَالَ لَهُ كاتبتك على كَذَا وَكَذَا درهما حَالَة أَو على حكم الْحُلُول مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة أحضر العَبْد الْمكَاتب الْمَذْكُور الْمبلغ الْمعِين أَعْلَاهُ وَدفعه إِلَى سَيّده الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا ثمَّ رد إِلَيْهِ مِنْهُ مبلغ كَذَا أَو الرّبع من مَال الْكِتَابَة امتثالا لأمر الله عز وَجل فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} اسْتِحْبَابا لَا وجوبا وَلَا مُقَدرا
قبل ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك
ويؤرخ ثمَّ يرفع إِلَى الْحَاكِم الَّذِي يرى صِحَة ذَلِك فيثبته
وَيحكم بِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَصُورَة الْكِتَابَة على مَنْفَعَة ودينار كَاتب فلَان عَبده فلَانا على أَن يَخْدمه خدمَة مثله مُدَّة سنة كَامِلَة من تَارِيخه وعَلى دِينَار يُؤَدِّيه إِلَيْهِ عِنْد انْقِضَاء السّنة مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة وعَلى الْمكَاتب أَن يحط عَن مكَاتبه شَيْئا من الدِّينَار أَو الرّبع من الدِّينَار امتثالا لأمر الله المطاع
وَقبل الْمكَاتب الْمَذْكُور ذَلِك مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة مُكَاتبَة الْأمة بِشَرْط وَطئهَا إِلَى حِين تُؤدِّي مَال الْكِتَابَة على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَحده كَاتب فلَان جَارِيَته فُلَانَة الْمسلمَة الْمَرْأَة الْكَامِل أَو الْبَالِغ الْعَاقِل المكتسبة الأمينة المعترفة بِالرّقِّ والعبودية لما يعلم فِيهَا من الْخَيْر والديانة وَلما تعلمه من الصَّنْعَة وَعمل الْخياطَة والمزركش وَغير ذَلِك على مبلغ كَذَا وَكَذَا على أَنَّهَا تقوم لَهُ بذلك فِي كَذَا وَكَذَا نجما مُتَسَاوِيَة سلخ كل شهر يمْضِي نجم وَاحِد
وَشرط فِي عقد الْكِتَابَة وَطئهَا إِلَى حِين تُؤدِّي نُجُوم الْكِتَابَة
فَإِذا أدتها إِلَيْهِ صَارَت حرَّة من حرائر المسلمات
وَعَلِيهِ أَن يُؤَدِّي إِلَيْهَا من مَال الْكِتَابَة الرّبع مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
قبلتها مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا
وأشهدا عَلَيْهِمَا بذلك
ويؤرخ ثمَّ يرفع إِلَى حَاكم حنبلي يُثبتهُ وَيحكم بِهِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ(2/442)
وَأما صور الدَّعَاوَى فِي الْكِتَابَة الْمَحْكُوم بِصِحَّتِهَا أَو بُطْلَانهَا
فَمِنْهَا صُورَة بطلَان كِتَابَة العَبْد الْمَرْهُون أَو الْمُسْتَأْجر حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه فلَان ابْن عبد الله وسيده فلَان وَادّعى عَلَيْهِمَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن فلَانا الْمَذْكُور كَاتب عَبده فلَانا الْمَذْكُور على كَذَا وَكَذَا منجما فِي كَذَا وَكَذَا نجما وَأدّى إِلَيْهِ النُّجُوم إِلَّا نجمين وَملك السَّيِّد مَا قَبضه من مَال الْكِتَابَة وَأَنه حَال الْكِتَابَة كَانَ مَرْهُونا عِنْده على دين شَرْعِي وأحضر من يَده كتاب إِقْرَار يتَضَمَّن إِقْرَار الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِالدّينِ وَالْعَبْد الْمكَاتب الْمَذْكُور مَرْهُون بِهِ
وَسَأَلَ سؤالهما عَن ذَلِك
فسئلا عَن ذَلِك فأجابا بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم بِصِحَّة الرَّهْن الْمعَاد وَبطلَان الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة وإبقاء الرَّهْن الْمَذْكُور عِنْده إِلَى حِين وَفَاء دينه
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بِصِحَّة الرَّهْن الْمعَاد وَبطلَان الْكِتَابَة فِي العَبْد الْمَذْكُور كَونه مَرْهُونا حَال الْكِتَابَة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ تكْتب الصُّورَة بِعَينهَا إِذا كَانَ العَبْد الْمكَاتب مؤجرا
وتقلب هَذِه الصُّورَة عِنْد من يرى أَن الرَّهْن الْمعَاد بَاطِل وَيكْتب وَأَن العَبْد وَالْمكَاتب سَأَلَا الْحَاكِم الحكم بِبُطْلَان الرَّهْن الْمعَاد وبصحة الْكِتَابَة
فَيحكم بذلك مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَيكْتب صُورَة بطلَان الْكِتَابَة عِنْد القَاضِي الْحَنَفِيّ
وَصُورَة صِحَّتهَا عِنْد القَاضِي وَالشَّافِعِيّ
صُورَة بطلَان الْكِتَابَة الْحَالة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي أَو الْحَنْبَلِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وأحضر مَعَه عَبده فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ أَنه كَاتبه على مبلغ كَذَا على حكم الْحُلُول
وَأَنه عَن لَهُ بعد ذَلِك إبقاءه على ملكه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ سَيّده الْمَذْكُور
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِبُطْلَان الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم بِبُطْلَان الْكِتَابَة الْحَالة وإبقائه فِي الرّقّ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة كِتَابَة الرجل حِصَّته من العَبْد الَّذِي بَاقِيه حر كَاتب فلَان عَبده فلَان ابْن عبد الله على مَا يملكهُ مِنْهُ وَهُوَ النّصْف أَو أَكثر أَو أقل الَّذِي بَاقِيه حر على مبلغ كَذَا
يقوم لَهُ بذلك فِي كَذَا وَكَذَا نجما مُتَسَاوِيَة سلخ كل شهر يمْضِي نجم وَاحِد
وَعَلِيهِ أَن(2/443)
يحط عَنهُ من مَال الْكِتَابَة كَذَا عِنْد الْأَدَاء
وَذَلِكَ بعد أَن أعتق فلَان ابْن فلَان حِصَّته مِنْهُ
وَهِي كَذَا بتاريخ مُتَقَدم على تَارِيخه وَلم يكن لَهُ غير تِلْكَ الْحصَّة وَادّعى الْمكَاتب الْمَذْكُور عَلَيْهِ بِالسّرَايَةِ وَقِيمَة نصِيبه الَّذِي كَاتب عَلَيْهِ مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ
وَثَبت إعسار الْمُعْتق الْمَذْكُور
واستقرت حِصَّة الْمكَاتب الْمَذْكُور فِي ملكه بِحكم إعسار الْمُعْتق الْمَذْكُور بتصادقهم على ذَلِك كُله
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة مُكَاتبَة رجل عَن عبد لآخر
فَإِذا أدّى عَنهُ عتق على مَذْهَب أبي حنيفَة كَاتب فلَان فلَانا على عَبده فلَان بِأَن قَالَ لمولى العَبْد الْمَذْكُور كَاتب عَبدك فلَانا على ألف على أَنِّي إِن أدّيت إِلَيْك ألفا فَهُوَ حر فكاتبه على ذَلِك مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة يقوم لَهُ بِمَال الْكِتَابَة حَالا وَقبل العَبْد الْمَذْكُور ذَلِك قبولا شَرْعِيًّا
وَصَارَ بذلك مكَاتبا تجرى عَلَيْهِ أَحْكَام الْكِتَابَة
فَإِن كَانَ مَال الْكِتَابَة منجما فيذكره وَأَن يدْفع إِلَيْهِ من مَال الْكِتَابَة شَيْئا اسْتِحْبَابا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن كَانَ العَبْد غَائِبا يَقُول كَاتب فلَان فلَانا على عَبده فلَان الْغَائِب بِأَن قَالَ الْمَذْكُور لمولى العَبْد كَاتب عَبدك فلَانا على ألف دِرْهَم على أَنِّي إِن أدّيت إِلَيْك ألفا فِي كَذَا وَكَذَا نجما أَو على حكم الْحُلُول فَهُوَ حر
فكاتبه على ذَلِك مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة
فَإِذا حضر العَبْد وَقبل وَأَجَازَ ذَلِك صَحَّ وَلزِمَ
فَإِن أدّى ذَلِك الرجل الْمكَاتب الْألف لم يرجع على العَبْد الْمكَاتب بِشَيْء لِأَنَّهُ مُتَبَرّع بِالْأَدَاءِ
صُورَة مُكَاتبَة العَبْد سَيّده عَن نَفسه وَعَن عبد آخر لمَوْلَاهُ غَائِب كَاتب فلَان ابْن عبد الله سَيّده فلَانا عَن نَفسه وَعَن فلَان بِأَن قَالَ لسَيِّده كاتبني على ألف دِرْهَم على نَفسِي وعَلى عَبدك فلَان الْغَائِب على أَن يقوم أَحَدنَا لَك بِالْألف فِي كَذَا وَكَذَا نجما مُتَسَاوِيَة من تَارِيخه سلخ كل شهر يمْضِي نجم
فَقَالَ السَّيِّد كاتبتك
وأيكما أدّى إِلَيّ مَال الْكِتَابَة أَو كلاكما فأنتما حران مُكَاتبَة صَحِيحَة شَرْعِيَّة جَائِزَة اسْتِحْبَابا
ويكمل
وَللسَّيِّد أَن يَأْخُذ كل مَال الْكِتَابَة من العَبْد الْحَاضِر الَّذِي كَاتبه
وَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ من مَال الْغَائِب شَيْئا
فَإِن أدّى العَبْد الْمكَاتب كل المَال عتقا جَمِيعًا
وَلَيْسَ لَهُ أَن يرجع على الْغَائِب بِشَيْء
صُورَة مُكَاتبَة جَارِيَة لَهَا أَوْلَاد أرقاء للسَّيِّد وَإِذا أفرد الْمكَاتب الْجَارِيَة فِي الْكِتَابَة
دخل الْأَوْلَاد فِي الْكِتَابَة وَإِن لم يذكرهم الْمكَاتب ويعتقون بأَدَاء أمّهم مَال الْكِتَابَة
كَاتب فلَان جَارِيَته فُلَانَة الْمَرْأَة الْكَامِل الْمسلمَة المعترفة للْمكَاتب الْمَذْكُور بِالرّقِّ(2/444)
والعبودية على مبلغ كَذَا تقوم لَهُ بذلك فِي كَذَا وَكَذَا نجما
دخل أَوْلَادهَا فلَان وَفُلَان فِي الْكِتَابَة
وَإِذا أدَّت مَال الْكِتَابَة عتقوا بِعتْقِهَا
وَلَيْسَ عَلَيْهِم من مَال الْكِتَابَة شَيْء
وَإِن حصلت الْكِتَابَة بعد أَدَاء مَال الْكِتَابَة عتقوا بِعتْقِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِم من مَال الْكِتَابَة شَيْء وَإِن حصلت الْكِتَابَة بعد أَدَاء مَال الْكِتَابَة ثمَّ بعد أَدَاء مَال الْكِتَابَة قصد السَّيِّد إبْقَاء أَوْلَادهَا فِي الرّقّ فَترفع إِلَى القَاضِي الْحَنَفِيّ
فَيحكم بِدُخُول الْأَوْلَاد فِي الْكِتَابَة وَيحكم بعتقهم مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
صُورَة بيع مَال الْكِتَابَة بِعرْض من القماش على مَذْهَب مَالك وَإِن كَانَ مَال الْكِتَابَة قماشا فبذهب أَو فضَّة أَو غَيرهمَا من الْأَشْيَاء الثمينة بَاعَ فلَان من فلَان مَال الْكِتَابَة الَّتِي كَاتب بهَا عَبده فلَان من قبل تَارِيخه
وقدرها كَذَا وَكَذَا مقسطة عَلَيْهِ من تَارِيخ الْكِتَابَة
كل شهر يمْضِي كَذَا
وابتاع ذَلِك مِنْهُ ابتياعا شَرْعِيًّا بِثمن هُوَ جَمِيع القماش الَّذِي صفته كَذَا وَكَذَا أَو العَبْد الْفُلَانِيّ أَو كَذَا وَكَذَا مكوكا حِنْطَة أَو شَعِيرًا أَو غَيرهمَا
وَوَجَب للْمُشْتَرِي الْمَذْكُور اسْتِيفَاء مَال الْكِتَابَة من العَبْد الْمكَاتب الْمَذْكُور وجوبا شَرْعِيًّا
وَقَامَ المُشْتَرِي الْمَذْكُور مقَام السَّيِّد الأول
وأجرى الْمكَاتب على حكمه من غير أَن يكون هَذَا البيع فاسخا للكتابة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَيرْفَع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ
وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
صُورَة بيع أم ولد الْمكَاتب عِنْد ثُبُوت عَجزه عَن أَدَاء مَال الْكِتَابَة واستثناء الْوَلَد على مَذْهَب الإِمَام مَالك اشْترى فلَان من فلَان مكَاتب فلَان جَمِيع أم وَلَده لصلبه فُلَانَة الْفُلَانِيَّة الْجِنْس الْمسلمَة الدّين المدعوة يَوْمئِذٍ فَاطِمَة أَو عَائِشَة الَّتِي اسْتَوْلدهَا حَال الرّقّ وَقبل الْكِتَابَة شراءا شَرْعِيًّا بِثمن مبلغه كَذَا
دفع المُشْتَرِي إِلَى البَائِع الثّمن الْمَذْكُور
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَسلم إِلَيْهِ الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة
فتسلمها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا بعد الرُّؤْيَة وَالْمُعَاقَدَة الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ بعد أَن ثَبت لمجلس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمَالِكِي أَن البَائِع الْمَذْكُور غير مستظهر على الْكسْب وَأَنه فَقير عَاجز عَن أَدَاء نُجُوم الْكِتَابَة الثُّبُوت الشَّرْعِيّ ثمَّ يرفع إِلَى حَاكم مالكي يُثبتهُ
وَيحكم بِمُوجبِه مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وكل صُورَة خلافية إِن قصد تصحيحها وإمضاؤها رفعت إِلَى حَاكم يرى صِحَّتهَا
فيثبتها وَيحكم بِالصِّحَّةِ
وَإِن كَانَ الْقَصْد بُطْلَانهَا فَترفع إِلَى حَاكم يرى الْبطلَان
فيتصل بِهِ وَيحكم بِالْبُطْلَانِ مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
كل ذَلِك مَعَ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ الْمُحْتَاج إِلَيْهَا فِي كلا الْحكمَيْنِ بِحَيْثُ لَا يتَطَرَّق إِلَى(2/445)
الحكم خلل وَلَا إِلَى الْحَاكِم
فَإِن مدَار ذَلِك على الْكَاتِب
صُورَة مَا إِذا وفى العَبْد مَال الْكِتَابَة
وَهِي تكْتب على ظهر الْمَكْتُوب أقرّ فلَان الْمكَاتب الْمَذْكُور بَاطِنه أَنه قبض وتسلم من مكَاتبه فلَان ابْن عبد الله الْمَذْكُور مَعَه بَاطِنه جَمِيع الْمبلغ الَّذِي كَاتبه عَلَيْهِ الْمعِين بَاطِنه
وَقدره كَذَا وَكَذَا على حكم التنحيم الْمعِين بَاطِنه قبضا شَرْعِيًّا
وَذَلِكَ بعد مَا أسقط عَنهُ من أصل مبلغ الْكِتَابَة قسط الشَّهْر الآخر وَهُوَ كَذَا وَكَذَا إِسْقَاطًا شَرْعِيًّا
فبحكم ذَلِك صَار فلَان الْمكَاتب الْمَذْكُور حرا من أَحْرَار الْمُسلمين
لَهُ مَا لَهُم وَعَلِيهِ مَا عَلَيْهِم
لَيْسَ لأحد عَلَيْهِ وَلَا إِلَّا الْوَلَاء الشَّرْعِيّ
فَإِنَّهُ لسَيِّده الْمَذْكُور وَلمن يسْتَحقّهُ من بعده شرعا
وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
صُورَة مَا إِذا عجز الْمكَاتب عَن أَدَاء مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ
وَهِي تكْتب على ظهر الْمَكْتُوب حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان الْمكَاتب الْمَذْكُور بَاطِنه وَأشْهد على نَفسه أَنه لما كَاتب عَبده فلَانا الْمَذْكُور بَاطِنه الْمُكَاتبَة المشروحة بَاطِنه إِلَى الْمدَّة الْمعينَة بَاطِنه
انْقَضتْ الْمدَّة
وزادت مُدَّة ثَانِيَة
وَاسْتحق عَلَيْهِ كَذَا كَذَا درهما عَن قسط كَذَا وَكَذَا شهرا
وَلم يقم لَهُ بهَا
واعترف العَبْد الْمَذْكُور أَنه عَاجز عَن الْقيام بِمَا فضل عَلَيْهِ
وَأَنه سَأَلَهُ بعد الِاسْتِحْقَاق الصَّبْر عَلَيْهِ إِلَى يَوْم تَارِيخه ليسعى فِي تَحْصِيل مَا بَقِي عَلَيْهِ
فَصَبر وأمهله إِلَى الْآن
فَلم يقدر على تَحْصِيل مَا بَقِي عَلَيْهِ
وَعجز عَن ذَلِك
فبحكم مَا بَقِي عَلَيْهِ فسخ السَّيِّد الْكِتَابَة فسخا شَرْعِيًّا لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَصدقه الْمكَاتب الْمَذْكُور على ذَلِك كُله تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَإِن ترافعا إِلَى حَاكم شَرْعِي بِسَبَب ذَلِك
كتب حضورهما إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز وَدَعوى السَّيِّد على مَمْلُوكه أَنه كَاتبه على كَذَا كَذَا
أسقط عَنهُ كَذَا وَكَذَا وَبَقِي عَلَيْهِ كَذَا
فَمَتَى وفاه كَانَ حرا وَمَتى عجز عَن وفائه وَلَو عَن دِرْهَم وَاحِد كَانَ قِنَا بَاقِيا على الْعُبُودِيَّة وَأَن الْمدَّة انْقَضتْ وَاسْتحق عَلَيْهِ الْمبلغ الْمَذْكُور وَلم يقم لَهُ بِهِ وَأَنه صَبر عَلَيْهِ مُدَّة ثَانِيَة آخرهَا يَوْم تَارِيخه وَلم يقم لَهُ بِشَيْء من ذَلِك
وَسَأَلَ الْحَاكِم العَبْد عَن ذَلِك
فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَى سَيّده واعترف أَنه عَاجز عَن الْوَفَاء وَأَنه لم يقدر(2/446)
على تَحْصِيل مَا يحمل عَلَيْهِ
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِم الْمَذْكُور الحكم بِمَا أوجبه الشَّرْع الشريف
وَالْإِذْن لَهُ فِي فسخ الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة
فَأذن لَهُ فِي ذَلِك
فَعِنْدَ ذَلِك
أشهد عَلَيْهِ أَنه فسخ الْكِتَابَة الْمَذْكُورَة فسخا شَرْعِيًّا وأبطل حكمهَا
لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمكَاتب قن مَا بَقِي عَلَيْهِ دِرْهَم وَثَبت إشهاده بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ ثبوتا شَرْعِيًّا وَحكم بِهِ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل
وَإِن كَانَ ذَلِك عِنْد الشُّهُود كتب حضورهما وإقرارهما بذلك وتصادقهما على أَنَّهُمَا ترافعا إِلَى الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وتداعيا بَين يَدَيْهِ ويحكي مَا تقدم ذكره مُسْتَندا إِلَى إقرارهما وتصادقهما ويؤرخ
انْتهى
وَالله أعلم(2/447)
كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد
وَمَا يتَعَلَّق بِهن من الْأَحْكَام
إِذا علقت الْأمة من سَيِّدهَا بَحر فِي ملكه ثَبت لَهَا حكم الِاسْتِيلَاد
بِدَلِيل مَا روى عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا أمة ولدت من سَيِّدهَا
فَهِيَ حرَّة عَن دبر مِنْهُ وروى عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي أم الْوَلَد لَا تبَاع وَلَا توهب وَلَا تورث
ليستمتع بهَا مُدَّة حَيَاته
فَإِذا مَاتَ عتقت وَرُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي مَارِيَة حِين ولدت أعْتقهَا وَلَدهَا
وَحَاصِله أَنه إِذا استولد جَارِيَته فَأَتَت مِنْهُ بِولد حَيّ أَو ميت عتقت بِمَوْتِهِ وَإِن ألقته مُضْغَة
فَحَيْثُ يحكم بِوُجُوب الْغرَّة يثبت فِي مثله الِاسْتِيلَاد وَحَيْثُ لَا يثبت لَا يحكم
وَإِذا استولد جَارِيَة بِالنِّكَاحِ يكون الْوَلَد رَقِيقا وَلَا تصير أم ولد
وَلَو ملكهَا
وَلَو ملك زَوجته الْأمة وَهِي حَامِل مِنْهُ يعْتق الْوَلَد عَلَيْهِ بِالْملكِ
وَلَا تصير هِيَ مُسْتَوْلدَة لَهُ
وَلَو استولد جَارِيَة على ظن أَنَّهَا زَوجته الْحرَّة أَو جَارِيَته فَالْوَلَد حر
وَفِي مصيرها مُسْتَوْلدَة إِذا ملكهَا قَولَانِ
أقربهما الْمَنْع
وَلَا يجوز بيع الْمُسْتَوْلدَة وَلَا هبتها وَلَا رَهنهَا
وَيجوز للسَّيِّد وَطْؤُهَا واستخدامها وإجارتها
وَكَذَا تَزْوِيجهَا بِغَيْر إِذْنهَا على الْأَصَح
وَله قيمتهَا إِذا قتلت وَأرش الْجِنَايَة(2/448)
عَلَيْهَا
وَإِذا ولدت من زوج أَو زنا
فَالْوَلَد للسَّيِّد وَحكمه حكم الْمُسْتَوْلدَة
يعْتق بِمَوْت السَّيِّد
وَلَو كَاتب الْمُسْتَوْلدَة قبل موت السَّيِّد لم يعْتق الْوَلَد حَتَّى يَمُوت السَّيِّد
وَالَّذين ولدتهم من زوج أَو زنا قبل الِاسْتِيلَاد للسَّيِّد بيعهم وَلَا يعتقون بِمَوْتِهِ
وَإِذا عتقت بِمَوْت السَّيِّد فَمن رَأس المَال تعْتق
الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن أُمَّهَات الْأَوْلَاد لَا تبَاع
وَهَذَا مَذْهَب السّلف وَالْخلف من فُقَهَاء الْأَمْصَار
إِلَّا مَا يحْكى عَن بعض الصَّحَابَة
وَقَالَ دَاوُد يجوز بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد
فَلَو تزوج أمة غَيره وأولدها ثمَّ ملكهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة تصير أم ولد
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا تصير أم ولد
وَيجوز لَهُ بيعهَا وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ
وَلَو ابْتَاعَ أمة وَهِي حَامِل مِنْهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة تصير أم ولد لَهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا تصير أم ولد
وَقَالَ مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ تصير أم ولد
وَقَالَ فِي الْأُخْرَى لَا تصير أم ولد
وَلَو استولد جَارِيَة ابْنه
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تصير أم ولد
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا تصير
وَالثَّانِي تصير
ثمَّ مَا الَّذِي يلْزم الْوَالِد فِي ذَلِك لِابْنِهِ قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يضمن قيمتهَا خَاصَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي يضمن قيمتهَا ومهرها
وَفِي ضَمَانه قيمَة الْوَلَد قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يلْزمه قيمَة الْوَلَد
وَقَالَ أَحْمد لَا يلْزم قيمتهَا وَلَا قيمَة وَلَدهَا وَلَا مهرهَا
وَعَن زفر يلْزمه مهرهَا
وَصحح النَّوَوِيّ أَنه لَا يلْزمه قيمَة الْوَلَد
وَحكى فِي الْمِنْهَاج وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يلْزمه
وَهل للسَّيِّد إِجَارَة أم وَلَده أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَهُ ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ ذَلِك انْتهى
فَائِدَة نقلت من خطّ صدر الدّين ابْن الخابوري ذكر أَنه بحث بحلب أَن أم الْوَلَد لَا يَصح بيعهَا إِلَّا من نَفسهَا
قَالَ نعم
نَقله فِي الرَّوْضَة فِي بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد عَن فَتَاوَى الْقفال
فأوردت عَلَيْهِ إيرادا وَهُوَ أَنكُمْ سمحتم بِبَيْعِهَا من نَفسهَا لتعجيل الْعتْق(2/449)
فَهَلا قُلْتُمْ أَيْضا بِصِحَّة بيعهَا مِمَّن تعْتق عَلَيْهِ
كالوالد وَالْولد فَقَالَ فِي رد ذَلِك أورد شخص هَذَا الْإِيرَاد بحماة
فأجبته أَن شراءها من نَفسهَا هُوَ من بَاب الْفِدَاء لَا يتَصَوَّر فِيهِ ملك أصلا وَلَا تملك نَفسهَا فِي وَقت مَا بِخِلَاف مَا إِذا اشْتَرَاهَا من تعْتق عَلَيْهِ
فَإِنَّهَا تدخل فِي ملكه ثمَّ تعْتق عَلَيْهِ
وَأم الْوَلَد لَا تدخل فِي الْملك
وَهَذَا الْفرق
فنقضت عَلَيْهِ بِمَا إِذا اعْترف بحريّة عبد ثمَّ اشْتَرَاهُ
فَهَل يكون هَذَا شِرَاء أَو افتداء فِيهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة
فعلى قَوْلنَا فدَاء
فَلَو اعْترف بحريّة أم الْوَلَد ثمَّ اشْتَرَاهَا يَنْبَغِي أَن يَصح الشِّرَاء على قَوْلنَا إِنَّه افتداء
فَسكت عَن الْجَواب
مَسْأَلَة أمة حملت بمملوك
وَصَارَت أم ولد تعْتق بِمَوْت السَّيِّد وَهُوَ الْمكَاتب إِذا وطىء أمته
فَولدت مِنْهُ فَالْوَلَد رَقِيق
فَإِن أدّى المَال عتق وَعتق الْوَلَد
وَصَارَت الْأمة أم ولد
المصطلح وَهُوَ يشْتَمل على صور حكمِيَّة
مِنْهَا صُورَة بِدَعْوَى الْمُسْتَوْلدَة على سَيِّدهَا بالاستيلاد حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فُلَانَة مُسْتَوْلدَة فلَان وأحضرت مَعهَا سَيِّدهَا الْمَذْكُور
وَادعت عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
أَنه ابتاعها الابتياع الصَّحِيح الشَّرْعِيّ
واستفرشها وأحبلها وَأَتَتْ مِنْهُ بِولد كَامِل الْخلق مَيتا
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
وَحرم عَلَيْهِ بيعهَا
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالإنكار لاستيلادها معترفا بباقي دَعْوَاهَا
فَذكرت المدعية الْمَذْكُورَة أَن لَهَا بَيِّنَة أَرْبعا من القوابل يشهدن لَهَا بِمَا ادَّعَتْهُ
وَسَأَلت الْإِذْن فِي إحضارهن فَأذن لَهَا
فأحضرت أَربع نسْوَة من القوابل الثِّقَات الأمينات
وَهن فُلَانَة وفلانة وفلانة وفلانة
فشهدن شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى مسموعة شرعا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ أَن المدعية الْمَذْكُورَة أَتَت بِولد كَامِل الْخلق على فرَاش الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَأَنه لما سقط إِلَى الأَرْض سقط مَيتا
عرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ القوابل الْمَذْكُورَات وَسمع شَهَادَتهنَّ
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا وَلما ثَبت ذَلِك عِنْده بطريقه الشَّرْعِيّ سَأَلته المدعية الْمَذْكُورَة الحكم لَهَا بِأَنَّهَا صَارَت أم ولد الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وبتحريم بيعهَا وَالْقِيَام بنفقتها وكسوتها وإسكانها فِي مسكن شَرْعِي يَلِيق بهَا
فأجابها إِلَى سؤالها
وَحكم لَهَا بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَيكْتب القَاضِي التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ
صُورَة استرقاق ولد رجل تزوج جَارِيَة لآخر وأولدها بِالنِّكَاحِ ثمَّ ابتاعها حضر(2/450)
إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي الْفُلَانِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج رقيقته فُلَانَة التَّزْوِيج الصَّحِيح الشَّرْعِيّ
وَدخل بهَا وأصابها
وأولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يَدعِي فلَان العشاري الْعُمر مثلا وَأَن الْوَلَد الْمَذْكُور مَمْلُوك لَهُ يسْتَحق بَيْعه واستخدامه وإجارته
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ
وَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إِعْتَاق وَلَده الْمَذْكُور
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم ذَلِك
فَأبى إِلَّا أَن يبتاعه أَبوهُ الْمَذْكُور مَعَ أمه
فأذعن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور إِلَى الابتياع
فَبَاعَهُ وَلَده وَزَوجته الْمَذْكُورين
فابتاعهما مِنْهُ بمبلغ جملَته كَذَا
وَدفع إِلَى الثّمن عَنْهُمَا فِي الْمجْلس
فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا وتسلم الْوَلَد وَالزَّوْجَة الْمَذْكُورين تسلما شَرْعِيًّا وَعتق الْوَلَد عَلَيْهِ
واستمرت الزَّوْجَة فِي رقّه
وانفسخ نِكَاحهَا
يَطَؤُهَا بأقوى السببين وَهُوَ ملك الْيَمين لَا بِالنِّكَاحِ
وَله بيعهَا مَتى شَاءَ وَلم تصر بذلك أم ولد لَهُ أَلْبَتَّة
وَوَقع الْإِشْهَاد بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة مَا إِذا أسلمت أم ولد الذِّمِّيّ واستسعت فِي الثّمن لَهُ على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنَفِيّ فلَان الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي وأحضر مَعَه جَارِيَته فُلَانَة بنت عبد الله وَادّعى عَلَيْهَا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنَّهَا أم وَلَده أولدها على فرَاشه وَأَنَّهَا تشرفت بدين الْإِسْلَام
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سؤالها عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا
فأجابت بالاعتراف
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل بمذهبه ومعتقده وَالْحكم عَلَيْهَا بالسعاية فِي قيمتهَا وَالْأَدَاء إِلَى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وعتقها عِنْد الْأَدَاء
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم عَلَيْهَا بالسعاية فِي قيمتهَا
فَإِذا أدَّت عتقت حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة عتق أم الْوَلَد على الذِّمِّيّ إِذا أسلمت على الرِّوَايَة الأولى من مَذْهَب الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى حضرت إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمَالِكِي فُلَانَة
وأحضرت مَعهَا فلَانا الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي وَادعت عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ابتاعها وَجعلهَا فراشا
واستولدها ولدا ذكرا يَدعِي فلَان السباعي أَو الخماسي الْعُمر مثلا وَأَنَّهَا تشرفت بدين الْإِسْلَام
وعتقت على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بِمُقْتَضى إسْلَامهَا
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَتْهُ وَذكر أَنه يسْتَحق بيعهَا وَقبض ثمنهَا
وَسَأَلَ الْحَاكِم الحكم لَهُ بذلك
وَسَأَلته هِيَ الحكم(2/451)
لَهَا بِالْعِتْقِ
فَنظر الْحَاكِم فِي مذْهبه ومعتقده
فَرَأى أَن لمقلده الإِمَام مَالك بن أنس الأصبحي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ
إِحْدَاهمَا الْعتْق
وَالْأُخْرَى البيع
فَنظر فِي الرِّوَايَتَيْنِ وتدبرهما وأمعن النّظر فيهمَا
فَرَأى الْعَمَل بالرواية الأولى
فاستخار الله كثيرا واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب المدعية الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ إِلَى سؤالها
وَحكم بِعتْقِهَا وإطلاقها من الرّقّ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
وَمنعه من التَّعَرُّض إِلَيْهَا بِمُوجب رق أَو عبودية
منعا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة إِسْلَام أم ولد الذِّمِّيّ ويحال بَينه وَبَينهَا من غير بيع وَلَا عتق وَلَا سِعَايَة
وتجرى لَهَا النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَلَا تعْتق إِلَّا بِمَوْتِهِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي
فُلَانَة الَّتِي كَانَت نَصْرَانِيَّة أَو يَهُودِيَّة
وتشرفت بدين الْإِسْلَام
وأحضرت مَعهَا فلَانا الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي
وَادعت عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ابتاعها
وَجعلهَا فراشا لَهُ وأحبلها وأولدها على فرَاشه ولدا ذكرا يَدعِي فلَان الثلاثي الْعُمر مثلا
وَأَنَّهَا تشرفت بدين الْإِسْلَام
وَهُوَ بَاقٍ على الْكفْر إِلَى الْآن
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك
فَأجَاب بالاعتراف
فَسَأَلت المدعية الْمَذْكُورَة من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بمذهبه وَأَن يُحَال بَينه وَبَينهَا إِلَى حِين مَوته
فتعتق حِينَئِذٍ وإلزامه بنفقتها وكسوتها بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ
فأجابها إِلَى سؤالها لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
صُورَة تَزْوِيج الرجل أمة غَيره واستيلادها بِالنِّكَاحِ ثمَّ ملكهَا
فَصَارَت أم ولد لَهُ تعْتق بِمَوْتِهِ وَلَا يجوز لَهُ بيعهَا عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنَفِيّ فُلَانَة وأحضرت مَعهَا فلَانا وَادعت عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا حَال كَونهَا رقيقَة لفُلَان
وَدخل بهَا وأصابها وأولدها ولدا يَدعِي فلَان
ثمَّ إِنَّه ابتاعها من سَيِّدهَا الْمَذْكُور وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى ذَلِك صَارَت أم ولد لَهُ وَأَنه قصد بيعهَا
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب أَنه تزَوجهَا وأولدها بِعقد النِّكَاح ثمَّ ابتاعها بعد ذَلِك من سَيِّدهَا وَأَنَّهَا لم تصر أم ولد لَهُ بذلك وَأَنه يجوز لَهُ بيعهَا حَسْبَمَا أفتاه عُلَمَاء الْمُسلمين بذلك
فَعرفهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة أَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
فَحِينَئِذٍ سَأَلت المدعية الْمَذْكُورَة من(2/452)
الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل مَعهَا بِمُقْتَضى مذْهبه ومعتقده وَالْحكم لَهَا بِأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
وَمنعه من بيعهَا وإلزامه لَهَا بِمَا يلْزم مثله لأمهات الْأَوْلَاد
فاستخار الله تَعَالَى وأجابها إِلَى سؤالها لجوازه عِنْده شرعا وَحكم لَهَا بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة تَزْوِيج رجل أمة غَيره
واستيلادها بِالنِّكَاحِ ثمَّ ملكهَا فَلَا تصير أم ولد لَهُ وَلَا تعْتق بِمَوْتِهِ
وَله بيعهَا مَتى شَاءَ عِنْد الثَّلَاثَة خلافًا لأبي حنيفَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي أَو الْمَالِكِي أَو الْحَنْبَلِيّ فُلَانَة بنت عبد الله وأحضرت مَعهَا سَيِّدهَا فلَان
وَادعت عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه تزوج بهَا تزويجا صَحِيحا شَرْعِيًّا حَالَة كَونهَا فِي رق فلَان وَأَنه أولدها على فرَاشه بِعقد النِّكَاح ولدا يدعى فلَان الثلاثي الْعُمر يَوْمئِذٍ
وَأَنه ابتاعها بعد ذَلِك من فلَان الْمَذْكُور
وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى ذَلِك صَارَت أم ولد لَهُ
وَحرم عَلَيْهِ بيعهَا
وَسَأَلت سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَتْهُ وَلكنهَا لم تصر أم ولد لَهُ وَأَنَّهَا الْآن جَارِيَة فِي رقّه يملك بيعهَا وهبتها وَسَائِر التَّصَرُّفَات الشَّرْعِيَّة فِيهَا
وَسَأَلَ الْعَمَل مَعَه بِمُقْتَضى مذْهبه
وَالْحكم بإبقائها فِي رقّه وَجَوَاز التَّصَرُّف فِيهَا بِالْبيعِ وَغَيره
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بذلك كُله حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
صُورَة استيلاد رجل جَارِيَة ابْنه
فَصَارَت أم ولد لَهُ وَيضمن قيمتهَا خَاصَّة لوَلَده على مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنَفِيّ أَو الْمَالِكِي فلَان ابْن فلَان وأحضر مَعَه وَالِده فلَان الْمَذْكُور
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه استولد جَارِيَته فُلَانَة
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فَسَأَلَهُ
فَأجَاب بالاعتراف وَصِحَّة الدَّعْوَى
فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الحكم لَهُ على وَالِده الْمَذْكُور بِقِيمَة الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة لَهُ بذلك
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
فاستخار الله وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم لَهُ بذلك
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ وإلزامه بأَدَاء الْقيمَة عَن الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَذَلِكَ بعد أَن حضر أَرْبَاب الْخِبْرَة بالرقيق وتقويمه
وَقومُوا الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة
فَكَانَت قيمتهَا كَذَا وَكَذَا
وشهدوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة استيلاد رجل جَارِيَة ابْنه وَيضمن قيمتهَا ومهرها عِنْد الشَّافِعِي وَيضمن قيمَة(2/453)
الْوَلَد فِي أحد قوليه
وَتصير أم ولد فِي القَوْل الثَّانِي حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الشَّافِعِي الْفُلَانِيّ فلَان ابْن فلَان وأحضر مَعَه وَالِده الْمَذْكُور وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه استولد جَارِيَته فُلَانَة ولدا يدعى فلَان الخماسي الْعُمر مثلا
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ وَأَنه يلْزمه لَهُ قيمَة الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة وَمهر مثلهَا وَقِيمَة الْوَلَد الْمَذْكُور
وطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ من الِاسْتِيلَاد
وَسَأَلَ الحكم لَهُ بِمَا يلْزمه شرعا على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بذلك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ بعد ثُبُوت الْقيمَة الشَّرْعِيَّة عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ويكمل
صُورَة استيلاد رجل جَارِيَة ابْنه
فَصَارَت أم ولد لَهُ وَلَا يلْزمه قيمتهَا وَلَا مهرهَا وَلَا قيمَة وَلَدهَا على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنْبَلِيّ فلَان ابْن فلَان وأحضر مَعَه وَالِده فلَانا الْمَذْكُور
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه استولد جَارِيَته فُلَانَة ولدا يدعى فلَان
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ
وَأَنه يلْزمه لَهُ قيمتهَا ومهرها وَقِيمَة وَلَدهَا
وطالبه بذلك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب بالتصديق على مَا ادَّعَاهُ من الِاسْتِيلَاد
وَأَنَّهَا صَارَت أم ولد لَهُ وَلَكِن لَا يلْزمه لوَلَده شَيْء على مُقْتَضى مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِمُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا
وَحكم بِإِسْقَاط قيمَة الْجَارِيَة ومهرها وَقِيمَة الْوَلَد عَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وبعدم إِلْزَامه بِشَيْء من ذَلِك حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخر مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَقد سبق الْإِقْرَار بِقَبض الْقيمَة وَالْمهْر
وَقِيمَة الْوَلَد فِي هَذِه الصُّور الثَّلَاثَة من غير حكم فِي كتاب الْإِقْرَار
صُورَة قتل أم الْوَلَد إِذا قتلت سَيِّدهَا عمدا على مَذْهَب الإِمَام أبي حنيفَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْحَنَفِيّ فلَان ابْن فلَان
وأحضر مَعَه فُلَانَة ابْنة فلَان
وَادّعى عَلَيْهَا أَن وَالِده ابتاعها الابتياع الشَّرْعِيّ
واستفرشها وأولدها على فرَاشه ولدا
وَمَات الْوَلَد
وَصَارَت أم ولد لَهُ
وَأَنَّهَا قتلت وَالِده سَيِّدهَا الْمَذْكُور عمدا
وَسَأَلَ سؤالها عَن ذَلِك
فَسَأَلَهَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فأجابت بالاعتراف بذلك كُله أَو بالإنكار فَذكر الْمُدَّعِي أَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد على إِقْرَارهَا بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ فأحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى
مسموعة شرعا فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهَا الْمَذْكُورَة
بعد تشخيصها التشخيص(2/454)
الشَّرْعِيّ على إِقْرَارهَا بِجَمِيعِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
عرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الشُّهُود وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت عِنْده ذَلِك ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الحكم على الْمُدعى عَلَيْهَا بِالْقصاصِ
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم عَلَيْهَا بِالْقصاصِ أَو بِالْقَتْلِ حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل
هَذَا إِذا كَانَ الْقَتْل عمدا
وَإِن كَانَ الْقَتْل خطأ
فَلَا يجب عَلَيْهَا عِنْد الْحَنَفِيَّة قصاص وَلَا دِيَة
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد الْمَالِكِي
فَإِن كَانَ الْقَتْل عمدا
تخير الْوَارِث بَين قَتلهَا واستحيائها فِي الرّقّ وجلدها مائَة وحبسها عَاما
فَإِن اخْتَار الْوَارِث قَتلهَا سَأَلَ الْحَاكِم الحكم بِالْقَتْلِ
فَيحكم لَهُ بذلك وَإِن اخْتَار بالقسم الثَّانِي حكم بِهِ بعد ذكر تخييره بَين الْقَتْل والاستحياء فِي الرّقّ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد الشَّافِعِي
فَيُوجب عَلَيْهَا الدِّيَة لَا غير
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد الْحَنْبَلِيّ فصورة الحكم عِنْده أَن يحكم بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من قيمتهَا أَو الدِّيَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَالْأُخْرَى قيمَة نَفسهَا على مَا اخْتَارَهُ الْخرقِيّ
انْتهى
وَالله أعلم
تذييل اعْلَم أَن الْمُقَرّر عِنْد أهل الْحق والإنصاف أَن الْبدع المحدثة فِي هَذَا الزَّمَان فِي بَاب الْقَضَاء كَثِيرَة
وأكثرها مَخْصُوص ببلادنا
فَيَقَع فِيهَا مَا لَا يَقع فِي غَيرهَا من الممالك الإسلامية
وَلم يسمع بِمثل مَا رَأَيْنَاهُ وسمعناه فِي الْأُمُور الَّتِي عَمت بهَا الْبلوى وَهِي من أعظم الْأَدِلَّة على اقتراب السَّاعَة فَمِنْهَا تَوْلِيَة الْقَضَاء للجهال ببذل المَال
وَمِنْهَا تَوْلِيَة الْجُهَّال وَالْعُلَمَاء
غير الأتقياء مَعَ وجود الْعلمَاء الأتقياء الأخيار
وَمِنْهَا حكم القَاضِي بِخِلَاف مذْهبه لَا سِيمَا إِن كَانَ حنفيا والاستناد إِلَى الْأَقْوَال الضعيفة المرجوحة إِن كَانَ شافعيا لينال غَرضا فَاسِدا
وَمِنْهَا انْقِطَاع الْقُضَاة عَن الْحُضُور إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز فِي أَكثر الْأَوْقَات من غير عذر
ويكتفون بالنائب
وَمِنْهَا رضاهم بالنائب الَّذِي لَا يصلح أَن يكون رَسُولا فضلا عَن أَن يكون نَائِبا وَمن لَا يرتضيه السُّلْطَان الَّذِي ولاه الْقَضَاء
وَلَا عُلَمَاء الشَّرِيعَة مَعَ قدرتهم على استنابة(2/455)
نَائِب أصلح مِنْهُ
واكتفوا فِي الْغَالِب من النَّائِب بالهيئة وَلبس العمائم المدرجة والجندات المفرجة
وَمِنْهَا استبدال الْوَقْف من غير أَن يكون الْوَاقِف قد شَرط فِيهِ الِاسْتِبْدَال وَهُوَ مُخَالف لمَذْهَب الْإِمَامَيْنِ
ويفعلون ذَلِك بِنَاء على رِوَايَة أبي يُوسُف
تقربا إِلَى خواطر أَرْبَاب الشَّوْكَة من الْأُمَرَاء وَغَيرهم
وَمِنْهَا إِجَارَة القَاضِي الْوَقْف مُدَّة طَوِيلَة نَحْو خمسين سنة
وَأَقل وَأكْثر
وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تملك الْأَوْقَاف الْمُؤجرَة وضياعها وَإِزَالَة عينهَا
وفوات غَرَض واقفيها وإضاعة حُقُوق مستحقيها
وَلَقَد شاهدت فِي الديار المصرية وَفِي مَكَّة المشرفة من الْأَوْقَاف مَا انمحى رسمه واسْمه بِوَاسِطَة الْإِجَارَات إِلَى المدد الطَّوِيلَة وَرُبمَا رَأَيْت من الْقُضَاة من تعدى بالمدة إِلَى مائَة سنة
وَمِنْهَا تَفْرِقَة أَمْوَال الْوَصَايَا الَّتِي لَا وَصِيّ فِيهَا خَاص على غير الْمُسْتَحقّين وَفِي غير مصرفها الشَّرْعِيّ من غير مُرَاعَاة مَقْصُود الْمُوصي
وَمِنْهَا أَنهم لَا يمكنون الْوَصِيّ الْأمين الَّذِي عينه الْمُوصي ورضيه وَأطلق تصرفه فِي مَاله وأقامه مقَامه فِي صرف مَال الْوَصِيَّة على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه من الْفُقَرَاء بل يَكْتُبُونَ بهَا رِقَاعًا لمن يريدن من متعلقيهم وَغَيرهم
ويحيلون على الْوَصِيّ بذلك من يَأْخُذ مِنْهُ قهرا سَوَاء رَآهُ مصلحَة أَو لَا وَسَوَاء كَانَ الْمَكْتُوب لَهُ مُسْتَحقّا أَو لَا
وَمِنْهَا أَنهم يقترضون أَمْوَال الْأَيْتَام ويقرضونها لمن يُرِيدُونَ من غير رهن وَلَا كَفِيل فِي الْغَالِب ثِقَة بالمقترض
فيضيع أَكثر ذَلِك
وَرُبمَا أخروه عِنْد الْمُقْتَرض أَو المستدين مُدَّة طَوِيلَة
فَيُؤَدِّي ذَلِك إِلَى طمع المستدين فِيهِ لَا سِيمَا إِن كَانَ ذَا جاه وشوكة
وَرُبمَا مَاتَ المستدين مُفلسًا
فيضيع المَال على الْأَيْتَام
وَمِنْهَا أَن بعض الْقُضَاة الشَّافِعِي فِي الْغَالِب يخرج الزَّكَاة من مَال الْأَيْتَام فِي حَالَة كَونهَا غير وَاجِبَة فِي مَالهم
وَلَا يحملوهم على مَا فِيهِ مصلحتهم
بل يَأْخُذُونَ ذَلِك أَولا تَحت أَيْديهم
وَرُبمَا ادعوا صرفه إِلَى الْفُقَرَاء
هَذَا مَعَ كَون الْأَيْتَام غير مقلدين للشَّافِعِيّ
وَنِهَايَة التَّفْرِيط فِي أَمرهم قرضة لديوان الْأَيْتَام
وكل ذَلِك فِي أَعْنَاق مسلطيهم وإثمه عَلَيْهِم وهم المسؤولون عَنهُ والمؤاخذون بِهِ بَين يَدي أحكم الْحَاكِمين
وَمِنْهَا إِجَارَة السجون للسجانين بِمَال عَظِيم
يكَاد أَن يكون فَوق أُجْرَة مثله بِعشْرَة(2/456)
أَمْثَال فَيلْزم من ذَلِك تسليط السجانين على أَخذ جعل حرَام من صَاحب الْحق وَيلْزم مِنْهُ حُصُول الضَّرَر الْبَالِغ للْغَرِيم المسجون فِي نَفسه وَمَال
وأهم هَذِه الْأُمُور كلهَا عِنْدِي قَضِيَّة الْأَيْتَام والأوقاف
فَإِنَّهَا عَظِيمَة الْخطر كَثِيرَة الضَّرَر
نسْأَل الله تَعَالَى السَّلامَة والعافية والتوفيق لما يحب رَبنَا ويرضى وإياه نسْأَل اللطف فِي الْقَضَاء إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ
وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل(2/457)
خَاتِمَة أَرْجُو أَن تكون لنا وللمسلمين بِالْخَيرِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَهِي تشْتَمل على ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي الحلى الْفَصْل الثَّانِي فِي الكنى
الْفَصْل الثَّالِث فِي الألقاب
اعْلَم أَن مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي هَذِه الصِّنَاعَة الحلى إِذْ هِيَ الْبَاب الْموصل إِلَى يَقِين الشَّهَادَة
وَهِي أهم من الْفَصْلَيْنِ الآتيين
وَعَلَيْهَا تنبني أَحْكَام العرفة
وَهِي أحد أَرْكَانهَا الثَّلَاثَة
فَأول مَا يذكر فِي الْإِنْسَان سنه ثمَّ قده ثمَّ لَونه ثمَّ جَبينه ثمَّ حاجباه ثمَّ عَيناهُ ثمَّ خداه ثمَّ شفتاه
وَجَمِيع مَا فِي وَجهه من حَسَنَة أَو شامة أَو جرح أَو ثؤلول وَلَا يُقَال فِي حلية الذِّمِّيّ حَسَنَة بل يُقَال شامة
وَإِن كَانَت الْآثَار فِي عُضْو من أَعْضَائِهِ
بِحَيْثُ تكون الرُّؤْيَة مُمكنَة بِحَيْثُ لَا يحصل بذلك مشقة مَعَ مُوَافقَة الشَّرْع الشريف
فَلَا بَأْس بالاطلاع عَلَيْهَا وَذكرهَا
وَالْمرَاد من الْحِلْية أَن يذكر أشهر مَا فِي الْإِنْسَان مِمَّا لَا يَزُول بطول الزَّمَان فِي الْغَالِب
وَمَا كَانَ فِي الرَّقِيق مِمَّا يسوغ ذكره فِي الْحِلْية من عيب شَرْعِي وَغَيره
فيذكر وَيُصَرح الْكَاتِب باطلاع الْمُتَبَايعين عَلَيْهِ
وَيذكر فِي الأقطع
فَيَقُول مَقْطُوع الْيَد الْفُلَانِيَّة أَو الرجل الْفُلَانِيَّة
وَكَذَلِكَ الأخلع والأكتع والأعرج
فَإِذا كَانَ فِي الْيَد والساعد أَو غير ذَلِك شَيْئا مَنْقُوشًا
فَيكْتب وشما أَخْضَر صفته كَذَا وَكَذَا
وَإِذا كَانَ فِي وَجه الرَّقِيق شُرُوط أَو لعوط على عَادَة الحبوش كتب بِوَجْهِهِ لعوط بصدغيه وَبَين حاجبيه زِينَة الْبِلَاد
وَإِن كَانَ بِوَجْه الْجَارِيَة أَو بجسدها أَو بَطنهَا شُرُوط كتب وبجسدها فِي الْمَكَان الْفُلَانِيّ شُرُوط عدتهَا كَذَا زِينَة الْبِلَاد أَو كيات نَار عدتهَا كَذَا على صِحَة
ويجتهد ويحتاط فِي حَاجَة من لَا يعرف غَايَة الِاحْتِيَاط
فَإِن الشَّهَادَة أمرهَا خطر والخلاص مِنْهَا عسر خُصُوصا مَعَ الْغَرِيم الْمُنكر(2/458)
وَإِذا دعِي الشَّاهِد لأَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم وَكَانَ اعْتِمَاده على الْحِلْية
فَلَا يُسَارع إِلَى أَدَاء الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم حَتَّى يتَيَقَّن الشَّهَادَة ويذكرها
وَيصِح عِنْده المطابة فِي الْحِلْية بالمقابلة
فَإِن ذَلِك أخْلص للذمة
والحلية على أَنْوَاع الأول فِي السن فَيُقَال للمولود رَضِيع سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى
فَإِذا فطم
فَيُقَال فطيم
فَإِذا تعدى
قيل للذّكر ذَلِك طِفْل وللأنثى طفلة
فَإِذا زَاد على ذَلِك
قيل للذّكر غُلَام
وللأنثى صَغِيرَة
فَإِذا قَارب الْبلُوغ قيل للذّكر مراهق
فَإِذا بلغ يُقَال بَالغ
فَإِذا ظهر شَاربه
قيل قد طر شَاربه وسال عارضاه
فَإِذا اسْتَدَارَ شعر وَجهه خَفِيفا
قيل قد بقل وَجهه
فَإِذا اتَّصل الشّعْر بِوَجْهِهِ وذقنه وَلم يطلّ
قيل مُجْتَمع شعر الْوَجْه
فَإِذا طَال شعر عارضيه وَلم يتَّصل الشّعْر بذقنه
قيل مُنْقَطع شعر اللِّحْيَة والعارضين
فَإِذا استدارت لحيته وَلم يظْهر فِيهَا شيب
قيل شَاب مستدير اللِّحْيَة
فَإِذا بدا بهَا شيب خَفِيف
قيل فِيهِ نبذة يسيرَة من الشيب
فَإِذا تزايد الشيب
قيل قد وخطه الشيب
فَإِن غلب الشيب
قيل كهل
فَإِن زَاد الشيب إِلَى أَن يَسْتَوِي الْبيَاض والسواد
قيل أشمط
فَإِن نقا شعر لحيته بالبياض
قيل شيخ
وَالْأُنْثَى إِذا قاربت الْبلُوغ
قيل معصر
فَإِذا نفر صدرها
قيل كاعب
فَإِذا ظهر ثديها وَهُوَ قَائِم
قيل ناهد
وَقيل بَالغ
فَإِذا ظهر برأسها شيب وَقد بلغت سنّ الكهل
قيل كهلاء
فَإِذا زَاد بهَا الشيب قيل شَمْطَاء
وَقيل عانس
فَإِن نقا شعرهَا
قيل عَجُوز
وللأنثى أَوْصَاف لَا يسْتَغْنى عَن اسْتِعْمَالهَا مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ
وَهِي إِمَّا أَن تكون شَابة بَالغ وَهِي بكر
فَيَقُول الْبكر الْبَالِغ أَو امْرَأَة وسط فِي سنّ الكهولة فَيَقُول الْمَرْأَة الْكَامِل أَو امْرَأَة فِي سنّ العانس أَو مُتَقَدّمَة فِي السن
فَيَقُول الْمَرْأَة الْعَاقِل
الثَّانِي فِي ذكر الألوان إِذا كَانَ الرجل شَدِيد السوَاد
قيل حالك
فَإِن خالط سوَاده حمرَة
قيل دغمان
فَإِن صفا لَونه
قيل أسحم
فَإِن خالط السوَاد صفرَة
قيل أصحم
فَإِن كدر لَونه
قيل أَرْبَد
فَإِن صفا عَن ذَلِك
قيل أَبيض
فَإِن رقت الصُّفْرَة وَمَال إِلَى السوَاد
قيل آدَمِيّ اللَّوْن
فَإِن كَانَ دون الأربد وَفَوق الأدمة
قيل شَدِيد الأدمة فَإِن رق من الأدمة
قيل شَدِيد السمرَة
فَإِن صفا عَن ذَلِك
قيل أسمر اللَّوْن
فَإِن صفا عَن ذَلِك
قيل رَقِيق السمرَة
فَإِن صفا وَمَال إِلَى الْبيَاض والحمرة
قيل صافي السمرَة تعلوه حمرَة
وَيُقَال رَقِيق السمرَة بحمرة
فَإِن صفا لَونه جدا
قيل(2/459)
صافي السمرَة وَلَا يُقَال أَبيض
لِأَن الْبيَاض هُوَ البرص
فَإِن خلص بياضه
قيل أنصح
وَإِن كَانَ فِي بياضه شقرة
قيل أشقر
فَإِن زَاد على ذَلِك
قيل أشكل
فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك حمرَة زَائِدَة
قيل أشقر
فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك نمش قيل أنمش
فَإِن صفا لَونه وَمَال إِلَى الصُّفْرَة من غير عِلّة
قيل أسحب اللَّوْن
الثَّالِث فِي ذكر القدود إِذا كَانَ الرجل طَويلا إِلَى حد لَا يزِيد عَلَيْهِ طول
قيل عميق الْقَامَة
فَإِن كَانَ دون ذَلِك
قيل عبطيط
فَإِن كَانَ دون ذَلِك يَسِيرا
قيل شاط الْقَامَة
فَإِن نقص عَن ذَلِك يَسِيرا
قيل معتدل الْقَامَة إِلَى التَّمام
فَإِن نقص عَن ذَلِك
قيل معتدل الْقَامَة
فَإِن نقص عَن ذَلِك
قيل دون الِاعْتِدَال
فَإِن نقص عَن ذَلِك
قيل قصير الْقَامَة
فَإِن نقص عَن ذَلِك
قيل ربع الْقَامَة
فَإِن تفاحش قصره
قيل حسر الْقَامَة
فَإِن تزايد قصره إِلَى أَن يكون كقد الصَّبِي قيل دحداح
وَيُقَال فِي الشَّيْخ إِذا انحنى أَسْقُف الْقَامَة
وَمن الحذاق من اعْتبر القدود بِذِرَاع القماش واستأنس بتفصيل الرجل ملبوسه
وَجعل لغاية الطول على الْعرف المألوف فِي زَمَاننَا هَذَا ثَلَاثَة أَذْرع وَنصف
وقسط أَقسَام القدود على هَذَا الذرع
فمهما نقص أنزلهُ على الْمَرَاتِب إِلَى نِهَايَة الْقصر والاعتماد فِي ذرع التَّفْصِيل مَبْنِيّ على سُؤال الرجل
وَرُبمَا عرف ذَلِك من رُؤْيَته تَقْديرا
الرَّابِع فِي ذكر الْجَبْهَة إِذا عرضت الْجَبْهَة وتربعت
قيل رحب الْجَبْهَة
وَإِن اعتدل عظمها واتسع جدا
قيل أغر وَامْرَأَة غراء
فَإِن نتأ عظمها وَظهر
قيل أفرق
فَإِن اسْتَوَى عظمها
وسلمت من الانكماش
قيل وَاضح الْجَبْهَة
فَإِن كَانَ بهَا انكماش
قيل وَبهَا أسارير
فَإِن صغرت الْجَبْهَة وَضَاقَتْ قيل ضيق الْجَبْهَة وَإِن لم يكن لَهَا أسارير
قيل صلب الْجَبْهَة أَو بهَا غُضُون
وَإِن نزل شعر الرَّأْس عَن وسط الْجَبْهَة وخلى من الْجَانِبَيْنِ مِمَّا يَلِي الصدغين
قيل أنزع
فَإِن كَانَ شعرهَا عَلَيْهَا من جَمِيع جانبيها وَضَاقَتْ الْجَبْهَة
قيل أغم الْجَبْهَة
الْخَامِس فِي ذكر الحواجب إِذا اتَّصل مقدم الْحَاجِب بِمقدم الآخر
قيل مقرون الحاجبين
فَإِن اتصلا اتِّصَالًا من غير فصل مخطوط
قيل أَبْلَج
فَإِن طَال شعر الحاجبين ودقا
قيل أَزجّ
وَالْمَرْأَة زجاء
فَإِن زَاد طولهما
قيل مهلل شعر الحاجبين
فَإِن غزر شعرهما
قيل أَوْطَفُ شعر الحاجبين
وَالْمَرْأَة وطفاء
فَإِن خف شعرهما
قيل أمعط وَالْمَرْأَة معطاء
فَإِن سقط شعر الحاجبين
قيل أمرط وَالْمَرْأَة(2/460)
مرطاء
وَيُقَال أزعر الحاجبين وَالْمَرْأَة زعراء
فَإِن غزر شعر الحاجبين وَطَالَ
قيل أزب الحاجبين
وَالْمَرْأَة زباء
السَّادِس فِي ذكر الْعُيُون إِذا اتسعت الْعين
قيل رجل أعين وَامْرَأَة عيناء
وَإِذا انتفخ جفن الْعين الْأَعْلَى
قيل للرجل ألخص
وَالْمَرْأَة لخصاء
وَإِذا قل لحم الجفون وَغَارَتْ الحدقتان قيل غائر الْعَينَيْنِ
فَإِن غارتا وصغرتا
قيل أخوص
فَإِذا قل لحم الجفون وبرزت الحدقتان
قيل جاحظ الْعَينَيْنِ وَامْرَأَة جاحظة
فَإِن كَانَ فِي الْعَينَيْنِ رُطُوبَة
قيل ضَعِيف النّظر برطوبة
فَإِذا اشْتَدَّ سَواد الْعين
قيل أدعج
وَالْمَرْأَة دعجاء
فَإِذا اسودت أَطْرَاف الجفون
قيل أكحل وَالْمَرْأَة كحلاء
فَإِذا اسْتَوَى السوَاد وَصفا الْبيَاض واتسع مَا بَين الأجفان
قيل أحور وَالْمَرْأَة حوراء
فَإِن خالط السوَاد خضرَة يسيرَة
قيل أشهل وَالْمَرْأَة شهلاء
فَإِن خالط الْبيَاض حمرَة
قيل أَسحر الْعَينَيْنِ وَالْمَرْأَة سحراء
فَإِن خلصت الخضرة إِلَى الزرقة
قيل أَزْرَق الْعَينَيْنِ
فَإِن اشتدت الزرقة
قيل أشقر
فَإِن زَاد حَتَّى يغلب الْبيَاض عَلَيْهَا قيل أفلج
فَإِن كَانَت إِحْدَى الْعَينَيْنِ زرقاء وَالْأُخْرَى سَوْدَاء
قيل أحيف الْعين الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى وَامْرَأَة حيفاء
فَإِذا كَانَ النَّاظر معتدلا إِلَى الْأنف وكل وَاحِدَة من الْعَينَيْنِ تنظر إِلَى الْأُخْرَى فَهُوَ أقبل
وَإِذا ارْتَفع النَّاظر إِلَى أعلا الْعَينَيْنِ وَلَا يُمكنهُ النّظر بهما إِلَى مَا دونه
فَهُوَ أدوش وَالْمَرْأَة دوشاء
فَإِذا مَالَتْ الْعين إِلَى مؤخرها أَو إِلَى مقدمها دون الْأُخْرَى
قيل أَحول الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى
فَإِذا انكمش
قيل أخفش
فَإِذا لم يكن يرى من قرب فَهُوَ أكمس
فَإِن لم يسْتَطع النُّور فَهُوَ أَجْهَر
فَإِذا انْقَلب جفن الْعين فانشق
قيل أشتر
فَإِن طَال شعر الأجفان
قيل أَوْطَفُ
فَإِن تساقط شعر الأجفان
قيل أعمش
فَإِن ذهبت إِحْدَى الْعَينَيْنِ
قيل مُمْتَنع وَقيل أَعور الْعين الْفُلَانِيَّة
فَإِن كَانَت عَيناهُ مفتوحتان وَلَا ينظر بهما شَيْئا
قيل قَائِم الْعَينَيْنِ
السَّابِع فِي ذكر الْأنف إِذا ارْتَفَعت قَصَبَة الْأنف ودقت الأرنبة واحدودب وَسطهَا
قيل أقنى الْأنف
وَإِن كَانَ دون ذَلِك
قيل أدقق الْأنف
وَإِذا ارْتَفَعت الأرنبة ودقت القصبة وتطامنت يَسِيرا
قيل أَشمّ الْأنف وَالْمَرْأَة شماء
وَإِذا قصرت القصبة وصغرت الأرنبة وَارْتَفَعت عَن الشّفة
قيل أخنس وَالْمَرْأَة خنساء فَإِن عرضت الأرنبة واطمأنت القصبة وانكسر المنخران وانفطس رَأس الْأنف
قيل أفطس
فَإِن اطْمَأَن وَسطه وَارْتَفَعت الأرنبة
قيل أفغى الْأنف
فَإِن قصر ارتفاعه وَغلظ
قيل أقشم
فَإِن اعتدلت القصبة
قيل أفغا وَالْمَرْأَة فغواء
فَإِن غلظت الأرنبة
قيل غليظ الأرنبة
وَإِذا(2/461)
اتَّسع المنخران اتساعا فَاحِشا
قيل وَاسع المنخرين
وَإِن ضاقا
قيل ضيق المنخرين
الثَّامِن فِي ذكر الوجنتين والخدين الخد هُوَ مجْرى الدمع
والوجنة الْعظم الناتىء تَحت الْعَينَيْنِ
وَإِذا ظهر لحم الوجنتين
قيل موجن وَالْمَرْأَة موجنة
وَإِن اسْتَوَى عظم الوجنتين واعتدل لحم الْخَدين
قيل سهل الْخَدين
فَإِن ضَاقَ الْوَجْه وَصغر جدا
قيل ضيق الْوَجْه
فَإِن طَال الْوَجْه
قيل مستطيل الْوَجْه
وَإِن كَانَ فِي الْخَدين غُضُون
قيل وبخديه غُضُون
وَإِذا انْضَمَّ الخدان وانحصرا
قيل مضموم الْخَدين
التَّاسِع فِي ذكر اللحى إِذا دَار شعر اللِّحْيَة
قيل مستدير اللِّحْيَة
فَإِذا طَال مقدمها
قيل طَوِيل الْمُقدم
وَيُقَال مُسبل شعرهَا
فَإِذا غزر شعرهَا
قيل أكث
وَيُقَال كثيف شعر اللِّحْيَة
فَإِن خف شعرهَا
قيل خَفِيف شعرهَا
فَإِن كَانَ بذقنه شعر كثير وبعارضيه شعر يسير
قيل سناط
وَإِن لم يكن فِي عارضيه شَيْء من الشّعْر وَكَانَ بذقنه خَاصَّة
قيل كوسج وَيُقَال كوسا وَإِن كَانَ كَبِير السن وَلم يكن بِوَجْهِهِ شَيْء كالأمرد
قيل أثط بالثاء وأفط بِالْفَاءِ وَإِن لم يكن فِي عنفقته شعر وَهِي النقرة الَّتِي تَحت الشّفة السُّفْلى قيل أكشف العنفقة
فَإِن توفر شعرهَا
قيل وفر العنفقة
وَإِن كَانَت العنفقة وَمَا حولهَا ملأى بالشعر
قيل أَسد العنفقة
وَإِن كَانَ فِي العنفقة شعر وَمَا حولهَا
قيل نفى مَا حول العنفقة
فَإِن كَانَ فِي شعر اللِّحْيَة شقرة ظَاهِرَة
قيل أشقر شعر اللِّحْيَة
فَإِن كَانَت شقرة خَفِيفَة
قيل أصهب شعر اللِّحْيَة وَيُقَال بهَا صهوبة يسيرَة
فَإِن شابت اللِّحْيَة وَهُوَ يخضبها
قيل مَسْتُور شعر اللِّحْيَة بالخضاب
وَإِن كَانَت مستورة بِالْحِنَّاءِ
قيل بِالْحِنَّاءِ
الْعَاشِر فِي ذكر الشفتين إِذا رقتا ودقتا
قيل رَقِيق الشفتين
فَإِن تقلصتا وغلظتا وَلم يسْتَطع طبقهما على أَسْنَانه
قيل أفوه
وَالْمَرْأَة فوهاء
فَإِن غلظت الشفتان يَسِيرا
قيل غليظ الشفتين
فَإِن كَانَ أَكثر من الْيَسِير
قيل أثلم
وَالْمَرْأَة ثلماء
فَإِن انقلبت الشّفة الْعليا وَاسْتَرْخَتْ كشفة الْبَعِير
قيل أهدل وَالْمَرْأَة هدلاء
فَإِن اسود مَا ظهر من لحم الشفتين
قيل ألعس
وَالْمَرْأَة لعساء
فَإِن انشقت الشّفة الْعليا كشفة الْبَعِير
قيل أعلم
وَإِن انشقت السُّفْلى
قيل أَفْلح
فَإِن كَانَتَا مشقوقتين
قيل أشرم
وَالْمَرْأَة شرماء
واللطع بَيَاض فِي بَاطِن شفتي الْأسود
الْحَادِي عشر فِي ذكر الْفَم إِذا كَانَ الْفَم متسعا جدا
قيل أهرت
وَالْمَرْأَة هرتاء
فَإِن كَانَ صَغِيرا
قيل صَغِير الْفَم
فَإِن كَانَ يتَلَفَّظ بِالْفَاءِ
قيل فأفاء
وَالْمَرْأَة(2/462)
كَذَلِك
وَإِن تردد فِي كَلَامه
قيل تمْتَام
فَإِن غلظ كَلَامه وَثقل لِسَانه
قيل ألغط وَإِن كَانَ يتَرَدَّد فِي الْكَلَام إِلَى حد الخيشوم
قيل أخن
فَإِن أحَال لِسَانه فِي فَمه فِي حَالَة الْكَلَام قيل لجلاج فَإِن كَانَ إِذا تكلم يُبدل الْحُرُوف بغَيْرهَا
قيل أرت
وَيُقَال ألثغ
فَإِن لم يتَكَلَّم
قيل أبكم
وَقيل أخرس وَالْمَرْأَة خرساء
الثَّانِي عشر فِي الْأَسْنَان إِذا اتَّسع مَا بَين الثنايا الْعليا
يُقَال مفلج مَا بَين الثنايا الْعليا أَو السُّفْلى
وَإِن كَانَ فلجا وَاضحا
قيل فلج بَين
أَو يَسِيرا
قيل يسير
وَقيل يجوز أَن يُقَال خفِيا
وَإِن انفرج مَا بَين الْأَسْنَان
قيل أفرج مَا بَين الثنايا الْعليا وَكَذَلِكَ السُّفْلى
وَفِي جَمِيع الْأَسْنَان إِذا كَانَت على هَذَا الحكم
وَإِن التصقت الْأَسْنَان وانتظمت
يُقَال مصمت الْأَسْنَان
فَإِن تفلجت جَمِيع الْأَسْنَان
يُقَال مفلج جَمِيع الْأَسْنَان الْعليا والسفلى
فَإِن كَانَ بَعْضهَا مفلجا أَو مفرجا ذكره
وَإِن كَانَ بالأسنان سَواد أَو صفرَة أَو خضرَة أَو محتوتة أَو بَعْضهَا
ذكر كل ذَلِك بِحَسبِهِ
وَإِن تَغَيَّرت يُقَال متغير لون السن الْفُلَانِيَّة
وَإِن انثلم طرف الْأَسْنَان أَو بَعْضهَا
قيل منثلم طرف السن الْفُلَانِيّ
وَإِن انقصمت من نصفهَا
قيل مقصوم السن الْفُلَانِيّ
وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك فِي السُّفْلى أَو الْعليا
وَيُقَال فِي السن الْأَعْلَى أَو السُّفْلى مقلوع السن الْفُلَانِيَّة
وَإِن كَانَت الْأَسْنَان بارزة
قيل بَادِي الْأَسْنَان
فَإِن تراكبت
قيل متراكب الْأَسْنَان
فَإِن زَاد مَا بَين الْأَسْنَان
قيل وَبَين أَسْنَانه سنّ زَائِدَة أَو شاعبة
وَقد تقدم ذكر عدد مَا للْإنْسَان من الْأَسْنَان فِي كتاب الدِّيات
الثَّالِث عشر فِي الْعُنُق السالفان هما مَا بَين مَكَان القرط ونقرة الْقَفَا
والأخدعان هما مَكَان المحجمتين فِي صفحتي الْعُنُق والنغناغ هُوَ مَا تَحت اللحيين
وَإِذا طَال الْعُنُق واعتدل قيل أجيد
وَالْمَرْأَة جيداء
فَإِن طَال فِي رقة قيل أعتق
وَالْمَرْأَة عُتَقَاء
وَإِن مَال الْعُنُق إِلَى نَاحيَة
قيل أميل الْعُنُق إِلَى النَّاحِيَة الْفُلَانِيَّة
وَإِن امتدت الْعُنُق فَأَقْبَلت على مقدمها
قيل أَقُود
فَإِن قصرت حَتَّى تكَاد الرَّأْس تلتصق بِرَأْس الْعُنُق
قيل أوقص وَامْرَأَة وقصاء
فَإِن لانت الْعُنُق واعتدلت
قيل أغيد وَامْرَأَة غيداء
الرَّابِع عشر فِي نَوَادِر الْخلقَة إِذا انحسر الشّعْر من جَانِبي الْجَبْهَة وَزَاد على ذَلِك
فَهُوَ أجلح
فَإِن زَاد على ذَلِك
قيل أجلى
فَإِن زَاد على ذَلِك حَتَّى بلغ الشّعْر اليافوخ فَهُوَ أصلع
فَإِن اجْتمع الشّعْر فِي وسط الرَّأْس وخلا كل من جَانِبي الرَّأْس من(2/463)
الشّعْر
قيل أَقرع
فَإِن كَانَ الشّعْر مفلفلا
قيل مفلفل الشّعْر
وَإِذا سَالَ على الْقَفَا
قيل أغم الْقَفَا
كَمَا يُقَال أغم الْوَجْه
وَإِذا انْشَقَّ حجاب الْأنف
قيل أخزم
وَإِذا انْقَطع الْأنف
قيل أجدع وَالْمَرْأَة جَدْعَاء
وَإِن كَانَ بِوَجْهِهِ جدرى مندرس أَو ظَاهر
كتب
والكوع فِي طرفِي الزندين مِمَّا يَلِي الْإِبْهَام إِلَى السبابَة
والكرسوع طرف الزند مِمَّا يَلِي الْخِنْصر
وَإِذا كَانَ الرجل مقْعدا يُقَال لَهُ مفلوج الرجلَيْن وَالْمَرْأَة كَذَلِك
والخوص صغر الْعَينَيْنِ وَهُوَ ضيق مؤخرها
والفقم هُوَ أَن تتقدم الثنايا السُّفْلى إِذا ضم الرجل فَاه وَلَا يَقع عَلَيْهَا الثنايا الْعليا والفلج فِي الْيَدَيْنِ هُوَ اعوجاج فيهمَا
والقعس هُوَ دُخُول الظّهْر وَخُرُوج الصَّدْر
والاصطكاك هُوَ أَن تصطك كل ركبة بِالْأُخْرَى
والأكف هُوَ قصر الْأنف وَصغر الأرنبة
وَإِذا كَانَ الرجل مَقْطُوع الْأُذُنَيْنِ
قيل أصلم أَو مَقْطُوع إِحْدَاهمَا
قيل أصلم الْأذن الْفُلَانِيَّة
والصمغ صغر الْأُذُنَيْنِ
وَإِن كَانَ شَيْء من الْأَظْفَار متغير
قيل متغير الْأَظْفَار
وَيُقَال فَاسد الْأَظْفَار أَو فَاسد الظفر الْفُلَانِيّ
وَإِن كَانَ يعْمل بِالْيَدِ الْيُسْرَى كَمَا يعْمل باليمنى وَلَا مزية لإحداهما على الْأُخْرَى
قيل أضبط وَإِن عمل باليسرى دون الْيُمْنَى
قيل أشول
فصل
فِي الشيات والألوان فِي الْحَيَوَان الْأَشْقَر هُوَ ضرب لَونه إِلَى لون الْحِنَّاء والكميت مَعْرفَته وجبينه أسودان
فَإِن غلب إِلَى الصُّفْرَة
يُقَال بصفرة أَو حمرَة والأخضر هُوَ الَّذِي تضرب شقرته إِلَى السوَاد بِأَدْنَى خضرَة والأدهم الحالك فِي السوَاد
وَغير الحالك والصافي أدغم عنبري
والأصهب الناصح الْبيَاض
والزرزوري بياضه وسواده سَواد الأبرش يخالط شيته سَواد وَحُمرَة
والأشقر هُوَ الَّذِي يخالط شقرته شعر أَبيض
والأشهب السمند الْأَصْفَر
وَيُسمى الحبشي وعرفه وذنبه أسودان والصيني أصفر
وذنبه وعرفه أبيضان
والأشكل هُوَ الْكُمَيْت
والأزرق الَّذِي لَونه لون الرماد والأبقع الَّذِي بجسده شَيْء يُخَالف لَونه
والسامري الَّذِي شهبته بسواد يشبه الْأَزْرَق وَيكون فِي سَائِر جسده حَتَّى يصير كالأبلق
وَأما الَّذِي فِي الْوُجُوه إِذا كَانَ بِوَجْه شَعرَات بيض بِقدر الدِّرْهَم
قيل أفرج
فَإِن كَانَ أقل من ذَلِك
قيل شَعرَات والحفى أفرج حفى
فَإِن سَالَتْ وَلم تجَاوز الْعَينَيْنِ
قيل أغر عُصْفُور
فَإِن انتشرت
قيل أغر سادج
وَإِن استطالت ودق طرفها
قيل أغر يعسوب واليعسوب الْغرَّة الَّتِي فِي وَجه الْفرس
تكون مستطيلة
قَالَه ابْن قُتَيْبَة
فَإِن(2/464)
اتسعت وَلم تبلغ الجحفلة
فَهُوَ أغر شِمْرَاخ وَهُوَ مَا سَالَ على الْأنف
وَإِن سَالَتْ الجحفلة
قيل أغر سَائل الْعين الْفُلَانِيَّة
وَإِن انتشرت على الْعين
قيل أعشى
وَإِذا كَانَت الْعين الْوَاحِدَة زرقاء
قيل أحيف
والحيف الِاخْتِلَاف
وَإِن كَانَت زرقاء
قيل أَزْرَق
وَإِن كَانَ الْبيَاض على خديه
قيل لطيم الْخَدين أَو أَحدهمَا
وَإِن كَانَ فِي الْغرَّة شامات يذكرهَا
وَإِن كَانَ أَعْلَاهَا كالهلال
قيل أغر هِلَال
وَإِن كَانَ فِي الجحفلة بَيَاض
قيل أرتم
وَإِن كَانَ بسواد
قيل بسواد ومشقوق الْأُذُنَيْنِ مفرط
وَالْبَيَاض فِي أَعلَى الرَّأْس أصقع
وَالْبَيَاض فِي الْقَفَا أقيف وشائب الناصية أَسْقُف
ونقاؤها بالبياض أصبغ
وَبَيَاض الرَّأْس والعنق كُله أدرع والحدقتان والأهداب مُعرب
وَأما شيات البغال إِذا كَانَ الْبَغْل أصفر تعلوه غبرة يسيرَة وببدنه خطوط من مَعْرفَته إِلَى أصل ذَنبه
قيل خلنجي
فَإِذا كَانَ فِي جحفلته ومحجر عَيْنَيْهِ بَيَاض يضْرب إِلَى صفرَة
قيل أقمر
وَمن جملَة عُيُوب الدَّوَابّ الانتشار
وانتفاخ العصب والدحس
وَهُوَ ورم فِي حَافره
والسرطان وَهُوَ دَاء فِي الرسغ
والارتهاش
وَهُوَ أَن يصك بِعرْض حَافره عرض يَده الْأُخْرَى وَرُبمَا أدماها
وَيُسمى اصطكاك
والمشش والنمل وَهُوَ سَواد فِي الْحَافِر من ظَاهره
والوفرة دَاء يكون فِي بَاطِن الْحَافِر
والرهصة دَاء يطلع فِي بَاطِن الْحَافِر
وَقد تقدم من ذكر عُيُوب الدَّوَابّ فِي كتاب الْبيُوع مَا فِيهِ كِفَايَة
وَالله أعلم
الْفَصْل الثَّانِي فِي ذكر الكنى اعْلَم أَن أهل الْعلم
أَجمعُوا على جَوَاز التكني بِأَيّ كنية كَانَت سوى التكني بِأبي الْقَاسِم وَسَوَاء تكنى الْإِنْسَان باسم ابْنه أَو ابْنَته أَو لم يكن لَهُ ولد وَكَانَ صَغِيرا
أَو كنى بِغَيْر اسْم وَلَده
وَيجوز أَن تكنى الْمَرْأَة بِأم فلَان وَأم فُلَانَة
وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي جَوَاز التكني بِأبي الْقَاسِم على مَذَاهِب كَثِيرَة
أَحدهَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
وَأهل الظَّاهِر أَنه لَا يحل التكني بِأبي الْقَاسِم لأحد أصلا سَوَاء كَانَ اسْمه مُحَمَّدًا أَو أحمدا لظَاهِر قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تسموا باسمي وَلَا تكنوا بكنيتي رَوَاهُ مُسلم(2/465)
الثَّانِي أَن هَذَا النَّهْي مَنْسُوخ
وَأَن هَذَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام
فَيُبَاح التكني الْيَوْم بِأبي الْقَاسِم لكل أحد سَوَاء فِي ذَلِك من اسْمه مُحَمَّد أَو أَحْمد أَو غَيره
وَهَذَا مَذْهَب مَالك
وَبِه قَالَ جُمْهُور السّلف وَالْعُلَمَاء وفقهاء الْأَمْصَار
الثَّالِث مَذْهَب ابْن جرير أَنه لَيْسَ مَنْسُوخا وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْي للتنزيه وَالْأَدب لَا للتَّحْرِيم
الرَّابِع أَن النَّهْي عَن التكني بِأبي الْقَاسِم مُخْتَصّ بِمن اسْمه مُحَمَّد أَو أَحْمد وَلَا بَأْس بالكنية وَحدهَا لمن لَا يُسمى بِوَاحِد من الاسمين
وَهَذَا قَول جمَاعَة من السّلف
وَجَاء فِيهِ حَدِيث مَرْفُوع عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ
الْخَامِس أَنه نهى عَن التكني بِأبي الْقَاسِم مُطلقًا
وَنهى عَن التَّسْمِيَة بالقاسم
لِئَلَّا يكنى أَبوهُ بِأبي الْقَاسِم
وَقد غير مَرْوَان بن الحكم اسْم ابْنه عبد الْملك حِين بلغه هَذَا الحَدِيث
وَسَماهُ عبد الْملك
وَكَانَ اسْمه أَولا الْقَاسِم
وَفعله بعض الْأَنْصَار أَيْضا
وَالسَّادِس أَن التَّسْمِيَة بِمُحَمد مَمْنُوعَة مُطلقًا سَوَاء كَانَت لَهُ كنية أم لَا
وَجَاء فِيهِ حَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسموا أَوْلَادكُم مُحَمَّدًا ثمَّ تلعنونهم وَكتب عمر إِلَى الْكُوفَة لَا تسموا أحدا باسم نَبِي وَأمر جمَاعَة بِالْمَدِينَةِ بتغيير أَسمَاء أبنائهم
مِمَّن اسْمه مُحَمَّد حَتَّى ذكر لَهُ جمَاعَة مِنْهُم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لَهُم فِي ذَلِك
وَسَمَّاهُمْ بِهِ
فتركهم
وَقَالَ القَاضِي عِيَاض الكنية إِنَّمَا تكون بِسَبَب وصف صَحِيح من المكنى أَو سَبَب اسْم ابْنه
وَقد كره بعض الْعلمَاء التسمي باسم الْمَلَائِكَة
وَكره مَالك التسمي بِجِبْرِيل وبياسين
ذكر ذَلِك كُله النَّوَوِيّ رَحمَه الله فِي كتاب الْأَدَب فِي شرح مُسلم
وَذكر فِي منية الْمُفْتِي فِي مَذْهَب الْحَنَفِيَّة أَنه يجوز التكني بِأبي الْقَاسِم
وَقد تقدم الْخلاف فِيهِ
وَالرَّاجِح عِنْد بَعضهم عدم الْجَوَاز فليجتنب
الْفَصْل الثَّالِث فِي الألقاب الَّتِي اصْطلحَ النَّاس عَلَيْهَا
وأجروها مجْرى الْأَمر اللَّازِم وَمَا يتَّصل بهَا ويضاف إِلَيْهَا من التراجم(2/466)
اعْلَم أَن الألقاب المقرونة بِالدّينِ لَيست محصورة بِوَضْع تجرى عَلَيْهِ وَلَا حد وَإِنَّمَا اللقب مَطِيَّة مبلغة إِلَى مَقَاصِد النّظر مُمَيزَة بَين مزايا الاصطلاحات
فَمن جَاءَ ركب وَلَا يعْتَرض فِي شَيْء مِنْهَا
وَلَا يُقَال لم كَانَ لقب هَذَا هَكَذَا وَلَيْسَ فِيهِ من معنى مَا لقب بِهِ شَيْء أوجب لَهُ هَذَا اللقب
وَلَا يُقَال أَيْضا لَا يجوز أَن يكون لقب هَذَا إِلَّا كَذَا بل للملقب أَن يلقب من أَرَادَ بِمَا أَرَادَ
غير أَن ثمَّ ألقابا اصْطلحَ عَلَيْهَا النَّاس
وَوضعت على أَسمَاء
فجرت بالتداول مجْرى الْغَالِب حَتَّى صَارَت لتِلْك الْأَسْمَاء كالأعلام وَمَشى النَّاس فِي اسْتِعْمَالهَا على الْعَادة بِحَيْثُ إِنَّهَا إِذا نقلت عَن أسمائها واستعملت لأسماء غَيرهَا استنكرت
وَهَذَا كُله إِنَّمَا هُوَ من طَرِيق الْعَادة لَا من طَرِيق قِيَاس يفْسد الْمَعْنى
فَمن ذَلِك أَنهم وضعُوا لمن اسْمه مُحَمَّد شمس الدّين وَبدر الدّين وجمال الدّين وَكَمَال الدّين وَشرف الدّين وَأمين الدّين وناصر الدّين وقطب الدّين وعماد الدّين وَعز الدّين وَأسد الدّين
وكل ذَلِك إِذا كَانَ من المتعممين سَوَاء كَانَ فَقِيها أَو تَاجِرًا
مَا خلا نَاصِر الدّين فَإِنَّهَا تسْتَعْمل للجند
هَذَا هُوَ الْمُتَعَارف
وَقد يَقع فِي الْجند من يلقب بشرف الدّين وشمس الدّين
وَمَا ذَكرْنَاهُ هُوَ الْأَغْلَب
وَأَبُو بكر تَقِيّ الدّين وَشرف الدّين وزين الدّين وزكي الدّين
إِذا كَانَ من المتعممين
وَكَذَلِكَ رَضِي الدّين
وَإِن كَانَ من الْجند فسيف الدّين
وَعمر سراج الدّين وزكي الدّين وزين الدّين وشجاع الدّين وناصر الدّين وضياء الدّين وَعز الدّين
وَهُوَ أحسن مَا يلقب بِهِ من اسْمه عمر للْحَدِيث الْمُصَرّح فِيهِ بإعزاز الدّين بِأحد العمرين وَفتح الدّين وَنجم الدّين
وَيسْتَعْمل للجند مِنْهَا شُجَاع الدّين وناصر الدّين
وَعُثْمَان فَخر الدّين وَنور الدّين وَهُوَ أحسن مَا يلقب بِهِ من اسْمه عُثْمَان لِأَنَّهُ ذُو النورين
وَيخْتَص الْجند مِنْهَا بفخر الدّين
وَعلي من المتعممين نور الدّين وَمن الْجند عَلَاء الدّين وَسيف الدّين
وَهُوَ أحسن مَا لقب بِهِ من اسْمه عَليّ لِأَن عليا كَانَ سيف الله فِي أرضه
وَأحمد من المتعممين شهَاب الدّين ومحيي الدّين
وَمن الْجند شهَاب الدّين وصفي الدّين ومحب الدّين
وَعبد الله شمس الدّين
وجمال الدّين وعفيف الدّين
وَإِبْرَاهِيم برهَان الدّين وصارم الدّين وَرَضي الدّين وَسعد الدّين
وَدَاوُد علم الدّين
وموفق الدّين(2/467)
وَسليمَان علم الدّين
ويوسف جمال الدّين وَأمين الدّين وَصَلَاح الدّين
وَأحسن مَا يكنى بِهِ أَبُو المحاسن
ومُوسَى وَعِيسَى شرف الدّين
وَحسن بدر الدّين وحسام الدّين
وحسين كَذَلِك
وجعفر كريم الدّين
وَشرف الدّين
وَأحسن مَا يكنى بِهِ أَبُو الصدْق
وَكَذَلِكَ أَبُو بكر
وَسعد سعد الدّين
وَكَذَلِكَ سعيد
ومسعود الرّبيع زكي الدّين
وَأنس روح الدّين
وَإِسْمَاعِيل عماد الدّين
وخليل غرس الدّين
وَحَمْزَة عز الدّين ونصير الدّين
وزَكَرِيا بنية الدّين
وَيحيى محيي الدّين ومخلص الدّين
وقاسم شرف الدّين وزين الدّين
وَإِسْحَاق مجد الدّين
وَيَعْقُوب تَاج الدّين
ومحمود نور الدّين
وَهَارُون حَافظ الدّين
وحاتم كريم الدّين
وَلَيْسَ باللازم اسْتِيعَاب جَمِيع الْأَسْمَاء وتنزيل الألقاب عَلَيْهَا إِذْ ذَلِك يطول
والألقاب لَيْسَ لَهَا قَاعِدَة تضبطها
بل هِيَ على اخْتِيَار الملقب كَمَا أَن الْأَسْمَاء على اخْتِيَار الْمُسَمّى
وَأما ألقاب الخدام فَالَّذِي جرت عَلَيْهِ الْعَادة أَن يلقب ياقوت افتخار الدّين
جَوْهَر صفي الدّين
رشيد شهَاب الدّين
عنبر شُجَاع الدّين
مِفْتَاح فتح الدّين
خَالص مخلص الدّين
كافور شبْل الدولة ومجير الدّين
نجيب موفق الدّين
سرُور ومسرور سري الدّين
وشمس الْخَواص
تَمِيم مرتضى الدّين
فايز مصطفى الدّين
مُخْتَار ظهير الدّين
ريحَان روح الدّين وعزيز الدولة
نصر نصير الدّين
فاخر فَخر الدّين
وصيف نَاصح الدّين
بِلَال بهاء الدّين
محسن اخْتِيَار الدّين
عفيف جمال الدّين
صَوَاب شمس الدّين
صندل زكي الدّين
منصف محيي الدّين
فاتن وَصِيّ الدّين
رضوَان رَضِي الدّين
لُؤْلُؤ نظام الدّين
وَمَا كَانَ من أَسمَاء الخدام مُوَافقا لأسماء التّرْك أجْرى عَلَيْهَا ألقابها
وَيُؤْخَذ من ذَلِك مَا أمكن وَيجْعَل مِثَالا لما يذكر
فالأشياء تحمل على نظائرها
وَالْفُرُوع تحمل على الْأُصُول
وَلَو تركنَا ذكر مَا قدمنَا من ذَلِك لَكَانَ يُمكن أَن يعرف من الِاسْتِعْمَال الْجَارِي بَين النَّاس
وَلَكِن جَعَلْنَاهُ كالحاشية ينفع مَعَ وجودهَا وَلَا يضر عدمهَا(2/468)
وَأما التراجم فَمِنْهَا مَا هُوَ فِي الدرجَة الْعليا وَمَا هُوَ فِي الدرجَة الْوُسْطَى ووضعها يرجع إِلَى الْكَاتِب فِيهِ
ويعتمد فِيهِ على حذقه وإدراكه لِأَنَّهُ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة الطَّبِيب الحاذق الَّذِي يُعْطي كل إِنْسَان من الدَّوَاء مَا يحْتَملهُ مزاجه وسنه
وَمَا يُوَافق طبع بَلَده
والفصل الَّذِي هُوَ فِيهِ
وَاعْلَم أَن الْأَلْفَاظ قوالب الْمعَانِي
والأقوال رُبمَا أطلقت
وَهِي مُقَيّدَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَهم والإدراك إِذْ لَا يعرف الشَّيْء إِلَّا بِمَعْرِِفَة مَعْنَاهُ
وَلَا يفهم إِلَّا بإيضاح فحواه
وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على تَرْجِيح أَرْبَاب الْخطاب على بَعضهم بَعْضًا
وَأَن الْخلَافَة هِيَ أعلا الْمَرَاتِب فِي الدُّنْيَا بعد النُّبُوَّة
وَلِهَذَا السَّبَب وَجب تَقْدِيم أَرْبَابهَا على من سواهُم وتخصيصهم بمزية الْفضل حكما ورسما
وهم أَحَق بذلك وأجدر لكَوْنهم أَعلَى الْبَريَّة قدرا وأكبر
وَمَا يكْتب لَهُم على ضَرْبَيْنِ
الأول المواقف الشَّرِيفَة النَّبَوِيَّة الإمامية العباسية الأعظمية المولوية السيدية السندية الملاذية الملجئية الظَّاهِرِيَّة الرؤوفية الرحيمية المؤيدية المنصورية المقتدرية المستعصمية الرشيدية المكينية الغياثية الآمرية الخليفية الْفُلَانِيَّة
خَليفَة الزَّمَان وَإِمَام أهل الْإِيمَان مولى النعم وَمولى الْأُمَم وَرَافِع نور الْهدى على علم
غياث الْأَنَام عصمَة الْأَيَّام رَحْمَة الْعَالم نعْمَة الله على بني آدم إِمَام الْمُسلمين وَابْن عَم سيد الْمُرْسلين
الْقَائِم بِأَمْر الله أَو المكتفي بِاللَّه أَبُو فلَان أَمِير الْمُؤمنِينَ
ضاعف الله أنواره وَرفع فِي أعلا دَرَجَات الْإِمَامَة مناره وَأظْهر على الدّين وَالدُّنْيَا شعار هَدْيه ودثاره
الثَّانِي الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي الأعظمي ويسوق الْأَلْفَاظ الْمُتَقَدّمَة تاليا لَهَا على نَحْوهَا الْمَوْضُوع لَهَا
وَقد قيل إِن الْأَلْفَاظ المستعملة فِي نعت الْمَكْتُوب إِلَيْهِ وترجمته بهَا إِنَّمَا يُرَاد بهَا تَعْرِيف ذَلِك الْمُسَمّى والتنويه باسمه
وَقَالُوا إِن كثرتها فِي حق ذَوي الْمَرَاتِب الْعلية نقص وعيب
وَذَلِكَ أَنه إِذا كَانَ الْغَرَض بهَا التَّعْرِيف
فَلَيْسَ مثل الْخَلِيفَة أَمِير الْمُؤمنِينَ مُحْتَاج إِلَى تَعْرِيف وَلَا شهرة
لِأَن الْخُلَفَاء يعْرفُونَ بالسيادة والشرف الباذخ الْمَوْرُوث عَن النُّبُوَّة وهم موصوفون بأشهر مِمَّا بِهِ يوصفون
وَذَلِكَ أَن الْقَائِل إِذا قَالَ الدِّيوَان الْعَزِيز النَّبَوِيّ الإمامي الْفُلَانِيّ أَمِير الْمُؤمنِينَ اسْتغنى بذلك عَن إِيرَاد جملَة من الصِّفَات
وَلِهَذَا قَالَ المعري فِي مرثيته للشريف الرضي(2/469)
أَنْتُم ذَوُو النّسَب الْقصير مُرَاده
إِن الْإِنْسَان إِذا قَالَ فلَان ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أغناه ذَلِك عَن كَثْرَة الصِّفَات
ويليهم الْمُلُوك والسلاطين وأولياء خدمهم من أَرْبَاب السيوف والأقلام على اخْتِلَاف مَرَاتِبهمْ
فَيكْتب للسُّلْطَان إِن كَانَ حَيا الْمقَام الشريف الإِمَام الْأَعْظَم وَالْملك الْمُعظم سيد مُلُوك الْعَرَب والعجم جَامع منقبتي السَّيْف والقلم فاتح القلاع والحصون الْمظهر بجهاده فِي أَعدَاء الله وَرَسُوله سره المصون ملك البرين والبحرين صَاحب الْقبْلَتَيْنِ خَادِم الْحَرَمَيْنِ الشريفين سُلْطَان الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين ظلّ الله فِي الْأَرْضين مرغم أنوف الْمُلْحِدِينَ مبيد الطغاة والمتمردين قاصم الْكَفَرَة وَالْمُشْرِكين نَاصِر المظلومين على الظَّالِمين حامي حوزة الدّين
مَوْلَانَا السُّلْطَان الْمَالِك الْملك الْفُلَانِيّ قسيم أَمِير الْمُؤمنِينَ
خلد الله ملكه وَجعل الأَرْض بأسرها ملكه أَو جدد الله لَهُ فِي كل يَوْم نصرا وَملكه بِسَاط البسيطة برا وبحرا
وَإِن كَانَ مَيتا فَيكْتب لَهُ الْمقَام الشريف
السَّيِّد الشَّهِيد الْملك الْفُلَانِيّ سقى الله عَهده وتعاهد بعهاد الرَّحْمَة والرضوان لحده
وَيكْتب لأتابك العساكر المنصورة الْمقر الْأَشْرَف العالي العالمي العادلي المؤيدي الغوثي الغياثي الزعيمي المتاغري الظهيري المرابطي الممهدي المشيدي الخاشعي الناسكي العابدي الأتابكي السيفي معز الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد أُمَرَاء الْعَالمين نَاصِر الْغُزَاة والمجاهدين ملْجأ الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين زعيم جيوش الْمُوَحِّدين أتابك العساكر المنصورة
ممهد الدول مشيد الممالك عون الْأمة غياث الْملَّة
ظهير الْمُلُوك والسلاطين عضد أَمِير الْمُؤمنِينَ
أعز الله نَصره
وَرفع فِي الدَّاريْنِ قدره
وَكَذَلِكَ يكْتب لنائب الشَّام
وَلَكِن يزِيد فِيهَا بعد الأتابكي الكفيلي
وتعريف الأول أتابكي العساكر المنصورة بالممالك الإسلامية
وتعريف نَائِب الشَّام كافل المملكة الشَّرِيفَة الشامية المحروسة وَالدُّعَاء بعد التَّعْرِيف
وَيكْتب لكل من الْأُمَرَاء مقدمي الْأُمَرَاء بالديار المصرية سَوَاء كَانَ صَاحب وَظِيفَة أَو بِيَدِهِ تقدمة خَاصَّة الْمقر الْأَشْرَف العالي الأميري الكبيري العالمي العادلي الغوثي الغياثي الممهدي المشيدي المتاغري المرابطي الزعيمي الظهيري الْمقدمِي السيفي الْفُلَانِيّ عز الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْأُمَرَاء فِي الْعَالمين نصْرَة الْغُزَاة والمجاهدين زعيم جيوش الْمُوَحِّدين عون الْأمة عماد الْملَّة ظهير الْمُلُوك(2/470)
والسلاطين سيف أَمِير الْمُؤمنِينَ فلَان الْفُلَانِيّ
وَيعرف كلا مِنْهُم بوظيفته إِن كَانَت لَهُ وَظِيفَة
وَإِلَّا فَيَقُول أحد مقدمي الألوف بالأبواب الشَّرِيفَة
وَيَدْعُو لَهُ
وَكَذَلِكَ يكْتب إِلَى نَائِب حلب
لكنه يزِيد فِيهِ بعد الْمقدمِي الكافلي
ويعد زعيم جيوش الْمُوَحِّدين مقدم العساكر ممهد الدول مشيد الممالك
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمقر العالي الأميري الكبيري إِلَى آخِره
وَهِي تكْتب إِلَى أُمَرَاء الطبلخانات بالديار المصرية ونائب طرابلس
وَهُوَ أَيْضا يكْتب لَهُ الْمقدمِي الكافلي
وَيكْتب للدوادار الثَّانِي ولرأس نوبَة ثَانِي وحاجب ثَانِي وأميراخور ثَانِي ولنائب حماة ونائب صفد ونائب إسكندرية
لَكِن هَؤُلَاءِ لَا يكْتب لَهُم الكافلي ويفتقر فِيهَا لنائب حماة خَاصَّة
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الجناب الْكَرِيم العالي إِلَى آخر الألقاب وَهِي تكْتب لِلْأُمَرَاءِ العشراوات بالديار المصرية وأكابر الخاصكية والحجاب الصغار وَمن هُوَ فِي درجتهم من رُؤُوس النوب ونقيب الْجَيْش ومتولى مجْلِس الْحَرْب السعيد ونائب غَزَّة
ونائب الكرك
وَأما أَمِير كَبِير بِالشَّام وحاجب الْحجاب بهَا والمقدمين
فيتصدر نعتهم بالمقر العالي إِذا كتب للنائب الْمقر الْأَشْرَف العالي
وَمِمَّنْ يكْتب لَهُم أَيْضا الجناب الْكَرِيم العالي مَعَ اخْتِصَار الألقاب الْمُتَقَدّمَة دوادار السُّلْطَان بِالشَّام إِذا كَانَ غير مقدم
وأستادار السُّلْطَان بهَا وحاجب ثَانِي وَمن فِي درجتهم
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الجناب العالي الأميري الكبيري العضدي الذخري النصيري الْفُلَانِيّ مجد الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين
شرف الْأُمَرَاء فِي الْعَالمين عضد الْمُلُوك والسلاطين فلَان
وَهَذِه تكْتب لأعيان المستخبرين من رجال الْحلقَة المنصورة بالديار المصرية والمملكة الشامية والحلبية ودوادارية الْأُمَرَاء المقدمين والكفال واستداريتهم ورؤوس النواب الْكِبَار بخدمتهم
وأمير آخوريتهم الْكِبَار
والخازندارية الْكِبَار وأعيان الْجند وَغَيرهم مِمَّن لَهُ وجاهة
وَهَذِه الرُّتْبَة أَكثر اسْتِعْمَالا الْآن وَالَّتِي قبلهَا
والمرجع فِي ذَلِك كُله إِلَى الْكَاتِب وَإِلَى حذقه ومعرفته بالمكتوب لَهُ وبمقامه من الدولة ووظيفته(2/471)
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمجْلس العالي الأميري الْأَجَل الكبيري إِلَى آخر مَا تقدم
وَهَذِه تكْتب لعامة أجناد الْحلقَة المنصورة وَبَقِيَّة أَرْبَاب وظائف الْأُمَرَاء والكفال التالين لمن تقدم ذكرهم
ولعامة جند الْخدمَة
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمجْلس السَّامِي وَهَذِه تكْتب لمساتير النَّاس ولأرباب الخدم عِنْد الأتراك وللمشدين ورؤوس نوب النُّقَبَاء ومقدمي الْبِلَاد والبرددارية عِنْد الْأُمَرَاء وأكابر أتباعهم
وَدون هَذِه الرُّتْبَة مجْلِس الْأَمِير الْأَجَل الْكَبِير الْمُحْتَرَم الْأَعَز الْأَخَص الْمُجْتَبى الْمُخْتَار فلَان وَهِي تكْتب لمن تخلق بأخلاق أَتبَاع التّرْك وَشد وَسطه
وعوج عمَامَته
ووقف فِي خدمَة أَرْبَاب الْوَظَائِف من التّرْك كالنقباء والأوجاقية وَالْعرب والكنانية وَمن فِي معناهم
وَهَذِه الرُّتْبَة واللاتي قبلهَا تتَعَلَّق بأرباب السيوف
وَأما أَرْبَاب الأقلام فعلى ضَرْبَيْنِ الضَّرْب الأول يتَعَلَّق بِخِدْمَة الدولة
وَعَمله مُسْتَفَاد من أوَامِر السلطنة الشَّرِيفَة ونواهيها
وَهَؤُلَاء يُطلق عَلَيْهِم المتعممين وأشرف هَؤُلَاءِ وأرفعهم قدرا كتاب السِّرّ الشريف فَإِن وظيفتهم شريفة ورتبتهم منيفة لَا يرتقي إِلَيْهَا إِلَّا الأماثل الأفاضل الْعلمَاء الْعُقَلَاء المقرونون بِالْعقلِ الوافر الَّذِي يَنْبَنِي على وفوره مصَالح الممالك كلهَا شرقا وغربا لكَون أَن صَاحب هَذِه الْوَظِيفَة لِسَان المملكة وسفير الدولة
ثمَّ الوزراء ونظار الْجَيْش
ونظار الْخَاص ونظار الخزانة الشَّرِيفَة ونظار الإصطبلات الشَّرِيفَة ونظار الدولة ونظار ديوَان الْمُفْرد ومستوفيين الْخَاص ونظار الْكسْوَة ونظار البيوتات ونظار الْأَسْوَاق
ونظائرهم من مباشري دواوين الْأُمَرَاء على اخْتِلَاف طبقاتهم
ويلتحق بهؤلاء رُؤَسَاء الْأَطِبَّاء بالطباق الشَّرِيفَة ورؤساء الجرائحية
وَمن فِي معناهم
فَالَّذِي يكْتب لكاتب السِّرّ الشريف بالأبواب الشَّرِيفَة الْمقر الْأَشْرَف العالي المولوي القاضوي العالمي البليغي اليميني السفيري المشيري السيدي المخدومي الْفُلَانِيّ صَاحب ديوَان الْإِنْشَاء الشريف بالأبواب الشَّرِيفَة وَسَائِر الممالك الإسلامية عظم الله شَأْنه
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمقر الشريف العالي إِلَى آخر الألقاب
وَيكْتب لكاتب سر الشَّام
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمقر العالي إِلَى آخِره
وَيكْتب لكاتب سر حلب
وَدون هَذِه(2/472)
الرُّتْبَة الجناب الْكَرِيم العالي إِلَى آخر
وَيكْتب لكاتب سر طرابلس وحماة النَّائِب كَاتب السِّرّ بالأبواب الشَّرِيفَة وَلَا يكْتب لَهُ اليميني وَلَا السفيري وَلَا المشيري
وَيكْتب أَيْضا لأعيان موقعي الدست الشريف بالأبواب الشَّرِيفَة وَالشَّام
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الجناب العالي القضائي الأوحدي الأفضلي الأمجدي الأكملي الْفُلَانِيّ
وَيكْتب لبَقيَّة موقعي الدست الشريف بالأبواب الشَّرِيفَة ولكاتب سر غَزَّة وَكَاتب سر صفد وموقعي الدست الشريف بحلب المحروسة
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمجْلس العالي وَيكْتب لِذَوي الهيئات من المتعممين ويضاف إِلَيْهَا من الألقاب مَا يَلِيق بالمكتوب لَهُ
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْمجْلس السَّامِي وَيكْتب لأصاغر مباشري دواوين الْأُمَرَاء
وَدون هَذِه الرُّتْبَة مجْلِس القَاضِي الْأَجَل الْكَبِير الْمُحْتَرَم الْأَفْضَل الْأَكْمَل الْمُعْتَبر فلَان فَهَذِهِ ثَمَانِيَة مَرَاتِب
الأولى وَهِي الْمقر الْأَشْرَف العالي يُشَارك كَاتب السِّرّ فِيهَا الْآن الْوَزير وَلَكِن يكْتب لَهُ عوض اليميني السفيري المدبري لصاحبي الوزيري المشيري وَكَذَلِكَ نَاظر الْخَاص وَكَذَلِكَ نَاظر الْجَيْش وَكَذَلِكَ استادار الْعَالِيَة إِذا كَانَ متعمما
وَالثَّانيَِة وَهِي الْمقر الشريف تكْتب لناظر الخزانة الشَّرِيفَة وناظر الإصطبل وَمن فِي مَعْنَاهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى قربه من الْملك
وَالثَّالِثَة وَهِي الْمقر العالي تكْتب لناظر الدولة وناظر ديوَان الْمُفْرد
وَالرَّابِعَة تكْتب لناظر الْكسْوَة ووكيل السُّلْطَان
وَالْخَامِسَة تكْتب لناظر البيوتات والأسواق ونظائره من أكَابِر مباشري دواوين الْأُمَرَاء كناظر الدِّيوَان
وَالسَّادِسَة تكْتب لعامة المباشرين بدواوين الْأُمَرَاء
كالعامل والمستوفى ونائب النَّاظر ورؤساء الْأَطِبَّاء والجرائحية ومهاترة البيوتات
وَالسَّابِعَة تكْتب الْمَعْنى لمباشرين
ونواب المستوفيين والعمال والرختوانية ورؤوس نوب الفرشخانات وفراشين الزردخانات وأكابر الصيارف
وَالثَّامِنَة لمساتير النَّاس من كل طَائِفَة
هَذَا وَإِذا أردْت تَعْظِيمه
قلت مجْلِس فلَان وَإِن أردْت أَن يكون على حد سَوَاء
كتبت الصَّدْر الْأَجَل الْكَبِير الْمُحْتَرَم أَو الْحَاج الْجَلِيل الْمُحْتَرَم فلَان(2/473)
الضَّرْب الثَّانِي حكام الشَّرِيفَة المطهرة قُضَاة الْقُضَاة ذَوُو الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمن فِي درجتهم من الْعلمَاء المفتيين والمدرسين ونقيب الْأَشْرَاف وَشَيخ الشُّيُوخ بالخوانق وناظر الْحِسْبَة الشَّرِيفَة وناظر الْأَوْقَاف وناظر الْأَيْتَام
ووكيل بَيت المَال وناظر حرم مَكَّة المشرفة وناظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين الْقُدس والخليل عَلَيْهِ وناظر الجوالي ومشايخ الطَّرِيقَة
ويلتحق بهؤلاء أَعْيَان الخواجكية
والتجار السَّلَام ومشايخ الْأَسْوَاق والعرفاء والسماسرة
وَمن فِي معناهم
فَالَّذِي يكْتب لقَاضِي الْقُضَاة الشَّافِعِي بالديار المصرية ورفقته الثَّلَاثَة سيدنَا ومولانا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة الْحجَّة الرحلة الحبر الْبَحْر الفهامة
قَاضِي الْقُضَاة فلَان الدّين شيخ الْإِسْلَام ملك الْعلمَاء الْأَعْلَام وَذخر الْأَنَام حَسَنَة اللَّيَالِي وَالْأَيَّام حَاكم الْحُكَّام عُمْدَة الْأَحْكَام نَاصِر الْحق مؤيد الشَّرِيعَة أَو نَاصِر السّنة رحْلَة الْمُحدثين بَقِيَّة الْمُجْتَهدين لِسَان الْمُتَكَلِّمين حجَّة المناظرين قامع المبتدعين خَالِصَة أَمِير الْمُؤمنِينَ
أَبُو فلَان فلَان النَّاظر فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بالديار المصرية والممالك الشَّرِيفَة الإسلامية
أدام الله تَعَالَى أَيَّامه الزاهرة وأسبغ عَلَيْهِ نعمه باطنة وظاهرة وَجمع لَهُ بَين خيري الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَيكْتب لنوابهم فِي الحكم وَالْقَضَاء سيدنَا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة أقضى الْقُضَاة فلَان الدّين شرف الْعلمَاء أوحد الْفُضَلَاء
مفتي الْمُسلمين صدر المدرسين مُفِيد الطالبين ولي أَمِير الْمُؤمنِينَ فلَان
أعز الله أَحْكَامه وأفاض عَلَيْهِ إنعامه أَو أيده الله تَعَالَى
وَيكْتب لقضاة الْقُضَاة الْأَرْبَع بِالشَّام مَا يكْتب للأربعة بِمصْر غير أَنه لَا يكْتب شيخ الْإِسْلَام بِالشَّام إِلَّا للشَّافِعِيّ دون رفقته أَو لمن هُوَ من الْعلمَاء الأجلاء الراسخين فِي الْعلم حنفيا كَانَ أَو غير حَنَفِيّ
وَيكْتب لنوابهم مَا يكْتب لنواب المصريين غير أَنه لَا يُقَال فِي ألقاب النَّائِب الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة اللَّهُمَّ إِلَّا إِن كَانَ النَّائِب فِيهِ مزية الْعلم
فينزله الْكَاتِب مَنْزِلَته الَّتِي هُوَ مَوْصُوف بهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى علمه وَعَمله
وَيكْتب لمشايخ الْعلم وَالْفَتْوَى والتدريس المعروفين فِي ذَلِك بقدم الْهِجْرَة ورسوخ الْقدَم سيدنَا ومولانا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَامِل الْعَلامَة(2/474)
الْحجَّة الرحلة الفهامة الْمُحَقق المدقق الْمُجْتَهد الْحَافِظ فلَان الدّين شيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين
أَو حجَّة الْإِسْلَام فِي الْعَالمين لِسَان الْمُتَكَلِّمين حجَّة المناظرين أَو سيف النّظر والتمكين خُلَاصَة الْعلمَاء العاملين صفوة الْمُلُوك والسلاطين فلَان
وَإِن كَانَ فريد عصره زيد فِي ألقابه بعد الفهامة الوحيد الفريد الْمُفِيد الْمُحَقق المدقق عَالم الْمُسلمين هَذَا إِذا كَانَ مَا تولى الْقَضَاء
وَإِن كَانَ شيخ خانقاه صوفية زيد فِي ألقابه شيخ شُيُوخ العارفين
وَيكْتب لنقيب الْأَشْرَاف سيدنَا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل البارع السَّيِّد الشريف الحسيب النسيب الطَّاهِر الْأَصِيل العريق التقي النقي الذكي فلَان الدّين جمال العترة الطاهرة كَوْكَب الأسرة الزاهرة فرع الشَّجَرَة الزكية زين الذُّرِّيَّة العلوية طراز الْعِصَابَة الهاشمية خُلَاصَة الْأَنْسَاب النَّبَوِيَّة فَخر السَّادة الْأَشْرَاف فِي الْعَالمين نسيب أَمِير الْمُؤمنِينَ فلَان نقيب السَّادة الْأَشْرَاف بالمملكة الْفُلَانِيَّة
أدام الله شرفه ورحم سلفه وَأبقى خلقه
وَإِن أردْت الزِّيَادَة فِي تَعْظِيمه ألحقت فِي الألقاب الْمُتَقَدّمَة من بعد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى فَتَقول الشيخي الإمامي إِلَى عِنْد الزكوي وتلخص من هَذِه الألقاب لكل عين من أَعْيَان السَّادة الْأَشْرَاف ومشايخهم مَا يَلِيق بِهِ
وَيكْتب للخطباء بعد العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشيخي الإمامي العالمي العاملي الخطيبي البليغي الأثيلي الأثيري المبصري المنبهي المذكري الأوحدي المرشدي الفصيحي البارعي الْفُلَانِيّ فلَان الدّين خطيب الْمُسلمين فلَان
وَإِن كَانَ إِمَامًا كتب لَهُ العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الْفَقِيه الْفَاضِل الْكَامِل المتقن الْمجِيد الْمُوفق السديد الإِمَام فلَان(2/475)
وَيكْتب لناظر الْحِسْبَة الشَّرِيفَة إِن كَانَ تركيا الجناب العالي الأميري الكبيري العالمي الفاضلي الكاملي الأوحدي الْفُلَانِيّ
وَإِن كَانَ فَقِيها كتب إِلَيْهِ العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْفَاضِل الأوحد الرئيس الْأمين المكين فلَان الدّين
فَإِن كَانَ عَالما زيد فِي ألقابه شرف الْعلمَاء زين الْفُضَلَاء عُمْدَة الْحُكَّام المعتبرين بركَة الْمُسلمين فلَان
وَيكْتب لناظر الْأَوْقَاف إِن كَانَ تركيا الجناب العالي كَمَا تقدم فِي الْمُحْتَسب التركي
وَإِن كَانَ فَقِيها فَكَذَلِك
وَيكْتب لناظر الْأَيْتَام ووكيل بَيت المَال مَا يكْتب لنواب الْقُضَاة
فَإِن نَاظر الْأَيْتَام نَائِب القَاضِي
ووكيل بَيت المَال نَائِب السُّلْطَان
وَيكْتب لناظر حرم مَكَّة المشرفة إِن كَانَ تركيا الجناب العالي ويخاطب بألقاب التّرْك غير أَنه يُزَاد فِيهِ العالمي العادلي المجتبوي المختاري الْفُلَانِيّ
وَيكْتب لناظر الْحَرَمَيْنِ الشريفين إِن كَانَ تركيا الجناب العالي بِالْأَلْقَابِ الْمُتَقَدّمَة فِي الجناب
وَإِن كَانَ فَقِيها ميزه بأوصافه اللائقة بِهِ
بِحَسب مَنْزِلَته من الْعلم
وَيكْتب لناظر الجوالي إِن كَانَ فَقِيها ألقاب الْفُقَهَاء المتصدرين
كالعالمي الفاضلي الكاملي الْأصيلِيّ العريقي الأوحدي الأمجدي الرئيسي النفيسي وَمَا أشبه ذَلِك على مَا تَقْتَضِيه مَنْزِلَته
وَيكْتب لمشايخ الطَّرِيقَة المعتقدين فِي النَّاس إِذا كَانُوا عُلَمَاء الشَّيْخ الصَّالح الْعَالم الْعَامِل الْوَرع الزَّاهِد الخاشع العابد الناسك المسلك الْقدْوَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى فلَان الدّين مربي المريدين
مرشد السالكين علم الْعباد
قطب الزهاد
شيخ الطَّرِيقَة
ومعدن الْحَقِيقَة
حجَّة الله على الْعباد
نُكْتَة الْوُجُود
نقطة دَائِرَة الْفَيْض الرباني والجود
وقدوة الْمُسلمين
ملاذ العابدين
شمس الشَّرِيعَة وَالدّين فلَان
وَإِن كَانَ شيخ طَريقَة غير مَنْسُوب إِلَى علم
فَيكْتب لَهُ الشَّيْخ الْوَرع الزَّاهِد الْقدْوَة فلَان
أعَاد الله من بركاته ونفع بِصَالح دعواته
وَأما التُّجَّار فعلى ثَلَاثَة أَقسَام مِنْهُم المختلفون إِلَى الديار المصرية والممالك الشامية بالجواهر الفاخرة والقماش النفيس وأنواع المكارم
فَهَؤُلَاءِ يكْتب لَهُم الجناب الْكَرِيم العالي الكبيري الرئيسي الأوحدي الأمجدي الثقتي الأميني المكيني المعتمدي الخواجكي الْفُلَانِيّ عين الخواجكية بالمملكة الْفُلَانِيَّة
آتَاهُ الله فِي متاجره أعظم فَوَائده وأجراه من إدارك أمله على أجمل عوائده
وَإِن كَانَ مِمَّن انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة الخواجكية
ونال من الْمُلُوك والسلاطين أعظم(2/476)
المزية
كَابْن المزلق وَغَيره
فيصدر نَعته ب الْمقر العالي وَيجْرِي الألقاب إِلَى الخواجكي الْفُلَانِيّ فلَان الدّين مجد الْإِسْلَام بهاء الْأَنَام
فَخر الخواجكية شاه بنادر الممالك الإسلامية ملك التُّجَّار
مَعْدن الصَّدَقَة والإيثار
كنز الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
اخْتِيَار الْمُلُوك والسلاطين فلَان
أدام الله رفعته
وَأَعْلَى دَرَجَته
وَقسم يعانون الْأَسْفَار بأنواع البضائع وأصناف المتاجر
وأنواع القماش البعلبكي
وَالصُّوف والشاش والسكندري الْمصْرِيّ
وَغير ذَلِك مَا عدا المكارم
فَهَؤُلَاءِ يكْتب لَهُم الجناب العالي الأوحدي الأكملي الأخصي المعتبري الأجلي المحترمي
الْفُلَانِيّ التَّاجِر السفار
وَيكْتب لمن دونه الخواجا الْأَجَل الْكَبِير الْمُحْتَرَم الْأَعَز الْأَخَص الأكرم
فلَان بِغَيْر يَاء إِضَافَة
فَإِن كَانَ من تجار الشرق كالعجم وَالروم فيزيد فِي ألقابه المفخم الْمُعظم المكرم
فَإِن كَانَ هنديا زيد فِي ألقابه الناخدي أَو الناخودا
فَإِن كَانَ أعجميا وَعِنْده طلب علم يكْتب فِي ألقابه زِيَادَة على مَا ذكر الْعَالم الْفَاضِل ملا فلَان
وَقسم يعانون الْجُلُوس فِي الْأَسْوَاق فِي الحوانيت للْبيع وَالشِّرَاء فِي القماش الْبَز وَغَيره
فَهَؤُلَاءِ يكْتب لَهُم الْمجْلس السَّامِي الْكَبِير الْجَلِيل الصَّدْر الرئيس فلَان
وَيكْتب لمن دون هَؤُلَاءِ من مَشَايِخ الْأَسْوَاق وأكابر السماسرة والعرفاء
الصَّدْر الْأَجَل الْكَبِير الْمُحْتَرَم الْأَعَز الْأَخَص فلَان
وَيكْتب لمن دون هَؤُلَاءِ الْحَاج الْجَلِيل فلَان
وَيكْتب لمن دون هَؤُلَاءِ الْمعلم الْأَجَل الْمُحْتَرَم فلَان
ضَابِط اعْلَم أَن مَرَاتِب ألقاب ذَوي الرتب الْعلية
فَمن دونهم لَا تَنْحَصِر والمدار فِيهَا على حذق الْكَاتِب كَمَا تقدم
وَهُوَ مَأْمُور بتنزيل النَّاس مَنَازِلهمْ
فَمن عرف فِيهِ مزية تَقْتَضِي الزِّيَادَة فِي تَرْجَمته زَاد فِي تَرْجَمته مَا يَلِيق بمقامه
وَذَلِكَ لَا يخفى على اللبيب البارع
وَلَا يخفى أَن أهل هَذَا الزَّمَان قنعوا بالتراجم وامتحنوا بحب الرياسة ويرضون من النَّاس بالإفراط فِي تراجمهم من غير إِنْكَار فنسأل الله تَعَالَى حسن الخاتمة
وَأما تراجم النِّسَاء فَهِيَ أَيْضا تتَمَيَّز بِحَسب تميز أَزوَاجهنَّ من ذَوي الرتب الْعلية
وَلِلنَّاسِ فِي تراجمهن اصْطِلَاح
أحببنا إِيرَاده ليَكُون الْكَاتِب مِنْهُ على بَصِيرَة
وَهن فِي الْقيَاس على حكم مَا تقدم(2/477)
فجهات الْخُلَفَاء أَعلَى مَرَاتِب الْجِهَات
ويليهن جِهَات الْمُلُوك والسلاطين وَمن دونهن على قدر مَرَاتِب أَزوَاجهنَّ
فأعلى مَا يكْتب لجهات الْخُلَفَاء والملوك والسلاطين الآدر الشَّرِيفَة ذَات السّتْر الرفيع العالي المصوني الممنعي المحجبي الخوندي الخليفتي الخاتوني عصمَة الدّين فَخر النِّسَاء فِي الْعَالمين
سيدة الخوندات زين الخواتين
كافلة الْأَيْتَام وَالْمَسَاكِين خوند فُلَانَة جِهَة مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
وَإِن كَانَت جِهَة السُّلْطَان فَلَا يكْتب لَهَا الخليفتي بل يكْتب السُّلْطَان الخاتوني وَلَا يكْتب لَفْظَة خوند إِلَّا لجِهَة خَليفَة أَو لابنَة خَليفَة أَو أُخْته أَو والدته
وَكَذَلِكَ لَا يكْتب لَفْظَة خوند إِلَّا لجِهَة سُلْطَان أَو لابنته أَو أُخْته أَو والدته
وَلَا يُخَاطب فِي كليهمَا إِلَّا لجِهَة مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو جِهَة مَوْلَانَا السُّلْطَان لَا بِلَفْظ زوج فلَان فَإِن الْجِهَة أرفع فِي الْمرتبَة
ويلتحق بِهَذَا الْقَيْد كل امْرَأَة أردْت تَعْظِيم شَأْنهَا من جِهَة ابْن السُّلْطَان وجهة أتابك العساكر وكافل المملكة الشامية المحروسة وَمن فِي درجتهم من أَرْبَاب وظائف الدولة الشَّرِيفَة
وَلَا يكْتب الآدر الشَّرِيفَة إِلَّا لجِهَة السُّلْطَان الْخَلِيفَة
وَدون رُتْبَة الآدر الشَّرِيفَة الآدر الْكَرِيمَة الْعَالِيَة المعظمة المبجلة المكرمة المحجبة الأصيلة العريقة ذَات السّتْر الرفيع والحجاب المنيع فُلَانَة
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الستار الْكَرِيمَة الْعَالِيَة الْكَبِيرَة الجليلة المكرمة المفخمة المخدرة المحجبة فُلَانَة وَهِي تكْتب لِنسَاء مقدمي الألوف وأكابر الدولة من أَرْبَاب الأقلام وَالسُّيُوف
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْجِهَة المصونة المحجبة المخدرة فُلَانَة وَهِي تكْتب لِنسَاء أُمَرَاء الطبلخانات وَمن فِي درجتهم من أَرْبَاب الْوَظَائِف ووجوه النَّاس
وَدون هَذِه الرُّتْبَة الْجِهَة الْمُبَارَكَة السيدة المصونة الْكُبْرَى فُلَانَة وَهِي تكْتب لمن دون من تقدم فِي الرُّتْبَة الَّتِي قبل هَذِه
وَدون هَذِه الرُّتْبَة المصونة فُلَانَة وَلَيْسَ بعد هَذِه الرتب مِمَّا يتَعَلَّق بتراجم النِّسَاء غير الِاسْم خَاصَّة
وَأما التَّارِيخ فَلَا يخفى مَا فِيهِ من الْفَوَائِد الجمة وَلَا مَا فِي الْخَتْم بِهِ من الْحِكْمَة
وتاريخ الْإِسْلَام بِالْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّة وضع لأَرْبَع سِنِين خلت من خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
وَسَببه أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ كتب إِلَى عمر رَضِي الله(2/478)
عَنهُ إِنَّه يأتينا مِنْك كتب لَيْسَ لَهَا تَارِيخ
فأرخ لتستقيم الْأَحْوَال
فأرخ وَقيل رفع إِلَى عمر صك مَحَله شعْبَان
فَقَالَ أَي شعْبَان هَذَا الَّذِي نَحن فِيهِ أم الْمَاضِي أم الَّذِي يَأْتِي
وَقيل أول من أرخ يعلى بن أُميَّة
كتب إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ من الْيمن كتابا مؤرخا
فَاسْتَحْسَنَهُ
وَشرع فِي التَّارِيخ
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لما عزم عمر رَضِي الله عَنهُ على التَّارِيخ جمع الصَّحَابَة واستشارهم
فَقَالَ سعد بن أبي وَقاص أرخ لوفاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ طَلْحَة أرخ لمبعثه وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب لهجرته
فَإِنَّهَا فرقت بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَقَالَ آخَرُونَ لمولده
وَقَالَ قوم لنبوته
وَكَانَ ذَلِك فِي سنة سبع عشرَة من الْهِجْرَة
وَقيل سنة سِتّ عشرَة
فاتفقوا على أَن يؤرخوا بِالْهِجْرَةِ
ثمَّ اخْتلفُوا فِيمَا يبدأون بِهِ من الشُّهُور
فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ابدأ برجب
فَإِنَّهُ أول الْأَشْهر الْحرم
وَقَالَ طَلْحَة ابدأ برمضان
فَإِنَّهُ شهر الْأمة
وَفِيه أنزل الْقُرْآن
وَقَالَ عَليّ ابدأ بالمحرم
لِأَنَّهُ أول السّنة
وَمن الْأَشْهر الْحرم
وَقيل إِنَّمَا أَشَارَ بالمحرم عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنْهُم
فاستقر الْحَال على ذَلِك
وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قد ذكر الله التَّارِيخ فِي كِتَابه
فَقَالَ تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج} وَقَالَ قَتَادَة فِي تَفْسِير الْآيَة جعلهَا الله تَعَالَى مَوَاقِيت لصوم الْمُسلمين وإفطارهم وحجهم ومناسكهم
وَعدد نِسَائِهِم وَغير ذَلِك وَالله أعلم بِمَا يصلح خلقه انْتهى
هَذَا آخر مَا انتقيناه من جَوَاهِر الْعُقُود وَنِهَايَة مَا أردناه من تَقْرِير مصطلح الموقعين وَالشُّهُود الْجَارِي على الرَّسْم الْمَعْهُود
وَإنَّهُ لكتاب اشْتَمَل على مَادَّة من الْعَالم وافرة وَخص من الْفَوَائِد بجملة إِذا تصرف الْمُتَصَرف فِيهَا أحرز الْجَوَاهِر الفاخرة مطالعه لَا يحْتَاج مَعَ سلوك منهاجه القويم إِلَى تَنْبِيه
وَلَا يفْتَقر فِي مؤاخاة الاسترشاد بِهِ إِلَى كَاف تَشْبِيه
وَأَنا أناشد الله تَعَالَى من وقف عَلَيْهِ من حبر بليغ الْقَلَم منيره أَو بَحر اللِّسَان غواصه وَالْكَلَام جوهره أَن يعاملني عِنْد الْوُقُوف عَلَيْهِ بإغضائه وصفحه وَأَن يسدد مَا يَقع عَلَيْهِ طرف تَأمله وانتقاده من الْخلَل كاشفا ظلام عَيْني بإسفار صبحه وتمحيص نصحه حَامِلا كل قَول يستغربه أَو يستهجنه على أحْسنه رادا كل لَفْظَة فظة إِلَى أوضح معنى وأبينه فَأَي جواد لَا يكبو وَأي سيف لَا ينبو(2/479)
وَمن ذَا الَّذِي ترضي سجاياه كلهَا كفى الْمَرْء فضلا أَن تعد معايبه والخلق يتفاضلون فِي الْعلم والإدراك
والعاقل يحْتَاج إِلَى مُنَبّه يحذرهُ مدارك التعقب والاستدراك
وقصارى مُؤَلفه الْفَقِير الحقير الِاعْتِرَاف بِمَا لَدَيْهِ من الْعَجز وَالتَّقْصِير وَأَن خطوه فِي سلوك هَذَا المرتقى الوعر قصير
وَهُوَ يسْتَغْفر الله مِمَّا طَغى بِهِ الْقَلَم
وحاول إِدْرَاك شأو الْمُتَقَدِّمين فِيهِ فَلم
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين أَولا وآخرا وَبَاطنا وظاهرا
وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَأَصْحَابه أَجْمَعِينَ
صَلَاة دائمة بَاقِيَة إِلَى يَوْم الدّين
وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل
وَلَا حول وَقُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم(2/480)