|
المؤلف: شمس الدين محمد بن أبي العباس أحمد بن حمزة شهاب الدين الرملي (المتوفى: 1004هـ)
الناشر: دار الفكر، بيروت
الطبعة: ط أخيرة - 1404هـ/1984م
عدد الأجزاء: 8
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
- بأعلى الصفحة: كتاب «نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج» للرملي
- بعده (مفصولا بفاصل) : حاشية أبي الضياء نور الدين بن علي الشبراملسي الأقهري (1087هـ)
- بعده (مفصولا بفاصل) : حاشية أحمد بن عبد الرزاق المعروف بالمغربي الرشيدي (1096هـ)
تَعَالَى أَوْ لِأُسْلِمَ أَوْ لِأَبْذُلَ جِزْيَةً (أَوْ) دَخَلْتُ (رَسُولًا) وَلَوْ بِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لَنَا (أَوْ) دَخَلَتْ (بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) يَصِحُّ أَمَانُهُ (صُدِّقَ) وَحَلَفَ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، نَعَمْ إنْ أُسِرَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَفِي الْأُولَى يُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَحُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ قَدْرًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِسُهُولَتِهَا، وَرُدَّ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِهِ أَوْ بِنَحْوِهِ
(وَيُشْتَرَطُ لِعَقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ) الْعَامُّ، أَوْ فِي عَقْدِهَا لِكَوْنِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعِظَامِ فَاخْتَصَّتْ بِذِي النَّظَرِ الْعَامِّ (وَعَلَيْهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا (الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوهَا) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ هُنَا مَصْلَحَةٌ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ (إلَّا) أَسِيرًا أَوْ (جَاسُوسًا) مِنْهُمْ، وَهُوَ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ، بِخِلَافِ النَّامُوسِ فَإِنَّهُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ (نَخَافُهُ) فَلَا تَجِبُ إجَابَتُهَا بَلْ لَا تُقْبَلُ مِنْ الثَّانِي لِلضَّرُورَةِ، وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ طَلَبَهُمْ لَهَا مَكِيدَةٌ مِنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُمْ
(وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) وَصَابِئَةٍ وَسَامِرَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُمْ فِي أَصْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَرَبُ وَالْعَجَمُ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فِي آيَتِهَا (وَالْمَجُوس) «لِأَخْذِهِ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَقَالَ: سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلِأَنَّ لَهُمْ شُبْهَةَ كِتَابٍ (وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ) أَوْ مَعَهُ وَلَوْ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبُوا الْمُبَدَّلَ تَغْلِيبًا لِحَقْنِ الدَّمِ، وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ حِلِّ نِكَاحِهِمْ وَذَبِيحَتِهِمْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْمَيْتَاتِ التَّحْرِيمُ، بِخِلَافِ وَلَدِ مَنْ تَهَوَّدَ بَعْدَ بَعْثَةِ عِيسَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ، أَوْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ بَعْدَ بَعْثَةِ نَبِيِّنَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاكْتِفَاؤُهُمْ بِالْبَعْثَةِ وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مَظِنَّتَهُ وَسَبَبَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُضِرَّ دُخُولُ كُلٍّ مِنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ النَّسْخِ لَا أَحَدِهِمَا.
وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ بِدَلِيلِ عَقْدِهَا لِمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ وَثَنِيٌّ كَمَا يَأْتِي (أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ) أَيْ التَّهَوُّدِ أَوْ التَّنَصُّرِ أَكَانَ قَبْلَ النَّسْخِ أَمْ بَعْدَهُ تَغْلِيبًا لِلْحَقْنِ أَيْضًا، وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ، فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ قِتَالَهُمْ إنْ بَانَ كَذِبُهُمْ اغْتَالَهُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ: أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ كَذَلِكَ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا وَإِطْلَاقِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَقْيِيدِهِ أَوْلَادَهُمْ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْأَصْلِيِّينَ الَّذِينَ لَا انْتِقَالَ لَهُمْ هُمْ الْأَصْلُ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ عَبَّرَ فِيهِ بِالْأَوْلَادِ، وَمُرَادُهُ بِهِمْ الْفُرُوعُ وَإِنْ سَفَلُوا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَبِضَمِّ مَا هُنَا إلَيْهَا تَصِيرُ خَمْسَةً
(قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَمَانُهُ) هَلْ يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِهَذَا (قَوْلُهُ: أَيْضًا يَصِحُّ أَمَانُهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَلَا عِبْرَةَ بِأَمَانِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ اهـ.
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُوجِبُ تَبْلِيغَ الْمَأْمَنِ فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي الرَّوْضِ فِي بَابِ الْأَمَانِ إنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ فَظَنَّ صِحَّتَهُ بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ. وَقَوْلُهُ هَلْ يَجِبُ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَبْذُهُ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأَوْلَى) أَيْ سَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: أَوْ بِنَحْوِهِ) كَالْتِزَامِ الْجِزْيَةِ أَوْ كَوْنِهِ رَسُولًا
(قَوْلُهُ: إلَّا أَسِيرًا) عِبَارَةُ الْعُبَابِ: وَإِنْ بَذَلَهَا: أَيْ الْجِزْيَةَ أَسِيرٌ كِتَابِيٌّ حُرِّمَ قَتْلُهُ لَا إرْقَاقُهُ وَغُنِمَ مَالُهُ اهـ سم عَلَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَسَامِرَةٍ لَمْ تُعْلَمْ مُخَالَفَتُهُمْ) أَيْ بِأَنْ عَلِمْنَا مُوَافَقَتَهُمْ أَوْ شَكَكْنَا فِيهَا (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهَا نَاسِخَةٌ) أَيْ وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَسَبَبُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) يُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ مَنْ تَهَوَّدَ كَمَا يَصْدُقُ بِكُلٍّ يَصْدُقُ بِالْأَحَدِ، فَمِنْ أَيْنَ الِاقْتِضَاءُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَتْ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِكَذِبِهِمْ) أَيْ وَقَدْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مِمَّنْ تُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُ) أَيْ بِكَوْنِ أُصُولِهِمْ تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ قَبْلَ النَّسْخِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُتَعَلَّقٍ إذْ لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكَفٍّ كَأَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ ذُكِرَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ عَنْ
(قَوْلُهُ: يَصِحُّ أَمَانُهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَإِلَّا فَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ وَظَنَّ صِحَّتَهُ يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ لَا انْتِقَالَ لَهُمْ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاعْتِرَاضَيْنِ الْآتِيَيْنِ نَصُّهَا: وَيَرِدُ
(8/87)
لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الِانْتِقَالَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ طُرُوُّ الْبَعْثَةِ، وَذَلِكَ قَدْ انْقَطَعَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَوْلَادُ الْمُنْتَقِلِينَ فَذَكَرَهُمْ ثَانِيًا، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى، وَدَعْوَى أَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ الْفَسْخِ يُعْقَدُ لِأَوْلَادِهِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْقَدُ لَهُمْ إنْ لَمْ يَنْتَقِلُوا عَنْ دِينِ آبَائِهِمْ بَعْدَ الْبَعْثَةِ مَرْدُودَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوْلَادٍ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمْ انْتِقَالٌ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ (وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد صَلَّى اللَّهُ) عَلَى نَبِيّنَا وَ (عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ) وَصُحُفِ شِيثٍ وَهُوَ ابْنُ آدَمَ لِصُلْبِهِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى كُتُبًا فَانْدَرَجَتْ فِي قَوْله تَعَالَى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [التوبة: 29] (وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ) وَلَوْ الْأُمَّ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ أَمْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا، وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ بِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ، وَمَا أَوْهَمَهُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ مِنْ أَنَّ اخْتِيَارَ ذَلِكَ قَيْدٌ هُنَا أَيْضًا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِتَسْمِيَتِهِ كِتَابِيًّا لَا لِتَقْرِيرِهِ (وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ تَغْلِيبًا لِذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ فِي الْأَوْلَى أَصَحُّ وَجْهَيْنِ وَقَطَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَفِي الثَّانِيَةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَقَوْلٌ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ قَطَعَ بَعْضُهُمْ بِمُقَابِلِهِ، نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ لَمْ يُقَرَّ جَزْمًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ مِمَّنْ يُعْقَدُ لَهُمْ الْجِزْيَةُ، إذْ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ غَالِبًا إلَّا مِنْهُمْ، وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ عَقْدِهَا لِغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ كَعَابِدِ شَمْسٍ أَوْ مَلِكٍ أَوْ وَثَنٍ وَأَصْحَابِ الطَّبَائِعِ وَالْمُعَطِّلِينَ وَالْفَلَاسِفَةِ وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي النِّكَاحِ
(وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ) بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ ابْنِ حَزْمٍ فِيهِ (وَخُنْثَى) لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ، فَلَوْ بَذَلَاهَا أَعْلَمْنَاهُمَا بِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُمَا، فَإِنْ رَغِبَا بِهَا فَهِبَةٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَوْ عَكَسَ) كَأَنْ يَقُولَ وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِمَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ وَأَوْلَادِهِمْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلنَّظَرِ إلَى آبَائِهِمْ وَجْهٌ) هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ وَجْهٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ لَهُمْ احْتِرَامٌ بِكَوْنِ انْتِقَالِهِمْ قَبْلَ النَّسْخِ سَرَى الِاحْتِرَامُ لِأَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ انْتَقَلُوا تَبَعًا لَهُمْ فَتَأَمَّلْهُ اهـ سم عَلَى حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنُ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ دِينَ الْكِتَابِيِّ مِنْهُمَا حَلَّتْ، وَذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي فَصْلِ يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَنْ النَّصِّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِتَحْرِيمِهَا وَهُوَ أَوْجَهُ اهـ (قَوْلُهُ: اخْتِيَارَهَا الْكِتَابِيَّ) أَيْ دِينَهُ (قَوْلُهُ: لَا لِتَقْرِيرِهِ) أَيْ وَإِلَّا فَالشَّرْطُ أَنْ لَا يُخْتَارَ دِينُ الْوَثَنِيِّ مَثَلًا (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ بَلَغَ) هَذَا يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ السَّابِقُ اخْتَارَ الْكِتَابِيَّ إلَخْ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَهُوَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَيَدِينُ بِدِينِ أَبِيهِ اُنْظُرْ إذَا بَلَغَ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَدَيُّنٌ بِوَاحِدٍ مِنْ الدِّينَيْنِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَرُّ وَهُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ السَّابِقِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَالِغِ بِدَلِيلِ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ يَتْبَعُ أَشْرَفَ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ، وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاخْتِيَارِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَتَدَيَّنَ بِدِينِ أَبِيهِ) وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ اسْتِحْبَابُ تَحْلِيفِهِمْ) أَيْ بِاَللَّهِ وَإِذَا أُرِيدَ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِمْ غُلِّظَ عَلَيْهِمْ بِمَا هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى كَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَأَخْرَجَ النَّبَاتِ (قَوْلُهُ: وَالدَّهْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ) أَيْ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِدِينِ مَنْ تُعْقَدُ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ إلَى آخَرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ
(قَوْلُهُ فَهِبَةٌ) أَيْ لِجِهَةِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ بَانَ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا الْأَصْلَ وَهْم الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْأَصْلِيُّونَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ الِانْتِقَالُ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الِانْتِقَالَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ كَوْنَ شَرْطِ حِلِّ نِكَاحِهَا اخْتِيَارُهَا الْكِتَابِيَّ) الَّذِي قَدَّمَهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ اعْتِمَادُ حُرْمَةِ نِكَاحِهَا مُطْلَقًا اخْتَارَتْ أَمْ لَمْ تَخْتَرْ، وَهُوَ تَابِعٌ هُنَا لِابْنِ حَجَرٍ وَهُوَ جَارٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ ثُمَّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ بَلَغَ ابْنُ وَثَنِيٍّ مِنْ كِتَابِيَّةٍ) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَارِّ اخْتَارَ الْكِتَابِيُّ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ عَكْسِ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ كَذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ
(8/88)
ذَكَرًا أُخِذَ مِنْهُ عَمَّا مَضَى، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي حَرْبِيٍّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ بِأَنَّ صُورَةَ مَا هُنَا فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ لَهُ حَالَ خُنُوثَتِهِ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ) وَهُوَ مُبَعَّضٌ لِنَقْصِهِ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ وَخَبَرُ «لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ» لَا أَصْلَ لَهُ (وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا (فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ) وَنَحْوِ يَوْمٍ مِنْ سَنَةٍ (لَزِمَتْهُ) وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُهُ بِأَنْ تَكُونَ أَوْقَاتُ الْجُنُونِ فِي السَّنَةِ لَوْ لُفِّقَتْ لَمْ تُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ غَالِبًا، وَقَدْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ (أَوْ) تَقَطَّعَ (كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تَلْفِيقُ الْإِفَاقَةِ) إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ) (بَلَغَتْ) أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ (سَنَةً وَجَبَتْ) الْجِزْيَةُ لِسُكْنَاهُ سَنَةً بِدَارِنَا وَهُوَ كَامِلٌ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا هُوَ الْمُتَّجِهُ، وَكَذَا لَوْ قَلَّتْ بِحَيْثُ لَا يُقَابَلُ مَجْمُوعُهَا بِأُجْرَةٍ، وَطُرُوُّ جُنُونٍ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ كَطُرُوِّ مَوْتٍ أَثْنَاءَهُ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ. وَالثَّالِثُ يَجِبُ كَالْعَاقِلِ.
وَالرَّابِعُ يُحْكَمُ بِمُوجَبِ الْأَغْلَبِ، فَإِنْ اسْتَوَى الزَّمَانَانِ وَجَبَتْ
(وَلَوْ) (بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ) أَوْ أَفَاقَ أَوْ عَتَقَ قِنٌّ ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ (وَلَمْ يَبْذُلْ) بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ يُعْطِ (جِزْيَةً) (أُلْحِقَ بِمَأْمَنِهِ) وَلَا يُغْتَالُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَمَانِ أَبِيهِ أَوْ سَيِّدِهِ تَبَعًا (فَإِنْ بَذَلَهَا) وَلَوْ سَفِيهًا (عُقِدَ لَهُ) عَقْدُ جِزْيَةٍ لِاسْتِغْلَالِهِ حِينَئِذٍ (وَقِيلَ عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ) وَيُكْتَفَى بِعَقْدِ مَتْبُوعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَبِعَهُ فِي أَصْلِ الْأَمَان تَبِعَهُ فِي أَصْلِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ بِلَا عَقْدٍ لَزِمَتْهُمْ أُجْرَةُ مِثْلِ سُكْنَاهُمْ بِدَارِنَا، إذْ الْمُغَلَّبُ فِيهَا مَعْنَى الْأُجْرَةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهَا هُنَا أَقَلُّ الْجِزْيَةِ
(وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى) (زَمِنٍ وَشَيْخٍ وَهَرِمٍ) لَا أَرَى لَهُمَا (وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ) لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ فَلَمْ يُفَارِقْ الْمَعْذُورُ فِيهَا غَيْرَهُ.
أَمَّا مَنْ لَهُ رَأْيٌ فَتَلْزَمُهُ جَزْمًا (وَفَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ) أَصْلًا أَوْ يَفْضُلُ بِهِ عَنْ مُؤْنَتِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ آخِرَ الْحَوْلِ مَا يَدْفَعُهُ فِيهَا، وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْخُنْثَى (قَوْلُهُ: أُخِذَ مِنْهُ عَمَّا مَضَى) هَلْ يُطَالَبُ بِهِ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ أَوْ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ؟ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ الْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَمَا يَدْفَعُهُ يَقَعُ جِزْيَةً.
هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ الْأَوَّلَ، وَالْأَقْرَبُ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُعْطِي هِبَةً لَا عَنْ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: حَالَ خُنُوثَتِهِ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تُعْقَدْ لَهُ، وَمَضَى عَلَيْهِ مُدَّةٌ مِنْ غَيْرِ دَفْعِ شَيْءٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ كَالْحَرْبِيِّ إذَا أَقَامَ بِدَارِنَا بِلَا عَقْدٍ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (قَوْلُهُ لَا أَصْلَ لَهُ) أَيْ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَبْدِ، وَيُسْتَدَلُّ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِنَقْصِهِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْ أَيَّامُ الْإِفَاقَةِ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، وَهُوَ صَادِقٌ بِسِنِينَ مُتَعَدِّدَةٍ (قَوْلُهُ: أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْجُنُونِ) أَيْ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَطُرُوُّ جُنُونٍ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ) أَيْ مُتَّصِلٌ فِيمَا يَظْهَرُ، فَإِنْ كَانَ مُتَقَطِّعًا فَيَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنْ تُلَفَّقَ الْإِفَاقَةُ وَيُكَمَّلُ مِنْهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ سَنَةً اهـ سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: مَوْتٍ أَثْنَاءَهُ) أَيْ فَيَجِبُ اللَّقْطُ كَمَا يَأْتِي
(قَوْلُهُ: أَوْ عَتَقَ قِنٌّ ذِمِّيٌّ) وَفِي نُسْخَةٍ قِنُّهُ بِالضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِلذِّمِّيِّ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْأَوْلَى لِإِفَادَتِهِ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ إنْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ أُقِرَّ، وَإِلَّا بَلَغَ الْمَأْمَنَ، وَلَا يُنَافِي تَبْلِيغُهُ الْمَأْمَنَ مِنْ أَنَّ عَتِيقَ الْمُسْلِمِ لَا يُرَقُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبْلِيغِ الْمَأْمَنِ الْإِرْقَاقُ (قَوْلُهُ: عَقْدَ جِزْيَةٍ) نُسْخَةُ عَقْدٍ جَدِيدٍ، وَالْمُرَادُ غَيْرُ عَقْدِ أَبِيهِ، وَمَا فِي الْأَصْلِ أَوْلَى لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لِلتَّأْوِيلِ (قَوْلُهُ: لَوْ مَضَتْ عَلَيْهِمْ مُدَّةٌ بِلَا عَقْدٍ) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا مَرَّ فِي حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَخَبَرُ «لَا جِزْيَةَ عَلَى الْعَبْدِ» لَا أَصْلَ لَهُ) أَيْ فَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِهِ (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: لَمْ تُقَابَلْ بِأُجْرَةٍ) لَعَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّةِ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لَهَا إذْ يُتَسَامَحُ فِي نَحْوِ الْيَوْمِ بِالنَّظَرِ لِمَجْمُوعِ الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَالْيَوْمُ وَنَحْوُهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) لَعَلَّهُ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ أَوْقَاتُهُ مُنْضَبِطَةً
(قَوْلُهُ أَيْ يُعْطَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى الْبَذْلِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لُغَةً، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ بِالْبَذْلِ هُنَا الِانْقِيَادُ كَمَا لَا يَخْفَى
(قَوْلُهُ أَوْ يُفَضَّلُ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ وَكَانَ
(8/89)
(فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ) تَبْقَى حَوْلًا فَأَكْثَرَ (حَتَّى يُوسِرَ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ
(وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الْحِجَازِ) يَعْنِي الْإِقَامَةَ بِهِ، وَلَوْ بِلَا اسْتِيطَانٍ كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ الْآتِي، وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ إلَى آخِرِهِ. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ شِرَاءِ أَرْضٍ فِيهِ لَمْ يَقُمْ بِهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْحِجَازِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَوْتِهِ «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَفِي رِوَايَةٍ «آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ» وَفِي أُخْرَى «أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ وَأَهْلَ نَجْرَانَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَهَا بَلْ الْحِجَازُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ مِنْهُ وَأَقَرَّهُمْ بِالْيَمَنِ مَعَ أَنَّهُ مِنْهَا، إذْ هِيَ طُولًا مِنْ عَدَنَ إلَى رِيفِ الْعِرَاقِ، وَعَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى الشَّامِ.
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِحَاطَتِهِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ الْحِجَازُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَجَزَ بَيْنَ نَجْدٍ وَتِهَامَةَ (مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ) مَدِينَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ وَمَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الطَّائِفِ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّائِفِ مَرْحَلَةٌ وَاحِدَةٌ.
سُمِّيَتْ بِاسْمِ الزَّرْقَاءِ الَّتِي كَانَتْ تُبْصِرُ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (وَقُرَاهَا) أَيْ الثَّلَاثَةُ كَالطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَخَيْبَرَ وَالْيَنْبُعِ (وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ الْمُمْتَدَّةِ) بَيْنَ هَذِهِ الْبِلَادِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْتَدَّ فِيهَا، نَعَمْ الَّتِي بِحَرَمِ مَكَّةَ يُمْنَعُونَ مِنْهَا قَطْعًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي، وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ خَارِجَ الْحَرَمِ، بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ الْمَسْكُونَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِهَا لِلْغَالِبِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمَقَامِ فِي الْمَرْكَبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْبَرِّ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَأَقَامَ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ
(وَلَوْ) (دَخَلَ) كَافِرٌ أَيْ الْحِجَازَ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ) مِنْهُ لِتَعَدِّيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَيُخْرِجُهُ وَلَا يُعَزِّرُهُ (فَإِنْ اسْتَأْذَنَ) فِي دُخُولِهِ (أَذِنَ لَهُ) حَتْمًا كَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ لَكِنْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ جَائِزٌ فَقَطْ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ (إنْ كَانَ دُخُولُهُ مَصْلَحَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الْقَوْلُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ تَابِعًا لِأَمَانِ أَبِيهِ نَزَلَ بَعْدَ بُلُوغِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ مَكَثَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: أَقَلُّ الْجِزْيَةِ) أَيْ دِينَارٌ
. (قَوْلُهُ: لَمْ يَقُمْ بِهَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ) نُسْخَةٌ فِيهَا: قِيلَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لَكِنَّ الصَّوَابَ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّ مَا حُرِّمَ اسْتِعْمَالُهُ حُرِّمَ اتِّخَاذُهُ كَالْأَوَانِي وَآلَاتِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا يَتَّخِذُ الذِّمِّيُّ شَيْئًا مِنْ الْحِجَازِ دَارًا وَإِنْ رُدَّ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا مُنِعَ إلَخْ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْأَقْرَبُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى) أَيْ فِي شَأْنِهِمْ (قَوْلُهُ: أَجَلَاهُمْ) أَيْ أَخْرَجَهُمْ (قَوْلُهُ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْجَزِيرَةِ (قَوْلُهُ سُمِّيَتْ) أَيْ الْمَدِينَةُ (قَوْلُهُ: كَالطَّائِفِ) هُوَ تَمْثِيلٌ لِقُرَى الثَّلَاثِ، لَكِنْ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمَامَةَ لَيْسَ لَهَا قُرًى.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ قُرَى الْمَجْمُوعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ قُرًى (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ جَزَائِرِهِ) أَيْ الَّتِي بِالْحِجَازِ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُعَزِّرُهُ) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الْجَهْلَ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالْأَمَانِ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ) أَيْ قَوْلُهُ أَذِنَ لَهُ حَتْمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الظَّاهِرُ يُفَضَّلُ مِنْهُ
(قَوْلُهُ: لَيْسَ مِنْ ذَاكَ) أَيْ مِنْ الِاتِّخَاذِ الْمَمْنُوعِ أَيْ لِأَنَّ اتِّخَاذَ ذَاكَ يَجُرُّ إلَى اسْتِعْمَالِهِ، بِخِلَافِ هَذَا كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ الرَّادُّ (قَوْلُهُ: مِنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ) لَعَلَّهُ بَيَانٌ لِمَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةً كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَا يُمْنَعُونَ رُكُوبَ بَحْرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: فَرْعٌ: لَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي سَوَاحِلِهِ الْمُمْتَدَّةِ وَجَزَائِرِهِ الْمَسْكُونَة (قَوْلُهُ: إذَا أَذِنَ الْإِمَامُ) أَيْ أَمَّا إذَا لَمْ يَأْذَنْ فَلَا يُمَكَّنُونَ مِنْ رُكُوبِ
(8/90)
لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ) كَثِيرًا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَكَإِرَادَةِ عَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُنَا لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي مُقَابَلَةِ دُخُولِهِ.
أَمَّا مَعَ عَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ كَانَ) دُخُولُهُ وَلَوْ امْرَأَةً (لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ) كَعِطْرٍ (لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِذْنُ فِي دُخُولِهِ (إلَّا) إنْ كَانَ ذِمِّيًّا كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِهَا: أَيْ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ فَيُمْهِلُهُمْ لِلْبَيْعِ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ فِي دَاخِلِ دَارِنَا لِتِجَارَةٍ لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهَا، وَشُرِطَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا جَازَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ عُشْرَ الثَّمَنِ أُمْهِلُوا إلَى الْبَيْعِ اهـ.
وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ لَا يُكَلِّفُونَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَحِينَئِذٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ بَدَلُهُ إنْ رَضُوا، وَإِلَّا فَبَعْضُ أَمْتِعَتِهِمْ عِوَضًا عَنْهُ، وَيُجْتَهَدُ فِي قَدْرِهِ، وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةً كَالْجِزْيَةِ (وَلَا يُقِيمُ) بِالْحِجَازِ حَيْثُ دَخَلَهُ وَلَوْ بِتِجَارَتِهِ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ إلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ بَعْدَ الْإِذْنِ فِي دُخُولِهِ (إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ) غَيْرَ يَوْمَيْ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنْ أَقَامَ بِمَحَلٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ بِآخَرَ مِثْلِهَا وَهَكَذَا لَمْ يُمْنَعْ إنْ كَانَ بَيْنَ كُلِّ مَحَلَّيْنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ
(وَيُمْنَعُ) كُلُّ كَافِرٍ (دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ) وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] أَيْ الْحَرَمَ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ كَانَ رَسُولًا) لِمَنْ بِالْحُرُمِ مِنْ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ (خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيَسْمَعَهُ) وَيُخْبِرَ الْإِمَامَ، فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا إلَّا مُشَافَهَةً تَعَيَّنَ خُرُوجُ الْإِمَامِ إلَيْهِ لِذَلِكَ، أَوْ مُنَاظِرٌ خَرَجَ إلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أَخْرَجُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكُفْرِهِمْ عُوقِبَ جَمِيعُ الْكُفَّارِ بِمَنْعِهِمْ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ كَمَا فِي الْأُمِّ، وَبِهِ يَرِدُ قَوْلُ ابْنِ كَجٍّ: يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ كَطَبِيبٍ اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ لَهُ عَلَى مَا إذَا مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْمَرِيضِ لَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ (فَإِنْ) (مَرِضَ فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ (نُقِلَ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ) بِالنَّقْلِ لِظُلْمِهِ بِدُخُولِهِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (فَإِنْ) (مَاتَ) وَهُوَ ذِمِّيٌّ (لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ) تَطْهِيرًا لِلْحَرَمِ عَنْهُ (فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ جِيفَتِهِ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ دُخُولِهِ حَيًّا، نَعَمْ لَوْ تَقَطَّعَ تُرِكَ وَلَا يَلْحَقُ حَرَمُ الْمَدِينَةِ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا لِأَفْضَلِيَّتِهِ وَتَمَيُّزِهِ بِمَا لَمْ يُشَارَكْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَيَمْتَنِعُ الْإِذْنُ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ وَدَخَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ مَالًا (قَوْلُهُ: لَا يُكَلِّفُونَهُ) أَيْ الْبَيْعَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ سِوَى مَرَّةٍ) ظَاهِرَةٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الدُّخُولُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْأَصْنَافُ الَّتِي يَدْخُلُونَ بِهَا، وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً بِاخْتِلَافِ عَدَدِ مَرَّاتِ الدُّخُولِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا أَوْ مِنْ الصِّنْفِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْإِمَامُ، أَوْ كَيْفَ الْحَالُ فَلْيُرَاجَعْ، وَلَوْ قِيلَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ جَاءُوا بِهِ، وَإِنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُمْ بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ بَيْعِهِمْ عَلَيْنَا وَدُخُولِهِمْ بِهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ الْمُضْطَرَّ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْمُضْطَرَّ أَوْ هِيَ الْمُضْطَرَّ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ أَمَّا لَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ إلَى دُخُولِهِ كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ الْكَعْبَةُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِنَاؤُهَا إلَّا كَافِرٌ فَيَنْبَغِي جَوَازُهُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ دَعَتْ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ إلَخْ لِإِمْكَانِ حَمْلِ مَا يَأْتِي عَلَى حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ يُمْكِنُ قِيَامُ غَيْرِ الْكَافِرِ بِهَا أَوْ لَا يَحْصُلُ مِنْ عَدَمِ فِعْلِهَا خَلَلٌ قَوِيٌّ كَهَذِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ لَا أُؤَدِّيهَا) أَيْ الرِّسَالَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْبَحْرِ فَضْلًا عَنْ الْإِقَامَةِ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْمَفْهُومِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ
(قَوْلُهُ: وَيُخْبَرُ الْإِمَامُ) فِيهِ إخْرَاجُ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ إذْ الضَّمِيرُ فِيهِ لِلْخَارِجِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَهَذَا يُعَيِّنُ كَوْنَهُ لِلنَّائِبِ، ثُمَّ إنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ بِنَائِبِهِ نَائِبُهُ فِي خُصُوصِ الْخُرُوجِ وَالسَّمَاعِ وَهَلَّا كَانَ الْمُرَادُ نَائِبَهُ الْعَامَّ، وَالْمَعْنَى خَرَجَ الْإِمَامُ إنْ حَضَرَ وَإِلَّا فَنَائِبُهُ (قَوْلُهُ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ كَجٍّ عَلَيْهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ الْعِبَارَةُ (قَوْلُهُ: لِأَفْضَلِيَّتِهِ) عِلَّةٌ لِانْتِفَاءِ الْإِلْحَاقِ فَالضَّمِيرُ فِيهِ لِحَرَمِ مَكَّةَ.
(8/91)
فِيهِ، وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْزَلَهُمْ مَسْجِدَهُ سَنَةَ عَشْرٍ بَعْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٍ سَنَةَ تِسْعٍ، وَنَاظَرَ فِيهِ أَهْلَ نَجْرَانَ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ الْمَسِيحِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ) (مَرِضَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ الْحَرَمِ (مِنْ الْحِجَازِ وَعَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ) أَوْ خِيفَ نَحْوَ زِيَادَةِ مَرَضِهِ (تُرِكَ) تَقْدِيمًا لِأَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَعْظُمْ (نُقِلَ) حَتْمًا لِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُنْقَلُ مُطْلَقًا، وَعَنْ الْجُمْهُورِ عَدَمُ ذَلِكَ مُطْلَقًا (فَإِنْ) (مَاتَ) فِيهِ (وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ) مِنْهُ لِنَحْوِ خَوْفِ تَغَيُّرٍ (دُفِنَ هُنَاكَ) لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ نُقِلَ.
أَمَّا الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ فَلَا يَجْرِي ذَلِكَ فِيهِ لِجَوَازِ إغْرَاءِ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ، فَإِنْ آذَى رِيحُهُ غُيِّبَتْ جِيفَتُهُ.
(فَصْلٌ) (أَقَلُّ الْجِزْيَةِ) مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا (دِينَارٌ) خَالِصٌ مَضْرُوبٌ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِهِ، وَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهُ وَقْتَ الْأَخْذِ (لِكُلِّ سَنَةٍ) لِخَبَرِ «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ» أَيْ مُحْتَلِمٍ «دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ» : أَيْ مُسَاوِيَ قِيمَتِهِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَتَقْوِيمُ عُمَرَ لِلدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ قِيمَتَهُ إذْ ذَاكَ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا.
أَمَّا عِنْدَ ضَعْفِنَا فَتَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَتَجِبُ بِالْعَقْدِ وَتَسْتَقِرُّ بِانْقِضَاءِ الزَّمَنِ بِشَرْطِ ذَبِّنَا عَنْهُمْ فِي جَمِيعِهِ حَيْثُ وَجَبَ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ لَمْ يَذُبَّ عَنْهُمْ إلَّا أَثْنَاءَ السَّنَةِ وَجَبَ بِالْقِسْطِ كَمَا يَأْتِي. أَمَّا الْحَيُّ فَلَا نُطَالِبُهُ بِالْقِسْطِ أَثْنَاءَ السَّنَةِ، وَكَانَ قِيَاسُ الْقَوْلِ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ مُطَالَبَتِهِ بِهِ لَوْلَا مَا طُلِبَ هُنَا مِنْ مَزِيدِ الرِّفْقِ بِهِمْ تَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ) عِنْدَ قُوَّتِنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ (مُمَاكَسَةٌ) أَيْ طَلَبُ زِيَادَةٍ عَلَى دِينَارٍ (حَتَّى) يَعْقِدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ كَدِينَارَيْنِ لِمُتَوَسِّطٍ وَأَرْبَعَةٍ لِغَنِيٍّ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا بِذَلِكَ بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الزِّيَادَةُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(فَصْلٌ) أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ (قَوْلُهُ دِينَارٌ خَالِصٌ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْمِثْقَالُ الشَّرْعِيُّ، وَيُسَاوِي الْآنَ نَحْوَ تِسْعِينَ نِصْفًا فِضَّةً وَأَكْثَرَ، وَالدِّينَارُ الْمُتَعَامَلُ بِهِ الْآنَ تَنْقُصُ زِنَتُهُ عَنْ الْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ الرُّبْعَ، وَالْعِبْرَةُ بِالْمِثْقَالِ الشَّرْعِيِّ زَادَتْ قِيمَتُهُ أَوْ نَقَصَتْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَخَذَ قِيمَتَهُ) أَيْ جَازَ أَخْذُ قِيمَتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ جَوَازِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ نَقْلٌ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، وَصَوَّبَ بَعْضُهُمْ فِي مِثْلِهِ الْفَتْحَ، وَفِي الْمُخْتَارِ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ فِيهِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْعَدْلُ بِالْفَتْحِ: مَا عَادَلَ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، وَالْعِدْلُ بِالْكَسْرِ: الْمِثْلُ، تَقُولُ عِنْدِي عِدْلُ غُلَامِكَ وَعِدْلُ شَاتِكَ إذَا كَانَ غُلَامًا يَعْدِلُ غُلَامًا أَوْ شَاةً تَعْدِلُ شَاةً، فَإِذَا أَرَدْتَ قِيمَتَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَتَحْتَ الْعَيْنَ، وَرُبَّمَا كَسَرَهَا بَعْضُ الْعَرَبِ فَكَأَنَّهُ غَلَطٌ مِنْهُمْ اهـ وَعَلَيْهِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ.
(قَوْلُهُ: حَيْثُ وَجَبَ) أَيْ بِأَنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا (قَوْلُهُ أَوْ لَمْ يَذُبَّ) مِنْ بَابِ قَتَلَ (قَوْلُهُ: أَمَّا الْحَيُّ فَلَا نُطَالِبُهُ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ (قَوْلُهُ: تَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ وَلِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْأُجْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِآخِرِ السَّنَةِ
(قَوْلُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا أَمَّا عِنْدَ ضَعْفِنَا إلَخْ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي الْأَخْذِ بِأَنَّ مَحِلَّ الْجَوَازِ بِالْأَقَلِّ حَيْثُ لَمْ يَرْضَوْا بِأَكْثَرَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي اسْتِحْبَابَ الْمُمَاكَسَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُجِيبُوا لِلْعَقْدِ بِأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُهَا إلَّا بِذَلِكَ) أَيْ بِالْأَرْبَعَةِ فِي الْغَنِيِّ وَبِدِينَارَيْنِ فِي الْمُتَوَسِّطِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي أَقَلُّ الْجِزْيَةِ]
فَصْلٌ) أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ) أَيْ أَثْنَاءَ السَّنَةِ (قَوْلُهُ: وَكَانَ قِيَاسُ الْقَوْلِ إلَخْ) وَلَا يُقَالُ: إنَّ قِيَاسَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالْعَقْدِ لِأَنَّ ذَاكَ فِي الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ وَالْجِزْيَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مُقَسَّطَةً
(قَوْلُهُ: لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ) هَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ
(8/92)
وَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إجَابَتَهُمْ إلَيْهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ، وَحَيْثُ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ فَلَا مَعْنَى لِلْمُمَاسَكَةِ لِوُجُوبِ قَبُولِ الدِّينَارِ، وَعَدَمِ جَوَازِ إجْبَارِهِمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حِينَئِذٍ، وَالْمُمَاكَسَةُ تَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَشْخَاصِ فَحَيْثُ عَقَدَ عَلَى شَيْءٍ امْتَنَعَ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ كَصِفَةِ الْغَنِيِّ أَوْ التَّوَسُّطِ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُمَاكَسَتُهُمْ حَتَّى (يَأْخُذَ مِنْ) كُلِّ (مُتَوَسِّطٍ) آخِرَ الْحَوْلِ، وَلَوْ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ خِلَافُهُ (دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ وَ) مِنْ كُلِّ (غَنِيٍّ) كَذَلِكَ (أَرْبَعَةً) مِنْ الدَّنَانِيرِ فَأَكْثَرَ، وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ هُنَا وَفِي الضِّيَافَةِ بِالنَّفَقَةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إلَيْهِ لَا بِالْعَاقِلَةِ، إذْ لَا مُوَاسَاةَ هُنَا وَلَا بِالْعُرْفِ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ، أَمَّا السَّفِيهُ فَيَمْتَنِعُ عَقْدُهُ أَوْ عَقْدُ وَلِيِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، فَإِنْ عَقَدَ رَشِيدٌ بِأَكْثَرَ، ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ اتَّجَهَ لُزُومُهُ مَا عَقَدَ بِهِ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ سَفِهَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْأَكْثَرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (وَلَوْ) (عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ) مِنْ دِينَارٍ (ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ) (لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ) كَمَنْ غُبِنَ فِي الشِّرَاءِ (فَإِنْ أَبَوْا) مِنْ بَذْلِ الزِّيَادَةِ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ) لِلْعَهْدِ بِذَلِكَ فَيَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِمْ مَا يَأْتِي، وَالثَّانِي لَا وَيُقْنَعُ مِنْهُمْ بِالدِّيَارِ
(وَلَوْ) (أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ) أَوْ جُنَّ (أَوْ مَاتَ) أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ كَبَقِيَّةِ الدُّيُونِ فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْرِ حَجْرِ الْفَلَسِ، وَيُضَارَبُ بِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ فِيهِ، وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ (بَعْدَ) سَنَةٍ أَوْ (سِنِينَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصَايَا) وَالْإِرْثِ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ، وَإِلَّا فَتَرِكَتُهُ فَيْءٌ فَلَا مَعْنَى لَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَوْ عَقَدَ بِأَقَلَّ أَثِمَ وَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْعَقْدِ بِمَا عَقَدَ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ الرِّفْقُ بِهِمْ تَأَلُّفًا لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَمُحَافَظَةً لَهُمْ عَلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: وَلَا تَجُوزُ) أَيْ الْمُمَاكَسَةُ (قَوْلُهُ فَذَلِكَ) أَيْ آخِرَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ: كَالنَّفَقَةِ) نَقَلَ سم عَدَمَ اعْتِمَادِ أَنَّهُ كَالْعَاقِلَةِ، وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ فَوْقَ عِشْرِينَ دِينَارًا بَعْدَ الْجِزْيَةِ، وَكَتَبَ قَوْلَهُ كَنَفَقَةٍ: أَيْ بِأَنْ يَزِيدَ دَخْلُهُ عَلَى خَرْجِهِ (قَوْلُهُ: لَا بِالْعَاقِلَةِ) أَيْ وَهُوَ أَنْ يَمْلِكَ بَعْدَ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَالْمُتَوَسِّطُ بَعْدَ كِفَايَةِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ عَقْدُهُ) أَيْ يَمْتَنِعُ عَلَيْنَا وَعَلَى وَلِيِّهِ الْعَقْدُ مَعَهُ، وَإِنْ رَغِبَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ) أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مُدَّةَ بَقَائِهِمْ
(قَوْلُهُ: أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ إلَخْ) قَدْ يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَقَدَ رَشِيدًا ثُمَّ سَفِهَ يَجِبُ مَا عَقَدَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَاكَ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ رُشْدُهُ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ، وَمَا هُنَا فِيمَا لَوْ حُجِرَ فِي الْأَثْنَاءِ، وَفِي نُسَخٍ إسْقَاطُ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ بَعْدُ وَقَوْلِ الشَّيْخِ إلَخْ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَذَا فِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ سم بِهَامِشِهِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ أَوْ سَفَهٍ خَالَفَهُ م ر فِي هَذَا وَالْمُخَالَفَةُ مُتَعَيِّنَةٌ، وَسَيَأْتِي مَا يُوَافِقُ هَذَا النَّقْلَ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلِ الشَّيْخِ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ فَلَسٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الِاسْتِحْبَابَ مُغَيَّا بِأَحَدِ دِينَارَيْنِ مِنْ الْمُتَوَسِّطِ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْغَنِيِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِلَّةٍ أُخْرَى لِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ) أَيْ الْوَكِيلُ: أَيْ وَلَا يُقَالُ إنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ لِلْمُوَكِّلِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ عِنْدَ الْأَخْذِ إنْ عَقَدَ عَلَى الْأَوْصَافِ إلَخْ) كَعَقَدْت لَكُمْ عَلَى أَنَّ عَلَى الْغَنِيِّ أَرْبَعَةً وَالْمُتَوَسِّطِ دِينَارَانِ وَالْفَقِيرِ دِينَارٌ مَثَلًا، ثُمَّ عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مُتَوَسِّطٌ يَقُولُ بَلْ أَنْتَ غَنِيٌّ مَثَلًا فَعَلَيْك أَرْبَعَةٌ، هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ الشَّارِحِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُمَاكَسَةِ هُنَا مُنَازَعَتُهُ فِي الْغِنَى وَضِدَّيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاكَسَةَ الْمَارَّةَ. ثُمَّ إطْلَاقُهُ، يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ مُنَازَعَتِهِ فِي نَحْوِ الْغَنِيِّ وَإِنْ عُلِمَ فَقْرُهُ وَفِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِهِ) لَعَلَّ الضَّمِيرَ لِلْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ.
فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ عَقْدُهُ أَوْ عَقْدُ وَلِيِّهِ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُ السَّفِيهِ بِدِينَارٍ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: اسْتَقَرَّتْ) يَعْنِي لَمْ تَسْقُطْ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَقِرَّةٌ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ) أَيْ فِي صُورَةِ الْمَوْتِ وَمِنْ مَالِهِ فِي غَيْرِهَا
(8/93)
لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ أَخَذَ الْإِمَامُ مِنْ نَصِيبِهِ قِسْطَهُ، وَسَقَطَ الْبَاقِي (وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهَا أُجْرَةٌ فَإِنْ لَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالْكُلِّ ضَارَبَهُمْ الْإِمَامُ بِقِسْطِ الْجِزْيَةِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَقَدَّمَ هِيَ فِي قَوْلِهِ وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ فِي قَوْلٍ وَيُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي قَوْلٍ (أَوْ) أَسْلَمَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ (فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ) لِمَا مَضَى وَاجِبٌ فِي مَالِهِ أَوْ تَرِكَتِهِ كَالْأُجْرَةِ، وَالْقَوْلُ فِي وَقْتِ إسْلَامِهِ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ إذَا حَضَرَ وَادَّعَاهُ، وَلَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ فِي خِلَالِهَا ضَارَبَ الْإِمَامُ مَعَ الْغُرَمَاءِ حَالًا إنْ قُسِّمَ مَالُهُ، وَإِلَّا فَآخِرُ الْحَوْلِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَوْ سَفَهٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ
(وَتُؤْخَذُ) الْجِزْيَةُ مَا لَمْ تُؤَدَّ بِاسْمِ زَكَاةٍ (بِإِهَانَةٍ) (فَيَجْلِسُ الْآخِذُ، وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا فِي الْمِيزَانِ وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ وَيَضْرِبُ) بِكَفِّهِ مَفْتُوحَةً (لِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالزَّاي وَهُمَا مُجْتَمَعُ اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَاضِغِ وَالْأُذُنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَحَدِهِمَا، وَيَقُولُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَدِّ حَقَّ اللَّهِ (وَكُلُّهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ (مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ) إذْ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ الصَّغَارَ فِي الْآيَةِ بِذَلِكَ (فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ) (تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ (بِالْأَدَاءِ) لَهَا (وَحَوَالَةٍ) بِهَا (عَلَيْهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ (وَ) لِلْمُسْلِمِ (أَنْ يَضْمَنَهَا) عَنْ الذِّمِّيِّ، وَيَمْتَنِعُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الثَّانِي لِفَوَاتِ الْإِهَانَةِ الْوَاجِبَةِ حَتَّى فِي تَوْكِيلِ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مَقْصُودٌ بِالصَّغَارِ (قُلْتُ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ أَصْلٍ لَهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَلْ تُؤْخَذُ بِرِفْقٍ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَفِيهِ تَحَمُّلٌ عَلَى الذَّاكِرِينَ لَهَا، وَالْخِلَافُ فِيهَا الْمُسْتَنِدُ إلَى تَفْسِيرِ الصَّغَارِ فِي الْآيَةِ بِهَا الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا الْمَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ، وَيَكْفِي فِي الصَّغَارِ الْتِزَامُ أَحْكَامِهَا (وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا) فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَشَدُّ خَطَأً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَيَحْرُمُ فِعْلُهَا إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ تَأَذِّيهِ بِهَا وَإِلَّا فَتُكْرَهُ
(وَيُسْتَحَبُّ) وَقِيلَ يَجِبُ (لِلْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (إذَا أَمْكَنَهُ) شَرْطُ الضِّيَافَةِ عَلَيْهِمْ لِقُوَّتِنَا مَثَلًا (أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ) أَوْ بِلَادِنَا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ (ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا غَيْرَ مُجَاهِدٍ لِلِاتِّبَاعِ، وَيَتَّجِهُ عَدَمُ دُخُولِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ السَّنَةِ عَلَى مَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ) أَيْ الْوَارِثُ (قَوْلُهُ: فَقِسْطٌ إلَخْ) مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ فَلَهَا نِصْفُ التَّرِكَةِ، وَيُؤْخَذُ قِسْطُ الْجِزْيَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي يَكُونُ فَيْئًا (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ) أَيْ لِأَنَّ الشَّارِحَ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّهُ يُعْقَدُ لَهُ فِي الِابْتِدَاءِ فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ إذَا طَرَأَ السَّفَهُ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا لَا يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ فَلَا يُقَالُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ نِصْفَ السَّنَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ دِينَارَانِ لِلْمَاضِي وَنِصْفُ دِينَارٍ لِلْبَاقِي
(قَوْلُهُ: بِذَلِكَ) أَيْ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ (قَوْلُهُ: كَسَائِرِ الدُّيُونِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَحَمُّلٌ إلَخْ) أَيْ مُبَالَغَةٌ فِي الِاعْتِرَاضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَوْ سَفَهٍ) يَعْنِي ذِكْرَهُ لَهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ مَاتَ أَوْ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ فِي خِلَالِ سَنَةٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِسْطُ وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ رَشِيدٌ وَيَتَرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا مَعْنَى لِأَخْذِ الْقِسْطِ مِنْهُ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ كَمَا أَوْضَحَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ
(قَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِي الصِّغَارِ الْتِزَامُ أَحْكَامِنَا) هَذَا مَحَلُّ ذِكْرِهِ قَبْلَ قَوْلِهِ وَفِيهِ تَحَمُّلٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ تَحَمُّلٌ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْبُطْلَانِ وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ حَتَّى تَتِمَّ زِيَادَةُ الْمُصَنِّفِ كَمَا صَنَعَ الْجَلَالُ وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ لَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا طَائِفَةٌ إلَخْ) مَحَلُّ ذِكْرِهِ أَيْضًا قَبْلَ قَوْلِهِ وَفِيهِ تَحَمُّلٌ إلَخْ (قَوْلُ الْمَتْنِ أَشَدُّ خَطَأً) أَيْ مِنْ دَعْوَى أَصْلِ جَوَازِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَا مِنْ دَعْوَى وُجُوبِهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْعَكْسِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَسَبَقَهُ إلَى التَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَعْوَى الْوُجُوبِ أَشَدُّ خَطَأً بِالْأَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْجَوَازِ كَذَا ذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ قَاسِمٍ
(8/94)
لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّخَصِ بَلْ وَلَا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ مِيلٍ لِانْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهِ ضَيْفًا، وَأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْلِمِينَ قَيْدٌ فِي النَّدْبِ لَا الْجَوَازِ، وَلَوْ صُولِحُوا عَنْ الضِّيَافَةِ بِمَالٍ فَهُوَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ لَا لِلطَّارِقِينَ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حَالَةَ كَوْنِهِ (زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ) فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ مِنْ الْأَقَلِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْجِزْيَةِ التَّمْلِيكُ وَمِنْ الضِّيَافَةِ الْإِبَاحَةُ (وَقِيلَ يَجُوزُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْجِزْيَةِ الَّتِي هِيَ أَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ سِوَاهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا كَالْمُمَاكَسَةِ (وَتُجْعَلُ) الضِّيَافَةُ (عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ) أَيْ عِنْدَ نُزُولِ الضَّيْفِ بِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (لَا فَقِيرٍ) فَلَا يَجُوزُ جَعْلُهَا عَلَيْهِ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْجِزْيَةِ (وَيَذْكُرُ) الْعَاقِدُ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ (عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا) أَيْ رُكْبَانًا وَآثَرَ الْخَيْلَ لِشَرَفِهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ وَأَنْفَى لِلْغَرَرِ فَيَقُولُ عَلَى كُلِّ غَنِيٍّ أَوْ مُتَوَسِّطٍ جِزْيَةٌ كَذَا، وَضِيَافَةُ عَشَرَةٍ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ سَنَةٍ خَمْسُ رَجَّالَةٍ وَخَمْسُ فُرْسَانٍ، أَوْ عَلَيْكُمْ ضِيَافَةُ أَلْفِ مُسْلِمٍ رَجَّالَةٍ وَكَذَا فُرْسَانٍ كَذَا كُلَّ سَنَةٍ مَثَلًا يَتَوَزَّعُونَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْجِزْيَةِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ ذِكْرُ الْعَدَدِ مِنْ أَنَّهُ بَنَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَلَى ضَعِيفٍ أَنَّهَا مِنْ الْجِزْيَةِ.
أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَيْهَا فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ الرَّجَّالَةِ وَالْفُرْسَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ لَا يَتَفَاوَتُونَ إلَّا بِعَلَفِ الدَّابَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدُ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْضًا كَمَا جَرَى عَلَيْهِ مُخْتَصِرُوهَا، وَبِأَنَّ الْآتِيَ ذِكْرُ مُجَرَّدِ الْعَلَفِ، وَاَلَّذِي هُنَا ذِكْرُ عَدَدِ الدَّوَابِّ اللَّازِمِ لِذِكْرِ الْفُرْسَانِ، وَأَحَدُ هَذَيْنِ لَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ، وَلَا بُدَّ فِيمَا لَوْ قَالَ عَلَى كُلِّ غَنِيٍّ أَوْ مُتَوَسِّطٍ عَدَدُ كَذَا، أَوْ عَلَيْكُمْ عَدَدُ كَذَا وَلَمْ يَقُلْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ بَيَانِ عَدَدِ أَيَّامِ الضِّيَافَةِ فِي الْحَوْلِ مَعَ ذِكْرِ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ (وَ) يُذْكَرُ (جِنْسُ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ) مِنْ بُرٍّ وَسَمْنٍ وَغَيْرِهِمَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فِي قُوتِهِمْ، وَيَتَّجِهُ دُخُولُ الْفَاكِهَةِ وَالْحَلْوَى عِنْدَ غَلَبَتِهِمَا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالْخَادِمِ كَذَلِكَ، وَمَنْ نَفَى لُزُومَهَا لَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى السُّكُوتِ عَنْهُمْ، أَوْ لَمْ يُعْتَدْ فِي مَحَلِّهِمْ (وَقَدْرُهُمَا وَ) يُذْكَرُ أَنَّ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْأَضْيَافِ (كَذَا) مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْعُرْفِ، وَيُفَاوَتُ بَيْنَهُمْ فِي قَدْرِ ذَلِكَ لَا صِفَتِهِ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ جِزْيَتِهِمْ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى الضَّيْفِ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ ذَبْحَ نَحْوِ دَجَاجِهِمْ أَوْ مَا لَا يَغْلِبُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فِي كَلَامِهِ صِحَّةُ الْوَاوِ الدَّاخِلَةِ عَلَى كُلِّ، وَسُقُوطُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهَا (وَ) يُذْكَرُ (عَلَفُ الدَّوَابِّ) وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ، وَيُحْمَلُ عَلَى تِبْنٍ وَحَشِيشٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا عَلَى نَحْوِ شَعِيرٍ، نَعَمْ إنْ ذُكِرَ الشَّعِيرُ فِي وَقْتِ اشْتِرَاطِ بَيَانِ قَدْرِهِ، وَلَا يَجِبُ عِنْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّخَصِ) وَعَلَيْهِ فَمَا أَخَذَهُ الْمُسَافِرُ الْمَذْكُورُ لَا يُحْسَبُ مِمَّا شُرِطَ عَلَيْهِمْ، بَلْ الْحَقُّ بَاقٍ فِي جِهَتِهِمْ يُطَالَبُونَ بِهِ، وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّ ذِكْرَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ وَيَتَّجِهُ أَنَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا) أَيْ الْمَشْرُوطَ (قَوْلُهُ عِنْدَ نُزُولِ الضَّيْفِ بِهِمْ) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (قَوْلُهُ وَيُذْكَرُ) وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَأَنْفَى لِلْغَرَرِ) عَطْفُ سَبَبٍ عَلَى مُسَبَّبٍ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُعْتَدَّ فِي مَحَلِّهِمْ) الْمُرَادُ بِمَحَلِّهِمْ قَرْيَتُهُمْ مَثَلًا الَّتِي هُمْ بِهَا، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ اعْتِيَادِهِ فِي مَحَلِّهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِإِحْضَارِهِ لِلْمَرِيضِ مِنْهُمْ، فَإِنْ جَرَتْ بِإِحْضَارِهِ عَادَتُهُمْ لِكَوْنِهِ فِي الْبَلَدِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا عُرْفًا وَجَبَ إحْضَارُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ) أَيْ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ فُولٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الرُّخَصِ) اُنْظُرْ مَا تَعَلُّقَ هَذَا بِالرُّخَصِ (قَوْلُهُ: خَمْسٌ رَجَّالَةٌ) هُوَ بِتَنْوِينِ خَمْسٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنَّمَا حَذَفَ مِنْهُ التَّاءَ لِأَنَّ الْمَعْدُودَ مَحْذُوفٌ: أَيْ خَمْسَةُ أَضْيَافٍ رَجَّالَةٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَذِكْرُ الرَّجَّالَةِ) هُوَ بِرَفْعِ ذِكْرٌ عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: بِحَسَبِ تَفَاوُتِهِمْ فِي الْجِزْيَةِ) أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْغِنَى وَالتَّوَسُّطِ وَإِنْ اتَّحَدُوا فِي الْمَدْفُوعِ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَيُتَّجَهُ دُخُولُ الْفَاكِهَةِ وَالْحَلْوَى إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَدْ تَدْخُلُ فِي الطَّعَامِ الْفَاكِهَةِ وَالْحَلْوَى لَكِنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذِكْرِهِمَا إنْ غَلَبَا انْتَهَتْ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ وَقَدْ تَدْخُلُ إلَخْ: أَيْ تَدْخُلُ فِي قَوْلِهِمْ وَيَذْكُرُ جِنْسَ الطَّعَامِ: أَيْ فَيَذْكُرُهُمَا بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَمَنْ نَفَى لُزُومَهَا إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَمَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُمْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ أَوْ لَمْ يُعْتَدَّ فِي مَحَلِّهِمْ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا) صَرِيحَةٌ بِالنَّظَرِ لِمَا
(8/95)
عَدَمِ تَعْيِينِ عَدَدِ دَوَابِّ كُلِّ عَلَفٍ أَكْثَرَ مِنْ دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ (وَ) يُذْكَرُ (مَنْزِلُ الضِّيفَانِ) وَكَوْنُهُ لَائِقًا بِالْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ (مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ) وَبَيْتِ فَقِيرٍ وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ مَنْزِلٍ مِنْهُ، وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ إعْلَاءُ أَبْوَابِهِمْ لِيَدْخُلَهَا الْمُسْلِمُونَ رُكْبَانًا (وَ) يُذْكَرُ (مُقَامُهُمْ) أَيْ مُدَّةُ إقَامَتِهِمْ (وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فَإِنْ شُرِطَ فَوْقَهَا مَعَ رِضَاهُمْ بِذَلِكَ جَازَ، وَيُشْتَرَطُ تَزْوِيدُ الضَّيْفِ كِفَايَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَلَوْ امْتَنَعَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ أُجْبِرُوا أَوْ كُلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فَنَاقِضُونَ، وَلَهُ حَمْلُ مَا أَتَوْا بِهِ، وَلَا يُطَالِبُهُمْ بِعِوَضٍ إنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِمْ ضَيْفٌ وَلَا بِطَعَامِ مَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْحَاضِرِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتُوا بِطَعَامِ الْيَوْمِ لَمْ يُطَالِبْهُمْ بِهِ فِي الْغَدِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ سُقُوطُهُ مُطْلَقًا وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مَتَى شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً لَمْ يُحْسَبْ هَذَا مِنْهَا.
أَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَى كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ ضِيَافَةَ عَشَرَةٍ مَثَلًا كُلَّ يَوْمٍ فَفَوَّتَتْ ضِيَافَةَ الْقَادِمِينَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ اتَّجَهَ أَخْذُ بَدَلِهَا لِأَهْلِ الْفَيْءِ لَا سُقُوطُهَا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَبِيرُ أَمْرٍ
(وَلَوْ) (قَالَ قَوْمٌ) عَرَبٌ أَوْ عَجَمٌ (نُؤَدِّي الْجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ) (فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى) ذَلِكَ (وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ) اقْتِدَاءً بِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ بَنُو تَغْلِبَ وَتَنُوخَ وَبَهْرَاءَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُخْرَجُونَ) أَيْ فَلَوْ خَالَفُوا أَثِمُوا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِمْ لِمُدَّةِ سَكَنِهِمْ فِيهِ حَيْثُ كَانَتْ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ) نَدْبًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَنَاقِضُونَ) نَقَلَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ أَبَوْا جِزْيَةً فَنَاقِضُونَ إلَخْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الِانْتِقَاضِ بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْكُلِّ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا اهـ.
فَمَا هُنَا مِنْ التَّفْرِقَةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَنَّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضِّيَافَةِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فَسُومِحَ فِيهَا بِخِلَافِ الْجِزْيَةِ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ فَنَاقِضُونَ: أَيْ فَلَا يَجِبُ تَبْلِيغُهُمْ الْمَأْمَنَ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدَهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالرِّقِّ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ عَلَى مَا يَرَاهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ حَمْلُ مَا أَتَوْا بِهِ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ حَمْلُ مَا أَتَوْا بِهِ مِنْ الذِّمِّيِّينَ (قَوْلُهُ: مَا بَعْدَ الْيَوْمِ) أَيْ لَا يُطْلَبُ تَعْجِيلُهُ مِنْهُمْ
(قَوْلُهُ: وَيَضْعُفُ) وُجُوبًا (قَوْلُهُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ الْعَرَبِ) أَيْ دَخَلَ فِي دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَهُمْ بَنُو تَغْلِبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِكَسْرِ اللَّامِ مُضَارِعُ غَلَبَهُ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: غَلَبَهُ غَلْبًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالِاسْمُ الْغَلَبَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْغَلَبَةُ وَبِمُضَارِعِ الْخِطَابِ سُمِّيَ، وَمِنْهُ بَنُو تَغْلِبَ وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ طَلَبَهُمْ عُمَرُ بِالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهَا بِاسْمِ الْجِزْيَةِ، وَصَالَحُوا عَلَى اسْمِ الصَّدَقَةِ مُضَاعَفَةً، وَيُرْوَى أَنَّهُ قَالَ: هَاتُوهَا وَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا تَغْلِبِيٌّ بِالْكَسْرِ عَلَى الْأَصْلِ.
قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُ لِلتَّخْفِيفِ اسْتِثْقَالًا لِتَوَالِي كَسْرَتَيْنِ مَعَ يَاءِ النَّسَبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَتَنُوخُ) هُوَ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالنُّونِ الْمُخَفَّفَةِ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: تَنَخَ بِالْمَكَانِ تُنُوخًا أَقَامَ كَتَنِخٍ، وَمِنْهُ تَنُوخُ قَبِيلَةٌ لِأَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا فَأَقَامُوا فِي مَوْضِعِهِمْ (قَوْلُهُ: وَبَهْرَاءُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَبَهْرَاءُ قَبِيلَةٌ وَقَدْ يُقْصَرُ وَالنِّسْبَةُ بَهْرَانِيٌّ وَبِهَرَاوِيٌّ،
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَبَهْرَاءُ مِثْلُ حَمْرَاءَ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا بَهْرَانِيٌّ مِثْلُ نَجْرَانِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقِيَاسُهُ بَهْرَاوِيٌّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَدَّمَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ قَاسِمٍ نَازَعَ فِي سُقُوطِ الْقَوْلِ الْآتِي بِهَذَا التَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ: وَبَيْتٍ فَقِيرٍ) وَإِنْ كَانَ لَا ضِيَافَةَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ كَأَنْ يَقُولَ وَتَجْعَلُوا الْمَنَازِلَ بُيُوتَ الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ سُقُوطُهُ مُطْلَقًا، وَالْأَوْجَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقَضِيَّتُهُ سُقُوطُهُ مُطْلَقًا وَفِيهِ نَظَرٌ،
(8/96)
وَقَالُوا لَا تُؤَدَّى إلَّا كَالْمُسْلِمِينَ فَأَبَى، فَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ فَصَالَحَهُمْ عَلَى تَضْعِيفِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ وَقَالَ: هَؤُلَاءِ حَمْقَى أَبَوْا الِاسْمَ وَرَضُوا بِالْمَعْنَى (فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ، وَ) مِنْ (خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) بَعِيرًا (بِنْتَا مَخَاضٍ) وَمِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَهَكَذَا (عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَ) مِنْ (مِائَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ وَخُمُسُ الْمُعَشَّرَاتِ) الْمَسْقِيَّةِ بِلَا مُؤْنَةٍ وَإِلَّا فَعُشْرُهَا، وَيَجُوزُ تَرْبِيعُهَا وَتَخْمِيسُهَا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ، بَلْ لَوْ لَمْ يَفِ التَّضْعِيفُ بِقَدْرِ دِينَارٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ إلَى بُلُوغِ ذَلِكَ يَقِينًا، كَمَا أَنَّهُ لَوْ زَادَ جَازَ النَّقْصُ عَنْهُ إلَى بُلُوغِ ذَلِكَ يَقِينًا أَيْضًا، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ إنَّهُ إنْ أَرَادَ تَضْعِيفَ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا وَرُدَّتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا أَوْ فِيمَا ذَكَرَهُ وَرُدَّتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ وَالْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ، فَفِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ تَضْعِيفُهَا أَوْ مُطْلَقُ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ اقْتَضَى عَدَمَ الْأَخْذِ مِنْ الْمَعْلُوفَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَمْ أَرَهُ.
يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّجِهَ تَضْعِيفُهَا إلَّا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إذْ لَا تَجِبُ عَلَى كَافِرٍ ابْتِدَاءً، وَإِلَّا فِي الْمَعْلُوفَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَكَوِيَّةً الْآنَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْجِنْسِ، وَإِلَّا وَجَبَتْ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ الْآتِي (وَلَوْ وَجَبَتْ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ) كَمَا فِي سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتَيْ اللَّبُونِ (لَمْ يُضَعَّفْ الْجُبْرَانُ فِي الْأَصَحِّ) فَيَأْخُذُ مَعَ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا إذَا الشَّيْءُ إذَا بَلَغَ غَايَتَهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَوْ قَبِلَ التَّضْعِيفَ لَضُعِّفَ عَلَيْنَا، وَالْخِيَرَةُ فِيهِ هُنَا لِلْإِمَامِ لَا لِلْمَالِكِ نَصَّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي يُضَعَّفُ فَيَأْخُذُ مَعَ كُلِّ بِنْتِ مَخَاضٍ أَرْبَعَ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا (وَلَوْ كَانَ) الْمَالُ الزَّكَوِيُّ (بَعْضَ نِصَابٍ) كَعِشْرِينَ شَاةً (لَمْ يَجِبْ قَسْطُهُ فِي الْأَظْهَرِ) إذْ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ الْقَسْطُ فِي الْخُلْطَةِ الْمُوجِبَةِ لِلزَّكَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلُ بِبَقَاءِ مُوسِرٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ هُنَا لِلْأَشْخَاصِ بَلْ لِمَجْمُوعِ الْحَاصِلِ هَلْ يَفِي بِرُءُوسِهِمْ أَوْ لَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ النِّصَابُ كُلَّ الْحَوْلِ أَوْ آخِرَهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَوَّلُهُمَا إلَّا فِي مَالِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهِ.
وَالثَّانِي يَجِبُ، فَفِي عِشْرِينَ شَاةً شَاةٌ، وَفِي مِائَةِ دِرْهَمٍ خَمْسَةٌ (ثُمَّ الْمَأْخُوذُ جِزْيَةٌ) حَقِيقَةً فَيُصْرَفُ مَصْرِفَهَا (فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ) وَلَوْ زَادَ الْمَجْمُوعُ عَلَى أَقَلِّهَا فَطَلَبُوا إسْقَاطَ الزِّيَادَةِ وَإِعَادَةَ اسْمِ الْجِزْيَةِ أَجَبْنَاهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَأَبَى) أَيْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ) أَيْ اعْتِرَاضًا عَلَى التَّعْبِيرِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ تَضْعِيفِ الزَّكَاةِ بِلَا قَيْدٍ وَمِنْ التَّصْوِيرِ بِقَوْلِهِ مِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فِي الْمَعْلُوفَةِ) أَيْ فَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْهَا لَا بِمُضَاعَفَةٍ وَلَا عَدِمَهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِلَّا وَجَبَتْ فِيمَا دُونَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْخِيرَةُ فِيهِ) أَيْ الْجُبْرَانِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: أَيْ بِخِلَافِ زَكَاتِنَا فَإِنَّ الْخِيرَةَ لِلدَّافِعِ مَالِكًا كَانَ أَوْ سَاعِيًا (قَوْلُهُ أَجَبْنَاهُمْ) أَيْ وُجُوبًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً فَلَا يُحْسَبُ هَذَا مِنْهَا. أَمَّا لَوْ شَرَطَ عَلَى كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ إلَخْ
(قَوْلُهُ: يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُتَّجَهَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَوَابًا عَنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيِّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ أَرَادَ إلَى أَنْ قَالَا اهـ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ التَّضْعِيفُ إلَّا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إلَخْ، فَمُرَادُهُ بِذَلِكَ بَيَانُ الْأَصَحِّ عِنْدَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَوْلُهُ: إذْ الشَّيْءُ إذَا بَلَغَ غَايَتَهُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ) يُتَأَمَّلُ (قَوْلُهُ: وَالْخِيَرَةُ فِيهِ) أَيْ الْجُبْرَانِ: أَيْ فِي دَفْعِهِ وَأَخْذِهِ الْمَفْهُومِ مِنْ التَّعْلِيلِ، وَقَوْلُهُ هُنَا: أَيْ فِي الْجِزْيَةِ: أَيْ بِخِلَافِهِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ الْخِيَرَةَ فِيهِ لِلدَّافِعِ كَمَا مَرَّ ثَمَّ.
(8/97)
(فَصْلٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ.
(يَلْزَمُنَا) عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ فَعِنْدَ الشَّرْطِ أَوْلَى (الْكَفُّ عَنْهُمْ) نَفْسًا وَمَالًا وَعِرْضًا وَاخْتِصَاصًا وَعَمَّا مَعَهُمْ مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا) وَرَدُّ مَا نَأْخُذُهُ مِنْ اخْتِصَاصَاتِهِمْ كَالْمُسْلِمِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ فَائِدَةُ الْجِزْيَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ آيَتُهَا (وَدَفْعُ أَهْلِ الْحَرْبِ) وَالذِّمَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَآثَرَ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُمْ الْمُتَعَرِّضُونَ لَهُمْ غَالِبًا (عَنْهُمْ) حَيْثُ كَانُوا بِدَارِنَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُنَا الذَّبُّ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانُوا بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَلْزَمْنَا ذَلِكَ مَا لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْنَا أَوْ يَكُونُوا بِجِوَارِنَا وَيَلْحَقُ بِدَارِنَا دَارُ حَرْبٍ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا دَفْعُ الْمُسْلِمِ عَنْهُمْ أَوْ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الدَّفْعُ عَنْ الْمُسْلِمِ إلَّا بِالدَّفْعِ عَنْهُمْ فَقَرِيبٌ، أَوْ دَفْعُ الْحَرْبِيِّينَ عَنْهُمْ بِخُصُوصِهِمْ فَبَعِيدٌ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا بِبَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ) كَمَا يَلْزَمُهُمْ الذَّبُّ عَنَّا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ مُطْلَقًا مَعَ الْإِمْكَانِ لِكَوْنِهِمْ فِي قَبْضَتِنَا كَأَهْلِ الْإِسْلَامِ، أَمَّا عِنْدَ شَرْطِ عَدَمِ ذَبِّنَا عَنْهُمْ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ إنْ كَانُوا مَعَنَا، أَوْ بِمَحَلٍّ لَوْ قَصَدُوهُمْ مَرُّوا عَلَيْنَا لِتَضَمُّنِهِ تَمْكِينَ الْكُفَّارِ مِنَّا وَإِلَّا فَلَا
(وَنَمْنَعُهُمْ) حَتْمًا (إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ) وَبِيعَةٍ وَصَوْمَعَةٍ لِلتَّعَبُّدِ وَلَوْ مَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ خَمْرٍ) يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إفْرَادُ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ لَهَا قِيمَةً عِنْدَهُمْ وَتُعَدُّ مَالًا، أَوْ يُقَالُ لَمَّا كَانُوا يُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِهَا قَدْ يُتَوَهَّمُ عَدَمُ الْكَفِّ عَمَّنْ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِيهَا (قَوْلُهُ: أَوْ انْتَقَصَهُ) هُوَ وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِبَعْضِ الظُّلْمِ فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ: أَيْ احْتَقَرَهُ لَا مِنْ حَيْثُ كُفْرُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ صِفَاتٌ انْتَقَصَتْهُ بِنِسْبَتِهِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ، كَمَا يَحْرُمُ انْتِقَاصُ الْمُسْلِمِ بِغَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِصِفَاتٍ قَائِمَةٍ بِهِ (قَوْلُهُ: فَأَنَا حَجِيجُهُ) أَيْ خَصْمُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ التَّشْدِيدُ عَلَى الْمُسْلِمِ حَتَّى لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِشَرِيعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا فَعَلَ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِ أُخِذَ مِنْهَا مَا يُكَافِئُ جِنَايَتَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِلذِّمِّيِّ وَلَا عَفْوًا عَنْ ذُنُوبِهِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لَهُ عَلَى مُسْلِمٍ أُخِذَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُخَفَّفُ عَنْهُ بِذَلِكَ عَذَابُ غَيْرِ الْكُفْرِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبْقَ لِلْمُسْلِمِ حَسَنَاتٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ الْكَافِرِ مَا يُخَفَّفُ بِهِ عَذَابُهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُسْلِمُ الْعِقَابَ عَلَى جِنَايَتِهِ عَلَى الْكَافِرِ بِمَا يُقَابِلُهَا فِي الْعُقُوبَةِ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِهِ بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلذِّمِّيِّ لَا لِتَعْظِيمِهِ (قَوْلُهُ: وَآثَرَ الْأَوَّلِينَ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُوا بِجِوَارِنَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: فِيهَا مُسْلِمٌ) أَيْ فَنَمْنَعُهُ عَنْهُمْ وَمَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ بِأَذًى يَصِلُ إلَى الْمُسْلِمِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ اتَّسَعَتْ أَطْرَافُهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أُرِيدَ) أَيْ مِنْ الْإِلْحَاقِ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ) أَيْ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَا تَقَدَّمَ بِالْهَامِشِ مِنْ مَنْعِهِ عَنْهُمْ وَمَنْعِ مَنْ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ إلَخْ
إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِيعَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ عَقْدِ الذِّمَّةِ]
فَصْلٌ) فِي جُمْلَةٍ مِنْ أَحْكَامِ الْجِزْيَةِ (قَوْلُ الْمَتْنِ يَلْزَمُنَا الْكَفُّ) أَيْ الِانْكِفَافُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَدَفَعَ أَهْلُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفَادَتْهُ آيَتُهَا) اُنْظُرْ وَجْهَ الْإِفَادَةِ فِيهَا (قَوْلُهُ: أَوْ يَكُونُوا بِجِوَارِنَا) أَيْ وَهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ السِّيَاقِ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُمْ مُنْفَرِدُونَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ التُّحْفَةِ وَنَصُّهَا: أَوْ انْفَرَدُوا بِجِوَارِنَا انْتَهَتْ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ انْفَرَدُوا فِي غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَلْزَمُنَا الدَّفْعُ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا بِجِوَارِنَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَضِيَّةُ الْقِيلِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ
(8/98)
غَيْرِهِ كَنُزُولِ الْمَارَّةِ (فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ) كَالْقَاهِرَةِ وَالْبَصْرَةِ (أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ) كَالْيَمَنِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ كَالْمَدِينَةِ مَحَلُّ وَقْفَةٍ لِأَنَّهَا مِنْ الْحِجَازِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ سُكْنَاهُ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ، وَيُهْدَمُ وُجُوبًا مَا أَحْدَثُوهُ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِمْ هَدْمُهُ وَالصُّلْحُ عَلَى تَمْكِينِهِمْ مِنْهُ بَاطِلٌ، وَمَا وُجِدَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلَمْ إحْدَاثُهُ بَعْدَ الْإِحْدَاثِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْفَتْحِ يَبْقَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاتَّصَلَ بِهَا الْعُمْرَانُ، وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي فِي الصُّلْحِ، أَمَّا مَا بُنِيَ مِنْ ذَلِكَ لِنُزُولِ الْمَارَّةِ وَلَوْ مِنْهُمْ فَيَجُوزُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً) كَمِصْرِ عَلَى مَا مَرَّ وَبِلَادِ الْمَغْرِبِ (لَا يُحْدِثُونَهَا فِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَيَجِبُ هَدْمُ مَا أَحْدَثُوهُ فِيهِ لِمِلْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا بِالِاسْتِيلَاءِ (وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ) حَالَ الْفَتْحِ يَقِينًا (فِي الْأَصَحِّ) لِذَلِكَ. وَالثَّانِي يُقَرُّونَ بِالْمَصْلَحَةِ (أَوْ) فُتِحَ (صُلْحًا بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ) بِخَرَاجٍ (وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ) وَنَحْوِهَا (لَهُمْ جَازَ) لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا جَازَ بِشَرْطِ كَوْنِ جَمِيعِ الْبَلَدِ لَهُمْ فَبَعْضُهَا بِالْأَوْلَى، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ وَإِبْقَاءُ مَنْعِ الْإِحْدَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْهُ إعَادَتُهَا وَتَرْمِيمُهَا بِآلَتِهَا أَوْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ مَعَ تَعَذُّرِ فِعْلِ ذَلِكَ بِالْقَدِيمَةِ وَحْدَهَا وَنَحْوِ تَطْيِينِهَا وَتَنْوِيرِهَا مِنْ دَاخِلٍ وَخَارِجٍ أَيْضًا، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا مَنْعُ شَرْطِ الْإِحْدَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ تَدْعُ لَهُ ضَرُورَةٌ وَإِلَّا جَازَ.
(وَإِنْ) (أَطْلَقَ) شَرْطَ الْأَرْضِ لَنَا وَسَكَتَ عَنْ نَحْوِ الْكَنَائِسِ (فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ) مِنْ إبْقَائِهَا وَإِحْدَاثِهَا فَتُهْدَمُ كُلُّهَا لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي صَيْرُورَةَ جَمِيعِ الْأَرْضِ لَنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بَقَائِهِمْ بَقَاءُ مَحَلِّ عِبَادَتِهِمْ فَقَدْ يُسْلِمُونَ وَقَدْ يُخْفُونَ عِبَادَتَهُمْ. وَالثَّانِي لَا، وَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا فِي عِبَادَتِهِمْ (أَوْ) بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمْ وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا (قُرِّرَتْ) كَنَائِسُهُمْ أَوْ نَحْوُهَا (وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الْبَلَدَ تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَمَا فُتِحَ فِي دِيَارِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِشَرْطٍ مِمَّا ذُكِرَ لَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ بَعْدُ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فُتِحَ بِشَرْطٍ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ بِالْفَتْحِ صَارَ دَارَ إسْلَامٍ فَلَا يَعُودُ دَارَ كُفْرٍ، أَوْ بِالشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَوَّلَ نُسِخَ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِرْ دَارَ كُفْرٍ، الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمَعْنَى لَهُمْ هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ الْمُوهِمَةِ حِلَّ ذَلِكَ لَهُمْ أَوْ اسْتِحْقَاقَهُمْ لَهُ عَدَمُ تَعَرُّضِنَا لَهُمْ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ وَنُفْتِيهِمْ بِهِ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي يُقَرُّونَ عَلَيْهَا.
(وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا) وَإِنْ لَمْ يُشْرَطْ مَنْعُهُمْ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ (وَقِيلَ نَدْبًا مِنْ رَفْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْبِيعَةُ بِالْكَسْرِ لِلنَّصَارَى مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: مَحَلُّ وَقْفَةٍ) قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ التَّمْثِيلُ بِهِ لَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَقَطْ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحِجَازِ وَهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْإِقَامَةِ فِيهِ (قَوْلُهُ: كَمِصْرِ) أَيْ الْقَدِيمَةِ، وَمِثْلُهَا فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ مِصْرُنَا الْآنَ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَالَةَ الْفَتْحِ فَأَرْضُهَا الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا لِلْغَانِمِينَ فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْفَتْحِ، وَبِهِ تَعْلَمُ وُجُوبَ هَدْمِ مَا فِي مِصْرِنَا وَمِصْرِ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ الْمَوْجُودَةِ الْآنَ. وَفِي سم عَلَى مَنْهَجٍ: فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ لَنَا دُخُولُهَا إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَصْوِيرٌ حَرُمَ قَطْعًا وَكَذَا كُلُّ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهُ) أَيْ الْإِحْدَاثِ (قَوْلُهُ: وَتَنْوِيرُهَا) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا مَنْعُ شَرْطِ الْإِحْدَاثِ) أَيْ مِنْهُمْ عَلَيْنَا سَوَاءٌ كَانَ الِابْتِدَاءُ مِنْ جَانِبِهِمْ وَوَافَقَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ) وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَالصُّلْحُ عَلَى تَمْكِينِهِمْ مِنْهُ بَاطِلٌ فَسَادُ الْعَقْدِ بِهَذَا الشَّرْطِ
(قَوْلُهُ: وَلَهُمْ الْإِحْدَاثُ) هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصُّلْحِ مَعَ شَرْطِ الْإِحْدَاثِ تَعْيِينُ مَا يُحْدِثُونَهُ مِنْ كَنِيسَةٍ أَوْ أَكْثَرَ وَمِقْدَارُ الْكَنِيسَةِ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الصِّحَّةُ مَعَ الْإِطْلَاقِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِثْلُهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيَخْتَلِفُ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ (قَوْلُهُ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) هُوَ قَوْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَعَ مَا أَعْقَبَهُ بِهِ الشَّارِحُ كَالتُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: مَحَلَّ وَقْفَةٍ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمُرَادَ التَّمْثِيلُ لِأَصْلِ مَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِحْدَاثِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ يَقِينًا) تَقْيِيدٌ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ
(8/99)
بِنَاءٍ) لَهُمْ وَإِنْ خَافُوا نَحْوَ سُرَّاقٍ يَقْصِدُونَهُمْ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ (عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ) وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ بِلَا مَشَقَّةٍ، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا اُعْتِيدَ مِثْلُهُ لِلسُّكْنَى، وَإِلَّا لَمْ يُكَلَّفْ الذِّمِّيُّ النَّقْصَ عَنْ أَقَلِّ الْمُعْتَادِ وَإِنْ عَجَزَ الْمُسْلِمُ عَنْ تَتْمِيمِ بِنَائِهِ وَذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمًا لِدِينِهِ فَلَا يُبَاحُ بِرِضَا الْجَارِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ تَعَالَى، أَمَّا جَارٌ ذِمِّيٌّ فَلَا مَنْعَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَخَرَجَ بِرَفْعٍ شِرَاؤُهُ لِدَارٍ عَالِيَةٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْهَدْمَ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. نَعَمْ لَيْسَ لَهُ الْإِشْرَافُ مِنْهَا كَمَا تُمْنَعُ صِبْيَانُهُمْ مِنْ طُلُوعِ سَطْحِهَا إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ، وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ زِيَادَةَ تَعْلِيَةٍ إنْ كَانَ بِنَحْوِ بِنَاءٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِمَصْلَحَتِنَا لَمْ يُنْظَرْ فِيهِ لِذَلِكَ وَلَهُ اسْتِئْجَارُهَا أَيْضًا وَسُكْنَاهُمْ، وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَيَبْقَى رَوْشَنُهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَإِنْ كَانَ حَقَّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَى أَنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ خَاصَّةً بَلْ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي رِضَا الْجَارِ بِهَا عَلَى أَنَّهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الرَّوْشَنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَذِنَ فِي إخْرَاجِ رَوْشَنٍ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ جَازَ وَلَا كَذَلِكَ التَّعْلِيَةُ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كَمَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَيَعْلُو عَلَى مُلَاصِقِهِ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى، نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ مُلَاصِقِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَحَلَّتِهِ (وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسَاوَاةِ) أَيْضًا تَمْيِيزًا بَيْنَهُمَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ) عَنْ الْمُسْلِمِينَ كَطَرَفٍ مُنْقَطِعٍ عَنْ الْعِمَارَةِ بِأَنْ كَانَ دَاخِلَ السُّوَرِ مَثَلًا وَلَيْسَ بِجِوَارِهِمْ مُسْلِمٌ يُشْرِفُونَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ (لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ رَفْعِ الْبِنَاءِ) لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ هُنَا بِوَجْهٍ. وَالثَّانِي يُمْنَعُونَ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّجَمُّلِ وَالشَّرَفِ، وَلَوْ لَاصَقَتْ أَبْنِيَتُهُمْ دُورَ الْبَلَدِ مِنْ جَانِبٍ جَازَ الرَّفْعُ مِنْ بَقِيَّةِ الْجَوَانِبِ أَيْ حَيْثُ لَا إشْرَافَ مِنْهُ، وَأَفْتَى الْعِرَاقِيُّ بِمَنْعِ بُرُوزِهِمْ فِي نَحْوِ الْخُلْجَانِ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ لِإِضْرَارِهِمْ لَهُ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى عَوْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ
(قَوْلُهُ: وَقَدَرَ عَلَى رَفْعِهِ) أَيْ الْمُسْلِمُ (قَوْلُهُ: وَذَاكَ لِحَقِّ اللَّهِ) تَوْجِيهٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْكَافِرِ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ تَحْجِيرِهِ) أَيْ بِنَاءُ مَا يَمْنَعُ مِنْ الرُّؤْيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ كَوْنُهُ) أَيْ التَّحْجِيرِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي رِضَا الْجَارِ بِهَا) أَيْ مِنْ أَنَّ رِضَاهُ لَا يُجَوِّزُ تَمْكِينَ الْكَافِرِ مِنْ رَفْعِ بِنَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَوْ أَذِنَ) لِلذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْجَارَ هُنَا أَهْلُ مَحَلَّتِهِ) أَيْ فَمَا زَادَ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ مُسَاوَاةِ بِنَائِهِ لَهُ أَوْ رَفْعِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَصِلْ لِلْأَرْبَعِينَ دَارًا (قَوْلُهُ: لَوْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ) عِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: وَالْمَحَلُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَالْكَسْرُ لُغَةٌ حَكَاهَا ابْنُ الْقَطَّاعِ مَوْضِعُ الْحُلُولِ، وَالْمَحِلُّ بِالْكَسْرِ الْأَجَلُ، وَالْمَحَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ (قَوْلُهُ: عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِهِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْبُرُوزِ عَلَى الْخُلْجَانِ بِغَيْرِ هَذَا الْقَيْدِ، وَحَيْثُ قَيَّدَ بِالْجَارِ فَانْظُرْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَبْقَى رَوْشَنُهَا) أَيْ فِي صُورَةِ الشِّرَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَا نُسَلِّمُ دَعْوَى أَنَّ التَّعْلِيَةَ إلَخْ) يُشِيرُ بِهَذَا إلَى رَدِّ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ فِي تَرَدُّدِهِ فِي بَقَاءِ الرَّوْشَنِ: إنَّ التَّعْلِيَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَالرَّوْشَنُ لِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَقَدْ زَالَ (قَوْلُهُ: أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَوْ أَذِنَ فِي إخْرَاجِ رَوْشَنٍ فِي هَوَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ أَذِنَ لِلذِّمِّيِّ فِي إخْرَاجِ الرَّوْشَنِ فِي هَوَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْكَلَامِ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْإِشْرَاعِ فِي الطُّرُقِ السَّابِلَةِ لِأَنَّهُ شَبِيهٌ بِالْإِحْيَاءِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الْإِشْرَاعُ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ بِإِذْنِهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِخُصُوصِ حَقِّ الْمِلْكِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ) يَعْنِي مَا اسْتَوْجَهَهُ. فَالْحَاصِلُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يَعْلُو عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاصِقُوهُ، وَلَا عَلَى مُلَاصِقِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ دَاخِلَ السُّوَرِ) مُرَادُهُ بِذَلِكَ تَصْوِيرُ الِانْفِصَالِ مَعَ عِدَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ (قَوْلُهُ وَأَفْتَى الْعِرَاقِيُّ بِمَنْعِ بُرُوزِهِمْ فِي نَحْوِ الْخُلْجَانِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فِي نَحْوِ النِّيلِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَ إفْتَاءِ الْعِرَاقِيِّ مَا نَصُّهُ:
(8/100)
كَالْإِعْلَاءِ بَلْ قِيَاسُ مَنْعِ الْمُسَاوَاةِ ثَمَّ مَنْعُهَا هُنَا، وَلَوْ رَفَعَ عَلَى بِنَاءِ مُسْلِمٍ اتَّجَهَ عَدَمُ سُقُوطِ هَدْمِهِ بِتَعْلِيَةِ الْمُسْلِمِ بِنَاءَهُ أَوْ شِرَائِهِ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الصُّلْحِ وَالْعَارِيَّةِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي مَا كَانَ لِبَائِعِهِ، نَعَمْ قِيلَ الْأَوْجَهُ إبْقَاؤُهُ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ هَدْمِهِ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ.
(وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ) الذَّكَرُ الْمُكَلَّفُ وَمِثْلُهُ مُعَاهَدٌ وَمُؤَمَّنٌ (رُكُوبَ خَيْلٍ) لِمَا فِيهَا مِنْ الْعِزِّ وَالْفَخْرِ، نَعَمْ لَوْ انْفَرَدُوا فِي مَحَلٍّ غَيْرِ دَارِنَا لَمْ يُمْنَعُوا، وَاسْتَثْنَى الْجُوَيْنِيُّ الْبَرَاذِينَ الْخَسِيسَةَ وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ رُكُوبُ نَفِيسَةٍ زَمَنَ قِتَالٍ اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِيهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ (لَا حَمِيرٍ) وَلَوْ نَفِيسَةً (وَبِغَالٍ نَفِيسَةٍ) لِخِسَّتِهِمَا، وَلَا اعْتِبَارَ بِطُرُوِّ عِزَّةِ الْبِغَالِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ عَلَى أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ مَنْ اعْتَادَ رُكُوبَهَا مِنْ الْأَعْيَانِ بِهَيْئَةِ رُكُوبِهِمْ الَّتِي فِيهَا غَايَةُ تَحْقِيرِهِمْ وَإِذْلَالِهِمْ كَمَا قَالَ (وَيَرْكَبُهَا) عَرْضًا بِأَنْ يَجْعَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَخَصَّصَاهُ بَحْثًا بِسَفَرٍ قَرِيبٍ فِي الْبَلَدِ (بِإِكَافٍ) أَوْ بَرْذَعَةٍ (وَرِكَابِ خَشَبٍ لَا حَدِيدٍ) أَوْ رَصَاصٍ (وَلَا سَرْجَ) لِكِتَابِ عُمَرَ بِذَلِكَ وَلِيَتَمَيَّزُوا عَنَّا بِمَا يُحَقِّرُهُمْ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مَنْعُهُ مِنْ الرُّكُوبِ مُطْلَقًا فِي مَوَاطِنِ زَحْمَتِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ حَمْلِ السِّلَاحِ وَتَخَتُّمِهِ وَلَوْ بِفِضَّةٍ وَاسْتِخْدَامِ مَمْلُوكٍ فَارِهٍ كَتُرْكِيٍّ وَمِنْ خِدْمَةِ الْأُمَرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّلَاحِ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْأُولَى الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهَا الثَّانِيَةُ بَلْ أَوْلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي أَيِّ صُورَةٍ يُخَالِفُ الْخُلْجَانُ فِيهَا غَيْرَهَا مِنْ الدُّورِ حَتَّى تَكُونَ مَقْصُودَةً بِالْحُكْمِ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ حِكَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إلَى قَوْلِهِ هُنَا نَصُّهَا: وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ جَازَ ذَلِكَ فِي أَصْلِهِ، أَمَّا إذَا مُنِعَ مِنْ هَذَا حَقُّ الْمُسْلِمِ كَمَا مَرَّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هُنَا. نَعَمْ يُتَصَوَّرُ فِي نَهْرٍ حَادِثٍ مَمْلُوكَةٌ حَافَّتَاهُ (قَوْلُهُ: كَالْإِعْلَاءِ فِيهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ اتَّجَهَ عَدَمُ سُقُوطِ هَدْمِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الرَّافِعُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فِيمَا يَظْهَرُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي سم عَلَى حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ شِرَائِهِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْهَدْمِ حَاكِمٌ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَلَوْ بَنَى دَارًا عَالِيَةً أَوْ مُسَاوِيَةً ثُمَّ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ لَمْ يَسْقُطْ الْهَدْمُ إذَا كَانَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا سَقَطَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ قِيلَ الْأَوْجَهُ) اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ
(قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ الذَّكَرُ) ع: فَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ إذْ لَا صَغَارَ عَلَيْهِمْ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَالْفَخْرُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى الْجُوَيْنِيُّ) ضَعِيفٌ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ اعْتِبَارًا بِالْجِنْسِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا اسْتَثْنَاهُ الْجُوَيْنِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَضْعِيفِ الْمُلْحَقِ بِهِ تَضْعِيفُ الْمُلْحِقِ (قَوْلُهُ: اسْتَعَنَّا بِهِمْ فِيهِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ طَرِيقًا لِنَصْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرَادًا وَأَنَّ ذَلِكَ يُغْتَفَرُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: وَخَصَّصَاهُ بَحْثًا إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْله مُطْلَقًا) أَيْ عَرْضًا أَوْ مُسْتَوِيًا وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ (قَوْلُهُ: وَاسْتِخْدَامُ مَمْلُوكٍ فَارِهٍ) أَيْ شَاطِرٍ لِأَنَّ فِيهِ عِزًّا لَهُمْ. قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْفَارِهُ: الْحَاذِقُ، إلَى أَنْ قَالَ: وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْفَارِهُ مِنْ النَّاسِ: الْمَلِيحُ الْحَسَنُ، فَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَرِينَةِ التَّمْثِيلِ لَهُ بِالتُّرْكِيِّ (قَوْلُهُ: وَمِنْ خِدْمَةِ الْأُمَرَاءِ) أَيْ خِدْمَةٍ تُؤَدِّي إلَى تَعْظِيمِهِمْ كَاسْتِخْدَامِهِمْ فِي الْمَنَاصِبِ الْمُحْوِجَةِ إلَى تَرَدُّدِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَرَاءِ كُلُّ مَنْ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي أَمْرٍ عَامٍّ يَقْتَضِي تَرَدُّدَ النَّاسِ عَلَيْهِ كَنُظَّارِ الْأَوْقَافِ الْكَبِيرَةِ وَكَمَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهِمَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إنْ جَازَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ، أَمَّا إذَا مُنِعَ مِنْ هَذَا حَتَّى الْمُسْلِمُ كَمَا مَرَّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هُنَا، نَعَمْ يُتَصَوَّرُ فِي نَهْرٍ حَادِثٍ مَمْلُوكٍ حَافَّاتُهُ اهـ
(قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ رُكُوبُ نَفِيسَةٍ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْبَرَاذِينِ أَوْ مِنْ الْعِنَاقِ (قَوْلُهُ: لِخِسَّتِهِمَا) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِ (قَوْلُهُ: بِسَفَرٍ قَرِيبٍ) عِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ: مَسَافَةٌ قَرِيبَةٌ فِي الْبَلَدِ (قَوْلُهُ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ) أَيْ لِمَا فِي رُكُوبِهِمْ حِينَئِذٍ مِنْ الْإِهَانَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى وَالتَّأَذِّي (قَوْلُهُ: وَمِنْ خِدْمَةِ الْأُمَرَاءِ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَالْمُرَادُ بِخِدْمَتِهِمْ إيَّاهُمْ الْخِدْمَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْكِتَابَةِ وَتَوْلِيَةِ الْمَنَاصِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
(8/101)
كَمَا قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُ الذَّكَرِ الْبَالِغِ: أَيْ الْعَاقِلِ لَا يَلْزَمُ بِصَغَارٍ: أَيْ مِمَّا مَرَّ (وَيُلْجَأُ) وُجُوبًا عِنْدَ ازْدِحَامِ الْمُسْلِمِينَ بِطَرِيقٍ (إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ) لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِنَحْوِ وُقُوعٍ فِي وَهْدَةٍ أَوْ صَدْمَةِ جِدَارٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَمْشُونَ (وُجُوبًا) إلَّا أَفْرَادًا مُتَفَرِّقِينَ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى تَعْبِيرِهِمْ بِالْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا فِي طَرِيقٍ إيثَارُهُ بِوَاسِعَةٍ، لَكِنْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَهُ أَوْ عَدَّهُ الْعُرْفُ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ، وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَا الْمُسْلِمِ كَالتَّعْلِيَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ لِدَوَامِ ضَرَرِ ذَلِكَ دُونَ هَذَا فَلَا ضَرَرَ فِيهِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ فَهُوَ يَنْقَضِي عَجِلًا (وَلَا يُوَقَّرُ وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ) بِهِ مُسْلِمٌ: أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا ذَلِكَ إهَانَةً لَهُ، وَتَحْرُمُ مُوَادَّتُهُ وَهُوَ الْمَيْلُ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ لَا مِنْ حَيْثُ وَصْفُ الْكُفْرِ وَإِلَّا كَانَتْ كُفْرًا، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَتْ لِأَصْلٍ أَمْ فَرْعٍ أَمْ غَيْرِهِمَا، وَتُكْرَهُ مُخَالَطَتُهُ ظَاهِرًا وَلَوْ بِمُهَادَاةٍ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ رَحِمٍ أَوْ جِوَارٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ كَعِبَادَتِهِ وَتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَأُلْحِقَ بِالْكَافِرِ فِي ذَلِكَ كُلُّ فَاسِقٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِينَاسِ لَهُمْ.
(وَيُؤْمَرُ) وُجُوبًا عِنْدَ اخْتِلَاطِهِمْ بِنَا، وَإِنْ دَخَلَ دَارَنَا لِرِسَالَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ اخْتِلَاطِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ (بِالْغِيَارِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَنَّ مَحَلَّ الِامْتِنَاعِ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى اسْتِخْدَامِهِ بِأَنْ لَا يَقُومَ غَيْرُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَقَامَهُ فِي حِفْظِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ كَجٍّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الذَّكَرُ الْمُكَلَّفُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا غَيْرُ الذَّكَرِ الْبَالِغِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْشُونَ) أَيْ يُمْنَعُونَ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُوَقَّرُ) أَيْ لَا يُفْعَلُ مَعَهُ أَسْبَابُ التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمَيْلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَيْلَ إلَيْهِ بِالْقَلْبِ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إذَا طَلَبَ حُصُولَ الْمَيْلِ بِالِاسْتِرْسَالِ فِي أَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ إلَى حُصُولِهَا بِقَلْبِهِ، وَإِلَّا فَالْأُمُورُ الضَّرُورِيَّةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ حَدِّ التَّكْلِيفِ، وَبِتَقْدِيرِ حُصُولِهَا يَسْعَى فِي دَفْعِهَا مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَفَعَهَا بِحَالٍ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَا، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَاضْطِرَارُ مَحَبَّتِهِمَا: أَيْ الْأَبِ وَالِابْنِ لِلتَّكَسُّبِ فِي الْخُرُوجِ عَنْهَا مَدْخَلٌ.
[فَرْعٌ] رَأَى شَخْصٌ يَهُودِيًّا جَالِسًا عِنْدَ بَعْضِ مُلُوكِ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهُ:
يَا ذَا الَّذِي طَاعَتُهُ وَاجِبَهْ ... وَحُبُّهُ مُفْتَرَضٌ وَاجِبُ
إنَّ الَّذِي شَرُفْتَ مِنْ أَجْلِهِ ... يَزْعُمُ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبُ
فَغَضِبَ عَلَى الْيَهُودِيِّ وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ وَصَفْعِهِ لِاسْتِحْضَارِهِ تَكْذِيبَ الْمَعْصُومِ الَّذِي شَرُفَتْ بِهِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِمَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَرْجُ إسْلَامَهُ) أَيْ أَوْ يَرْجُو مِنْهُ نَفْعًا دُنْيَوِيًّا لَا يَقُومُ غَيْرُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَأَنْ فَوَّضَ لَهُ عَمَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْصَحُهُ فِيهِ وَيُخْلِصُ أَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ دَفْعَ ضَرَرٍ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِالْكَافِرِ فِي ذَلِكَ) أَيْ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ، وَعِبَارَةُ حَجّ بَعْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فَاسِقٌ وَفِي عُمُومِهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ حَمْلُ الْحُرْمَةِ عَلَى مَيْلٍ مَعَ إينَاسٍ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ إينَاسًا لَهُمْ، أَمَّا مُعَاشَرَتُهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ يَحْصُلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا هُوَ وَاقِعٌ، وَلِلسُّيُوطِيِّ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفٌ حَافِلٌ (قَوْلُهُ: فَلَا ضَرَرَ فِيهِ) أَيْ فَضْلًا عَنْ دَوَامِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَئِنْ سَلَّمْنَاهُ: أَيْ الضَّرَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعْلِيَةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَمْرَيْنِ: الضَّرَرِ، وَدَوَامِهِ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا الْفَرْقِ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُهُ وَلَا يُتَوَهَّمُ إلَخْ خِلَافُهُ، فَمَحَطُّ التَّوَهُّمِ التَّأَثُّرُ
(8/102)
بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَهُوَ تَغْيِيرُ اللِّبَاسِ كَأَنْ يَخِيطَ فَوْقَ أَعْلَى ثِيَابِهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ الْآتِي بِمَوْضِعٍ لَا يَعْتَادُ الْخِيَاطَةَ عَلَيْهِ كَالْكَتِفِ بِمَا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهَا وَيَكْفِي عَنْهُ نَحْوُ مِنْدِيلٍ مَعَهُ كَمَا قَالَاهُ وَالْعِمَامَةُ الْمُعْتَادَةُ لَهُمْ الْآنَ وَالْأَوْلَى بِالْيَهُودِ الْأَصْفَرُ وَبِالنَّصَارَى الْأَزْرَقُ وَبِالْمَجُوسِ الْأَسْوَدُ وَبِالسَّامِرِيِّ الْأَحْمَرُ هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي كُلٍّ بَعْدَ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَلَا يَرِدُ كَوْنُ الْأَصْفَرِ كَانَ زِيَّ الْأَنْصَارِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَمَا حُكِيَ وَالْمَلَائِكَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَأَنَّهُمْ إنَّمَا آثَرُوهُمْ بِهِ لِغَلَبَةِ الصُّفْرَةِ فِي أَلْوَانِهِمْ النَّاشِئَةِ عَنْ زِيَادَةِ فَسَادِ قُلُوبِهِمْ، وَلَوْ أَرَادُوا التَّمَيُّزَ بِغَيْرِ الْمُعْتَادِ مُنِعُوا خَشْيَةَ الِالْتِبَاسِ، وَقَدْ اُعْتِيدَ فِي هَذَا الزَّمَنِ بَدَلُ الْعَمَائِمِ الْقَلَانِسُ لِلنَّصَارَى وَالطَّرَاطِيرُ الْحُمْرُ لِلْيَهُودِ، وَتُؤْمَرُ ذِمِّيَّةٌ خَرَجَتْ بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى (وَالزُّنَّارُ) بِضَمِّ الزَّايِ (فَوْقَ الثِّيَابِ) وَهُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ فِيهِ أَلْوَانٌ يُشَدُّ بِالْوَسَطِ، نَعَمْ تَشُدُّهُ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى تَحْتَ إزَارٍ بِحَيْثُ يَظْهَرُ بَعْضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ تَجْعَلُهُ فَوْقَهُ مُبَالَغَةً فِي التَّمَيُّزِ مَرْدُودٌ بِأَنَّ فِيهِ تَشْبِيهًا بِمَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فِي الْعَادَةِ وَهُوَ حَرَامٌ، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْحُرْمَةِ فِيهِ زِيَادَةُ إزْرَائِهَا فَلَا تُؤْمَرُ بِهِ، وَيُمْتَنَعُ إبْدَالُهُ بِنَحْوِ مِنْدِيلٍ أَوْ مِنْطَقَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الشُّهْرَةِ فَلِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ دِيبَاجٍ وَطَيْلَسَانَ (وَإِذَا) (دَخَلَ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ) أَوْ مُسْلِمٌ (أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ) وَثَمَّ مُسْلِمٌ (جُعِلَ فِي عُنُقِهِ) أَوْ نَحْوِهِ (خَاتَمُ) أَيْ طَوْقُ (حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرُهَا مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ (وَنَحْوُهُ) بِالرَّفْعِ: أَيْ الْخَاتَمِ كَجُلْجُلٍ، وَبِالْكَسْرِ: أَيْ الْحَدِيدِ أَوْ الرَّصَاصِ كَنُحَاسٍ وُجُوبًا لِيَتَمَيَّزَ، وَتُمْنَعُ الذِّمِّيَّةُ مِنْ حَمَّامٍ بِهِ مُسْلِمَةٌ تَرَى مِنْهَا مَا لَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ.
(وَيُمْنَعُ) وُجُوبًا وَلَوْ لَمْ يُشْرَطْ عَلَيْهِ (مِنْ إسْمَاعِهِ لِلْمُسْلِمِينَ شِرْكًا) كَثَالِثِ ثَلَاثَةٍ (وَ) يُمْنَعُ مِنْ (قَوْلِهِمْ) الْقَبِيحَ وَيَصِحُّ نَصْبُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْهُمْ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ
(قَوْلُهُ: بِمَا يُخَالِفُ لَوْنَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيرٍ، وَعِبَارَةُ حَجّ مَا يُخَالِفُ (قَوْلُهُ: وَالْعِمَامَةُ الْمُعْتَادَةُ لَهُمْ الْآنَ) هَلْ يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لُبْسُ الْعِمَامَةِ الْمُعْتَادَةِ لَهُمْ وَإِنْ جَعَلَ عَلَيْهَا عَلَامَةً تُمَيِّزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ كَوَرَقَةٍ بَيْضَاءَ مَثَلًا أَمْ لَا، لِأَنَّ فِعْلَ مَا ذُكِرَ يَخْرُجُ بِهِ الْفَاعِلُ عَنْ زِيِّ الْكُفَّارِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَلَامَةَ لَا يَهْتَدِي بِهَا لِتَمْيِيزِ الْمُسْلِمِ عَنْ غَيْرِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِمَامَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ زِيِّ الْكُفَّارِ خَاصَّةً، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحُرْمَةِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ لُبْسِ طُرْطُورِ الْيَهُودِيِّ مَثَلًا عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ فَيُعَزَّرُ فَاعِلُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبِالْمَجُوسِ الْأَسْوَدُ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ وَبِالْمَجُوسِ الْأَحْمَرُ أَوْ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّامِرِيَّ (قَوْلُهُ وَبِالسَّامِرِيِّ) مُرَادُهُ مَنْ يَعْبُدُ الْكَوَاكِبَ (قَوْلُهُ: تُخَالِفُ لَوْنَ خُفَّيْهَا) أَيْ أَوْ بِزُنَّارٍ تَجْعَلُهُ تَحْتَ ثِيَابِهَا وَتُظْهِرُ بَعْضَهُ كَمَا صَرَّحَ بِالِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَلَعَلَّ اقْتِصَارَ الشَّارِحِ عَلَى تَخَالُفِ الْخُفَّيْنِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ فِي التَّمْيِيزِ (قَوْلُهُ: بِمَا يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فِي الْعَادَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ حَيْثُ غَلَبَتْ هَيْئَتُهُ لِلرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ حَرُمَ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا التَّلَبُّسُ بِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْبِيهِ وَفِي فَصْلِ اللِّبَاسِ مَا قَدْ يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيُمْتَنَعُ إبْدَالُهُ) أَيْ إبْدَالُ الزُّنَّارِ حَيْثُ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَيَكْفِي عَنْهُ: أَيْ الْغِيَارِ نَحْوُ مِنْدِيلٍ مَعَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتُمْنَعُ الذِّمِّيَّةُ) أَيْ فَلَوْ لَمْ تُمْنَعْ حَرُمَ عَلَى الْمُسْلِمَةِ الدُّخُولُ مَعَهَا حَيْثُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ نَظَرُ الذِّمِّيَّةِ لِمَا لَا يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ الْمِهْنَةِ وَحَرُمَ عَلَى زَوْجِهَا أَيْضًا تَمْكِينُهَا
(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ نَصْبُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِرِضَا الْإِسْلَامِ وَعَدَمِهِ لَا كَوْنُهُ مِنْ حُقُوقِ الْإِسْلَامِ أَوْ عَدَمُهُ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْغَيْنِ) أَيْ كَمَا نَقَلَ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَحَكَى الْأَذْرَعِيُّ عَنْ غَيْرِهِ الْفَتْحَ أَيْضًا (قَوْلُهُ بِتَخَالُفِ لَوْنِ خُفَّيْهَا) أَيْ بِأَنْ يَكُونَا بِلَوْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِلَوْنٍ (قَوْلُهُ: وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ (قَوْلُهُ: وَثَمَّ مُسْلِمٌ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مُتَجَرِّدٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِحُصُولِ الْإِلْبَاسِ (قَوْلُهُ بِالرَّفْعِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: لَعَلَّ وَجْهَهُ كَوْنُهُ عَطْفًا عَلَى خَاتَمٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلٍ جُعِلَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ لَكِنْ يَجُوزُ بِنَاؤُهُ لِلْفَاعِلِ فَيَجُوزُ نَصْبُ خَاتَمٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ لَهُ وَلِهَذَا
(8/103)
عَطْفًا عَلَى شِرْكًا (فِي عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُمَا أَبْنَاءُ اللَّهِ وَالْقُرْآنُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ (وَمِنْ إظْهَارِ) مُنْكَرٍ بَيْنَنَا نَحْوِ (خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ) وَهُوَ مَا تَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى إعْلَامًا بِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ (وَعِيدٍ) وَنَحْوِ لَطْمٍ وَنَوْحٍ وَقِرَاءَةِ نَحْوِ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَلَوْ بِكَنَائِسِهِمْ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَفَاسِدَ لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْكُفْرِ، فَإِنْ انْتَفَى الْإِظْهَارُ فَلَا مَنْعَ، وَمَتَى أَظْهَرُوا خَمْرًا أُرِيقَتْ وَيُتْلَفُ نَاقُوسٌ أُظْهِرَ، وَمَرَّ ضَابِطُ الْإِظْهَارِ فِي الْغَصْبِ وَيُحَدُّونَ لِنَحْوِ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ لَا خَمْرٍ (وَلَوْ شُرِطَتْ) عَلَيْهِمْ (هَذِهِ الْأُمُورُ) الَّتِي يُمْنَعُونَ مِنْهَا: أَيْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا وَإِنْ فَعَلُوا كَانُوا نَاقِضِينَ (فَخَالَفُوا) مَعَ تَدَيُّنِهِمْ بِهَا (لَمْ يُنْقَضْ الْعَهْدُ) إذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ ضَرَرٍ عَلَيْنَا لَكِنْ يُبَالِغُ فِي تَعْزِيرِهِمْ حَتَّى يَمْتَنِعُوا مِنْهَا (وَلَوْ) (قَاتَلُونَا) مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ (أَوْ امْتَنَعُوا) تَغَلُّبًا أَوْ (مِنْ) بَذْلِ (الْجِزْيَةِ) الَّتِي عُقِدَ بِهَا لِغَيْرِ عَجْزٍ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ (أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ) عَلَيْهِمْ (انْتَقَضَ) عَهْدُ الْمُمْتَنِعِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِتْيَانِهِ بِنَقِيضِ عَهْدِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا الْمُوسِرُ الْمُمْتَنِعُ بِغَيْرِ نَحْوِ قِتَالٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَوْ قَاتَلَ بِشُبْهَةٍ مِمَّا مَرَّ فِي الْبُغَاةِ أَوْ دَفْعًا لِلصَّائِلِينَ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ هُنَا لَمْ يُنْتَقَضْ (وَلَوْ) (زَنَى) ذِمِّيٌّ (بِمُسْلِمَةٍ) أَوْ لَاطَ بِمُسْلِمٍ (أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ) أَيْ بِصُورَتِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِإِسْلَامِهَا فِيهِمَا وَمِثْلُ الزِّنَى مُقَدِّمَاتُهُ كَمَا قَالَهُ النَّاشِرِيُّ أَوْ
(دَلَّ أَهْلَ الْحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ) أَيْ خَلَلٍ (لِلْمُسْلِمِينَ) كَضَعْفٍ (أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ) أَوْ دَعَاهُ لِكُفْرٍ (أَوْ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ أَوْ ذَكَرَ) جَهْرًا اللَّهَ تَعَالَى أَوْ (رَسُولَ اللَّهِ) أَوْ الْقُرْآنَ أَوْ نَبِيًّا (بِسُوءٍ) مِمَّا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا عَمْدًا (أَوْ قَذَفَهُ) (فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا انْتَقَضَ) بِمُخَالَفَتِهِ الشَّرْطَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ شَرَطَ أَوْ لَا فِي الْأَوْجَهِ (فَلَا) يُنْتَقَضُ لِانْتِفَاءِ إخْلَالِهَا بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَدَمَ النَّقْضِ مُطْلَقًا وَسَوَاءٌ انْتَقَضَ أَمْ لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ مُوجِبَ فِعْلِهِ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، فَلَوْ رَجَمَ وَقُلْنَا بِانْتِقَاضِهِ صَارَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ أَوْلَى إذْ لَا طَرِيقَ إلَى مَنْعِهِمْ مِنْ مُطْلَقِ الْقَوْلِ: أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى (قَوْلُهُ: وَنَحْوَ لَطْمٍ) أَيْ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ (قَوْلُهُ: وَمَرَّ ضَابِطُ الْإِظْهَارِ فِي الْغَصْبِ) أَيْ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بِلَا تَجَسُّسٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ) الْأَوْلَى حَذْفُ أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ امْتَنَعُوا مِمَّا يُخَالِفُ بَذْلَ الْجِزْيَةِ وَإِجْرَاءُ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَعِبَارَةُ الزِّيَادِيِّ: قَوْلُهُ أَبَوْا جِزْيَةً أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِأَصْلِهِ، وَقَدْ حَمَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهَا عِنَادًا (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ عَجْزٍ) لَمْ يُبَيِّنْ مُحْتَرَزَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِالِانْتِقَاضِ حَيْثُ لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ عَدَمَهُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ الْآتِي أَمَّا الْمُوسِرُ الْمُمْتَنِعُ بِغَيْرِ نَحْوِ قِتَالٍ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى مُوسِرٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ امْتِنَاعِهِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي نَقْضِ عَهْدِهِ كَمَا لَوْ كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ الْأَدَاءِ يُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ غَيْرِهِ عَنْ الِانْقِيَادِ لِبَذْلِهَا أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُطْلَبُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا) أَيْ وَلَا انْتِقَاضَ
(قَوْلُهُ: فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إلَخْ) لَا يُقَالُ: هَذَا مُنَافٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ أَسْمَعُوا الْمُسْلِمِينَ شِرْكًا أَوْ أَظْهَرُوا الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ لَمْ يُنْتَقَضْ عَهْدُهُمْ وَإِنْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ الِانْتِقَاضُ.
لِأَنَّا نَقُولُ: مَا تَقَدَّمَ فِيمَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ أَوْ يُقَرُّونَ عَلَى أَصْلِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا هُنَا فِيمَا لَا يَتَدَيَّنُونَ بِهِ وَيَحْصُلُ مِنْهُ أَذًى لَنَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَزَعْمِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا نَقْضَ بِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إنَّ شَرَطَ انْتِقَاضَ الْعَهْدِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا لَوْ ضَرَبَ الْمُسْلِمُ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ) أَيْ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحَرْبِيِّينَ حَتَّى لَوْ عَفَتْ وَرَثَةُ الْمُسْلِمِ الَّذِي قَتَلَهُ عَمْدًا عَنْهُ قُتِلَ لِلْحِرَابَةِ وَيَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَى جِيفَتِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَيْ التَّفْصِيلُ (قَوْلُهُ: مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ) وَمِنْهُ قَتْلُهُ بِالْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَهُ عَمْدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَقُلْنَا بِانْتِقَاضِهِ) مَرْجُوحٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
نُقِلَ عَنْ ضَبْطِ الْمُتَقَدِّمِينَ تَثْلِيثُ نَحْوِ اهـ
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُمَا أَبْنَاءُ اللَّهِ) الصَّوَابُ حَذْفُ الْوَاوِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، إذْ هَذَا بَدَلٌ
(8/104)
مَالُهُ فَيْئًا، أَمَّا مَا يَتَدَيَّنُ بِهِ كَزَعْمِهِمْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا نَقْضَ بِهِ مُطْلَقًا قَطْعًا (وَمَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ) بَلْ وَجَبَ (دَفْعُهُ بِهِ وَقِتَالُهُ) وَلَا يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ لِعِظَمِ خِيَانَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ قَتْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِهِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَيُتَّجَهُ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّهُ فِي كَامِلٍ فَفِي غَيْرِهِ يُدْفَعُ بِالْأَخَفِّ لِأَنَّهُ إذَا انْدَفَعَ بِهِ كَانَ مَالًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَفِي عَدَمِ الْمُبَادَرَةِ إلَى قَتْلِهِ مَصْلَحَةٌ لَهُمْ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِمْ (أَوْ بِغَيْرِهِ) أَيْ الْقِتَالِ (لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ فِي الْأَظْهَرِ بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ) إنْ لَمْ يَطْلُبْ تَجْدِيدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَإِلَّا وَجَبَتْ إجَابَتُهُ (قَتْلًا وَرِقًّا) الْوَاوُ هُنَا وَبَعْدُ بِمَعْنَى أَوْ وَآثَرَهَا لِأَنَّهَا أَجْوَدُ فِي التَّقْسِيمِ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ (وَمَنًّا وَفِدَاءً) لِأَنَّهُ حَرْبِيٌّ أُبْطِلَ أَمَانُهُ، وَبِهِ فَارَقَ مَنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ نَحْوِ الصَّبِيِّ ظَنَّهُ أَمَانًا، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمَا فِي الْهُدْنَةِ مَنْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ أَوْ هُدْنَةٍ لَا يُقَاتَلُ وَإِنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بَلْ يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ مَعَ أَنَّ حَقَّ الذِّمِّيِّ آكَدُ لِأَنَّ جِنَايَةَ الذِّمِّيِّ أَفْحَشُ لِمُخَالَطَتِهِ لَنَا خُلْطَةً أَلْحَقَتْهُ بِأَهْلِ الدَّارِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ (فَإِنْ) (أَسْلَمَ) مَنْ انْتَقَضَ عَهْدُهُ (قَبْلَ الِاخْتِيَارِ) (امْتَنَعَ الرِّقُّ) وَالْقَتْلُ وَالْفِدَاءُ، بِخِلَافِ الْأَسِيرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِي يَدِ الْإِمَامِ بِالْقَهْرِ وَلَهُ أَمَانٌ مُتَقَدِّمٌ فَخَفَّ أَمْرُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَنُّ (وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ) حَصَلَ بِجِزْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ) ذَرَارِيِّهِمْ مِنْ نَحْوِ (نِسَائِهِمْ وَالصِّبْيَانُ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ جِنَايَةٍ مِنْهُمْ نَاقِضَةٍ أَمَانَهُمْ، وَإِنَّمَا تَبِعُوا فِي الْعَقْدِ دُونَ النَّقْضِ تَغْلِيبًا لِلْعِصْمَةِ فِيهِمَا، وَالثَّانِي يَبْطُلُ تَبَعًا لَهُمْ كَمَا تَبِعُوهُمْ فِي الْأَمَانِ وَرُدَّ بِمَا مَرَّ، وَلَوْ طَلَبُوا دَارَ الْحَرْبِ أُجِيبَ النِّسَاءُ دُونَ الصِّبْيَانِ إذْ لَا اخْتِيَارَ لَهُمْ (وَإِذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ) وَهُوَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَقْرَبِ بِلَادِهِمْ لِعَدَمِ ظُهُورِ جِنَايَةٍ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِمْ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَقَتَلَهُ ابْتِدَاءً لَمْ يَضْمَنْهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَتْ إجَابَتُهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَهُ نَفْيُهُ فَقَطْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مِنْ الْقَبِيحِ وَهُوَ الْمُرَادُ
كِتَابُ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ: لِمُخَالَطَتِهِ لَنَا) جَرَى عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ: بَلَغَ الْمَأْمَنَ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْمُرَادُ بِهِ أَقْرَبُ بِلَادِ الْحَرْبِ مِنْ دَارِنَا.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: هَذَا فِي النَّصْرَانِيِّ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْيَهُودِيُّ فَلَا مَأْمَنَ لَهُ نَعْلَمُهُ بِالْقُرْبِ مِنْ دِيَارِ الْإِسْلَامِ بَلْ دِيَارُ الْحَرْبِ كُلُّهُمْ نَصَارَى فِيمَا أَحْسِبُ وَهْم أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنَّا، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْيَهُودِيِّ اخْتَرْ لِنَفْسِك مَأْمَنًا وَاللُّحُوقَ بِأَيِّ دِيَارِ الْحَرْبِ شِئْت.
(8/105)
كِتَابُ الْهُدْنَةِ مِنْ الْهُدُونِ وَهُوَ السُّكُونُ لِسُكُونِ الْفِتْنَةِ بِهَا، إذْ هِيَ لُغَةً الْمُصَالَحَةُ، وَشَرْعًا: مُصَالَحَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ الْمُدَّةَ الْآتِيَةَ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَتُسَمَّى مُوَادَعَةً وَمُسَالَمَةً وَمُعَاهَدَةً وَمُهَادَنَةً.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ أَوَّلُ سُورَةِ بَرَاءَةَ «وَمُهَادَنَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرَيْشًا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ» ، وَكَانَتْ سَبَبًا لِفَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَمَّا خَالَطُوا الْمُسْلِمِينَ وَسَمِعُوا الْقُرْآنَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَبْلُ، وَهِيَ جَائِزَةٌ لَا وَاجِبَةٌ أَصَالَةً، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُهَا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَرْكِهَا لُحُوقُ ضَرَرٍ لَنَا لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (عَقْدُهَا) لِجَمِيعِ الْكُفَّارِ أَوْ (لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ) كَالْهِنْدِ (يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ) وَمِثْلُهُ مُطَاعٌ بِإِقْلِيمٍ لَا يَصِلُهُ حُكْمُ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي نَظَائِرِهِ (وَنَائِبُهُ فِيهَا) وَحْدَهَا أَوْ مَعَ غَيْرِهَا وَلَوْ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخَطَرِ وَوُجُوبُ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِنَا (وَ) عَقْدُهَا (لِبَلْدَةٍ) أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعُمْرَانِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا لَوْ فَعَلَهُ الْوَالِي بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ (يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى مَصَالِحِهِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ جَوَازَهَا مَعَ بَلْدَةٍ مُجَاوِرَةٍ لِإِقْلِيمِهِ حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً فِيهَا لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مِنْ تَعَلُّقَاتِ إقْلِيمِهِ، نَعَمْ قَوْلُهُ إنَّهُ يَتَعَيَّنُ اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ عِنْدَ إمْكَانِهِ يَظْهَرُ حَمْلُهُ حَيْثُ تَرَدَّدَ فِي وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ (وَإِنَّمَا تُعْقَدُ لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ) إذْ هُوَ الْحَامِلُ عَلَى الْمُهَادَنَةِ عَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ: عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ) الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: وَشَرْعًا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ مُصَالَحَةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إلَخْ، وَكَأَنَّهُ عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ قَصْدًا لِلْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ مَعَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مَعْلُومًا مِنْ اشْتِرَاطِ الصِّيغَةِ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمُؤَثِّرِ بِاسْمِ الْأَثَرِ أَوْ السَّبَبِ بِاسْمِ الْمُسَبَّبِ (قَوْلُهُ: بِإِقْلِيمٍ لَا يَصِلُهُ) أَيْ لِبُعْدِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ) عَلَى هَذَا فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَقَدَهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ وَنَائِبِهِ فِيهَا فَإِنَّ الْحَاصِلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْوَالِي كَمَا يَعْقِدُ لِكُفَّارِ بَلَدِهِ يَعْقِدُ لِجَمِيعِ الْإِقْلِيمِ وَبِهِ سَاوَى الْإِمَامَ وَنَائِبَهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَشَارَ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ فِي عَقْدِهَا مِنْ وَالِي الْإِقْلِيمِ لِجَمِيعِ أَهْلِهِ خِلَافًا فَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلُهُ وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ) قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِأَهْلِ إقْلِيمِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ عَقْدِهَا لَهُمْ ظُهُورُ مَصْلَحَةٍ لِغَيْرِ إقْلِيمِهِ كَالْأَمْنِ لِمَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ تَوْلِيَتَهُ تَقْتَضِي فِعْلَ الْمَصْلَحَةِ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ الْوَالِي الْمَذْكُورِ لَمْ تَشْمَلْهُ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَرَدَّدَ) أَيْ أَمَّا حَيْثُ ظَهَرَتْ لَهُ الْمَصْلَحَةُ بِلَا تَرَدُّدٍ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِئْذَانُ وَيَصْدُقُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْإِمَامِ اسْتِئْمَانٌ لَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وَلَّاهُ فِيهِ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْهُدْنَةِ]
بَابُ الْهُدْنَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ مُطَاعٌ) أَيْ فِي أَنَّهُ يَعْقِدُ لِأَهْلِ إقْلِيمِهِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ لِجَمِيعِ أَهْلِ إقْلِيمِهِ) فِيهِ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ وَكَذَا الْإِشَارَةُ الْآتِيَةُ (قَوْلُهُ: وَتَعَيَّنَ) اسْتِئْذَانُ الْإِمَامِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى جَوَازِهَا
(8/106)
الْحُدَيْبِيَةِ (أَوْ) عُطِفَ عَلَى ضَعْفٍ (رَجَاءَ إسْلَامِهِمْ أَوْ بَذْلَ جِزْيَةٍ) أَوْ إعَانَتَهُمْ لَنَا أَوْ كَفَّهُمْ عَنْ الْإِعَانَةِ عَلَيْنَا أَوْ بُعْدَ دَارِهِمْ وَلَوْ مَعَ قُوَّتِنَا فِي الْجَمِيعِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِنَا ضَعْفٌ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهَا (جَازَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وَلَوْ بِدُونِ غَرَضٍ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ (لَا سَنَةً) لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْجِزْيَةِ فَامْتَنَعَ تَقْرِيرُهُمْ فِيهَا بِدُونِ جِزْيَةٍ (وَكَذَا دُونَهَا) وَفَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِلْآيَةِ أَيْضًا، نَعَمْ عَقْدُهَا لِنَحْوِ نِسَاءٍ وَمَالٍ لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِنَقْصِهَا عَنْ مُدَّةِ الْجِزْيَةِ (وَلِضَعْفٍ) بِنَا (تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ) فَمَا دُونَهَا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ (فَقَطْ) لِأَنَّهَا مُدَّةُ مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ وَيُمْتَنَعُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ مَعَ الضَّعْفِ، وَقَوْلُ جَمْعٍ بِجَوَازِهَا عَلَى الْعَشْرِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي عُقُودٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ كُلُّ عَقْدٍ عَلَى عَشَرَةٍ، وَهُوَ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْوَقْفِ وَغَيْرِهِ صَحِيحٌ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَرِيبٌ، وَقَالَ: إنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِيَ الْمَنْعَ مَا زَادَ عَلَى الْعَشْرِ مِنْ كَوْنِهَا الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا مَعَ عَدَمِ عِلْمِنَا بِمَا يَقَعُ بَعْدَهَا مَوْجُودٌ مَعَ التَّعَدُّدِ فَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلنَّصِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَبِهِ فَارَقَ نَظَائِرَهُ.
نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ اسْتَأْنَفْنَا عَقْدًا آخَرَ وَهَكَذَا، وَلَوْ زَالَ نَحْوُ خَوْفٍ أَثْنَاءَهَا وَجَبَ إبْقَاؤُهَا وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ عِنْدَ طَلَبِهِمْ لَهَا وَلَا ضَرَرَ وَيَفْعَلُ الْأَصْلَحَ وُجُوبًا
وَلَوْ دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ فَتَكَرَّرَ سَمَاعُهُ لَهُ بِحَيْثُ ظُنَّ عِنَادُهُ أُخْرِجَ وَلَا يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (وَمَتَى زَادَ) الْعَقْدُ (عَلَى الْجَائِزِ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ (فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ) فَيَصِحُّ فِي الْجَائِزِ وَيَبْطُلُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ نَحْوِ نَاظِرِ الْوَقْفِ لَوْ زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَهُوَ أَنَّ الْغَرَضَ هُنَا النَّظَرُ لِحَقْنِ الدِّمَاءِ وَلِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ جَوَازَ الْهُدْنَةِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فُرُوعِي ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ (وَإِطْلَاقُ الْعَقْدِ) عَنْ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فِي غَيْرِ نَحْوِ النِّسَاءِ لِمَا مَرَّ (يُفْسِدُهُ) لِاقْتِضَائِهِ التَّأْبِيدَ الْمُمْتَنِعَ، وَلَا يُنَافِيهِ تَنْزِيلُ الْأَمَانِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ هُنَا أَخْطَرُ لِتَشَبُّثِهِمْ بِعَقْدٍ يُشْبِهُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ (وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ) اقْتَرَنَ بِالْعَقْدِ فَيُفْسِدُهُ أَيْضًا (عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنْ) أَيْ كَأَنْ (شَرَطَ) فِيهِ (مَنْعَ فَكِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إنْ أَخْطَأَ بِأَنْ ظَنَّ مَصْلَحَةً ثُمَّ عَلِمَ الْإِمَامُ بِعَدَمِهَا نَقَضَهَا بَلْ يُحْتَمَلُ تَبَيُّنُ فَسَادِ الْمُهَادَنَةِ لِوُقُوعِهَا عَلَى غَيْرِ مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ بُعْدِ دَارِهِمْ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْهُدْنَةِ لِمُجَرَّدِ بُعْدِ دَارِهِمْ، وَقَدْ يُقَالُ هِيَ أَنَّ مُحَارَبَةَ الْكُفَّارِ مَا دَامُوا عَلَى الْحِرَابَةِ وَاجِبَةٌ، وَهِيَ مَعَ بُعْدِ الدَّارِ تُوجِبُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ إلَيْهِمْ وَبِالْمُهَادَنَةِ يَكْفِي ذَلِكَ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْعَشْرُ (قَوْلُهُ: مُدَّةُ مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَقْضِ ذَلِكَ وَفَتْحِ مَكَّةَ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ (قَوْلُهُ: وَقَوْلُ جَمْعٍ بِجَوَازِهَا) أَيْ الزِّيَادَةِ (قَوْلُهُ: صَحِيحٌ) وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اعْتَمَدَهُ فِي الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ مِنْ الْبُطْلَانِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ مَثَلًا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقْنِ الدِّمَاءِ مَا أَمْكَنَ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ آجَرَ النَّاظِرُ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: عِنْدَ طَلَبِهِمْ لَهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْأَوَّلُ كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ نَحْوِ النِّسَاءِ) أَيْ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْخَنَاثَى وَالْمَالِ (قَوْلُهُ: لِتَشَبُّثِهِمْ) أَيْ تَعَلُّقِهِمْ (قَوْلُهُ: بِعَقْدٍ يُشْبِهُ عَقْدَ الْجِزْيَةِ) لَعَلَّ وَجْهَ الشَّبَهِ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِنَا ضَعْفٌ) إنَّمَا قَصَرَ الْمَتْنَ عَلَى هَذَا مَعَ خُرُوجِهِ عَنْ الظَّاهِرِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلَّا عِنْدَ الضَّعْفِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُوَّةِ أَصْلًا وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَانْدَفَعَ مَا لِلشِّهَابِ ابْنِ قَاسِمٍ هُنَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَنْطُوقِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَرِيبٌ) الزَّاعِمُ هُوَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُوَجِّهُ لَهُ بِمَا يَأْتِي هُوَ ابْنُ حَجَرٍ، فَصَوَابُ عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَرِيبٌ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَعْنَى إلَخْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إلَخْ)
(8/107)
أَسْرَانَا) مِنْهُمْ (أَوْ تَرْكَ مَا) اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ (لَنَا) الصَّادِقُ بِأَحَدِنَا بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ كَذَلِكَ (لَهُمْ) الصَّادِقُ بِأَحَدِهِمْ بَلْ الْأَوْجَهُ أَيْضًا أَنَّ شَرْطَ تَرْكِهِ لِذِمِّيٍّ أَوْ مُسْلِمٍ كَذَلِكَ أَوْ رَدِّ مُسْلِمٍ أَسِيرٍ أَفْلَتَ مِنْهُمْ أَوْ سُكْنَاهُمْ الْحِجَازَ أَوْ إظْهَارِهِمْ الْخَمْرَ بِدَارِنَا أَوْ أَنْ نَبْعَثَ لَهُمْ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ لَا التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَيَأْتِي شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ (أَوْ) فَعَلَتْ (لَتَعْقِدَ لَهُمْ ذِمَّةً بِدُونِ دِينَارٍ) لِكُلِّ وَاحِدٍ (أَوْ) لِأَجْلِ أَنَّ (بِدَفْعِ مَالٍ) مِنَّا (إلَيْهِمْ) لِمُنَافَاةِ جَمِيعِ ذَلِكَ عِزَّةَ الْإِسْلَامِ، نَعَمْ لَوْ اُضْطُرِرْنَا لِبَذْلِ مَالٍ لِفِدَاءِ أَسْرَى يُعَذِّبُونَهُمْ أَوْ لِإِحَاطَتِهِمْ بِنَا وَخِفْنَا اسْتِئْصَالَهُمْ لَنَا وَجَبَ بَذْلُهُ وَلَا يَمْلِكُونَ ذَلِكَ لِفَسَادِ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يُنْدَبُ فَكُّ الْأَسْرَى لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي غَيْرِ الْمُعَذَّبِينَ إذَا أَمِنَ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ النَّدْبَ لِلْآحَادِ وَالْوُجُوبَ عَلَى الْإِمَامِ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ جَمِيعِ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَسْرَى بِبِلَادِهِمْ لِأَنَّ فَكَّهُمْ قَهْرًا حِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمْ مَا لَا يُطَاقُ.
أَمَّا إذَا أَسَرَتْ طَائِفَةٌ مُسْلِمًا وَمَرُّوا بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُكَافِئِينَ فَتَجِبُ مُبَادَرَتُهُمْ إلَى فَكِّهِ بِكُلِّ وَجْهٍ مُمْكِنٍ، إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ حِينَئِذٍ (وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ) أَوْ مُسْلِمٌ ذَكَرٌ مُعَيَّنٌ عَدْلٌ ذُو رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ يَعْرِفُ مَصْلَحَتَنَا فِي فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا (مَتَى شَاءَ) وَلَا تَجُوزُ مَشِيئَةُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ قُوَّتِنَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ ضَعْفِنَا وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعِلْمِهِ بِهِ بِالْوَحْيِ، وَلِإِمَامٍ تَوَلَّى بَعْدَ عَقْدِهَا نَقْضُهَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ (وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ) عَلَيْنَا (الْكَفُّ عَنْهُمْ) لِأَذَانَا أَوْ أَذَى أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ بِبِلَادِنَا فِيمَا يَظْهَرُ بِخِلَافِ أَذَى أَهْلِ الْحَرْبِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ (حَتَّى تَنْقَضِيَ) مُدَّتُهَا أَوْ يَنْقُضَهَا مَنْ عُلِّقَتْ بِمَشِيئَتِهِ أَوْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (أَوْ يَنْقُضُوهَا) هُمْ وَنَقْضُهَا مِنْهُمْ يَحْصُلُ (بِتَصْرِيحٍ) مِنْهُمْ (أَوْ) بِنَحْوِ (قِتَالِنَا أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ) أَوْ ذِمِّيٍّ بِدَارِنَا أَوْ فِعْلِ شَيْءٍ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِي نَقْضِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِهِ مِمَّا مَرَّ وَغَيْرِهِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِهَا بِبَذْلِ جِزْيَةٍ أَوْ إيوَاءِ عَيْنٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَقْدَ الْهُدْنَةِ لَا يَكُونُ مِنْ الْآحَادِ.
وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ أَنْ يَكُونَ لِمَصْلَحَةٍ (قَوْلُهُ: اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ) أَفَادَ هَذَا أَنَّ مَا لَنَا بِفَتْحِ اللَّامِ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ الِاخْتِصَاصَاتِ وَالْوَقْفِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ) الْأَنْسَبُ بِحِلِّهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مَا لَنَا أَنْ تُجْعَلَ اللَّامُ فِي مَالِ الذِّمِّيِّ جَارَّةً فَتُحْذَفَ الْأَلْفُ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ جَرُّهُ) وَيُرْسَمُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ دُونَ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ (قَوْلُهُ: وَجَبَ بَدَلُهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ وُجِدَ فِيهِ شَيْءٌ وَإِلَّا فَمِنْ مَيَاسِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَأْسُورِ مَالٌ وَإِلَّا قُدِّمَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبُ الْبَذْلِ لِفَكِّ الْأَسْرَى
(قَوْلُهُ: إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ) أَيْ وَإِنْ تَوَقَّفَ الْفَكُّ عَلَى بَذْلِ مَالٍ وَجَبَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: تَوَلَّى بَعْدَ عَقْدِهَا) أَيْ الْجَائِزُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى النَّقْضِ مَعَ فَرْضِ فَسَادِهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ إعْلَامُهُمْ بِفَسَادِ الْهُدْنَةِ وَتَبْلِيغُهُمْ الْمَأْمَنَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَذَى أَهْلِ الْحَرْبِ) أَيْ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَى دَفْعِهِمْ (قَوْلُهُ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ) أَيْ ثُمَّ إنْ لَمْ يُنْكِرْ غَيْرُ الْقَاتِلِ مَثَلًا عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ إيوَاءِ عَيْنٍ لِلْكُفَّارِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ مِنْ تَتِمَّةِ التَّوْجِيهِ
(قَوْلُ الْمَتْنِ وَتَصِحُّ الْهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ) عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: وَيَجُوزُ أَنْ لَا تُؤَقَّتَ الْهُدْنَةُ وَيَشْتَرِطَ الْإِمَامُ نَقْضَهَا مَتَى شَاءَ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ) أَيْ عَمْدًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِيهِ وَفِي الذِّمِّيِّ (قَوْلُهُ: بِدَارِنَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الذِّمِّيِّ فَقَطْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَإِذَا نُقِضَتْ جَازَتْ الْإِغَارَةُ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ شَامِلٌ لِمَا إذَا نَقَضَهَا مَنْ فُوِّضَ إلَيْهِ نَقْضُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ
(8/108)
أَخْذِ مَالِنَا وَإِنْ جَهِلُوا أَنَّ ذَلِكَ نَاقِضٌ {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} [التوبة: 12] أَمَّا إذَا فَسَدَتْ وَجَبَ تَبْلِيغُهُمْ مَأْمَنَهُمْ وَأُنْذِرُوا قَبْلَ مُقَاتَلَتِهِمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا بِدَارِهِمْ وَإِلَّا فَلَنَا قِتَالُهُمْ بِدُونِ إنْذَارٍ (وَإِذَا انْقَضَتْ جَازَتْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ) نَهَارًا (وَبَيَاتُهُمْ) أَيْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا إنْ كَانُوا بِبِلَادِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا بِبِلَادِنَا وَجَبَ تَبْلِيغُهُمْ الْمَأْمَنَ: أَيْ مَحَلًّا يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنَّا وَمِنْ أَهْلِ عَهْدِنَا وَلَوْ بِطَرَفِ بِلَادِنَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَمَنْ جَعَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَمَنْ لَهُ مَأْمَنَانِ يَسْكُنُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ سَكَنَ بِأَحَدِهِمَا لَزِمَهُ إبْلَاغُ مَسْكَنِهِ مِنْهُمَا عَلَى الْأَوْجَهِ (وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ) الْهُدْنَةَ (وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ) عَلَيْهِ (بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ) بَلْ اسْتَمَرُّوا عَلَى مُسَاكَنَتِهِمْ وَسَكَتُوا (انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا) لِإِشْعَارِ سُكُوتِهِمْ بِرِضَاهُمْ بِالنَّقْضِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي عَقْدِ الْجِزْيَةِ لِقُوَّتِهِ (وَإِنْ أَنْكَرُوا) عَلَيْهِمْ (بِاعْتِزَالِهِمْ أَوْ إعْلَامِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ) بِحَالِهِمْ (فَلَا) نَقْضَ فِي حَقِّهِمْ {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} [الأعراف: 165] ثُمَّ يُنْذِرُ الْمُعَلَّمِينَ بِالتَّمَيُّزِ عَنْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَنَاقِضُونَ أَيْضًا
(وَلَوْ) (خَافَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (خِيَانَتَهُمْ) بِشَيْءٍ مِمَّا يَنْقُضُ إظْهَارُهُ بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةٌ بِذَلِكَ (فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال: 58] الْآيَةَ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةٌ حَرُمَ النَّقْضُ لِأَنَّ عَقْدَهَا لَازِمٌ، وَبَعْدَ النَّبْذِ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ لَا بِنَفْسِ الْخَوْفِ وَهَذَا مُرَادُ مَنْ اشْتَرَطَ فِي النَّقْضِ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ (وَ) بَعْدَ النَّقْضِ وَاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُقُوقِ (يُبَلِّغُهُمْ الْمَأْمَنَ) حَتْمًا وَفَاءً بِعَهْدِهِمْ (وَلَا يَنْبِذُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ لِأَنَّهُ آكَدُ لِتَأْيِيدِهِ وَمُقَابَلَتِهِ بِمَالٍ وَلِأَنَّهُمْ فِي قَبْضَتِنَا غَالِبًا.
(وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ) مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً ثُمَّ تُسْلِمُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ أَوْ تُزَوَّجَ بِكَافِرٍ وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ الْهَرَبِ مِنْهُمْ وَأَقْرَبُ إلَى الِافْتِتَانِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10] الْآيَةَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، وَيَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ كَافِرَةٍ وَمُسْلِمٍ، فَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا مِنْهُمْ صَحَّ وَلَمْ يَجُزْ بِهِ رَدُّ مُسْلِمَةٍ احْتِيَاطًا لِأَمْرِهَا لِخَطَرِهِ (فَإِنْ شُرِطَ فَسَدَ الشَّرْطُ، وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ) لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ، وَقَدْ أَشَارَ بِهِ إلَى قُوَّةِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعَبَّرَ فِي صُورَةٍ تَقَدَّمَتْ بِالصَّحِيحِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ الْخِلَافِ فِيهَا فَلَا تَكْرَارَ وَلَا مُخَالَفَةَ
(وَإِنْ) (شَرَطَ) الْإِمَامُ لَهُمْ (رَدَّ مَنْ جَاءَ) مِنْهُمْ (مُسْلِمًا) إلَيْنَا (أَوْ لَمْ يَذْكُرْ رَدًّا فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ) مُسْلِمَةٌ (لَمْ يَجِبْ) بِارْتِفَاعِ نِكَاحِهَا بِإِسْلَامِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ (دَفْعُ مَهْرٍ إلَى زَوْجِهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْأَمَانُ كَمَا لَا يَشْمَلُ الْأَمَانُ زَوْجَتَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهَا لَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ لِلْحَيْلُولَةِ، فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ الْمُسَمَّى، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى وَآتُوهُمْ أَيْ: الْأَزْوَاجَ مَا أَنْفَقُوا أَيْ: مِنْ الْمَهْرِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي وُجُوبِ الْغُرْمِ مُحْتَمَلٌ لِنَدْبِهِ الصَّادِقِ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الْمُوَافِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيِّ إيوَاءِ شَخْصٍ يَتَجَسَّسُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ لِيَنْقُلَ الْأَخْبَارَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلُّوا جِدًّا
(قَوْلُهُ: حَرُمَ النَّقْضُ) أَيْ فَلَوْ فَعَلَهُ هَلْ يُنْتَقَضُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي وَيُحْتَمَلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا صِيَانَةً لِمَنْصِبِ الْإِمَامِ عَنْ الرَّدِّ وَإِنْ حَرُمَ فِعْلُهُ
(قَوْلُهُ صَحَّ وَلَمْ يُجْزِيهِ) أَيْ فِيمَا لَوْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا لَا يَكْفِيهِ رَدُّ الْمَرْأَةِ بَلْ لَا يَجُوزُ رَدُّهَا لِمَا عَلَّلَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ وَلَمْ يَشْمَلْ الْمَرْأَةَ كَانَ أَوْلَى، ثُمَّ قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَنَا مُخَالِفٌ لحج حَيْثُ قَالَ لَا مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا لِشُمُولِهِ النِّسَاءَ (قَوْلُهُ: وَلَا مُخَالَفَةَ) حَيْثُ قَيَّدَ مَا مَرَّ بِغَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِلَّا فَعِبَارَتُهُ السَّابِقَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَمَنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْمَأْمَنَ
(قَوْلُهُ: فَإِنْ شَرَطَ رَدَّ مَنْ جَاءَنَا) أَيْ تَخْلِيَتَهُ لِيُوَافِقَ مَا مَرَّ وَيَأْتِيَ
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهَا لَكَانَ مَهْرُ الْمَثَلِ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الرَّدِّ عَلَى الثَّانِي الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْمُسَمَّى كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: الصَّادِقُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: الصَّادِقُ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَهِيَ أَوْلَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ
(8/109)
لِلْأَصْلِ، وَرَجَّحُوهُ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا غُرْمُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمْ الْمَهْرَ فَلِأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَرَطَ لَهُمْ رَدَّ مَنْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً.
ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فَغَرِمَ حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ.
وَالثَّانِي يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ الْمَرْأَةَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَا بَذَلَهُ مِنْ كُلِّ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، فَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَرْأَةَ لَا يُعْطَى شَيْئًا، وَلَوْ وَصَفَتْ الْإِسْلَامَ مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً، فَإِنْ أَفَاقَتْ رَدَدْنَاهَا لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ إسْلَامِهَا وَزَوَالِ ضَعْفِهَا، فَإِنْ لَمْ تُفِقْ لَمْ تُرَدَّ، وَكَذَا إنْ جَاءَتْ عَاقِلَةً وَهِيَ كَافِرَةٌ لَا إنْ أَسْلَمَتْ ثُمَّ جُنَّتْ أَوْ شَكَكْنَا فَلَا رَدَّ (وَلَا يُرَدُّ) مَنْ جَاءَنَا آتِيًا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ رَدَّهُ (صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ) وَأُنْثَاهُمَا (وَكَذَا عَبْدٌ) بَالِغٌ عَاقِلٌ أَوْ أَمَةٌ وَلَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ جَاءَ إلَيْنَا مُسْلِمًا، ثُمَّ إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَوْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ عَتَقَ أَوْ بَعْدَهَا وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمُسْلِمٍ أَوْ دَفَعَ لِسَيِّدِهِ قِيمَتَهُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْوَلَاءُ لَهُمْ (وَحُرٌّ) كَذَلِكَ (لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِضَعْفِهِمْ، وَقِيلَ يُرَدُّ الْأَخِيرَانِ لِقُوَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا وَقَطْعِ الْبَعْضِ بِالرَّدِّ فِي الْحُرِّ وَالْجُمْهُورُ بِعَدَمِهِ فِي الْعَبْدِ (وَيُرَدُّ) عِنْدَ شَرْطِ الرَّدِّ لَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذْ لَا يَجِبُ فِيهِ رَدٌّ مُطْلَقًا (مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا تَذُبُّ عَنْهُ وَتَحْمِيهِ مَعَ قُوَّتِهِ فِي نَفْسِهِ (لَا إلَى غَيْرِهَا) أَيْ لَا يُرَدُّ إلَى غَيْرِ عَشِيرَتِهِ الطَّالِبِ لَهُ (إلَّا أَنْ يَقْدِرَ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ أَوْ الْهَرَبِ مِنْهُ) فَيُرَدُّ إلَيْهِ.
(وَمَعْنَى الرَّدِّ) هُنَا (أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ) كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا (وَلَا يُجْبَرُ) الْمَطْلُوبُ (عَلَى الرُّجُوعِ) إلَى طَالِبِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجْبَارُ الْمُسْلِمِ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ (وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ) إلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ لَكِنْ فِي الْبَيَانِ أَنَّ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ الْبَلَدِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَنْ يَطْلُبُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ، لَا سِيَّمَا إذَا خَشَى عَلَى نَفْسِهِ الْفِتْنَةَ بِالرُّجُوعِ (وَلَهُ قَتْلُ الطَّالِبِ) دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَدِينِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَصِيرٍ امْتِنَاعَهُ وَقَتْلَهُ طَالِبَهُ (وَلَنَا التَّعْرِيصُ لَهُ بِهِ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْإِمَامِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَبِيهِ سُهَيْلٍ اصْبِرْ أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنَّمَا هُمْ مُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ يُعَرِّضُ لَهُ بِقَتْلِ أَبِيهِ» (لَا التَّصْرِيحُ) فَيَمْتَنِعُ، نَعَمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْهُدْنَةِ لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ عَلَى نَفْسِهِ أَمَانًا لَهُمْ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ شَرْطُ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
(وَلَوْ) (شَرَطَ) عَلَيْهِمْ فِي الْهُدْنَةِ (أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا) (لَزِمَهُمْ الْوَفَاءُ) بِذَلِكَ عَمَلًا بِالشَّرْطِ سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً حُرًّا أَمْ رَقِيقًا (فَإِنْ أَبَوْا فَقَدْ نَقَضُوا) الْعَهْدَ لِمُخَالَفَتِهِمْ الشَّرْطَ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي قَوْلِهِ وَكَذَا شَرْطُهُ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ شَامِلَةٌ لِهَذِهِ
(قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ) أَيْ النَّدْبَ (قَوْلُهُ: قَدْ شَرَطَ لَهُمْ) أَيْ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ مَنْدُوبًا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً) أَيْ فِي حَالِ جُنُونِهَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَفَاقَتْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَصِفْ الْكُفْرَ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ) أَيْ وَهُوَ إلَخْ فَصَبِيٌّ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ (قَوْلُهُ: أَوْ قَبْلَ الْهُدْنَةِ عَتَقَ) أَيْ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ (قَوْلُهُ: أَوْ بَعْدَهَا) أَيْ الْهُدْنَةِ أَوْ الْهِجْرَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُرَدُّ الْأَخِيرَانِ) هُمَا الْعَبْدُ وَالْحُرُّ (قَوْلُهُ: إلَى بَلَدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ) عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْمُلْتَزِمِينَ فِي زَمَنِنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَلَّاحٌ مِنْ قَرْيَةٍ وَأَرَادَ اسْتِيطَانَ غَيْرِهَا أَجْبَرُوهُ عَلَى الْعَوْدِ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِزَرْعِهِ وَأُصُولِهِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ (قَوْلُهُ: بِقَتْلِ أَبِيهِ) أَيْ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ رَدِّهَا بَعْدَ شَرْطِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ رَدُّهَا بِالْآيَةِ النَّاسِخَةِ وَكَانَ قَدْ شَرَطَهُ لَهُمْ: أَيْ فَتَعَارَضَ عَلَيْهِ وُجُوبُ رَدِّهَا بِالشَّرْطِ وَامْتِنَاعُهُ بِالنَّسْخِ فَرَجَعَ إلَى بَدَلِهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بَالِغٌ عَاقِلٌ.
(8/110)
شَرْطِ أَنْ لَا يَرُدُّوا) مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا وَلَوْ امْرَأَةً وَرَقِيقًا فَلَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرَطَ ذَلِكَ فِي مُهَادَنَةِ قُرَيْشٍ وَيَغْرَمُونَ مَهْرَ الْمَرْأَةِ وَقِيمَةَ الرَّقِيقِ، فَإِنْ عَادَ إلَيْنَا رَدَدْنَا لَهُمْ قِيمَةَ الرَّقِيقِ دُونَ مَهْرِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الرَّقِيقَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ يَصِيرُ مِلْكًا لَهُمْ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصِيرُ زَوْجَةً، وَالثَّانِي الْمَنْعُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِرْدَادِهِ لِإِقَامَةِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِمْ التَّمْكِينُ مِنْهُ وَالتَّخْلِيَةُ دُونَ التَّسْلِيمِ.
[كِتَابُ الصَّيْدِ]
ِ أَفْرَدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ (وَالذَّبَائِحُ) جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَجَمَعَهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ وَبِالسَّهْمِ وَبِالْجَوَارِحِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وَقَوْلُهُ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وَقَوْلُهُ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَمِنْ السُّنَّةِ مَا سَنَذْكُرُهُ، وَالرَّافِعِيُّ ذَكَرَ هُنَا الصَّيْدَ وَالذَّبَائِحَ وَالْأَطْعِمَةَ وَالنَّذْرَ فَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وِفَاقًا لِلْمُزَنِيِّ وَأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَخَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَذَكَرَهَا فِي آخِرِ رُبْعِ الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ.
وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَرْبَعَةٌ ذَبْحٌ وَذَابِحٌ وَذَبِيحٌ وَآلَةٌ (ذَكَاةُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ) الْبَرِّيِّ الْمَطْلُوبَةُ شَرْعًا لِحِلِّ أَكْلِهِ تَحْصُلُ (بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ) وَهُوَ أَعْلَى الْعُنُقِ (أَوْ لَبَّةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ أَسْفَلُهُ (إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ: مَصْدَرٌ) أَيْ فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا فَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَصِيدِ فَيُجْمَعُ عَلَى صَيُودٍ (قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُ الذَّبْحِ بِالْمَعْنَى إلَخْ) أَيْ وَهُوَ الِانْذِبَاحُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَاصِلِ فِي الْمَذْبُوحِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهَا أَرْكَانًا لَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِتَحَقُّقِهِ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا جُزْءًا مِنْهُ (قَوْلُهُ: أَوْ لَبَّةٍ) لَوْ شَكَّ بَعْدَ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ هَلْ هُوَ مُحَلَّلٌ أَوْ مُحَرَّمٌ فَهَلْ يَحِلُّ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُقُوعُهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُجْزِئَةِ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ قَوْلُهُ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ إلَخْ، وَفِي اشْتِرَاطِ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ إلَى تَمَامِ الذَّبْحِ خِلَافٌ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ قَطْعِ الْمَرِيءِ وَلَمَّا قَطَعَهُ مَعَ بَعْضِ الْحُلْقُومِ انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لِمَا نَالَهُ بِقَطْعِ الْقَفَا حَلَّ، لِأَنَّ أَقْصَى مَا وَقَعَ التَّقْيِيدُ بِهِ وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ أَوَّلُهُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُسْرِعَ الذَّابِحُ فِي الذَّبْحِ، فَلَوْ تَأَنَّى بِحَيْثُ ظَهَرَ انْتِهَاءُ الشَّاةِ قَبْلَ تَمَامِ قَطْعِ الْمَذْبَحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لَمْ يَحِلَّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ هُنَا إذَا تَبَيَّنَ مَصِيرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ: أَفْرَدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ) أَيْ إمَّا عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِمَّا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلذَّبَائِحِ، فَإِفْرَادُهُ حِينَئِذٍ نَظَرًا لِلَفْظِهِ، لَكِنْ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّارِحِ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ بِالسِّكِّينِ وَبِالسَّهْمِ وَبِالْجَوَارِحِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ الذَّبَائِحَ فِيمَا يَعُمُّ الْمِصْيَدَاتِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَنْبَغِي فِي التَّرْجَمَةِ بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ وَالذَّبَائِحِ، أَوْ بَابُ الذَّبْحِ: أَيْ الشَّامِلُ لِلصَّيْدِ نَظِيرُ مَا صَنَعَ الشَّارِحُ فِي الذَّبَائِحِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الذَّبِيحَةَ: أَيْ ذَبَحَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ طَلَبَ الْحَلَالِ فَرْضُ عَيْنٍ) هَذَا كَمَا يَحْسُنُ مُنَاسَبَةً لِذِكْرِهَا هُنَاكَ يَحْسُنُ أَيْضًا مُنَاسَبَةً لِذِكْرِهَا عَقِبَ الْجِهَادِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ صَاحِبَ الرَّوْضَةِ إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَاكَ لِمُنَاسَبَةِ الْأُضْحِيَّةِ لِلْهَدْيِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَهَا عَقِبَهُ قَبْلَ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ: بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ) أَيْ الِانْذِبَاحِ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهَذَا لِيُفَارِقَ الذَّبْحَ الْآتِي الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَرْكَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ (قَوْلُهُ: وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ) أَيْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ
(8/111)
أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ بَدِيلًا يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ» فَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ) وَالْكَلَامُ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْلَالًا، فَلَا يَرِدُ الْجَنِينُ لِأَنَّ ذَبْحَهُ بِذَبْحِ أُمِّهِ تَبَعًا لِخَبَرِ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ»
(وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَتَحْرُمُ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَعَابِدِ وَثَنٍ، وَلَوْ أَكْرَهَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا حَلَّ، وَشَمَلَ كَلَامُهُ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُنَّ لِحِلِّهِنَّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ رَأْسُ الْمُسْلِمِينَ (وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ) وَإِنْ حَرُمَتْ مُنَاكَحَتُهَا لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الذَّبِيحَةِ بِخِلَافِ الْمُنَاكَحَةِ (وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ) أَوْ وَثَنِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ (مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوْ اصْطِيَادٍ حَرُمَ) بِلَا خِلَافٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى شَارَكَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَكَاتُهُ مَنْ تَحِلُّ حَرُمَ لِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ غُلِّبَ الثَّانِي (وَلَوْ) (أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ، فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ فَقَتَلَ) الصَّيْدَ (أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ) (حَلَّ) كَمَا لَوْ ذَبَحَ الْمُسْلِمُ شَاةً فَقَدَهَا الْمَجُوسِيُّ (وَلَوْ انْعَكَسَ) الْحَالُ (أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جَهِلَ) ذَلِكَ (أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَذْفِفْ أَحَدُهُمَا) بِإِعْجَامٍ وَإِهْمَالٍ: أَيْ لَمْ يُقْتَلْ سَرِيعًا فَهَلَكَ بِهِمَا (حَرُمَ) تَغْلِيبًا لِلْحُرْمَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ جَهِلَ مِنْ زِيَادَتِهِ. أَمَّا مَا اصْطَادَهُ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ فَحَلَالٌ قَطْعًا، وَلَوْ أَرْسَلَ نَحْوَ مَجُوسِيٍّ سَهْمًا عَلَى صَيْدٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقَعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ وَهُنَاكَ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا خِلَافُ مَا سَبَقَ تَصْرِيحُ الْإِمَامِ بِهِ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ بِالتَّأَنِّي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ (قَوْلُهُ: بَعَثَ بَدِيلًا) هُوَ بَدِيلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى لِابْنِ تَيْمِيَّةَ وَلَفْظُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدِيلَ بْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيَّ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ يَصِيحُ فِي فِجَاجِ مِنًى: أَلَا وَإِنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، وَلَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ أَنْ تَذْهَبَ، وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ اهـ. وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الَّذِينَ لَهُمْ صُحْبَةٌ، وَذَكَرَ بَعْضَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ: فِي فِجَاجِ مِنًى) أَيْ نَوَاحِيهَا (قَوْلُهُ: أَلَا إنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ) أَيْ لَمَّا قَصُرَ عُنُقُهُ، وَاللَّبَّةُ: أَيْ لَمَّا طَالَ عُنُقُهُ، وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: فَلَا يَرِدُ الْجَنِينُ) وَمِثْلُ الْجَنِينِ جَنِينٌ فِي بَطْنِهِ إنْ تُصُوِّرَ (قَوْلُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ) هُوَ بِالرَّفْعِ: يَعْنِي أَنَّ الذَّكَاةَ الَّتِي أَحَلَّتْ أُمَّهُ أَحَلَّتْهُ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ الْبَاءُ لَا الْكَافُ كَمَا تَقُولُهُ الْحَنَفِيَّةُ
(قَوْلُهُ: كِتَابِيًّا بِشَرْطِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ حِلَّهُ حَجّ، زَادَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَالْإِبِلِ، وَعِبَارَتُهُ: وَسَوَاءٌ اعْتَقَدُوا إبَاحَتَهُ: أَيْ الْمَذْبُوحِ كَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ أَوْ تَحْرِيمَهُ كَالْإِبِلِ (قَوْلُهُ: غُلِّبَ الثَّانِي) أَيْ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ الْمُسْلِمِ) أَيْ يَقِينًا أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَوْ جَهِلَ (قَوْلُهُ أَمَّا مَا اصْطَادَهُ) أَيْ وَمَا صَادَهُ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ فَحَرَامٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ: فَحَلَالٌ قَطْعًا) وَبَقِيَ مَا لَوْ أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبًا وَالْمُسْلِمُ آخَرَ فَسَبَقَ كَلْبُ الْمَجُوسِيِّ وَمَسَكَ الصَّيْدَ فَجَاءَ كَلْبُ الْمُسْلِمِ وَقَتَلَهُ فَهَلْ يَحِلُّ أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحِلِّ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ اهـ بِالْمَعْنَى.
أَقُولُ: فَإِنْ لَمْ يَصِرْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ حَلَّ بِكَلْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْأَذْرَعِيُّ، لَكِنْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ (قَوْلُهُ: وَالْكَلَامُ فِي الذَّبْحِ اسْتِقْلَالًا) الْأَصْوَبُ وَالْكَلَامُ فِي الزَّكَاةِ إلَخْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَبْحَهُ بِذَبْحِ أُمِّهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ ذَبْحَ أُمِّهِ زَكَاتَهُ
(قَوْلُ الْمَتْنِ فَقَتَلَ) أَيْ الْكَلْبُ أَوْ السَّهْمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْآلَةِ
(8/112)
بِالصَّيْدِ لَمْ يَحِلَّ نَظَرًا لِأَغْلَظِ الْحَالَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا فِي حَالَتَيْ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ وَتَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحِلَّ أَيْضًا
(وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ مُمَيَّزٍ) سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا لِأَنَّ قَصْدَهُ صَحِيحٌ (وَكَذَا غَيْرُ مُمَيَّزٍ) يُطِيقُ الذَّبْحَ (وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ) لَا تَمْيِيزَ لَهُمَا أَصْلًا فَيَحِلُّ ذَبْحُهُمْ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ لَهُمْ قَصْدًا وَإِرَادَةً فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ حِلِّ ذَبْحِ النَّائِمِ، نَعَمْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُخْطِئُونَ الْمَذْبَحَ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ إذْ الشَّارِعُ لَمْ يَعْتَبِرْ قَصْدَهُمْ وَمِثْلُ ذَبْحِهِمْ صَيْدُهُمْ بِسَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ فَيَحِلُّ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى) لِأَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ الْمَذْبَحَ وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَائِضَ وَالْأَقْلَفَ وَالْخُنْثَى وَالْأَخْرَسَ فَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ (وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيِ) سَهْمٍ (وَ) إرْسَالِ (كَلْبٍ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَوَارِحِ (فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ فَأَشْبَهَ اسْتِرْسَالَ الْكَلْبِ بِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي يَحِلُّ كَذَبْحِهِ.
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا دَلَّهُ بَصِيرٌ عَلَى الصَّيْدِ فَأَرْسَلَ. أَمَّا إذَا لَمْ يَدُلَّهُ أَحَدٌ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا، نَعَمْ لَوْ أَحَسَّ الْبَصِيرُ بِصَيْدٍ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءَ شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَرَمَاهُ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ، فَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ هَذَا مُبْصِرٌ بِالْقُوَّةِ فَلَا يُعَدُّ عُرْفًا رَمْيُهُ عَبَثًا بِخِلَافِ الْأَعْمَى وَإِنْ أَخْبَرَ، وَلَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قَبِلْنَاهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ وَلَوْ وَجَدْنَا شَاةً مَذْبُوحَةً وَلَمْ نَدْرِ أَذَبَحَهَا مُسْلِمٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسِيٌّ لَمْ تَحِلَّ
(وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ) بِالْإِجْمَاعِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا صِيدَ حَيًّا وَمَاتَ وَمَا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَاسْمُ السَّمَكِ يَقَعُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانِ الْبَحْرِ حَيْثُ كَانَ لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ أَوْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ (وَلَوْ صَادَهُمَا) أَيْ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ (مَجُوسِيٌّ) وَنَحْوُهُ فَيَحِلُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُسْلِمِ، وَفِي مَتْنِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَحْرُمُ لَوْ أَمْسَكَ وَاحِدٌ مِنْ الْكَلْبَيْنِ صَيْدًا ثُمَّ عَقَرَهُ آخَرُ أَوْ شَكَّ فِيهِ: أَيْ عَاقِرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَتَعْبِيرُهُ بِثُمَّ بَدَلَ الْوَاوِ الْمُعَبَّرِ بِهَا فِي الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِلَّ فِيمَا إذَا تَقَدَّمَ الْعَقْرَ الْإِمْسَاكُ أَوْ قَارَنَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: يُطِيقُ الذَّبْحَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَذْبَحُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُكْرَهُ) أَيْ أَكْلُ مَا ذَبَحُوهُ
(قَوْلُهُ: وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى) ظَاهِرُهُ وَلَوْ دَلَّهُ بَصِيرٌ عَلَى الْمَذْبَحِ لَكِنْ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ خِلَافُهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ يُخْطِئُ فِي الْجُمْلَةِ، وَقِيَاسُ كَرَاهَةِ أَكْلِ مَا ذَبَحَهُ غَيْرُ الْمُمَيَّزِ كَرَاهَةُ أَكْلِ مَذْبُوحِ الْأَعْمَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ فِي أُولَئِكَ مَا ذُكِرَ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي مَذْبُوحِهِمْ، بِخِلَافِ الْأَعْمَى فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي حِلِّ مَذْبُوحِهِ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ) وَقَتْلُهُ لِغَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ اهـ حَجّ.
وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ بَصِيرٌ لَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخْبَرَ فَاسِقٌ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَلَوْ مَعَ نَوْعِ تَمْيِيزٍ فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُمَا فَيَحْرُمُ مَا أَخْبَرَا بِذَبْحِهِ وَظَاهِرُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْمُخْبَرُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسِيٌّ لَمْ تَحِلَّ) وَحَمَلَ الْمُؤَلِّفُ إطْلَاقَ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ الْمُسْلِمُونَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجِهَادِ، وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَحِلُّ اسْتِعْمَالُ كُلِّ إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَلَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ بِبَلَدٍ لَا مَجُوسَ فِيهِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ أَوْ مَرْمِيَّةٌ مَكْشُوفَةٌ فَنَجِسَةٌ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَالْمَجُوسُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ الْمُسْلِمُونَ أَغْلَبَ فَكَذَلِكَ فَإِنْ غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ فَطَاهِرَةٌ: فَقَوْلُهُ هُنَا فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسِيٌّ: أَيْ جِنْسُهُ وَلَمْ تَغْلِبْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِأَنْ كَانَ الْمَجُوسُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِينَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ شُمُولَ الْوَاحِدِ
(قَوْلُهُ: حَتْفَ أَنْفِهِ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ (قَوْلُهُ: عَلَى صُورَتِهِ الْمَشْهُورَةِ) أَيْ بَلْ وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَةِ مَا لَا يُؤْكَلُ فِي الْبَرِّ كَكَلْبٍ وَآدَمِيٍّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ صَادَهُمَا) غَايَةُ (قَوْلِهِ مَجُوسِيٌّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ) أَيْ مَذْبُوحِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَا يُخَاطَبُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي نَعَمْ يُكْرَهُ، لَكِنَّ التَّعْلِيلَ قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ كَرَاهَةُ الْفِعْلِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَذْبُوحُ الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَئُوا الْمَذْبَحَ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَجُوسِيٌّ) أَيْ وَلَمْ يَغْلِبْ الْمُسْلِمُونَ كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّارِحِ
(8/113)
وَلَا اعْتِبَارَ بِفِعْلِهِ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ سَمَكَةً وَيُكْرَهُ ذَبْحُ السَّمَكِ مَا لَمْ يَكُنْ كَبِيرًا يَطُولُ بَقَاؤُهُ فَيُنْدَبُ ذَبْحُهُ إرَاحَةً لَهُ وَلَوْ تَضَرَّرَ بِجَرَادٍ أَوْ قَمْلٍ دُفِعَ كَالصَّائِلِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ إحْرَاقُهُ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ جَازَ (وَكَذَا الدُّودُ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إذَا أَكَلَ مَعَهُ) حَيًّا أَوْ مَيِّتًا يَحِلُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِعُسْرِ تَمْيِيزِهِ غَالِبًا لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ طَبْعًا وَطَعْمًا فَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا حَرُمَ.
وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ وَإِلَّا حَرُمَ، وَيُقَاسُ بِالدُّودِ التَّمْرُ وَالْبَاقِلَاءُ الْمُسَوَّسَانِ إذَا طُبِخَا، وَكَذَا الْعَسَلُ إذَا وَقَعَ بِهِ نَمْلٌ وَطُبِخَ، وَلَوْ وَقَعَ فِي قِدْرٍ جُزْءُ آدَمِيٍّ لَمْ يَحْرُمْ لِاسْتِهْلَاكِهِ. وَالثَّانِي يَحِلُّ مُطْلَقًا. وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا لِاسْتِقْذَارِهِ وَإِنْ قِيلَ بِطَهَارَتِهِ (وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَ سَمَكَةٍ) حَيَّةٍ (فَإِنْ فَعَلَ) ذَلِكَ (أَوْ بَلَعَ) بِكَسْرِ اللَّامِ (سَمَكَةً حَيَّةً حَلَّ) الْفِعْلُ (فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَيْسَ فِي ابْتِلَاعِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَتْلِهَا.
وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ الْمَقْطُوعُ كَمَا فِي غَيْرِ السَّمَكِ وَلَا الْمَبْلُوعُ لِمَا فِي جَوْفِهِ
(وَإِذَا) (رَمَى) بَصِيرٌ لَا غَيْرُهُ (صَيْدًا مُتَوَحِّشًا أَوْ بَعِيرًا نَدَّ) أَيْ هَرَبَ (أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ) أَوْ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ وَلَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ (أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الْحَالِ) قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَبْحِهِ (حَلَّ) وَلَا يَخْتَصُّ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ. أَمَّا الْمُتَوَحِّشُ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْإِنْسِيُّ إذَا هَرَبَ فَلِخَبَرِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ بَعِيرًا نَدَّ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ: أَيْ قَتَلَهُ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقِيسَ الشَّاةُ بِهِ، وَالِاعْتِبَارُ بِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَالَ الْإِصَابَةِ، فَلَوْ رَمَى نَادًّا فَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ قَبْلَهَا لَمْ يَحِلَّ إلَّا إنْ أَصَابَ مَذْبَحَهُ أَوْ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَصَارَ نَادًّا عِنْدَهَا حَلَّ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ مَذْبَحَهُ.
أَمَّا صَيْدٌ تَأَنَّسَ فَكَمَقْدُورٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَوْ مُحْرِمٌ اهـ حَجّ.
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ذَبَحَ سَمَكَةً) وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ مِنْ ذَيْلِهَا، وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَعْرُوفِ، أَمَّا مَا هُوَ عَلَى صُورَةِ حِمَارٍ أَوْ آدَمِيٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَبَّتِهِ كَالْحَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ.
[فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ حَيَوَانٌ مَأْكُولٌ فَضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ رَأْسَهُ هَلْ يَحِلُّ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ قَصْدَ الذَّبْحِ لَا يُشْتَرَطُ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ قَصْدُ الْفِعْلِ وَقَدْ وُجِدَ، بَلْ وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ قَطْعِ الرَّأْسِ مَا لَوْ أَصَابَ غَيْرَ عُنُقِهِ كَيَدِهِ مَثَلًا فَجَرَحَهُ وَمَاتَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَيَّنَ إحْرَاقُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْطَعُ بَعْضَ سَمَكَةٍ) أَيْ يُسَنُّ أَنْ لَا يَقْطَعَ إلَخْ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَلَّ الْفِعْلُ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُتَوَحِّشُ) أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَنْفِرُ مِنْ النَّاسِ وَلَا يَسْكُنُ إلَيْهِمْ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْوَحْشُ مَا لَا يُسْتَأْنَسُ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ وَجَمْعُهُ وُحُوشٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَسْتَوْحِشُ مِنْ النَّاسِ فَهُوَ وَحْشِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوَابِدُ) أَيْ نَوَافِرُ (قَوْلُهُ: أَمَّا صَيْدٌ تَأَنَّسَ) أَيْ بِأَنْ صَارَ لَا يَنْفِرُ مِنْ النَّاسِ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: اسْتَأْنَسْت بِهِ وَتَأَنَّسْت بِهِ: إذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ فَيُنْدَبُ ذَبْحُهُ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ خُصُوصُ الذَّبْحِ الشَّرْعِيِّ وَإِنْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَالصَّائِلِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعُهُ إذَا انْدَفَعَ بِغَيْرِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ كَجُزْئِهِ) أَيْ الطَّعَامِ وَمَا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ مِنْ حِلِّ أَكْلِهِ مُنْفَرِدًا غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُغَيِّرْهُ) أَمَّا إذَا غَيَّرَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَا فِيهِ الدُّودُ لِنَجَاسَتِهِ حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ فِي الطَّهَارَةِ، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَائِعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَلَا يُقْطَعُ بَعْضُ سَمَكَةٍ) أَيْ يُكْرَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الْحُرْمَةَ (قَوْلُهُ: الْفِعْلُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يُلَاقِي مَوْضُوعَ الْمُقَابِلِ الْآتِي، وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ شِبْهُ تَنَاقُضٍ فِي الْمَتْنِ إذْ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقْطَعُ: أَيْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ عَلَى مَا مَرَّ، فَإِنْ فَعَلَ حَلَّ، وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: أَيْ حَلَّ أَكْلُ مَا قُطِعَ وَبَلَعَ السَّمَكَةَ الْحَيَّةِ
(قَوْلُهُ: وَقِيسَ الشَّاةُ بِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ
(8/114)
عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ وَاسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ نَدَّ فِي الْبَعِيرِ وَشَرَدَ بِالشَّاةِ لِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ فِيهِ دُونَ الثَّانِي، نَعَمْ الشِّرَادُ يُسْتَعْمَلُ فِي سَائِرِ الدَّوَابِّ (وَلَوْ) (تَرَدَّى بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ) وَمَرِيئِهِ (فَكَنَادٍّ) فِي حِلِّهِ بِالرَّمْيِ لِتَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ.
فَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ الدَّارِمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إلَّا فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَكَ» قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَالْمُتَوَحِّشِ (قُلْت: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ) الْمُتَرَدِّي (بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ) الْجَارِحِ (وَنَحْوِهِ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَدِيدَ يُسْتَبَاحُ بِهِ الذَّبْحُ فِي الْقُدْرَةِ بِخِلَافِ فِعْلِ الْجَارِحَةِ (وَمَتَى تَيَسَّرَ) يَعْنِي أَمْكَنَ وَلَوْ بِعُسْرٍ (لُحُوقُهُ) أَيْ النَّادُّ أَوْ الصَّيْدُ (بِعَدْوٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ) بِغَيْنٍ وَثَاءٍ مُعْجَمَتَيْنِ أَوْ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ (بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ) لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ فِي مَذْبَحِهِ.
أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ لُحُوقُهُ حَالًا فَيَحِلُّ بِأَيِّ جُرْحٍ كَانَ كَمَا مَرَّ (وَيَكْفِي فِي) الصَّيْدِ الْمُتَوَحِّشِ (النَّادِّ وَالْمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إلَى الزَّهُوقِ) كَيْفَ كَانَ إذْ الْقَصْدُ حِينَئِذٍ جِرَاحَةٌ تُفْضِي إلَى الْمَوْتِ غَالِبًا (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ) لِيَنْزِلَ مَنْزِلَةَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ فَوْقَ بَعِيرٍ فَغَرَزَ رُمْحًا فِي الْأَوَّلِ فَنَفَذَ إلَى الثَّانِي حَلَّ عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَنَفَذَ مِنْهُ إلَى آخَرَ.
(وَإِذَا) (أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا) وَنَحْوَهُ (أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ) أَوْ بَعِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ تَعَذَّرَ لُحُوقُهُ وَلَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ (فَأَصَابَهُ) وَجَرَحَهُ (وَمَاتَ) (فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً) كَأَنْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ (أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ) لِذَبْحِهِ (أَوْ امْتَنَعَ) بِقُوَّتِهِ (وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ حَلَّ) إجْمَاعًا فِي الصَّيْدِ، وَلِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْبَعِيرِ بِالسَّهْمِ، وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ، وَيُنْدَبُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً إمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى مَذْبَحِهِ لِيَذْبَحَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ حَلَّ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فِي حَالَةٍ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا لِتَذْكِيَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ عَدْوٌ بَعْدَ إصَابَةِ سَهْمٍ أَوْ كَلْبٍ وَلَوْ اشْتَغَلَ بِطَلَبِ الْمَذْبَحِ أَوْ وَقَعَ مُنَكَّسًا فَاحْتَاجَ إلَى قَلْبِهِ أَوْ أُشْغِلَ بِتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَمَاتَ حَلَّ (وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
سَكَنَ الْقَلْبُ وَلَمْ يَنْفِرْ (قَوْلُهُ: دُونَ الثَّانِي) أَيْ فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ نِدٌّ، بِخِلَافِ الشِّرَادِ فَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ) أَيْ لَمْ يَتَيَسَّرْ وَلَوْ بِعُسْرٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي يَعْنِي أَمْكَنَ وَلَوْ بِعُسْرٍ (قَوْلُهُ أَبِي الْعُشَرَاءِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكُنَى: أَبُو الْعُشَرَاءِ بِالضَّمِّ الدَّارِمِيُّ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَحْطَمٍ، وَيُقَالُ عُطَارِدُ بْنُ بَدْرٍ، وَيُقَالُ ابْنُ بِلَزٍّ، وَضَبَطَهُ فِي الْقَامُوسِ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ أَيْضًا: أَيْ بِالْقَلَمِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ لُحُوقُهُ حَالًا) أَيْ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَأَنْ لَا يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ بِشِدَّةِ الْعَدْوِ وَرَاءَهُ، وَإِذَا تُرِكَ رُبَّمَا اسْتَقَرَّ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَيُدْرِكُهُ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي نَدَّ فِيهِ فَلَا يُكَلَّفُ الصَّبْرُ إلَى صَيْرُورَتِهِ كَذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ دَجَاجَةٍ فَفَرَّتْ مِنْهُ وَلَمْ يُمْكِنْ قُدْرَتُهُ عَلَيْهَا لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِمُعِينٍ (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَمَى غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ) هَذَا إلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَيَكْفِي مُكَرَّرٌ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ رَأَيْتُهَا سَاقِطَةً فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ (قَوْلُهُ: جَرْحٌ) الْجَرْحُ بِفَتْحِ الْجِيمِ مَصْدَرُ جَرَحَهُ، وَأَمَّا الْجُرْحُ بِالضَّمِّ فَهُوَ اسْمٌ اهـ عِصَامٌ عَلَى الْجَامِيِّ.
وَقَوْلُهُ فَهُوَ اسْمٌ: أَيْ لِلْأَثَرِ الْحَاصِلِ مِنْ فِعْلِ الْجَارِحِ (قَوْلُهُ: عَالِمًا كَانَ) أَيْ بِالثَّانِي
(قَوْلُهُ: لِيَذْبَحَهُ) أَيْ إنَّ اسْتَمَرَّتْ حَيَاتُهُ إلَى تَمَامِ الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ عَدْوٌ) أَيْ سُرْعَةُ سَيْرٍ مِنْ الرَّامِي وَالْمُرْسِلِ بَعْدَ الرَّمْيِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِاسْتِعْمَالِ الْأَوَّلِ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَعِيرِ دُونَ الثَّانِي: أَيْ الشَّاةِ، فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ النُّدُودُ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ الشِّرَادُ
(قَوْلُهُ: وَجُرْحُهُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُ هُنَا (قَوْلُهُ لِيَذْبَحَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ مُحَرَّفٌ عَنْ قَوْلِهِ لِيُرِيحَهُ مِنْ الْإِرَاحَةِ كَمَا هُوَ فِي الدَّمِيرِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُشْتَرَطُ عَدْوٌ) أَيْ مِنْ الْمُرْسِلِ بِكَسْرِ
(8/115)
بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ) تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَالْغَالِبُ تَذْكِيرُهَا، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُسْكِنُ الْحَيَاةَ وَمُدْيَةٌ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ (أَوْ غُصِبَتْ) مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ (أَوْ نَشِبَتْ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا (فِي الْغِمْدِ) أَيْ عُلِّقَتْ بِهِ (حَرُمَ) لِتَقْصِيرِهِ لِأَنَّ حَقَّ مَنْ يُعَانِي الصَّيْدَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ الْآلَةَ فِي غِمْدٍ مُوَافِقٍ وَسُقُوطُهَا مِنْهُ وَسَرِقَتُهَا تَقْصِيرٌ.
نَعَمْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْحِلَّ فِيمَا لَوْ غُصِبَتْ عِنْدَ الرَّمْيِ أَوْ كَانَ الْغِمْدُ مُعْتَادًا غَيْرَ ضَيِّقٍ فَعَلَقَ لِعَارِضٍ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَدْوَ إلَى ذَلِكَ، فَلَوْ مَشَى عَلَى عَادَتِهِ كَفَى كَمَا يَكْفِي فِي السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ عَرَفَ التَّحْرِيمَ بِهَا بِأَمَارَةٍ، وَلَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ سَبُعٌ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ حَتَّى مَاتَ بِالْجُرْحِ حَلَّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَصْبِ السِّكِّينِ أَنَّ غَصْبَهَا عَائِدٌ إلَيْهِ وَمَنْعُ السَّبُعِ عَائِدٌ إلَى الصَّيْدِ، وَالْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ مَا يُوجَدُ مَعَهَا الْحَرَكَةُ الِاخْتِيَارِيَّةُ بِقَرَائِنَ أَوْ أَمَارَاتٍ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَمِنْ أَمَارَاتِهَا انْفِجَارُ الدَّمِ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ، وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي حُصُولِهَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ ظَنٌّ حَرُمَ، وَأَمَّا الْحَيَاةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فَهِيَ الْبَاقِيَةُ إلَى خُرُوجِهَا بِذَبْحٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ فَهِيَ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهُ سَمْعٌ وَلَا إبْصَارٌ وَلَا حَرَكَةُ اخْتِيَارٍ (وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ) مَثَلًا (حَلَّا) لِحُصُولِ الْجُرْحِ الْمُذَفِّفِ.
(وَلَوْ) (أَبَانَ مِنْهُ) أَيْ أَزَالَ مِنْ الصَّيْدِ (عُضْوًا) كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ) بِنَحْوِ سَيْفٍ وَمَاتَ فِي الْحَالِ (حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ) لِأَنَّ ذَكَاةَ بَعْضِهِ ذَكَاةُ كُلِّهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَمُتْ فِي الْحَالِ وَأَمْكَنَتْ ذَكَاتُهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ فَلَا يَحِلُّ (أَوْ) بِجُرْحٍ (غَيْرِ مُذَفِّفٍ) أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْلِ (ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا حَرُمَ الْعُضْوُ) لِأَنَّهُ أُبِينَ مِنْ حَيٍّ (وَحَلَّ الْبَاقِي) اتِّفَاقًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ بِالْجِرَاحَةِ الْأُولَى، فَإِنْ أَثْبَتَهُ بِهَا فَقَدْ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ وَلَا تُجْزِئُ سَائِرُ الْجِرَاحَاتِ (فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ) الْأَوَّلِ (حَلَّ الْجَمِيعُ) كَمَا لَوْ كَانَ الْجُرْحُ مُذَفِّفًا (وَقِيلَ يَحْرُمُ الْعُضْوُ) لِأَنَّهُ أُبِينُ مِنْ حَيٍّ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ أَلْيَةَ شَاةٍ ثُمَّ ذَبَحَهَا لَا تَحِلُّ الْأَلْيَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
(وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ) بَرِّيٍّ وَحْشِيًّا كَانَ أَوْ إنْسِيًّا (قُدِرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ) يَعْنِي مَجْرَاهُ دُخُولًا وَخُرُوجًا (وَالْمَرِيءُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَالْإِرْسَالِ (قَوْلُهُ: فِي الْغِمْدِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اهـ مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ وَفِي الْغَصْبِ بَعْدَ الرَّمْيِ أَنَّهُ غَيْرُ تَقْصِيرٍ حَجّ، وَقَوْلُهُ فِيهِ: أَيْ فِيمَا لَوْ نَشِبَتْ بَعْدَ الرَّمْيِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غُصِبَتْ عِنْدَ الرَّمْيِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ مُلْحَقَةٌ بِالْبَعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ الْغِمْدُ مُعْتَادًا إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ فَعَلَّقَ لِعَارِضٍ) أَيْ بَعْدَ الرَّمْيِ كَمَا فِي حَجّ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ) هَذَا لَا يَأْتِي عَلَى مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ غَصْبَهَا بَعْدَ الرَّمْيِ لَا يَمْنَعُ الْحِلَّ فَإِنَّ فِيهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْغَصْبِ وَحَيْلُولَةِ السَّبُعِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْحَيْلُولَةُ قَبْلَ الرَّمْيِ اُحْتِيجَ إلَى الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: أَنَّ غَصْبَهَا عَائِدٌ إلَيْهِ) أَيْ وُصِفَ بِكَوْنِهَا غُصِبَتْ مِنْهُ فَنُسِبَ لِتَقْصِيرٍ (قَوْلُهُ: بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ الِاكْتِفَاءُ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْفَجِرْ الدَّمُ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَمِنْ أَمَارَاتِهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَانْفِجَارِ الدَّمِ وَتَدَفُّقِهِ، فَالْوَاوُ فِي وَانْفِجَارٌ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ شَكَّ فِي حُصُولِهَا) أَيْ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) مِنْ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبٌ لِإِزْهَاقِ الرُّوحِ
(قَوْلُهُ: بِقَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ) وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ مُبَاشَرَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
السِّينِ (قَوْلُهُ: تُسْكِنُ الْحَيَاةَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: تُسْكِنُ حَرَارَةَ الْحَيَاةِ (قَوْلُهُ: وَفَتْحِهَا) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ كَغَيْرِهِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الْحِلَّ إلَخْ) أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْأُولَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ مِنْ مَزْجِ الْمَتْنِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ كَلَامٍ قَدَّمَهُ نَصُّهَا لَكِنْ بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ وَفِي الْغَصْبِ بَعْدَ الرَّمْيِ أَنَّهُ غَيْرُ تَقْصِيرٍ
(8/116)
بِالْهَمْزِ (وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ) وَالشَّرَابِ إذْ الْحَيَاةُ تُوجَدُ بِهِمَا وَتُفْقَدُ بِفَقْدِهِمَا، وَخَرَجَ بِقَطْعِ مَا لَوْ اخْتَطَفَ رَأْسَ عُصْفُورٍ أَوْ غَيْرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِبُنْدُقَةٍ فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ، وَبِقَوْلِهِ قُدِرَ عَلَيْهِ مَا لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ، وَبِقَوْلِهِ كُلُّ الْحُلْقُومِ مَا لَوْ قَطَعَ الْبَعْضَ وَانْتَهَى إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ ثُمَّ قَطَعَ الْبَاقِي فَلَا يَحِلُّ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ التَّذْفِيفِ مُتَمَحِّضًا لِذَلِكَ، فَلَوْ أَخَذَ فِي قَطْعِهَا وَآخَرُ فِي نَزْعِ الْحُشْوَةِ أَوْ نَخْسِ الْخَاصِرَةِ لَمْ يَحِلَّ، وَلَوْ انْهَدَمَ سَقْفٌ عَلَى شَاةٍ أَوْ جَرَحَهَا سَبُعٌ فَذُبِحَتْ وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ، وَإِنْ تُيُقِّنَ مَوْتُهَا بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ تَحِلَّ (وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) لِأَنَّهُ أَوْحَى وَأَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ فَهُوَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ وَهُمَا بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالدَّالِ عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ مِنْ مُقَدَّمِهِ مُحِيطَانِ بِالْحُلْقُومِ وَقَدْ يُحِيطَانِ بِالْمَرِيءِ، وَتَعْبِيرُ التَّنْبِيهِ بِالْأَوْدَاجِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
السِّكِّينِ لَهُمَا حَتَّى يَنْقَطِعَا، فَلَوْ قَطَعَ مِنْ غَيْرِهِمَا كَأَنْ قَطَعَ مِنْ الْكَتِفِ وَلَمْ تَصِلْ السِّكِّينُ لِلْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ لَمْ يَحِلَّ الْمَذْبُوحُ.
[فَرْعٌ] يَحْرُمُ ذَبْحُ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَلَوْ لِإِرَاحَتِهِ كَالْحِمَارِ الزَّمِنِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَطَعَ الْبَاقِيَ) فِي قَوْلِهِ ثُمَّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ قَطَعَ الْبَعْضَ الْأَوَّلَ ثُمَّ تَرَاخَى قَطْعُهُ لِلثَّانِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَفَعَ يَدَهُ بِالسِّكِّينِ وَأَعَادَهَا فَوْرًا أَوْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ فَأَخَذَهَا وَتَمَّمَ الذَّبْحَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ وَقَوْلُنَا وَأَعَادَهَا فَوْرًا وَمِنْ ذَلِكَ قَلْبُ السِّكِّينِ لِقَطْعِ بَاقِي الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ أَوْ تَرَكَهَا وَأَخَذَ غَيْرَهَا فَوْرًا لِعَدَمِ حِدَّتِهَا فَلَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ: وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) قَضِيَّتُهُ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ انْفِجَارَ الدَّمِ أَنَّهُ لَوْ جُرِحَتْ الشَّاةُ مَثَلًا أَوْ وَقَعَ عَلَيْهَا سَقْفٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَلَمْ يَصِرْ بِهَا إبْصَارٌ وَلَا نُطْقٌ اخْتِيَارًا ثُمَّ ذُبِحَتْ وَانْفَجَرَ الدَّمُ حَلَّتْ، وَفِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ مَا نَصُّهُ فِي بَابِ الْأُضْحِيَّةِ قُبَيْلَ فَصْلٍ فِي سُنَنِ الذَّبْحِ: فَإِنْ جُرِحَ الْحَيَوَانُ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ سَيْفٌ أَوْ نَحْوُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ سَقْفٌ، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَلَوْ عُرِفَتْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ فَذَبَحَهُ حَلَّ وَإِنْ تَيَقَّنَ إهْلَاكَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لِوُجُودِ مَا يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ مِمَّا ذُكِرَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوْلُهُ وَلَوْ بِشِدَّةِ الْحَرَكَةِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ بِجُرْحٍ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَفِيهِ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ ثُمَّ ذُبِحَ لَمْ يَحِلَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ إنَّمَا هُوَ مَعْرِفَةُ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ حَالَةَ الذَّبْحِ، فَلَوْ أَخَّرَهُ مَعَ الْجُمْلَةِ قَبْلَهُ كَأَصْلِهِ كَانَ حَسَنًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عِنْدَ الذَّبْحِ تَارَةً تُتَيَقَّنُ وَتَارَةً تُظَنُّ بِعَلَامَاتٍ وَقَرَائِنَ، فَمِنْهَا الْحَرَكَةُ الشَّدِيدَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَانْفِجَارِ الدَّمِ وَتَدَفُّقِهِ اهـ.
فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهَا لَوْ وَصَلَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِسَبَبٍ يُحَالُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ وَحَصَلَ مِنْهَا حَرَكَةٌ شَدِيدَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ ذُبِحَتْ لَمْ تَحِلَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَصَلَتْ إلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ وَلَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحَرَكَةُ ثُمَّ ذُبِحَتْ فَاشْتَدَّتْ حَرَكَتُهَا أَوْ انْفَجَرَ دَمُهَا فَتَحِلُّ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَتَدَفُّقُهُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا عَبَّرَ بِهَا قَبْلُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَيَقَّنَ مَوْتَهَا بَعْدُ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مُشَاهَدَةِ حَرَكَةٍ اخْتِيَارِيَّةٍ تُدْرَكُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ انْفِجَارِ الدَّمِ بَعْدَ ذَبْحِهَا أَوْ وُجُودِ الْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ فِي كَلَامِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَإِنْ تَيَقَّنَ مَوْتَهَا بَعْدَ لَحْظَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ) الزِّيَادَةُ عَلَى الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ قِيلَ بِحُرْمَتِهَا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي التَّعْذِيبِ، وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي وَيُكْرَهُ زِيَادَةُ الْقَطْعِ.
[فَرْعٌ] لَوْ اضْطَرَّ شَخْصٌ لِأَكْلِ مَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ لِأَنَّ الذَّبْحَ يُزِيلُ الْعُفُونَاتِ أَمْ لَا لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يُفِيدُ؟ وَقَعَ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ ذَبْحَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَتْلِهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ اتَّفَقَ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنَّهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ (قَوْلُهُ: وَأَسْهَلُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُحِيطَانِ بِالْمَرِيءِ) عِبَارَةُ الْمَحَلِّيِّ: وَقِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَوْحَى) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ أَسْرَعَ
(8/117)
وَهُوَ صَحِيحٌ (وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ) أَوْ مِنْ صَفْحَةِ عُنُقِهِ (عَصَى) لِلْعُدُولِ عَنْ مَحَلِّ الذَّبْحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ فِي الذَّبْحِ وَالْقَطْعِ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ كَالْقَطْعِ مِنْ الْقَفَا (فَإِنْ أَسْرَعَ) فِي ذَلِكَ (فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ) وَلَوْ ظَنًّا بِقَرِينَةٍ كَمَا مَرَّ (حَلَّ) لِمُصَادَفَةِ الذَّكَاةِ لَهُ وَهُوَ حَيٌّ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ ثُمَّ ذَكَّاهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْقَ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ وَصَلَ لِحَرَكَةِ مَذْبُوحٍ لَمَّا انْتَهَى إلَى قَطْعِ الْمَرِيءِ (فَلَا) يَحِلُّ لِصَيْرُورَتِهِ مَيْتَةً فَلَا تُفِدْ فِيهِ الذَّكَاةُ (وَكَذَا) (إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ) مَثَلًا لِيَقْطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ دَاخِلَ الْجِلْدِ لِأَجْلِ جِلْدِهِ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ فِيمَا قَبْلَهَا، نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ لِلتَّعْذِيبِ (وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا طَالَ عُنُقُهُ وَهُوَ قَطْعُ اللَّبَّةِ أَسْفَلَ الْعُنُقِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ رُوحِهَا لِطُولِ عُنُقِهَا، وَلَا بُدَّ فِي النَّحْرِ مِنْ قَطْعِ كُلِّ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ.
(وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ يَوْمَ النَّحْرِ وَضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» (وَيَجُوزُ عَكْسُهُ) أَيْ ذَبْحُ الْإِبِلِ وَنَحْرِ غَيْرِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ فِيهِ، وَالْخَيْلُ كَالْبَقَرِ وَكَذَا حِمَارُ الْوَحْشِ وَبَقَرُهُ (وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ رُكْبَةٍ) يُسْرَى لِلِاتِّبَاعِ (وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً) بِالْإِجْمَاعِ، وَقَوْلُهُ فِي الدَّقَائِقِ إنَّ لَفْظَةَ الْبَقَرِ مِنْ زَوَائِدِهِ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ، فَلَا يُنَافِيهِ وُجُودُهَا فِي بَعْضٍ آخَرَ (لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ) لِأَنَّهَا أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ الْآلَةِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ، وَلَفْظَةُ الْأَيْسَرِ مِنْ زِيَادَاتِهِ وَهِيَ حَسَنَةٌ، فَلَوْ كَانَ أَعْسَرَ اُسْتُحِبَّ لَهُ اسْتِنَابَةُ غَيْرِهِ، وَلَا يُضْجِعُهَا عَلَى يَمِينِهَا كَمَا مَرَّ (وَتُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى) لِتَسْتَرِيحَ بِتَحْرِيكِهَا (وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ) كَيْ لَا تَضْطَرِبَ حَالَةَ الذَّبْحِ فَيَزِلَّ الذَّابِحُ وَيُنْدَبُ إضْجَاعُهَا بِرِفْقٍ (وَأَنْ يَحُدَّ شَفْرَتَهُ) أَوْ غَيْرَهَا لِخَبَرِ «فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَيُحِدَّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالشَّفْرَةُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ: السِّكِّينُ الْعَظِيمَةُ، وَالْمُرَادُ السِّكِّينُ مُطْلَقًا، وَآثَرَهَا لِأَنَّهَا الْوَارِدَةُ وَكَأَنَّهَا مِنْ شَفَرَ الْمَالُ ذَهَبَ لِإِذْهَابِهَا لِلْحَيَاةِ سَرِيعًا، وَيُنْدَبُ إمْرَارُهَا بِرِفْقٍ وَتَحَامُلٍ يَسِيرٍ ذَهَابًا وَإِيَابًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَحُدَّهَا قُبَالَتَهَا وَأَنْ يَذْبَحَ وَاحِدَةً وَالْأُخْرَى تَنْظُرُ إلَيْهَا، وَيُكْرَهُ لَهُ إبَانَةُ رَأْسِهَا حَالًا وَزِيَادَةُ الْقَطْعِ وَكَسْرُ الْعُنُقِ وَقَطْعُ عُضْوٍ مِنْهَا وَتَحْرِيكُهَا وَنَقْلُهَا حَتَّى تَخْرُجَ رُوحُهَا، وَالْأَوْلَى سَوْقُهَا إلَى الْمَذْبَحِ بِرِفْقٍ وَعَرْضُ الْمَاءِ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَبْحِهَا (وَيُوَجِّهُ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ) وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَنَحْوِهَا آكَدُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَذْبَحَهَا، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَوْنُهَا أَفْضَلَ الْجِهَاتِ لَا وَجْهُهَا لِيُمْكِنَهُ هُوَ الِاسْتِقْبَالُ أَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ (وَأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) وَحْدَهُ عِنْدَ الْفِعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُحِيطَانِ بِالْمَرِيءِ، فَلَعَلَّ الشَّارِحَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْقِيلِ يُوجَدُ فِي بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ (قَوْلُهُ: فَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ) أَيْ وَصَلَ إلَيْهِمَا قَبْلَ ابْتِدَاءِ قَطْعِهِمَا وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَقِينًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ شَكَّ فِي حُصُولِهَا وَلَمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَارُّ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أَسْرَعَ إلَخْ، فَمَسْأَلَةُ الْعِصْيَانِ خَارِجَةٌ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَدْرَكَ الشَّارِحُ بِهَا، وَلَوْ أَدْخَلَهَا فِي مُفَادِ التَّشْبِيهِ فَقَالَ فِي التَّفْصِيلِ وَالْعِصْيَانِ كَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ) تَخْصِيصُ الْإِبِلِ بِالنَّحْرِ وَالْبَقَرِ بِالذَّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّحْرَ لَا يُسَمَّى ذَبْحًا، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَكَانَ الْحَيَوَانُ يَذْبَحُهُ فِي حَلْقِهِ وَلَبَّتِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الذَّبْحَ شَامِلٌ لِلنَّحْرِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ وَنَحْوُهُ ذُكِّرَ الضَّمِيرُ فِي نَحْوِهِ وَأَنَّثَهُ فِي رُوحِهَا تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِهِمَا فِي الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ لِاسْمِ الْجِنْسِ الْجَمْعِيِّ، لَكِنْ فِي الْمُخْتَارِ أَنَّ الْإِبِلَ مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّينَ فَالتَّأْنِيثُ لَهَا لَازِمٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا يُضْجِعُهَا) أَيْ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْلَى سَوْقُهَا) وَالْمُخَاطَبُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ مَالِكُهَا إنْ بَاشَرَ الذَّبْحَ وَمُقَدِّمَاتِهِ، فَإِنْ فَوَّضَ أَمْرَ الذَّبْحِ إلَى غَيْرِهِ وَسَلَّمَهَا لَهُ طُلِبَ مِنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ وَالتَّوَجُّهُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: وَالْأَكْمَلُ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْقَطْعُ مِنْ صَفْحَةِ الْعُنُقِ كَالْقَطْعِ مِنْ الْقَفَا) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا مَرَّ قُبَيْلَهُ
(8/118)
مِنْ ذَبْحٍ أَوْ إرْسَالِ سَهْمٍ أَوْ جَارِحَةٍ لِلِاتِّبَاعِ فِيهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ، وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا، فَلَوْ تَرَكَهَا وَلَوْ عَمْدًا حَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهَا، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَالْمُرَادُ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ غَيْرُ اسْمِ اللَّهِ: يَعْنِي مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3] وَسِيَاقُ الْآيَةِ دَلَّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وَالْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِسْقًا هِيَ الْإِهْلَالُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] وَالْإِجْمَاعُ قَامَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ ذَبِيحَةَ مُسْلِمٍ لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهَا لَيْسَ بِفِسْقٍ (وَيُصَلِّي) وَيُسَلِّمُ (عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) لِأَنَّهُ مَحَلٌّ يُشْرَعُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ نَبِيِّهِ كَالْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ (وَلَا يَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ مُحَمَّدٍ) فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ لِإِبْهَامِهِ لِلتَّشْرِيكِ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ تَعَالَى اخْتِصَاصَ الذَّبْحِ وَالْيَمِينِ بِاسْمِهِ وَالسُّجُودِ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةِ مَخْلُوقٍ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَذْبَحُ بِاسْمِ اللَّهِ وَأَتَبَرَّكُ بِاسْمِ مُحَمَّدٍ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ عَدَمُ الْحُرْمَةِ، وَيُحْمَلُ إطْلَاقُ مَنْ نَفَى جَوَازَهُ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إذْ الْمَكْرُوهُ يَصِحُّ نَفْيُ الْجَوَازِ عَنْهُ.
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ (بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ: أَيْ شَيْءٍ لَهُ حَدٌّ (يَجْرَحُ) إذْ هُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ وَهُوَ صِفَةٌ وَمَفْهُومُهَا مُعْتَبَرٌ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (كَحَدِيدٍ) أَيْ كَمُحَدَّدِ حَدِيدٍ (وَنُحَاسٍ) وَرَصَاصٍ (وَذَهَبٍ) وَفِضَّةٍ (وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَعَمُّدُ تَرْكِهَا) أَيْ التَّسْمِيَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ) أَيْ ذَلِكَ وَالْمَذْبُوحُ حَلَالٌ، وَعِبَارَةُ سم عَلَى حَجّ قَوْلُهُ حَرُمَ: أَيْ هَذَا الْقَوْلُ وَإِلَّا فَيَحِلُّ أَكْلُ الذَّبِيحَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
[فَائِدَةٌ] يَكْفِي الذَّبْحُ بِالْمُدْيَةِ الْمَسْمُومَةِ فَإِنَّ السُّمَّ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ مَعَ الْقَطْعِ، وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِعَدَمِ الْحِلِّ فِيمَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمٍ وَبُنْدُقٍ مَثَلًا، فَإِنَّ اجْتِمَاعَ السَّهْمِ مَعَ الْبُنْدُقَةِ يُؤَثِّرُ فِي الْقَتْلِ ظَاهِرًا مَا لَا يُؤَثِّرُهُ السَّهْمُ وَحْدَهُ، فَكَانَ لِلْبُنْدُقَةِ مَعَ السَّهْمِ أَثَرٌ ظَاهِرٌ فِي الْقَتْلِ، وَلَا كَذَلِكَ السُّمُّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ عَادَةً بَعْدَ سَرَيَانِهِ فِي الْجَسَدِ لَا بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، وَالْقَطْعُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ بِمُبَاشَرَةِ السِّكِّينِ مُؤَثِّرٌ لِلزَّهُوقِ حَالًا فَلَا يُنْسَبُ تَأْثِيرٌ لِلسُّمِّ.
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ: وَاللَّبَّةُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (قَوْلُهُ: بِكُلِّ مُحَدَّدٍ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِنْ الْمُحَدَّدِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ مَا لَوْ ذَبَحَ بِخَيْطٍ يُؤَثِّرُ مُرُورُهُ عَلَى حَلْقِ نَحْوِ الْعُصْفُورِ قَطَعَهُ كَتَأَثُّرِ السِّكِّينِ فِيهِ فَيَحِلُّ الْمَذْبُوحُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَنُحَاسٍ) أَيْ وَكَمُحَدَّدِ نُحَاسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ) لَعَلَّ هُنَا سَقْطًا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي الذَّبْحِ لِلْأُضْحِيَّةِ وَقِيسَ بِمَا فِيهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَهُ حَرُمَ) أَيْ الْقَوْلُ لَا الْمَذْبُوحُ
[فَصْلٌ يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجُرْحُ غَيْرِهِ]
(فَصْلٌ) يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ) كَانَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ) فِيهِ مَنْعٌ ظَاهِرٌ إذْ غَايَةُ مَا تُفِيدُهُ الْعِبَارَةُ هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى تَقْرِيرِهِ الْآتِي أَنَّ الذَّبْحَ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمُحَدَّدِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَمِقْدَارٌ آخَرُ لَا يُفِيدُهُ الْمَتْنُ قَطْعًا، وَعِبَارَتُهُ هُنَا غَيْرُ عِبَارَتِهِ فِي الرَّوْضَةِ
(8/119)
وَزُجَاجٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْرَعُ لِإِخْرَاجِ الرُّوحِ (إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ الْعِظَامِ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ» أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشْبِيهِ بِهِمْ: أَيْ لِمَعْنًى ذَاتِيٍّ فِي الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ التَّشْبِيهُ بِهَا، فَلَا يُقَالُ مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنْ التَّشْبِيهِ بِهِمْ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ بَلْ وَلَا الْحُرْمَةَ فِي نَحْوِ النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ وَاشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا بَاقِي الْعِظَامِ، وَمَعْلُومٌ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ بِظُفُرِهَا أَوْ نَابِهَا حَلَالٌ فَلَا يَحْتَاجُ لِاسْتِثْنَائِهِ (فَلَوْ قَتَلَ بِمُثْقَلٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ (أَوْ ثِقَلٍ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ) هَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِلْأَوَّلِ وَالسَّهْمُ بِنَصْلٍ أَوْ حَدٍّ قَتَلَ بِثِقَلِهِ مِنْ أَمْثِلَةِ الثَّانِي (أَوْ) قَتَلَ (بِسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ نَصْلٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عَرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا) أَيْ بِالْجُرْحِ وَالتَّأْثِيرِ (أَوْ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ) مَنْصُوبَةٍ وَمَاتَ وَهِيَ مَا يُعْمَلُ مِنْ الْحِبَالِ لِلصَّيْدِ بِهِ (أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ) عَالِيَةٍ (أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَاتَ (حَرُمَ) فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا، أَمَّا فِي الْقَتْلِ بِمُثْقِلٍ فَلِأَنَّهُ مَوْقُوذَةٌ، إذْ هِيَ مَا قُتِلَ بِحَجَرٍ أَوْ بِمَا لَا حَدَّ لَهُ، وَأَمَّا مَوْتُهُ بِالسَّهْمِ وَالْبُنْدُقَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَلِأَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبَيْنِ: مُبِيحٌ وَمُحَرَّمٌ، فَغُلِّبَ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْمَيْتَاتِ، وَأَمَّا إذَا أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ عَلَى جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ فَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ وَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ الْمَقْتُولَ بِثِقَلِ الْجَارِحَةِ كَالْمَقْتُولِ بِجُرْحِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَرْضِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوْ جَبَلٍ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بَدَلَ أَرْضٍ بِسَطْحٍ كَمَا بِأَصْلِهِ وَالشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ كَانَ أَوْلَى
(وَلَوْ) (أَصَابَهُ) سَهْمٌ (بِالْهَوَاءِ) أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ) (حَلَّ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى الْأَرْضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ الصَّيْدُ قَائِمًا فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ لَمَّا أَصَابَهُ السَّهْمُ وَانْصَدَمَ بِالْأَرْضِ وَكَلَامُهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا جَرَحَهُ السَّهْمُ فِي الْهَوَاءِ جُرْحًا مُؤَثِّرًا فَلَوْ لَمْ يَجْرَحْهُ بَلْ كَسَرَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ وَمَاتَ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا لَا يُؤَثِّرُ فَعَطَّلَ جَنَاحَهُ فَوَقَعَ فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ لِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَخْ، وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالْمِنْشَارِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ فِي الذَّبْحِ (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْعِظَامِ) ظَاهِرُهُ دُخُولُ الصَّدَفِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ الْكَتَّانُ فَلَا يَكْفِي، وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِ فَلْيُرَاجَعْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَظْمٍ (قَوْلُهُ: لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) بِنَصْبِهِمَا فَإِنَّهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ فَاعِلِ أَنْهَرَ الْمُسْتَتِرِ فِيهِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَالْإِنْهَارُ: الْإِسَالَةُ، شَبَّهَ خُرُوجَ الدَّمِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ اهـ شَرْحُ التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الظُّفُرُ) هَذَا قَدْ يَقْتَضِي أَنَّ الظُّفُرَ لَيْسَ مِنْ الْعَظْمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِظَامِ (قَوْلُهُ: كَبُنْدُقَةٍ) وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِحُرْمَةِ الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخَائِرِ لَكِنْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِجَوَازِهِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ الصَّيْدُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا كَالْإِوَزِّ فَإِنْ مَاتَ كَالْعَصَافِيرِ فَيَحْرُمُ اهـ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ شَيْخُنَا زِيَادِيٌّ.
أَقُولُ: قَوْلُهُ لَا يَمُوتُ مِنْهُ غَالِبًا: أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِلِاصْطِيَادِ وَإِلَّا حَرُمَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ، وَكَالرَّمْيِ بِالْبُنْدُقَةِ ضَرْبُ الْحَيَوَانِ بِعَصًا وَنَحْوِهَا لِمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا لِلْوُصُولِ إلَيْهِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الضَّرْبِ كَمَا يَقَعُ فِي إمْسَاكِ نَحْوِ الدَّجَاجِ فَإِنَّهُ قَدْ يَشُقُّ إمْسَاكُهَا، فَمُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُبِيحُ ضَرْبَهَا فَإِنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهَا، وَفِيهِ تَعْذِيبُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَكُلُّ مَا حَرُمَ فِعْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ مَنْعُهُ مِنْهُ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عَالِيَةٌ لَكِنْ فِي كَوْنِ مُجَرَّدِ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلْأَوْلَوِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَطْعًا، وَاَلَّذِي أَجَابَ بِهِ غَيْرُ الشَّارِحِ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي بَيَانِ الْآلَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَقَدْ قَدَّمَهُ أَوَّلَ الْبَابِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْرَعُ لِإِخْرَاجِ الرُّوحِ) هَذَا إنَّمَا عَلَّلَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ الْمَتْنِ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ تَحْوِيلِهِ إلَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ فَلَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّعْلِيلُ (قَوْلُهُ: عُرْضُ السَّهْمِ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ
(8/120)
مُبِيحٍ يُحَالُ مَوْتُهُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ رَمَاهُ فَوْقَ شَجَرَةٍ فَسَقَطَ وَأَصَابَ غُصْنَهَا ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ لَا مَاءَ بِهَا وَأَصَابَ جِدَارَهَا حَرُمَ فَإِنْ رَمَى طَيْرًا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَلَمْ يَغْمِسْهُ السَّهْمُ فِيهِ وَمَاتَ حَلَّ وَالْمَاءُ لَهُ كَالْأَرْضِ أَوْ فِي هَوَاءِ الْمَاءِ وَالرَّامِي كَذَلِكَ حَلَّ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ وَوَقَعَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فِيهِ حَرُمَ هَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ فِي الْهَوَاءِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا حَلَّ جَزْمًا وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا مُعَلَّمًا فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ يَضْرِبُ بِهَا فَجَرَحَ بِهَا الصَّيْدَ حَلَّ كَمَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ سَهْمًا
(وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ) وَنَمِرٍ صَغِيرٍ قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ (وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] أَيْ وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ (بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ مَا قَتَلَتْهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ذَبْحِهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي ثَعْلَبَةَ «مَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا جَرَحْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ الْكَلْبِ وَنَحْوِهِ مُعَلَّمًا أُمُورٌ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (بِأَنْ تَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهَا وَتَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ) أَيْ تَهِيجُ بِإِغْرَائِهِ (وَتُمْسِكُ الصَّيْدَ) أَيْ تَحْبِسُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَلَا تَقْتُلُهُ فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ تُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ (وَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ لَحْمِهِ أَوْ نَحْوِهِ كَجِلْدِهِ وَحُشْوَتِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ عَقِبَهُ.
وَلَا يَقْدَحُ فِي حِلِّ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمُ الْجَارِحَةِ مَجُوسِيًّا (وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي جَوَارِحِ السِّبَاعِ، وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ تَرْكَهُ يَكُونُ بِالضَّرْبِ وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُهُ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ يَقْتَضِي عَدَمَ اشْتِرَاطِ غَيْرِهِ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنْ تَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا مَطْمَعَ فِي انْزِجَارِهَا بَعْدَ طَيَرَانِهَا (وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يُظَنُّ تَأَدُّبُ الْجَارِحَةِ) وَمَرْجِعُهُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِالْجَوَارِحِ (وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَذْكُورَةِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، إذْ غَايَتُهُ أَنَّ هَذَا بِتَسْلِيمِهِ مُصَحِّحٌ لَا مَانِعٌ لِلْأَوْلَوِيَّةِ
(قَوْلُهُ: لَا مَاءَ بِهَا) أَيْ أَمَّا لَوْ كَانَ بِهَا مَاءٌ فَيَحْرُمُ صَدَمَ جِدَارَهَا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَأَصَابَ جِدَارَهَا حَرُمَ) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَوْتَهُ بِالْغُصْنِ أَوْ الْجِدَارِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْغُصْنِ مِنْ كَوْنِهِ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَيْهِ لِغِلَظِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ رَمَى طَيْرًا) هَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ الزِّيَادِيُّ فِي طَيْرِ الْمَاءِ دُونَ غَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ غَيْرَ طَيْرِ الْمَاءِ بِأَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ طَيْرُ الْمَاءِ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ إلَى آخِرِ مَا هُنَا، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَيْرِ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ) أَيْ الطَّيْرُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَصَلَ إلَيْهَا) أَيْ يَقِينًا بِقَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ شَكَّ حَرُمَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُصُولِهِ إلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ) إنْ عُلِمَ الضَّرْبُ بِهَا كَمَا فِي الْعُبَابِ
(قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِح السِّبَاعِ) لَوْ عَلَّمَ خِنْزِيرًا الِاصْطِيَادَ حَلَّ الصَّيْدُ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِنَاءُ.
قَالَهُ طب بَحْثًا، وَلَا مَانِعَ مِنْهُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَصَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ) أَيْ مِصْيَدُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ مَا قَتَلَتْهُ غَيْرُ الْمُعَلَّمَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ مُدَافَعَةٍ) أَيْ فَإِنْ دَافَعَهُ لَمْ يَحِلَّ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَخْذَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَا مَطْمَعَ فِي انْزِجَارِهَا) أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ رَمَى طَيْرًا) يَعْنِي مِنْ طُيُورِ الْمَاءِ وَهِيَ الَّتِي تَعِيشُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْمَاءِ) الضَّمِيرُ فِيهِ لِلطَّيْرِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَالرَّامِي كَذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّامِي خَارِجَ الْمَاءِ وَالطَّيْرُ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: لَا مَاءَ بِهَا وَأَصَابَ جِدَارَهَا) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصِبْهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوُقُوعَ بِالْأَرْضِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِهَا مَاءٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مُطْلَقًا إحَالَةُ الْهَلَاكِ عَلَى الْغَرَقِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ بِبِئْرٍ بِهَا مَاءٌ أَوْ صَدَمَهُ جِدَارٌ لَهَا حَرُمَ
(قَوْلُهُ: قَابِلٍ لِلتَّعْلِيمِ) لَعَلَّ مُرَادَهُ بِهَذَا بَيَانُ مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَإِلَّا فَمَنَاطُ الْحِلِّ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا بِالْفِعْلِ لَا قَبُولُهُ، وَأَيْضًا فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ عُلِّمَ صَغِيرًا ثُمَّ كَبِرَ وَهُوَ عَلَى تَعَلُّمِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّغِيرِ فَلْيُرَاجَعْ
(8/121)
ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ) قَبْلَ قَتْلِهِ أَوْ عَقِبَهُ (لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ شَرْطٌ فِي التَّعَلُّمِ ابْتِدَاءً فَكَذَلِكَ دَوَامًا وَالثَّانِي يَحِلُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى التَّأْدِيبِ وَالْأَكْلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ غَيْظٍ عَلَى الصَّيْدِ وَلَوْ أَرَادَ الصَّائِدُ أَخْذَهُ مِنْهُ فَامْتَنَعَ وَصَارَ يُقَاتِلُ دُونَهُ فَكَمَا لَوْ أَكَلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُقَيَّدٌ بِمَرَّةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِيَخْرُجَ بِهِ مَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْأَكْلُ وَصَارَ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ قَطْعًا، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الصَّيْدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَطِفُ التَّحْرِيمُ عَلَى مَا اصْطَادَهُ قَبْلَهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِالْأَكْلِ عَنْ التَّعْلِيمِ إلَّا إذَا أَكَلَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اسْتَرْسَلَ الْمُعَلَّمُ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهِ جَزْمًا، وَقَوْلُهُ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ مِثَالٌ فَجِلْدُهُ وَحُشْوَتُهُ وَأُذُنُهُ وَعَظْمُهُ مِثْلُهُ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ الْقَطْعُ بِالْحِلِّ فِي تَنَاوُلِ شَعْرِهِ إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ الصُّوفُ وَالرِّيشُ (فَيُشْتَرَطُ) عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ (تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ) لِفَسَادِ التَّعْلِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ (وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مَنُوطٌ فِي الْخَبَرِ بِالْأَكْلِ مِنْ الصَّيْدِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ شَيْئًا مِنْ مَقْصُودِ الصَّائِدِ فَكَانَ كَتَنَاوُلِهِ الْفَرْثَ.
(وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنْ الصَّيْدِ نَجَسٌ) كَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَجَّسَ مِنْهُ (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ) كَمَا لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَتَعْفِيرِهِ، وَالثَّانِي نَعَمْ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ فَأَشْبَهَ الدَّمَ الَّذِي فِي الْعُرُوقِ (وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ) سَبْعًا كَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ (وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ يَشْرَبُ لُعَابَهُ فَلَا يَتَخَلَّلُهُ الْمَاءُ.
(وَلَوْ تَحَامَلَتْ الْجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَلِأَنَّهُ يَعِزُّ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَّا جُرْحًا وَلَيْسَ كَالْإِصَابَةِ بِعَرْضِ السَّهْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الرَّمْيِ.
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ آلَةٌ فَلَمْ يَحِلَّ بِثِقَلِهِ كَالسِّلَاحِ وَلِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهَا جَوَارِحَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجْرَحَ، وَالْأَوَّلُ قَالَ: الْجَوَارِحُ الْكَوَاسِبُ بِالْبَاءِ، وَأَنَّثَ هُنَا الْجَارِحَةَ وَذَكَّرَهَا فِيمَا مَرَّ نَظَرًا لِلَّفْظِ تَارَةً وَلِلْمَعْنَى أُخْرَى، وَاحْتَرَزَ بِثِقَلِهِ عَمَّا لَوْ مَاتَ فَزَعًا مِنْهُ أَوْ بِشِدَّةِ عَدْوِهِ فَلَا يَحِلُّ قَطْعًا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَجْرَحْ الْكَلْبُ الصَّيْدَ فَإِنْ جَرَحَهُ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَلَّ قَطْعًا
(وَلَوْ) (كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوْ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوْ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ) مَثَلًا (بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ) (لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الذَّبْحَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقَصْدُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الضَّمَانِ: لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَلِانْتِفَاءِ الْإِرْسَالِ فِي الثَّالِثَةِ، وَقَدْ قَيَّدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَوَازَ الْأَكْلِ بِالْإِرْسَالِ فَقَالَ «إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَكُلْ» (وَكَذَا لَوْ اُسْتُرْسِلَ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِاجْتِمَاعِ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ فَغُلِّبَ الْمُحَرِّمُ، وَالثَّانِي يَحِلُّ لِظُهُورِ أَثَرِ الْإِغْرَاءِ بِالْعَدْوِ فَانْقَطَعَ بِهِ الِاسْتِرْسَالُ وَصَارَ كَأَنَّهُ جَرَحَ بِإِغْرَاءِ صَاحِبِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ) مُرَادُهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مَا أَكَلَ مِنْهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ إلَى أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ تَعْلِيمًا جَدِيدًا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ تَعَلُّمُهُ (قَوْلُهُ: فَقَتَلَ وَأَكَلَ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَعْلِيمِهِ) وَكَذَا كُلُّ مَا اسْتَرْسَلَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَهُ بِغَيْرِ إرْسَالٍ لِعَدَمِ الِاصْطِيَادِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ سَقَطَتْ السِّكِّينُ عَلَى حَلْقِ شَاةٍ فَقَطَعَتْهُ (قَوْلُهُ: إذْ لَيْسَ عَادَتُهُ الْأَكْلَ) أَيْ عَادَةُ مَا صَادَ بِهِ، فَلَا يُقَالُ: أَكْلُهُ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا اعْتَادَهُ قَبْلَ التَّعَلُّمِ مِنْ الْأَكْلِ فَالتَّعْلِيمُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ
(قَوْلُهُ: بِثِقَلِهَا حَلَّ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجْرَحْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ يَعِزُّ تَعْلِيمُهُ أَنْ لَا يَقْتُلَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَعْنَى إلَخْ) أَيْ وَهُوَ أَنَّهَا اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ الَّذِي يَجْرَحُ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى وَلَفْظُ الْحَيَوَانِ مُذَكَّرٌ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَعْنَى أَنَّهَا اسْمٌ لِلذَّكَرِ خَاصَّةً، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَالْجَوَارِحُ مِنْ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ ذَاتُ الصَّيْدِ
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الضَّمَانِ) أَيْ فَمَتَى تَلِفَ شَيْءٌ بِفِعْلِهِ ضَمِنَهُ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: الْفَرْثُ) هُوَ دَاخِلَ الْكَرِشِ
(8/122)
وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فَزَادَ عَدْوُهُ عَمَّا إذَا لَمْ يَزِدْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ جَزْمًا، وَبِقَوْلِهِ فَأَغْرَاهُ عَمَّا إذَا زَجَرَهُ فَإِنَّهُ إنْ وَقَفَ ثُمَّ أَغْرَاهُ وَقَتَلَ يَحِلُّ جَزْمًا، وَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ حَرُمَ جَزْمًا، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَوْ أَغْرَاهُ أَجْنَبِيٌّ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَسَوَاءٌ اسْتَشْلَاهُ صَاحِبُهُ أَوْ غَيْرُهُ (وَلَوْ أَصَابَهُ) أَيْ الصَّيْدَ (سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ) طَرَأَ هُبُوبُهَا بَعْدَ الْإِرْسَالِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَكَانَ يَقْصُرُ عَنْهُ لَوْلَا الرِّيحُ حَلَّ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ هُبُوبِهَا لَا يُمْكِنُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهَا حُكْمُ الْإِرْسَالِ (وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ قَصْدِهِ، وَالثَّانِي يَحِلُّ لِوُجُودِ قَصْدِ الْفِعْلِ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ كَذِئْبٍ فَأَصَابَ صَيْدًا فِيهِ يَحِلُّ
(وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا حَلَّ أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً حَلَّتْ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِفِعْلِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِظَنِّهِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَصَدَ السِّرْبَ وَهَذَا مِنْهُ (فَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً) مِنْ السِّرْبِ (فَأَصَابَ غَيْرَهَا) مِنْ ذَلِكَ السِّرْبِ أَوْ غَيْرِهِ (حَلَّتْ فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ قَصْدِ الصَّيْدِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِإِصَابَتِهِ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ، وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى صَيْدٍ فَعَدَلَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْإِرْسَالِ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ حَلَّ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حِلُّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لِلْكَلْبِ بَعْدَ إرْسَالِهِ لَكِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ وَقَصَدَ آخَرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْفَارِقِيُّ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ، وَهُوَ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْفَارِقِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ عَنَّ لَهُ آخَرُ فَأَمْسَكَهُ حَلَّ سَوَاءٌ كَانَ عِنْدَ الْإِرْسَالِ مَوْجُودًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى صَيْدٍ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَوْ قَصَدَ غَيْرَ الصَّيْدِ كَمَنْ رَمَى سَهْمًا أَوْ أَرْسَلَ كَلْبًا عَلَى حَجَرٍ أَوْ عَبَثًا فَأَصَابَ صَيْدًا حَرُمَ، وَكَذَا لَوْ قَصَدَهُ وَأَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْإِصَابَةِ مَعًا، كَمَنْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَأَصَابَ صَيْدًا غَيْرَهُ حَرُمَ لَا عَكْسُهُ كَمَا مَرَّ (وَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ) قَبْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ الْكَلْبُ (ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَلَا أَثَرَ لِتَضَمُّخِهِ بِدَمِهِ فَرُبَّمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ أَوْ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ أُخْرَى (وَإِنْ) (جَرَحَهُ) الْكَلْبُ أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَجَرَحَهُ (وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا) (حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا مَرَّ وَالتَّحْرِيمُ يُحْتَاطُ لَهُ، وَقَدْ نَقَلَ فِي الْمُحَرَّرِ ذَلِكَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ بِطُرُقٍ حَسَنَةٍ فِي حَدِيثِ «عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَمْ يَقْصِدْ إتْلَافَهُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ اسْتَشْلَاهُ) أَيْ أَرْسَلَهُ.
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: أَشْلَيْتُ الْكَلْبَ وَغَيْرَهُ إشْلَاءً: دَعَوْته، وَأَشْلَيْتُهُ عَلَى الصَّيْدِ مِثْلُ أَغْرَيْته وَزْنًا وَمَعْنًى.
قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَجَمَاعَةٌ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ظَهَرَ) أَيْ الصَّيْدُ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ إرْسَالِهِ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَطَعَ الْإِمَامُ) أَيْ فَيُقَيِّدُ مَا قَبْلَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِدْبَارِ، وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ بِالِاسْتِدْبَارِ أَعْرَضَ بِالْكُلِّيَّةِ عَمَّا أَرْسَلَهُ إلَيْهِ صَاحِبُهُ، بِخِلَافِ عَدَمِ الِاسْتِدْبَارِ فَإِنَّ الْحَاصِلَ مَعَهُ مُجَرَّدُ الِانْحِرَافِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَصَدَ غَيْرُ الصَّيْدِ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا عَلَى نَخْلَةٍ مَثَلًا بِقَصْدِ رَمْيِ بَلَحِهَا فَأَصَابَ صَيْدًا فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَنْ رَمَى صَيْدًا) أَيْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِاسْتِرْسَالِ غَيْرِ صَاحِبِهِ كَصَاحِبِهِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحِلَّ بِاسْتِرْسَالِ صَاحِبِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى، فَلَا يُقَالُ: إنَّ كَلَامَهُ أَفْهَمَ مَا ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ أَيْضًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ لَا خِلَافَ فِي حُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَى مَا لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عَلَى الثَّانِي الضَّعِيفِ
(قَوْلُهُ: لَا عَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ رَمَى حَجَرًا أَوْ خِنْزِيرًا ظَنَّهُ صَيْدًا: أَيْ وَأَصَابَ صَيْدًا وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَحِلُّ كَمَا صَوَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَكِنَّ هَذَا لَمْ يَمُرَّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
(8/123)
إنَّا أَهْلُ صَيْدٍ وَإِنَّ أَحَدَنَا يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا، فَقَالَ: إذَا وَجَدْت فِيهِ أَثَرَ سَهْمِك وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَثَرُ سَبُعٍ وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ فَكُلْ» فَهَذَا مُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ وَدَالٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ: أَيْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ سَهْمَهُ قَتَلَهُ.
وَالثَّانِي يَحِلُّ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ، وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إنَّهُ أَصَحُّ دَلِيلًا، وَفِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ، وَثَبَتَ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَنْهَاهُ بِالْجُرْحِ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنْ أَنْهَاهُ حَلَّ قَطْعًا، وَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ فِيهِ غَيْرَ جُرْحِهِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ جِرَاحَةً أُخْرَى أَوْ وَجَدَهُ فِي مَاءٍ حَرُمَ قَطْعًا.
(فَصْلٌ) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (يُمْلَكُ الصَّيْدُ) الَّذِي يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ حَرَمِيًّا وَلَيْسَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ كَخَضْبٍ وَقَصِّ جَنَاحٍ وَلَمْ يَكُنْ صَائِدُهُ مُحْرِمًا (بِضَبْطِهِ) أَيْ الْإِنْسَانِ وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ وَأَمَرَهُ غَيْرُهُ فَهُوَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ مَحْضَةٌ (بِيَدِهِ) لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَمُلِكَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِذَلِكَ مِلْكَهُ أَمْ لَا حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ مَلَكَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا أَوْ لَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] أَرَادَ بِمَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي الصِّغَارَ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ غَيْرَ مُمَيَّزٍ كَأَعْجَمِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ أَحَدٌ مَلَكَهُ وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ غَيْرُهُ فَهَلْ هُوَ لَهُ إنْ كَانَ حُرًّا أَوْ لِسَيِّدِهِ إنْ كَانَ قِنًّا أَوْ لِلْآمِرِ؟ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ، أَمَّا الَّذِي لَا يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ «وَعَلِمْت أَنَّ سَهْمَك قَتَلَهُ» ) أَيْ أَصَابَهُ.
(فَصْلٌ) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ
(قَوْلُهُ: يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ (قَوْلُهُ: الَّذِي يَحِلُّ اصْطِيَادُهُ) وَمِنْ ذَلِكَ الْإِوَزُّ الْعِرَاقِيُّ الْمَعْرُوفُ فَيَحِلُّ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَا اُشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ مُلَّاكًا مَعْرُوفِينَ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ، وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِوَزَّ مِنْ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا مَالِكَ لَهُ، فَإِنْ وُجِدَ بِهِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَخَضْبٍ وَقَصِّ جَنَاحٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لُقَطَةً كَغَيْرِهِ مِمَّا يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَكُنْ حَرَمِيًّا) يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا أُمِرَ بِقَتْلِهِ كَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ، فَإِنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ صَائِدُهُ مُحْرِمًا) وَلَا مُرْتَدًّا مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ) أَيْ أَوْ أَعْجَمِيًّا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ طَاعَةِ الْآمِرِ، لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ مَحْضَةٌ وَخَرَجَ بِمَا مَرَّ مَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَحَدٌ فَيَمْلِكُ مَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّ فِي ذَلِكَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ (قَوْلُهُ: بِيَدِهِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ تَعَقَّلَ بِنَحْوِ شَبَكَةٍ نَصَبَهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الصَّيَّادُ بِمَا فِيهَا وَانْفَلَتَ مِنْهَا الصَّيْدُ بَعْدَ أَخْذِهَا فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَرَادَ بِمَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي الصِّغَارُ) أَيْ مِنْ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ) هَذِهِ عُلِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَلَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ أَحَدٌ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ وَصَائِدُهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ: أَيْ وَلَوْ صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَإِنْ أَمَرَهَا غَيْرُهُمَا: أَيْ إنْ كَانَ لَهُمَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الصَّائِدُ الَّذِي يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ لَا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إذْ لَا قَصْدَ لَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلْآمِرِ فِيهِ الْوَجْهَانِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
فَصْلٌ) فِيمَا يُمْلَكُ بِهِ الصَّيْدُ (قَوْلُهُ أَيْ الْإِنْسَانُ) اُنْظُرْ هَلَّا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ يُمْلَكُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، لَكِنَّ عِبَارَةَ التُّحْفَةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ " يُمْلَكُ " مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ تَعَيُّنِهِ مَعَ أَنَّ بِنَاءَهُ لِلْفَاعِلِ أَفْيَدُ مِنْ حَيْثُ تَضَمُّنُهُ النَّصَّ عَلَى الْمَالِكِ (قَوْلُهُ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ) عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ: فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي التَّوْكِيلِ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحِ انْتَهَتْ.
فَلَعَلَّ لَفْظَ فِي التَّوْكِيلِ
(8/124)
فَلَا يَمْلِكُهُ قَطْعًا، وَلَوْ سَعَى خَلْفَهُ فَوَقَفَ إعْيَاءً أَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَطَشًا لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا عَجْزًا عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ لَمْ يَمْلِكْهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ (وَبِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ) أَيْ مُسْرِعٍ لِلْقَتْلِ (وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ) أَوْ قَصِّهِ بِحَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ الطَّيَرَانِ وَالْعَدْوِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ إبْطَالُ شِدَّةِ عَدْوِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ أَخْذُهُ، وَلَوْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ وَمَرِيئَهُ أَوْ أَخْرَجَ حُشْوَتَهُ بِسَهْمِهِ أَوْ جَارِحَتِهِ كَانَ كَافِيًا بِالْأَوْلَى (وَبِوُقُوعِهِ) وُقُوعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخَلَاصِ (فِي شَبَكَةٍ) وَلَوْ مَغْصُوبَةً (نَصَبَهَا) لَهُ، نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ مِنْهَا لَمْ يَمْلِكْهُ، فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَا يَمْلِكُهُ مَنْ طَرَدَهُ إلَيْهَا لِتَقَدُّمِ حَقِّ نَاصِبِهَا، وَخَرَجَ بِنَصْبِهَا مَا لَوْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ وَيَعُودُ الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فِيهَا مُبَاحًا إنْ قَطَعَهَا فَانْفَلَتَ وَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ، وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ فَانْفَلَتَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فَلَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، فَإِنْ ذَهَبَ بِالشَّبَكَةِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى امْتِنَاعِهِ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِصَاحِبِهَا، وَلَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبًا وَلَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ أَوْ سَبُعًا لَهُ عَلَى ذَلِكَ يَدٌ مُلْكه، فَلَوْ انْفَلَتَ مِنْ نَحْوِ الْكَلْبِ وَلَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، أَمَّا إذَا قَدَرَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَمْلِكُهُ مَا دَامَ قَادِرًا فَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ (وَبِإِلْجَائِهِ إلَى مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ: أَيْ يَنْفَلِتُ (مِنْهُ) بِأَنْ يُدْخِلَهُ بَيْتًا وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَلَوْ أَدْخَلَ سَمَكًا حَوْضًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَغِيرًا يُمْكِنُهُ تَنَاوُلُهُ مَا فِيهِ بِيَدِهِ مَلَكَهُ، فَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُ مَا فِيهِ إلَّا بِجَهْدٍ وَتَعَبٍ أَوْ إلْقَاءِ شَبَكَةٍ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الرَّاجِحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لِلْآمِرِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ الْآخِذُ تَمَلُّكَهُ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ لَا عَجْزًا) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ جَرَحَهُ فَوَقَفَ عَجْزًا عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ مَلَكَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ وُقُوفَهُ بَعْدَ الْجُرْحِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَجْزَهُ نَشَأَ عَنْ الْجُرْحِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَبْطَلَ مَنْعَتَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَطَشًا فَإِنَّ عَطَشَهُ الْمُقْتَضِي لِلْوُقُوفِ لَيْسَ نَاشِئًا عَنْ الْجُرْحِ، وَكَذَا إعْيَاؤُهُ فِيمَا لَوْ سَعَى خَلْفَهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ أَوْجَدَهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْإِعْيَاءُ نَاشِئًا عَنْ سَعْيِهِ خَلْفَهُ فَلْيُحَرَّرْ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَرَائِنِ (قَوْلُهُ: حُلْقُومُهُ وَمَرِيئُهُ) أَيْ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ (قَوْلُهُ: حُشْوَتُهُ) هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا الْأَمْعَاءُ، وَأَخْرَجْت حُشْوَةَ الشَّاةِ: أَيْ جَوْفَهَا اهـ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ قَدَرَ عَلَى خَلَاصِهِ) الْأَوْلَى فَإِنَّ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ قَبْلُ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخَلَاصِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ) أَيْ وَيَصْدُقُ فِي كَوْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ مَا صَيَّرَهُ بِهِ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَتَعَقَّلَ بِهَا صَيْدٌ) أَيْ فَلَا يَمْلِكُهُ لِعَدَمِ فِعْلٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَعُودُ الصَّيْدُ الْوَاقِعُ فِيهَا) رَاجِعٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا إلَخْ، وَقَدْ يُشْكِلُ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهُ بِقَطْعِهِ لَهَا بِمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى مَلَكَهُ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِانْفِلَاتِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ بِقَطْعِهِ لَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ وُقُوعَهُ فِيهَا غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ إمْكَانِ تَخَلُّصِهِ مِنْهَا، وَقَدْ جَعَلَ عَدَمَ إمْكَانِ التَّخَلُّصِ شَرْطًا لِلْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَإِنْ قَطَعَهَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الصَّيْدِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا) أَيْ وَيَضْمَنُ الْقَاطِعُ أَرْشَ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَدَرَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لَا يَقْدِرُ مَعَهُ (قَوْلُهُ: فَلَوْ أَدْخَلَ) أَيْ تَسَبَّبَ فِي إدْخَالِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
سَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ (قَوْلُهُ: لَا عَجْزًا عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ) أَيْ بِسَبَبِ الْجُرْحِ (قَوْلُهُ: لَهُ) أَيْ لِلصَّيْدِ: أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا نَصَبَهَا لَا لِلصَّيْدِ فَلَا يَمْلِكُ مَا وَقَعَ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ خِلَافًا لِلدَّمِيرِيِّ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ قَدَرَ إلَخْ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ وُقُوعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخَلَاصِ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُكَرِّرُهُ فِي قَوْلِهِ أَمَّا إذَا قَدَرَ مَعَهُ إلَخْ، وَالتَّعْبِيرُ بِمَا سَيَأْتِي هُوَ الْمُنَاسِبُ لَكِنْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطُ الْآتِي الْمَذْكُورِ مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا وُقُوعًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الْخَلَاصِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِنَصْبِهَا) أَيْ لِلصَّيْدِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَيَعُودُ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهِ صَغِيرًا إلَخْ) لَعَلَّ الْوَجْهَ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا إلَخْ إذْ لَا يَحْسُنُ عِلَّةً لِمَا قَبْلَهُ بَلْ هُوَ قَيْدٌ زَائِدٌ
(8/125)
يَمْلِكْهُ بِهِ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ صَيْدُهُ بِدُونِ إذْنِهِ.
(وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ) اتِّفَاقًا أَوْ بِمَا يَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَلَوْ بِعَارِيَّةٍ كَسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ (وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْأَصَحِّ) إذْ لَا يَقْصِدُ بِمِثْلِهِ الِاصْطِيَادَ وَالْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمْلِيكِ، نَعَمْ يَصِيرُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي يَمْلِكُهُ كَالشَّبَكَةِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِاصْطِيَادَ، فَإِنْ قَصَدَهُ بِهِ وَاعْتِيدَ ذَلِكَ مَلَكَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ الِاصْطِيَادَ بِهِ فَلَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَلَوْ أَغْلَقَ عَلَى الصَّيْدِ بَابَ الْبَيْتِ مَثَلًا لِئَلَّا يَخْرُجَ مَلَكَهُ إنْ أَغْلَقَهُ عَلَيْهِ مَنْ لَهُ يَدٌ لَا مَنْ لَا يَدَ لَهُ عَلَى الْبَيْتِ وَلَوْ عَشَّشَ فِي أَرْضِهِ وَبَاضَ وَفَرَّخَ لَمْ يَمْلِكْهُ كَبَيْضِهِ وَفَرْخِهِ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ الِاصْطِيَادُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، فَإِنْ قَصَدَ بِبِنَائِهِ ذَلِكَ وَاعْتِيدَ الِاصْطِيَادُ بِهِ مَلَكَهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ (وَمَتَى مَلَكَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) عَنْهُ (بِانْفِلَاتِهِ) كَمَا لَوْ أَبَقَ الْعَبْدُ، وَمَنْ أَخَذَهُ لَزِمَهُ رَدُّهُ لَهُ وَإِنْ تَوَحَّشَ (وَكَذَا بِإِرْسَالِ الْمَالِكِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لَا يَقْتَضِي زَوَالَ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّوَائِبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ} [المائدة: 103] وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِطُ بِالْمُبَاحِ فَيُصَادُ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا.
وَالثَّانِي يَزُولُ كَعِتْقِ عَبْدِهِ، وَمَحَلُّ كَلَامِهِ فِي غَيْرِ الْمُحْرِمِ.
أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ وَفِي مِلْكِهِ صَيْدٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَيَزُولُ عَنْهُ مِلْكُهُ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مَا إذَا خِيفَ عَلَى وَلَدِهِ بِحَبْسِ مَا صَادَهُ فَيُتَّجَهُ وُجُوبُ إرْسَالِهِ صِيَانَةً لِرُوحِهِ كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ الْغَزَالَةِ الَّتِي أَطْلَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِ أَوْلَادِهَا لَمَّا اسْتَجَارَتْ بِهِ، وَحَدِيثُ الْحُمَّرَةِ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَدِّ فَرْخِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلِهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ صَيْدُهُ) أَيْ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بِدُونِ إذْنِهِ) أَيْ لَكِنْ لَوْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ كَالْمُتَحَجِّرِ
(قَوْلُهُ: مَنْ لَهُ يَدٌ) أَيْ وَلَوْ بِغَصْبٍ (قَوْلُهُ: وَبَاضَ وَفَرَّخَ لَمْ يَمْلِكْهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْبِنَاءِ الِاصْطِيَادَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ قَصَدَ بِبِنَائِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ مَلَكَهُ) أَيْ الصَّيْدَ وَبَيْضَهُ وَفَرْخَهُ (قَوْلُهُ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة: 103] قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي تَلِدُ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ آخِرُهَا ذَكَرًا كَانُوا يُبْحِرُونَ أُذُنَهَا: أَيْ يَشُقُّونَهَا وَيُخْلُونَ سَبِيلَهَا فَلَا تُرْكَبُ وَلَا تُحْلَبُ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ: إذَا شُفِيت فَنَاقَتِي سَائِبَةٌ وَيَجْعَلُهَا كَالْبَحِيرَةِ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَإِذَا وَلَدَتْ الشَّاةُ أُنْثَى فَهِيَ لَهُمْ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا فَهُوَ لِآلِهَتِهِمْ وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا قَالُوا وَصَلَتْ الْأُنْثَى أَخَاهَا فَلَا يُذَبَّحُ لَهَا الذَّكَرُ، وَإِذَا نَتَجَتْ مِنْ صُلْبِ الْفَحْلِ عَشْرَةَ أَبْطُنٍ حَرَّمُوا ظَهْرَهُ، وَلَا يَمْنَعُوهُ مِنْ مَاءٍ وَلَا مَرْعًى وَقَالُوا قَدْ حَمَى ظَهْرَهُ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إلَخْ إلَى تَعْرِيفِ السَّائِبَةِ، وَبِقَوْلِهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُمَا وَصَلَتْ إلَى تَعْرِيفِ الْوَصِيلَةِ، وَبِقَوْلِهِ وَإِذَا نَتَجَتْ إلَخْ إلَى تَعْرِيفِ الْحَامِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ قَدْ يُخْلَطُ بِالْمُبَاحِ فَيُصَادُ) أَيْ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (قَوْلُهُ وَيَزُولُ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ (قَوْلُهُ: فَيُتَّجَهُ وُجُوبُ إرْسَالِهِ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ الْحُمَّرَةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ فَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ، وَقَدْ تُخَفَّفُ طَائِرٌ كَالْعُصْفُورِ اهـ حَجّ.
وَعِبَارَةُ سِيرَةِ الشَّامِيِّ: رَوَى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَمَرَرْنَا بِشَجَرَةٍ فِيهَا فَرْخًا حُمَّرَةً فَأَخَذْنَاهُمَا، فَجَاءَتْ الْحُمَّرَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَفْرِشُ: يَعْنِي تَقْرُبُ مِنْ الْأَرْضِ وَتُرَفْرِفُ بِجَنَاحِهَا، فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِفَرْخَيْهَا، قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُ الْمَتْنِ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا مَرَّ، وَهُوَ مَا إذَا قَطَعَ الشَّبَكَةَ وَانْفَلَتَ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِطُ بِالْمُبَاحِ) تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْجَوَازِ (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ) أَيْ فِي عَدَمِ الْمِلْكِ: أَيْ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْإِفْصَاحِ (قَوْلُهُ: عَلَى وَلَدِهِ) فِيهِ تَقْدِيمُ الضَّمِيرِ عَلَى مَرْجِعِهِ (قَوْلُهُ: الْحُمَّرَةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ فَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ تُخَفَّفُ طَائِرٌ
(8/126)
عَلَيْهَا، وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ، لَكِنْ نَقَلَ الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَنَّ مَنْ نَسَبَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ: إنَّهُ وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، نَعَمْ لَوْ صَادَ الْوَلَدُ وَكَانَ مَأْكُولًا لَمْ يَتَعَيَّنْ إرْسَالُهُ بَلْ لَهُ ذَبْحُهُ، وَمَحَلُّ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا لَمْ يَقُلْ مُرْسِلُهُ أَبَحْتُهُ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِمَنْ يَأْخُذُهُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ بِلَا ضَمَانٍ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ وَلَا بِإِطْعَامِ غَيْرِهِ مِنْهُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَحِلُّ أَخْذُ كِسَرِ الْخُبْزِ وَالسَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا الْمَطْرُوحَةِ مِنْ مَالِكِهَا الْمُعْرِضِ عَنْهَا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الزَّكَاةُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ مَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى عَدَمِ رِضَا الْمَالِكِ بِذَلِكَ كَأَنْ وَكَّلَ مَنْ يَلْتَقِطُهُ لَهُ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَالَ الْمَحْجُورِ لَا يُمْلَكُ مِنْهُ شَيْءٌ بِذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ إعْرَاضِهِ، وَلَوْ أَخَذَ جِلْدَ مَيْتَةٍ أَعْرَضَ عَنْهُ صَاحِبُهُ وَدَبَغَهُ مَلَكَهُ وَيَزُولُ اخْتِصَاصُ الْمُعْرِضِ عَنْهُ، وَلَوْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَقُلْنَا نَحْنُ، قَالَ رُدُّوهُمَا، فَرَدَدْنَاهُمَا إلَى مَوْضِعِهِمَا فَلَمْ تَرْجِعْ» اهـ (قَوْلُهُ: وَالْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ) نَقَلَ ذَلِكَ حَجّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ) أَيْ حُرْمَةِ الْإِرْسَالِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ مُرْسِلُهُ أَبَحْته) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ لِمَنْ يَأْخُذُهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ) هَذَا لَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِقَوْلِهِ وَمَحَلُّ مَا مَرَّ مِنْ الْحُرْمَةِ إلَخْ، وَإِنَّمَا جَوَابُهُ أَنْ يَقُولَ: حَلَّ لِقَاتِلِ ذَلِكَ إرْسَالُهُ وَلِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ، وَاقْتِصَارُهُ عَلَى حِلِّ الْأَكْلِ لِآخِذِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ حِلَّ الْإِرْسَالِ بَلْ قَدْ يَقْتَضِي بَقَاءَ حُرْمَةِ الْإِرْسَالِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلُهُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ: أَيْ فَقَطْ، وَخَرَجَ بِأَكْلِهِ أَكْلُ مَا تُولَدُ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْهُ فَيُرْسِلُهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلُهُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ: أَيْ فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَيَنْبَغِي أَنَّ لِمَنْ أَخَذَهُ الِانْتِفَاعَ بِهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْهُ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلُهُ حَلَّ لِمَنْ أَخَذَهُ أَكْلُهُ وَمِثْلُهُ عِيَالُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ يَأْكُلُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا يُدْفَعُ لِلْغَنِيِّ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَيَتَصَدَّقُ مِنْهُ وَيُطْعِمُ الضَّيْفَ، لَكِنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِ وَلَا بِإِطْعَامِ غَيْرِهِ مِنْهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّهُ هُنَا بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ، بِخِلَافِ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُرَاعًى (قَوْلُهُ وَيَحِلُّ أَخْذُ كِسَرِ الْخُبْزِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ غَيْرَ مُمَيَّزٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ غَيْرُهُ بِذَلِكَ وَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ، وَحَيْثُ أَمَرَهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ الْآمِرُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ إذْنًا عَامًّا كَأَنْ قَالَ لَهُ الْتَقِطْ مِنْ السَّنَابِلِ مَا وَجَدْته أَوْ تَيَسَّرَ لَك وَتَرَاخَى فِعْلُ الْمَأْذُونِ لَهُ عَنْ إذْنِ الْآمِرِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَبَوَاهُ مَثَلًا كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِنْهَا مِلْكًا لَهُمَا مَا لَمْ يَقْصِدْ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ الْمَطْرُوحَةُ مِنْ مَالِكِهَا) أَيْ وَإِنْ عَلِمَ مِنْ الْمَالِكِ عَدَمَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَمَّا أَخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُقْصَدُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ فَكَأَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ) قَضِيَّةُ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِنَفْسِ الْأَخْذِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ طَلَبَ مَالِكُهَا رَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ دَفْعُهَا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَعْرَضَ عَنْهُ صَاحِبُهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ ذُو الْيَدِ لَا يَمْلِكُهُ الدَّابِغُ لَهُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ الدَّبْغِ وَلَا فِي ثَمَنِ مَا دَبَغَ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ الْآخِذُ وَصَاحِبُهُ صُدِّقَ صَاحِبُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِعْرَاضِ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى الْإِعْرَاضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَالْعُصْفُورِ (قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ) يَعْنِي حَدِيثَ الْغَزَالَةِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ) لَعَلَّ أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّكْرِيِّ: أَيْ السَّخَاوِيُّ: أَيْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ مَا ذَكَرَ بِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَعَيَّنْ إرْسَالُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَلَا بِإِطْعَامِ غَيْرِهِ مِنْهُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا لَوْ قَالَ أَبَحْته لِمَنْ يَأْخُذُهُ.
أَمَّا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَبَحْته فَلَا وَكَلَامُ التُّحْفَةِ كَالصَّرِيحِ فِي التَّفْرِقَةِ فَلْيُرَاجَعْ
(8/127)
فِي جَوْفِ سَمَكَةٍ مَلَكَهَا الصَّائِدُ لَهَا مِنْ بَحْرِ الدُّرِّ إنْ لَمْ يَبِعْهَا، فَإِنْ بَاعَهَا فَلِلْمُشْتَرِي تَبَعًا لَهَا كَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ التَّهْذِيبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً فَلِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ
(وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ) إنْ تَمَيَّزَ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ كَالضَّالَّةِ، فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُمَا بَيْضٌ أَوْ فَرْخٌ كَانَ لِمَالِكِ الْأُنْثَى لَا الذَّكَرِ، وَمُرَادُهُ بِالرَّدِّ إعْلَامُ مَالِكِهِ بِهِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَخْذِهِ كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ لَا رَدُّهُ حَقِيقَةً، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ ضَمِنَهُ، وَلَوْ شَكَّ فِي كَوْنِ الْمُخَالِطِ لَحَمَامِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ أَوْ مُبَاحًا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ تَحَوُّلَ حَمَامِهِ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَمْ يَصْدُقْ وَالْوَرَعُ تَصْدِيقُهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُ (فَإِنْ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ فِيهِ (وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَدْعُو إلَى الْمُسَامَحَةِ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ وَلِهَذَا صَحَّحُوا الْقِرَاضَ وَالْجَعَالَةَ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ الْجَهَالَةِ، وَكَالْبَيْعِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِلْجَهَالَةِ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا جَهِلَا الْعَدَدَ وَالْقِيمَةَ فَإِنْ عَلِمَاهَا اتَّجَهَ الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَالزَّرْكَشِيُّ (فَإِنْ بَاعَاهُمَا) أَيْ الْحَمَامَيْنِ الْمُخْتَلِطَيْنِ لِثَالِثٍ وَلَا يَدْرِي أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَالِهِ (وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ صَحَّ) لِصِحَّةِ التَّوْزِيعِ عَلَى أَعْدَادِهِمَا، وَيُحْتَمَلُ الْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ لِلضَّرُورَةِ، فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِائَةٌ وَلِلْآخَرِ مِائَتَانِ فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْعَدَدُ مَجْهُولًا وَالْقِيمَةُ مُتَفَاوِتَةٌ (فَلَا) يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالطَّرِيقُ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعْتُك الْحَمَامَ الَّذِي فِي هَذَا الْبُرْجِ بِكَذَا فَيَكُونُ الثَّمَنُ مَعْلُومًا، وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ مَمْلُوكَةٌ بِحَمَامَاتِ بُرْجِهِ فَلَهُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ غَيْرِهِ بِثَمَرَتِهِ أَوْ حَمَامُ مَمْلُوكٍ مَحْصُورٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَمَامِ بَلَدٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أَوْ انْصَبَّ مَاؤُهُ فِي نَهْرٍ لَمْ يَحْرُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَإِلْقَائِهِ عَلَى نَحْوِ الْكَوْمِ (قَوْلُهُ: مِنْ بَحْرِ الدُّرِّ) مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) خِلَافًا لحج فَإِنَّهُ يَقُولُ بِبَقَاءِ الدُّرَّةِ عَلَى مِلْكِ الصَّيَّادِ (قَوْلُهُ: فَلِلْبَائِعِ إنْ ادَّعَاهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَائِقَةً بِهِ وَبَعْدَ مِلْكِهِ لِمِثْلِهَا
(قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ مِلْكِهِ) أَيْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: كَانَ لِمَالِكِ الْأُنْثَى) أَيْ فَلَوْ تَنَازَعَا فِيهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْبُرْجِ هُوَ بَيْضُ إنَاثِي وَقَالَ مَنْ تَحَوَّلَ الْحَمَامُ مِنْ بُرْجِهِ هُوَ بَيْضُ إنَاثِي صُدِّقَ ذُو الْيَدِ وَهُوَ صَاحِبُ الْبُرْجِ وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ تَقْضِي الْعَادَةُ فِي مِثْلِهَا بِبَيْضِ الْحَمَامِ الْمُتَحَوِّلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ لَمْ يَبِضْ أَوْ بَاضَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ (قَوْلُهُ إعْلَامُ مَالِكِهِ) أَيْ فَوْرًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَدْرِي أَحَدُهُمَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ (قَوْلُهُ: وَيُحْتَمَلُ الْجَهْلُ فِي الْمَبِيعِ) قَضِيَّةُ قَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ عَدِمَ الصِّحَّةَ فِيمَا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ بَيْعَ صَاحِبِهِ لَمْ يَصِحَّ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِلَّا فَقَدْ حَكَمَ بِصِحَّةِ عَقْدِهِ ابْتِدَاءً فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عَدَمُ مُوَافَقَةِ الْآخَرِ لَهُ إلَّا أَنْ تُصَوَّرَ الْمَسْأَلَةُ بِمَا لَوْ قَالَا مَعًا وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي مِنْهُمَا بِصِيغَةٍ وَاحِدَةٍ نَحْوَ قَبِلْت ذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ حَجّ: وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَبَاعَ لِثَالِثٍ كَذَلِكَ، فَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ نَفْسِهِ وَثَمَنَ مُوَكِّلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ صَحَّ اهـ: أَيْ وَإِلَّا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ (قَوْلُهُ: فَلَهُ الْأَكْلُ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: كَانَ لِمَالِكِ الْأُنْثَى) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا يَمْلِكُ الْإِنَاثَ فَقَطْ وَالْآخَرُ الذُّكُورَ، أَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا فَقَدْ لَا يَتَمَيَّزُ بَيْضٌ أَوْ فَرْخُ إنَاثِ أَحَدِهِمَا مِنْ إنَاثِ الْآخَرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ الْمِلْكُ فِيهِ) وَلَا يُشْكِلُ مَا إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ بِمَا مَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ الصِّحَّةِ فِي نَصِيبِهِ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَاكَ إذَا عَلِمَ عَيْنَ مَالِهِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْجَلَالِ وَغَيْرِهِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجُوزُ نَصُّهَا بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا وَهِبَتِهِ مَالَهُ مِنْهُ انْتَهَتْ.
وَانْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَالَهُ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَالِهِ احْتِرَازًا عَنْ بَعْضِهِ فَيَكُونُ الْغَرَضُ إخْرَاجَ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ بَيْعِهِ الْجَمِيعَ لِصَاحِبِهِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا بَاع لَهُ بَعْضَ نَصِيبِهِ
(8/128)
عَلَى أَحَدٍ اصْطِيَادٌ وَاسْتِقَاءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُبَاحُ مَحْصُورًا حَرُمَ، وَلَوْ اخْتَلَطَتْ دَرَاهِمُ أَوْ دُهْنٌ أَوْ نَحْوُهُمَا حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ فَمَيَّزَ قَدْرَ الْحَرَامِ وَصَرَفَهُ لِمَا يَجِبُ صَرْفُهُ لَهُ وَتَصَرَّفَ فِي الْبَاقِي جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي اجْتِنَابُ طَيْرِ الْبُرْجِ وَبِنَائِهَا.
(وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدُ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ، فَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْأَوَّلِ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَذْفِيفٌ وَلَا إزْمَانٌ (فَهُوَ لِلثَّانِي) لِأَنَّ جُرْحَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي امْتِنَاعِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْأَوَّلِ بِجِرَاحَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَاحًا حِينَئِذٍ (وَإِنْ ذَفَّفَ الْأَوَّلَ فَلَهُ) لِمَا سَبَقَ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مَا نَقَصَ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ (وَإِنْ أَزْمَنَ) الْأَوَّلُ (فَلَهُ) لِإِزْمَانِهِ إيَّاهُ (ثُمَّ إنْ ذَفَّفَ الثَّانِيَ بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَعَلَّلَ أَيْضًا بِإِفْسَادِهِ مَالَ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَإِنْ كَانَ مُتَأَلِّمًا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يُذْبَحْ لَهَلَكَ فَمَا عِنْدِي أَنَّهُ يَنْقُصُ بِالذَّبْحِ شَيْءٌ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ فَيَلْزَمُ الثَّانِيَ نَقْصُهُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ فِي ضَمَانِ النَّقْصِ أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ زَمِنًا وَمَذْبُوحًا (وَإِنْ ذَفَّفَ لَا يَقْطَعُهُمَا أَوْ لَمْ يُذَفَّفْ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ لَا يَحِلُّ إلَّا بِذَبْحِهِ.
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِاجْتِمَاعِ الْمُبِيحِ وَالْمُحَرِّمِ كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي الذَّبْحِ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ (وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ أَفْسَدَ مِلْكَهُ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ صَحِيحًا عَشَرَةً وَمَذْبُوحًا تِسْعَةً نُظِرَ فِي قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا ثُمَّ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ فَإِنْ كَانَتْ ثَمَانِيَةً فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إفْسَادًا لَكِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَانَ مَحْصُورًا، وَإِلَّا جَازَ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: فَمَيَّزَ قَدْرَ الْحَرَامِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّمْيِيزِ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي الْبَاقِي، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ بِاخْتِلَاطِهِ بِهِ صَارَ كَالْمُشْتَرَكِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَتَصَرَّفُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالْقِسْمَةُ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ التَّرَاضِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا، فَنَزَلَ صَرْفُهُ فِيمَا يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهِ مَنْزِلَةَ الْقِسْمَةِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي حَجّ مَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّارِحِ وَعِبَارَتَهُ بَعْدَ كَلَامٍ ذَكَرَهُ: وَفِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقُهُ أَنْ يَصْرِفَ قَدْرَ الْحَرَامِ إلَى مَا يَجِبُ صَرْفُهُ فِيهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْبَاقِي بِمَا أَرَادَ (قَوْلُهُ: لِمَا يَجِبُ صَرْفُهُ لَهُ) أَيْ إمَّا بِرَدِّهِ لِمَالِكِهِ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ أَوْ صَرَفَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ لِمَصَالِح بَيْتِ الْمَالِ إنْ عَرَفَهَا (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي اجْتِنَابُ طَيْرِ الْبُرْجِ) أَيْ اجْتِنَابُ أَكْلِهِ فَيَكُونُ الْوَرَعُ تَرْكَ ذَلِكَ مَعَ جَوَازِهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبُرْجِ يَلْتَقِطُ مِمَّا يَعْرِضُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ أَوْ مِنْ الْحَشِيشِ الْمُبَاحِ أَوْ كَانَ يُطْعِمُهُ مَالِكُهُ فِي الْبُرْجِ، أَمَّا إذَا اتَّخَذَهُ وَأَرْسَلَهُ لِأَكْلِهِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ فَلَا تَبْعُدُ حُرْمَةُ الِاتِّخَاذِ وَالْإِرْسَالِ دُونَ أَكْلِهِ مِنْهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ لِعَدَمِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَعَلَى الْحُرْمَةِ يَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِمَنْعِهِ مِنْ الْإِرْسَالِ كَأَنْ يُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابَ الْبُرْجِ (قَوْلُهُ: وَبِنَائِهَا) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ اصْطِيَادَ حَمَامِ الْغَيْرِ بِأَنْ يَتَسَبَّبَ فِي إدْخَالِهِ فِيهِ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَعَيَّنُ فِي ضَمَانِ النَّقْصِ) أَيْ بَلْ إمَّا ذَلِكَ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يُحَرَّرُ (قَوْلُهُ: وَصَرْفُهُ لِمَا يَجِبُ صَرْفُهُ لَهُ) اُنْظُرْ هَلْ الصَّرْفُ الْمَذْكُورُ شَرْطٌ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الْبَاقِي حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ التَّصَرُّفُ عَقِبَ التَّمْيِيزِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَدْ مَرَّ فِي الشَّرْحِ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ نَحْوُ ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ فِي مَظِنَّتِهِ
(قَوْلُهُ: وَعَلَّلَ أَيْضًا) اُنْظُرْ مَوْقِعَ أَيْضًا هُنَا، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ حَذْفُهُ وَالتَّعْلِيلُ لَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَمَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ) أَيْ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ: أَيْ بِأَنْ كَانَا يُزْهِقَانِ الرُّوحَ لَوْ تُرِكَ لِيَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ تَارَةً يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَبْحِهِ وَتَارَةً لَا، وَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهِ تَارَةً يَذْبَحُهُ وَتَارَةً لَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَحَرَامٌ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا مَاتَ بِهِمَا بِالْفِعْلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: نُظِرَ فِي قِيمَتِهِ مَذْبُوحًا) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ ذُبِحَ ثُمَّ، هَذَا النَّظَرُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ لَا فِي كُلِّهَا كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ
(8/129)
الزَّهُوقِ فَالدِّرْهَمُ فَاتَ بِفِعْلِهِمَا فَيُهْدَرُ نِصْفُهُ وَيُضْمَنُ نِصْفُهُ وَإِنْ تَمَكَّنَ الْأَوَّلُ مِنْ ذَبْحِهِ وَذَبَحَهُ بَعْدَ جُرْحِ الثَّانِي لَزِمَ الثَّانِيَ أَرْشٌ إنْ حَصَلَ بِجُرْحِهِ نَقْصٌ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ حَتَّى مَاتَ ضَمِنَ الثَّانِي زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ لَا الْجَمِيعِ لِأَنَّ تَفْرِيطَ الْأَوَّلِ صَيَّرَ فِعْلَهُ إفْسَادًا فَيَصِيرُ كَمَنْ جَرَحَ عَبْدَهُ مَثَلًا وَجَرَحَهُ آخَرُ فَنَقُولُ مَثَلًا قِيمَةُ الْعَبْدِ أَوْ الصَّيْدِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَنَقَصَ بِالْجُرْحِ الْأَوَّلِ دِينَارًا ثُمَّ مَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ فَتُجْمَعُ الْقِيمَتَانِ قَبْلَ الْجُرْحِ الْأَوَّلِ وَالْجُرْحِ الثَّانِي وَالْمَجْمُوعُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَاهُ وَهُوَ عَشَرَةٌ فَحِصَّةُ الْأَوَّلِ لَوْ كَانَ ضَامِنًا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَصْلِ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْعَشَرَةِ وَيَلْزَمُ الثَّانِي تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَصْلِ تِسْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْعَشَرَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ ثَلَاثَةً وَأَرْشُ كُلِّ جِنَايَةٍ دِينَارٌ جُمِعَتْ الْقِيَمُ الَّتِي هِيَ عَشَرَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ فَتُقْسَمُ الْعَشَرَةُ عَلَيْهَا (وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا فَلَهُمَا) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ) لِانْفِرَادِهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآخَرِ لِوُقُوعِ جِرَاحَتِهِ حِينَ كَانَ مُبَاحًا (وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ) لَا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ (وَأَزْمَنَ آخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ حَرُمَ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ سَبْقُ التَّذْفِيفِ فَيَحِلُّ أَوْ تَأَخُّرُهُ فَيَحْرُمُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ كَمَا لَوْ جُرِحَ الصَّيْدُ وَغَابَ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ هُنَاكَ جُرْحٌ سَابِقٌ يُحَالُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ وَهُوَ مَعْهُودٌ فِي الْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّرْتِيبِ وَالْمَعِيَّةِ بِالْإِصَابَةِ لَا بِابْتِدَاءِ الرَّمْيِ.
كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا، وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَأَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا ضَحَايَا، وَهِيَ مَا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ يَوْمِ عِيدِ النَّحْرِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْجِلْدِ وَسَلِيمَهُ (قَوْلُهُ: فَالدِّرْهَمُ) أَيْ الْعَاشِرُ (قَوْلُهُ زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ) أَيْ مَا يُسَاوِي مَا أَفْسَدَهُ بِالطَّرِيقِ الْآتِي.
كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ
(قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الضَّادِ) أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ (قَوْلُهُ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا) أَيْ عَلَى اللُّغَتَيْنِ فِي ضَحِيَّةٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: كِتَابُ الضَّحَايَا جَمَعَ ضَحِيَّةٍ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ أُضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا التَّفْصِيلَ كُلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ مَا إذَا مَاتَ بِالْجُرْحَيْنِ، أَمَّا مَسْأَلَةُ التَّذْفِيفِ فَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مُزْمِنًا وَهِيَ تِسْعَةٌ مُطْلَقًا وَأَهْمَلَهَا الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ الثَّانِي زِيَادَةً عَلَى الْأَرْشِ لَا الْجَمِيعَ) غَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ هَذَا نَفْيُ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْأَرْشَ فَقَطْ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ: أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ فَنَقُولُ إلَخْ لَكِنْ فِي كَلَامِهِ قَلَاقَةٌ.
[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]
هِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا (قَوْلُهُ: وَجَمْعُهَا ضَحَايَا) صَوَابُهُ وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ لِأَنَّ
(8/130)
سَيَأْتِي، وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّحْوَةِ سُمِّيَتْ بِأَوَّلِ أَزْمِنَةِ فِعْلِهَا وَهُوَ الضُّحَى.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أَيْ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ النُّسُكَ، وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «ضَحَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» وَالْأَمْلَحُ قِيلَ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ، وَقِيلَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (هِيَ) أَيْ التَّضْحِيَةُ إذْ كَثِيرًا مَا تُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةُ وَيُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ لَا الْمُتَقَرَّبُ بِهِ (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ فِي حَقِّنَا عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَوْ بِمِنًى إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَإِلَّا فَسُنَّةُ عَيْنٍ، وَمَعْنَى كَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ مَعَ كَوْنِهَا تُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ سُقُوطُ الطَّلَبِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا حُصُولُ الثَّوَابِ لِمَنْ لَمْ يَفْعَلْ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، نَعَمْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ فِي ثَوَابِهَا جَازَ وَأَنَّهُ مَذْهَبُنَا.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحَّى بِمِنًى عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَلَا تَجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ وَاجِبًا.
وَيُوَافِقُهُ تَفْوِيضُهَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ إلَى إرَادَةِ الْمُضَحِّي، وَالْوَاجِبُ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا لِمَنْ تُسَنُّ لَهُ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَمِنْ ثُمَّ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ حُرٍّ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (لَا تَجِبُ إلَّا بِالْتِزَامٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ الضُّحَى) عِبَارَةُ حَجّ: وَهُوَ وَقْتُ الضُّحَى (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمِنًى إنْ تَعَدَّدَ أَهْلُ الْبَيْتِ) قَالَ م ر: وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ مَنْ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُمْ، قَالَ: وَالْقِيَاسُ عَلَى هَذَا أَنَّ شَرْطَ وُقُوعِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُضَحِّي هُوَ الَّذِي تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ حَتَّى لَوْ ضَحَّى بَعْضُ عِيَالِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ سَوَاءٌ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهُ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ سُقُوطُهَا بِفِعْلِ أَيِّ بَعْضٍ كَانَ سَوَاءٌ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَتَوَقَّفَ السُّقُوطُ عَلَى بَعْضِهِمْ مُعَيَّنًا وَهُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَفِي حَجّ خِلَافُهُ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ الْمُنَاسِبُ لِكَوْنِهَا سُنَّةَ كِفَايَةٍ (قَوْلُهُ سُقُوطُ الطَّلَبِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ النَّفَقَةُ وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَوْ أَشْرَكَ غَيْرَهُ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ: أَشْرَكْتُك أَوْ فُلَانًا فِي ثَوَابِهَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ نِيَّةِ التَّضْحِيَةِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ (قَوْلُهُ: مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ) لَا يُقَالُ: هَذَا يَنْدَفِعُ بِالْإِخْبَارِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: أُجِيبَ عَنْ مِثْلِ هَذَا فِي مَوَاضِعَ تَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عَدَمَ الْفِعْلِ أَقْوَى فِي انْقِيَادِ النُّفُوسِ وَاعْتِقَادِهَا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّرْكُ مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُخْرِجَةِ لَهُ عَنْ الدَّلَالَةِ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ تَفْوِيضُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ أَفْضَلَ) يَنْبَغِي أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ تَسَاوَيَا قَدْرًا وَصِفَةً، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ أُضْحِيَّةً، وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَجْعَلُ الثَّوَابَ الْكَثِيرَ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، خُصُوصًا وَقَدْ جَعَلَ سَبَبَ الْأَفْضَلِيَّةِ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهَا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا تُسَنُّ لِمُسْلِمٍ قَادِرٍ) أَيْ بِأَنْ فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ مُمَوِّنِهِ مَا مَرَّ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى حَجّ.
[فَرْعٌ] لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْت هَذِهِ الشَّاةَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا لَمْ تَلْزَمْهُ، وَإِنْ مَلَكَهَا لِأَنَّ الْمُعَيَّنَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ إنْ مَلَكْتُ شَاةً فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَا فَتَلْزَمُهُ إذَا مَلَكَ شَاةً لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، كَذَا صَرَّحُوا بِهِمَا فَانْظُرْ الرَّوْضَ وَغَيْرَهُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْت هَذَا الْعَبْدَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ إلَخْ.
وَقَضِيَّةُ مَا فِي الرَّوْضِ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ بَلْ إنَّمَا تَصِيرُ كَذَلِكَ بِالْجَعْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
ضَحَايَا إنَّمَا هُوَ جَمْعُ ضَحِيَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْأَصْلُ فِي كَوْنِهِ لَوْ اشْتَرَكَ غَيْرُهُ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ وَقَدْ قَدَّمَ الْأَصْلَ فِي الْبَابِ، وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ
(8/131)
كَجَعَلْتُ هَذِهِ الشَّاةَ أُضْحِيَّةً كَسَائِرِ الْقُرَبِ
(وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا) غَيْرِ الْمُحْرِمِ أَيْ التَّضْحِيَةِ (أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفُرَهُ) أَيْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ بَقَاؤُهُ كَامِلَ الْأَجْزَاءِ لِتَشْمَلَهَا الْمَغْفِرَةُ وَالْعِتْقُ مِنْ النَّارِ، وَلَوْ قَصَدَ التَّضْحِيَةَ بِعَدَدٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ بِأَوَّلِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ شَعْرُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَالشَّارِبِ وَغَيْرِهَا، فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ وَتَسْتَمِرُّ الْكَرَاهَةُ لِمُرِيدِهَا إلَى انْقِضَاءِ زَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ.
وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَضُرُّ، أَمَّا نَحْوُ ظُفْرٍ وَجِلْدَةٍ تَضُرُّ فَلَا
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَذْبَحَهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةُ رَجُلٌ (بِنَفْسِهِ) إنْ أَحْسَنَ الذَّبْحَ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ فَنُدِبَتْ مُبَاشَرَتُهَا وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ جَوَازَ الِاسْتِنَابَةِ وَالْأَوْلَى كَوْنُ التَّائِبِ فَقِيهًا مُسْلِمًا وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ لَا حَائِضٍ (وَإِلَّا فَيَشْهَدُهَا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِذَلِكَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ.
أَمَّا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى فَتَوْكِيلُهُمَا أَفْضَلُ.
(وَلَا تَصِحُّ) أَيْ التَّضْحِيَةُ (إلَّا مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ) عِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ (وَغَنَمٍ) ضَأْنٍ أَوْ مَعْزٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْحَيَوَانِ فَاخْتَصَّتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرَاجِعْهُ، وَعِبَارَتُهُ: وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ، فَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً أَنْ أَجْعَلَهَا أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا فَإِنْ عَيَّنَهَا فَفِي لُزُومِ جَعْلِهَا وَجْهَانِ، وَلَا تَصِيرُ أُضْحِيَّةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَلَا بِنِيَّتِهِ اهـ: أَيْ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الِالْتِزَامِ بَعْدَ الشِّرَاءِ.
[فَرْعٌ] مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ شَيْئًا مِنْ النَّعَمِ إلَى الْبَيْتِ سُنَّ لَهُ مَا سُنَّ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: كَجَعَلْتُ هَذِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ ذَلِكَ بِاللَّفْظِ فَلَا يَكْفِي بِالنِّيَّةِ
(قَوْلُهُ: فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ وَلَوْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَلَا تُطْلَبُ مِنْهُ إزَالَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ حَجّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ عَمِيرَةَ (قَوْلُهُ: فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ) أَيْ نَدْبًا، وَالصَّارِفُ لَهُ عَنْ الْوُجُوبِ كَوْنُ الْحِكْمَةِ فِي طَلَبِهِ مُجَرَّدَ إرَادَةِ الْمَغْفِرَةِ (قَوْلُهُ: إلَى انْقِضَاءِ زَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ حَيْثُ انْقَضَتْ وَلَمْ يَصِحَّ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْتَهِي فِي حَقِّ مَنْ ضَحَّى بِمُتَعَدِّدٍ بِأَوَّلِهَا
(قَوْلُهُ: إنْ أَحْسَنَ الذَّبْحَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كُرِهَ كَأَنْ كَانَ أَعْمَى، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَحْسَنَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ) أَيْ حَيْثُ كَانَ مِمَّنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ (قَوْلُهُ لَا حَائِضٌ) أَيْ فَلَا تُكْرَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى الْأَفْضَلُ لَهُمَا التَّوْكِيلُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَيَشْهَدُهَا) ع: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي نَفْسِهِ عَظِيمَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَمَا سَخَّرَ لَهُ مِنْ الْأَنْعَامِ وَتَجَدُّدِ الشُّكْرِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ فَتَوْكِيلُهُمَا أَفْضَلُ) أَيْ لِضَعْفِهِمَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ الرِّجَالِ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) قَضِيَّةُ سِيَاقِهِ أَنَّ الْأَنْعَامَ شَامِلَةٌ لِلْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يُضَحَّى بِهِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، فَفِي الْمِصْبَاحِ النَّعَمُ: الْمَالُ الرَّاعِي، وَهُوَ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّعَمُ الْإِبِلُ فَقَطْ وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ نُعْمَانٌ مِثْلُ حَمَلٍ وَحُمْلَانٍ وَأَنْعَامٌ أَيْضًا، وَقِيلَ النَّعَمُ الْإِبِلُ خَاصَّةً وَالْأَنْعَامُ ذَوَاتُ الْخُفِّ وَالظِّلْفِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَقِيلَ تُطْلَقُ الْأَنْعَامُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَإِذَا انْفَرَدَتْ الْإِبِلُ فَهِيَ نَعَمٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلِ الرَّوْضِ وَلَوْ بِمِنًى الَّذِي قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فَلْيُحَرَّرْ
(قَوْلُهُ إلَى انْقِضَاءِ زَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ) أَيْ إنْ لَمْ يُضَحِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: رَجُلٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ ذِكْرَ هَذَا هُنَا يُوهِمُ إخْرَاجَ الْمَتْنِ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ فَتَأَمَّلْ
(8/132)
بِالْأَنْعَامِ كَالزَّكَاةِ (وَشَرْطُ) إجْزَاءِ (إبِلٍ أَنْ تَطْعُنَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ طَعَنَ يَطْعُنُ فِي السِّنِّ طَعْنًا، وَطَعَنَ فِيهِ بِالْقَوْلِ يَطْعُنُ أَيْضًا: أَيْ تَشْرُعُ (فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَبَقَرٌ وَمَعْزٌ فِي الثَّالِثَةِ وَضَأْنٌ فِي الثَّانِيَةِ) بِالْإِجْمَاعِ، نَعَمْ لَوْ أَجْذَعَتْ الشَّاةُ مِنْ الضَّأْنِ: أَيْ سَقَطَتْ مِنْهَا قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ أَجْزَأَتْ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ، فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ «ضَحُّوا بِالْجَذَعِ مِنْ الضَّأْنِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ» وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ «لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً إلَّا إنْ تَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ» قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُسِنَّةُ هِيَ الثَّنِيَّةُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَمَا فَوْقَهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ جَذَعَةَ الضَّأْنِ لَا تُجْزِي إلَّا عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الْمُسِنَّةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَحَمَلُوا الْخَبَرَ عَلَى النَّدْبِ، وَتَقْدِيرُهُ يُسَنُّ لَكُمْ أَنْ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَجَذَعَةُ ضَأْنٍ (وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى) وَخُنْثَى، لَكِنَّ الذَّكَرَ وَلَوْ بِلَوْنٍ مَفْضُولٍ فِيمَا يَظْهَرُ أَفْضَلُ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَطْيَبُ، إلَّا أَنْ يُكْثِرَ نَزَوَاتِهِ فَالْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ أَفْضَلُ مِنْهُ حِينَئِذٍ، وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأُنْثَى أَحَبُّ إلَيَّ، وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى جَزَاءِ الصَّيْدِ إذَا قُوِّمَتْ لِإِخْرَاجِ الطَّعَامِ وَالْأُنْثَى أَكْثَرُ قِيمَةً (وَخَصِيٌّ) لِلِاتِّبَاعِ.
(وَ) يُجْزِئُ (الْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ) لِلنَّصِّ فِيهِ كَمَا يُجْزِئُ عَنْهُمْ فِي التَّحَلُّلِ لِلْإِحْصَارِ، لِخَبَرِ مُسْلِمٍ وَسَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْأُضْحِيَّةَ وَالْآخَرُ اللَّحْمَ أَمْ لَا، وَلَهُمْ قِسْمَةُ اللَّحْمِ إذْ هِيَ إفْرَازٌ، وَخَرَجَ بِسَبْعَةٍ مَا لَوْ ذَبَحَهَا ثَمَانِيَةٌ ظَنُّوا أَنَّهُمْ سَبْعَةٌ فَلَا تُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ فَقَطْ بَلْ لَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي شَاتَيْنِ فِي تَضْحِيَةٍ أَوْ هَدْيٍ لَمْ يَجُزْ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنِ جَوَازِ إعْتَاقِ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ الْمَأْخَذَ مُخْتَلِفٌ، إذْ الْمَأْخَذُ ثَمَّ تَخْلِيصُ رَقَبَةٍ مِنْ الرِّقِّ وَقَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ وَهُنَا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَلَمْ تُوجَدْ بِمَا فَعَلَ، وَأَمَّا خَبَرُ «اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ التَّشْرِيكُ فِي الثَّوَابِ لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَلَوْ ضَحَّى بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ بَدَلِ شَاةٍ فَالزَّائِدُ عَلَى السَّبْعِ تَطَوُّعٌ يَصْرِفُهُ مَصْرِفَ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ (وَأَفْضَلُهَا) عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ الْآتِي: وَسَبْعُ شِيَاهٍ إلَخْ (بَعِيرٌ) لِكَثْرَةِ اللَّحْمِ (ثُمَّ بَقَرَةٌ) لِأَنَّهَا كَسَبْعِ شِيَاهٍ (ثُمَّ ضَأْنٌ) لِطِيبِهِ (ثُمَّ مَعْزٌ) وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْأَخِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِنْ انْفَرَدَتْ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ لَمْ تُسَمَّ نَعَمًا (قَوْلُهُ: يَطْعُنُ) أَيْ بِالضَّمِّ وَفِي الْمُخْتَارِ عَنْ بَعْضِهِمْ الْفَتْحُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ إلَّا إنْ تَعْسُرَ) أَيْ وُجُودُهَا (قَوْلُهُ: وَقَضِيَّتُهُ) أَيْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ لَا تَذْبَحُوا إلَّا مُسِنَّةً (قَوْلُهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الْأُنْثَى وَظَاهِرُهُ وَلَوْ سَمِينَةً وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكْثُرَ) أَيْ ضِرَابُهُ لِلْأُنْثَى
(قَوْلُهُ: وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ مُسِخَتْ الشَّاةُ بَعِيرًا أَوْ عَكْسُهُ هَلْ تُجْزِئُ فِي الْأُولَى عَنْ سَبْعَةٍ، وَلَا يُجْزِئُ الْبَعِيرُ فِي الثَّانِيَةِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ أَوْ لَا، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْمَسْخَ هَلْ هُوَ تَغْيِيرُ صِفَةٍ أَوْ ذَاتٍ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَا تُجْزِئُ الشَّاةُ الْمَمْسُوخَةُ بَعِيرًا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، وَيُجْزِئُ الْبَعِيرُ الْمَمْسُوخُ إلَى الشَّاةِ عَنْ سَبْعَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي انْعَكَسَ الْحَالُ لِأَنَّ ذَاتَ الشَّاةِ الْمَمْسُوخَةِ إلَى الْبَعِيرِ ذَاتُ بَعِيرٍ، وَالْبَعِيرُ الْمَمْسُوخُ إلَى الشَّاةِ ذَاتُهُ شَاةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ هَدْيٌ لَمْ يَجُزْ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةَ عَشْرَ فِي بَدَنَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا إنَّمَا حَصَلَ لَهُ سُبُعُ الْبَدَنَتَيْنِ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ كُلٍّ إلَّا نِصْفَ سُبُعٍ، وَذَلِكَ لَا يَكْفِي لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا سُبُعٌ كَامِلٌ مِنْ بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ وِفَاقًا لَمْ ر، وَقِيَاسُهُ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ إذَا اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةٌ فِي بَدَنَتَيْنِ إذْ يَخُصُّ كُلًّا مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ ثُمُنٌ لَا يَكْفِي اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ) أَيْ بَاقِيهِمَا حُرٌّ أَوْ سَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا يُجْزِي لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: بَدَلَ شَاةٍ) أَيْ مَنْذُورَةٍ فِي الذِّمَّةِ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ فَالزَّائِدُ إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: بِضَمِّ الْعَيْنِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ مَعَ أَنَّهُ حَرْفُ حَلْقٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْفَتْحُ لَكِنْ فِي فَتْحِ الْأَقْفَالِ شَرْحِ لَامِيَّةِ الْأَفْعَالِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهِمَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَيْ تُشْرَعُ) تَفْسِيرٌ لِلْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: بَدَلَ شَاةٍ) أَيْ وَاجِبَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: فَالزَّائِدُ عَلَى السَّبْعِ تَطَوُّعٌ) أَيْ أُضْحِيَّةُ تَطَوُّعٍ هَكَذَا ظَهَرَ فَلْيُرَاجَعْ
(8/133)
إذْ لَا شَيْءَ بَعْدَهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ ثَمَّ الْأَخِيرَةَ لِأَنَّ بَعْدَهُ مَرَاتِبَ أُخْرَى تُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ، وَهِيَ شِرْكٌ مِنْ بَدَنَةٍ ثُمَّ مِنْ بَقَرَةٍ (وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ) وَمِنْ بَقَرَةٍ لِأَنَّ لَحْمَ الْغَنَمِ أَطْيَبُ وَالدَّمُ الْمُرَاقُ أَكْثَرُ (وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ) لِلِانْفِرَادِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَلِطِيبِ اللَّحْمِ وَاسْتِكْثَارُ الْقِيمَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَدَدِ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَاللَّحْمُ خَيْرٌ مِنْ الشَّحْمِ وَالْبَيْضَاءُ أَفْضَلُ ثُمَّ الصَّفْرَاءُ ثُمَّ الْبَلْقَاءُ ثُمَّ السَّوْدَاءُ، نَعَمْ يُقَدَّمُ السِّمَنُ عَلَى اللَّوْنِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا
(وَشَرْطُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ لِتُجْزِئَ حَيْثُ لَمْ يَلْتَزِمْهَا نَاقِصَةً (سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ يُنْقِصُ لَحْمًا) يَعْنِي مَأْكُولًا إذْ مَقْطُوعَةُ الْأَلْيَةِ لَا تُجْزِئُ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَحْمٍ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ، وَسَوَاءٌ كَانَ النَّقْصُ فِي الْحَالِ كَقَطْعِ فِلْقَةٍ مِنْ نَحْوِ فَخِذٍ أَوْ الْمَآلِ كَعَرَجٍ بَيِّنٍ لِأَنَّهُ يُنْقِصُ رَعْيَهَا فَتَهْزُلُ، وَيُعْتَبَرُ سَلَامَتُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ حَيْثُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا إيجَابٌ وَإِلَّا فَوَقْتُ خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ عَدَمُ إجْزَاءِ التَّضْحِيَةِ بِالْحَامِلِ لِأَنَّ الْحَمْلَ يُهْزِلُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، فَقَدْ حَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي آخِرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ إجْزَاؤُهَا لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ نَقْصِ اللَّحْمِ يَنْجَبِرُ بِالْجَنِينِ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ لَا يَكُونُ فِيهِ جَبْرٌ أَصْلًا كَالْعَلَقَةِ وَأَيْضًا فَزِيَادَةُ اللَّحْمِ لَا تَجْبُرُ عَيْبًا كَعَرْجَاءَ أَوْ جَرْبَاءَ سَمِينَةٍ، وَإِنَّمَا عَدُّوا الْحَامِلَ كَامِلَةً فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهَا النَّسْلُ دُونَ طِيبِ اللَّحْمِ، وَمَا جَمَعَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ حَمْلِ الْإِجْزَاءِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ بِالْحَمْلِ نَقْصٌ فَاحِشٌ، وَمُقَابِلُهُ عَلَى خِلَافِهِ مَرْدُودٌ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْحَمْلَ نَفْسَهُ عَيْبٌ وَأَنَّ الْعَيْبَ لَا يُجْبَرُ وَإِنْ قَلَّ.
نَعَمْ يُتَّجَهُ إجْزَاءُ قَرِيبَةِ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ بِهَا، أَمَّا لَوْ الْتَزَمَهَا نَاقِصَةً كَأَنْ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ بِمَعِيبَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ أَوْ قَالَ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: ثَمَّ الْأَخِيرَةَ) أَيْ لَفْظُ ثَمَّ فِي قَوْلِهِ ثَمَّ مَعْزٌ (قَوْلُهُ: وَلِطِيبِ اللَّحْمِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ بِأَكْثَرِ الْبَعِيرِ، وَبِهِ صَرَّحَ حَجّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْبَلْقَاءُ ثُمَّ السَّوْدَاءُ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْبَلَقُ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَكَذَا الْبُلْقَةُ بِالضَّمِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ لِيَشْمَلَ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ، بَلْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ لِقُرْبِهِ مِنْ الْبَيَاضِ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّوَادِ، وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَحْمَرِ الْخَالِصِ عَلَى الْأَسْوَدِ وَتَقْدِيمُ الْأَزْرَقِ عَلَى الْأَحْمَرِ وَكُلُّ مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَبْيَضِ يُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ بَعْدَ الصَّفْرَاءِ: ثُمَّ الْعَفْرَاءُ ثُمَّ الْحَمْرَاءُ ثُمَّ الْبَلْقَاءُ ثُمَّ السَّوْدَاءُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُقَدَّمُ السِّمَنُ عَلَى اللَّوْنِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا) أَيْ وَعَلَى الذُّكُورَةِ أَيْضًا كَمَا قَدْ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ الْأُنْثَى الَّتِي لَمْ تَلِدْ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ الَّذِي كَثُرَ نَزَوَانُهُ، وَأَمَّا قَوْلُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ عَنْ حَجّ: وَيَظْهَرُ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا تَقْدِيمُ السِّمَنِ كَالذُّكُورَةِ، فَمَعْنَاهُ أَنَّ كُلًّا مِنْ السِّمَنِ وَالذُّكُورَةِ يُقَدَّمُ عَلَى اللَّوْنِ الْفَاضِلِ فَيُقَدَّمُ الذَّكَرُ الْأَسْوَدُ عَلَى الْأُنْثَى الْبَيْضَاءِ
(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهَا) أَيْ الْأَلْيَةَ (قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ) أَيْ اللَّحْمُ (قَوْلُهُ: كَقَطْعِ فِلْقَةٍ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي الْأَلْيَةِ فَإِنَّ الْمُضِرَّ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْكَثِيرُ لِأَنَّ قَطْعَ بَعْضِ الْأَلْيَةِ يُقْصَدُ بِهِ كِبَرُهَا فَثَمَّ جَابِرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَقَدَّمْهَا إيجَابٌ) أَيْ بِنَذْرٍ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَوَقَفَ خُرُوجُهَا) أَيْ فَلَا يَضُرُّ تَعَيُّبُهَا وَقْتَ الذَّبْحِ كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُتَّجَهُ إجْزَاءُ قَرِيبَةٍ) أَيْ عُرْفًا (قَوْلُهُ: أَوْ صَغِيرَةٍ) أَيْ لَمْ تَبْلُغْ سِنًّا تُجْزِئُ فِيهِ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَاسْتِكْثَارِ الْقِيمَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: الثَّمَنُ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ (قَوْلُهُ: وَاسْتِكْثَارُ الثَّمَنِ) لَعَلَّهُ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ
(قَوْلُهُ: فَتَهْزِلُ) هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الزَّايِ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ يَفْعِلُ بِكَسْرِهَا مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ الْأَدَبِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّارِحِ الْآتِي يُهْزِلُهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَهَذَا خِلَافُ مَا اُشْتُهِرَ أَنَّ هَزَلَ لَمْ يُسْمَعْ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ بِهَا) أَشَارَ ابْنُ قَاسِمٍ إلَى مَنْعِهِ (قَوْلُهُ: كَأَنَّ نَذَرَ الْأُضْحِيَّةَ بِمَعِيبَةٍ إلَخْ) لَعَلَّ الصُّورَةَ أَنَّهَا مُعَيَّنَةٌ
(8/134)
ذَبْحُهَا، وَلَا تُجْزِئُ ضَحِيَّةٌ وَإِنْ اخْتَصَّ ذَبْحُهَا بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَجَرَتْ مَجْرَاهَا فِي الصَّرْفِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَذَا وَهُوَ سَلِيمٌ ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ ضَحَّى بِهِ وَثَبَتَتْ لَهُ أَحْكَامُ التَّضْحِيَةِ، وَيَنْقُصُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ إذْ هِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ (فَلَا تُجْزِئُ عَجْفَاءُ) وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ مُخُّهَا مِنْ الْهُزَالِ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً أَوْ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرَةُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» مِنْ النِّقْيِ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ (وَمَجْنُونَةٌ) لِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ التَّوْلَاءِ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ الَّتِي تَسْتَدْبِرُ الْمَرْعَى وَلَا تَرْعَى إلَّا الْقَلِيلَ وَذَلِكَ يُورِثُ الْهُزَالَ (وَمَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ) أَبْيَنَ وَإِنْ قَلَّ لِذَهَابِ جُزْءٍ مَأْكُولٍ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ إجْزَاءِ مَقْطُوعَةٍ كُلِّهَا بِالْأَوْلَى وَكَذَا فَاقِدَتُهَا خِلْقَةً، وَلَا يَضُرُّ فَقْدُ أَلْيَةٍ خِلْقَةً إذْ الْمَعْزُ لَا أَلْيَةَ لَهُ وَلَا فَقْدُ ضَرْعٍ إذْ الذَّكَرُ لَا ضَرْعَ لَهُ، وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي فَقْدِ الْأُذُنِ بِأَنَّهَا عُضْوٌ لَازِمٌ غَالِبًا. نَعَمْ لَوْ قُطِعَ مِنْ الْأَلْيَةِ جُزْءٌ يَسِيرٌ لِأَجْلِ كِبَرِهَا، فَالْأَوْجَهُ الْإِجْزَاءُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ لَا يَضُرُّ فَقْدُ فَلَقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ (وَذَاتُ عَرَجٍ) بَيِّنٍ بِحَيْثُ تَتَخَلَّفُ بِسَبَبِهِ عَنْ الْمَاشِيَةِ فِي الْمَرْعَى، وَإِذَا ضَرَّ وَلَوْ بِاضْطِرَابِهَا عِنْدَ ذَبْحِهَا فَكَسْرُ الْعُضْوِ وَفَقْدُهُ أَوْلَى (وَ) ذَاتُ (عَوَرٍ) وَعُلِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْلَا تُجْزِئُ ضَحِيَّةٌ) أَيْ الضَّحِيَّةُ الْمَنْدُوبَةُ وَالْمَنْذُورَةُ فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ سَلِيمٌ) أَيْ وَالْحَالُ (قَوْلُهُ: وَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ التَّضْحِيَةِ) قَضِيَّتُهُ إجْزَاؤُهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ نَذْرِهَا سَلِيمَةً ثُمَّ تَتَعَيَّبُ وَبَيْنَ نَذْرِ التَّضْحِيَةِ بِالنَّاقِصَةِ بِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَهَا سَلِيمَةً خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ فَحُكِمَ بِأَنَّهَا ضَحِيَّةٌ وَهِيَ سَلِيمَةٌ، بِخِلَافِ الْمَعِيبَةِ فَإِنَّ النَّذْرَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا إلَّا نَاقِصَةً فَلَمْ تَثْبُتْ لَهَا صِفَةُ الْكَمَالِ بِحَالٍ (قَوْلُهُ: وَضَمُّ ثَالِثِهِ) وَيَجُوزُ فِيهِ أَيْضًا ضَمُّ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا (قَوْلُهُ وَمَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ) وَمِثْلُ الْأُذُنِ اللِّسَانُ بِالْأَوْلَى وَهَلْ مِثْلُ قَطْعِ بَعْضِ الْأُذُنِ مَا لَوْ أَصَابَ بَعْضَ الْأُذُنِ آفَةٌ أَذْهَبَتْ شَيْئًا مِنْهَا كَأَكْلِ نَحْوِ الْقُرَادِ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَوْ لَا، وَيُفَرَّقُ بِالْمَشَقَّةِ الَّتِي تَحْصُلُ بِإِرَادَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ مَا لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يُنْقِصْ اللَّحْمَ مُغْتَفَرٌ كَمَا فِي الْعَرَجِ الْيَسِيرِ وَكَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِهِ شِدَّةُ هُزَالٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فَاقِدَتُهَا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُخْلَقْ لَهَا أُذُنٌ أَصْلًا، أَمَّا صَغِيرَةُ الْأُذُنِ فَتُجْزِئُ لِعَدَمِ نَقْصِهَا فِي نَفْسِهَا كَصَغِيرَةِ الْجُثَّةِ (قَوْلُهُ إذْ الْمَعْزُ لَا أَلْيَةَ لَهُ) مَفْهُومُهُ أَنَّ قَطْعَ الذَّنَبِ مِنْ الْمَعْزِ يَضُرُّ، وَفِي حَجّ وَأَلْحَقَا الذَّنَبَ بِالْأَلْيَةِ، وَاعْتَرَضَا بِتَصْرِيحِ جَمْعٍ بِأَنَّهُ كَالْأُذُنِ بَلْ فَقْدُهُ أَنْدَرُ مِنْ فَقْدِ الْأُذُنِ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ خُلِقَتْ الْمَعْزُ بِلَا ذَنَبٍ هَلْ تُجْزِئُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، ثُمَّ رَأَيْت مَتْنَ الرَّوْضِ صَرَّحَ بِالْإِجْزَاءِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهَا عُضْوٌ لَازِمٌ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَلْيَةِ صَغِيرَةً فِي ذَاتِهَا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي بَعْضِ الْغَنَمِ وَكَوْنِهَا كَبِيرَةً، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ فَقْدُ فَلَقَةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ عُضْوٍ كَبِيرٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْكِبْرُ النِّسْبِيُّ، فَالْأَلْيَةُ وَإِنْ صَغُرَتْ فَهِيَ مِنْ حَيْثُ هِيَ كَبِيرَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُذُنِ، هَذَا وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ أَلْيَةٌ قُطِعَ جُزْءٌ مِنْهَا وَشَكَّ فِي أَنَّ الْمَقْطُوعَ كَانَ كَبِيرًا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُجْزِئُ مَا قُطِعَتْ مِنْهُ الْآنَ أَوْ صَغِيرًا فَيُجْزِئُ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْإِجْزَاءُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا قُطِعَتْ مِنْهُ وَالْمُوَافِقُ لِلْغَالِبِ فِي أَنَّ الَّذِي يُقْطَعُ لِكِبَرِ الْأَلْيَةِ صَغِيرٌ (قَوْلُهُ: وَإِذَا ضَرَّ) أَيْ الْعَرَجُ (قَوْلُهُ: فَكُسِرَ الْعُضْوُ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قُطِعَ بَعْضُ الْعُرْقُوبِ بِحَيْثُ لَوْ بَقِيَتْ بِلَا ذَبْحٍ لَا تَسْتَطِيعُ الذَّهَابَ مَعَهُ لِلْمَرْعَى، فَلَوْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الذَّبْحِ لِيَتَمَكَّنَ الذَّابِحُ مِنْ ذَبْحِهَا لَمْ تُجْزِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ فِي الْحَالِ كَقَطْعِ فَلَقَةٍ إلَخْ وَمِنْ قَوْلِهِ هُنَا، وَإِذَا ضَرَّ وَلَوْ بِاضْطِرَابِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَكَذَا فَاقِدَتُهَا) أَيْ لَا تُجْزِئُ إذْ لَيْسَ مِمَّا أَفْهَمَهُ الْمَتْنُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَضُرُّ قَطْعُ بَعْضِ الْأَلْيَةِ وَلَا يَضُرُّ فَقْدُ جَمِيعِهَا خِلْقَةً (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ كِبَرِهَا) أَيْ لِأَجْلِ أَنْ تَكْبَرَ
(8/135)
مِنْهُ امْتِنَاعُ الْعَمْيَاءِ بِالْأَوْلَى وَلَا يَضُرُّ ضَعْفُ بَصَرِهَا وَلَا عَدَمُهُ لَيْلًا (وَ) ذَاتُ (مَرَضٍ) بَيِّنٍ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ الْهُزَالُ (وَ) ذَاتُ (جَرَبٍ بَيِّنٍ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَعَطْفُ هَذِهِ عَلَى مَا قَبْلَهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ إذْ الْجَرَبُ مَرَضٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَقْصِهَا بِهَذِهِ الْعُيُوبِ أَوْ لَا (وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا) أَيْ يَسِيرُ الْأَرْبَعَةِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي اللَّحْمِ (وَلَا فَقْدُ قَرْنٍ) إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَرْنِ كَبِيرُ غَرَضٍ وَإِنْ كَانَتْ الْقَرْنَاءُ أَفْضَلَ، نَعَمْ إنْ أَثَّرَ انْكِسَارُهُ فِي اللَّحْمِ ضَرَّ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَشَرْطُهَا إلَخْ وَتُجْزِئُ فَاقِدَةُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ (وَكَذَا شَقُّ أُذُنٍ وَخَرْقُهَا وَثَقْبُهَا فِي الْأَصَحِّ) حَيْثُ لَمْ يَذْهَبْ جُزْءٌ مِنْهَا.
وَالثَّانِي يَضُرُّ ذَلِكَ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالْخَرْقَاءِ وَهِيَ مَخْرُوقَةُ الْأُذُنِ وَالشَّرْقَاءُ وَهِيَ مَشْقُوقَتُهَا، وَالْأَوَّلُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْعَدَدِ فِي خَبَرِ «أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ» لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ مَا سِوَاهَا (قُلْت: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ يَضُرُّ يَسِيرُ الْجَرَبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ يُفْسِدُ اللَّحْمَ وَالْوَدَكَ وَأُلْحِقَ بِهِ الْقُرُوحُ وَالْبُثُورُ.
وَالثَّانِي لَا يَضُرُّ كَالْمَرَضِ
(وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا) أَيْ التَّضْحِيَةُ (إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ يَوْمَ النَّحْرِ) وَهِيَ عَاشِرُ الْحِجَّةِ (ثُمَّ مَضَى قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ) رَاجِعٌ لِكُلِّ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ الْمَارَّةِ فِي الْوَقْفِ أَوْ أَنَّ التَّثْنِيَةَ نَظَرًا لِلَّفْظَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثَنًّى فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19] إذْ يَجُوزُ اخْتَصَمَا أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ، وَضَابِطُهُ أَنْ يَشْتَمِلَ فِعْلُهُ عَلَى أَقَلِّ مُجْزِئٍ فِي ذَلِكَ، فَلَوْ ذَبَحَ قَبْلَ مُضِيِّ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ شَاةَ لَحْمٍ لِخَبَرِ «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ» نَعَمْ لَوْ وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ حُسِبَتْ الْأَيَّامُ لِلذَّبْحِ عَلَى حِسَابِ وُقُوفِهِمْ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ (وَيَبْقَى) وَقْتُ التَّضْحِيَةِ وَإِنْ كُرِهَ الذَّبْحُ لَيْلًا إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ (حَتَّى تَغْرُبَ) الشَّمْسُ (آخِرَ) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ) لِخَبَرِ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَأَيَّامُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَفِي رِوَايَةٍ «فِي كُلِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ ذَبْحِ يَوْمِ النَّحْرِ (قُلْت: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ وَالشَّرْطُ طُلُوعُهَا ثُمَّ) عَقِبَهُ (مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَتَيْنِ) بِأَقَلِّ مُجْزِئٍ كَمَا مَرَّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) بِنَاءً عَلَى دُخُولِ صَلَاةِ الْعِيدِ بِطُلُوعِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ
(وَمَنْ) (نَذَرَ) وَاحِدَةً مِنْ النَّعَمِ مَمْلُوكَةً لَهُ (مُعَيَّنَةً) وَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عِنْدَ ذَبْحِهَا فَكَسْرُ الْعُضْوِ وَفَقْدُهُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَرْنِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ إجْزَاءُ فَاقِدِ الذَّكَرِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، نَعَمْ إنْ أَثَّرَ قَطْعُهُ فِي اللَّحْمِ (قَوْلُهُ: وَتُجْزِئُ فَاقِدَةُ بَعْضِ الْأَسْنَانِ) أَيْ بِخِلَافِ فَاقِدَةِ كُلِّ الْأَسْنَانِ م ر، وَقَالَ: تُجْزِئُ مَخْلُوقَةٌ بِلَا أَسْنَانٍ انْتَهَى وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ فَقْدَ جَمِيعِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا يُؤَثِّرُ فِي اللَّحْمِ، بِخِلَافِ فَقْدِ الْجَمِيعِ خِلْقَةً فَلْيُحَرَّرْ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: وَثَقْبُهَا) تَأْكِيدٌ لِتَرَادُفِهِمَا: أَيْ الْخَرْقِ وَالثَّقْبِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَذْهَبْ جُزْءٌ مِنْهَا) أَيْ وَإِنْ قَلَّ جِدًّا (قَوْلُهُ: وَالْوَدَكُ) أَيْ الدُّهْنُ
(قَوْلُهُ: إذْ يَجُوزُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ) أَيْ غَلَطًا (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْحَجِّ) أَيْ فَتَكُونُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةً بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ لَهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ بِالنِّسْبَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً فَيَصِحُّ صَوْمُ صَبِيحَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ فِيهَا أَدَاءً، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ التَّضْحِيَةَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِيدِ فَنَظَرٌ لِيَوْمِ الْوُقُوفِ وَالصَّوْمُ لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجَةٍ) كَاشْتِغَالِهِ نَهَارًا بِمَا يَمْنَعُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: نَظَرًا لِلَّفْظَيْنِ) أَيْ بِجَعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا قِسْمًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ اللَّفْظَيْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمَا لَفْظَيْنِ كَمَا قَدْ يَتَبَادَرُ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي {هَذَانِ خَصْمَانِ} [الحج: 19] إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ وَضَابِطُهُ) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ وَقَفُوا فِي الْعَاشِرِ إلَخْ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ عَاشِرُ الْحِجَّةِ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ
(8/136)
امْتَنَعَتْ التَّضْحِيَةُ بِهَا كَالْمَعِيبَةِ وَالْفَصِيلِ لَا نَحْوَ ظَبْيَةٍ وَإِنَّمَا أُلْحِقَتْ بِالْأُضْحِيَّةِ فِي تَعَيُّنِ زَمَنِهَا دُونَ الصَّدَقَةِ الْمَنْذُورَةِ لِقُوَّةِ شَبَهِهَا بِالْأُضْحِيَّةِ لَا سِيَّمَا وَإِرَاقَةُ الدَّمِ فِي زَمَنِهَا أَكْمَلُ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا مُشْبِهَةٌ بِالْأُضْحِيَّةِ وَلَيْسَتْ بِأُضْحِيَّةٍ (فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ) وَكَذَا عَلَيَّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ (أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ) أَوْ هِيَ أَوْ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ أَوْ هَدْيٌ أَوْ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ تَعْيِينِهَا كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ وَ (لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ) أَدَاءً، وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ وَقْتِهَا بَعْدَ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهَا أُضْحِيَّةً فَتَعَيَّنَ وَقْتُهَا لِذَبْحِهَا وَتُفَارِقُ النُّذُورَ وَالْكَفَّارَاتِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ الْفَوْرُ فِيهَا أَصَالَةً بِأَنَّهَا مُرْسَلَةٌ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ فِي عَيْنٍ وَهِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِشَاةٍ مَثَلًا حَيْثُ وَجَبَ فِيهَا مَا مَرَّ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بِأَنَّ التَّعْيِينَ هُنَا هُوَ الْغَالِبُ فَأَلْحَقْنَا مَا فِي الذِّمَّةِ بِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فَقَالَ مَا لَوْ نَوَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَاغِيًا كَمَا لَوْ نَوَى النَّذْرَ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ احْتِيَاجِهِ إلَى نِيَّةٍ مَعَ قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ بَلْ لَا عِبْرَةَ بِنِيَّةِ خِلَافِهِ لِصَرَاحَتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ فِي أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ كَثِيرًا مِنْ شِرَائِهِمْ مَا يُرِيدُونَ التَّضْحِيَةَ بِهِ مِنْ أَوَائِلِ السَّنَةِ وَكُلُّ مَنْ سَأَلَهُمْ عَنْهَا يَقُولُونَ لَهُ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ مَعَ جَهْلِهِمْ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ تَصِيرُ بِهِ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ مِنْهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت أَنْ أَتَطَوَّعَ بِهَا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ مَعَ تَصْرِيحهمْ بِحِلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ التَّضْحِيَةِ أَوْ مَصْلَحَةٍ كَتَيَسُّرِ الْفُقَرَاءِ لَيْلًا أَوْ سُهُولَةِ حُضُورِهِمْ
(قَوْلُهُ: لَا نَحْوَ ظَبْيَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَغْوٌ فَلَا يَجِبُ ذَبْحُهَا فِي أَيَّامِ التَّضْحِيَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ وَلَوْ حَيَّةً وَلَا يَتَقَيَّدُ التَّصَدُّقُ بِهَا بِزَمَنٍ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ دُونَ الصَّدَقَةِ الْمَنْذُورَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا أُلْحِقَ) أَيْ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَتْ بِأُضْحِيَّةٍ) أَيْ وَكَانَ حَقُّهَا أَنْ لَا يَتَقَيَّدَ ذَبْحُهَا بِأَيَّامِ التَّضْحِيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ ذَبْحُهَا) أَيْ وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا وَلَوْ سَلِيمَةً عَنْ مَعِيبَةٍ عَيَّنَهَا فِي نَذْرِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ) أَيْ وَهُوَ جُمْلَةُ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي تَلْقَاهُ بَعْدَ وَقْتِ النَّذْرِ لَا أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَتُفَارِقُ النُّذُورَ) أَيْ الْمُطْلَقَةَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا هُنَا) قَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ وُجُوبُ الْفَوْرِ بِمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِمَالٍ بِعَيْنِهِ كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْبَهْجَةِ وَشَرْحُهَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ: وَمَتَى مَا عَيَّنَّا لِلِاعْتِكَافِ زَمَنًا تَعَيَّنَا.
كَالصِّيَامِ لَا لَأَنْ يُصَلِّيَ وَالصَّدَقَاتُ فِي زَمَنٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ (قَوْلُهُ: وَجَبَ فِيهَا مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ (قَوْلُهُ فَأَلْحَقْنَا مَا فِي الذِّمَّةِ بِهِ) أَيْ بِالْمُعَيَّنِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْأَبْوَابِ) أَيْ أَبْوَابِ النُّذُورِ (قَوْلُهُ مَعَ جَهْلِهِمْ) وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ وُجُوبُ الذَّبْحِ مَعَ جَهْلِهِمْ لِتَقْصِيرِهِمْ بَعْدَ التَّعَلُّمِ، وَلِأَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يُسْقِطُ الْإِثْمَ لَا الضَّمَانَ (قَوْلُهُ: يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ) وَمِثْلُهُ مَنْ عَلِمَ بِذَلِكَ مِنْهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْفُقَرَاءِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت إلَخْ) الْمُتَبَادَرُ عَدَمُ الْقَبُولِ ظَاهِرًا وَأَنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا بَاطِنًا وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ صَرِيحًا فِي النَّذْرِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَقْبَلُ الصَّرْفَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ وَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أَلْحَقَتْ) أَيْ الْمَعِيبَةُ وَالْفَصِيلُ (قَوْلُهُ: فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالْأُضْحِيَّةِ وَلَيْسَتْ أُضْحِيَّةً) أَيْ حَتَّى يَتَعَيَّنَ لَهَا وَقْتٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَلْقَاهُ مِنْ وَقْتِهَا) احْتِرَازٌ عَنْ وَقْتِهَا مِنْ عَامٍ آخَرَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ يُسَنُّ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ) كَذَا فِي نُسَخٍ بِإِثْبَاتِ لَفْظِ: اللَّهُمَّ عَقِبَ بِسْمِ اللَّهِ، وَهِيَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا قَوْلُهُ لِصَرَاحَتِهِ فِي الدُّعَاءِ، وَأَيْضًا فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالُوهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التُّحْفَةِ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ إذْ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَخْ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَعْلِيلًا لِلنُّسْخَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ اللَّهُمَّ.
وَحَاصِلُ مَا فِي التُّحْفَةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ اسْتَشْكَلَ مَا هُنَا بِمَا إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ فَرَدَّهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ.
قَالَ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي
(8/137)
الْأَكْلِ مِنْهَا لِصَرَاحَتِهِ فِي الدُّعَاءِ إذْ ذِكْرُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ سِوَى التَّبَرُّكِ، وَحِينَئِذٍ فَوُجِدَ هُنَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ صَارِفَةٌ وَلَا كَذَلِكَ هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ، وَأَفْهَمَ قَوْلُنَا أَدَاءً صَيْرُورَتَهَا قَضَاءً بَعْدَ فَوَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَيَذْبَحُهَا وَيَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا (فَإِنْ تَلِفَتْ) أَوْ سُرِقَتْ أَوْ ضَلَّتْ أَوْ طَرَأَ فِيهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا (قَبْلَهُ) أَيْ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ أَوْ فِيهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ تَفْرِيطٌ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) فَلَا يَلْزَمُهُ بَدَلُهَا لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا بِالِالْتِزَامِ وَبَقَائِهَا فِي يَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ قِنٍّ الْتَزَمَ عِتْقَهُ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ كَانَ بَيْعُهُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ، وَبِالْعِتْقِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهِ لِأَحَدٍ بَلْ يَزُولُ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّ بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَتْلَفَهُ النَّاذِرُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ بَعْدَ ذَبْحِهَا فَمُلَّاكُهَا مَوْجُودُونَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا وَلَوْ ضَلَّتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يُكَلَّفْ تَحْصِيلَهَا.
نَعَمْ إنْ لَمْ يَحْتَجْ فِي ذَلِكَ إلَى مُؤْنَةٍ لَهَا وَقَعَ عُرْفًا فَالْمُتَّجَهُ لُزُومُهُ بِذَلِكَ، وَيَضْمَنُهَا بِتَأْخِيرِ ذَبْحِهَا بِلَا عُذْرٍ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ، وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً وَجَعَلَهَا أُضْحِيَّةً ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا تَعَيَّنَ الْأَرْشُ وَامْتَنَعَ رَدُّهَا لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا كَمَا مَرَّ وَهُوَ لِلْمُضَحِّي، وَلَوْ زَالَ عَيْبُهَا لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً إذْ السَّلَامَةُ لَمْ تُوجَدْ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعْتَقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَعْمَى فَأَبْصَرَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَمُلَ مَنْ الْتَزَمَ عِتْقَهُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِي عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ عَيَّنَ مَعِيبَةً ابْتِدَاءً صَرَفَهَا مَصْرِفَهَا وَأَرْدَفَهَا بِسَلِيمَةٍ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَضَحِيَّةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أَوْ عَيَّنَ سَلِيمًا عَنْ نَذْرِهِ ثُمَّ عَيَّبَهُ أَوْ تَعَيَّبَ أَوْ تَلِفَ أَوْ ضَلَّ أَبْدَلَهُ بِسَلِيمٍ، وَلَهُ اقْتِنَاءُ تِلْكَ الْمَعِيبَةِ وَالضَّالَّةِ لِانْفِكَاكِهَا عَنْ الِاخْتِصَاصِ وَعَوْدِهَا لِمِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ تَمَلُّكٍ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ جَمْعٍ (فَإِنْ أَتْلَفَهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقْبَلُ عَلَى مُعَيَّنٍ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فَيُوَافِقُ قَوْلُهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَكْلُهُ مِنْهَا (قَوْلُهُ: لِصَرَاحَتِهِ فِي الدُّعَاءِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِثْلُهُ هُنَا بِأَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ هَذِهِ أُضْحِيَّتِي أَوْ ضَحِيَّةُ أَهْلِ بَيْتِي لَا تَصِيرُ وَاجِبَةً (قَوْلُهُ فَيَذْبَحُهَا) أَيْ فَوْرًا قِيَاسًا عَلَى إخْرَاجِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَحَقِّينَ بِهَا وَظَاهِرُهُ وَإِنْ أَخَّرَ لِعُذْرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ) بَقِيَ مَا لَوْ أَشْرَفَتْ عَلَى التَّلَفِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَتَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا فَهَلْ يَجِبُ وَيُصْرَفُ لَحْمُهَا مَصْرِفَ الْأُضْحِيَّةِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى بِذَبْحِ الْمَعِيبَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا فِيمَا ذُكِرَ وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِهَا وَلَا يَضْمَنُ بَدَلَهَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ ذَبْحِهَا وَلَمْ يَذْبَحْهَا فَيَنْبَغِي ضَمَانُهُ لَهَا.
(قَوْلُهُ: وَجُلُّهَا أُضْحِيَّةٌ) أَيْ بِالنَّذْرِ (قَوْلُهُ: تَعَيَّنَ الْأَرْشُ) أَيْ وَجَبَ ذَبْحُهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْأَرْشُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَالَ عَيْبُهَا لَمْ تَصِرْ أُضْحِيَّةً) أَيْ لَا تَقَعُ أُضْحِيَّةً بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا مُشْبِهَةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَجِبُ ذَبْحُهَا وَلَيْسَتْ أُضْحِيَّةً فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُ الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ وَلَا الْوَاجِبَةِ إنْ كَانَ الْتَزَمَهَا بِنَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ بِلَا تَعْيِينٍ (قَوْلُهُ فَأَبْصَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ (قَوْلُهُ: صَرَفَهَا مَصْرِفَهَا) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ وَأَرْدَفَهَا بِسَلِيمَةٍ) أَيْ لِتَحْصُلَ لَهُ سُنَّةُ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَبْدَلَهُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: لِانْفِكَاكِهَا عَنْ الِاخْتِصَاصِ) هَلْ يَتَوَقَّفُ انْفِكَاكُهَا عَنْ الِاخْتِصَاصِ بِإِبْدَالِهَا بِسَلِيمٍ، فَقَبْلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الدُّعَاءِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِفَرْضِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ لَا شَاهِدَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّ ذِكْرَهُ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ سِوَى التَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ: لِصَرَاحَتِهِ فِي الدُّعَاءِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ لَا تَصِيرُ وَاجِبَةً، فَانْظُرْ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الْإِعْتَاقِ) مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّا لَوْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِنَفْسِ الِالْتِزَامِ يَسْتَحِيلُ إتْيَانُهُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِسَبْقِ الْعِتْقِ، بِخِلَافِ مَقْصُودِ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ الذَّبْحُ فَإِنَّهُ بَاقٍ، وَإِنْ قُلْنَا بِزَوَالِ الْمِلْكِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيَضْمَنُهَا بِتَأْخِيرِ ذَبْحِهَا بِلَا عُذْرٍ) هُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ (وَلَهُ وَلَوْ زَالَ عَيْبُهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْأُضْحِيَّةِ لَا خُصُوصُ الشَّاةِ
(8/138)
أَوْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ أَوْ ضَلَّتْ: أَيْ وَقَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَأَيِسَ مِنْ تَحْصِيلِهَا فِيمَا يَظْهَرُ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ آنِفًا، أَوْ سُرِقَتْ (لَزِمَهُ) أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا أَوْ نَحْوِهِ وَتَحْصِيلُ مِثْلِهَا فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَكْثَرَ ثُمَّ رَخُصَ سِعْرُهَا وَأَمْكَنَ شِرَاءُ مِثْلِ الشَّاةِ الْأُولَى بِبَعْضِهَا فَيُشْتَرَى بِهِ كَرِيمَةٌ أَوْ شَاتَانِ فَصَاعِدًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ وَفَضَلَ مَا لَا يَكْفِي لِأُخْرَى اُشْتُرِيَ بِهِ شِقْصٌ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ شِقْصٍ بِهِ لِقِلَّتِهِ اُشْتُرِيَ بِهِ لَحْمٌ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ دَرَاهِمَ وَلَا يُؤَخِّرُهَا لِوُجُودِهِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَأَمَّا إذَا تَسَاوَى الْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ أَوْ زَادَتْ عَنْهُ لَزِمَهُ (أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا) يَوْمَ نَحْوِ إتْلَافِهَا (مِثْلَهَا) نَوْعًا وَجِنْسًا وَسِنًّا (وَ) أَنْ (يَذْبَحَهَا فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ لِتَعَدِّيهِ وَيَتَعَيَّنُ مَا اشْتَرَاهُ لِلْأُضْحِيَّةِ إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ عَنْهَا وَإِلَّا فَيَجْعَلُهُ بَعْدَ الشِّرَاءِ بَدَلًا عَنْهَا، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ تَعَيُّنِ الشِّرَاءِ بِالْقِيمَةِ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ مِثْلُهَا وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ عَنْهَا وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُهُمْ خِلَافَهُ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَمْكِينُهُ مِنْ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَانَ بِإِتْلَافٍ وَنَحْوِهِ لِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ لَهُ وِلَايَةَ الذَّبْحِ وَالتَّفْرِقَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْبَدَلِ أَيْضًا، وَالْعَدَالَةُ هُنَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ حَتَّى تَنْتَقِلَ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ، بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ وَصِيٍّ خَانَ فَانْدَفَعَ تَوَقَّفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي ذَلِكَ وَبَحَثَهُ أَنَّ الْحَاكِمَ هُوَ الْمُشْتَرِي (وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ) أُضْحِيَّةً كَعَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ (ثُمَّ عَيَّنَ) الْمَنْذُورَ بِنَحْوِ عَيَّنْت هَذِهِ الشَّاةَ لِنَذْرِي.
وَيَلْزَمُهُ تَعْيِينُ سَلِيمَةٍ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ (لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِيهِ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أُضْحِيَّةً فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ وَمُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَشْخَاصِهَا، فَكَانَ فِي التَّعْيِينِ غَرَضٌ أَيُّ غَرَضٍ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَا لَوْ قَالَ عَيَّنْت هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِبْدَالِ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ أَمْ تَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِيبِ وَضَلَالِهَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ يُشْعِرُ ذِكْرُهُ بَعْدَ الْإِبْدَالِ بِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَزُولُ إلَّا بِالْإِبْدَالِ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ أَوْ تَلِفَتْ بِتَقْصِيرِهِ) وَمِنْهُ مَا لَوْ أَخَّرَ ذَبْحَهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا حَتَّى تَلِفَتْ وَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِاشْتِغَالِهِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ وَإِنْ جَازَ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ مَا مَرَّ آنِفًا) أَيْ قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهَا وَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ تَفْرِيطٌ (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُهُ) كَالسَّرِقَةِ (قَوْلُهُ: فَيَشْتَرِي بِهِ) أَيْ الْأَكْثَرَ (قَوْلُهُ أَوْ زَادَتْ عَنْهُ) الْأَوْلَى أَوْ زَادَ عَنْهَا: أَيْ الْمِثْلِ عَنْ الْقِيمَةِ (قَوْلُهُ: إنْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْقِيمَةِ) أَيْ بِعَيْنِ النَّقْدِ الَّذِي عَيَّنَهُ عَنْ الْقِيمَةِ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَتْ مُنْحَصِرَةً فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْعَدَالَةُ هُنَا غَيْرُ مُشْتَرَطَةٍ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الِانْتِقَالِ لِلْحَاكِمِ أَمَّا الرُّجُوعُ إلَى كَوْنِ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ مِثْلُ الْمَنْذُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَوِّلَ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِكَوْنِ مَا يُرِيدُ ذَبْحَهُ مِثْلُ مَا أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ فَلْيُرَاجَعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُشْتَرَاةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ ضَلَّتْ) أَيْ بِتَفْرِيطٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَلِفَتْ، وَكَذَا يُقَالُ فِي قَوْلِهِ أَوْ سُرِقَتْ (قَوْلُهُ: أَيْ وَقَدْ فَاتَ وَقْتُهَا إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ وَبَنَاهُ عَلَى كَلَامٍ قَدَّمَهُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ، فَتَبِعَهُ الشَّارِحُ هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا مَرَّ مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ أَيْ وَقَدْ فَاتَ وَقْتُهَا لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ الْآتِي وَأَنْ يَذْبَحَهَا فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مُسْتَثْنًى مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ يُخَالِفُ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: وَتَحْصِيلُ مِثْلِهَا) عِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَقِيمَةُ مِثْلِهَا يَوْمَ النَّحْرِ (قَوْلُهُ: أَوْ زَادَتْ عَنْهُ) أَيْ زَادَتْ الْقِيمَةُ عَنْ الْمِثْلِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا عَيْنُ مَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْإِتْلَافِ أَكْثَرَ إلَخْ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ مَعَ إيهَامِ التَّنَاقُضِ فِي الْحُكْمِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّفًا عَنْ قَوْلِهِ أَوْ زَادَ عَنْهَا: أَيْ زَادَ الْمِثْلُ عَنْ الْقِيمَةِ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ زِيَادَتِهَا عَنْهُ الدَّاخِلُ مَعَهَا تَحْتَ قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ قِسْمَ الشَّيْءِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَسِيمًا لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ، وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْجَلَالِ فَرْضُ الْمَتْنِ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ مَا إذَا زَادَ أَحَدَهُمَا.
(8/139)
فِي ذِمَّتِي مِنْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ فِي تَعْيِينِهَا، وَيُمْكِنُ رُجُوعُ ذَلِكَ لِفَرْقِ الرَّوْضَةِ وَهُوَ أَنَّ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمَا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ سَبَبَ ضَعْفِ تَعْيِينِهَا عَدَمُ تَعَلُّقِ غَرَضٍ بِهِ فَيَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ، أَمَّا إذَا الْتَزَمَ مَعِيبَةً ثُمَّ عَيَّنَ مَعِيبَةً فَلَا تَتَعَيَّنُ بَلْ لَهُ ذَبْحُ سَلِيمَةٍ وَهُوَ الْأَفْضَلُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَعِيبَ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، وَمَا قَالَاهُ عَنْ التَّهْذِيبِ إنَّهُ لَوْ ذَبَحَ الْمَعِيبَةَ الْمُعَيَّنَةَ لِلتَّضْحِيَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ تَصَدَّقَ بِلَحْمِهَا وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَتَصَدَّقُ بِهَا وَلَا يَشْتَرِي بِهَا أُخْرَى لِأَنَّ الْمَعِيبَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ بَدَلَ الْمَعِيبِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
(فَإِنْ تَلِفَتْ) الْمُعَيَّنَةُ وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ وَلَوْ (قَبْلَهُ) أَيْ الْوَقْتِ (بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ) كَمَا كَانَ (فِي الْأَصَحِّ) لِبُطْلَانِ التَّعْيِينِ فِي التَّلَفِ، إذْ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ، وَهَذَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ مَدِينِهِ سِلْعَةً بِدَيْنِهِ ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْلَ تَسَلُّمِهَا فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ وَيَعُودُ الدَّيْنُ كَمَا كَانَ.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْإِبْدَالُ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالتَّعْيِينِ
(وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ) هُنَا لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَكَوْنِهَا (عِنْدَ الذَّبْحِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ اقْتِرَانُهَا بِأَوَّلِ الْفِعْلِ هَذَا (إنْ لَمْ يَسْبِقْ) إفْرَازٌ أَوْ (تَعْيِينٌ) وَإِلَّا فَسَيَأْتِي (وَكَذَا) تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ (إنْ قَالَ جَعَلْتُهَا أُضْحِيَّةً فِي الْأَصَحِّ) وَلَا يَكْتَفِي عَنْهَا بِمَا سَبَقَ إذْ الذَّبْحُ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ فَاحْتَاجَ لَهَا وَفَارَقَتْ الْمَنْذُورَةَ الْآتِيَةَ بِأَنَّ صِيغَةَ الْجَعْلِ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي أَصْلِ اللُّزُومِ بِهَا أَحَطُّ مِنْ النَّذْرِ فَاحْتَاجَتْ لِتَقْوِيَتِهَا وَهُوَ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ.
نَعَمْ لَوْ اقْتَرَنَتْ بِالْجَعْلِ كَفَتْ عَنْهَا عِنْدَ الذَّبْحِ كَمَا اكْتَفَى بِاقْتِرَانِهَا بِإِفْرَازٍ أَوْ تَعْيِينِ مَا يُضَحِّي بِهِ فِي مَنْدُوبَةٍ وَوَاجِبَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَنْ نَذْرٍ فِي ذِمَّتِهِ قِيَاسًا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهَا عِنْدَ الْإِفْرَازِ فِي الزَّكَاةِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَ الدَّفْعِ كَمَا يُفْهِمُ جَمِيعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ إلَخْ، وَقَدْ يُفْهِمُ أَيْضًا عَدَمَ وُجُوبِ نِيَّةٍ عِنْدَ الذَّبْحِ فِي الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ وَهُوَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَجِبُ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا.
وَالثَّانِي يَكْتَفِي بِمَا سَبَقَ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّجْدِيدِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَعْتَقْتُك، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ذَبَحَهَا فُضُولِيٌّ عَنْ الْمَالِكِ فِي الْوَقْتِ وَأَخَذَ الْمَالِكُ اللَّحْمَ وَفَرَّقَهُ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ إنَّ هَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّ التَّعْيِينَ يُغْنِي عَنْ النِّيَّةِ.
أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْمُعَيَّنِ بِالنَّذْرِ وَمَا مَرَّ فِي التَّعْيِينِ بِالْجَعْلِ، وَيَلْزَمُ الذَّابِحَ أَرْشُ الذَّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ مُعَدَّةً لِلذَّبْحِ كَالْمَمْلُوكَةِ وَمَصْرِفُهُ مَصْرِفُ الْأَصْلِ، فَإِنْ فَرَّقَهُ الْفُضُولِيُّ وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ فَكَإِتْلَافِهِ (وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ) مَا يُضَحِّي بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ أُضْحِيَّةً وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ اعْتِبَارَ إسْلَامِهِ حِينَئِذٍ (أَوْ) عِنْدَ (ذَبْحِهِ) وَلَوْ كَافِرًا كِتَابِيًّا وَلَهُ تَفْوِيضُ النِّيَّةِ لِمُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ وَكِيلٍ فِي الذَّبْحِ أَوْ غَيْرِهِ لَا كَافِرٍ وَلَا نَحْوِ مَجْنُونٍ وَسَكْرَانَ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِمْ لَهَا، وَيُكْرَهُ اسْتِنَابَةُ كَافِرٍ وَصَبِيٍّ وَذَبْحِ أَجْنَبِيٍّ لِوَاجِبٍ نَحْوِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ الْغَرَضِ فِي تَعْيِينِهَا) أَيْ لِعَدَمِ اخْتِلَافِهَا غَالِبًا حَتَّى لَوْ تَعَلَّقَ غَرَضُهُ لِجُودَتِهَا أَوْ كَوْنِهَا مِنْ جِهَةِ حِلٍّ لَا يَتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا الْتَزَمَ مَعِيبَةً) كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ أَوْ عَرْجَاءَ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) أَيْ إنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِلَحْمِهَا (قَوْلُهُ: لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ لَا يَثْبُتُ شَاةٌ بَدَلَ الْمَعِيبَةِ فِي ذِمَّتِهِ وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ الَّتِي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا ثَابِتَةٌ فِي الذِّمَّةِ
(قَوْلُهُ وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ هُنَا) أَيْ فِيمَا لَوْ عَيَّنَهَا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَيَّنَهَا فِي نَذْرِهِ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: فَاحْتَاجَ لَهَا) أَيْ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: كَالْمَمْلُوكَةِ وَمَصْرِفُهُ) أَيْ الْأَرْشِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَصْرِفُهُ دَرَاهِمَ وَلَا يُشْتَرَى بِهِ لَحْمٌ وَلَا شِقْصٌ (قَوْلُهُ: فَكَإِتْلَافِهِ) فَتَلْزَمُ الْقِيمَةَ الْفُضُولِيُّ بِتَمَامِهَا وَيَدْفَعُهَا لِلنَّاذِرِ فَيَشْتَرِي بِهَا بَدَلَهَا وَيَذْبَحُهَا فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ بِتَفْرِيقِ الْفُضُولِيِّ مَعَ أَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ النَّاذِرِ بِالنَّذْرِ لِأَنَّهُ فَوَّتَ تَفْرِقَةَ الْمَالِكِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ إلَخْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: يُكْتَفَى بِمَا سَبَقَ) أَيْ بِقَوْلِهِ جَعَلْتهَا أُضْحِيَّةً (قَوْلُهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ ذَبَحَهَا فُضُولِيٌّ) الصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ وَذَبْحُ أَجْنَبِيٍّ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ
(8/140)
أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ مُعَيَّنٍ ابْتِدَاءً، أَوْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ بِنَذْرٍ فِي وَقْتِهِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ وُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الصَّرْفِ لِهَذِهِ الْجِهَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَهُ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَرْتَدَّ (الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ) وَهَدْيِهِ بَلْ يُنْدَبُ أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيُمْتَنَعُ أَكْلُهُ مِنْهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنَةُ ابْتِدَاءً أَوْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ، وَخَرَجَ بِمَا مَرَّ مَا لَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ أَوْ ارْتَدَّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا كَمَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُ كَافِرٍ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ إعْطَاءِ الْفَقِيرِ وَالْمُهْدَى إلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا لِلْكَافِرِ، إذْ الْقَصْدُ مِنْهَا إرْفَاقُ الْمُسْلِمِينَ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهَا ضِيَافَةُ اللَّهِ لَهُمْ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَمْكِينُ غَيْرِهِمْ مِنْهُ لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ (وَ) لَهُ (إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ) الْمُسْلِمِينَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ نِيئًا وَمَطْبُوخًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36] أَيْ السَّائِلَ وَالْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ (لَا تَمْلِيكُهُمْ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِطْعَامِ لَا عَلَى التَّمْلِيكِ، نَعَمْ يُرْسِلُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِنَحْوِ أَكْلٍ وَتَصَدُّقٍ وَضِيَافَةٍ لِغَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ، إذْ غَايَةُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَالْمُضَحِّي، نَعَمْ يُتَّجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِلْكُهُمْ لِمَا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ لَهُمْ مِنْ ضَحِيَّةِ بَيْتِ الْمَالِ (وَيَأْكُلُ ثُلُثَا) أَيْ يُنْدَبُ لِلْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْأَكْلِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ نَدْبُ أَكْلِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، إذْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهَا إلَّا لُقَمًا يَسِيرَةً يَتَبَرَّكُ بِهَا، وَدُونَ ذَلِكَ أَكْلُ الثُّلُثِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْبَاقِي، وَدُونَهُ أَكْلُ ثُلُثٍ وَتَصَدُّقٌ بِثُلُثٍ وَإِهْدَاءُ ثُلُثٍ قِيَاسًا عَلَى هَدْيِ التَّطَوُّعِ الْوَارِدِ فِيهِ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] أَيْ الشَّدِيدَ الْفَقْرِ.
(وَفِي قَوْلٍ) قَدِيمٍ يَأْكُلُ (نِصْفًا) أَيْ يُنْدَبُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَيَتَصَدَّقَ بِالْبَاقِي (وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ تَصَدُّقٍ) أَيْ إعْطَاءٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ تَمَلُّكٍ كَمَا كَادُوا أَنْ يُطَبِّقُوا عَلَيْهِ حَيْثُ أَطْلَقُوا هُنَا التَّصَدُّقَ، وَعَبَّرُوا فِي الْكَفَّارَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّمْلِيكِ، وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمَا قَاسَا هَذَا عَلَيْهَا وَأَقَرَّهُمَا، فَالظَّاهِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ مَقَالَةٌ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّضْحِيَةِ مُجَرَّدُ الثَّوَابِ فَيَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُهُ وَمِنْ الْكَفَّارَةِ تَدَارُكُ الْجِنَايَةِ بِالْإِطْعَامِ فَأَشْبَهَ الْبَدَلَ وَالْبَدَلِيَّةُ تَسْتَدْعِي تَمْلِيكَ الْبَدَلِ فَوَجَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ إسْلَامُهُ: أَيْ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: لَا يَمْنَعُهُ مِنْ وُقُوعِهِ) أَيْ حَيْثُ وَلَّى الْمَالِكُ تَفْرِقَتَهُ وَإِلَّا فَكَإِتْلَافِهِ كَمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: كَمَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُ كَافِرٍ) دَخَلَ فِي الْإِطْعَامِ مَا لَوْ ضَيَّفَ الْفَقِيرُ أَوْ الْمُهْدَى إلَيْهِ الْغَنِيُّ كَافِرًا فَلَا يَجُوزُ، نَعَمْ لَوْ اضْطَرَّ الْكَافِرُ وَلَمْ يَجِدْ مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ إلَّا لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِنْهُ مَا يَدْفَعُ ضَرُورَتَهُ وَيَضْمَنُهُ الْكَافِرُ بِبَدَلِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَلَوْ كَانَ الدَّافِعُ لَهُ غَنِيًّا كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْبَدَلِ، وَلَا تَكُونُ الضَّرُورَةُ مُبِيحَةً لَهُ إيَّاهُ مَجَّانًا (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا مَنْدُوبَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ حُرْمَةُ الْإِطْعَامِ (قَوْلُهُ: وَالْمُهْدَى إلَيْهِ مِنْهَا شَيْئًا لِلْكَافِرِ) أَيْ وَلَوْ بِبَيْعٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَهُ إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ) لَمْ يُبَيِّنُوا الْمُرَادَ بِالْغَنِيِّ هُنَا، وَجَوَّزَ م ر أَنَّهُ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَالْفَقِيرُ هُنَا مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ انْتَهَى سم عَلَى مَنْهَجٍ (قَوْلُهُ: لَا تَمْلِيكُهُمْ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ مَلَكْتُكُمْ هَذَا لِتَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِمَا شِئْتُمْ (قَوْلُهُ: وَضِيَافَةٌ لِغَنِيٍّ) أَيْ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ مِلْكُهُمْ) أَيْ الْأَغْنِيَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْمَجْمُوعِ) أَيْ وَأَمَّا مَا فِي الْمَجْمُوعِ إلَخْ بِدَلِيلِ الْفَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: مُعَيَّنٌ ابْتِدَاءً) أَيْ بِغَيْرِ الْجُعْلِ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ) أَيْ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: أَيْ السَّائِلُ وَالْمُتَعَرِّضُ لِلسُّؤَالِ) لَا دَلِيلَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْت أَنَّ الْقَانِعَ السَّائِعَ وَالْمُعْتَرَّ الزَّائِرُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ الْمُتَعَرِّضُ لِلسُّؤَالِ انْتَهَتْ
(8/141)
وَلَوْ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ (بِبَعْضِهَا) مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَكْلُ جَمِيعِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إرْفَاقُ الْمَسَاكِينِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ إرَاقَةِ الدَّمِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْهَدِيَّةُ وَلَا الْجِلْدُ وَنَحْوُهُ مِنْ كَبِدٍ وَكَرِشٍ وَكَذَا وَلَدٌ، بَلْ لَهُ أَكْلُهُ كُلِّهِ وَإِنْ انْفَصَلَ قَبْلَ ذَبْحِهَا، نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالْيَسِيرِ التَّافِهِ جِدًّا وَيُقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ، وَيَجِبُ دَفْعُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ نِيئًا لَا قَدِيدًا، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِالشَّحْمِ إذْ لَا يُسَمَّى لَحْمًا، وَلِلْفَقِيرِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَأْخُوذِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ: أَيْ لِمُسْلِمٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي وَلَوْ أَكَلَ الْجَمِيعَ أَوْ أَهْدَاهُ غَرِمَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَيَأْخُذُ بِثَمَنِهِ شِقْصًا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَهُ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْوَقْتِ لَا الْأَكْلُ مِنْهُ.
وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ، وَيَكْفِي فِي الثَّوَابِ إرَاقَةُ الدَّمِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ (وَالْأَفْضَلُ) تَصَدُّقُهُ (بِكُلِّهَا) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقْوَى وَأَبْعَدُ عَنْ حَظِّ النَّفْسِ (إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَبِدُهَا لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْكُلُ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ» وَحَيْثُ تَصَدَّقَ بِالْبَعْضِ وَأَكَلَ الْبَاقِيَ أُثِيبَ عَنْ التَّضْحِيَةِ بِالْكُلِّ وَعَلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ادِّخَارُ لَحْمِهَا وَلَوْ زَمَنَ غَلَاءٍ وَالنَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ، وَيَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى مُكَاتَبٍ لَا عِنْدَ مَا لَمْ يَكُنْ رَسُولًا لِغَيْرِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْمُضَحِّي وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِهَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ فَلِوَارِثِهِ أَكْلُهُ، وَيُمْتَنَعُ نَقْلُهَا عَنْ بَلَدِ الْأُضْحِيَّةِ كَالزَّكَاةِ (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ) بِنَفْسِهِ أَوْ يُعِيرُهُ لِغَيْرِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَارِثِهِ بَيْعُهُ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَإِجَارَتُهُ وَإِعْطَاؤُهُ أُجْرَةً لِلْجَزَّارِ لِخَبَرِ «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» وَلِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهَا بِذَبْحِهَا فَلَا تُورَثُ عَنْهُ، لَكِنْ يُتَّجَهُ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ لِوَارِثِهِ وِلَايَةَ قِسْمَتِهِ وَالنَّفَقَةُ كَهُوَ أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِنَحْوِ جِلْدِهَا (وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ) الْمُنْفَصِلُ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ التَّعْبِيرُ بِوَلَدٍ، وَيُذْبَحُ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ إنَّ الْحَمْلَ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَا يُسَمَّى وَلَدًا (يُذْبَحُ) وُجُوبًا سَوَاءٌ الْمُعَيَّنَةُ ابْتِدَاءً أَمْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ عَلِقَتْ بِهِ قَبْلَ النَّذْرِ أَمْ بَعْدَهُ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهَا.
فَإِنْ مَاتَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي قَوْلِهِ فَالظَّاهِرُ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِبَعْضِهَا) أَيْ الْمَنْدُوبَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْهَدِيَّةُ) أَيْ لِلْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ: بِالْيَسِيرِ التَّافِهِ جِدًّا) أَيْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَقْعٌ فِي الْجُمْلَةِ كَرِطْلٍ (قَوْلُهُ: مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ) أَيْ غَيْرِ الْأَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَاجِبَ يَسْقُطُ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ: أُثِيبَ عَلَى التَّضْحِيَةِ) أَيْ ثَوَابُ الضَّحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ (قَوْلُهُ: وَعَلَى مَا تَصَدَّقَ) ثَوَابُ الصَّدَقَةِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ صَرْفُهَا) أَيْ الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُمْتَنَعُ نَقْلُهَا) أَيْ نَقْلُ الْأُضْحِيَّةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْمَنْدُوبَةُ وَالْوَاجِبَةُ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَنْدُوبَةِ حُرْمَةُ نَقْلِ مَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ مِنْهَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَالزَّكَاةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّقْلُ مِنْ دَاخِلِ السُّوَرِ إلَى خَارِجِهِ وَعَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا) هَلْ يَكْفِي فِي حُصُولِ السُّنَّةِ أَنْ يُجْعَلَ الْجِلْدُ مِنْ الثُّلُثِ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِأَنْ يُقَوِّمَهُ وَتُنْسَبَ قِيمَتُهُ إلَى قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِكَمَالِهَا وَيَضُمَّ لَهُ مِنْ اللَّحْمِ مَا يَبْلُغُ بِهِ قِيمَةَ ثُلُثِ الْأُضْحِيَّةِ، أَوْ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ بِثُلُثِ اللَّحْمِ، وَأَمَّا الْجِلْدُ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي طُلِبَتْ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ نَظَرٌ.
وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هُوَ الْأَوَّلُ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ الثُّلُثَ الَّذِي يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهَا بِخُصُوصِ اللَّحْمِ.
لَا يُقَالُ: التَّعْبِيرُ بِالْأَكْلِ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِاللَّحْمِ.
لِأَنَّا نَقُولُ: هُوَ لَمْ يَعْتَبِرْ الْأَكْلَ فِي الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بَلْ قَالَ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ فَجَعَلَ الْأُضْحِيَّةَ كُلًّا وَالْمَأْكُولَ بَعْضًا مِنْهَا وَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْأُضْحِيَّةِ بِاللَّحْمِ (قَوْلُهُ: وَالنَّفَقَةُ) أَيْ مُؤَنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَكْلُ جَمِيعِهِ) الظَّاهِرُ جَمِيعُهَا (قَوْلُهُ: إذْ لَا يُسَمَّى لَحْمًا) أَيْ غَالِبًا، وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّاهُ كَمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِمْ وَلَا يَبِيعُ اللَّحْمَ بِالْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ: وَالْأَخْبَارُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَالِاتِّبَاعُ وَهِيَ الَّتِي يَسْتَقِيمُ مَعَهَا قَوْلُهُ بَعْدُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: أَمْ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ) يَجِبُ حَذْفٌ أَمْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا هُنَا
(8/142)
أُمُّهُ بَقِيَ أُضْحِيَّةً (وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالْأُضْحِيَّةِ فَأَشْبَهَ اللَّبَنَ، وَلِأَنَّ التَّصَدُّقَ إنَّمَا يَجِبُ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُضْحِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلُزُومُ ذَبْحِهِ مَعَهَا تَبَعًا لَهَا كَمَا يَجُوزُ أَكْلُ جَنِينِ الْمُذَكَّاةِ تَبَعًا وَكَأَنَّهُ ذُبِحَ مَعَهَا، وَلِهَذَا جَازَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَكْلُ الْوَلَدِ الْحَادِثِ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا، فَكَذَا الْوَلَدُ هُنَا، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحِ الْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ أَكْلِهِ مِنْ أُمِّهِ خِلَافًا لِجَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ، وَعُلِمَ بِالْأَوْلَى حِلُّ جَنِينِهَا الْمُذَكَّى بِذَكَاتِهَا، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ عَدَمُ إجْزَاءِ الْأُضْحِيَّةِ بِحَامِلٍ وَأَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ كَمَا مَرَّ إذْ الْحَامِلُ لَمْ تَقَعْ أُضْحِيَّةً وَإِنْ تَعَيَّنَتْ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُهَا أُضْحِيَّةً كَمَا لَوْ عُيِّنَتْ بِهِ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قِيلَ بِوُقُوعِهَا أُضْحِيَّةً وَحَمَلَهُ عَلَى حَمْلِهَا بَعْدَ النَّذْرِ وَوَضْعِهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لَمْ يَبْعُدْ
(وَ) لَهُ (شُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا) أَيْ الْوَاجِبَةُ، وَمِثْلُهَا بِالْأَوْلَى الْمَعْزُولَةُ عَنْ وَلَدِهَا وَهُوَ مَا لَا يَضُرُّهُ فَقْدُهُ ضَرَرًا لَا يَحْتَمِلُ كَمَالُهُ رُكُوبَهَا لَكِنْ مَعَ الْحَاجَةِ كَأَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا أَثَرَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمِنَّةِ وَالضَّمَانِ، وَلَوْ أَرْكَبَهَا الْمُحْتَاجُ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ ضَمِنَ نَقْصَهَا، فَإِنْ حَصَلَ النَّقْصُ فِي يَدِ مُسْتَعِيرٍ كَانَ هُوَ الضَّامِنَ لَهُ.
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نَحْوُ بَيْعِ اللَّبَنِ وَيُسَنُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَلَهُ جَزُّ صُوفٍ ضَرَّهَا بَقَاؤُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، وَيُنْدَبُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِجِلَالِهَا وَقَلَائِدِهَا
(وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ) وَلَوْ مُدَبَّرًا وَأُمَّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقِ الْعِتْقِ بِصِفَةٍ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَهِيَ تَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، أَمَّا الْمُبَعَّضُ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَامُّ الْمِلْكِ عَلَى مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ (فَإِنْ أَذِنَ) لَهُ (سَيِّدُهُ) وَلَوْ عَنْ نَفْسِهِ (وَقَعَتْ لَهُ) أَيْ لِلسَّيِّدِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ، وَيَلْغُو قَوْلُهُ لَهُ عَنْ نَفْسِك لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَلِلْقَاعِدَةِ وَهِيَ إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ بَقِيَ الْعُمُومُ إذْ إذْنُهُ مُتَضَمِّنٌ لِنِيَّةِ وُقُوعِهَا عَمَّنْ تَصْلُحُ لَهُ وَلَا صَالِحَ لَهَا غَيْرُهُ فَانْحَصَرَ الْوُقُوعُ فِيهِ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْمُشَكِّكِ كَيْفَ يَقَعُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ الْعَبْدِ نِيَابَةً عَنْهُ
(وَلَا) (يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ) مِنْ السَّيِّدِ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا وَقَعَتْ لِلْمُكَاتَبِ (وَلَا تَضْحِيَةَ) أَيْ لَا تَجُوزُ وَلَا تَقَعُ (عَنْ الْغَيْرِ) أَيْ الْحَيِّ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ كَالزَّكَاةِ، وَلِلْأَبِ وَالْجَدِّ فِعْلُ ذَلِكَ عَنْ وَلَدِهِ مَحْجُورِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَمَا لَهُ إخْرَاجُ فِطْرَتِهِ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ دُونَ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الذَّبْحِ، وَقَوْلُهُ الْمُنْفَصِلُ: أَيْ بَعْدَ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ) أَيْ مَا لَمْ تَمُتْ أُمُّهُ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهَا يَصِيرُ أُضْحِيَّةً فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهِ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ حَجّ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ عَيَّنَتْ بِهِ) أَيْ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: بِعَيْبٍ آخَرَ) أَيْ غَيْرِ الْحَمْلِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ النَّذْرِ وَوَضَعَهَا) بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ حَيْثُ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِهَا حَائِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ أَنَّهَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةً لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تَعَيَّبَتْ فَضَحِيَّةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ كَانَ هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ) أَيْ الْمَرْكَبَ (قَوْلُهُ: وَالِانْتِفَاعُ بِهِ) خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْمُبَعَّضُ) وَلَوْ فِي نَوْبَةِ السَّيِّدِ
(قَوْلُهُ وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ) أَيْ كِتَابَةً صَحِيحَةً اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَقَعَتْ لِلْمُكَاتَبِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (قَوْلُهُ: عَنْ وَلَدِهِ مَحْجُورِهِ) أَيْ وَكَأَنَّهُ مَلَكَهُ لَهُ وَذَبَحَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَعُلِمَ بِالْأَوْلَى حِلُّ جَنِينِهَا) فِي الْأَوْلَوِيَّةِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى، وَإِنَّمَا الْأَوْلَوِيَّةُ فِي حُرْمَةِ أَكْلِهِ إذَا قُلْنَا بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْمُنْفَصِلِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُلَائِمُ هَذَا مَا مَرَّ أَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ؟ قُلْت: لَمْ يَقُولُوا هُنَا إنَّ الْحَامِلَ وَقَعَتْ أُضْحِيَّةً، وَإِنَّمَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ إنَّ الْحَامِلَ إذَا عَيَّنَتْ بِنَذْرٍ تَعَيَّنَتْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ وُقُوعُهَا أُضْحِيَّةً كَمَا لَوْ عُيِّنَتْ بِهِ مَعِيبَةً بِعَيْبٍ آخَرَ، عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ صَرَّحُوا بِوُقُوعِهَا أُضْحِيَّةً تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا حَمَلَتْ بَعْدَ النَّذْرِ وَوَضَعَتْ قَبْلَ الذَّبْحِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَرْكَبَهَا الْمُحْتَاجَ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَإِرْكَابُهَا: أَيْ وَلَهُ إرْكَابُهَا الْمُحْتَاجَ بِلَا أُجْرَةٍ لَكِنْ يَضْمَنُ الْمُضَحِّي نَقْصَهَا إلَخْ
(قَوْلُهُ: عَنْهُ) أَيْ عَمَّنْ ذَكَرَ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ.
وَكَانَ الظَّاهِرُ عَنْهُمَا (قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِمَا) أَيْ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ
(8/143)
لَا يَسْتَقِلُّ بِتَمْلِيكِهِ فَتَضْعُفُ وِلَايَتُهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ التَّضْحِيَةِ، وَيُتَّجَهُ جَوَازُ إطْعَامِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مِنْهَا، وَتَقَدَّمَ جَوَازُ إشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي ثَوَابِ أُضْحِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ ضَحَّى وَاحِدٌ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّ لِلْإِمَامِ الذَّبْحَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إنْ اتَّسَعَ، وَلَا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِشْرَاكَ فِي الثَّوَابِ لَيْسَ أُضْحِيَّةً عَنْ الْغَيْرِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْإِمَامُ جَعَلَهُمَا الشَّارِعُ قَائِمَيْنِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَحَيْثُ امْتَنَعَتْ عَنْ الْغَيْرِ وَقَعَتْ عَنْ الْمُضَحِّي إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَإِلَّا فَلَا
(وَلَا) تَجُوزُ وَلَا تَقَعُ أُضْحِيَّةٌ (عَنْ مَيِّتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا) لِمَا مَرَّ، وَتُفَارِقُ الصَّدَقَةَ بِشَبَهِهَا لِفِدَاءِ النَّفْسِ فَتَوَقَّفَتْ عَلَى الْإِذْنِ وَلَا كَذَلِكَ الصَّدَقَةُ، أَمَّا إذَا أَوْصَى بِهَا فَتَصِحُّ لِمَا مَرَّ.
قَالَ الْقَفَّالُ: وَمَتَى جَوَّزْنَا التَّضْحِيَةَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَحَدٍ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهَا لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ فَتَوَقَّفَ جَوَازُ الْأَكْلِ عَلَى إذْنِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ فَوَجَبَ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَنْهُ بِإِذْنِهِ فَيَقَعُ ثَوَابُ التَّضْحِيَةِ لِلصَّبِيِّ وَلِلْأَبِ ثَوَابُ الْهِبَةِ، لَكِنْ فِي حَجّ: وَمَرَّ أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْأَبِ فَالْجَدِّ التَّضْحِيَةَ عَنْ مُولِيهِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُقَدِّرُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْمَوْلَى (قَوْلُهُ: وَأَنَّ لِلْإِمَامِ) أَيْ وَيُتَّجَهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ إلَخْ: أَيْ وَلَا يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ الطَّلَبُ عَنْ الْأَغْنِيَاءِ، وَحِينَئِذٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الذَّبْحِ عَنْهُمْ مُجَرَّدُ حُصُولِ الثَّوَابِ لَهُمْ، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ التَّضْحِيَةِ مِنْ الْإِمَامِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ التَّضْحِيَةُ بِمَا شُرِطَ التَّضْحِيَةُ بِهِ الْوَاقِفُ مِنْ غَلَّةِ وَقْفِهِ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِمَنْ شَرَطَ صَرْفَهُ لَهُمْ، وَلَا تَسْقُطُ بِهِ التَّضْحِيَةُ عَنْهُمْ وَيَأْكُلُونَ مِنْهُ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ، وَلَيْسَ هُوَ ضَحِيَّةٌ عَنْ الْوَاقِفِ بَلْ هُوَ صَدَقَةٌ مُجَرَّدَةٌ كَبَقِيَّةِ غَلَّةِ الْوَقْفِ (قَوْلُهُ وَحَيْثُ امْتَنَعَتْ عَنْ الْغَيْرِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً) تَأَمَّلْ فِيمَا احْتَرَزَ بِهِ عَنْهُ فَإِنَّهَا مَتَى ذُبِحَتْ عَنْ غَيْرِ الْمُضَحِّي كَانَتْ مُعَيَّنَةً
(قَوْلُهُ: وَمَتَى جَوَّزْنَا التَّضْحِيَةَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ: أَيْ بِأَنْ أَوْصَى بِهَا (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَحَدٍ) أَيْ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَلْ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الذَّابِحُ لَهَا عَنْهُ فَقِيرًا جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِصِفَةِ الْفَقْرِ، لَكِنْ فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِهَا لَا عَلَى نَفْسِهِ وَمَمُونِهِ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا مَا يَقَعُ فِي الْأَوْقَافِ مِنْ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ يَذْبَحَ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَيَصْرِفَ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ فِيهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ فَيَصْرِفُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ حَيْثُ كَانَ تَقْرِيرُهُمْ فِي الْوَظَائِفِ صَحِيحًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنَّ لِلْإِمَامِ) لَعَلَّهُ بِكَسْرِ هَمْزَةِ إنَّ اسْتِئْنَافًا وَإِلَّا فَهَذَا لَمْ يَمُرَّ، وَاَلَّذِي يُضَحِّيهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَدَنَةٌ يَذْبَحُهَا فِي الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَشَاةٌ (قَوْلُهُ إنْ اتَّسَعَ) لَيْسَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ إلَخْ) فِي التُّحْفَةِ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ وَلَا تَرِدُ عَلَيْهِ هَذِهِ أَيْ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ إذْ الْإِشْرَاكُ فِي الثَّوَابِ لَيْسَ أُضْحِيَّةً عَنْ الْغَيْرِ وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ إلَخْ فَلَعَلَّ صَدْرَ الْعِبَارَةِ سَقَطَ مِنْ نُسَخِ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِمَّا ضَحَّى بِهِ عَنْ الْحَيِّ بِإِذْنِهِ وَانْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ تَطَوُّعٍ.
(8/144)
(فَصْلٌ) فِي الْعَقِيقَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا نَسِيكَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا عَقِيقَةً كَمَا يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْعِشَاءِ عَتَمَةً، وَهِيَ لُغَةً: الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى رَأْسِ الْوَلَدِ حِينَ وِلَادَتِهِ، وَشَرْعًا: مَا يُذْبَحُ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يَعُقُّ: أَيْ يَشُقُّ وَيَقْطَعُ، وَلِأَنَّ الشَّعْرَ يُحْلَقُ إذْ ذَاكَ وَالْأَصْلُ فِيهَا الْأَخْبَارُ كَخَبَرِ «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ إظْهَارُ الْبِشْرِ وَالنِّعْمَةِ وَنَشْرُ النَّسَبِ، وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ كَالْأُضْحِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إرَاقَةُ دَمٍ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَفْعَلْ» وَمَعْنَى مُرْتَهِنٍ بِعَقِيقَتِهِ: قِيلَ لَا يَنْمُو نُمُوَّ مِثْلِهِ حَتَّى يَعُقَّ عَنْهُ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَإِحَاطَتُهُ بِالسُّنَّةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ ثَبَتَ فِيهِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلَهُ الْحَلِيمِيُّ عَنْ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ عَلَى أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا أَوْ بِأَنَّهَا بِدْعَةٌ إفْرَاطٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَذَبْحُهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا، وَلَوْ نَوَى بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ حَلْقِ شَعْرِهِ) أَيْ عِنْدَ طَلَبِ حَلْقِ شَعْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ، وَالْمُرَادُ مَا يُذْبَحُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ عِلَّةً لِمُقَدِّرٍ: أَيْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ مَا يُذْبَحُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ يَحْلِقُ إذْ ذَاكَ) أَيْ وَالشَّعْرُ لُغَةً يُسَمَّى عَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: كَخَبَرِ الْغُلَامِ إلَخْ) لَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْوَالِدَيْنِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْأُنْثَى فَقَصَدَ حَثَّهُمْ عَلَى فِعْلِ الْعَقِيقَةِ وَإِلَّا فَالْأُنْثَى كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمَعْنَى فِيهِ) فَهُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَلَيْسَ تَعَبُّدًا مَحْضًا (قَوْلُهُ: وَالنِّعْمَةُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ: كَالْأُضْحِيَّةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ (قَوْلُهُ: أَنْ يَنْسُكَ) بِضَمِّ السِّينِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَشْفَعْ فِي وَالِدَيْهِ) أَيْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الشَّفَاعَةِ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِكَوْنِهِ مَاتَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ: وَإِحَاطَتُهُ) أَيْ أَحْمَدَ (قَوْلُهُ: إفْرَاطٌ) أَيْ مُجَاوَزَةٌ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا) وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِقِيمَتِهَا يَكُونُ عَقِيقَةً، وَقَدْ يُخَالِفُهُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ عَنْ الذَّكَرِ شَاةٌ.
وَقَوْلُ الْمَحَلِّيِّ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ فِي عَقِيقَةِ الذَّكَرِ بِشَاةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ ثَوَابَ الذَّبْحِ لِلْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِقِيمَتِهَا مَعَ كَوْنِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي الْعَقِيقَةِ]
ِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ إلَخْ) اُنْظُرْ هَذَا التَّعْلِيلَ وَلَا تَظْهَرُ لَهُ مُلَائِمَةٌ بِمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَصِحُّ جَامِعًا بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَقَّ لُغَةً مَعْنَاهُ قَطَعَ، فَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى أَسْقَطَتْهُ الْكَتَبَةُ مِنْ الشَّارِحِ بَعْدَ إثْبَاتِهِ فِيهِ مَعَ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَيَكُونُ الشَّارِحُ قَدْ أَشَارَ إلَى مُنَاسَبَةِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ فَأَشَارَ لِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى قَطَعَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَذْبَحَهُ يُعَقُّ إلَخْ، وَلِمُنَاسَبَتِهِ لِمَعْنَى الشَّعْرِ بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّ الشَّعْرَ إلَخْ (قَوْلُهُ كَالْأُضْحِيَّةِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَهُوَ جَوَابُ السُّؤَالِ الْمُقَدَّرِ (قَوْلُهُ: وَإِحَاطَتُهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ غَيْرَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اسْتَبْعَدَ مَا قَالَهُ نَصُّهَا.
وَلَا بُعْدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي ذَلِكَ، فَاللَّائِقُ بِجَلَالَةِ أَحْمَدَ وَإِحَاطَتِهِ بِالسُّنَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ انْتَهَتْ.
فَلَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي التُّحْفَةِ أَسْقَطَتْهَا الْكَتَبَةُ مِنْ الشَّرْحِ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ إحَاطَتِهِ بِالسُّنَّةِ لَا تَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ كَمَا لَا يَخْفَى
(8/145)
الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ حَصَلَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ (يُسَنُّ) سُنَّةً مُؤَكَّدَةً (أَنْ يَعُقَّ عَنْ) الْوَلَدِ بَعْدَ تَمَامِ انْفِصَالِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَالْعَاقُّ هُوَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ دُونَ وَلَدِهِ بِشَرْطِ كَوْنِ الْعَاقِّ مُوسِرًا: أَيْ يَسَارَ الْفِطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَلَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ، وَإِذَا بَلَغَ بِلَا عَقٍّ سَقَطَ سِنُّ الْعَقِّ عَنْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَقَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْحَسَنِ وَأَخِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا فِي نَفَقَتِهِ لِإِعْسَارِ وَالِدَيْهِمَا أَوْ كَانَ بِإِذْنِ أَبِيهِمَا، وَوَلَدُ الزِّنَا فِي نَفَقَةِ أُمِّهِ فَيُنْدَبُ لَهَا الْعَقُّ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إظْهَارُهُ الْمُفْضِي لِظُهُورِ الْعَارِ، وَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ نَدْبِ الْعَقِّ مِنْ الْأَصْلِ الْحُرِّ لِوَلَدِهِ الْقِنِّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَعُقَّ عَنْ (غُلَامٍ) أَيْ ذَكَرٍ، وَالْأَوْجَهُ إلْحَاقُ الْخُنْثَى بِهِ فِي ذَلِكَ احْتِيَاطًا كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجَوْجَرِيُّ تَبَعًا لِتَصْرِيحِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَبِهِ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (بِشَاتَيْنِ) وَيُنْدَبُ تَسَاوِيهِمَا (وَ) يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ (جَارِيَةٍ) أَيْ أُنْثَى (بِشَاةٍ) لِخَبَرِ عَائِشَةَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ بِشَاتَيْنِ مُتَكَافِئَتَيْنِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ بِشَاةٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَيُجْزِي شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ مِنْ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ عَنْ الذَّكَرِ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِشَاةٍ» وَآثَرَ الشَّاةَ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْوَارِدِ، وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ مِنْ سَبْعِ شِيَاهٍ ثُمَّ الْإِبِلِ ثُمَّ الْبَقَرِ ثُمَّ الضَّأْنِ ثُمَّ الْمَعْزِ ثُمَّ شِرْكٍ فِي بَدَنَةٍ ثُمَّ بَقَرَةٍ، وَلَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً عَنْ سَبْعَةِ أَوْلَادٍ جَازَ، وَكَذَا لَوْ أَشْرَكَ فِيهِمَا جَمَاعَةً سَوَاءٌ أَرَادَ كُلُّهُمْ الْعَقِيقَةَ أَمْ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ اللَّحْمَ (وَسِنُّهَا) وَجِنْسُهَا (وَسَلَامَتُهَا) مِنْ الْعُيُوبِ (وَالْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ) وَالْإِهْدَاءُ وَالِادِّخَارُ وَقَدْرُ الْمَأْكُولِ وَامْتِنَاعُ نَحْوِ الْبَيْعِ وَتَعْيِينُهَا بِالنَّذْرِ وَاعْتِبَارُ النِّيَّةِ فِيهَا (كَالْأُضْحِيَّةِ) لِشَبَهِهَا بِهَا فِي نَدْبِهَا وَلَوْ كَانَتْ مَنْذُورَةً، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَهَا بِدُونِ نَذْرٍ: أَيْ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ لَحْمِهَا نِيئًا وَلِكَوْنِهَا فِدَاءً عَنْ النَّفْسِ قَدْ تُفَارِقُهَا فِي أَحْكَامٍ يَسِيرَةٍ مِنْهَا مِلْكُ الْغَنِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَيْسَ عَقِيقَةً (قَوْلُهُ: الْأُضْحِيَّةُ) أَيْ الْمَنْدُوبَةُ، وَقَوْلُهُ حَصَلَا: أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لَا قَبْلَهُ) أَيْ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ عَقِيقَةً (قَوْلُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ مُعْسِرًا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ النِّفَاسِ لَا يُطَالَبُ بِهَا بَعْدُ، وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ أَنَّهُ لَوْ أَيْسَرَ قَبْلَ فَوَاتِ أَكْثَرِ مُدَّةِ النِّفَاسِ لَا يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَعْسَرَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُطْلَبُ مِنْهُ، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهَا سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْوَلَدِ بَعْدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ) قَضِيَّةُ أَنَّهَا لَا تُطْلَبُ مِنْهُ بِخُصُوصِهَا بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْعَارِ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ تُذْبَحَ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ فِعْلِهَا أَنَّهُ عَقِيقَةٌ (قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ) أَيْ: خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَاقَّ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ بِتَقْدِيرِ فَقْرِهِ (قَوْلُهُ: مُتَكَافِئَتَيْنِ) أَيْ مُتَسَاوِيَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ الْعَقِيقَةُ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ الْمَنْذُورَةِ، وَقَوْلُهُ مَسْلَكَهَا: أَيْ الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ لَحْمِهَا نِيئًا) أَيْ بَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ مَطْبُوخًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ حَجّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّارِحِ يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَهَا إلَخْ خِلَافُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ لَحْمِهَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِبَعْضِهَا نِيئًا بِخِلَافِ بَاقِيهَا (قَوْلُهُ: وَلِكَوْنِهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: قَدْ تُفَارِقُهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: سُنَّةً مُؤَكَّدَةً) مُكَرَّرٌ (قَوْلُهُ وَالْعَاقُّ) أَيْ مَنْ يُسَنُّ لَهُ الْعَقُّ (قَوْلُهُ: مِنْ مَالِ نَفْسِهِ) اُنْظُرْ هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَاذَا (قَوْلُهُ: قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ أَكْثَرِ النِّفَاسِ) ظَرْفٌ لَمُوسِرًا: أَيْ فَلَا تُشْرَعُ إلَّا لِمَنْ كَانَ مُوسِرًا حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَتَسْقُطُ عَنْهُ وَإِنْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَلَا تَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ: أَيْ لِمَنْ كَانَ مُوسِرًا فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ عَنْ نَفْسِهِ) اُنْظُرْ مَا مَعْنَى تَخْيِيرِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَفْضَلُ) أَيْ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى شَاةٍ وَإِنْ أَجْزَأَتْ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَفْضَلَ سَبْعُ شِيَاهٍ ثُمَّ الْإِبِلُ إلَخْ (قَوْلُهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ) هُوَ بِرَفْعِ نَظِيرُ خَبَرًا (قَوْلُهُ: مِنْهَا مِلْكُ الْغَنِيِّ إلَخْ) أَيْ وَمِنْهَا مَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ عَنْ الشَّيْخِ
(8/146)
لِمَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا ضِيَافَةً عَامَّةً بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ (وَ) مِنْهَا أَنَّهُ (يُسَنُّ طَبْخُهَا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إنَّهُ السُّنَّةُ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.
نَعَمْ الْأَفْضَلُ إعْطَاءُ الْقَابِلَةِ رِجْلَهَا نِيئَةً، وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا إلَى أَصْلِ الْفَخِذِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ وَإِرْسَالُهَا مَعَ مَرَقِهَا عَلَى وَجْهِ التَّصَدُّقِ لِلْفُقَرَاءِ أَكْمَلُ مِنْ دُعَائِهِمْ إلَيْهَا وَأَنْ يَذْبَحَهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيَقُولَ عِنْدَ ذَبْحِهَا: بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك، اللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ وَطَبْخُهَا بِحُلْوٍ تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِ الْوَلَدِ وَيُكْرَهُ بِالْحَامِضِ (وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ) مَا أَمْكَنَ تَفَاؤُلًا بِسَلَامَةِ أَعْضَاءِ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَعَلَهُ لَمْ يُكْرَهْ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَهْيٍ فِيهِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَالْأَقْرَبُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَوْ عَقَّ عَنْهُ بِسُبْعِ بَدَنَةٍ وَتَأْتِي قِسْمَتُهَا بِغَيْرِ كَسْرٍ تَعَلَّقَ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِالْجَمِيعِ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ إلَّا وَلِلْعَقِيقَةِ فِيهِ حِصَّةٌ (وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ) وَيُحْسَبُ يَوْمُهَا كَمَا مَرَّ فِي الْخِتَانِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وُلِدَ لَيْلًا لَمْ يُحْسَبْ يَوْمًا بَلْ يُحْسَبُ مِنْ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَيُنْدَبُ الْعَقُّ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ وَكَذَا قَبْلَهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ (وَ)
أَنْ (يُسَمَّى فِيهِ) لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ بَلْ يُنْدَبُ تَسْمِيَةُ سِقْطٍ نُفِخَتْ فِيهِ رُوحٌ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ ذُكُورَةٌ وَلَا أُنُوثَةٌ سُمِّيَ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُمَا كَطَلْحَةَ وَهِنْدٍ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ بِتَسْمِيَتِهِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، وَحَمَلَهَا الْبُخَارِيُّ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْأُضْحِيَّةَ (قَوْلُهُ: لِمَا يُهْدَى إلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ كَافِرًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ الْأَفْضَلُ إعْطَاءُ الْقَابِلَةِ رِجْلَهَا) أَيْ إحْدَى رِجْلَيْهَا الْمُؤَخَّرَتَيْنِ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِذَلِكَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْقَوَابِلُ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِرِجْلٍ وَاحِدَةٍ لِلْجَمِيعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِرْسَالُهَا) أَيْ الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: وَإِلَيْك) عَطْفُ تَفْسِيرٍ، أَوْ أَنَّ لَك بِمَعْنَى أَذْبَحُ لِأَجْلِك وَإِلَيْك: أَيْ وَيَنْتَهِي فِعْلِي إلَيْك لَا يَتَجَاوَزُك إلَى غَيْرِك (قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ عَقِيقَةٌ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمَنْدُوبَةِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك اللَّهُمَّ هَذِهِ أُضْحِيَّتِي لَا تَصِيرُ بِهَذَا وَاجِبَةً وَهُوَ قَرِيبٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا) وَهُوَ ضَعْفُهُ وَعَدَمُ تَحَمُّلِهِ لِلْخَتْنِ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ الْعَقُّ عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ فِيهَا لَمْ يُنْدَبْ، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَكَذَا قَبْلَهَا إلَخْ، وَعَلَيْهِ فَلَا يَتَأَتَّى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَالتَّمَكُّنُ مِنْ الذَّبْحِ) وَفِي نُسْخَةٍ: وَكَذَا قَبْلُهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَنَقَلَ ع مَا يُوَافِقُ هَذِهِ النُّسْخَةَ
(قَوْلُهُ: أَنْ يُسَمِّيَ فِيهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ حَقُّ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْ الْأَبِ وَإِنْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِفَقْرِهِ ثُمَّ الْجَدُّ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْعَقِّ كَمَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَيَقُولُ عِنْدَ ذَبْحِهَا بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ.
[فَائِدَةٌ] نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ حَنَابِلَةِ عَصْرِهِ أَنَّهُ أَفْتَى بِمَنْعِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّ بَعْضَ ضُعَفَاءِ الشَّافِعِيَّةِ تَبِعَهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَيْ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ النَّفْسُ تَمِيلُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ خَوْفَ السَّبِّ وَالسُّخْرِيَةِ، وَفِيهِ شَيْءٌ فَإِنَّ مِنْ الْيَهُودِ مَنْ تُسَمِّي بِعِيسَى وَالنَّصَارَى بِمُوسَى: أَيْ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّتَهُمَا وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ.
وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ: أَيْ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَلَا أَرَى لَهُ وَجْهًا.
نَعَمْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ نَهَى نَصَارَى الشَّامِ أَنْ يَكْتَنُوا بِكُنَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَوِّي ذَلِكَ فِيمَا تَضَمَّنَ مَدْحًا وَشَرَفًا كَأَبِي الْفَضْلِ وَالْمَحَاسِنِ وَالْمَكَارِمِ وَالْمَشْيَخَةِ وَأَنْ يُسَمُّوا بِمُعَظَّمٍ عِنْدَنَا: أَيْ وَنَهَاهُمْ أَنْ يُسَمُّوا إلَخْ دُونَهُمْ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى نَحْوِ اسْتِهْزَائِهِمْ أَوْ اسْتِخْفَافٍ بِنَا مُنِعُوا، وَإِنْ سَمَّوْا أَوْلَادَهُمْ فَلَا لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ الْكَسْرِ بِالْجَمِيعِ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ تَعَلُّقُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ وَتَأْتِي قِسْمَتُهَا فَائِدَةً فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُسَمَّى فِي السَّابِعِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَتُؤَخَّرُ التَّسْمِيَةُ لِلسَّابِعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَايَةٌ فِي أَصْلِ التَّسْمِيَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي السَّابِعِ فَلْيُرَاجَعْ
(8/147)
مَنْ لَمْ يُرِدْ الْعَقَّ وَالْأَوَّلَ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ، وَيُنْدَبُ تَحْسِينُ الْأَسْمَاءِ وَأَحَبُّهَا عَبْدُ اللَّهِ ثُمَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَلَا يُكْرَهُ اسْمُ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، بَلْ جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ فَضَائِلُ جَمَّةٌ، وَيُكْرَهُ بِقَبِيحٍ كَحَرْبٍ وَمُرَّةَ وَمَا يَتَطَيَّرُ بِنَفْيِهِ كَيَسَارٍ وَنَافِعٍ وَبَرَكَةَ وَمُبَارَكٍ، وَيَحْرُمُ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ إذْ لَا يَصْلُحُ لِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَكَذَا عَبْدُ الْكَعْبَةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ عَلِيٍّ أَوْ الْحَسَنِ لِإِيهَامِ التَّشْرِيكِ، وَمِثْلُهُ عَبْدُ النَّبِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ إرَادَةِ النِّسْبَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ حُرْمَةُ التَّسْمِيَةِ بِجَارِ اللَّهِ وَرَفِيقِ اللَّهِ وَنَحْوِهِمَا لِإِيهَامِهِ الْمَحْذُورَ أَيْضًا، وَحُرْمَةُ قَوْلِ بَعْضِ الْعَوَامّ إذَا حَمَلَ ثَقِيلًا الْحَمَلَةُ عَلَى اللَّهِ، وَلَا بَأْسَ بِاللَّقَبِ الْحَسَنِ إلَّا مَا تَوَسَّعَ فِيهِ النَّاسُ حَتَّى سَمَّوْا السَّفَلَةَ بِفُلَانِ الدِّينِ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً بِنَحْوِ سِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعَرَبِ أَوْ الْقُضَاةِ أَوْ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْكَذِبِ، وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ فِي الْخُطْبَةِ بِمَا فِيهِ مِمَّا يَأْتِي مَجِيئُهُ هُنَا (وَ) أَنْ (يَحْلِقَ رَأْسَهُ) وَلَوْ أُنْثَى لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ، وَيُكْرَهُ لَطْخُهُ بِدَمٍ مِنْ الذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِرِوَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ بِهِ قَالَ بِهَا بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ، وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْ مَحَلٍّ أَوْ مَحَالَّ، وَيُنْدَبُ لَطْخُهُ بِالْخَلُوقِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَأَنْ يَكُونَ الْحَلْقُ (بَعْدَ ذَبْحِهَا وَ) يُسَنُّ بَعْدَ الْحَلْقِ لِلْأُنْثَى وَالذَّكَرِ أَنْ (يَتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ فَاطِمَةَ أَنْ تَزِنَ شَعْرَ الْحُسَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَتَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ فِضَّةً» وَأُلْحِقَ بِهَا الذَّهَبُ بِالْأَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَفْضَلَ، فَأَوْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ مَتَى بُدِئَ بِالْأَغْلَظِ قَبْلُ، أَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ أَوْ بِالْأَسْهَلِ فَلِلتَّخْيِيرِ.
وَيُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَدْهُنَ غِبًّا وَيَكْتَحِلَ لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً وَيُقَلِّمَ ظُفُرَهُ وَيَنْتِفَ إبْطَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ، وَأَنْ يَقُصَّ شَارِبَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى يُبَيِّنَ طَرَفَ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا، وَيُكْرَهُ الْإِحْفَاءُ وَتَأْخِيرُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَنْ حَاجَتِهَا، وَبَعْدَ الْأَرْبَعِينَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ وَمَعَاطِفَ الْأُذُنِ وَصِمَاخَهَا وَبَاطِنَ الْأَنْفِ تَيَامُنًا فِي الْكُلِّ، وَأَنْ يُخَضِّبَ الشِّيبَ بِالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْإِنْسَانَ لَا يُسَمِّي وَلَدَهُ إلَّا بِمَا يُحِبُّ انْتَهَى مُنَاوِيٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا سَمَّيْتُمْ مُحَمَّدًا فَلَا تَضْرِبُوهُ وَلَا تَحْرِمُوهُ» (قَوْلُهُ: وَمُبَارَكٌ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا تَقَعُ التَّسْمِيَةُ بِهِ مِنْ نَحْوِ آمَنْت بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلِيٌّ) أَيْ عَبْدُ عَلِيٍّ وَقَوْلُهُ أَوْ الْحُسَيْنُ: أَيْ أَوْ عَبْدُ الْحُسَيْنِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ عَبْدُ النَّبِيِّ) أَيْ أَوْ عَبْدُ الرَّسُولِ (قَوْلُهُ: وَالْأَوْجَهُ جَوَازُهُ) أَيْ عَبْدِ النَّبِيِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ: لِإِيهَامِهِ الْمَحْذُورَ) أَيْ التَّشْرِيكَ (قَوْلُهُ: وَحُرْمَةُ قَوْلِ بَعْضِ الْعَوَامّ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمَعْنَى الْمُسْتَحِيلَ عَلَى اللَّهِ لِإِيهَامِهِ إيَّاهُ (قَوْلُهُ: حَتَّى سَمَّوْا السَّفَلَةَ بِفُلَانٍ) أَيْ فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً بِنَحْوِ سِتِّ النَّاسِ أَوْ الْعَرَبِ) أَيْ بَلْ وَيَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ بِنَحْوِ عَرَبٍ وَنَاسٍ وَقُضَاةٍ وَعُلَمَاءَ بِدُونِ سِتٍّ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ لَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الْكَذِبِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُحَرَّمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَطْخُهُ) أَيْ الرَّأْسِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ) وَمِنْهُ الشُّوشَةُ (قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ لَطْخُهُ بِالْخَلُوقِ) هُوَ بِالْفَتْحِ ضَرْبٌ مِنْ الطِّيبِ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَدْهُنَ) أَيْ يَدْهُنُ الشَّعْرَ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَزْيِينِهِ بِالدُّهْنِ (قَوْلُهُ: وَيَكْتَحِلُ لِكُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةً) أَيْ مُتَوَالِيَةً (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الْعَكْسُ) أَيْ نَتْفُ الْعَانَةِ وَحَلْقُ الْإِبْطِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَغْسِلَ الْبَرَاجِمَ) اسْمٌ لِعُقَدِ الْأَصَابِعِ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: الْبُرْجُمَةُ بِالضَّمِّ وَاحِدَةُ الْبَرَاجِمِ، وَهِيَ مَفَاصِلُ الْأَصَابِعِ الَّتِي بَيْنَ الْأَشَاجِعِ وَالرَّوَاجِبِ، وَهِيَ رُءُوسُ السَّلَامِيَّاتِ مِنْ ظُهُورِ الْكَفِّ إذَا قَبَضَ الْقَابِضُ كِفَّةُ نَشَزَتْ وَارْتَفَعَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ) هَلْ هُوَ شَامِلٌ لِمَنْ أَرَادَهُ بَعْدَ السَّابِعِ (قَوْلُهُ لِلتَّرْتِيبِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ لِلتَّنْوِيعِ: ثُمَّ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: الْإِحْفَاءُ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ حَفُّ الشَّارِبِ مِنْ أَصْلِهِ (قَوْلُهُ: الْبَرَاجِمَ) جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ
(8/148)
وَيَحْرُمُ بِالسَّوَادِ إلَّا لِجِهَادٍ، وَخِضَابُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِلرَّجُلِ وَالْخُنْثَى حَرَامٌ بِلَا عُذْرٍ، وَيُنْدَبُ فَرْقُ الشَّعْرِ وَتَرْجِيلُهُ وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ، وَيُكْرَهُ نَتْفُهَا وَحَلْقُهَا وَنَتْفُ الشَّيْبِ وَاسْتِعْجَالُهُ بِالْكِبْرِيتِ وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَتَصْفِيفُهَا طَاقَةً فَوْقَ طَاقَةٍ وَالنَّظَرُ فِي سَوَادِهَا وَبَيَاضِهَا إعْجَابًا وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ وَالنَّقْصُ مِنْهُمَا وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ سِبَالَيْهِ، وَيُنْدَبُ لِوَلَدِهِ وَقِنِّهِ وَتِلْمِيذِهِ أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ، وَأَنْ يُكَنِّيَ أَهْلَ الْفَضْلِ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وَلَدٌ، وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ وَفَاسِقٌ وَمُبْتَدِعٌ إلَّا لِخَوْفِ فِتْنَةٍ أَوْ تَعْرِيفٍ وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَيُنْدَبُ تَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ أَوْلَادُ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ، وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يُكَنِّيَ نَفْسَهُ فِي كِتَابٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إنْ كَانَتْ أَشْهَرَ مِنْ الِاسْمِ أَوْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِهَا، وَيَحْرُمُ تَكْنِيَتُهُ بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ (وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُؤَذِّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى) وَيُقِيمَ فِي الْيُسْرَى (حِينَ يُولَدُ) لِخَبَرِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحُسَيْنِ حِينَ وُلِدَ» وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْخُسُهُ حِينَئِذٍ فَشُرِعَ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِأَنَّهُ يُدْبِرُ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» وَهِيَ التَّابِعَةُ مِنْ الْجِنِّ، وَقِيلَ مَرَضٌ يَلْحَقُهُمْ فِي الصِّغَرِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] عَلَى إرَادَةِ النَّسَمَةِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا وَيَزِيدُ فِي الذَّكَرِ التَّسْمِيَةَ وَوَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي أُذُنِ مَوْلُودٍ الْإِخْلَاصَ» فَيُسَنُّ ذَلِكَ أَيْضًا (وَ) أَنْ (يُحَنَّكَ بِتَمْرٍ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى بِأَنْ يَمْضُغَهُ وَيُدَلِّكَ بِهِ حَنَكَهُ حَتَّى يَصِلَ بَعْضُهُ إلَى جَوْفِهِ فَإِنْ فُقِدَ تَمْرٌ فَحُلْوٌ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، وَالْأَوْجَهُ تَقْدِيمُ الرُّطَبِ عَلَى التَّمْرِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ، وَيَنْبَغِي كَوْنُ الْمُحَنِّكِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ لِيَحْصُلَ لِلْمَوْلُودِ بَرَكَةُ مُخَالَطَةِ رِيقِهِ لِجَوْفِهِ، وَيُنْدَبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ بِالسَّوَادِ) أَيْ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ كَمَا شَمَلَهُ إطْلَاقُهُ وَقَوْلُهُ إلَّا لِجِهَادٍ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ فَرْقُ الشَّعْرِ) أَيْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّرْجِيلَ غَيْرُ التَّسْرِيحِ وَأَنَّهُ يَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالتَّسْرِيحُ فِي اللِّحْيَةِ، وَعَلَيْهِ فَالتَّرْجِيلُ التَّجْعِيدُ وَإِرْسَالُ الشَّعْرِ.
قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: قُلْت: تَرْجِيلُ الشَّعْرِ تَجْعِيدُهُ، وَتَرْجِيلُهُ أَيْضًا إرْسَالُهُ بِمُشْطٍ (قَوْلُهُ وَنَتْفُ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ) وَمِنْهُ إزَالَةُ ذَلِكَ بِنَحْوِ الْقَصِّ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ) أَيْ وَلَوْ فِي مَكْتُوبٍ كَأَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ يَا سَيِّدِي وَالْوَلَدُ يَا وَالِدِي أَوْ يَا أَبِي وَالتِّلْمِيذُ يَا أُسْتَاذَنَا أَوْ يَا شَيْخَنَا (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُكَنِّيَ أَهْلَ الْفَضْلِ) أَيْ وَالْمُكَنَّى لَهُ الْأَبُ وَالْجَدُّ (قَوْلُهُ: وَلَا يُكَنَّى كَافِرٌ) أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِكُنْيَةِ الصَّغِيرِ) أَيْ وَلَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ) أَيْ وَلَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ إلَّا إذَا لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِهِ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ) أَيْ وَلَوْ مِنْ امْرَأَةٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ الْأَذَانَ الَّذِي هُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الرِّجَالِ، بَلْ الْمَقْصُودُ بِهِ مُجَرَّدُ الذِّكْرِ لِلتَّبَرُّكِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ فِعْلُ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَ الْمَوْلُودُ كَافِرًا وَهُوَ قَرِيبٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَقْرَعُ سَمْعَهُ ذِكْرُ اللَّهِ وَدَفْعُ الشَّيْطَانِ عَنْهُ، وَرُبَّمَا يَكُونُ دَفْعُهُ عَنْهُ مُؤَدِّيًا لِبَقَائِهِ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِهِدَايَتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ (قَوْلُهُ: فَيُسَنُّ ذَلِكَ) أَيْ وَيَكُونُ فِي الْيَمِينِ كَمَا فِي الذِّكْرِ السَّابِقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ وَهِيَ عُقَدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا أَيْ غَسْلُهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ وَتَصْفِيفُهَا) يَعْنِي اللِّحْيَةَ (قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ فِي الْعِذَارَيْنِ) أَيْ مِنْ الصُّدْغَيْنِ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يُسَمِّيَهُ بِاسْمِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مَقْرُونًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ تَكْنِيَتُهُ بِمَا يُكْرَهُ) لَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا عُرِفَ بِغَيْرِهَا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ ذَكَرًا) يَنْبَغِي حَذْفُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَيَزِيدُ فِي الذَّكَرِ التَّسْمِيَةُ) كَذَا فِي النُّسَخِ يَزِيدُ بِالزَّايِ وَالتَّسْمِيَةُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ قَبْلَ السِّينِ وَبِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ يُرِيدُ بِالرَّاءِ بَدَلَ الزَّايِ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالنَّسَمَةُ بِنُونٍ ثُمَّ سِينٍ ثُمَّ مِيمٍ ثُمَّ تَاءِ التَّأْنِيثِ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ عَلَى إرَادَةِ النَّسَمَةِ.
(8/149)
تَهْنِئَةُ الْوَالِدِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ يُبَارِكُ اللَّهُ لَك فِي الْوَلَدِ الْمَوْهُوبِ وَشَكَرْتَ الْوَاهِبَ وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَرُزِقْتَ بِرَّهُ، وَيُنْدَبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِنَحْوِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، وَالْأَوْجَهُ امْتِدَادُ ذَلِكَ مِنْهَا ثَلَاثًا بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي التَّعْزِيَةِ.
كِتَابُ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَهِيَ جَمْعُ طَعَامٍ وَمَعْرِفَتُهُمَا مِنْ آكَدِ مُهِمَّاتِ الدِّينِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَرْضُ عَيْنٍ، فَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى أَكْلِ الْحَرَامِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَقَوْلُهُ {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَلَالُ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَمَّا يَحِلُّ لَهُمْ فَكَيْفَ يَقُولُ أُحِلَّ لَكُمْ الْحَلَالُ (حَيَوَانُ الْبَحْرِ) وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ أَوْ حَيٍّ لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ (السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ) بِسَبَبٍ أَمْ غَيْرِهِ طَافِيًا أَمْ رَاسِبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] أَيْ مَصِيدُهُ وَمَطْعُومُهُ، وَفَسَّرَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ طَعَامَهُ بِمَا طَفَا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَصَحَّ خَبَرُ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» نَعَمْ إنْ انْتَفَخَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فِي الْوَلَدِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (قَوْلُهُ: وَرُزِقْت بِرَّهُ) وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِالدُّعَاءِ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِلْوَالِدِ أَوْ الْوَلَدِ.
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ
(قَوْلُهُ: مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ) أَيْ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّ (قَوْلُهُ: وَهِيَ جَمْعُ طَعَامٍ) أَيْ بِمَعْنَى مَطْعُومٍ (قَوْلُهُ: وَمَعْرِفَتُهُمَا) أَيْ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ مَا تَسْتَطِيبُهُ النَّفْسُ وَتَشْتَهِيهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِمَنْعِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يَرُدُّ عَلَى تَفْسِيرِ الطَّيِّبِ بِقَوْلِهِ أَيْ مَا تَسْتَطِيبُهُ بِأَنَّ التَّفْسِيرَ بِمَا ذُكِرَ يُنَافِي مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّبِ الْحَلَالُ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحَلَّ حَمْلِ الطَّيِّبِ عَلَى الْحَلَالِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ) تَفْسِيرُهُ بِمَا ذُكِرَ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَمَا يَعِيشُ دَائِمًا فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ قَبْلَ حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنْ يُقَدَّرَ هُنَا مِنْهُ مَا لَا يَعِيشُ إلَخْ، وَهُوَ قِسْمَانِ سَمَكٌ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ صَارَ عَيْشُهُ عَيْشَ مَذْبُوحٍ) أَيْ أَمَّا الْحَيَوَانُ الَّذِي نَشَأَ فِي الْبَحْرِ وَلَكِنَّهُ يَعِيشُ فِيهِ وَفِي الْبَرِّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَرِّ يُؤْكَلُ حَلَّ إذَا ذُبِحَ كَنَظِيرِهِ وَإِلَّا حُرِّمَ كَالضِّفْدَعِ وَنَحْوِهِ.
قِيلَ: وَمِنْ الْأَوَّلِ الْحَيَوَانُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِفَرَسِ الْبَحْرِ فَإِنَّ لَهُ نَظِيرًا فِي الْبَرِّ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ وَهُوَ يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَإِنْ ذُبِحَ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: أَوْ حَيٌّ) عَطْفٌ عَلَى مَذْبُوحٍ، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ أَوْ حَيٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَإِلَّا فَمَا حَرَكَتُهُ حَرَكَةَ مَذْبُوحٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَيٌّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ بَيَانِ مَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ]
كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ حَيٍّ لَكِنَّهُ لَا يَدُومُ) هَذَا يُفِيدُ بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَضِيرُ هُنَا الْحَيَاةُ الْمُسْتَقِرَّةُ، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ فِي قَوْلِهِ
(8/150)
الطَّافِي وَأَضَرَّ حَرُمَ، وَيَحِلُّ أَكْلُ الصَّغِيرِ وَيُتَسَامَحُ بِمَا فِي جَوْفِهِ وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ وَيَحِلُّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ وَبَلْعُهُ وَلَوْ حَيًّا، وَلَوْ وَجَدْنَا سَمَكَةً فِي جَوْفِ أُخْرَى وَلَمْ تَتَقَطَّعْ وَتَتَغَيَّرْ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا (وَكَذَا) يَحِلُّ كَيْفَ مَاتَ (غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ) مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَشْهُورِ فَلَا يُنَافِي تَصْحِيحَ الرَّوْضَةِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ يُسَمَّى سَمَكًا، وَمِنْهُ الْقِرْشُ وَهُوَ اللَّخَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَلَا نَظَرَ إلَّا تَقَوِّيهِ بِنَابِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا بَقَاءَ لَهُ فِي غَيْرِ الْبَحْرِ، بِخِلَافِ التِّمْسَاحِ لِقُوَّتِهِ وَحَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ (وَقِيلَ لَا) يَحِلُّ غَيْرُ السَّمَكِ لِتَخْصِيصِ الْحِلِّ بِهِ فِي خَبَرِ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ» وَرُدَّ بِمَا مَرَّ مِنْ تَسْمِيَةِ كُلِّ مَا فِيهِ سَمَكًا (وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ) كَالْغَنَمِ (حَلَّ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُؤْكَلْ مِثْلُهُ فِيهِ (فَلَا) يَحِلُّ (كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ) لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ أَيْضًا
(وَمَا يَعِيشُ) دَائِمًا (فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ كَضِفْدَعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ وَضَمِّهِ مَعَ كَسْرِ ثَالِثِهِ وَفَتْحِهِ فِي الْأَوَّلِ وَكَسْرِهِ فِي الثَّانِي وَفَتْحِهِ فِي الثَّالِثِ (وَسَرَطَانٍ) وَيُسَمَّى عَقْرَبَ الْمَاءِ وَنَسْنَاسٍ (وَحَيَّةٍ) وَسَائِرِ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَسُلَحْفَاةٍ وَتِرْسَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ قِيلَ هِيَ السُّلَحْفَاةُ، وَقِيلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ بِئْرٍ تَغَيَّرَ مَاؤُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ لِتَغَيُّرِهِ سَبَبٌ، ثُمًّ فَتَّشَ فِيهَا فَوَجَدَ فِيهَا سَمَكَةً مَيِّتَةً فَأُحِيلَ التَّغَيُّرُ عَلَيْهِ فَهَلْ الْمَاءُ طَاهِرٌ أَوْ مُتَنَجِّسٌ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ بَلْ الْمُتَعَيَّنَ الطَّهَارَةُ لِأَنَّ مَيْتَةَ السَّمَكِ طَاهِرَةٌ وَالْمُتَغَيِّرُ بِالطَّاهِرِ لَا يَتَنَجَّسُ، ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْفَصِلْ مِنْهَا أَجْزَاءٌ تُخَالِطُ الْمَاءَ وَتُغَيِّرُهُ فَهُوَ طَهُورٌ لِأَنَّ تَغَيُّرَهُ بِمُجَاوِرٍ وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ طَهُورٍ إنْ كَثُرَ التَّغَيُّرُ بِحَيْثُ يَمْنَعُ إطْلَاقَ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: حُرِّمَ) أَيْ تَنَاوُلُهُ مِنْ حَيْثُ الضَّرَرِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ أَكْلُ الصَّغِيرِ) وَكَذَا الْكَبِيرِ إنْ لَمْ يَضُرَّ: أَمَّا قَلْيُ الْكَبِيرِ وَشَيُّهُ قَالَ م ر: فَمُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ حَلَّ ذَلِكَ بِالصَّغِيرِ حُرْمَتُهُ، وَأَقَرَّهُ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ صَغِيرٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ كِبَارُ الْبِيسَارِيَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمِصْرَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ أُصْبُعَيْنِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَنَجَّسُ بِهِ الدُّهْنُ) أَيْ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَيْسَ الدُّهْنُ بِنَجَسٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ شَيُّهُ وَقَلْيُهُ) قَالَ صَاحِبُ الْعُبَابِ: يَحْرُمُ قَلْيُ الْجَرَادِ.
وَصَرَّحَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِجَوَازِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى السَّمَكِ اهـ.
وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْجَوَازِ لِأَنَّ حَيَاتَهُ مُسْتَقِرَّةٌ بِخِلَافِ السَّمَكِ فَإِنَّ عَيْشَهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ فَالْتَحَقَ بِالْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: كَالْغَنَمِ) أَيْ مَا هُوَ عَلَى صُورَتِهِ لَكِنَّهُ إذَا خَرَجَ تَكُونُ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَمِرَّةٌ
(قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ) .
[فَائِدَةٌ] ذَكَرَ ابْنُ مُطَرِّفٍ أَنَّ السَّرَطَانَ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الدَّنِيلَسِ اهـ عَمِيرَةُ.
وَلَيْسَ مِنْ السَّرَطَانِ الْمَذْكُورِ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ بِبِلَادِ الصِّينِ نَوْعًا مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ يُسَمُّونَهُ سَرَطَانًا، وَشَأْنُهُ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ الْبَحْرِ انْقَلَبَ حَجَرًا وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ، بَلْ هُوَ مِمَّا يُسَمَّى سَمَكًا لِانْطِبَاقِ تَعْرِيفِ السَّمَكِ السَّابِقِ عَلَيْهِ فَهُوَ طَاهِرٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَنَسْنَاسٍ) بِفَتْحِ الْأَوَّلِ قِيلَ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ، وَقِيلَ جِنْسٌ مِنْ الْخَلْقِ يَثْبُتُ أَحَدُهُمْ عَلَى رِجْلٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى مِصْبَاحٌ.
وَضَبَطَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِكَسْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
دَائِمًا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَمَا يَعِيشُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَيًّا) شَمَلَ الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ عَلَى مَا مَرَّ وَفِيهِ مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: مِمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ الْمَشْهُورِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِمَّا يَشْتَهِرُ بِاسْمِ السَّمَكِ وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهِ حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُهُ بَعْدُ وَمِنْهُ الْقِرْشُ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى صُورَةِ السَّمَكِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ) لَعَلَّ الضَّمِيرَ لِلْقِرْشِ نَفْسِهِ، وَيَكُونُ مَعْنَى ضَعْفِهِ عَدَمُ عَيْشِهِ فِي الْبَرِّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا بَقَاءَ لَهُ إلَخْ عَطْفَ تَفْسِيرٍ أَوْ مِنْ عَطْفِ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ بِضَعْفِ نَابِ الْقِرْشِ مُخَالِفٌ لِلْمُشَاهَدِ، وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ فِي التِّمْسَاحِ الْآتِي لِقُوَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ فِي الْبَرِّ.
(قَوْلُهُ: وَحَيَّةٍ) أَيْ مِنْ حَيَّاتِ الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَسُلَحْفَاةٍ) أَيْ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ
(8/151)
اللَّجَاةُ هِيَ السُّلَحْفَاةُ (حَرَامٌ) لِاسْتِخْبَاثِهِ وَضَرَرِهِ مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ اللَّازِمِ مِنْهُ حُرْمَتُهُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضِّفْدَعُ، وَمَا فِيهِ سُمٌّ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ تَحْرِيمِ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنَّسْنَاسِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِ الْبَحْرِ اهـ.
وَأَمَّا الدَّنِيلَسُ فَالْمُعْتَمَدُ حِلُّهُ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الدَّمِيرِيِّ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَدْلَانِ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
(وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ) بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (وَالْخَيْلُ) عَرَبِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا لِصِحَّةِ الْأَخْبَارِ بِحِلِّهَا، وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْ لُحُومِهَا مُنْكَرٌ، وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا بِإِحْلَالِهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْحُمُرُ لَمْ تُحَرَّمْ إلَّا يَوْمَ خَيْبَرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفْهَمْ مِنْ الْآيَةِ تَحْرِيمُ الْحُمُرِ فَكَذَا الْخَيْلُ، وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ، وَيَأْتِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ) وَإِنْ تَأَنَّسَا لِأَنَّهُمَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْ الثَّانِي وَأَمَرَ بِهِ وَقِيسَ بِهِ الْأَوَّلُ (وَظَبْيٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَضَبُعٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ أَكْثَرُ مِنْ إسْكَانِهَا، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " الضَّبُعُ صَيْدٌ، فَإِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ جَزَاءُ كَبْشٍ مُسِنٍّ وَيُؤْكَلُ " وَلِأَنَّ نَابَهُ ضَعِيفٌ لَا يَتَقَوَّى بِهِ وَخَبَرُ النَّهْيِ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَهُوَ لِلتَّنْزِيهِ، وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ سَنَةً ذَكَرٌ وَسَنَةً أُنْثَى وَيَحِيضُ (وَضَبٌّ) وَهُوَ حَيَوَانٌ لِلذَّكَرِ مِنْهُ ذَكَرَانِ وَلِلْأُنْثَى فَرْجَانِ، وَلَا تَسْقُطُ أَسْنَانُهُ حَتَّى يَمُوتَ لِأَنَّهُ أُكِلَ بِحَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَّنَ حِلَّهُ وَإِنَّ تَرْكَهُ لَهُ لِعَدَمِ إلْفِهِ (وَأَرْنَبٌ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ عَكْسُ الزَّرَافَةِ يَطَأُ الْأَرْضَ بِمُؤَخِّرِ قَدَمَيْهِ (وَثَعْلَبٌ) بِمُثَلَّثَةِ أَوَّلِهِ، وَيُسَمَّى أَبَا الْحُصَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّيِّبَاتِ، وَالْخَبَرَانِ فِي تَحْرِيمِهِ ضَعِيفَانِ (وَيَرْبُوعٌ) وَهُوَ حَيَوَانٌ قَصِيرُ الْيَدَيْنِ طَوِيلُ الرِّجْلَيْنِ لَوْنُهُ كَلَوْنِ الْغَزَالِ لِأَنَّهُ طَيِّبٌ أَيْضًا وَنَابُهُمَا ضَعِيفٌ، وَمِثْلُهُمَا وَبْرٌ وَأُمُّ حُبَيْنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
النُّونِ (قَوْلُهُ: حَرَامٌ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَرِّ مَأْكُولٌ وَإِلَّا فَيَحِلُّ إنْ ذُبِحَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مَعَ صِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ) أَيْ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِ الْبَحْرِ) أَيْ فَالْحَيَّةُ وَالنَّسْنَاسُ وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَحْرِيَّةُ حَلَالٌ، وَعَلَى أَنَّ السُّلَحْفَاةَ هِيَ التِّرْسَةُ الَّذِي قَدَّمَهُ تَكُونُ التِّرْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ حَلَالًا عَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ فِي الْبَرِّ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الدَّنِيلَسُ فَالْمُعْتَمَدُ حِلُّهُ) أَيْ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْمُطَرِّفِ فِي السَّرَطَانِ أَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّنِيلَسِ أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ الْمُتَوَلِّدَ مِنْ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِحُرْمَةِ السَّرَطَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَجْهُ ذَلِكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُطَرِّفِ مَمْنُوعٌ، وَفِي تَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ الدَّنِيلَسِ وَحُرْمَةِ السَّرَطَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مُتَوَلِّدًا مِنْ الْآخَرِ
(قَوْلُهُ: وَحِمَارِهِ وَإِنْ تَأَنَّسَا) أَخْذُ الْحِمَارِ غَايَةً ظَاهِرٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إذَا تَأَنَّسَ صَارَ أَهْلِيًّا فَيَحْرُمُ كَسَائِرِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَمَّا أَخْذُهُ غَايَةً فِي الْبَقَرِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهٌ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّ مِنْ الْبَقَرِ حَلَالٌ عِرَابًا كَانَ أَوْ جَوَامِيسَ (قَوْلُهُ: عَكْسُ الزَّرَافَةِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَهِيَ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، قِيلَ لِأَنَّ النَّاقَةَ الْوَحْشِيَّةَ إذَا وَرَدَتْ الْمَاءَ طَرَقَهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ بَعْضُهَا مَأْكُولٌ فَيَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ هَذَا الْحَيَوَانُ، وَمَنْ اشْتَمَلَ عَلَى أَشْيَاءَ لِحَيَوَانَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَكَانَ مُتَوَلِّدًا بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ فَحَرُمَ تَبَعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: كَذَا فِي الرَّوْضَةِ) الْإِشَارَةُ لِمَا فِي الْمَتْنِ.
(قَوْلُهُ: وَيُؤْكَلُ) هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ، وَلَعَلَّهُ فَائِدَةٌ مُجَرَّدَةٌ بَيَّنَ بِهَا حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَإِلَّا فَصَيْدُ الْمُحْرِمِ حَرَامٌ إلَّا إنْ صَادَهُ حَيًّا وَذُبِحَ، أَوْ أَنَّ هَذَا هُوَ صُورَةُ مَا فِي الْحَدِيثِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُمَا وَبْرٌ) هُوَ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ دُوَيْبَّةٌ أَصْغَرُ مِنْ الْهِرِّ كَحْلَاءُ الْعَيْنِ لَا ذَنَبَ لَهَا.
(8/152)
بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَتَحْتِيَّةٌ تُشْبِهُ الضَّبَّ وَهِيَ أُنْثَى الْحَرَابِيّ وَقُنْفُذٌ (وَفَنَكٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ يُؤْخَذُ مِنْ جِلْدِهَا الْفَرْوُ لِلِينِهَا وَخِفَّتِهَا، وَسِنْجَابٌ وَقَاقِمٌ وَحَوْصَلٌ (وَسَمُّورٌ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ حَيَوَانٌ يُشْبِهُ السِّنَّوْرَ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَمَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ طَيْرٌ أَوْ نَبْتٌ أَوْ مِنْ الْجِنِّ فَقَدْ غَلِطَ، وَيَحِلُّ دُلْدُلٌ وَابْنُ عُرْسٍ
(وَيَحْرُمُ) وَشْقٌ وَ (بَغْلٌ) لِنَهْيِهِ عَنْهُ كَالْحِمَارِ يَوْمَ خَيْبَرَ وَلِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَيُغَلَّبُ الْحَرَامُ سَوَاءٌ كَانَ الْحَرَامُ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ مُتَوَلِّدٍ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ الزَّرَافَةُ، فَلَوْ تَوَلَّدَ بَيْنَ فَرَسٍ وَحِمَارٍ وَحْشِيٍّ مَثَلًا حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ (وَحِمَارٌ أَهْلِيٍّ) لِمَا ذُكِرَ (وَكُلُّ ذِي نَابٍ) قَوِيٍّ يَعْدُو بِهِ (مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: أَيْ ظُفُرٍ (مِنْ الطَّيْرِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا فَالْأَوَّلُ (كَأَسَدٍ) وَفَهْدٍ (وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ وَ) الثَّانِي نَحْوُ (بَازٍ وَشَاهِينَ وَصَقْرٍ) هُوَ عَامٌّ بَعْدَ خَاصٍّ لِشُمُولِهِ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا يَصِيدُ وَهُوَ بِالسِّينِ وَالصَّادِ وَالزَّايِ (وَنَسْرٍ) وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا (وَعُقَابٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِ الطَّيْرِ، وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ حُرْمَةُ النَّسْرِ لِاسْتِخْبَاثِهِ لَا لِأَنَّ لَهُ مِخْلَبًا، وَإِنَّمَا لَهُ ظُفُرٌ كَظُفُرِ الدَّجَاجَةِ (وَكَذَا ابْنُ آوَى) بِالْمَدِّ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَخْبِثُهُ وَهُوَ حَيَوَانٌ كَرِيهُ الرِّيحِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ الذِّئْبِ وَالثَّعْلَبِ وَهُوَ فَوْقَهُ وَدُونَ الْكَلْبِ (وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا تَعْدُو بِنَابِهَا.
وَالثَّانِي الْحِلُّ لِأَنَّ نَابَ الْأَوَّلِ ضَعِيفٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ فِي الثَّانِي، وَفِي وَجْهٍ تَحِلُّ الْهِرَّةُ الْأَهْلِيَّةُ أَيْضًا، وَيَحْرُمُ النِّمْسُ لِأَنَّهُ يَفْتَرِسُ الدَّجَاجَ وَأَبُو مِقْرَضٍ عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ) إذْ لَوْ جَازَ أَكْلُهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ (كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ) أَيْ فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ (وَحِدَأَةٍ) بِوَزْنِ عِنَبَةٍ (وَفَأْرَةٍ وَكُلِّ) بِالْجَرِّ (سَبُعٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ (ضَارٍ) بِالتَّخْفِيفِ: أَيْ عَادٍ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ «خَمْسٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ: الْفَأْرَةُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «الْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْحَيَّةُ بَدَلُ الْعَقْرَبِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ السَّبُعَ الْعَادِيَ مَعَ الْخَمْسِ، وَمَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ جَوَازِ قَتْلِ بَهِيمَةٍ وَطِئَهَا آدَمِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهَا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لِعَارِضٍ فَلَا يُنَافِي حِلَّهَا كَحَيَوَانٍ مَأْكُولٍ حَلَّ قَتْلُهُ لِصِيَالِهِ، وَتَقْيِيدُهُ الْغُرَابَ بِالْأَبْقَعِ لِوُرُودِهِ فِي الْخَبَرِ وَلِكَوْنِهِ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَالْأَسْوَدُ وَهُوَ الْغُدَافُ الْكَبِيرُ، وَيُسَمَّى الْجَبَلِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَسْكُنُ إلَّا الْجِبَالَ حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا الْعَقْعَقُ، وَهُوَ ذُو لَوْنَيْنِ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ طَوِيلُ الذَّنَبِ قَصِيرُ الْجَنَاحِ صَوْتُهُ الْعَقْعَقَةُ، وَخَرَجَ بِضَارٍ نَحْوُ ثَعْلَبٍ وَضَبُعٍ لِضَعْفِ نَابِهِ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا رَخَمَةٌ) لِلنَّهْيِ عَنْهَا وَلِخُبْثِهَا (وَبُغَاثَةٌ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ طَائِرٌ أَبْيَضُ، وَيُقَالُ أَغْبَرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِغَيْرِ الْمَأْكُولِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَقُنْفُذٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ انْتَهَى دَمِيرِيٌّ، وَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا انْتَهَى مُخْتَارٌ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُفْتَحُ لِلتَّخْفِيفِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ، وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَيَأْتِي الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى
(قَوْلُهُ: حَلَّ بِالِاتِّفَاقِ) أَيْ لِأَنَّهُمَا مَأْكُولَانِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الثَّعْلَبِ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ النِّمْسُ) وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ نَحْوُ الْهِرَّةِ تَأْوِي الْبَسَاتِينَ غَالِبًا.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَيُقَالُ لَهَا الدَّلَقُ، وَقَالَ الْفَارَابِيُّ: دُوَيْبَّةٌ تَقْتُلُ الثُّعْبَانَ، وَالْجَمْعُ نُمُوسٌ مِثْلُ حِمْلٍ وَحُمُولٍ انْتَهَى مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزِ انْتَهَى مَحَلِّيٌّ (قَوْلُهُ وَالتِّرْمِذِيُّ ذَكَرَ السَّبُعَ) لَعَلَّهُ مَعَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى (قَوْلُهُ: لِعَارِضٍ) أَيْ وَهُوَ السَّتْرُ عَلَى الْفَاعِلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغُدَافُ) هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ انْتَهَى دَمِيرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْعَقْعَقُ) أَيْ يَحْرُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَابْنُ مُقْرِضٍ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الدَّلَقُ بِفَتْحِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: وَبُغَاثَةٌ) هِيَ غَيْرُ الْجُورِيَّةِ الْمُسَمَّاةُ بِالنَّوْرَسَةِ وَقَدْ أَفْتَى بِحِلِّهَا وَالِدُ الشَّارِحِ.
(8/153)
دُونَ الرَّخَمَةِ بَطِيءُ الطَّيَرَانِ لِخُبْثِهَا أَيْضًا (وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ) وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ الزَّاغُ، وَقَدْ يَكُونُ مُحْمَرُّ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَطَابٌ. وَالثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْغِرْبَانِ.
وَأَمَّا الْغُدَافُ الصَّغِيرُ وَهُوَ أَسْوَدُ أَوْ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِلُّهُ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ الزَّرْعَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ تَحْرِيمَهُ (وَيَحْرُمُ بَبَّغَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ، وَبِالْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَصْرِ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ بِالدُّرَّةِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ، وَلَوْنُهَا مُخْتَلِفٌ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ أَخْضَرُ (وَطَاوُوسٌ) لِخُبْثِ غِذَائِهِمَا
(وَيَحِلُّ نَعَامَةٌ) بِالْإِجْمَاعِ (وَكُرْكِيٌّ) وَكَذَا الْحُبَارَى وَالشَّقِرَّاقُ (وَبَطٌّ) قَالَ الدَّمِيرِيِّ: هُوَ الْإِوَزُّ الَّذِي لَا يَطِيرُ (وَإِوَزٌّ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَقَدْ تُحْذَفُ هَمْزَتُهُ لَكِنْ فَسَّرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِوَزَّ بِالْبَطِّ. وَيَحِلُّ سَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ إلَّا اللَّقْلَقَ (وَدَجَاجٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهِ وَكَسْرِهِ لِطِيبِهَا (وَحَمَامٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ) أَيْ شَرِبَ الْمَاءَ بِلَا تَنَفُّسٍ وَمَصٍّ.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْعَبُّ شُرْبُ الْمَاءِ أَوْ الْجَرْعُ أَوْ تَتَابُعُهُ (وَهَدَرَ) أَيْ صَوَّتَ، وَهُوَ تَرْجِيعُ الصَّوْتِ وَمُوَاصَلَتُهُ مِنْ غَيْرِ تَقْطِيعٍ لَهُ وَذِكْرُهُ تَأْكِيدٌ وَإِلَّا فَهُوَ لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ. وَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ فِي مَوْضِعٍ عَلَى عَبَّ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي دَعْوَى مُلَازَمَتِهِمَا وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ الْقُمْرِيُّ وَالدُّبْسِيُّ وَالْيَمَامُ وَالْفَوَاخِتُ وَالْقَطَا وَالْحَجْلُ وَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ كَالْقَطَا أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَيُسَمَّى دَجَاجَ الْبَرِّ (وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبِ) وَهُوَ الْهَزَارُ (وَصَعْوَةٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ عُصْفُورٌ أَحْمَرُ الرَّأْسِ (وَزُرْزُورٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَنُغَرٍ وَبُلْبُلٍ وَكَذَا الْحُمَّرَةُ لِأَنَّهَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ (لَا خُطَّافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُسَمَّى الْآنَ بِعُصْفُورِ الْجَنَّةِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ فِي مُرْسَلٍ اعْتَضَدَ بِقَوْلِ صَحَابِيٍّ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْخُفَّاشِ عِنْدَ اللُّغَوِيِّينَ وَهُوَ طَائِرٌ صَغِيرٌ لَا رِيشَ لَهُ. يُشْبِهُ الْفَأْرَ يَطِيرُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَقَدْ جَزَمَا بِتَحْرِيمِهِ هُنَا.
وَلَا يُنَافِيهِ جَزْمُهُمَا بِلُزُومِ الْقِيمَةِ فِيهِ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ حِلَّ أَكْلِهِ وَيُمْنَعُ بِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَكْلِهِ، إذْ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ حَرَامٌ مَعَ وُجُوبِ الْجَزَاءِ فِيهِ فَلَعَلَّ الْخُفَّاشَ عِنْدَهُمَا مِنْ هَذَا (وَنَمْلٍ وَنَحْلٍ) لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمَا، وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ، وَهُوَ الْكَبِيرُ لِانْتِفَاءِ أَذَاهُ، بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَيَحِلُّ قَتْلُهُ لِكَوْنِهِ مُؤْذِيًا، بَلْ وَحَرْقُهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ كَالْقَمْلِ (وَذُبَابٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ) أَيْ فَلَوْ شَكَّ فِي شَيْءٍ هَلْ هُوَ مِمَّا يُؤْكَلُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ احْتِيَاطًا
(قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ سَائِرُ طُيُورِ الْمَاءِ) وَهِيَ الطُّيُورُ الَّتِي تَأْلَفُ الْمَاءَ غَالِبًا وَلَا تَغْرَقُ فِيهِ (قَوْلُهُ: إلَّا اللَّقْلَقَ) اللَّقْلَاقُ بِالْفَتْحِ الصَّوْتُ وَاللَّقْلَاقُ طَائِرٌ نَحْوُ الْإِوَزَّةِ طَوِيلُ الْعُنُقِ يَأْكُلُ الْحَيَّاتِ وَاللَّقْلَقُ مَقْصُورٌ مِنْهُ انْتَهَى مِصْبَاحٌ.
قَالَ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِيمَا أَكَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْحَيَوَانَاتِ: رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ» .
وَرَوَيَا عَنْ «أَبِي بَكْرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ» وَرَوَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ دَجَاجٍ حَبَسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» (قَوْلُهُ: إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِهِ) أَيْ بِأَنْ شَقَّ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُ قَبْلَ قَتْلِهِ وَتَعَذَّرَ قَتْلُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ الشِّقِرَّاقُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ إسْكَانِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهَا الشِّرِقْرَاقُ، وَهُوَ طَائِرٌ أَخْضَرُ مُلَوَّنٌ عَلَى قَدْرِ الْحَمَامِ (قَوْلُهُ: الْهَزَارُ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ (قَوْلُهُ: وَنُغَرٌ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ عُصْفُورٌ صَغِيرٌ أَحْمَرُ الْأَنْفِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْحُمْرَةُ) هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا مَرَّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ) هُوَ وَجْهُ الْمُنَافَاةِ الْمَنْفِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ بِأَنَّهُ) الْوَجْهُ حَذْفُ قَوْلِهِ وَيُمْنَعُ وَإِبْدَالُ الْبَاءِ لَامًا (قَوْلُهُ: إذْ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ مَأْكُولٍ إلَخْ) يُتَأَمَّلُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ (قَوْلُهُ وَحَمَلُوهُ عَلَى النَّمْلِ السُّلَيْمَانِيِّ)
(8/154)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ (وَحَشَرَاتٍ) وَهِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ (كَخُنْفُسَاء) بِضَمِّ أَوَّلِهِ فَتْحِ ثَالِثِهِ أَشْهَرُ مِنْ ضَمِّهِ وَبِالْمَدِّ، وَحُكِيَ ضَمُّ ثَالِثِهِ مَعَ الْقَصْرِ لِخُبْثِ لَحْمِ الْجَمِيعِ (وَدُودٍ) مُنْفَرِدٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَوَزَغٍ بِأَنْوَاعِهَا وَذَاتِ سُمُومٍ وَإِبَرٍ وَصَرَارَةٍ لِاسْتِخْبَاثِهَا، نَعَمْ يَحِلُّ مِنْهَا نَحْوُ يَرْبُوعٍ وَوَبْرٍ وَأُمِّ حُبَيْنٍ كَمَا مَرَّ، وَاسْتِدْلَالُ الرَّافِعِيِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَزَغِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا سَبْقُ قَلَمٍ، فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ مَنْ قَتَلَهَا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ، وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ» وَفِيهِ حَضٌّ وَأَيُّ حَضٍّ عَلَى قَتْلِهَا.
قِيلَ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ عَلَى إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَكَذَا) يَحْرُمُ كُلُّ (مَا تَوَلَّدَ) يَقِينًا (مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ) كَسِمْعٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِتَوَلُّدِهِ بَيْنَ ذِئْبٍ وَضَبُعٍ، وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا يَقِينًا مَا لَوْ نَتَجَتْ شَاةٌ كَلْبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ كَالْقَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ تَقَعُ الْخِلْقَةُ عَلَى خِلَافِ صُورَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ الْوَرَعُ تَرْكَهَا، وَذَهَبَ جَمْعٌ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْبَهَ بِالْحَلَالِ خِلْقَةً حَلَّ وَإِلَّا فَلَا، وَيَجُوزُ شُرْبُ لَبَنِ فَرَسٍ وَلَدَتْ بَغْلًا وَشَاةٍ كَلْبًا لِأَنَّهُ مِنْهَا لَا مِنْ الْفَحْلِ، وَلَوْ مُسِخَ حَيَوَانٌ يَحِلُّ إلَى مَا لَا يَحِلُّ أَوْ عَكْسُهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَمَلًا بِالْأَصْلِ أَوْ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ الطَّحَاوِيِّ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ الْمَمْسُوخِ إلَيْهِ إنْ بُدِّلَتْ ذَاتُهُ بِذَاتٍ أُخْرَى وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ تُبَدَّلْ إلَّا صِفَتُهُ فَقَطْ اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ، وَالْأَقْرَبُ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ فِي الْآدَمِيِّ الْمَمْسُوخِ مُطْلَقًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قُدِّمَ لِوَلِيٍّ مَالٌ مَغْصُوبٌ فَقُلِبَ كَرَامَةً لَهُ دَمًا ثُمَّ أُعِيدَ إلَى صِفَتِهِ أَوْ صِفَةٍ غَيْرِ صِفَتِهِ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ حِلِّهِ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ عَادَ مِلْكُ مَالِكِهِ فِيهِ كَمَا قَالُوهُ فِي جِلْدِ مَيْتَةٍ دُبِغَ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ بِقَلْبِهِ إلَى الدَّمِ كَمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ بِحَالِهِ (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ) مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ وَلَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْأَمْرِ بِقَتْلِهِ أَوْ النَّهْيِ عَنْهُ (إنْ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ وَطِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ) السَّاكِنِينَ فِي الْبِلَادِ وَالْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْبَوَادِي الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مَا دَبَّ وَدَرَجَ (فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ) سَوَاءٌ مَا بِبِلَادِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَإِنْ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا) يَحِلُّ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَنَاطَ الْحِلَّ بِالطَّيِّبِ وَالْحُرْمَةَ بِالْخَبِيثِ، وَمُحَالٌ عَادَةً اجْتِمَاعُ الْعَالَمِ عَلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهُمْ، وَالْعَرَبُ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ الْأَفْضَلُ الْأَعْدَلُ طِبَاعًا وَالْأَكْمَلُ عُقُولًا، وَمِنْ ثَمَّ أُرْسِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِلُغَتِهِمْ وَكَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِهَا كَمَا فِي حَدِيثٍ، وَفِي آخَرَ «مَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ النَّارَ) أَيْ لِأَنَّ أَصْلَهَا الَّذِي تَوَلَّدَتْ مِنْهُ كَانَ يَنْفُخُ إلَخْ فَثَبَتَتْ الْخِسَّةُ لِهَذَا الْجِنْسِ إكْرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ: مَا لَوْ نَزَا كَلْبٌ عَلَى شَاةٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مَا لَوْ نَتَجَتْ شَاةٌ كَلْبَةً فَإِنَّهَا تَحِلُّ إلَخْ وَفِي حَجّ مَا يُوَافِقُ هَذِهِ النُّسْخَةَ وَهِيَ الْأَقْرَبُ بَلْ الصَّوَابُ فَإِنَّهُ حَيْثُ عَلِمْنَا بِنَزَوَانِ الْكَلْبِ ثُمَّ أَتَتْ بِحَيَوَانٍ حُكِمَ بِتَوَلُّدِهِ مِنْهُمَا فَيَحْرُمُ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ مَا لَوْ نَزَا كَلْبٌ: أَيْ وَلَمْ نَعْلَمْ بِنَزَوَانِ الْكَلْبِ عَلَيْهَا أَوْ عُلِمَ لَكِنْ فِي وَقْتٍ يُعْلَمُ مِنْهُ عَادَةً أَنَّ مَا وَلَدْته لَيْسَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: اُعْتُبِرَ مَا قَبْلَ الْمَسْخِ) أَيْ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي مَعْرِفَةِ مَا تَحَوَّلَ إلَيْهِ أَهُوَ الذَّاتُ أَمْ الصِّفَةُ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَحَدُهُمَا فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي اعْتِبَارُ أَصْلِهِ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ تَبَدُّلَ الذَّاتِ فَنَحْكُمُ بِبَقَائِهَا وَأَنَّ الْمُتَحَوِّلَ هُوَ الصِّفَةُ وَقَدْ عُهِدَ تَحَوُّلُ الصِّفَةِ فِي انْخِلَاعِ الْوَلِيِّ إلَى صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَعُهِدَ رُؤْيَةُ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ عَلَى غَيْرِ صُورَتِهِمَا الْأَصْلِيَّةِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ ذَاتَهُمَا لَمْ تَتَحَوَّلْ وَإِنَّمَا تَحَوَّلَتْ الصِّفَةُ (قَوْلُهُ: فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ) أَيْ بِحُبِّهِ لِي فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يُقَالُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِحُرْمَةِ أَكْلِ الصَّغِيرِ (قَوْلُهُ وَإِبَرٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ حِلِّهِ) أَيْ لِغَيْرِ مَالِكِهِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ السَّاكِنِينَ فِي الْبِلَادِ وَالْقُرَى) لَعَلَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ إلَخْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صِفَةً كَاشِفَةً أَيْضًا لِمَا قَبْلَهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ مَا بِبِلَادِ الْعَرَبِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْعَرَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، أَيْ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ فِيمَا بِبِلَادِ الْعَجَمِ
(8/155)
فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ» لَكِنْ يُرْجَعُ فِي كُلِّ عَصْرٍ إلَى أَكْمَلِ الْمَوْجُودِينَ فِيهِ وَهُمْ مَنْ جَمَعُوا مَا ذُكِرَ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي أَمْرٍ مَجْهُولٍ.
أَمَّا مَا سَبَقَ فِيهِ كَلَامُ الْعَرَبِ قَبْلَهُمْ فَقَدْ صَارَ مَعْلُومَ الْحُكْمِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِهِمْ فِيهِ، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِخَبَرِ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ وَأَنَّهُ لَوْ خَالَفَهُمَا آخَرَانِ أُخِذَ بِالْحَظْرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ مَفْرُوضٌ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ بِخُصُوصِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَطَابَهُ الْبَعْضُ وَاسْتَخْبَثَهُ الْبَعْضُ أُخِذَ بِالْأَكْثَرِ، فَإِنْ اسْتَوَوْا رُجِّحَ قُرَيْشٌ لِأَنَّهُمْ أَكْمَلُ الْعَرَبِ عَمَلًا وَفُتُوَّةً، فَإِنْ اخْتَلَفَ الْقُرَشِيُّونَ وَلَا مُرَجِّحَ أَوْ شَكُّوا أَوْ سَكَتُوا أَوْ لَمْ يُوجِدُوا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْعَرَبِ أُلْحِقَ بِالْحَيَوَانِ الْأَكْثَرِ بِهِ شَبَهًا، فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمْ لِانْتِفَاءِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِمْ حِينَئِذٍ (وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا) عَنْهُ (وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ) حِلًّا وَحُرْمَةً (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ) مِنْ الْحَيَوَانِ صُورَةً أَوْ طَبْعًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ ضِدِّهِ أَوْ طَعْمًا، وَالْمُتَّجَهُ تَقْدِيمُ الطَّبْعِ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الْأَخْلَاقِ عَلَى الْمَعَانِي الْكَامِنَةِ فِي النَّفْسِ فَالطَّعْمُ فَالصُّورَةُ، فَإِنْ اسْتَوَى الشَّبَهَانِ أَوْ لَمْ نَجِدْ لَهُ شَبَهًا حَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] الْآيَةَ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ مِنْ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ التَّعَارُضَ فِي الْأَخْبَارِ ثَمَّ أَقْوَى مِنْهُ هُنَا
(وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ) مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَخِيرِ أَرَادَ الْغَالِبَ وَهِيَ آكِلَةُ الْجَلَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ: أَيْ النَّجَاسَةِ كَالْعَذِرَةِ (حَرُمَ) كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَمَا تُولَدُ مِنْهَا كَبَيْضِهَا وَلَبَنِهَا.
وَيُكْرَهُ إطْعَامُ شَاةٍ مَأْكُولَةٍ نَجَسًا (وَقِيلَ يُكْرَهُ) الْجَلَّالَةُ (قُلْت: الْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ النَّهْيَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ فَلَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا كَمَا لَوْ نَتُنَ اللَّحْمُ الْمُذَكَّاةُ أَوْ بَيْضُهَا، وَيُكْرَهُ رَكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى شَعْرِهَا وَصُوفِهَا الْمُنْفَصِلِ فِي حَيَاتِهَا.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيْتًا وَوُجِدَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ، وَمِثْلُهَا سَخْلَةٌ رُبِّيَتْ بِلَبَنِ كَلْبَةٍ إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا لَا زَرْعَ وَثَمَرَ سُقِيَ أَوْ رُبِّيَ بِنَجَسٍ، بَلْ يَحِلُّ اتِّفَاقًا وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
نَعَمْ إنْ ظَهَرَ نَحْوُ رِيحِ النَّجَاسَةِ فِيهِ اتَّجَهَتْ الْكَرَاهَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ مِنْهُ نَجَسٌ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ (فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا) أَوْ نَجَسًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي أَمْرٍ مَجْهُولٍ) أَيْ أَمْرِ حَيَوَانٍ مَجْهُولٍ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِالْحَظْرِ) أَيْ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُوجَدُوا) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: مِنْ عَدْوٍ) وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ غَدْرٍ
(قَوْلُهُ: لَحْمُ جَلَّالَةٍ) وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَيُقَالُ لَهَا الْجَلَّالَةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ آكِلَةُ الْجَلَّةِ) هِيَ مُثَلَّثَةُ الْجِيمِ انْتَهَى قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إطْعَامُ شَاةٍ مَأْكُولَةٍ نَجَسًا) الْمُتَبَادَرُ مِنْ النَّجَسِ نَجِسُ الْعَيْنِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إطْعَامُهَا الْمُتَنَجِّسَ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ نَتُنَ) بَابُهُ سَهُلَ وَظَرُفَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَعْرَقْ (قَوْلُهُ: وَوُجِدَتْ الرَّائِحَةُ فِيهِ) قَضِيَّةُ التَّقْيِيدِ بِمَا ذُكِرَ انْتِفَاءُ كَرَاهَةِ الْجَنِينِ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ مِنْ أَجْزَائِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِهِ مُتَغَيِّرًا وَعَدَمِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَهُمْ) أَيْ الْأَكْمَلُ (قَوْلُهُ: كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ) أَيْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا لِمَنْ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يُوجَدُوا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ) سَكَتَ عَمَّا إذَا فُقِدُوا وَوُجِدَ غَيْرُهُمْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرَ) أَيْ فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: حِلًّا وَحُرْمَةً) تَمْيِيزَانِ لِعَمَلٍ لَا لِتَسْمِيَتِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا) صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْبِيضُ وَاللَّبَنُ وَنَحْوُهُمَا إذَا تَغَيَّرَ اللَّحْمُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا تَغَيُّرٌ، وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِ الْمُذَكَّاةِ الْآتِي حَيْثُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا وُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ (قَوْلُهُ: الْجَلَّالَةُ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَقِيلَ يُكْرَهُ) خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ لَحْمُ الْجَلَّالَةِ (قَوْلُهُ: إذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ تَغَيُّرُهُ بِالْقُوَّةِ بِأَنْ يُقَدَّرَ لَوْ كَانَ بَدَلُ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ عَذِرَةً مَثَلًا ظَهَرَ فِيهِ التَّغَيُّرُ نَظِيرَ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْبَغَوِيّ، وَإِلَّا فَاللَّبَنُ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ تَغَيُّرٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ ظَهَرَ نَحْوُ رِيحِ النَّجَاسَةِ فِيهِ اُتُّجِهَتْ الْكَرَاهَةُ) قَدْ يُقَالُ: لَا مَوْقِعَ لِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ إذَا ظَهَرَ فِيهِ ذَلِكَ
(8/156)
أَوْ مُتَنَجِّسًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضِ أَوْ لَمْ تُعْلَفْ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاقْتِصَارُ الْأَكْثَرِ عَلَى الْعَلَفِ الطَّاهِرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْعَلَفِ وَأَنَّهُ الطَّاهِرُ (فَطَابَ) لَحْمُهَا (حَلَّ) هُوَ وَبَقِيَّةُ أَجْزَائِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِمَا وَذَلِكَ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ وَلَا تَقْدِيرَ لِمُدَّةِ الْعَلَفِ، وَتَقْدِيرُهَا بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْبَعِيرِ وَثَلَاثِينَ فِي الْبَقَرَةِ وَسَبْعَةٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةٍ فِي الدَّجَاجَةِ لِلْغَالِبِ، أَمَّا طِيبُهُ بِنَحْوِ غَسْلٍ أَوْ طَبْخٍ فَلَا أَثَرَ لَهُ، وَلَوْ غُذِّيَتْ شَاةٌ بِحَرَامٍ مُدَّةً طَوِيلَةً لَمْ تَحْرُمْ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ هُوَ حَلَالٌ فِي ذَاتِهِ، وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ
(وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدِبْسٍ ذَائِبٍ) بِالْمُعْجَمَةِ (حَرُمَ) تَنَاوُلُهُ لِتَعَذُّرِ طُهْرِهِ كَمَا مَرَّ، أَمَّا الْجَامِدُ فَيُزِيلُهُ وَمَا حَوْلَهُ وَيَأْكُلُ بَاقِيَهُ، وَلَا يُكْرَهُ بَيْضٌ صُلِقَ فِي مَاءٍ نَجِسٍ، وَلَا يَحْرُمُ مِنْ الطَّاهِرِ إلَّا نَحْوُ تُرَابٍ وَحَجَرٍ وَمِنَّةُ مَدَرٌ وَطَفْلٌ لِمَنْ يَضُرُّهُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمْعٍ حُرْمَتَهُ بِخِلَافِ مَا لَا يَضُرُّهُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ آخَرُونَ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَسَمِّ وَإِنْ قَلَّ إلَّا لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ وَنَبْتُ جَوْزٍ سُمِّيَّتُهُ وَمُسْكِرٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الظَّاهِرُ إلْحَاقُ وَلَدِهَا بِهَا إذَا ذُكِّيَتْ وَوُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا أَوْ ذُكِّيَ وَوُجِدَتْ فِيهِ الرَّائِحَةُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي بَطْنِهَا مَيِّتًا كُرِهَ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ إذَا خَرَجَ حَيًّا ثُمَّ ذُكِّيَ فُصِّلَ فِيهِ بَيْنَ ظُهُورِ الرَّائِحَةِ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: مُدَّةً طَوِيلَةً) يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّولِ أَنْ تُعْلَفَ قَدْرًا فِي مُدَّةٍ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ الْجُلَّةِ لَغَيَّرَ لَحْمَهَا أَخْذًا مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ عَنْ الْأَنْوَارِ (قَوْلُهُ: وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَهَلْ تُكْرَهُ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّفْصِيلِ) وَهُوَ أَنَّ الْحَرَامَ إنْ كَانَ لَوْ فُرِضَ نَجِسًا غَيْرَ اللَّحْمِ حَرُمَتْ وَإِلَّا فَلَا مَبْنَى إلَخْ انْتَهَى حَجّ
(قَوْلُهُ: وَدِبْسٍ) هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَا سَالَ مِنْ الرُّطَبِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ) أَيْ الْقَلِيلُ مِنْهُ أَمَّا الْكَثِيرُ فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَنَبْتِ جَوْزٍ سُمَيَّتُهُ) أَيْ وَلَبَنِ جَوْزٍ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ انْتَهَى حَجّ.
وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ اللَّحْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَيَوَانَ إلَخْ) يَجِبُ حَذْفُ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِمَا) قَدْ يُقَالُ إنَّ مَا قَرَّرَهُ لَا يُنْتِجُ لَهُ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَذَ الْحِلَّ فِي الْمَتْنِ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ الصَّادِقِ بِالْكَرَاهَةِ وَلِهَذَا احْتَاجَ لِلتَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
وَاَلَّذِي يُنْتِجُ لَهُ مَا ذَكَرَ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَلَّ: أَيْ لَمْ يَحْرُمْ وَلَمْ يُكْرَهْ فَالْمُرَادُ أُبِيحَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَالْحُرْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْغَيْرِ) أَيْ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ لَا يُخَاطَبُ بِالْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ وَمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَبْنِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ) فِيهِ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ كَوْنَهُ مَبْنِيًّا عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي الْأَنْوَارِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَإِنَّهُ نَقَلَ التَّفْصِيلَ الْآتِيَ عَنْ الْبَغَوِيّ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حُرْمَةِ الْجَلَّالَةِ، وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هُوَ احْتِمَالٌ أَيْضًا لِلْبَغَوِيِّ الَّذِي مَا فِي الْأَنْوَارِ مَنْقُولٌ عَنْهُ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ سِيَاقُ الشَّارِحِ أَيْضًا، بَلْ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبَغَوِيّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْهُ.
وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا فِي الْأَنْوَارِ إلَخْ لَا مَوْقِعَ لَهُ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذْ هُوَ مُتَأَتٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَالْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الشَّاةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَعَلَّهُمَا إنَّمَا اقْتَصَرَا عَلَى نَفْيِ الْحُرْمَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تُتَوَهَّمُ مِنْ غِذَائِهَا بِالْحَرَامِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَا قَالَاهُ سَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْبَغَوِيّ، وَعِبَارَتُهُ فِي الْفَتَاوَى: إذَا رُبِّيَتْ شَاةٌ بِعَلَفٍ مَغْصُوبٍ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَوْ كَانَ نَجِسًا لَظَهَرَ تَغَيُّرُهُ فِيهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْعَلَفَ حَلَالٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ لِحَقِّ الْغَيْرِ وَاسْتَقَرَّتْ الْقِيمَةُ فِي الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ الْمُرَبَّى بِلَبَنِ الْكَلْبِ فَإِنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ وَهَذَا أَشْبَهُ انْتَهَتْ.
وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا إلَخْ هُوَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ فِي الْأَنْوَارِ.
(قَوْلُ الْمَتْنِ حَرُمَ) أَيْ دَائِمًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي امْتَازَ بِهِ عَنْ سَائِرِ الْمُتَنَجِّسَاتِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَسْتَقِيمُ مَعَهُ الْعِلَّةُ (قَوْلُهُ: فَيُزِيلُهُ) يَعْنِي النَّجَسَ
(8/157)
كَكَثِيرِ أَفْيُونٍ وَجَوْزَةِ طِيبٍ وَزَعْفَرَانٍ وَجِلْدٍ دُبِغَ وَمُسْتَقْذَرٍ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ ذَوِي الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ كَمُخَاطٍ وَمَنِيٍّ وَبُصَاقٍ وَعَرَقٍ إلَّا لِعَارِضٍ كَغُسَالَةِ يَدٍ وَلَحْمٍ أَنْتَنَ، أَمَّا رِيقٌ لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ فَيُتَّجَهُ فِيهِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِانْتِفَاءِ اسْتِقْذَارِهِ، وَلَوْ وَقَعَتْ مَيْتَةُ مَا لَا نَفَسَ لَهَا سَائِلَةٌ وَلَمْ تَكْثُرْ بِحَيْثُ لَا يُسْتَقْذَرْ أَوْ قِطْعَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْ لَحْمِ آدَمِيٍّ فِي طَبِيخِ لَحْمٍ مُذَكَّى لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُ الْجَمِيعِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا وَقَعَ بَوْلٌ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ جَازَ اسْتِعْمَالُ الْجَمِيعِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ صَارَ كَالْعَدَمِ (وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ) لِلْحُرِّ وَإِنْ كَسَبَهُ قِنٌّ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ» وَلَوْ حَرُمَ لَمْ يُعْطِهِ لِأَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ الْأَخْذُ حَرُمَ الْإِعْطَاءُ كَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَإِعْطَاءِ ظَالِمٍ أَوْ قَاضٍ أَوْ شَاعِرٍ خَوْفًا مِنْهُ فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ، وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» فَمُؤَوَّلٌ عَلَى حَدِّ {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] وَعِلَّةُ خُبْثِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةَ عَلَى الْأَصَحِّ لَا دَنَاءَةُ الْحِرْفَةِ، وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوا بِهِ كُلَّ كَسْبٍ حَصَلَ مِنْ مُبَاشَرَتِهَا كَزَبَّالٍ وَدَبَّاغٍ وَقَصَّابٍ لَا فَصَّادٍ عَلَى الْأَصَحِّ لِقِلَّةِ مُبَاشَرَتِهِ لَهَا، وَكَذَا حَلَّاقٌ وَحَارِسٌ وَحَائِكٌ وَصَبَّاغٌ وَصَوَّاغٌ وَمَاشِطَةٌ إذْ لَا مُبَاشَرَةَ لِلنَّجَاسَةِ فِيهَا (وَيُسَنُّ) لِلْحُرِّ (أَنْ لَا يَأْكُلَهُ) بَلْ يُكْرَهُ لَهُ أَكْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مِثَالٌ إذْ سَائِرُ وُجُوهِ الْإِنْفَاقِ كَذَلِكَ حَتَّى التَّصَدُّقَ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ (وَ) أَنْ (يُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ) أَيْ بَعِيرَهُ الَّذِي يُسْقَى عَلَيْهِ لِخَبَرِ «أَعْلِفْهُ نَاضِحَك وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَك» وَآثَرَ لَفْظَ الرَّقِيقِ وَالنَّاضِحِ مَعَ لَفْظِ الْإِطْعَامِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنْ يُمَوِّنَ بِهِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ رَقِيقٍ وَغَيْرِهِ وَلِدَنَاءَةِ الرَّقِيقِ لَاقَ بِهِ الْكَسْبُ الدَّنِيءُ بِخِلَافِ الْحُرِّ، وَيُنْدَبُ لِلْإِنْسَانِ التَّحَرِّي فِي مُؤْنَةِ نَفْسِهِ وَمُؤْنَةِ مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ عَجَزَ فَفِي مُؤْنَةِ نَفْسِهِ، وَلَا تَحْرُمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَلَا الْأَكْلُ مِنْهُ.
وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ ثُمَّ صِنَاعَةُ الْيَدِ ثُمَّ التِّجَارَةُ
(وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيِّتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ) وَإِنْ أَشْعَرَ لِخَبَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَكُتِبَ عَلَيْهِ سُمٌّ قَوْلُهُ وَبِلَبَنِ جَوْزٍ أَنَّهُ سُمٌّ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ كَذَا فِي الْعُبَابِ، قَالَ الشَّارِحُ: كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي، قَالَ: وَكَذَا لَوْ وَجَدَ وَشَكَّ هَلْ ذَبَحَهُ مَنْ يَحِلُّ ذَبْحُهُ أَوْ غَيْرُهُ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ فِي النَّبَاتِ وَاللَّبَنِ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَخْرِيجُهُمَا عَلَى الْأَشْيَاءِ قَبْلَ الشَّرْعِ فَالصَّحِيحُ لَا حُكْمَ فَيَحِلَّانِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَذْبُوحَةِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا التَّحْرِيمُ حَتَّى يُعْلَمَ الْمُبِيحُ وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُمَا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا الْحِلُّ انْتَهَى كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَذْبُوحِ شَامِلٌ لِمَا إذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ أَوَّلًا فَلْيُرَاجَعْ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا هُنَا مَا ذُكِرَ وَفَصَّلُوا فِيهِ ثَمَّ انْتَهَى (قَوْلُهُ: أَمَّا رِيقٌ لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ فَيُتَّجَهُ عَدَمُ الْحُرْمَةِ) أَيْ مَا دَامَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُصُّ لِسَانَ عَائِشَةَ» اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ لَا يُسْتَقْذَرُ) أَيْ أَمَّا إذَا اُسْتُقْذِرَ فَيَحْرُمُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقْذِرْهُ خُصُوصُ مَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ ذَوِي الطَّبَائِعِ السَّلِيمَةِ (قَوْلُهُ: فَيَحْرُمُ الْأَخْذُ فَقَطْ) أَيْ وَلَا يَحْرُمُ الْإِعْطَاءُ لِمَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ، أَمَّا مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ مَحَبَّةِ إظْهَارِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ مِنْ الشُّعَرَاءِ فَيَحْمِلُهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِإِكْرَامِهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ زِيَادَةً عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْهَا، وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الْحُرْمَةِ حَيْثُ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى وَصْفِهِ بِحَرَامٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حَيْثُ جَازَ الْإِعْطَاءُ جَازَ الْأَخْذُ (قَوْلُهُ: وَمَاشِطَةٌ) أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ الْقَابِلَةُ (قَوْلُهُ: وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُبَاشِرْهَا بِنَفْسِهِ بَلْ بِالْعَمَلَةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ التِّجَارَةُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يُفَارِقْ مَعْدِنَهُ) بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ إذْ هُوَ مَا دَامَ فِي مَعْدِنِهِ يُقَالُ لَهُ رِيقٌ، فَإِذَا فَارَقَهُ يُقَالُ لَهُ بُصَاقٌ، فَقَوْلُهُ أَمَّا رِيقُ إلَخْ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بُصَاقٌ (قَوْلُهُ: لِانْتِفَاءِ اسْتِقْذَارِهِ) قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ هَذَا لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ إلَّا لِعَارِضٍ نَحْوُ مَحَبَّةٍ وَهَذَا لَا نَظَرَ إلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَقْذَرٌ أَصَالَةً بِالنِّسْبَةِ لِغَالِبِ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ، إذْ اسْتِقْذَارُهُ إنَّمَا يَنْتَفِي بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمُحِبِّ مِنْ الْأَفْرَادِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ) أَيْ حِينَ حَجَمَهُ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذَا الدَّلِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ
(8/158)
«ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» أَيْ الَّتِي أَحَلَّتْهَا أَحَلَّتْهُ تَبَعًا لَهَا مَا لَمْ يَنْفَصِلْ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَتْ تَذْكِيَتُهُ، فَإِنْ خَرَجَ وَبِهِ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ وَمَاتَ حَالًا حَلَّ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ مَيِّتًا وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا بَعْدَ ذَبْحِهَا زَمَانًا طَوِيلًا ثُمَّ سَكَنَ لَمْ يَحِلَّ، أَوْ سَكَنَ عَقِبَهُ حَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ، وَإِنْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ مَيِّتًا ثُمَّ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ لَمْ يَحِلَّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ، وَلَا بُدَّ فِي الْحِلِّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مُؤَثِّرَةً فِيهِ، فَلَوْ كَانَ مُضْغَةً لَمْ تَتَبَيَّنْ بِهَا صُورَةٌ لَمْ تَحِلَّ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُذَكَّاةِ عُضْوٌ أَشَلُّ حَلَّ
(وَمَنْ) (خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا) أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَجِدْ حَلَالًا وَهُوَ مَعْصُومٌ غَيْرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ (وَوَجَدَ مُحَرَّمًا) غَيْرَ مُسْكِرٍ كَمَيْتَةٍ وَلَوْ مُغَلَّظَةً وَدَمٍ (لَزِمَهُ أَكْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ} [البقرة: 173] الْآيَةَ مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وَكَذَا لَوْ خَافَ الْعَجْزَ عَنْ نَحْوِ الْمَشْيِ أَوْ التَّخَلُّفِ عَنْ الرُّفْقَةِ إنْ حَصَلَ لَهُ بِهِ ضَرَرٌ لَا نَحْوُ وَحْشَةٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَكَذَا لَوْ أَجْهَدَهُ الْجُوعُ وَعِيلَ صَبْرُهُ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ فِي ذَلِكَ كَافِيَةٌ، بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ، وَاكْتُفِيَ بِالظَّنِّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى أَكْلِ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّيَقُّنُ وَلَا الْإِشْرَافُ عَلَى الْمَوْتِ، بَلْ لَوْ انْتَهَى إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مَالِكُ طَعَامٍ مِنْ بَذْلِهِ إلَّا بَعْدَ وَطْئِهَا زَنَى لَمْ يَجُزْ لَهَا تَمْكِينُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِالْقَتْلِ لَا يُبِيحُهُ وَاللِّوَاطُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةً فِي الْجُمْلَةِ لِاخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ شُدِّدَ فِيهِ أَكْثَرَ (وَقِيلَ يَجُوزُ) كَمَا فِي الِاسْتِسْلَامِ لِلْمُسْلِمِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا فِي الْجُمْلَةِ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَةً يَحِلُّ مَذْبُوحُهَا وَأُخْرَى لَا يَحِلُّ: أَيْ كَآدَمِيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ فِيمَا يَظْهَرُ تَخَيَّرَ أَوْ مُغَلَّظَةٍ وَغَيْرِهَا تَعَيَّنَ غَيْرُهَا: قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.
وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ لَهُ مَرْدُودٌ، أَمَّا الْمُسْكِرُ فَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ لِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ حَتَّى يَتُوبَ وَمِثْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ مُرْتَدٌّ وَحَرْبِيٌّ حَتَّى يُسْلِمَا، قَالَ: وَكَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يُشْكِلُ تَقْدِيمُ الزِّرَاعَةِ عَلَى قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: 267] لِأَنَّهُ عَطَفَ فِي الْآيَةِ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبًا
(قَوْلُهُ حَلَّ) أَيْ وَلَا يَتَوَقَّفُ حِلُّهُ عَلَى ذَبْحٍ (قَوْلُهُ: وَاضْطَرَبَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ اضْطَرَبَ إلَخْ، وَإِنَّمَا حَرُمَ وَالْحَالَةُ مَا ذَكَرَ لِأَنَّ اضْطِرَابَهُ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّ مَوْتَهُ لَيْسَ بِتَذْكِيَةِ أُمِّهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ ذُبِحَتْ أُمُّهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ وَمَاتَ بِذَبْحِهَا حَلَّ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُغَلَّظَةً) وَمَيْتَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِ (قَوْلُهُ: وَعِيلَ) أَيْ فَقَدَ (قَوْلُهُ: وَغَلَبَةُ الظَّنِّ) قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الظَّنِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ بَلْ يَكْفِي مُجَرَّدُ ظَنِّهِ بِأَمَارَةٍ يُدْرِكُهَا، وَقِيَاسُ مَا فِي التَّيَمُّمِ اشْتِرَاطُ الظَّنِّ مُسْتَنِدًا لِخَبَرِ عَدْلٍ رَوَاهُ أَوْ مَعْرِفَتِهِ بِالطِّبِّ (قَوْلُهُ: بَلْ لَوْ جَوَّزَ السَّلَامَةَ وَالتَّلَفَ عَلَى السَّوَاءِ حَلَّ) أَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا جَوَّزَ التَّلَفَ مَعَ كَوْنِ الْغَالِبِ السَّلَامَةَ لَمْ يَجُزْ تَنَاوُلُهُ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ: شَدَّدَ فِيهِ أَكْثَرَ) أَيْ مِنْ اللِّوَاطِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ فِي هَذَا إيثَارًا) أَيْ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ كَآدَمِيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) هَلَّا وَجَبَ تَقْدِيمُ لَحْمِ الْمَيْتَةِ عَلَى لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِاحْتِرَامِ ذَاتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى الشَّارِحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ لَوْ أَخْرَجَ رَأْسَهُ إلَخْ) هَذَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالْوَجْهُ حَذْفُ لَفْظِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ ذَبْحُهُ حَتَّى يَخْرُجَ) أَيْ فَيَحِلُّ إذَا مَاتَ عَقِبَ خُرُوجِهِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَإِنْ صَارَ بِخُرُوجِ رَأْسِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ قَوْلِهِ {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] هَذَا لَا يَكْفِي فِي لُزُومِ أَكْلِ الْمُحَرَّمِ الْمَذْكُورِ لِلْخَوْفِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فَيَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ (قَوْلُهُ وَاللِّوَاطَ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يُبِيحُهُ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَظِنَّةَ إلَخْ) الصَّوَابُ
(8/159)
مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالْقَاتِلِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ وَجَدَ لُقْمَةً حَلَالًا لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَرَامِ (فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا) يَجِدُهُ (قَرِيبًا) أَيْ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا قَبْلَ وُصُولِهِ (لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ) بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَوْ الْمُعْجَمَةِ (الرَّمَقِ) وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْقُوَّةِ عَلَى مُقَابَلَةٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَوَقَّعْهُ (فَفِي قَوْلِ يَشْبَعُ) لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ أَيْ يَكْسِرُ سَوْرَةَ الْجُوعِ بِحَيْثُ لَا يُسَمَّى جَائِعًا إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ لِلطَّعَامِ مَسَاغًا. أَمَّا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْحِلِّ لَزِمَهُ كَكُلِّ مَنْ تَنَاوَلَ مُحَرَّمًا التَّقَيُّؤُ إنْ أَطَاقَهُ بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْهُ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً (وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ) فَقَطْ لِانْتِفَاءِ الِاضْطِرَارِ بَعْدُ، نَعَمْ إنْ تَوَقَّفَ قَطْعُهُ لِبَادِيَةٍ مُهْلِكَةٍ عَلَى الشِّبَعِ وَجَبَ (إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا) أَوْ مَحْذُورِ تَيَمُّمٍ (إنْ اقْتَصَرَ) عَلَيْهِ: أَيْ عَلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَيَشْبَعُ وُجُوبًا: أَيْ يَكْسِرُ سُورَةَ الْجُوعِ قَطْعًا لِبَقَاءِ الرُّوحِ، وَعَلَيْهِ التَّزَوُّدُ إنْ لَمْ يَتَوَقَّعْ وُصُولَهُ لِحَلَالٍ وَإِلَّا جَازَ.
بَلْ صَرَّحَ الْقَفَّالُ بِعَدَمِ مَنْعِهِ مِنْ حَمْلِ مَيِّتَةٍ لَمْ تُلَوِّثْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ.
(وَلَهُ) أَيْ الْمَعْصُومِ بَلْ عَلَيْهِ (أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيِّتٍ) مُحْتَرَمٍ حَيْثُ لَمْ يَجِدْ مَيْتَةً غَيْرَهُ وَلَوْ مُغَلَّظَةً لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيِّ أَعْظَمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مَيْتَةَ نَبِيٍّ امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهَا جَزْمًا وَكَذَا مَيْتَةُ مُسْلِمٍ وَالْمُضْطَرُّ ذِمِّيٌّ، وَالْوَجْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ النَّظَرِ لِأَفْضَلِيَّةِ الْمَيِّتِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا إسْلَامًا وَعِصْمَةً، قِيلَ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً، وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ صَلَّى اللَّه وَسَلَّمَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرْبِيِّ لِذَاتِهِ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَنْ أُهْدِرَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوْبَةِ فَيُعْصَمُ، بِخِلَافِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُمَا بَعْدَ ظُهُورِ حَالِهِمَا لِلْإِمَامِ لَا تُفِيدُ تَوْبَتُهُمَا الْعِصْمَةَ، وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ حَجّ: وَيَظْهَرُ فِيمَنْ لَا تُسْقِطُ تَوْبَتُهُ قَتْلَهُ كَزَانٍ مُحْصَنٍ أَنَّهُ يَأْكُلُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُفْرَضَ كَلَامُهُ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَمْرُهُ الْإِمَامَ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ تَقْدِيمُهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسُدَّ رَمَقَهُ ثُمَّ يَتَعَاطَى مِنْ الْحَرَامِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَلَا يُقَالُ اللُّقْمَةُ لِقِلَّتِهَا كَالْعَدَمِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ مِنْ الْحَرَامِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَقِيَّةُ الرُّوح عَلَى الْمَشْهُورِ) وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّعْبِيرِ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ أَنَّهُ نَزَّلَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجُوعِ مَنْزِلَةَ ذَهَابِ بَعْضِ رُوحِهِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ فَعَبَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي وَصَلَ إلَيْهِ بِبَقِيَّةِ الرُّوحِ مَجَازًا وَإِلَّا فَالرُّوحُ لَا تَتَجَزَّأُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَبِعَ فِي حَالَةِ امْتِنَاعِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ أَوْ امْتَنَعَ، لَكِنْ لَمْ يَقْدِرْ بَعْدَ التَّنَاوُلِ عَلَى الْحِلِّ لَا يَجِبْ عَلَيْهِ التَّقَيُّؤُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَيُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَيَلْزَمُهُ كَكُلِّ آكِلِ أَوْ شَارِبِ حَرَامٍ تَقَايُؤُهُ إنْ أَطَاقَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَا نَظَرَ إلَى عُذْرِهِ وَإِنْ لَزِمَهُ التَّنَاوُلُ لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ فِي الْبَاطِنِ لَا انْتِفَاعَ بِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ وَإِنْ حَلَّ ابْتِدَاؤُهُ لِزَوَالِ سَبَبِهِ فَانْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ الْأَذْرَعِيِّ لِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِحَمْلِ مَا مَرَّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى مَا لَوْ اسْتَقَرَّ فِي جَوْفِهِ زَمَنًا تَصِلُ مَعَهُ خَاصَّتُهُ إلَى الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فِي بَقَائِهِ فِي جَوْفِهِ نَفْعٌ وَمَا هُنَا عَلَى خِلَافِهِ
(قَوْلُهُ: امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْهَا) أَيْ لِغَيْرِ نَبِيٍّ لِمَا يَأْتِي فِيهِ (قَوْلُهُ: قِيلَ وَقِيَاسُهُ) قَائِلُهُ حَجّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
حَذْفُ الْوَاوِ (قَوْلُهُ: لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ إلَخْ) يَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَعِبَارَةُ الْبُلْقِينِيِّ الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَكَذَا مُرَاقُ الدَّمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِ الْقَتْلِ بِالتَّوْبَةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ قُتِلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ انْتَهَتْ.
فَجَعَلَ التَّمَكُّنَ الْمَذْكُورَ قَيْدًا لَا عِلَّةً كَمَا صَنَعَ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُتَوَقَّعْ وُصُولُهُ لِحَلَالٍ) لَعَلَّ الْمُرَادَ الْحَلَالُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَيْتَةِ لَا الْحَلَالُ أَصَالَةً فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ اتِّحَادِهِمَا نُبُوَّةً) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ اتَّحَدَا نُبُوَّةً لَمْ يُنْظَرْ لِذَلِكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَيُتَصَوَّرُ فِي عِيسَى وَالْخَضِرِ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ، وَمُرَادُهُ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ كَلَامِهِ تَصْوِيرُ النَّبِيِّ الَّذِي يَأْكُلُ: أَيْ فَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ مَاتُوا فَلَا حَاجَةَ لِهَذَا الْبَحْثِ فَصَوَّرَهُ
(8/160)
نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا، وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ، وَإِذَا جَازَ أَكْلُ الْآدَمِيِّ حَرُمَ طَبْخُهُ وَشَيُّهُ.
نَعَمْ قَيَّدَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا بِمَا إذَا كَانَ مُحْتَرَمًا، وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا أَمْكَنَ أَكْلُهُ نِيئًا، وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ بِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِدُونِ نَحْوِ طَبْخِهِ وَشَيِّهِ (وَ) لَهُ بَلْ عَلَيْهِ (قَتْلُ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ) وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَتَارِكِ صَلَاةٍ تَوَجَّهَ قَتْلُهُ شَرْعًا وَمَنْ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَتْلُ وَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْهُ الْإِمَامُ لِلضَّرُورَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدًا بَذْلُ طَعَامِهِ لَهُمْ (لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ) لِعِصْمَتِهِمَا (وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ) امْرَأَةٍ حَرْبِيَّةٍ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِمْ (قُلْت: الْأَصَحُّ حِلُّ) (قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ الْحَرْبِيِّينَ) وَمِثْلُهُمَا الْخُنْثَى وَالْمَجْنُونُ (لِلْأَكْلِ) (، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ، وَحُرْمَةُ قَتْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَجِبْ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا لَمْ يُسْتَوْلَ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ، وَبَحَثَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حُرْمَةَ قَتْلِ صَبِيٍّ حَرْبِيٍّ مَعَ وُجُودِ حَرْبِيٍّ بَالِغٍ، وَيَمْتَنِعُ عَلَى وَالِدٍ قَتْلُ وَلَدِهِ لِلْأَكْلِ، وَسَيِّدٍ قَتْلُ قِنِّهِ لِذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقِنُّ ذِمِّيًّا فَكَالْحَرْبِيِّ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ.
(وَلَوْ) (وَجَدَ) مُضْطَرٌّ (طَعَامَ غَائِبٍ) (وَلَمْ يَجِدْ سِوَاهُ) (أَكَلَ) مِنْهُ حَتْمًا مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ فَقَطْ أَوْ مَا يُشْبِعُهُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِلضَّرُورَةِ، وَلِأَنَّ الذِّمَمَ تَقُومُ مَقَامَ الْأَعْيَانِ (وَغَرِمَ) عِنْدَ قُدْرَتِهِ مِثْلَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتَهُ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا حِفْظًا لِحَقِّ الْمَالِكِ. فَإِنْ كَانَ مَالِكُهُ الْغَائِبُ مُضْطَرًّا اتَّجَهَ مَنْعُ أَكْلِهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ زَوَالِ اضْطِرَارِهِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَغَيْبَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَغَيْبَةِ الْمَالِكِ وَحُضُورُهُ كَحُضُورِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَالِهِ نَسِيئَةً هُنَا وَبِلَا رَهْنٍ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ) وَجَدَ وَهُوَ غَيْرُ نَبِيٍّ طَعَامَ (حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ) لَهُ (إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ) بَلْ هُوَ أَوْلَى لِخَبَرِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك» أَمَّا النَّبِيُّ فَيَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ إيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ، وَلَوْ كَانَ بِيَدِ إنْسَانٍ مَيْتَةٌ قَدَّمَ بِهَا ذُو الْيَدِ عَلَى غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ خِلَافًا لِلْقَاضِي، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ سَدِّ رَمَقِهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ مَآلًا (فَإِنْ آثَرَ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ عَلَى نَفْسِهِ مُضْطَرًّا (مُسْلِمًا) مَعْصُومًا (جَازَ) بَلْ نُدِبَ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: إذْ هُمَا حَيَّانِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ) قَدْ يُقَالُ هَذَا خِلَافُ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، إذْ الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ أَحَدِهِمَا، بَلْ الْحَيُّ يَأْكُلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ النَّبِيَّ حَيٌّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَمْ يَمُتْ، فَلَا يَجُوزُ لِلْحَيِّ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيِّتِ، وَقِيَاسُ هَذَا أَنَّ غَيْرَ الشَّهِيدِ وَبَعْضَ الشُّهَدَاءِ مَعَ بَعْضٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الشَّهِيدِ لِمَا صَحَّ مِنْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ (قَوْلُهُ: وَحُرْمَةُ قَتْلِهِمْ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَانِمِينَ) قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ قَتْلُ عَبْدِ نَفْسِهِ لِيَأْكُلَهُ وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا سَيَأْتِي فَكَانَ يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا صَارُوا أَرِقَّاءَ مَعْصُومِينَ إلَخْ فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِعِصْمَتِهِمْ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَا يُشْبِعُهُ بِشَرْطِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَخْشَ مَحْذُورًا قَبْلَ وُجُودِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَغَرِمَ عِنْدَ قُدْرَتِهِ) أَيْ عِنْدَ الْأَكْلِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ) (لَهُ) أَيْ الْوَلِيِّ، وَقَوْلُهُ بَيْعُ مَالِهِ: أَيْ الْمَحْجُورِ، وَقَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ: أَيْ ضَرُورَةِ الْمُضْطَرِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِعِيسَى وَالْخَضِرِ إذَا أَكَلَا مِنْ جُثَّةِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ مَاتُوا، ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ إذْ النَّبِيُّ لَا يَتَقَيَّدُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ، وَالشَّارِحُ فُهِمَ عَنْهُ أَنَّ مُرَادَهُ التَّصْوِيرُ بِعِيسَى وَالْخَضِرِ إذَا أَكَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَأَشَارَ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ إلَخْ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادِ صَاحِبِ التُّحْفَةِ إذْ الْمَأْكُولُ لَيْسَ مُحْتَاجًا لِتَصْوِيرِهِ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ قَطْعًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ) الْمُرَادُ بِحَقِّ الْغَانِمِينَ هُنَا حَقُّ الْمِلْكِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ قَبْلَهُ فَافْتَرَقَا.
(قَوْلُهُ: دُونَ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ وَغَيْبَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ كَغَيْبَةِ الْمَالِكِ إلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِاضْطِرَارِهِ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ لِاضْطِرَارِ الْمَحْجُورِ
(8/161)
أَمَّا الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْمُضْطَرِّ وَالذِّمِّيُّ وَالْبَهِيمَةُ وَالْمُسْلِمُ الْمُهْدَرُ فَيَمْتَنِعُ إيثَارُهُ (أَوْ) وَجَدَ طَعَامَ حَاضِرٍ (غَيْرِ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ) أَيْ مَالِكَ الطَّعَامِ (إطْعَامُ) أَيْ سَدُّ رَمَقِ (مُضْطَرٍّ) أَوْ إشْبَاعُهُ عَلَى مَا مَرَّ مَعْصُومٌ مُسْلِمٌ (أَوْ ذِمِّيٌّ) أَوْ مُؤْمِنٌ وَإِنْ احْتَاجَهُ الْمَالِكُ مَآلًا لِلضَّرُورَةِ النَّاجِزَةِ.
وَكَذَا بَهِيمَةٌ لِغَيْرِهِ مُحْتَرَمَةٌ، بِخِلَافِ نَحْوِ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ، وَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاتِهِ لِإِطْعَامِ كَلْبِهِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِهَا لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ، وَيَجِبُ إطْعَامُ نَحْوِ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ حَرْبِيِّينَ اُضْطُرَّ قَبْلَ اسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِمَا وَبَعْدَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ مَا مَرَّ مِنْ حِلِّ قَتْلِهِمَا لِأَنَّهُ ثَمَّ لِضَرُورَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُنَافِيًا لِاحْتِرَامِهِمَا هُنَا وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مَعْصُومَيْنِ فِي نَفْسِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا (فَإِنْ مَنَعَ) الْمَالِكُ مِنْ إطْعَامِهِ وَلَا اضْطِرَارَ بِهِ أَوْ طَلَبَ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ بِقَدْرٍ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُضْطَرِّ وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ أَمِنَ (قَهْرُهُ) عَلَى أَخْذِهِ (وَإِنْ قَتَلَهُ) وَيَكُونُ مُهْدَرًا وَإِنْ قَتَلَ الْمَالِكُ الْمُضْطَرَّ فِي الدَّفْعِ عَنْ طَعَامِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الطَّعَامَ فَمَاتَ جُوعًا فَلَا ضَمَانَ إذْ لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ فِعْلًا مُهْلِكًا.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْمُضْطَرِّ الذِّمِّيِّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ الْمَانِعِ لَهُ إذَا أَدَّى دَفْعُهُ إلَى ذَلِكَ. قِيلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ أَكْلِهِ مَيْتَةَ الْمُسْلِمِ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِ الْمَأْكُولِ مِنْهُ ثُمَّ يُوَجَّهُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ مُهْدَرٌ لِنَفْسِهِ بِعِصْيَانِهِ بِالْمَنْعِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ، أَمَّا إذَا رَضِيَ بِبَذْلِهِ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ بِهَا فَيَلْزَمُهُ قَبُولُهُ بِهَا وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَهْرُ (وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمَالِكَ بَذْلُ مَا ذُكِرَ لِلْمُضْطَرِّ (بِعِوَضٍ نَاجِزٍ) هُوَ ثَمَنُ الْمِثْلِ زَمَانًا وَمَكَانًا (إنْ حَضَرَ) مَعَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ عِوَضٌ بِأَنْ غَابَ مَالُهُ (فَ) لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ بَلْ بِعِوَضٍ (بِنَسِيئَةٍ) مُمْتَدَّةٍ لِزَمَنِ وُصُولِهِ، وَدَعْوَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِحَالٍ وَلَا يُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا عِنْدَ يَسَارِهِ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُطَالِبُهُ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَالِهِ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ إثْبَاتِ إعْسَارِهِ فَيَحْبِسُهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ أَصْلًا فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِ الْأَجَلِ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْيَسَارِ يُؤَجَّلُ إلَيْهِ.
أَمَّا مَعَ الضِّيقِ لِلْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ عِوَضٍ بِأَنْ كَانَ لَوْ قَدَّرَ مَاتَ فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ مَجَّانًا، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَتَغَابَنُ بِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى قَهْرِهِ وَأَخْذِهِ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ لِإِطْعَامِ كَلْبِهِ الْمُنْتَفَعِ بِهِ) قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا مَضَرَّةَ مُحْتَرَمٌ ذَبْحُهَا لَهُ هُنَا، وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَلْبِهِ بَلْ يَجِبُ ذَبْحُ شَاتِهِ لِكَلْبِ غَيْرِهِ الْمُحْتَرَمِ وِقَايَةً لِرُوحِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا اضْطِرَارَ بِهِ) أَيْ بِالْمَالِكِ وَيَصْدُقُ الْمَالِكُ فِي دَعْوَاهُ الِاضْطِرَارَ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى كَذِبِهِ فِي دَعْوَاهُ الِاضْطِرَارَ لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ) أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَقَتَلَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْتَلَ فِيهِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ الِاضْطِرَارُ بَلْ يَضْمَنُهُ بِدِيَةِ عَمْدٍ (قَوْلُهُ: مَعَ اتِّسَاعِ الْوَقْتِ) أَيْ لِزَمَنِ الصِّيغَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْيَسَارِ يُؤَجَّلُ إلَيْهِ) أَيْ فَيُطْعِمُهُ مَجَّانًا، وَعِبَارَةُ حَجّ: ثُمَّ إنْ قَدَّرَ الْعِوَضَ وَأَفْرَزَ لَهُ الْمُعَوِّضُ مِلْكَهُ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ مَحْجُورًا وَقَدَّرَهُ وَلِيُّهُ بِأَضْعَافِ ثَمَنِ مِثْلِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهُ أَوْ لَمْ يُفْرِزْهُ لَهُ لَزِمَهُ مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ إلَخْ) وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ يَجِبُ إطْعَامُهُ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْمُضْطَرُّ لَا مَالَ لَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هُنَا أَنَّ مَالِكَ الطَّعَامِ لَيْسَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ (قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهُ إطْعَامُهُ مَجَّانًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَجَّانًا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ عِوَضٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْمُضْطَرُّ غَنِيًّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ حَيْثُ أَعْطَاهُ بِنِيَّةِ الْبَدَلِ، لَكِنْ فِي كَلَامِ حَجّ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ أُوجِرَ الْمُضْطَرُّ قَهْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَإِنْ أَوْهَمَ التَّشْبِيهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلْأَكْلِ) يُوهِمُ أَنَّهَا إذَا ذُبِحَتْ لِغَيْرِ الْأَكْلِ لَا تَحِلُّ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.
(8/162)
لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ عَجَزَ عَنْ قَهْرِهِ وَأَخْذِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لِمَنْ خَلَّصَ مُشْرِفًا عَلَى هَلَاكٍ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ تَقْدِيرِ الْأُجْرَةِ لِلُزُومِ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَّانًا حِينَئِذٍ، فَإِنْ اتَّسَعَ لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِهَا، كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ (فَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ) حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ الْمُعْتَادَةِ فِي الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ.
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ خَلَّصَهُ مِنْ الْهَلَاكِ بِذَلِكَ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ كَمَا فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ يَلْزَمُهُ مَعَهُ الدِّيَةُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ فِي ذَلِكَ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِبَاحَةِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا فَلَا عِوَضَ قَطْعًا.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَذَا لَوْ ظَهَرَتْ قَرِينَتُهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْعِوَضِ صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ، إذْ لَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ إطْعَامِ الْمُضْطَرِّ وَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى الضَّرَرِ
(وَلَوْ) (وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً) غَيْرَ آدَمِيٍّ مُحْتَرَمٍ (وَطَعَامَ غَيْرِهِ) الْغَائِبِ لَزِمَهُ أَكْلُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ لِإِبَاحَتِهَا لَهُ بِالنَّصِّ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الِاجْتِهَادِ الْمُبِيحِ لَهُ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَمَّا الْحَاضِرُ فَإِنْ بَذَلَهُ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ مَعَهُ وَلَوْ بِبَذْلِ سَاتِرِ عَوْرَتِهِ حَيْثُ لَمْ يَخَفْ هَلَاكًا بِنَحْوِ بَرْدٍ أَوْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ أَوْ لَا يُتَغَابَنُ بِهَا حَلَّتْ وَلَا يُقَاتِلُهُ هُنَا إنْ امْتَنَعَ مُطْلَقًا (أَوْ) وَجَدَ مُضْطَرٌّ (مُحْرِمٌ) أَوْ بِالْحَرَمِ (مَيْتَةً وَصَيْدًا) حَيًّا (فَالْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ (أَكْلُهَا) لِعَدَمِ ضَمَانِهَا وَذَبْحُ الصَّيْدِ حَرَامٌ وَيَصِيرُ بِهِ مَيْتَةً أَيْضًا، وَيَحْرُمُ أَكْلُهُ وَيَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ، فَفِي الْأَوَّلِ تَحْرِيمٌ وَاحِدٌ فَكَانَتْ أَخَفَّ، أَوْ مَيْتَةً وَلَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مُحْرِمٌ أَوْ مَنْ بِالْحَرَمِ إلَّا صَيْدًا ذَبَحَهُ وَأَكَلَهُ وَافْتَدَى، أَوْ مَيْتَةً أَكَلَهَا وَلَا فِدْيَةَ أَوْ صَيْدًا وَطَعَامَ الْغَيْرِ فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَطَعَامُ الْغَيْرِ حَلَالٌ وَالصَّيْدُ يَصِيرُ مَيْتَةً بِذَبْحِ الْمُحْرِمِ، وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ الْأَرْضَ جَازَ لَهُ الِاسْتِعْمَالُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا تَمَسُّ حَاجَتُهُ إلَيْهِ دُونَ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَمَحَلُّهُ إذَا تَوَقَّعْنَا مَعْرِفَةَ أَرْبَابِهِ وَإِلَّا صَارَ مَالًا ضَائِعًا فَيَنْتَقِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيَأْخُذُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فِيهِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ) (قَطْعِ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ نَفْسِهِ (لِأَكْلِهِ) بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ لِتَوَقُّعِ الْهَلَاكِ مِنْهُ (قُلْت: الْأَصَحُّ جَوَازُهُ) لِمَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ أَوْ لِمَا يُشْبِعُهُ عَلَى مَا مَرَّ إذْ هُوَ قَطْعُ بَعْضٍ لِاسْتِبْقَاءِ كُلٍّ فَأَشْبَهَ قَطْعَ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ (وَشَرْطُهُ) أَيْ حِلِّ قَطْعِ الْبَعْضِ (فَقْدُ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا) كَطَعَامِ الْغَيْرِ فَمَتَى وَجَدَ مَا يَأْكُلُهُ حَرُمَ ذَلِكَ قَطْعًا (وَأَنْ) لَا يَكُونَ فِي قَطْعِهِ خَوْفٌ أَصْلًا أَوْ (يَكُونَ الْخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ) مِنْهُ فِي تَرْكِهِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ فَقَطْ حَرُمَ مُطْلَقًا.
وَإِنَّمَا جَازَ قَطْعُ السِّلْعَةِ فِي حَالَةِ تَسَاوِي الْخَطَرَيْنِ لِأَنَّهَا لَحْمٌ زَائِدٌ وَيَزُولُ الشَّيْنُ بِقَطْعِهَا وَيَحْصُلُ بِهِ الشِّفَاءُ، وَهَذَا تَغْيِيرٌ وَإِفْسَادٌ لِلْبِنْيَةِ الْأَصْلِيَّةِ فَكَانَ أَضْيَقَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مَا يُرَادُ قَطْعُهُ نَحْوَ سِلْعَةٍ أَوْ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ جَازَ هُنَا حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهَا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأَوْلَى قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَيَحْرُمُ) (قَطْعُهُ) أَيْ الْبَعْضِ مِنْ نَفْسِهِ (لِغَيْرِهِ) وَلَوْ مُضْطَرًّا مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَبِيًّا فَيَجِبُ لَهُ ذَلِكَ (وَمِنْ مَعْصُومٍ) لِأَجْلِ نَفْسِهِ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَالْمَعْصُومُ هُنَا مَا يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ لِلْأَكْلِ، أَمَّا غَيْرُ الْمَعْصُومِ كَمُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ فَيَجُوزُ قَطْعُ الْبَعْضِ مِنْهُ لِأَكْلِهِ، وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ تَحْرِيمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ رُدَّ بِأَنَّهُ أَخَفُّ الضَّرَرَيْنِ، وَلَوْ وَجَدَ مَرِيضٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَزِمَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِهَا) وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ، وَلَوْ قِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَثَمَّ بِأَنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى عَدَمِ بَذْلِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْبَدَنِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ) وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى ذِكْرِهِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ تَحَالَفَا ثُمَّ يَفْسَخَانِهِ هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَيَرْجِعُ إلَى الْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ، فَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ صُدِّقَ الْغَارِمُ
(قَوْلُهُ: فَالظَّاهِرُ تَعَيُّنُ الْأَوَّلِ) وَفِي نُسْخَةٍ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ فَطَعَامُ الْغَيْرِ حَلَالٌ وَالصَّيْدُ يَصِيرُ مَيْتَةً بِذَبْحِ الْمُحْرِمِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَمَّ الْحَرَامُ إلَخْ) وَهِيَ الظَّاهِرَةُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ، وَفِي حَاشِيَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْبَهْجَةِ (قَوْلُهُ: بِقَدْرِ مَا تَمَسُّ حَاجَتُهُ إلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَدٍ مُتَآكِلَةٍ) أَيْ أَوْ نَحْوِ يَدٍ (قَوْلُهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فِي الْأُولَى) عِبَارَةُ حَجّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(8/163)
طَعَامًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ يَضُرُّهُ وَلَوْ بِزِيَادَةِ مَرَضِهِ فَلَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ لَا صَنْعَتُهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا وَالثِّمَارُ وَالزَّرْعُ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى غَيْرِ مَالِكِهَا وَالْحِلُّ لَهُ كَغَيْرِهَا، فَلَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَكْلِ مَا تَسَاقَطَ مِنْهَا جَازَ، إلَّا إنْ حَوَّطَ عَلَيْهِ أَوْ مَنَعَ مِنْهُ الْمَالِكَ، وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ طَعَامٍ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ فَإِنْ شَكَّ حَرُمَ، وَنُدِبَ تَرْكُ تَبَسُّطٍ فِي طَعَامٍ إلَّا فِي حَقِّ الضَّيْفِ.
كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ
وَتُسَمَّى الرِّهَانَ وَقَدْ تَعُمُّ مَا بَعْدَهَا، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُمَا، فَعَلَيْهِ الْعَطْفُ الْآتِي عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ مِنْ السَّبْقِ بِسُكُونِ الْبَاءِ وَهُوَ التَّقَدُّمُ، وَأَمَّا بِالتَّحْرِيكِ فَهُوَ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ السِّبَاقِ (وَالْمُنَاضَلَةُ) عَلَى نَحْوِ السِّهَامِ مِنْ " نَضَلَهُ " بِمَعْنَى غَلَبَهُ.
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْرَى مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَمَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
وَهَذَا الْبَابُ لَمْ يَسْبِقْ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدٌ إلَى تَصْنِيفِهِ (هُمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (سُنَّةٌ) لِلْمُتَأَهِّبِ لِلْجِهَادِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرِّجَالِ كَمَا يَأْتِي لِمَا ذُكِرَ دُونَ النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِمَا لَهُمَا، وَيُتَّجَهُ حُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا بِمَالٍ لَا بِغَيْرِهِ، وَيُكْرَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لِمَنْ عَرَفَ الرَّمْيَ تَرَكَهُ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا أَوْ فَقَدْ عَصَى» وَالْمُنَاضَلَةُ آكَدُ مِنْ شَقِيقَتِهَا لِلْآيَةِ وَلِخَبَرِ السُّنَنِ «ارْمُوا وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا» وَلِأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالْأَوْلَى وَهِيَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ ذَمُّ الطَّعَامِ لَا صَنْعَتُهُ) قَدْ يُقَالُ: ذَمُّ صَنْعَتِهِ يَسْتَلْزِمُ ذَمَّهُ (قَوْلُهُ: وَنُدِبَ تَرْكُ تَبَسُّطٍ) أَيْ تَوَسُّعٍ (قَوْلُهُ: إلَّا فِي حَقِّ الضَّيْفِ) أَيْ فَلَا يُنْدَبُ تَرْكُ التَّبَسُّطِ مِنْ صَاحِبِ الطَّعَامِ إكْرَامًا لِلضَّيْفِ.
[تَتِمَّةٌ] فِي إعْطَاءِ النَّفْسِ حَظَّهَا مِنْ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَةِ مَذَاهِبُ ذَكَرَهَا الْمَاوَرْدِيُّ: أَحَدُهَا مَنْعُهَا وَقَهْرُهَا كَيْ لَا تَطْغَى.
وَالثَّانِي إعْطَاؤُهَا تَحَيُّلًا عَلَى نَشَاطِهَا وَبَعْثِهَا لِرُوحَانِيَّتِهَا.
وَالثَّالِثُ قَالَ وَالْأَشْبَهُ التَّوَسُّطُ لِأَنَّ فِي إعْطَاءِ الْكُلِّ سَلَاطَةً وَفِي مَنْعِ الْكُلِّ بَلَادَةً اهـ عَمِيرَةٌ.
كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ
(قَوْلُهُ: أَجْرَى مَا ضُمِّرَ) مِنْ بَابِ قَعَدَ وَقَرُبَ مِصْبَاحٌ وَعِبَارَةُ مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ الْمُضْمَرِ وَزَانَ مُحَمَّدٌ الْمُعَدُّ لِلسِّبَاقِ وَمِنْهُ الْخَيْلُ الَّتِي ضُمِّرَتْ، وَفِي رِوَايَةٍ أُضْمِرَتْ وَاَلَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، وَفِي الْمَصَابِيحِ لَمْ تُضَمَّرْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالتَّضْمِيرِ: أَيْ فَمَا هُنَا بِضَمِّ الضَّادِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ لَا غَيْرُ، وَمَا فِي الْمُخْتَارِ بَيَانٌ لِلْمُجَرَّدِ مِنْهُ وَهَذَا مَزِيدٌ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: ضَمَّرْتُهُ وَأَضْمَرْتُهُ: أَعْدَدْته لِلسِّبَاقِ، وَهُوَ أَنْ تَعْلِفَهُ قُوتًا بَعْدَ السِّمَنِ (قَوْلُهُ لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ (قَوْلُهُ: أَوْ فَقَدْ عَصَى) أَيْ خَالَفَنَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ (قَوْلُهُ: وَلِخَبَرِ السُّنَنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ) أَيْ أَمَّا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَحَرَامٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إنْ لَمْ يُظَنَّ رِضَاهُ.
[كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى نَحْوِ خَيْلٍ]
كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ (قَوْلُهُ: مِنْ الْحَفْيَاءِ إلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) قَالَ سُفْيَانُ إنَّهُ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ (قَوْلُهُ: لِلْمُتَأَهِّبِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بِقَصْدِ التَّأَهُّبِ لِلْجِهَادِ وَأَخْذِ مُحْتَرَزِهِ، وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ أَمَّا بِقَصْدٍ مُبَاحٍ إلَخْ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَبِّرَ هُنَا بِمِثْلِ مَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ تَعْلِيلٌ لِلسُّنِّيَّةِ
(8/164)
يَنْفَعُ فِي الْمَضِيقِ وَالسَّعَةِ، وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا فَرْضَ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُمَا وَسِيلَتَانِ لَهُ يُمْكِنُ رَدُّهُ بِمَنْعِ كَوْنِهِمَا وَسِيلَتَيْنِ لِأَصْلِهِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضُ، وَإِنَّمَا هُمَا وَسِيلَتَانِ لِإِحْسَانِ الْإِقْدَامِ وَالْإِصَابَةِ الَّذِي هُوَ كَمَالٌ وَحِينَئِذٍ فَالْمُتَّجَهُ كَلَامُهُمْ، إمَّا بِقَصْدِ مُبَاحٍ فَمُبَاحَانِ أَوْ حَرَامٍ كَقَطْعِ طَرِيقٍ فَحَرَامَانِ (وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا) لِأَخْبَارٍ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَيُعْتَبَرُ فِي بَاذِلِهِ لَا قَابِلِهِ إطْلَاقُ تَصَرُّفٍ فَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ فِيهِ بِخِلَافِ تَعَلُّمِ نَحْوِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ صَنْعَةٍ وَصَحَّ خَبَرُ «لَا سَبَقَ أَيْ بِالْفَتْحِ وَقَدْ تُسَكَّنُ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ» (وَتَصِحُّ) (الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ) عَرَبِيَّةٍ أَوْ عَجَمِيَّةٍ فَالْأَوَّلُ النَّبْلُ وَالثَّانِي النُّشَّابُ وَعَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقِسِيِّ وَالْمِسَلَّاتِ وَالْإِبَرِ (وَكَذَا مَزَارِيقُ) وَهِيَ رِمَاحٌ قِصَارٌ (وَرِمَاحٌ) هُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ (وَرَمْيٌ بِأَحْجَارٍ) بِيَدٍ أَوْ مِقْلَاعٍ بِخِلَافِ إشَالَتِهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْعِلَاجِ، وَالْمُرَامَاةُ بِهَا بِأَنْ يَرْمِيَ بِهَا كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ (وَمَنْجَنِيقٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ فِي الْأَشْهَرِ وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ (وَكُلُّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ) (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السَّهْمِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَحَلَّ بِعِوَضٍ وَدُونَهُ وَمَحَلُّ حِلِّ الرَّمْيِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ جِهَةِ الرَّامِي، أَمَّا لَوْ رَمَى كُلٌّ إلَى صَاحِبِهِ فَحَرَامٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي كَثِيرًا، نَعَمْ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمَا حِذْقٌ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمَا سَلَامَتُهُمَا مِنْهُ لَمْ يَحْرُمْ وَيَحِلُّ اصْطِيَادُ الْحَيَّةِ لِحَاذِقٍ فِي صَنْعَتِهِ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ سَلَامَتُهُ مِنْهَا وَقَصَدَ تَرْغِيبَ النَّاسِ فِي اعْتِمَادِ مَعْرِفَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْبَيْعِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا حِلُّ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ الْخَطِرَةِ مِنْ الْحَاذِقِ بِهَا حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ.
وَيَحِلُّ التَّفَرُّجُ عَلَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَالْأَقْرَبُ جَوَازُ الْتِقَافٍ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ حَيْثُ خَلَا عَنْ الْخِصَامِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ أَهْلِهِ (لَا) مُسَابَقَةَ بِمَالٍ (عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ) أَيْ مِحْجَنٍ وَهِيَ خَشَبَةٌ مُنْحَنِيَةُ الرَّأْسِ (وَبُنْدُقٍ) أَيْ رَمَى بِهِ بِيَدٍ أَوْ قَوْسٍ (وَسِبَاحَةٍ) وَغَطْسٍ بِمَا اُعْتِيدَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي الْحَرْبِ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْأَخِيرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ لِتَوَلُّدِ الضَّرَرِ مِنْهُ بَلْ الْمَوْتِ بِخِلَافِ السِّبَاحَةِ وَنَحْوِهَا (وَشِطْرَنْجٍ) بِكَسْرِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْمَرْوِيِّ فِي السُّنَنِ اهـ.
وَفِي نُسْخَةِ أَنَسٍ (قَوْلُهُ: إمَّا بِقَصْدِ مُبَاحٍ) مُحْتَرَزُ مَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْلِهِ لِلْمُتَأَهِّبِ لِلْجِهَادِ إذْ مَحَلُّ سَنِّهِمَا فِيمَنْ قَصَدَ بِهِمَا التَّقَوِّي عَلَى قِتَالِ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ: فَحَرَامَانِ) أَوْ الْمَكْرُوهُ فَمَكْرُوهَانِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ فِي بَاذِلِهِ لَا قَابِلِهِ) أَيْ فَيَجُوزُ فِي الْقَابِلِ أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ مَعَهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ (قَوْلُهُ: هُوَ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْمِزْرَاقُ رُمْحٌ قَصِيرٌ أَخَفُّ مِنْ الْعَنَزَةِ وَالرُّمْحُ مَعْرُوفٌ اهـ أَيْ فَيَشْمَلُ الطَّوِيلَ وَالْقَصِيرَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمِزْرَاقِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ حِلِّ الرَّمْيِ) أَيْ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ رَمَى كُلٌّ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي زَمَنِنَا مِنْ الرَّمْيِ بِالْجَرِيدِ لِلْخَيَّالَةِ فَيَحْرُمُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمَا سَلَامَتُهُمَا) وَمِنْهُ الْبَهْلَوَانُ وَإِذَا مَاتَ يَمُوتُ شَهِيدًا (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ حَيْثُ لَا مَالَ (قَوْلُهُ: حَيْثُ غَلَبَ الظَّنُّ سَلَامَتَهُ) وَمِنْهُ اللَّعِبُ بِالرُّمْحِ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ بِلَعِبِ الْعَوْدِ (قَوْلُهُ: وَيَحِلُّ التَّفَرُّجُ عَلَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ) وَمِثْلُهُ سَمَاعُ الْأَعَاجِيبِ وَالْغَرَائِبِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يُتَيَقَّنُ كَذِبُهُ بِقَصْدِ الْفُرْجَةِ بَلْ وَلَوْ تَيَقَّنَ كَذِبَهُ لَكِنْ قَصَدَ بِهِ ضَرْبَ الْأَمْثَالِ وَالْمَوَاعِظِ وَتَعْلِيمَ نَحْوِ الشُّجَاعَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ آدَمِيِّينَ أَوْ حَيَوَانَاتٍ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ جَوَازُ الْتِقَافِ) ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْجَوَازِ الْإِبَاحَةُ (قَوْلُهُ: عَلَى كُرَةٍ) بِالتَّخْفِيفِ وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِالْكُورَةِ (قَوْلُهُ: بِيَدٍ أَوْ قَوْسٍ) التَّعْبِيرُ بِهِ قَدْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الرَّمْيِ بِالْأَحْجَارِ فَإِنَّ الرَّمْيَ بِالْقَوْسِ بِالْبُنْدُقِ مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُ الْمَتْنِ وَبُنْدُقٍ) الْمُرَادُ بُنْدُقُ الْعِيدِ الَّذِي يُؤْكَلُ وَيُلْعَبُ بِهِ فِيهِ، فَالْمُرَادُ بِرَمْيِهِ رَمْيُهُ فِي نَحْوِ الْبِرْكَةِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بِالْجَوْنِ، أَمَّا بُنْدُقُ الرَّصَاصِ وَالطِّينِ وَنَحْوِهِمَا فَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ نِكَايَةً فِي الْحَرْبِ أَيَّ نِكَايَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الزِّيَادِيُّ كَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ وَالِدِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ بِمَا اُعْتِيدَ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ إلَخْ) هَذَا الْقَيْدُ إنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَفْهُومِ الْآتِي: أَيْ إذَا وَقَعَ بِلَا مَالٍ
(8/165)
فَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ أَوْ الْمُهْمَلِ (وَخَاتَمٍ وَوُقُوفٍ عَلَى رَجُلٍ) وَشِبَاكٍ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ (وَمَعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ) مِنْ زَوْجٍ أَوْ فَرْدٍ وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ كَمُسَابَقَةِ سُفُنٍ أَوْ أَقْدَامٍ لِعَدَمِ نَفْعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ أَيْ نَفْعًا لَهُ وَقْعٌ يَقْصِدُ فِيهِ، أَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَيَحِلُّ كُلُّ ذَلِكَ (وَتَصِحُّ) (الْمُسَابَقَةُ) بِعِوَضٍ (عَلَى خَيْلٍ) وَإِبِلٍ تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِمَّا يُسْهَمُ لَهَا (وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ فِي الْأَظْهَرِ) لِعُمُومِ الْخُفِّ وَالْحَافِرِ لِكُلِّ ذَلِكَ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَلَا يُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا أَمَّا عَقْدُهَا عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَصَحِيحٌ قَطْعًا (لَا طَيْرَ وَصِرَاعٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَقَدْ يُضَمُّ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ وَمِثْلُهُمَا بَقَرٌ بِعِوَضٍ، وَنَحْوُ مُهَارَشَةِ دِيَكَةٍ وَمُنَاطَحَةِ كِبَاشٍ وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَمِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ.
وَالثَّانِي يَجُوزُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْحَرْبِ فِي الطَّيْرِ، وَلِأَنَّ فِي الصِّرَاعِ إدْمَانًا وَقُوَّةً، وَقَدْ «صَارَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ» .
وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَرَاهُ شِدَّتَهُ لِيُسْلِمَ وَلِهَذَا لَمَّا أَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى عِوَضٍ وَإِلَّا جَازَ قَطْعًا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا) الْمُشْتَمِلَ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ: أَيْ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ بِعِوَضٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا (لَازِمٌ) كَالْإِجَارَةِ، لَكِنْ مِنْ جِهَةِ بَاذِلِ الْعِوَضِ فَقَطْ، وَمَا فِي الْأَنْوَارِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا مَضْمُونٌ دُونَ الْفَاسِدِ رُدَّ بِأَنَّ الْمُرَجَّحَ وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدِ (لَا جَائِزَ) مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْمُحَلِّلِ الْآتِي، أَمَّا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَجَائِزٌ جَزْمًا وَعَلَى لُزُومِهِ (فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا) الَّذِي هُوَ مُلْتَزَمُهُ وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ الْمُلْتَزِمِ أَيْضًا (فَسْخُهُ) مَا لَمْ يَظْهَرْ عَيْبٌ فِي عِوَضٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْأُجْرَةِ.
نَعَمْ لَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ هُنَا قَبْلَ الْمُسَابَقَةِ لِخَطَرِ شَأْنِهَا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ.
وَأَيْضًا فَفِيهَا عِوَضٌ يَقْبِضُهُ حَالًا فَلَزِمَهُ فِيهَا الْإِقْبَاضُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْفَسْخِ جَازَ مُطْلَقًا.
وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَنْظُرُوا لِلْمُحَلِّلِ فِيمَا لَوْ اتَّفَقَا الْمُلْتَزِمَانِ عَلَى الْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ وَلَا الْتِزَامَ مِنْهُ (وَلَا تَرَكَ الْعَمَلَ قَبْلَ شُرُوعٍ وَبَعْدَهُ) سَوَاءٌ كَانَ مَنْضُولًا أَمْ نَاضِلًا وَأَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَ صَاحِبَهُ وَيَسْبِقَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ التَّرْكُ لِأَنَّهُ حَقُّ نَفْسِهِ (وَلَا زِيَادَةَ وَنَقْصٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ (وَلَا فِي مَالٍ) مُلْتَزِمٍ بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَاهُ وَيَسْتَأْنِفَا عَقْدًا
(وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ) مِنْ اثْنَيْنِ مَثَلًا (عِلْمُ) الْمَسَافَةِ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ الذَّرْعِ وَ (الْمَوْقِفِ) الَّذِي يَجْرِيَانِ مِنْهُ (وَالْغَايَةِ) الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا، فَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَالَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَبُنْدُقٌ يُرْمَى بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُؤْكَلُ وَيُلْعَبُ بِهِ فِي الْعِيدِ، أَمَّا بُنْدُقُ الرَّصَاصِ وَالطِّينِ فَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ نِكَايَةً فِي الْحَرْبِ أَشَدَّ مِنْ السِّهَامِ رَمْلِيٌّ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ يُرْمَى بِهِ لِلْمَحَلِّ الَّذِي اُعْتِيدَ لَعِبُهُمْ بِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ إلَخْ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ فِي قَوْلِهِ لَا عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَبُنْدُقٍ إلَخْ، وَيَدُلُّ لِمَا ذُكِرَ قَوْلُ الْمَنْهَجِ لَا كَطَيْرٍ وَصِرَاعٍ وَكُرَةِ مِحْجَنٍ وَبُنْدُقٍ وَعَوْمٍ إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَدَّمَ تَعْلِيلَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَذْكُورَاتِ قَبْلَهُمَا بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ نَفْعِ كُلِّ ذَلِكَ فِي الْحَرْبِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُمَا بَقَرٌ) أَيْ مُسَابَقَةٌ عَلَى بَقَرٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا عِوَضٍ) أَيْ فِي الْمُهَارَشَةِ وَالْمُنَاطَحَةِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ الْخِلَافِ) أَيْ فِي الصِّرَاعِ وَالطَّيْرِ (قَوْلُهُ: وُجُوبُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْفَاسِدَةِ) أَيْ الْمُسَابَقَةِ الْفَاسِدَةِ، وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا شُرِطَ الْمَالُ فِيهِمَا عَلَى كُلٍّ لِلْآخَرِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا كَمَا يَأْتِي مِنْ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ لَا أُجْرَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بِالْمُشَاهَدَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، فَلَعَلَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْمَوْقِفُ وَالْغَايَةُ بِالْعَطْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ قَيْدٌ فِي مَسْأَلَةِ الذَّرْعِ خَاصَّةً عَلَى مَا فِيهِ أَيْضًا فَلْيُرَاجَعْ
(8/166)
لَمْ يُعَيِّنَا ذَلِكَ وَشَرَطَا الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ حَيْثُ سَبَقَ لَمْ يَجُزْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ لَا عُرْفَ غَالِبَ وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطُ شَيْءٌ، وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَعَرَفَهُ الْمُتَعَاقِدَانِ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي فِي نَظِيرِهِ (وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا) فَلَوْ شَرَطَ تَقَدُّمَ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمَ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الْفُرُوسِيَّةِ وَجَوْدَةِ جَرْيِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ بِسَبَبِ قُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الْفَرَسِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَا غَايَةً إنْ اتَّفَقَ سَبَقَ عِنْدَهَا، وَإِلَّا فَغَايَةً أُخْرَى عَيَّنَاهَا بَعْدَهَا، لَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ إنْ وَقَعَ سَبْقٌ فِي نَحْوِ وَسَطِ الْمَيْدَانِ وَقَعَا عَنْ الْغَايَةِ لِأَنَّ السَّابِقَ قَدْ يَسْبِقُ وَلَا أَنَّ الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ بِلَا غَايَةٍ (وَتَعْيِينُ) الرَّاكِبَيْنِ كَالرَّامِيَيْنِ بِإِشَارَةٍ لَا وَصْفٍ وَ (الْفَرَسَيْنِ) مَثَلًا بِإِشَارَةٍ أَوْ وَصْفٍ سَلِمَ لِأَنَّ الْقَصْدَ امْتِحَانُ سَيْرِهِمَا (وَيَتَعَيَّنَانِ) كَمَا يَتَعَيَّنُ الرَّاكِبَانِ وَالرَّامِيَانِ كَمَا يَأْتِي فَيَمْتَنِعُ إبْدَالُ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ مَاتَ أَوْ عَمِيَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا أُبْدِلَ الْمَوْصُوفَ وَانْفَسَخَ فِي الْمُعَيَّنِ.
نَعَمْ فِي مَوْتِ الرَّاكِبِ يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَوْ بِنَائِبِهِ مَقَامَهُ، فَإِنْ أَبَى اسْتَنَابَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ مُوَرِّثُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ لِكَوْنِهِ مُلْتَزِمًا، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّاكِبِ وَالرَّامِي بِأَنَّ الْقَصْدَ جَوْدَةُ هَذَا فَلَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، وَلَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا وَرُجِيَ اُنْتُظِرَ وَإِلَّا جَازَ الْفَسْخُ إلَّا فِي الرَّاكِبِ فَيُتَّجَهُ إبْدَالُهُ (وَإِمْكَانُ) قَطْعِهِمَا الْمَسَافَةَ وَ (سَبْقُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْهُمَا لَا عَلَى نُدُورٍ، وَكَذَا فِي الرَّامِيَيْنِ، فَلَوْ نَدَرَ الْإِمْكَانُ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ قَضِيَّةَ السِّبَاقِ تَوَقُّعُ سَبْقِ كُلٍّ لِيَسْعَى فَيَعْلَمُ أَوْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: لَوْ أَخْرَجَ الْمَالَ مَنْ يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ جَازَ لِأَنَّهُ كَالْبَاذِلِ جُعْلًا، وَلَوْ أَخْرَجَاهُ مَعًا وَلَا مُحَلِّلَ وَأَحَدُهُمَا يُقْطَعُ بِسَبْقِهِ فَالسَّابِقُ كَالْمُحَلِّلِ لِأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَشَرْطُ الْمَالِ مِنْ جِهَتِهِ لَغْوٌ، قَالَا: وَهُوَ حَسَنٌ، وَعُلِمَ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ اتِّحَادِ الْجِنْسِ لَا النَّوْعِ وَإِنْ تَبَاعَدَ النَّوْعَانِ إنْ وُجِدَ الْإِمْكَانُ الْمَذْكُورُ.
نَعَمْ لَوْ وَقَعَ السِّبَاقُ بَيْنَ بَغْلٍ وَحِمَارٍ جَازَ لِتَقَارُبِهِمَا، وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ اعْتِبَارَ كَوْنِ أَحَدِ أَبَوَيْ الْبَغْلِ حِمَارًا (وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ) جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ عَيْنًا وَدَيْنًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ بَعْضُهُ كَذَا وَبَعْضُهُ كَذَا، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَفَتْ مُشَاهَدَتُهُ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وُصِفَ، فَلَوْ عَقَدَا عَلَى مَجْهُولٍ فَسَدَ الْعَقْدُ وَاسْتَحَقَّ السَّابِقُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ رُكُوبِهِمَا لَهُمَا، فَلَوْ شَرَطَا جَرَيَانَهُمَا بِأَنْفُسِهِمَا فَسَدَ الْعَقْدُ وَاسْتَحَقَّ السَّابِقُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ، وَيُعْتَبَرُ اجْتِنَابُ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ كَإِطْعَامِ السَّبْقِ لِأَصْحَابِهِ، أَوْ إنْ سَبَقَهُ لَا يُسَابِقُهُ إلَى شَهْرٍ وَإِسْلَامُهُمَا كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ مُبِيحَهُ غَرَضُ الْجِهَادِ (وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا لِفَرَاهَةِ الْفَرَسِ) فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: وَيُقَالُ لِلْبِرْذَوْنِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَارِهٌ، وَلَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ فَارِهٌ وَلَكِنْ رَائِغٌ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْفَارِهُ مِنْ النَّاسِ: الْمَلِيحُ الْحَسَنُ، وَمِنْ الدَّوَابِّ: الْجَيِّدُ السَّيْرِ، فَوَصْفُ الشَّارِحِ الْفَرَسَ بِالْفَرَاهَةِ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ: الْبِرْذَوْنُ التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ خِلَافُ الْعِرَابِ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ يُعَيِّنَا) أَيْ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السَّابِقَ) مُتَّصِلَةٌ بِلَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ فِي مَوْتِ الرَّاكِبِ) أَيْ دُونَ مَوْتِ الرَّامِي (قَوْلُهُ: يَقُومُ وَارِثُهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ انْفَسَخَتْ وَلَيْسَ مِنْ الْوَارِثِ بَيْتُ الْمَالِ (قَوْلُهُ: لِيَسْعَى فَيُعْلَمُ) أَيْ فَيُعْرَفُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ حَسَنٌ) قَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ إمْكَانُ سَبْقِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا نُدُورٍ فَحَيْثُ قُطِعَ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَغْلَ قَدْ لَا يَكُونُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حِمَارًا، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّ الْبَغْلَ إمَّا مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ أُنْثَى مِنْ الْخَيْلِ وَحِمَارٍ أَوْ عَكْسِهِ، لَكِنْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْ الْبَغْلِ قَدْ يَكُونُ بَقَرَةً بِأَنْ يَنْزُوَ عَلَيْهَا حِمَارٌ (قَوْلُهُ: وَإِسْلَامُهُمَا) تَقَدَّمَ أَنَّهَا لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْجِهَادِ مَنْدُوبَةٌ، فَإِنْ قُصِدَ بِهَا مُبَاحٌ فَهِيَ مُبَاحَةٌ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي صِحَّتُهَا إذَا جَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ لِيَتَقَوَّى بِهَا عَلَى أَمْرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْقَصْدَ جَوْدَةُ هَذَا) أَيْ وَفِي ذَاكَ الْقَصْدُ جَوْدَةُ الْفَرَسِ
(8/167)
الْمَالِ) كَذَا وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (أَوْ) فَلَهُ (عَلَيَّ كَذَا) وَهَذَا عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْإِمَامَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَضِّ عَلَى تَعَلُّمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَبَذْلِ مَالٍ فِي قُرْبَةٍ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ نَدْبُ ذَلِكَ (وَ) يَجُوزُ شَرْطُهُ (مِنْ أَحَدِهِمَا فَيَقُولُ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ) لِي (عَلَيْك) إذْ لَا قِمَارَ.
(فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ) لِتَرَدُّدِ كُلٍّ بَيْنَ أَنْ يَغْنَمَ وَيَغْرَمَ وَهُوَ قِمَارٌ مُحَرَّمٌ (إلَّا بِمُحَلِّلٍ) كُفْءٍ لَهُمَا فِي الْمَرْكُوبِ وَغَيْرِهِ وَ (فَرَسُهُ) مَثَلًا الْمُعَيَّنُ (كُفْءٌ) بِتَثْلِيثِ أَوَّلِهِ: أَيْ مُسَاوٍ (لِفَرَسَيْهِمَا) إنْ سَبَقَ أَخَذَ مَالَهُمَا وَإِنْ سُبِقَ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا وَلِهَذَا سُمِّيَ مُحَلِّلًا لِحِلِّ الْمَالِ بِسَبَبِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَيْسَ بِقِمَارٍ، وَمَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ وَقَدْ أَمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَهُوَ قِمَارٌ» فَإِذَا كَانَ قِمَارًا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ سَبْقِ فَرَسِ الْمُحَلِّلِ فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُحَلِّلِ أَوْلَى، وَقَوْلُهُ فِيهِ بَيْنَ فَرَسَيْنِ لِلْغَالِبِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِجَنْبِ أَحَدِهِمَا إنْ رَضِيَا وَإِلَّا تَعَيَّنَ التَّوَسُّطُ، وَيَكْفِي مُحَلِّلٌ وَاحِدٌ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ فَرَسَيْنِ، فَالتَّثْنِيَةُ فِيهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَاعِلٌ مُطَابِقٌ لِلْخَبَرِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُكَافِئْ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا فَلَا يَصِحُّ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَيَنْبَغِي لِلْمُحَلِّلِ أَنْ يُجْرِيَ فَرَسَهُ بَيْنَ فَرَسَيْهِمَا، فَإِنْ أَجْرَاهَا بِجَنْبِ أَحَدِهِمَا جَازَ حَيْثُ تَرَاضَيَا بِذَلِكَ، وَالْمُحَلِّلُ بِكَسْرِ اللَّامِ.
(فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ) سَوَاءٌ أَجَاءَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا (وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعَهُ) أَوْ لَمْ يَسْبِقْ أَحَدٌ (فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ وَإِنْ جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا) وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ (فَمَالُ هَذَا) الَّذِي جَاءَ مَعَهُ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ (وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَاَلَّذِي مَعَهُ) لِأَنَّهُمَا سَبَقَاهُ (وَقِيلَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِنَفْسِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ (وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ) أَوْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مُرَتَّبِينَ أَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا وَجَاءَ مَعَ الْمُتَأَخِّرِ (فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) لِسَبْقِهِ لَهُمَا، فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ حُكْمُ جَمِيعِ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ وَهِيَ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَسْبِقَاهُ وَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا أَوْ يَتَوَسَّطَهُمَا أَوْ يُصَاحِبَ أَوَّلَهُمَا أَوْ ثَانِيَهُمَا أَوْ تَأْتِيَ الثَّلَاثَةُ مَعًا
(وَإِنْ) (تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا وَشُرِطَ) مِنْ رَابِعٍ (لِلثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ) (فَسَدَ) الْعَقْدُ لِأَنَّ كُلًّا لَا يَجْتَهِدُ فِي السَّبْقِ لِوُثُوقِهِ بِالْمَالِ سَبَقَ أَوْ سُبِقَ وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُحَرَّرَ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ كَالشَّرْحَيْنِ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ كُلًّا يَجْتَهِدُ وَيَسْعَى أَنْ يَكُونَ سَابِقًا أَوْ مُصَلِّيًا، نَعَمْ لَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَقَطْ وَشَرَطَ لِلثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ فَسَدَ (وَ) إذَا شَرَطَ لِلثَّانِي (دُونَهُ) أَيْ الْأَوَّلِ (يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْسَلُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفُوزُ بِشَيْءٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْخَيْلِ الَّتِي تَجْتَمِعُ لِلسِّبَاقِ عَشَرَةَ أَسْمَاءٍ نَظَمَهَا بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ:
سَابِقٌ بَعْدَهُ مُصَلٍّ مُسَلٍّ ... ثُمَّ تَالٍ فَعَاطِفٌ مُرْتَاحُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مُبَاحٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ الْمُسْلِمُ التَّعَلُّمَ مِنْ الْكَافِرِ لِشِدَّةِ حِذْقِهِ فِيهِ (قَوْلُهُ: نُدِبَ ذَلِكَ) أَيْ بَذْلُ الْمَالِ (قَوْلُهُ: إذْ لَا قِمَارَ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: فَهُوَ قِمَارٌ) آخَرُ (قَوْلُهُ: فَالتَّثْنِيَةُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَاعِلٌ) صَوَابُهُ مِثَالٌ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُحَلِّلِ إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ وَقَوْلُهُ فِيهِ بَيْنَ فَرَسَيْنِ الْغَالِبُ فَيَجُوزُ إلَخْ
(قَوْلُهُ: أَوْ مُصَلِّيًا) مِنْ أَسْمَاءِ الْخَيْلِ (قَوْلُهُ سَابِقٌ) أَيْ وَيُقَالُ لَهُ الْمُجَلِيُّ (قَوْلُهُ: فَعَاطِفٌ) أَيْ وَيُقَالُ لَهُ الْبَارِعُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إنْ سَبَقَ أَخَذَ مَالَهُمَا إلَخْ) أَيْ وَهَذَا مَشْرُوطٌ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ شَرْطِ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ مَالُ الْآخَرِ الَّذِي هُوَ مَمْنُوعٌ لَوْلَا الْمُحَلَّلُ كَمَا عُلِمَ مِنْ سِيَاقِ الْمَتْنِ، وَعَلَى هَذَا تُنَزَّلُ الْأَحْكَامُ الْآتِيَةُ فِي الْمَتْنِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي الْخَبَرِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ) هُوَ بِبِنَاءِ يَأْمَنُ لِلْفَاعِلِ وَبِنَاءُ يُسْبَقُ لِلْمَفْعُولِ عَكْسُ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يَسْبِقَ فَإِنَّهُ بِبِنَاءِ أُمِنَ لِلْمَفْعُولِ وَبِنَاءِ يَسْبِقُ لِلْفَاعِلِ لِيُطَابِقَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى وَبِهِ يَتِمُّ الدَّلِيلُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَعِنْدَ عَدَمِ الْمُحَلِّلِ أَوْلَى) أَيْ وَلِأَنَّ مَعْنَى الْقِمَارِ مَوْجُودٌ فِيهِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَرْجُو الْغُنْمَ وَيَخَافُ الْغُرْمَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُحَلِّلِ أَنْ يُجْرِيَ فَرَسَهُ إلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا قَرِيبًا.
(8/168)
سَابِعٌ فَالْمُؤَمِّلُ الْحَظِيُّ يَلِيهِ ... لَطِيمٌ لِعَدْوِهِ يَرْتَاحُ
وَعَاشِرٌ فِسْكِلٌ وَيُسَمَّى سُكَيْتَا ... عَدْوُهَا كُلِّهَا حَكَتْهُ الرِّيَاحُ
(وَسَبْقُ إبِلٍ) وَكُلِّ ذِي خُفٍّ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ (بِكَتِفٍ) أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ الْغَايَةِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكَتَدِ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ وَيُسَمَّى بِالْكَاهِلِ أَيْضًا، وَآثَرَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ لِشُهْرَتِهِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا فِي الْعَدْوِ وَالْفِيلُ لَا عُنُقَ لَهُ فَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ (وَخَيْلٍ) وَكُلِّ ذِي حَافِرٍ (بِعُنُقٍ) أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ الْغَايَةِ لِأَنَّهَا لَا تَرْفَعُهُ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَفَعَتْهُ اُعْتُبِرَ فِيهَا الْكَتِفُ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ، وَلَوْ اخْتَلَفَ طُولُ عُنُقِهِمَا فَسَبَقَ الْأَطْوَلُ بِتَقَدُّمِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الزَّائِدِ، وَأَمَّا سَبْقُ الْأَقْصَرِ فَيَظْهَرُ فِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَاوَزَةِ عُنُقِهِ بَعْضَ زِيَادَةِ الْأَطْوَلِ لَا كُلَّهَا (وَقِيلَ) السَّبْقُ (بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا) أَيْ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ لِأَنَّ الْعَدْوَ بِهَا، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ شَرَطَا فِي السَّبْقِ أَقْدَامًا مَعْلُومَةً لَمْ يَحْصُلْ بِمَا دُونِهَا، وَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ وَالْآخَرُ فِي آخِرِهِ فَهُوَ السَّابِقُ، فَإِنْ عَثَرَ أَوْ سَاخَتْ قَوَائِمُهُ فِي الْأَرْضِ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ سَابِقًا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ بَعْدَ جَرْيِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ وَقَفَ بِلَا عِلَّةٍ كَانَ مَسْبُوقًا
(وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ) أَيْ فِيهَا (بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ يَسْبِقَ (أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ) الْوَاحِدِ أَوْ (الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ) إصَابَتَهُ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ مِنْ كُلٍّ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَدَدِ الْمَرْمِيِّ أَوْ الْيَأْسِ مِنْ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِصَابَةِ، فَلَوْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ لِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ فَلَهُ كَذَا فَرَمَى كُلُّ عِشْرِينَ أَوْ عَشَرَةٍ وَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ النَّاضِلُ وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَتَمَّهَا لِجَوَازِ أَنْ يُصِيبَ فِي الْبَاقِي فَلَا يَكُونُ الْأَوَّلُ نَاضِلًا، وَإِنْ أَصَابَ مِنْهَا ثَلَاثَةً لَمْ يَتِمَّ الْبَاقِي وَصَارَ مَنْضُولًا (أَوْ مُحَاطَّةً) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ (وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَتُهُمَا) مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَعِشْرِينَ مِنْ كُلٍّ (وَيُطْرَحُ الْمُشْتَرَكُ) بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِصَابَاتِ (فَمَنْ زَادَ) مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ أَوْ (بِعَدَدِ كَذَا) كَخَمْسٍ (فَنَاضَلَ) لِلْآخَرِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّصْحِيحِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ وَإِنْ جَهِلَاهَا ` لِأَنَّهُ الْغَالِبُ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا يَأْتِي بِأَنَّ الْجَهْلَ بِهَذَا نَادِرٌ جِدًّا فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَالْمُؤَمِّلُ) الْفَاءُ زَائِدَةٌ، قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: الْمُرَمِّلُ بِالرَّاءِ وَيُقَالُ الْمُؤَمِّلُ بِالْهَمْزِ اهـ.
وَفِي الْمُخْتَارِ: الْمُؤَمِّنُ بِالنُّونِ بَدَلَ اللَّامِ، وَذَكَرَ جُمْلَةَ الْأَسْمَاءِ فِي فَصْلِ الْفَاءِ مِنْ بَابِ اللَّامِ اهـ.
ثُمَّ رَأَيْت أَصْلَهُ بِاللَّامِ (قَوْلُهُ: فِسْكِلٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا اهـ شَرْحُ رَوْضٍ.
وَفِي الْمُخْتَارِ إنَّهُ يُقَالُ لَهُ الْقَاشُورُ اهـ (قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى سُكَيْتًا) مُخَفَّفًا كَالْكُمَيْتِ وَمُثَقَّلًا أَيْضًا اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ عَدْوُهَا كُلُّهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَمِنْهُمْ مِنْ زَادَ حَادِي عَشْرَ سَمَّاهُ الْمَقْرُوحَ وَالْفُقَهَاءُ قَدْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى رُكَّابِ الْخَيْلِ اهـ (قَوْلُهُ: بَعْضُ زِيَادَةِ الْأَطْوَلِ لَا كُلِّهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ صَاحِبِ الْأَقْصَرِ بِقَدْرٍ مِنْ الزَّائِدِ وَمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يُجَاوِزَ قَدْرَ عُنُقِهِ مِنْ عُنُقِ الْأَطْوَلِ، فَمَتَى زَادَ بِجُزْءٍ مِنْ عُنُقِ الْأَطْوَلِ عَلَى عُنُقِهِ عُدَّ سَابِقًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ عَثَرَ) وَيَنْبَغِي تَصْدِيقُ صَاحِبِ الْفَرَسِ الْعَاثِرِ فِي ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ أَوْ سَاخَتْ: أَيْ غَاصَتْ
(قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَدَمُهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فَالْمُؤَمَّلُ) هُوَ بِالْهَمْزِ وَيُقَالُ لَهُ الْمُرَمَّلُ بِالرَّاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ: فِسْكِلٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً مِنْ عِشْرِينَ) لَعَلَّ الْخَامِسَ مِنْ الْإِصَابَاتِ إنَّمَا حَصَلَتْ عِنْدَ تَمَامِ الْعِشْرِينَ، وَإِلَّا فَلَوْ حَصَلَتْ قَبْلُ فَهُوَ نَاضِلٌ لِأَنَّهُ
(8/169)
(وَ) يُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ (بَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ) فِي الْمُحَاطَّةِ وَالْمُبَادَرَةِ جَمِيعًا لِيَكُونَ لِلْعَمَلِ وَهِيَ الْمُنَاضَلَةُ كَالْمَيْدَانِ فِي الْمُسَابَقَةِ وَنُوَبُ الرَّمْيِ هِيَ الْإِرْشَاقُ كَرَمْيِ سَهْمٍ سَهْمٍ أَوْ خَمْسَةٍ خَمْسَةٍ، وَيَجُوزُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعَ ثُمَّ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى سَهْمٍ سَهْمٍ، فَلَوْ رَمَى أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ النَّوْبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لَهُ إمَّا بِاتِّفَاقٍ أَوْ بِإِطْلَاقِ الْعَقْدِ لَمْ تُحْسَبْ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ أَصَابَ وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ، فَلَوْ عَقَدَا عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ عَلَى أَنْ يَرْمِيَا بُكْرَةَ كُلِّ يَوْمٍ كَذَا وَعَشِيَّتَهُ كَذَا جَازَ، وَلَا يَفْتَرِقَانِ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ عَدَدِهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ رِيحٍ عَاصِفٍ، ثُمَّ يَرْمِيَانِ عَلَى مَا مَضَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ بَعْدَهُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ الرَّمْيُ طُولَ النَّهَارِ فَيَلْزَمُهُمَا الْوَفَاءُ بِهِ، وَأَوْقَاتُ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ كَصَلَاةٍ وَطَهَارَةٍ وَأَكْلٍ وَقَضَاءِ حَاجَةٍ كَالْإِجَارَةِ، وَعُرُوضُ الْحَرِّ الْخَفِيفِ لَيْسَ بِعُذْرٍ، وَمَتَى غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ فَرَاغِ وَظِيفَةِ الْيَوْمِ لَمْ يَرْمِيَا لَيْلًا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا يَسْتَضِيئُونَ بِهِ وَقَدْ يَكْتَفُونَ بِضَوْءِ الْقَمَرِ (وَ) بَيَانُ عَدَدِ (الْإِصَابَةِ) كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِصَابَةِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ حِذْقُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مُمْكِنًا، فَإِنْ نَدَرَ كَتِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ لَمْ تَصِحَّ، وَلَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا كَمِائَةٍ مُتَوَالِيَةٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، أَوْ مُتَيَقَّنًا كَإِصَابَةِ الْحَاذِقِ وَاحِدًا مِنْ مِائَةٍ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَيُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِ مَا يُرْمَى بِهِ لَا كَسَهْمٍ مَعَ مِزْرَاقٍ، وَالْعِلْمُ بِمَالٍ شَرْطٌ وَتَقَارُبُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ فِي الْحِذْقِ وَتَعَيُّنُ الْمَوْقِفِ وَالِاسْتِوَاءُ فِيهِ (وَ) بَيَانُ عِلْمِ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، وَ (مَسَافَةِ الرَّمْيِ) بِذَرْعٍ أَوْ مُشَاهَدَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ وَقَصَدَا غَرَضًا وَإِلَّا لَمْ يُحْتَجْ لِبَيَانِ ذَلِكَ وَيُنَزَّلُ عَلَى عَادَةِ الرُّمَاةِ الْغَالِبَةِ، ثُمَّ إنْ عَرَفَاهَا وَإِلَّا اُشْتُرِطَ بَيَانُهَا.
وَيَصِحُّ رُجُوعُ قَوْلِهِ الْآتِي إلَّا أَنْ يَعْقِدَ إلَخْ لِهَذَا أَيْضًا، وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا وَلَمْ يَقْصِدَا غَرَضًا صَحَّ الْعَقْدُ إنْ اسْتَوَى السَّهْمَانِ خِفَّةً وَرَزَانَةً وَالْقَوْسَانِ شِدَّةً وَلِينًا، فَإِنْ ذَكَرَا غَايَةً لَا تَبْلُغُهَا السِّهَامُ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ فِيهَا نَادِرَةً.
وَالْغَالِبُ وُقُوعُهَا فِي مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا: أَيْ بِذِرَاعِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّحْدِيدَ بِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا مَضَى لِلسَّلَفِ وَإِلَّا فَلَوْ وُجِدَ حَاذِقٌ يَرْمِي مِنْ أَضْعَافِ ذَلِكَ لَمْ يَبْعُدْ التَّقْدِيرُ فِيهِ بِمَا يُنَاسِبُهُ اعْتِبَارًا فِي كُلِّ قَوْمٍ وَزَمَنٍ إلَى عُرْفِهِمْ (قَدْرَ الْغَرَضِ) الْمُرْمَى إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ وَقِرْطَاسٍ وَدَائِرَةٍ (طُولًا وَعَرْضًا) وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَعْقِدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُبَادَرَةِ أَوْ الْمُحَاطَّةِ (قَوْلُهُ لِيَكُونَ لِلْعَمَلِ) انْضِبَاطٌ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِيَانِ) أَيْ بَانِيَيْنِ عَلَى مَا مَضَى إلَخْ (قَوْلُهُ وَهُمْ مُحْتَاجُونَ إلَى مَا يَسْتَضِيئُونَ بِهِ) مُسْتَأْنَفٌ: يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَرْطَاهُ تَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ حَيْثُ تَيَسَّرَ مَا يَسْتَضِيئُونَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَكْتَفُونَ بِضَوْءِ الْقَمَرِ) وَهَلْ يَرْمِيَانِ الْبَقِيَّةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ تَسْقُطُ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَلَا يَبْعُدُ الثَّالِثُ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مُمْكِنًا) أَيْ إمْكَانًا قَرِيبًا لِيَصِحَّ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ نَدَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ) مِنْ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةٌ لَا تَبْعِيضِيَّةٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا) أَيْ لَكِنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي النَّادِرِ عَلَى الْأَصَحِّ وَفِي الْمُمْتَنِعِ مَقْطُوعٌ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَقْصِدَا غَرَضًا صَحَّ إلَخْ) وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّاكِبَيْنِ مِنْ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا الْمَالَ لِمَنْ سَبَقَ حَيْثُ سَبَقَ لَمْ يَجُزْ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ سَبْقَ الْفَرَسِ فِي الْعَادَةِ لَا يَنْضَبِطُ غَالِبًا بِخِلَافِ هَذَا (قَوْلُهُ: بِمَا يُنَاسِبُهُ اعْتِبَارًا) أَيْ نَظَرًا (قَوْلُهُ: وَقِرْطَاسٍ وَدَائِرَةٍ) أَيْ فِي الْغَرَضِ (قَوْلُهُ وَسُمْكًا) الْمُرَادُ بِهِ الثِّخَنُ لَا مَا مَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَدَرَ بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَدَدِ الْمَرْمِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ السَّابِقِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ، وَسَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ الْآتِي، وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى سَهْمٍ سَهْمٍ (قَوْلُهُ: فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَرْمِيَانِ (قَوْلُهُ: وَبَيَانُ عِلْمِ الْمَوْقِفِ) لَا مَعْنَى لِلْجَمْعِ بَيْنَ بَيَانٍ وَعِلْمٍ كَمَا نَبَّهَ
(8/170)
بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ فَيُحْمَلُ) الْعَقْدُ (الْمُطْلَقُ) عَنْ بَيَانِ غَرَضٍ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَرَضِ الْمُعْتَادِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَسَافَةِ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ كَوْنِ الْغَرَضِ هَدَفًا أَمْ غَرَضًا مَنْصُوبًا فِيهِ أَمْ دَائِرَةً فِي الشَّنِّ أَمْ خَاتَمًا فِي الدَّائِرَةِ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ شَرْطِهِ (وَلْيُبَيِّنَا) نَدْبًا (صِفَةَ الرَّامِي) الْمُتَعَلِّقِ بِإِصَابَةِ الْغَرَضِ (مِنْ قَرْعٍ) بِسُكُونِ الرَّاءِ (وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ) وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ الْجِلْدُ الْبَالِي، وَالْمُرَادُ هُنَا مُطْلَقُ الْغَرَضِ (بِلَا خَدْشٍ) أَيْ يَكْفِي فِيهِ ذَلِكَ لَا أَنَّ مَا بَعْدَهُ يَضُرُّ، وَكَذَا فِي الْبَاقِي (أَوْ خَزْقٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ لِلْمُعْجَمَتَيْنِ (وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ أَوْ خَسْقٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ فَسُكُونٍ لِلْمُهْمَلَةِ فَقَافٍ (وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ) فِيهِ أَوْ فِي بَعْضِ طَرَفِهِ وَإِنْ سَقَطَ بَعْدُ، وَيُسَمَّى خَرْمًا.
وَقَدْ يُطْلَقُ الْخَسْقُ عَلَى الْمَرْقِ كَمَا جَرَيَا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ (أَوْ مَرْقٍ) بِالرَّاءِ (وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ) بِالْمُعْجَمَةِ مِنْهُ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ.
وَالْحَوَابِي أَنْ يَرْمِيَ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْأَقْرَبُ لِلْغَرَضِ الْأَبْعَدَ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا عَيَّنَاهُ مِنْ هَذِهِ مُطْلَقًا بَلْ كَانَ يُغْنِي عَنْهَا مَا بَعْدَهَا كَمَا مَرَّ فَالْفَرْعُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَزْقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْخَزْقُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَسْقُ وَمَا بَعْدَهُ وَهَكَذَا، وَالْعِبْرَةُ بِإِصَابَةِ النَّصْلِ كَمَا يَأْتِي (فَإِنْ أَطْلَقَا) الْعَقْدَ عَنْ ذِكْرٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ (اقْتَضَى الْفَرْعُ) لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ وَلْيُبَيِّنَا لِلنَّدَبِ كَمَا مَرَّ دُونَ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْإِطْلَاقِ (وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ وَبِشَرْطِهِ) فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَمِنْ أَحَدِهِمَا، وَكَذَا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمُحَلِّلٍ كُفْءٍ لَهُمَا، فَإِنْ كَانَا حِزْبَيْنِ فَكُلُّ حِزْبٍ كَشَخْصٍ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْمٍ) بِصِفَةٍ وَلَا نَوْعٍ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَنْوَاعِ الْقِسِيِّ وَالسِّهَامِ لَا يَضُرُّ هُنَا، بِخِلَافِ نَحْوِ الْفَرَسِ، فَإِنْ أَطْلَقَا وَاتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ (فَإِنْ عُيِّنَ) قَوْسٌ أَوْ سَهْمٌ بِعَيْنِهِ (لَغَا) تَعْيِينُهُ (وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ) مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ، سَوَاءٌ أُحْدِثَ فِيهِ خَلَلُ أَمْ لَا، وَاحْتُرِزَ بِمِثْلِهِ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ أَدْرَبُ (فَإِنْ شَرَطَ مَنْعَ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَفْسَدَهُ (وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالرَّمْيِ) لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ، فَإِنْ تَرَكَاهُ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ وَيُقْرَعُ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَعْيِينِ الرَّامِي بِالشَّخْصِ كَمَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ فِي الْمُسَابَقَةِ، وَلَوْ رَمَى مِنْ غَيْرِ إذْنِ أَصْحَابِهِ.
قَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَمْ يُحْسَبْ مَا رَمَاهُ أَصَابَ فِيهِ أَمْ أَخْطَأَ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ
(وَلَوْ) (حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ) مِنْهُمْ بِرِضَاهُمْ (زَعِيمَانِ) فَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ (يَخْتَارَانِ) قَبْلَ الْعَقْدِ (أَصْحَابًا جَازَ) وَيَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ.
وَيُشْتَرَطُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ أَحْذَقُ الْجَمَاعَةِ، وَأَنْ تُقَسَّمَ السِّهَامُ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ، فَإِنْ تَحَازَبُوا ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ كَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ تَحَازَبُوا أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ كَأَرْبَعِينَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّولِ أَطْوَلُ الِامْتِدَادَيْنِ فِيمَا لَيْسَ وَضْعُهُ عَلَى الِانْتِصَابِ، وَبِالِارْتِفَاعِ عُلُوُّهُ إذَا كَانَ وَضْعُهُ عَلَى الِانْتِصَابِ فَالْأَرْبَعَةُ مُتَبَايِنَةٌ (قَوْلُهُ: هَدَفًا) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْهَدَفُ كُلُّ شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ كَثِيبِ رَمْلٍ أَوْ جَبَلٍ (قَوْلُهُ: إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ: وَالْحَوَابِي) عِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَالْحَوَابِي بِالْمُهْمَلَةِ بِأَنْ يَقَعَ السَّهْمُ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ ثُمَّ يَثِبُ إلَيْهِ مِنْ حَبَا الصَّبِيُّ انْتَهَى.
وَمِثْلُهُ فِي حَجّ: أَيْ فَلَهُ إطْلَاقَانِ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ مِثْلُ عِبَارَةِ م ر (قَوْلُهُ: كَمَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ) الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَرْكُوبِ اعْتِبَارُ الشَّخْصِ أَوْ الْوَصْفِ، بِخِلَافِ الرَّاكِبِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْيِينِ بِالشَّخْصِ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: أَمْ غَرَضًا) الصَّوَابُ إبْدَالُ أَمْ بِأَوْ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: بِصِفَةٍ وَلَا نَوْعٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ.
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بِعَيْنِهِ وَلَا نَوْعِهِ انْتَهَتْ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الشَّارِحِ بِصِفَةٍ مُحَرَّفٌ عَنْ قَوْلِهِ بِعَيْنِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ) إنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَالرَّاكِبُ لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ تَعْيِينَهُ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّامِي كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ) لَعَلَّ الْمُرَادَ السِّهَامُ الَّتِي تَخُصُّ ذَلِكَ الْحِزْبَ فَلْيُرَاجَعْ
(8/171)
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَأْخُذَ الْحُذَّاقَ، وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِي عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ، وَقَالَ الْإِمَامُ: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ (وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا) أَيْ الْأَصْحَابِ (بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهَا قَدْ تَجْمَعُ الْحُذَّاقَ فِي جَانِبٍ وَضِدَّهُمْ فِي آخَرَ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ، نَعَمْ إنْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَأَقْرَعَ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ الْمَذْكُورِ (فَإِنْ اخْتَارَ) أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ (غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافَهُ) أَيْ غَيْرَ مُحْسِنٍ لِأَصْلِ الرَّمْيِ (بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ) فِي مُقَابَلَتِهِ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي، قَالَ جَمْعٌ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَغَيْرُهُ هُوَ مَا اخْتَارَهُ زَعِيمُهُ فِي مُقَابَلَتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ كُلَّ زَعِيمٍ يَخْتَارُ وَاحِدًا ثُمَّ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَاحِدًا وَهَكَذَا، لَكِنْ يَرُدُّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُمْ الْآتِي وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ.
أَمَّا لَوْ بَانَ ضَعِيفَ الرَّمْيِ أَوْ قَلِيلَ الْإِصَابَةِ فَلَا فَسْخَ لِأَصْحَابِهِ أَوْ فَوْقَ مَا ظَنُّوهُ فَلَا فَسْخَ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ (وَفِي بُطْلَانِ) الْعَقْدِ فِي (الْبَاقِي قَوْلًا) تَفْرِيقِ (الصَّفْقَةِ) وَأَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ فَيَصِحُّ هُنَا (فَإِنْ صَحَّحْنَا فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ) بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِلتَّبْعِيضِ (فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ فُسِخَ الْعَقْدُ) لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ (وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ قُسِّمَ الْمَالُ) بَيْنَهُمْ (بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ) لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِهَا، فَمَنْ لَا إصَابَةَ لَهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ أَخَذَ بِحَسَبِ إصَابَتِهِ (وَقِيلَ) يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ (بِالسَّوِيَّةِ) لِأَنَّهُمْ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ كَمَا أَنَّ الْمَنْضُولِينَ يَغْرَمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ وَالْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ سَبْقُ قَلَمٍ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّصْلِ) الَّذِي فِي السَّهْمِ دُونَ فَوْقِهِ وَعُرْضِهِ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ، نَعَمْ إنْ قَارَنَ ابْتِدَاءَ رَمْيِهِ رِيحٌ عَاصِفَةٌ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ إنْ أَصَابَ وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ لِقُوَّةِ تَأْثِيرِهَا (فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ) قَبْلَ خُرُوجِ السَّهْمِ لَا بِتَقْصِيرِهِ وَسُوءِ رَمْيِهِ (أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ) كَشَخْصٍ أَوْ بَهِيمَةٍ (انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ حُسِبَ لَهُ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مَعَ النَّكْبَةِ الْعَارِضَةِ تَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ رَمْيِهِ وَقُوَّتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُصِبْ (لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ) إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الْعَارِضِ، فَإِنْ تَلِفَ الْوَتَرُ أَوْ الْقَوْسُ لِسُوءِ رَمْيِهِ وَتَقْصِيرِهِ حُسِبَ عَلَيْهِ (وَلَوْ نَقَلَتْ رِيحٌ الْغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ) إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ لَأَصَابَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُصِبْ مَوْضِعَهُ (فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ) إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الْعَارِضِ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَمَا بَعْدَ إلَّا مَزِيدٌ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ أَصَابَ الْغَرَضَ فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَلَا تَرِدُ عَلَى الْمِنْهَاجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي الزَّعِيمَيْنِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَحْذَقَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ تَسَاوِي عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: فَبَانَ خِلَافَهُ) أَيْ بَانَ الرَّامِي غَيْرَ مَا ظُنَّ بِهِ، فَخِلَافُهُ بِالنَّصْبِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَرُدُّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ) يُمْكِنُ تَصْوِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِمَا لَوْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَأَقْرَعَ (قَوْلُهُ: أُخِذَ بِحَسَبِ إصَابَتِهِ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّصْلِ) بِالْمُهْمَلَةِ انْتَهَى مَنْهَجٌ (قَوْلُهُ: دُونَ فَوْقِهِ وَعُرْضِهِ بِالضَّمِّ) أَيْ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ قَارَنَ ابْتِدَاءَ رَمْيِهِ) أَيْ أَوْ طَرَأَتْ بَعْدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا إلَخْ) وَإِنَّمَا يَخْتَارُ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ وَاحِدًا وَالْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَاحِدًا وَهَكَذَا إلَى الْآخِرِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَحَالَ عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي، وَسَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِحَ يَتَّبِعُهُ فِي الْإِحَالَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ ذَاكَ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَابِعٌ فِي هَذَا لِابْنِ حَجَرٍ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّمْ مَا أَحَالَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ يَرُدُّهُ) أَيْ يَرُدُّ مَا بَنَوْهُ عَلَى مَا مَرَّ، فَالْمَرْدُودُ الْمَبْنِيُّ لَا الْمُبْنَى عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدُ ذَلِكَ سِيَاقُ ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ جَزَمَ بِالْمُبْنَى عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُنَا كَمَا فِي الشَّرْحِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي نَظِيرِ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ وَاحِدٌ سَقَطَ مَنْ اُخْتِيرَ فِي نَظِيرِهِ (قَوْلُهُ: فَوْقَهُ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعُ النَّصْلِ مِنْ السَّهْمِ
(8/172)
فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا طَرَأَتْ الرِّيحُ بَعْدَ الرَّمْيِ وَنَقَلَتْ الْغَرَضَ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الرِّيحُ مَوْجُودَةً فِي الِابْتِدَاءِ فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ لِتَفْرِيطِهِ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَا فَهِمَهُ ابْنُ شُهْبَةَ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ وَقَالَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَنَقَلَهُ النَّجْمُ بْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ فِي تَصْحِيحِهِ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ الْمِنْهَاجِ، فَمَبْنِيٌّ عَلَى اتِّحَادِ تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ (وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ) السَّهْمُ الْغَرَضَ (وَثَبَتَ) فِيهِ (ثَمَّ سَقَطَ أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً) مَنَعَتْهُ مِنْ ثَقْبِهِ (فَسَقَطَ حُسِبَ لَهُ) لِعُذْرِهِ، وَيُنْدَبُ حُضُورُ شَاهِدَيْنِ عِنْدَ الْغَرَضِ لِيَشْهَدَا عَلَى مَا يَرَيَانِهِ مِنْ إصَابَةٍ وَعَدَمِهَا وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَوْ تَرَاهَنَ رَجُلَانِ عَلَى قُوَّةٍ يَخْتَبِرَانِ بِهَا أَنْفُسَهُمَا كَالْقُدْرَةِ عَلَى رُقِيِّ جَبَلٍ أَوْ إقْلَالِ صَخْرَةٍ أَوْ أَكَلَ كَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَكُلُّهُ حَرَامٌ، وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ فِي الرِّهَانِ عَلَى حَمْلِ كَذَا مِنْ مَوْضِعِ كَذَا إلَى مَكَانِ كَذَا وَإِجْرَاءِ السَّاعِي مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ كُلُّ ذَلِكَ ضَلَالَةٌ وَجَهَالَةٌ مَعَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَوَاتِ وَفِعْلِ الْمُنْكَرَاتِ
كِتَابُ الْأَيْمَانِ
بِالْفَتْحِ جَمْعُ يَمِينٍ وَهُوَ الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ وَالْإِيلَاءُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ، وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيُمْنَى لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَفُوا وَضَعَ أَحَدُهُمْ يَمِينَهُ فِي يَمِينِ صَاحِبِهِ.
وَهِيَ فِي الشَّرْعِ بِالنَّظَرِ لِوُجُوبِ تَكْفِيرِهَا تَحْقِيقُ أَمْرٍ مُحْتَمَلٍ بِمَا يَأْتِي، وَتَسْمِيَةُ الْحَلِفِ بِنَحْوِ الطَّلَاقِ يَمِينًا شَرْعِيَّةً غَيْرُ بَعِيدٍ، فَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ، وَبِالْمُحْتَمَلِ نَحْوُ لَأَمُوتَنَّ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَيُحْسَبُ عَلَيْهِ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ أَوَّلًا نَعَمْ إنْ قَارَنَ ابْتِدَاءَ رَمْيِهِ رِيحٌ عَاصِفَةٌ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ إنْ أَصَابَ وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَالْغَرَضُ بِمَحَلِّهِ فَأَصَابَتْهُ بِهُبُوبِ الرِّيحِ وَمَا هُنَا فِيمَا لَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى آخَرَ (قَوْلُهُ: وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ) أَيْ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُمَا) أَيْ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَكُلُّهُ حَرَامٌ) أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ.
كِتَابُ الْأَيْمَانِ
(قَوْلُهُ: بِنَحْوِ الطَّلَاقِ) أَيْ كَالْعِتْقِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ بَعِيدٍ) أَيْ لِتَضَمُّنِهِ الْمَنْعَ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَتَضَمُّنِ الْحَلِفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إذَا) (كَانَتْ الرِّيحُ مَوْجُودَةً) أَيْ وَنَقَلَتْ الْغَرَضَ قَبْلَ الرَّمْيِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ " مَا " فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا مَا فَهِمَهُ إلَخْ.
[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]
ِ (قَوْلُهُ: أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ) أَيْ فِي الْحَلِفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهَا) يَعْنِي الْيَمِينَ وَإِنْ ذَكَرَ ضَمِيرَهَا فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا حَلَفُوا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَحْذُوفٍ: أَيْ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِالنَّظَرِ لِوُجُوبِ تَكْفِيرِهَا) أَيْ وَإِلَّا فَالطَّلَاقُ مَثَلًا يَمِينٌ أَيْضًا.
وَحَاصِلُ الْمُرَادِ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ هُنَا بِقَوْلِهِ بِمَا يَأْتِي الْمُرَادُ بِهِ اسْمُ اللَّهِ وَصِفَتُهُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي يَجِبُ تَكْفِيرُهَا لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ حَتَّى يَرِدَ نَحْوُ الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ تَحْقِيقُ أَمْرٍ) كَأَنَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ هُنَا كَغَيْرِهِ بِأَمْرٍ لَا يُخْبِرُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَلِفِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ لِيَشْمَلَ الْحَثَّ وَالْمَنْعَ أَيْضًا، إذْ هُوَ فِي الْحَثِّ
(8/173)
لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْحِنْثِ فِيهِ بِذَاتِهِ فَلَا إخْلَالَ فِيهِ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ وَلَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ وَلَأَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ فَإِنَّهُ يَمِينٌ يَجِبُ تَكْفِيرُهَا حَالًا مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَخِيرَةَ بِوَقْتٍ كَغَدٍ فَيُكَفِّرُ غَدًا وَذَلِكَ لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الِاسْمِ، وَلَا تَرِدُ هَذِهِ عَلَى التَّعْرِيفِ لِفَهْمِهَا مِنْهُ بِالْأَوْلَى إذْ الْمُحْتَمَلُ لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ عُذْرٍ بِاحْتِمَالِ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ، بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ عِنْدَ حَلِفِهِ هَاتِكٌ حُرْمَةَ الِاسْمِ لِعِلْمِهِ بِاسْتِحَالَةِ الْبِرِّ فِيهِ، وَشَرْطُ الْحَالِفِ يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، بَلْ وَمِمَّا يَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مُكَلَّفٌ أَوْ سَكْرَانُ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ، فَخَرَجَ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ وَسَاهٍ.
وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ قَوْله تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] وَأَخْبَارٌ مِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» وَقَوْلُهُ «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (لَا تَنْعَقِدُ) الْيَمِينُ (إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ اسْمٍ دَالٍّ عَلَيْهَا وَإِنْ دَلَّ عَلَى صِفَةٍ مَعَهَا (أَوْ صِفَةٍ لَهُ) وَسَتَأْتِي، فَالْأَوَّلُ (كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ) أَيْ مَالِكِ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ، وَالْعَالَمُ بِفَتْحِ اللَّامِ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ (وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ) أَيْ قُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ شَاءَ وَمَنْ فَلَقَ الْحَبَّةَ (وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى) كَالْإِلَهِ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مُنْعَقِدَةٌ بِمَنْ عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ، وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَنْعَقِدُ بِمَخْلُوقٍ كَوَحَقِّ النَّبِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِاَللَّهِ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ) أَيْ وَيَحْنَثُ بِهِ فِي الطَّلَاقِ حَالًا (قَوْلُهُ وَلَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ) أَيْ مَا لَمْ تُخْرَقْ الْعَادَةُ لَهُ فَيَصْعَدُهَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ هَذَا) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ لَا أَمُوتُ (قَوْلُهُ: وَمُكْرَهٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِحَقٍّ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ إمَّا لِبُعْدِهِ أَوْ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ (قَوْلُهُ: لَا وَمَقْلَبَ الْقُلُوبِ) لَا نَافِيَةٌ وَمَنْفِيُّهَا مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ كَمَا لَوْ قِيلَ هَلَّا كَانَ كَذَا فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا: أَيْ لَمْ يَكُنْ (قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) لَوْ قَالَ وَرَبِّ الْعَالَمِ وَقَالَ أَرَدْتُ بِالْعَالَمِ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَبِرَبِّهِ مَالِكَهُ قُبِلَ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ) وَعَلَى هَذَا فَالْعَالَمِينَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْعُقَلَاءِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْبِرْمَاوِيُّ كَكَثِيرِينَ، وَذَهَبَ ابْنُ مَالِكٍ إلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْعُقَلَاءِ.
[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ هَلْ هُوَ يَمِينٌ أَمْ لَا؟ وَنُقِلَ بِالدَّرْسِ عَنْ م ر انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِمَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَالْعَالَمُ) بِفَتْحِ اللَّامِ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ إنْ أُرِيدَ بِالْكُلِّ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِي يَعْنِي جُمْلَةَ الْمَخْلُوقَاتِ نَافِي قَوْلِهِ قُبِلَ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَالٌ إلَخْ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ أَوْ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ وَمَنْ فَلَقَ الْحَبَّةَ) مِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إطْلَاقِ الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ اسْمٍ مُخْتَصٌّ) لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ ذِكْرِهِ بَيَانُ تَفْصِيلِ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى مِنْ كَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِهِ أَوْ غَالِبًا فِيهِ أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ كَمَا يَأْتِي، وَإِلَّا فَالدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ هُوَ الِاسْمُ الْمُخْتَصُّ بِهِ أَوْ الْغَالِبُ فِيهِ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي، وَلَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا فَسَّرَ الذَّاتَ بِالِاسْمِ الدَّالِّ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ الْحَلِفَ بِهَا مَقْصُورًا عَلَى قَوْلِهِ وَذَاتِ اللَّهِ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ وَرَبِّ إلَخْ (قَوْلُهُ: كَوَحَقِّ النَّبِيِّ) وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مِثْلِهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ «فَمَنْ كَانَ حَالِفًا» إلَخْ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ " أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ " إنَّمَا اقْتَصَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَاصِدٌ تَحْقِيقَهُ بِالْيَمِينِ وَكَذَا فِي الْمَنْعِ، لَكِنْ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: بِذَاتِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَصَوُّرِ الْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَخِيرَ) اُنْظُرْ هَلَّا كَانَ مِثْلَهُ مَا قَبْلَهُ وَابْنُ حَجَرٍ لَمْ يُقَيِّدْ بِهَذَا الْقَيْدِ، لَكِنْ شَمَلَ إطْلَاقُهُ الْأَوَّلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِفَهْمِهَا مِنْهُ بِالْأَوْلَى) نَظَرَ فِيهِ ابْنُ قَاسِمٍ بِأَنَّ الْأَوْلَوِيَّةَ لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّعَارِيفِ (قَوْلُهُ: أَيْ اسْمٍ دَالٍّ عَلَيْهَا) شَمَلَ نَحْوَ " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ " فَهُوَ اسْمٌ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَسِيمٌ لِلِاسْمِ فَلَعَلَّهُمَا اصْطِلَاحَانِ (قَوْلُهُ دَالٌّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ انْتَهَتْ
(8/174)
وَالْكَعْبَةِ وَجِبْرِيلَ، وَيُكْرَهُ لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ مَعْصِيَةً، نَعَمْ لَوْ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَهُ كَمَا يُعَظِّمُ اللَّهَ كَفَرَ، وَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْجَلَالَةَ الْكَرِيمَةَ اسْمٌ لِلذَّاتِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَلِهَذَا تَجْرِي عَلَيْهِ الصِّفَاتُ فَتَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ. فَإِذَا قُلْتَ اللَّهُ فَقَدْ ذَكَرْتَ جُمْلَةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِدْخَالُهُ الْبَاءَ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ إذْ هُوَ لُغَةٌ كَمَا مَرَّ فِي نَظَائِرِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْصَحُ دُخُولَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ، وَدَعْوَى تَصْوِيبِ حَصْرِ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ فَقَطْ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَأَمَّا كَلَامُ الرَّوْضَةِ فَمَعْنَاهُ يُسَمَّى اللَّهُ بِهِ وَلَا يُسَمَّى بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا مَرْدُودَةٌ.
وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَاضٍ كَاذِبًا عَامِدًا فَإِنَّهَا يَمِينٌ بِاَللَّهِ وَلَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْحِنْثَ اقْتَرَنَ بِهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَرُدَّ بِأَنَّهُ اشْتِبَاهٌ نَشَأَ مِنْ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمَحْصُورَ الْأَخِيرُ وَالْمَحْصُورَ فِيهِ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُقَرَّرُ أَنَّ الْمَحْصُورَ فِيهِ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ، فَانْعِقَادُهَا هُوَ الْمَحْصُورُ وَاسْمُ الذَّاتِ أَوْ الصِّفَةِ هُوَ الْمَحْصُورُ فِيهِ، فَمَعْنَاهُ كُلُّ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ لَا تَكُونُ إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عَلَيْهِ لِكَوْنِ ذَلِكَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَالْكَعْبَةِ) أَيْ بِحَيْثُ تَكُونُ يَمِينًا شَرْعِيَّةً مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ وَإِلَّا فَهِيَ يَمِينٌ لُغَةً، بَلْ وَقَدْ تَكُونُ شَرْعِيَّةً عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَهِيَ فِي الشَّرْعِ بِالنَّظَرِ لِوُجُوبِ تَكْفِيرِهَا كَذَا بِهَامِشٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ) هَذَا وَيَنْبَغِي لِلْحَالِفِ أَنْ لَا يَتَسَاهَلَ فِي الْحَلِفِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْكَفَّارَةِ سِيَّمَا إذَا حَلَفَ عَلَى نِيَّةٍ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إلَى الْكُفْرِ لِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لِيَصْمُتْ) بَابُهُ نَصَرَ وَدَخَلَ اهـ مُخْتَارٌ.
وَفَائِدَتُهُ اخْتِلَافُ الْمَصَادِرِ فَبَابُ نَصَرَ مَصْدَرُهُ صَمْتًا بِالسُّكُونِ وَبَابُ دَخَلَ صُمُوتًا (قَوْلُهُ: اسْمٌ لِلذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ: الْمُصَنِّفُ لَمْ يَخُصَّ الذَّاتَ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَمَا مَعَهُ فَدَلَّ جَمْعُهُ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّ هَذِهِ أَسْمَاءٌ لِلذَّاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَفْهُومِهَا الصِّفَةَ، فَفِي نِسْبَةِ التَّصْرِيحِ لِلْمُصَنِّفِ بِأَنَّ اللَّهَ اسْمٌ لِلذَّاتِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَفْهُومِهَا الصِّفَةَ نَظَرٌ (قَوْلُهُ: وَإِدْخَالُهُ الْبَاءَ عَلَى الْمَقْصُورِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ بِذَاتِ اللَّهِ (قَوْلُهُ: مَرْدُودَةٌ) أَيْ بِأَنَّهُ لُغَةً كَمَا مَرَّ، وَلِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مِنْ جَعْلِهَا دَاخِلَةً عَلَى الْمَقْصُورِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ الذَّاتُ مَقْصُورَةً عَلَى الِانْعِقَادِ بِهَا بَلْ انْعِقَاد الْيَمِينُ هُوَ الْمَقْصُورُ عَلَى الذَّاتِ (قَوْلُهُ: الْمَحْصُورُ الْأَخِيرُ) هُوَ قَوْلُهُ بِذَاتِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ وَالْمَحْصُورُ فِيهِ الْأَوَّلُ وَهُوَ الِانْعِقَادُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِتَسْمِيَةِ الْمَخْلُوقَاتِ بِالْعَالَمِينَ (قَوْلُهُ: وَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْجَلَالَةَ الْكَرِيمَةَ اسْمٌ لِلذَّاتِ) قَدْ يُقَالُ هَذَا لَا يُنَاسِبُ مَا قَدَّمَهُ فِي حَلِّ الْمَتْنِ الَّذِي حَاصِلُهُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِاسْمِ الذَّاتِ مَا يَشْمَلُ مَا دَلَّ عَلَيْهَا مَعَ صِفَةٍ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَكُلُّ اسْمٍ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ فَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ (قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ هُنَا وَعِبَارَتُهَا يَخْتَصُّ بِاَللَّهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَ الشُّرَّاحِ حَلَّ عِبَارَةَ الْمَتْنِ هُنَا عَلَى أَنَّ الْبَاءَ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَقْصُورِ بِذِكْرِهِ لَفْظَ اللَّهِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ مُخْتَصٌّ بِهِ، ثُمَّ صَوَّبَهَا عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، وَالشَّارِحُ هُنَا أَبْقَى عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى ظَاهِرِهَا الْمُوَافِقِ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَذَكَرَ فِيهِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَدَعْوَى تَصْوِيبِ حَصْرِ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: أَيْ الْمُرَادُ مِنْهُ (قَوْلُهُ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُصَنِّفِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ
(8/175)
بِاسْمِ ذَاتٍ أَوْ صِفَةٍ وَهَذَا حَصْرٌ صَحِيحٌ، لَا أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ صِفَتِهِ لَا يَكُونُ إلَّا مُنْعَقِدًا عَلَى أَنَّ جَمْعًا مُتَقَدِّمِينَ ذَهَبُوا إلَى انْعِقَادِهَا (وَلَا يُقْبَلُ) بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ) يَعْنِي لَمْ أُرِدْ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي مَعْنَاهَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، أَمَّا لَوْ قَالَ فِي نَحْوِ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ أَرَدْتُ بِهَا غَيْرَ الْيَمِينِ كَبِاللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ أَوْ وَثِقْت أَوْ اسْتَعَنْت بِاَللَّهِ، ثُمَّ ابْتَدَأْتُ بِقَوْلِي لَأَفْعَلَنَّ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلِفِ بِاَللَّهِ دُونَ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ (وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) غَالِبًا وَإِلَى غَيْرِهِ بِالتَّقْيِيدِ (كَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ) وَالْمُصَوِّرِ وَالْجَبَّارِ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْحَقِّ وَالظَّاهِرِ وَالْقَادِرِ (وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ) لِانْصِرَافِ الْإِطْلَاقِ إلَيْهِ تَعَالَى وَأَلْ فِيهَا لِلْكَمَالِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِهَا (غَيْرَهُ) تَعَالَى بِأَنْ أَرَادَهُ أَوْ أَطْلَقَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي ذَلِكَ كَرَحِيمِ الْقَلْبِ وَخَالِقِ الْكَذِبِ.
وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ مِنْ الرَّبِّ بِأَلْ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى فَيَنْبَغِي إلْحَاقُهُ بِالْأَوَّلِ، رُدَّ بِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى فَصَحَّ قَصْدُهُ بِهِ، وَأَلْ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى إلْغَاءِ ذَلِكَ الْقَصْدِ (وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ) تَعَالَى (سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَالْحَيِّ وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ وَالْعَلِيمِ وَالْحَكِيمِ وَالْغَنِيِّ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ) بِأَنْ أَرَادَهُ تَعَالَى بِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهَا لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءً أَشْبَهَتْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالِاشْتِرَاكُ إنَّمَا يَمْنَعُ الْحُرْمَةَ وَالتَّعْظِيمَ عِنْدَ انْتِفَاءِ النِّيَّةِ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ الْحَلِفُ مِنْ الْعَوَامّ بِالْجَنَابِ الرَّفِيعِ وَيُرِيدُونَ بِهِ الْبَارِئَ جَلَّ وَعَلَا مَعَ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، إذْ جَنَابُ الْإِنْسَانِ فِنَاءُ دَارِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ نَوَى بِهِ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا تُؤَثِّرُ مَعَ الِاسْتِحَالَةِ (وَ) الثَّانِي وَيَخْتَصُّ مِنْ الصِّفَاتِ بِمَا لَا شَرِكَةَ فِيهِ وَهُوَ (الصِّفَةُ) الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ (كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: ذَهَبُوا إلَى انْعِقَادِهَا) مُعْتَمَدٌ: أَيْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي التَّعَالِيقِ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَا لَوْ قَالَ فِي نَحْوِ بِاَللَّهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ حَلِفٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ أَوْ صِفَتِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَحْوِهِ صِيَغٌ مَخْصُوصَةٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَاتِهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ بَعْدَ دُونَ عِتْقٍ وَطَلَاقٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ) مَفْهُومُهُ كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ بَاطِنًا (قَوْلُهُ وَإِلَى غَيْرِهِ بِالتَّقْيِيدِ) لَيْسَ هَذَا مُقَابِلُهُ غَالِبًا لِأَنَّ ذَاكَ مَفْرُوضٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَمَا هُنَا لَيْسَ مُطْلَقًا فَلْيَنْظُرْ مَا اُحْتُرِزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ غَالِبًا وَلَعَلَّهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ إلَخْ، وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: فَصَحَّ قَصْدُهُ) أَيْ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَرَادَهُ تَعَالَى بِهَا) أَيْ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِ كَأَنْ أَرَادَ بِالْعَالَمِ الْبَارِئَ تَعَالَى وَشَخْصًا آخَرَ كَالنَّبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَيُرِيدُونَ بِهِ الْبَارِئَ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَهُ فِي الْحُرْمَةِ مَا لَوْ قَصَدَ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَوْلُهُ: إذْ جَنَابُ الْإِنْسَانِ فِنَاءُ دَارِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ) أَيْ وَيَحْرُمُ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ تَعَالَى سَوَاءٌ قَصَدَهُ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا، لَكِنَّهُ إذَا صَدَرَ مِمَّنْ يَعْرِفُ فَإِنْ عَادَ إلَيْهَا عُزِّرَ، وَمِثْلُهُ فِي امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ تَعَالَى مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ قَوْلِ الْعَوَامّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ جَمْعًا مُتَقَدِّمِينَ ذَهَبُوا إلَى انْعِقَادِهَا) وَأَشَارَ وَالِدُهُ إلَى تَصْحِيحِ هَذَا فِي حَوَاشِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَذَكَرَ صُوَرًا تَظْهَرُ فِيهَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ فِي انْعِقَادِهَا، وَأَنَّ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنَّهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لَمْ يُرِدْ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّهَا لَا كَفَّارَةَ فِيهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً انْعِقَادًا يُمْكِنُ مَعَهُ الْبِرُّ وَالْحِنْثُ لِانْعِقَادِهَا مُسْتَعْقِبَةً لِلْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ إمْكَانِ الْبِرِّ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِلْحَلِفِ بِاَللَّهِ دُونَ عِتْقٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَ هُنَا لَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْعِتْقِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا مَرَّ فِي أَبْوَابِهَا، فَلَوْ قَالَ مَثَلًا أَنْت طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ رُدَّ بِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ اسْتِعْمَالُهُ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيَرِدُ بِأَنَّ أَصْلَ مَعْنَاهُ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: الذَّاتِيَّةُ) أَخْرَجَ الْفِعْلِيَّةَ كَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ فَلَا تَنْعَقِدُ بِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَأَخْرَجَ السَّلْبِيَّةَ كَكَوْنِهِ لَيْسَ
(8/176)
وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ) وَإِرَادَتِهِ (يَمِينٌ) وَإِنْ أَطْلَقَ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُتَّصِفًا بِهَا فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاءَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ) وَبِالْعَظَمَةِ وَمَا بَعْدَهَا ظُهُورَ آثَارِهَا فَلَا يَكُونُ يَمِينًا وَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ وَمَعْلُومِ اللَّهِ وَمَقْدُورِهِ، وَكَأَنْ يُرِيدَ بِالْكَلَامِ الْحُرُوفَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ وَإِطْلَاقُ كَلَامِهِ عَلَيْهَا حَقِيقَةٌ شَائِعَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا تَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ، وَيَنْعَقِدُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَا لَمْ يُرِدْ الْأَلْفَاظَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَبِالْقُرْآنِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ نَحْوَ الْخُطْبَةِ، وَبِالْمُصْحَفِ مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ وَرَقَهُ وَجِلْدَهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ وَالْمُصْحَفِ وَحَقِّ الْمُصْحَفِ، وَأُخِذَ مِنْ كَوْنِ الْعَظَمَةِ صِفَةً مَعَ قَوْلِ النَّاسِ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ، لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْعَظَمَةَ هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ هَذَا فَصَحِيحٌ أَوْ مُجَرَّدُ الصِّفَةِ فَمُمْتَنِعٌ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ الْإِطْلَاقِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا مَنْعَ فِيهِ، وَعُلِمَ مِمَّا فُسِّرَ بِهِ الصِّفَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ جَمِيعُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ سَوَاءٌ اُشْتُقَّ مِنْ صِفَةِ ذَاتِهِ كَالسَّمِيعِ أَوْ فِعْلِهِ كَالْخَالِقِ
(وَلَوْ) (قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ) أَوْ وَحُرْمَتِهِ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ لَا فَعَلْتُ كَذَا (فَيَمِينٌ) وَإِنْ أُطْلِقَ لِغَلَبَةِ، اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتَهُ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ بِمَا إذَا جَرَّ حَقَّ وَإِلَّا كَانَ كِنَايَةً، وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ تِلْكَ صَرَائِحُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا الْفَرْقُ وَلَا كَذَلِكَ هَذَا (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) بِالْحَقِّ (الْعِبَادَاتِ) فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَطْعًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ الْآتِي فِي الدَّعَاوَى أَنَّ الطَّالِبَ الْغَالِبَ الْمُدْرِكَ الْمُهْلِكَ صَرَائِحُ فِي الْيَمِينِ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ بِأَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمْ يَرِدْ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ.
أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ
لِلْمَصْلَحَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
اتَّكَلْتُ عَلَى جَانِبِ اللَّهِ أَوْ الْحَمَلَةُ عَلَى اللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: يَمِينًا) خَبَرٌ عَنْ قَوْلِ الشَّارِحِ وَالثَّانِي وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَمِينٌ مِنْ أَصْلِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ بَلْ فِيهِ قَلَاقَةٌ (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يُرِدْ بِهِ نَحْوَ الْخُطْبَةِ) أَيْ أَوْ الْأَلْفَاظِ وَالْحُرُوفِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَكَأَنْ يُرِيدَ بِالْكَلَامِ وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُهُ وَبِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَا لَمْ يُرِدْ الْأَلْفَاظَ وَقَوْلُهُ وَبِالْقُرْآنِ مَا لَمْ إلَخْ خِلَافُهُ لِلتَّقْيِيدِ فِي التَّوْرَاةِ وَعَدَمِ تَقْيِيدِهِ فِي الْقُرْآنِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَّا لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ) وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَفِي الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ، وَقَضِيَّةُ التَّخْصِيصِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَرَقَ الْحِنْثُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَوْ إرَادَةُ الْحُرُوفِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَبَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَكَلَامِ اللَّهِ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مُجَرَّدُ تَمْثِيلٍ (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ الْفَرْقِ) يُتَأَمَّلُ وَجْهُ الْأَخْذِ مِنْ أَيْنَ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ حَقَّ الْمُصْحَفِ يَنْصَرِفُ عُرْفًا إلَى ثَمَنِهِ الَّذِي يُصْرَفُ فِيهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُصْحَفُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ (قَوْلُهُ: هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ) هَذَا قَدْ يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَعْلِ الصِّفَةِ فِي مُقَابَلَةِ الذَّاتِ مَعَ تَفْسِيرِ الذَّاتِ بِأَنَّهَا مَا دَلَّ عَلَى الذَّاتِ وَلَوْ مَعَ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَبْنُوا حُكْمَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ (قَوْلُهُ: التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ) أَيْ وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا، وَعِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: أَوْ مِنْ غَيْرِ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى: أَيْ مِنْ كُلِّ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى
(قَوْلُهُ: اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا) أَيْ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ مِنْ قَوْلِهِ سَوَاءٌ أَرَفَعَ أَمْ نَصَبَ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ تِلْكَ صَرَائِحُ) أَيْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الذَّاتِ (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا الْفَرْقُ) أَيْ بَيْنَ الْجَرِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: صَرَائِحُ فِي الْيَمِينِ) مُعْتَمَدٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ، لَكِنْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ الِانْعِقَادَ بِهَذِهِ لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ) أَيْ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا.
(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتَهُ الْإِلَهِيَّةِ) عِبَارَةُ الْجَلَالِ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ اللَّهِ الْإِلَهِيَّةَ.
(8/177)
فَقَدْ اسْتَحْسَنُوهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْجَلَالَةِ وَالرَّدْعِ لِلْحَالِفِ عَنْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ
(وَحُرُوفُ الْقَسَمِ) الْمَشْهُورَةُ (بَاءٌ) مُوَحَّدَةٌ (وَوَاوٌ وَتَاءٌ) فَوْقِيَّةٌ (كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ) فَهِيَ صَرِيحَةٌ سَوَاءٌ أَرَفَعَ أَمْ نَصَبَ أَمْ جَرَّ أَمْ سَكَّنَ لِأَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَبَدَأَ بِالْبَاءِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْقَسَمِ لُغَةً وَالْأَعَمُّ لِدُخُولِهَا عَلَى الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ، ثُمَّ بِالْوَاوِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا مَخْرَجًا بَلْ قِيلَ إنَّهَا مُبْدَلَةٌ مِنْهَا وَلِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ التَّاءِ لِأَنَّهَا وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِالْمُظْهَرِ تَعُمُّ الْجَلَالَةَ وَغَيْرَهَا وَلِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ التَّاءَ بَدَلٌ مِنْهَا (وَتَخْتَصُّ التَّاءُ) الْفَوْقِيَّةُ (بِاَللَّهِ) أَيْ بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ وَشَذَّ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَتَحَيَاةِ اللَّهِ وَتَالرَّحْمَنِ نَعَمْ يُتَّجَهُ عَدَمُ الِانْعِقَادِ بِهَا إلَّا بِنِيَّةٍ، فَمَنْ أَطْلَقَ الِانْعِقَادَ بِهَا وَجَعَلَهُ وَارِدًا عَلَى كَلَامِهِمْ فَقَدْ وَهِمَ، وَيَكْفِي فِي احْتِيَاجِهِ لِلنِّيَّةِ شُذُوذُهُ، وَمِثْلُهَا فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ وَآللَّهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَأَدْخَلَ الْبَاءَ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَهُوَ صَحِيحٌ (وَلَوْ قَالَ اللَّهُ) مَثَلًا لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَيَجُوزُ مَدُّ الْأَلِفِ وَعَدَمُهُ إذْ حُكْمُهُمَا وَاحِدٌ (وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ) أَوْ سَكَّنَ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَوْ لَعَمْرُ اللَّهِ أَوْ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَذِمَّتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَكَفَالَتِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا (فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ) لِلْقَسَمِ لِاحْتِمَالِهِ لِغَيْرِهِ احْتِمَالًا ظَاهِرًا، وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ بِمَنْعِهِ، فَالْجَرُّ بِحَذْفِ الْجَارِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ، وَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالرَّفْعُ بِحَذْفِ الْخَبَرِ: أَيْ اللَّهُ أَحْلِفُ بِهِ، وَالسُّكُونُ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ النِّيَّةِ وَقَوْلُهُ بِلَّهِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَحَذْفِ الْأَلِفِ يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا عَلَى الْأَرْجَحِ خِلَافًا لِجَمْعٍ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهَا لَغْوٌ (وَلَوْ) (قَالَ أَقْسَمْتُ أَوْ أُقْسِمُ أَوْ حَلَفْتُ أَوْ أَحْلِفُ) أَوْ آلَيْتُ أَوْ أُولِي (بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ) كَذَا (فَيَمِينٌ إنْ نَوَاهَا) لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِاسْتِعْمَالِهَا يَمِينًا مَعَ التَّأَكُّدِ بِنِيَّتِهَا (أَوْ أَطْلَقَ) لِلْعُرْفِ الْمَذْكُورِ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ كِنَايَةً لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِي الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي اللِّعَانِ، أَمَّا مَعَ حَذْفِ بِاَللَّهِ فَلَغْوٌ وَإِنْ نَوَاهَا (وَإِنْ قَالَ قَصَدْتُ) بِمَا ذُكِرَ (خَبَرًا مَاضِيًا) فِي نَحْوِ أَقْسَمْتُ (أَوْ مُسْتَقْبَلًا) فِي نَحْوِ أُقْسِمُ (صَدَقَ بَاطِنًا) جَزْمًا فَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ (وَكَذَا ظَاهِرًا) وَلَوْ فِي نَحْوِ أَقْسَمْت بِاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ بَلْ ظُهُورُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَحُمِلَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا عَلَى الْقَبُولِ بَاطِنًا، نَعَمْ إنْ عُرِفَ لَهُ يَمِينٌ سَابِقَةٌ قُبِلَ فِي نَحْوِ أَقْسَمْت جَزْمًا.
(وَلَوْ) (قَالَ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ) كَذَا (وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ) (فَيَمِينٌ) لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لَهَا مَعَ اشْتِهَارِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَقَدْ اسْتَحْسَنُوهَا) تَوْجِيهٌ لِلْمَصْلَحَةِ
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ وَآللَّهِ بِالِاسْتِفْهَامِ) زَادَ حَجّ: وَيَاللَّهِ بِالتَّحْتِيَّةِ (قَوْلُهُ بِلَّهِ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَحَذْفِ الْأَلْفِ يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا) بَقِيَ مَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلْفِ بَعْدَ اللَّامِ هَلْ يَتَوَقَّفُ الِانْعِقَادُ عَلَى نِيَّتِهَا أَوْ لَا وَيَظْهَرُ الْآنَ الثَّانِي لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ فِي هَذَا اللَّفْظِ بَيْنَ الِاسْمِ الْكَرِيمِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْبِلَّةِ فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ وَبِلَّةِ الرُّطُوبَةِ، وَبَقِيَ أَيْضًا مَا لَوْ حَذَفَ الْهَاءَ مِنْ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَقَالَ اللَّا هَلْ هِيَ يَمِينٌ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّهَا بِدُونِ الْهَاءِ لَيْسَتْ مِنْ أَسْمَائِهِ وَلَا صِفَاتِهِ، وَيُحْتَمَلُ الِانْعِقَادُ عِنْدَ نِيَّةِ الْيَمِينِ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ حَذَفَ الْهَاءَ تَخْفِيفًا وَالتَّرْخِيمُ جَائِزٌ فِي غَيْرِ الْمُنَادَى عَلَى قِلَّةٍ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ حَجّ (قَوْلُهُ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا أَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إلَخْ وَمِثْلُهُ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَيَّ أَوْ يَشْهَدُ اللَّهُ عَلَيَّ أَوْ اللَّهُ وَكِيلٌ عَلَيَّ (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَ حَذْفِ بِاَللَّهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَشْهَدُ فَقَطْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ) أَيْ أَوْ بِاَللَّهِ مِنْ غَيْرِ أَقْسِمُ عَلَيْك أَوْ أَسْأَلُك (قَوْلُهُ: أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ تَفْعَلُ كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلُ كَذَا وَأَطْلَقَ كَانَ يَمِينًا، وَهُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ مَدُّ الْأَلِفِ) أَيْ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ الْجَلَالَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ إلَخْ فَهَذَا غَيْرُ كَوْنِهَا أَلِفَ الِاسْتِفْهَامِ الَّذِي مَرَّ وَغَيْرَ كَوْنِ الْأَلِفِ جَارَّةً الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَإِنْ تَوَقَّفَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي هَذَا (قَوْلُهُ: وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ عِنْدَ انْتِفَاءِ النِّيَّةِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَنْوِ
(8/178)
وَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِقَوْلِهِ بِاَللَّهِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَيَلْحَقُ بِهَا الْمَكْرُوهُ، فَإِنْ أَبَى كَفَرَ الْحَالِفُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ يَمِينَ نَفْسِهِ بَلْ الشَّفَاعَةَ أَوْ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ أَوْ أَطْلَقَ (فَلَا) تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ وَلَا الْمُخَاطَبُ، وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ حَيْثُ سَوَّى بَيْنَ حَلَفْت وَغَيْرِهَا فِيمَا مَرَّ لَا هُنَا أَنَّ حَلَفْتُ عَلَيْك لَيْسَتْ كَأَقْسَمْتُ وَآلَيْتُ عَلَيْك، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَذَيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلَانِ لِطَلَبِ الشَّفَاعَةِ بِخِلَافِ حَلَفْت، وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّائِلِ بِاَللَّهِ أَوْ بِوَجْهِهِ فِي غَيْرِ الْمَكْرُوهُ وَالسُّؤَالُ بِذَلِكَ
(وَ) كَذَا (لَوْ) (قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ) أَوْ نَصْرَانِيٌّ (أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ) أَوْ مِنْ اللَّهِ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ مُسْتَحِلُّ الزِّنَا (فَلَيْسَ بِيَمِينٍ) لِانْتِفَاءِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ حَنِثَ، نَعَمْ هُوَ حَرَامٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَذْكَارِ كَغَيْرِهِ، وَلَا يَكْفُرُ بِهِ إنْ قَصَدَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ عَلَّقَ الْكُفْرَ عَلَى حُصُولِهِ أَوْ قَصَدَ الرِّضَا بِهِ كَفَرَ حَالًا إذْ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِذَا لَمْ يَكْفُرْ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ، وَيَقُولُ كَذَلِكَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَحَذْفُهُمْ أَشْهَدُ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ فِي الْإِسْلَامِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيمَا هُوَ بِالِاحْتِيَاطِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِتْيَانِ بِأَشْهَدُ كَمَا فِي رِوَايَةِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»
(وَمِنْ) (سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا) أَيْ الْيَمِينِ (بِلَا قَصْدٍ) كَبَلَى وَاَللَّهِ وَلَا وَاَللَّهِ فِي نَحْوِ صِلَةِ كَلَامٍ أَوْ غَضَبٍ (لَمْ تَنْعَقِدْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] الْآيَةَ وَعَقَّدْتُمْ فِيهَا قَصَدْتُمْ {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] وَقَدْ فُسِّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَغْوُهَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمْعِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ مَرَّةً وَإِفْرَادِهِ أُخْرَى، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّ الْغَرَضَ عَدَمُ الْقَصْدِ، وَلَوْ قَصَدَ الْحَالِفُ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ لَغْوِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ لِي غَيْرُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْيَمِينَ فَوَاضِحٌ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا فَعَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ، وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا دَعْوَى اللَّغْوِ فِي طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ إيلَاءٍ كَمَا مَرَّ
(وَتَصِحُّ) الْيَمِينُ (عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ) نَحْوُ وَاَللَّهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
ظَاهِرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ لِطَلَبِ الشَّفَاعَةِ بِخِلَافِ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ إلَخْ، وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ هَذَيْنِ إلَخْ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِأَحْمَدَ) حَيْثُ قَالَ يَكْفُرُ الْمُخَاطِبُ اهـ حَجّ.
وَمَا نَسَبَهُ لِأَحْمَدَ لَعَلَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَإِلَّا فَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحَالِفِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ الْإِقْنَاعِ: وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ فُلَانٌ كَذَا أَوْ لَيَفْعَلَنَّ، أَوْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَمْ يُطِعْهُ حَنِثَ الْحَالِفُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَنْ أَحْنَثَهُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَمِينٌ الْمُخَاطَبِ) أَيْ كَأَنْ قَصَدَ جَعَلْتُك حَالِفًا بِاَللَّهِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حَلَفْت) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا يَمِينَ نَفْسِهِ بَلْ أَطْلَقَ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ رَدُّ السَّائِلِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ إعْطَائِهِ تَعْظِيمُ مَا سَأَلَ بِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِوَجْهِهِ) كَأَسْأَلُك بِوَجْهِ اللَّهِ
(قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ حَنِثَ) أَيْ فَعَلَ مَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَسُمِّيَ حِنْثًا لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَبَرُّ بِهِ وَهُوَ فِعْلُ مَا مَنَعَ نَفْسَهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: نُدِبَ لَهُ الِاسْتِغْفَارُ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ وَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَيَقُولُ كَذَلِكَ) أَيْ نَدْبًا اهـ زِيَادِيٌّ
(قَوْلُهُ: فَهُوَ مِنْ لَغْوِهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: فَعَلَى مَا مَرَّ) أَيْ فَتَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَرِدْ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ إيلَاءٍ كَمَا مَرَّ) أَيْ عَلَى مَا مَرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْيَمِينَ سَاوَى غَيْرَهُ فِي احْتِمَالِ لَفْظِهِ.
(قَوْلُهُ: لَيْسَتْ كَأَقْسَمْتُ وَآلَيْت عَلَيْك) أَيْ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ: أَيْ بَلْ هُوَ يَمِينٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يَمِينَ نَفْسِهِ بِقَرِينَةِ التَّوْجِيهِ فَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: أَوْ آلَيْتَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ: وَيَقُولُ كَذَلِكَ) أَيْ نَدْبًا.
(قَوْلُهُ: مَرَّةً وَإِفْرَادُهُ أُخْرَى) الْأَوْلَى حَذْفُ قَوْلِهِ مَرَّةً وَقَوْلُهُ أُخْرَى (قَوْلُهُ: فَعَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ) أَيْ الْمُصَنِّفِ.
(8/179)
مَا فَعَلْت كَذَا أَوْ فَعَلْته أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَوْ لَا أَفْعَلُهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا» (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (مَكْرُوهَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَزَ عَنْ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ لَا صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا قَطُّ (إلَّا فِي طَاعَةٍ) كَجِهَادٍ لِلْخَبَرِ الْمَارِّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِعْلَ وَاجِبٍ أَمْ مَنْدُوبٍ أَمْ تَرْكَ حَرَامٍ أَمْ مَكْرُوهٍ وَإِلَّا لِحَاجَةٍ كَتَوْكِيدِ كَلَامٍ لِخَبَرِ «لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا» أَوْ تَعْظِيمٍ كَقَوْلِهِ «وَاَللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا» وَإِلَّا لِدَعْوَى عِنْدَ حَاكِمٍ فَلَا تُكْرَهُ بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ تُسَنُّ
(فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلٍ حَرَامٍ عَصَى) بِحَلِفِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ أَوْ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ كَالْقَوَدِ يَسْقُطُ بِالْعَفْوِ فَلَا عِصْيَانَ بِالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِهِمَا كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِ أَنَسِ بْنِ النَّضْرِ وَاَللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرَّبِيعِ (وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ) لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ (وَكَفَّارَةٌ) وَمِثْلُهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيَصُومَنَّ الْعِيدَ فَيَلْزَمُهُ الْحِنْثُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُ الْحِنْثِ كَلَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبْرِئَهَا (أَوْ) عَلَى (تَرْكِ مَنْدُوبٍ) كَسُنَّةِ الظُّهْرِ (أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ) كَالِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ (سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَإِنَّمَا أَقَرَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَعْرَابِيَّ عَلَى قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، لِأَنَّ يَمِينَهُ تَضَمَّنَتْ طَاعَةً وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ (أَوْ) عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ أَوْ عَلَى (تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ) كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ (فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ) إبْقَاءً لِتَعْظِيمِ الِاسْمِ، نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ تَعَلُّقُ غَرَضٍ دِينِيٍّ بِتَرْكِهِ أَوْ فِعْلِهِ كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَيِّبًا أَوْ لَا يَلْبَسَ نَاعِمًا كَانَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُودِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّأَسِّي بِالسَّلَفِ أَوْ الْفَرَاغَ لِلْعِبَادَةِ فَهُوَ طَاعَةٌ فَيُكْرَهُ حِنْثُهُ فِيهَا وَإِلَّا فَمَكْرُوهَةٌ يُنْدَبُ فِيهَا الْحِنْثُ (وَقِيلَ) الْأَفْضَلُ (الْحِنْثُ) لِيَنْتَفِعَ الْمَسَاكِينُ بِالْكَفَّارَةِ، وَالْأَقْرَبُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ أَذًى لِلْغَيْرِ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ أَوْ لَا يَأْكُلُ أَوْ لَا يَلْبَسُ كَذَا وَنَحْوُ صَدِيقِهِ يَكْرَهُهُ فَالْحِنْثُ أَفْضَلُ قَطْعًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ ذَهَبَ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا، وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بِوُجُوبِهَا فِيمَا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالنَّفْسِ وَالْبِضْعِ إذَا تَعَيَّنَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ، قَالَ: بَلْ الَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُهَا لِدَفْعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ أَنَّهُ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ) أَيْ لَا قَبْلَ الْبُلُوغِ وَلَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِخَبَرِ) زَادَ حَجّ: فَوَاَللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا يَمَلُّ اللَّهُ: أَيْ لَا يَتْرُكُ إثَابَتَكُمْ حَتَّى تَتْرُكُوا الْعَمَلَ
(قَوْلُهُ: الرُّبَيِّعِ) اسْمُ امْرَأَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِجِنَايَةٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ: وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ) اُنْظُرْ مَتَى يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ فِي فِعْلِ الْحَرَامِ هَلْ هُوَ بِالْمَوْتِ أَوْ بِعَزْمِهِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَلَكِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَالنَّدَمِ عَلَى الْحَلِفِ لِيَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ مِنْ الْإِثْمِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَجِّلَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ مُسَارَعَةً لِلْخَيْرِ مَا أَمْكَنَ (قَوْلُهُ: وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ) أَيْ بِدُخُولِ يَوْمِ الْعِيدِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ بَعْدَ قَوْلِهِ الطَّلَاقُ لَكِنْ مَعَ غُرُوبِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَدَمُ صَوْمِهِ بِذَلِكَ إذْ الصَّوْمُ الْإِمْسَاكُ بِجَمِيعِ النَّهَارِ وَيُحْتَمَلُ مَوْتُهُ فِي أَثْنَاءِ (قَوْلُهُ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا) أَيْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ: إلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ) أَيْ قَالَ لَا تَكُونُ الْيَمِينُ وَاجِبَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمُسْتَقْبَلِ.
أَمَّا الْمَاضِي فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: إذَا تَعَيَّنَتْ لِلدَّفْعِ عَنْهُ) بِأَنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ نَكَلَ حَلَفَ خَصْمُهُ كَاذِبًا وَتَسَلَّطَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بُضْعِهِ كَأَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ كَاذِبًا أَوْ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ بِالنِّكَاحِ كَذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهُمَا النُّكُولُ إذَا عَلِمَا أَنَّهُمَا إذَا نَكَلَا حَلَفَ وَتَسَلَّطَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بُضْعِهَا
(8/180)
يَمِينِ خَصْمِهِ الْغَمُوسِ عَلَى مَالٍ وَإِنْ أُبِيحَ بِالْإِبَاحَةِ انْتَهَى.
وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ الْحَلِفِ وَالتَّحْلِيفِ وَرَفْعِ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِي الْأَخِيرِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَعْيِنِهِ
(وَلَهُ) أَيْ لِلْحَالِفِ بَعْدَ الْيَمِينِ (تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٌ) أَيْ غَيْرُ حَرَامٍ لِيَشْمَلَ الْأَقْسَامَ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ لِخَبَرِ «فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» وَلِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الْيَمِينُ وَالْحِنْثُ مَعًا وَالتَّقْدِيمُ عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا عَنْهُمَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَمَرَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى مُمْتَنِعِ الْبِرِّ يُكَفِّرُ حَالًا بِخِلَافِهِ عَلَى مُمْكِنِهِ، فَإِنَّ وَقْتَ الْكَفَّارَةِ فِيهِ يَدْخُلُ بِالْحِنْثِ أَمَّا الصَّوْمُ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ (قِيلَ وَ) عَلَى حِنْثٍ (حَرَامٌ قُلْت: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَزْنِي فَكَفَّرَ ثُمَّ زَنَى لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى، لِأَنَّ الْخَطَرَ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْيَمِينُ لِحُرْمَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْعِتْقِ الْمُعَجَّلِ كَفَّارَةُ بَقَاءِ الْعَبْدِ حَيًّا مُسْلِمًا إلَى الْحِنْثِ، بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُعَجَّلِ عَنْ الزَّكَاةِ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ إلَى الْحَوْلِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُسْتَحَقِّينَ ثَمَّ شُرَكَاءُ لِلْمَالِكِ وَقَدْ قَبَضُوا حَقَّهُمْ وَبِهِ يَزُولُ تَعَلُّقُهُمْ بِالْمَالِ فَأَجْزَأَ، وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الْحَوْلِ لِأَنَّهُمْ عِنْدَهُ لَمْ يَبْقَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ وَأَمَّا هُنَا فَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ لَا تَبْرَأُ عَنْهُ إلَّا بِنَحْوِ قَبْضٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا مَاتَ الْعَتِيقُ أَوْ ارْتَدَّ بَانَ بِالْحِنْثِ الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ بَقَاءُ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ وَأَنَّهَا لَمْ تَبْرَأْ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَتَّصِلْ بِمُسْتَحِقِّهِ وَقْتَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ قَدَّمَهَا وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ أَيْ إنْ شَرَطَهُ أَوْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهَا مُعَجَّلَةٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ مَاتَ مَثَلًا قَبْلَ حِنْثِهِ وَقَعَ عِتْقُهُ تَطَوُّعًا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِتَعَذُّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ) أَيْ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ الْحَلِفِ يُتَأَمَّلُ مَا الْمُرَادُ بِهِ فَلَعَلَّ فِي الْعِبَارَةِ سَقْطًا، وَالْأَصْلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ رَفْعِ الْيَمِينِ فِي الْغَمُوسِ، وَغَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْ تَرْكِ إلَخْ لَكِنَّ هَذَا لَا يُنَاسَبُ قَوْلَهُ إنَّ الْأَوْجَهَ فِي إلَخْ.
[فَائِدَةٌ] هَلْ تَتَعَدَّدُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ أَوْ لَا؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ فَيَتَعَدَّدُ فِي الْقَسَامَةِ وَفِي أَيْمَانِ اللِّعَانِ وَهِيَ الْأَرْبَعَةُ، وَفِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَهُوَ مَا إذَا حَلَفَ أَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مَثَلًا وَكَرَّرَ الْأَيْمَانَ كَاذِبًا بِأَنَّهُ يَتَعَدَّدُ أَيْضًا، وَيَتَعَدَّدُ أَيْضًا فِيمَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ كُلَّمَا مَرَرْت عَلَيْك لَأُسَلِّمَنَّ عَلَيْك
(قَوْلُهُ: لِيَشْمَلَ الْأَقْسَامَ) وَهِيَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ وَالْمَكْرُوهُ وَخِلَافُ الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: عَلَى أَحَدِ السَّبَبَيْنِ) هُمَا حَلَفَ وَحَنِثَ (قَوْلُهُ: حَيًّا مُسْلِمًا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَلَامَتُهُ إلَى الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ عَمِيَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَقَبْلَ الْحِنْثِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحِنْثِ لَيْسَ مُجْزِئًا فِي الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ ارْتَدَّ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَلَيْسَ مُرَادًا فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ لِلْإِسْلَامِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَدَّمَهَا) أَيْ الْكَفَّارَةَ وَكَانَتْ غَيْرَ عِتْقٍ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ تَطَوُّعًا (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَ ثُمَّ مَاتَ) أَيْ الْمُعْتِقُ أَيْ أَوْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ عَدَمِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا ذَلِكَ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّعِي كَأَنْ تَدَّعِيَ الزَّوْجَةُ الْبَيْنُونَةَ فَتُعْرَضَ الْيَمِينُ عَلَى الزَّوْجِ فَيُنْكِرَ وَيَنْكُلَ فَيَلْزَمُهَا الْحَلِفُ حِفْظًا لِبُضْعِهَا مِنْ الزِّنَا وَتَوَابِعِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أُبِيحَ بِالْإِبَاحَةِ) أَيْ بِخِلَافِ النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ: وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ: أَيْ خَصْمَهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَلِفُ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ خَصْمِهِ كَمَا يَجِبُ النَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَعَانَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ) حَقُّ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ دَفْعَ الْمَعْصِيَةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَرْكِ الْحَلِفِ) يُتَأَمَّلُ فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِلْوُجُوبِ وَإِنَّمَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِعَدَمِهِ بِالْمَعْنَى الْآتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَعَيُّنِهِ) الْوَجْهُ حَذْفُ لَفْظِ وُجُوبٍ.
(قَوْلُهُ: الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْخَمْسَةِ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ وَخِلَافَ الْأُولَى، وَمَعْنَى الْبَاقِيَةِ: أَيْ بَعْدَ الْحَرَامِ.
(8/181)
الِاسْتِرْجَاعِ فِيهِ: أَيْ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ هُنَا حِنْثٌ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ تَطَوُّعٌ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ (وَ) لَهُ تَقْدِيمُ (كَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ) إنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ كَأَنْ ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَكَأَنْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا عَقِبَ ظِهَارِهِ فَهُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِتْقِ وَذَلِكَ لِوُجُودِ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظِّهَارِ (وَ) لَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ (قَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ) وَبَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ جُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ (وَ) لَهُ تَقْدِيمُ (مَنْذُورِ مَالٍ) عَلَى ثَانِي سَبَبَيْهِ، كَمَا إذَا نَذَرَ تَصَدُّقًا أَوْ عِتْقًا إنْ شُفِيَ مَرِيضُهُ أَوْ عَقِبَ شِفَائِهِ بِيَوْمٍ فَأَعْتَقَ، أَوْ تَصَدَّقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ فِي ذِي السَّبَبَيْنِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا عَلَيْهِمَا
فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ وَهِيَ مُخَيَّرَةٌ ابْتِدَاءً مُرَتَّبَةٌ انْتِهَاءً كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (يَتَخَيَّرُ) الْمُكَفِّرُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ وَلَوْ كَافِرًا (فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) (بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ) أَيْ إعْتَاقٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ كَمَا مَرَّ وَلَوْ نَحْوُ غَائِبٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ أَوْ بَانَتْ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ أَفْضَلُهَا وَإِنْ كَانَ زَمَنَ غَلَاءٍ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (وَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّ حَبٍّ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَجْزِي فِي الْفِطْرَةِ فَيُعْتَبَرُ (مِنْ غَالِبِ قُوتِ بَلَدِهِ) أَيْ الْمُكَفِّرِ، فَلَوْ أَذِنَ الْأَجْنَبِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ
(قَوْلُهُ: مُرَتَّبَةٌ انْتِهَاءً) أَيْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِلصَّوْمِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الثَّلَاثَةِ تَخَيَّرَ بَيْنَهَا أَوْ عَلَى اثْنَيْنِ تَخَيَّرَ بَيْنَهُمَا أَوْ عَلَى خَصْلَةٍ مِنْهَا تَعَيَّنَتْ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ جَمِيعِهَا صَامَ (قَوْلُهُ: يَتَخَيَّرُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ الْأَزْهَرِيَّةِ: وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجَمِيعِ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ انْتَهَى.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّنَوَانِيُّ قَوْلَهُ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ.
وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا جُمِعَ بَيْنَهَا مَعَ الِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ أَوْ عَدَمِهِ وَقَعَ وَاحِدٌ مِنْهَا كَفَّارَةً فَقَطْ.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي التَّمْهِيدِ: لَوْ أَتَى بِخِصَالِ الْكَفَّارَةِ كُلِّهَا أُثِيبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، لَكِنَّ ثَوَابَ الْوَاجِبِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ، وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى الْوَاجِبِ فَقَطْ وَهُوَ أَعْلَاهَا إنْ تَفَاوَتَتْ، لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَحَصَلَ لَهُ ذَلِكَ فَإِضَافَةُ غَيْرِهِ لَا تُنْقِصُهُ، وَإِنْ تَسَاوَتْ فَعَلَ أَحَدَهَا، وَإِنْ تَرَكَ الْجَمْعَ عُوقِبَ عَلَى أَقَلِّهَا لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لَأَجْزَأَ، ذَكَرَهُ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَفَّارَةَ مُسْلِمٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَحَلَّ الْكَلَامِ فِيمَا لَوْ أَخْرَجَهَا مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَمِيعَ كَفَّارَةٌ وَاجِبَةٌ، وَهُوَ حَرَامٌ لِاعْتِقَادِ مَا لَيْسَ وَاجِبًا كَمَا لَوْ صَلَّى زِيَادَةً عَلَى الرَّوَاتِبِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهَا مَطْلُوبَةٌ لِلشَّارِعِ (قَوْلُهُ: الْحُرُّ) قَيَّدَ بِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ (قَوْلُهُ: الرَّشِيدُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ هَذَا الْقَيْدُ، لَكِنْ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَمِثْلُهُ: أَيْ الْعَبْدِ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ: أَيْ الصَّوْمِ مَحْجُورُ سَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّفِيهَ فِي مَعْنَى الْعَبْدِ، وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ الرَّشِيدُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَوْ بَانَتْ كَمَا مَرَّ) أَيْ بِأَنْ أَعْتَقَهُ عَلَى ظَنِّ مَوْتِهِ فَبَانَ حَيًّا فَيَجْزِي اعْتِبَارًا بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ فِي الْكَفَّارَةِ مَالًا يَظُنُّهُ مِلْكَ غَيْرِهِ فَبَانَ مِلْكُهُ أَوْ دَفَعَ لِطَائِفَةٍ يَظُنُّهَا غَيْرَ مُسْتَحِقَّةٍ لِلْكَفَّارَةِ فَبَانَ خِلَافُهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ جَازَ إعْطَاءُ مَا وَجَبَ فِيهَا الْعَشَرَةُ مَسَاكِينَ فَيَدْفَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَمَدَدًا بِعَدَدِهَا (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُكَفِّرُ) أَيْ الْمُخْرِجُ لِلْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْحَالِفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَالْأَوْجَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ]
(8/182)
فِي أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ اُعْتُبِرَتْ بَلَدُ الْمَأْذُونِ لَهُ لَا الْآذِنِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَلَا يُنَافِيهِ أَنَّ قِيَاسَ مَا فِي الْفِطْرَةِ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ لِأَنَّ تِلْكَ طَهَارَةٌ لِلْبَدَنِ فَاعْتُبِرَ بَلَدُهُ وَلَا كَذَلِكَ هَذَا.
هَكَذَا قِيلَ.
وَالْأَوْجَهُ اعْتِبَارُ بَلَدِ الْآذِنِ كَالْفِطْرَةِ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ جَوَازِ صَرْفِ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَلَا لِدُونِ عَشَرَةٍ وَلَوْ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ (أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً) مِمَّا يُعْتَادُ لُبْسُهُ بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَإِنْ فَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي الْكِسْوَةِ (كَقَمِيصٍ) وَلَوْ بِلَا كُمٍّ (أَوْ عِمَامَةٍ) وَإِنْ قَلَّتْ أَخْذًا مِنْ أَجْزَاءِ مِنْدِيلِ الْيَدِ (أَوْ إزَارٍ) أَوْ مِقْنَعَةٍ أَوْ رِدَاءٍ أَوْ مِنْدِيلٍ يُحْمَلُ فِي يَدٍ أَوْ كُمٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: 89] الْآيَةَ (لَا) مَا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَلَا مَا يُعْتَادُ كَالْجُلُودِ، فَإِنْ أَعَتِيدَ أَجْزَأَتْ فَمِنْ الْأَوَّلِ نَحْوُ (خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ) وَدِرْعٍ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ وَنَعْلٍ وَمَدَاسٍ وَجَوْرَبٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَقُبَعٍ وَطَاقِيَّةٍ وَعَرْقِيَّةٍ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ بِإِجْزَائِهَا مَحْمُولٌ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ يُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِ النِّسَاءِ، يُقَالُ لَهُ عِرْقِيَّةٍ أَوْ عَلَى مَا يُجْعَلُ عَلَى الدَّابَّةِ تَحْتَ السَّرْجِ وَنَحْوِهِ (وَمِنْطَقَةٍ) وَتَكَّةٍ وَفَصَادِيَّةٍ وَخَاتَمٍ وَتُبَّانٍ لَا يَصِلُ لِلرُّكْبَةِ وَبِسَاطٍ وَهِمْيَانٍ وَثَوْبٍ طَوِيلٍ أَعْطَاهُ لِلْعَشَرَةِ قَبْلَ تَقْطِيعِهِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ وَضَعَ لَهُمْ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ وَقَالَ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّهَا أَمْدَادٌ مُجْتَمِعَةٌ، وَأَفْهَمَ التَّخْيِيرُ امْتِنَاعَ التَّبْعِيضِ كَأَنْ يُطْعِمَ خَمْسَةً وَيَكْسُوَ خَمْسَةً (وَلَا يُشْتَرَطُ) كَوْنُهُ مَخِيطًا وَلَا سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ وَلَا (صَلَاحِيَّتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ) وَنَحْوُ قَمِيصٍ (صَغِيرٍ) أَيْ دَفْعُهُ (لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ وَقُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَحَرِيرٍ) وَصُوفٍ وَنَحْوِهَا (لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ) لِوُقُوعِ اسْمِ الْكِسْوَةِ عَلَى الْكُلِّ وَلَوْ مُتَنَجِّسًا، لَكِنْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُهُمْ بِهِ لِئَلَّا يُصَلُّوا فِيهِ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ مِلْكًا أَوْ عَارِيَّةً مَثَلًا ثَوْبًا مَثَلًا بِهِ نَجَسٌ خَفِيٌّ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ الْآخِذِ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بِهِ حَذَرًا مِنْ أَنْ يُوقِعَهُ فِي صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: مَنْ رَأَى مُصَلِّيًا بِهِ نَجَسٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ: أَيْ عِنْدَهُ لَزِمَهُ إعْلَامُهُ بِهِ، وَفَارَقَ التُّبَّانُ السَّرَاوِيلَ الصَّغِيرَ بِأَنَّ التُّبَّانَ لَا يَصْلُحُ وَلَا يُعَدُّ سَاتِرَ عَوْرَةِ صَغِيرٍ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ يُعَدُّ لِسِتْرِ عَوْرَةِ صَغِيرٍ فَهُوَ السَّرَاوِيلُ الصَّغِيرُ (وَلَبِيسٍ) وَإِنْ كَثُرَ لُبْسُهُ وَ (لَمْ تَذْهَبْ) عُرْفًا (قُوَّتُهُ) بِاللُّبْسِ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ كَالْمُهَلْهَلِ النَّسْجِ الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى الِاسْتِعْمَالِ وَلَوْ جَدِيدًا وَمُرَقَّعٌ وَمَنْسُوجٌ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا كَمَا لَا يَخْفَى (فَإِنْ عَجَزَ) بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (عَنْ) كُلٍّ مِنْ (الثَّلَاثَةِ) الْمَذْكُورَةِ (لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِلْآيَةِ (وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ) لِإِطْلَاقِ الدَّلِيلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
اعْتِبَارُ بَلَدِ الْآذِنِ فَإِنَّ الْآذِنَ هُوَ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ (قَوْلُهُ كَذَا قِيلَ إلَخْ) كَذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ بِخَطِّ الْمُؤَلِّفِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّتْ) أَيْ كَذِرَاعٍ مَثَلًا (قَوْلُهُ: أَوْ مِقْنَعَةٍ) أَيْ طَرْحَةٍ (قَوْلُهُ: فَمِنْ الْأَوَّلِ) أَيْ مَا لَا يُسَمَّى كِسْوَةً (قَوْلُهُ: وَتُبَّانٍ) اسْمٌ لِلِّبَاسِ لَا يَصِلُ إلَخْ، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَالتُّبَّانُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ سَرَاوِيلُ صَغِيرٌ مِقْدَارُ شِبْرٍ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَلَّاحِينَ (قَوْلُهُ: وَهِمْيَانٍ) اسْمٌ لِكِيسِ الدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْطَى غَيْرَهُ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: الَّذِي لَا يَقْوَى عَلَى الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْحَبِّ الْعَتِيقِ انْتَهَى حَجّ (قَوْلُهُ وَمُرَقَّعٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ جَدِيدًا وَحَدَثَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي تَرْقِيعَهُ (قَوْلُهُ: بِالطَّرِيقِ السَّابِقِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَمْلِكْ زِيَادَةً عَلَى كِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ مَا يُخْرِجُهُ فِي الْكَفَّارَةِ.
وَعِبَارَتُهَا ثَمَّ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ الْعُمْرِ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَمَا وَقَعَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا لِدُونِ عَشَرَةٍ) صَوَابُهُ وَعَدَمُ جَوَازِ صَرْفِهَا لِدُونِ عَشَرَةٍ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ ذَلِكَ) يَعْنِي الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ (قَوْلُهُ: غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا ضَمَّخَهُ بِمَا يَسْلُبُ الْعَفْوَ (قَوْلُهُ: لَا يُعَدُّ سَاتِرَ عَوْرَةِ صَغِيرٍ إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْمَارِّ وَلَا سَاتِرًا لِلْعَوْرَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَذْهَبْ) الْوَاوُ الَّتِي زَادَهَا الشَّارِحُ لِلْحَالِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: كَالْمُهَلْهَلِ) الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ (قَوْلُهُ: وَمُرَقَّعٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا مِنْ
(8/183)
وَالثَّانِي يَجِبُ لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْآحَادِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ حُكْمًا وَتِلَاوَةً (وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ) لِأَنَّهُ وَاجِدٌ وَإِنَّمَا أُبِيحَ الصَّوْمُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ بِخِلَافِ الْمُتَمَتِّعِ إذَا أَعْسَرَ بِالدَّمِ بِمَكَّةَ فَإِنَّهُ يَجْزِيهِ الصَّوْمُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ اُعْتُبِرَتْ بِمَكَّةَ لِأَنَّهَا مَحَلُّ نُسُكِهِ الْمُوجِبِ لِلدَّمِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى غَيْرِهَا، وَلَا كَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ تُعْتَبَرُ فِيهَا مُطْلَقًا، أَيْ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِوُجُوبِهَا عَلَى التَّرَاخِي أَصَالَةً.
(وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ) أَيْ رَقِيقٌ (بِمَالٍ) لِعَدَمِ مِلْكِهِ (إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ) أَوْ غَيْرُهُ (طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً) لِيُكَفِّرَ بِهِمَا أَوْ مُطْلَقًا (وَقُلْنَا) إنَّهُ (يَمْلِكُ) وَهُوَ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ ثُمَّ أَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ، نَعَمْ لَوْ مَاتَ فَلِسَيِّدِهِ التَّكْفِيرُ عَنْهُ بِغَيْرِ الْعِتْقِ مِنْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لِعَدَمِ اسْتِدْعَاءِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهِ حَالَ الْحَيَاةِ وَلِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ، وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ بِإِذْنِهِ وَلَهُ التَّكْفِيرُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِهِ، وَفَارَقَ الْعِتْقَ بِأَنَّ الْقِنَّ غَيْرُ أَهْلٍ لِلْوَلَاءِ (بَلْ يُكَفِّرُ) حَتَّى فِي الْمَرْتَبَةِ كَالظِّهَارِ (بِصَوْمٍ) لِعَجْزِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ مَحْجُورُ سَفَهٍ أَوْ فَلْسٍ لِامْتِنَاعِ تَبَرُّعِهِمَا بِالْمَالِ، نَعَمْ لَوْ زَالَ الْحَجْرُ قَبْلَ الصَّوْمِ امْتَنَعَ، إذْ الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ لَا الْوُجُوبِ (فَإِنْ ضَرَّهُ) الصَّوْمُ فِي الْخِدْمَةِ (وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهُ لِكَوْنِهِ أَذِنَهُ فِي سَبَبِهِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهَا عَلَى التَّرَاخِي (أَوْ وُجِدَا) أَيْ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ (بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ) لِعَدَمِ إذْنِهِ فِي سَبَبِهِ.
وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ فَإِنْ شَرَعَ فِيهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ إتْمَامِهِ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا أَضْعَفَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ مُطْلَقًا (وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ) لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُحَرَّرَ، وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا اعْتِبَارُ الْحِنْثِ بَلْ قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الْيَمِينَ مَانِعَةٌ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ إذْنُهُ فِي ذَلِكَ إذْنًا فِي الْتِزَامِ الْكَفَّارَةِ، وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الضَّمَانِ دُونَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي الرُّجُوعَ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ صَوْمٌ مُطْلَقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الرَّوْضَةِ هُنَا وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِ سَنَةٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَرْجُوحِ الْمَارِّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ (قَوْلُهُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا
(قَوْلُهُ: وَلِسَيِّدِ الْمُكَاتَبِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَاتَبِ لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ وَلَوْ بِإِذْنِهِ، وَلَا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ مِنْ مَالِ السَّيِّدِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ (قَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ) أَيْ الْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ وَلَهُ أَيْ الْمُكَاتَبِ، وَقَوْلُهُ بِإِذْنِهِ: أَيْ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ مَحْجُورُ سَفَهٍ) وَلَا يُكَفِّرُ عَنْ مَيِّتٍ بِأَزْيَدِ الْخِصَالِ قِيمَةً بَلْ يَتَعَيَّنُ أَقَلُّهَا أَوْ أَحَدُهَا إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهَا اهـ حَجّ.
أَقُولُ: وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ ثَمَّ دَيْنٌ وَإِلَّا فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَارِثِ الرَّشِيدِ أَنْ يُكَفِّرَ بِالْأَعْلَى (قَوْلُهُ: فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ إتْمَامِهِ) أَيْ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَعْصُومٌ بِمَوْتِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ لِأَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ فَوْرِيٌّ وَلَا إثْمَ عَلَى الرَّقِيقِ فِي عَدَمِ الصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ احْتَاجَهُ لِلْخِدْمَةِ أَمْ لَا، وَقَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الْحَلِفِ ضَعِيفٌ، وَقَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ إلَخْ مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً لِلتَّمَتُّعِ بَلْ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ بَعُدَ فِي الْعَادَةِ تَمَتُّعُهُ بِهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجُوزُ لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ صَوْمٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ ضَرَّهَا الصَّوْمُ أَمْ لَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ هُنَا لِلزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ هَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الصَّوْمِ أَمْ لَا، وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ الْوَقْتِ نَصُّهَا: وَكَذَا يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلِهِ مَا ذَهَبَتْ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهَا نُسِخَتْ إلَخْ) وَأَجَابَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الشَّاذَّ إنَّمَا يَكُونُ كَالْخَبَرِ إذَا ثَبَتَ قُرْآنًا وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ) عِبَارَةُ الْقُوتِ: فَإِنَّ مَكَانَ الدَّمِ مَكَّةُ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ بِهَا وَمَكَانُ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقٌ فَاعْتُبِرَ يَسَارُهُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: أَصَالَةً) أَيْ وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الْفَوْرُ لِعَارِضٍ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالْإِطْعَامِ
(8/184)
تَقْدِيمًا لِاسْتِمْتَاعِهِ لِأَنَّهُ نَاجِزٌ.
أَمَّا أَمَةٌ لَا تَحِلُّ فَكَالْعَبْدِ فِيمَا مَرَّ، وَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْحِنْثَ الْوَاجِبَ كَالْحِنْثِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِيمَا ذَكَرَ لِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ فِيهِ عَلَى الْفَوْرِ مَحَلُّ نَظَرٍ.
وَالْأَقْرَبُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِإِذْنِهِ وَتَعَدِّي الْعَبْدِ لَا يُبْطِلُهُ.
نَعَمْ لَوْ قِيلَ إنَّ إذْنَهُ فِي الْحَلِفِ الْمُحَرَّمِ كَإِذْنِهِ فِي الْحِنْثِ لَا يَبْعُدُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ الْتِزَامٌ لِلْكَفَّارَةِ لِوُجُوبِ الْحِنْثِ الْمُسْتَلْزِمِ لَهَا فَوْرًا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ زَيْدٍ إلَى عَمْرٍو كَأَنْ حَلَفَ وَحَنِثَ فِي مِلْكِ زَيْدٍ فَهَلْ لِعَمْرٍو الْمَنْعُ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ كَانَ زَيْدٌ أَذِنَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ غَائِبًا فَهَلْ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ صَوْمٍ لَوْ كَانَ السَّيِّدُ حَاضِرًا لَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ هُنَا نَعَمْ، وَلَوْ أَجَّرَ السَّيِّدُ عَيْنَ عَبْدِهِ وَكَانَ الصَّوْمُ يُخِلُّ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهَا فَقَطْ فَهَلْ لَهُ الصَّوْمُ بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ إذْنِ السَّيِّدِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ هُنَا وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ كَوْنِ الْحِنْثِ وَاجِبًا أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ عَنْ الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي انْتَهَى. وَالرَّاجِحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَفِيمَا لَوْ حَلَفَ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَحَنِثَ فِي مِلْكِ آخَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِمَا أَوْ فِي الْحِنْثِ لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي مَنْعُهُ مِنْ الصَّوْمِ إنْ ضَرَّهُ وَإِلَّا فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ ضَرَّهُ (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ) لَا صَوْمَ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ وَ (لَا عِتْقَ) لِنَقْصِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْوَلَاءِ، نَعَمْ إنْ عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ بِتَكْفِيرِهِ بِالْعِتْقِ كَأَنْ أَعْتَقْتُ عَنْ كَفَّارَتِك فَنَصِيبِي مِنْك حُرٌّ قَبْلَهُ أَوْ مَعَهُ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ بِهِ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ: أَيْ فِي نَوْبَتِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَفِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ أَوْ حَيْثُ لَا مُهَايَأَةَ بِالْإِذْنِ فِيمَا يَظْهَرُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْكَفَّارَةِ إنْ لَمْ تَعْصِ بِسَبَبِهِ: أَيْ كَأَنْ حَلَفَتْ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ كَاذِبَةً (قَوْلُهُ: تَقْدِيمًا لِاسْتِمْتَاعِهِ) أَيْ لِحَقِّ اسْتِمْتَاعِهِ (قَوْلُهُ: كَالْحِنْثِ الْمَأْذُونِ فِيهِ) أَيْ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّكْفِيرَ بِلَا إذْنٍ (قَوْلُهُ: فِيمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ جَوَازِ التَّكْفِيرِ بِلَا إذْنٍ مِنْ السَّيِّدِ فِي الْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ هُنَا نَعَمْ) قَدْ يُقَالُ: الْأَقْرَبُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ لَيْسَ لِعَمْرٍو الْمَنْعُ لِأَنَّهُ إنَّمَا انْتَقَلَ لَهُ الْعَبْدُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلصَّوْمِ بِلَا إذْنٍ.
وَقَدْ قَالُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ.
ثُمَّ رَأَيْت مَا سَيَأْتِي لَهُ فِي قَوْلِهِ وَفِيمَا لَوْ حَلَفَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ هُنَا) أَيْ بَلْ يَكُونُ الْحَقُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: بَيْنَ كَوْنِ الْحِنْثِ وَاجِبًا) كَأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَثَلًا (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) هِيَ قَوْلُهُ بَيْنَ كَوْنِ الْحِنْثِ وَاجِبًا أَوْ غَيْرَهُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ لِلثَّانِي مَنْعُهُ) مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ بِالْأُولَى مَا لَوْ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ الْأَوَّلِ فِي مِلْكه ثُمَّ انْتَقَلَ لِلثَّانِي قَبْلَ التَّكْفِيرِ (قَوْلُهُ: بِالْإِذْنِ فِيمَا يَظْهَرُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْحِنْثِ كَمَا فِي غَيْرِ الْمُبَعَّضِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَالْكِسْوَةِ (قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ هُنَا نَعَمْ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَمَّا الْأُولَى فَسَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا.
(8/185)
فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ تُحْمَلُ عَلَى حَقَائِقِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مُتَعَارَفًا وَيُرِيدُ دُخُولَهُ فَيَدْخُلُ أَيْضًا، فَلَا يَحْنَثُ أَمِيرٌ حَلَفَ لَا يَبْنِي دَارِهِ وَأَطْلَقَ إلَّا بِفِعْلِهِ، وَلَا مَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ فَحَلَقَ غَيْرُهُ لَهُ بِأَمْرِهِ إذَا (حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا) أَيْ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ دَارًا (أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا) وَهُوَ فِيهَا عِنْدَ الْحَلِفِ (فَلْيَخْرُجْ) مِنْهَا حَالًا بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ فِي كُلٍّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقَامَةِ وَالسُّكْنَى فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ إنْ أَرَادَ عَدَمَ الْحِنْثِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَيْثُ كَانَ مُتَوَطِّنًا فِيهِ قَبْلَ حَلِفِهِ، فَلَوْ دَخَلَهُ لِنَحْوِ تَفَرُّجٍ فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُهُ لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا (فِي الْحَالِ) بِبَدَنِهِ فَقَطْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا
(قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ تُحْمَلُ إلَخْ) وَعِبَارَةُ حَجّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا الْأَصْلُ فِي الْبِرِّ وَالْحِنْثِ اتِّبَاعُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَقَدْ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ التَّخْصِيصُ وَالتَّقْيِيدُ بِنِيَّةٍ تَقْتَرِنُ بِهِ أَوْ بِاصْطِلَاحٍ خَاصٍّ أَوْ قَرِينَةٍ انْتَهَى.
وَهِيَ تُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ اللَّفْظَ تَارَةً يُحْمَلُ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَتَارَةً عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ، وَذَلِكَ إذَا تَعَارَفَ الْمَجَازُ وَأُرِيدَ دُخُولُهُ فِيهِ، وَتَارَةً عَلَى مَا هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ وَذَلِكَ إذَا قُيِّدَ أَوْ خُصِّصَ بِقَرِينَةٍ أَوْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ بِاللَّفْظِ غَيْرَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَحْدَهُ مَجَازًا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ كَتَّانًا وَأَرَادَ الْقُطْنَ مَثَلًا وَكَانَ لَفْظُ الْكَتَّانِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْقُطْنِ مَجَازًا عَدَمُ قَبُولِ إرَادَتِهِ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.
لَا يُقَالُ: مُقْتَضَى التَّغْلِيظِ عَلَيْهِ أَنْ يَحْنَثَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ حَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ عَلَى مَا مَرَّ، لَكِنْ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ حَيْثُ قَالَ: نَعَمْ إنْ نَوَى شَيْئًا مِمَّا مَرَّ حَنِثَ بِهِ، إذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْحَقِيقَةِ وَعَلَيْهِ فَيَحْنَثُ بِالْقُطْنِ دُونَ الْكَتَّانِ إنْ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُ الْقُطْنِ فِي الْكَتَّانِ مَجَازًا (قَوْلُهُ مُتَعَارَفًا) أَيْ مَشْهُورًا (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْنَثُ أَمِيرٌ) أَيْ مَثَلًا فَالْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِيرٍ أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَلَا مَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ) أَيْ وَأَطْلَقَ أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُهُ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ حَنِثَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُهُ وَنَوَى بِغَيْرِهِ خَاصَّةً يَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُ قَبْلُ وَيُرِيدُ دُخُولَهُ إلَخْ، وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِالْغَيْرِ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ ذَلِكَ) أَيْ الِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا) أَيْ وَيَخْرُجُ حَالًا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى وَالْمُسَاكَنَةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي]
فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى السُّكْنَى إلَخْ
(قَوْلُهُ: تُحْمَلُ عَلَى حَقَائِقِهَا) شَمَلَ الْحَقَائِقَ الْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ كَاللُّغَوِيَّةِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَجَازَاتِهَا، وَأَمَّا إذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْحَقَائِقُ فَمِقْدَارٌ آخَرُ يَأْتِي فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مُتَعَارَفًا وَيُرِيدُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ تَعَارُفِهِ لَا يَكْفِي وَلَعَلَّ مَحَلَّهُ إنْ لَمْ تُهْجَرْ الْحَقِيقَةُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ الْآتِي فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَقَضِيَّتُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمَجَازَ غَيْرَ الْمُتَعَارَفِ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَهُ، وَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ الْمَجَازَ الْمَرْجُوحَ يَصِيرُ قَوِيًّا بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ أَيْضًا) أَيْ مَعَ الْحَقِيقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ وَحْدَهُ وَإِنْ أَرَادَهُ وَحْدَهُ أَيْضًا وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي الْفَصْلِ آخِرَ الْبَابِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ وَأَرَادَ الْوَطْءَ (قَوْلُهُ: حَالًا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا يَأْتِي فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ قَطْعًا)
(8/186)
وَإِنْ تَرَكَ أَمْتِعَتَهُ لِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَدْوَ، وَلَا الْخُرُوجَ مِنْ أَقْرَبِ الْبَابَيْنِ، نَعَمْ لَوْ عَدَلَ لِبَابِ السَّطْحِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ غَيْرِهِ حَنِثَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّهُ بِصُعُودِهِ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ: أَيْ وَلَا نَظَرَ لِتَسَاوِي الْمَسَافَتَيْنِ وَلَا لِأَقْرَبِيَّةِ طَرِيقِ السَّطْحِ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّهُ بِمَشْيِهِ إلَى الْبَابِ آخِذٌ فِي سَبَبِ الْخُرُوجِ، وَبِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الصُّعُودِ غَيْرُ آخِذٍ فِي ذَلِكَ عُرْفًا، أَمَّا خُرُوجُهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّحَوُّلِ فَيَحْنَثُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى سَاكِنًا أَوْ مُقِيمًا عُرْفًا (فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ) وَلَوْ لَحْظَةً وَهُوَ مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِسَاعَةٍ، وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ مِثَالِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ شَرِبَهُ لِعَطَشٍ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ عَادَةً كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُمْ (حَنِثَ وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ) وَأَهْلَهُ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ سُكْنَاهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ إذْ السُّكْنَى تُطْلَقُ عَلَى الدَّوَامِ كَالِابْتِدَاءِ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَأَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ لَمْ يَحْنَثْ، وَجَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ ذَلِكَ ضِيقَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْخُرُوجِ لَفَاتَتْهُ فَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ بَعْدَ الْحَلِفِ فَكَالْمُكْرَهِ (وَإِنْ) نَوَى التَّحَوُّلَ لَكِنَّهُ (اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ) يَعْتَادُ لُبْسَهُ فِي الْخُرُوجِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاكِنًا وَإِنْ طَالَ مَقَامُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ عَقِبَ حَلِفِهِ نَحْوُ مَرَضٍ مَنَعَهُ مِنْ خُرُوجِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ خَرَجَ فَمَكَثَ وَلَوْ لَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ فَلَا حِنْثَ، وَيُتَّجَهُ ضَبْطُ الْمَرَضِ هُنَا بِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
اقْتِصَارُهُ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّحَوُّلِ، لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ ع الْآتِي: فَإِنْ أَرَادَ لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ اشْتِرَاطُ الْخُرُوجِ هُنَا حَالًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ) هَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْخُذُ أَهْلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِأَخْذِهِمَا فَوْرًا (قَوْلُهُ: وَلَا الْخُرُوجُ مِنْ أَقْرَبِ الْبَابَيْنِ) أَيْ بِأَنْ يَقْصِدَهُ مِنْ مَحَلٍّ أَمَّا لَوْ مَرَّ عَلَيْهِ وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي الْحِنْثُ أَخْذًا مِمَّا عَلَّلَ بِهِ الْعُدُولُ إلَى السَّطْحِ مِنْ أَنَّهُ بِالْعُدُولِ عَنْهُ إلَى الصُّعُودِ غَيْرُ آخِذٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِبَابِ السَّطْحِ) أَوْ إلَى حَائِطٍ لِيَخْرُجَ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ قُبَالَتَهُ فَتَخُطَّاهَا مِنْ غَيْرِ عُدُولٍ فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ غَيْرِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَبْعَدَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ) قَالَ ع: وَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُكْثَ وَلَوْ قَلَّ يَضُرُّ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هُوَ ظَاهِرٌ إنْ أَرَادَ لَا أَمْكُثُ، فَإِنْ أَرَادَ لَا أَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْحِنْثِ بِمُكْثِ نَحْوِ السَّاعَةِ اهـ.
أَقُولُ: لَعَلَّ التَّقْيِيدَ بِنَحْوِ السَّاعَةِ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَّخِذُهَا مَسْكَنًا وَمَكَثَ مُدَّةً يَبْحَثُ فِيهَا عَنْ مَحَلٍّ يَسْكُنُ فِيهِ مَعَ عَدَمِ إرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى اتِّخَاذِهَا مَسْكَنًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ زَادَتْ الْمُدَّةُ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ إلَخْ خَرَجَ بِهِ الْإِطْلَاقُ فَيَحْنَثُ بِالْمُكْثِ وَإِنْ قَلَّ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ وَلَوْ لَحْظَةً وَهُوَ مُرَادُ الرَّوْضَةِ بِسَاعَةٍ وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ كَمَا لَوْ وَقَفَ لِيَشْرَبَ مَثَلًا يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ مِثَالِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ لَا يُحْتَمَلُ مِثْلُهُ عَادَةً كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُمْ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْعُذْرِ (قَوْلُهُ: لَفَاتَتْهُ) أَيْ كَامِلَةً حَجّ، وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّارِحِ أَنَّهُ مَتَى خَافَ خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ وَقْتِهَا لَوْ اشْتَغَلَ عُذِرَ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْخَوْفُ مَوْجُودًا حَالَ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: أَوْ مَالِهِ إلَخْ) قَالَ حَجّ: وَإِنْ قَلَّ، وَقَوْلُهُ لَوْ خَرَجَ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ خَوْفُهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَرْكِهِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ حَمْلُهُ مَعَهُ أَوْ كَانَ الْخَوْفُ حَاصِلًا لَهُ سَوَاءٌ أَخَذَهُ أَوْ تَرَكَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِذَلِكَ مَا لَوْ خَافَ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لَاقَاهُ أَعْوَانُ الظُّلْمَةِ مَثَلًا فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ ذَلِكَ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي تَحْنِيثِهِ بِالْمُكْثِ الْيَسِيرِ نَظَرٌ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا أَسْكُنُهُ لَا أَتَّخِذُهُ سَكَنًا انْتَهَى (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُهُمْ) الْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ الشَّارِحِ ذَكَرَ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَنِثَ مَعَ أَنَّ صَوَابَهُ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ بِلَا عُذْرٍ كَمَا فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ فَكَالْمُكْرَهِ) أَيْ فِي الْخِلَافِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ لِذِكْرِ هَذَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِبَيَانِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ بِخِلَافِ الشَّارِحِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَذْكُرَهُ مَعَ أَنَّ فِي كَلَامِهِ أَوَّلًا وَآخِرًا مَا يُغْنِي عَنْهُ.
(8/187)
يَشُقُّ مَعَهُ الْخُرُوجُ مَشَقَّةً لَا تُحْتَمَلُ غَالِبًا.
نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَهُ اسْتِئْجَارُ مَنْ يَحْمِلُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَوَجَدَهَا فَتَرَكَ ذَلِكَ حَنِثَ، وَقَلِيلُ الْمَالِ كَكَثِيرِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَلَوْ خَرَجَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا لِنَحْوِ عِيَادَةٍ أَوْ زِيَادَةٍ لَمْ يَحْنَثْ مَا دَامَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ زَائِرًا وَعَائِدًا عُرْفًا وَإِلَّا حَنِثَ، وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمَ الْحِنْثِ بِمَقَامِهِ لِجَمْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ بِمَا إذَا لَمْ تُمْكِنْهُ الِاسْتِنَابَةُ وَإِلَّا حَنِثَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَرْضَى بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ يَرْضَى بِهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَبْقَى لَهُ مِمَّا مَرَّ فِي الْفَلْسِ كَالْعَدَمِ فَلَا يَحْنَثْ لِعُذْرِهِ
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا) بِنِيَّةِ التَّحَوُّلِ نَظِيرَ مَا مَرَّ (فِي الْحَالِ لَمْ يَحْنَثْ) لِانْتِفَاءِ الْمُسَاكَنَةِ، إذْ الْمُفَاعَلَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمُكْثِ هُنَا لِعُذْرِ اشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْخُرُوجِ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ) مِنْ طِينٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الْأَصَحِّ) لِاشْتِغَالِهِ بِرَفْعِ الْمُسَاكَنَةِ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْمُحَرَّرَ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ عَنْ تَصْحِيحِ الْجُمْهُورِ الْحِنْثُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِحُصُولِ الْمُسَاكَنَةِ إلَى تَمَامِ الْبِنَاءِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ بِفِعْلِ الْحَالِفِ أَوْ أَمْرِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْآخَرِ وَإِلَّا حَنِثَ قَطْعًا، وَإِرْخَاءُ السِّتْرِ بَيْنَهُمَا وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مَانِعٌ مِنْ الْمُسَاكَنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَيْسَ مِنْهَا تَجَاوُرُهُمَا بِبَيْتَيْنِ مِنْ خَانٍ وَإِنْ صَغُرَ وَاتَّحَدَ مَرَقَاهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ بَابٌ وَلَا مِنْ دَارٍ كَبِيرَةٍ إنْ كَانَ لِكُلٍّ بَابٌ وَغَلَّقَ، وَكَذَا لَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِحُجْرَةٍ انْفَرَدَتْ بِجَمِيعِ مَرَافِقِهَا وَإِنْ اتَّحَدَتْ الدَّارُ وَالْمَمَرُّ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ عَمَّا لَوْ أَطْلَقَ الْمُسَاكَنَةَ فَإِنْ نَوَى مُعِينًا حُمِلَتْ يَمِينُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَنِثَ بِالْمُسَاكَنَةِ فِي أَيِّ مَحَلٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْوَقْتِ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّوَهُّمِ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ مَرِيضًا) أَيْ حَالَ حَلِفِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ طَرَأَ إلَخْ، وَالرَّاجِحُ فِيهِ عَدَمُ الْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْحَلِفِ حَالَةَ الْعُذْرِ وَبَيْنَ طُرُوُّ الْعُذْرِ عَلَى الْحَلِفِ لَعَلَّهُ مِنْ حَيْثُ الْقَطْعُ وَالْخِلَافُ وَإِلَّا فَلَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إذْ الْحَلِفُ حَالَ الْمَرَضِ مَانِعٌ مِنْ الْحِنْثِ وَكَذَا لَوْ طَرَأَ فَالْحَالَانِ مُسْتَوِيَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ زَمِنًا) أَيْ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُخْرِجُهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ آيِسًا مِنْ الْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِأَنْ قَطَعَ بِعَدَمِ تَيَسُّرِهِ لَهُ (قَوْلُهُ: مِنْ يَحْمِلُهُ) أَيْ أَوْ مَنْ يَحْرُسُ لَهُ مَالَهُ حَيْثُ وَثِقَ بِهِ (قَوْلُهُ: وَوَجَدَهَا) أَيْ فَاضِلَةً عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ فَضْلُهَا عَمَّا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ وَقَلِيلُ الْمَالِ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ مُتَمَوِّلًا لِأَنَّهُ الَّذِي يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ مَالًا، وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي الْخَوْفِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا إنْ كَانَ لَهُ وَقَعَ عُرْفًا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ وَعَائِدًا عُرْفًا) وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَحْلِفُ ثُمَّ يَأْتِي بِقَصْدِ الزِّيَارَةِ مَعَ نِيَّةِ أَنْ يُقِيمَ زَمَنَ النِّيلِ أَوْ رَمَضَانَ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى زِيَارَةً عُرْفًا فَيَحْنَثُ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ تُمْكِنُهُ الِاسْتِنَابَةُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ ضَرَرًا وَمِنْهُ الْخَوْفُ عَلَى ظُهُورِ مَالِهِ مِنْ السُّرَّاقِ وَالظُّلْمَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدِرُ) أَيْ الْحَالِفُ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مِنْهَا) أَيْ الْمُسَاكَنَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ صَغُرَ وَاتَّحَدَ مَرَقَاهُ) غَايَةٌ: أَيْ وَحُشُّهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَلَا مِنْ دَارٍ كَبِيرَةٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَا سَاكِنَيْنِ فِيهَا قَبْلَ الْحَلِفِ وَمِنْهُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا بَيْنَ السُّكَّانِ فِي مَحَلَّةٍ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ فَيَحْلِفُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ مَا بَقِيَ يُسَاكِنُ صَاحِبَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَيُطْلِقُ وَيَكُونُ لِكُلٍّ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِهَا مَا ذُكِرَ فَلَا يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِاسْتِدَامَةِ السُّكْنَى وَإِنْ كَانَتْ الْقَرِينَةُ ظَاهِرَةً فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ السُّكْنَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ الْحَلِفِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ حَيْثُ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى نَفْيِ السُّكْنَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَقَوْلُهُ لَا مِنْ دَارٍ كَبِيرَةٍ إنْ كَانَ لِكُلٍّ بَابٌ وَغَلْقٌ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا قَيَّدَ بِهِ مَا بَعْدَهُ مِنْ انْفِرَادِ الْمَرَافِقِ مَعَ أَنَّهُ أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ
(8/188)
كَانَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَأَطْلَقَ وَكَانَا فِي مَوْضِعَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَعُدُّهُمَا الْعُرْفُ مُتَسَاكِنَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ زَيْدًا وَعَمْرًا بَرَّ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا أَوْ زَيْدًا وَلَا عَمْرًا لَمْ يَبَرَّ بِخُرُوجِ أَحَدِهِمَا
(وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا) أَيْ الدَّارَ (وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجْ) مِنْهَا (وَهُوَ خَارِجٌ) قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: أَوْ لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْعَيْنَ وَهُوَ مَالِكُهَا فَاسْتَدَامَ مِلْكُهَا (فَلَا حِنْثَ بِهَا) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الدُّخُولِ انْفِصَالُهُ مِنْ خَارِجٍ لِدَاخِلٍ وَالْخُرُوجُ عَكْسُهُ وَلَمْ يُوجَدَا فِي الِاسْتِدَامَةِ وَلِأَنَّهُمَا لَا يَتَقَدَّرَانِ بِمُدَّةٍ، نَعَمْ لَوْ نَوَى بِعَدَمِ الدُّخُولِ الِاجْتِنَابَ فَأَقَامَ أَوْ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ أَنْ لَا يَنْقُلَ أَهْلَهُ مَثَلًا فَنَقَلَهُمْ حَنِثَ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ) أَوْ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا أَوْ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ (فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ) (حَنِثَ) لِتَقْدِيرِهَا بِزَمَانٍ تَقُولُ لَبِسْت يَوْمًا وَرَكِبْت لَيْلَةً وَشَارَكْته شَهْرًا وَكَذَا الْبَقِيَّةُ، وَإِذَا حَنِثَ بِاسْتِدَامَةِ شَيْءٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ فَاسْتَدَامَهُ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِانْحِلَالِ يَمِينِهِ الْأُولَى بِاسْتِدَامَتِهِ الْأُولَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً قَبْلُ (قَوْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ وَأَطْلَقَ) وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي بَلَدِ كَذَا وَسَكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي دَارٍ مِنْهَا فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّهُمَا مُتَسَاكَنَيْنِ وَذَلِكَ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ
(فَرْعٌ) وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ لَا يَبِيتُ فِي بَلَدِ كَذَا فَخَرَجَ مِنْهَا قَاصِدًا الْمَبِيتَ فِي بَلَدٍ أُخْرَى، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا وَجَدَ فِيهَا شَرًّا فَخَافَ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْبَلَدَ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْهَا ضَرَرٌ فَرَجَعَ إلَى الْبَلَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا وَبَاتَ فِيهَا فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفًا شَدِيدًا وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ سِيَّمَا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ لِكَوْنِ حَلِفِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِهَا مَانِعٌ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَمْلِكُ هَذِهِ الْعَيْنَ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي هَذَا وَلَا يَبِيعُهُ وَقَدْ سَبَقَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحَلِفِ فَلَا يَحْنَثُ بِالِاسْتِدَامَةِ فِي ذَلِكَ، لَكِنْ لَوْ أَرَادَ اجْتِنَابَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيمُ الْمِلْكُ فِيهَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ الْبَائِعُ عَلَى الْفَسْخِ مَثَلًا أَوْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ النَّقْلُ عَنْ مِلْكِهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَمْلِكُهَا وَأَرَادَ لَا يَسْتَدِيمُ الْمِلْكُ هَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ أَوْ لَا، وَهَلْ عَجْزُهُ عَمَّنْ يَشْتَرِي بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًا فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْتَدِيمُ الْمِلْكُ عُذْرٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ الْقَوْلُ بِالْحِنْثِ فِيهِمَا، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ الْحِنْثِ فِيمَا لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ الْبَائِعُ عَلَى الْفَسْخِ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا أَشْتَرِي وَأَرَادَ رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْفِعْلِ وَالْحِنْثِ فِيمَا عَدَاهُ (قَوْلُهُ: فَلَا حِنْثَ) أَيْ وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ فَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ حَنِثَ بِالدُّخُولِ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُمَا لَا يَتَقَدَّرَانِ بِمُدَّةٍ) وَلِأَنَّ مِلْكَ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ تَمَلُّكِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا تَمَلَّكَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَنِثَ بِهِ، أَمَّا مَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ فَدَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ بِمَوْتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: أَنْ لَا يَنْقُلَ أَهْلَهُ) أَيْ وَأَرَادَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ أَنْ لَا تَبْقَى فِي مِلْكِهِ فَاسْتَدَامَ حَنِثَ أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ حَنِثَ وَإِنْ أَزَالَهَا عَنْ مِلْكِهِ حَالًا (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُشَارِكُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكُلُّ عَقْدٍ أَوْ فِعْلٍ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ اسْتِدَامَتُهُ كَابْتِدَائِهِ، وَفِيمَا أَطْلَقَهُ فِي الْعَقْدِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْإِرْثِ اهـ حَجّ.
وَكَتَبَ عَلَيْهِ سم فِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ حَلَفَ لَا يُشَارِكُ أَخَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَهِيَ مِلْكُ أَبِيهِمَا فَمَاتَ الْوَالِدُ وَانْتَقَلَ الْإِرْثُ لَهُمَا وَصَارَا شَرِيكَيْنِ فَهَلْ يَحْنَثُ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَمْ لَا، وَهَلْ اسْتِدَامَةُ الْمِلْكِ شَرِكَةٌ تُؤَثِّرُ أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ أَمَّا مُجَرَّدُ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَأَمَّا الِاسْتِدَامَةُ فَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِهَا اهـ: أَيْ وَطَرِيقَةُ أَنْ يَقْتَسِمَاهَا حَالًا، فَلَوْ تَعَذَّرَتْ الْفَوْرِيَّةُ فِيهِ لِعَدَمِ وُجُودِ قَاسِمٍ مَثَلًا عُذِرَ مَا دَامَ الْحَالُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّرِكَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِعَقْدٍ كَأَنْ خَلَطَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ، ثُمَّ نَقَلَ التَّقْيِيدَ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُشَارِكُ فُلَانًا) مَحَلُّ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ
(8/189)
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كُلَّمَا لَبِسْتِ فَأَنْت طَالِقٌ تَكَرَّرَ الطَّلَاقُ بِتَكَرُّرِ الِاسْتِدَامَةِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا بِمُضِيِّ ثَلَاثِ لَحَظَاتٍ وَهِيَ لَابِسَةٌ، وَدَعْوَى أَنَّ ذِكْرَ كُلَّمَا قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ لِلِابْتِدَاءِ مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ حَلَفَ لَابِسٌ لَا يَلْبَسُ إلَى وَقْتِ كَذَا فَهَلْ تُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَى عَدَمِ إيجَادِهِ لُبْسًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ اللُّبْسِ وَلَوْ لَحْظَةً أَوْ عَلَى الِاسْتِدَامَةِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ اسْتَمَرَّ لَابِسًا إلَيْهِ؟ .
الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي إفَادَةِ الْعُمُومِ أَمَّا لَوْ اسْتَدَامَ التَّسَرِّيَ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى فَإِنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ حَجَبَ الْأَمَةَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَإِنْزَالُهُ فِيهَا وَذَلِكَ حَاصِلٌ مَعَ الِاسْتِدَامَةِ (قُلْت: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ) عَمَّا فِي الشَّرْحَيْنِ فَقَدْ جَزَمَ فِيهِمَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ كَمَا هُوَ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِمَا بِمُدَّةٍ كَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَلَا يُقَالُ تَزَوَّجْت وَلَا تَطَهَّرْت شَهْرًا مَثَلًا بَلْ مُنْذُ شَهْرٍ، وَمَحَلُّ عَدَمِ الْحِنْثِ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَنْوِ اسْتِدَامَتَهُمَا وَإِلَّا حَنِثَ بِهِمَا جَزْمًا (وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ) لِعَدَمِ تَقْدِيرِهِ بِمُدَّةٍ عَادَةً وَلِهَذَا لَمْ تَلْزَمْهُ بِهَا فِدْيَةٌ فِيمَا لَوْ تَطَيَّبَ قَبْلَ إحْرَامِهِ ثُمَّ اسْتَدَامَهُ وَالثَّانِي نَعَمْ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى التَّطَيُّبِ (وَكَذَا وَطْءٌ) وَغَصْبٌ (وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ) فَلَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا فِي الْأَصَحِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إذْ الْمُرَادُ فِي نَحْوِ نَكَحَ أَوْ وَطِئَ فُلَانَةَ أَوْ غَصَبَ كَذَا وَصَامَ شَهْرًا اسْتِمْرَارُ مُدَّةِ أَحْكَامِ تِلْكَ لَا حَقِيقَتُهَا لِانْفِصَالِهَا بِانْقِضَاءِ أَدْنَى زَمَنٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَبِمُضِيِّ يَوْمٍ لَا بَعْضِهِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَمْ يُعْهَدْ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا تَقْدِيرُهَا بِزَمَنٍ بَلْ بِعَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَطْءِ جَعْلُهُمْ اسْتِدَامَتَهُ فِي الصَّوْمِ بَعْدَ الْفَجْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ مُفْسِدًا.
لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَعْنًى آخَرَ أَشَارُوا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ تَنْزِيلًا لِمَنْعِ الِانْعِقَادِ مَنْزِلَةَ الْإِبْطَالِ وَاسْتِدَامَةُ السَّفَرِ سَفَرٌ وَلَوْ بِالْعَوْدِ مِنْهُ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا يُقَدَّرُ عُرْفًا بِمُدَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ بَلْ يَكُونُ دَوَامُهُ كَابْتِدَائِهِ فَيَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهِ وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُقِيمُ بِمَحَلٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْلَقَ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ عَادَ وَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا حَنِثَ كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَالَ وَأَذِنَ كُلٌّ لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ فَهَلْ يَكْفِي فِي عَدَمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ الْفَسْخُ وَحْدَهُ أَوْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ قِسْمَةِ الْمَالَيْنِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَتِهَا عَلَى الرَّاجِحِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ لَمْ يَحْتَجْ لِلْفَسْخِ وَلَا لِلْقِسْمَةِ مَا لَمْ يَرِدْ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ عَدَمُ بَقَائِهَا، وَكَالدَّارِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى عَدَمِ الْمُشَارَكَةِ فِي بَهِيمَةٍ مَثَلًا وَهِيَ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِإِزَالَةِ الشَّرِكَةِ فَوْرًا إمَّا بِبَيْعِ حِصَّتِهِ أَوْ هِبَتِهَا لِثَالِثٍ أَوْ لِشَرِيكِهِ
[فَرْعٌ] لَوْ حَلَفَ لَا يُرَافِقُهُ فِي طَرِيقٍ فَجَمَعَتْهُمَا مَعِدِيَّةٌ لَا حِنْثَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ قَوْمًا وَتُفَرِّقُ آخَرِينَ، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ: ثَلَاثُ لَحَظَاتٍ) وَالْمُرَادُ بِاللَّحْظَةِ أَقَلُّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ النَّزْعُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَابِسٌ لَا يَلْبَسُ) أَيْ الْقَمِيصَ مَثَلًا بِأَنْ قَالَ لَا أَلْبَسُ هَذَا الْقَمِيصَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أُوجِدُ لُبْسًا مَا لِهَذَا الثَّوْبِ فِي هَذَا الشَّهْرِ وَقَدْ وَجَدَ بِالِاسْتِدَامَةِ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَادِ فَيَحْنَثُ (قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حَجَبَ الْأَمَةَ) أَيْ التَّسَرِّيَ (قَوْلُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ) هِيَ قَوْلُهُ إذْ الْمُرَادُ فِي نَحْوِ نَكَحَ أَوْ وَطِئَ فُلَانَةَ أَوْ غَصَبَ كَذَا (قَوْلُهُ: وَاسْتِدَامَةُ السَّفَرِ سَفَرٌ وَلَوْ بِالْعَوْدِ مِنْهُ) نَعَمْ إنْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْعَوْدِ مِنْهُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ عَادَ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَا لَمْ يُرِدْ الْعَقْدَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ الشَّارِحِ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ (قَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ اسْتَدَامَ التَّسَرِّي) إلَخْ كَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ هَذَا عَنْ اسْتِدْرَاكِ التَّزَوُّجِ الْآتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فِي نَكَحَ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ نَكَحَ زَادَهْ الشَّارِحُ مَعَ مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ فَسَقَطَ مِنْ الْكَتَبَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إذْ الْمُرَادُ فِي نَحْوِ نَكَحَ وَقَوْلُهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلْتُرَاجَعْ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ سَافَرَ ثُمَّ عَادَ إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ بِكَذَا مُدَّةَ كَذَا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِإِقَامَةِ ذَلِكَ
(8/190)
فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ مَثَلًا قَالُوا لِصِدْقِ الِاسْمِ بِالْمُتَفَرِّقِ وَالْمُتَوَالِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا لِأَنَّ مَقْصُودَ الْيَمِينِ الْهَجْرُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ تَتَابُعٍ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَمْكُثُ زَوْجَتُهُ فِي الضِّيَافَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَخَرَجَتْ مِنْهَا لِثَلَاثٍ فَأَقَلَّ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهَا فَلَا حِنْثَ، لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وُجِدَ هُنَا لَا ثَمَّ، لِأَنَّ الْمُكْثَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلضِّيَافَةِ وَالرُّجُوعِ وَلَوْ بِقَصْدِ الضِّيَافَةِ لَا يُسَمَّى ضِيَافَةً لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُسَافِرِ بَعْدَ قُدُومِهِ
(وَمَنْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا) عَيْنَهَا أَوْ مَدْرَسَةً أَوْ رِبَاطًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمَسْجِدُ مِثْلُهَا (حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَإِنْ طَالَ وَفَحُشَ طُولُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ (دَاخِلَ الْبَابِ أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ) لِكَوْنِهِ مِنْ الدَّارِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا (لَا بِدُخُولِ طَاقٍ) مَعْقُودٍ (قُدَّامَ الْبَابِ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ مِنْهَا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى تَرْبِيعِهَا إذْ هُوَ ثَخَانَةُ الْحَائِطِ الْمَعْقُودِ لَهُ قُدَّامَ بَابِ الْأَكَابِرِ، نَعَمْ لَوْ جُعِلَ عَلَيْهِ مَرَدٌ حِنْثٍ بِدُخُولِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُسْقَفٍ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُ أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ، وَاسْتِشْكَالُ الزَّرْكَشِيّ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّهُ مِنْهَا مُطْلَقًا رُدَّ بِمَنْعِ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْبَابِ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُهُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حُدُودِهَا بَلْ وَلَا اخْتَصَّ بِهَا، وَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ إصْطَبْلٍ خَارِجٍ عَنْ حُدُودِهَا، وَكَذَا إنْ دَخَلَ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهِ بَابٌ إلَيْهَا لَا بِدُخُولِ بُسْتَانٍ يُلَاصِقُهَا حَيْثُ لَمْ يَعُدْ مِنْ مَرَافِقِهَا (وَلَا بِصُعُودِ سَطْحٍ) مِنْ خَارِجِهَا (غَيْرِ مَحُوطٍ) إذْ لَا يُعَدُّ مِنْهَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا (وَكَذَا مَحُوطٌ) مِنْ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ بِحَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا ذُكِرَ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِإِحَاطَةِ حِيطَانِ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبٍ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا، وَمَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ لَمْ يُسْقَفْ فَإِنْ سُقِفَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَنُسِبَ إلَيْهَا بِأَنْ كَانَ يَصْعَدُ إلَيْهِ مِنْهَا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ حَنِثَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَطَبَقَةٍ مِنْهَا، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ صِحَّةُ الِاعْتِكَافِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْهُ شَرْعًا وَحُكْمًا لَا تَسْمِيَةً وَهُوَ الْمَنَاطُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ شَهْرًا) أَيْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الشَّهْرِ الْمُتَتَابِعِ فَلَوْ لَمْ يُكَلِّمْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا ثُمَّ كَلَّمَهُ مُدَّةً ثُمَّ تَرَكَ كَلَامَهُ وَهَكَذَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ قَدْرَ الشَّهْرِ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ التَّوَالِي.
[فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ] قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ وَذِكْرٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامٍ» إلَخْ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ حَلَفَ إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ لَمْ يَحْنَثْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ لَا يَقْتَضِيهِ، كَذَا فِي شَرْحِ أَحْكَامِ ابْنِ عَبْدِ الْحَقِّ اهـ.
وَقَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ إنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَخْ: أَيْ وَأَطْلَقَ (قَوْلُهُ: بَعْدً قُدُومِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ سَافَرَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَمَكَثَتْ مُدَّةً زَائِدَةً عَلَى ثَلَاثَةٍ حَنِثَ، وَأَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ مَجِيءِ بَعْضِ أَهْلِ الْبَلَدِ لِبَعْضٍ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ فِيهِ إنَّهَا لَا تَقْعُدُ فِي الضِّيَافَةِ مُدَّةَ كَذَا أَوْ حَلَفَ إنَّهُ لَا يُضَيِّفُ زَيْدًا لَمْ يَحْنَثْ بِمُكْثِهَا مُدَّةً وَلَوْ طَالَتْ وَلَا بِذَهَابِهِ لِزَيْدٍ وَلَوْ بِطَلَبٍ مِنْ زَيْدٍ لَهُ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى ضِيَافَةً وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ أَرَادَ شَيْئًا عَمِلَ بِهِ
(قَوْلُهُ: دَارًا عَيْنَهَا) أَيْ وَكَذَا وَلَمْ يُعَيَّنْ (قَوْلُهُ أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ) لَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بَيْنَ إلَخْ كَانَ أَوْضَحُ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا ذُكِرَ يَقْتَضِي أَنَّ التَّقْدِيرَ أَوْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلَ الدَّارِ لَكِنْ كَانَ بَيْنَ بَابَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ إذْ هُوَ) أَيْ الطَّاقُ الْمَعْقُودُ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَعُدُّهُ مِنْهَا مُطْلَقًا) جُعِلَ لَهُ مَرَدٌّ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: إنْ دَخَلَ فِيهَا) أَيْ فِي حُدُودِهَا (قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) هُوَ قَوْلُهُ إذْ لَا يُعَدُّ مِنْهَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا (قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَ يَصْعَدُ إلَيْهَا مِنْهَا) وَلَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَصَعِدَ سَطْحَهَا لَمْ يَحْنَثْ إنْ كَانَ مُسَقَّفًا كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ وَنُسِبَ إلَيْهَا بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَإِلَّا حَنِثَ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ قَالَ لَا أَسْكُنُهَا أَوْ لَا أَنَامُ فِيهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَمَكَثَ بِسَطْحِهَا وَصُورَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مُتَوَالِيًا، قَالَ الشَّارِحُ: لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ ذَلِكَ عُرْفًا فَلْيُرَاجَعْ وَلْيُحَرَّرْ.
(قَوْلُهُ: عَيَّنَهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَلَوْ انْهَدَمَتْ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِيهِ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا) قَدْ يُقَالُ: لَا دَخْلَ لِهَذَا فِي الْحُكْمِ وَإِلَّا
(8/191)
ثَمَّ لَا هُنَا (وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ) وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى ذَلِكَ وَحْدَهُ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا حُكْمًا (فَإِنْ وَضَعَ رَجُلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا) أَوْ رِجْلًا وَاحِدَةً وَاعْتَمَدَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا بِأَنْ كَانَ لَوْ رَفَعَ الْأُخْرَى لَمْ يَقَعْ وَبَاقِي بَدَنِهِ خَارِجٌ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُسَمَّى دَاخِلًا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَمِدْ كَذَلِكَ كَأَنْ اعْتَمَدَ عَلَى الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ مَعًا، وَلَوْ أَدْخَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ لَكِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا لِتَعَلُّقِهِ بِنَحْوِ حَبْلٍ حَنِثَ أَيْضًا، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ الْخُرُوجُ، وَلَوْ تَعَلَّقَ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ مِنْ الدَّارِ بِأَنْ أَحَاطَ بِهِ بِنَاؤُهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلُ عَلَيْهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا (وَلَوْ انْهَدَمَتْ) الدَّارُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ (فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الْحِيطَانِ) أَيْ شَيْءٌ بَارِزٌ مِنْهَا وَإِنْ قَلَّ (حَنِثَ) لِأَنَّهَا مِنْهَا فَكَأَنَّهُ دَخَلَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ مَعَ اسْمِ الدَّارِ وَعَدَمِهِ وَلَوْ قَالَ لَا أَدْخَلُ هَذِهِ حَنِثَ بِالْعَرْصَةِ أَوْ دَارًا لَمْ يَحْنَثْ بِفَضَاءِ مَا كَانَ دَارًا (وَإِنْ) عَطَفَ عَلَى جُمْلَةٍ وَقَدْ بَقِيَ (صَارَتْ فَضَاءً) بِالْمَدِّ وَهُوَ السَّاحَةُ الْخَالِيَةُ مِنْ الْبَاءِ (أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا) حِنْثَ إلَّا إنْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا الْأُولَى.
(وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ) أَوْ حَانُوتَهُ (حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ) (لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ) وَوَصِيَّةٍ بِمَنْفَعَتِهَا لَهُ وَوَقْفٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى مَنْ يَمْلِكُ تَقْتَضِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ حَقِيقَةً، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ هَذِهِ لِزَيْدٍ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِأَنَّهُ يَسْكُنُهَا، وَخَالَفَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاعْتَمَدَ تَبَعًا لِجَمْعٍ الْحِنْثَ بِكُلِّ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الْآنَ، قَالَ: فَالْمُعْتَبَرُ عُرْفُ اللَّافِظِ لَا عُرْفُ اللَّفْظِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ) فَيَحْنَثُ بِكُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَجَازٌ قَرِيبٌ، نَعَمْ لَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ فِي هَذِهِ فِي حَلِفٍ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ ظَاهِرًا، وَلَا يَعْتَرِضُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُغَلِّظٌ عَلَى نَفْسِهِ فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ لِأَنَّهُ مُخَفِّفٌ عَلَيْهَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ الْحِنْثِ بِمَا يَمْلِكُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ بِالسَّطْحِ وَقْتَ الْحَلِفِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْخُرُوجِ وَإِلَّا حَنِثَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَدَلَ لِبَابِ السَّطْحِ حَنِثَ (قَوْلُهُ: حَنِثَ) سَوَاءٌ دَخَلَ تَحْتَ السَّقْفِ أَوْ لَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ خِلَافًا لِحَجِّ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَقْفٌ أَوْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ شَرْعًا (قَوْلُهُ: مُعْتَمَدًا عَلَيْهِمَا) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا لَوْ خُلِقَ لَهُ رِجْلٌ زَائِدَةٌ وَكَانَتْ عَامِلَةً بِحَيْثُ إنَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَرْجُلٍ فِي مَشْيِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَحَاطَ بِهِ) أَيْ الشَّخْصُ، وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَعْلُ عَلَيْهِ: أَيْ الشَّخْصُ عَلَى الْبِنَاءِ بِأَنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ كَانَ الْبِنَاءُ أَعْلَى مِنْهُ حَنِثَ، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا: أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّعَلُّقُ بِالْغُصْنِ أَعْلَى مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ مُحِيطًا بِبَعْضِهِ فَلَا حِنْثَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ هَذِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ دَارٍ (قَوْلُهُ إلَّا إنْ أُعِيدَتْ) أَيْ الدَّارُ: أَيْ أُعِيدَ مِنْهَا بِهَا وَلَوْ الْأَسَاسُ فَقَطْ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ.
وَقَوْلُهُ بِآلَتِهَا خَرَجَ مَا لَوْ أُعِيدَتْ بِآلَةٍ جَدِيدَةٍ فَلَا يَحْنَثُ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ حَانُوتَهُ) أَيْ وَمِثْلُهَا الدُّكَّانُ لِمُرَادِفَتِهَا لِلْحَانُوتِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا) أَيْ الدَّارَ، وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ الْحَانُوتُ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ، وَقَوْلُهُ بِمِلْكٍ: أَيْ لِجَمِيعِهَا فَلَا حِنْثَ بِالْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَ تَبَعًا لِجَمْعٍ الْحِنْثَ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَا تُقْبَلُ إرَادَتُهُ) أَيْ ظَاهِرًا، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ: أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَ أَرَدْت مَسْكَنَهُ وَدَخَلَ دَارًا يَمْلِكُهَا وَلَمْ يَسْكُنْهَا أَمَّا إذَا دَخَلَ مَا يَسْكُنُهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَوْلِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخَفِّفٌ عَلَيْهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَوْ رَدَّ الطَّاقَ الَّذِي قُدَّامَ الْبَابِ الْآتِي عَقِبَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَعْلُ عَلَيْهِ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعْلُ الشَّخْصُ عَلَى الْبِنَاءِ وَفِي هَذَا شَيْءٌ مَعَ كَوْنِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ أَحَاطَ بِهَا بِنَاؤُهَا، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: بِأَنْ عَلَا عَلَيْهِ: أَيْ بِأَنْ عَلَا الْبِنَاءُ عَلَى الشَّخْصِ فَهُوَ تَصْوِيرٌ لِلْمُثْبَتِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ بِقَضَاءِ مَا كَانَ دَارًا) أَيْ وَإِنْ بَقِيَ رُسُومُهَا وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُحْتَرَزَانِ لِقَوْلِهِ بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِشَارَةِ أَوْ عَلَى ذِكْرِ الدَّارِ وَهُمَا الْمَذْكُورَانِ هُنَا (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ أُعِيدَتْ بِآلَتِهَا) أَيْ أُعِيدَتْ دَارًا كَمَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَفِي الِاسْتِثْنَاءِ حَزَازَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ) ظَاهِرُ هَذَا مَعَ الْجَوَابِ الْآتِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا
(8/192)
وَلَا يَسْكُنُهُ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ دُونَ مَا فِيهِ تَخْفِيفٌ لَهُ (وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ) كُلَّهُ وَإِنْ تَجَدَّدَ طُرُوُّهُ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ (وَلَا يَسْكُنُهُ) إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ عَمَلًا بِقَصْدِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ مُشْتَهِرَةً لِلتَّعْرِيفِ كَدَارِ الْأَرْقَمِ بِمَكَّةَ وَسُوقِ يَحْيَى بِبَغْدَادَ حَنِثَ بِدُخُولِهَا مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْإِضَافَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَفَارَقَ الْمُتَجَدِّدُ هُنَا لَا أُكَلِّمُ وَلَدَ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمُتَجَدِّدِ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنَزَّلَةٌ عَلَى مَا لِلْحَالِفِ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَلَا يُشْكِلُ بِقَوْلِ الْكَافِي، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَمَسُّ شَعْرَ فُلَانٍ فَحَلَقَهُ ثُمَّ مَسَّ مَا نَبَتَ مِنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ إخْلَافَ الشَّعْرِ مَعْهُودٌ عَادَةً مُطَرَّدَةً فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ (وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ) لَا يُكَلِّمُ (زَوْجَتَهُ) (فَبَاعَهُمَا) أَيْ الدَّارَ وَالْعَبْدَ بَيْعًا لَازِمًا: أَيْ يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَلَوْ مَعَ الْخِيَارِ بِأَنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ لَهُمَا وَأُجِيزَ الْبَيْعُ وَبَيْعُ بَعْضِهِمَا وَإِنْ قَلَّ كَبَيْعِهِمَا (أَوْ طَلَّقَهَا) بَائِنًا لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ (فَدَخَلَ) الدَّارَ (وَكَلَّمَ) الْعَبْدَ وَالزَّوْجَةَ (لَمْ يَحْنَثْ) تَغْلِيبًا لِلْحَقِيقَةِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالزَّوْجِيَّةِ بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ اشْتَرَى بَعْدَ بَيْعِهِمَا غَيْرَهُمَا فَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ أَيَّ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ مَلَكَهُ حَنِثَ بِالثَّانِيَةِ أَوْ التَّقْيِيدَ بِالْأَوَّلِ فَلَا (إلَّا أَنْ يَقُولَ دَارُهُ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدُهُ هَذَا) أَوْ يُرِيدُ أَيَّ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُهُ أَوْ أَيَّ امْرَأَةٍ جَرَى عَلَيْهَا نِكَاحُهُ (فَيَحْنَثُ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ عَلَى الْإِضَافَةِ وَغَلَبَةِ التَّسْمِيَةِ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ) .
آنِفًا لِأَنَّهَا أَقْوَى لِأَنَّ الْفَهْمَ يَسْبِقُ إلَيْهَا أَكْثَرَ وَعَمَلًا بِتِلْكَ النِّيَّةِ وَأَلْحَقَ بِالتَّلَفُّظِ بِالْإِشَارَةِ نِيَّتَهَا، وَإِنَّمَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ فَإِذَا هِيَ بَقَرَةٌ لِمُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ فِي الْعُقُودِ مَا أَمْكَنَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ فَكَبِرَتْ وَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ، وَفَارَقْت نَحْوَ دَارِ زَيْدٍ هَذِهِ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهَا عَارِضَةٌ فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهَا بَلْ بِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ الصَّادِقَةِ بِالِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ، وَفِي تِلْكَ لَازِمَةٌ لِلُزُومِ الِاسْمِ أَوْ الصِّفَةِ، وَلِأَنَّ زَوَالَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَغْيِيرٍ بِعِلَاجٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (قَوْلُهُ: وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ كُلُّهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُشْتَرَكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْمِيمَ فِي الْمَمْلُوكِ: أَيْ بِأَيِّ مَمْلُوكٍ لَهُ حَادِثًا كَانَ أَوْ مُتَجَدِّدًا، وَيُؤَيِّدُ قَوْلَنَا الظَّاهِرَ أَنَّهُ إلَخْ قَوْلُهُ الْآتِي وَبَيْعُ بَعْضِهِمَا وَإِنْ قَلَّ كَبَيْعِهِمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَجَدَّدَ طُرُوُّهُ لَهُ بَعْدَ حَلِفِهِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ أَوْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْنَثُ) أَيْ إنْ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ فِيمَا مَرَّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ مُنَزَّلَةٌ عَلَى مَا لِلْحَالِفِ) يُتَأَمَّلُ قَوْلُهُ مَا لِلْحَالِفِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ مَا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ كَزَيْدٍ هُنَا قُدْرَةٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ) وَالْمُرَادُ بِالتَّكْلِيمِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَكَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ بِالْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُبْقِي زَوْجَتَهُ عَلَى عِصْمَتِهِ أَوْ عَلَى ذِمَّتِهِ فَطَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا لَمْ يَبَرَّ فَيَحْنَثُ بِإِبْقَائِهَا عَلَى الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ.
(قَوْلُهُ: تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ عَلَى الْإِضَافَةِ، وَغَلَبَتْ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهَا فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِأَنَّهَا أَقْوَى لِأَنَّ الْفَهْمَ يَسْبِقُ إلَيْهَا أَكْثَرُ وَعَلَيْهَا يُتَأَمَّلُ قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ إلَخْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: مُرَادُهُ مَا فِي قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَصَارَتْ فَضَاءً إلَخْ (قَوْلُهُ: لِمُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ) عُمُومُهُ شَامِلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا يُعْلَمُ مِنْ التَّفْرِيعِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ فَيُقْبَلُ ظَاهِرًا فِيمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ إلَخْ إلَّا أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةً (قَوْلُهُ: بَيْعًا لَازِمًا) أَيْ مِنْ جِهَتِهِ، وَمُرَادُهُ بِلُزُومِهِ مَا يَشْمَلُ إلْزَامَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ آنِفًا) أَيْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ انْهَدَمَتْ بِاعْتِبَارِ مَا صَوَّرَهُ بِهِ الشَّارِحُ ثَمَّ (قَوْلُهُ: وَعَمَلًا بِتِلْكَ النِّيَّةِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ فَالْأَوَّلُ تَعْلِيلٌ لِلْمَتْنِ وَالْمَعْطُوفُ تَعْلِيلٌ لِمَا زَادَهْ بِقَوْلِهِ أَوْ يُرِيدُ أَيَّ دَارٍ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بِعْتُك هَذِهِ الشَّاةَ إلَخْ) مَرَّ قَرِيبًا أَنَّ التَّسْمِيَةَ أَقْوَى مِنْ الْإِشَارَةِ وَهَذَا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى جَوَابٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بَلْ لِمُجَرَّدِ الْإِشَارَةِ الصَّادِقَةِ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ الدَّوَامِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: أَيْ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
قَالَ: وَكَأَنَّهُ أَرَادَ حَالَ مِلْكِهِ وَبَعْدَ زَوَالِهِ (قَوْلُهُ بِعِلَاجٍ) أَيْ أَوْ خِلْقَةٍ
(8/193)
فَاعْتُبِرَتْ مَعَ الْإِشَارَةِ وَتَعَلَّقَتْ بِمَجْمُوعِهَا، فَإِذَا زَالَتْ إحْدَاهُمَا لِكَوْنِهَا سَخْلَةً فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ زَالَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ اسْمُ الْعَبْدِ بِعِتْقِهِ وَاسْمُ الدَّارِ بِجَعْلِهَا مَسْجِدًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَشَارَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ السَّابِقِ تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ: أَيْ مَعَ بَقَاءِ الِاسْمِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ) الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ هَذِهِ أَوْ هَذَا (مَا دَامَ مِلْكُهُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَلَا يَحْنَثْ بِدُخُولٍ أَوْ تَكْلِيمٍ بَعْدَ زَوَالِهِ بِمِلْكٍ أَوْ طَلَاقٍ لِأَنَّهَا إرَادَةٌ قَرِيبَةٌ، وَيَأْتِي فِي قَبُولِ هَذَا فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مَا مَرَّ، وَلَوْ قَالَ مَا دَامَ فِي إجَارَتِهِ وَأَطْلَقَ الْعِرَابَ مِنْهُ عُرْفًا كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إنَّهُ مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لِمَنْفَعَتِهِ فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ بِإِيجَارِهِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ اسْتِئْجَارُهُ مِنْهُ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ، وَأَفْتَى فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلَ هَذَا مَا دَامَ فُلَانٌ فِيهِ فَخَرَجَ فُلَانٌ ثُمَّ دَخَلَ الْحَالِفُ ثُمَّ فُلَانٌ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِاسْتِدَامَةِ مُكْثِهِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الدُّخُولِ لَيْسَتْ بِدُخُولٍ، وَيَحْنَثُ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ وَفُلَانٌ فِيهِ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إنْ أَرَادَ بِمُدَّةِ دَوَامِهِ فِيهِ ذَلِكَ الدَّوَامَ وَمَا بَعْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْتُهُ لِلْقَاضِي فُلَانٍ، وَأَرَادَ مَا دَامَ قَاضِيًا مِنْ أَنَّهُ إذَا رَآهُ بَعْدَ عَزْلِهِ لَا يَحْنَثْ وَلَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فَيَرْفَعُهُ إلَيْهِ وَيَبَرُّ، فَإِنْ أَرَادَ مَا دَامَ فِيهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ انْحَلَّتْ بِخُرُوجِهِ اهـ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَسْأَلَةِ الْقَاضِي ظَاهِرٌ لِأَنَّ الدَّيْمُومَةَ ثَمَّ مَرْبُوطَةٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَأُنِيطَ بِهِ وَهُنَا بِمَحَلٍّ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ فَانْعَدَمَتْ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ فَالْمُتَّجَهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَالْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ
(وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ ذَا الْبَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِتَبَدُّلِ الذَّاتِ وَالصِّفَةِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ فَإِذَا هُوَ أَسْوَدُ لَمْ يَصِحَّ، لَكِنَّ عِبَارَةَ حَجّ فِي الْبَيْعِ تُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ مَا دَامَ فِي إجَارَتِهِ) مِثْلُهُ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا أُكَلِّمُهُ مَثَلًا طُولَ مَا هُوَ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَثَلًا فَيَبَرُّ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ حَيْثُ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ التَّرْكِ لَهَا أَوْ أَطْلَقَ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَأَفْتَى فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى) أَيْ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ (قَوْلُهُ: أَوْ أَطْلَقَ) ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ: انْحَلَّتْ بِخُرُوجِهِ انْتَهَى) وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَسْأَلَةِ الْقَاضِي ظَاهِرٌ لِأَنَّ الدَّيْمُومَةَ مَرْبُوطَةٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَأُنِيطَ بِهِ وَهُنَا بِمَحَلٍّ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ فَانْعَدَمَتْ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ فَالْمُتَّجَهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ عَدَمُ الْحِنْثِ كَالْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَوْ حَلَفَ إلَخْ وَهِيَ أَوْضَحُ مِمَّا فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي (قَوْله كَالْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ) هِيَ قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ مَا دَامَ فِيهِ هَذِهِ الْمَرَّةَ إلَخْ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مِنْ ذَا الْبَابِ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِالدُّخُولِ مِنْهُ وَإِنْ نُصِبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ) أَيْ أَوْ أَرَادَ مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا لِمَنْفَعَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى مَا دَامَ عَقْدُ إجَارَتِهِ بَاقِيًا لَمْ تَنْقَضِ مُدَّتُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّ إجَارَتَهُ بَاقِيَةٌ لَمْ تَفْرُغْ وَلَمْ تَنْقَضِ، قَالَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته لِلْقَاضِي إلَخْ) سَيَأْتِي فِي شَرْحِ مَسْأَلَةِ الْقَاضِي الْآتِيَةِ فِي الْمَتْنِ أَنَّ هَذَا كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الدَّيْمُومَةِ (قَوْلُهُ: بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الرَّفْعَ إلَيْهِ مُنَاسِبٌ لِاتِّصَافِهِ بِالْقَضَاءِ إذْ لَا يُرْفَعُ إلَّا لِلْقَاضِي أَوْ نَحْوِهِ، وَذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ يَطْرَأُ وَيَزُولُ، فَكَانَ رَبْطُ الرَّفْعِ بِهَذَا الْوَصْفِ قَرِينَةً عَلَى إرَادَةِ الرَّفْعِ حَيْثُمَا وُجِدَ هَذَا الْوَصْفُ فَهُوَ مِنْ دَلَالَةِ الْإِيمَاءِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْأُصُولِ، هَذَا وَاَلَّذِي سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَنَّهُ حَيْثُ نَوَى الدَّيْمُومَةَ فِيهَا انْقَطَعَتْ بِالْعَزْلِ وَإِنْ عَادَ إلَى الْقَضَاءِ: أَيْ إنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الدَّوَامَ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا هُنَا، وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ دُخُولِ الدَّارِ وَمَسْأَلَةِ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي (قَوْلُهُ: كَالْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ) أَيْ إذَا أَرَادَ مَا دَامَ فِيهِ هَذِهِ الْمَرَّةِ
(8/194)
فَنُزِعَ) بَابُهَا الْمُعَلَّقُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا) (لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي) وَإِنْ سُدَّ الْأَوَّلُ (وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْبَابَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَنْفَذِ مَجَازٌ فِي الْخَشَبِ، فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ حُمِلَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي عَلَى الْمَنْصُوبِ فَيَحْنَثُ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا (أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا) وَأَطْلَقَ (حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ) أَوْ قَصَبٍ مُحْكَمٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (أَوْ خَيْمَةٍ) أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ أَوْ جِلْدٍ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ حَضَرِيًّا لِإِطْلَاقِ الْبَيْتِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ حَقِيقَةً لُغَةً كَمَا يَحْنَثُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْخُبْزِ أَوْ الطَّعَامِ (وَإِنْ اخْتَصَّ بَعْضَ النَّوَاحِي بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ إذْ الْعَادَةُ لَا تُخَصِّصُ) ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّ لَفْظُ الرُّءُوسِ أَوْ الْبَيْضِ أَوْ نَحْوِهِمَا بِمَا يَأْتِي لِلْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ وَهِيَ تَعَلُّقُ الْأَكْلِ بِهِ، وَأَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَهُ عَلَى مَا عَدَا مَا يَأْتِي فِيهَا (وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ) وَبَيْتِ رَحًى لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى فِي الْعُرْفِ بُيُوتًا مَعَ حُدُوثِ أَسْمَاءٍ خَاصَّةٍ لَهَا، وَاسْمُ الْبَيْتِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا بِضَرْبٍ مِنْ التَّقْيِيدِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَارِ الْجَبَلِ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِيوَاءَ، أَمَّا مَا اُتُّخِذَ مِنْهَا بَيْتًا لِلسَّكَنِ فَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ اعْتَادَ سُكْنَاهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَنِيسَةِ مَحَلُّ تَعَبُّدِهِمْ، أَمَّا لَوْ دَخَلَ بَيْتًا فِيهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ حِنْثُهُ بِخَلْوَةٍ فِي مَسْجِدٍ لَا تُعَدُّ مِنْهُ شَرْعًا، وَبَحَثَ أَيْضًا عَدَمَ الْحِنْثِ بِسَاحَةِ نَحْوِ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَأَبْوَابِهَا بِخِلَافِ بَيْتٍ فِيهَا، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْتَ غَيْرُ الدَّارِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دَارِهِ دُونَ بَيْتِهِ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ فَدَخَلَ بَيْتَهُ فِيهَا حَنِثَ (أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ) لِوُجُودِ صُورَةِ الدُّخُولِ حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِهِ ذَاكِرًا لِلْحَالِ مُخْتَارًا، وَخَرَجَ بِبَيْتًا دُخُولُهُ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ مِمَّا لَا يَخْتَصُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثْ بِالْمَنْفَذِ حَيْثُ نُزِعَ الْبَابُ مِنْهُ، وَقِيَاسُ مَا قَدَّمَهُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَ أَرَدْت مَسْكَنَهُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَنْفَذِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي حُمِلَ عَلَيْهِ) وَكَذَا لَوْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ فَنَزَلَهَا لَا يَحْنَثُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ: أَوْ قَصَبٍ مُحْكِمٍ) قَيْدٌ فِي الْقَصَبِ (قَوْلُهُ: إذْ الْعَادَةُ لَا تُخَصِّصُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ زَيْدٍ وَكَانَ الْعَادَةُ فِي مَحَلِّهِ إطْلَاقُ الْبَيْتِ عَلَى الدَّارِ بِتَمَامِهَا عَدَمُ الْحِنْثِ بِدُخُولِ الدَّارِ حَيْثُ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِهَا (قَوْلُهُ: وَبَيْتِ رَحًى) الْمَعْرُوفَةِ بِالطَّاحُونِ الْآنَ وَمِثْلُهُ الْقَهْوَةُ (قَوْلُهُ: لَا تُعَدُّ مِنْهُ شَرْعًا) أَيْ بِأَنْ لَا تَدْخُلَ فِي وَقْفِهِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ حَلَفَ إلَخْ) يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ زَيْدٍ فِي بَيْتِ فُلَانٍ فَاجْتَمَعَ فِي دَارِهِ دُونَ بَيْتِهِ لَمْ يَحْنَثْ، خِلَافًا لِمَا بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِالْحِنْثِ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ.
وَقَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعْ سَلَامَهُ إلَخْ يُؤْخَذُ اسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَكَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ، بَلْ أَوْلَى انْتَهَى (قَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ عَالِمًا بِهِ) أَمَّا لَوْ دَخَلَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا حِنْثَ وَإِنْ اسْتَدَامَ لَكِنْ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِبَيْتًا دُخُولُهُ عَلَيْهِ فِي نَحْوِ مَسْجِدٍ إلَخْ) وَمِنْهُ الْقَهْوَةُ وَبَيْتُ الرَّحَى، وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ فَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي حُمِلَ عَلَيْهِ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي عَلَى الْمَنْصُوبِ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلْبٌ، وَحَقُّهَا: وَالثَّانِي يَحْنَثُ بِالثَّانِي حَمْلًا عَلَى الْمَنْصُوبِ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا) أَيْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا مُجْتَمِعِينَ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهَذَا الْمَنْفَذِ مُعَلِّقًا عَلَيْهِ هَذَا الْبَابَ بِخِلَافِ مَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ تَعَلُّقُ الْأَكْلِ بِهَا) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِهَا غَيْرَ الْأَكْلِ كَأَنْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ رُءُوسًا أَوْ بَيْضًا يَحْنَثُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ مَنْ اعْتَادَ سُكْنَاهُ) هَلَّا يَحْنَثُ غَيْرُ الْمُعْتَادِ أَيْضًا لِمَا مَرَّ، وَيَأْتِي أَنَّ الْعَادَةَ إذَا ثَبَتَتْ بِمَحَلٍّ عَمَّتْ جَمِيعَ الْمَحَالِّ (قَوْلُهُ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ) الَّذِي فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ جَزْمٌ لَا بَحْثٌ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْتَ غَيْرُ الدَّارِ) أَيْ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ عُرْفَ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ إطْلَاقُ الْبَيْتِ عَلَى الدَّارِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَامَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُرْفِ الْخَاصِّ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، فَإِنَّهُ
(8/195)
بِهِ عُرْفًا (وَفِي قَوْلٍ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَا يَحْنَثْ) كَمَا يَأْتِي فِي السَّلَامِ عَلَيْهِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَقْوَالَ تَقْبَلُ الِاسْتِثْنَاءَ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ إلَّا زَيْدًا (فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي) وَالْجَاهِلِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ حِنْثِهِمَا كَالْمُكْرَهِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ عَالِمًا وَلَا جَاهِلًا حَنِثَ وَكَذَا فِي سَائِرِ الصُّوَرِ (قُلْت: وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ) وَكَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ كَانَ بِهِ جُنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْكَلَامَ (وَاسْتَثْنَاهُ) بِقَلْبِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِمَا مَرَّ (وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ) إنْ عَلِمَ بِهِ (فِي الْأَظْهَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْعَامَّ يَجْرِي عَلَى عُمُومِهِ مَا لَمْ يُخَصَّصْ وَهَلْ يَحْنَثُ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ لَا؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حِنْثُهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ، وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لَكِنْ نَازَعَ فِيهِ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ: لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ سَلَامَهُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ الْمَنْعُ لِصَلَاحِيَّةِ اللَّفْظِ لِلْجَمِيعِ وَلِلْبَعْضِ.
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضُ الْمَأْكُولَاتِ
لَوْ (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ) رُءُوسَ الشَّوِيِّ اخْتَصَّ بِالْغَنَمِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ لَا يَأْكُلُ (الرُّءُوسَ) أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا مَثَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ وَجَمَعَتْهُمَا وَلِيمَةٌ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّ مَوْضِعَ الْوَلِيمَةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ عُرْفًا، فَأَشْبَهَ نَحْوَ الْحَمَّامِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَوْ قَصَدَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَانًا فِيهِ زَيْدٌ أَصْلًا حَنِثَ لِتَغْلِيظِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَوَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ فُلَانٍ فِي مَحَلٍّ ثُمَّ إنَّهُ دَخَلَ مَحَلًّا وَجَاءَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَاجْتَمَعَا فِي الْمَحَلِّ هَلْ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: قَالَ لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ إلَخْ) أَخْذُ مَا ذُكِرَ غَايَةً يَقْتَضِي أَنَّ مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي الْحِنْثَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ.
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ
(قَوْلُهُ: مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ) أَيْ وَفِيمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيِّ إلَخْ (قَوْلُهُ اخْتَصَّ بِالْغَنَمِ) أَيْ ضَأْنًا وَمَعْزًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْحِنْثِ بِهَا كَوْنُهَا مَشْوِيَّةً أَوْ لَا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى رُءُوسَ مَا تُشْوَى رُءُوسُهُ أَوْ الرُّءُوسُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لَمَّا ذَكَرَ مِثْلَ الْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الشَّارِحِ هُنَا وَقَالَ إنَّهُ الْأَصَحُّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الْمَيْلُ إلَى الْحِنْثِ: أَيْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ فَدَخَلَ دِهْلِيزَ الدَّارِ أَوْ صَحْنَهَا أَوْ صُفَّتَهَا لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ بَيْتٌ بِمَعْنَى الْإِيوَاءِ، ثُمَّ قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ: قُلْت وَهُوَ عُرْفُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ بَيْتُ فُلَانٍ وَيُرِيدُونَ دَارِهِ اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْأَصَحَّ لَا يُنْظَرُ إلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا عُلِمَ رَدُّ بَحْثِ ابْنِ قَاسِمٍ أَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِي غَيْرِ نَحْوِ مِصْرَ، قَالَ: وَإِلَّا فَهُمْ يُطْلِقُونَ الْبَيْتَ عَلَى الدَّارِ بَلْ لَا يَكَادُونَ يَذْكُرُونَ الدَّارَ إلَّا بِلَفْظِ الْبَيْتِ (قَوْلُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا بَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ) فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ كَمَا مَرَّ.
[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ مَعَ بَيَانِ مَا يَتَنَاوَلُهُ بَعْضُ الْمَأْكُولَاتِ]
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَكْلٍ وَشُرْبٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَشْتَرِيهَا مَثَلًا) أَيْ بِخِلَافِ نَحْوِ لَا يَحْمِلُهَا أَوْ لَا يَمَسُّهَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ آنِفًا فَلْيُرَاجَعْ
(8/196)
(وَلَا نِيَّةَ لَهُ) (حَنِثَ بِرُءُوسِ) إبِلٍ أَوْ رَأْسٍ لَا بِبَعْضِهِ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا الْجِنْسُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ رُءُوسًا فَلَا يَحْنَثْ إلَّا بِثَلَاثَةٍ (تُبَاعُ وَحْدَهَا) أَيْ مِنْ شَأْنِهَا ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَلِمَ عُرْفَ بَلَدِ الْحَالِفِ أَمْ لَا وَهِيَ رُءُوسُ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ إذْ هُوَ الْمُتَعَارَفُ (لَا طَيْرٍ) وَخَيْلٍ (وَحُوتٍ وَصَيْدٍ) بَرِّيٍّ أَوْ بَحْرِيٍّ كَالظِّبَاءِ لِأَنَّهَا لَا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ فَلَا تُفْهَمْ مِنْ اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (إلَّا) إنْ كَانَ الْحَالِفُ (بِبَلَدٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ عُلِمَ أَنَّهَا (تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً) عَنْ أَبْدَانِهَا لِأَنَّهَا كَرُءُوسِ الْأَنْعَامِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ حِنْثِهِ بِأَكْلِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، لَكِنَّ أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ الْحِنْثُ وَقَالَا إنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَمَّا إذَا نَوَى مُسَمَّى الرَّأْسِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا تُبَاعُ وَحْدَهَا أَوْ نَوْعًا مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ (وَالْبَيْضُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ وَلَا نِيَّةَ لَهُ (يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلَ بَائِضَةٍ فِي الْحَيَاةِ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفَارِقَهُ فِيهَا وَيُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا (كَدَجَاجٍ وَنَعَامٍ وَحَمَامٍ) وَبَطٍّ وَإِوَزٍّ وَعَصَافِيرَ لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَأْكُولُ اللَّحْمِ وَغَيْرُهُ لِحِلِّ أَكْلِهِ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمُتَصَلِّبٍ خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا لَوْ أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَظَهَرَ فِيهِ صُورَتُهُ، بِخِلَافِ النَّاطِفِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَقَدْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ وَكَانَ مَا فِي كُمِّهِ بَيْضٌ جُعِلَ فِي نَاطِفٍ وَأَكَلَ مِنْهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ (لَا) بَيْضُ (سَمَكٍ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُزَايِلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِشَقِّ الْجَوْفِ وَإِنْ بِيعَ بِبَلَدٍ يُؤْكَلُ فِيهِ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ قَدْ تَجَدَّدَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ وَهُوَ الْبَطَارِخُ (وَجَرَادٍ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ مُنْفَرِدًا فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ.
(وَاللَّحْمُ) إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ نَظِيرَ مَا مَرَّ (عَلَى) مُذَكَّى (نَعَمٍ) وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ) لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهَا حَقِيقَةً،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُشْوَى؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ الثَّانِي (قَوْلُهُ لَا بِبَعْضِهِ عَلَى الْأَصَحِّ) خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ) أَيْ كَامِلَةٍ، وَفِي أَثْنَاءِ عِبَارَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: فَإِنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ فَرْقٌ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْجِنْسِ، وَإِنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِثَلَاثٍ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ عَلِمَ أَنَّهَا تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً) عِبَارَةُ سم عَلَى مَنْهَجٍ: قَالَ م ر: إذَا اُعْتِيدَ فِي بَلَدٍ مَا بَيْعُهَا مُفْرَدَةً حَنِثَ الْحَالِفُ بِأَكْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا كَخُبْزِ الْأُرْزِ انْتَهَى وَقَضِيَّةُ الشَّارِحِ أَيْ مِنْ أَهْلِ إلَخْ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: أَوْ نَوْعًا مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِغَيْرِهِ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَخَرَجَ بِقَصْدِ نَوْعٍ مِنْهَا مَا لَوْ قَصَدَ غَيْرَهَا وَحْدَهُ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُهُ قُبِلَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّابِقِ أَنَّهُ يُقْبَلُ إرَادَةُ الْمَجَازِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَأَرَادَ دُخُولَهُ مَعَ الْحَقِيقَةِ (قَوْلُهُ: يُحْمَلُ عَلَى مُزَايَلٍ) أَيْ مُفَارِقٍ، وَقَوْلُهُ بَائِضِهِ: أَيْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَبَيْضِ الْحِدَأَةِ وَنَحْوِهَا (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: خَرَجَ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الْمَوْتَ لَا يَنْجُسُ بِهِ الْبَيْضُ الْمُتَصَلِّبُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّاطِفِ) هُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَلَاوَةِ يُعْقَدُ بِبَيَاضِ الْبَيْضِ انْتَهَى حَجّ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْمَنْفُوشِ (قَوْلُهُ: وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) وَلَوْ قَالَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الْبَيْضَ لَمْ يَبَرَّ جَعَلَهُ فِي نَاطِفٍ انْتَهَى حَجّ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْبَيْضِ مَا لَوْ قَالَ لَيَأْكُلَنَّ بَيْضًا لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْمِ كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُ حِنْطَةً حَيْثُ لَا يَحْنَثْ بِدَقِيقِهَا وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ نَوَى شَيْئًا عَمِلَ بِهِ) وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهَا حَقِيقَةً) أَيْ فَيَحْنَثُ بِالْأَكْلِ مِنْهَا، وَهَلْ يَحْنَثُ بِذَلِكَ وَإِنْ اُضْطُرَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ إلَخْ) هَذَا وَاجِبُ الْإِصْلَاحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ وَالِدُ الشَّارِحِ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى شَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ قَاسِمٍ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ أَنَّ الرُّءُوسَ إذَا بِيعَتْ فِي بَلَدٍ حَنِثَ بِأَكْلِهَا الْحَالِفُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ خَاصَّةً وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ الْعُرْفَ إذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعٍ عَمَّ وَهَذَا مُحَصِّلُ مَا كَتَبَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى التُّحْفَةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا هُنَا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّاطِفِ) هُوَ حَلَاوَةٌ تُعْقَدُ بِبَيَاضِ الْبَيْضِ، (قَوْلُهُ وَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) أَيْ وَيَبَرُّ
(8/197)
نَعَمْ يُتَّجَهُ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْحَالِفِ فِي حُرْمَةِ بَعْضِهَا فَلَا يَحْنَثُ بِهِ (لَا سَمَكٍ) وَجَرَادٍ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ لَحْمًا وَإِنْ كَانَ يَسُمَّاهُ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْقُرْآنِ كَمَا لَا يَحْنَثْ بِجُلُوسِهِ فِي الشَّمْسِ مَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسْ فِي سِرَاجٍ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ سِرَاجًا، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ بِسَاطًا، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَيْتَةٍ وَخِنْزِيرٍ وَذِئْبٍ، هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا حُمِلَ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي اللَّحْمِ بَيْنَ الْمَشْوِيِّ وَالْمَطْبُوخِ وَالنِّيءِ وَالْقَدِيدِ (وَ) لَا (شَحْمِ بَطْنٍ) وَعَيْنٍ لِمُخَالَفَتِهِمَا اللَّحْمَ اسْمًا وَصِفَةً (وَكَذَا كَرِشٌ وَكَبِدٌ وَطِحَالٌ وَقَلْبٌ) وَمُخٌّ وَأَمْعَاءٌ وَرِئَةٌ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ عَدَمِ صِدْقِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَيْهَا.
وَالثَّانِي الْحِنْثُ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ وَلَا يَحْنَثُ بِقَانِصَةِ الدَّجَاجَةِ قَطْعًا وَلَا بِجِلْدِ نَعَمٍ إنْ رَقَّ بِحَيْثُ يُؤْكَلُ اتَّجَهَ الْحِنْثُ بِهِ (وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ) أَيْ اللَّحْمِ (لَحْمُ رَأْسٍ وَلِسَانٍ) أَيْ وَلَحْمُ لِسَانٍ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ: أَيْ وَلَحْمًا هُوَ لِسَانٌ وَخَدٌّ وَأَكَارِعُ لِصِدْقِ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ مُطْلَقَ اللَّحْمِ لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى لَحْمِ الْبَدَنِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَبِالْإِضَافَةِ كَلَحْمِ رَأْسٍ وَنَحْوِهِ (وَشَحْمِ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ) وَهُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ أَحْمَرُ لِأَنَّهُ لَحْمٌ سَمِينٌ وَلِهَذَا يَحْمَرُّ عِنْدَ الْهُزَالِ وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ شَحْمٌ.
قَالَ تَعَالَى {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} [الأنعام: 146] فَسَمَّاهُ شَحْمًا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ شَحْمَ الظَّهْرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَحْمٌ بِخِلَافِ شَحْمِ الْعَيْنِ وَالْبَطْنِ يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ (وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا (لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا) لِاخْتِلَافِ الِاسْمِ وَالصِّفَةِ.
وَالثَّانِي هُمَا لَحْمَانِ لِقُرْبِهِمَا مِنْ اللَّحْمِ السَّمِينِ (وَالْأَلْيَةُ) مُبْتَدَأٌ إذْ لَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا (لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا) لِاخْتِلَافِهِمَا كَذَلِكَ (وَالدَّسَمُ) وَهُوَ الْوَدَكُ إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُهُ وَأَطْلَقَ (يَتَنَاوَلُهُمَا وَ) يَتَنَاوَلُ (شَحْمَ ظَهْرٍ) وَجَنْبٍ (وَبَطْنٍ) وَعَيْنٍ (وَكُلِّ دُهْنٍ) حَيَوَانِيٍّ: أَيْ مَأْكُولٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي اللَّحْمِ بِغَيْرِ مُذَكًّى لِصِدْقِ الِاسْمِ بِكُلِّ ذَلِكَ.
وَلَا يُشْكِلُ ذِكْرُ شَحْمِ الظَّهْرِ هُنَا بِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَحْمٌ وَاللَّحْمُ لَا يَدْخُلُ فِي الدَّسَمِ لِمَنْعِ هَذِهِ الْكُلْيَةِ بَلْ اللَّحْمُ الَّذِي فِيهِ دَسَمٌ يَدْخُلُ فِيهِ.
أَمَّا دُهْنُ نَحْوِ سِمْسِمٍ وَلَوْزٍ فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ خِلَافُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ دُهْنٍ مَأْكُولٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
إلَى ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ أَمْ لَا لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا عَلَى تَنَاوُلِ مَا يُنْقِذُهُ مِنْ الْهَلَاكِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُتَّجَهُ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْحَالِفِ) بِأَنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِنَا (قَوْلُهُ عَدَمُ حِنْثِهِ بِمَيْتَةٍ) أَيْ وَإِنْ اُضْطُرَّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُقْصَدُ بِالطَّبْخِ وَحْدَهَا فَتَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ وَلَيْسَتْ الْقَانِصَةُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ رَقَّ) أَيْ كَانَ رَقِيقًا فِي الْأَصْلِ كَجِلْدِ الْفِرَاخِ (قَوْلُهُ: فَسَمَّاهُ شَحْمًا) أَيْ حَيْثُ اسْتَثْنَاهُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْوَدَكُ) أَيْ الدُّهْنُ وَتَفْسِيرُ الدَّسَمِ بِالْوَدَكِ لَا يُنَاسِبُ مَا جَرَى عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي أَمَّا دُهْنُ نَحْوِ سِمْسِمٍ إلَخْ مِنْ شُمُولِ الدَّسَمِ لِدُهْنِ السِّمْسِمِ وَاللَّوْزِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى وَدَكًا إذْ هُوَ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ دَسَمُ اللَّحْمِ فَلَعَلَّ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بِالنَّظَرِ لِأَصْلِ اللُّغَةِ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ دُهْنٍ حَيَوَانِيٍّ) بَقِيَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دُهْنًا فَهَلْ هُوَ كَالدَّسَمِ أَوْ كَالشَّحْمِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ الدُّهْنَ بِلَا قَيْدٍ إلَّا عَلَى الشَّحْمِ
[فَرْعٌ] لَوْ أَكَلَ مَرَقَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى دُهْنٍ فَقِيَاسُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الدُّهْنُ مُتَمَيِّزًا فِي الْمَرَقِ حَنِثَ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَسَمًا وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: عَلَى مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَعَمِيرَةُ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْأَقْرَبَ خِلَافُهُ) مُعْتَمَدٌ، وَقَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ تَنَاوُلِهِ: أَيْ الدَّسَمِ اللَّبَنَ فِي ع خِلَافُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَخِنْزِيرٍ وَذِئْبٍ) هُمَا دَاخِلَانِ فِي الْمَيْتَةِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ عَدَمِ صِدْقِ اسْمِ اللَّحْمِ إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ لَا تَخْفَى
(8/198)
لَا دُهْنَ خِرْوَعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ تَنَاوُلِهِ اللَّبَنَ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَسَمًا فِي الْعُرْفِ (وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ) الْبَقَرَ الْعِرَابَ وَالْبَقَرَ الْوَحْشِيَّ، (جَامُوسًا) لِصِدْقِ اسْمِ الْبَقَرِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَنَاوُلِ الْإِنْسِيِّ لِلْوَحْشِيِّ هُنَا دُونَ الرِّبَا بِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ التَّنَاوُلِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ اخْتِلَافُ أَصْلٍ أَوْ اسْمٍ بِخِلَافِهِ ثُمَّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْبَابَيْنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ عَدَمُ تَنَاوُلِ الضَّأْنِ لِلْمَعْزِ وَعَكْسُهُ هُنَا وَإِنْ اتَّحَدَا جِنْسًا، ثُمَّ لِأَنَّ اسْمَ أَحَدِهِمَا لَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ لُغَةً وَلَا عُرْفًا وَإِنْ شَمَلَهُمَا اسْمُ الْغَنَمِ الْمُقْتَضِي لِاتِّحَادِ جِنْسَيْهِمَا، وَأَمَّا الزَّفَرُ فِي عُرْفِ الْعَوَامّ فَيَشْمَلُ كُلَّ لَحْمٍ وَدُهْنٍ حَيَوَانِيٍّ وَبَيْضٍ وَلَوْ مِنْ سَمَكٍ فَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَيْتَةٌ سَمَكًا وَلَا جَرَادًا وَلَا دَمٌ كَبِدًا وَلَا طِحَالًا
(وَلَوْ) (قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (حَنِثَ بِأَكْلِهَا) عَلَى هَيْئَتِهَا (وَبِطَحْنِهَا وَخُبْزِهَا) تَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ وَلَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ فُتَاتٌ فِي الرَّحَى وَإِنَاءِ الْعَجْنِ يَدُقُّ مَدْرِكُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي أَكْلِ نَحْوِ هَذَا الرَّغِيفِ (وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الْحِنْطَةَ) مُصَرِّحًا بِالِاسْمِ مَعَ الْإِشَارَةِ (حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً) إنْ بَقِيَتْ حَبَّاتُهَا (وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً) لِوُجُودِ الِاسْمِ كَلَا آكُلُ هَذَا اللَّحْمَ فَجَعَلَهُ شِوَاءً إلَّا إذَا هُرِسَتْ أَوْ عُصِدَتْ (لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا) لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ، فَإِنْ قَالَ لَا آكُلُ حِنْطَةً لَمْ يَحْنَثْ بِالْأَرْبَعَةِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا فَصَارَ فَرْخًا وَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ (وَلَا يَتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا) وَلَا بَلَحًا وَلَا طَلْعًا (وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا) وَلَا حِصْرِمًا (وَكَذَا الْعُكُوسُ) لِاخْتِلَافِهَا اسْمًا وَصِفَةً وَأَوَّلُ التَّمْرِ طَلْعٌ ثُمَّ خَلَالٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا وَلَا بُسْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَعِبَارَتُهُ: وَكَذَا يُتَنَاوَلُ: أَيْ الدَّسَمُ اللَّبَنَ بِلَا رَيْبٍ (قَوْلُهُ: وَجَامُوسًا) أَيْ لَا عَكْسَهُ (قَوْلُهُ: لِصِدْقِ اسْمِ الْبَقَرِ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ الْحِنْثُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إوَزًّا وَأَكَلَ مِنْ الْإِوَزِّ الْعِرَاقِيِّ الْمَعْرُوفِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَنَاوُلِ الْإِنْسِيِّ لِلْوَحْشِيِّ) الْإِنْسِيِّ لَا يَتَنَاوَلُ الْوَحْشِيَّ لَا هُنَا وَلَا فِي غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَحَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ تَنَاوُلِ اسْمِ الْبَقَرِ مَثَلًا لِلْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ جَمِيعًا فَتَأَمَّلْهُ انْتَهَى سم عَلَى حَجّ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسِيَّ مُسَمًّى بِالْعِرَابِ أَوْ الْجَوَامِيسِ بِخِلَافِ الْبَقَرِ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ.
[فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الزَّرْعَةِ مُشِيرًا إلَى غَيْطٍ مِنْ الْقَمْحِ مَعْلُومٍ وَامْتَنَعَ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهَا ثُمَّ إنَّهُ نَقَّى أَرْضَهُ فِي عَامٍ آخَرَ مِنْ قَمْحِ تِلْكَ الزَّرْعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَكَلَ مِنْهُ فَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحِنْثِ لِزَوَالِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ السَّابِقُ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي كُمِّهِ وَقَدْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْبَيْضَ.
[فَائِدَةٌ أُخْرَى] لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَبِيخًا فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِمَا فِيهِ وَدَكٌ أَوْ زَيْتٌ أَوْ سَمْنٌ انْتَهَى مَتْنُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اتَّحَدَا جِنْسًا ثُمَّ) أَيْ فَيَشْمَلُهُمَا الْغَنَمُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْغَنَمَ لَا تَشْمَلُ الظِّبَاءَ لِأَنَّهَا إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا شَاةُ الْبَرِّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الزَّفَرُ فِي عُرْفِ الْعَوَامّ) أَيْ: وَلَوْ كَانَ الْحَالِفُ غَيْرَ عَامِّيٍّ إذْ لَيْسَ لَهُ عُرْفٌ خَاصٌّ
(قَوْلُهُ: فُتَاتٌ فِي الرَّحَى) خَرَجَ بِهِ مَا يَبْقَى مِنْ الدَّقِيقِ حَوْلَ الرَّحَى (قَوْلُهُ: وَسَوِيقُهَا) عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنَّ السَّوِيقَ غَيْرُ الدَّقِيقِ لِأَنَّ الطَّحِينَ بِمَعْنَى الْمَطْحُونِ (قَوْلُهُ: وَلَا بُسْرًا) أَيْ أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَنَاوُلِ الْإِنْسِيِّ لِلْوَحْشِيِّ هُنَا) حَقُّ التَّعْبِيرِ كَمَا قَالَهُ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَنَاوُلِ اسْمِ الْبَقَرِ أَيْضًا مَثَلًا لِلْإِنْسِيِّ وَالْوَحْشِيِّ جَمِيعًا (قَوْلُهُ: أَخْذًا مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ فُتَاتٌ فِي الرَّحَى إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ مِنْ النُّخَالَةِ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ: وَسَوِيقُهَا) هُوَ دَقِيقُهَا بَعْدَ قَلْيِهَا بِالنَّارِ
(8/199)
حَنِثَ بِالْمُنَصَّفَةِ أَوْ رُطَبَةً أَوْ بُسْرَةً لَمْ يَحْنَثْ بِمُنَصَّفَةٍ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى رُطَبَةً وَلَا بُسْرَةً (وَلَوْ) (قَالَ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ) بَالِغًا أَوْ شَابًّا أَوْ (شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ الِاسْمِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ، وَكَذَا لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَعَتَقَ أَوْ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ فَصَارَتْ كَبْشًا أَوْ هَذَا الْبُسْرَ فَصَارَ رُطَبًا، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِأَنَّ الصُّورَةَ لَمْ تَتَغَيَّرْ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ الصِّفَةُ (وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ) أَيْ كُلَّ مَا يُخْبَزُ (كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأُرْزٍ وَبَاقِلَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَعَ الْقَصْرِ عَلَى الْأَشْهَرِ (وَذُرَةٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَهَاؤُهَا عِوَضٌ عَنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ (وَحِمَّصٍ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ وَسَائِرِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْحُبُوبِ وَإِنْ لَمْ تُعْهَدْ بِبَلَدِهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلِّ ثَوْبٍ وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ بِبَلَدِهِ وَكَانَ سَبَبُ عَدَمِ نَظَرِهِمْ لِلْعُرْفِ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ الرُّءُوسِ وَالْبَيْضِ أَنَّهُ هُنَا لَمْ يَطَّرِدْ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فَحَكَمَتْ فِيهِ اللُّغَةُ بِخِلَافِ ذَيْنِكَ، وَشَمَلَ مَا ذُكِرَ الْبُقْسُمَاطَ وَالرِّقَاقَ دُونَ الْبَسِيسِ، نَعَمْ إنْ خُبِزَ ثُمَّ بُسَّ حَنِثَ بِهِ (فَلَوْ ثَرَدَهُ) بِالْمُثَلَّثَةِ (فَأَكَلَهُ حَنِثَ) لِصِدْقِ الِاسْمِ، نَعَمْ لَوْ صَارَ فِي الْمَرَقَةِ كَالْحَسْوِ فَتَحَسَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ الْيَابِسَ ثُمَّ سَفَّهُ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ لِأَنَّهُ اسْتَجَدَّ اسْمًا آخَرَ فَلَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا
(وَلَوْ) (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: حَنِثَ بِالْمُنَصَّفَةِ) قَدْ يُشْكِلُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُءُوسًا وَأَكَلَ بَعْضَ رَأْسٍ لَمْ يَحْنَثْ، قَالَ سم عَلَى حَجّ مَا حَاصِلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ أَجْزَاءَ الرُّطَبَةِ مُتَسَاوِيَةٌ فَحَصَلَ الْجِنْسُ فِي ضِمْنِ الْبَعْضِ وَلَا كَذَلِكَ الرَّأْسُ
(فَائِدَةٌ) قَضِيَّةُ قَوْلِ الْقَامُوسِ الْقِمَعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَكَعِنَبٍ: مَا الْتَزَقَ بِأَسْفَلِ التَّمْرَةِ وَالْبُسْرَةِ وَنَحْوِهِمَا أَنَّ رَأْسَ التَّمْرَةِ مَا لَا يَلِي قِمَعَهَا، وَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلًا كَمَا يَخْرُجُ رَأْسُ الْحَيَوَانِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ أَوَّلًا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا آكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ) هَذِهِ قَدْ مَرَّتْ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمَ هَذِهِ السَّخْلَةِ فَكَبُرَتْ إلَخْ اهـ وَالسَّخْلَةُ تُقَالُ لِوَلَدِ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ سَاعَةَ وَضْعِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَجَمْعُهُ سَخْلٌ بِوَزْنِ فَلْسٍ وَسِخَالٌ بِالْكَسْرِ اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَالْخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْتَتْ اخْتِيَارًا فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَشْهَرِ) وَمُقَابِلُهُ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ مَعَ الْمَدِّ، قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: الْبَاقِلَّا إذَا شُدِّدَتْ قُصِرَتْ وَإِذَا خُفِّفَتْ مُدَّتْ الْوَاحِدَةُ بَاقِلَّاةٌ أَوْ بَاقِلَّاءَةٌ (قَوْلُهُ: عِوَضٌ عَنْ وَاوٍ أَوْ يَاءٍ) أَيْ لِأَنَّ أَصْلَهَا إمَّا ذُرَى أَوْ ذَرْوٍ فَأُبْدِلَتْ الْيَاءُ أَوْ الْوَاوُ هَاءً (قَوْلُهُ: وَشَمَلَ مَا ذُكِرَ الْبُقْسُمَاطَ) عِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ: وَبَحَثَ بَعْضُهُمْ الْحِنْثَ بِالرِّقَاقِ وَالْبُقْسُمَاطِ وَالْبَسِيسِ اهـ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ عَلَى مَا خُبِزَ ثُمَّ بُسَّ وَمَا فِي الشَّارِحِ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: دُونَ الْبَسِيسِ) وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالْعَجَمِيَّةِ وَكَذَا مَا جُفِّفَ بِالشَّمْسِ وَلَمْ يُخْبَزْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ صَارَ فِي الْمَرَقَةِ كَالْحَسْوِ) الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ أَجْزَاؤُهُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ بِحَيْثُ صَارَ كَالْمُسَمَّى بِالْعَصِيدَةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُتَنَاوَلُ بِالْأُصْبُعِ أَوْ الْمِلْعَقَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ صُورَةُ الْفَتِيتِ لُقَمًا يَتَمَيَّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ فِي التَّنَاوُلِ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا) أَيْ أَوْ دَقِيقًا وَالسَّوِيقُ اسْمُ الدَّقِيقِ لِحِنْطَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ بِبَلَدِهِ) بَحَثَ ابْنُ قَاسِمٍ عَدَمَ الْحِنْثِ إذَا أَكَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْخُبْزَ لَا يَتَنَاوَلُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ وَشَمَلَ مَا ذَكَرَ الْبُقْسُمَاطَ وَالرُّقَاقَ) وَكَذَا الْكُنَافَةُ وَالْقَطَائِفُ الْمَعْرُوفَةُ، وَأَمَّا السَّنْبُوسَكُ فَإِنْ خُبِزَ فَهُوَ خُبْزٌ وَإِنْ قُلِيَ فَلَا، وَإِنْ كَانَ رُقَاقُهُ مَخْبُوزًا لِأَنَّهُ وُجِدَ لَهُ اسْمٌ آخَرُ، وَكَذَا الرَّغِيفُ الْأَسْيُوطِيُّ لِأَنَّهُ يُقْلَى وَإِنْ كَانَ رُقَاقُهُ مَخْبُوزًا أَوَّلًا لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَغِيفًا بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ، كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ الشَّارِحِ، وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ مَا اسْتَمَرَّ عَلَى اسْمِهِ عِنْدَ الْخَبْزِ يَحْنَثُ بِهِ وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ اسْمٌ غَيْرُ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْخَبْزِ لَا يَحْنَثُ بِهِ، كَالسَّنْبُوسَكِ الْمَخْبُوزِ رُقَاقُهُ كَانَ عِنْدَ الْخَبْزِ يُسَمَّى رُقَاقًا فَلَمَّا قُلِيَ صَارَ يُسَمَّى سَنْبُوسَكًا، بِخِلَافِ السَّنْبُوسَكِ الْمَخْبُوزِ عَلَى هَيْئَتِهِ كَذَا فَهِمْته مِنْ تَعَالِيلِهِمْ وَأَمْثِلَتِهِمْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إنْ خُبِزَ ثُمَّ بُسَّ حَنِثَ بِهِ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ دَقَّ الْخُبْزَ وَسَفَّهُ الْآتِي عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ.
(8/200)
فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِأُصْبُعٍ) مَبْلُولَةٍ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى أُصْبُعٍ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ أَكْلًا إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْمُخْتَلِفَةَ الْأَجْنَاسِ كَالْأَعْيَانِ لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَالْأَكْلُ لَيْسَ شُرْبًا وَعَكْسُهُ (وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْأَكْلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا أَطْعَمُ تَنَاوَلَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ جَمِيعًا أَوْ لَا يَذُوقَ شَيْئًا فَأَدْرَكَ طَعْمَهُ بِوَضْعِهِ فِي فِيهِ أَوْ مَضَغَهُ ثُمًّ مَجَّهُ وَلَمْ يَنْزِلْ إلَى حَلْقِهِ حَنِثَ، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَذُوقُ فَأَوْجَرَ فِي حَلْقِهِ حَتَّى وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ لَمْ يَحْنَثْ، أَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ انْصَرَفَ إلَى الْأَكْلِ وَالْوِقَاعِ وَنَحْوِهِمَا لَا بِرِدَّةٍ وَجُنُونٍ وَحَيْضٍ وَدُخُولِ لَيْلٍ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ لَبَنًا) حَنِثَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَلَوْ صَيْدًا حَتَّى نَحْوَ الزُّبْدِ إنْ ظَهَرَ فِيهِ لَا نَحْوَ جُبْنٍ وَأَقِطٍ وَمَصْلٍ (أَوْ مَائِعًا آخَرَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ يُؤْكَلُ (أَوْ شَرِبَهُ فَلَا) لِعَدَمِ الْأَكْلِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ) فَيَحْنَثُ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ نَحْوَ عِنَبٍ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ عَصِيرِهِ وَلَا بِمَصِّهِ وَرَمْيِ ثُفْلِهِ أَوْ لَا يَشْرَبُ خَمْرًا لَمْ يَحْنَثْ بِالنَّبِيذِ كَعَكْسِهِ (أَوْ) حَلَفَ (لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا) كَانَ (أَوْ ذَائِبًا) (حَنِثَ) لِإِتْيَانِهِ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَزِيَادَةٍ وَبِهِ يُفَارِقُ عَدَمُ حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فَأَكَلَ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ وَعَمْرٌو لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ مِمَّا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ خَاصَّةً (وَإِنْ شَرِبَ ذَائِبًا فَلَا) يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْهُ (وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً) أَيْ مَرْئِيَّةً مُتَمَيِّزَةً فِي الْحِسِّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ لِوُجُودِ اسْمِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُتَمَيِّزَةً كَذَلِكَ.
(وَيَدْخُلُ فِي) (فَاكِهَةٍ) حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ وَأُتْرُجٌّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَالِثِهِ مَعَ تَشْدِيدِ الْجِيمِ وَيُقَالُ أُتْرُنْجٌ وَتُرُنْجٌ وَتِينٌ وَمِشْمِشٌ (وَرُطَبٌ وَيَابِسٌ) مِنْ كُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ سَوَاءٌ اسْتَجَدَّ لَهُ اسْمٌ كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ أَمْ لَا كَتِينٍ لِصِدْقِ اسْمِهَا عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مَا يُتَفَكَّهُ: أَيْ يُتَنَعَّمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا أَطْعَمُ) أَيْ لَا أَتَنَاوَلُ (قَوْلُهُ: تَنَاوَلَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ جَمِيعًا) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ قَالَ لَا أَتَنَاوَلُ طَعَامًا بِخِلَافِ لَا آكُلُ طَعَامًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ إذْ لَا يُسَمَّى أَكْلًا كَمَا يَأْتِي فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّبَنَ ثُمَّ مَا ذُكِرَ قَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الطَّعَامِ أَنْ يُسَمَّاهُ فِي عُرْفِ الْحَالِفِ فَيَحْنَثُ بِنَحْوِ الْخُبْزِ وَالْجُبْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُسَمَّى فِي الْعُرْفِ طَعَامًا، وَقِيَاسُ جَعْلِ الْأَيْمَانِ مَبْنِيَّةً عَلَى الْعُرْفِ عَدَمُ الْحِنْثِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الطَّعَامَ عِنْدَهُمْ مَخْصُوصٌ بِالْمَطْبُوخِ [فَائِدَةٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت بِاللَّبَنِ مَا يَشْمَلُ السَّمْنَ وَالْجُبْنَ وَنَحْوَهُمَا هَلْ يَحْنَثُ كُلُّ ذَلِكَ أَمْ لَا يَحْنَثُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ لِعَدَمِ شُمُولِ السَّمْنِ لَهُ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحِنْثُ لِأَنَّ السَّمْنَ وَالْجُبْنَ وَنَحْوَهُمَا تُتَّخَذُ مِنْ اللَّبَنِ فَهُوَ أَصْلٌ لَهَا فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ مَجَازًا وَحَيْثُ أَرَادَهُ حَنِثَ بِهِ (قَوْلُهُ مِنْ مَأْكُولٍ) أَيْ مِنْ لَبَنٍ مَأْكُولٍ أَيْ لَبَنٍ يَحِلُّ أَكْلُهُ لِيَشْمَلَ لَبَنَ الظِّبَاءِ وَالْأَرْنَبِ وَبِنْتِ عُرْسٍ وَلَبَنِ الْآدَمِيَّاتِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَأْكُولٌ، وَهَذَا إنْ جُعِلَ قَوْلُهُ مِنْ مَأْكُولٍ صِفَةً لِلَّبَنِ الْمُقَدَّرِ، فَإِنْ جُعِلَ صِفَةً لِلْحَيَوَانِ خَرَجَ لَبَنُ الْآدَمِيَّاتِ وَدَخَلَ لَبَنُ مَا عَدَاهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ، وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصُّورَةَ النَّادِرَةَ تَدْخُلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الْمُتَعَارَفِ عِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّبَنَ الْمَأْكُولَ هُوَ لَبَنُ الْأَنْعَامِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْخُبْزَ يَشْمَلُ كُلَّ مَخْبُوزٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَارَفُوا مِنْهُ إلَّا نَحْوَ الْبُرِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ نَحْوَ عِنَبٍ) أَيْ وَأَطْلَقَ مِنْهُ الرُّمَّانَ وَالْقَصَبَ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ بِالنَّبِيذِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: إذْ الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَفْعَالَ إلَخْ) الصَّوَابُ ذِكْرُ هَذَا عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ) هَذَا الصَّنِيعُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ إلَخْ لَا يَجْرِي فِي اللَّبَنِ الَّذِي هُوَ صَرِيحُ الْمَتْنِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَكَانَ الْأَوْلَى خِلَافَ هَذَا الصَّنِيعِ.
(8/201)
بِأَكْلِهِ مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ، وَعَطْفُ الرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ لَا يَقْتَضِي خُرُوجَهُمَا عَنْهَا لِأَنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَزَعْمُ أَنَّهُ يَقْتَضِيهِ خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْوَاحِدِيُّ وَالْأَوْجَهُ دُخُولُ مَوْزِ رُطَبٍ فِيهَا لَا يَابِسٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ رُطَبٌ وَعِنَبٌ أَنَّهُ لَا حِنْثَ بِمَا لَمْ يَنْضَجْ وَيَطِبْ فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّتِمَّةِ بِعَدَمِ دُخُولِ بَلَحٍ وَحِصْرِمٍ فِيهَا، نَعَمْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْرِ مَا حَلَى مِنْ نَحْوِ بُسْرٍ وَمُتَرَطِّبٍ بَعْضُهُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (قُلْت: وَلَيْمُونٍ وَنَبْقٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَوْ كَسْرٍ وَنَارِنْجٍ وَلَيْمُونٍ طَرِيَّيْنِ كَمَا قَيَّدَهُ الْفَارِقِيُّ لِيَخْرُجَ الْمُمَلَّحُ وَالْيَابِسُ وَمَا قِيلَ إنَّ صَوَابَهُ لَيْمُو بِلَا نُونٍ غَلَطٌ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَكَذَا بِطِّيخٌ) هِنْدِيٌّ أَوْ أَصْفَرُ (وَلُبُّ فُسْتُقٍ) بِضَمِّ ثَالِثِهِ وَفَتْحِهِ (وَبُنْدُقٍ وَغَيْرِهِمَا) كَجَوْزٍ وَلَوْزٍ (فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا الْبِطِّيخُ فَلِأَنَّ لَهُ نُضْجًا وَإِدْرَاكًا كَالْفَوَاكِهِ وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِعَدِّهَا مِنْ يَابِسِ الْفَاكِهَةِ وَالثَّانِي الْمَنْعُ إلْحَاقًا لِلْبِطِّيخِ بِالْخِيَارِ (لَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (وَجَزَرٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ لَا مِنْ الْفَوَاكِهِ (وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ) بِالْمُثَلَّثَةِ (يَابِسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِلرُّطَبِ وَلَا يُنَافِيهِ دُخُولُ الْيَابِسِ فِيهَا وَخُرُوجُ هَذَا مِنْهُ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ (وَلَوْ أُطْلِقَ) فِي الْحَلِفِ (بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ) بِالْمُثَنَّاةِ (وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ) فِي الْجَمِيعِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصُّورَةِ وَالطَّعْمِ وَالْهِنْدِيُّ مِنْ الْبِطِّيخِ هُوَ الْأَخْضَرُ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ دُخُولِهِ بِأَنَّ الْعُرْفَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي هَذِهِ الدِّيَارِ لَا يُطْلَقُ الْبِطِّيخُ إلَّا عَلَيْهِ وَمَا سِوَاهُ يُذْكَرُ مُقَيَّدًا، وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ الْحِنْثُ بِهِ.
وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الطَّارِئِ كَالْعُرْفِ الْخَاصِّ مَمْنُوعَةٌ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْخِيَارُ خِيَارَ الشَّنْبَرِ (وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأَدَمًا وَحَلْوَى) لِوُقُوعِهِ عَلَى الْجَمِيعِ لَا الدَّوَاءِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ عُرْفًا وَالْحُلْوُ لَا يَتَنَاوَلُ مَا بِجِنْسِهِ حَامِضٌ كَعِنَبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالْخَمْرُ مَا اُتُّخِذَ مِنْ الْعِنَبِ خَاصَّةً
(قَوْلُهُ: مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ) أَيْ مَا لَا يُسَمَّى قُوتًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يُنَافِي جَعْلَهُمْ التَّمْرَ وَنَحْوَهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الْمُقْتَاتِ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهَا: أَيْ الْفَاكِهَةِ، وَقَوْلُهُ لَا يَابِسٍ: أَيْ الَّذِي لَمْ يَنْضَجْ (قَوْلُهُ: وَكَذَا بِطِّيخٌ هِنْدِيٌّ) أَيْ أَخْضَرُ (قَوْلُهُ: هُوَ الْأَخْضَرُ) أَيْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ جَبَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَحْمَرَ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ خَالِيًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَقَوْلُهُ فَالْأَوْجَهُ الْحِنْثُ بِهِ أَيْ الْأَخْضَرِ (قَوْلُهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الطَّارِئِ) مِنْهُ يُؤْخَذُ الْحِنْثُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ فُلَانٍ فَدَخَلَ دِهْلِيزَهُ فَإِنَّ عُرْفَ مِصْرَ إطْلَاقُ الْبَيْتِ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ سِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَ أَمِينِ الْحَاجِّ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ عُرْفًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِدُخُولِهِ لَا مَحَلُّ الْبَيْتُوتَةِ بِخُصُوصِهِ فَتَنَبَّهْ لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِدِهْلِيزِهَا وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِحَسْبِ الْوَضْعِ (قَوْلُهُ: لَا الدَّوَاءُ كَمَا مَرَّ) وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْمَاءَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهِ عُرْفًا لَكِنْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ لَا أَطْعَمُ تَنَاوَلَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ جَمِيعًا أَيْ وَالْمَاءَ مِمَّا يُشْرَبُ وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ قَوْلَهُ لَا أَتَنَاوَلُ طَعَامًا قَوْلُهُ لَا أَطْعَمُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا يَتَنَاوَلُ مَا بِجِنْسِهِ حَامِضٌ) أَيْ مَا فِي جِنْسِهِ حُمُوضَةٌ مُمْتَزِجَةٌ بِالْحَلَاوَةِ بِأَنْ يَكُونَ طَعْمُهُ فِيهِ حُمُوضَةٌ وَحَلَاوَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَيْمُونٌ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُنَافِيهِ دُخُولُ الْيَابِسِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَاسْتُشْكِلَ خُرُوجُ الْيَابِسِ مِنْ هَذَا وَدُخُولُهُ فِي الْفَاكِهَةِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ (قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ الْحِنْثُ بِهِ) أَيْ وَعَدَمُ الْحِنْثِ بِغَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِ الشَّارِحِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَعُمُّ الْحِنْثُ بِالْأَخْضَرِ غَيْرَ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ عَلَى قِيَاسِ مَا قِيلَ فِي خُبْزِ الْأُرْزِ وَفِي الرُّءُوسِ؟ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَقَضِيَّةُ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْعُرْفَ إذَا وُجِدَ فِي بَلَدٍ عَمَّ الْعُمُومُ هُنَا وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً إلَخْ) تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِ فِي قُوتِهِ فَلْيُرَاجَعْ
(8/202)
وَإِجَّاصٍ وَرُمَّانٍ، وَالْحَلْوَى تَخْتَصُّ بِالْمَعْمُولَةِ مِنْ حُلْوٍ (وَلَوْ) (قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ) (تَنَاوَلَ لَحْمَهَا) لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ (دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ) فَلَا يَتَنَاوَلُهُمَا، بِخِلَافِ مَا سِوَاهُمَا مِمَّا مَرَّ فِي اللَّحْمِ إذْ الْأَكْلُ مِنْهَا يَشْمَلُ جَمِيعَ مَا هُوَ مِنْ أَجْزَائِهَا الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي تُؤْكَلُ (أَوْ) لَا يَأْكُلُ (مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) مِنْهَا مَأْكُولٌ هُوَ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ (دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ) حَمْلًا عَلَى الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ عُرْفًا وَيَلْحَقُ بِهِ الْجُمَّارُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ النِّيلِ أَوْ مِنْ مَاءِ النِّيلِ حَنِثَ بِالشُّرْبِ مِنْهُ بِيَدِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ فِي إنَاءٍ أَوْ كَرَعَ مِنْهُ، أَوْ لَا أَشْرَبُ مَاءَ النِّيلِ أَوْ مَاءَ هَذَا النَّهْرِ أَوْ الْغَدِيرِ لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِ بَعْضِهِ
(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ لِيُقَاسَ بِهَا غَيْرُهَا لَوْ (حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ الثَّمَرَةَ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً) أَوْ بَعْضَهَا وَشَكَّ هَلْ هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ وَالْوَرَعُ أَنْ يُكَفِّرَ.
فَإِنْ أَكَلَ الْكُلَّ حَنِثَ لَكِنْ مِنْ آخِرِ جُزْءٍ أَكَلَهُ فَيَعْتَدُّ فِي حَلِفِهِ بِطَلَاقٍ مِنْ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ (أَوْ) حَلَفَ (لَيَأْكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ) بِتَمْرٍ وَانْبَهَمَتْ (لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَإِنْ قَلَّتْ الْحُمُوضَةُ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَلْوَى تَخْتَصُّ بِالْمَعْمُولَةِ مِنْ حُلْوٍ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُسَمَّى بِسَبَبِهِ حَلْوَى بِأَنْ عُقِدَتْ عَلَى النَّارِ أَمَّا النَّشَاءُ الْمَطْبُوخُ بِالْعَسَلِ فَلَا يُسَمَّى عُرْفًا حَلْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا بَلْ وَلَا بِالْعَسَلِ وَحْدَهُ إذَا طُبِخَ عَلَى النَّارِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْحَلْوَى مِنْ تَرَكُّبِهَا مِنْ جِنْسَيْنِ فَأَكْثَرَ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ) التَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ فَتَشْمَلُ الثَّوْرَ (قَوْلُهُ: دُونَ وَلَدٍ) قِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الدَّجَاجَةِ مَثَلًا لَمْ يَحْنَثْ بِبَيْضِهَا وَلَا بِمَا تُفَرِّخَ مِنْهُ، وَبَقِيَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ دَجَاجَةً هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ الدِّيكَ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ لِأَنَّ التَّاءَ فِي الدَّجَاجَةِ لِلْوَحْدَةِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: وَلَبَنٍ) أَيْ وَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَيَلْحَقُ بِهِ) أَيْ التَّمْرِ، وَفِي نُسْخَةٍ: وَيَلْحَقُ بِالثِّمَارِ الْجُمَّارُ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ مِنْ مَاءِ النِّيلِ) وَالْمُرَادُ بِمَاءِ النِّيلِ الْحَاصِلُ فِي أَيَّامِ الزِّيَادَةِ فِي زَمَنِهَا دُونَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: حَنِثَ بِالشُّرْبِ مِنْهُ) وَإِنَّمَا حَنِثَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكُرْعِ بِالضَّمِّ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ لِتَكَافُؤِ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: أَمَّا إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ الْحَقِيقَةُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا مَعَ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ إذْ الْحَقِيقَةُ الْكُرْعُ بِالضَّمِّ وَكَثِيرٌ يَفْعَلُونَهُ، وَالْمَجَازُ الْمَشْهُورُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ أَوْ الْإِنَاءِ فَيَحْنَثُ بِالْكُلِّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَكَافَآ، إذْ فِي كُلِّ قُوَّةٌ لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ اسْتَوَيَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا إذْ لَا مُرَجِّحَ اهـ.
(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ (قَوْلُهُ: وَالْوَرَعُ أَنْ يُكَفِّرَ) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالْجَمِيعِ) أَيْ فَإِنْ أَحَالَتْ الْعَادَةُ أَكْلَهُ تَعَذَّرَ الْبِرُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ حَلَفَ عَالِمًا بِإِحَالَةِ الْعَادَةِ لَهُ كَأَنْ انْصَبَّ الْكُوزُ فِي بَحْرٍ وَحَلَفَ لَيَشْرَبَن مَا انْصَبَّ مِنْ الْكُوزِ فِي الْبَحْرِ حَنِثَ حَالًا لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مُسْتَحِيلٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَصْعَدَن السَّمَاءَ وَإِنْ طُرِدَ تَعَذُّرُهُ كَأَنْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُ الْمَتْنِ أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: بَقِيَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَأْكُولٌ مِنْ ثَمَرٍ وَغَيْرِهِ هَلْ تُحْمَلُ الْيَمِينُ عَلَى غَيْرِ الْمَأْكُولِ بِقَرِينَةِ عَدَمِ الْمَأْكُولِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ لِيُقَاسَ بِهَا غَيْرُهَا]
(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ) أَيْ وَعَدَمُ نَحْوِ الطَّلَاقِ
(8/203)
أَيْ أَكْلِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَتْرُوكَةِ هِيَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا فَاشْتُرِطَ تَيَقُّنُ أَكْلِهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اخْتَلَطَتْ بِجَانِبٍ مِنْ الصُّبْرَةِ أَوْ مِمَّا هُوَ بِلَوْنِهَا وَغَيْرِهِ وَقَدْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُهَا لَمْ يَحْنَثْ لَا بِأَكْلِهِ مِمَّا فِي جَانِبِ الِاخْتِلَاطِ وَمَا هُوَ بِلَوْنِهَا فَقَطْ (أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا) أَيْ أَكْلِهِ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْكُلِّ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لَا آكُلُهَا فَتَرَكَ حَبَّةً لَمْ يَحْنَثْ، وَمَرَّ فِي فُتَاتِ خُبْزٍ يَدِقُّ مَدْرَكُهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَيَحْتَمِلُ مَجِيءُ مِثْلِهِ فِي حَبَّةِ رُمَّانَةٍ يَدِقُّ مَدْرَكُهَا وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَبَّةِ أَنَّهُ لَا يَدُقُّ إدْرَاكُهَا بِخِلَافِ فُتَاتِ الْخُبْزِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْجَهُ فِي بَعْضِ الْحَبَّةِ التَّفْصِيلُ كَفُتَاتِ الْخُبْزِ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَسَلَّ مِنْهُ خَيْطًا لَمْ يَحْنَثْ، وَفَارَقَ لَا أُسَاكِنُك فِي هَذِهِ الدَّارِ فَانْهَدَمَ بَعْضُهَا وَسَاكَنَهُ فِي الْبَاقِي بِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى صِدْقِ الْمُسَاكَنَةِ وَلَوْ فِي جُزْءٍ مِنْ الدَّارِ وَثَمَّ عَلَى لُبْسِ الْجَمِيعِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَلَوْ حَلَفَ لَا أَرْكَبُ هَذَا الْحِمَارَ أَوْ السَّفِينَةَ فَقُطِعَ مِنْهُ جُزْءٌ وَقُلِعَ مِنْهَا لَوْحٌ مَثَلًا ثُمَّ رَكِبَ ذَلِكَ حَنِثَ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا فَقُطِعَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ فَكَذَلِكَ إذْ الْقَصْدُ هُنَا النَّفْسُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مَا بَقِيَ الْمُسَمَّى، وَلَا كَذَلِكَ اللُّبْسُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى مُلَابَسَةِ الْبَدَنِ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَسَلَّ مِنْهُ خَيْطًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا مَرَّ (أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ) لِوُجُودِ لُبْسِهِمَا (أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا) لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ حَتَّى لَوْ حَنِثَ فِي أَحَدِهِمَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ وُجِدَ وَجَبَتْ كَفَّارَةٌ أُخْرَى لِأَنَّ الْعَطْفَ مَعَ تَكَرُّرٍ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، فَإِنْ أَسْقَطَ لَا كَأَنْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا وَهَذَا، أَوْ لَآكُلَنَّ هَذَا وَهَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَاءَ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْدَ حَلِفِهِ، فَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ حَنِثَ حَالًا لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَإِنْ انْصَبَّ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ شُرْبِهِ قَبْلُ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا لِعُذْرِهِ (قَوْلُهُ: فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا) أَيْ وَإِنْ تَرَكَ الْقِشْرَ وَمَا فِيهِ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْحَبِّ الْمُسَمَّى بِالشَّحْمِ، وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذِهِ الْبِطِّيخَةَ بَرَّ بِأَكْلِ مَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ مِنْ لَحْمِهَا فَلَا يَضُرُّ تَرْكُ الْقِشْرِ وَاللُّبِّ، ثُمَّ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَكْلُ جَمِيعِ مَا يُمْكِنُ عَادَةً مِنْ لَحْمِهَا أَوْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ؟ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَتَرَكَ حَبَّةً) أَيْ أَوْ بَعْضَهَا مِمَّا يَدُقُّ مَدْرَكُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ يَدُقُّ مَدْرَكُهُ) أَيْ إدْرَاكُهُ بِحَيْثُ لَا يَسْهُلُ الْتِقَاطُهُ عَادَةً بِالْيَدِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ الْبَصَرُ (قَوْلُهُ: فَسَلَّ مِنْهُ خَيْطًا) أَيْ وَلَيْسَ مِمَّا خِيطَ بِهِ بَلْ مِنْ أَصْلِ مَنْسُوجِهِ وَمِثْلُ هَذَا الثَّوْبُ هَذَا الشَّاشُ أَوْ الرِّدَاءُ مَثَلًا فِيمَا يَظْهَرُ حَيْثُ قَالَ لَا أَلْبَسُهُ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا أَرْتَدِي بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ لَا أَتَعَمَّمُ بِهَذِهِ الْعِمَامَةِ أَوْ لَا أَلُفُّ هَذَا الشَّاشَ فَهَلْ هُوَ مِثْلُ اللُّبْسِ فَيَبَرُّ بِسَلِّ خَيْطٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلُ رُكُوبِ الدَّابَّةِ فَلَا يَبَرُّ، فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الِارْتِدَاءِ وَنَحْوِهِ فِي حُكْمِ اللُّبْسِ مِنْ مُلَامَسَتِهِ جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ، قَوْلَهُ فَسَلَّ مِنْهُ خَيْطًا: أَيْ قَدْرَ أُصْبُعٍ مَثَلًا طُولًا لَا عَرْضًا، ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الشَّاشِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا أَرْكَبُ هَذَا الْحِمَارَ) أَيْ أَوْ عَلَى هَذِهِ الْبَرْذَعَةِ فِيمَا يَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ: إذْ الْقَصْدُ هُنَا النَّفْسُ) تَوْجِيهٌ لِمَنْ ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ لَا أَرْكَبُ إلَى هُنَا وَمِنْهُ لَا أَرْكَبُ هَذِهِ السَّفِينَةَ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مَا بَقِيَ الْمُسَمَّى) وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ فِي عَدَمِ الْبِرِّ بِقَطْعِ جُزْءٍ مِنْهُ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَرْقُدُ عَلَى هَؤُلَاءِ الطَّرَارِيحِ أَوْ الطَّرَّاحَةِ أَوْ الْحَصِيرِ أَوْ الْحِرَامِ فَيَحْنَثُ بِالرُّقَادِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهُ لِوُجُودِ مُسَمَّاهُ بَعْدَ الْقَطْعِ، وَكَذَا لَوْ فَرَشَ عَلَى ذَلِكَ مُلَاءَةً مَثَلًا لِأَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّهُ رَقَدَ عَلَيْهَا، بَلْ هَذَا هُوَ الْمُعْتَادُ فِي النَّوْمِ عَلَى الطَّرَّاحَةِ فَتَنَبَّهْ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا نُقِلَ مِنْ خِلَافِهِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَصْرِ (قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ اللُّبْسُ) قَضِيَّةُ التَّفْسِيرِ بِاللُّبْسِ جَرَيَانُ هَذَا فِي غَيْرِ الثَّوْبِ مِنْ نَحْوِ زرموزة وَقَبْقَابٍ وَسَرَاوِيلَ فَيَبَرُّ فِي الْكُلِّ بِقَطْعِ جُزْءٍ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ غَيْرِ مَا خِيطَ بِهِ (قَوْلُهُ: فَسَلَّ مِنْهُ خَيْطًا) أَيْ وَإِنْ قَلَّ حَيْثُ كَانَ يَحُسُّ وَيُدْرِكُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِأَكْلِهَا فِي جَانِبِ الِاخْتِلَاطِ) أَيْ وَيَبَرُّ بِذَلِكَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرِ (قَوْلِهِ وَمَرَّ فِي فُتَاتِ خُبْزٍ) أَيْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى
(8/204)
أَوْ اللَّحْمَ وَالْعِنَبَ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ فِي الْأُولَى وَالْبِرُّ فِي الثَّانِيَةِ بِهِمَا، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِثْبَاتَ كَالنَّفْيِ الَّذِي لَمْ يُعِدْ مَعَهُ حَرْفَهُ هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ، وَمَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ كَالْمَنْفِيِّ الْمَعَادِ مَعَهُ حَرْفُهُ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ لِوُجُودِ حَرْفِ الْعَطْفِ فِيهِ تَوَقَّفَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ أَوْجَبَ حَرْفُ الْعَطْفِ تَعَدُّدَ الْيَمِينِ فِي الْإِثْبَاتِ لَأَوْجَبَهُ فِي النَّفْيِ: أَيْ غَيْرِ الْمَعَادِ مَعَهُ حَرْفُهُ انْتَهَى.
وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ مِنْ أَنَّهُ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الثَّانِي هُوَ الْعَامِلُ فِي الْأَوَّلِ بِتَقْوِيَةِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَرْجُوحِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعَامِلَ فِي الثَّانِي فِعْلٌ مُقَدَّرٌ وَلَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ أَوْ بِثُمَّ عَمِلَ بِقَضِيَّةِ كُلٍّ مِنْ تَرْتِيبٍ بِمُهْمَلَةٍ أَوْ عَدَمِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ نَحْوِيًّا أَمْ لَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِ.
(أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ) أَوْ لَيَقْضِيَنَّ حَقَّهُ أَوْ لَيُسَافِرَنَّ (غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ) أَيْ الْغَدِ لَا بِقَتْلِهِ نَفْسَهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ (وَإِنْ مَاتَ) أَوْ نَسِيَ (أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ) أَوْ بَعْضُهُ (فِي الْغَدِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ) مِنْ قَضَائِهِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ (مِنْ أَكْلِهِ) بِأَنْ أَمْكَنَهُ إسَاغَتُهُ وَلَوْ مَعَ شِبَعِهِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْإِكْرَاهِ، وَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ مِنْ كَوْنِ الشِّبَعِ عُذْرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ (حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَرْعٌ] وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا هَلْ يَحْنَثُ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لُبْسًا فِي الْعُرْفِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَآكُلَن هَذَا وَهَذَا) قَالَ حَجّ: وَلَوْ حَلَفَ لَا أَلْبَسُ هَذَا أَوْ هَذَا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِلُبْسِهِمَا اهـ.
وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ وَيُقَالُ: يَنْبَغِي الْحِنْثُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا أَلْبَسُ أَحَدَهُمَا وَيَلْبَسُ وَاحِدًا صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَبِسَ الْأَحَدَ (قَوْلُهُ: عَمِلَ بِقَضِيَّةِ كُلٍّ مِنْ تَرْتِيبٍ بِمُهْمَلَةٍ) أَيْ عُرْفًا (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ) لَكِنْ قَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي أَنَّ دَخَلْت بِالْفَتْحِ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَيَتَّجِهُ فِي عَامِّيٍّ لَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ تَرْتِيبٌ فَضْلًا عَنْ قَدْرِهِ اهـ حَجّ.
وَقَوْلُهُ فَضْلًا عَنْ قَدْرِهِ هُوَ التَّرَاخِي.
(قَوْلُهُ: أَوْ لَيَأْكُلَن ذَا الطَّعَامَ) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: بَعْدَ تَمَكُّنِهِ) قَالَ حَجّ: لَمْ يُبَيِّنُوا لِلتَّمَكُّنِ هُنَا ضَابِطًا، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ كَلَامٍ قَرَّرَهُ مَا نَصُّهُ: وَوَاضِحٌ أَنَّهُ حَيْثُ خُشِيَ مِنْ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُبِيحُ تَيَمُّمٍ لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا مِنْهُ.
فَإِنْ لَمْ يَخْشَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي تَوَهُّمُ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَاءِ، لِأَنَّ لَهُ بَدَلًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ظَنِّ وُجُودِهِ بِلَا مَانِعٍ مِمَّا مَرَّ فِي التَّيَمُّمِ وَأَنَّ الْمَشْيَ وَالرُّكُوبَ هُنَا كَالْحَجِّ وَأَنَّ الْوَكِيلَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ بِنَفْسِهِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَيُعَدُّ مُتَمَكِّنًا إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ طَلَبَهَا الْوَكِيلُ فَاضِلَةً عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْحَجِّ، وَأَنَّ قَائِدَ الْأَعْمَى وَنَحْوَ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ كَمَا فِي الْحَجِّ فَيَجِبُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، وَأَنَّ أَعْذَارَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عُذْرٌ هُنَا إلَّا نَحْوَ أَكْلٍ كَرَبِّهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا يَأْتِي، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُكْمُ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ شَخْصٌ حَلَفَ لَيَدْخُلَنَّ الْحَمَّامَ الْفُلَانِيَّ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحَ الْغَدُ وَجَدَهُ مَشْغُولًا بِالنِّسَاءِ وَتَعَذَّرَ دُخُولُهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهُنَّ وَلَوْ لِنَحْوِ مَسْلَخَةٍ مَثَلًا وَهِيَ الْحِنْثُ حَيْثُ تَمَكَّنَ مِنْ دُخُولِهِ قَبْلَ مَجِيئِهِنَّ وَتَرْكُهُ بِلَا عُذْرٍ وَعَدَمُهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ، لَكِنْ لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي الْحَمَّامِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ النِّسَاءَ لَا تَدْخُلُهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِلدُّخُولِ فَأَخَّرَ دُخُولَهُ لِظَنِّ إمْكَانِ دُخُولِهِ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ فَاتَّفَقَ أَنَّ النِّسَاءَ دَخَلْنَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ كَانَ يُمْكِنُهُ الدُّخُولُ فِيهِ لَوْ أَرَادَهُ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُقَصِّرًا بِتَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ) أَيْ فَإِنْ أَضَرَّهُ لَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِ الْأَكْلِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
هَذَا مَعَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ) لَعَلَّ مُرَادَ الْمُتَوَلِّي بِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمَا لَزِمَهُ كَفَّارَتَانِ، لَا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ أَحَدَهُمَا بَرَّ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الْمُتَوَلِّي مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَرْجُوحِ) إلَخْ قَدْ يُقَالُ: لَوْ بَنَى الْمُتَوَلِّي كَلَامَهُ عَلَى الْمَرْجُوحِ الْمَذْكُورِ لَقَالَ بِالتَّعَدُّدِ فِي جَانِبِ النَّفْيِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ إلْزَامِ الرَّوْضَةِ لَهُ بِهِ كَمَا مَرَّ
(8/205)
حِينَئِذٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ قَتْلُهُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ الْغَدِ مُقْتَضِيًا لِحِنْثِهِ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ أَيْضًا، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ قَبْلَهُ بِتَقْصِيرِهِ كَأَنْ أَمْكَنَهُ دَفْعُ أَكْلِهِ فَلَمْ يَدْفَعْهُ (وَ) فِي مَوْتِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ (قَبْلَهُ) أَيْ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَلِكَ (قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ) وَالْأَظْهَرُ عَدَمُهُ لِعُذْرِهِ وَحَيْثُ أَطْلَقُوا قَوْلَ الْمُكْرَهِ فَمُرَادُهُمْ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْحِنْثِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْحَلِفِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا (وَإِنْ أَتْلَفَهُ) عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا (بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ) كَأَدَائِهِ الدَّيْنَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُ أَدَاءَهُ عَنْ الْغَدِ (قَبْلَ الْغَدِ) أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَمَرَّ أَنَّ تَقْصِيرَهُ فِي تَلَفِهِ كَإِتْلَافِهِ لَهُ، ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُهُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ (وَإِنْ تَلِفَ) الطَّعَامُ بِنَفْسِهِ (أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ) قَبْلَ الْغَدِ أَوْ التَّمَكُّنِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ (فَكَمُكْرَهٍ) فَلَا يَحْنَثُ إذْ لَا يَفُوتُ الْبِرُّ بِاخْتِيَارِهِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ إلْحَاقِ مَسْأَلَةِ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّهُ أَوْ لَأُسَافِرَن بِمَسْأَلَةِ الطَّعَامِ فِيمَا ذُكِرَ فِيهَا هُوَ الْقِيَاسُ، كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُسَافِرَن فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ قَبْلَ الْخُلْعِ وَيَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
(أَوْ) (لَأَقْضِيَنك حَقَّك) سَاعَةَ بَيْعِي لِكَذَا فَبَاعَهُ مَعَ غَيْبَةِ رَبِّ الدَّيْنِ حَنِثَ، وَإِنْ أَرْسَلَهُ إلَيْهِ حَالًا لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ بِبَيْعِهِ ذَلِكَ مَعَ غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ إلَى زَمَنٍ فَمَاتَ بَعْدَ تَمَكُّنٍ مِنْ قَضَائِهِ حَنِثَ قُبَيْلَ مَوْتِهِ لِأَنَّ لَفْظَ الزَّمَنِ لَا يُعَيِّنُ وَقْتًا فَكَانَ جَمِيعُ الْعُمْرِ مُهْلَتَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ لَحْظَةٍ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ حِينٍ أَوْ إلَى زَمَنٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ فَتَعَلَّقَ بِأَوَّلِ مَا يُسَمَّى زَمَنًا وَمَا هُنَا وَعْدٌ وَهُوَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِأَوَّلِ مَا يَقَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَكِنْ لَوْ تَعَاطَى مَا حَصَلَ بِهِ الشِّبَعُ الْمُفْرِطُ فِي زَمَنٍ يُعْلَمُ عَادَةً أَنَّهُ لَا يَنْهَضِمُ الطَّعَامُ فِيهِ قَبْلَ مَجِيءِ الْغَدِ هَلْ يَحْنَثُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَوَّلًا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِمَا ذُكِرَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذِي الرُّمَّانَةَ مَثَلًا فَوَجَدَهَا عَافِنَةً تَعَافُهَا الْأَنْفُسُ وَيَتَوَلَّدُ الضَّرَرُ مِنْ تَنَاوُلِهَا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهَا سَلِيمَةً وَتَمَكَّنَ مِنْ أَكْلِهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى عَفِنَتْ فَيَحْنَثُ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ ضَرَرٌ لَا يُحْتَمَلُ فِي الْعَادَةِ وَإِنْ لَمْ يُبَحْ التَّيَمُّمُ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُهُ كَمَا عُلِمَ إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ) هَذَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ لِمَا قَدَّمَهُ فِيمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْغَدِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَحَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ وَإِنْ قَتَلَ نَفْسَهُ فَلْيُرَاجَعْ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ زَمَنَ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَلَا فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ لِأَنَّهُ مُفَوِّتٌ لِذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ قَتَلَ عَمْدًا عُدْوَانًا وَقُتِلَ فِيهِ وَلَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ لِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْهُ مِنْ الْوَرَثَةِ (قَوْلُهُ: كَأَدَائِهِ الدَّيْنَ) الْكَافُ فِيهِ لِلتَّنْظِيرِ لَا لِلتَّمْثِيلِ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ لَيْسَ إتْلَافًا وَلَكِنَّهُ تَفْوِيتٌ لِلْبِرِّ (قَوْلُهُ: الَّتِي قَدَّمْنَاهَا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ. [فَرْعٌ]
وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَنْ رَجُلٍ حَنَفِيِّ الْمَذْهَبِ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِشَاهِدَيْنِ حَنَفِيَّيْنِ فَهَلْ الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ الشُّهُودِ حَنَفِيَّةً وَلَا لِكَوْنِ الزَّوْجِ وَالْعَاقِدِ لَهُ كَذَلِكَ، وَلَهُ تَقْلِيدُ الشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَنْقُولُ عِنْدَهُمْ خِلَافَهُ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَرْفَعَ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَالدَّعْوَى عِنْدَهُ وَلَوْ حِسْبَةً بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُقْتَضَى التَّعْلِيقِ وَطَلَبِ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا فَيَحْكُمُ الشَّافِعِيُّ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ لِيَرْتَفِعَ الْخِلَافُ.
(قَوْلُهُ: لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ) وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُرِدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: أَيْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا قَبْلَ الْغَدِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْعِبَارَةِ، وَحِينَئِذٍ فَعَدَمُ الْحِنْثِ هُنَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِ السَّابِقِ وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقَ قَتْلَهُ لِنَفْسِهِ إلَخْ إذْ هُوَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مُفَوِّتٌ لِلْبِرِّ بِاخْتِيَارِهِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ وَقَدْ يُفَرَّقُ
(8/206)
عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَقَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ هُنَا بَيْنَ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ، أَوْ إلَى أَيَّامٍ فَثَلَاثَةٌ أَوْ (عِنْدَ) أَوْ مَعَ (رَأْسِ الْهِلَالِ) أَوْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (فَلْيَقْضِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ) ظَرْفٌ لِغُرُوبٍ لَا لِيَقْضِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ بَدَلًا لِإِبْهَامِهِ، إذْ آخِرُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ أَصَالَةً يُطْلَقُ عَلَى نِصْفِهِ الْآخِرِ وَالْيَوْمِ الْأَخِيرِ وَآخِرِ لَحْظَةٍ مِنْهُ (الشَّهْرُ) الَّذِي وَقَعَ الْحَلِفُ فِيهِ أَوْ الَّذِي قَبْلَ الْمُعَيَّنِ لِاقْتِضَاءِ عِنْدَ وَمَعَ الْمُقَارَنَةَ فَاعْتُبِرَ ذَلِكَ لِيَقَعَ الْقَضَاءُ مَعَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلِيَّةُ الْمُمْكِنَةُ عَادَةً لِاسْتِحَالَةِ الْمُقَارَنَةِ الْحَقِيقِيَّةِ (فَإِنْ قَدَّمَ) الْقَضَاءَ عَلَى ذَلِكَ (أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إمْكَانِهِ) الْعَادِي وَلَمْ يَقْضِ (حَنِثَ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ فَإِنْ نَوَى أَنْ لَا يَأْتِيَ رَأْسُ الْهِلَالِ إلَّا وَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ بِالتَّقْدِيمِ (وَإِنْ شَرَعَ فِي) الْعَدِّ أَوْ الذَّرْعِ أَوْ (الْكَيْلِ) أَوْ الْوَزْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ (حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (وَلَمْ يَفْرُغْ لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ أَخَذَ فِي الْقَضَاءِ عِنْدَ مِيقَاتِهِ، وَالْأَوْجَهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ اعْتِبَارُ تَوَاصُلِ نَحْوِ الْكَيْلِ فَيَحْنَثُ بِتَخَلُّلِ فَتَرَاتٍ تَمْنَعُ تَوَاصُلَهُ بِلَا عُذْرٍ نَعَمْ لَوْ حَمَلَ حَقَّهُ إلَيْهِ مِنْ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَصِلْ مَنْزِلَهُ إلَّا بَعْدَ لَيْلَةٍ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ لِشَكِّهِ فِي الْهِلَالِ.
(أَوْ) (لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ) أَوْ هَلَّلَ أَوْ حَمِدَ أَوْ دَعَا بِمَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَأَنْ لَا يَكُونَ مُحَرَّمًا وَلَا مُشْتَمِلًا عَلَى خِطَابِ مَخْلُوقٍ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ قَرَأَ) وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ (قُرْآنًا) وَإِنْ كَانَ جُنُبًا (فَلَا حِنْثَ) بِخِلَافِ مَا عَدَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهُ بَعْدَ الْبَيْعِ زَمَنًا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا عُرْفًا (قَوْلُهُ: فَثَلَاثَةٌ) أَيْ فَيَحْنَثُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ (قَوْلُهُ: أَوْ مَعَ رَأْسِ الْهِلَالِ) لَوْ حَذَفَ: رَأْسَ؛ بَرَّ بِدَفْعِهِ لَهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ الشَّهْرِ الْجَدِيدِ (قَوْلُهُ: فَلْيَقْضِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْضِيَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَكْفِي فِعْلُ وَكِيلِهِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَإِنَّمَا جَعَلُوا إعْطَاءَ وَكِيلِهِ بِحَضْرَتِهَا كَإِعْطَائِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ فِي إنْ أَعْطَيْتنِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى إعْطَاءَ الِاكْتِفَاءِ بِإِعْطَاءِ وَكِيلِهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ قَضَاهُ حَقَّهُ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ، قَوْلَهُ فَلْيَقْضِ إلَخْ لَوْ وَجَدَ الْغَرِيمَ مُسَافِرًا آخِرَ الشَّهْرِ هَلْ يُكَلَّفُ السَّفَرَ إلَيْهِ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِلَا مَشَقَّةٍ وَنَقَلَ بِالدَّرْسِ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ مَا يُوَافِقُهُ (قَوْلُهُ يُطْلَقُ عَلَى نِصْفِهِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَن حَقَّهُ آخِرَ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَلَا يَحْنَثُ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْهُ بَلْ يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِ الْأَدَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ كُلِّهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فَيَحْنَثُ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: حَنِثَ) وَمَحَلُّهُ فِي التَّقْدِيمِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى بَعْدَ غُرُوبِهَا زَمَنٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ الْقَضَاءُ عَادَةً أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَحْنَثُ بَعْدَ مَجِيءِ الْغَدِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ خَرَجَ عَنْ حَقِّهِ) أَيْ بِعِنْدَ أَوْ مَعَ إلَى لَمْ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ خَالَفَ مَعَ تَمَكُّنِهِ حَنِثَ نَصُّهَا: فَيَنْبَغِي أَنْ يَعُدَّ الْمَالَ وَيَتَرَصَّدَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَقْضِيَهُ فِيهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ تَمَكَّنَ مِنْ إعْدَادِ الْمَالِ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ حَنِثَ، وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ إلَّا بِالذَّهَابِ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ مَثَلًا وَلَمْ يَفْعَلْ الْحِنْثُ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ الْمَحْلُوفِ عَلَى الْأَدَاءِ فِيهِ وَإِنْ شَرَعَ فِي الذَّهَابِ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عِنْدَ وُجُودِ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ هَلَّلَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ جُنُبًا) قَضِيَّتُهُ عَدَمُ الْحِنْثِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْآنَ بِأَنْ قَصَدَ الذِّكْرَ أَوْ أَطْلَقَ، وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهُ كَوْنُهُ قُرْآنًا لَمْ يَنْتِفْ كَوْنُهُ ذِكْرًا وَهُوَ لَا يَحْنَثُ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ) لَعَلَّ وَجْهَ الْفَسَادِ أَنَّ الْآخِرَ جُزْءٌ مِنْ الشَّهْرِ الْمَاضِي وَعِنْدَ الْغُرُوبِ لَا آخِرَ فَلَا يَتَحَقَّقُ آخِرٌ عِنْدَ الْغُرُوبِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إذْ آخِرُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ: هَذَا يَلْزَمُ أَيْضًا عَلَى جَعْلِ آخِرٍ ظَرْفًا لِغُرُوبٍ بَلْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ الْمَارُّ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ
(8/207)
أَيْ إنْ أَسْمَعَ نَفْسَهُ أَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ لَوْلَا الْعَارِضُ كَمَا هُوَ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ لِانْصِرَافِ الْكَلَامِ عُرْفًا إلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فِي مُحَاوَرَاتِهِمْ وَمِنْ ثَمَّ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَدَعْوَى أَنَّ نَحْوَ التَّسْبِيحِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامٌ لُغَةً وَعُرْفًا وَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ لَا يُكَلِّمُ النَّاسَ بَلْ لَا يَتَكَلَّمُ تُرَدُّ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُقَدَّمٌ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ أَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ أَنَّ الْحَالِفِينَ كَذَلِكَ إنَّمَا يُرِيدُونَ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، وَكَفَى بِذَلِكَ مُرَجِّحًا، وَكَذَا نَحْوُ بَعْضِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ.
(أَوْ) (لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ) وَلَوْ مِنْ صَلَاةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ قَالَ لَهُ قُمْ مَثَلًا أَوْ دَقَّ عَلَيْهِ الْبَابَ، فَقَالَ لَهُ عَالِمًا بِهِ مَنْ (حَنِثَ) إنْ سَمِعَهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ فَهْمُهُ لِمَا سَمِعَهُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَقَضِيَّةُ اشْتِرَاطِهِمْ سَمْعَهُ الْأَوَّلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ، لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ عَارِضٌ كَانَ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ، وَلَوْ عَرَضَ لَهُ كَأَنْ خَاطَبَ جِدَارًا بِحَضْرَتِهِ بِكَلَامٍ لِيُفْهِمَهُ بِهِ أَوْ ذَكَرَ كَلَامًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَاطِبَ أَحَدًا بِهِ اُتُّجِهَ جَرَيَانُ مَا ذُكِرَ فِي التَّفْصِيلِ فِي قِرَاءَةِ آيَةٍ فِي ذَلِكَ (وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا) حِنْثَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ أَصَمَّ (فِي الْجَدِيدِ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا كَلَامًا عُرْفًا وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَالْقَدِيمُ نَعَمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] فَاسْتَثْنَى الرِّسَالَةَ مِنْ التَّكَلُّمِ وقَوْله تَعَالَى {أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] فَاسْتَثْنَى الرَّمْزَ مِنْ الْكَلَامِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْهُ، نَعَمْ إنْ نَوَى شَيْئًا مِمَّا مَرَّ حَنِثَ بِهِ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَقْبَلُ إرَادَتَهُ بِالنِّيَّةِ وَجُعِلَتْ نَحْوُ إشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي غَيْرِ هَذَا وَنَحْوِهِ كَعِبَارَتِهِ لِلضَّرُورَةِ (وَإِنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً) وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّفْهِيمِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ تَكْلِيمِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا (حَنِثَ) لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَمَا نُوَزِّعُ بِهِ صُورَةَ الْإِطْلَاقِ مَرْدُودٌ بِإِبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ لِلْجُنُبِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مَا تَلَفَّظَ بِهِ كَلَامٌ لَا قُرْآنٌ.
وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ بِأَجَلِّ الثَّنَاءِ وَأَعْظَمِهِ فَطَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، فَلَوْ قَالَ: أَحْمَدُهُ بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ أَوْ بِأَجَلِّهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، أَوْ لَأُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ صَلَاةٍ فِيمَا يُقَالُ عَقِبَ التَّشَهُّدِ فِيهَا.
وَلَوْ قِيلَ لَهُ كَلِّمْ زَيْدًا الْيَوْمَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْته انْعَقَدَتْ عَلَى الْأَبَدِ مَا لَمْ يَنْوِ الْيَوْمَ، فَإِنْ كَانَ فِي طَلَاقٍ وَقَالَ أَرَدْت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَكَذَا نَحْوُ بَعْضِ التَّوْرَاةِ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، أَيْ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ تَبْدِيلُهُمَا وَإِلَّا فَيَحْنَثُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ بِالْبَعْضِ مَا لَوْ قَرَأَهُمَا كُلَّهُمَا فَيَحْنَثُ لِتَحَقُّقِ أَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ مُبَدَّلٌ.
قَالَ حَجّ بَلْ لَوْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَهُمَا كَكُلِّهِمَا لَمْ يَبْعُدْ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ مَنَعَ مِنْهُ عَارِضٌ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْعَارِضُ صَمَمًا.
وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ الصُّمَّ لَا قُوَّةَ فِيهِمْ وَلَا فَعَلَ عَدَمَ الْحِنْثِ هُنَا بِتَكْلِيمِهِ الْأَصَمَّ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ مَا نَصُّهُ: نَعَمْ فِي الذَّخَائِرِ كَالْحِلْيَةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِ الْأَصَمَّ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ فِي صَمَمٍ يَمْنَعُ السَّمَاعَ مِنْ أَصْلِهِ اهـ.
وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ طُرُوءِ الصَّمَمِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَكَوْنِهِ كَذَلِكَ وَقْتَهُ وَإِنْ عُلِمَ بِهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَجَازَ يَقْبَلُ إرَادَتَهُ) وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْكَلَامِ بِالْفَمِ.
وَقَضِيَّةُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ " حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا " مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْأَلْفَاظَ تُحْمَلُ عَلَى حَقَائِقِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَجَازُ مُتَعَارَفًا وَيُرِيدُ دُخُولَهُ فَيَدْخُلُ أَيْضًا خِلَافُهُ، وَيُؤَيِّدُ الْحِنْثَ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَقَالَ: أَرَدْت مَسْكَنَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِمَا يَسْكُنُهُ وَلَيْسَا مِلْكًا لَهُ وَبِمَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَسْكُنْهُ حَيْثُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَقُولَ) أَيْ حَاصِلٌ بِأَنْ يَقُولَ إلَخْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ) أَيْ خَبَرِ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ»
(قَوْلُهُ: اُتُّجِهَ جَرَيَانُ مَا ذُكِرَ) أَيْ فِيمَا يَأْتِي
(8/208)
الْيَوْمَ قُبِلَ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا لِلْقَرِينَةِ.
(أَوْ لَا مَالَ لَهُ) وَأَطْلَقَ أَوْ عَمَّمَ (حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ لَهُ (وَإِنْ قَلَّ) إذَا كَانَ مُتَمَوَّلًا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ (حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ) لِصِدْقِ اسْمِ الْمَالِ بِهِ، نَعَمْ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِهِ لِمَنْفَعَةٍ لِانْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهَا مَالًا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ (وَمُدَبَّرٍ) لَهُ لَا لِمُوَرِّثِهِ إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ (وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) وَأُمِّ وَلَدٍ (وَمَا أُوصِيَ) لَهُ (بِهِ) لِأَنَّ الْكُلَّ مِلْكُهُ (وَدَيْنٍ حَالٍّ) وَلَوْ عَلَى مُعْسِرٍ وَجَاحِدٍ بِلَا بَيِّنَةٍ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إلَّا إنْ مَاتَ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ تَبَرُّعِ آخَرَ بِوَفَائِهِ عَنْهُ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ بَعْدُ بِنَحْوِ فَسْخِ بَيْعٍ وَبِفَرْضِ عَدَمِهِ هُوَ بَاقٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ أَخْذُهُ بَدَلَهُ مِنْ حَسَنَاتِ الْمَدِينِ فَالْمُتَّجَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَكَوْنُهُ لَا يُسَمَّى مَالًا الْآنَ مَمْنُوعٌ (وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ) لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ وَصِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ وَالْإِبْرَاءِ عَنْهُ وَلِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَأَخَذَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ عَدَمَ حِنْثِهِ بِمَالِهِ عَلَى مُكَاتَبِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، وَالْمُكَاتَبُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إسْقَاطِهِ مَتَى شَاءَ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ.
وَجَزَمَ الشَّيْخُ بِهِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ مَرْدُودٌ إذْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَالًا، وَلَا أَثَرَ هُنَا لِتَعَرُّضِهِ لِلسُّقُوطِ وَلَا لِعَدَمِ وُجُوبِ زَكَاتِهِ وَعَدَمِ الِاعْتِيَاضِ هُنَا لِأَنَّهُ لِمَانِعٍ آخَرَ لَا لِانْتِفَاءِ كَوْنِ ذَلِكَ مَالًا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ صِفَةٌ لِمَوْجُودٍ وَلَا مَوْجُودَ هَهُنَا، (لَا مُكَاتَبٍ) كِتَابَةً صَحِيحَةً (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ، إذْ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ وَلَا أَرْشَ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَمْ يُعَدَّ هُنَا مَالًا وَإِنْ عَدُّوهُ فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ مَالًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَعْجِيزِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ.
وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِأَنَّهُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَلَا يَحْنَثُ أَيْضًا بِزَوْجَتِهِ وَاخْتِصَاصٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَوْ لَا مَالَ لَهُ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَيْنٌ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ فَرْضُهُمْ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ يَخْرُجُ مَا لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ أَوْ لَيْسَ بِيَدِهِ، وَقَدْ يُقَالُ فِيهِ: إنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدَيْنِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ حَالًّا وَسَهُلَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمَدِينِ وَلَا بِمَالِهِ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِيَدِهِ الْآنَ وَلَا عِنْدَهُ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَا يَحْنَثُ بِمِلْكِهِ لِمَنْفَعَةٍ) أَيْ وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِاسْتِغْلَالِهَا بِإِيجَارٍ أَوْ نَحْوِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا مَالٌ مُتَحَصَّلٌ بِالْفِعْلِ وَقْتَ الْحَلِفِ.
وَمِثْلُ الْمَنْفَعَةِ الْوَظَائِفُ وَالْجَامْكِيَّةُ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لَهَا لِانْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهَا مَالًا (قَوْلُهُ: لَا لِمُورِثِهِ) كَذَا فِي حَجّ، وَفِي نُسْخَةٍ: أَوْ لِمُورِثِهِ إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ انْتَهَى.
وَمَا فِي الْأَصْلِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ التَّدْبِيرُ مِنْ مُورِثِهِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ (قَوْلُهُ: وَمَا أَوْصَى بِهِ) أَيْ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: فَالْمُتَّجَهُ إطْلَاقُهُمْ) أَيْ وَهُوَ الْحِنْثُ بِالدَّيْنِ وَلَوْ عَلَى مَيِّتٍ مُعْسِرٍ (قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ) قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي نُجُومِ الْكِتَابَةِ وَأَنَّهُ يَحْنَثُ بِغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ مِنْ الدَّيْنِ قَطْعًا (قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ) أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَعْجِيزِهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ مُتَمَوَّلًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَإِنْ لَمْ يُتَمَوَّلْ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي التُّحْفَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِحَ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا يَقَعُ نَظِيرُ ذَلِكَ لَهُ كَثِيرًا.
(قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ أَوْ عَمَّمَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَطْلَقَ قَوْلَهُ لَا مَالَ لِي بِأَنْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا، أَوْ عَمَّمَ بِأَنْ زَادَ عَلَيْهَا أَلْفَاظًا هِيَ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ، وَإِلَّا فَقَوْلُهُ لَا مَالَ لِي صِيغَةُ عُمُومٍ (قَوْلُهُ: إذَا تَأَخَّرَ عِتْقُهُ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمُرَادُهُ بِهَذَا تَصْوِيرُ كَوْنِهِ مُدَبَّرًا لِمُوَرِّثِهِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ عَتَقَ فَلَا وَجْهَ لِلْحِنْثِ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَا وَصَّى) هُوَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْجَلَالِ كَغَيْرِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ بِهِ: أَيْ وَالْمَالُ الَّذِي أَوْصَى هُوَ بِهِ لِغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَزِيَادَةُ الشَّارِحِ لَفْظَ لَهُ عَقِبَ وَصَّى غَيْرُ سَدِيدَةٍ إذْ تَقْتَضِي قِرَاءَةُ وُصِّيَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ تَبَرُّعٍ آخَرَ إلَخْ) هَذَا فِي الْمُعْسِرِ خَاصَّةً كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا قَوْلُهُ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ بُعْدٌ إلَخْ (قَوْلُهُ: بِمَا لَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ) يَعْنِي مَالَ الْكِتَابَةِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ) يَعْنِي لَيْسَ مُسْتَقِرَّ الثُّبُوتِ إذْ هُوَ مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ وَإِلَّا فَهُوَ ثَابِتٌ كَمَا لَا يَخْفَى
(8/209)
وَفِي مَالِ غَائِبٍ وَضَالٍّ وَمَغْصُوبٍ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا حِنْثُهُ بِذَلِكَ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا نَظَرَ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِهِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ
وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْمَسْرُوقُ (أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ) (فَالْبِرُّ) إنَّمَا يَحْصُلُ (بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا) فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ إيلَامٌ) إذْ الِاسْمُ صَادِقٌ بِدُونِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الطَّلَاقِ مِنْ اشْتِرَاطِهِ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَوْنِهِ بِالْقُوَّةِ، وَمَا هُنَا مِنْ نَفْيِهِ مَحْمُولٌ عَلَى حُصُولِهِ بِالْفِعْلِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) أَوْ نَوَى (ضَرْبًا شَدِيدًا) أَوْ مُوجِعًا مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ إيلَامُهُ عُرْفًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالزَّمَنِ وَحَالِ الْمَضْرُوبِ (وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ وَعَضٌّ) وَقَرْصٌ (وَخَنِقٌ) بِكَسْرِ النُّونِ (وَنَتْفُ شَعْرٍ ضَرْبًا) لِانْتِفَاءِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ عُرْفًا (قِيلَ: وَلَا لَطْمٌ) لِوَجْهٍ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ (وَوَكْزٌ) وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مُطَبَّقَةٌ أَوْ الدَّفْعُ وَلَوْ بِغَيْرِ الْيَدِ وَرَفْسٌ وَلَكْمٌ وَصَفْعٌ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى فِي الْعَادَةِ ضَرْبًا، وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهَا ضَرْبٌ وَأَنَّهَا تُسَمَّاهُ عَادَةً، وَمِثْلُهَا الرَّمْيُ بِنَحْوِ حَجَرٍ أَصَابَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيَّ (أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً) مِنْ السِّيَاطِ فِي الْأُولَى وَمِنْ الْخَشَبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يَقُومُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ (وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً أَوْ) ضَرَبَهُ (بِعِثْكَالٍ) وَهُوَ الضِّغْثُ فِي الْآيَةِ (عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ أَوْ) عَلِمَ (تَرَاكُمَ بَعْضٍ) مِنْهَا (عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ) بِسَبَبِ التَّرَاكُمِ (أَلَمُ الْكُلِّ) وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بَدَلَهُ بِثِقَلِ الْكُلِّ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَحْسَنِيَّتَهَا لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ، وَرَدَّهُ بَعْضٌ آخَرَ بِأَنَّ ذِكْرَ الْعَدَدِ هُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْإِيلَامِ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ ضَرْبًا شَدِيدًا، هَذَا وَالْأَوْجَهُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ ذُكِرَ الْعَدَدُ، وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي إجْزَاءِ الْعِثْكَالُ فِي قَوْلِهِ مِائَةَ سَوْطٍ، وَهُوَ مَا قَالَهُ جَمْعٌ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ مَا صَحَّحَاهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهَا لَا تَكْفِي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِيَاطٍ وَلَا مِنْ جِنْسِهَا (قُلْت: وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ فَلَا حِنْثَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالَهُ حَالَ الْحَلِفِ. [فَرْعٌ]
وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنهُ عَلْقَةً فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِحَالِ الْحَالِفِ أَوْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ بِالْعُرْفِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الثَّالِثُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ. (قَوْلُهُ: لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ) أَيْ ذِمَّةِ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، لَكِنْ هَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَظْهَرُ فِي الْغَائِبِ وَالضَّالِّ لِاحْتِمَالِ تَلَفِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِمَا تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ، بَلْ وَلَا فِي الْمَغْصُوبِ لِاحْتِمَالِ بَقَائِهِ، وَالْأَعْيَانُ لَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ، لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يُنَافِي قَوْلَهُ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ دُونَ الْحِنْثِ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمِثْلُ مَا ذُكِرَ الْمَسْرُوقُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ لَهُ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ بَاقِيًا فَبِتَقْدِيرِ تَلَفِهِ فَبَدَلُهُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ (قَوْلُهُ: مِنْ اشْتِرَاطِهِ) أَيْ الْإِيلَامِ (قَوْلُهُ: وَوَكَزَ) عِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: وَكَزَهُ ضَرَبَهُ وَدَفَعَهُ، وَقِيلَ ضَرَبَهُ بِجُمَعِ يَدِهِ عَلَى ذَقَنِهِ وَبَابُهُ وَعَدَ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا) (الرَّمْيِ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ (قَوْلُهُ: أَوْ خَشَبَةٍ) وَمِنْ الْخَشَبِ الْأَقْلَامُ وَنَحْوُهَا مِنْ أَعْوَادِ الْحَطَبِ وَالْجَرِيدِ.
وَإِطْلَاقُ الْخَشَبِ عَلَيْهَا أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى الشَّمَارِيخِ (قَوْلُهُ: شِمْرَاخٌ) بِكَسْرِ الشِّينِ كَمَا فِي الْمَحَلِّيِّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِيَاطٍ) أَيْ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْخَشَبِ فَيَبَرُّ بِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ مِائَةَ خَشَبَةٍ لِوُجُودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ) يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَغْصُوبٌ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى كَوْنِهِ بِالْقُوَّةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُوَّةِ أَنْ يَكُونَ شَدِيدًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْ الْإِيلَامِ مَانِعٌ، إذْ الضَّرْبُ الْخَفِيفُ لَا يُقَالُ إنَّهُ مُؤْلِمٌ لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِالْقُوَّةِ، وَفِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إيلَامٌ وَلَمْ يَشْرِطْهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاكْتَفَوْا بِالصِّفَةِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْإِيلَامُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ إيلَامُهُ عُرْفًا) أَيْ شِدَّةُ إيلَامِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْقُوتِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ النَّظَرُ لِلْعُرْفِ، وَإِلَّا فَالْإِيلَامُ إنَّمَا يَظْهَرُ النَّظَرُ فِيهِ لِلْوَاقِعِ لَا لِلْعُرْفِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَاهُ إلَخْ) أَيْ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْخَشَبَةِ فَيَكْفِي، وَوَجْهُهُ أَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَيْهِ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْقِ وَالْعُرْفُ إذَا ثَبَتَ فِي مَحَلٍّ
(8/210)
شَكَّ) أَيْ تَرَدَّدَ بِاسْتِوَاءٍ أَوْ مَعَ تَرْجِيحِ الْإِصَابَةِ (فِي إصَابَةِ الْجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْإِصَابَةُ وَفَارَقَ مَا لَوْ مَاتَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَشَكَّ فِي صُدُورِهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ كَتَحَقُّقِ الْعَدَمِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّ الضَّرْبَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي الِانْكِبَاسِ، وَالْمَشِيئَةُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهَا ثَمَّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، فَلَوْ تَرَجَّحَ عَدَمُ إصَابَةِ الْكُلِّ بَرَّ أَيْضًا خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ فِي الْمُهِمَّاتِ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ مَعَ اعْتِضَادِهِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ.
(أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ) أَوْ ضَرْبَةٍ (لَمْ يَبَرَّ بِهَذَا) أَيْ الْمَشْدُودَةِ وَالْعُثْكَالِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْعَدَدَ مَقْصُودًا، وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تَوَالِيهَا وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ كَالْإِيلَامِ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا الزَّجْرُ وَالتَّنْكِيلُ (أَوْ لَا) أُخَلِّيك تَفْعَلُ كَذَا حُمِلَ عَلَى نَفْيِ تَمْكِينِهِ مِنْهُ بِأَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيَقْدِرَ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُ، أَوْ لَا (أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ) حَقِّي مِنْك (فَهَرَبَ) يَعْنِي فَفَارَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ هَرَبٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ لَمْ يَحْنَثْ) بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (قُلْت: الصَّحِيحُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِفِعْلِ غَرِيمِهِ، سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا وَلَا يُنَافِيهِ مُفَارَقَةُ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْآخَرَ فِي الْمَجْلِسِ حَيْثُ يَنْقَطِعُ بِهِ خِيَارُهُمَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ اتِّبَاعِهِ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا ثُمَّ لَا هُنَا وَلِهَذَا لَوْ فَارَقَهُ هُنَا بِإِذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا، لَوْ أَرَادَ بِالْمُفَارَقَةِ مَا يَشْمَلُهُمَا حَنِثَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُطْلِقُ غَرِيمَهُ فَهَلْ هُوَ كَلَا أُفَارِقُهُ أَوْ لَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْمُفَارَقَةِ وَبِعَدَمِ اتِّبَاعِهِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ إذَا هَرَبَ، الْأَوْجَهُ فِيمَا سِوَى مَسْأَلَةِ الْهَرَبِ الثَّانِي وَفِيهَا عَدَمُ الْحِنْثِ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ لَا أُبَاشِرُ إطْلَاقَهُ وَبِالْإِذْنِ بَاشَرَهُ بِخِلَافِ عَدَمِ اتِّبَاعِهِ إذَا هَرَبَ (وَإِنْ فَارَقَهُ) الْحَالِفُ (أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ) الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَكَانَا مَاشِيَيْنِ) حَنِثَ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَقَدْ أَحْدَثَهَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بِوُقُوفِهِ.
أَمَّا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ فَابْتَدَأَ الْغَرِيمُ بِالْمَشْيِ فَلَا حِنْثَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الِاسْمِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ السِّيَاطِ فَإِنَّهَا سُيُورٌ مُتَّخَذَةٌ مِنْ الْجِلْدِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: وَقَوْلُهُمْ لِأَنَّهُ: أَيْ الْعِثْكَالَ أَخْشَابٌ يَرُدُّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مِائَةِ خَشَبَةٍ بِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَشَبَةً (قَوْلُهُ: كَتَحَقُّقِ الْعَدَمِ) أَيْ فَيَحْنَثُ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ وَلَا يَحْنَثُ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ وَمَعَ اعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْحَلِفُ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَقْرَبُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ تُوَالِيهَا) أَيْ فَيَكْفِي فِيمَا لَوْ قَالَ أَضْرِبُهُ مِائَةَ خَشَبَةٍ أَوْ مِائَةَ مَرَّةٍ أَنْ يَضْرِبَهُ بِشِمْرَاخٍ لِصِدْقِ اسْمِ الْخَشَبَةِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ) أَيْ التَّوَالِي (قَوْلُهُ وَيَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ وَلَوْ بِالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ حَيْثُ بَلَغَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْفِعْلَ وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ (قَوْلُهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي) وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُك حَتَّى تَقْضِيَنِي حَقِّي فَدَفَعَ دَرَاهِمَ مَقَاصِيصَ هَلْ يَبَرُّ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ.
الثَّانِي لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ لِنَقْصِ قِيمَتِهَا وَوَزْنِهَا عَنْ قِيمَةِ الْجَيِّدَةِ وَوَزْنِهَا وَإِنْ رَاجَتْ (قَوْلُهُ مَا يَشْمَلُهُمَا) أَيْ فِعْلَ نَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ (قَوْلُهُ أَوْ لَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ) أَيْ أَوْ كَلَا أُخَلِّي إلَخْ (قَوْلُهُ حَتَّى يَحْنَثَ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الثَّانِيَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْ لَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ (قَوْلُهُ: الْهَرَبُ الثَّانِي) أَيْ الْحِنْثُ (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا كَانَا سَاكِنَيْنِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَمَّ غَيْرَهُ
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يُعْلَمَ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِنَفْسِ التَّخْلِيَةِ: أَيْ وَالتَّخْلِيَةُ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ وَيَقْدِرَ عَلَى مَنْعِهِ: أَيْ وَلَمْ يَمْنَعْهُ (قَوْلُهُ: وَيَقْدِرَ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ وَانْظُرْ هَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَلِفِ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَنْعِهِ كَالسُّلْطَانِ أَوْ هُوَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمُسْتَحِيلِ عَادَةً (قَوْلُهُ: مِنْك) اُنْظُرْ هَلْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فَائِدَةٌ فِيمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: حَتَّى يَحْنَثَ بِإِذْنِهِ لَهُ فِي الْمُفَارَقَةِ وَبِعَدَمِ اتِّبَاعِهِ إلَخْ) هَذَا كُلُّهُ مُرَتَّبٌ عَلَى جَعْلِهِ كَلَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ (قَوْلُهُ: الْأَوْجَهُ فِيمَا سِوَى مَسْأَلَةِ الْهَرَبِ إلَخْ) يَعْنِي الْأَوْجَهَ أَنَّهُ كَلَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِعَدَمِ اتِّبَاعِهِ إذَا هَرَبَ لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ (قَوْلُهُ: حَنِثَ) أَيْ بِنَفْسِ الْإِبْرَاءِ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا غَدًا مَثَلًا فَأُتْلِفَ قَبْلَ الْغَدِ حَيْثُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الْغَدِ، وَانْظُرْ هَلْ الْحَوَالَةُ كَالْإِبْرَاءِ فِي أَنَّهُ
(8/211)
كَمَا مَرَّ (أَوْ أَبْرَأَهُ) حَنِثَ لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ (أَوْ احْتَالَ) بِهِ (عَلَى غَرِيمٍ) لِغَرِيمِهِ أَوْ أَحَالَ بِهِ عَلَى غَرِيمٍ (ثُمَّ فَارَقَهُ) أَوْ حَلَفَ لَيُعْطِيَنهُ دَيْنَهُ يَوْمَ كَذَا ثُمَّ أَحَالَهُ بِهِ أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ حَنِثَ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ اسْتِيفَاءً وَلَا إعْطَاءً حَقِيقَةً وَإِنْ أَشْبَهَتْهُ، نَعَمْ إنْ نَوَى عَدَمَ مُفَارَقَتِهِ لَهُ وَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ نَوَى بِالْإِعْطَاءِ أَوْ الْإِيفَاءِ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِنْ حَقِّهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَوْ تَعَوَّضَ أَوْ ضَمِنَهُ لَهُ ضَامِنٌ ثُمَّ فَارَقَهُ لِظَنِّهِ صِحَّةَ ذَلِكَ اُتُّجِهَ عَدَمُ حِنْثِهِ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ (أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لَيُوسِرَ حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ مِنْهُ وَإِنْ لَزِمَتْهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّاهُ فَإِنَّهُ حِنْثٌ، نَعَمْ لَوْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِمُفَارَقَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَالْمُكْرَهِ (وَإِنْ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ) أَيْ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ (نَاقِصًا، فَإِنْ كَانَ جِنْسَ حَقِّهِ لَكِنَّهُ أَرْدَأُ) مِنْهُ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَا تَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ، وَتَقْيِيدُ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا بِحَيْثُ يُتَسَامَحُ بِهِ عُرْفًا مَحَلُّ نَظَرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِيفَاءَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ جِنْسُ حَقِّهِ بِأَنْ كَانَ حَقُّهُ دَرَاهِمَ فَخَرَجَ الْمَأْخُوذُ نُحَاسًا أَوْ مَغْشُوشًا (حَنِثَ عَالِمٌ) بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ (وَفِي غَيْرِهِ) وَهُوَ الْجَاهِلُ بِهِ حِينَئِذٍ (الْقَوْلَانِ) فِي حِنْثِ الْجَاهِلِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُهُ.
(أَوْ) حَلَفَ (لَا رَأَى مُنْكَرًا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ وَاقِفَيْنِ (قَوْلُهُ: اُتُّجِهَ عَدَمُ حِنْثِهِ) أَيْ خِلَافًا لحج (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ جَاهِلٌ) أَيْ بِكَوْنِ ذَلِكَ غَيْرَ مَانِعٍ مِنْ الْحِنْثِ وَيَنْشَأُ مِنْهُ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ الْآنَ غَيْرُ مَحْلُوفٍ عَلَى عَدَمِهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا بِالْحُكْمِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ بِمَا ذُكِرَ لِلْجَهْلِ عَدَمُهُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَقَالَ لَهُ غَيْرُهُ إلَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَظَنَّ صِحَّةَ الْمَشِيئَةِ لِجَهْلِهِ أَيْضًا بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِوُجُودِ الْمُفَارَقَةِ مِنْهُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ حَالَ الْحَلِفِ يَظُنُّ أَنَّ لَهُ مَالًا يُوَفِّي مِنْهُ دَيْنَهُ وَتَبَيَّنَ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طُرُوءِ الْفَلَسِ بَعْدَ حَلِفِهِ وَتَبَيُّنِ أَنَّهُ كَذَلِكَ قَبْلَهُ، وَفِي حَجّ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ نَعَمْ لَوْ لَزِمَهُ الْحَاكِمُ) هَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَى تَكْلِيمِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَالِاخْتِيَارِ، نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ حَجّ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: كَالْمُكْرَهِ) وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَن ذَا الطَّعَامَ غَدًا وَامْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهِ فِي الْغَدِ لِإِضْرَارِهِ لَهُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا عَلَى عَدَمِ الْأَكْلِ عَدَمُ حِنْثِهِ هُنَا لِوُجُوبِ مُفَارَقَتِهِ حَيْثُ عُلِمَ إعْسَارُهُ فَلْيُحَرَّرْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي كَلَامِ حَجّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَرْقُ بِأَنَّ عَدَمَ الْأَكْلِ اسْتِدَامَةٌ وَالْمُفَارَقَةُ إنْشَاءٌ وَالِاسْتِدَامَةُ أَخَصُّ مِنْ الْإِنْشَاءِ فَاغْتُفِرَ فِيهَا مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي غَيْرِهَا. [فَرْعٌ]
سُئِلْت عَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يُرَافِقُهُ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ فَرَافَقَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ وَأَجَبْت الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْنَثُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ مَا اقْتَضَاهُ وَضْعُهَا اللُّغَوِيُّ، إذْ الْفِعْلُ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ كَالنَّكِرَةِ فِي حَيِّزِهِ مِنْ عَدَمِ الْمُرَافَقَةِ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الطَّرِيقِ، وَزَعَمَ أَنَّ مُؤَدَّاهَا أَنَّهَا لَا تُسْتَغْرَقُ كُلُّهَا بِالِاجْتِمَاعِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَعَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ مُدَّةَ عُمُرِهِ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مُدَّةً مَعْلُومَةً دُيِّنَ وَإِلَّا اقْتَضَى ذَلِكَ اسْتِغْرَاقَ الْمُدَّةِ مِنْ انْتِهَاءِ الْحَلِفِ إلَى الْمَوْتِ فَمَتَى كَلَّمَهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ حَنِثَ.
وَأَمَّا إفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ فِي مُدَّةِ عُمُرِهِ حَنِثَ بِالْكَلَامِ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَإِلَّا لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْجَمِيعِ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ فَاحْذَرْهُ فَإِنَّهُ لَا حَاصِلَ لَهُ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ لَهُ حَاصِلًا فَهُوَ سَفْسَافٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ حَجّ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ دِينَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ: فَوَجَدَهُ نَاقِصًا) أَيْ وَجَدَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يَحْنَثُ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِهِ أَوْ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْمُفَارَقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَتْنِ مَعَ الشَّارِحِ، وَعَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَعَوَّضَ أَوْ ضَمِنَهُ لَهُ إلَخْ) أَيْ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَحَالَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ إلَخْ) لَا يَخْفَى الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي هَذِهِ آثِمٌ بِالْحَلِفِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ بِأَنْ تُصُوِّرَ بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِإِعْسَارِهِ عِنْدَ الْحَلِفِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِمُفَارَقَتِهِ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَاشِيَتِهِ: هَذَا قَدْ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ فَأَكْرَهَهُ الْحَاكِمُ عَلَى تَكْلِيمِهِ حَنِثَ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَالِاخْتِيَارِ، قَالَ: نَعَمْ هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ عَدَمِ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ التَّفَاوُتَ الْمَذْكُورَ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا
(قَوْلُهُ: مُنْكَرًا) أَيْ أَوْ نَحْوُ
(8/212)
أَوْ نَحْوَ لَغَطٍ (إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى) مُنْكَرًا (وَتَمَكَّنَ) مِنْ رَفْعِهِ لَهُ (فَلَمْ يَرْفَعْهُ) أَيْ لَمْ يُوصِلْهُ بِنَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ بِلَفْظٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ رِسَالَةِ خَبَرِهِ لَهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا فِي غَيْرِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ (حَتَّى مَاتَ) الْحَالِفُ (حَنِثَ) قُبَيْلَ مَوْتِهِ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْمُتَّجَهُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ مُنْكَرًا بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ دُونَ غَيْرِهِ، وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ الْأَعْمَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعِلْمِ وَمِنْ بَصِيرٍ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ (وَيَحْمِلُ) الْقَاضِي فِي لَفْظِ الْحَالِفِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُ (عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الْحَلِفِ لَا بَلَدِ الْحَالِفِ فِيمَا يَظْهَرُ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ، وَلَوْ اتَّحَدَ قَاضِيهِمَا فَرَأَى الْمُنْكَرَ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ هَذِهِ الْيَمِينِ التَّوَصُّلُ إلَى طَرِيقِ إزَالَتِهِ (فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ فِي الرَّفْعِ إلَى) الْقَاضِي (الثَّانِي) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِأَلْ يَعُمُّهُ وَيَمْنَعُ التَّخْصِيصَ بِالْمَوْجُودِ حَالَةَ الْحَلِفِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ فِي الْبَلَدِ تَخَيَّرَ وَإِنْ خُصَّ كُلٌّ بِجَانِبٍ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَاضِي شِقِّ فَاعِلِ الْمُنْكَرِ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ، إذْ رَفْعُ فِعْلِ الْمُنْكَرِ لِلْقَاضِي مَنُوطٌ بِإِخْبَارِهِ بِهِ لَا بِوُجُوبِ إجَابَةِ فَاعِلِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إزَالَتَهُ مُمْكِنَةٌ مِنْهُ.
وَلَوْ رَآهُ بِحَضْرَةِ الْقَاضِي فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِهِ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَيَقَّظُ لَهُ بَعْدَ غَفْلَتِهِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ فَاعِلُ الْمُنْكَرِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَاضٍ آخَرُ رَفَعَهُ إلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ نُكَلِّفْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بِقَوْلِهِ رَفَعْت إلَيْك نَفْسَك لِأَنَّ هَذَا لَا يُرَادُ عُرْفًا مِنْ لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته إلَى الْقَاضِي (أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ) بِكُلِّ بَلَدٍ كَانَ لِصِدْقِ الِاسْمِ وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ الْوِلَايَةُ بَعْدَ الْحَلِفِ (أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ) أَيْ الْحَالِفُ الْمُنْكِرُ (ثَمَّ) لَمْ يَرْفَعْهُ إلَيْهِ حَتَّى (عُزِلَ، فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ) بِعَزْلِهِ (إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ) إلَيْهِ قَبْلَهُ (فَتَرَكَهُ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ عَدَمِ حِنْثِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ وِلَايَتِهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ عَبَّرَ فِي الْكِتَابِ هُنَا بِالدَّيْمُومَةِ وَهِيَ تَنْقَطِعُ بِعَزْلِهِ، وَلَمْ يُعَبِّرْ فِي الرَّوْضَةِ بِهَا فَافْتَرَقَا، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الظَّرْفَ فِي لَا رَأَيْت مُنْكَرًا إلَّا رَفَعْته إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ مَا دَامَ قَاضِيًا، إنَّمَا هُوَ ظَرْفٌ لِلرَّفْعِ وَالدَّيْمُومَةُ مَوْجُودَةٌ فِي رَفْعِهِ إلَيْهِ حَالَ الْقَضَاءِ، لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي نَحْوِ لَا أُكَلِّمُهُ مَا دَامَ فِي الْبَلَدِ فَخَرَجَ ثُمَّ عَادَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَلَّقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
نَاقِصَ الْقِيمَةِ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَى نَاقِصِ الْوَزْنِ أَوْ الْعَدَدِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوُ لَغَطٍ) فِي مَحَلٍّ لَا يَلِيقُ بِهِ اللَّغَطُ كَالْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ) وَعَلَيْهِ فَيَبَرُّ بِرَفْعِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَاهُ مُنْكَرًا (قَوْلُهُ: نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ) الَّذِي مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِبَلَدِ الْحَالِفِ لَكِنَّهُ مَرَّ لَهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحَالِفِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّتِي تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً وَإِنْ أَكَلَ فِي غَيْرِهِ فَمَا هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَعَدَّدَ) أَيْ الْقَاضِي وَقَوْلُهُ تَخَيَّرَ: أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ مَنْ رَفَعَهُ لَهُ فِي الْعَادَةِ بِتَعْزِيرٍ وَلَا نَحْوِهِ لِعَظَمَةِ الْفَاعِلِ الصُّورِيَّةِ. [فَائِدَةٌ]
وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَهَدَّدَتْهُ بِالشِّكَايَةِ فَقَالَ لَهَا إنْ اشْتَكَيْتنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ رَسُولَيْنِ مِنْ قُصَّادِ الشَّرْعِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ وَالْجَوَابُ.
عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ الْوُقُوعُ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ يُسَمُّونَ ذَلِكَ شِكَايَةً فَافْهَمْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْعَصْرِ مِنْ عَدَمِ الطَّلَاقِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِمَا لَا يُجْزِي (قَوْلُهُ: مَا دَامَ فِي الْبَلَدِ فَخَرَجَ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ قَلَّ الْخُرُوجُ وَلَمْ يَكُنْ بِقَصْدِ الذَّهَابِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
لُقَطَةٍ (قَوْلُهُ: قُبَيْلَ مَوْتِهِ) هَلْ وَإِنْ زَالَ الْمُنْكَرُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَحْنَثُ هُنَا وَقْتَ زَوَالِهِ لِوُقُوعِ الْيَأْسِ مِنْ رَفْعِهِ وَهَلْ الرَّفْعُ صَادِقٌ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِهِ يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ: بِاعْتِقَادِ الْحَالِفِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا عِنْدَ الْقَاضِي وَفِيهِ وَقْفَةٌ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الرَّفْعِ إلَيْهِ أَيْضًا، وَيَبْعُدُ تَنْزِيلُ الْيَمِينِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَيْ بَلَدِ الْحَلِفِ لَا بَلَدِ الْحَالِفِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَكْسُ هَذَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِغَيْرِهِمَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُمَا.
مِمَّا هُوَ فِي حُكْمِ قَاضِيهِمَا وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ (قَوْلُهُ إذَا رَفَعَ فِعْلَ الْمُنْكَرِ لِلْقَاضِي إلَخْ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا مَرَّ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى مَاتَ (قَوْلُهُ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ إزَالَتَهُ مُمْكِنَةٌ) مُرَادُهُ بِهِ تَقْيِيدَ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَادِرٌ عَلَى الْإِزَالَةِ
(8/213)
بِدَوَامِهِ مِنْ الْحَلِفِ إلَى الْحِنْثِ، فَمَتَى زَالَ بَيْنَهُمَا فَلَا حِنْثَ عَمَلًا بِالْمُتَبَادَرِ مِنْ عِبَارَتِهِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ لِنَحْوِ حَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ تَحَجُّبِ الْقَاضِي وَلَمْ تُمْكِنْهُ مُرَاسَلَةٌ وَلَا كِتَابَةٌ (فَكَمُكْرَهٍ) فَلَا يَحْنَثُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) مَا دَامَ قَاضِيًا (بَرَّ بِرَفْعٍ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ) سَوَاءٌ أَنَوَى عَيْنَهُ أَمْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِعَيْنِهِ، وَذَكَرَ الْقَضَاءَ لِلتَّعْرِيفِ فَأَشْبَهَ قَوْلَهُ لَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ هَذِهِ فَبَاعَهَا ثُمَّ دَخَلَهَا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ تَغْلِيبًا لِلْعَيْنِ، مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَصْفِ وَالْإِضَافَةِ يَطْرَأُ وَيَزُولُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي لَا أُكَلِّمُ هَذَا الْعَبْدَ فَكَلَّمَهُ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَطْرَأَ وَيَزُولَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَافِرُ بَحْرًا شَمَلَ ذَلِكَ النَّهْرَ الْعَظِيمَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ بِأَنَّهُ يُسَمَّى بَحْرًا، قَالَ: فَإِنْ حَلَفَ لَيُسَافِرَن بَرَّ بِقَصِيرِ السَّفَرِ، وَالْأَقْرَبُ الِاكْتِفَاءُ بِوُصُولِهِ مَحَلًّا يَتَرَخَّصُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ، وَإِنَّمَا قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا يَتَنَفَّلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ عَلَى الدَّابَّةِ لِأَنَّ ذَاكَ رُخْصَةٌ تُجَوِّزُهَا الْحَاجَةُ وَلَا حَاجَةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا لَوْ (حَلَفَ) لَا يَشْتَرِي عَيْنًا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى نِصْفَهَا بِخَمْسَةٍ ثُمَّ نِصْفَهَا بِخَمْسَةٍ فَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ الْأَوْجَهُ الثَّانِي سَوَاءٌ قَالَ لَا أَشْتَرِي قِنًّا مَثَلًا أَوْ لَا أَشْتَرِي هَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ عِنْدَ شِرَاءِ كُلِّ جُزْءٍ الشِّرَاءُ بِالْعَشَرَةِ، وَكَوْنُهَا اسْتَقَامَتْ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ غَالِبًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ، فَلَا يُقَالُ: الْقَصْدُ عَدَمُ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ بِعَشَرَةٍ وَقَدْ وُجِدَ، أَوْ (لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ) بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ عَقْدًا صَحِيحًا لَا فَاسِدًا (حَنِثَ) لِظُهُورِهِ فِي الْأَوَّلِ وَشُمُولِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ فِي الثَّانِي، نَعَمْ يَحْنَثُ فِي الْحَجِّ بِفَاسِدِهِ وَلَوْ ابْتِدَاءً بِأَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَوْ تَحَجَّبَ الْقَاضِي) أَيْ أَوْ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ إلَّا بِدَرَاهِمَ يَغْرَمُهَا لَهُ أَوْ لِمَنْ يُوَصِّلُهُ إلَيْهِ وَإِنْ قُلْت (قَوْلُهُ: شَمَلَ ذَلِكَ النَّهْرَ) أَيْ وَإِنْ انْتَفَى عِظَمُهُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَبَحْرِ مِصْرَ وَسَافَرَ فِي الْحِينِ الَّذِي انْتَفَى عِظَمُهُ فِيهِ كَزَمَنِ الصَّيْفِ (قَوْلُهُ: بِوُصُولِهِ مَحَلًّا يَتَرَخَّصُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ مَحَلًّا يُعَدُّ قَاصِدُهُ مُسَافِرًا فِي الْعُرْفِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ خُرُوجِهِ مِنْ السُّورِ عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَعُودَ مِنْهُ لِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى مِثْلِ هَذَا لَا يُسَمَّى سَفَرًا وَمِنْ ثَمَّ لَا يَتَنَفَّلُ فِيهِ عَلَى الدَّابَّةِ وَلَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ) أَيْ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يُسَمَّى سَفَرًا، وَمُجَرَّدُ الْخُرُوجِ مِنْ السُّوَرِ بِنَحْوِ ذِرَاعٍ مَثَلًا عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَعُودَ مِنْهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ مَحَلٍّ يُعَدُّ بِهِ مُسَافِرًا وَإِنْ اتَّفَقَ عَوْدُهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ السُّورِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ لِوُجُودِ مُسَمَّى السَّفَرِ.
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا (قَوْلُهُ: لَا يَشْتَرِي عَيْنًا بِعَشَرَةٍ) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ لَا أَشْتَرِي هَذِهِ الْعَيْنَ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَنًا فَيَحْنَثُ إذَا اشْتَرَى بَعْضَهَا فِي مَرَّةٍ وَبَعْضَهَا فِي مَرَّةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا، وَيَدُلُّ لَهُ مَا سَيَأْتِي فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ فَدَخَلَ مَالِكَهَا بِاشْتِرَاكٍ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ الْأَوْجَهُ الثَّانِي) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ لَا أَبِيعُهَا بِعَشَرَةٍ فَبَاعَ نِصْفَهَا بِخَمْسَةٍ ثُمَّ نِصْفَهَا بِخَمْسَةٍ فَلَا يَحْنَثُ (قَوْلُهُ: لَا يُفِيدُ) أَيْ فِي الْحِنْثِ (قَوْلُهُ: عَقْدًا صَحِيحًا) وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَنَوَى عَيْنَهُ) أَيْ خَاصَّةً وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَضَاءَ لِلتَّعْرِيفِ.
وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ هُنَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَيَذْكُرَ الْقَضَاءَ تَعْرِيفًا لَهُ فَيَبَرُّ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ قَطْعًا وَالثَّانِيَةُ أَنْ يُطْلَقَ فَفِي بِرِّهِ بِالرَّفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ وَجْهَانِ لِتَقَابُلِ النَّظَرِ إلَى التَّعْيِينِ وَالصِّفَةِ اهـ.
فَالشَّارِحُ أَرَادَ بِمَا ذَكَرَهُ التَّعْمِيمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا يَتَنَفَّلُ فِيهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا نَحْوَ التَّنَفُّلِ عَلَى الدَّابَّةِ بِالْمَيْلِ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِ النِّدَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ إلَخْ
[فَصْلٌ فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا]
(فَصْلٌ) فِي الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ
(8/214)
أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فَأَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ كَصَحِيحِهِ لَا بِبَاطِلِهِ، وَلَوْ قَالَ لَا أَبِيعُ فَاسِدًا فَبَاعَ فَاسِدًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ الْحِنْثُ وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا عَدَمَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ (وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ، وَأَخَذَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ الْمَصْدَرِ وَأَنْ وَالْفِعْلِ فِي قَوْلِهِمْ يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ يَنْتَفِعَ فَلَا يُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ فَيُؤَجِّرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى هُنَا بِالْمَصْدَرِ كَلَا أَفْعَلُ الشِّرَاءَ أَوْ الزَّرْعَ حَنِثَ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ شَرْعًا وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِمَا، وَهُنَا فِي مَدْلُولِ مَا وَقَعَ فِي لَفْظِ الْحَالِفِ وَهُوَ فِي لَا أَفْعَلُ الشِّرَاءَ وَلَا أَشْتَرِي وَفِي حَلَفْت أَنْ لَا أَشْتَرِي وَاحِدٌ وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ لِلشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ.
(أَوْ) حَلَفَ (لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يُعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ) (لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُوجَدْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَكَانَ لَائِقًا بِالْحَالِفِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ وَيُحَسِّنُهُ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ حَاضِرًا فِعْلَ الْوَكِيلِ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا جَعَلُوا إعْطَاءَ وَكِيلِهَا بِحَضْرَتِهَا.
بِإِعْطَائِهَا كَمَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ فِي إنْ أَعْطَيْتنِي لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى إعْطَاءً، وَأَوْجَبُوا التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَخَصْمِهِ فِي الْمَجْلِسِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْوَكِيلِ لِكَسْرِ قَلْبِ الْخَصْمِ بِتَمْيِيزِ خَصْمِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ لَا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ) فَيَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْمَجَازَ الْمَرْجُوحَ يَصِيرُ قَوِيًّا بِالنِّيَّةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ.
قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَبْعَدَهُ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ وَلَا يُوَكِّلُ لَمْ يَحْنَثْ بِبَيْعِ وَكِيلِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ لِأَنَّهُ بَعْدَهُ لَمْ يُوَكِّلْ وَلَمْ يُبَاشِرْ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ زَوْجَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَانَ أَذِنَ لَهَا قَبْلَ الْحَلِفِ فِي الْخُرُوجِ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ (أَوْ لَا يَنْكِحُ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ (حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي النِّكَاحِ سَفِيرٌ مَحْضٌ وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ إضَافَةُ الْقَبُولِ لَهُ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ حَلَفَتْ مُجْبَرَةٌ لَا تَتَزَوَّجُ لَمْ تَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ لَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زُوِّجَتْ الثَّيِّبُ بِإِذْنِهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: لَا بِبَاطِلِهِ) قَالَ حَجّ: وَقَضِيَّةُ فَرْقِهِمْ بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فِي الْعَارِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إلْحَاقُهَا بِالْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِنْثِ بِفَاسِدِهَا دُونَ بَاطِلِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ كَالشَّارِحِ لِلْعُمْرَةِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَعْتَمِرُ فَاعْتَمَرَ فَاسِدًا (قَوْلُهُ بَلْ لَا يَصِحُّ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُبَاشَرَتُهُ لِلشِّرَاءِ بِنَفْسِهِ) أَيْ فَلَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ وَكِيلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُوَكَّلُ عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ) : (فَيَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ) أَيْ بِفِعْلِ الْوَكِيلِ النَّاشِئِ عَنْ التَّوْكِيلِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَعْدَهُ) أَيْ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: لَمْ تَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ فَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ بِإِذْنِهَا الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ زُوِّجَتْ الثَّيِّبُ) أَيْ أَوْ الْبِكْرُ بِأَنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ بِإِذْنِهَا فَيَحْنَثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ ثَمَّ فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ النَّظَرِ وَسَكَتَ عَنْ وَجْهِ عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الِانْتِفَاعُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ وَالْفِعْلَ ثَمَّ فَالْمُسْتَعِيرُ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمِلْكِ الِانْتِفَاعِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ عَنْهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالْعَيْنِ وَلَيْسَتْ مَصْدَرًا (قَوْلُهُ: فِي مَدْلُولِ ذَيْنِك اللَّفْظَيْنِ شَرْعًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ مَدْلُولِهِمَا الْأَصْلِيِّ، إذْ الشَّارِعُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا هُنَا بِخِلَافِهِ هُنَاكَ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى إعْطَاءً) هَلْ يَجْرِي ذَلِكَ هُنَا كَذَا قَالَهُ ابْنُ قَاسِمٍ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ قَبْلَهُ النَّصُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَفِعْلِهِ (قَوْلُهُ: عَلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ الْمَرْجُوحَ) لَعَلَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ هُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَقِيقَةِ لِأَصَالَتِهَا (قَوْلُهُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالْأَقْرَبُ الْحِنْثُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّظَرَ فِي أَصْلِ الْأَخْذِ أَيْضًا وَوَجْهُ النَّظَرِ فِيهِ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ بِتَزْوِيجِ الْمُجْبِرِ لَهَا) أَيْ بِالْإِجْبَارِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَتْ، وَقَدْ يُقَالُ هَلَّا انْتَفَى الْحِنْثُ عَنْ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ مُتَعَذِّرَةٌ أَصْلًا، وَالْقَوْلُ بِحِنْثِهَا إنَّمَا يُنَاسِبُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْمَجَازِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(8/215)
لِوَلِيِّهَا.
قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
وَمَا أَفْتَى بِهِ مِنْ عَدَمِ حِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ فَوَكَّلَ مَنْ رَاجَعَ لَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَزْوِيجِ الْوَكِيلِ لَهُ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ وَهُوَ مَرْدُودٌ، وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِيهَا لِكَوْنِهَا اسْتِدَامَةُ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ (لَا بِقَبُولِهِ) هُوَ (لِغَيْرِهِ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ سَفِيرٌ مَحْضٌ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَكَحَ، نَعَمْ لَوْ نَوَى أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ حَنِثَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، أَمَّا لَوْ نَوَى بِمَا ذُكِرَ الْوَطْءَ لَمْ يَحْنَثْ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَجَازَ يَتَقَوَّى بِالنِّيَّةِ (أَوْ لَا يَبِيعُ) .
(أَوْ لَا يُؤَجِّرُ مَثَلًا) (مَالَ زَيْدٍ) أَوْ لِزَيْدٍ مَالًا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَمِنْ ثَمَّ تَعَيَّنَ فِي لَا تَدْخُلُ لِي دَارًا أَنَّ لِي حَالًا مِنْ دَارًا قُدِّمَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا نَكِرَةً وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِتَدْخُلُ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارِ الْحَالِفِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا وَدَخَلَ لِغَيْرِهِ لَا دَارَ غَيْرِهِ وَإِنْ دَخَلَ لَهُ (فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ) أَوْ إذْنِ نَحْوِ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ بِظَفَرٍ مَعَ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ مَالَ زَيْدٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنْ يَبِيعَهُ بَيْعًا صَحِيحًا (حَنِثَ) لِصِدْقِ الِاسْمِ (وَإِلَّا) بِأَنْ بَاعَهُ بَيْعًا بَاطِلًا (فَلَا) حِنْثَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُخْتَصٌّ بِالصَّحِيحِ وَكَذَا الْعِبَادَاتُ إلَّا الْحَجَّ (أَوْ لَا) يَتَبَرَّعُ وَأَطْلَقَ شَمَلَ كُلَّ تَبَرُّعٍ مِنْ نَحْوِ صَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَوَقْفٍ وَإِبْرَاءٍ لَا نَحْوِ زَكَاةٍ أَوْ لَا (يَهَبُ لَهُ) أَيْ لِزَيْدٍ (فَأَوْجَبَ لَهُ) الْعَقْدَ (فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ تَمَامِ الْهِبَةِ وَيَجْرِي هَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ يَحْتَاجُ لِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ (وَكَذَا إنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْأَصَحِّ) لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْهِبَةِ نَقْلُ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالثَّانِي يَحْنَثُ لِأَنَّ الْهِبَةَ قَدْ حَصَلَتْ وَالْمُتَخَلِّفُ الْمِلْكُ.
(وَيَحْنَثُ) مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ (بِعُمْرَى وَرُقْبَى وَصَدَقَةٍ) مَنْدُوبَةٍ لَا وَاجِبَةٍ كَنَذْرٍ وَزَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَبِهَدِيَّةٍ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الْهِبَةِ (لَا إعَارَةٍ) إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَضِيَافَةٍ (وَوَصِيَّةٍ) لِأَنَّهَا جِنْسٌ مُغَايِرٌ لِلْهِبَةِ (وَوَقْفٍ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَهُ تَعَالَى، وَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ حِنْثِهِ بِعَيْنٍ مَوْجُودَةٍ حَالَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ يَمْلِكُهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَصُوفِ الْبَهِيمَةِ وَوَبَرِهَا وَلَبَنِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ أَعْيَانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ مَحَلُّ تَوَقُّفٍ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ تَابِعَةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ (أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ) حَنِثَ بِصَدَقَةِ فَرْضٍ وَتَطَوُّعٍ وَلَوْ عَلَى غَيْرِ ذِمِّيٍّ وَبِعِتْقِ وَوَقْفٍ لِأَنَّهُ يُسَمَّى صَدَقَةً وَإِبْرَاءً، فَإِنْ أَتَى بِعَارِيَّةٍ أَوْ ضِيَافَةٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ قِرَاضٍ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا وَلَمْ (يَحْنَثْ) بِهَدِيَّةٍ وَلَا (بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا لِاقْتِضَائِهَا التَّمْلِيكَ لَا تُسَمَّى صَدَقَةً وَلِهَذَا حَلَّتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ، وَفَارَقَ عَكْسَهُ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ أَخَصُّ فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ وَلَا عَكْسَ، نَعَمْ إنْ نَوَى بِالْهِبَةِ الصَّدَقَةَ حَنِثَ، وَالثَّانِي لَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ فَتَصَدَّقَ (أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ) (لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (مَعَ غَيْرِهِ) يَعْنِي هُوَ وَغَيْرُهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا كَأَنْ اشْتَرَيَا مُشَاعًا وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِ حِصَّتِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لَمْ يَخْتَصَّ زَيْدٌ بِشِرَائِهِ، وَالْيَمِينُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا مِنْ اخْتِصَاصِ زَيْدٍ بِشِرَائِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ لَمْ يَحْنَثْ بِدُخُولِ دَارِ شَرِكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَخَرَجَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ) أَيْ فَيَحْنَثُ بِمُرَاجَعَةِ الْوَكِيلِ (قَوْلُهُ: وَالْقَوْلُ بِذَلِكَ) وَقَائِلُهُ حَجّ (قَوْلُهُ لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ وَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ فَيَحْنَثُ بِدُخُولِ دَارِ الْحَالِفِ) أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لَا أَدْخُلُ لَك دَارًا.
(قَوْلُهُ: وَبِهَدِيَّةٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِعُمْرِي إلَخْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا جِنْسٌ) وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الضِّيَافَةِ (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا حَلَّتْ لَهُ) أَيْ الْهِبَةُ وَكَذَا الْهَدِيَّةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُسَمَّى صَدَقَةً (قَوْلُهُ فَكُلُّ صَدَقَةٍ هِبَةٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لَمْ يَحْنَثْ بِهَا لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى هِبَةً (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِ حِصَّتِهِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ قَسَمَ حِصَّتَهُ مِنْ شَرِيكِهِ قِسْمَةَ إفْرَازٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ تَعَيَّنَ فِي لَا تَدْخُلْ لِي دَارًا إلَخْ) خَالَفَ فِي هَذَا فَتَاوِيَهُ فَجَعَلَ لِي مُتَعَلِّقًا بِتَدْخُلْ عَكْسُ مَا هُنَا وَمَا هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ (قَوْلُهُ: قَدَّمَ عَلَيْهَا لِكَوْنِهَا نَكِرَةً) يَعْنِي لَمَّا أُرِيدَ إعْرَابُهُ حَالًا قُدِّمَ لِأَجْلِ تَنْكِيرِ صَاحِبِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وَصْفًا فِي حَالِ تَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ: بِأَنْ بَاعَهُ بَيْعًا بَاطِلًا) هُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ
(قَوْلُهُ: كَصُوفِ الْبَهِيمَةِ إلَخْ) صَرِيحُ هَذَا أَنَّهُ يَمْلِكُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَلْيُرَاجَعْ مَا مَرَّ فِي الْوَقْفِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لِاقْتِضَائِهَا التَّمْلِيكَ لَا تُسَمَّى صَدَقَةً) فِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى،
(8/216)
بِالْإِفْرَازِ مَا لَوْ اقْتَسَمَا قِسْمَةَ رَدٍّ كَأَنْ اشْتَرَيَا بِطِّيخَةً وَرُمَّانَةً فَتَرَاضَيَا بِرَدِّ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ فَيَحْنَثُ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ فَيَصْدُقُ أَنَّ زَيْدًا اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ (وَكَذَا لَوْ) قَالَ) فِي يَمِينِهِ لَا آكُلُ (مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ) (فِي الْأَصَحِّ) لِمَا تَقَرَّرَ.
(وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ (سَلَمًا) وَبِمَا مَلَكَهُ بِإِشْرَاكٍ وَتَوْلِيَةٍ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَعَدَمُ انْعِقَادِهَا بِلَفْظِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ وَإِنْ كَانَتْ بُيُوعًا حَقِيقَةً، إذْ الْخَاصُّ فِيهِ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعَامِّ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ بِلَفْظِ الْعَامِّ لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الزَّائِدِ فِيهِ عَلَى الْعَامِّ، وَصُورَتُهُ فِي الْإِشْرَاكِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعْدَهُ الْبَاقِيَ وَيَأْتِي فِي الْإِفْرَازِ هُنَا مَا مَرَّ وَبِمَا اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ لَا بِمَا اشْتَرَاهُ لَهُ وَكِيلُهُ أَوْ عَادَ إلَيْهِ بِنَحْوِ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ قِسْمَةٍ لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ بَيْعٍ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بُيُوعًا حَالَةَ الْإِطْلَاقِ (وَلَوْ اخْتَلَطَ) فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا أَوْ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ إذْ التَّنْكِيرُ يَقْتَضِي الْجِنْسِيَّةَ فَلَمْ يَشْتَرِطْ أَكْلَ الْجَمِيعِ (مَا اشْتَرَاهُ) زَيْدٌ وَحْدَهُ (بِمُشْتَرٍ غَيْرِهِ) يَعْنِي مَمْلُوكَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ شِرَاءٍ (لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ) أَيْ يَظُنَّ (أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ) بِأَنْ أَكَلَ قَدْرًا صَالِحًا كَالْكَفِّ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ بِهِ يُعْلَمُ الْحِنْثُ بِخِلَافِ نَحْوِ عِشْرِينَ حَبَّةً، وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَمَرَةً وَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا وَاحِدَةً لَمْ يَحْنَثْ لِانْتِفَاءِ تَيَقُّنِهِ أَوْ ظَنِّهِ عَادَةً مَا بَقِيَتْ تَمْرَةٌ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا.
وَلَوْ نَوَى هُنَا نَوْعًا مِمَّا ذُكِرَ تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ (أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا) أَوْ بَعْضَهَا (بِشُفْعَةٍ) لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهَا لَا يُسَمَّى شِرَاءً عُرْفًا وَلَا شَرْعًا، وَيُتَصَوَّرُ أَخْذُ جَمِيعِ الدَّارِ بِهَا بِأَنْ يَكُونَ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَيَحْكُمُ بِهَا حَاكِمٌ يَرَاهُ وَبِأَنْ يَمْلِكَ إنْسَانٌ نِصْفَ دَارٍ وَيَبِيعَ شَرِيكُهُ نِصْفَهَا فَيَأْخُذَ بِهَا ثُمَّ يَبِيعَ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِهَا لِآخَرَ فَيَبِيعُهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ فَيَأْخُذُهُ الشَّرِيكُ بِهَا فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ أَخَذَ جَمِيعَهَا بِهَا
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا حَنِثَ بِخَلْخَالٍ وَسِوَارٍ وَدُمْلُجٍ وَطَوْقٍ وَخَاتَمِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ أَوْ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: قِسْمَةَ رَدٍّ) أَيْ أَوْ تَعْدِيلٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ (قَوْلُهُ بِرَدِّ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ) قَضِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَتُهَا، بَلْ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِطِّيخَتَيْنِ فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ حِصَّتِهِ مِنْ إحْدَى الْبِطِّيخَتَيْنِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا، وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ بِرَدِّ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ: أَيْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ (قَوْلُهُ: وَيَأْتِي فِي الْإِفْرَازِ إلَخْ) وَفِي نُسْخَةٍ: أَوْ يُفْرِزُ حِصَّتَهُ إذْ لَا حِنْثَ بِالْمُشَاعِ، وَقَوْلُهُ أَوْ يُفْرِزُ إلَخْ يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلُ وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِ حِصَّتِهِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ بَيْعٍ) أَيْ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ حَيْثُ لَمْ يَجْرِ فِيهَا لَفْظُ بَيْعٍ فَلَا يَحْنَثُ بِهَا، بَلْ وَقَضِيَّةُ عِبَارَتِهِ أَنَّ قِسْمَةَ الرَّدِّ لَوْ لَمْ يَجْرِ فِيهَا لَفْظُ بَيْعٍ لَمْ يَحْنَثْ بِهَا، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ قَبْلُ فَتَرَاضَيَا بِرَدِّ إحْدَى الْحِصَّتَيْنِ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى بُيُوعًا) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ عَادَ إلَيْهِ بِنَحْوِ رَدِّ عَيْبٍ وَمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: تَعَلَّقَ الْحِنْثُ بِهِ) وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ فِيمَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِدَارِهِ مَسْكَنَهُ حَيْثُ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَدَمُ قَبُولِهِ هُنَا (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَمْلِكْهُ) وَهُوَ حِصَّتُهُ الْأَصْلِيَّةُ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَعِبَارَةُ حَجّ: نَعَمْ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ لَا حِنْثَ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَغَوِيّ بِمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ فَلَبِسَهَا فِي رِجْلِهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي فِيهِ حِنْثُ الْمَرْأَةِ لَا الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِيهَا، وَانْتَصَرَ لَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ، وَرَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ قَوْلَ الرُّويَانِيِّ عَنْ الْأَصْحَابِ يَحْنَثُ مُطْلَقًا لِوُجُودِ حَقِيقَةِ اللُّبْسِ وَصَدَقَ الِاسْمُ، ثُمَّ بَحَثَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ لُبْسِهِ فِي الْأُنْمُلَةِ الْعُلْيَا وَغَيْرِهَا، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِقَاعِدَةِ الْبَابِ، وَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ لِأَنَّ ذَاكَ لَمْ يُعْتَدْ أَصْلًا وَهَذَا مُعْتَادٌ فِي عُرْفِ أَقْوَامٍ وَبُلْدَانٍ مَشْهُورَةٍ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ بِغَيْرِ الْخِنْصَرِ لَيْسَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: لِأَنَّهَا لِتُوَقِّفَهَا عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا تُسَمَّى صَدَقَةً (قَوْلُهُ: إذْ التَّنْكِيرُ يَقْتَضِي الْجِنْسِيَّةَ) اُنْظُرْهُ مَعَ النَّفْيِ (قَوْلُهُ: وَيَحْكُمُ بِهَا حَاكِمٌ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ قَاسِمٍ فَيَكْفِي التَّقْلِيدُ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَبِيعُ مَا لَمْ يَمْلِكْهُ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ حَصْرِ مَا يَبِيعُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَبِيعُهُ شَائِعٌ فِيمَا مَلَكَهُ بِالشُّفْعَةِ وَفِيمَ مَلَكَهُ بِغَيْرِهَا
(قَوْلُهُ: لَمْ يَحْنَثْ بِلُبْسِهِ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ)
(8/217)
وَلَوْ مَنَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ مَاءً مِنْ عَطَشٍ فَشَرِبَ لَهُ مَاءً مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ أَوْ أَكَلَ لَهُ خُبْزًا أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَا صَلَّيْت فَأَحْرَمَ بِفَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ حَنِثَ إلَّا صَلَاةَ الْجِنَازَةِ فَلَا حِنْثَ بِهَا كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ لِعَدَمِ إطْلَاقِ الْعُرْفِ اسْمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا أَوْ لَيَنْفَرِدَن بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِمَّا أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُنْفَرِدًا أَوْ يَقُومَ بِالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى أَوْ لِيَتَزَوَّجَ سِرًّا فَتَزَوَّجَ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ حَنِثَ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذَلِكَ أَوْ لَا يَكْتُبُ بِهَذَا الْقَلَمِ وَكَانَ مَبْرِيًّا فَكَسَرَ بُرَايَتَهُ وَاسْتَأْنَفَ بُرَايَةً أُخْرَى لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْقَلَمَ اسْمٌ لِلْمَبْرِيِّ لَا لِلْقَصَبَةِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَقْطَعُ بِهَذِهِ السِّكِّينِ ثُمَّ أَبْطَلَ حَدَّهَا وَجَعَلَ الْحَدَّ مِنْ وَرَائِهَا وَقَطَعَ بِهَا لَمْ يَحْنَثْ أَوْ لَا يَزُورُ فُلَانًا فَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ فَلَا حِنْثَ.
كِتَابُ النَّذْرِ عَقَّبَ الْأَيْمَانَ بِهِ لِأَنَّ أَحَدَ وَاجِبَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ التَّخْيِيرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا الْتَزَمَ بِهِ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ لُغَةً: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَشَرْعًا: الْوَعْدُ بِخَيْرٍ بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَأْتِي، فَلَا يَلْزَمُ بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَإِنْ تَأَكَّدَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا مَا نَوَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي اللَّجَاجِ الْآتِي مَكْرُوهٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ هُنَا قَالَ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ، وَفِي التَّبَرُّرِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعَلَّقُ وَغَيْرُهُ إذْ هُوَ وَسِيلَةٌ لِطَاعَةٍ، وَالْوَسَائِلُ تُعْطَى حُكْمَ الْمَقَاصِدِ، وَأَرْكَانُهُ: نَاذِرٌ، وَمَنْذُورٌ، وَصِيغَةٌ.
وَشَرْطُ النَّاذِرِ: إسْلَامٌ، وَاخْتِيَارٌ وَنُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِيمَا يَنْذُرُهُ، فَيَصِحُّ نَذْرُ سَكْرَانَ لَا كَافِرٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ وَمُكْرَهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
خُصُوصِيَّاتِ النِّسَاءِ مَا مَرَّ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِلرَّجُلِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ حُرْمَتَهُ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِنَّ (قَوْلُهُ: أَوْ لَبِسَ لَهُ ثَوْبًا لَمْ يَحْنَثْ) أَيْ وَإِنْ أَرَادَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَطَشِ الَّذِي يَحْنَثُ بِهِ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عَطَشٌ وَإِنْ قَلَّ.
كِتَابُ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ) هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهِ اللُّغَوِيَّةِ وَإِلَّا فَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا نَصَّهُ: هُوَ لُغَةً: الْوَعْدُ بِشَرْطٍ أَوْ الْتِزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَوْ الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَأَكَّدَ فِي حَقِّهِ) وَيَنْبَغِي أَنَّ مِثْلَ النَّذْرِ غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ الْقُرَبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ أُنْثَى وَهُوَ مَا فِي جَامِعِ الْمُزَنِيّ، لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: بِعِبَادَةِ اللَّهِ) لَعَلَّ صَوَابَهُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ مِنْ الْجَلَالَةِ وَإِلَّا فَالْإِضَافَةُ تُفِيدُ الْعُمُومَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِكُلِّ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ لَا يَزُورُ فُلَانًا) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: أَوْ لَا يَزُورُ فُلَانًا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا لَمْ يَحْنَثْ بِتَشْيِيعِ جِنَازَتِهِ، فَلَعَلَّ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا سَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ مِنْ الْكَتَبَةِ، لِأَنَّ تَشْيِيعَ جِنَازَتِهِ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ الْحِنْثُ بِهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُهُ مَيِّتًا كَمَا لَا يَخْفَى.
[كِتَابُ النَّذْرِ]
(قَوْلُهُ لِأَنَّ أَحَدَ وَاجِبَيْهِ) يَعْنِي لِأَنَّ وَاجِبَ أَحَدِ قِسْمَيْهِ وَهُوَ نَذْرُ اللَّجَاجِ، وَقَوْلُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ: أَيْ عَلَى مَذْهَبِ الرَّافِعِيِّ، وَقَوْلُهُ أَوْ التَّخْيِيرِ إلَخْ: أَيْ عَلَى مَذْهَبِ النَّوَوِيِّ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ) أَيْ بَلْ النَّدْبُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ إذْ هُوَ وَسِيلَةٌ لِطَاعَةٍ إلَخْ
(8/218)
وَمَحْجُورِ سَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي قُرْبَةٍ مَالِيَّةٍ عَيْنِيَّةٍ وَنَذْرُ الْقِنِّ مَالًا فِي ذِمَّتِهِ كَضَمَانِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ فِعْلِهِ الْمَنْذُورَ فَلَا يَصِحُّ نَذْرُهُ صَوْمًا لَا يُطِيقُهُ، وَلَا بَعِيدٍ عَنْ مَكَّةَ حَجًّا هَذِهِ السَّنَةُ، وَسَوَاءٌ فِي الصِّيغَةِ أَكَانَتْ بِلَفْظٍ أَمْ كِتَابَةً مَعَ نِيَّةٍ أَمْ إشَارَةَ أَخْرَسَ تَدُلُّ أَوْ تُشْعِرُ بِالْتِزَامِ كَيْفِيَّةِ الْعُقُودِ، وَيَكْفِي فِي صَرَاحَتِهَا نَذَرْت لَك كَذَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ.
(هُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ التَّمَادِي فِي الْخُصُومَةِ، وَيُسَمَّى نَذْرٌ وَيَمِينُ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ وَغَلَقٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ، وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّ عَلَيْهِ أَوْ يُحَقِّقَ خَبَرًا غَضَبًا بِالْتِزَامِ قُرْبَةٍ (كَإِنْ كَلَّمْته) أَوْ إنْ لَمْ أُكَلِّمْهُ أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَمَا قُلْته (فَلِلَّهِ عَلَيَّ) أَوْ فَعَلَيَّ (عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ) أَوْ عِتْقٌ وَصَوْمٌ وَحَجٌّ (وَفِيهِ) عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَلَا كَفَّارَةَ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ جَزْمًا فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ (وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ) لِخَبَرِ «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى» (وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ النَّذْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ وَالْيَمِينُ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَقْصُودَهُ مَقْصُودُ الْيَمِينِ، وَلَا سَبِيلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ مُوجِبُهُمَا وَلَا لِتَعْطِيلِهِمَا فَتَعَيَّنَ التَّخْيِيرُ (قُلْت: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا قُلْنَاهُ، أَمَّا إذَا الْتَزَمَ غَيْرَ قُرْبَةٍ كَلَا آكُلُ الْخُبْزَ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَمِنْهُ مَا يُعْتَادُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ الْعِتْقُ يَلْزَمُنِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَيَتَأَكَّدُ بِنِيَّتِهَا (قَوْلُهُ عَيْنِيَّةٍ) كَهَذَا الثَّوْبُ وَخَرَجَ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَيَصِحُّ نَذْرُ الْمَحْجُورِ لَهَا كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر اهـ سم عَلَى مَنْهَجٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَجْرِ السَّفَهِ وَالْفَلَسِ، ثُمَّ اُنْظُرْ بَعْدَ الصِّحَّةِ مِنْ أَيْنَ يُؤَدِّي السَّفِيهُ هَلْ هُوَ بَعْدَ رُشْدِهِ أَوْ يُؤَدِّي الْوَلِيُّ مِنْ مَالِ السَّفِيهِ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّ السَّفِيهَ يُؤَدِّي بَعْدَ رُشْدِهِ، وَبَقِيَ مَا لَوْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ تَرِكَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَزِمَ ذِمَّتَهُ فِي الْحَيَاةِ، وَقِيَاسًا عَلَى تَنْفِيذِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْقُرَبِ (قَوْلُهُ: كَضَمَانِهِ) أَيْ وَهُوَ بَاطِلٌ إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَأَمَّا بِإِذْنِهِ فَصَحِيحٌ وَيُؤَدِّيهِ مِنْ كَسْبِهِ الْحَاصِلِ بَعْدَ النَّذْرِ كَمَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ بِالنِّكَاحِ بِالْإِذْنِ مِمَّا كَسَبَهُ بَعْدَ النِّكَاحِ لَا بَعْدَ الْإِذْنِ (قَوْلُهُ: وَلَا بَعِيدٌ عَنْ مَكَّةَ) أَيْ بُعْدًا لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْحَجُّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ (قَوْلُهُ: نَذَرْتُ لَك كَذَا) عِبَارَةُ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ وَلَوْ قَالَ نَذَرْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لَمْ يَنْعَقِدْ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ الْإِقْرَارَ أُلْزِمَ بِهِ اهـ. وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْخِطَابَ يَدُلُّ عَلَى الْإِنْشَاءِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ كَمَا فِي بِعْتُك هَذَا بِخِلَافِ الِاسْمِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ الْإِنْشَاءُ.
(قَوْلُهُ: قُلْت الثَّالِثُ أَظْهَرُ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مَا الْتَزَمَهُ مُعَيَّنًا كَإِنْ كَلَّمْتُك فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ عَبْدِي هَذَا مَثَلًا.
(قَوْلُهُ: كَلَا آكُلُ الْخُبْزَ) كَأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا آكُلَ الْخُبْزَ فَلَا يُتَوَهَّمُ اتِّحَادُ هَذَا مَعَ مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكَهُ إلَخْ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ إلَخْ، وَقَوْلُهُ هُنَا إذَا الْتَزَمَ إلَخْ أَيْ بَدَلَ قَوْلِهِ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ مَعَ مُلَاحَظَةِ قَوْلِهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ نَذْرِ اللَّجَاجِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِيمَا يَنْذِرُهُ) هُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا (قَوْلُهُ: كَضَمَانِهِ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ: تَدُلُّ أَوْ تُشْعِرُ) أَيْ كُلٌّ مِنْ اللَّفْظِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى نَذْرَ لَجَاجٍ إلَخْ) فِي نُسْخَةٍ وَيُسَمَّى نَذْرَ وَيَمِينَ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ وَغَلْقٍ (قَوْلُهُ: أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا) اُنْظُرْهُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَقَوْلِهِ الْعِتْقُ أَوْ عِتْقَ قِنَّيْ فُلَانٍ يَلْزَمُنِي أَوْ الْعِتْقُ مَا فَعَلَتْ كَذَا لَغْوٌ، وَلَمْ أَرَ قَوْلَهُ أَوْ يُحَقِّقُ خَبَرًا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ إلَّا فِي التُّحْفَةِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ كَالرَّوْضَةِ هُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحْمِلَهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ وَكَذَا عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ مَا يُعْتَادُ إلَخْ) أَيْ مِنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ
(8/219)
أَوْ يَلْزَمُنِي عِتْقُ عَبْدِي فُلَانٍ أَوْ الْعِتْقُ لَا أَفْعَلُ، أَوْ لَأَفْعَلَن كَذَا.
فَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ فَلَغْوٌ أَوْ نَوَاهُ تَخَيَّرَ ثُمَّ إنْ اخْتَارَ الْعِتْقَ أَوْ عِتْقَ الْمُعَيَّنِ أَجْزَأَهُ مُطْلَقًا أَوْ الْكَفَّارَةُ وَأَرَادَ عِتْقَهُ عَنْهَا اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْإِجْزَاءِ أَوْ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ فَعَلَهُ عَتَقَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّ هَذَا مَحْضُ تَعْلِيقٍ خَالٍ عَنْ الِالْتِزَامِ بِنَحْوِ عَلَيَّ وَقَوْلُهُ الْعِتْقُ أَوْ عِتْقُ قِنِّي فُلَانٍ يَلْزَمُنِي أَوْ وَالْعِتْقُ مَا فَعَلْت كَذَا لَغْوٌ لِأَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَلَا الْتِزَامَ، وَالْعِتْقُ لَا يُحْلَفُ بِهِ إلَّا عَلَى أَحَدِ ذَيْنِك وَهُمَا هُنَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ (وَلَوْ) (قَالَ إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ) إنْ دَخَلْت فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ (نَذْرٍ) (لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ) فِي الصُّورَتَيْنِ (بِالدُّخُولِ) تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَمِينِ فِي الْأُولَى وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ فِي الثَّانِيَةِ، أَمَّا إذَا قَالَ فَعَلَيَّ يَمِينٌ فَلَغْوٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ نَذْرٍ وَلَا حَلِفٍ، وَالْيَمِينُ لَا تُلْتَزَمُ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ فَعَلَيَّ نَذْرٌ تَخَيَّرَ بَيْنَ قُرْبَةٍ مِنْ الْقُرَبِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ، وَمِنْ هُنَا تَعَيَّنَ جَرُّ نَذْرٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَطْفًا عَلَى يَمِينٍ، وَامْتَنَعَ رَفْعُهُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا تَقَرَّرَ إذْ تَعَيُّنُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الرَّفْعِ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَرَّرَ فِي عَلَيَّ نَذْرٌ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ لَزِمَهُ قُرْبَةٌ مِنْ الْقُرَبِ وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ.
(وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ) سُمِّيَ بِهِ لِطَلَبِ الْبِرِّ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى (بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً) أَوْ صِفَتَهَا الْمَطْلُوبَةَ فِيهَا (إنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ) تَقْتَضِي سُجُودَ الشُّكْرِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُمْ بِالْحُدُوثِ (أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ) تَقْتَضِي ذَلِكَ أَيْضًا كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ وَالِدِهِ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، لَكِنَّهُ رَجَّحَ قَوْلَ الْقَاضِي عَدَمُ تَقْيِيدِهِمَا بِذَلِكَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَفَّالُ فِيمَا لَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: إنْ جَامَعْتَنِي فَعَلَيَّ عِتْقُ عَبْدٍ، فَإِنْ قَالَتْهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْعِ فَلَجَاجٌ أَوْ الشُّكْرِ لِلَّهِ حَيْثُ يَرْزُقُهَا الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ لَزِمَهَا الْوَفَاءُ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ نَذْرَيْ اللَّجَاجِ وَالتَّبَرُّرِ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَعْلِيقٌ بِمَرْغُوبٍ عَنْهُ وَالثَّانِي بِمَرْغُوبٍ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ ضُبِطَ بِأَنْ يُعَلِّقَ بِمَا يَقْصِدُ حُصُولَهُ فَنَحْوُ: إنْ رَأَيْت فُلَانًا فَعَلَيَّ صَوْمٌ يَحْتَمِلُ النَّذْرَيْنِ وَيَتَخَصَّصُ أَحَدُهُمَا بِالْقَصْدِ، وَكَذَا قَوْلُ امْرَأَةٍ لِآخَرَ إنْ تَزَوَّجْتَنِي فَعَلَيَّ أَنْ أُبْرِئَك مِنْ مَهْرِي وَسَائِرِ حُقُوقِي فَهُوَ تَبَرُّرٌ إنْ أَرَادَتْ الشُّكْرَ عَلَى تَزَوُّجِهِ (كَإِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ لَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ) أَيْ تَعْلِيقَ الِالْتِزَامِ، وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ أَمْ لَا (قَوْلُهُ لَغْوٌ) أَيْ حَيْثُ لَا صِيغَةَ تَعْلِيقٍ فَيَلْغُو، وَإِنْ نَوَى التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَمِنْهُ مَا يُعْتَادُ إلَخْ فَإِنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَقُولَ إنْ كَلَّمْتُك مَثَلًا فَالْعِتْقُ يَلْزَمُنِي، ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى حَجّ ذَكَرَ الِاسْتِشْكَالَ فَقَطْ (قَوْلُهُ: أَحَدُ ذَيْنِك) أَيْ التَّعْلِيقِ وَالِالْتِزَامِ (قَوْلُهُ: وَهُمَا هُنَا غَيْرُ مَقْصُودَيْنِ) وَعَلَيْهِ فَلَوْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَمَا الْمَانِعُ مِنْ الِانْعِقَادِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ عَلَى مَعْنَى إنْ كُنْت فَعَلْته فَيَلْزَمُنِي الْعِتْقُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: تَخَيَّرَ بَيْنَ قُرْبَةٍ) أَيْ كَتَسْبِيحٍ أَوْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ (قَوْلُهُ: مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِهِ) لَمْ يَنْقُلْ فِي عَلَيَّ نَذْرٌ تَصْحِيحًا عَنْ الْمُصَنِّفِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِتَصْحِيحِهِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ قُلْت الثَّالِثُ أَظْهَرُ فَإِنَّ النَّذْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرَبِ أَوْ أَنَّهُ صَحَّحَهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ (قَوْلُهُ: وَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى رَأْيِهِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً) وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهُ مِنْ أَنَّ شَخْصًا قَالَ لِمُرِيدِ التَّزَوُّجِ بِابْنَتِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُجَهِّزُهَا بِقَدْرِ مَهْرِهَا مِرَارًا فَهُوَ نَذْرُ تَبَرُّرٍ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَأَقَلُّ الْمِرَارِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ زِيَادَةً عَلَى مَهْرِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ صِفَتُهَا الْمَطْلُوبَةُ) كَإِيقَاعِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ (قَوْلُهُ يَقْتَضِي سُجُودَ الشُّكْرِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ لَهَا وَقْعٌ (قَوْلُهُ عَدَمُ تَقْيِيدِهِمَا بِذَلِكَ) أَيْ اقْتِضَائِهَا سُجُودَ الشُّكْرِ (قَوْلُهُ: وَيَتَخَصَّصُ) أَيْ يَتَعَيَّنُ (قَوْلُهُ: فَهُوَ تَبَرُّرٌ) أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا إبْرَاؤُهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا فِي الْمَهْرِ، وَمِمَّا يَتَرَتَّبُ لَهَا بِذِمَّتِهِ مِنْ الْحُقُوقِ بَعْدُ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ النَّاذِرِ مَا نَذَرَ بِهِ فَيَصِحُّ بِحَسَبِ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِنْ مُعَشَّرٍ قَالَهُ الْقَاضِي. [فَرْعٌ اسْتِطْرَادِيٌّ] وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا لَوْ نَذَرَ شَخْصٌ أَنَّهُ إنْ رَزَقَهُ اللَّهُ وَلَدًا سَمَّاهُ بِكَذَا هَلْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَهَلْ يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ بَعْدَ حُصُولِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ سَمَّيْت وَلَدِي بِكَذَا وَإِنْ لَمْ يُشْتَهَرْ بِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا تَعْلِيقَ فِيهِ وَلَا الْتِزَامَ) كَأَنَّهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلَاتِ حَقِيقَةً، وَلَا يُنَافِي هَذَا تَصْوِيرَهُمْ التَّعْلِيقَ بِالْمَاضِي فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَفْظِيٌّ فَلْيُحَرَّرْ
(8/220)
شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا) أَوْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي كَذَا أَوْ فَكَذَا لَازِمٌ لِي أَوْ وَاجِبٌ عَلَيَّ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ الْتِزَامٌ، وَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ مِنْ صِحَّةِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَلْفٌ أَوْ فَعَلَيَّ أَلْفٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَلَا نَوَاهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ لِجَزْمِهِ فِي الرَّوْضَةِ بِالْبُطْلَانِ مَعَ ذِكْرِهِ صِحَّةَ لِلَّهِ أَوْ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ أَوْ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ وَيُجْزِيهِ بِهِ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ فِي تِلْكَ مَصْرِفًا وَلَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ مِسْكِينٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَكَانَ الْإِبْهَامُ فِيهَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ بِخِلَافِ هَذِهِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ يَنْصَرِفُ لِلْمَسَاكِينِ غَالِبًا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ صِحَّةُ نَذْرِهِ التَّصَدُّقَ بِأَلْفٍ وَيُعَيِّنُ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُهُ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ مِمَّا يُوهِمُ الصِّحَّةَ حَتَّى فِي الْأُولَى وَابْنُ الْمُقْرِي مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْبُطْلَانِ حَتَّى فِي نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِأَلْفٍ فَقَدْ غَفَلَ عَنْ تَصْوِيرِ أَصْلِهِ صُورَةَ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّصَدُّقَ، وَالصِّحَّةُ بِمَا إذَا ذَكَرَ أَلْفًا وَشَيْئًا، فَالْفَارِقُ ذِكْرُ التَّصَدُّقِ وَعَدَمِهِ، وَلَوْ كَرَّرَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ كَذَا تَكَرَّرَ مَا لَمْ يُرِدْ التَّأْكِيدَ وَلَوْ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ فِيمَا يَظْهَرُ وَلَهُ فِيمَا إذَا عَيَّنَ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلَ الْبِدْعَةِ إبْدَالُ كَافِرٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ بِمُسْلِمٍ أَوْ سُنِّيٍّ لَا دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ وَلَا مُوسِرٍ عَيَّنَهُ بِفَقِيرٍ لِأَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَيَّنَ شَيْئًا أَوْ مَكَانًا لِلصَّدَقَةِ تَعَيَّنَ (فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (إذَا حَصَلَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ) لِخَبَرِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فَوْرًا إذَا كَانَ لِمُعَيَّنٍ وَطَالَبَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَخَرَجَ نَحْوُ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا أَوْ دَارَ زَيْدٍ فَيَكُونُ لَغْوًا لِأَنَّهُ وَعْدٌ عَارٍ عَنْ الِالْتِزَامِ، نَعَمْ إنْ نَوَى بِهِ الِالْتِزَامَ لَمْ يَبْعُدْ انْعِقَادُهُ، وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الشِّفَاءِ فِي الْمُلْتَزَمِ أَهُوَ عِتْقٌ أَمْ صَوْمٌ أَمْ صَدَقَةٌ أَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يُقَالَ: إنْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ بِهَا كَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَعَبْدِ اللَّهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَأَنَّهُ حَيْثُ سَمَّاهُ بِمَا عَيَّنَهُ بَرَّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ الِاسْمُ بَلْ وَإِنْ هُجِرَ بَعْدُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ كَثِيرًا (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا) أَيْ مَصْرِفًا يُدْفَعُ فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ) أَيْ بَيْنَ قَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي إلَخْ، وَقَوْلُهُ لِلَّهِ أَوْ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيُعَيِّنُ أَلْفًا مِمَّا يُرِيدُهُ) أَيْ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا كَقَمْحٍ أَوْ فُولٍ (قَوْلُهُ: وَالصِّحَّةُ بِمَا إذَا ذَكَرَ أَلْفًا وَشَيْئًا) قَدْ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ حَجّ فِيمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا وَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَتَعَدَّدُ حَيْثُ لَمْ يَتَخَلَّلْ تَكْفِيرٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا عَدَمُ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بَلْ وَقَصْدُ الِاسْتِئْنَافِ، وَمُقْتَضَى مَا هُنَا فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ التَّعَدُّدُ مُطْلَقًا، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَا هُنَاكَ الْمُرَادُ تَحْقِيقُ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ فَالْمَقْصُودُ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَا غَيْرُ وَالتَّعْلِيقُ هُنَا يَسْتَدْعِي قُرْبَةً غَيْرَ الْأُولَى فَلَا يُتْرَكُ مُقْتَضَاهُ إلَّا بِصَارِفٍ وَهُوَ التَّوْكِيدُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُبْتَدِعٌ) وَمِثْلُهُ مُرْتَكِبُ كَبِيرَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا مُوسِرٌ) وَلَعَلَّ وَجْهَ تَعْيِينِ الدَّفْعِ لِلْمُوسِرِ وَجَوَازَ الْعُدُولِ عَنْ الْكَافِرِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالسُّنِّيِّ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِبَقَائِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ، بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمُوسِرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَيَّنَ شَيْئًا) كَأَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فِي مَكَانِ كَذَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ فِعْلُ لَيْلَةٍ لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا اُعْتِيدَ فِي مِثْلِهِ وَيَبَرُّ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ فِعْلُ لَيْلَةٍ وَلَا يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يُسَاوِي مَا يُصْرَفُ عَلَى اللَّيْلَةِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ عُرْفِ النَّاذِرِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيهًا مَثَلًا اُعْتُبِرَ مَا يُسَمَّى لَيْلَةً فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا) دَخْلَ فِيهِ مَا لَوْ كَانَ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ فَلْيُرَاجَعْ وَقِيَاسُ مَا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا خِلَافُهُ فَيَجِبُ الْفَوْرُ (قَوْلُهُ: عَمَّرْت مَسْجِدَ كَذَا) خَرَجَ بِهِ مَا لَوْ قَالَ فَعَلَيَّ عِمَارَةُ مَسْجِدِ كَذَا فَتَلْزَمُهُ عِمَارَتُهُ، يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِمَا يُسَمَّى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا) يَعْنِي مَصْرِفًا كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ صِحَّةً لِلَّهِ أَوْ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ إلَخْ) سَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ لَفْظُ عَلَيَّ عَقِبَ لِلَّهِ وَلَعَلَّهُ مِنْ النُّسَّاخِ وَهُوَ فِي التُّحْفَةِ عَلَى الصَّوَابِ (قَوْلُهُ غَفَلَ عَنْ تَصْوِيرِ أَصْلِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: غَفْلَةٌ عَنْ أَنَّ تَصْوِيرَ أَصْلِهِ لِصُورَةِ الْبُطْلَانِ بِمَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ التَّصَدُّقَ وَالصِّحَّةَ بِمَا إذَا ذَكَرَ أَلْفًا أَوْ شَيْئًا مُجَرَّدَ تَصْوِيرٍ إذْ الْفَارِقُ إلَخْ وَهِيَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا إذَا عَيَّنَ أَهْلَ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلَ الْبِدْعَةِ) اُنْظُرْ مَا صُورَةُ النَّذْرِ لَهُمْ وَلْيُرَاجَعْ
(8/221)
صَلَاةٌ اجْتَهَدَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفَارَقَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ بِتَيَقُّنِ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِالْكُلِّ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنْ اجْتَهَدَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ وَأَيِسَ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ الْكُلِّ إذْ لَا يَتِمُّ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ وَاجِبِهِ يَقِينًا إلَّا بِفِعْلِ الْكُلِّ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
(وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ) أَوْ عَلَيَّ صَوْمٌ أَوْ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ أَوْ أَنْ أُعْطِيَهُ كَذَا وَلَمْ يُرِدْ الْهِبَةَ (لَزِمَهُ) مَا الْتَزَمَ حَالًا: أَيْ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَنْذُورِ لَهُ بَلْ عَدَمُ رَدِّهِ كَمَا يَأْتِي (فِي الْأَظْهَرِ) لِلْخَبَرِ الْمَارِّ وَهَذَا مِنْ نَذْرِ التَّبَرُّرِ إذْ هُوَ قِسْمَانِ مُعَلَّقٌ وَغَيْرُهُ، وَاشْتِرَاطُ الْجَوَاهِرِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِاَللَّهِ ضَعِيفٌ، وَيُسَمَّى الْمُعَلَّقُ نَذْرَ مُجَازَاةٍ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أُضْحِيَّةٌ أَوْ عِنْدَ شِفَائِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقٌ لِنِعْمَةِ الشِّفَاءِ لَزِمَهُ ذَلِكَ جَزْمًا تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْمُجَازَاةِ لِوُقُوعِهِ شُكْرًا فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ الشِّفَاءِ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبُولِ الْمَنْذُورِ لَهُ النَّذْرُ بِقِسْمَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ عَدَمُ رَدِّهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْقَفَّالِ فِي إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى فُلَانٍ بِعَشَرَةٍ لَزِمَتْهُ، إلَّا إذَا لَمْ يَقْبَلْ فَمُرَادُهُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ الرَّدُّ لَا غَيْرُ، وَمِمَّا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ بَعْضِ الْعَوَامّ جَعَلْت هَذَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَقْرَبُ فِيهِ الصِّحَّةُ لِاشْتِهَارِهِ فِي النَّذْرِ فِي عُرْفِهِمْ وَيُصْرَفُ ذَلِكَ لِمَصَالِحِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ مَتَى حَصَلَ لِي كَذَا أَجِيءُ لَهُ بِكَذَا فَإِنَّهُ لَغْوٌ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ لَفْظُ الْتِزَامٍ أَوْ نَذْرٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ النَّاذِرِ مَا نَذَرَ بِهِ فَيَصِحُّ بِخُمُسِ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِنْ مُعَشَّرٍ.
قَالَهُ الْقَاضِي، كَكُلِّ وَلَدٍ أَوْ ثَمَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَمَتِي أَوْ شَجَرَتِي هَذِهِ وَكَعِتْقِ عَبْدٍ إنْ مَلَكْته، وَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، ضَعَّفَهُ الْأَذْرَعِيُّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمَالِ الْمُعَيَّنِ لِنَحْوِ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يُعَلِّقَهُ بِمِلْكِهِ مَا لَمْ يَنْوِ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْحَبِّ الْمَنْذُورِ.
قَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَلُّهُ إنْ نَذَرَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ وَالْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ لِلْجَنِينِ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ وَإِنْ شَارَكَهَا فِي قَبُولِ الْأَخْطَارِ وَالْجَهَالَاتِ وَالتَّعْلِيقِ وَصِحَّتِهِ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَعْدُومِ لَكِنَّهُ يَتَمَيَّزُ عَنْهَا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ اُتُّجِهَتْ صِحَّتُهُ لِلْقِنِّ كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ لَهُ فَيَأْتِي فِيهِ أَحْكَامُهُمَا، فَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ مَا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِقَبْضِ الْقِنِّ، وَلَا يَصِحُّ لِمَيِّتٍ إلَّا لِقَبْرِ الشَّيْخِ الْفُلَانِيِّ حَيْثُ أَرَادَ بِهِ قُرْبَةً كَإِسْرَاجٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِحَمْلِ النَّذْرِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَبْطُلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
عِمَارَةً لِمِثْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ عُرْفًا (قَوْلُهُ اجْتَهَدَ) أَيْ فَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ عِتْقًا أَوْ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا وَقَعَ تَطَوُّعًا أَوْ صَدَقَةً، فَإِنْ عَلِمَ الْقَابِضُ أَنَّهُ عَنْ صِفَةِ كَذَا وَأَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ: قَوْلَهُ اجْتَهِدْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ شَكَّ فِي الْمَنْذُورِ لَهُ أَهُوَ زَيْدٌ أَمْ عَمْرٌو (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ جَزْمًا) وَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِ الْأُضْحِيَّةِ بِمَا يُجْزِئُ فِيهَا وَعَنْ نَذْرِ الْعِتْقِ بِمَا يُسَمَّى عِتْقًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْكَفَّارَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ الْتَزَمَ عِتْقًا تَخَيَّرَ بَيْنَ مَا يُسَمَّى عِتْقًا وَإِنْ لَمْ تَجُزْ فِي الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ لِمَصَالِحِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ) أَيْ مِنْ بِنَاءٍ أَوْ تَرْمِيمٍ دُونَ الْفُقَرَاءِ مَا لَمْ يَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ نَذْرٌ) أَوْ نِيَّتُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ) أَيْ النَّذْرَ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ شَارَكَهَا: أَيْ الْوَصِيَّةَ (قَوْلُهُ: وَصِحَّتُهُ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَعْدُومِ) جَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ نَذْرَهَا لِزَوْجِهَا بِمَا سَيَحْدُثُ لَهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
نَظِيرُهُ الْمَارُّ فِي الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: قَالَهُ الْقَاضِي) عِبَارَةُ الْقَاضِي إذَا قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمُسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ فَشُفِيَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ.
وَبَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْبَاقِي إنْ كَانَ نِصَابًا، وَلَا عُشْرَ فِي ذَلِكَ الْخُمُسِ لِأَنَّهُ لِفُقَرَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، فَأَمَّا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمُسِ مَالِي يَجِبُ إخْرَاجُ الْعُشْرِ ثُمَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْعُشْرِ يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ انْتَهَتْ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُفَصِّلَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، فَإِنْ تَقَدَّمَ النَّذْرُ عَلَى اشْتِدَادِ الْحَبِّ فَكَمَا قَالَ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَجَبَ إخْرَاجُ الْعُشْرِ أَوَّلًا مِنْ الْجَمِيعِ انْتَهَى
(8/222)
بِالتَّأْقِيتِ إلَّا فِي الْمَنْفَعَةِ فَيَأْتِي فِي نَذْرِهَا مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ بِهَا وَإِلَّا فِي نَذَرْت لَك بِهَذَا مُدَّةَ حَيَاتِك فَيَتَأَبَّدُ كَالْعُمْرَى وَنَذْرِ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ مَطْلُوبٍ كُلَّ يَوْمٍ صَحِيحٌ وَلَا حِيلَةَ فِي حِلِّهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ وَظِيفَةِ يَوْمٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَاتَتْ قَضَى، وَلَوْ نَذَرَ عِمَارَةَ هَذَا الْمَسْجِدِ وَكَانَ خَرَابًا فَعَمَّرَهُ غَيْرُهُ فَهَلْ يَبْطُلُ نَذْرُهُ لِتَعَذُّرِ نُفُوذِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَهُوَ خَرَابٌ فَلَا يَتَنَاوَلُ خَرَابَهُ مَرَّةً أُخْرَى أَوْ لَا، بَلْ يُوقَفُ حَتَّى يَخْرَبَ فَيُعَمِّرُهُ تَصْحِيحًا لِلَّفْظِ مَا أَمْكَنَ كُلٌّ مُحْتَمِلٌ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَتَصْحِيحُ اللَّفْظِ مَا أَمْكَنَ إنَّمَا يُعْدَلُ إلَيْهِ إنْ احْتَمَلَهُ لَفْظُهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ لِلْخَرَابِ حَالَ النَّذْرِ لَا غَيْرُ، نَعَمْ إنْ نَوَى عِمَارَتَهُ وَإِنْ خَرِبَ بَعْدُ لَزِمَتْهُ.
(وَلَا يَصِحُّ) (نَذْرُ مَعْصِيَةٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ» وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَغْصُوبٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَبِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ يَنْعَقِدُ وَيُصَلِّي فِي غَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَصَلَاةٍ فِي ثَوْبٍ نَجَسٍ وَكَالْمَعْصِيَةِ الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ أَوْ لَازِمُهُ كَصَوْمِ الدَّهْرِ لِمَنْ يَتَضَرَّرُ بِهِ، وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ لِأَنَّهُ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي نَذْرِ مَنْ افْتَرَضَ شَيْئًا لِمُقْرِضِهِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ لَيْسَ قُرْبَةً بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابِلِ نِعْمَةِ رِبْحِ الْمُقْرَضِ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةِ الْمُطَالَبَةِ إنْ احْتَاجَ لِبَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ لِارْتِفَاقٍ وَنَحْوِهِ، وَلِأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُقْتَرِضِ رَدُّ زِيَادَةٍ عَمَّا اقْتَرَضَهُ، فَإِذَا الْتَزَمَهَا ابْتِدَاءً بِالنَّذْرِ لَزِمَتْهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُكَافَأَةُ إحْسَانٍ لَا وُصْلَةٌ لَلرِّبَا إذْ هُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي عَقْدٍ كَبَيْعٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ النَّذْرَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ كَانَ رِبًا، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَالِ الْيَتِيمِ وَغَيْرِهِ، وَلَا وَجْهَ لَهُ.
وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فِي نَذْرِهِ مَا دَامَ مَبْلَغُ الْقَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُقْتَرِضُ شَيْئًا مِنْهُ بَطَلَ حُكْمُ النَّذْرِ لِانْقِطَاعِ الدَّيْمُومَةِ (وَلَا) نَذْرِ (وَاجِبٍ) عَيْنِيٍّ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ مُخَيَّرٍ كَأَحَدِ خِصَالِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ) أَيْ وَهُوَ الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ: وَتَصْحِيحُ اللَّفْظِ) أَيْ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ وَإِنْ خَرِبَ) بِالْكَسْرِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ.
(قَوْلُهُ: وَكَالْمَعْصِيَةِ الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ) أَيْ كَالصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ (قَوْلُهُ: صِحَّةُ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْمُوسِرِ) قَالَ: وَبِفَرْضِ حُرْمَتِهِ هِيَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ نَذْرُ الْمَدِينِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ لِأَنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَوَهَمَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ هُنَا (قَوْلُهُ: إلَى صِحَّتِهِ) وَمَحَلُّ الصِّحَّةِ حَيْثُ نَذَرَ لِمَنْ يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ لِأَحَدِ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ كَالزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةِ رِبْحِ الْمُقْرَضِ) لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ شَيْئًا لِذِمِّيٍّ أَوْ مُبْتَدِعٍ جَازَ صَرْفُهُ لِمُسْلِمٍ أَوْ سُنِّيٍّ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ اقْتَرَضَ مِنْ ذِمِّيٍّ وَنَذَرَ لَهُ بِشَيْءٍ مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ، لَكِنْ يَجُوزُ دَفْعُهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَرَضَ الذِّمِّيُّ مِنْ مُسْلِمٍ وَنَذَرَ لَهُ بِشَيْءٍ مَا دَامَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ النَّاذِرِ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ لَهُ) أَيْ لِلْفَرْقِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ حُكْمُ النَّذْرِ) وَلَوْ دَفَعَ لِلْمُقْرِضِ مَالًا مُدَّةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ حَالَ الْإِعْطَاءِ أَنَّهُ عَنْ الْقَرْضِ وَلَا عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ ادَّعَى أَنَّهُ نَوَى دَفْعَهُ عَنْ الْقَرْضِ قُبِلَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ يَسْتَغْرِقُ الْقَرْضَ سَقَطَ حُكْمُ النَّذْرِ مِنْ حِينَئِذٍ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهُ بِمُقْتَضَى النَّذْرِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ حَالَ الدَّفْعِ أَنَّهُ لِلْقَرْضِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ بَعْدُ أَنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ وَكَاعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ عَنْ نَذْرِ الْمُقْرِضِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ كِتَابَةِ الْوُصُولَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ، عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ عَنْ نَذْرِ الْمُقْرِضِ حَيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ يَخْرَبُ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَمَاضِيهِ الْآتِي بِكَسْرِهَا
(قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ عَدَمُ انْعِقَادِ نَذْرِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا إلَخْ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَقُولُوا بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَيُصَلِّي فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَفِي غَيْرِ الثَّوْبِ النَّجِسِ (قَوْلُهُ: شَيْئًا) مَفْعُولُ نَذَرَ
(8/223)
مُبْهَمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَزَمَ أَعْلَاهَا أَوْ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ تَعَيَّنَ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ اُحْتِيجَ فِي أَدَائِهِ لِمَالٍ كَجِهَادٍ وَتَجْهِيزِ مَيِّتٍ أَمْ لَا كَصَلَاةِ جِنَازَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَزِمَ عَيْنًا بِالْتِزَامِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَا مَعْنَى لِالْتِزَامِهِ، وَلَوْ نَذَرَ ذُو دَيْنٍ حَالٍّ عَدَمِ مُطَالَبَةِ غَرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ إنْظَارَهُ وَاجِبٌ أَوْ مُوسِرًا قَصَدَ إرْفَاقَهُ لِارْتِفَاعِ سِعْرِ سِلْعَتِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ لَزِمَهُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ ذَاتِيَّةٌ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى حُلُولِهِ لَكِنْ مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ مَانِعٌ، وَكَثِيرًا مَا تَنْذِرُ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لَا تُطَالِبُ زَوْجَهَا بِحَالِّ صَدَاقِهَا وَهُوَ حِينَئِذٍ نَذْرُ تَبَرُّرٍ إنْ رَغِبَتْ حَالَ نَذْرِهَا فِي بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ، وَلَهَا أَنْ تُوَكِّلَ فِي مُطَالَبَتِهِ وَأَنْ تُحِيلَ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّذْرَ شَمَلَ فِعْلَهَا فَقَطْ، فَإِنْ زَادَتْ فِيهِ وَلَا بِوَكِيلِهَا وَلَا تُحِيلُ عَلَيْهِ لَزِمَ وَامْتَنَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَسْقَطَ الْمَدْيُونُ حَقَّهُ مِنْ النَّذْرِ لَمْ يَسْقُطْ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ مُدَّةً فَمَاتَ قَبْلَهَا كَانَ لِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ كَمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ.
(وَلَوْ) (نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكَهُ) كَأَكْلٍ وَنَوْمٍ مِنْ كُلِّ مَا اسْتَوَى فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ أَصَالَةً وَإِنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا بِنِيَّةِ عِبَادَةٍ بِهِ كَالْأَكْلِ لِلتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا اُبْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» وَفِي الْبُخَارِيِّ «أَمَرَ أَبَا إسْرَائِيلَ أَنْ يَتْرُكَ مَا نَذَرَهُ مِنْ قِيَامٍ وَعَدَمِ اسْتِظْلَالٍ» «وَإِنَّمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ نَذَرَتْ إنْ رَدَّهُ اللَّهُ سَالِمًا أَنْ تَضْرِبَ عَلَى رَأْسِهِ بِالدُّفِّ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَوْفِي بِنَذْرِك» لِأَنَّهُ اقْتَرَنَ بِقُدُومِهِ كَمَالُ مَسَرَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَإِغَاظَةِ الْكُفَّارِ فَكَانَ وَسِيلَةً لِقُرْبَةٍ عَامَّةٍ، وَلَا يَبْعُدُ فِيمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِهَذَا أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لِلَازِمِهِ، عَلَى أَنَّ جَمْعًا قَالُوا بِنَدْبِهِ لِكُلِّ عَارِضِ سُرُورٍ لَا سِيَّمَا النِّكَاحُ، وَمِنْ ثَمَّ أَمَرَ بِهِ فِيهِ فِي أَحَادِيثَ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ أَصْلًا (لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى الْمُرَجَّحِ) فِي الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، لَكِنْ الْمُرَجَّحُ فِي الْمَجْمُوعِ عَدَمُ لُزُومِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ نَذْرٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي مَوْضِعٍ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (وَهُوَ نَذْرُ صَوْمِ أَيَّامٍ) وَأَطْلَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
اعْتَرَفَ حَالَ كِتَابَتِهَا أَوْ بَعْدَهَا بِمَا فِيهَا (قَوْلُهُ: وَامْتَنَعَ جَمِيعُ ذَلِكَ) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ، وَلَوْ خَالَفَتْ وَأَحَالَتْ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي صِحَّةُ الْحَوَالَةِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَكَذَلِكَ لَوْ وَكَّلَتْ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْقَطَ الْمَدْيُونُ حَقَّهُ) كَأَنْ قَالَ لِمَنْ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ أَسْقَطْت مَا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بَلْ تَمْتَنِعُ الْمُطَالَبَةُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى النَّاذِرِ، هَذَا وَقَدْ يُشْكِلُ مَا ذُكِرَ بِمَا مَرَّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الرَّدِّ، إذْ قَوْلُهُ أَسْقَطْت مَا أَسْتَحِقُّهُ إلَخْ رَدٌّ لِلنَّذْرِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا لَمْ يُرِدْ أَوَّلًا وَاسْتَقَرَّ النَّذْرُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ بَعْدُ، وَمَا مَرَّ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا رَدَّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ (قَوْلُهُ: كَانَ لِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ) لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا شَمَلَ فِعْلَ نَفْسِهِ أَخْذًا مِمَّا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ.
(قَوْلُهُ: بِالدُّفِّ) أَيْ الطَّارِ (قَوْلُهُ: فَكَانَ وَسِيلَةً لِقُرْبَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ لَكِنَّهُ مُبَاحٌ أَصَالَةً، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَ وَسِيلَةً لِقُرْبَةٍ كَالْأَكْلِ لِلتَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ. (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: أَنَّهُ نَذَرَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ) الْأَوْلَى فِي غَيْرِ طَاعَةٍ لِأَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا إذَا الْتَزَمَ غَيْرَ قُرْبَةٍ كَلَا آكُلُ الْخُبْزَ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ مَا سَبَقَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: قَصَدَ إرْفَاقَهُ إلَخْ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْإِنْظَارِ وَفْقٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَقْصِدْ الْإِرْفَاقَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ زَادَتْ) أَيْ أَوْ زَادَ مُطْلَقُ الدَّائِنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ الْمَدْيُونُ حَقَّهُ) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: وَقَدْ يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ عَدَمُ الرَّدِّ إذْ قَوْلُهُ أَسْقَطْتُ مَا اسْتَحَقَّهُ إلَخْ رَدٌّ لِلنَّذْرِ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا هُنَا مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا لَمْ يَرُدَّ أَوَّلًا وَاسْتَقَرَّ النَّذْرُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ بَعْدُ، وَمَا مَرَّ مُصَوَّرٌ بِمَا إذَا رَدَّ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ اهـ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ مُدَّةً فَمَاتَ إلَخْ) اُنْظُرْ هَلْ مِثْلُهُ مَا لَوْ نَذَرَ بَقَاءَهُ فِي ذِمَّتِهِ مُدَّةً فَمَاتَ قَبْلَهَا
(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) قَالَ شَيْخُنَا: وَعَلَيْهِ فَانْظُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَمَّا إذَا الْتَزَمَ غَيْرَ قُرْبَةٍ كَلَا آكُلُ الْخُبْزَ فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ
(8/224)
لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ الْأَيَّامُ، فَكَذَلِكَ عَلَى الرَّاجِحِ فَإِنْ عَيَّنَ عَدَدًا لَزِمَهُ مَا عَيَّنَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ (نُدِبَ) تَقْدِيمُهَا لَهُ (تَعْجِيلُهَا) مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، نَعَمْ لَوْ عَرَضَ لَهُ مَا هُوَ أَهَمُّ كَسَفَرٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ صَوْمُهُ فِيهِ كَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى.
قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمُ كَفَّارَةٍ سَبَقَتْ النَّذْرَ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا إنْ كَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي وَإِلَّا وَجَبَ.
قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ وَجَبَ) مَا قَيَّدَ بِهِ عَمَلًا بِمَا الْتَزَمَهُ، أَمَّا الْمُوَالَاةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا التَّفْرِيقُ فَلِأَنَّ الشَّارِعَ نَظَرَ إلَيْهِ فِي صَوْمِ الْمُتَمَتِّعِ، فَإِنْ نَذَرَ عَشَرَةً مُتَفَرِّقَةً فَصَامَهَا وَلَاءً حُسِبَ لَهُ مِنْهَا خَمْسَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِتَفْرِيقٍ وَلَا مُوَالَاةٍ (جَازَ) كُلٌّ مِنْهُمَا وَالْوَلَاءُ أَفْضَلُ.
(أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ) كَسَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ أَوْ سَنَةً مِنْ الْغَدِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ أَوْ يَوْمِ كَذَا (صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ) الْفِطْرَ وَالْأَضْحَى (وَالتَّشْرِيقَ) وُجُوبًا لِامْتِنَاعِ صَوْمِهَا وَالْمُرَادُ عَدَمُ نِيَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ لَا تَعَاطِي مُفْطِرٍ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ غَيْرُهُ (وَلَا قَضَاءً) لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ صَوْمًا فَلَمْ تَدْخُلْ فِي نَذْرِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَتْ بِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ) لِقَبُولِ زَمَنِهِمَا لِلصَّوْمِ فِي ذَاتِهِ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا لَوْ أَفْطَرَتْ رَمَضَانَ لِأَجَلِهِمَا (قُلْت: الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ) الْقَضَاءُ (وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَيَّامَ أَحَدِهِمَا لَمَّا لَمْ تَقْبَلْ الصَّوْمَ وَلَوْ لِعُرُوضِ ذَلِكَ الْمَانِعِ لَمْ يَشْمَلْهَا النَّذْرُ (وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا) مِنْهَا (بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ) لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ (وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ) بَلْ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَضَاءِ مَا أَفْطَرَهُ، لِأَنَّ التَّتَابُعَ كَانَ لِلْوَقْتِ لَا لِكَوْنِهِ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَفْطَرَهَا كُلَّهَا لَمْ يَجِبْ الْوَلَاءُ فِي قَضَائِهَا، وَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَا تَعَدَّى بِفِطْرِهِ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَوْرًا، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا عُذْرٍ مَا أَفْطَرَهُ بِعُذْرٍ كَجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ فَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، نَعَمْ إنْ أَفْطَرَ لِعُذْرِ سَفَرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَوْ مَرَضٍ فَلَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ، وَلَا يَضُرُّ إطْلَاقُهُ الْعُذْرَ الشَّامِلَ لِلسَّفَرِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا عُذْرٍ غَيْرُهُ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ سَفَرًا وَنَحْوَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ أَوْ مَرَضًا فَلَا، وَالْمَفْهُومُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَرِدُ (فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ) فِي نَذْرِ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ وَلَوْ فِي نِيَّتِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَجَبَ) بِفِطْرِهِ يَوْمًا وَلَوْ لِعُذْرِ سَفَرٍ وَمَرَضٍ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَرْضُهُ فِي عَدَمِ الْعُذْرِ الِاسْتِئْنَافُ (فِي الْأَصَحِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمَنْعَ أَشْبَهَ الْيَمِينَ فَلَزِمَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ بِصُورَةِ الْقُرْبَةِ بَعُدَتْ مُشَابَهَتُهُ بِالْيَمِينِ (قَوْلُهُ نُدِبَ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا وَجَبَ) أَيْ الْفَوْرُ بِأَنْ كَانَ سَبَبُهَا مَعْصِيَةً (قَوْلُهُ وَأَمَّا التَّفْرِيقُ) حَسَبَ لَهُ خَمْسَةً وَوَقَعَتْ الْخَمْسَةُ الْبَاقِيَةُ نَقْلًا مُطْلَقًا إنْ ظَنَّ إجْزَاءَهَا عَنْ النَّذْرِ، فَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ إجْزَائِهَا عَنْ النَّذْرِ فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهُ أَثِمَ وَلَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ عَدَمُ صِحَّتِهِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ صَوْمَ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِهِ مَثَلًا بِنِيَّةِ النَّذْرِ تَقْدِيمٌ لَهُ عَنْ مَحِلِّهِ.
(قَوْلُهُ: لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ حَصَلَتْ لَهُ مَشَقَّةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مَرَضٌ فَلَا) قَدْ يُشْكِلُ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَيْثُ أَفْطَرَ بِالْمَرَضِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي أَوْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَسَوَّى حَجّ هُنَا بَيْنَ السَّفَرِ وَالْمَرَضِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي نِيَّتِهِ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا اعْتَمَدَهُ فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ بِنِيَّتِهِ، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَصْلٌ إذَا نَذَرَ مُدَّةً إلَخْ نَصُّهَا: فَإِنْ نَوَى التَّتَابُعَ بِقَلْبِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَصْلَ الِاعْتِكَافِ كَمَا صَحَّحَاهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ: الِاسْتِئْنَافُ) فَاعِلُ وَجَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يَمِينٍ، وَلَعَلَّهُ أَنَّ مَا سَبَقَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَثَّ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ الْمَنْعِ أَشْبَهَ الْيَمِينَ فَلَزِمَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، بِخِلَافِ مَا هُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ بِصُورَةِ الْقُرْبَةِ بَعُدَتْ مُشَابَهَتُهُ بِالْيَمِينِ
(قَوْلُهُ كَسَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا السَّنَةُ الَّتِي كَانَ يُؤَلِّفُ فِيهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ مَظِنَّتُهُ بِاعْتِبَارِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ التَّارِيخِ آخِرَ الرُّبُعِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ الْوَلَاءُ فِي قَضَائِهَا) أَيْ مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَيُوَافِقُهُ إطْلَاقُ الْكِتَابِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومُ (قَوْلُهُ: الِاسْتِئْنَافُ) فَاعِلُ وَجَبَ
(8/225)
لِأَنَّ ذِكْرَ التَّتَابُعِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَقْصُودًا.
وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لِأَنَّ شَرْطَ التَّتَابُعِ مَعَ تَعْيِينِ السَّنَةِ لَغْوٌ (أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ) وَفَاءً بِمَا الْتَزَمَهُ (وَلَا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَفِطْرُ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ) لِاسْتِثْنَاءِ ذَلِكَ شَرْعًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ عَنْ فَرْضِهِ عَمَّا لَوْ صَامَهُ عَنْ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَيَنْقَطِعُ بِهِ التَّتَابُعُ قَطْعًا (وَيَقْضِيهَا) أَيْ رَمَضَانَ وَالْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ صَوْمَ سَنَةٍ وَلَمْ يَصُمْهَا (تِبَاعًا) أَيْ مُتَوَالِيَةً (مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ) عَمَلًا بِمَا شَرَطَهُ مِنْ التَّتَابُعِ، وَفَارَقَتْ الْمُعَيَّنَةَ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ لَا يُبَدَّلُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُطْلَقُ إذَا عُيِّنَ فَلَا يُبَدَّلُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَبِيعَ الْمُعَيَّنَ لَا يُبَدَّلُ لِعَيْبٍ ظَهَرَ بِهِ بِخِلَافِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ نَوَى مَا يَقْبَلُ الصَّوْمَ مِنْ سَنَةٍ مُتَتَابِعَةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا وَإِنْ نَوَى عَدَدَ أَيَّامِ سَنَةٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ قَطْعًا وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا فِي الْمُعَيَّنَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْهِلَالِيَّةِ (وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ) وَنِفَاسٌ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُمَا (وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ) السَّابِقَانِ فِي الْمُعَيَّنَةِ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْقَضَاءِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ) أَيْ التَّتَابُعَ (لَمْ يَجِبْ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ فَيَصُومُ سَنَةً هِلَالِيَّةً أَوْ ثَلَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا.
(أَوْ) نَذَرَ صَوْمَ (يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا) (لَمْ يَقْضِ أَثَانِي رَمَضَانَ) الْأَرْبَعَةَ لِعَدَمِ شُمُولِ نَذْرِهِ لَهَا لِسَبْقِ وُجُوبِهَا وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ نُونَ أَثَانِي هُوَ مَا صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَوَقَعَ لَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَلِغَيْرِهِ أَيْضًا إثْبَاتُهَا وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ حَذْفَهَا لِلتَّبَعِيَّةِ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ لِلْإِضَافَةِ رُدَّ كَلَامُهُ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِذَلِكَ لَمْ تُعْهَدْ، وَبِأَنَّ أَثَانِينَ لَيْسَ جَمْعَ مُذَكِّرٍ سَالِمًا وَلَا مُلْحَقًا بِهِ بَلْ حَذْفُهَا وَإِثْبَاتُهَا مُطْلَقًا لُغَتَانِ وَالْحَذْفُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا (وَكَذَا) الِاثْنَيْنِ الْخَامِسُ مِنْ رَمَضَانَ وَ (الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ فِي الْأَظْهَرِ) إنْ صَادَفَتْ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَثَانِي رَمَضَانَ.
وَالثَّانِي يُقْضَى لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَّفِقُ وَقَدْ لَا يَتَّفِقُ فَتَنَاوَلَهَا النَّذْرُ، بِخِلَافِ أَثَانِي رَمَضَانَ وَبِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَ صَوْمَ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَيْثُ قُلْنَا لَا يَقْضِي لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي السَّنَةِ لَازِمٌ وَوُقُوعُ الْعِيدِ فِي الِاثْنَيْنِ غَيْرُ لَازِمٍ، وَلَيْسَ مِثْلُهَا يَوْمُ الشَّكِّ لِقَبُولِهِ لِصَوْمِ النَّذْرِ وَغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ (فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ) أَوْ نَذْرٍ (صَامَهُمَا وَيَقْضِي أَثَانِيَهُمَا) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ صَوْمَ الشَّهْرَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتْ الْكَفَّارَةُ) أَيْ مُوجِبُهَا أَوْ سَبَقَ نَذْرُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ (النَّذْرَ) لِلْأَثَانِينَ بِأَنْ لَزِمَهُ صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ نَذَرَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْأَثَانِينَ الْوَاقِعَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَمَا لَا يَقْضِي أَثَانِيَ رَمَضَانَ (قُلْت: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِمَا تَقَرَّرَ، وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا وَلَمْ يُصَحِّحْ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحَيْنِ شَيْئًا، وَصَحَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ حِينَئِذٍ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ، وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَالَا: إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَثَانِي رَمَضَانَ أَنَّ لُزُومَ صَوْمِهِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَيْضًا فَأَيَّامُ الِاثْنَيْنِ الْوَاقِعَةُ فِي الشَّهْرَيْنِ وَاقِعَةٌ عَنْ نَذْرِهِ بِخِلَافِ أَثَانِي رَمَضَانَ (وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) وَمَرَضٍ وَقَعَ فِي الْأَثَانِينَ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُقُوعُهُ فِيهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ نَذْرِهَا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ كَمَا فِي الْعِيدِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَا عَادَةَ غَالِبَةً فَإِنْ كَانَتْ فَعَدَمُ الْقَضَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي عَادَتِهَا أَظْهَرُ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقَعُ فِي عَادَتِهَا غَالِبًا فِي مُفْتَتَحِ الْأَمْرِ هَذَا، وَلَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَالْمُطْلَقُ مِنْهَا فِي الْمُعَيَّنَةِ) وَمِثْلُهَا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ (قَوْلُهُ: وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ) مُعْتَمَدٌ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِثْلُهَا) أَيْ الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ فَيَصِحُّ صَوْمُهُ (قَوْلُهُ: لِمَا تَقَرَّرَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْأَثَانِي الْوَاقِعَةَ فِيهَا حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ إلَخْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فِي الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: لِلْإِضَافَةِ) سَقَطَ قَبْلَهُ لَفْظُ أَوْ فِي النُّسَخِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التُّحْفَةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ إذْ هُمَا زَعْمَانِ بِدَلِيلِ الرَّدِّ، إذْ قَوْلُ الشَّارِحِ بِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِذَلِكَ لَمْ تُعْهَدْ رَدٌّ لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ حَذْفَهَا لِلتَّبَعِيَّةِ لِحَذْفِهَا مِنْ الْمُفْرَدِ، وَقَوْلُهُ وَبِأَنَّ الْأَثَانِينَ إلَخْ رَدٌّ لِلثَّانِي وَهُوَ أَنَّ حَذْفَهَا لِلْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ فِي الْإِضَافَةِ وَفِي غَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ)
(8/226)
الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا قَضَاءَ فِيهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَسُكُوتُ الْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي نَظِيرِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ ثُمَّ بِأَنَّ وُقُوعَ الْحَيْضِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ بِعَيْنِهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ بِالنِّسْبَةِ لَهَا، إذْ قَدْ يَلْزَمُ حَيْضُهَا زَمَنًا لَيْسَ مِنْهُ يَوْمُ اثْنَيْنِ، بِخِلَافِ نَحْوِ يَوْمِ الْعِيدِ فَكَانَ هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى بِخِلَافِ ذَاكَ.
(أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا بِعَيْنِهِ) أَيْ صَوْمَهُ (لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ) فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَمْ يَصِحَّ كَتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ وَكَانَ قَضَاءً، وَلَوْ نَذْرِ صَوْمَ يَوْمِ خَمِيسٍ وَلَمْ يُعَيَّنْ كَفَاهُ أَيُّ خَمِيسٍ كَانَ، وَإِذَا مَضَى خَمِيسٌ: أَيْ يُمْكِنُهُ صَوْمُهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصَّوْمِ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ فُدِيَ عَنْهُ (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ) بِمَعْنَى جُمُعَةٍ (ثُمَّ نَسِيَهُ) (صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) .
الْمَنْذُورُ (هُوَ) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (وَقَعَ قَضَاءً) وَإِنْ كَانَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَهُ وَهَذَا صَحِيحٌ فِي صِحَّةِ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ لَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ فِي مَكْرُوهٍ مَعَ كَرَاهَةِ إفْرَادِ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا صَامَهُ نَفْلًا فَإِنَّ نَذْرَهُ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا، وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ لَا نَفْسُ صَوْمِهِ، وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ إذَا كُرِهَ، وَعُلِمَ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ أَوَّلَ الْأُسْبُوعِ السَّبْتُ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَمَنْ) نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ نَافِلَةٍ دَخَلَ فِيهَا لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ (شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ) بِأَنْ نَوَى وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ (فَنَذَرَ إتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ نَذَرَ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ (وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ) نَذْرُهُ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ قُرْبَةً (وَقِيلَ يَلْزَمُهُ يَوْمٌ) لِأَنَّ صَوْمَ بَعْضِ يَوْمٍ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا فَلَزِمَهُ يَوْمٌ كَامِلٌ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي نَذْرِ بَعْضِ رَكْعَةٍ (أَوْ) نَذَرَ (يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ) أَيْ صَوْمَهُ، فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ لِإِمْكَانِ الْوَفَاءِ بِهِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا فَيَنْوِيَ صَوْمَهُ لَيْلًا وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّوْمُ بَعْدَ الْقُدُومِ لِأَنَّ التَّبْيِيتَ شَرْطٌ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَفَاءُ بِالْمُلْتَزَمِ يَلْغُو الِالْتِزَامُ (فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ يَوْمَ عِيدٍ) أَوْ تَشْرِيقٍ (أَوْ فِي رَمَضَانَ) أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْيَوْمِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ فِي زَمَنٍ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ، نَعَمْ يُنْدَبُ فِي الْأُولَى صَوْمُ صَبِيحَةِ ذَلِكَ اللَّيْلِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَوْ يَوْمٍ آخَرَ شُكْرًا لِلَّهِ (أَوْ) قَدِمَ (نَهَارًا) قَابِلًا لِلصَّوْمِ (وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرَ عَنْ هَذَا) أَيْ نَذْرِهِ لِقُدُومِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَهُ، وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُعِيدَ صَوْمَ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمًا مُسْتَحَقُّ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ وَخَرَجَ بِقَضَاءٍ وَمَا بَعْدَهُ مَا لَوْ صَامَهُ عَنْ الْقُدُومِ بِأَنْ ظَنَّ قُدُومَهُ فِيهِ: أَيْ بِإِحْدَى الطُّرُقِ السَّابِقَةِ فِيمَا لَوْ تَحَدَّثَ بِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ لَيْلًا فَنَوَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَبَيَّتَ النِّيَّةَ لَيْلَتَهُ فَيَصِحُّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَصْلٍ صَحِيحٍ (أَوْ) قَدِمَ وَلَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ (وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ) يَلْزَمُهُ صَوْمٌ آخَرُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِالنَّذْرِ (وَقِيلَ يَجِبُ تَتْمِيمُهُ) بِقَصْدِ كَوْنِهِ عَنْ النَّذْرِ (وَيَكْفِيهِ) عَنْ نَذْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ وَقْتِ الْقُدُومِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِقُدُومِهِ يَتَبَيَّنُ وُجُوبُهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لِتَعَذُّرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ فَدَى عَنْهُ) أَيْ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عِصْيَانِهِ بِالتَّأْخِيرِ (قَوْلُهُ: نَذَرَ صَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَقْدُمُ غَدًا) أَيْ بِسُؤَالٍ أَوْ بِدُونِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهِ بَلْ إنْ اتَّفَقَ بُلُوغُ الْخَبَرِ لَهُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: فَبَيَّتَ النِّيَّةَ) عَطْفُهُ عَلَى فَتْوَى عَطْفُ مُفَصَّلٍ عَلَى مُجْمَلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَيْ كَمَا عُلِمَ مِنْ اخْتِصَارِ الْمَتْنِ لَهُ
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى جَمْعِهِ) أَيْ حَتَّى يَتَأَتَّى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الْجُمُعَةُ (قَوْلُهُ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ عَلَى خُصُوصِ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَمَا فِي الْمَتْنِ لَا يَظْهَرُ تَرَتُّبُهُ عَلَى مَا مَهَّدَهُ مِنْ قَوْلِهِ وَمَنْ نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ نَافِلَةٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: فَيَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ إلَخْ) الظَّاهِرُ فِي التَّعْبِيرِ فَصَحَّ الْتِزَامُ إتْمَامِهِ بِالنَّذْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ
(8/227)
تَبْعِيضِهِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمِ قُدُومِهِ، فَإِنَّ الصَّوَابَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مِنْ حِينِ الْقُدُومِ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا مَضَى مِنْهُ لِإِمْكَانِ تَبْعِيضِهِ فَلَمْ يَجِبْ غَيْرُ بَقِيَّةِ يَوْمِ قُدُومِهِ (وَلَوْ) قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ) مِنْ تَلَوْته وَتَلَيْتُهُ تَبِعْته وَتَرَكْته فَهُوَ ضِدٌّ وَالتِّلْوُ بِالْكَسْرِ مَا يَتْلُو الشَّيْءَ وَالْمُرَادُ بِالتَّالِي هُنَا التَّابِعُ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ (وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ) أَيْ يَوْمِ قُدُومِهِ (فَقَدِمَا) مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا (فِي الْأَرْبِعَاءِ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ وَالْمَدِّ (وَجَبَ صَوْمُ) يَوْمِ (الْخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ) لِسَبْقِهِ (وَيَقْضِي الْآخَرَ) لِتَعَذُّرِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي وَقْتِهِ، نَعَمْ يَصِحُّ مَعَ الْإِثْمِ صَوْمُ الْخَمِيسِ عَنْ ثَانِي النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي يَوْمًا آخَرَ عَنْ النَّذْرِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ فَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ أَمْسِ يَوْمِ قُدُومِهِ لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَوَهَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فِي عَزْوِهِ لَهُ الصِّحَّةَ، أَوْ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ عِتْقُهُ فَحَصَلَ الشِّفَاءُ وَالْقُدُومُ مَعًا فَالْأَرْجَحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ الثَّانِي وَعِتْقُهُ عَنْ السَّابِقِ مِنْهُمَا، وَلَا يَجِبُ لِلْآخَرِ شَيْءٌ إذْ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ فِيهِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِدُخُولٍ مَثَلًا صِحَّةُ بَيْعِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ.
(فَصْلٌ) فِي نَذْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا إذَا (نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) مُقَيِّدًا لَهُ بِالْحَرَامِ أَوْ نَوَاهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ذَكَرَ بُقْعَةً مِنْ الْحَرَمِ كَدَارِ أَبِي جَهْلٍ أَوْ الصَّفَا كَذِكْرِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي جَمِيعِ مَا يَأْتِي فِيهِ (أَوْ إتْيَانَهُ) أَوْ الذَّهَابَ إلَيْهِ مَثَلًا (فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) أَوْ بِهِمَا وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ، لِأَنَّ الْقُرْبَةَ إنَّمَا تَتِمُّ بِإِتْيَانِهِ بِنُسُكٍ، وَالنَّذْرُ مَحْمُولٌ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ عَلَى جَائِزِهِ، أَمَّا إذَا ذَكَرَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِذَلِكَ وَلَا نَوَاهُ فَيَلْغُو نَذْرُهُ، لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ كُلُّهَا بُيُوتٌ لَهُ تَعَالَى، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ إتْيَانَ مَسْجِدِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَهُوَ دَاخِلُ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ لَهُ كَبَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ وَلَهُ احْتِمَالٌ آخَرُ، وَالْأَقْرَبُ لُزُومُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَلَمْ يَجِبْ غَيْرُ بَقِيَّةِ يَوْمِ قُدُومِهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ جِدًّا.
(فَصْلٌ) فِي نَذْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: أَوْ نَوَاهُ) أَوْ نَوَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالطَّوَافِ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: وَإِنْ نَفَى ذَلِكَ فِي نَذْرِهِ) بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ التَّضْحِيَةَ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنْ لَا يُفَرَّقَ لَحْمُهَا فَإِنَّ النَّذْرَ يَلْغُو، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّذْرَ وَالشَّرْطَ هُنَا تَضَادَّا فِي مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاقْتِضَاءِ الْأَوَّلِ خُرُوجَهَا عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النَّذْرِ، وَالثَّانِي بَقَاءَهَا.
عَلَى مِلْكِهِ بَعْدَ النَّذْرِ بِخِلَافِهِمَا ثَمَّ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ النُّسُكِ فَلَمْ تُضَادِدْ نِيَّتُهُ ذَاتَ الْإِتْيَانِ بَلْ لَازِمَهُ وَالنُّسُكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: تَبِعَتْهُ وَتَرَكَتْهُ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِمُطْلَقِ التِّلْوِ، وَإِلَّا فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَا هُنَا تَلَوْته بِمَعْنَى تَبِعْته خَاصَّةً (قَوْلُهُ: لَمْ يَصِحَّ نَذْرُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) هَلَّا يُقَالُ بِالصِّحَّةِ إذَا عَلِمَ يَوْمَ قُدُومِهِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ قُدُومِهِ أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ
[فَصْلٌ فِي نَذْرِ النُّسُكِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا]
(فَصْلٌ) فِي نَذْرِ النُّسُكِ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ذِكْرُ بُقْعَةٍ إلَخْ) فِي التُّحْفَةِ قَبْلَ هَذَا مَا نَصُّهُ أَوْ نَوَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ كَالطَّوَافِ فِيمَا يَظْهَرُ وَمِنْ ثَمَّ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ الذَّهَابِ إلَيْهِ مَثَلًا) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا نَذَرَ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ بُقَعِ الْحَرَمِ أَوْ أَنْ يَضْرِبَهُ بِثَوْبِهِ مَثَلًا كَمَا
(8/228)
النُّسُكِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ فِي النَّذْرِ صَارَ مَوْضُوعًا شَرْعًا عَلَى الْتِزَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَمَنْ بِالْحَرَمِ يَصِحُّ نَذْرُهُ لَهُمَا فَيَلْزَمُهُ هُنَا أَحَدُهُمَا وَإِنْ نَذَرَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ الْمَسْجِدِ حَوْلَهَا (فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ) لِعَدَمِ اقْتِضَائِهِ لَهُ فَيَجُوزُ لَهُ الرُّكُوبُ (وَإِنْ) نَذَرَ الْمَشْيَ) إلَى الْحَرَمِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ (أَوْ) نَذَرَ (أَنْ يَحُجَّ أَوْ أَنْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا) فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْمَشْيِ) مِنْ الْمَكَانِ الْآتِي بَيَانُهُ إلَى الْفَسَادِ أَوْ الْفَوَاتِ أَوْ فَرَاغِ التَّحَلُّلَيْنِ وَإِنْ تَأَخَّرَ رَمَى بَعْدَهُمَا أَوْ فَرَاغِ جَمِيعِ أَرْكَانِ الْعُمْرَةِ، وَلَهُ رُكُوبٌ فِي خِلَالِ النُّسُكِ فِي حَوَائِجِهِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْمَشْيُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ جَعْلَهُ وَصَفًّا لِلْعِبَادَةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا، وَكَوْنُ الرُّكُوبِ أَفْضَلَ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَشْيَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ، وَأَمَّا انْتِفَاءُ وُجُودِ أَفْضَلَ مِنْ الْمُلْتَزَمِ فَغَيْرُ شَرْطٍ اتِّفَاقًا فَانْدَفَعَ دَعْوَى التَّنَافِي بَيْنَ كَوْنِ الْمَشْيِ مَقْصُودًا وَكَوْنِهِ مَفْضُولًا، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْمَشْيِ دَمُ تَمَتُّعٍ كَعَكْسِهِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُتَغَايِرَانِ فَلَمْ يَجُزْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخِرِ كَذَهَبٍ عَنْ فِضَّةٍ وَعَكْسِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَنَذْرِ الصَّلَاةِ قَاعِدًا حَيْثُ أَجْزَأَهُ الْقِيَامُ بِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ الْمُلْتَزَمَةِ، فَأَجْزَأَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى لِوُقُوعِهِ تَبَعًا، وَالْمَشْيُ وَالرُّكُوبُ خَارِجَانِ عَنْ مَاهِيَّةِ الْحَجِّ وَسَبَبَانِ مُتَغَايِرَانِ إلَيْهِ مَقْصُودَانِ فَلَمْ يَقُمْ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَأَيْضًا، فَالْقِيَامُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ فَوُجِدَ الْمَنْذُورُ هُنَا بِزِيَادَةٍ وَلَا كَذَلِكَ فِي الرُّكُوبِ وَالذَّهَابِ مَثَلًا، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ شَاةً أَجْزَأَهُ بَدَلُهَا بَدَنَةٌ لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ بَعْضَ الْبَدَنَةِ مُجْزِئًا عَنْ الشَّاةِ حَتَّى فِي نَحْوِ الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ فَإِجْزَاءُ كُلِّهَا أَوْلَى، بِخِلَافِ الذَّهَبِ عَنْ الْفِضَّةِ وَعَكْسِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي نَحْوِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجْزِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ أَوْ فَاتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ مَشْيٌ بَلْ فِي قَضَائِهِ إذْ هُوَ الْوَاقِعُ عَنْ نَذْرِهِ (فَإِنْ كَانَ قَالَ أَحُجُّ) أَوْ أَعْتَمِرُ (مَاشِيًا) أَوْ عَكْسَهُ (فَ) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ (مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ) مِنْ الْمِيقَاتِ أَوْ قَبْلَهُ وَكَذَا مِنْ حَيْثُ عَنَّ لَهُ فِيمَا إذَا جَاوَزَهُ غَيْرَ مَرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ عَنَّ لَهُ (وَإِنْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى) بِقَيْدِهِ الْمَارِّ (فَ) يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مَعَ النُّسُكِ (مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لِشِدَّةِ تَشَبُّثِهِ وَلُزُومِهِ كَمَا يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِي بَابِهِ لَا يَتَأَثَّرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُضَادَّةِ لِضَعْفِهَا اهـ حَجّ (قَوْلُهُ: أَوْ فَرَاغُ التَّحَلُّلَيْنِ) وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ مَعَ السَّعْيِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَخَّرَ رَمَى) أَيْ لِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ: وَأَيْضًا فَالْقِيَامُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْقُعُودَ جَعْلُ النِّصْفِ الْأَعْلَى مُنْتَصِبًا وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِيَامِ مَعَ زِيَادَةٍ وَهِيَ انْتِصَابُ السَّاقَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ مَعَهُ (قَوْلُهُ: فَوُجِدَ الْمَنْذُورُ هُنَا بِزِيَادَةٍ) قَالَ حَجّ: كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ: لَوْ نَذَرَ شَاةً) أَيْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ بَعْضَ الْبَدَنَةِ) وَهُوَ السُّبُعُ (قَوْلُهُ: أَوْ فَاتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ مَشْيٌ) أَيْ فِيمَا يُتِمُّهُ (قَوْلُهُ: إذْ هُوَ الْوَاقِعُ عَنْ نَذْرِهِ) أَيْ بِخِلَافِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ عَنْ نَذْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْمَشْيُ فِيهِ مَنْذُورًا فَلَا يُشْكِلُ عَدَمُ وُجُوبِ الْمَشْيِ فِيهِ بِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَكْسُهُ) أَيْ كَأَنْ قَالَ أَمْشِي حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا (قَوْلُهُ: بِقَيْدِهِ الْمَارِّ) هُوَ قَوْلُهُ مُقَيِّدًا لَهُ بِالْحَرَامِ أَوْ نَوَاهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: فَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مَعَ النُّسُكِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَشْيَ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَقْصُودٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إتْيَانًا لِلْحَرَمِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي صِحَّتِهِ) أَيْ وَكَوْنُهُ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فِي نَفْسِهَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فَالضَّمِيرُ فِي صِحَّتِهِ لِلنَّذْرِ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْمَشْيِ) أَيْ إذَا نَذَرَ الرُّكُوبَ (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُجْزِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ) أَيْ فِي الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّذْرِ (قَوْلُهُ: لِوُقُوعِهِ تَبَعًا) يُتَأَمَّلُ مَعَ قَوْلِهِ مِنْ إجْزَاءِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إلَيْهِ) مُتَعَلِّقٌ بِسَبَبَانِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ أَوْ فَاتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فِيهِ مَشْيٌ) لَيْسَ مُكَرَّرًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ إلَى الْفَسَادِ أَوْ الْفَوَاتِ بَلْ هَذَا مَفْهُومُ ذَاكَ وَأَيْضًا قَدْ ذَكَرَهُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ مَعَ النُّسُكِ) أَيْ مَعَ لُزُومِ النُّسُكِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّلَبُّسُ بِالنُّسُكِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ
(8/229)
بَيْتِهِ مَاشِيًا وَالثَّانِي مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِتْيَانُ بِالنُّسُكِ فَيَمْشِي مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ (وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ) حَجُّهُ عَنْ نَذْرِهِ لِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ عَجَزَ بِالرُّكُوبِ (وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا وَحَمَلُوهُ عَلَى عَجْزِهَا» ، وَالثَّانِي لَا دَمَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَصَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْبَرُ بِالْمَالِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالدَّمِ شَاةٌ مُجْزِئَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالْمُرَادُ بِالْعُذْرِ أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ كَنَظِيرِهِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْعَجْزِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْمَرَضِ، وَقَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الدَّمِ بِمَا إذَا رَكِبَ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا أَوْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ مَشْيًا وَإِلَّا فَلَا، إذْ لَا خَلَلَ فِي النُّسُكِ يُوجِبُ دَمًا، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الْمَشْيَ عَمَّا إذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَلَا يَجْبُرُ تَرْكَهُ بِدَمٍ (أَوْ) رَكِبَ (بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) مَعَ عِصْيَانِهِ لِإِتْيَانِهِ بِأَصْلِ الْحَجِّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا هَيْئَتُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا الْتَزَمَهُ (وَعَلَيْهِ دَمٌ) عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْضًا كَدَمِ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ مَعَ الْعُذْرِ فَمَعَ عَدَمِهِ أَوْلَى، وَلَوْ نَذَرَ الْحَفَاءَ لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ، نَعَمْ بَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ لُزُومَهُ فِيمَا يُنْدَبُ فِيهِ كَعِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ.
(وَمَنْ) نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ) إنْ كَانَ صَحِيحًا وَيَخْرُجُ عَنْ نَذْرِهِ الْحَجُّ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، وَيَجُوزُ لَهُ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ (فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا اسْتَنَابَ) وَلَوْ بِمَالٍ كَمَا فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَيَأْتِي فِي اسْتِنَابَتِهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِيهِمَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَنِيبُ مَنْ عَلَى دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَمَنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ نَحْوُهَا، وَلَوْ نَذَرَ الْمَعْضُوبُ الْحَجَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ أَوْ أَنْ يَحُجَّ مِنْ مَالِهِ أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ (وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ) مُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ، فَإِنْ خَافَ نَحْوَ عَضْبٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ لَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ (فَإِنْ تَمَكَّنَ) لِتَوَفُّرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ السَّابِقَةِ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّمَكُّنِ قُدْرَتُهُ عَلَى الْحَجِّ عَادَةً وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ كَمَشْيٍ قَوِيٍّ فَوْقَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الِاسْتِقْرَارِ وَالْأَدَاءِ مَعًا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ (فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ) عَنْهُ (مِنْ مَالِهِ) لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ بِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ. (وَإِنْ) نَذَرَ الْحَجَّ) أَوْ الْعُمْرَةَ (عَامَهُ) أَوْ عَامًا بَعْدَهُ مُعَيَّنًا (وَأَمْكَنَهُ) (لَزِمَهُ) فِي ذَلِكَ مَا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ حَجَّةُ إسْلَامٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ عُمْرَتُهُ لِأَنَّ زَمَنَ الْعِبَادَةِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَامًا لَزِمَهُ أَيَّ عَامٍ شَاءَ، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهِ فِيهِ كَأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ الذَّهَابُ وَلَوْ بِأَنْ كَانَ يَقْطَعُ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كَمَا هُوَ الْأَقْرَبُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْحَجِّ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ،
وَلَوْ حَجَّ عَنْ النَّذْرِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ عَنْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ مِنْ الْمِيقَاتِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَكَرَّرَ الدَّمُ بِتَكَرُّرِ الرُّكُوبِ قِيَاسًا عَلَى اللُّبْسِ بِأَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الرُّكُوبَيْنِ مَشْيٌ (قَوْلُهُ: وَتُهْدِي هَدْيًا) أَيْ وَكَانَتْ نَذَرَتْ الْمَشْيَ (قَوْلُهُ: أَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ يَعْنِي فِيمَا لَوْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا فَلَا يَأْتِي فِيهِ الْقَيْدُ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) جَاوَزَ الْمِيقَاتَ أَمْ لَا.
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ) أَيْ أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّمَتُّعُ أَوْ الْقِرَانُ فَيَجِبُ (قَوْلُهُ: أَوْ أَطْلَقَ انْعَقَدَ) أَيْ وَيَسْتَنِيبُ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ) أَيْ الْحَجُّ الْمَنْذُورُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مِنْ الْمَعْضُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَقَعَ عَنْهَا) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ نَذَرَ الْحَجَّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ حُمِلَ مِنْهُ عَلَى التَّعْجِيلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ أَطْلَقَ فِي نَذْرِهِ لَزِمَهُ حَجٌّ آخَرُ فَيَأْتِي بِهِ بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَضَاءِ وَلَوْ مُتَرَاخِيًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: حَجُّهُ) أَيْ أَوْ عُمْرَتُهُ
(قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ النَّذْرُ) أَيْ وَإِنْ لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ (قَوْلُهُ: فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ
(قَوْلُهُ: وَقَعَ عَنْهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ عَنْهُمَا بِتَثْنِيَتِهِ وَلْيُرَاجَعْ مَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
(8/230)
(فَإِنْ) تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ وَلَكِنْ (مَنَعَهُ) مِنْهُ (مَرَضٌ) أَوْ خَطَأُ طَرِيقٍ أَوْ وَقْتٌ أَوْ نِسْيَانٌ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِلنُّسُكِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فِي الْجَمِيعِ أَيْ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِتَمَكُّنِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ نُسُكٌ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (أَوْ) مَنَعَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ (عَدُوٌّ) أَوْ سُلْطَانٌ أَوْ رَبُّ دَيْنٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ وَفَائِهِ حَتَّى مَضَى إمْكَانُ الْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ (فَلَا) يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ (فِي الْأَظْهَرِ) كَمَا فِي نُسُكِ الْإِسْلَامِ لَوْ صُدَّ عَنْهُ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ مَنَعَهُ الْمَرَضُ، وَفُرِّقَ الْأَوَّلُ بِجَوَازِ التَّحَلُّلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَرَضِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَالَ الْإِمَامُ أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِلْعَدُوِّ فَلَا قَضَاءَ عَلَى النَّصِّ لَا تَكْرَارَ فِيهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ إذْ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الْخِلَافِ الْأَوَّلِ، أَوْ أَنَّهُ عَبَّرَ أَوَّلًا بِمَنَعَهُ وَثَانِيًا بِامْتَنَعَ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى صَادِقَةٌ بِمَا مَنَعَهُ فَلَا صُنْعَ لَهُ لِلْمَمْنُوعِ فِيهِ، وَالثَّانِيَةُ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا خَافَ فَامْتَنَعَ بِنَفْسِهِ أَوْ الْأُولَى فِيمَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ فِيمَا قَبْلَهُ.
(أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ) يَصِحَّانِ فِيهِ (فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ) كَأَسِيرٍ يَخَافُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ قُتِلَ وَكَأَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى التَّلَبُّسِ بِمُنَافِي الصَّلَاةِ جَمِيعَ وَقْتِهَا " (وَجَبَ الْقَضَاءُ) لِوُجُوبِهِمَا مَعَ الْعَجْزِ بِخِلَافِ الْحَجِّ إذْ شَرْطُهُ الِاسْتِطَاعَةُ وَبِقَوْلِنَا كَأَسِيرٍ يَخَافُ؛ يَنْدَفِعُ مَا اسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ تَصَوُّرِ الْمَنْعِ مِنْ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ نِيَّتِهِ وَالْأَكْلُ لِلْإِكْرَاهِ غَيْرُ مُفْطِرٍ، وَبِقَوْلِنَا وَكَأَنْ يُكْرِهَهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ نَادِرٌ كَمَا فِي الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ اهـ فَهُمْ لَمْ يَسْكُتُوا عَنْ هَذَا إلَّا لِكَوْنِ الْغَرَضِ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنْ انْتَفَى تَعَيَّنَ مَا ذَكَرَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذُكِرَ هُنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ) هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ كَمَا حَلَّ بِهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا، وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى إنْسَانٍ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَا دَامَ الْمَنْذُورُ لَهُ حَيًّا وَصَرَفَ عَلَيْهِ مُدَّةً ثُمَّ عَجَزَ عَنْ الصَّرْفِ لِمَا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَهَلْ يَسْقُطُ النَّذْرُ عَنْهُ مَا دَامَ عَاجِزًا إلَى أَنْ يُوسِرَ أَوْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ فَيُؤَدِّيَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ النَّذْرُ مَا دَامَ مُعْسِرًا لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الدَّفْعِ فَإِذَا أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَ أَدَاؤُهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَيَنْبَغِي تَصْدِيقُهُ فِي الْيَسَارِ وَعَدَمِهِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ (قَوْلُهُ: فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِلْحَجِّ عَنْ تِلْكَ السَّنَةِ الَّتِي صُدَّ عَنْ الْحَجِّ فِيهَا وَحَجَّةُ الْإِسْلَامُ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهَا وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: مَعَ مَا قَبْلَهُ) هُوَ قَوْلُهُ أَوْ مَنَعَهُ.
(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِنَا وَكَأَنْ يُكْرِهَهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْحَجِّ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ يُغْنِي هَذَا عَنْ قَوْلِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْمَعْنَى الَّذِي اسْتَظْهَرَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ) قَالَ الشِّهَابُ الْمَذْكُورُ: إنْ كَانَ ضَمِيرُ مِنْهُ لِلْحَجِّ فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ التَّمَكُّنُ مِنْ الْحَجِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِلْإِحْرَامِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ أَيْضًا مَعَ الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ، مَعَ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ لَا تَظْهَرُ كِفَايَتُهُ فِي الْوُجُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْإِحْرَامِ، وَبَيَّنَ الشَّارِحُ كَابْنِ حَجَرٍ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِحْرَامِ فِعْلَهُ بَلْ مُجَرَّدَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ، وَلَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْقَضَاءِ بِمُجَرَّدِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْإِحْرَامِ بَلْ هُوَ الْقِيَاسُ فِي كُلِّ عِبَادَةٍ دَخَلَ وَقْتُهَا وَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا وَلَمْ يَفْعَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا، فَقَوْلُ ابْنِ قَاسِمٍ لَا تَظْهَرُ كِفَايَتُهُ فِي الْوُجُوبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ) قَالَ الْمُحَقِّقُ الْجَلَالُ عَقِبَهُ: أَوْ صَدَّهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، قَالَ الْإِمَامُ: أَوْ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِلْعَدُوِّ فَلَا قَضَاءَ عَلَى النَّصِّ.
وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا بِوُجُوبِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، فَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَتْنِ فِيمَا إذَا مَنَعَهُ حَصْرٌ خَاصٌّ بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَهُ حَصْرٌ عَامٌّ أَوْ امْتَنَعَ هُوَ لِلْعَدُوِّ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ هُنَا زِيَادَةٌ تَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ إيهَامٍ فِي كَلَامِ الْجَلَالِ وَهِيَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ
(قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ هُنَا) يَعْنِي مَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَبَ الْقَضَاءُ
(8/231)
مِنْ التَّعْيِينِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لَهُمَا فِي الِاعْتِكَافِ مِنْ عَدَمِ التَّعْيِينِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ بِالنَّذْرِ، نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ لَهَا وَقْتًا مَكْرُوهًا لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ.
(أَوْ) نَذَرَ (هَدْيًا) مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَصِحُّ التَّصَدُّقُ بِهِ وَلَوْ فِي نَحْوِ دُهْنٍ نَجِسٍ وَعَيَّنَهُ فِي نَذْرِهِ، وَقَوْلُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ أَوْ بَعْدَهُ مَحَلُّ نَظَرٍ لِأَنَّ التَّعْيِينَ بَعْدَ النَّذْرِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُطْلَقِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَصَرَّفُ فِيمَا يُجْزِئُ أُضْحِيَّةً فَلَا يَصِحُّ تَعْيِينُ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ حَمْلُهُ) إنْ كَانَ مِمَّا يُحْمَلُ وَلَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّهِ أَزْيَدَ قِيمَةً كَمَا يَأْتِي (إلَى مَكَّةَ) أَيْ إلَى حَرَمِهَا إذْ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ سَائِغٌ: أَيْ إلَى مَا عَيَّنَهُ مِنْهُ إنْ عَيَّنَ وَإِلَّا فَإِلَيْهِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مَحِلُّ الْهَدْيِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] (وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ) هُوَ مُقِيمٌ أَوْ مُسْتَوْطِنٌ (بِهَا) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرُهُمْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْمَحْصُورِينَ بِأَنْ سَهُلَ عَلَى الْآحَادِ عَدُّهُمْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا أَجَازَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ، وَعِنْدَ إطْلَاقِ الْهَدْيِ يُعْتَبَرُ فِيهِ كَوْنُهُ مُجْزِئًا فِي الْأُضْحِيَّةِ سُلُوكًا بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ غَالِبًا، وَمُؤْنَةُ حَمْلِهِ إلَيْهَا وَمُؤْنَتُهُ عَلَى النَّاذِرِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِيعَ بَعْضُهُ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَالَ أُهْدِي هَذَا أَمْ جَعَلْته هَدْيًا لِلْكَعْبَةِ، ثُمَّ إذَا حَصَلَ الْهَدْيُ فِي الْحَرَمِ إنْ كَانَ حَيَوَانًا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَجَبَ ذَبْحُهُ وَتَفْرِقَتُهُ عَلَيْهِمْ وَيَتَعَيَّنُ ذَبْحُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ لَا يُجْزِئُ أَعْطَاهُ لَهُمْ حَيًّا، فَإِنْ ذَبَحَهُ فَرَّقَهُ وَغَرِمَ مَا نَقَصَ بِذَبْحِهِ، وَلَوْ نَوَى سِوَى التَّصَدُّقِ كَالصَّرْفِ لِسِتْرِ الْكَعْبَةِ أَوْ طِيبِهَا تَعَيَّنَ صَرْفُهُ فِيمَا نَوَاهُ، وَإِطْلَاقُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ جَعْلَهُ فِيهَا وَفِي الزَّيْتِ جَعْلَهُ فِي مَصَابِيحِهَا، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَضَافَ النَّذْرَ إلَيْهَا وَاحْتِيجَ لِذَلِكَ فِيهَا، وَإِلَّا بِيعَ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ لِمَصَالِحِهَا كَمَا لَا يَخْفَى.
وَلَوْ عَسُرَ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِهِ كَلُؤْلُؤٍ بَاعَهُ وَفَرَّقَ ثَمَنَهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُ فِي بَلَدِهِ وَالْحَرَمِ بَاعَهُ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِلَّا لَزِمَهُ بَيْعُهُ فِي أَعْلَاهُمَا قِيمَةً هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُمْكِنُهُ نَقْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ، أَوْ عَسُرَ كَعَقَارٍ وَرَحًى بِيعَ وَفُرِّقَ ثَمَنُهُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمُعَيَّنُ فِي يَدِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَالْمُتَوَلِّي لِبَيْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ النَّاذِرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَيْسَ لِقَاضِي مَكَّةَ نَزْعُهُ مِنْهُ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إمْسَاكُهُ بِقِيمَتِهِ لِاتِّهَامِهِ فِي مُحَابَاةِ نَفْسِهِ وَلِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقَبِّضِ.
(أَوْ) نَذَرَ (التَّصَدُّقَ) أَوْ الْأُضْحِيَّةَ أَوْ النَّحْرَ إنْ ذَكَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ أَوْ نَوَاهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ (عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فِي عِلْمِ الْجَوَابِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِمَا فِيهَا جَمِيعَ الْوَقْتِ يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ مَعَ ذَلِكَ الْمُنَافِي وَيَقْضِي، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ حُبِسَ فِي مَكَان نَجَسٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ فِي صَلَاتِهِ اخْتِيَارًا عَلَى اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ أَوْ نَحْوِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ فَلَا يُتَصَوَّرُ حِينَئِذٍ مَعَ الْإِكْرَاهِ فِعْلُهُ مَعَ الْمُنَافِي.
(قَوْلُهُ: هُوَ مُقِيمٌ) أَيْ إقَامَةً تَقْطَعُ السَّفَرَ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ صِحَاحٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مُقَابَلَتُهُ بِالْمُسْتَوْطِنِ، فَمَنْ نَحَرَ بِمِنًى لَا يُجْزِئُ إعْطَاؤُهُ لِلْحُجَّاجِ الَّذِينَ لَمْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ قَبْلَ عَرَفَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُمْ إلَّا بَعْدَ عَوْدِهِمْ إلَى مَكَّةَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ (قَوْلُهُ: بِيعَ بَعْضُهُ لِذَلِكَ) أَفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ لِغَيْرِهَا مِنْ الْمَسَاجِدِ وَقَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَكِنْ يَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إكْرَامًا لَهُ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُ) وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَذَرَ إهْدَاءَ بَهِيمَةٍ إلَى الْحَرَمِ، فَإِنْ أَمْكَنَ إهْدَاؤُهَا بِنَقْلِهَا إلَى الْحَرَمِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فِي نَقْلِهَا وَلَا نَقْصِ قِيمَةٍ لَهَا وَجَبَ وَإِلَّا بَاعَهَا بِمَحَلِّهَا وَنَقَلَ قِيمَتَهَا (قَوْلُهُ وَالْمُتَوَلِّي لِبَيْعِ جَمِيعِ ذَلِكَ النَّاذِرُ) أَيْ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَمَضْمُونٌ عَلَيْهِ فَوِلَايَتُهُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: إنْ ذَكَرَ التَّصَدُّقَ بِهِ) أَيْ بِمَا يَنْحَرُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ لَهَا وَقْتًا مَكْرُوهًا إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ يَصِحَّانِ فِيهِ
(قَوْلُهُ: مِنْ نَعَمٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَخْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ إهْدَاءُ هَذَا الثَّوْبِ مَثَلًا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فِي نَذْرِهِ وَفِي شَرْحِ الْجَلَالِ وَشَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: غَالِبًا) يَنْبَغِي حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْهَدْيِ) هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ مَبْنِيَّانِ عَلَى ظَاهِرِ الْمَتْنِ لَا بِالنَّظَرِ لِمَا حِلُّهُ بِهِ (قَوْلُهُ: سَوَاءٌ أَقَالَ أُهْدِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَعْمِيمٌ فِي الْمَتْنِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: سَوَاءٌ أَقَالَ أُهْدِي هَذَا أَمْ جَعَلْته هَدْيًا أَمْ هَدْيًا لِلْكَعْبَةِ انْتَهَتْ.
فَلَعَلَّ بَعْضَهَا سَقَطَ مِنْ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَمُؤْنَتُهُ) أَيْ الْهَدْيِ
(قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْحَرَمِ) أَيْ
(8/232)
مَكَّةَ (مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ) لِمَسَاكِينِهِ وَفَاءً بِالْمُلْتَزَمِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ تَعْمِيمُ الْمَحْصُورِينَ وَجَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ، نَعَمْ لَوْ تَمَحَّضَ أَهْلُ الْبَلَدِ كُفَّارًا لَمْ يَلْزَمْ لِأَنَّ النَّذْرَ لَا يُصْرَفُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ.
(أَوْ) نَذَرَ (صَوْمًا) أَوْ نَحْوَهُ (فِي بَلَدٍ) وَلَوْ مَكَّةَ (لَمْ يَتَعَيَّنْ) فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ وَيَفْعَلُهُ فِي أَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ فِي مَحَلٍّ بِخُصُوصِهِ، وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ فِيهَا وَلِذَا لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ الدَّمِ فِيهَا بَلْ لَمْ يُجْزِ فِي بَعْضِهِ (وَكَذَا صَلَاةٌ) وَاعْتِكَافٌ كَمَا مَرَّ بِبَلَدٍ أَوْ مَسْجِدٍ لَا يَتَعَيَّنُ لِذَلِكَ، نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ الْمَسْجِدَ لِلْفَرْضِ لَزِمَهُ وَلَهُ فِعْلُهُ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ جَمَاعَةً فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الْفَرْضِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فَلْيَجُزْ كُلُّ مَسْجِدٍ لِذَلِكَ وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ النَّوَافِلِ الَّتِي يُسَنُّ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِالْفَرْضِ (إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) فَيَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ لِعِظَمِ فَضْلِهِ وَتَعَلُّقِ النُّسُكِ بِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ وَالْمَسْجِدُ حَوْلَهَا مَعَ مَا زِيدَ فِيهِ (وَفِي قَوْلٍ) إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى) لِمُشَارَكَتِهِمَا لَهُ فِي بَعْضِ الْخُصُوصِيَّاتِ لِخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» أَيْ لَا يُطْلَبُ شَدُّهَا إلَّا لِذَلِكَ (قُلْت: الْأَظْهَرُ تَعَيُّنُهُمَا كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَيَقُومُ مَسْجِدُ مَكَّةَ مَقَامَهُمَا وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ مَقَامَ الْأَقْصَى وَلَا عَكْسَ فِيهِمَا، ثُمَّ الْمُضَاعَفَةُ الْمَذْكُورَةُ إنَّمَا تَكُونُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَضْلِ خَاصَّةً لَا فِي حُسْبَانٍ عَنْ مُنْذَرٍ أَوْ قَضَاءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يُلْحَقُ بِهَا مَسْجِدُ قُبَاءَ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَإِنْ صَحَّ الْخَبَرُ بِأَنَّ رَكْعَتَيْنِ فِيهِ كَعُمْرَةٍ (أَوْ) نَذَرَ (صَوْمًا مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ لَفْظًا وَلَا نِيَّةً (فَيَوْمٌ) إذْ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ لَا يَكُونُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَوَصَفَهُ بِطُولٍ أَمْ كَثْرَةٍ أَمْ حِينٍ أَمْ دَهْرٍ (أَوْ أَيَّامًا فَثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَمَرَّ وُجُوبُ التَّبْيِيتِ فِي كُلِّ صَوْمٍ وَاجِبٍ (أَوْ) نَذَرَ (صَدَقَةً) فَ) يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ (بِمَا) أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ (كَانَ) وَإِنْ قَلَّ مِمَّا يُتَمَوَّلُ فَلَا يَكْفِي غَيْرُهُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَوَصَفَ الْمَالَ الْمَنْذُورَ بِكَوْنِهِ عَظِيمًا أَمْ لَا لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ، وَلِأَنَّ الْخُلَطَاءَ قَدْ يَشْتَرِكُونَ فِي نِصَابٍ فَيَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمْ شَيْءٌ قَلِيلٌ.
(أَوْ) نَذَرَ صَلَاةً)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: لَزِمَهُ لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ الْمُقِيمِينَ أَوْ الْمُسْتَوْطِنِينَ: أَيْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُ مَا مَرَّ) أَيْ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ وَفِي قَوْلِهِ هُنَا وَيَجِبُ تَعْمِيمُ الْمَحْصُورِينَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّوْمَ يَزِيدُ ثَوَابُهُ فِي مَكَّةَ عَلَى ثَوَابِهِ فِي غَيْرِهِ، وَهَلْ يُضَاعَفُ الثَّوَابُ فِيهِ قَدْرَ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا بَلْ فِيهِ مُجَرَّدُ زِيَادَةٍ لَا تَصِلُ لِحَدِّ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الِاعْتِكَافِ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ خَاصَّةٌ بِالصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَطْلُبُ شَدَّهَا) أَيْ فَيَكُونُ الشَّدُّ مَكْرُوهًا وَبِبَعْضِ الْهَوَامِشِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالْجُوَيْنِيُّ: أَيْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَاهُ، وَفِي حَجّ فِي الْجَنَائِزِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ الْكَرَاهَةُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ صَحَّ الْخَبَرُ) أَيْ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَذَرَ صَلَاةً) أَيْ وَلَا فَرْقَ فِي الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ وَغَيْرِهِ كَالرَّوَاتِبِ وَالضُّحَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ وَلَا نَوَاهُ
(قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ) لَعَلَّهُ كَالْقِرَاءَةِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ تَمَحَّضَ أَهْلُ الْبَلَدِ كُفَّارًا إلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَقَوْلُهُ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ: أَيْ لَمْ يَلْزَمْ صَرْفُهُ إلَيْهِمْ كَذَا فِي هَامِشِ هَذِهِ النُّسْخَةِ: أَيْ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إبْدَالُ الْكَافِرِ بِغَيْرِهِ كَمَا مَرَّ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ إلَخْ فِيهِ صُعُوبَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلِذَا لَمْ يُجْزِهِ صَوْمُ الدَّمِ) كَذَا فِي النُّسَخِ، وَصَوَابُهُ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَلِذَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ وَالضَّمِيرُ فِي بَعْضِهِ لِلدَّمِ، وَمُرَادُ بِهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَوْمُ الدَّمِ فِيهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ ثَوَابًا، بَلْ بَعْضُهُ لَا يَجْزِي فِيهِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ وَيُوجَدُ فِي النُّسَخِ تَحْرِيفُ الدَّمِ بِالدَّهْرِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يُطْلَبُ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْجَنَائِزِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ شَدُّهَا لِزِيَارَةِ نَفْسِ الْبُقْعَةِ كَمَا تُزَارُ هَذِهِ الْمَسَاجِدُ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ وَلِأَنَّ الْخُلَطَاءَ إلَخْ) تَعْلِيلَانِ لِأَصْلِ الْمَتْنِ: أَيْ إنَّمَا جَازَ بِأَيِّ شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلَطَاءِ، وَإِنَّمَا احْتَاجَ لِهَذَا لِيَكُونَ الْحُكْمُ جَارِيًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ
(8/233)
فَرَكْعَتَانِ تُجْزَيَانِهِ حَمْلًا عَلَى ذَلِكَ، وَيَجِبُ فِعْلُهُمَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ صَلَاتَيْنِ وَجَبَ التَّسْلِيمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (وَفِي قَوْلٍ رَكْعَةٌ) حَمْلًا عَلَى جَائِزِهِ وَلَا تُجْزِيهِ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ (فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ) لِأَنَّهُمَا أُلْحِقَا بِوَاجِبِ الشَّرْعِ (وَعَلَى الثَّانِي لَا) إلْحَاقًا بِجَائِزِهِ.
(أَوْ) نَذَرَ (عِتْقًا) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ كَالتَّنْبِيهِ إعْتَاقًا مَعَ التَّعَجُّبِ مِنْ تَغْيِيرِهَا، فَقَدْ قَالَ فِي تَحْرِيرِهِ إنْكَارُهُ جَهْلٌ لَكِنَّهُ أَحْسَنُ لِأَنَّ فِي تَغْيِيرِهَا رَدًّا عَلَى الْمُنْكِرِ فَكَانَ أَهَمَّ مِنْ ارْتِكَابِ الْأَحْسَنِ (فَعَلَى الْأَوَّلِ) تَجِبُ (رَقَبَةُ كَفَّارَةٍ) تَكُونُ مُؤْمِنَةً سَلِيمَةً مِنْ عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْكَسْبِ (وَعَلَى الثَّانِي رَقَبَةٌ) وَإِنْ لَمْ تَجُزْ لِكُفْرِهَا أَوْ عَيْبِهَا حَمْلًا عَلَى جَائِزِهِ (قُلْت: الثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَاكْتَفَى بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَلِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى فَكِّ الرِّقَابِ مِنْ الرِّقِّ مَعَ أَنَّهُ غَرَامَةٌ فَسُومِحَ فِيهَا وَخَرَجَ عَنْ قَاعِدَةِ السُّلُوكِ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ (أَوْ) نَذَرَ (عِتْقَ كَافِرَةٍ مَعِيبَةٍ) (أَجْزَأَهُ كَامِلَةٌ) لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ (فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً) بِنَحْوِ كُفْرٍ أَوْ عَيْبٍ وَإِنْ جَعَلَ الْعَيْبَ وَصْفًا كَعَلَيَّ عِتْقُ هَذَا الْكَافِرِ أَوْ عِتْقُ هَذَا (تَعَيَّنَتْ) وَامْتَنَعَ إبْدَالُهَا لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِهَا وَإِنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا بِهِ.
(أَوْ) نَذَرَ (صَلَاةً قَائِمًا) لَمْ يَجُزْ قَاعِدًا) لِأَنَّهُ دُونَ مَا الْتَزَمَهُ (بِخِلَافِ عَكْسِهِ) بِأَنْ نَذَرَهَا قَاعِدًا فَلَهُ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا (أَوْ) نَذَرَ (طُولَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ) فَرْضًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ تَطْوِيلَ نَحْوِ رُكُوعِهَا أَوْ الْقِيَامَ فِي نَافِلَةٍ أَوْ نَحْوَ تَثْلِيثِ وُضُوءٍ (أَوْ) نَذَرَ (سُورَةً مُعَيَّنَةً) يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ نَفْلًا.
(أَوْ) نَذَرَ (الْجَمَاعَةَ) فِيمَا تُشْرَعُ فِيهِ مِنْ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ (لَزِمَهُ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ وَتَقْيِيدُهُمَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ بِالْفَرْضِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ لَا تَقْيِيدُ الْحُكْمِ بِهِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ، وَالْأَوْجَهُ ضَبْطُ التَّطْوِيلِ الْمُلْتَزَمِ هُنَا بِأَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِإِمَامِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ: إنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ التَّطْوِيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا لِقَوْمٍ غَيْرِ مَحْصُورِينَ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ لِكَرَاهَتِهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُشِيرُ لِمَا قَرَّرْنَاهُ إلَّا أَنَّ كَرَاهَةَ أَدْنَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا يُنْدَبُ لِإِمَامِ غَيْرِ مَحْصُورِينَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَمْنُوعَةٌ.
(وَالصَّحِيحُ) انْعِقَادُ النَّذْرِ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً) (كَعِيَادَةٍ) لِمَرِيضٍ تُنْدَبُ عِيَادَتُهُ (وَتَشْيِيعُ جِنَازَةٍ وَالسَّلَامُ) ابْتِدَاءً حَيْثُ شُرِعَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَيَجِبُ الْقِيَامُ فِي الْجَمِيعِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَذَرَ عِتْقَ كَافِرَةٍ مُعَيَّنَةٍ) بِأَنْ الْتَزَمَهَا فِي ذِمَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) وَفَائِدَةُ ذَلِكَ جَوَازُ انْتِفَاعِهِ بِهَا وَبِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَصُوفِهَا.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا) قَالَ حَجّ: وَأَيْضًا فَالْقِيَامُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَوُجِدَ الْمَنْذُورُ هُنَا بِزِيَادَةٍ وَلَا كَذَلِكَ فِي الرُّكُوبِ إلَخْ اهـ.
أَقُولُ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقُعُودَ هُوَ انْتِصَابُ مَا فَوْقَ الْفَخِذَيْنِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْقِيَامِ لِأَنَّ فِيهِ انْتِصَابَ مَا فَوْقَ الْفَخِذَيْنِ وَزِيَادَةً وَهِيَ انْتِصَابُ الْفَخِذَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ نَذَرَ الْجَمَاعَةَ) وَيَخْرُجُ مِنْ عُهْدَةِ ذَلِكَ بِالِاقْتِدَاءِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لِانْسِحَابِ حُكْمِ الْجَمَاعَةِ عَلَى جَمِيعِهَا (قَوْلُهُ: وَتَقْيِيدُهُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ) أَيْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
(قَوْلُهُ: لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً) أَيْ لَا يَجِبُ جِنْسُهَا ابْتِدَاءً، وَسَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُقَالُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً صِحَّةُ نَذْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ حَمْلًا عَلَى ذَلِكَ) اُنْظُرْ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ
(قَوْلُهُ: كَالتَّنْبِيهِ) يَعْنِي مُعَبِّرًا كَالتَّنْبِيهِ وَقَوْلُهُ مَعَ التَّعَجُّبِ مِنْ تَعْبِيرِهِمَا: أَيْ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَعَجَّبَ مِنْ تَعْبِيرِهِمَا: أَيْ الْمِنْهَاجِ وَالتَّنْبِيهِ إنْكَارًا لَهُ، وَقَوْلُهُ فَقَدْ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إلَخْ يَنْبَغِي تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ فِي تَعْبِيرِهِمَا إلَخْ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْعُدُولِ، وَقَوْلُهُ لَكِنَّهُ: أَيْ التَّعْبِيرَ بِالْإِعْتَاقِ وَحَاصِلُ الْمُرَادِ وَإِنْ كَانَ فِي الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْعِتْقِ كَالتَّنْبِيهِ مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ تَعَجَّبَ مِنْ هَذَا التَّعْبِيرِ وَعَدَلَ عَنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِإِعْتَاقٍ وَإِنْ كَانَ أَحْسَنَ إشَارَةً لِرَدِّ هَذَا التَّعَجُّبِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَخْطِئَةِ التَّعْبِيرِ بِالْعِتْقِ، وَهَذِهِ الْإِشَارَةُ أَهَمُّ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْأَحْسَنِ، وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: أَيْ التَّنْبِيهِ مَنْ نَذَرَ عِتْقَ رَقَبَةٍ هُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى مَنْ أَنْكَرَهُ لِجَهْلِهِ، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ إعْتَاقٌ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالسَّلَامُ) أَشَارَ بِهِ إلَى حُسْنِ الْخِتَامِ
(8/234)
وُجُوبًا مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِمَا مَرَّ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ وَنَفْسُهُ عِنْدَ دُخُولِ بَيْتٍ خَالٍ، لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهَا وَالْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا فَهِيَ كَالْعِبَادَاتِ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَوْضَاعِ الْعِبَادَاتِ. وَمِمَّا يَنْعَقِدُ بِهِ تَشْمِيتُ عَاطِسٍ وَزِيَارَةُ قَادِمٍ وَتَعْجِيلُ مُؤَقَّتَةٍ أَوَّلَ وَقْتِهَا وَلَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مُعَارِضٌ مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهَا فَكَانَتْ كَالْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَتَصَدُّقٍ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ قَبْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ تَمْلِيكَهُ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ مَا يُحْمَلُ لَهُ يُصْرَفُ عَلَى نَحْوِ فُقَرَاءَ هُنَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ بَطَلَ وَخَرَجَ بِلَا تَجِبُ ابْتِدَاءً مَا وَجَبَ جِنْسُهُ شَرْعًا كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَحَجٍّ فَيَجِبُ بِالنَّذْرِ قَطْعًا، وَيُعْتَبَرُ زِيَادَةٌ فِي الضَّابِطِ أَيْضًا وَهُوَ أَنْ لَا يُبْطِلَ رُخْصَةَ الشَّرْعِ لِيُخْرِجَ نَذْرَ عَدَمِ الْفِطْرِ فِي السَّفَرِ مِنْ رَمَضَانَ وَنَذْرَ الْإِتْمَامِ فِيهِ إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرَ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ تَعْجِيلُ زَكَاةِ مَالِي لَمْ يَنْعَقِدْ، أَوْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ صَائِمًا لَزِمَاهُ جَزْمًا، أَوْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ إذَا عَطَسَ انْعَقَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ عِلَّةٌ، فَإِنْ عَطَسَ فِي نَحْوِ رُكُوعٍ قَرَأَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ، أَوْ فِي الْقِيَامِ قَرَأَهَا حَالًا إذْ تَكْرِيرُهَا لَا يُبْطِلُهَا، أَوْ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَقِبَ شُرْبِهِ انْعَقَدَ، أَوْ أَنْ يُجَدِّدَ الْوُضُوءَ عِنْدَ مُقْتَضِيهِ فَكَذَلِكَ.
كِتَابُ الْقَضَاءِ بِالْمَدِّ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: إحْكَامُ الشَّيْءِ وَإِمْضَاؤُهُ، وَأَتَى لِمَعَانٍ أُخَرَ، وَفِي الشَّرْعِ: الْوِلَايَةُ الْآتِيَةُ وَالْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا، أَوْ إلْزَامُ مَنْ لَهُ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَخَرَجَ الْإِفْتَاءُ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَفِي الْخَبَرِ «إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ» أَيْ أَرَادَ الْحُكْمَ «فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، إذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ بَدَلَ الْأُولَى «فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ» وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا فِي حَاكِمٍ عَالِمٍ مُجْتَهِدٍ.
أَمَّا غَيْرُهُ فَآثِمٌ بِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَإِنْ وَافَقَ الصَّوَابَ وَأَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ.
وَرَوَى الْأَرْبَعَةُ وَالْحَاكِمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَقَدْ مَرَّ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِهَا (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّارِعَ رَغَّبَ فِيهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ (قَوْلُهُ وَمِمَّا يَنْعَقِدُ بِهِ) أَيْ النَّذْرُ (قَوْلُهُ: مُعَارَضٌ مِمَّا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ. [تَتِمَّةٌ]
لَوْ نَذَرَ زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَزِمَهُ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ فَشُفِيَ جَازَ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ اهـ عَمِيرَةُ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْطُلَ) أَيْ النَّذْرُ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي الْقِيَامِ قَرَأَهَا حَالًا) أَيْ ثُمَّ يَأْتِي بِالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَيَنْبَغِي جَوَازُ تَقْدِيمِ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ بَلْ لَعَلَّهُ أَوْلَى، وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ حَالًا لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَجِبُ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ.
وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ.
يَكُنْ مَأْمُومًا، فَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا أَخَّرَ قِرَاءَتَهَا لِمَا بَعْدَ السَّلَامِ (قَوْلُهُ: إذْ تَكْرِيرُهَا لَا يُبْطِلُهَا) لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِالْبُطْلَانِ فِي غَيْرِ نَحْوِ هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ كَرَّرَ لَا لِسَبَبٍ (قَوْلُهُ: فَكَذَلِكَ) أَيْ يَنْعَقِدُ.
كِتَابُ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: وَإِمْضَاؤُهُ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: وَأَتَى) أَيْ لُغَةً، وَقَوْلُهُ لَمَعَانٍ أُخَرَ: أَيْ كَالْوَحْيِ وَالْخَلْقِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[كِتَابُ الْقَضَاءِ]
(قَوْلُهُ: أَمَّا غَيْرُهُ) يَعْنِي الْمُجْتَهِدَ غَيْرَ الْعَالِمِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَهُوَ لَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ فَخَرَجَ الْمُقَلِّدُ بِشَرْطِهِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَأَحْكَامُهُ كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا يَأْتِي، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ
(8/235)
وَالْبَيْهَقِيُّ خَبَرَ «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، وَقَاضِيَانِ فِي النَّارِ» وَفَسَّرَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ، وَالْأَخِيرَانِ بِمَنْ عَرَفَ وَجَارَ وَمَنْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ، وَاَلَّذِي يَسْتَفِيدُهُ بِالْوِلَايَةِ إظْهَارُ حُكْمِ الشَّرْعِ وَإِمْضَاؤُهُ فِيمَا يُرْفَعُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُفْتِي مُظْهِرٌ لَا مُمْضٍ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْقِيَامُ بِحَقِّهِ أَفْضَلَ مِنْ الْإِفْتَاءِ (هُوَ) أَيْ قَبُولُهُ مِنْ مُتَعَدِّدِينَ صَالِحِينَ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) بَلْ هُوَ أَسْنَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ حَتَّى ذَهَبَ الْغَزَالِيُّ إلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الْجِهَادِ وَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَيْهِ لِأَنَّ طِبَاعَ الْبَشَرِ مَجْبُولَةٌ عَلَى التَّظَالُمِ وَقَلَّ مَنْ يُنْصِفُ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مُشْتَغِلٌ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ فَوَجَبَ مَنْ يَقُومُ بِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الصَّالِحُونَ لَهُ أَثِمُوا وَأَجْبَرَ الْإِمَامُ أَحَدَهُمْ.
أَمَّا تَقْلِيدُهُ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ فَوْرًا فِي قَضَاءِ الْإِقْلِيمِ، وَيَتَعَيَّنُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى قَاضِي الْإِقْلِيمِ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي، وَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ قَاضٍ أَوْ خَلِيفَةٍ لَهُ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ مِنْ فَوْقِهَا مُشِقٌّ، وَبِهِ فَارَقَ اعْتِبَارَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ أَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إذَا أَفْضَى لِتَعْطِيلٍ أَوْ طُولِ نِزَاعٍ، وَمِنْ صَرِيحِ التَّوْلِيَةِ وَلَّيْتُك أَوْ قَلَّدْتُك أَوْ فَوَّضْت إلَيْك الْقَضَاءَ، وَمِنْ كِنَايَتِهَا عَوَّلْت وَاعْتَمَدْت عَلَيْك فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ لَفْظًا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الشُّرُوعُ بِالْفِعْلِ كَالْوَكِيلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، نَعَمْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
(فَإِنْ تَعَيَّنَ) لَهُ وَاحِدٌ بِأَنْ لَمْ يَصْلُحْ غَيْرُهُ (لَزِمَهُ) (طَلَبُهُ) وَلَوْ بِمَالٍ قَدَرَ عَلَيْهِ فَاضِلًا عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ أَخَافَ الْمَيْلَ أَمْ لَا، عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يَطْلُبْهُ مِنْهُ أَمْ لَا، بَلْ عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ وَالتَّحَرُّزُ مَا أَمْكَنَهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ مُفَسَّقًا لِأَنَّهُ غَالِبًا إنَّمَا يَكُونُ بِتَأْوِيلٍ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الطَّلَبِ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِجَابَةِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ امْتِثَالِهِمْ لَهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ) نُدِبَ لِلْأَصْلَحِ طَلَبُهُ وَقَبُولُهُ حَيْثُ وَثِقَ بِنَفْسِهِ (وَكَانَ) الْأَصْلَحُ (يَتَوَلَّاهُ) أَيْ يَقْبَلُهُ إذَا وَلِيَهُ (فَلِلْمَفْضُولِ الْقَبُولُ) إذَا بُذِلَ لَهُ بِلَا طَلَبٍ وَتَنْعَقِدُ تَوْلِيَتُهُ كَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ لَهُ الْقَبُولُ فَلَا تَنْعَقِدُ تَوْلِيَتُهُ وَتَحْرُمُ لِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِمِ «مَنْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَفْضَلُ مِنْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «رَجُلًا عَلَى عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِمْضَاؤُهُ) عَطْفٌ مُغَايِرٌ (قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ أَسْنَى) أَيْ أَعْلَى (قَوْلُهُ: أَمَّا تَقْلِيدُهُ) أَيْ تَوْلِيَتُهُ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى) وَالْمُخَاطَبُ بِذَلِكَ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الِاسْتِخْلَافَ كَقَاضِي الْإِقْلِيمِ.
(قَوْلُهُ: فَاضِلًا عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفِطْرَةِ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَرَّحُوا فِيهَا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ مَالٌ وَإِنْ قَلَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَجَبَ بَذْلُهُ لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُفَسِّقًا) أَيْ الِامْتِنَاعُ (قَوْلُهُ فَلِلْمَفْضُولِ الْقَبُولُ) ظَاهِرُهُ مَعَ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ، وَالْقِيَاسُ ثُبُوتُهَا لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَبُولِ، وَقَدْ يَقْتَضِي قَوْلُهُ الْآتِي وَلَهُ الْقَبُولُ مَعَ كَرَاهَةِ ثُبُوتِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (قَوْلُهُ: مَنْ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) دَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْعِيًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ أَيْ قَبُولُهُ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ وَنَازَعَهُ ابْنُ قَاسِمٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى وُرُودِ الْقَضَاءِ بِمَعْنَى قَبُولِهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ الضَّمِيرَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَهَذَا غَيْرُ الِاسْتِخْدَامِ (قَوْلُهُ: أَيْ قَبُولُهُ) لَعَلَّهُ بِمَعْنَى التَّلَبُّسِ بِهِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ قَبُولَهُ لَفْظًا غَيْرُ شَرْطٍ (قَوْلُهُ: أَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ) أَيْ بَعْدَ تَدَاعِيهِمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْإِمَامِ) يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَهُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الْقَضَاءِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ نَائِبِهِ) أَيْ مِنْ الْقُضَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُفَسَّقًا) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ وَإِلَّا فَالتَّعْلِيلُ لَا يُسَاعِدُ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: نُدِبَ لِلْأَصْلَحِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ أَتَى بِهَذَا الْجَوَابِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شَرْطٍ يَكُونُ مَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ جَوَابًا لَهُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ فَإِنْ سَكَتَ قُبَيْلَ قَوْلِ
(8/236)
وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ» وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُ فَكَالْعَدِمِ وَلَا يُجْبَرُ الْفَاضِلُ هُنَا.
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَيَّزْ الْمَفْضُولُ بِكَوْنِهِ أَطْوَعَ لِلنَّاسِ أَوْ أَقْرَبَ لِلْقَبُولِ أَوْ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ أَوْ أَلْزَمَ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْقَبُولُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَانْعَقَدَتْ وِلَايَتُهُ قَطْعًا (وَ) عَلَى الْأَوَّلِ (يُكْرَهُ طَلَبُهُ) لِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ (وَقِيلَ يَحْرُمُ وَإِنْ كَانَ) غَيْرُهُ (مِثْلَهُ) وَسُئِلَ بِلَا طَلَبٍ (فَلَهُ الْقَبُولُ) مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُ، نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَقَدْ أَتَاهُ بِلَا سُؤَالٍ فَيُعَانُ عَلَيْهِ وَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ الِامْتِنَاعُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ (وَيُنْدَبُ) لَهُ (الطَّلَبُ) لِلْقَضَاءِ وَالْقَبُولِ حَيْثُ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى (إنْ كَانَ خَامِلًا) أَيْ غَيْرَ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمٍ (يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ) وَنَفْعَ النَّاسِ بِهِ (أَوْ) كَانَ غَيْرَ الْخَامِلِ (مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى الْوِلَايَةِ، وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ حُقُوقُ النَّاسِ بِتَوْلِيَةِ ظَالِمٍ أَوْ جَاهِلٍ فَقَصَدَ بِطَلَبِهِ أَوْ قَبُولِهِ تَدَارُكُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ (فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ) أَيْ الطَّلَبُ كَالْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، وَهَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِأَكْثَرِ السَّلَفِ الصَّالِحِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ (قُلْت: وَيُكْرَهُ) لَهُ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ (عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِوُرُودِ نَهْيٍ مَخْصُوصٍ فِيهِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَتْ الْأَخْبَارُ الْمُحَذِّرَةُ مِنْهُ كَالْخَبَرِ الْحَسَنِ «مَنْ وَلِيَ الْقَضَاءَ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ خَطَرِهِ، وَيَحْرُمُ الطَّلَبُ عَلَى جَاهِلٍ وَعَالِمٍ قَصَدَ انْتِقَامًا أَوْ ارْتِشَاءً، وَيُتَّجَهُ حُرْمَةُ طَلَبِهِ مُبَاهَاةً وَاسْتِعْلَاءً بِقَصْدِ هَذَيْنِ.
وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ فَقْدِ قَاضٍ مُتَوَلٍّ، أَوْ كَانَ الْمُتَوَلِّي جَائِرًا، فَلَوْ كَانَ ثَمَّ مُتَوَلٍّ صَالِحٌ حَرُمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ السَّعْيُ فِي عَزْلِهِ وَلَوْ بِأَفْضَلَ مِنْهُ وَيَفْسُقُ الطَّالِبُ، وَلَا يُؤَثِّرُ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ نُدِبَ لَهُ بَذْلُهُ مَالًا عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ الْآخِذُ ظَالِمٌ، فَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُنْدَبْ حَرُمَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً لَا دَوَامًا لِئَلَّا يُعْزَلَ، وَفِي الرَّوْضَةِ جَوَازُ بَذْلِهِ لِيُوَلَّى أَيْضًا، وَدَعْوَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مَرْدُودَةٌ، إذْ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِعَزْوِهِ مَا ذُكِرَ لِلرُّويَانِيِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
كَنَصْبِ مَشَايِخِ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَنَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إلَخْ) أَيْ لِقَبُولِ الْخَصْمِ مَا يَقْضِي عَلَيْهِ أَوْ لَهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَطْوَعِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَطْوَعِ أَكْثَرُ طَاعَةً بِأَنْ تَكُونَ طَاعَةُ النَّاسِ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ طَاعَتِهِمْ لِغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ) هُوَ بِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتَهَى مُخْتَارُ كَمَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ حُقُوقُ النَّاسِ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَبُولَ حِينَئِذٍ مَنْدُوبٌ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ) هِيَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ حَامِلًا إلَخْ وَقَوْلُهُ أَوْ مُحْتَاجًا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ ضَاعَتْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَيَحْرُمُ الطَّلَبُ عَلَى جَاهِلٍ) أَيْ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَثِّرُ) أَيْ فِي صِحَّةِ تَوَلِّيهِ (قَوْلُهُ: إذْ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِعَزْوِهِ مَا ذُكِرَ لِلرُّويَانِيِّ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُصَنِّفِ وَكَانَ إلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْأَصْلَحِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَطْوَعَ لِلنَّاسِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَطْوَعَ فِي النَّاسِ (قَوْلُهُ: أَوْ أَقْرَبَ لِلْقَبُولِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: أَوْ أَقْرَبَ إلَى الْقُلُوبِ (قَوْلُ الْمَتْنِ وَيُكْرَهُ طَلَبُهُ) لَعَلَّ مَحَلَّهُ إذَا انْتَفَتْ عَنْهُ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الشَّرْحِ قُبَيْلَهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُنْدَبُ لَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: هُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ إلَخْ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ قُلْنَا: فَلَا مَعْنَى لِنَقْلِهِ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالطَّلَبِ لَمْ يُخَالِفْهُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ (قَوْلُهُ: أَيْ الطَّلَبُ كَالْقَبُولِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ أَيْضًا: إنْ كَانَ كَوْنُ الْقَبُولِ خِلَافَ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْن أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ طَلَبٌ مِنْهُ أَوْ لَا خِلَافَ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيِّ، وَإِنْ كَانَ مُقَيَّدًا بِالطَّلَبِ لَمْ يُخَالِفْهُ فَلْيُحَرَّرْ اهـ (قَوْلُهُ: بِقَصْدِ هَذَيْنِ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ مُبَاهَاةً وَاسْتِعْلَاءً، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَطْلُبَهُ لِلْمُبَاهَاةِ وَالِاسْتِعْلَاءِ كَذَا قِيلَ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حَرَامٌ بِقَصْدِ هَذِهِ أَيْضًا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلَا يُؤَثِّرُ مِمَّنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ أَوْ نُدِبَ لَهُ بَذْلُهُ مَالًا) أَيْ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ إذْ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِعَزْوِهِ إلَخْ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ الدَّعْوَى غَيْرُ مَرْدُودَةٍ
(8/237)
لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ.
وَيُنْدَبُ عَزْلُهُ لِغَيْرِ صَالِحٍ وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْعَازِلِ، وَالتَّوْلِيَةُ وَإِنْ حَرُمَ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ مُطْلَقًا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ (وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعَيُّنِ) السَّابِقِ (وَعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ) وَيُتَّجَهُ ضَبْطُهَا بِوَطَنِهِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي مَسَافَةِ كُلِّ عَدْوَى نَصَبِ قَاضٍ فَيُجْرَى فِي التَّعْيِينِ، وَغَيْرِ مَا مَرَّ مِنْ أَحْكَامِ التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ فِي الطَّلَبِ وَالْقَبُولِ فِي وَطَنِهِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْهُ دُونَ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْوَطَنِ بِالْكُلِّيَّةِ، إذْ عَمَلُ الْقَضَاءِ لَا نِهَايَةَ لَهُ، بِخِلَافِ بَاقِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ الْمُحْوِجَةِ إلَى السَّفَرِ كَالْجِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ، فَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ صَالِحَانِ وَوَلِيَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ آخَرَ لَيْسَ بِهِ صَالِحٌ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَشَرْطُ الْقَاضِي) أَيْ مَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ لِلْقَضَاءِ (مُسْلِمٌ) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْكَافِرِ لِلْوِلَايَةِ، وَنَصْبُهُ عَلَى مِثْلِهِ مُجَرَّدُ رِيَاسَةٍ لَا تَقْلِيدُ حُكْمٍ وَقَضَاءٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُلْزِمُوهُ بِالتَّحَاكُمِ عِنْدَهُ وَلَا يَلْزَمُهُمْ حُكْمُهُ إلَّا إنْ رَضُوا بِهِ (مُكَلَّفٌ) لِنَقْصِ غَيْرِهِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَاوَرْدِيِّ زِيَادَةَ عَقْلٍ اكْتِسَابِيٍّ عَلَى الْعَقْلِ الْغَرِيزِيِّ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ (حُرٌّ) كُلُّهُ لِنَقْصِ غَيْرِهِ بِسَائِرِ أَقْسَامِهِ (ذَكَرٌ) فَلَا تُوَلَّى امْرَأَةٌ لِنَقْصِهَا وَلِاحْتِيَاجِ الْقَاضِي لِمُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِالتَّخَدُّرِ، وَالْخُنْثَى فِي ذَلِكَ كَالْمَرْأَةِ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (عَدْلٌ) فَلَا يَتَوَلَّى فَاسِقٌ لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ نَافِي الْإِجْمَاعِ أَوْ خَبَرِ الْآحَادِ أَوْ الِاجْتِهَادِ. وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ (سَمِيعٌ) فَلَا يَتَوَلَّى أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ إقْرَارٍ وَإِنْكَارٍ، بِخِلَافِ مَنْ يَسْمَعُ بِالصِّيَاحِ (بَصِيرٌ) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الطَّالِبَ مِنْ الْمَطْلُوبِ، وَفِي مَعْنَى الْأَعْمَى: مَنْ يَرَى الْأَشْبَاحَ وَلَا يَعْرِفُ الصُّوَرَ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ إذَا قَرُبَتْ مِنْهُ عَرَفَهَا صَحَّ، فَلَوْ كَانَ يُبْصِرُ نَهَارًا فَقَطْ جَازَتْ تَوْلِيَتُهُ أَوْ لَيْلًا فَقَطْ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي مَنْعُهُ (نَاطِقٌ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْأَخْرَسِ وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ (كَافٍ) أَيْ نَاهِضٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ بِأَنْ يَكُونَ ذَا يَقِظَةٍ تَامَّةٍ وَقُوَّةٍ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ فَلَا يُوَلَّى مُغَفَّلٌ وَمُخْتَلُّ نَظَرٍ بِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ (مُجْتَهِدٌ) فَلَا يَتَوَلَّى جَاهِلٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَلَا مُقَلِّدٌ، وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِغَوَامِضِهِ وَقَاصِرٌ عَنْ تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى فَالْقَضَاءُ أَوْلَى.
وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إسْلَامٌ إلَخْ أَوْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا كَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ لَا الشَّخْصُ نَفْسُهُ رُدَّ بِوُضُوحٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِتِلْكَ الصِّيَغِ مَا أَشْعَرَتْ بِهِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ كَاتِبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَعْنِي أَنْ يَكُونَ سَبْقَ قَلَمٍ حَيْثُ نَسَبَهُ لِلرُّويَانِيِّ فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ لَمْ يَقُلْهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، هَذَا هُوَ مُرَادُهُ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلُ فَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَمْ يُنْدَبْ حَرُمَ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ بَذَلَهُ لِأَجَلِ أَنْ يَتَوَلَّى يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا بَذَلَ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآخَرِ ذَلِكَ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْوَطَنِ.
(قَوْلُهُ: وَنَصْبُهُ) أَيْ الْكَافِرِ أَيْ وَلَوْ مِنْ قَاضِينَا عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ) أَيْ الْفَاسِقُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي مَنْعُهُ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّهَارِ أَمَّا لَيْلًا فَلَا اهـ حَجّ وَشَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَوَلَّى) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ: أَوْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا كَذَلِكَ) أَيْ إلَى آخِرِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُكْمِ) يُنَاقِضُ قَوْلَهُ قَبْلَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: وَيَنْفُذُ الْعَزْلُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَى الْعَازِلِ إلَخْ) كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) لَعَلَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِيَنْفُذُ
(قَوْلُهُ: وَاشْتِرَاطُ الْمَاوَرْدِيِّ إلَى قَوْلِهِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ) عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ: وَلَا يُكْتَفَى بِالْعَقْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحَ التَّمْيِيزِ جَيِّدَ الْفِطْنَةِ بَعِيدًا عَنْ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ لِيَتَوَصَّلَ إلَى وُضُوحِ الْمُشْكِلِ وَحِلِّ الْمُعْضِلِ انْتَهَتْ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الَّذِي اشْتَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْعَقْلِ التَّكْلِيفِيِّ الَّذِي هُوَ التَّمْيِيزُ غَيْرُ كَافٍ قَطْعًا، مَعَ أَنَّ الشَّارِحَ سَيَجْزِمُ بِمَا اشْتَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَافٍ حَيْثُ يَقُولُ بِأَنْ يَكُونَ ذَا يَقَظَةٍ تَامَّةٍ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَإِنْ حَفِظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ غَوَامِضِهِ وَتَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ إذْ لَا يُحِيطُ بِهِمَا إلَّا مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ انْتَهَتْ
(8/238)
أَوْ عَارِفًا بِالْحِسَابِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ اشْتِرَاطَهُ فِي الْمُفْتِي فَالْقَاضِي أَوْلَى لِأَنَّهُ مُفْتٍ وَزِيَادَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِلُغَةِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ: أَيْ حَيْثُ كَانَ ثَمَّ عَدْلٌ يُعَرِّفُهُ بِلُغَتِهِمْ وَيُعَرِّفُهُمْ بِلُغَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْعُقُودِ أَنَّ الْمَدَارَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا عَلَى مَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ، فَلَوْ وَلِيَ مَنْ لَا يُعْلَمُ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ فَتَبَيَّنَ اجْتِمَاعُهَا فِيهِ صَحَّتْ تَوْلِيَتُهُ، وَلِلْمُوَلِّي إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الصَّالِحِ عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ عَارِفَيْنِ بِمَا ذُكِرَ.
وَيُنْدَبُ لَهُ اخْتِبَارُهُ لِيَزْدَادَ فِيهِ بَصِيرَةً (وَهُوَ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ (أَنْ يَعْرِفَ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ) وَلَوْ لَمْ يَحْفَظْ ذَلِكَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ وَلَا خَمْسِمِائَةِ حَدِيثٍ لِلِاسْتِنْبَاطِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْقَصَصِ وَالْمَوَاعِظِ وَغَيْرِهِمَا أَيْضًا وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ قَاضِيَةٌ بِبُطْلَانِهِ فِي الثَّانِي، فَإِنْ أَرَادَ الْقَائِلُ بِالْحَصْرِ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّالِمَةِ مِنْ الطَّعْنِ فِي سَنَدٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ الْأَحْكَامَ الْخَفِيَّةَ الِاجْتِهَادِيَّةَ كَانَ لَهُ نَوْعُ قُرْبٍ، عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ إنَّهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْوُهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ لَا تَكَادُ تَخْلُو عَنْ حُكْمٍ أَوْ أَدَبٍ شَرْعِيٍّ أَوْ سِيَاسَةٍ دِينِيَّةٍ، وَيَكْفِي اعْتِمَادُهُ فِيهَا عَلَى أَصْلٍ مُصَحَّحٍ عِنْدَهُ يَجْمَعُ غَالِبَ أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ كَسُنَنِ أَبِي دَاوُد: أَيْ مَعَ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِهِ، وَمَا لِلنَّاسِ فِيهِ مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ (وَخَاصَّهُ) مُطْلَقًا أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ (وَعَامَّهُ) رَاجِعٌ لِمَا مُطْلَقًا أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْعُمُومُ وَمُطْلَقُهُ وَمُقَيَّدُهُ (وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ) وَالنَّصَّ وَالظَّاهِرَ وَالْمُحْكَمَ (وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ) وَهُوَ آحَادُهَا لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ.
(وَ) الْحَدِيثَ (الْمُتَّصِلَ) بِاتِّصَالِ رُوَاتِهِ إلَى الصَّحَابِيِّ فَقَطْ، وَيُسَمَّى الْمَوْقُوفَ أَوْ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيُسَمَّى الْمَرْفُوعَ (وَالْمُرْسَلَ) وَهُوَ مَا سَقَطَ فِيهِ الصَّحَابِيُّ، وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضَلَ بِدَلِيلِ مُقَابَلَتِهِ بِالْمُتَّصِلِ (وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا) لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى تَقْرِيرِ الْأَحْكَامِ، نَعَمْ مَا تَوَاتَرَ نَقْلُهُ وَأَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى قَبُولِهِ لَا يَبْحَثُ عَنْ عَدَالَةِ نَاقِلِيهِ وَلَهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ إمَامٍ عَرَفَ صِحَّةَ مَذْهَبِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا) وَصَرْفًا وَبَلَاغَةً لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فِي فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ) فَمَنْ بَعْدَهُمْ اجْتِمَاعًا وَاخْتِلَافًا لَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِيهَا لَا يُخَالِفُ إجْمَاعًا وَلَوْ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَوَّلُونَ، وَكَذَا يُقَالُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ (وَالْقِيَاسَ بِأَنْوَاعِهِ) مِنْ جَلِيٍّ، وَهُوَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ بِنَفْيِ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ ضَرْبِ الْأَصْلِ عَلَى التَّأْفِيفِ أَوْ مُسَاوٍ، وَهُوَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُنْدَبُ لَهُ اخْتِبَارُهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلِاخْتِبَارِ اكْتَفَى بِإِخْبَارِ الْعَدْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُ) أَيْ وَقَوْلُ نَحْوِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَامُهُ (قَوْلُهُ: وَلَهُ الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ إمَامٍ) أَيْ لِرَاوِي الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ انْتِفَاءُ الْفَارِقِ) الْأَوْلَى كَمَا عَبَّرَ بِهِ حَجّ مَا يَبْعُدُ فِيهِ الْفَارِقُ بَيْنَ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكْلِهِ لَيْسَ مُسْتَبْعَدًا بَلْ هُوَ الْقَرِيبُ بَلْ الْوَاقِعُ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إتْلَافًا لِمَالِهِ فَيَكُونَانِ مُسْتَوِيَيْنِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا يَبْعُدُ فِيهِ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَيْ الْمُجْتَهِدِ) أَيْ وَالْمُرَادُ مَا أَشْعَرَ بِهِ هَذَا الْوَصْفُ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ قُبَيْلَهُ إذْ هُوَ الَّذِي يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُعْرَفَ إلَخْ، فَالْمَعْنَى الِاجْتِهَادُ مَعْرِفَةُ الشَّخْصِ مِنْ الْكِتَابِ إلَخْ (قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِمَا) أَيْ مَعْطُوفٌ عَلَيْهَا وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْدِيمَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ وَخَاصَّةً (قَوْلُهُ لَا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ بَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا) اُنْظُرْهُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لِمَنْ تَصِحُّ تَوْلِيَتُهُ ابْتِدَاءً قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْتَدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يُرِيدُ النَّظَرَ فِيهَا بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، قُلْنَا: فَهُوَ إذًا عَارِفٌ بِجَمِيعِ الْمَسَائِلِ بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْمُجْتَهِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِنَاءً عَلَى اتِّصَافِهِ بِالِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ دُونَ بَعْضٍ فَلْيُتَأَمَّلْ
(8/239)
الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ أَوْ دُونَ، وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ فِيهِ ذَلِكَ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَجَلَاءً وَخَفَاءً وَطُرُقَ اسْتِخْرَاجِ الْعِلَلِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِهَايَتُهُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ، بَلْ يَكْفِي الدَّرَجَةُ الْوُسْطَى فِي ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قَوَانِينَ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُدَوَّنَةَ الْآنَ، وَاجْتِمَاعُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ.
أَمَّا مُقَلِّدٌ لَا يَعْدُو مَذْهَبَ إمَامٍ خَاصٍّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْرِفَةِ قَوَاعِدِ إمَامِهِ، وَلْيُرَاعِ فِيهَا مَا يُرَاعِيهِ الْمُطْلَقُ فِي قَوَانِينِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَعَ الْمُجْتَهِدِ كَالْمُجْتَهِدِ فِي نُصُوصِ الشَّرْعِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْعُدُولُ عَنْ نَصِّ إمَامِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَعَ النَّصِّ (فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ) أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا يَأْتِي فَذِكْرُ التَّعَذُّرِ تَصْوِيرٌ لَا غَيْرُ (فَوَلَّى سُلْطَانٌ) أَوْ مَنْ (لَهُ شَوْكَةٌ) بِأَنْ يَكُونَ بِنَاحِيَةٍ انْقَطَعَ غَوْثُ السُّلْطَانِ عَنْهَا وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَّا إلَيْهِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ عَدَمُ اسْتِلْزَامِ السَّلْطَنَةِ لِلشَّوْكَةِ، فَلَوْ زَالَتْ شَوْكَةُ السُّلْطَانِ بِنَحْوِ أَسْرٍ وَحَبْسٍ وَلَمْ يُخْلَعْ نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُوا وَلَمْ يُوجَدْ مُقْتَضٍ لِلْخَلْعِ وَإِلَّا اُتُّجِهَ عَدَمُ تَنْفِيذِهَا (فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا) وَلَوْ جَاهِلًا (نَفَذَ قَضَاؤُهُ) الْمَرَافِقُ لِمَذْهَبِهِ الْمُعْتَدِّ بِهِ وَإِنْ زَادَ فِسْقُهُ (لِلضَّرُورَةِ) لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ مَصَالِحُ النَّاسِ، وَلَوْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِوِلَايَةِ امْرَأَةٍ أَوْ قِنٍّ أَوْ أَعْمَى فِيمَا يَضْبِطُهُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَلْحَقَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّبِيَّ بِالْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا لَا كَافِرٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْمُقَلِّدِ مَحَلُّهُ إنْ كَانَ ثَمَّ مُجْتَهِدٌ وَإِلَّا نَفَذَتْ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ذِي الشَّوْكَةِ، وَكَذَا الْفَاسِقُ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عَدْلٌ اُشْتُرِطَتْ شَوْكَةٌ وَإِلَّا فَلَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْأَهْلِ مَعْرِفَةُ طَرَفٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ انْعِزَالَ مَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ بِزَوَالِ شَوْكَتِهِ لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِنُفُوذِ قَضَائِهِ: أَيْ بِخِلَافِ مُقَلِّدٍ أَوْ فَاسِقٍ مَعَ فَقْدِ الْمُجْتَهِدِ وَالْعَدْلِ فَلَا تَزُولُ وِلَايَتُهُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهَا عَلَى الشَّوْكَةِ كَمَا مَرَّ، وَيَلْزَمُ قَاضِي الضَّرُورَةِ بَيَانُ مُسْتَنَدِهِ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ فِيهِ وَكَأَنَّهُ لِضَعْفِ وِلَايَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْفَارِقِ لِأَخْذِهِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الْمَوْصُوفِ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِيهِ بِانْتِفَاءِ الْفَارِقِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الْقِيَاسُ الْجَلِيُّ هُوَ مَا يُقْطَعُ فِيهِ بِانْتِفَاءِ الْمُفَارِقِ، وَالْمُسَاوِي مَا يَبْعُدُ فِيهِ الْقَطْعُ بِالِانْتِفَاءِ فَيَكُونُ الْفَرْقُ مُحْتَمِلًا فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حَيْثُ بَعُدَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ الْفَارِقِ صَارَ الْفَرْقُ فِي نَفْسِهِ قَرِيبًا (قَوْلُهُ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُوا) أَيْ الْخُلْعَ (قَوْلُهُ: لَا كَافِرٍ) عَطْفٌ عَلَى امْرَأَةٍ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ: فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ) أَيْ وَلَوْ بَدِيهِيَّةً، وَكَعْبٌ أَيْضًا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ أَحْكَامِهِ: أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ مَا لَا يَبْعُدُ فِيهِ ذَلِكَ) يَعْنِي الْفَارِقَ (قَوْلُهُ: مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي مُسْلِمٌ إلَخْ: أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا مَرَّ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِأُمُورِ الْعَقَائِدِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قَوَانِينَ عِلْمِ الْكَلَامِ الْمُدَوَّنَةَ فَلَيْسَ إحْسَانُهَا شَرْطًا فِي الْمُجْتَهِدِ: أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ) أَيْ وَمِنْهَا التَّوْلِيَةُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ حِينَئِذٍ لِغَيْرِ الْأَهْلِ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ: حَيْثُ لَمْ يَفْعَلُوا) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُخْلَعْ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْأَمْثَلِ) فِيهِ مَا يَأْتِي وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَهُ عَمَّا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُقَلَّدِ مَحَلَّهُ إلَخْ) هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى لَوْ أَبْقَى الْمَتْنَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ حَوَّلَهُ إلَى مَا مَرَّ فَلَا مَوْقِعَ لِهَذَا هُنَا.
وَحَاصِلُ الْمُرَادِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا وَلَّى قَاضِيًا بِالشَّوْكَةِ نَفَذَتْ تَوْلِيَتُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ أَمْ لَا، وَإِنْ وَلَّاهُ لَا بِالشَّوْكَةِ أَوْ وَلَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ كَذَلِكَ فَيُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ فَقْدُ أَهْلٍ لِلْقَضَاءِ (قَوْلُهُ: بَيَانُ مُسْتَنَدِهِ) أَيْ إذَا سُئِلَ عَنْهُ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ، وَسَيَأْتِي أَيْضًا، وَالْمُرَادُ بِمُسْتَنَدِهِ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ: فَإِنْ سَأَلَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَنْ السَّبَبِ فَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيَانُهُ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ تَعْيِينٌ فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى مُقَابَلَتِهَا بِمِثْلِهَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ
(8/240)
وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمُحْكَمَ، وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِقَاضٍ وَالنِّسَاءِ بِآخَرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ فَقِيهٌ فَاسِقٌ وَعَامِّيٌّ عَدْلٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ عِنْدَ جَمْعٍ وَالثَّانِي عِنْدَ آخَرِينَ، وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِسْقَ الْعَالِمِ إنْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى، أَوْ بِالظُّلْمِ وَالرِّشْوَةِ فَالْعَدْلُ أَوْلَى وَيُرَاجِعُ الْعُلَمَاءَ.
(وَيَنْدُبُ لِلْإِمَامِ) أَوْ مَنْ أُلْحِقَ بِهِ (إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِيَكُونَ أَسْهَلَ لَهُ وَأَقْرَبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْخُطَّةِ (فَإِنْ نَهَاهُ) عَنْهُ (لَمْ يَسْتَخْلِفْ) اسْتِخْلَافًا عَامًّا لِعَدَمِ رِضَاهُ بِنَظَرِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَا فُوِّضَ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُمْكِنِ وَتَرَكَ الِاسْتِخْلَافَ، وَلَوْ وَلَّاهُ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةَ اخْتَارَ الْمُبَاشَرَةَ فِي إحْدَاهُمَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَلَوْ اخْتَارَ إحْدَاهُمَا فَهَلْ يَكُونُ مُقْتَضِيًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ الْأُخْرَى أَوْ يُبَاشِرُ كُلًّا مُدَّةً؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا نَعَمْ وَهُوَ الِانْعِزَالُ، وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَجَمْعٌ أَنَّ التَّدْرِيسَ بِمَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَبَاعِدَتَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ عَنْ إحْدَاهُمَا لِمُبَاشَرَةِ الْأُخْرَى لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَرَجَّحَ آخَرُونَ الْجَوَازَ وَيَسْتَنِيبُ وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ أَمَّا الْخَاصُّ كَتَحْلِيفٍ وَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَقَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، نَعَمْ التَّزْوِيجُ وَالنَّظَرُ فِي أَمْرِ الْيَتِيمِ مُمْتَنِعٌ حَتَّى عِنْدَ هَؤُلَاءِ كَالْعَامِّ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الِاسْتِخْلَافَ اسْتَخْلَفَ مُطْلَقًا أَوْ التَّوْلِيَةَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى بَعْضِهِ (اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ (لَا غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالثَّانِي يَسْتَخْلِفُ فِي الْكُلِّ كَالْإِمَامِ، نَعَمْ لَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ بِمَا تَوَلَّاهُ كَقَضَاءِ بَلْدَةٍ صَغِيرَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ، وَلَوْ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْقُدْرَةِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ اسْتَخْلَفَ جَزْمًا، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ نَظَرَ فِيهِ الْعِزِّي بِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ غَالِبًا فَلْيَكُنْ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ النِّيَابَةِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى نَهْيِهِ عَنْهَا وَلَوْ مَعَ الْعُذْرِ، وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ بِأَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا لَمْ يَنْهَ مُوَلِّيَهُ عَنْ طَلَبِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ اهـ حَجّ.
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّارِحِ مِثْلُهُ نَقْلًا عَنْ وَالِدِهِ (قَوْلُهُ: وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمُحَكَّمَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِقَاضٍ وَالنِّسَاءِ بِآخَرَ) وَبَحَثَ فِي الرَّجُلِ فَالْمَرْأَةِ إذْ الْعِبْرَةُ بِالطَّلَبِ مِنْهُمَا اهـ حَجّ.
وَقَوْلُهُ فَالْمَرْأَةُ: أَيْ إذَا كَانَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ خُصُومَةٌ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا رَجُلًا (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْحُسْبَانِيُّ اهـ حَجّ.
(قَوْلُهُ: وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْخِطَّةِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْخِطَّةُ الْمَكَانُ الْمُخْتَطُّ لِلْعِمَارَةِ، وَالْجَمْعُ خِطَطٌ مِثْلُ سِدْرَةٍ وَسِدَرٍ وَإِنَّمَا كُسِرَتْ الْخَاءُ لِأَنَّهَا أُخْرِجَتْ عَلَى مَصْدَرِ افْتَعَلَ مِثْلُ اخْتَطَبَ خِطْبَةً وَارْتَدَّ رِدَّةً وَافْتَرَى فِرْيَةً. ثُمَّ قَالَ: وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ الْحَالَةُ وَالْخَصْلَةُ وَفِي الْقَامُوسِ وَالْخُطَّةُ بِالضَّمِّ أَحَدُ الْأَخْشَبَيْنِ بِمَكَّةَ وَمَوْضِعُ الْحَجْرِ اهـ وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ فَيُقْرَأُ بِضَمِّ الْخَاءِ فَقَطْ (قَوْلُهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ) يَعْنِي أَنَّ تَوْلِيَتَهُ لَا تَنْفُذُ (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ آخَرُونَ الْجَوَازَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَفَعَلَهُ الْفَخْرُ بْنُ عَسَاكِرَ بِالشَّامِ وَالْقُدْسِ) وَكَالْمُدَرِّسِ الْخَطِيبُ إذَا وَلِيَ الْخُطْبَةَ فِي مَسْجِدَيْنِ وَالْإِمَامُ إذَا وَلِيّ إمَامَةَ مَسْجِدَيْنِ، وَكَذَا كُلُّ وَظِيفَتَيْنِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ يَتَعَارَضَانِ فِيهِ (قَوْلُهُ أَمَّا الْخَاصُّ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ عَامًّا (قَوْلُهُ: فَقَطَعَ الْقَفَّالُ بِجَوَازِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ الْآتِي فِي قَوْلِهِ فَإِنْ أُطْلِقَ اُسْتُخْلِفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
صَاحِبِ الْيَدِ.
قَالَ: وَلَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ قَدْ حَكَمَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ بِحَقٍّ فِي الذِّمَّةِ، وَخَرَجَ مِنْ هَذَا تَخْصِيصُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ إنَّ الْحَاكِمَ لَا يَسْأَلُ: أَيْ سُؤَالَ اعْتِرَاضٍ، أَمَّا سُؤَالُ مَنْ يَطْلُبُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ الْإِبْدَاءُ لِيَجِدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ التَّخَلُّصَ انْتَهَتْ.
لَكِنَّ كَلَامَ الْخَادِمِ هَذَا كَمَا تَرَى شَامِلٌ لِقَاضِي الضَّرُورَةِ وَغَيْرِهِ لِلتَّعَالِيلِ الَّتِي ذَكَرَهَا
(قَوْلُهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ لَيْسَ، لِأَنَّ الزَّرْكَشِيَّ إنَّمَا يَخْتَارُ عَدَمَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَدْرَسَتَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ وَيُصَرِّحُ بِهِ تَعْلِيلُهُ وَمَا قَابَلَهُ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ) أَيْ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ (قَوْلُهُ: حَتَّى عِنْدَ هَؤُلَاءِ)
(8/241)
أَطْلَقَ النَّهْيَ عَنْهُ، وَلَوْ فَوَّضَ الْوِلَايَةَ لِإِنْسَانٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِيَذْهَبَ وَيَحْكُمَ بِهَا صَحَّ التَّفْوِيضُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَدَعْوَى رَدِّهِ سَاقِطَةٌ.
(وَشَرْطُ الْمُسْتَخْلَفِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (كَالْقَاضِي) لِأَنَّهُ قَاضٍ (إلَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ) وَتَحْلِيفٍ (فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) مِنْ شَرْطِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ رُتْبَةُ الِاجْتِهَادِ وَمِنْ ذَلِكَ نَائِبُ الْقَاضِي فِي الْقُرَى إذَا فَوَّضَ لَهُ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ فَقَطْ يَكْفِيهِ الْعِلْمُ بِشُرُوطِهَا وَلَوْ عَنْ تَقْلِيدٍ، وَلَيْسَ الْمَنْصُوبُ لِلْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ، وَلَهُ اسْتِخْلَافُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، نَعَمْ لَوْ فَوَّضَ لَهُ الْإِمَامُ اخْتِيَارَ قَاضٍ أَوْ تَوْلِيَتَهُ لِرَجُلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ اخْتِيَارُهُمَا لِأَنَّ التُّهْمَةَ هُنَا أَقْوَى لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الْقَاضِي الْمُسْتَقِلِّ وَالنَّائِبِ فِي التَّوْلِيَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ لَهُمَا بِالتَّعْدِيلِ، وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَ غَيْرِهِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا وَمَحَلُّ جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِمَا إذَا ظَهَرَ فِيهِ عِنْدَ النَّاسِ اجْتِمَاعُ الشُّرُوطِ انْتَهَى، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ تَوْلِيَتُهُ وَحُمِدَتْ سِيرَتُهُ جَازَ لَهُ تَوْلِيَتُهُمَا إنْ كَانَا كَذَلِكَ (وَيَحْكُمُ) الْخَلِيفَةُ (بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ (إنْ كَانَ مُقَلِّدًا) وَسَيَأْتِي عَدَمُ جَوَازِ حُكْمِ غَيْرِ الْمُتَبَحِّرِ بِغَيْرِ مُعْتَمَدِ مَذْهَبِهِ وَالْمُتَبَحِّرُ إذَا شُرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَوْ عُرْفًا (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا عَدَمُ جَوَازِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِ بِغَيْرِ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَذَهَبَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِهِ، وَجَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَنْ لَمْ يَنْتَهِ لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَهُوَ الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ الَّذِي لَمْ يَتَأَهَّلْ لِنَظَرٍ وَلَا تَرْجِيحٍ وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ، وَمَنَعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِأَنَّ تَوْلِيَةَ الْمُقَلِّدِ مَشْرُوطَةٌ بِأَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ سَوَاءٌ الْأَهْلُ وَغَيْرُهُ، لَا سِيَّمَا إنْ قَالَ لَهُ فِي عَقْدِ التَّوْلِيَةِ عَلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَك لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَدْ لِمُقَلِّدٍ حُكْمٌ بِغَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الرَّوْضَةِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّ مَنْصِبَ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا يَخْتَصُّ بِالْقَاضِي دُونَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ، عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَاضِي مَا يَشْمَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَى تَخَالُفِ أَحْكَامِهِمَا إلَّا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ كَانْعِزَالِ الْقَاضِي بِالْفِسْقِ دُونَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، عَلَى أَنَّ صَرِيحَ الْمَتْنِ الْجَوَازُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَحْكُمُ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ.
(وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ) أَوْ اثْنَانِ مِنْ غَيْرِ خُصُومَةٍ كَفِي نِكَاحٍ أَوْ حَكَّمَ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ (رَجُلًا فِي غَيْرِ حَدٍّ) أَوْ تَعْزِيرٍ (لِلَّهِ تَعَالَى) (جَازَ مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ أَفْضَلُ وَعَدَمُهُ (بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ) الْمُطْلَقَةِ لَا فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَطْ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ مَعَ اشْتِهَارِهِ فَكَانَ إجْمَاعًا.
أَمَّا حَدُّهُ تَعَالَى أَوْ تَعْزِيرُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ، إذْ لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ، وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ زِيَادَاتِهِ عَلَى الْمُحَرَّمِ.
وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّ حَقَّ اللَّهِ الْمَالِيَّ الَّذِي لَا طَالِبَ لَهُ مُعَيَّنٌ لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْأَهْلِ فَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ: أَيْ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ فِي النِّكَاحِ، نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ غَيْرِ مُجْتَهِدٍ مَعَ وُجُودِ قَاضٍ وَلَوْ قَاضِي ضَرُورَةٍ.
قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَا يَجُوزُ لِوَكِيلٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِ مُوَكِّلِهِ تَحْكِيمٌ وَلَا لِوَلِيٍّ إنْ أَضَرَّ بِمُوَلِّيهِ، وَكَوَكِيلٍ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَعَامِلُ قِرَاضٍ وَمُفْلِسٌ إنْ أَضَرَّ غُرَمَاءَ وَمُكَاتَبٌ إنْ أَضَرَّ بِهِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ) التَّحْكِيمُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ) أَيْ الْمَوْلَى.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِقَاضٍ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا) أَيْ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (قَوْلُهُ: إذَا ظَهَرَ فِيهِ عِنْدَ النَّاسِ) أَيْ فِي الْقَاضِي وَالْمَوْلَى لِأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ (قَوْلُهُ: وَمَنَعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ) هُوَ الْحُسْبَانِيُّ كَمَا فِي حَجّ (قَوْلُهُ: مُرَادُهُمْ بِالْقَاضِي مَا يَشْمَلُهُ) أَيْ الْإِمَامُ.
(قَوْلُهُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ) هُوَ قَوْلُهُ فِي غَيْرِهِ إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
يَعْنِي الْقَفَّالَ وَمَنْ تَبِعَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْمَوْلَى وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذَا فِي الْفَصْلِ الْآتِي
(قَوْلُهُ فَوَّضَ لَهُ) يَعْنِي الشَّخْصَ، وَقَوْلُهُ لِرَجُلٍ مُتَعَلِّقٌ بِتَوْلِيَتِهِ وَلْتُرَاجَعْ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ
(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: أَيْ مَعَ وُجُودِ الْأَهْلِ) أَيْ شَخْصٍ أَهْلٍ لِلتَّحْكِيمِ
(8/242)
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَبْسٌ وَلَا تَرْسِيمٌ وَلَا اسْتِيفَاءُ عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ ثَبَتَ مُوجِبُهَا عِنْدَهُ لِئَلَّا يَخْرِقَ أُبَّهَتَهُمْ فَلَا افْتِيَاتَ.
قِيلَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا: أَيْ صَرِيحًا بِشَرْطِ اجْتِهَادِهِ وَكَوْنِهِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَنْعُ ذَلِكَ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ عَنْ الْقَاضِي (وَقِيلَ) إنَّمَا يَجُوزُ (بِشَرْطِ عَدَمِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ) لِلضَّرُورَةِ (وَقِيلَ يَخْتَصُّ) الْجَوَازُ (بِمَا دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا) كَلِعَانٍ وَحَدِّ قَذْفٍ (وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ) لَفْظًا فَلَا أَثَرَ لِلسُّكُوتِ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجَيْنِ مَعًا فِي النِّكَاحِ، وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِسُكُوتِ الْبِكْرِ فِي اسْتِئْذَانِهَا فِي التَّحْكِيمِ (بِهِ) أَيْ بِحُكْمِهِ الَّذِي يَتَحَكَّمُ بِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحُكْمِ إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ الْمُثْبِتُ لِلْوِلَايَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ رِضَاهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَوْلِيَةٌ مِنْهُ وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَقْلًا عَنْ جَمْعٍ التَّحَاكُمُ لِشَخْصٍ لَيْسَ تَوْلِيَةً لَهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجْرِ غَيْرُ الرِّضَا، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا انْضَمَّ لَهُ لَفْظٌ يُفِيدُ التَّفْوِيضَ كَاحْكُمْ بَيْنَنَا مَثَلًا، وَفِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ) بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَا الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ لَا يُؤَاخَذُونَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي فَكَيْفَ يُؤَاخَذُونَ بِرِضَاهُ (وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْحُكْمِ) وَلَوْ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْبَيِّنَةِ (امْتَنَعَ الْحُكْمُ) لِعَدَمِ اسْتِمْرَارِ الرِّضَا (وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الْحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ) كَحُكْمِ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ، وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي، وَلَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ وَإِثْبَاتِهِ مَنْ فِي مَجْلِسِهِ خَاصَّةً لِانْعِزَالِهِ بِالتَّفَرُّقِ، وَإِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ حَكَمَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَتِهَا.
وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِأَنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا فِي لُزُومِهِ.
(وَلَوْ) (نَصَّبَ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (قَاضِيَيْنِ) أَوْ أَكْثَرَ (بِبَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ) مِنْهُ (أَوْ زَمَنٍ أَوْ نَوْعٍ) كَأَنْ فَوَّضَ لِأَحَدِهِمَا الْحُكْمَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْآخَرُ فِي الدِّمَاءِ أَوْ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (جَازَ) لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا قَاضِي رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالطَّالِبِ عَلَى مَا مَرَّ (وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الْأَصَحِّ) كَنَصْبِ الْوَصِيَّيْنِ وَالْوَكِيلَيْنِ فِي شَيْءٍ، وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهَا أَصْلًا أُجِيبَ دَاعِيهِ وَإِلَّا فَمَنْ سَبَقَ دَاعِيهِ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي اخْتِيَارِهِمَا أُجِيبَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ طَالِبًا وَمَطْلُوبًا كَأَنْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَقْتَضِي تَحَالَفَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ صَرِيحًا) خَبَرٌ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ مِنْ م ر، وَقَوْلُهُ مُنِعَ ذَلِكَ: أَيْ وَلَوْ مُجْتَهِدًا (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَا الزَّوْجَيْنِ) أَيْ فَلَا يَكْتَفِي بِالرِّضَا مِنْ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ، بَلْ الرِّضَا إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْقَاضِي، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ رِضَا الزَّوْجَةِ إذَا كَانَ لَهَا مَنْ يَتَكَلَّمُ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُنْقَضُ حُكْمُ الْقَاضِي) أَيْ وَذَلِكَ فِيمَا لَوْ خَالَفَ نَصًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا (قَوْلُهُ: لِانْعِزَالِهِ بِالتَّفَرُّقِ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْتَفِي فِي التَّفَرُّقِ هُنَا بِمَا اكْتَفَى بِهِ فِي التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُصُولِهِ إلَى بَيْتِهِ وَالسُّوقِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَإِذَا تَوَلَّى) أَيْ الْمُحَكَّمُ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالطَّالِبِ عَلَى مَا مَرَّ) اُنْظُرْ فِي أَيِّ مَحَلٍّ مَرَّ، وَلَعَلَّهُ أَحَالَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَجّ (قَوْلُهُ: أُجِيبَ دَاعِيهِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَا إلَخْ) اُنْظُرْ الْفَرْقَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا مَرَّ) هُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِابْنِ حَجَرٍ، لَكِنَّ ذَاكَ قَدَّمَ هَذَا عَنْ بَحْثِ بَعْضِهِمْ، بِخِلَافِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ أُجِيبَ دَاعِيهِ) أَيْ رَسُولُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْمُتَدَاعِيَانِ: أَيْ وَالصُّورَةُ أَنَّهُ لَا دَاعِيَ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: أُجِيبَ الْمُدَّعِي) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَاضِي الْأَصِيلَ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُجَابُ، إذْ مَنْ طَلَبَ الْأَصِيلَ مِنْهُمَا أُجِيبَ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُ الشَّارِحِ
(8/243)
فَأَقْرَبُهُمَا وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ.
وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ عِنْدَ اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعٍ أَوْ اسْتِقْلَالٍ، وَفَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ هُنَا مُمْتَنِعٌ فَلَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَالِاجْتِمَاعُ ثَمَّ جَائِزٌ فَحُمِلَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَحْوَطَ.
وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى حُكْمٍ) فَلَا يَجُوزُ قَطْعًا لِأَنَّ اجْتِهَادَهُمَا مُخْتَلِفٌ غَالِبًا فَلَا تَنْفَصِلُ الْخُصُومَاتُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُقَلِّدَيْنِ لِإِمَامٍ وَاحِدٍ وَلَا أَهْلِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا فِي نَظَرٍ وَلَا تَرْجِيحٍ أَوْ شَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا صَحَّ شَرْطُ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى تَخَالُفِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَرْجِيحٍ، وَلَوْ حَكَّمَ اثْنَيْنِ اُشْتُرِطَ اجْتِمَاعُهُمَا، بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ فِي الْقَاضِيَيْنِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُوَلَّى فِيهِ، نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِتَبَعِيَّةِ بِلَادٍ فِي تَوْلِيَتِهَا دَخَلَتْ تَبَعًا لَهَا وَيَسْتَفِيدُ بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ الْعَامِّ سَائِرَ الْوِلَايَاتِ وَأُمُورَ النَّاسِ حَتَّى نَحْوَ زَكَاةٍ وَحِسْبَةٍ لَمْ يُفَوَّضْ أَمْرُهُمَا لِغَيْرِهِ.
نَعَمْ يُتَّجَهُ فِي قَوْلِهِ اُحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحُكْمِ لَا يَتَجَاوَزُ لِغَيْرِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ بِمَعْنَى إمْضَاءِ الْأَمْرِ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الْقَاضِي فِيهَا إمْضَاءُ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ.
(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْعِزَالَ الْقَاضِي أَوْ عَزْلَهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ إذَا (جُنَّ قَاضٍ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) وَإِنْ قَلَّ الزَّمَنُ، أَوْ مَرِضَ مَرَضًا غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ وَقَدْ عَجَزَ مَعَهُ عَنْ الْحُكْمِ (أَوْ عَمِيَ) أَوْ صَارَ كَالْأَعْمَى كَمَا عُرِفَ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ بَصِيرًا (أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ) الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُقَيَّدِ بِنَحْوِ غَفْلَةٍ (وَ) كَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَصَحَّحْنَا وِلَايَتَهُ فَطَرَأَ إذْهَابُ (ضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) لِانْعِزَالِهِ بِذَلِكَ، وَكَذَا إنْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ، نَعَمْ لَوْ عَمِيَ بَعْدَ ثُبُوتِ قَضِيَّةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُهُ حَكَمْت بِكَذَا وَلَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى إشَارَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهَا (وَكَذَا لَوْ) (فَسَقَ) أَوْ زَادَ فِسْقُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُوَلِّيهِ بِفِسْقِهِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الزَّائِدِ حَالَ تَوْلِيَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِوُجُودِ الْمُنَافِي.
وَالثَّانِي يَنْفُذُ كَالْإِمَامِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْوَجْهَانِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ.
فَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ لَمْ يَنْفُذْ قَطْعًا.
ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَهُوَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَبِهِ يَزُولُ مَحْذُورُ التَّكْرَارِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلِانْعِزَالِ لَا لِنُفُوذِ الْحُكْمِ، وَلَا نَظَرَ لِفَهْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَأَقْرَبَهُمَا) أَيْ فَطَالَبَ أَقْرَبَهُمَا يُجَابُ، وَيَجُوزُ رَفْعُهُ أَيْضًا: أَيْ فَأَقْرَبُهُمَا يُجَابُ طَالِبُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حَكَمَ اثْنَيْنِ) أَيْ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ (قَوْلُهُ: لِظُهُورِ الْفَرْقِ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلْمُحَكَّمِ إنَّمَا هِيَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَرِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فَالْحُكْمُ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حُكْمٌ لِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ.
(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْعِزَالَ الْقَاضِي أَوْ عَزْلَهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى إشَارَةٍ) أَيْ بِأَنْ كَانَ مَعْرُوفَ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (قَوْلُهُ: وَلَا نَظَرَ لِفَهْمِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِتَبَعِيَّتِهِ لِبِلَادٍ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِتَبَعِيَّةِ بِلَادٍ لِبِلَادٍ فِي تَوْلِيَتِهَا دَخَلَتْ تَبَعًا لَهَا فَلَعَلَّ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقْطًا.
[فَصْلٌ فِيمَا يَقْتَضِي انْعِزَالَ الْقَاضِي أَوْ عَزْلَهُ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
(فَصْلٌ) فِيمَا يَقْتَضِي انْعِزَالَ الْقَاضِي
(قَوْلُهُ: بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: بِحَيْثُ إذَا نُبِّهَ لَا يَتَنَبَّهُ اهـ.
وَظَاهِرُ صَنِيعِهِ أَنَّ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي غَفْلَةِ الْمُجْتَهِدِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ إذْ أَصْلُ الْغَفْلَةِ مُخِلٌّ بِالِاجْتِهَادِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَوَقُّفُ الشِّهَابِ سم (قَوْلُهُ: مَنْ لَمْ يَعْلَمْ مُوَلِّيهِ بِفِسْقِهِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الزَّائِدِ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ، إذْ لَا يَتَأَتَّى التَّفْصِيلُ فِي الْفِسْقِ الطَّارِئِ أَوْ الزَّائِدِ بَعْدَ
(8/244)
أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ النُّفُوذِ عَدَمُ الْوِلَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ (فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ) إلَّا بِتَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ كَالْوِلَايَةِ، وَالثَّانِي تَعُودُ كَالْأَبِ إذَا جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ أَوْ فَسَقَ ثُمَّ تَابَ.
(وَلِلْإِمَامِ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ (عَزْلُ) (قَاضٍ) لَمْ يَتَعَيَّنْ (ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ) لَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ كَكَثْرَةِ الشَّكَاوَى مِنْهُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ زَالَتْ هَيْبَتُهُ فِي الْقُلُوبِ وَذَلِكَ
لِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ
، أَمَّا ظُهُورُ مَا يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ فَيُعْزَلُ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ لِعَزْلٍ وَإِنْ ظُنَّ بِقَرَائِنَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ فِيهِ نَدْبُ عَزْلِهِ وَإِطْلَاقُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبَ صَرْفِهِ عِنْدَ كَثْرَةِ الشَّكَاوَى مِنْهُ اخْتِيَارٌ لَهُ (أَوْ) (لَمْ يَظْهَرْ) مِنْهُ خَلَلٌ (وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ) فَلَهُ عَزْلُهُ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْمِثْلِ
رِعَايَةً لِلْأَصْلَحِ لِلْمُسْلِمِينَ
، وَلَا يَجِبُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ لِأَنَّ الْغَرَضَ حُدُوثُ الْأَفْضَلِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِيهَا (أَوْ) هُنَاكَ (مِثْلُهُ) أَوْ دُونَهُ (وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ (فَلَا) يَجُوزُ عَزْلُهُ بِهِ لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَتَصَرُّفُ الْإِمَامِ يُصَانُ عَنْهُ، وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَصْلَحَةِ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ هُنَا، وَلَيْسَ فِي عَزْلِهِ فِتْنَةٌ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْمَصْلَحَةُ إلَّا إذَا انْتَفَتْ الْفِتْنَةُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مَصْلَحَةً مِنْ وَجْهٍ وَمَفْسَدَةً مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى (لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ) مَعَ إثْمِ الْمُوَلِّي وَالْمُتَوَلِّي بَذْلًا لِطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِي الْأَوَّلِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي عَزْلِهِ، أَمَّا إذَا تَعَيَّنَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ، وَسَكَتَ هُنَا عَنْ انْعِزَالِهِ بِعَزْلِ نَفْسِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ هَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ، أَمَّا الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ كَإِمَامَةٍ وَأَذَانٍ وَتَصَوُّفٍ وَتَدْرِيسٍ وَطَلَبٍ وَنَظَرٍ وَنَحْوِهَا فَلَا تَنْعَزِلُ أَرْبَابُهَا بِالْعَزْلِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ.
كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ (وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرُ عَزْلِهِ) لِعِظَمِ الضَّرَرِ بِنَقْضِ وَفَسَادِ التَّصَرُّفَاتِ، نَعَمْ لَوْ عَلِمَ الْخَصْمُ أَنَّهُ مَعْزُولٌ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ لَهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ غَيْرُ حَاكِمٍ بَاطِنًا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، فَإِنْ رَضِيَا بِحُكْمِهِ كَانَ كَالتَّحْكِيمِ بِشَرْطِهِ، هَذَا وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ إذَا عَلِمَ الْخَصْمُ بِعَزْلِ الْقَاضِي لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ قَاضِيًا وَلَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
التَّكْرَارَ يُعْتَبَرُ فِيهِ خُصُوصُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي تَعُودُ كَالْأَبِ) وَمِثْلُ الْأَبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ وَالْحَاضِنَةُ وَالنَّاظِرُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
(قَوْلُهُ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْأَوَّلِ) أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ إلَخْ فَيَجُوزُ عَزْلُهُ (قَوْلُهُ: وَإِطْلَاقُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبُ صَرْفِهِ) أَيْ عَزْلِهِ عَنْ الْوِلَايَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قُلْنَا إنَّ وِلَايَةَ الْمَفْضُولِ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ) أَيْ لَكِنَّا نَقُولُ بِهِ بَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ (قَوْلُهُ: مَعَ إثْمِ الْمُوَلِّي) أَيْ السُّلْطَانِ (قَوْلُهُ: كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَقْتَضِي الْعَزْلَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ: مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ كَانَ فِيهِ أَنَّ لِلنَّاظِرِ الْعَزْلَ بِلَا جُنْحَةٍ (قَوْلُهُ: لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرُ عَزْلِهِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ بُلُوغٍ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ) ضَعِيفٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
التَّوْلِيَةِ بَيْنَ عِلْمِ الْمَوْلَى بِهِ حَالَ التَّوْلِيَةِ وَعَدَمِ عِلْمِهِ لِعَدَمِ وُجُودِهِ إذْ ذَاكَ فَلْيُتَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَتَهُ فِيمَا كَتَبَهُ عَلَى شَرْحِ الرَّوْضِ نَصُّهَا: وَيَظْهَرُ لِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَ بِهِ مُسْتَنِيبُهُ لَمْ يَعْزِلْهُ بِسَبَبِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ وَإِلَّا فَلَا
(قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْوَكِيلِ) مَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْقَضَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: بِالْعَزْلِ) أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ) يَعْنِي فِي صُورَةِ الْعَكْسِ، وَإِلَّا فَالْبُلْقِينِيُّ قَائِلٌ فِي صُورَةِ الطَّرْدِ بِمَا قَالَهُ الشَّارِحُ
(8/245)
يَتَعَرَّضُوا لِمَا يَحْصُلُ بِهِ بُلُوغُ خَبَرِ الْعَزْلِ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ ذَلِكَ بِخَبَرِ التَّوْلِيَةِ بَلْ أَوْلَى حَتَّى يُعْتَبَرَ فِيهِ شَاهِدَانِ وَتُغْنِي الِاسْتِفَاضَةُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حِكَايَةُ قَوْلَيْنِ كَالْوَكَالَةِ، وَمَرَّ الْفَرْقُ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ الْمُسْتَنِيبَ دُونَ النَّائِبِ أَوْ بِالْعَكْسِ انْعَزَلَ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي بُلُوغِ خَبَرِ الْعَزْلِ لِلنَّائِبِ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ مُسْتَنِيبِهِ. (وَإِذَا كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْت كِتَابِي فَأَنْت مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَكَذَا لَوْ طَالَعَهُ وَفَهِمَ مَا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ (وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ بِالْعَزْلِ لَا قِرَاءَتُهُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَارِئًا أَمْ أُمِّيًّا، وَالثَّانِي لَا يَنْعَزِلُ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الطَّلَاقِ، وَفَرَّقَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَرْعِيَّ ثَمَّ النَّظَرُ إلَى الصِّفَاتِ وَهُنَا إلَى الْإِعْلَامِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي هُنَا قِرَاءَةُ مَحَلِّ الْعَزْلِ فَقَطْ لَا جَمِيعَ الْكِتَابِ، وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا انْمَحَى بَعْضُهُ أَوْ انْمَحَقَ. (وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالُهُ مِنْ إذْنٍ لَهُ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ) مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ وَسَمَاعِ شَهَادَةٍ فِي حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ كَالْوَكِيلِ (وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ الْمُطْلَقِ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ الْمُعَاوَنَةُ وَقَدْ زَالَتْ وِلَايَتُهُ فَبَطَلَتْ الْمُعَاوَنَةُ (أَوْ) (قِيلَ) لَهُ (اسْتَخْلِفْ عَنْ نَفْسِك) لِمَا ذُكِرَ (أَوْ أَطْلَقَ) لِظُهُورِ غَرَضِ الْمُعَاوَنَةِ وَبُطْلَانُهَا بِبُطْلَانِ وِلَايَتِهِ، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَنَّ الْغَرَضَ ثَمَّ لَيْسَ مُعَاوَنَةَ الْوَكِيلِ بَلْ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ فَحَمَلَ الْإِطْلَاقَ عَلَى إرَادَتِهِ، نَعَمْ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْخَلِيفَةُ كَانَ قَاطِعًا لِنَظَرِهِ فَيَكُونُ كَمَا فِي قَوْلِهِ (فَإِنْ قِيلَ) أَيْ قَالَ لَهُ مُوَلِّيهِ (اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا) يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَائِبَهُ.
(وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ) غَيْرُ قَاضِي ضَرُورَةٍ وَلَا قَاضِي ضَرُورَةٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُجْتَهِدٌ صَالِحٌ وَلَا مَنْ وِلَايَتُهُ عَامَّةٌ كَنَاظِرِ بَيْتِ الْمَالِ وَالْجَيْشِ وَالْحِسْبَةِ وَالْأَوْقَافِ (بِمَوْتِ الْإِمَامِ) الْأَعْظَمِ وَلَا بِانْعِزَالِهِ لِعِظَمِ الضَّرَرِ بِتَعْطِيلِ الْحَوَادِثِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَلَّاهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ انْعَزَلَ بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يُوَلِّي الْقَضَاءَ نِيَابَةً عَنْ الْمُسْلِمِينَ، بِخِلَافِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي لِنُوَّابِهِ فَإِنَّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَهُ عَزْلُهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ كَمَا مَرَّ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَبَبٍ.
وَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ قَاضِيَ الضَّرُورَةِ حَيْثُ انْعَزَلَ اسْتَرَدَّ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ نَظَرِ الْأَوْقَافِ، وَعَلَى الْقَضَاءِ لَا يَتَأَتَّى مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وِلَايَتِهِ كَمَا مَرَّ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ انْعِزَالِهِ مَعَ وُجُودِ مُجْتَهِدٍ صَالِحٍ إلَّا إنْ رُجِيَ تَوْلِيَتُهُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي انْعِزَالِهِ (وَلَا) يَنْعَزِلُ (نَاظِرُ يَتِيمٍ) وَمَسْجِدٍ (وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ) نَصَبَهُمْ وَكَذَا بِانْعِزَالِهِ لِئَلَّا تَخْتَلَّ الْمَصَالِحُ، نَعَمْ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ انْعَزَلَ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِتَوْلِيَةِ قَاضٍ جَدِيدٍ لِصَيْرُورَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) وَإِنْ كَانَ انْعِزَالُهُ بِالْعَمَى عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ (بَعْدَ انْعِزَالِهِ) وَلَا قَوْلَ لِلْمُحَكَّمِ بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: انْعَزَلَ مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ) هَذَا ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ فِيمَا لَوْ بَلَغَ الْخَصْمَ عَزْلُ الْقَاضِي وَلَمْ يَبْلُغْ الْقَاضِي أَمَّا عَلَى مَا اسْتَوْجَهَهُ مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ عَلَى الْخَصْمِ وَلَهُ لِعَدَمِ انْعِزَالِ الْقَاضِي فَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا عَلَّلَ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّ النَّائِبَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بَعْدَ عَزْلِ الْمُسْتَنِيبِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عَدَمِ عَزْلِ النَّائِبِ بِبُلُوغِ خَبَرٍ لِلْمُسْتَنِيبِ دُونَهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ اسْتَخْلَفَهُ عَنْ الْإِمَامِ.
(قَوْلُهُ: غَيْرُ قَاضِي ضَرُورَةٍ) دَخَلَ فِي قَوْلِهِ قَاضِي ضَرُورَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالْقِنِّ وَالْأَعْمَى فَلَا يَنْعَزِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُجْتَهِدٌ وَقَوْلُهُ فِيمَا سَبَقَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَوَلِيُّ السُّلْطَانِ إلَخْ وَبَحْثُ الْبُلْقِينِيِّ إلَخْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ فِي غَيْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ بِالْعَزْلِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَهُ إنْسَانٌ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي ثُمَّ أَعْلَمَهُ بِمَا فِيهِ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ وَأَنَّهُ لَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا وَالْكِتَابُ بِالْعَرَبِيَّةِ، أَوْ عَكْسُهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ إنْسَانٌ فَلْيُرَاجَعْ.
ثُمَّ رَأَيْت وَالِدَ الشَّارِحِ صَرَّحَ بِعَدَمِ انْعِزَالِهِ فِي الْأَوْلَى (قَوْلُهُ: لَا جَمِيعِ الْكِتَابِ) يَعْنِي فَإِنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ قِرَاءَتُهُ، فَفِي الْعِبَارَةِ مُسَامَحَةٌ
(قَوْلُهُ: غَيْرُ قَاضِي ضَرُورَةٍ) دَخَلَ فِي قَاضِي الضَّرُورَةِ الصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَالْقِنُّ وَالْأَعْمَى، فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمَوْتِ السُّلْطَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُجْتَهِدٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ عَنْ بَحْثِ الْبُلْقِينِيِّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) لَمْ يَمُرَّ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي هَذَا لِابْنِ حَجَرٍ إلَّا أَنَّ ذَاكَ ذَكَرَهُ قَبْلُ
(8/246)
مُفَارَقَةِ مَجْلِسِ حُكْمِهِ (حَكَمْت بِكَذَا) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ (فَإِنْ شَهِدَ) وَحْدَهُ أَوْ مَعَ (آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ يَشْهَدُ بِفِعْلِ نَفْسِهِ، وَالثَّانِي يُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ نَفْعًا وَلَمْ يَدْفَعْ ضَرَرًا، وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْإِثْبَاتِ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا لَا تَتَضَمَّنُ تَزْكِيَةَ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فِيهِمَا، وَخَرَجَ بِحُكْمِهِ شَهَادَتُهُ بِإِقْرَارٍ صَدَرَ فِي مَجْلِسِهِ فَيُقْبَلُ جَزْمًا (أَوْ) شَهِدَ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الْحُكْمِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَوْ شَهِدَتْ الْمُرْضِعَةُ بِرَضَاعِ مَحْرَمٍ وَلَمْ تَذْكُرْ فِعْلَهَا، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ نَفْسَهُ فَيَجِبُ الْبَيَانُ لِيَزُولَ اللَّبْسَ وَلَا أَثَرَ لِاحْتِمَالِ الْمُبْطِلِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْنِي حُكْمَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ جَائِزُ الْحُكْمِ لِإِيهَامِ حَذْفِهِ حُكْمَ حَاكِمٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ كَحَاكِمِ الشُّرْطَةِ مَثَلًا (يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ حَكَمْت بِكَذَا) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ حِينَئِذٍ حَتَّى لَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ نِسَاءُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ طَوَالِقُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قُبِلَ، وَمَحَلُّهُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَحْصُورَاتٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَاذِبٌ مُجَازِفٌ وَفِي قَاضٍ مُجْتَهِدٍ وَلَوْ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ قَالَ وَلَا رَيْبَ عِنْدِي فِي عَدَمِ نُفُوذِهِ مِنْ فَاسِقٍ وَجَاهِلٍ، وَلَا بُدَّ فِي قَاضِي الضَّرُورَةِ مِنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ، فَلَوْ قَالَ حَكَمْت بِحُجَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ شَرْعًا وَامْتَنَعَ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ حُكْمُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظُنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا، وَأَفْتَى أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَا إنَّمَا شَهِدْنَا بِطَلَاقٍ مُقَيَّدٍ بِصِفَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ وَقَالَ بَلْ أَطْلَقْتُمَا قُبِلَ قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ فِي ذَلِكَ لِعِلْمِهِ وَأَمَانَتِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَهُوَ خَارِجُ عَمَلِهِ لَا مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَدَعْوَى مَنْ أَرَادَ الثَّانِي أَرَادَ بِهِ أَنَّ مُوَلِّيَهُ قَيَّدَ وِلَايَتَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ (فَكَمَعْزُولٍ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ فَلَا يَنْفُذُ إقْرَارُهُ بِهِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فَكَمَعْزُولٍ عَدَمَ نُفُوذِ تَصَرُّفٍ مِنْهُ اسْتَبَاحَهُ بِالْوِلَايَةِ كَإِيجَارِ وَقْفٍ نَظَرُهُ لِلْقَاضِي وَبَيْعِ مَالِ يَتِيمٍ وَتَقْرِيرٍ فِي وَظِيفَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ كَتَزْوِيجِ مَنْ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ، نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَنْ يَحْكُمُ بِهَا بَعْدَ وُصُولِهِ لَهَا صَحَّ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إذْ الِاسْتِخْلَافُ لَيْسَ بِحُكْمٍ حَتَّى يَمْتَنِعَ بَلْ مُجَرَّدُ إذْنٍ فَهُوَ كَمَحْرَمٍ، وَكُلُّ مَنْ يُزَوِّجُهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ وَمُنَازَعَةُ بَعْضِهِمْ.
فِيهِ بِأَنَّهُ إذْنٌ اسْتَفَادَهُ بِالْوِلَايَةِ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَكَيْفَ يُعْتَدُّ مِنْهُ بِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ الْمَحْرَمُ لَيْسَ مَمْنُوعًا إلَّا مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ وَالْقَاضِي قَبْلَ وُصُولِهِ لِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِإِذْنٍ وَلَا حُكْمٍ، وَإِنَّمَا قِيَاسُهُ أَنْ يُقَيَّدَ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بِبَلَدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْمُقَلِّدِ وَالْفَاسِقِ مَعَ وُجُودِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ الْمُرْضِعَةَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ حَيْثُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهَا عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا بِأَنَّ فِعْلَهَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّ شَهَادَتَهَا إلَخْ وَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِرْضَاعِ حُصُولُ اللَّبَنِ فِي جَوْفِ الطِّفْلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّحْرِيمُ وَهَذَا الْمَعْنَى يُحْصَلُ بِإِرْضَاعِ الْفَاسِقَةِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَذْكُرْ فِعْلَهَا) لَعَلَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذُكِرَ لِتَتِمَّ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُرْضِعَةُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا وَإِنْ ذَكَرَتْ فِعْلِ نَفْسِهَا عَلَى مَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظُنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَنَدٍ مُسْتَنَدًا) أَيْ لَمْ يَنْهَ مُوَلِّيَهُ عَنْ طَلَبِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَدَّمَ عَنْ حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ السَّابِقِ فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ إلَخْ (قَوْلُهُ: مَنْ أَرَادَ الثَّانِيَ) هُوَ قَوْلُهُ لَا مَجْلِسَ حِكْمَةٍ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ وِلَايَتَهُ) أَيْ فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْهَا بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمُعْتَادِ نَفَذَ حُكْمُهُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ قَيَّدَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمَسْجِدٍ مَثَلًا، وَمَحَلُّ عَمَلِهِ مَا نَصَّ مُوَلِّيهِ عَلَيْهِ أَوْ اُعْتِيدَ أَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْمَجْلِسِ الَّذِي وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ فِيهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَرْسَلَ لِمَنْ يَحْكُمُ عَنْهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ بَعْدَ وُصُولِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفِ لَا لِمَنْ كَمَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ تَشْبِيهُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: مِنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ) قَدْ مَرَّ هَذَا بِمَا فِيهِ (قَوْلُهُ: قَيَّدَ وِلَايَتَهُ بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ) وَمِنْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ ثَوَابِ الْقَاضِي الْأَصِيلِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَهُمْ خَارِجَ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمُسَمَّى بِالْمَحْكَمَةِ كَمَعْزُولَيْنِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ إلَخْ) قَدْ مَرَّ هَذَا بِاخْتِصَارٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ وُصُولِهِ) أَيْ الْخَلِيفَةَ
(8/247)
فَلَيْسَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْإِذْنَ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي غَيْرِهَا مَرْدُودَةٌ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَحْرَمِ فِي النِّكَاحِ مُخْتَلَّةٌ مُطْلَقًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ فِي زَمَنِ الْإِحْرَامِ وَصَحَّ إذْنُهُ الْمَذْكُورُ، فَكَذَلِكَ الْقَاضِي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْخَارِجِ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَصَحَّ إذْنُهُ فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ.
(وَلَوْ) (ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ) وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ الْإِخْبَارُ، فَتَسْمِيَتُهُ دَعْوَى مَجَازٌ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ حُضُورِهِ (أَنَّهُ أَخَذَ مَا لَهُ بِرِشْوَةٍ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ كَمَا بِأَصْلِهِ وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالرِّشْوَةِ لَازِمُهَا: أَيْ بِبَاطِلٍ، فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ أَنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ أَوْلَى لِإِيهَامِ عِبَارَةِ الْكِتَابِ أَنَّ الرِّشْوَةَ سَبَبٌ مُغَايِرٌ لِلْأَخْذِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا) وَأَعْطَاهُ لِفُلَانٍ وَمَذْهَبُهُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا (أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا) لِتَعَذُّرِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَحْضُرَ، فَإِذَا حَضَرَ وَكِيلُهُ اُسْتُؤْنِفَتْ الدَّعْوَى، وَإِنَّمَا يَجِبُ إحْضَارُهُ إذَا ذَكَرَ شَيْئًا يَقْتَضِي الْمُطَالَبَةَ شَرْعًا كَمَا مَثَّلَهُ، فَلَوْ طَلَبَ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا لَمْ يَجِبْ إلَيْهِ، إذْ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ حَقٌّ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ ابْتِذَالَهُ بِالْخُصُومَةِ (وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ) أَوْ فَاسِقَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِالْغُرْمِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا سُمِعَتْ هَذِهِ الدَّعْوَى مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الدَّعَاوَى الْمُلْزِمَةِ إذْ لَيْسَتْ بِنَفْسِ الْحَقِّ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا التَّدْرِيجُ إلَى إلْزَامِ الْخَصْمِ (وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَا أُحْضِرَ) لِيُجِيبَ عَنْ دَعْوَاهُ (وَقِيلَ لَا) يَحْضُرُ (حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ) لِأَنَّهُ كَانَ أَمِينَ الشَّرْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ وُقُوعُهَا عَلَى وَفْقِ الصِّحَّةِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ
صِيَانَةً لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ
عَنْ الْبِذْلَةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ وَإِنْ سُلِّمَ لَا يَمْنَعُ إحْضَارَهُ لِتَبَيُّنِ الْحَالِ (فَإِنْ حَضَرَ) بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ (وَأَنْكَرَ) بِأَنْ قَالَ لَمْ أَحْكُمْ عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ لَمْ أَحْكُمْ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ حُرَّيْنِ (صَدَقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ) صِيَانَةً لَهُ عَنْ الِابْتِذَالِ (قُلْت: الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا (بِيَمِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ خَبَرِ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ أَمِينٌ وَهُوَ كَالْوَدِيعِ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ، هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ عُلِمَ بَقَاءُ أَهْلِيَّتِهِ إلَى عَزْلِهِ، أَمَّا مَنْ ظَهَرَ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ وَعُلِمَتْ خِيَانَتُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ قَطْعًا، وَأَمَّا أُمَنَاؤُهُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ إذَا حُوسِبَ بَعْضُهُمْ فَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَالَ أَخَذْت هَذَا الْمَالَ أُجْرَةً عَلَى عَمَلِي وَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ لَمْ يَنْفَعْهُ تَصْدِيقُهُ وَيُسْتَرَدُّ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
(وَلَوْ) (اُدُّعِيَ عَلَى قَاضٍ) مُتَوَلٍّ (جَوْرٌ فِي حُكْمٍ) (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يَحْلِفُ لَهُ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَاهِدٍ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا وَأَرَادَ تَغْرِيمَهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمِينُ الشَّرْعِ (وَتُشْتَرَطُ) لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ (بَيِّنَةٌ) يُحْضِرُهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُدَّعِي عِنْدَهُ لِتُخْبِرَهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ إذْ لَوْ فُتِحَ بَابُ تَحْلِيفِهِمَا لِكُلِّ مُدَّعٍ لَاشْتَدَّ الْأَمْرُ وَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ (وَإِنْ) ادَّعَى عَلَى مُتَوَلٍّ بِشَيْءٍ (لَمْ يَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ) كَغَصْبٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ (حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ) كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ يُحَكِّمَانِهِ قَالَ السُّبْكِيُّ: هَذَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ وَلَا يُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى قَطْعًا وَلَا يَحْلِفُ وَلَا طَرِيقَ لِلْمُدَّعِي حِينَئِذٍ إلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
بِالْمُحْرِمِ
(قَوْلُهُ: وَأَعْطَاهُ) عَطْفٌ عَلَى أَخَذَ (قَوْلُهُ: وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ) أَيْ وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ إلَخْ (قَوْلُهُ: لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِيَمِينٍ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي وَإِلَّا قَضَى بِهَا بِلَا يَمِينٍ (قَوْلُهُ مَا يَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ) أَيْ ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ مَالِكٌ مَعْلُومٌ دَفَعَ لَهُ وَإِلَّا فَلِبَيْتِ الْمَالِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ) كَأَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِغَيْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّوْكِيلِ
(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ الْقَوْلُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ وَالْإِيهَامُ قَائِمٌ، وَغَايَةُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ لَا دَافِعٌ لِلْإِيهَامِ (قَوْلُهُ: فَإِذَا حَضَرَ وَكِيلُهُ) لَعَلَّهُ سَقَطَ لَفْظُ أَوْ قَبْلَ قَوْلِهِ وَكِيلُهُ: أَيْ فَإِذَا حَضَرَ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ
(قَوْلُهُ: مُتَوَلٍّ) أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي آخِرَ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ) اُنْظُرْهُ مَعَ مَا يَأْتِي أَنَّ التَّزْوِيرَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ
(8/248)
لِبَيِّنَةٍ، قَالَ: بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إنْ لَمْ تَقْدَحْ فِيهِ حَيْثُ لَمْ تَظْهَرْ لِلْحَاكِمِ صِحَّةُ الدَّعْوَى صِيَانَةً عَنْ ابْتِذَالِهِ بِالدَّعَاوَى وَالتَّحْلِيفِ انْتَهَى.
وَفِيهِ مَا مَرَّ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِقَاضٍ حَسَنِ السِّيرَةِ ظَاهِرِ الدَّيَّانَةِ وَالْعِفَّةِ، وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الدَّعْوَى عَلَى مُتَوَلٍّ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا فَلَا تُسْمَعُ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَبِخِلَافِ الْمَعْزُولِ فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَلَا يَحْلِفُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فَمَا مَرَّ فِي الْمَعْزُولِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا.
(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا (لِيَكْتُبْ الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ كَالْقَاضِي الْكَبِيرِ نَدْبًا (لِمَنْ يُوَلِّيهِ) كِتَابًا بِالتَّوْلِيَةِ وَمَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْقَاضِي وَيُعَظِّمُهُ فِيهِ وَيَعِظُهُ وَيُبَالِغُ فِي وَصِيَّتِهِ بِالتَّقْوَى وَمُشَاوَرَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْوَصِيَّةِ بِالضُّعَفَاءِ «اتِّبَاعًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ لَمَّا وَلَّاهُ الْيَمَنَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً» ، رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَاقْتَصَرَ فِي مُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَيْهَا عَلَى الْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ (وَيُشْهِدُ بِالْكِتَابِ) يَعْنِي لَا بُدَّ إنْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ أَنْ يُشْهِدَ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّوْلِيَةِ (شَاهِدَيْنِ) بِصِفَاتِ عُدُولِ الشَّهَادَةِ (يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ) أَيْ مَحَلِّ التَّوْلِيَةِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا (يُخْبِرَانِ بِالْحَالِ) لِتَلْزَمَ طَاعَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَشْهَدَانِ بِهِ لَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَلَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمَا التَّوْلِيَةَ مِنْ الْمُوَلِّي، وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ فَلْيَعْلَمَا أَنَّ مَا فِيهِ هُوَ الَّذِي قُرِئَ لِئَلَّا يَقْرَأَ غَيْرَ مَا فِيهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَدَّيَا عِنْدَهُ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ وَإِلَّا كَفَى إخْبَارُهُمَا لِأَهْلِ الْبَلَدِ: أَيْ لِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الِاكْتِفَاءُ بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ لِاسْتِحَالَةِ ثُبُوتِهَا عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ مَعَ الِاضْطِرَارِ إلَى مَا يَشْهَدَانِ بِهِ، فَقَوْلُهُمْ بِصِفَاتِ عُدُولِ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ كَانَ ثَمَّ قَاضٍ، وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ (وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الشَّهَادَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةِ مَنْزِلِهِ مَثَلًا (قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ وَعُلِمَتْ خِيَانَتُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ كَلَامِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: فَلَا تُسْمَعُ) أَيْ الدَّعْوَى لِأَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ حَكَمْت فَالدَّعْوَى مَعَ قَبُولِ قَوْلِهِ تُخِلُّ بِمَنْصِبِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَوْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى إذْ غَايَتُهَا إقَامَةُ بَيِّنَةٍ (قَوْلُهُ: مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا) أَيْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا.
(فَصْلٌ) فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى (قَوْلُهُ: أَدَّيَا عِنْدَهُ) أَيْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ) أَيْ فِي لُزُومِ الطَّاعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَفِيهِ مَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَظْهَرْ فِسْقُهُ وَجَوْرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا) أَيْ جَوْرًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا) أَيْ الَّذِي هُوَ صُورَةُ الْمَتْنِ الْمَارَّةُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَتُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى) أَيْ بِالْجَوْرِ (قَوْلُهُ: فَمَا مَرَّ فِي الْمَعْزُولِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ هَذَا) مُرَادُهُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ تَصْحِيحِ الْمُصَنِّفِ هُنَا تَحْلِيفَ الْمَعْزُولِ وَتَصْحِيحِهِ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ تَحْلِيفِهِ.
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهَا]
(قَوْلُهُ: يَعْنِي لَا بُدَّ إنْ أَرَادَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ إلَخْ) أَيْ وَإِلَّا فَالْمَدَارُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا عَلَى الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: وَإِذَا قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ) أَيْ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: وَلِيَقْرَآهُ عَلَيْهِ: أَيْ الشَّاهِدَانِ أَوْ يَقْرَأَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ قَرَأَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ عَلَيْهِمَا فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَ الشَّاهِدَانِ فِيهِ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَلْيَعْلَمَا: أَيْ بِالنَّظَرِ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَقْرَأَ) أَيْ الْقَارِئُ
(8/249)
وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إشْهَادٌ.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ عَقْدٌ وَالْعُقُودُ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْوَكَالَةِ (لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ) فَلَا يَكْفِي (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَإِنْ حَفَّتْ الْقَرَائِنُ بِصِدْقِهِ، وَلَا يَكْفِي إخْبَارُ الْقَاضِي لِاتِّهَامِهِ، فَإِنْ صَدَّقُوهُ لَزِمَهُمْ طَاعَتُهُ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ (وَيَبْحَثُ) بِالرَّفْعِ (الْقَاضِي) نَدْبًا (عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ) أَيْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (وَعُدُولِهِ) إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ قَبْلَ دُخُولِهِ، فَإِنْ تَعَسَّرَ فَعَقِبَهُ لِيُعَامِلَهُمْ بِمَا يَلِيقُ بِهِمْ (وَيَدْخُلُ) وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالْأَوْلَى دُخُولُهُ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ) صَبِيحَتَهُ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَدِينَةَ فِيهِ حِينَ اشْتَدَّ الضُّحَى» ، فَإِنْ تَعَسَّرَ فَالْخَمِيسُ ثُمَّ السَّبْتُ، وَوَرَدَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَحَرِّيهَا لِفِعْلِ وَظَائِفِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِيهَا وَبِقَصْدِ الْمَسْجِدِ عَقِبَ دُخُولِهِ لِيُصَلِّيَ بِهِ رَكْعَتَيْنِ وَيَأْمَرُ بِقِرَاءَةِ الْعَهْدِ وَيُنَادِي مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ لِيَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ وَيَسْتَحِقَّ الرِّزْقُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ وَقْتِ التَّوْلِيَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ (وَيَنْزِلُ) إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَحَلٌّ مُهَيَّأٌ لِلْقَضَاءِ (وَسَطَ) بِفَتْحِ السِّينِ فِي الْأَشْهَرِ (الْبَلَدِ) لِيَتَسَاوَى أَهْلُهُ فِي الْقُرْبِ مِنْهُ (وَيَنْظُرُ أَوَّلًا) نَدْبًا بَعْدَ تَسَلُّمِهِ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَوْرَاقُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّاسِ، وَأَنْ يُنَادِيَ فِي الْبَلَدِ مُتَكَرِّرًا إنَّ الْقَاضِيَ يُرِيدُ النَّظَرَ فِي الْمَحْبُوسِينَ يَوْمَ كَذَا فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ (فِي أَهْلِ الْحَبْسِ) إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ هُوَ أَهَمُّ مِنْهُمْ هَلْ يَسْتَحِقُّونَهُ أَوْ لَا؟ لِأَنَّهُ عَذَابٌ وَيَبْدَأُ بِقُرْعَةٍ فَمَنْ حَضَرَتْ لَهُ أَحْضَرَ خَصْمَهُ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا وَهَكَذَا (فَمَنْ قَالَ حُبِسَتْ بِحَقٍّ أَدَامَهُ) إلَى وَفَائِهِ أَوْ ثُبُوتِ إعْسَارِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنَادَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ لَهُ وَلَا يُحْبَسُ حَالَ النِّدَاءِ وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ بَلْ يُرَاقَبُ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدًّا أَقَامَهُ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ أَوْ تَعْزِيرًا وَرَأَى إطْلَاقَهُ فَعَلَ (أَوْ) قَالَ حُبِسْت (ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حَجَّةٌ) إنْ كَانَ حَاضِرًا، فَإِنْ أَقَامَهَا أَدَامَهُ وَإِلَّا حَلَّفَهُ وَأَطْلَقَهُ بِلَا كَفِيلٍ إلَّا أَنْ يَرَاهُ فَحَسَنٌ (فَإِنْ كَانَ) خَصْمُهُ (غَائِبًا) عَنْ الْبَلَدِ (كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ) لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا أَوْ يُوَكِّلَ لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ لِيَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ.
فَإِنْ عَلِمَ وَلَمْ يَحْضُرْ وَلَمْ يُوَكِّلْ حَلَفَ وَأُطْلِقَ لِتَقْصِيرِ الْغَائِبِ حِينَئِذٍ (ثُمَّ) فِي الْأَوْصِيَاءِ وَكُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِمْ عِنْدَهُ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِكِ لَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِمَالِهِ فَنَابَ الْقَاضِي عَنْهُ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ الْعَامُّ إنْ كَانَ بِبَلَدِهِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ بِبَلْدَةٍ أُخْرَى لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ لِحَاكِمِ بَلَدِ الْمَالِكِ (فَمَنْ ادَّعَى وِصَايَةً سَأَلَ) النَّاسَ (عَنْهَا) أَلَهَا حَقِيقَةٌ؟ وَمَا كَيْفِيَّةُ ثُبُوتِهَا؟ (وَعَنْ حَالِهِ) هَلْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ (وَتَصَرُّفِهِ فَمَنْ) قَالَ فُرِّقْت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: فَإِنْ صَدَّقُوهُ لَزِمَهُمْ) أَيْ كُلَّهُمْ وَإِنْ صَدَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَكَذَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ مُتَدَاعِيَانِ وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَلْوَانِ يُمْكِنُ تَغَيُّرُهَا بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ السَّوَادِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ تَحَرِّيهَا) أَيْ الْبُكُورِ (قَوْلُهُ: فَمَنْ كَانَ لَهُ مَحْبُوسٌ فَلْيَحْضُرْ) نَدْبًا عَنْ اجْتِمَاعِ الْخُصُومِ، فَلَوْ حَضَرُوا مُتَرَتِّبِينَ نَظَرَ وُجُوبًا فِي حَالِ كُلِّ مَنْ قَدِمَ أَوَّلًا وَلَا يَنْتَظِرُ حُضُورَ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يُطَالَبُ بِكَفِيلٍ) ظَاهِرُهُ وَإِنْ خِيفَ هَرَبُهُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ الْآنَ ثُبُوتَ حَقٍّ عَلَيْهِ حَتَّى يُحْبَسَ لِأَجْلِهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْقَصْدَ إعْلَامُهُ لِيَلْحَنَ) أَيْ يُفْصِحَ بِهَا، وَقَوْلُهُ حَلَفَ: أَيْ وُجُوبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: بِالرَّفْعِ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: كَأَنَّهُ احْتَرَزَ عَنْ الْجَزْمِ بِالْعَطْفِ عَلَى لِيَكْتُبَ لَكِنْ مَا الْمَانِعُ اهـ (قَوْلُهُ: قَبْلَ دُخُولِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْحَثُ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يُنَادِيَ) مَعْطُوفٌ عَلَى تَسَلُّمِهِ: أَيْ وَبَعْدَ تَسَلُّمِهِ وَبَعْدَ مُنَادَاتِهِ، لَكِنْ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ أَنْ يَتَسَلَّمَ فَالْعَطْفُ فِيهَا ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ لَهُ) أَيْ غَرِيمٍ هُوَ مَحْبُوسٌ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْمُنَادَاةِ عَلَى كُلِّ غُرَمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا لَهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَغَيْرُهُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ: حَلَّفَهُ) أَيْ الْمَحْبُوسُ (قَوْلُهُ: وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ) أَيْ بِوِلَايَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ نَحْوَ الْوَكِيلِ وَعَامِلَ الْقِرَاضِ
(8/250)
الْوَصِيَّةُ أَوْ صُرِفَتْ لِلْمُوصَى عَلَيْهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ إنْ وَجَدَهُ عَدْلًا وَإِنْ (وَجَدَهُ فَاسِقًا أَخَذَ الْمَالَ) وُجُوبًا (مِنْهُ) إنْ كَانَ بَاقِيًا وَغَرَّمَهُ بَدَلَ مَا فَوَّتَهُ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَالَتِهِ لَمْ يَنْزِعْهُ مِنْهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، قَالَ: وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمَا وَالْجُمْهُورِ، وَإِنْ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ، أَمَّا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الشَّكُّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ لِاتِّحَادِ الْقَضِيَّةِ، وَبِهِ فَارَقَ شَاهِدَ أُزْكِيَ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِزْكَائِهِ (أَوْ) وَجَدَهُ (ضَعِيفًا) عَنْ قِيَامِهِ بِهَا مَعَ أَمَانَتِهِ (عَضَّدَهُ بِمُعِينٍ) وَلَا يَنْتَزِعُ مِنْهُ الْمَالَ ثُمَّ يَنْظُرَ بَعْدَ الْأَوْصِيَاءِ فِي أُمَنَاءِ الْقَاضِي الْمَنْصُوبِينَ عَنْ الْأَطْفَالِ وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا، نَعَمْ لَهُ عَزْلُهُمْ وَلَوْ بِلَا سَبَبٍ وَتَوْلِيَةُ غَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ مُوَلَّوْنَ مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوْصِيَاءِ. وَلَيْسَ لَهُ الْكَشْفُ عَنْ أَبٍ وُجِدَ مُتَصَرِّفًا إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ قَادِحٍ عِنْدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْأَوْقَافِ الْعَامَّةِ وَمُتَوَلِّيهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: وَعَنْ الْخَاصَّةِ لِأَنَّهَا تَئُولُ لِمَنْ لَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَيَنْظُرُ هَلْ آلَتْ إلَيْهِمْ وَهَلْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ مِنْهُمْ لِصِغَرٍ وَنَحْوِهِ، ثُمَّ فِي أَمْرِ اللُّقَطَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا لِلْمُلْتَقِطِ أَوْ يَجُوزُ وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ، ثُمَّ فِي الضَّوَالِّ فَيَحْفَظُ هَذِهِ الْأَمْوَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ مُفْرَدَةً عَنْ أَمْثَالِهَا وَلَهُ خَلْطُهَا بِمِثْلِهَا حَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ الْمَالِكُ غَرِمَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَلَهُ بَيْعُهَا وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِمَصْلَحَةِ مَالِكِهَا.
(وَيَتَّخِذُ) نَدْبًا (مُزَكِّيًا) بِصِفَتِهِ الْآتِيَةِ وَأَرَادَ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ الْجِنْسَ إذْ لَا يَكْتَفِي بِوَاحِدٍ (وَكَاتِبًا) لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ كُتَّابٌ فَوْقَ أَرْبَعِينَ» ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا رُزِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يُنْدَبْ اتِّخَاذُهُ إلَّا إنْ تَعَيَّنَ كَالْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ وَالْمُتَرْجِمِ وَالْمُسَمِّعِ وَالْمُزَكِّي لِئَلَّا يُغَالُوا فِي الْأُجْرَةِ، وَلِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ كِفَايَتَهُ أَخْذُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَغَيْرَهُمَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إلَّا إنْ تَعَيَّنَ لِلْقَضَاءِ وَوَجَدَ كِفَايَتَهُ وَكِفَايَةَ عِيَالِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمَكْفِيِّ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ صَالِحٌ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ، وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ وَأُجْرَةُ الْكَاتِبِ وَلَوْ قَاضِيًا وَثَمَنُ وَرِقِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ وَنَحْوِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ اُحْتِيجَ لِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى مَنْ شَاءَ الْكِتَابَةَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِنَفْسِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ خَيْلٍ وَغِلْمَانٍ وَدَارٍ وَاسِعَةٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَغَرَّمَهُ بَدَلَ مَا فَوَّتَهُ) أَيْ حَيْثُ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِصَرْفِهِ فِي طَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ وَإِلَّا فَلَا تَغْرِيمَ (قَوْلُهُ: عَنْ الْأَطْفَالِ) أَيْ لِلتَّصَرُّفِ عَنْهُمْ وَلَوْ عَبَّرَ بِعَلَى لَكَانَ أَوْضَحَ (قَوْلُهُ: وَعَنْ الْخَاصَّةِ) كَالْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ مَثَلًا.
(قَوْلُهُ: وَعِيَالَهُ نَفَقَةً) هَلْ الْمُرَادُ مِنْهُمْ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ أَوْ كُلُّ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مُرُوءَةً كَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ مَثَلًا فِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا اعْتَمَدَهُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ يُقَالُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إنَّهُ يَأْخُذُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَوْ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ قَدْ يَقْطَعُهُ عَنْ الْكَسْبِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لِمَحْضِ الْمُوَاسَاةِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَخْذِ لِلْمَكْفِيِّ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ أَوْ الْآحَادِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ خَاصِّ مَالِهِ وَلَا عَلَى الْآحَادِ، أَمَّا لَوْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا تَبَرُّعًا لَمْ يَمْتَنِعْ قَبُولُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: أَوْ صُرِفَتْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: تَصَرَّفَتْ
(قَوْلُهُ: إذْ لَا يُكْتَفَى بِوَاحِدٍ) . فِيهِ تَغْلِيبٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْكَاتِبِ فَمَعْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يُرْزَقُ مِنْ خَاصِّ مَالِ الْإِمَامِ) اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ رَجَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ جَوَازَهُ، وَأَجَابَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي الْمُحْتَاجِ وَمَا هُنَا فِي غَيْرِهِ.
(8/251)
وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ كَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَيَرْزُقُ مِنْهُمْ أَيْضًا كُلَّ مَنْ كَانَ عَمَلُهُ مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ كَالْأَمِيرِ وَالْمُفْتِي وَالْمُحْتَسِبِ وَالْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ وَمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْكَاتِبِ حُرًّا ذَكَرًا (مُسْلِمًا عَدْلًا) لِتُؤْمَنَ خِيَانَتُهُ (عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ) وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ يَتَرَادَفَانِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِهِمَا عَلَى مُطْلَقِ الْمَكْتُوبِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ لِإِفْسَادِ الْجَاهِلِ بِذَلِكَ مَا يَكْتُبُهُ (وَيُسْتَحَبُّ) فِيهِ (فِقْهٌ) فِيمَا يَكْتُبُهُ: أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ التَّوَسُّعِ فِي مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَمَوَاقِعِ اللَّفْظِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الْمُوهِمِ وَالْمُحْتَمَلِ لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْ اشْتَرَطَ فِقْهَهُ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ بِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْكِتَابَةِ وَعِفَّةٍ عَنْ الطَّمَعِ لِئَلَّا يُسْتَمَالَ بِهِ (وَوُفُورُ عَقْلٍ) اكْتِسَابِيٍّ لِيَزْدَادَ ذَكَاؤُهُ وَفِطْنَتُهُ فَلَا يُخْدَعُ (وَجَوْدَةُ خَطٍّ) وَإِيضَاحُهُ مَعَ ضَبْطِ الْحُرُوفِ، وَتَرْتِيبِهَا، وَتَضْيِيقِهَا لِئَلَّا يَقَعَ فِيهَا إلْحَاقٌ وَتَبْيِينُهَا لِئَلَّا يَشْتَبِهَ نَحْوُ سَبْعَةٍ بِتِسْعَةٍ وَمَعْرِفَتُهُ بِحِسَابِ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَفَصَاحَتُهُ وَعِلْمُهُ بِلُغَاتِ الْخُصُومِ.
(وَ) يُتَّخَذُ نَدْبًا أَيْضًا (مُتَرْجِمًا) لِأَنَّهُ قَدْ يَجْهَلُ لِسَانَ الْخُصُومِ أَوْ الشُّهُودِ، وَالْمُرَادُ بِاِتِّخَاذِهِ كَوْنُهُ عَارِفًا بِاللُّغَاتِ الْغَالِبِ وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُ لُغَةَ الْخُصُومِ لَمْ يَتَّخِذْهُ (وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَدٌ) أَيْ اثْنَانِ وَلَوْ فِي زِنًا، وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ كُلُّهُمْ أَعْجَمِيِّينَ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ إلَى الْقَاضِي قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ فَأَشْبَهَ الْمُزَكِّيَ وَالشَّاهِدَ، بِخِلَافِ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ لَا يُثْبِتُ شَيْئًا، نَعَمْ يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِمَا، وَقِيسَ بِهِمَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِنَّ، وَأُسْقِطَ مِنْ الْأَصْلِ اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ لِدُخُولِهِ فِي الْعَدَالَةِ.
وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ انْتِفَاءَ التُّهْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ تَرْجَمَةُ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا.
وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ التَّرْجَمَةُ عَنْ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ أَوْ عَنْ الْخَصْمِ بِمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا لِأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، فَإِنْ كَانَتْ فِيمَا يَتَضَمَّنُ حَقًّا عَلَيْهِمَا لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ، وَيَكْفِي اثْنَانِ عَنْ الْخَصْمَيْنِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ كَذَلِكَ (وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمَى) لِأَنَّ التَّرْجَمَةَ تَفْسِيرُ لَفْظٍ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ، بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَعَلَيْهِ فَيُكَلِّفُ الْقَاضِي مَنْ حَضَرَ السُّكُوتَ لِئَلَّا يَتَكَلَّمَ غَيْرُ الْخَصْمِ وَالثَّانِي لَا كَالشَّاهِدِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَغْلِيبُهُمْ شَائِبَةَ الرِّوَايَةِ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ إلَّا فِي هَذَا لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَطِ لَهُ الْإِبْصَارُ هُنَا (وَ) الْأَصَحُّ (اشْتِرَاطُ عَدَدٍ) وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى هُنَا أَيْضًا (فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ) لَمْ يَبْطُلْ سَمْعُهُ كَالْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ عَيْنَ اللَّفْظِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ يَنْقُلُ مَعْنَاهُ.
وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ وَشَرْطُهُمَا مَا مَرَّ فِي الْمُتَرْجِمِينَ، وَخَرَجَ بِإِسْمَاعِ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ إسْمَاعُ الْخَصْمِ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي أَوْ خَصْمَهُ فَيَكْفِي فِيهِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَيُرْزَقُ مِنْهُ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمَكْفِيِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ بِالْعَمَلِ غَيْرُهُ.
وَكَتَبَ أَيْضًا لَطَفَ اللَّهُ بِهِ قَوْلَهُ وَيُرْزَقُ مِنْهُ: أَيْ وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ قِيَاسًا عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَلَوْ لَمْ يُعْطَ رُبَّمَا تَرَكَ الْعَمَلَ فَتَتَعَطَّلُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ) أَيْ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِالشَّرْعِ فَيَشْمَلُ الْفِقْهَ وَالْحَدِيثَ وَالتَّفْسِيرَ وَمَا كَانَ آلَةً لَهَا (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يُؤْتَى مِنْ الْجَهْلِ) أَيْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ الْخَلَلُ مِنْ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَفِطْنَتُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مَحْضٌ) لَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ فِي نَقْلِ مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ، حَتَّى لَوْ نَقَلَ اثْنَانِ كَلَامَ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي وَنَقَلَ وَاحِدٌ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ) أَيْ الزِّنَا (قَوْلُهُ لَمْ يَظْهَرْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ) قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ قَدْ يَكْتُمُ شَيْئًا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ: اشْتِرَاطُ لَفْظِ الشَّهَادَةِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي نَقْلِهِ كَلَامُ الْخَصْمِ لِلْقَاضِي إذْ الشَّهَادَةُ تَكُونُ عِنْدَهُ، أَمَّا فِي نَقْلِهِ كَلَامَ الْقَاضِي لِلْخَصْمِ فَفِيهِ وَقْفَةٌ لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ إذْ هِيَ شَهَادَةٌ) يَعْنِي يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَأَتَّى الِاسْتِثْنَاءُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إلَخْ) اُنْظُرْ مِنْ أَيْنَ عُلِمَ
(8/252)
(وَيَتَّخِذُ) نَدْبًا (دِرَّةً) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (لِلتَّأْدِيبِ) اقْتِدَاءً بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، نَعَمْ مَنَعَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ نُوَّابَهُ مِنْ ضَرْبِ الْمَسْتُورِينَ بِهَا لِأَنَّهُ صَارَ مِمَّا يُعَيَّرُ بِهِ ذُرِّيَّةُ الْمَضْرُوبِ وَأَقَارِبُهُ، بِخِلَافِ الْأَرْذَالِ وَلَهُ التَّأْدِيبُ بِالسَّوْطِ (وَسِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ) كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِدَارٍ اشْتَرَاهَا بِمَكَّةَ وَجَعَلَهَا سِجْنًا وَإِذَا هَرَبَ الْمَحْبُوسُ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ سَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ هَرَبِهِ فَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِعْسَارٍ لَمْ يُعَزِّرْهُ، وَإِلَّا عَزَّرَهُ، وَلَوْ أَرَادَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مُلَازَمَتَهُ بَدَلًا عَنْ الْحَبْسِ مُكِّنَ مَا لَمْ يَقُلْ تَشُقُّ عَلَيَّ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ مَعَ مُلَازَمَتِهِ وَيَخْتَرْ الْحَبْسَ فَيُجِيبُهُ، وَأُجْرَةُ السِّجْنِ عَلَى الْمَسْجُونِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ الَّذِي شَغَلَهُ، وَأُجْرَةُ السَّجَّانِ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ) الَّذِي يَقْضِي فِيهِ (فَسِيحًا) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْخُصُومُ (بَارِزًا) أَيْ ظَاهِرًا لِيَعْرِفَهُ كُلُّ أَحَدٍ،
وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ لَا مَعَ زَحْمَةٍ أَوْ فِي خَلْوَةٍ (مَصُونًا مِنْ أَذَى) نَحْوِ (حَرٍّ وَبَرْدٍ) وَرِيحٍ كَرِيهٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ (لَائِقًا بِالْوَقْتِ) أَيْ الْفَصْلِ كَمَهَبِّ الرِّيحِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ فِي الصَّيْفِ وَالسَّكَنِ فِي الشِّتَاءِ وَالْخُضْرَةِ فِي الرَّبِيعِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا نَفْسَ الْمَصُونِ كَمَا صَنَعَهُ أَصْلُهُ بَلْ غَيَّرَهُ كَأَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى تَغَايُرِهِمَا كَانَ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الْمُؤْذِي وَالثَّانِي لِتَحْصِيلِ التَّنَزُّهِ وَدَفْعِ الْمُكَدِّرِ عَنْ النَّفْسِ، فَانْدَفَعَ دَعْوَى أَنَّ عِبَارَةَ أَصْلِهِ أَحْسَنُ، وَمَحَلُّ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، فَإِنْ تَعَدَّدَ وَحَصَلَ زِحَامٌ اتَّخَذَ مَجَالِسَ بِعَدَدِ الْأَجْنَاسِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ اُتُّخِذَتْ ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاضِي (وَ) لَائِقًا بِوَظِيفَةِ (الْقَضَاءِ) الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْمَنَاصِبِ وَأَجَلُّ الْمَرَاتِبِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْجَلَالَةِ وَالْأُبَّهَةِ، فَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ دَاعِيًا بِالْعِصْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ مُتَعَمِّمًا مُتَطَيْلِسًا عَلَى مَحَلٍّ عَالٍ بِهِ فُرُشٌ وَوِسَادَةٌ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَهْيَبَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ لِلْحَاجَةِ إلَى قُوَّةِ الرَّهْبَةِ وَالْهَيْبَةِ، وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ جُلُوسُهُ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْهَيْبَةِ (لَا مَسْجِدًا) أَيْ لَا يَتَّخِذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ فَيُكْرَهُ ذَلِكَ صَوْنًا لَهُ عَنْ ارْتِفَاعِ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ عَادَةً، وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ الْمَجَانِينَ وَالصِّغَارَ وَالْحُيَّضَ وَالْكُفَّارَ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ فِيهِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، نَعَمْ إنْ اتَّفَقَتْ قَضِيَّةٌ أَوْ قَضَايَا وَقْتَ حُضُورِهِ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يُكْرَهْ فَصْلُهَا، وَكَذَا إنْ احْتَاجَ لِجُلُوسِهِ فِيهِ لِعُذْرٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَلَسَ لَهُ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْ عَدَمِهَا مُنِعَ الْخُصُومُ مِنْ الْخَوْضِ فِيهِ بِالْمُشَاتَمَةِ وَنَحْوِهَا وَيَقْعُدُونَ خَارِجَهُ، وَيَنْصِبُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ خَصْمَيْنِ خَصْمَيْنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
لَا يَكْفِي، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ بِأَنَّ قِيَاسَ الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ هُنَا الِاكْتِفَاءُ بِهِ فِي التَّرْجَمَةِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ مُجَرَّدٌ، وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ، وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّارِحِ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَرْجِمِ وَالْمُسَمِّعِ بِأَنَّ الْمُسَمِّعَ لَوْ غَيَّرَ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي عِنْدَ تَبْلِيغِهِ لِلْخَصْمِ سَمِعَهُ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ فَإِنَّهُ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ اللُّغَةَ الَّتِي يُتَرْجِمُ بِهَا فَرُبَّمَا غَيَّرَ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْ الْقَاضِيَ طَلَبُهُ) أَيْ وَلَا السَّجَّانَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا عَزَّرَهُ) وَمِثْلُهُ فِي التَّعْزِيرِ مَا لَوْ طَلَبَهُ ابْتِدَاءً لِأَصْلِ الدَّعْوَى فَامْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَاجِبٍ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي مِنْ الْحَاجِبِ أَنَّهُ لَا يُمَكِّنُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ عَامَّةَ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُمَكِّنُ عُظَمَاءَهُمْ أَوْ مَنْ يَدْفَعُ لَهُ رِشْوَةً لِلتَّمْكِينِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ (قَوْلُهُ: مَعَ الْخُصُومِ) أَيْ وُجُوبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ صَرْفُ ذَلِكَ) أَيْ أُجْرَةِ السِّجْنِ وَالسَّجَّانِ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحُرْمَةِ) الضَّمِيرُ فِي يَكُونُ لِلْقَاضِي بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَكَانَ
(8/253)
وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ بَيْتُهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ كَانَ بِحَيْثُ تَحْتَشِمُ النَّاسُ دُخُولَهُ بِأَنْ أَعَدَّهُ مَعَ حَالَةِ يُحْتَشَمُ الدُّخُولُ عَلَيْهِ لِأَجْلِهَا أَمَّا إذَا أَعَدَّهُ وَأَخْلَاهُ مِنْ نَحْوِ عِيَالِهِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُهُ أَحَدٌ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرَطَيْنِ وَكُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ) فِيهِ كَمَرَضٍ وَمُدَافَعَةِ حَدَثٍ وَشِدَّةِ خَوْفٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ سُرُورٍ لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْهُ فِي الْغَضَبِ وَقِيسَ بِهِ الْبَاقِي وَلِاخْتِلَالِ فَهْمِهِ وَفِكْرِهِ بِذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمَطْلَبِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدْ يَنْظُرُ فِيهِ بِعَدَمِ أَمْنِ التَّقْصِيرِ فِي مُقَدِّمَاتِ الْحُكْمِ، وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَضَبِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، لِأَنَّ الْمَحْذُورَ تَشْوِيشُ الْفِكْرِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ، نَعَمْ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْحُكْمِ فِي الْحَالِ، وَقَدْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ عَلَى الْفَوْرِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَلَوْ قَضَى حَالَ غَضَبِهِ وَنَحْوِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ. (وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ) عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَاخْتِلَافِ الْآرَاءِ (الْفُقَهَاءَ) الْعُدُولَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159] بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ، وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالِمٍ وَلَا عَالَمًا غَيْرَ أَمِينٍ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يُضِلُّهُ، وَإِذَا حَضَرُوا فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ مَا عِنْدَهُمْ إذَا سَأَلَهُمْ، وَلَا يَبْتَدِرُونَ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يَجِبُ نَقْضُهُ كَمَا يَأْتِي، وَشَمَلَ ذَلِكَ مُشَاوِرَةَ مَنْ هُوَ دُونَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الْمَفْضُولِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْفَاضِلِ، وَتَحْرُمُ الْمُبَاحَثَةُ إنْ قَصَدَ بِهَا إينَاسَهُ وَإِلَّا فَلَا (وَأَنْ لَا يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ) أَوْ يُعَامَلَ مَعَ وُجُودِ مَنْ يُوَكِّلُهُ (بِنَفْسِهِ) فِي عَمَلِهِ فَيُكْرَهُ لَهُ لِئَلَّا يُحَابِيَ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى بَيْعُهُ مِنْ أُصُولِهِ أَوْ فُرُوعِهِ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى إذْ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لَهُمْ، وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ السَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ وَلَا أَمْرِ ضَيْعَتِهِ بَلْ يَكِلُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ (وَلَا يَكُونُ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ) لِئَلَّا يُحَابِيَ أَيْضًا، فَإِنْ عُرِفَ وَكِيلُهُ اسْتَبْدَلَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا عَقَدَ بِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ خُصُومَةٌ لِمُعَامِلِهِ أَنَابَ فِي فَضْلِهَا.
(فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ) أَوْ وَهَبَهُ أَوْ ضَيَّفَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي اتِّخَاذِهِ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ (قَوْلُهُ: مَعَ حَالَةٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَصْحُوبًا بِحَالَةٍ يُحْتَشَمُ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: نَفَذَ قَضَاؤُهُ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَعَ ذَلِكَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُشَاوِرُ غَيْرَ عَالِمٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: وَتَحْرُمُ الْمُبَاحَثَةُ) أَيْ مَعَ غَيْرِ الْأَمِيرِ (قَوْلُهُ: إنْ قَصَدَ بِهَا إينَاسَهُ) أَيْ إينَاسَ الْفَاسِقِ وَفِي نُسْخَةٍ امْتِحَانَهُ، وَعَلَيْهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ رَاجِعًا لِلْفَاسِقِ (قَوْلُهُ: لَا يَنْظُرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَتْ خُصُومَةٌ لِمُعَامِلِهِ) أَيْ مَنْ عَقَدَ مَعَهُ بِنَفْسِهِ لِئَلَّا يُتَّهَمَ بِمُحَابَاتِهِ، وَقَوْلُهُ أَنَابَ: أَيْ نَدْبًا.
(قَوْلُهُ: أَوْ ضَيْفُهُ) وَهَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْقَاضِي مِمَّنْ حَضَرَ ضِيَافَتَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْجَوَازُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ فِيهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى رِضَا الْمَالِكِ بِأَكْلِ الْحَاضِرِينَ مِنْ ضِيَافَتِهِ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَحْضَرَهَا لِلْقَاضِي، وَيَأْتِي مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي سَائِرِ الْعُمَّالِ، وَمِنْهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ إحْضَارِ طَعَامٍ لِشَادِّ الْبَلَدِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْمُلْتَزِمِ أَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
اللَّائِقُ إبْدَالَ الْبَاءِ فِي بِأَنَّ بِالْوَاوِ (قَوْلُهُ: وَأُلْحِقَ بِالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْكَرَاهَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ آخِرَ السِّوَادَةِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِلْكَرَاهَةِ
(قَوْلُهُ: أَوْ سُرُورٍ) فِي هَذَا الْعَطْفِ تَسَاهُلٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى حَالَ غَضَبِهِ وَنَحْوِهِ نَفَذَ) تَقَدَّمَ هَذَا (قَوْلُهُ: الْمَعْلُومِ بِنَصٍّ) أَيْ وَلَوْ نَصَّ إمَامِهِ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ السَّلَمُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا يُغْنِي عَنْ هَذَا فِي حَلِّ الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ) سَيَأْتِي فِي هَذَا كَلَامُ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ
(8/254)
أَوْ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِأَنَّهُ سَيُخَاصِمُ وَلَوْ بَعْضًا لَهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُهْدِي إلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ (أَوْ) مَنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَ (لَمْ يُهْدِ) إلَيْهِ شَيْئًا (قَبْلَ وِلَايَتِهِ) أَوْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ وَزَادَ عَلَيْهَا قَدْرًا يُحَالُ عَلَى الْوِلَايَةِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ أَوْ صِفَةً فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ (قَبُولُهَا) وَلَا يَمْلِكُهَا لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْمَيْلَ إلَيْهِ فِي الْأُولَى وَيُحَالُ سَبَبُهَا عَلَى الْوِلَايَةِ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ «هَدَايَا الْعُمَّالِ سُحْتٌ» وَإِنَّمَا حَلَّتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْهَدَايَا لِعِصْمَتِهِ، وَفِي الْخَبَرِ أَنَّهُ أَحَلَّهَا لِمُعَاذٍ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ أَيْضًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ حَمَلَهَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي عَمَلِهِ، فَلَوْ جَهَّزَهَا لَهُ مَعَ رَسُولٍ وَلَا خُصُومَةَ لَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا الْحُرْمَةُ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَبُولُهَا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ مَا لَمْ يَسْتَشْعِرْ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ، وَمَتَى بُذِلَ لَهُ مَالٌ لِيَحْكُمَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ حُكْمٍ بِحَقٍّ فَهُوَ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ بِالْإِجْمَاعِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُكْمِ بِالْحَقِّ إلَّا بِمَالٍ لَكِنَّهُ أَقَلُّ إثْمًا، «وَقَدْ لَعَنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَالرَّائِشَ، وَهُوَ الْمَاشِي بَيْنَهُمَا» .
وَمَحَلُّهُ فِي رَاشٍ لِبَاطِلٍ.
أَمَّا مَنْ عَلِمَ أَخْذَ مَالِهِ بِبَاطِلٍ لَوْلَا الرِّشْوَةُ فَلَا ذَمَّ عَلَيْهِ، وَحُكْمُ الرَّائِشِ حُكْمُ مُوَكِّلِهِ، فَإِنْ تَوَكَّلَ عَنْهُمَا عَصَى مُطْلَقًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ أَقَلَّ إثْمًا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَطَلَبُ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ وَإِلَّا جَازَ لَهُ طَلَبُهَا وَأَخْذُهَا عِنْدَ كَثِيرِينَ وَامْتَنَعَ عِنْدَ آخَرِينَ.
قِيلَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ (وَإِنْ كَانَ) مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ (يُهْدِي) إلَيْهِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ وَتَرَشُّحِهِ لَهَا لِنَحْوِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُمْ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ التَّكْرَارِ غَيْرَ مُرَادٍ (وَلَا خُصُومَةَ) لَهُ حَاضِرَةً وَلَا مُتَرَقَّبَةً (جَازَ) قَبُولُ هَدِيَّتِهِ إنْ كَانَتْ (بِقَدْرِ الْعَادَةِ) قِيلَ كَالْعَادَةِ لِيَعُمَّ الْوَصْفَ أَيْضًا أَوْلَى اهـ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْقَدْرَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَيْفِ كَالْكَمِّ وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِهَا بَعْدَ التَّرَشُّحِ، أَوْ مَعَ الزِّيَادَةِ فَيَحْرُمُ قَبُولُ الْجَمِيعِ إنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْوَصْفِ كَأَنْ اعْتَادَ إهْدَاءَ كَتَّانٍ فَأَهْدَى حَرِيرًا، فَإِنْ كَانَ فِي الْقَدْرِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا حَرُمَ الزَّائِدُ فَقَطْ، وَجَوَّزَ السُّبْكِيُّ فِي حَلَبِيَّاتِهِ قَبُولَ الصَّدَقَةِ مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَلَا عَادَةَ، وَخَصَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ بِمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْمُتَصَدِّقُ بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَعَكْسُهُ، وَاعْتَمَدَهُ وَلَدُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِلَّا لَأَشْكَلَ بِمَا يَأْتِي فِي الضِّيَافَةِ، وَبَحَثَ غَيْرُهُ الْقَطْعَ بِحِلِّ أَخْذِهِ لِلزَّكَاةِ، وَيُتَّجَهُ تَقْيِيدُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَأَلْحَقَ الْحُسْبَانِيُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَنَافِعَ الْمُقَابَلَةَ بِمَالٍ عَادَةً كَسُكْنَى دَارٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَاسْتِعَارَةِ كِتَابِ عِلْمٍ وَأَكْلِهِ طَعَامَ بَعْضِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ ضَيْفًا كَقَبُولِ هَدِيَّتِهِمْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
وَأَمَّا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ عَمَلِهِ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ السُّبْكِيُّ وَالْمُتَّجَهُ فِيهِ وَفِي النَّذْرِ أَنَّهُ إنْ عَيَّنَهُ بِاسْمِهِ وَشَرَطْنَا الْقَبُولَ كَانَ كَالْهَدِيَّةِ لَهُ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى تَدْرِيسٍ هُوَ شَيْخُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْكَاتِبِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ لِخُصُومَةٍ) أَيْ فَيَحْرُمُ قَبُولُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُهْدَى مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ (قَوْلُهُ: وَتُرَشِّحُهُ) أَيْ تُهَيِّئُهُ (قَوْلُهُ: قِيلَ كَالْعَادَةِ) أَيْ كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِهِ وَإِسْقَاطُ قَوْلِهِ بِقَدْرِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ تَتَمَيَّزْ فَكَذَلِكَ) أَيْ يَحْرُمُ الْجَمِيعُ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ: وَشَرْطُنَا الْقَبُولُ) مُعْتَمَدٌ فِي الْوَقْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ) هَلَّا قِيلَ بِمِثْلِ هَذَا فِيمَا مَرَّ فِي مُعَامَلَتِهِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ أَقَلَّ إثْمًا إلَخْ) فِي الْعِبَارَةِ خَلَلٌ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: تَنْبِيهٌ مَحَلُّ قَوْلِنَا لَكِنَّهُ أَقَلُّ إثْمًا مَا إذَا كَانَ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَطَلَبُ أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ جَازَ لَهُ طَلَبُهَا وَأَخْذُهَا عِنْدَ كَثِيرِينَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَدْفَعُ الْأَوْلَوِيَّةَ، إذْ حَاصِلُهُ إنَّمَا هُوَ تَصْحِيحُ الْعِبَارَةِ (قَوْلُهُ: وَخَصَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ تَفْسِيرِهِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَصَدِّقُ عَارِفًا بِأَنَّهُ الْقَاضِي وَلَا الْقَاضِي عَارِفًا بِعَيْنِهِ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ انْتَهَتْ
(8/255)
فَإِنْ عُيِّنَ بِاسْمِهِ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عَنْ دَيْنِهِ إنْ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا أَدَاؤُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، بِخِلَافِهِ بِإِذْنِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ.
وَبَحَثَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ أَنَّ خُلَعَ الْمُلُوكِ الَّتِي مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لَيْسَتْ كَالْهَدِيَّةِ بِشَرْطِ اعْتِيَادِهَا لِمِثْلِهِ وَأَنْ لَا يَتَغَيَّرَ بِهَا قَلْبُهُ عَنْ التَّصْمِيمِ عَنْ الْحَقِّ وَسَائِرُ الْعُمَّالِ مِثْلُهُ فِي نَحْوِ الْهَدِيَّةِ لَكِنَّهُ أَغْلَظُ، وَلَا يُلْتَحَقُ بِالْقَاضِي فِيمَا ذُكِرَ الْمُفْتِي وَالْوَاعِظُ وَمُعَلِّمُ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْإِلْزَامِ، وَالْأَوْلَى فِي حَقِّهِمْ إنْ كَانَتْ الْهَدِيَّةُ لِأَجْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنْ الْإِفْتَاءِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ عَدَمُ الْقَبُولِ لِيَكُونَ عَمَلُهُمْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِمْ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ فَالْأَوْلَى الْقَبُولُ.
وَأَمَّا إذَا أَخَذَ الْمُفْتِي الْهَدِيَّةَ لِيُرَخِّصَ فِي الْفَتْوَى فَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ بَاطِلٍ فَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ يُبَدِّلُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَشْتَرِي بِهَا ثَمَنًا قَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً (وَالْأَوْلَى) لِمَنْ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ (أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا) أَوْ يَرُدَّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ يَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَسَدُّ بَابِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا أَوْلَى حَسْمًا لِلْبَابِ.
(وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ) وَلَا سَمَاعُهُ شَهَادَةً (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ أَدَبَهُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِهِ كَحَكَمْتَ عَلَيَّ بِالْجَوْرِ لِئَلَّا يُسْتَخَفَّ وَيُسْتَهَانَ بِهِ فَلَا يُسْمَعُ حُكْمُهُ، وَلَهُ الْحُكْمُ لِمَحْجُورِهِ وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ تَضَمَّنَ حُكْمُهُ اسْتِيلَاءَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَتَصَرُّفَهُ فِيهِ، وَكَذَا بِإِثْبَاتِ وَقْفٍ شُرِطَ نَظَرُهُ لِقَاضٍ هُوَ بِصِفَتِهِ، وَإِنْ تَضَمَّنَ حُكْمُهُ وَضْعَ يَدِهِ عَلَيْهِ وَبِإِثْبَاتِ مَالٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ يُرْزَقُ مِنْهُ، وَإِفْتَاءُ الْعَلَمِ الْبُلْقِينِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمُ بِمَا أَجْرُهُ هُوَ أَوْ مَأْذُونُهُ مِنْ وَقْفٍ هُوَ نَاظِرُهُ يُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْأَذْرَعِيُّ حَيْثُ قَالَ: الظَّاهِرُ مَنْعُهُ لِمَدْرَسَةٍ هُوَ مُدَرِّسُهَا، وَوَقْفٍ نَظَرُهُ لَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَيَكُونُ كَالْوَصِيِّ، وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْقَاضِي أَوْلَى مِنْ الْوَصِيِّ لِأَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
دُونَ النَّذْرِ (قَوْلُهُ وَيَصِحُّ إبْرَاؤُهُ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ الْعُمَّالِ) وَمِنْهُمْ مَشَايِخُ الْأَسْوَاقِ وَالْبُلْدَانِ وَمُبَاشَرَةُ الْأَوْقَافِ وَكُلُّ مَنْ يَتَعَاطَى أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْلِمِينَ.
(قَوْلُهُ: وَإِفْتَاءُ الْعِلْمِ إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ) هُوَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ) أَيْ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ وَقْفٍ هُوَ نَاظِرُهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ بِأَنَّ هَذَا مُتَبَرِّعٌ بِخِلَافِ ذَاكَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مُتَبَرِّعًا أَيْضًا صَحَّ مِنْهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: شَرَطَ نَظَرَهُ لِقَاضٍ هُوَ بِصِفَتِهِ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: يَخْرُجُ مَا لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لَهُ بِخُصُوصِهِ، قَالَ: وَيُنَاسِبُهُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْآتِي وَوَقْفُ نَظَرِهِ لَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا فَصَّلَهُ الْأَذْرَعِيُّ) عِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ: هَلْ يُحْكَمُ لَهُ لِجِهَةِ وَقْفٍ كَانَ نَاظِرَهَا الْخَاصَّ قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلِمَدْرَسَةٍ هُوَ مُدَرِّسُهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالظَّاهِرُ تَفَقُّهًا لَا نَقْلًا الْمَنْعُ إذْ هُوَ الْخَصْمُ وَحَاكِمٌ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكُهُ، فَإِنْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالنَّظَرِ فَكَوَلِيِّ الْيَتِيمِ انْتَهَتْ.
فَقَوْلُهُ إذْ هُوَ الْخَصْمُ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ النَّظَرِ وَقَوْلُهُ وَحَاكِمٌ لِنَفْسِهِ وَشَرِيكِهِ تَعْلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ التَّدْرِيسِ (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ كَالْوَصِيِّ) أَيْ فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ مُدَرِّسًا أَوْ نَاظِرًا قَبْلَ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ وَرَدَّ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ) أَيْ إفْتَاءَ الْعَلَمِ الْبُلْقِينِيِّ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ بَعْدَ الْحَمْلِ الْمَارِّ نَصُّهَا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رَدِّ بَعْضِهِمْ لِكَلَامِ الْعَلَمِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الرَّدَّ يُشِيرُ لِتَفْصِيلِ الْأَذْرَعِيِّ لَا مُخَالِفَ لَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ كَالتُّحْفَةِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ إفْتَاءَ الْعَلَمِ فِيمَا إذَا ثَبَتَ النَّظَرُ لِلْقَاضِي بِوَصْفِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى الْوَقْفِ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ تَزُولُ بِانْعِزَالِهِ، فَهَذَا الرَّادُّ مُوَافِقٌ لِلْعِلْمِ عَلَى الْمَنْعِ فِيمَا الْقَاضِي نَاظِرٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْأَذْرَعِيِّ وَمَسْأَلَةِ الْعَلَمِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَلَمِ حَاكِمٌ بِفِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ بِفِعْلِ مَأْذُونِهِ وَهُوَ الْإِيجَارُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذْرَعِيِّ، وَقَدْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ نَفْسَهُ قُبَيْلَ مَا مَرَّ عَنْهُ عَنْ شَرْحِ الرُّويَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيِّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي الْوَصِيُّ لِلطِّفْلِ مَثَلًا بِدَيْنٍ كَانَ لِأَبِيهِ فَيَصِحُّ، وَبَيْنَ
(8/256)
وِلَايَتَهُ عَلَى الْوَقْفِ بِجِهَةِ الْقَضَاءِ تَزُولُ بِانْعِزَالِهِ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ إذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ فَالتُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ أَقْوَى، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَهِدَ الْقَاضِي بِمَالٍ لِلْوَقْفِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ قُبِلَ أَوْ الْوَصِيُّ بِمَالٍ لِمُوَلِّيهِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ لَهُ لَمْ يُقْبَلْ (وَرَقِيقُهُ) لِذَلِكَ نَعَمْ لَهُ الْحُكْمُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ رِقِّهِ بِأَنْ جَنَى مُلْتَزِمٌ عَلَى ذِمِّيٍّ ثُمَّ حَارَبَ وَأُرِقَّ وَيُوقَفُ مَا ثَبَتَ لَهُ حِينَئِذٍ إلَى عِتْقِهِ، فَإِنْ مَاتَ قِنًّا صَارَ فَيْئًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، قَالَ: وَكَذَا لِمَنْ وَرِثَ مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ الْحُكْمُ بِكَسْبِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَشَرِيكُهُ) أَوْ شَرِيكُ مُكَاتَبِهِ (فِي الْمُشْتَرَكِ) لِذَلِكَ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ حَكَمَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِهِ جَازَ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا، وَيُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ وَإِلَّا فَالتُّهْمَةُ مَوْجُودَةٌ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ وَهِيَ كَافِيَةٌ (وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ) وَلَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُمْ أَبْعَاضُهُ فَكَانُوا كَنَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ لَهُمْ قَطْعًا.
أَمَّا حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ فَيَجُوزُ عَكْسُ الْعَدُوِّ، وَحُكْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ إقْرَارٌ لَا حُكْمٌ فِي أَوْجَهِ الْوَجْهَيْنِ وَلَهُ تَنْفِيذُ حُكْمِ بَعْضِهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَنْفُذُ لِأَنَّ الْقَاضِي أَسِيرُ الْبَيِّنَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ تُهْمَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ (وَيَحْكُمُ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ) مُسْتَقِلٌّ إذْ لَا تُهْمَةَ (وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) كَبَقِيَّةِ الْحُكَّامِ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ مِنْ نَائِبِهِ لِلتُّهْمَةِ.
(وَإِذَا) ادَّعَى عِنْدَهُ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ أَوْ بِعَيْنٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ (أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي) أَوْ أَوْ حَلَفَ مِنْ غَيْرِ نُكُولٍ بِأَنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ لِنَحْوِ لَوْثٍ أَوْ إقَامَةِ شَاهِدٍ مَعَ إرَادَةِ الْحَلِفِ مَعَهُ (وَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ) سَأَلَ (الْحُكْمَ) لَهُ عَلَيْهِ (بِمَا ثَبَتَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ) (لَزِمَهُ) إجَابَتُهُ لِمَا ذُكِرَ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْإِشْهَادَ لِيَكُونَ حُجَّةً لَهُ فَلَا يُطَالِبُهُ مَرَّةً أُخْرَى وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُنْكِرُ بَعْدُ فَيَفُوتُ الْحَقُّ لِنَحْوِ نِسْيَانِ الْقَاضِي أَوْ انْعِزَالِهِ، وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ وَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِقَبُولِهَا لَزِمَهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَ الْبَيِّنَةِ وَإِثْبَاتَ حَقِّهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ سَأَلَ مَا إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ لِامْتِنَاعِ الْحُكْمِ لِلْمُدَّعِي قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ فِيهِ كَامْتِنَاعِهِ قَبْلَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ إلَّا فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ وَصِيغَةُ الْحُكْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ النَّفْسَانِيُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَايَةِ حَكَمْت أَوْ قَضَيْت لَهُ بِهِ أَوْ أَنَفَذْت الْحُكْمَ بِهِ أَوْ أَلْزَمْت خَصْمَهُ الْحَقَّ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إذَا عُدِّلَتْ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا طَلَبَهُ قَالَ لِخَصْمِهِ أَلَك دَافِعٌ فِي هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَوْ قَادِحٌ، فَإِنْ قَالَ لَا أَوْ نَعَمْ وَلَمْ يُثْبِتْهُ حَكَمَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا أَوْ صَحَّ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مُتَوَقِّفًا عَلَى الدَّعْوَى سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّابِتُ الْحَقَّ أَمْ سَبَبَهُ، فَإِنْ صَرَّحَ بِالثُّبُوتِ كَانَ حُكْمًا بِتَعْدِيلِهَا وَسَمَاعِهَا فَلَا يَحْتَاجُ حَاكِمٌ آخَرُ إلَى النَّظَرِ فِيهَا، وَأَفَادَ الشَّيْخُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي وَقْفُ هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَمُ الْبُلْقِينِيُّ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ حَارَبَ) أَيْ الذِّمِّيُّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّ الْكَسْبَ الْحَاصِلَ قَبْلَ الْعِتْقِ لِلرَّقِيقِ وَالْكَسْبَ الْحَاصِلَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الْإِشْهَادِ وَالْحُكْمِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
مَا لَوْ حَكَمَ لَهُ بِدَيْنٍ ثَبَتَ بِمُعَامَلَتِهِ فَلَا يَصِحُّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَالتُّهْمَةُ فِي حَقِّهِ) أَيْ الْوَصِيِّ أَقْوَى: أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّحْنَا حُكْمَهُ فَالْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَوْلَى (قَوْلُهُ: لِمَنْ وَرِثَ مُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ إلَخْ) أَيْ لِقَاضِي وَرِثَ عَبْدًا مُوصًى بِمَنْفَعَتِهِ لِآخَرَ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَسْبِ فَمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ الَّذِي هُوَ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ كَمَا تَقَرَّرَ مَعْمُولٌ لِوَرِثَ (قَوْلُهُ: وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ.
(قَوْلُهُ: كَامْتِنَاعِهِ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ النَّفْسَانِيُّ) أَخَذَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ بِنَفْسِهِ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِنَقْضِ الْمُخَالِفِ.
قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَعْدَ حُكْمِ الْمُخَالِفِ يُقْبَلُ ادِّعَاؤُهُ ذَلِكَ الْحُكْمَ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ.
قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَشْهَدَ بِهِ قَبْلَ حُكْمِ الْمُخَالِفِ لَمْ يُعْتَدَّ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ وَإِلَّا اعْتَدَّ بِهِ اهـ.
فَالشِّهَابُ مُوَافِقٌ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي تَأْثِيرِ الْحُكْمِ النَّفْسَانِيِّ فِي رَفْعِهِ الْخِلَافَ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَظَرَ فِي كَلَامِهِ مِنْ جِهَةِ قَبُولِ قَوْلِ الْقَاضِي حَكَمْتُ فِي نَفْسِي مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ (قَوْلُهُ: حَكَمَ عَلَيْهِ) أَيْ وَإِنْ وَجَدَ فِيهَا رِيبَةً لَيْسَ لَهَا مُسْتَنَدٌ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ
(8/257)
عَلَى الْفُقَرَاءِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُ الشَّاهِدِ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ ثُبُوتِ سَبَبِهِ كَوَقْفِ فُلَانٍ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ فِي شُرُوطِهِ، وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَلَا حَلِفٍ فِي نَحْوِ غَائِبٍ، بِخِلَافِ تَنْفِيذِ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فِيهَا فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَالْأَقْرَبُ جَوَازُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمُنَفِّذِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ عِنْدَنَا وَإِلَّا كَانَ إثْبَاتًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي بَابِ الْهِبَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَالْأَوَّلُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ الْمَوْجُودَةَ وَالتَّابِعَةَ لَهَا: بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ فَقَطْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِمِلْكِ الْعَاقِدِ مَثَلًا، وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَذَا إلَّا بِحُجَّةٍ تُفِيدُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَلَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ اسْتَنَدَ لِحُجَّةٍ أَوْ لَا حَمَلْنَا حُكْمَهُ عَلَى الِاسْتِنَادِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِي قَاضٍ مَوْثُوقٍ بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ كَكُلِّ حُكْمٍ أُجْمِلَ وَلَمْ يُعْلَمْ اسْتِيفَاؤُهُ لِشُرُوطِهِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا مِمَّنْ ذُكِرَ (أَوْ) سَأَلَهُ الْمُدَّعِي وَمِثْلُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ (أَنْ يَكْتُبَ لَهُ) بِقِرْطَاسٍ أَحْضَرَهُ مِنْ عِنْدِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (مَحْضَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ (بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ) لِأَنَّهُ يَذْكُرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِالشُّهُودِ دُونَ الْكِتَابِ (وَقِيلَ يَجِبُ) تَوْثِقَةً لِحَقِّهِ، نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَتْ الْحُكُومَةُ بِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَجَبَ التَّسْجِيلُ جَزْمًا، وَأَلْحَقَ بِهِمَا الزَّرْكَشِيُّ الْغَائِبَ وَنَحْوَ الْوَقْفِ مِمَّا يُحْتَاطُ لَهُ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمَحْضَرَ مَا تُحْكَى فِيهِ وَاقِعَةُ الدَّعْوَى وَالْجَوَابُ وَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ بِلَا حُكْمٍ، وَالسِّجِلُّ مَا تَضَمَّنَ إشْهَادَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِكَذَا أَوْ نَفَّذَهُ (وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ) أَيْ كِتَابَتُهُمَا (إحْدَاهُمَا) تُدْفَعُ (لَهُ) بِلَا خَتْمٍ (وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ) مَخْتُومَةً وَيُكْتَبُ عَلَيْهَا اسْمُ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْخَصْمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ طَرِيقُ التَّذَكُّرِ لَوْ ضَاعَتْ تِلْكَ.
(وَإِذَا) (حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ) وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ (ثُمَّ بَانَ) كَوْنُ مَا حَكَمَ بِهِ (خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ) الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ الْآحَادِ (أَوْ) بَانَ خِلَافَ (الْإِجْمَاعِ) وَمِنْهُ مَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ (أَوْ) خِلَافُ (قِيَاسٍ جَلِيٍّ) وَهُوَ مَا يَعُمُّ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِيَ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ: أَيْ قَطْعًا، فَلَا نَظَرَ لِمَا بَنَوْهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّقْضِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ قَالَ بِهَا غَيْرُهُمْ بِأَدِلَّةٍ عِنْدَهُمْ.
قَالَ السُّبْكِيُّ: أَوْ خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ لِأَنَّهَا كَالْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ (نَقَضَهُ) وُجُوبًا أَيْ أَظْهَرَ بُطْلَانَهُ وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ (هُوَ وَغَيْرُهُ) بِنَحْوِ نَقَضْته أَوْ فَسَخْته أَوْ أَبْطَلْته (لَا) مَا بَانَ خِلَافَ قِيَاسِ (خَفِيٍّ) وَهُوَ مَا لَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ كَقِيَاسِ الذُّرَةِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ فَلَا يَنْقُضُهُ بِاحْتِمَالِهِ (وَالْقَضَاءُ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْقَاضِي بِالْوِلَايَةِ فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ، بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ تَنْفِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا) فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ كَاذِبَيْنِ ظَاهِرُهُمَا الْعَدَالَةُ لَا يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا لِمَالٍ، وَلَا لِبَضْعٍ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ) أَيْ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَنَحْوُ الْوَقْفِ) كَالْوَصِيَّةِ وَالْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ.
(قَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ) أَيْ أَقْدَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ حُكْمًا) أَيْ فَلَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ (قَوْلُهُ: كَوَقْفِ فُلَانٍ) هُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ: أَوْ فَائِدَتُهُ تَأْكِيدُ حُكْمِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْ الْمَنْفَذِ) أَيْ وَلِهَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوَى (قَوْلُهُ: إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحُكْمِ) أَيْ بِأَنْ يَتَقَدَّمَهُ دَعْوَى وَطَلَبٌ مِنْ الْخَصْمِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ (قَوْلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ) أَيْ بِالصِّحَّةِ
(قَوْلُهُ: فِيمَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ بِخِلَافِ ظَاهِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ إنْشَاءً بِأَنْ كَانَ إمْضَاءً لِمَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ (قَوْلُهُ: أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ) أَيْ أَبْلَغُ وَأَعْلَمُ
(8/258)
لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» وَخَبَرُ «أُمْرِنَا بِاتِّبَاعِ الظَّوَاهِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ» لَكِنْ قَالَ الْمِزِّيُّ بِكَسْرِ الْمِيمِ: لَا أَعْرِفُهُ، وَيَلْزَمُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ كَاذِبٍ الْهَرَبُ، بَلْ وَالْقَتْلُ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ كَالصَّائِلِ عَلَى الْبَضْعِ، وَلَا نَظَرَ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَتَهُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّبِيِّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ.
أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلُّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ كَالتَّسْلِيطِ عَلَى الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى أَصْلٍ كَاذِبٍ كَشَهَادَةِ زُورٍ فَكَالْأَوَّلِ أَوْ صَادِقٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ نَفَذَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَالْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ نَفَذَ ظَاهِرًا قَطْعًا وَبَاطِنًا عَلَى الْأَصَحِّ، نَعَمْ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ نِكَاحِ زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَمُدَّةِ الْعِدَّةِ أَوْ نَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَنَفْيِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَمَنْعِ الْقِصَاصِ فِي الْمُثَقَّلِ وَصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَصِحَّةِ نِكَاحِ الشِّغَارِ وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَحُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ وَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ وَتَوْرِيثٍ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ بِاسْتِحْسَانِ فَاسِدٍ اسْتِنَادًا لِعَادَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ أَوْ عَلَى خِلَافِ الدَّلِيلِ نُقِضَ قَضَاؤُهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ.
وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
(وَلَا يَقْضِي) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ (بِخِلَافِ عِلْمِهِ) أَيْ ظَنِّهِ الْمُؤَكَّدِ (بِالْإِجْمَاعِ) كَمَا لَوْ شَهِدَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ بِرِقٍّ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ مِلْكِ مَنْ يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ أَوْ بَيْنُونَتَهَا أَوْ عَدَمَ مِلْكِهِ لِأَنَّهُ قَاطِعٌ بِبُطْلَانِ الْحُكْمِ بِهِ حِينَئِذٍ، وَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِعِلْمِهِ لِمُعَارَضَتِهِ بِالْبَيِّنَةِ مَعَ عَدَالَتِهَا ظَاهِرًا (وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُجْتَهِدُ وُجُوبًا الظَّاهِرُ التَّقْوَى وَالْوَرَعُ نَدْبًا (يَقْضِي بِعِلْمِهِ) إنْ شَاءَ: أَيْ بِظَنِّهِ الْمُؤَكَّدِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ، وَإِنْ اسْتَفَادَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ كَأَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَهُ بِمَالٍ وَقَدْ رَآهُ أَقْرَضَهُ إيَّاهُ أَوْ سَمِعَهُ يُقِرُّ بِهِ لَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِبْرَاءَ وَغَيْرَهُ، وَلَوْ سَمِعَ دَائِنًا أَبْرَأَ مَدِينَهُ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ مَعَ إبْرَائِهِ دَيْنُهُ بَاقٍ عَلَيَّ عَمِلَ بِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْعِلْمِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْمُتَأَخِّرَ عَنْ الْإِبْرَاءِ رَافِعٌ لَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسْتَنَدِهِ فَيَقُولُ عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيْك مَا ادَّعَاهُ وَقَضَيْت أَوْ حَكَمْت عَلَيْك بِعِلْمِي، فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ عُلِّلَ بِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً وَيَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّقْوِيمِ قَطْعًا، وَكَذَا عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِمَجْلِسِهِ: أَيْ وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ، لَكِنَّهُ قَضَاءٌ بِالْإِقْرَارِ دُونَ الْعِلْمِ، فَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ قَضَاءً بِالْعِلْمِ، وَلَوْ رَأَى وَحْدَهُ هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَى بِهِ قَطْعًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِهِ بِوَاحِدٍ، أَمَّا قَاضِي الضَّرُورَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ حَتَّى لَوْ قَالَ قَضَيْت بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ أَوْجَبَتْ الْحُكْمَ بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: بَلْ وَالْقَتْلُ) وَمِثْلُهُ مَنْ عَرَفَتْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى زَوْجِهَا وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْخَلَاصُ مِنْهُ (قَوْلُهُ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَوْ بِسُمٍّ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا (قَوْلُهُ: فَكَالْأَوَّلِ) أَيْ كَالْمُخَالِفِ لِلنَّصِّ الَّذِي يَنْقُضُهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ قَضَى قَاضٍ) كَانَ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقُولَ: وَمِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ لِمُخَالَفَتِهِ مَا مَرَّ مَا لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحٍ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: بَاقٍ عَلَيَّ عَمَلٌ بِهِ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَابُ حَادِثَةٍ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ شَخْصًا لَهُ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَأَقَرَّ الدَّائِنُ بِوُصُولِ حَقِّهِ لَهُ مِنْ الْمَدِينِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ، ثُمَّ بَلَغَ الْمَدِينَ ذَلِكَ فَقَالَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَإِنَّهُ أَقَرَّ تَجَمُّلًا مَعَ بَقَاءِ حَقِّهِ بِذِمَّتِي وَأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مِنِّي شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمَدِينِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الدَّائِنِ وَصَلَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ مَثَلًا، أَوْ إنْ وَصَلَنِي عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَعَدَ بِالْإِيصَالِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: رَافِعٌ لَهُ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلِاعْتِرَافِ مِنْ الْمَدِينِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَيَّ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَمَّا مَا بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ إنْشَاءً كَالتَّسْلِيطِ عَلَى الشُّفْعَةِ الْآتِي (قَوْلُهُ: ثَانِيًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمُقْسِمُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ اسْتَفَادَهُ) أَيْ الْعِلْمَ (قَوْلُهُ أَبْرَأَ مَدِينَهُ) وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَقَدْ أَخَذَهُ مِنْهُ شَيْخُنَا فِي حَادِثَةٍ حَكَاهَا فِي حَوَاشِيهِ (قَوْلُهُ: فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ) لَعَلَّهُ مِثَالٌ (قَوْلُهُ رَافِعٌ لَهُ) قَالَ شَيْخُنَا فِي حَوَاشِيهِ: لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلِاعْتِرَافِ مِنْ الْمَدِينِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ، أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ دَيْنَهُ ثَابِتٌ عَلَيَّ: أَيْ نَظِيرُهُ بِأَنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَالْبَرَاءَةُ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا تَرْتَفِعُ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ) يَعْنِي مُطْلَقَ قَاضٍ فِي أَيِّ حُكْمٍ كَانَ كَمَا مَرَّ
(8/259)
وَطُلِبَ مِنْهُ بَيَانُ مُسْتَنَدِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَدَدْنَاهُ وَلَمْ نَعْمَلْ بِهِ كَمَا أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ (إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) كَحَدِّ زِنًا وَمُحَارَبَةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ شُرْبٍ، وَكَذَا تَعَازِيرُهُ لِسُقُوطِهَا بِالشُّبْهَةِ مَعَ نَدْبِ سَتْرِهَا فِي الْجُمْلَةِ، نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا عَزَّرَهُ وَإِنْ كَانَ قَضَاءً بِالْعِلْمِ، وَقَدْ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، كَمَا إذَا عَلِمَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ أَظْهَرَ الرِّدَّةَ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمُوجِبِ ذَلِكَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَكَمَا إذَا اعْتَرَفَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِمُوجِبِ حَدٍّ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ فَيَقْضِي فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَكَمَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ، أَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ فَيَقْضِي فِيهَا سَوَاءٌ الْمَالُ وَالْقَوَدُ وَحَدُّ الْقَذْفِ.
(وَلَوْ) (رَأَى) إنْسَانٌ (وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ) عَلَيْهِ أَوْ أَخْبَرَهُ (شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْت أَوْ شَهِدْت بِهَذَا) (لَمْ يَعْمَلْ بِهِ) الْقَاضِي (وَلَمْ يَشْهَدْ) بِهِ الشَّاهِدُ أَيْ لَا يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ذَلِكَ (حَتَّى يَتَذَكَّرَ) الْوَاقِعَةَ مُفَصَّلَةً، وَلَا يَكْفِيهِ بِذِكْرِهِ هَذَا خَطُّهُ فَقَطْ لِاحْتِمَالِ التَّزْوِيرِ وَالْغَرَضُ عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَمْ يُوجَدْ وَخَرَجَ بِيَعْمَلُ بِهِ عَمَلَ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ بِحُكْمِهِ (وَفِيهِمَا وَجْهٌ) إذَا كَانَ الْحُكْمُ وَالشَّهَادَةُ مَكْتُوبَيْنِ (فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا) وَوَثِقَ بِأَنَّهُ خَطُّهُ وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ فِيهِ رِيبَةٌ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْفَرْقِ لِاحْتِمَالِ الرِّيبَةِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى جَوَازِ اعْتِمَادِهِ لِلْبَيِّنَةِ فِيمَا لَوْ نَسْي نُكُولَ الْخَصْمِ، لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْوَصْفِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالنُّكُولِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأَفَادَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ قَضَائِهِ يَكْتُبُ عَلَى مَا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ بِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ مَالِكُهُ وَيَأْمُرْ بِأَنْ لَا يُعْطَى لَهُ بَلْ يَحْفَظُ فِي دِيوَانِ الْحُكْمِ لِيَرَاهُ كُلُّ قَاضٍ.
(وَلَهُ) (الْحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى) إخْبَارِ عَدْلٍ وَعَلَى (خَطِّ) نَفْسِهِ عَلَى الْمُرَجَّحِ وَعَلَى نَحْوِ خَطِّ مُكَاتَبِهِ وَمَأْذُونِهِ وَوَكِيلِهِ وَشَرِيكِهِ وَ (مُورَثِهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ) بِحَيْثُ انْتَفَى عَنْهُ احْتِمَالُ تَزْوِيرِهِ (وَأَمَانَتِهِ) بِأَنْ عَلِمَ مِنْهُ عَدَمَ التَّسَاهُلِ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ اعْتِضَاضًا بِالْقَرِينَةِ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ مِثْلَهُ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيَّ كَذَا سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِدَفْعِهِ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَى نَفْيِهِ وَفَارَقَتْ مَا قَبْلَهَا بِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَامٌّ بِخِلَافِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِنَفْسِهِ (وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِخَطٍّ) كَتَبَهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ قِرَاءَةً وَلَا سَمَاعًا وَلَا إجَازَةً (مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ) أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ لِأَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ وَلِهَذَا عَمِلَ بِهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَلَوْ رَأَى خَطَّ شَيْخِهِ لَهُ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَعَرَفَهُ جَازَ اعْتِمَادُهُ أَيْضًا.
وَالثَّانِي الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ كَالشَّهَادَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ نَظِيرُهُ بِأَنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مِثْلُهُ، وَإِلَّا فَالْبَرَاءَةُ بَعْدَ وُقُوعِهَا لَا تَرْتَفِعُ (قَوْلُهُ: لَزِمَهُ ذَلِكَ) أَيْ عِلْمُهُ (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعَ) أَيْ مِنْ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ إلَخْ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ أَدَبَهُ عَلَيْهِ إلَخْ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ تَكْرَارًا لِأَنَّ مَا هُنَا قَصَدَ بِهِ بَيَانَ الْحُكْمِ وَمَا تَقَدَّمَ سِيقَ لِمُجَرَّدِ الْفَرْقِ (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ مُوجِبُ الْحَدِّ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ: يَكْتُبُ عَلَى مَا ظَهَرَ بُطْلَانُهُ) أَيْ فَيَنْبَغِي لِمَنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْقُضَاةِ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى خَطِّ نَفْسِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ (قَوْلُهُ بِأَنَّ خَطَرَهُمَا عَامٌّ) أَيْ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِهَا) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَهُ الْحَلِفُ عَلَى إلَخْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: نَعَمْ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ مَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا عَزَّرَهُ) ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (قَوْلُهُ: وَكَمَا إذَا ظَهَرَ) أَيْ مُوجِبُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ) لَكِنَّ الْحُكْمَ هُنَا لَيْسَ بِالْعِلْمِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ قَرِيبًا
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ شَهِدْت بِهَذَا) أَيْ تَحَمَّلْتُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
(8/260)
(فَصْلٌ) فِي التَّسْوِيَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا (لِيُسَوِّ) وُجُوبًا (بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) وَإِنْ وَكَّلَا، وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَثِيرًا مِنْ التَّوْكِيلِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ وَرْطَةِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ جَهْلٌ قَبِيحٌ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي مَجْلِسٍ أَرْفَعَ وَوَكِيلَاهُمَا فِي مَجْلِسٍ أَدْوَنَ أَوْ جَلَسَا مُسْتَوِيَيْنِ وَقَامَ وَكِيلَاهُمَا مُسْتَوِيَيْنِ جَازَ كَمَا بَحَثَهُ الْبَغَوِيّ (فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُمَا فِيهِ مَعًا لَا لِأَحَدِهِمَا فَقَطْ وَلَا قَبْلَ الْآخَرِ (وَقِيَامٍ لَهُمَا) أَوْ تَرْكِهِ (وَاسْتِمَاعٍ) لِكَلَامِهِمَا وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا (وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ) أَوْ عُبُوسِهِ (وَجَوَابِ سَلَامٍ) إنْ سَلَّمَا (وَمَجْلِسٍ) بِأَنْ يُقَرِّبَهُمَا إلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ أَوْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَالْأَوْلَى أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الرُّكَبِ لِأَنَّهُ أَهْيَبُ، إلَّا الْمَرْأَةَ فَالْأَوْلَى فِي حَقِّهَا التَّرَبُّعُ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَيُبْعِدُ الرَّجُلَ عَنْهَا. وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤْثِرَ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَازِحَهُ وَإِنْ شَرُفَ بِعِلْمٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِكَسْرِ قَلْبِ الْآخَرِ وَإِضْرَارِهِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُ الْقِيَامِ لِشَرِيفٍ وَوَضِيعٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْقِيَامَ لِأَجْلِ الشَّرِيفِ وَلَوْ قَامَ لِمَنْ لَمْ يَظُنَّهُ مُخَاصِمًا فَتَبَيَّنَ لَهُ حَالُهُ، بِخِلَافِ ذَلِكَ قَامَ لِخَصْمِهِ أَوْ اعْتَذَرَ لَهُ، أَمَّا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لِلْآخَرِ سَلِّمْ وَاغْتُفِرَ هَذَا التَّكَلُّمُ بِأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ قَاطِعًا لِلرَّدِّ لِذَلِكَ أَوْ يَصْبِرَ حَتَّى يُسَلِّمَ فَيُجِيبَهُمَا جَمِيعًا وَيُغْتَفَرُ طُولُ الْفَصْلِ لِلضَّرُورَةِ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ وَمَجْلِسٍ عَدَمَ تَرْكِهِمَا قَائِمَيْنِ وَهُوَ الْأَوْلَى، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَهُمَا قَائِمَانِ
(وَالْأَصَحُّ) (رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبَارِزِيِّ وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَا يُنَافِيهِ تَعْبِيرُ مَنْ عَبَّرَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَنْعٍ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ كَمَا هِيَ الْقَاعِدَةُ الْأَكْثَرِيَّةُ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ، وَفِي مُخَاصَمَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِيَهُودِيٍّ فِي دِرْعٍ بَيْنَ يَدَيْ نَائِبِهِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا ارْتَفَعَ عَلَى الذِّمِّيِّ لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا لَقَعَدْت بَيْنَ يَدَيْك، وَلَكِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجَالِسِ» وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إيثَارُ الْمُسْلِمِ فِي سَائِرِ وُجُوهِ الْإِكْرَامِ: أَيْ حَتَّى فِي التَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قَلَّتْ الْخُصُومُ الْمُسْلِمُونَ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِكَثْرَةِ ضَرَرِ التَّأْخِيرِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ
(وَإِذَا جَلَسَا) أَوْ قَامَا بَيْنَ يَدَيْهِ (فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ) لِئَلَّا يُتَّهَمَ (وَ) لَهُ (أَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّم الْمُدَّعِي) مِنْكُمَا لِأَنَّهُمَا رُبَّمَا هَابَاهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَ الْمُدَّعِي قَالَ لَهُ تَكَلَّمْ
(فَإِذَا) (ادَّعَى) دَعْوَةً صَحِيحَةً (طَالَبَ) جَوَازًا (خَصْمَهُ بِالْجَوَابِ) بِنَحْوِ اُخْرُجْ مِنْ دَعْوَاهُ وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[فَصْلٌ فِي التَّسْوِيَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا]
(فَصْلٌ) فِي التَّسْوِيَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا (قَوْلُهُ وَنَظَرٍ إلَيْهِمَا) أَيْ إذَا اتَّفَقَ أَنَّهُ نَظَرَ لِأَحَدِهِمَا فَلْيَنْظُرْ لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَعْلَمُ) أَيْ الْوَضِيعُ (قَوْلُهُ: وَيُغْتَفَرُ طُولُ الْفَصْلِ) وَبَقِيَ مَا لَوْ عَلِمَ مِنْ الثَّانِي عَدَمَ السَّلَامِ بِالْمَرَّةِ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ سَلِّمْ لِأُجِيبَكُمَا أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ
(قَوْلُهُ: لَوْ كَانَ خَصْمِي مُسْلِمًا) لَعَلَّ حِكْمَةَ قَوْلِهِ ذَلِكَ إظْهَارُ شَرَفِ الْإِسْلَامِ وَمُحَافَظَةِ أَهْلِهِ عَلَى الشَّرْعِ لِيَكُونَ سَبَبًا لِإِسْلَامِ الذِّمِّيِّ وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ خِلَافُهُ) أَيْ فَيُقَدَّمُ الذِّمِّيُّ إنْ سَبَقَ وَإِلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَصْلٌ) فِي التَّسْوِيَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا (قَوْلُهُ بِأَنْ يَقْرَبَهُمَا إلَيْهِ عَلَى السَّوَاءِ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: بِأَنْ يَكُونَ قُرْبُهُمَا إلَيْهِ فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ انْتَهَتْ. وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ كَالشَّارِحِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَنْ يَكُونَا بَيْنَ يَدَيْهِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ، لَكِنَّ صَدْرَ عِبَارَتِهِ أَصْوَبُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا (قَوْلُهُ: وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ) مَعْطُوفٌ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ
(قَوْلُهُ: كَمَا هِيَ الْقَاعِدَةُ الْأَكْثَرِيَّةُ) لَا مَوْقِعَ لِهَذَا بَعْدَ تَعْبِيرِهِ بِيَصْدُقُ بَلْ يُفِيدُ خِلَافَ الْمُرَادِ
(8/261)
لَمْ يَسْأَلْهُ الْمُدَّعِي لِيَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هُنَا عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِيهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ آخَرُ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْخَصْمُ طَالِبْهُ لِي بِجَوَابِ دَعْوَايَ فَالْمُتَّجَهُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِلَّا لَزِمَ بَقَاؤُهُمَا مُتَخَاصِمَيْنِ وَإِذًا أَثِمَ بِدَفْعِهِمَا عَنْهُ فَكَذَا بِهَذَا لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ (فَإِنْ أَقَرَّ) حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (فَذَاكَ) ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ لِثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ لِوُضُوحِ دَلَالَتِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَتْ صُورَةُ الْإِقْرَارِ مُخْتَلَفًا فِيهَا اُحْتِيجَ لِلْحُكْمِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ لِعَوْدِ النَّفْعِ لَهُمَا وَأَنْ يَشْفَعَ لَهُ إنْ ظَنَّ قَبُولَهُ لَا عَنْ حَيَاءٍ أَوْ خَوْفٍ وَإِلَّا أَثِمَ (وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ) لِخَبَرٍ مُسَلَّمٍ بِهِ أَوْ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِك إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهِ أَمِينًا أَوْ فِي قَسَامَةٍ أَوْ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ قَالَ لَهُ أَتَحْلِفُ (وَ) لَهُ (أَنْ يَسْكُتَ) وَهُوَ الْأَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مَيْلُهُ لِلْمُدَّعِي، نَعَمْ لَوْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَسْكُتْ بَلْ يَجِبُ إعْلَامُهُ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنْ عَلِمَ عِلْمَهُ بِذَلِكَ فَالسُّكُوتُ أَوْلَى إنْ شَكَّ فَالْقَوْلُ أَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ إعْلَامُهُ اهـ. وَلَوْ عَبَّرَ بِالْحُجَّةِ بَدَلَ الْبَيِّنَةِ كَانَ أَوْلَى، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ تَعْلِيمُ الْمُدَّعِي كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَلَا الشَّاهِدِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ لِقُوَّةِ الْإِيهَامِ لِذَلِكَ، فَإِنْ تَعَدَّى وَفَعَلَ فَأَدَّى الشَّهَادَةَ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِهِ، قَالَهُ الْغَزِّيِّ
(فَإِنْ) (قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ) (فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إنْ تَوَرَّعَ وَأَقَرَّ سَهُلَ الْأَمْرُ وَإِلَّا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ لِتَشْتَهِرَ خِيَانَتُهُ وَكِذْبُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ مُتَصَرِّفًا عَنْ غَيْرِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِنَحْوِ سَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ تَعَيَّنَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِئَلَّا يَحْتَاجَ الْأَمْرُ لِلدَّعْوَى بَيْنَ يَدَيْ مَنْ لَا يَرَى الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ، وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا
(قَوْلُهُ: وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هُنَا إلَخْ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: عَدَمُ لُزُومِ ذَلِكَ) قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ نَعَمْ لَوْ جَهِلَ الْمُدَّعِي أَنَّ لَهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ إلَخْ مَجِيءُ مِثْلِهِ هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ الْآتِي، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ كَوْنَهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْجَوَابُ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ نَصَّبَ نَفْسَهُ لِلْخُصُومَةِ وَالدَّعْوَى (قَوْلُهُ: فَكَذَا بِهَذَا) أَيْ بَعْدَ سُؤَالِهِ جَوَابَ الْخَصْمِ (قَوْلُهُ: وَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: لِعَوْدِ النَّفْعِ لَهُمَا) أَيْ بِأَنْ تَكَلَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ جَهْلًا مِنْهُ بِمَا يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الدَّعْوَى مَثَلًا أَوْ يَقْتَضِي ثُبُوتًا بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْخَصْمِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ الْحَقَّ لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِتَصْحِيحِ الدَّعْوَى وَفَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: إنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِهِمَا) أَيْ بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَالًا (قَوْلُهُ: وَإِنْ عَلِمَ جَهْلَهُ بِهِ وَجَبَ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: كَانَ أَوْلَى) لِشُمُولِهِ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ (قَوْلُهُ: فَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ) أَيْ أَوْ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَيْضًا
(قَوْلُهُ: تَعَيَّنَتْ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ) أَيْ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَحْتَاجَ الْأَمْرُ لِلدَّعْوَى إلَخْ) فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ (قَوْلُهُ: وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي) يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ قَدْ يُجَابُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَأَنْ طَلَبَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
فَالصَّوَابُ حَذْفُهُ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ لَمْ يُعَبِّرْ بِيَصْدُقُ كَشَرْحِ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ: أَوْ حُكْمًا) أَيْ بِأَنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ، لَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَتْنِ لِأَنَّ الْحَلِفَ الْمَذْكُورَ بَعْدَ النُّكُولِ مِنْ تَفَارِيعِ الْإِنْكَارِ الْآتِي الَّذِي جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ قَسِيمَ الْإِقْرَارِ، فَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْإِقْرَارَ الْحَقِيقِيَّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ) قَالَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ: يَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِحُكْمٍ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْحُكْمِ. قَالَ: لَا يُقَالُ لَا فَائِدَةَ لَهُ لِأَنَّا نَمْنَعُ ذَلِكَ، بَلْ مِنْ فَوَائِدِهِ أَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي مُوجِبِ الْإِقْرَارِ، فَفِي الْحُكْمِ دَفْعُ الْمُخَالِفِ عَنْ الْحُكْمِ بِنَفْيِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهَذَا غَيْرُ الْإِقْرَارِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ ثَمَّ فِي نَفْسِ الْإِقْرَارِ وَكَلَامُنَا فِي الِاخْتِلَافِ فِي بَعْضِ مَوَاجِبِهِ اهـ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْحُكْمِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ ثُبُوتُ الْحَاجَةِ لِلْحُكْمِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَلَهُ الدَّفْعُ) يَعْنِي دَفْعَ الْمَالِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ كَانَ مُتَصَرِّفًا عَنْ غَيْرِهِ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ لِلْمُدَّعِي (قَوْلُهُ: وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُدَّعِي) فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَطْلُبُ الْقَاضِيَ الْأَصِيلَ مَثَلًا وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُجَابُ
(8/262)
فَلَا يَرْفَعُ غَرِيمَهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ بِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَنْفَصِلَ أَمْرُهُ عِنْدَ الْأَوَّلِ (أَوْ) قَالَ (لَا بَيِّنَةَ لِي) وَأَطْلَقَ أَوْ قَالَ لَا حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا زُورٌ (ثُمَّ أَحْضَرَهَا) (قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ) لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ أَوْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِتَحَمُّلِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِقَرْضٍ مَثَلًا فَأَنْكَرَ أَخْذَهُ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ أَرَادَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ قُبِلَتْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ لِجَوَازِ نِسْيَانِهِ حَالَ الْإِنْكَارِ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الْإِيدَاعِ ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَ ذَلِكَ أَوْ رَدَّهُ قَبْلَ الْجَحْدِ، وَلَوْ قَالَ شُهُودِي عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ أَوْ عِتْقٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ آخَرُونَ جَهِلْتَهُمْ أَوْ نَسِيتهمْ قُبِلُوا وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَا لِلْمُنَاقَضَةِ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلًا كَكُنْتُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا
(وَإِنْ) (ازْدَحَمَ خُصُومٌ) أَيْ مُدَّعُونَ (قُدِّمَ) وُجُوبًا (الْأَسْبَقُ) فَالْأَسْبَقُ الْمُسْلِمُ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ وَالِاعْتِبَارُ بِسَبْقِ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَصْلُ الْخُصُومَةِ، وَبَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ مُدَّعٍ وَحْدَهُ ثُمَّ مُدَّعٍ مَعَ خَصْمِهِ ثُمَّ خَصْمُ الْأَوَّلِ قُدِّمَ مَنْ جَاءَ مَعَ خَصْمِهِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ خَصْمَ الْأَوَّلِ إنْ حَضَرَ قَبْلَ دَعْوَى الثَّانِي قُدِّمَ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ، أَوْ بَعْدَهَا فَتَقْدِيمُ الثَّانِي هُنَا لَيْسَ إلَّا لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَوَّلِ وَقْتَ دَعْوَى الثَّانِي غَيْرُ مُمْكِنٍ لِبُطْلَانِ حَقِّ الْأَوَّلِ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَيْسَتْ مُرَادَةً لِلشَّيْخَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ الْمَسْبُوقُ كَمَا بَحَثَهُ أَيْضًا وَسَبَقَهُ لَهُ الْفَزَارِيّ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ فَصْلُهَا فَيُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ كَمُدَرِّسٍ وَمُفْتٍ فِي عِلْمٍ غَيْرِ فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ فِي فَرْضِ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ وَجَبَ تَقْدِيمُ السَّابِقِ وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ (فَإِنْ جَهِلَ) السَّابِقَ (أَوْ جَاءُوا مَعًا أَقْرَعَ) لِانْتِفَاءِ الْمُرَجِّحِ وَمِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ أَسْمَاءَهُمْ بِرِقَاعٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذَ رُقْعَةً رُقْعَةً فَكُلُّ مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ قَدَّمَهُ، وَالْأَوْلَى لَهُمْ تَقْدِيمُ مَرِيضٍ يَتَضَرَّرُ بِالتَّأْخِيرِ، فَإِنْ امْتَنَعُوا قَدَّمَهُ إنْ كَانَ مَطْلُوبًا لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ (وَيُقَدَّمُ) نَدْبًا (مُسَافِرُونَ) أَيْ مُرِيدُونَ لِلسَّفَرِ وَإِنْ كَانَ قَصِيرًا (مُسْتَوْفِزُونَ) مُدَّعُونَ أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَضَرَّرُوا بِالتَّأْخِيرِ عَنْ رُفَقَائِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
الْأَصْلَ وَالْمُدَّعِي غَيْرُهُ أَوْ سَبَقَ الطَّالِبُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى مَا مَرَّ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ نَصَّبَ قَاضِيَيْنِ إلَخْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ إلَخْ فَلَا يَرْفَعُ غَرِيمُهُ إلَّا لِمَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ ادَّعَى تَلَفَ ذَلِكَ) أَيْ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ) وَهِيَ سَنَةٌ
(قَوْلُهُ: وَيُرَدُّ بِأَنَّ خَصْمَ الْأَوَّلِ) أَيْ فَيُقَدَّمُ مَنْ جَاءَ أَوَّلًا حَيْثُ حَضَرَ خَصْمُهُ قَبْلَ دَعْوَى الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكَافِرُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ إلَخْ: أَيْ مُسْلِمُونَ أَوْ كُفَّارٌ (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُ الْمَسْبُوقُ) أَيْ مَا لَمْ يَكْثُرْ الْمُسْلِمُونَ وَيُؤَدِّ إلَى الضَّرَرِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ فَيُقَدَّمُ الْكَافِرُ ابْتِدَاءً (قَوْلُهُ فِي عِلْمٍ غَيْرِ فَرْضٍ) كَالْعَرُوضِ إنْ قُلْنَا بِسُنِّيَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَجَبَ تَقْدِيمُ السَّابِقِ) أَيْ حَيْثُ تَعَيَّنَ أَخْذًا مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي التَّاجِرِ وَنَحْوِهِ مِنْ السُّوقَةِ، كَذَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الزِّيَادِيِّ. أَقُولُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لِاضْطِرَارِ الْمُشْتَرِي، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنَّ الْخِيرَةَ لَهُ لِأَنَّ الْبَيْعَ مِنْ أَصْلِهِ لَيْسَ وَاجِبًا، بَلْ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ بَيْعِ بَعْضِ الْمُشْتَرِينَ وَيَبِيعَ بَعْضًا، وَيَجْرِي مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ ثُمَّ الْقُرْعَةِ بَيْنَ الْمُزْدَحِمِينَ عَلَى مُبَاحٍ، وَمِنْهُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الِازْدِحَامِ عَلَى الطَّوَاحِينِ بِالرِّيفِ الَّتِي أَبَاحَ أَهْلُهَا الطَّحْنَ بِهَا لِمَنْ أَرَادَ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِكِينَ لَهَا، أَمَّا هُمْ فَيُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّ غَيْرَهُمْ مُسْتَعِيرٌ فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ، أَمَّا الْمَالِكُونَ إذَا اجْتَمَعُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يُقَدَّمُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ جَاءُوا مُتَرَتِّبِينَ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمَنْفَعَةِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ امْتَنَعُوا قَدَّمَهُ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ مَطْلُوبًا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ طَالِبًا لَا يُقَدَّمُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي تَقْدِيمِهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ لَهُ بِالِانْتِظَارِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ طَالِبًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ هَؤُلَاءِ آخَرُونَ جَهِلْتُهُمْ أَوْ نَسِيتهمْ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلُوا، وَقَدْ يُقَالُ هَلَّا قُبِلُوا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْجَهْلِ وَالنِّسْيَانِ نَظِيرُ مَا مَرَّ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْكَافِرُ) كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ قَدَّمَ التَّقْيِيدَ بِالْمُسْلِمِ كَالتُّحْفَةِ فِي مَزْجِ الْمَتْنِ حَتَّى أَخَذَ هَذَا مُحْتَرَزًا لَهُ، أَوْ أَنَّهُ قَيَّدَ بِهِ وَأَسْقَطَتْهُ الْكَتَبَةُ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَتَضَرَّرُوا بِالتَّأْخِيرِ عَنْ رُفَقَائِهِمْ)
(8/263)
(وَنِسْوَةٌ) كَذَلِكَ عَلَى رِجَالٍ وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُ الْخَنَاثَى بِهِنَّ (وَإِنْ تَأَخَّرُوا) لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ (مَا لَمْ يَكْثُرُوا) أَيْ النَّوْعَانِ، وَغَالِبٌ الذُّكُورُ لِشَرَفِهِمْ، فَإِنْ كَثُرُوا أَوْ كَانَ الْجَمِيعُ مُسَافِرِينَ أَوْ نِسْوَةً فَالتَّقْدِيمُ بِالسَّبْقِ أَوْ الْقُرْعَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَعَارَضَ مُسَافِرٌ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهِ أَقْوَى، وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْعَجُوزِ بِالرَّجُلِ مَمْنُوعٌ، وَمَنْ لَهُ مَرِيضٌ بِلَا مُتَعَهِّدٍ يُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالْمَرِيضِ (وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى) وَاحِدَةٍ لِئَلَّا يَزِيدَ ضَرَرُ الْبَاقِينَ، وَيُقَدَّمُ الْمُسَافِرُ بِجَمِيعِ دَعَاوِيهِ إنْ خَفَّتْ بِحَيْثُ لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ إضْرَارًا بَيِّنًا: أَيْ لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِلَّا فَبِدَعْوَى وَاحِدَةٍ وَأَلْحَقَ بِهِ الْمَرْأَةَ
(وَيَحْرُمُ) (اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ) (لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ وَضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ، وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَكْتُبُ الْوَثَائِقَ وَإِنْ تَبَرَّعَ أَوْ رُزِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا اتَّجَهَتْ الْحُرْمَةُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَنُّتِ الْمُعَيَّنِ وَمُغَالَاتِهِ فِي الْأُجْرَةِ وَتَعْطِيلِهِ الْحُقُوقَ أَوْ تَأْخِيرِهَا
(وَإِذَا) شَهِدَ شُهُودٌ) بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ بِحَقٍّ أَوْ تَزْكِيَةٍ (فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا) (عَمِلَ بِعِلْمِهِ) قَطْعًا وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَزْكِيَةٍ وَإِنْ طَلَبَهَا الْخَصْمُ، نَعَمْ لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَصْلَ الْحَاكِمِ أَوْ فَرْعَهُ لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَزْكِيَتُهُ لَهُمَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِمْ شَيْئًا (وَجَبَ) عَلَيْهِ (الِاسْتِزْكَاءُ) أَيْ طَلَبُ مَنْ يُزَكِّيهِمْ وَإِنْ اعْتَرَفَ الْخَصْمُ بِعَدَالَتِهِمْ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، نَعَمْ إنْ صَدَّقَهَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ عَمِلَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْإِقْرَارِ لَا الشَّهَادَةِ، وَلَوْ عَرَفَ عَدَالَةَ مُزَكِّي الْمُزَكَّى فَقَطْ كَفَى وَإِنْ وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مَا يُخَالِفُهُ، وَلَهُ الْحُكْمُ بِسُؤَالِ الْمُدَّعِي عَقِبَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ، وَالْأَوْلَى قَوْلُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَلَك دَافِعٌ فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ لَا، وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَيْثُ طَلَبَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَيُجَابُ مُدَّعٍ طَلَبَ الْحَيْلُولَةِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ وَقَبْلَ التَّزْكِيَةِ، وَلَهُ حِينَئِذٍ مُلَازَمَتُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ، وَبَعْدَ الْحَيْلُولَةِ لَوْ تَصَرَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلِلْحَاكِمِ فِعْلُهَا بِلَا طَلَبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَمَطْلُوبًا (قَوْلُهُ: وَامْرَأَةٌ) أَيْ مُقِيمَةٌ (قَوْلُهُ: قُدِّمَ) وَفِي نُسْخَةٍ اُتُّجِهَ تَقْدِيمُهُ (قَوْلُهُ: وَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ إلْحَاقِ الْعَجُوزِ) أَيْ إذَا كَانَا مُقِيمَيْنِ أَوْ مُسَافِرَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا بَحَثَهُ بِالسَّبْقِ، وَالْمُعْتَمَدُ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَلَوْ عَجُوزًا
(قَوْلُهُ: وَلَوْ عَرَفَ عَدَالَةَ مُزَكِّي الْمُزَكَّى فَقَطْ كَفَى) اُنْظُرْ مَا صُورَتُهُ، وَقَدْ يُصَوَّرُ بِمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَهُمَا فَزَكَّاهُمَا اثْنَانِ وَلَمْ يَعْرِفْ الْقَاضِي حَالَهُمَا أَيْضًا فَزَكَّى الْمُزَكِّينَ آخَرَانِ عَرَفَ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمَا (قَوْلُهُ: حَيْثُ طَلَبَهُ الْمُدَّعِي) ظَاهِرُهُ وُجُوبًا (قَوْلُهُ وَيُجَابُ مُدَّعٍ طَلَبَ الْحَيْلُولَةِ) أَيْ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ (قَوْلُهُ: وَلِلْحَاكِمِ فِعْلُهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِيفَازِ كَافٍ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْمُسَافِرِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ: إلَّا بِدَعْوَى وَاحِدَةٍ) تَرَدَّدَ الْأَذْرَعِيُّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّعْوَى فَصْلُهَا أَوْ مُجَرَّدُ سَمَاعِهَا، وَاسْتَقْرَبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُ عَلَى فَصْلِهَا تَأْخِيرٌ كَأَنْ تَوَقَّفَ عَلَى إحْضَارِ بَيِّنَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ يُسْمَعُ غَيْرُهَا فِي مُدَّةِ إحْضَارِ نَحْوِ الْبَيِّنَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَهُ أَنْ يُعَيِّنَ مَنْ يَكْتُبُ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعَيِّنُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَكْتُبُوا عِنْدَهُ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ الْكَتْبِ عِنْدَ غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَبِدَلِيلِ إيرَادِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ إلَخْ فَهُوَ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ الْمَتْنِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ خَرَجَ بِالشُّهُودِ الْكَتَبَةُ فَلَا يَحْرُمُ اتِّخَاذُهُمْ إلَّا بِقَيْدِهِ. أَمَّا اتِّخَاذُ الْكَاتِبِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ كَمَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ أَوَّلَ الْبَابِ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يُعْمَلْ بِعِلْمِهِ) أَيْ فِي التَّعْدِيلِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ. أَمَّا الْجَرْحُ فَيُعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَيُجَابُ مُدَّعٍ طَلَبَ الْحَيْلُولَةَ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا لَا حَقَّ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى، أَمَّا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا فَلِلْقَاضِي الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُطْلَقًا بِلَا طَلَبٍ، بَلْ يَجِبُ فِي الطَّلَاقِ وَكَذَا فِي الْعِتْقِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عِتْقُهَا أَمَةً، فَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَإِنَّمَا يَجِبُ بِطَلَبِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ دَيْنًا فَلَا يَسْتَوْفِيهِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي هَذَا مَعْنَى مَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَفِي الْعُبَابِ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لَهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: لَوْ تَصَرَّفَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَنْفُذْ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ
(8/264)
إنْ رَآهُ، وَلَا يُجِيبُ طَالِبَ اسْتِيفَاءٍ أَوْ حَجْرٍ أَوْ حَبْسٍ قَبْلَ الْحُكْمِ (بِأَنْ) هُوَ بِمَعْنَى كَأَنْ (يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ) مِنْ اسْمٍ وَصِفَةٍ وَشُهْرَةٍ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ، فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا أَوْ حَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ كَفَى (وَالْمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ) كَيْ لَا يَكُونَ قَرِيبًا أَوْ عَدُوًّا (وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَلَا بُعْدَ فِي كَوْنِ الْعَدَالَةِ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ مَلَكَةً وَبِذَلِكَ يُرَدُّ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْكِتَابَةِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ (وَيَبْعَثَ بِهِ) أَيْ الْمَكْتُوبِ (مُزَكِّيًا) لِيَعْرِفَ، وَمُرَادُهُ بِالْمُزَكِّي اثْنَانِ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا نُسْخَةٌ مَخْفِيَّةٌ عَنْ صَاحِبِهِ، وَتَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي التَّزْكِيَةِ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَ أَصْلِهِ: إلَى الْمُزَكِّي، وَهَؤُلَاءِ الْمَبْعُوثُونَ يُسَمَّوْنَ أَصْحَابَ الْمَسَائِلِ لِأَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ وَيَسْأَلُونَ، وَيُنْدَبُ بَعْثُهُمَا سِرًّا وَأَنْ لَا يَعْلَمَ كُلٌّ بِالْآخَرِ وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْمُزَكِّينَ حَقِيقَةً وَهُمْ الْمُرْسَلُ إلَيْهِمْ (ثُمَّ) بَعْدَ السُّؤَالِ وَالْبَحْثِ (يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّي بِمَا عِنْدَهُ) فَإِنْ كَانَ جَرْحًا سَتَرَهُ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي زِدْنِي فِي شُهُودِك أَوْ تَعْدِيلًا عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، ثُمَّ هَذَا الْمُزَكِّي إنْ كَانَ شَاهِدَ أَصْلٍ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ وَلِيَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ كَفَى قَوْلُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ (وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ) أَيْ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي بِمَا عِنْدَهُ لِيَعْتَمِدَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمُشَافَهَةِ لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ كَمَا مَرَّ
(وَشَرْطُهُ) أَيْ الْمُزَكِّي سَوَاءً أَكَانَ صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ أَمْ الْمَرْسُولَ إلَيْهِ (كَشَاهِدٍ) فِي كُلِّ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَمَّا مَنْ نُصِّبَ لِلْحُكْمِ بِالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ فَشَرْطُهُ كَقَاضٍ وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاقِعَةٍ خَاصَّةٍ وَإِلَّا فَكَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ (مَعَ مَعْرِفَتِهِ) أَيْ الْمُزَكِّي لِكُلٍّ مِنْ (الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) وَأَسْبَابِهِمَا لِئَلَّا يُجَرِّحَ عَدْلًا وَيُزَكِّيَ فَاسِقًا وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الشَّاهِدُ بِالرُّشْدِ نَعَمْ أَفْتَى الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ صَالِحٌ لِدِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيُتَّجَهُ حَمْلُهُ عَلَى عَارِفٍ بِصَلَاحِهِمَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الرُّشْدُ فِي مَذْهَبِهِ، وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَلَوْ مِنْ مُوَافِقٍ لِلْقَاضِي فِي مَذْهَبِهِ، لِأَنَّ وَظِيفَةَ الشَّاهِدِ التَّفْصِيلُ لَا الْإِجْمَالُ لِيَنْظُرَ فِيهِ الْقَاضِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِطْلَاقِ أَنْ يَشْهَدَ بِمُطْلَقِ الرُّشْدِ. أَمَّا مَعَ قَوْلِهِ إنَّهُ صَالِحٌ لِدِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لَا إطْلَاقٌ (وَ) مَعَ مَعْرِفَتِهِ (خِبْرَةِ) الْمَرْسُولِ إلَيْهِ أَيْضًا إمَّا بِحَقِيقَةِ (بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
أَيْ الْحَيْلُولَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُرْسَلُ) أَيْ الْمُزَكَّى
(قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ بِالرُّشْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: أَوْ حُبِسَ قَبْلَ الْحُكْمِ) فِي الرَّوْضِ وَالْعُبَابِ مَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ هَذَا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَبْعَثُ بِهِ مُزَكِّيًا) الْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْبَعْثِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ الْقَاضِي إخْفَاءُ الْمُزَكِّينَ مَا أَمْكَنَ لِئَلَّا يُحْتَرَزَ عَنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ) أَيْ مِنْ الْمُزَكِّينَ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَذَا الْمُزَكِّي) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثَمَّ يُشَافِهُهُ الْمُزَكِّي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِهَذَا الَّذِي هُوَ لِلْإِشَارَةِ لِلْقَرِيبِ، فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُزَكِّي الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَصَرَّحَ بِهَذَا الْأَذْرَعِيُّ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ، وَمُرَادُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ شَاهِدَ أَصْلٍ: أَيْ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْمُخْتَبِرَ لِحَالِ الشُّهُودِ بِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ وَإِلَّا: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى أَحْوَالِ الشُّهُودِ إلَّا بِإِخْبَارِ نَحْوِ جِيرَانِهِمْ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلَ الشَّارِحِ: أَيْ الْمُزَكِّي سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبَ الْمَسْأَلَةِ أَمْ الْمَرْسُولَ إلَيْهِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَشَرْطِهِ لِأَنَّهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ أَوْ الْمَسْئُولِينَ مِنْ الْجِيرَانِ وَنَحْوِهِمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَدْ قَرَّرَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ هَذَا الْمَقَامَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ فَلْيُحَرَّرْ وَلْيُرَاجَعْ مَا فِي حَاشِيَةِ الزِّيَادِيِّ
(قَوْلُهُ: الْمَرْسُولَ إلَيْهِ) صَوَابُهُ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ لِأَنَّ اسْمَ الْمَفْعُولِ مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لَا إطْلَاقٌ) قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَكُونُ تَفْصِيلًا لَا إطْلَاقًا إذَا صَرَّحَ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الصَّلَاحُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ (قَوْلُهُ وَمَعَ مَعْرِفَتِهِ خِبْرَةٍ إلَخْ) الصَّوَابُ حَذْفُ لَفْظِ مَعْرِفَتِهِ فَخِبْرَةٍ فِي الْمَتْنِ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ
(8/265)
بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَفْصَحُ مِنْ ضَمِّهِ (أَوْ مُعَامَلَةٍ) فَقَدْ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ اثْنَانِ فَقَالَ لَهُمَا لَا أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا، فَأَتَيَا بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَيْفَ تَعْرِفُهُمَا؟ قَالَ: بِالصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، قَالَ: هَلْ كُنْت جَارًا لَهُمَا تَعْرِفُ صَبَاحَهُمَا وَمَسَاءَهُمَا وَمَدْخَلَهُمَا وَمَخْرَجَهُمَا؟ قَالَ لَا؟ قَالَ: هَلْ عَامَلْتهمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُعْرَفُ بِهِمَا أَمَانَاتُ الرِّجَالِ؟ قَالَ لَا، قَالَ: هَلْ صَاحَبْتهمَا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْفِرُ عَنْ أَخْلَاقِ الرِّجَالِ، قَالَ لَا؟ قَالَ: فَأَنْتَ لَا تَعْرِفُهُمَا، ائْتِيَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي خِبْرَتِهِمْ بِذَلِكَ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْفِسْقِ خَفِيَّةٌ غَالِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُزَكِّي حَالَ مَنْ يُزَكِّيهِ، وَهَذَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِفْلَاسِ. وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَتِهِ الْأَوْصَافَ الثَّلَاثَةَ مِنْ مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ كَنَحْوِ شَهْرَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةِ ذَلِكَ اسْتِفَاضَةُ عَدَالَتِهِ عِنْدَهُ مِمَّنْ يَخْبَرُ بَاطِنَهُ وَأَلْحَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِذَلِكَ مَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى سَمْعِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ التَّوَاطُؤِ، وَخَرَجَ بِمَنْ يُعَدِّلُهُ مَنْ يُجَرِّحُهُ فَلَا يُشْتَرَطُ خِبْرَةُ بَاطِنِهِ لِاشْتِرَاطِ تَفْسِيرِ الْجَرْحِ
(وَالْأَصَحُّ) (اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَةٍ) مِنْ الْمُزَكِّي كَبَقِيَّةِ الشَّهَادَاتِ وَالثَّانِي لَا بَلْ يَكْفِي أَعْلَمُ وَتَحَقَّقَ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَنَّهُ يَكْفِي هُوَ عَدْلٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فَأَطْلَقَ الْعَدَالَةَ، فَإِذَا شَهِدَ بِأَنَّهُ عَدْلٌ فَقَدْ أَثْبَتَ الْعَدَالَةَ الَّتِي اقْتَضَتْهَا الْآيَةُ (وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ (وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الْجَرْحِ) كَزِنًا وَسَرِقَةٍ وَإِنْ كَانَ فَقِيهًا لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ، وَلِأَنَّ الْجَارِحَ يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَعْرِفَةً فَنَسْأَلُهُ عَنْ بَيَانِهَا، وَالْمُعَدِّلَ كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَعْرِفُ فَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانٍ، وَلَا يُجْعَلُ بِذِكْرِ الزِّنَا قَاذِفًا وَإِنْ انْفَرَدَ لِأَنَّهُ مَسْئُولٌ فَهُوَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ عَيْنٍ، بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَا إذَا نَقَصُوا عَنْ الْأَرْبَعَةِ فَإِنَّهُمْ قَذَفَةٌ لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إلَى السَّتْرِ فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَلَوْ عَلِمَ لَهُ مُجَرِّحَاتٍ اقْتَصَرَ عَلَى وَاحِدٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ جَرْحُهُ بِالْأَكْبَرِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِالْأَصْغَرِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ لَمْ يُقْبَلْ لَكِنْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ الْجَرْحِ كَمَا يَأْتِي، أَمَّا سَبَبُ الْعَدَالَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِ لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهَا وَعُسْرِ عَدِّهَا. قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمُزَكَّى وَالْمَجْرُوحِ وَلَا الْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ: أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ ثَمَّ كَفَتْ فِيهِمَا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، نَعَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْخَصْمِ لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ أَمْكَنَهُ (وَيُعْتَمَدُ فِيهِ) أَيْ الْجَرْحِ (الْمُعَايَنَةُ) لِنَحْوِ زِنَاهُ أَوْ السَّمَاعُ لِنَحْوِ قَذَفَهُ (أَوْ الِاسْتِفَاضَةُ) عَنْهُ بِمَا يُجَرِّحُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ التَّوَاتُرَ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ اعْتِمَادُ التَّوَاتُرِ بِالْأَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ عَدَدٍ قَلِيلٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَوُجِدَ شَرْطُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مُعَايَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ نَعَمْ. وَثَانِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: الَّذِي يُسْفِرُ) أَيْ يَكْشِفُ (قَوْلُهُ: وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةِ ذَلِكَ اسْتِفَاضَةُ عَدَالَتِهِ) هِيَ قَوْلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ
(قَوْلُهُ لَكِنْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ) وَفِي نُسْخَةٍ: لَكِنْ يَتَوَقَّفُ عَنْ إلَخْ: أَيْ نَدْبًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَوْ مُعَامَلَةٍ) أَيْ أَوْ شِدَّةِ فَحْصٍ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَأَتَّى فِي الْمُزَكِّينَ الْمَنْصُوبِينَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ غَالِبًا (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ) اُنْظُرْ مَا مُرَادُهُ بِمَا تَقَرَّرَ، وَفِي التُّحْفَةِ عَقِبَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ مُعَامَلَةٍ مَا نَصُّهُ: قَدِيمَةٍ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا غَيْرُ الْقَدِيمَةِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَأَنْ عَرَفَهُ فِي أَحَدِهِمَا مِنْ نَحْوِ شَهْرَيْنِ فَلَا يَكْفِي (قَوْلُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِمَعْرِفَةِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ) صَوَابُهُ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ فِي هَذِهِ الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ (قَوْلُهُ: وَيُغْنِي عَنْ خِبْرَةٍ ذَلِكَ) فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَلَاقَةٌ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ لَفْظِ خِبْرَةٍ
(قَوْلُهُ: كَمَا يَأْتِي) الَّذِي يَأْتِي خِلَافُ هَذَا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّوَقُّفُ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ، وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا إبْدَالَ لَفْظِ يَجِبُ بِيُنْدَبُ وَهُوَ الَّذِي يُوَافِقُ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: أَمَّا سَبَبُ الْعَدَالَةِ فَلَا يُحْتَاجُ لِذِكْرِهِ) هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ. لَا يُقَالُ: إنَّ مَعْنَى ذَاكَ بِخِلَافِ سَبَبِ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُخْتَلَفًا فِيهِ. لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ السَّمَاعِ لِنَحْوِ قَذْفِهِ) الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ
(8/266)
وَهُوَ الْأَقْيَسُ لَا، وَهَذَا أَوْجَهُ
(وَيُقَدَّمُ) الْجَرْحُ (عَلَى التَّعْدِيلِ) لِزِيَادَةِ عِلْمِ الْجَارِحِ (فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ عَرَفْت سَبَبَ الْجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَأَصْلَحَ قُدِّمَ) لِزِيَادَةِ عِلْمِهِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَأَصْلَحَ عَدَمَ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا قَبُولُ شَهَادَتِهِ لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَهَا كَمَا يَأْتِي فَهُوَ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَأَصْلَحَ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ تَارِيخَ الْجَرْحِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا يُقَدَّمُ التَّعْدِيلُ حَيْثُ أُرِّخَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَكَانَتْ بَيِّنَةُ التَّعْدِيلِ مُتَأَخِّرَةً. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنْ عَلِمَ الْمُعَدَّلُ جَرَّحَهُ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ اعْتِمَادُهُ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ الْجَرْحِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ بِهِ عَلَى سُؤَالِ الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ تُسْمَعُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّعْدِيلَ كَذَلِكَ لِسَمَاعِهَا فِيهِ أَيْضًا، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الشَّاهِدِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ أَنَا مَجْرُوحٌ أَوْ فَاسِقٌ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَ الْجَرْحِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ. نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَبْعُدُ عَادَةً عِلْمُهُ بِأَسْبَابِ الْجَرْحِ، وَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ تَوَقُّفِ الْحَاكِمِ عَنْ شَاهِدٍ جَرَّحَهُ عَدْلٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى نَدْبِ التَّوَقُّفِ إنْ قَوِيَتْ الرِّيبَةُ لِاحْتِمَالِ اتِّضَاحِ الْقَادِحِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّضِحْ حَكَمَ لِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ رِيبَةٍ لَا مُسْتَنَدَ لَهَا (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ وَقَدْ غَلِطَ) فِي شَهَادَتِهِ عَلَيَّ لِمَا مَا مَرَّ أَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ حَقٌّ لَهُ تَعَالَى، وَلِهَذَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ، وَمُقَابِلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا فِي التَّعْدِيلِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَوْلُهُ غَلِطَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِأَنَّ إنْكَارَهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِعَدَالَتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِنِسْبَتِهِ لِلْغَلَطِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، فَإِنْ قَالَ عَدْلٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ.
وَيُنْدَبُ لِلْحَاكِمِ تَفْرِقَةُ الشُّهُودِ عِنْدَ ارْتِيَابِهِ مِنْهُمْ وَيَسْأَلُ كُلًّا وَيَسْتَقْصِي ثُمَّ يَسْأَلُ الثَّانِي كَذَلِكَ قَبْلَ اجْتِمَاعِهِ بِالْأَوَّلِ وَيَعْمَلُ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ. وَالْأَوْلَى كَوْنُ ذَلِكَ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ، وَلَا يَلْزَمُ الشُّهُودَ إجَابَتُهُ بَلْ إنْ أَصَرُّوا لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِشُرُوطِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَجِدُهَا. وَلَوْ قَالَ لَا دَافِعَ لِي ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَنَّ شَاهِدَيْهِ شَرِبَا الْخَمْرَ مَثَلًا وَقْتَ كَذَا، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدَاءِ دُونَ سَنَةٍ رُدَّا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنَا لِلشُّرْبِ وَقْتًا سُئِلَ الْخَصْمُ وَحَكَمَ بِمَا تَقْتَضِيهِ بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّعْيِينِ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ، وَلَوْ ادَّعَى الْخَصْمُ أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ بِنَحْوِ فِسْقِ بَيِّنَتِهِ وَأَقَامَ شَاهِدًا لِيَحْلِفَ مَعَهُ بَنَى عَلَى مَا لَوْ قَالَ بَعْدَ بَيِّنَتِهِ: شُهُودِي فَسَقَةٌ، وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُ بَيِّنَتِهِ لَا دَعْوَاهُ، فَلَا يَحْلِفُ الْخَصْمُ مَعَ شَاهِدِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ الطَّعْنُ فِي الْبَيِّنَةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّ هَذَا مِلْكُهُ وَرِثَهُ فَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّهُمَا ذَكَرَا بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَاهِدَيْنِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَنَّهُمَا ابْتَاعَا الدَّارَ رُدَّا، وَمَا فِي الرَّوْضَةِ مِمَّا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُرَادٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ بِهِ) أَيْ بِالْجَرْحِ (قَوْلُهُ: وَيَظْهَرُ حَمْلُهُ عَلَى نَدْبِ التَّوَقُّفِ) يُتَأَمَّلُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهُ لَمْ يُقْبَلْ لَكِنْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ إلَخْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ إسْقَاطَ قَوْلِهِ السَّابِقِ يَجِبُ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنَا لِلشُّرْبِ وَقْتًا) أَيْ بِعَيْنِهِ، وَبِهِ عَبَّرَ حَجّ (قَوْلُهُ: وَمَا فِي الرَّوْضَةِ) أَقُولُ: الْقِيَاسُ مَا فِي الرَّوْضَةِ كَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ نَسِيَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ هُنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا حِينَ قَوْلِهِمَا لَسْنَا بِشَاهِدَيْنِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَسِيَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ وَذِكْرُ أَصْلَحَ يُفِيدُ ذَلِكَ: أَيْ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: يَظْهَرُ حَمْلُهُ) فِي نُسْخَةٍ بَدَلُ هَذَا يَجِبُ حَمْلُهُ.
(8/267)
بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ الْمَجْلِسِ لِتَوَارٍ أَوْ تَعَزُّزٍ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ (هُوَ جَائِزٌ) فِي كُلِّ شَيْءٍ سِوَى عُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يَأْتِي، وَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ لِلْحَاجَةِ وَلِتَمَكُّنِهِ مِنْ إبْطَالِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِثْبَاتِ طَاعِنٍ فِي الْبَيِّنَةِ بِنَحْوِ فِسْقٍ أَوْ فِي الْحَقِّ بِنَحْوِ أَدَاءً، وَلَيْسَ لَهُ سُؤَالُ الْقَاضِي عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَى لِأَنَّ تَحْرِيرَهَا إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ سُجِّلَتْ فَلَهُ الْقَدْحُ بِإِبْدَاءِ مُبْطِلٍ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا شَكَتْ لَهُ مِنْ شُحِّهِ خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» فَهُوَ قَضَاءٌ عَلَيْهِ لَا إفْتَاءٌ، وَإِلَّا لَقَالَ لَك أَنْ تَأْخُذِي مَثَلًا، وَرَدَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّةَ غَيْرَ مُتَوَارٍ وَلَا مُتَعَزِّزٍ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ لَمَّا حَضَرَتْ هِنْدُ لِلْمُبَايَعَةِ، وَذَكَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا أَنْ لَا يَسْرِقْنَ، فَذَكَرَتْ هِنْدُ ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومَ بِهِ لَهَا وَلَمْ يُحَرِّرْ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ، وَالدَّلِيلُ الْوَاضِحُ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ مِثْلُهَا، وَالْقِيَاسُ عَلَى سَمَاعِهَا عَلَى مَيِّتٍ وَصَغِيرٍ مَعَ أَنَّهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ عَنْ الْغَائِبِ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ فِي بَابِهَا مَعَ زِيَادَةِ شُرُوطٍ أُخْرَى. مِنْهَا أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ عَلَيْهِ إلَّا (إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ) حُجَّةٌ يَعْلَمُهَا الْحَاكِمُ وَقْتَ الدَّعْوَى عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَجَوَّزَ سَمَاعَهَا إذَا حَدَثَ بَعْدَهَا عِلْمُ الْبَيِّنَةِ وَتَحَمُّلُهَا، وَهُوَ الْأَوْجَهُ. ثُمَّ تِلْكَ الْحُجَّةُ إمَّا (بَيِّنَةٌ) وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِهِمَا، وَإِمَّا عِلْمُ الْقَاضِي دُونَ مَا عَدَاهُمَا لِتَعَذُّرِ الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ (وَادَّعَى الْمُدَّعِي جُحُودَهُ) وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ لَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]
(قَوْلُهُ: وَلِتَمَكُّنِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّعْوَى) أَيْ الْأُولَى، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ تَحْرِيرَهَا إلَيْهِ أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ) أَيْ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ عَلَى سَمَاعِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْقَضَاء (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا) هَلْ يَجِبُ مَعَ هَذِهِ الْيَمِينِ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ أَمْ يُكْتَفَى بِهَا الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ. ثُمَّ رَأَيْت الدَّمِيرِيِّ صَرَّحَ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَالْحَاضِرِ، وَهَلْ يَكْفِي يَمِينٌ أَمْ يُشْتَرَطُ يَمِينَانِ إحْدَاهُمَا لِتَكْمِيلِ الْحُجَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِنَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا الثَّانِي اهـ. وَيُصَرِّحُ بِهِ إبْقَاءُ الشَّارِحِ لِلْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ الْبَيِّنَةُ السَّابِقَةُ فِي قَوْلِهِ هُنَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَقَدْ شَرَحَهَا الشَّارِحُ كَمَا تَرَى بِقَوْلِهِ وَلَوْ شَاهِدًا وَيَمِينًا، فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَفَادَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ)
(قَوْلُهُ: وَلِتَمَكُّنِهِ) أَيْ بَعْدَ حُضُورِهِ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ سُؤَالُ الْقَاضِي) قَيَّدَهُ فِي التُّحْفَةِ بِالْقَاضِي الْأَهْلِ، وَأَسْقَطَهُ الشَّارِحُ لَعَلَّهُ قَصْدًا فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَهُ) أَيْ الدَّلِيلَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ) أَيْ بَعْدَ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَرَضَهُ) أَيْ اعْتَرَضَ اشْتِرَاطَ عِلْمِ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ السِّيَاقِ، لَكِنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْبُلْقِينِيَّ إنَّمَا نَازَعَ فِي اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمُدَّعِي بِهَا بَلْ وَفِي وُجُودِهَا حِينَئِذٍ مِنْ أَصْلِهَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ حَوَاشِي وَالِدِ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ: أَوْ تَحَمُّلُهَا) هُوَ بِالرَّفْعِ: أَيْ أَوْ حَدَثَ تَحَمُّلُهَا، وَلَعَلَّ صُورَتَهُ أَنْ تَسْمَعَ إقْرَارَ الْغَائِبِ بَعْدَ وُقُوعِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَوْجَهُ) اُنْظُرْ هَلْ هُوَ رَاجِعٌ لِاعْتِرَاضِ الْبُلْقِينِيِّ أَوْ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ كَانَ رَاجِعًا لِاعْتِرَاضِ الْبُلْقِينِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظِ إنْ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ اعْتَرَضَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَخْ) صَرِيحٌ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةِ شُرُوطٍ أُخْرَى إلَخْ أَنَّ ذِكْرَ لُزُومِ التَّسْلِيمِ وَالْمُطَالَبَةُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الشُّرُوطِ
(8/268)
الْآنَ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِذَلِكَ (فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ) وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ أَوْ لِيَكْتُبَ بِهَا الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ (لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ) وَإِنْ قَالَ هُوَ مُمْتَنِعٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِوَدِيعَةٍ لِلْمُدَّعِي فِي يَدِهِ لِانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ لِذَلِكَ لِكَوْنِ الْمُودِعِ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَعْوَى التَّلَفِ أَوْ الرَّدِّ، وَمَا بَحَثَهُ الْعِرَاقِيُّ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى بِأَنَّ لَهُ تَحْتَ يَدِهِ وَدِيعَةً وَسَمَاعِ بَيِّنَتِهِ بِهَا لَكِنْ لَا يَحْكُمُ وَلَا يُوفِيهِ مِنْ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ مَعَهُ بَيِّنَةٌ بِإِتْلَافِهِ لَهَا أَوْ تَلَفِهَا عِنْدَهُ بِتَقْصِيرٍ سَمِعَهَا وَحَكَمَ وَوَفَّاهُ مِنْ مَالِهِ لِأَنَّ بَدَلَهَا حِينَئِذٍ مِنْ جُمْلَةِ الدُّيُونِ. قَالَ: وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ جُحُودِ الْمُودِعِ وَتَعَذُّرِ الْبَيِّنَةِ فَيَضْبِطُهَا عِنْدَ الْقَاضِي بِإِقَامَتِهَا لَدَيْهِ وَإِشْهَادِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ لِيَسْتَغْنِيَ بِإِقَامَتِهَا عِنْدَ جُحُودِ الْمُودِعِ إذَا حَضَرَ لِأَنَّهَا قَدْ تَتَعَذَّرُ حِينَئِذٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا نَظَرَ إلَيْهِ شَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ مَخَافَةَ إنْكَارِهِ مُسَوِّغٌ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ. وَيُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ لِلْغَائِبِ عَيْنٌ حَاضِرَةٌ فِي عَمَلِ الْحَاكِمِ الَّذِي وَقَعَتْ عِنْدَهُ الدَّعْوَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِهِ وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَيْنِهِ لِيُوفِيَهُ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ، وَمَا اسْتَثْنَاهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَمْنَعْ قَوْلُهُ هُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِهَا أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ هُوَ مُقِرٌّ لِي بِكَذَا وَلِي بَيِّنَةٌ مَمْنُوعٌ فِي الْأَخِيرَةِ (وَإِنْ أَطْلَقَ) وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِجُحُودٍ وَلَا إقْرَارٍ (فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ) لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ الْحَقِّ فَتُجْعَلُ غَيْبَتُهُ كَكِسْوَتِهِ. وَالثَّانِي لَا تُسْمَعُ إلَّا عِنْدَ التَّعَرُّضِ لِلْجُحُودِ وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا عِنْدَهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُشَدَّدَةِ (يُنْكِرُ عَنْ الْغَائِبِ) وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَأْتِي لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ نَصْبُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ (وَيَجِبُ) فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْغَائِبِ وَكِيلٌ حَاضِرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ الدَّعْوَى بِدَيْنٍ أَمْ عَيْنٍ أَمْ بِصِحَّةِ عَقْدٍ أَمْ إبْرَاءٍ كَأَنْ أَحَالَ الْغَائِبُ عَلَى مَدِينٍ لَهُ حَاضِرٌ فَادَّعَى إبْرَاءَهُ لِاحْتِمَالِ دَعْوَى أَنَّهُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ (أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ) وَتَعْدِيلُهَا (أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ) إلَى الْآنَ احْتِيَاطًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَرُبَّمَا ادَّعَى أَدَاءً أَوْ إبْرَاءً أَوْ نَحْوَهُمَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ لِتَأْجِيلٍ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الدَّعْوَى بِعَيْنٍ بَلْ يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا، وَكَذَا نَحْوُ الْإِبْرَاءِ كَمَا يَأْتِي، وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَتَعَرَّضَ مَعَ الثُّبُوتِ وَلُزُومِ التَّسْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ فِي شُهُودِهِ قَادِحًا فِي الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَائِبِ كَفِسْقٍ وَعَدَاوَةٍ وَتُهْمَةٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَمِينٍ ثَانِيَةٍ لِلِاسْتِظْهَارِ بَعْدَ الْيَمِينِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْحُجَّةِ وَهَذَا فَرْضُهُ فِي الْغَائِبِ، ثُمَّ قَالَ: وَيَجْرِيَانِ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَزَادَ الشَّارِحُ الْمَيِّتَ وَبَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَجْرِيَانِ بِقَوْلِهِ: أَيْ الْوَجْهَانِ كَمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَيِّنَةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مَا يَشْمَلُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ كَالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدًا مَعَ يَمِينٍ فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ ثَانِيَةٍ لِلِاسْتِظْهَارِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ) أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُوَ مُقِرٌّ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ) أَيْ الْغَائِبُ (قَوْلُهُ: فِي الْأَخِيرَةِ) هِيَ قَوْلُهُ أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ) أَيْ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَرِّيَ فِي إنْكَارِهِ عَلَى الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: بَلْ يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِهَا) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ تَحْتَ يَدِهِ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَى إلَخْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْآتِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: أَوْ لِيَكْتُبَ بِهَا) اُنْظُرْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاذَا (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبَ مُسَخَّرٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجَزَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْطِ وَانْظُرْ هَلْ مِثْلُ ذَلِكَ سَائِغٌ (قَوْلُهُ: نَعَمْ يُسْتَحَبُّ نَصْبُهُ) اُنْظُرْهُ مَعَ الْعِلَّةِ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ هَذَا) أَيْ مَا فِي الْمَتْنِ (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَائِبِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ لِتَلَازُمِهِمَا كَمَا يُعْلَمُ بِالتَّأَمُّلِ
(8/269)
أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ أُجِيبَ، وَلَا يَبْطُلُ الْحَقُّ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الْيَمِينِ، وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُكَمِّلَةً لِلْحُجَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ، وَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ وَحَلَفَ ثُمَّ نُقِلَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ لِيَحْكُمَ بِهِ فَالْأَوْجَهُ عَدَمُ وُجُوبِ إعَادَتِهَا. أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ التَّحْلِيفُ عَلَى طَلَبِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَمَا اسْتَشْكَلَ بِهِ فِي التَّوْشِيحِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ وَكِيلٌ حَاضِرٌ لَمْ يَكُنْ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ وَلَمْ يَجِبْ يَمِينٌ جَزْمًا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْخُصُومَاتِ فِي نَحْوِ الْيَمِينِ بِالْمُوَكِّلِ لَا بِالْوَكِيلِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لِلْقَاضِي سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ وَإِنْ حَضَرَ وَكِيلُهُ لِوُجُودِ الْغَيْبَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ إنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَدَعْوَى قِنٍّ عِتْقًا أَوْ امْرَأَةٍ طَلَاقًا عَلَى غَائِبٍ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ حِسْبَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِيَمِينٍ إذْ لَاحَظَ جِهَةَ الْحِسْبَةِ، وَبِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْعِتْقِ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْبَغَوِيّ الطَّلَاقَ وَنَحْوَهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ نَحْوَ بَيْعٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِهِ وَطَلَبَ الْحُكْمَ بِثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْجَوَاهِرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ تَحْلِيفُهُ خَوْفًا مِنْ مُفْسِدٍ قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْ طُرُوُّ مُزِيلٍ لَهُ، وَيَكْفِي أَنَّهُ الْآنَ مُسْتَحِقٌّ لِمَا ادَّعَاهُ (وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ) التَّحْلِيفُ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ إنْ كَانَ ثَمَّ دَافِعٌ نَعَمْ لَوْ غَابَ الْمُوَكِّلُ فِي مَحَلٍّ تُسْمَعُ عَلَيْهِ الدَّعْوَى وَهُوَ بِهِ لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحُكْمُ بِمَا ادَّعَى بِهِ وَكِيلُهُ عَلَى حَلِفٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي مَحَلٍّ لَا يُسَوِّغُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَهُوَ بِهِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ مِنْ حَلِفِهِ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْوَجْهَانِ كَمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْأَحْكَامِ (فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ) لَا وَلِيَّ لَهُ أَوْ لَهُ وَلِيٌّ وَلَمْ يَطْلُبْ إذْ الْيَمِينُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ، وَمَيِّتٍ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ حَاضِرٌ كَالْغَائِبِ بَلْ أَوْلَى لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّدَارُكِ، فَإِذَا كَمُلَا أَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ فَهُمْ عَلَى حُجَّتِهِمْ. أَمَّا مَنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ حَاضِرٌ كَامِلٌ فَلَا بُدَّ فِي تَحْلِيفِ خَصْمِهِ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ مِنْ طَلَبِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْوَلِيِّ وَاضِحٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى طَلَبِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ جَمِيعُ الْغُرَمَاءِ مَعَ سُكُوتِهِمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ وَلَا يَبْطُلُ الْحَقُّ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ) أَيْ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: وَلَا تَرْتَدُّ بِالرَّدِّ) أَيْ بِأَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْغَائِبِ وَيُوقَفُ الْأَمْرُ إلَى حُضُورِهِ أَوْ يَطْلُبَ الْإِنْهَاءَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُحَلِّفَهُ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ التَّحْلِيفُ عَلَى طَلَبِهِ) أَيْ حَيْثُ وَقَعَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ذَلِكَ حَجّ بِالْمَعْنَى (قَوْلُهُ: عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِكَوْنِ الْعَطْفِ بِأَوْ (قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ غَابَ) هُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَطْلُبْ) الْأَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْوَلِيِّ وَاضِحٌ) أَيْ وَهُوَ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ الَّتِي هِيَ لِلْوَارِثِ فَتَرْكُهُ لِطَلَبِ الْيَمِينِ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَنْ الصَّبِيِّ بِالْمَصْلَحَةِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانَ عَلَى الْوَلِيِّ) أَيْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ إلَخْ وَهِيَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ حِسْبَةً) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِهَا حِسْبَةً مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ وُجُودُ الدَّعْوَى، وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ الَّذِي نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَاسَ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْإِقْرَارِ بِهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ تَبَعًا لِلتُّحْفَةِ كَغَيْرِهَا وَهُوَ سَاقِطٌ فِي بَعْضِهَا، وَذَكَرَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ أَنَّهُ اسْتَشْكَلَهُ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ ذِكْرَ الْإِقْرَارِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَأَنَّهُ بَحَثَ فِي ذَلِكَ مَعَ الشَّارِحِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَهُ. وَأَقُولُ: لَا إشْكَالَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى ذِكْرُ أَنَّهُ مُقِرٌّ فِي الْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ ذِكْرِ إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ لِجَوَازِ أَنَّهُ أَقَرَّ لِلْبَيِّنَةِ ثُمَّ أَنْكَرَ الْآنَ (قَوْلُهُ: لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحُكْمُ بِمَا ادَّعَى بِهِ وَكِيلُهُ) أَيْ عَلَى غَائِبٍ، وَقَوْلُهُ عَلَى حَلِفٍ: أَيْ مِنْ الْمُوَكِّلِ، عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ عَيْنُ الْمَتْنِ الْآتِي
(8/270)
نَعَمْ لَوْ كَانَ سُكُوتُهُ عَنْ طَلَبِهَا لِجَهْلِهِ بِالْحَالِ عَرَّفَهُ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا قَضَى عَلَيْهِ بِدُونِهَا
(وَلَوْ) (ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى الْغَائِبِ) فِي مَسَافَةٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهَا وَكَذَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَيِّتٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ غَيْرَ بَيْتِ الْمَالِ فِيمَا يَظْهَرُ (فَلَا تَحْلِيفَ) بَلْ يُحْكَمُ بِالْبَيِّنَةِ لِانْتِفَاءِ تَصْوِيرِ حَلِفِ الْوَكِيلِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ وَاسْتِحْقَاقِ مُوَكِّلِهِ لَهُ، وَلَوْ وَقَفْنَا الْأَمْرَ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ لَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ، وَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً ثُمَّ وَكَّلَ ثُمَّ غَابَ فَطَلَبَ وَكِيلُهُ الْحُكْمَ أَجَابَهُ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى يَمِينِ الْمُوَكِّلِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، إذْ التَّوْكِيلُ هُنَا إنَّمَا وَقَعَ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ بَعْدَ وُجُوبِهَا فَلَمْ يَسْقُطْ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ، وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ دَيْنًا لَهُ عَلَى كَامِلٍ فَادَّعَى وُجُودَ مُسْقِطٍ كَأَتْلَفَ أَحَدُهُمَا عَلَيَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَدَّعِيهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَكَأَبْرَأَنِي مُوَرِّثُهُ أَوْ قَبَضَهُ مِنِّي قَبْلَ مَوْتِهِ وَكَأَقْرَرْتُ لَكِنْ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ لَمْ يُؤَخَّرْ الِاسْتِيفَاءُ لِأَجْلِ الْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَى أَحَدِهِمَا بَعْدَ كَمَالِهِ لِإِقْرَارِهِ فَلَمْ يُرَاعَ، بِخِلَافِ مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ غَائِبٍ وَقَفَ الْأَمْرُ إلَى الْكَمَالِ وَالْحُضُورِ كَمَا صَرَّحَا بِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْيَمِينِ الْمُتَعَذِّرَةِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي الْوَكِيلِ بِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِيفَاءِ ثَمَّ مَفْسَدَةٌ عَامَّةٌ وَهِيَ تَعَذُّرُ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ بِالْوُكَلَاءِ بِخِلَافِهِ هُنَا، لَكِنْ يُتَّجَهُ أَخْذُ كَفِيلٍ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَذَهَبُوا إلَى خِلَافِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ مِنْ ضَيَاعِ الْحَقِّ وَهُوَ قَوِيٌّ مَدْرَكًا لَا نَقْلًا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَخِفُّ بِالْكَفِيلِ الْمَارِّ، إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَخْذُ الْحَاكِمِ مِنْ مَالِهِ تَحْتَ يَدِهِ مَا يَفِي بِالْمُدَّعَى أَوْ ثَمَنِهِ إنْ خَافَ تَلَفَهُ وَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا بَاشَرَهُ بِنَاءً عَلَى مَا يَأْتِي
(وَلَوْ) (حَضَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ) بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ مِنْ وَكِيلٍ غَائِبٍ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ (لِوَكِيلِ الْمُدَّعِي) الْغَائِبِ (أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك) أَوْ قَضَيْتُهُ مَثَلًا فَارْفَعْ عَنِّي الطَّلَبَ إلَى حُضُورِهِ لِيَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَيْته لَمْ يُجَبْ، وَ (أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ) لَهُ ثُمَّ يُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ أَوْ نَحْوُهُ إنْ كَانَ لَهُ بِهِ حُجَّةٌ. لِأَنَّا لَوْ وَقَفْنَا الْأَمْرَ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوُكَلَاءِ، نَعَمْ لَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْوَكِيلِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ جِهَةِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ تَقْتَضِي اعْتِرَافَهُ بِمَا يُسْقِطُ مُطَالَبَتَهُ لِخُرُوجِهِ بِاعْتِرَافِهِ بِهَا مِنْ الْوَكَالَةِ وَالْخُصُومَةِ، بِخِلَافِ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّ الْمَالَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْغَائِبِ أَوْ نَحْوِهِ، وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مِنْ الْوَكِيلِ، وَيَكْتَفِي بِمُصَادَقَةِ الْخَصْمِ لِلْوَكِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ لِلْوَكَالَةِ، إذْ الْقَصْدُ إثْبَاتُ الْحَقِّ لَا تَسَلُّمُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ إلَّا عَلَى وَجْهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَلِيِّ الْمَيِّتِ وَمُرَادُهُ بِهِ الْوَارِثُ، وَعِبَارَةُ حَجّ: عَلَى الْمَيِّتِ، وَهِيَ وَاضِحَةٌ
(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ) يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا لِلْوَقْفِ عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ يَحْلِفْ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَأَثْبَتَ حَقًّا لِغَيْرِهِ بِيَمِينِهِ. وَمَحَلُّهُ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ الْوَلِيُّ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا بَاشَرَهُ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ آجَرَ الْمَيِّتَ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ وَجَبَ تَحْلِيفُهُ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَوْ لَمْ يَدَّعِ الْوَارِثُ عِلْمَ النَّاظِرِ بِبَرَاءَةِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ ادَّعَاهُ حَلَفَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي أَيْضًا نَعَمْ لَوْ ادَّعَى عِلْمَ الْوَكِيلِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ نَحْوَهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَكَّلَ) أَيْ فِي تَمَامِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُومَةِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَعَارُضَ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةً بِالْإِقْرَارِ (قَوْلُهُ: فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ هَذِهِ وَالْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ أَوْ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى أَحَدِهِمَا: أَيْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ (قَوْلُهُ: مَا يَفِي بِالْمُدَّعَى) أَيْ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَكْتَفِي بِمُصَادَقَةِ الْخَصْمِ) أَيْ فِي سَمَاعِ دَعْوَى الْوَكِيلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ) أَيْ وَكِيلُ غَائِبٍ عَلَى أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الْمَتْنِ الَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ (قَوْلُهُ: فِي مَسَافَةٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهَا) أَيْ وَالْمُوَكِّلُ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا (قَوْلُهُ: لِإِقْرَارِهِ) أَيْ وَلَوْ ضَمَّنَّا (قَوْلُهُ: فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ) أَيْ عَقِبَ هَذِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الطِّفْلِ وَإِنْ كَانَتْ هُنَا لِدَفْعِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْقِطِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ لِلِاسْتِظْهَارِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَوْ غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ ادَّعَى قَيِّمُ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ
(8/271)
مُبَرِّئٍ وَلَا يُبَرَّأُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ
(وَإِذَا) (ثَبَتَ) عِنْدَ حَاكِمٍ (مَالٌ عَلَى غَائِبٍ) أَوْ مَيِّتٍ وَحَكَمَ بِهِ بِشَرْطِهِ (وَلَهُ مَالٌ) حَاضِرٌ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ، أَوْ دَيْنٌ ثَابِتٌ عَلَى حَاضِرٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ: لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالدَّيْنِ عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ، إذْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَلَمْ يَكُنْ دَيْنُهُ ثَابِتًا عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ فَلَيْسَ لَهُ الدَّعْوَى لِإِثْبَاتِهِ (قَضَاهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ) بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا يُطَالِبُهُ بِكَفِيلٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ، وَلَا يُعْطِيهِ بِمُجَرَّدِ الثُّبُوتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ وِلَايَتِهِ فَسَيَأْتِي. وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ الْحَاضِرُ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ مُقَابِلِهِ لِلْغَائِبِ كَزَوْجَةٍ تَدَّعِي بِصَدَاقِهَا الْحَالِّ قَبْلَ الْوَطْءِ وَبَائِعٍ يَدَّعِي بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَمَا إذَا تَعَلَّقَ بِالْمَالِ الْحَاضِرِ حَقٌّ كَبَائِعٍ لَهُ لَمْ يَقْبِضْ ثَمَنَهُ وَطَلَبَ مِنْ الْحَاكِمِ الْحَجْرَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْغَائِبِ حَيْثُ اسْتَحَقَّهُ فَيُجِيبُهُ وَلَا يُوفِي الدَّيْنَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ مُمَوِّنُ الْغَائِبِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ وَطَلَبَ قَضَاءَهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَوْ كَانَ نَحْوَ مَرْهُونٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى الدَّيْنِ فَلِلْقَاضِي بِطَلَبِ الْمُدَّعِي إجْبَارُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَخْذِ حَقِّهِ بِطَرِيقِهِ لِيَبْقَى الْفَاضِلُ لِلدَّيْنِ اهـ. وَلَوْ بَاعَ قَاضٍ مَالَ غَائِبٍ فِي دَيْنِهِ فَقَدِمَ وَأَبْطَلَ الدَّيْنَ بِإِثْبَاتِ نَحْوِ فِسْقِ الشَّاهِدِ بِهِ، فَالْمُتَّجَهُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ (فَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إنْهَاءَ الْحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ) أَوْ إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِنْ الْقُضَاةِ (أَجَابَهُ) حَتْمًا وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ قَاضِيَ ضَرُورَةٍ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ غَرِيمِهِ وَوُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ (فَيُنْهِي سَمَاعَ بَيِّنَةٍ) ثَبَتَ بِهَا الْحَقُّ ثُمَّ إنْ عَدَّلَهَا لَمْ يَحْتَجْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إلَى تَعْدِيلِهَا وَإِلَّا احْتَاجَ إلَيْهِ (لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ) الْحَقَّ وَخَرَجَ بِهَا عِلْمُهُ فَلَا يَكْتُبُ بِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ الْآنَ لَا قَاضٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْعُدَّةِ، لَكِنْ ذَهَبَ السَّرَخْسِيُّ إلَى خِلَافِهِ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ عِلْمَهُ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ إلَخْ، وَالْأَوْجَهُ جَوَازُ كِتَابَتِهِ بِسَمَاعِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ لِيَسْمَعَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ شَاهِدًا آخَرَ أَوْ يُحَلِّفَهُ لَهُ (أَوْ) يُنْهِيَ إلَيْهِ (حُكْمًا) إنْ حَكَمَ (لِيَسْتَوْفِيَ) الْحَقَّ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ هُنَا بُعْدُ الْمَسَافَةِ كَمَا يَأْتِي، وَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَمْضَاهُ إذْ الِاعْتِمَادُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَطَلَبَ مِنْ الْكَاتِبِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ الْبَيِّنَةَ الَّتِي سَمِعَهَا وَعَدَّلَهَا وَلَمْ يُسَمِّهَا لِيَقْدَحَ فِيهَا أَجَابَهُ، وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّ الْقَاضِي فُلَانًا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَانَ قَدْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ حُكِمَ بِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ لِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِأَصْلِ الْحَقِّ، وَقَوْلُهُمْ إذَا عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وَلِيَ أَعَادَهَا مَحَلَّهُ كَمَا بَيَّنَهُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا حَكَمَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حُكِمَ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ اسْتِعَادَتُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ حُكِمَ بِالْإِلْزَامِ بِالْحَقِّ، وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَوْ فَسَقَ وَالْكِتَابُ بِالسَّمَاعِ لَمْ يُقْبَلْ وَلَمْ يُحْكَمْ بِهِ كَمَا لَوْ فَسَقَ الشَّاهِدُ قَبْلَ الْحُكْمِ، وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ فِسْقُهُ قَبْلَ عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالسَّمَاعِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَدُّ بِكِتَابِ الْقَاضِي حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهِ، فَلَوْ طُلِبَ مِنْهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ يُقَدَّمُ مُمَوِّنُ الْغَائِبِ) أَيْ نَفَقَةُ مُمَوِّنِ الْغَائِبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَخْ (قَوْلُهُ: إذَا حَكَمَ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ حَكَمَ) لَعَلَّهُ عُزِلَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَوْ فَسَقَ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ (قَوْلُهُ: وَالْكِتَابُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
عَلَى غَائِبٍ
(قَوْلُهُ: أَوْ مَيِّتٍ) لَعَلَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ، أَمَّا مَنْ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَظَاهِرٌ أَنَّ وَارِثَهُ هُوَ الْمُطَالِبُ كَوَلِيِّ نَحْوِ الصَّبِيِّ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ نَحْوَ الصَّبِيِّ هُنَا (قَوْلُهُ: كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ) يُقَالُ عَلَيْهِ فَكَانَ اللَّائِقُ أَنْ لَا يَعْطِفَهُ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَجْعَلُهُ غَايَةً فِيهِ (قَوْلُهُ: أَوْ لَمْ يَحْكُمْ) هَذَا لَا يَنْسَجِمُ مَعَهُ تَفْصِيلُ الْمَتْنِ الْآتِي مِنْ جُمْلَتِهِ إنْهَاءُ الْحُكْمِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: ثَبَتَ بِهَا الْحَقُّ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ، إذْ لَا ثُبُوتَ إلَّا بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَلَيْسَ هُوَ فِي التُّحْفَةِ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِهَا عِلْمُهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ) وَجْهُ التَّأْيِيدِ قَبُولُ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ فِسْقُهُ قَبْلَ عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ) قَدْ يُقَالُ: إنَّ هَذَا صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ
(8/272)
الْحُكْمُ لِغَرِيبٍ حَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ بِبَلَدِ الْغَرِيبِ وَلَهُ بَيِّنَةٌ مِنْ بَلَدِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ وَهُمْ عَازِمُونَ عَلَى السَّفَرِ إلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً بِتَزْكِيَتِهِمْ عِنْدَ قَاضِي بَلَدِهِمْ لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنْ سَمِعَهَا لَمْ يَكْتُبْ بِهَا بَلْ يَقُولُ لَهُ اذْهَبْ مَعَهُمْ لِقَاضِي بَلَدِك وَبَلَدِ مِلْكِك لِيَشْهَدُوا عِنْدَهُ (وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يَشْهَدَ) ذَكَرَيْنِ (عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا جَرَى عِنْدَهُ مِنْ ثُبُوتٍ أَوْ حُكْمٍ وَيُعْتَبَرُ فِيهِ رَجُلَانِ وَلَوْ فِي مَالٍ أَوْ هِلَالِ رَمَضَانَ (وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ) لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ (يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمَحْكُومُ) أَوْ الْمَشْهُودُ (عَلَيْهِ) وَلَهُ مِنْ اسْمٍ وَنَسَبٍ وَصَنْعَةٍ وَحِلْيَةٍ وَأَسْمَاءِ الشُّهُودِ وَتَارِيخِهِ (وَيَخْتِمُهُ) نَدْبًا حِفْظًا لَهُ وَإِكْرَامًا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَخَتْمُ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِخَتْمِهِ أَنْ يَقْرَأَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ عَلَى الشَّاهِدِينَ وَيَقُولُ أُشْهِدُكُمَا أَنِّي كَتَبْت إلَى فُلَانٍ بِمَا فِيهِ، وَلَا يَكْفِي أُشْهِدكُمَا أَنَّ هَذَا خَطِّي أَوْ أَنَّ مَا فِيهِ حُكْمِي، وَيَدْفَعُ لَهُمَا نُسْخَةً أُخْرَى غَيْرَ مَخْتُومَةٍ يَتَذَكَّرَانِ بِهَا، وَلَوْ خَالَفَاهُ أَوْ انْمَحَى أَوْ ضَاعَ فَالْعِبْرَةُ بِقَوْلِهِمَا (وَ) بَعْدَ وُصُولِهِ لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ) مَا فِيهِ، وَفِي ذَلِكَ إيمَاءٌ إلَى اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْخَصْمِ وَإِثْبَاتِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فِي وَجْهِهِ أَوْ إثْبَاتِ غَيْبَتِهِ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ وَنُقِلَ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، وَذَهَبَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ أَكْثَرُ مُتَأَخِّرِي فُقَهَاءِ الْيَمَنِ لِأَنَّ الْقَاضِي الْمُنْهَى إلَيْهِ مُنَفِّذٌ لِمَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ الْأَوَّلِ لَا مُبْتَدِئٌ لِلْحُكْمِ، وَقَدْ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ بِأَنَّ التَّنْفِيذَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حُضُورُ الْخَصْمِ وَالدَّعْوَى عَلَيْهِ اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ التَّنْفِيذَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ هُنَا فَلَا يُقَالُ لَهُ تَنْفِيذٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنْ لَمْ يَحْكُمْ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ حَكَمَ وَلَمْ يَكُنْ بِمَحِلِّهِ مَالٌ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَحُكْمُهُ لَمْ يَتِمَّ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ عَدَمِ الْحُكْمِ، وَعَلَى كُلٍّ فَلَيْسَ مَا هُنَا مَحْضُ تَنْفِيذٍ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ حُكْمٌ احْتِيَاطًا (فَإِنْ قَالَ لَسْتُ الْمُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) فِي ذَلِكَ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ (وَعَلَى الْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) وَتَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ كَمَا أَخَذَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ) نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِهِمَا حُكِمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِإِنْكَارِهِ (فَإِنْ أَقَامَهَا) بِذَلِكَ (فَقَالَ لَسْتُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ) أَوْ كَانَ وَلَمْ يُعَاصِرْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) هُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ بِعِلْمِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَإِنْ سَمِعَهَا) أَيْ عَلَى خِلَافِ مَا طُلِبَ مِنْهُ أَوْ وَقَعَ سَمَاعُهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ: أَوْ إثْبَاتِ غَيْبَتِهِ) مُعْتَمَدٌ (قَوْلُهُ: بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ) هُوَ بِالرَّفْعِ خَبَرُ أَنَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: لِيَذْكُرَ الشَّاهِدُ الْحَالَ) اُنْظُرْ مَا مَوْقِعُ هَذَا هُنَا مَعَ أَنَّ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الشَّاهِدُ الْحَالَ هِيَ النُّسْخَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمُرَادُ بِخَتْمِهِ أَنْ يَقْرَأَهُ إلَخْ) عِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَخَتْمُ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَتْمِهِ جَعْلُ نَحْوِ شَمْعٍ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ لِأَنَّهُ يَنْحَفِظُ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُ بِهِ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَعَنْ هَذَا يُحْمَلُ مَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرْسِلُ كُتُبَهُ غَيْرَ مَخْتُومَةٍ فَامْتَنَعَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَبُولِهَا إلَّا مَخْتُومَةً، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَيُسَنُّ لَهُ ذِكْرُ نَقْشِ خَاتَمِهِ الَّذِي يَخْتِمُ بِهِ فِي الْكِتَابِ وَأَنْ يُثْبِتَ اسْمَ نَفْسِهِ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ وَعِنْوَانَهُ، وَقَبْلَ خَتْمِهِ يَقْرَؤُهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ إلَخْ، فَقَوْلُهُ وَقَبْلَ خَتْمِهِ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ الْقَافِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَكَانَ الشَّارِحُ ظَنَّ أَنَّهُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَأَنَّهُ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا مَرَّ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّمْ ذِكْرَ الْمُقَابِلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ بِرُمَّتِهَا لِزِيَادَةِ الْفَائِدَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ بِأَنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ إلَخْ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمُ إنَّ وَالْمَكْتُوبُ بَدَلٌ مِنْهُ وَاسْمُهُ وَنَسَبُهُ خَبَرُ إنَّ فَالْإِشَارَةُ لِلْمَكْتُوبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا، اسْمُ إنَّ وَالْمَكْتُوبُ مُبْتَدَأٌ وَاسْمُهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ الْمُبْتَدَإِ وَالْخَبَرِ خَبَرُ إنَّ، فَالْإِشَارَةُ لِلشَّخْصِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِيَتَأَتَّى لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إنْكَارُ كَوْنِهِ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ، وَالنَّظَرُ فِي أَنَّ هُنَاكَ مُشَارِكًا أَوْ لَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(8/273)
الْقَاضِي أَوْ بَيِّنَةٍ وَقَدْ عَاصَرَهُ وَأَمْكَنَتْ مُعَامَلَتُهُ لَهُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ أَيْ أَوْ مُعَامَلَةُ مُوَرِّثِهِ أَوْ إتْلَافُهُ لِمَالِهِ وَمَاتَ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ قَبْلَهُ وَقَعَ الْإِشْكَالُ فَيُرْسِلُهُ لِلْكَاتِبِ بِمَا يَأْتِي وَإِنْ لَمْ يَمُتْ (أُحْضِرَ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ طُولِبَ وَتَرَكَ الْأَوَّلَ) إنْ صَدَّقَ الْمُدَّعِي الْمُقِرَّ وَإِلَّا فَهُوَ مُقِرٌّ لِمُنْكِرٍ وَيَبْقَى طَلَبُهُ عَلَى الْأَوَّلِ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَنْكَرَ (بَعَثَ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَى الْكَاتِبِ) بِمَا وَقَعَ مِنْ الْإِشْكَالِ (لِيَطْلُبَ مِنْ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا) وَيُنْهِيهَا إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ (ثَانِيًا) فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْ مَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ وَقَفَ الْأَمْرُ إلَى تَبَيُّنِ الْحَالِ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَكَمٍ ثَانٍ بِمَا كَتَبَ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ لَكِنْ بِلَا دَعْوَى وَلَا حَلِفٍ (وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ) سَوَاءٌ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ (بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) وَلَوْ عُرْفِيًّا تَوَقَّفَ تَخْلِيصُ الْحَقِّ عَلَيْهِ نَظِيرَ مَا يَأْتِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ (فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ) أَيْ تَنْفِيذِهِ (إذَا عَادَ إلَى) مَحَلِّ (وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) الْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْشَاءِ، وَخَرَجَ بِهِ مَا لَوْ شَافَهَهُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ دُونَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا إذَا رَجَعَ إلَى مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ كَالشَّهَادَةِ (وَلَوْ نَادَاهُ) كَائِنَيْنِ (فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا) وَقَالَ لَهُ إنِّي حَكَمْتُ بِكَذَا (أَمْضَاهُ) أَيْ نَفَّذَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ وَلَوْ نَائِبًا وَمُسْتَنِيبًا وَشَافَهَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيُمْضِيهِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخَصْمُ (وَإِنْ) (اقْتَصَرَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ) (كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ) وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (وَيُسَمِّيهَا) وُجُوبًا وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهَا (إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا) لِيَبْحَثَ الْمَكْتُوبُ لَهُ عَنْ عَدَالَتِهَا وَغَيْرِهَا حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا، وَبَحَثَ الْبَغَوِيّ تَعَيُّنَ تَعْدِيلِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مَنْ يَعْرِفُهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ عَدَّلَهَا (فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ) وَلَوْ فِي غَيْرِ مَشْهُورِي الْعَدَالَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، لَكِنْ خَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِمَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهَا وَذَلِكَ اكْتِفَاءً بِتَعْدِيلِ الْكَاتِبِ إلَيْهَا، كَمَا أَنَّهُ إذَا حَكَمَ اسْتَغْنَى عَنْ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ، نَعَمْ إنْ كَانَتْ شَاهِدًا وَيَمِينًا أَوْ يَمِينًا مَرْدُودَةً وَجَبَ بَيَانُهَا لِأَنَّ الْإِنْهَاءَ قَدْ يَصِلُ لِمَنْ لَا يَرَى قَبُولَهَا وَالْحُكْمَ بِالْعِلْمِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَأَمْكَنَتْ مُعَامَلَتُهُ) أَيْ وَلَوْ بِالْمُكَاتَبَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ بِمَحَلٍّ بَعِيدٍ أَنَّهُ عَامَلَهُ أَمْسِ (قَوْلُهُ: وَقَفَ الْأَمْرُ) أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: تَبَيُّنِ الْحَالِ) أَيْ وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُرْفِيًّا) كَالْمُشَدِّ مَثَلًا بِشَرْطِ أَنْ يَنْحَصِرَ الْخَلَاصُ فِي الْإِنْهَاءِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَشَافَهَ أَحَدُهُمَا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْأَصِيلُ أَوْ النَّائِبُ (قَوْلُهُ: أَوْ يَمِينًا مَرْدُودَةً) فِي فَتَاوَى مَرَّ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ سُئِلَ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَيْفَ تَصْوِيرُهَا؟ فَأَجَابَ يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ غَابَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَيُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِمَا لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى غَائِبٍ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. وَقُلْنَا بِمَا يَأْتِي بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ مِنْ أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
بَعْدُ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْإِعْرَابِ الثَّانِي فَإِنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى عَيْنِهِ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَتَبَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَلَا نَظَرَ لِإِنْكَارِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدْ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْإِعْرَابِ الثَّانِي وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَدْ عَاصَرَهُ وَأَمْكَنَتْ مُعَامَلَتُهُ لَهُ) صَرِيحُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ ضَمِيرَيْ عَاصَرَهُ وَمُعَامَلَتُهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَأَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُعَاصَرَةِ الْمُدَّعِي وَمُعَامَلَتِهِ لِيَصِحَّ مَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَالضَّمِيرَانِ لِلْمُدَّعِي كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي ضَمِيرِ يُعَاصِرُهُ السَّابِقِ وَالضَّمَائِرِ الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عُرْفِيًّا) هُوَ غَايَةٌ فِي قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ كَمَا تُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ التُّحْفَةِ، لَكِنْ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ وَقْفَةٌ مَعَ تَعْبِيرِ الْمَتْنِ بِالْقَاضِي، إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ الْقَاضِي بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ) عِبَارَةُ الْمَنْهَجِ: فَهُوَ قَضَاءٌ بِعِلْمِهِ انْتَهَتْ، وَحِينَئِذٍ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ. (قَوْلُهُ: إلَيْهَا) اُنْظُرْ مَا مَوْقِعُهُ (قَوْلُهُ: وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ) اعْلَمْ أَنَّ هُنَا سَقْطًا فِي النَّسْخِ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ: وَالْحُكْمُ بِالْعِلْمِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَتْ، وَفِيمَا نَظَرَ بِهِ فِي التُّحْفَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْحُكْمِ الَّذِي قَدْ تَمَّ وَارْتَفَعَ بِهِ الْخِلَافُ وَبَيْنَ مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ، اللَّهُمَّ إلَّا
(8/274)
وَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْإِقْرَارِ لَزِمَهُ بَيَانُهُ، وَلَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ عَلَيْهِ لِقَبُولِ الْإِقْرَارِ لِلسُّقُوطِ بِدَعْوَى أَنَّهُ عَلَى رَسْمِ الْقُبَالَةِ فَيَطْلُبُ يَمِينَ خَصْمِهِ فَيَرُدُّهَا فَيَحْلِفُ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْآخَرَ إنَّمَا يَقْضِي بِقَوْلِهِمْ وَالْمَذَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ فَرُبَّمَا لَا يَرَى الْقَضَاءُ بِقَوْلِهِمْ وَلَا حَاجَةَ فِي هَذَا إلَى تَحْلِيفِ الْمُدَّعِي (وَالْكِتَابُ بِالْحُكْمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ) وَبُعْدِهَا (وَبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ لَا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ) فَيُقْبَلُ مِنْ الْحَاكِمِ وَهِيَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى الْآتِيَةِ لِسُهُولَةِ إحْضَارِ الْحُجَّةِ مَعَ الْقُرْبِ، وَأَخَذَ فِي الْمَطْلَبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَعَسَّرَ إحْضَارُهَا مَعَ الْقُرْبِ لِنَحْوِ مَرَضٍ قُبِلَ الْإِنْهَاءُ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَسَافَةِ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ لَا بِمَا بَيْنَ الْقَاضِي الْمُنْهِي وَالْغَرِيمِ، وَالْمُتَّجَهُ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَكَّمِ.
(فَصْلٌ) فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِمَحَلِّ وِلَايَةِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَلِهَذَا أَدْخَلَهُ عَلَى التَّرْجَمَةِ الْمُنَاسَبَةِ لَهَا، وَلَا فَرْقَ فِيمَا يَأْتِي بَيْنَ حُضُورِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَغَيْبَتِهِ إذَا (ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ) وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا مَرَّ (يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ) بِالشُّهْرَةِ أَوْ بِتَحْدِيدِ الْأَوَّلِ (سَمِعَ) الْقَاضِي (بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا) عَلَى حَاضِرٍ وَغَائِبٍ (وَكَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي) كَمَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَيَحْكُمُ بِهَا عَلَى الْغَائِبِ فِيمَا مَرَّ، وَغَلَّبَ غَيْرَ الْعَاقِلِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ الْأَكْثَرِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: 1] فَدَعْوَى أَنَّهُ خِلَافُ الصَّوَابِ غَيْرُ صَحِيحٍ (وَيَعْتَمِدُ فِي) مَعْرِفَةِ (الْعَقَارِ حُدُودَهُ) الْأَرْبَعَةَ إنْ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا بِهَا، وَإِلَّا فَالْمَعْرِفَةُ فِيهِ لَا تَتَقَيَّدُ بِهَا فَقَدْ يُعْرَفُ بِالشُّهْرَةِ التَّامَّةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ حَدٍّ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ لَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِ حُدُودِهِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ يَكْتَفِي بِثَلَاثَةٍ وَأَقَلَّ مِنْهَا، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا يَكْفِي ثَلَاثَةٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَمَيَّزَ بِهَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ تَمَيَّزَ بِحَدٍّ كَفَى، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ بَلَدِهِ وَسِكَّتِهِ وَمَحَلِّهِ مِنْهَا لَا قِيمَتِهِ لِحُصُولِ التَّمَيُّزِ بِدُونِهَا (أَوْ لَا يُؤْمَنُ) اشْتِبَاهُهَا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِمَّا ذُكِرَ (فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ) عَلَى عَيْنِهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ لِيُمَيِّزَهَا بِالصِّفَةِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى إقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهَا كَالْعَقَارِ. وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ (وَيُبَالِغُ) حَتْمًا (الْمُدَّعِي فِي الْوَصْفِ) لِلْمِثْلِيِّ بِمَا يُمْكِنُ الِاسْتِقْصَاءُ بِهِ لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ بِهِ الْحَاصِلُ غَالِبًا بِذَلِكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
يَجْعَلُ الْغَائِبَ كَالنَّاكِلِ فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ (قَوْلُهُ وَلَوْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْإِقْرَارِ) أَيْ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ عَلَى إقْرَارِ الْغَائِبِ.
(فَصْلٌ) فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ كِتَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ (قَوْلُهُ: أَوْ بِتَحْدِيدِ الْأَوَّلِ) أَيْ الْعَقَارِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ) أَيْ أَمْرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ (قَوْلُهُ: وَمَحَلُّهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ السِّكَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِفُ لَا يَرَاهُ حُكْمًا مُعْتَدًّا بِهِ بِحَيْثُ يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: وَلَا حَاجَةَ فِي هَذَا) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْإِنْهَاءُ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ.
[فَصْلٌ فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ]
(فَصْلٌ) فِي غَيْبَةِ الْمَحْكُومِ بِهِ
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي التَّرْجَمَةِ) أَيْ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقَدْ كَتَبَ الشِّهَابُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى هَذَا مَا لَفْظُهُ يُتَأَمَّلُ فَأَشَارَ إلَى التَّوَقُّفِ فِي هَذَا الْكَلَامِ (قَوْلُهُ: غَيْرُ صَحِيحٍ) كَانَ الظَّاهِرُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ (قَوْلُهُ: مِمَّا ذُكِرَ) شَمَلَ الْعَقَارَ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ لَا يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهُ، وَعِبَارَةُ التُّحْفَةِ كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ نَحْوِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ فَتُفِيدُ أَنَّ الْعَقَارَ لَا يَكُونُ إلَّا مَأْمُونَ الِاشْتِبَاهِ: أَيْ إمَّا بِالشُّهْرَةِ وَإِمَّا بِالْحُدُودِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: عَلَى عَيْنِهَا) الْأَوْلَى حَذْفُهُ
(8/275)
وَاشْتُرِطَتْ الْمُبَالَغَةُ هُنَا دُونَ السَّلَمِ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي ثَمَّ إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ الْمُنَافِيَةِ لِصِحَّتِهِ (وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ) حَتْمًا أَيْضًا فِي الْمُتَقَوِّمِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِدُونِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْقِيمَةِ وَفِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِ الْمُتَقَوِّمِ مَنْدُوبٌ كَمَا قَالَاهُ هُنَا، وَقَوْلُهُمَا فِي الدَّعَاوَى يَجِبُ وَصْفُ الْعَيْنِ بِصِفَةِ السَّلَمِ دُونَ قِيمَتِهَا مِثْلِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُتَقَوِّمَةً مَحْمُولٌ عَلَى عَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِالْبَلَدِ يُمْكِنُ إحْضَارُهَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَقَدْ أَشَارُوا لِذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِمْ هُنَا بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ وَثَمَّ بِوَصْفِ السَّلَمِ (وَ) الْأَظْهَرُ (أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهَا) أَيْ بِمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَعَ خَطَرِ الِاشْتِبَاهِ وَالْجَهَالَةِ بَعِيدٌ، وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ بِهَا اعْتِمَادًا عَلَى صِفَاتِهَا وَالْمُكَاتَبَةِ بِهَا وَمُقَابِلُهُ لَا يَنْظُرُ إلَى ذَلِكَ (بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ) الْبَيِّنَةُ، فَإِنْ أَظْهَرَ الْخَصْمُ ثَمَّ عَيْنًا أُخْرَى مُشَارِكَةً لَهَا بِيَدِهِ أَوْ يَدِ غَيْرِهِ أَشْكَلَ الْحَالُ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِدَافِعٍ عَمِلَ الْحَاكِمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهِ حَيْثُ وُجِدَ بِالصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الْكِتَابُ وَحِينَئِذٍ (فَيَأْخُذُهُ) مِمَّنْ هُوَ عِنْدَهُ (وَيَبْعَثُهُ إلَى) الْقَاضِي (الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ) لِيَحْصُلَ الْيَقِينُ (وَ) لَكِنَّ (الْأَظْهَرَ أَنَّهُ) لَا (يُسَلِّمُهُ لِلْمُدَّعِي) إلَّا (بِكَفِيلٍ) وَيُتَّجَهُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِ ثِقَةً مَلِيئًا قَادِرًا لِيُطِيقَ السَّفَرَ لِإِحْضَارِهِ وَلِيُصَدَّقَ فِي طَلَبِهِ (بِبَدَنِهِ) احْتِيَاطًا لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ لَمْ تُعَيِّنْهُ الشُّهُودُ طُولِبَ بِرَدِّهِ، نَعَمْ الْأَمَةُ الَّتِي يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْخَلْوَةُ بِهَا لَا يُرْسِلُهَا مَعَهُ بَلْ مَعَ أَمِينٍ فِي الرُّفْقَةِ مَعَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى نَحْوِ مَحْرَمٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَمْنَعُ الْخَلْوَةَ، وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ اعْتِبَارَ ذَلِكَ يَشُقُّ فَسُومِحَ فِيهِ مُرَاعَاةً لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى الْعَيْنِ وَأَنْ يُعَلِّقَ قِلَادَةً بِعُنُقِ الْحَيَوَانِ بِخَتْمٍ لَازِمٍ لِئَلَّا يُبَدَّلَ بِمَا يَقَعُ اللَّبْسُ بِهِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ (فَإِنْ) ذَهَبَ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِب وَ (شَهِدُوا) عِنْدَهُ (بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ) بَعْدَ تَتْمِيمِ الْحُكْمِ وَتَسْلِيمِ الْعَيْنِ لِلْمُدَّعِي وَلَمْ يَحْتَجْ لِإِرْسَالِ ثَانٍ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ (فَعَلَى الْمُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ) كَالذَّهَابِ لِظُهُورِ تَعَدِّيهِ، وَعَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ لِأَنَّهُ عَطَّلَهَا عَلَى صَاحِبِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ أَنَّ الْقَاضِي يَبِيعُهُ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ يَقْبِضُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَيَضَعُهُ عِنْدَ عَدْلٍ أَوْ يَكْفُلُهُ بِالثَّمَنِ، فَإِنْ سَلَّمَ اسْتَرَدَّ الْمَالَ وَبَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ، وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَذَا بَيْعٌ يَتَوَلَّاهُ الْقَاضِي لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا يَبِيعُ الضَّوَالَّ
(أَوْ) ادَّعَى عَيْنًا (غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ) أَوْ قَرِيبَةً مِنْ الْبَلَدِ وَسَهُلَ إحْضَارُهَا كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَابْنِ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ حَيْثُ قَالَ: الْغَائِبَةُ عَنْ الْبَلَدِ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى كَاَلَّتِي بِالْبَلَدِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وُجُوبِ الْإِحْضَارِ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا وَلَيْسَتْ مَشْهُورَةً لِلنَّاسِ (أَمَرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ) أَيْ يَتَيَسَّرُ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ (إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ) لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ، أَمَّا غَيْرُهُ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ كَعَقَارٍ فَيُحَدِّدُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ طَلَبِ زِيَادَةِ تَمْيِيزِ الْمُدَّعَى بِهِ (قَوْلُهُ لِيَحْصُلَ الْيَقِينُ) هُوَ مُرَادِفٌ لِلْعِلْمِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْيَقِينُ حُكْمُ الذِّهْنِ الْجَازِمُ الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الشَّكُّ وَالْعِلْمُ أَعَمُّ، فَلَا يُقَالُ تَيَقَّنْتُ أَنَّ الْوَاحِدَ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَنْسَبُ التَّعْبِيرَ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَعْرُوفَةَ لِلشُّهُودِ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى مَعْرِفَتِهَا شَكٌّ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: جَرَى هُنَا عَلَى كَلَامِ غَيْرِ هَذَا الْبَعْضِ، أَوْ يَمْنَعُ أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَتَطَرَّقُ لَهُمْ شَكٌّ فِي الْعَيْنِ الْمَرْئِيَّةِ بَعْدَ غَيْبَتِهَا (قَوْلُهُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهُ) زِيَادَةُ لَا مَعَ إلَّا تُوهِمُ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَظْهَرِ يَقُولُ يُسَلِّمُهُ لَهُ بِلَا كَفِيلٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي وَمُقَابِلُ الْأَظْهَرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَيْنٍ حَاضِرَةٍ بِالْبَلَدِ إلَخْ) تَبِعَ هُنَا الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُ ثَمَّ فِي الدَّعَاوَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْقِيمَةِ فِي الْعَيْنِ الْمُتَقَوِّمَةِ الْحَاضِرَةِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ هُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَهِيَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ مَلِيئًا) تَوَقَّفَ ابْنُ قَاسِمٍ فِي اشْتِرَاطِ هَذَا، قَالَ: إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَتَأَتَّى مَعَهُ السَّفَرُ
(قَوْلُهُ: وَالْقَاضِي لَا يُعْرَفُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمَطْلَبِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ تَقْيِيدًا لِلْمَتْنِ
(8/276)
وَيَصِفُ مَا يَعْسُرُ إحْضَارُهُ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِحُدُودِهِ أَوْ صِفَاتِهِ أَوْ يَحْضُرُ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ وَلَا يَشْهَدُونَ هُنَا بِصِفَةٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ، فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ: إنَّمَا نَعْرِفُ عَيْنَهُ فَقَطْ تَعَيَّنَ حُضُورُ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَحْدُودَ فِي الدَّعْوَى حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا، وَفِي ثَقِيلٍ وَمُثَبَّتٍ وَكُلِّ مَا يَعْسُرُ إحْضَارُهُ يَحْضُرُ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ كَمَا ذُكِرَ وَأَمَّا مَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي فَإِنْ عَرَفَهُ النَّاسُ أَيْضًا فَلَهُ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارٍ وَإِنْ اخْتَصَّ بِهِ الْقَاضِي، فَإِنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ نَفَذَ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بِالصِّفَةِ كَمَا قَالَ
(وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ) لِعَيْنٍ غَائِبَةٍ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ، نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاسْتِيلَائِهِ عَلَى كَذَا وَوَصَفَهُ الشُّهُودُ سُمِعَتْ، وَفِيمَا إذَا لَمْ تُسْمَعْ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا لِتُسْمَعَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا، وَإِنَّمَا سُمِعَتْ فِي الْغَائِبَةِ عَنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَيْنِ وَإِنْ غَابَتْ عَنْ الشُّهُودِ بَعْدَ التَّحَمُّلِ، وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ مُلَازَمَتَهَا لَهَا مِنْ التَّحَمُّلِ إلَى الْأَدَاءِ (وَإِذَا وَجَبَ إحْضَارٌ فَقَالَ) عِنْدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَكِنَّهَا غَائِبَةٌ غَرِمَ قِيمَتَهَا لِلْحَيْلُولَةِ، أَوْ (لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (ثُمَّ) بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُلِكَتْ (فَإِنْ نَكِلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً) بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْصُوفَةَ كَانَتْ بِيَدِهِ وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا مِلْكُ الْمُدَّعِي (كُلِّفَ الْإِحْضَارَ) لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا مَرَّ (وَحُبِسَ عَلَيْهِ) لِامْتِنَاعِهِ مِنْ حَقٍّ لَزِمَهُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ عُذْرًا فِيهِ (وَلَا يُطْلَقُ إلَّا بِإِحْضَارٍ) لِلْمَوْصُوفِ (أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ) لَهُ مَعَ الْحَلِفِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَأْخُذُ مِنْهُ الْقِيمَةَ أَوْ الْمِثْلَ وَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَإِنْ نَاقَضَ قَوْلَهُ الْأَوَّلَ لِلضَّرُورَةِ، نَعَمْ لَوْ أَضَافَ التَّلَفَ إلَى جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ بِهَا ثُمَّ يَحْلِفُ عَلَى التَّلَفِ بِهَا كَالْمُودِعِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ
(وَلَوْ شَكَّ الْمُدَّعِي هَلْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةَ أَمْ لَا) الْأَفْصَحُ أَوْ (فَيَدَّعِيهَا فَقَالَ: غُصِبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ) فِي الْمُتَقَوِّمِ وَمِثْلُهُ فِي الْمِثْلِيِّ (سُمِعَتْ دَعْوَاهُ) وَإِنْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً لِلْحَاجَةِ ثُمَّ إنَّ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَاكَ وَإِلَّا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا بَدَلُهَا وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي كَمَا ادَّعَى كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ (وَقِيلَ) لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِلتَّرَدُّدِ (بَلْ يَدَّعِيهَا) أَيْ الْعَيْنَ (وَيُحَلِّفُهُ) عَلَيْهَا (ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ) إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِلَّا فَالْمِثْلَ (وَيَجْرِيَانِ) أَيْ الْوَجْهَانِ (فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ أَمْ أَتْلَفَهُ ف) يَطْلُبُ (قِيمَتَهُ أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ) فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَدَّعِي أَنَّ عَلَيْهِ رَدَّهُ أَوْ ثَمَنَهُ إنْ بَاعَ وَأَخَذَهُ أَوْ قِيمَتَهُ إنْ أَتْلَفَهُ وَيَحْلِفُ الْخَصْمُ يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ وَلَا ثَمَنُهُ وَلَا قِيمَتُهُ، فَإِنْ رَدَّ حَلَفَ الْمُدَّعِي كَمَا ادَّعَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
(قَوْلُهُ فَإِنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ) أَيْ إنْ قُلْنَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ بِأَنْ كَانَ مُجْتَهِدًا
(قَوْلُهُ: غَرِمَ قِيمَتَهَا) أَيْ وَقْتَ طَلَبِهَا مِنْهُ لَا أَقْصَى الْقِيَمِ فِيمَا يَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: إنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ بِتَقْصِيرٍ (قَوْلُهُ: فَإِنْ رُدَّ حَلَفَ الْمُدَّعِي كَمَا ادَّعَى) أَيْ وَعَلَيْهِ فَمَاذَا يَلْزَمُهُ: أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا بَيَّنَ بِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يَشْهَدُونَ هُنَا بِصِفَةٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ) هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ فَاللَّائِقُ الضَّرْبُ عَلَى هَذَا (قَوْلُهُ: فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ إنَّمَا نَعْرِفُ إلَخْ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَمَّا غَيْرُهُ الَّذِي لَمْ يَشْتَهِرْ (قَوْلُهُ: وَفِي ثَقِيلٍ وَمُثْبَتٍ إلَخْ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي) هَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ الْمَارِّ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا إلَخْ فَهُوَ فِيمَا يَسْهُلُ إحْضَارُهُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَابَتْ عَنْ الشُّهُودِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِغَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ، أَمَّا هِيَ فَلَا خَفَاءَ أَنَّهَا لَا تَتَأَتَّى الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهَا إذَا احْتَاجَ الْأَمْرُ إلَيْهِ إلَّا مَعَ الْمُلَازَمَةِ الْمَذْكُورَةِ، إذْ هِيَ بِمُجَرَّدِ غَيْبَتِهَا عَنْ الشُّهُودِ تَنْبَهِمُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ شَيْءٍ يُمَيِّزُهَا
(8/277)
وَإِلَّا كُلِّفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيَانَ وَيَحْلِفُ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ، فَإِنْ رُدَّ حَلَفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ التَّلَفَ ثُمَّ يُحْبَسُ لَهُ (وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ فَثَبَتَتْ لِلْمُدَّعِي اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ الْمُحْوِجُ لِذَلِكَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ (فَهِيَ) أَيْ مُؤْنَةُ الْإِحْضَارِ (وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ) لِلْعَيْنِ إلَى مَحَلِّهَا (عَلَى الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ الْمُحْوِجُ لِلْغُرْمِ وَعَلَيْهِ أَقْصَى أُجْرَةِ مِثْلِ مَنَافِعِ تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ غَابَتْ عَنْ الْبَلَدِ لَا الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَنَفَقَتُهَا إلَى أَنْ تَثْبُتَ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ بِاقْتِرَاضٍ ثُمَّ عَلَى الْمُدَّعِي. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ غَابَ شَخْصٌ وَلَيْسَ لَهُ وَكِيلٌ وَلَهُ مَالٌ وَأَنْهَى إلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبِعْهُ اخْتَلَّ مُعْظَمُهُ لَزِمَهُ بَيْعُهُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِسَلَامَتِهِ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ: أَنَّ لِلْقَاضِي بَيْعَ مَالِ الْغَائِبِ بِنَفْسِهِ أَوْ قَيِّمِهِ إذَا احْتَاجَ إلَى نَفَقَةٍ، وَكَذَا إذَا خَافَ فَوْتَهُ أَوْ كَانَ الصَّلَاحُ فِي بَيْعِهِ، وَلَا يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِذَا قَدِمَ لَمْ يَنْقُضْ بَيْعَ الْحَاكِمِ وَلَا إيجَارَهُ، وَإِذَا أُجْبِرَ بِغَصْبِ مَالِهِ وَلَوْ قَبْلَ غَيْبَتِهِ أَوْ بِجَحْدِ مَدِينِهِ وَخَشِيَ فَلَسَهُ فَلَهُ نَصْبُ مَنْ يَدَّعِيهِ وَلَا يَسْتَرِدُّ وَدِيعَتَهُ. وَأَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ فِيمَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ وَلَهُ دَيْنٌ خُشِيَ تَلَفُهُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ يَغْصِبُ مَنْ يَسْتَوْفِيهِ وَيُنْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ، وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمُصَنِّفِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِيمَا لِلْغَائِبِ مِنْ دَيْنٍ وَعَيْنٍ فَظَاهِرُهُ فِي مَوْضِعٍ مَنْعُ الْحَاكِمِ مِنْ قَبْضِهَا، وَفِي آخَرَ جَوَازُهُ فِيهِمَا، وَفِي آخَرَ جَوَازُهُ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ بَقَاءَ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ أَحْرَزُ مِنْهُ فِي يَدِ الْحَاكِمِ لِصَيْرُورَتِهِ أَمَانَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَمَرَّ فِي الْفَلَسِ عَنْ الْفَارِقِيِّ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيئًا، وَإِلَّا وَجَبَ أَخْذُهُ مِنْهُ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَالْأَذْرَعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّ مَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ فَوَاتُهُ عَلَى مَالِكِهِ لِفَلَسٍ أَوْ جَحْدٍ أَوْ فِسْقٍ يَجِبُ أَخْذُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مَنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ قَبْضَهَا مِنْهُ بِسَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَفِي الْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي قَاضٍ أَمِينٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْوَدِيعَةِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ قَبْضُ دَيْنِ حَاضِرٍ مُمْتَنِعٍ مِنْ قَبُولِهِ بِلَا عُذْرٍ وَالْغَائِبُ مِثْلُهُ، وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَوَرِثَهُ مَحْجُورُ وَلِيِّهِ الْحَاكِمُ لَزِمَهُ طَلَبُ وَقَبْضُ جَمِيعِ مَالِهِ مِنْ عَيْنٍ وَدَيْنٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلَهُ: ثُمَّ يُحْبَسُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ أَقْصَى أُجْرَةِ مِثْلِ) أَيْ فَلَوْ اخْتَلَفَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَأَنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحُضُورِ وَالرَّدِّ شَهْرًا وَمَنْفَعَتُهُ فِي بَعْضِهَا عَشَرَةٌ وَفِي الْبَعْضِ الْآخَرِ عِشْرُونَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَقْصَى أُجْرَةِ إلَخْ خِلَافُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَنَفَقَتُهَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (قَوْلُهُ: فِي بَيْتِ الْمَالِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَقِيَاسُ مَا بَعْدَهُ أَنَّهُ قَرْضٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ بِاقْتِرَاضٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا حَيْثُ ثَبَتَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ تَكُونُ تَبَرُّعًا (قَوْلُهُ: وَأَنْهَى إلَى الْحَاكِمِ) أَيْ اتَّفَقَ أَنَّ شَخْصًا مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ أَخْبَرَ الْحَاكِمَ بِذَلِكَ، وَيَنْبَغِي وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ لِلْقَاضِي) قَضِيَّتُهُ جَوَازُ ذَلِكَ وَقِيَاسُ مَا قَبْلَهُ الْوُجُوبُ (قَوْلُهُ: وَلَا إيجَارَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِفِعْلِ ذَلِكَ شَرْعًا فَنَزَلَ تَصَرُّفُهُ مَنْزِلَةَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ الْمَالِكِ (قَوْلُهُ وَإِذَا أَخْبَرَ) أَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ: وَأَفْتَى الْأَذْرَعِيُّ فِيمَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ) قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ غَابَ وَتَرَكَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ بِلَا مُنْفِقٍ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي قَبْضُ شَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ لِيَصْرِفَهُ عَلَى عِيَالِهِ، وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا (قَوْلُهُ: عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا) أَيْ مَا لَمْ يَنْهَ مَالِكُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْحَيَوَانِ اهـ حَجّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
(قَوْلُهُ: فِي بَيْتِ الْمَالِ) أَيْ مَجَّانًا بِدَلِيلِ عَطْفِ الْقَرْضِ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الصَّلَاحُ فِي بَيْعِهِ) شَمَلَ نَحْوَ زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ.
(8/278)
(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ (الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ) الدَّعْوَى وَ (الْبَيِّنَةُ) عَلَيْهِ (وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ) لِسُهُولَةِ إحْضَارِ الْقَرِيبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ عَلَى غَائِبٍ فَبَانَ كَوْنُهُ حِينَئِذٍ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ تَبَيَّنَ فَسَادُ الْحُكْمِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَدَعْوَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِمْ الصِّحَّةُ مَمْنُوعَةٌ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ بَانَ كَمَالُهُ، وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَقَالَ وَلَوْ بِلَا بَيِّنَةٍ كُنْت بِعْت أَوْ أَعْتَقْت قَبْلَ بَيْعِ الْحَاكِمِ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ تَصَرُّفِ الْحَاكِمِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ بَانَ الْمُدَّعَى مَوْتُهُ حَيًّا بَعْدَ بَيْعِ الْحَاكِمِ مَا لَهُ فِي دَيْنِهِ، قَالَ أَبُو شُكَيْلٍ الْيَمَنِيُّ: بَانَ بُطْلَانُهُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا لِتَبَيُّنِ بَقَائِهِ لَا حَالًّا لِأَنَّ الدَّيْنَ يَلْزَمُهُ وَفَاؤُهُ حَالًّا انْتَهَى. وَإِنَّمَا يُسَلَّمُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْحَالِ إذَا بَانَ مُعْسِرًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَ الْمَبِيعِ أَوْ يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَظَهَرَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِ الْمَبِيعِ لَوْ ظَهَرَ لَهُ الْحَالُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ بَانَ أَنْ لَا دَيْنَ بَانَ أَنْ لَا بَيْعَ كَمَا لَا يَخْفَى (وَهِيَ) أَيْ الْبَعِيدَةُ (الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا) أَيْ أَوَائِلَهُ وَهُوَ مَا يَنْتَهِي فِيهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا، قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْحُضُورِ مِنْهَا مَشَقَّةً بِمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ لَيْلًا، وَإِنَّمَا عَلَّقْنَا مِنْهَا بِمُبَكِّرٍ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْمُرَادِ عَلَيْهِ مَعَ جَعْلِ إلَى مَوْضِعِهِ مِنْ إظْهَارِ الْمُضْمَرِ: أَيْ لَا يَرْجِعُ مُبَكِّرٌ مِنْهَا لِبَلَدِ الْحَاكِمِ إلَيْهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ بَلْ بَعْدَهُ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ تَعْبِيرُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ مِنْهَا يَعُودُ لِلْبَعِيدَةِ وَهِيَ لَيْسَتْ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا بَلْ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَنْ يَخْرُجُ بُكْرَةً مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى بَلَدِ الْحَاكِمِ، فَلَوْ قَالَ الَّتِي لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بُكْرَةً لِبَلَدِ الْحَاكِمِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهَا لَيْلًا لَوْ عَادَ فِي يَوْمِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُحَاكَمَةِ لَوَفَّى بِالْمَقْصُودِ انْتَهَى. وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِالْيَوْمِ الْمُعْتَدِلِ، وَيُتَّجَهُ أَنَّ الْمُرَادَ زَمَنُ الْمُخَاصَمَةِ الْمُعْتَدِلَةِ مِنْ دَعْوَى وَجَوَابٍ وَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ حَلِفٍ وَتَعْدِيلِهَا وَأَنَّ الْعِبْرَةَ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ لِأَنَّهُ الْمُنْضَبِطُ (وَقِيلَ) هِيَ (مَسَافَةُ الْقَصْرِ) لِاعْتِبَارِهَا فِي الشَّرْعِ فِي أَمَاكِنَ. وَرُدَّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ فِي وِلَايَةِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا سَمِعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةَ وَحَكَمَ وَكَاتَبَ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَتْ النُّوَّابُ أَوْ الْمُسْتَقِلُّونَ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَحُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ فَطَلَبَ مِنْ قَاضٍ مِنْهُمْ الْحُكْمَ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي حَدِّهِ قَبْلَ حُضُورِهِ حَكَمَ وَكَاتَبَ لِأَنَّهُ غَائِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْمَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ خُصُوصًا إنْ لَمْ تَفْحُشْ سَعَةُ الْبَلْدَةِ (وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ) أَيْ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ وَلَوْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَجْرِي ذَلِكَ) أَيْ فَسَادُ الْحُكْمِ (قَوْلُهُ: بَانَ كَمَالُهُ) أَيْ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَى وَلِيِّهِ (قَوْلُهُ: وَقَالَ وَلَوْ بِلَا بَيِّنَةٍ) أَيْ وَلَوْ فَاسِقًا وَكَافِرًا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى يَمِينٍ أَمْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ تَحْلِيفُهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَنْتَهِي فِيهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا يَرْجِعُونَ إلَّا فِي نَحْوِ ثُلُثِ اللَّيْلِ (قَوْلُهُ: وَرُدَّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ]
فَصْلٌ) فِي بَيَانِ مَنْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ
(قَوْلُهُ: لِسُهُولَةِ إحْضَارِ الْقَرِيبِ) أَيْ الَّذِي فِي وِلَايَتِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ إنَّمَا هُوَ إذَا بَطَلَ الدَّيْنُ بَعْدَ حُضُورِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَانَ أَنْ لَا دَيْنَ إلَخْ) قَدْ قَدَّمَ هَذَا وَنَبَّهَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرُّويَانِيِّ فِيهِ (قَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ فِي وِلَايَةِ الْحَاكِمِ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا، وَأَنَّ مَحَلَّهُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ كَحَاضِرٍ إلَخْ، أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ هَذَا أَصْلًا وَلَا إلَى نِسْبَتِهِ إلَى الْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ عَيْنُ قَوْلِ
(8/279)
بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَتَأَتَّى حُضُورُهُ (كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ) دَعْوَى وَلَا (بَيِّنَةٌ) عَلَيْهِ (وَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ) بَلْ يَجِبُ إحْضَارُهُ لِسُهُولَةِ ذَلِكَ لِيَدْفَعَ إنْ شَاءَ أَوْ يُقِرَّ فَيُغْنِي عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالنَّظَرِ فِيهَا (إلَّا لِتَوَارِيهِ) أَوْ حَبْسِهِ بِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَيْهِ أَوْ هَرَبِهِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ (أَوْ تَعَزُّرِهِ) أَيْ تَغَلُّبِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ، لَكِنْ بَعْدَ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ عَلَى أَرْجَحِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبَعًا لِجَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ احْتِيَاطًا لِلْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ تَقْصِيرُهُ وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْحُضُورِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ جُعِلَ الْآخَرُ فِي حُكْمِ النَّاكِلِ، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يُحْكَمُ لَهُ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِهِ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّدَاءِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ جُعِلَ نَاكِلًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ الْمَالَ (وَمَنْعُهُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى) وَتَعَازِيرِهِ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ، وَمَا فِيهِ الْحَقَّانِ كَالسَّرِقَةِ يُقْضَى فِيهِ بِالْمَالِ لَا الْقَطْعِ. وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا كَالْأَمْوَالِ فَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَأْخُذَ بِالْعُقُوبَةِ. وَالثَّالِثُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا لِخَطَرِ الدِّمَاءِ وَالْحَدُّ يُسْعَى فِي دَفْعِهِ وَلَا يُوَسِّعُ بَابَهُ وَحُقُوقُهُ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى غَائِبٍ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَأَنْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْتُهَا أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْهَا وَلِي بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجْتُ إلَيْهِ يُطَالِبُنِي وَيَجْحَدُ الْقَبْضَ وَالْإِبْرَاءَ وَلَا أَجِدُ حِينَئِذٍ الْبَيِّنَةَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لَمْ يُجِبْهُ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ، وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ
(وَلَوْ) (سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ) وَلَوْ (قَبْلَ الْحُكْمِ) (لَمْ يَسْتَعِدْهَا) أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ لِوُقُوعِ ذَلِكَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ مِنْ إبْدَاءِ قَادِحٍ أَوْ رَافِعٍ (بَلْ يُخْبِرُهُ) بِالْحَالِ فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى إخْبَارِهِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْإِعْزَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْحُكْمِ، وَرَدَّهُ تِلْمِيذُهُ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ لِحُضُورِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ فَهُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الدَّفْعِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَعْلَمْ فَاشْتُرِطَ إعْلَامُهُ (وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ) أَوْ نَحْوِهِ كَإِثْبَاتِ نَحْوِ فِسْقٍ وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ
وَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَرِّخَ الْجَرْحَ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ أَوْ قَبْلَهَا وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَقَدْ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ مَسَائِلَ لَهَا نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِالْبَابِ فَقَالَ (وَلَوْ) (عُزِلَ) أَوْ انْعَزَلَ (بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
وَهُوَ الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ هُنَا (قَوْلُهُ: وَحُقُوقُهُ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ) أَيْ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ) الْأَلْفُ مُذَكَّرٌ وَحَيْثُ أُنِّثَ فَيُؤَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ نَحْوِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُخْتَارِ: الْأَلْفُ عَدَدٌ وَهُوَ مُذَكَّرٌ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجِبْهُ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بَلْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ هَذَا جَوَابًا لَهُ، فَلَوْ قَالَ فَإِنْ كَانَ قَالَهُ إلَخْ كَانَ أَوْلَى
(قَوْلُهُ: بِأَنَّ الْإِعْذَارَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) أَيْ الِاعْتِرَافُ بِمَا يُرِيدُ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِهِ وَأَبْدَى عُذْرًا فِي عَدَمِ الِاعْتِرَافِ بِهِ أَوَ لَا مَثَلًا، وَفِي الْمُخْتَارِ أَعْذَرَ: صَارَ ذَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لِحُضُورِهِ) أَيْ ثَمَّ (قَوْلُهُ: وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ وُجُوبًا
(قَوْلُهُ: وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ) أَيْ وَهِيَ سَنَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ انْعَزَلَ) أَيْ بِفِسْقٍ مَثَلًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْمُصَنِّفِ الْآتِي أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: جَعَلَ الْآخَرَ فِي حُكْمِ النَّاكِلِ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالْمُتَوَارِي وَالْمُتَعَزَّزِ بِخِلَافِ الْمَحْبُوسِ الَّذِي زَادَهْ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: لَمْ يُجِبْهُ) الْأَصْوَبُ حَذْفُهُ (قَوْلُهُ: فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِاعْتِرَافِهِ مَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَقُولَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ مَثَلًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ: أَيْ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ
(8/280)
ثُمَّ وَلِيَ) وَلَمْ يَكُنْ حَكَمَ بِقَبُولِهَا كَمَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَجَبَتْ الِاسْتِعَادَةُ) وَلَا يَحْكُمُ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ بَطَلَ بِالِانْعِزَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ثُمَّ عَادَ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ حَكَمَ بِقَبُولِهَا فَإِنَّ لَهُ الْحُكْمَ بِالسَّمَاعِ الْأَوَّلِ، وَلَا أَثَرَ لِإِشْهَادِهِ عَلَى نَفْسِهِ لِلسَّمَاعِ لِانْتِفَاءِ كَوْنِهِ حُكْمًا عَلَى الرَّاجِحِ (وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ) بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ) أَهْلٌ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى، وَالْجَوَابِ: أَيْ طُلِبَ مِنْهُ إحْضَارُهُ (أَحْضَرَهُ) وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ مُحَالًا عَادَةً كَوَزِيرٍ ادَّعَى عَلَيْهِ وَضِيعٌ بِأَنَّهُ اكْتَرَاهُ لِشَيْلِ زِبْلٍ مَثَلًا فَيَلْزَمُهُ الْإِحْضَارُ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ يَكُونُ قَدْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَلَزِمَ مِنْ حُضُورِهِ تَعْطِيلُ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يُحْضِرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ أَمَدُ الْإِجَارَةِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُتَّجَهُ ضَبْطُ التَّعْطِيلِ الْمُضِرِّ بِأَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ، فَالْأَوْجَهُ أَمْرُهُ بِالتَّوْكِيلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَيَحْضُرُ الْيَهُودِيُّ يَوْمَ سَبْتِهِ، وَالْمُخَدَّرَةُ إذَا لَزِمَتْهَا يَمِينٌ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهَا مَنْ يُحَلِّفُهَا كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُ الْجَوَاهِرِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ يُسَنُّ ذَلِكَ مَرْدُودٌ (بِدَفْعِ خَتْمِ طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ) مَكْتُوبٍ فِيهِ أَجِبْ الْقَاضِيَ فُلَانًا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَادًا ثُمَّ هُجِرَ وَاعْتِيدَ الْكِتَابَةُ فِي الْوَرَقِ قِيلَ وَهُوَ أَوْلَى (أَوْ مُرَتِّبٍ لِذَلِكَ) وَهُوَ الْعَوْنُ الْمُسَمَّى الْآنَ بِالرَّسُولِ، وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْوِيعِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْحَاوِي، وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّي بِهِ الِاجْتِهَادُ إلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْخَتْمِ وَضَعْفِهِ، وَفِي الِاسْتِقْصَاءِ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْعَوْنَ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْمَجِيءِ بِالْخَتْمِ لِأَنَّ الطَّالِبَ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِ أُجْرَتِهِ مِنْهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ مُطْلَقًا حَيْثُ لَمْ يُرْزَقْ الْعَوْنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَقَضِيَّةُ مَا يَأْتِي فِي أَعْوَانِ السُّلْطَانِ أَنَّهَا عَلَى الْمُمْتَنِعِ هُنَا أَيْضًا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأُجْرَةُ الْمُلَازِمِ عَلَى الْمُدَّعِي بِخِلَافِ الْحَبْسِ، لَكِنْ ذَهَبَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الطَّالِبِ وَإِنْ امْتَنَعَ خَصْمُهُ مِنْ الْحُضُورِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُصَدِّقُهُ عَلَى الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ مَعَهُ بِقَوْلِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرِ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ، وَفَصَّلَ فِي أُجْرَةِ الْمُلَازِمِ فَجَعَلَهَا عَلَى الْمَدْيُونِ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَإِلَّا فَعَلَى الطَّالِبِ، وَمَحَلُّ لُزُومِ إجَابَةِ الْحُضُورِ مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِي الْمَطْلُوبَ إلَيْهِ يَقْضِي عَلَيْهِ بِجَوْرٍ بِرِشْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَإِلَّا فَلَهُ الِامْتِنَاعُ بَاطِنًا، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَلَا وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَتَى وَكَّلَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) مِنْ الْحُضُورِ مِنْ مَحَلٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ مِنْهُ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَوْ بِقَوْلِ عَوْنٍ ثِقَةٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ) وَأُجْرَتُهُمْ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ (وَعَزَّرَهُ) إنْ رَأَى ذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ، وَلَوْ اسْتَخْفَى نُودِيَ عَلَيْهِ مُتَكَرِّرًا بِبَابِ دَارِهِ إنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سُمِّرَ بَابُهُ أَوْ خُتِمَ وَسُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَحُكِمَ بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدَهَا وَسَأَلَ الْمُدَّعِي أَحَدَهُمَا وَأَثْبَتَ أَنَّهُ يَأْوِي دَارِهِ أَجَابَهُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّسْمِيرَ إذَا أَفْضَى إلَى نَقْصٍ لَا يَفْعَلُهُ إلَّا فِي مَمْلُوكٍ لَهُ، بِخِلَافِ الْخَتْمِ ثُمَّ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهَا بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: أَيْ طُلِبَ مِنْهُ إحْضَارُهُ) يُقَالُ اسْتَعْدَيْت الْأَمِيرُ عَلَى فُلَانٍ فَأَعْدَانِي: أَيْ اسْتَعَنْت بِهِ عَلَيْهِ فَأَعَانَنِي اهـ مُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَلَّتْ) أَيْ كَدِرْهَمٍ (قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ أَمْرُهُ بِالتَّوْكِيلِ) أَيْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ يُعَطِّلُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَوْلَى) لَعَلَّ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ مَا فِي الطِّينِ مِنْ الْقَذَارَةِ (قَوْلُهُ: أُجْرَةُ الْمُلَازِمِ) وَمِنْهُ السَّجَّانُ (قَوْلُهُ لَكِنْ ذَهَبَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إلَخْ) ضَعِيفٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِقَوْلِ عَوْنٍ) غَايَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
الْقَاضِي
(قَوْلُهُ: أَيْ طَلَبَ مِنْهُ إحْضَارَهُ) هَذَا التَّفْسِيرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَائِبَ فَاعِلِ اُسْتُعْدِيَ فِي الْمَتْنِ الْقَاضِي لَا الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَهَبَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ إلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ) أَيْ أُجْرَةَ الْعَوْنِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ مَتَى وَكَّلَ إلَخْ) لَمْ يَمُرَّ هَذَا وَإِنَّمَا الَّذِي مَرَّ أَنَّ الْأَجِيرَ يُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ (قَوْلُهُ: مِنْ أَعْذَارِ الْجَمَاعَةِ) شَمَلَ نَحْوَ أَكْلِ ذِي رِيحٍ كَرِيهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: وَالْعُذْرُ كَالْمَرَضِ وَحَبْسِ الظَّالِمِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ، وَقَيَّدَ غَيْرُهُ الْمَرَضَ الَّذِي يُعْذَرُ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسُوغُ بِمِثْلِهِ شَهَادَةُ الْفَرْعِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخَتْمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْصٍ
(8/281)
الْيَمِينِ كَمَا مَرَّ، كَمَا لَوْ هَرَبَ قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا يُسَمَّرُ دَارُهُ إذَا كَانَ يَأْوِيهَا غَيْرُهُ وَلَا يُخْرَجُ الْغَيْرُ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَى. وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي سَاكِنٍ بِأُجْرَةٍ لَا عَارِيَّةٍ، وَلَوْ أُخْبِرَ أَنَّهُ بِمَحَلٍّ بِهِ نِسَاءٌ أَرْسَلَ إلَيْهِ مَمْسُوحًا أَوْ مُمَيِّزًا، وَبَعْدَ الظَّفَرِ يُعَزِّرُهُ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ لَائِقًا بِهِ. وَالْمَعْذُورُ يُرْسَلُ إلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ أَوْ يُلْزِمُهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ كَالْغَائِبِ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ
(أَوْ) ادَّعَى عَلَى (غَائِبٍ فِي غَيْرِ) مَحَلِّ (وِلَايَتِهِ) (فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ ثُمَّ يُنْهِي كَمَا مَرَّ (أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ) أَوْ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَ النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْقَضَاءِ (لَمْ يُحْضِرْهُ) أَيْ لَمْ يَجُزْ إحْضَارُهُ لِلْمَشَقَّةِ مَعَ تَيْسِيرِ الْفَصْلِ حِينَئِذٍ (بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً) عَلَيْهِ (وَيَكْتُبُ إلَيْهِ) بِذَلِكَ (أَوْ لَا نَائِبَ لَهُ فَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ (يُحْضِرُهُ) بَعْدَ تَحْرِيرِ الدَّعْوَى وَصِحَّةِ سَمَاعِهَا (مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ) إلَى مَحَلِّهِ (لَيْلًا) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا لَمْ يُحْضِرْهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا إحْضَارَهُ مُطْلَقًا، وَمَرَّ أَنَّ أَوَائِلَ اللَّيْلِ كَالنَّهَارِ فَلَا تَنَافِي حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِهِ هُنَا لَيْلًا وَقَوْلِهِ فِي الرَّوْضَةِ قَبْلَ اللَّيْلِ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِي يُعْدِي: أَيْ يُعِينُ مَنْ طَلَبَ خَصْمَهُ مِنْهَا عَلَى إحْضَارِهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ لَا تُحْضَرُ) صَرْفًا لِلْمَشَقَّةِ عَنْهَا كَالْمَرِيضِ وَحِينَئِذٍ فَيُرْسِلُ الْقَاضِي لَهَا لِتُوَكِّلَ مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيُغْلِظُ عَلَيْهَا بِحُضُورِ الْجَامِعِ لِلتَّحْلِيفِ وَلَا تُحْضَرُ بَرَزَةٌ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ إلَّا مَعَ نَحْوِ مَحْرَمٍ أَوْ نِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَوْ امْرَأَةٍ احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ (وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ) مُتَكَرِّرَةٍ كَشِرَاءِ كَتَّانٍ بِأَنْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا أَوْ تَخْرُجُ نَادِرًا لِنَحْوِ عَزَاءٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ زِيَارَةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ بِهَذَا الْخُرُوجِ. وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ كَوْنَهَا فِي عِدَّةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ حُضُورِهَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ، نَعَمْ الْمَرِيضَةُ كَالْمُخَدَّرَةِ، وَلَوْ كَانَتْ بَرَزَةً ثُمَّ لَازَمَتْ الْخِدْرَ فَكَالْفَاسِقِ إذَا تَابَ فَيُعْتَبَرُ مُضِيُّ سَنَةٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهَا مُخَدَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ الْغَالِبُ عَلَى نِسَائِهِمْ الْخِدْرُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَإِلَّا فَهُوَ بِيَمِينِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الشبراملسي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُسَمِّرُ دَارِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ (قَوْلُهُ: إذَا كَانَ يَأْوِيهَا غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ أَهْلِهِ لِأَنَّهُمْ مَحْبُوسُونَ لِحَقِّهِ فِيمَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: أَرْسَلَ إلَيْهِ مَمْسُوحًا) أَيْ وُجُوبًا
(قَوْلُهُ: وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ) وَمِنْهُ الْبَاشَا إذَا طُلِبَ مِنْهُ إحْضَارُ شَخْصٍ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ كَانَ بِمَحَلٍّ فِيهِ مَنْ يَفْصِلُ الْخُصُومَةَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ لِمَا فِي إحْضَارِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ يَتَوَقَّفْ خَلَاصُ الْحَقِّ عَلَى حُضُورِهِ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لِلْقَضَاءِ) أَيْ كَالشَّادِّ وَمَشَايِخِ الْعُرْبَانِ وَالْبُلْدَانِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فَوْقَهَا لَمْ يُحْضِرْهُ) وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ بِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ عِنْدَ تَوَقُّفِ خَلَاصِ الْحَقِّ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَيْ يُعِينُ مَنْ طَلَبَ خَصْمَهُ) لَعَلَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَإِلَّا فَمَعْنَى أَعْدَى أَزَالَ الْعُدْوَانَ كَأَشْكَى أَزَالَ الشَّكْوَى فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ) مُعْتَمَدٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية الرشيدي]
قَوْلُهُ: وَلَا يُسَمِّرُ دَارِهِ إذَا كَانَ يَأْوِيهَا غَيْرُهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُتَّجَهُ هُنَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ الْهَجْمُ دُونَ الْخَتْمِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَخْرُجُ الْغَيْرُ) أَيْ لَيْسَ لِلْقَاضِي إخْرَاجُ غَيْرِهِ مِنْهَا كَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ إلَخْ) لَعَلَّ الشَّارِحَ إنَّمَا قَدَّرَ لَفْظَ ادَّعَى دُونَ اُسْتُعْدِيَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ مَا مَرَّ لِأَجْلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ وَيَكْتُبُ إلَيْهِ إلَخْ، إذْ هَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَلَا يَكُونُ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِعْدَاءِ (قَوْلُهُ: كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ) أَيْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلَ الْفَصْلِ إذْ هَذَا مَفْهُومُهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ هُنَاكَ مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عُلِمَ مِنْهُ ضَابِطُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى (قَوْلُهُ: وَيُغْلِظُ عَلَيْهَا) أَيْ إذْ اقْتَضَى الْحَالُ التَّغْلِيظَ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ: وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ كَوْنَهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ
(8/282)