مقدمة المذهب لأبي الوليد الباجي
الجزء الأول
/ص70/ وصف المخطوطة
أولاً: "تحقيق المذهب من أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب"
لقد اعتمدت في تحقيق هذا الكتاب على نسخته الوحيدة المعروفة حتى اليوم، المحفوظة بخزانة السلطان سليمان خان بتركية، والتي يوجد منها مكروفيلم بالخزانة العامة بالرباط، تحت عدد 1176. دلّني عليها الأستاذ السيد إبراهيم الكتاني –أطال الله عمره- وكان الذي استوردها هو الأستاذ علاّل الفاسي –رحمه الله-. وأهداها إلى الخزانة العامّة بالرّباط ليستفيد منها الباحثون وتقع في 20 ورقة ضمن مجموع، تبتدئ من 106 إلى 125، وتشتمل الأوراق على: "تحقيق المذهب من أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم كتب" من ورقة (106 أ – إلى ورقة 116 أ) ، وأجوبة فقهاء صقلية السبعة، من لوحة (116 أ) إلى لوحة (124ب) – مسطرتها 23، وقد كتبت بخط أندلسي نقرؤ، وفيها كثير من التصحيف والتحريف، خالية من الاعجام غالباً، وليس فيها خرم، ويرجع تاريخ نسخها إلى القرن السابع تقريباً، ولم يكتب عليها تاريخ نسخها، ولا اسم النّاسخ، ولا إسم الكتاب، وهي خالية من السماعات. تبتدئ ب بإسم الله الرحمن الرحيم -وصلى الله على محمد نبيه ورسوله وسلم تسليماً، قال الفقيه الإمام الحافظ القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي –رضي الله عنه-. ثم تلته الأجوبة، مبتدئة: ب باسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد رسوله ونبيه وآله. "جواب الحسن بن علي التميمي المصري –رضي الله عنه-" وكتب في آخرها: " تمت الأجوبة على بركة الله وحسن عونه، وصلى الله على محمد نبيه وعبده وسلم تسليما.(1/1)
وفي نفس الصفحة كتب الناسخ شرح حديث نبوي للإمام الباجي أبي الوليد، يبتدئ ب باسم الله الرحمن الرحيم، قال الفقيه الأجلّ أبو محمد عبد الله بن محمد التجيبي –رضي الله عنه-. أملى علي الفقيه القاضي أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي –رضي الله عنه- ورحمه في معنى قوله –عليه السلام-: "البينة على المدّعي واليمين على المدعى عليه".
ولعل أبا محمد عبد الله بن محمد التجيبي هو كاتب هذه النسخة لقوله: "أملى علي" إن لم يكن ناسخ آخر احتفظ بتعبير الكاتب الأول. وكل هذه الأوراق متّحدة الخط، ما عدا السطرين الأخيرين فقد كتبا بخط شرقي.
/ص71/ ثانياً: التّحذير من نسبة الكتابة الى النّبى
صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية
(أ) - توجد منه نسخة مخطوطة بالخزانة الملكية بالّرباط تحت عدد 10900 أرشدنى اليها الأستاذ محّمد المنونى - جزاه الله أحسن الجزاء- رمزت لها بالحرف (م) تمييزاً لها عن باقى النّسخ ,واشارة الى الخزانة الملكية التّى توجد بها ,وتقع عاشر مجموع، في ثلاث ورقات من ص: 269 إلى ص: 274، مسطرتها مختلفة مقياسها: 210/ 150 بخط مغربي مليح ممرموج دقيق ملوّن، وبها هامش واحد وخروم قليلة سننبه عليها في أماكنها، رواية الفقيه أبي جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن جحدر، قراءة منه على المولف، تبتدئ –ب-: ب "باسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم. هذا جزء فيه التّحذير من ترك الواضحة وقول ما لم يقل السّلف، النّفي والتّنبيه على غلط القائل: كتب في يوم الحديبية النّبي الأمي.(1/2)
... وهي خالية من تاريخ التّأليف والنّسخ، وإسم النّاسخ والنسخة الأصلية المنقولة منها، غير أن بعض هذا يعرف من مواضع في المجموع الذي يقع فيه الجزء، حين سمى الناسخ نفسه بمحمد مولاي أحمد بن أحمد الحسيني الصقلي، من الآخذين على الحافظ المولى إدريس بن محمد العراقي الحسيني الفاسي، ترجم له محمد بن جعفر الكتاني(1) وقد اتّخذناها أصلاً للتّحقيق لكونها قليلة الأخطاء، وليس بها بياض، وتدّل على أن ناسخها له إلمام بالعلم والمعرفة، وتاريخ نسخها عام اثنين وثمانين ومائة وألف هجرية.
(ب) – وتوجد منه نسخة ثانية بالخزانة العامة بالرباط قسم الوثائق والمخطوطات تحت عدد: 2254د دلني عليها الأستاذ إبراهيم الكتانيجزاه الله خير الجزاء-، رمزت لها بالحرف (ع) إشارة إلى الخزانة العامة التي توجد بهان وعدد صفحاتها: اثنتا عشرة صفحةن في مجموع تبتدئ من ص: 31 إلى 42، مسطرتها: 26، مقياسها: 240/ 180. مكتوبة بخط مغربي متوسط يقرأ بسهولة، لا تخلو من بعض الأخطاء الإملائية وسقوط بعض الكلمات، مع ترك البيض بقدرها أحيانا، وبها هامش واحد سننبه عليه في موضعه، خالية من تاريخ النسخ وذكر النّاسخ والسّماعاتن ويظهر أنها حديثة العهد بالكتابة ،دون الإشارة إلى النسخة الأصلية المنقول عنها، وفي الصفحة الأولى يوجد إسم الكتاب، وإسم مؤلفه، أولها: "باسم الله الرحمن الرحيم -وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله". هذا جزء فيه التحذير من نسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية إملاء /ص72/ الشيخ الإمام محمد عبد الله بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري –رحمه الله-،
(
__________
(1) - سلوة الأنفاس : 1 / 138 – 139.(1/3)
ج)- وهناك نسخة ثالثة بالخزانة العلمية اللبيحية بسلا ضمن مجموع تحت عدد 756 ،عثرت عليها حين مراجعتي لفهارس الخزانة المذكورة، رمزت لها بالحرف "ب" مسطرتها 26، مقياسها: 220 / 180 ،وتشتمل مثل النسخة الثانية على اثنتي عشرة صفحة، وتكاد تكون مطابقة لها في جميع الأوصاف، حتى في خط الناسخ، إلا ما يتخللها من بعض الفروق، بالزيادة والنقص، وتظهر أهميتها في تكميل أحداهما للأخرى من جهة، وتكميلهما النّسخة الأصلية في بعض المواضع من جهة ثانية. وتختم كل من النسخ الثلاث بقوله: "فبيده ملكوت كل شيء وهو حسبنا ونعم الوكيل".
منهج التحقيق:
بدأ بقراءة الأصل ونسخة، مراعياً في ذلك النقط التالية:
(1) – المحافظة على ترتيب أجوبة فقهاء صقلية وتحقيق المذهب حسب ورودها في المخطوطة الوجيذة التي اتخذتها أصلاً للتحقيق، وأعقبت ذلك بكتاب "التحذير لابن مفوز" لما له من العلاقة "بتحقيق المذهب".
(2)- النص على بداية كل ورقة من المخطوطة ورقمها ،مع الرمز لأول صفحة منها بالحرف (أ) والثانية بالحرف (ب) وذلك فيما يتعلق بالشطر الأول. وفيما يتعلق بكتاب "التحذير" فقد اقتصرت فيه على رقم كل صفحة حسب ورودها في المجموع، مكتفياً بالإشارة للأرقام الموجودة بالخزانة الملكية بالرباط الواردة في نسخة (م).
(3)- مقابلة النسخ الثلاث من كتاب "التحذير، مشيراً إلى التفاوت بالنقص والزيادة فيما بينها.
(4)- عدم التصرف في الأصل بأية زيادة أو تغيير غير ضروري، ماعدا تصويب الأخطاء الإملائية والنحوية مع التنبيه على ذلك في الهامش.
(5)- وحيث أن مخطوطة "تحقيق المذهب" لم تحمل عنواناً لإسم الكتاب، فقد اعتمدت في إسمه على الكتب التي أوردته كما يلي:(1/4)
"تحقيق المذهب من أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب "(1) وأخذت من مقدمته عناوين الأبواب الستة، كما أوردها المؤلف، فوضعتها في أوائلهان وفيما يخص الباب الأول ،رأيت أنه يتكون من تمهيد وخاتمة وثمانية فصول، وقد ذيل كل فصل بلفظة "فصل" ،فوضعته في أوله بدلاً من آخره ،حتى لا يقع القارئ في حيرة، كما عنونت كل فصل نقلاً عما ذكره في أول الباب، /ص73/ وفعلت مثل ذلك بالنسبة "للتحذير" فيما يخص التبويب.
(6)- العناية بتخريج النصوص المختلفة التي يضمها الكتاب وما تلاه من الأجوبة:
(أ)- فالآيات القرآنية: حرصت أن أنص دائماً على إسم السورة ورقم الآية.
(ب)- أما الأحاديث النبوية ،فقد عنيت بتخريجها بقدر ما تيسر لي من كتب السنة، والسيرة النبوية.
(ج)- وأما الأبيات الشعرية ،التي وردت في النصوص فنسبتها إلى أصحابها مستعيناً بالمراجع المناسبة.
(7)- حاولت أن أربط أحياناً بعض الأفكار المتقاربة في الكتاب وغيره من الأجوبة بالإحالة على صفحة أو صفحات أما سابقة أو لاحقة ،أو هما معاًن وأن أشرح وأذيل ما أراه يستحق ذلك.
(8)- قمت بتحقيق أسماء الأعلام بما أراه صواباًن وتذييلها بتراجم مختصرة، مع الإحالة على بعض كتب التراجم.
(9)- ذيلت النصوص المحققة بفهارس مفصلة تساعد الباحث على الاستفادة منها، ولم تشمل هذه الفهارس مقدمة التحقيق إلا من جهة المصادر والمراجع فحسب والله الموفق للصواب.
/ص74/ توثيق "تحقيق المذهب"
__________
(1) – ترتيب المدارك : 4 / 805، الديباج ص : 122 ،طبقات المفسرين للداودي 1 / 204، التراتيب الإدارية : 1 / 174.(1/5)
إن اسم هذا الكتاب وتوثيق نسبته إلى أبي الوليد ،ثابتة بأدلة خارجية وداخلية. فهذه النسخة الخطية التي نتناولها اليوم بالتحقيق نلم يثبت عليها الناسخ اسم الكتاب، بيد أن من ترجم له، أدرج هذا الاسم "تحقيق المذهب"(1) بعضهم تأليفه إليه وغفل(2) إسمه. وأضافوا إلى ذلك أنه مسبوق بتصنيف كتاب مماثل في الموضوع من تأليف ابن شيبة(3), أو ابن منية(4) الذي لم يعرفوا بشخصيته، ولم نعثر له على ترجمة خاصة. وقد فطن الكتاني لسبق عمر بن شبة للفكرة(5) في كتاب الكتاب-. ولعلها أسماء محرفة لأبي بكر بن أشته(6) الذي أورد مجموعة من أحاديث كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ضمن كتاب "المصاحف"، وقد يكون التشابه في الخط والصورة بين "أشته" –و- "منية" –و- "شيبة" –و- "شبة" خدع من تناقل هذه الأسماء ،ومن حسن الصدف أن ابن شبة وابن أبي شيبة لهما علاقة بالموضوع(7).
/ص75/ فقهاء صقلية
لقد تداول ذكر هؤلاء الفقهاء(8)
__________
(1) - ترتيب المدارك : 4 / 805، الديباج ص : 122. طبقات المفسرين للداودي : 1 / 204، التراتيب الإدارية : 1 / 174.
(2) - تذكرة الحفاظ : 2 / 1181، نسيم الرياض : 1 / 92، روح المعاني : 21 / 4، مناهل العرفان : 1 / 358، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 8 / 97، تاج العروس : 8 / 191.
(3) - نسيم الرياض : 1 / 92.
(4) - روح المعاني : 21/ 4 ،مناهل العرفان : 1/ 358، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : 8 /97.
(5) - التراتيب الإدارية : 1/173.
(6) - انظر : ص : 49 مما سيأتي.
(7) - " : ص : 39 –و- 44 مما سيأتي.
(8) - ترتيب المدارك 4/ 806، المرقبة العليا : 202. الديباج ص : 121، نسيم الرياض 1/ 92، تاج العروس : 8/ 191، روح المعاني : 21/ 4.(1/6)
وأجوبتهم أغلب من تحدث عن الباجي وابن سهل في مسألة الأمية نولولا وجود هذه الأجوبة نفسها ملحقة بمخطوطة "تحقيق المذهب" لما عرفنا فحواها وأسماء أصحابها وعددهم الذي لا يفوق السبعة. ولو كانت تمة أجوبة أخرى لحفظها لنا التاريخ، مثل ما هو الشأن بالنسبة لما بين أيدينا الآن، ووردت أجوبتهم مرتبة حسب ترتيب أسمائهم فيما يلي:
1) = الحسن بن علي التيمي المصري.
2) = عبد الله بن الحسن البصري.
3) = محمد بن إبراهيم بن محمد الكتاني.
4) = أبو الفضل جعفر بن نصر البغدادي.
5) = أبو العباس أحمد بن محمد الحراني.
6) = جعفر بن عبد الجبار الصقلي.
7) = أبو محمد عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي الصقلي.
وقد أصرفت وقتاً غير يسير في التنقيب عن تراجمهم حسب ما وصلت إليه يدي من الكتب التي تعرف بأسماء الرجال وأنسابهم. ولسوء الحظ، لم أعثر إلا على ترجمة شخصين منهم، وذلك لنذرة الكتب التي تتحدث عن تاريخ صقلية وفقهائها.
((1/7)
أولاً)- الفقيه أبو العباس أحمد(1) بن محمد بن الجزار الصقلي المقرئ مقدم ببلده ،انفرد فيه برئاسة العلم والفتيا –قرين عبد الحق السهمي الصقلي- وكان من أهل التحقيق في الفقه والأصول خيراً ديناً، -لقبه أبو الوليد الباجي- وهو أحد فقهاء صقلية الذين أجابوا(2) بفتاوي تأييده والثناء عليه، ولم نقف على وفاته، ويظهر أنه عمر طويلاًن وارتحل إلى المشرق لكونه أخذ عن الشيوخ هنالك، كأبي القاسم قسيم بن أحمد بن مطير الظهراوي المصري المقرئ المتوفى (398 –أو- 399) ،وأبي الفتح فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الحمصي المقرئ ت (401)، وأبي الحسن علي بن داود الداراني ت (402) وتفقه به محمد بن أحمد بن الحسن بن بنت العروق الصقلي وغيره من متأخري /ص76/ (ثانياً)- الفقيه أبو محمد عبد الحق(3) بن محمد بن هارون السهمي القرشي الصقلي، تفقه بفقهاء بلده والقيروانيين، وهو أحد الفقهاء الذين أجابوا اقبال الدولة أمير دانية في مسألة الأمية المتنازع فيها بين الباجي وخصومه، وكان صالحاً تقياً من أهل العلم، وله حظ في الأصول والفروع ،حج مرتين ،فلقي في الأولى أبا محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر (362 هـ 422 / 973 = 1031م)، وأبا ذر(4) الهروي (355 – 434هـ / 699 – 1044م) ،وأخرى بعد أن طمن في السن، فلقي بمكة إذ ذاك أبا المعالي أمام الحرمين الجويني (419 – 478 / 1028- 1085).
__________
(1) - ترتيب المدارك : 4/ 776، غاية النهاية في طبقات القراء : 1/ 134 ترجمة : 629.
(2) - انظر ص : 51 –و- 141 مما يأتي، ترتيب المدارك : 4/806 س: 9.
(3) - ترتيب المدارك : 4 / 774ن الديباج المذهب ص : 174، شجرة النور الزكية ص: 116 ترجمة : 324، معجم المؤلفين : 5 / 94، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان : 3/ 283 التكملة : 1/ 391 ترجمة 1094 الذيل والتكملة : 6/ 216.
(4) - ذكر مشيخته له في جوابه : إنظر ص : 151 مما يأتي :(1/8)
وذلك سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة(1) ،ورافقه في حجته الأخيرة أبو عبد الله محمد بن سعيد الميورقي، ومن مؤلفاته:
1)- كتاب النكت والفروق لمسائل المدونة، وقد ندم على تأليفه، ورجع عن كثير من إختياراته وتعليلاته فيه، وقال: "لو قدرت على جمعه وإخفائه لفعلت"
2) تهذيب الطالب، وهو شرح للمدونة ،نبه فيه على ما استدركه على كتاب النكت المذكور آنفاً.
3) الاستدراك على مختصر البرادعي.
4) مؤلف في العقيدة.
5) جزء في ضبط ألفاظ المدونة.
توفي بإسكندرية سنة (466/ 1074) عن سن عالية.
/ص77/ ثوثيق أجوبة فقهاء صقلية
أما نسبة الأجوبة إلى فقهاء صقلية، فقد نص عليها الباجي نفسه يقوله: ورأيت في أجوبة فقهاء صقلية –أبقاهم الله- أن أبا بكر بن أبي شيبة قد ذكر ذلك""(2)، كما نص عليها غير واحد ممن تعرض لهذه المسألة نولاسيما أننا وجدنا النسخة الوحيدة التي عثرنا عليها من: "تحقيق المذهب من أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب" مذيلاً بها الكتاب ،وبخط واحد ،مما لا مجال للشك في نسبتها إلى أصحابها.
ابن مفوز صاحب "التحذير"
__________
(1) - إختلف في هذا التاريخ على أربعة أقوال : ففي شجرة النور الزكية ص : 116 (خمسون وأربعمائة) وفي ترتيب المدارك 4 / 775 سنة (بضع وخمسين وأربعمائة) وهذا هو التاريخ الذي ‘عتمدناه هنا، وفي الذيل والتكملة : 6/ 216 سنة (اثنتين وأربعمائة)، وهذا بعيد جداً. لأن أبا المعالي الذي أخذ عنه السهمي لم يولد إلا سنة (419).
(2) - قارن بهذا ص : 51 من صلب الكتاب.(1/9)
هو أبو محمد عبد الله(1) بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي روى عن أبي عمر بن عبد البر كثيراً، ثم زهد فيه لصحبته السلطان ،وروى عنه ابن جحدر(2) رسالة "التحذير" بقراءته عليه(3)، وكان زاهداً ورعاً من أهل العلم والفهم، ت (475هـ / 1082م).
/ص78/ توثيق "رسالة التحذير"
كتاب ابن مفوز المسمى: "التحذير من نسبة الكتابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية "مؤلفه هو: أبو محمد عبد الله بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري. هذا هو الإسم المكتوب على النسخ الثلاث المشار إليها آنفاً. وحتى النسخة الرابعة التي لم نعثر عليها بعد، والتي وصفها الشيخ عبد الحي الكتاني في التراتيب الإدارية: 1/ 176 بما نصه:
__________
(1) - الصلة : 1/ 284 ترجمة : 624، ولم أقف له على ترجمة أخرى في لي كتاب.
(2) - هو أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن بن جحدر، أخذ عن ابن مفوز المترجم له، وعن الحافظ أبي الحسن طاهر بن مفوز بن احمد بن مفوز المعافري (427- 484/ 1035- 1091) ،وروى عن القاضي ابن جحدر، أبو الربيع سليمان بن الحسن بن أبي الخطاب .. (الذيل والتكملة : 4/ 63) ،وأبو الحسن طاهر بن حيدرة بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري الشاطبي ت (552/ 1157) (معجم أصحاب الصدفي ص : 95، الذيل والتكملة: 4/ 153، ولم أقف لابن جحدر هذا على ترجمة خاصة به، ولا أين تولى القضاء وهل هو من الأندلسيين أصالة ،أم من الداخلين إليها ولا أين ومتى ولد وتوفي –رحمه الله-.
(3) - إنظر ص : 158 مما سيأتي.(1/10)
"وعندي جزء للفقيه الزاهد أبي محمد عبد الله بن مفوز المعافري في نحو كراسة عنوانه: "جزء في التحذير من ترك الواضحة والتنبيه على غلط القائل كتب كتب في يوم الحديبية النبي الأمي، وفي آخره عليه سماعات لأعلام أندلسيين وتونسيين" وموضوعه: الانتصار لابن الصائغ في المسألة والرد على الباجي "ثبت فيها حسب ما ورد –في هذا النص ،إسم: أبي محمد عبد الله بن مفوز كما سلف. وفي المرقبة العليا ص: 202، وتاج العروس: 8/191 ,ونسيم الرياض 1/ 92 والمفّصل فى ناريخ العرب قبل الإسلام: 8/ 96 "أبو محمد بن مفّوز ".
لكن فى فهرست المخطوطات العربية المحفوظة فى الخزانة العاّمة للكتب والوثائق بالمغرب ج: 1/ من القسم: 3 ص: 67 ,نسب خطأ إلى أبى محمد عبد الله بن حيدرة بن مفّوز بن أحمد بن مفّوز المعافرى منأهل القرن السّادس للهجرة. بينما النّسخة المحفوظة بالخزانة العامة نفسها لم يكن فيها بين عبد الله ومفوز "حيدرة" وإنما أضيفت في الفهرسة، ووضعت بين هلالين للدلالة على زيادتها ،وهذه الزيادة لا داعي لها، لأن الكتاب ليس من تاليف ابن حيدرة ،كما أن عبد الله بن مفوز ليس من اهل القرن السادس ،وعلى كل حال ،يخاطب(1) شخصاً ممعيناً ،وليس هو غير إقبال الدولة علي بن مجاهد الذي وقعت المناظرة بين يديه بمسجد دانية ،وبناء على ما تقدم تكون نسبة رسالة "التحذير" ،إلى أبي محمد عبد الله بن مفوز بن أحمد بن مفوز المعافري صحيحة ،لأن جل من تعرض لهذه المسألة ،نص على نسبتها إليه والله أعلم.
/ص79/ موضوع تحقيق المذهب
__________
(1) - راجع ص: 159، 194 من رسالته الآتية.(1/11)
... يتناول موضوع هذا الكتاب "تحقيق المذهب" حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في عمرة القضاء ،والكتاب الذي قاضي عليه قريشاً يوم الحديبية، وهل كتب في ذلك اليوم أم لا ،وبسط مسألة الأمية ،وشرح معناها بوجوه مختلفة ،وهل هي من المعجزات النبوية؟ ،من عرض بعض النصوص الواردة في ذلك، من آيات قرآنية ،وأحاديث نبوية، وأقوال العلماء، بأحد القولين: من نفي وإثبات، وتحليل ومناقشة لذلك، ونفي الشبه عن الفريقين، والرد على من قال برد ثالث(1), ويجدر بنا أن نلخص تلك الأقوال فيما يلي:
(أ)- الفريق الأول يقول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب(2) إسمه محمد بن عبد الله يوم الحديبية ،لا قبل البعثة إما عالماً بما كتب ،أو غير عالم بذلك.
(ب)- والفريق الثاني قال: لم تثبت كتابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لاقبل البعثة ولا بعدها ،ولو ثبت(3) ذلك لم يكن فيه رد للشريحة ولا أبطال للمعجز.
(ج)- نفي الكتاب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها ،وتكفير من قال بها ،وخاصة بعد البعثة ،ولم يقل بهذا القول إلا أبو بكر بن الصائغ ،الذي نازع الباجي في مسألة كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أبو محمد بن سهل الذي إنتدب بمناظرته في هذه القضية ،والله أعلم.
/ص80/ منهجية الباجي في تأليف هذا الكتاب
__________
(1) - انظر ص: 92.
(2) - راجع ص: 39.
(3) - قارن بهذا ص: 51 - و- 92.(1/12)
... يتكون هذا الكتاب من مقدمة وستة أبواب: أما المقدمة: فقد بين فيها سبب تأليفه ،وموضوعه وتقسيمه وقيمته العلمية. وأما الباب الأول: فيشتمل على تمهيد وخاتمة وثمانية فصول ،إلا أن المصنف ،سكت عن ذكر لفظتي التمهيد ،والخاتمة، وأكتفي بإيرادهما. فأما التمهيد ،فقد عرف فيه المعجز ،وبسطه بسطاً وجيزاً يتناسب مع حجم الكتاب ،لا سيما وأنه تطرق للمعجز عرضاً ،ليضع أرضية للموضوع الذي يتحدث فيه ،وذكر أن للمعجز ثمانية شروط ،ثم تحدث عن كل شرط على حدة ،في فصل خاص من الفصول الثمانية متقدمة الذكر محللاً وممثلاً ومستدلاً بالكتاب والسنة ،ثم ختمه بخلاصة تطبيقية.
... وأما الباب الثاني فيتلخص في كون الأمية لا تصح أن تكون معجزة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ،وإعترض لى ذلك بثلاث أمور.
(أ)- فلو ادّعى مدّع رسالة وقال: آية ذلك أني أمي ،لقال له عشرة آلاف من النّاس ،نحن كذلك أميون.
(ب)- وكونه أمياً صفة متقدمة ،وشرط المعجز أن يقارن دعوى الرسالة.
(ج)- والمعجز أمرخارق للعادة ،وليس في الأمية خرق لها. ثم تخلص للإستدلال بآية العنكبوت ،على كونه لم يكن يتلو ولا يخط كتاباً قبل البعثة ،ثم تلا أفضل الكتب وهو القرآن. فإن كان كتب بعد أن لم يكن يكتب قبل نبوته ،فإن ذلك أيضاً لا يؤثر في شيء من معجزاته ،ولا يرد آية من آياته ،ولا يغير شيئاً مما جاء به.
وأورد في الباب الثالث: أربعة أحاديث كنصوص لقاضاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ،ليرى القارئ مدى التفاوت فيما بين الروايات المختلفة، وإكتفى بها حتى لا يطيل الكلام في الموضوع. وسنشير في الهوامش إلى كتب الصحاح والسنن التي أخرجتها في أماكنها إن شاء الله. وبدأ في هذا العرض بحديث الزهري الذي تمسك به خصمه في قوله:(1/13)
"أكتب محمد بن عبد الله" ،على الطريقة المنهجية في البحث العلمي الحديث ،لكونه يظهر أقل حجة بالنسبة له ،وأقواها من جهة الخصم ،لعدم ذكر كتابته -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الأول ،ثم تدرج من قوي إلى أقوى ،وإنتهى إلى الحديث الرابع الذي نص على قول البراء بن عازب: "فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب".
/ص81/ وخصص الباب الرابع: لعرض أقوال من قال بكتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبتدئاً بالنقل عن "كتاب الكتاب" لابن شبة ،والذي قال عنه: أنه ورد فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب بيده ،وكانت كتابته معجزة له ، وهو قاصد عالم بما كتب من غير تعليم بشر. كما أخبر بموافقة ثلاثة من شيوخه لهذا الرأي ، غير أنهم إفترقوا في ذلك. فأبو الفتح النيسابوري ،وأبو ذر تاهروي يقولان بما قال به ابن شبة. وقال ابو جعفر السمناني: أنه كتب كتاباً صحيحاً مطابقاً للمراد غير عالم بما كتب، ويمضي الباجي مستدلاً في المسألة بالحديث المروي عن عون بن عبد الله عن أبيه قال: "ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كتب وقرأ.(1/14)
والذي حكاه الشعبي نوأخرجه وكيع، والنّقاش والذهبي في تذكرة الحفاظ، متعرضاً لسنده بتعديل وتوثيق رجاله، ومحتجاً بوروده في أجوبة فقهاء صقلية، وأنه مذكور في مصنف ابن أبي شيبة. كما أنه لم يغفل الوجه الثاني في المسألة نقلاً عن النقاش من تفسيره ،وهو قول الحسن البصري (110هـ): "لم يكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده قط شيئاً حتى قبضه الله إليه". ثم يناقش هذه الآراء مضعفاً ما ضعف ،ومبرزاً الحجة ومظهراً قوتها. وينكر على الخصم الذي لا يستطيع أن ينسب الأقوال إلى أصحابها. وأنه لم يلق الشيوخ ،ولم يسمع أقوال العلماء ،مع أنها ظاهرة فاشية. يضع مقارنة لحديث الزهري وإسرائيل وشعبة، ذاكراً بأن الأخيرين حديث واحد ،وفي درجة واحدة ،ويصح الجمع بينهما ،لأنه إستعمال للزائد منلفظ الأحاديث كلها. مستدلاً لمن تعلق بتصحصح كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله في حديث إسرائيل: "ثم قال لعلي أمح رسول الله ،فقال: لا ،والله لا أمحوك أبداً ،فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب". معترضاً ومحتجاً على الخصوم قائلاً:
(1)- وليس الكلام معكم في وجه كتابة ما ،وإنما الكلام معكم في إنكاركم ما روي من ذلك ،وإدعائكم بأنه مخرج عن الشرع ،وذكر أن الخصم تعلق بحديث ابن شهاب ،وهو يدل على أنه أخذ الكتاب فمحا وقال لعلي بعد ذلك: "إكتب محمد بن عبد الله". والصواب في الجمع بين الحديثين أن يكون قال لعلي: "إمح رسول الله ،وإكتب محمد بن عبد الله" فلما أبى من ذلك علي ،أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب فمحا رسول الله ،وكتب محمد بن عبد الله.
(2)- إضافة الفعل إليه تقتضي وقوعه منه ،ولا يجوز صرفه عن الحقيقة إلى المجاز إلا بدليل.
/ص82/ (3) وحيث تقدمه: فأخذ الكتاب "لم يستعمل إلا بمعنى: تناول الكتاب من علي.
(4)- وإذا كان صريحاً في أخذه الكتاب من علي ،وجب أن يكون صريحاً في تناوله الكتاب.
((1/15)
5)- ولو جاز أن يحتمل في هذا الموضوع: "فكتب" على أنه أمر من يكتب لكان الأظهر فيه تناول الكتاب. وإذا إحتمل اللفظ معنيين هو في احدهما أظهر ،وجب حمله على أظهرهما ولا يجوز العدول عنه إلى الآخر إلا بدليل.
(6)- أن من ليس بنبي ولا يحسن الكتابة ،لا يحمل قوله: كتب بكل وجه إلا على أنه أمر بالكتاب ،بل لا يصح أن يقال فيه: فأخذ الكتاب ولم يكن يحسن يكتب فكتب وأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصح منه أن يكتب على وجه إظهار المعجز.
(7)- لا يمتنع أن يمحو النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يكتب ،وبذلك يقضي جميع حديثي شعبة وإسرائيل ،ولا يجوز إطراح أحد الحديثيين ،مع إمكان الجمع بينهما ،وأخذ الزائد من كل منهما.
(8)- وفي قوله: "وليس يحسن يكتب فكتب" لا بد أن تكون لذلك فائدة في هذا المكان ،وإلا كان لغواً وهذيان ،فلم يبق له إلا أنه أخذ الكتاب في وقت لا يحسن ان يكتب فيه فكتب على وجه إظهار المعجز.(1/16)
وعقد الباب الخامس: لإبطال قول من قال: أن في أحد هذه الأقوال، ما يبطل به المعجز، ويتغير به الشرع ويرد شيئاً من القرآن، مستبعداً هذا الرأي بعدم تصويبهن وأن الخصم لم يقل ذلك إلا غضباً أو عناداً ،ثم تطرق إلى تفسير الأمية ،وأنها لا تساوي الجهل بالقراءة والكتابة ،وإنما هي نسبة إلى الأمة الأمية. وضرب لذلك أمثلة بوجود من يقرأ ويكتب في عهده -صلى الله عليه وسلم- كأبي بكر، وعمر، وغيرهما. وخصص فصلاً في مناقشة حديث: (أنا أمة أمية) وذكر أنه من جنس حديث الكتابة، يعني أنهما حديثاً آحاد. وأن النفي منصب على كتابة وحساب المنجمين، والمراد من هذا الحديث، هو بيان كمال الشهر القمري ونقصانه. وفسّر الأمية بعدة وجوه وإحتمالات، مسايراً في ذلك إستدراج الخصم للوقوف على الحقائق، وبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أعلم الناس بنصب الزكوات، والفرائض، والتركات، وهي أدق أنواع الحساب. وأعقبه بفصل ثان لتحليل قوله تعال: ("وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك") /ص83/ وقيّد ذلك بما قبل البعثة، لكونه مقيداً ب "من قبله"، وأشار إلى أنه لم يعدد الاحتمالات آلا تسامحا منه، وأن أكثرها ضعيف، وإنما المسلمون في هذه المسألة بين قائلين: قائل يقول: أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب يوم الحديبية، وقائل يقول: لم يثبت ذلك، ولو ثبت لم يكن فيه رد للشريعة، ولا إبطال المعجزة، فمن إدعا قولاً ثالثاً مثل ما إدعى هذا المنكر، فقد خالف الإجماع وخرج عن قولي الأمة.(1/17)
ثم يختم هذا البحث بباب سادس: يذكر فيه زيدة المناقشة، فيقول: "وأما الصحيح الذي يجب أن يعول عليه في هذه المسألة ويقال به: فإن الظاهر من لفظ الحديث من رواية إسرائيل، عن أبي إسحاق أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب الكتاب". ثم يعقب على ذلك قائلاً: "ألا أن هذا الحديث كسائر المعجزات مما لا يحصى كثرة، قد رويت ونقلت بأخبار الآحاد، فلا يقع لنا العلم بمجموعها أنه قد عمل عملاً خرق به العادة وأظهر به المعجزةولا تتعين لنا أهي أنه كتب يوم الحديبية، أو جميعها أو غير ذلك، فإذا لم يقع لنا العلم بصحة هذه الرواية، فالصواب: الرجوع إلى المعلوم من حاله -صلى الله عليه وسلم-، والمشهور من صفاته في إمتناع الكتابة عليه.
فبعد عرض الأقوال السالفة، وترجيح ما رجح منها، وإبعاد ما قد لا يصح. يوجز المسألة في قوله: "أن من قال بكتابة الرسول قبل البعثة فقد كفر، ومن قال بها بعد البعثة فهو مخطئ.
فهذه اللمحة الخاطفة التي أوجزنا فيها محتوى هذا الكتاب، وإن كانت لا تعطي نظرة كافية لما ورد فيه، فهي تسلط الأضواء على محتوياته، ليكون القارئ على بينة مما سيجده في كل باب. وهذه الطريقة التي سلكها في إنشائهن تنقل القارئ من نقطة إلى أخرى، وتستدرجه بعد أن يقتنع بما ورد في الباب أو الفصل الذي قرأه، من فكرة إلى فكرة، فلا يشعر بالملل لطرافة الموضوع وإيجازه، وتجزئته تجزئة مناسبة، فهو مركز دقيق التعبير الأمر الذي يدل على براعة المصنف، فلا ترى فيه ثغرة أو حشواً، فسلاسة اللفظ، وجزالة المعنى طابعان طبع بهما أسلوب هذا الكتاب ما في ذلك من شك، وتسلسل الأفكار في تقنية سامية جذابة تلائم الأذواق على إختلاف ميولات أصحابها وتعالج الموضوع معالجة قوية ومنظمة تنظيماً جدلياً ومقنعاً.
/ص84/ أجوبة فقهاء صقلية(1/18)
بما أن هذه الأجوبة أجيب بها شخص واحد، وتعالج مشكلاً واحداً، آثرنا أن نتحدث عنها بصفة جماعية، مع الإشارة إلى بعض النقط المشتركة، ثم نضع جدولاً للمقارنة في بعض النقط التي التقى فيها بعضهم مع الباجي، علماً بأنهم أيدوه التأييد المطلق، عدا السهمي الذي سنتحدث عنه فيما بعد. وكانت هذه الأجوبة لا تعدو أن تكون رسائل إجابة أو فتوى مفت في مسألة دينية، وهي تختلف في الطول والقصر، إلا أن أطولها لم تصل إلى خمس صفحات، وأقصرها تشتمل على أحد عشر سطراً. فبعد الثناء على أبي الوليد الباجي بما تستحقه مكانه العلمية، أفتوا بتصويب رأيه، وموافقته للشريعة، وأتوا بحجج مماثلة لما أدلى به في "تحقيق المذهب"، وكانت خطاباتهم موجهه إلى اقبال الدولة علي بن مجاهد أمير دانية، ولم يذكر أحدهم إسمه خلال إجاباتهم له، إلا أن الحسن بن علي التميمي المصري قال: "وقفت على ما كتب به الفقيه القاضي الأجل، شيخنا وكبيرنا وإمامنا الذي نفزع إليه ونعتمد عليه في ما أهمنا". وقال الكتاني: "قد تأملت وفقكم الله وأرشدكم وصانكم وسددكم، ما أورده الفقيه ابن الوليد سليمان بن خلف الباجي –رضي الله عنه-". فهاتان العبارتان وما أشبههما من باقي إفتتحيات هذه الأجوبة، تدلنا دلالة واضحة على أنهم لم يكونوا مخاطبين للباجي. بيد أن بعضهم أورد إسمه، وبعضهم أشار إليه بالفقيه، أو الشيخ، أو القاضي، لكن حوار هذه الأجوبة، لا يمكنه أن يكون متحدثاً عن رسالة أخرى، أو خطاباً موجهاً لغير هذا الأمير، ومن أقوالهم مع بعض التصرف فيها نورد ما يلي:(1/19)
فكل ما أجاب فيه الفقيه القاضي مما يتعلق بالكلام بالمعجزات صحيح بين، وخبر الواحد إذا صح متنه وإستقامت عدالة قائله وجب العمل به. والفقهاء إذا رووا حديثين لا يكون أحدهما ناسخاً للأخر، وفي إحدهما إثبات وفي الأخر نفي، حمل ما فيه الإثبات، وأطرحوا ما فيه نفي، وإن تساوى الحديثان، حمل كل واحد منهما على فائدة مجردة، وإن تعارضا سقطا تعارضا وسلم لنا ما فيه الفضيلة. والخبر الذي روي في القضية في غزاة الحديبية مستفيض لإختلاف ألفاظه وإتفاق معانيه وكثرة طرق رواته.
(أ)- فإذا كانت المعجزات التي تعلم بالدليل الذي هو سكوت الأمة عن ردها وأخذها بالقبول، كان الخبر الذي فيه إثبات الكتابة له –عليه السلام- أولى أن يلحق بسائر المعجزات التي لم نعلم أحداً من الأمة رد الأخبار التي نقلت إلينا في إثبات هذه القضية. /ص85/ وقد صح الحديث الذي ذكره الفقيه القاضي، وأهل الصحيح من المحدثين، ورواه الشعبي، وأخرجه ابن أبي شيبة في بعض مصنفاته.
(ب)- وفي قوله: "فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاض عليه محمد بن عبد الله". فيه دلالة على أنه عمد إليه -صلى الله عليه وسلم- حين ذلك فمحاه بيده، وكتب إسمه وإسم أبيه "محمد بن عبد الله"، وإن ذلك أحد معجزاته، فكيف ينكر هذه المعجزة من له أقل فهم؟.
(ج)- والظاهر من لفظ الحديث أنه كتب. وهو قول معروف صحيح عند علمائنا، ولا معنى للعدول عن هذا الظاهر.
(د)- ولا سيما أن الفقيه القاضي قال: إن صح الحديث فهو حجة، فلا معنى لمن قابل قوله بالرد والتشنيع القبيح الذي لا يليق مثله بذوي البصائر، فلو نهضوا نحو الفقيه القاضي ليتعلموا منه أوائل المفترضات، لكان بهم أحرى، ولما ندبوا إليه أولى.
((1/20)
هـ)- وأما من إحتج بقوله تعالى: ("وما كنت تتلو من قبله من كتاب") [العنكبوت: الآية 48] فلا دليل فيه، ولو كان فيه دليل، لكان بإسقاط "من قبله" فلما قيد بوقت، كان موقوفاً عليه وهو قبل البعثة وفي حالها. ولا احتجاج بما لا دليل فيه للخصم، وقد أخبر عنه الله سبحانه وتعالى أنه لم يكن يتلو كتاباً، ثم تلا، كذا يصح أن يكتب بعد أن لم يكن يكتب، وتكون الكتابة له في ذلك الموطن إعجازاً.
(و)- وأما قوله تعالى: ("النبي الأمي") [الأعراف الآية 157 – 158] فهو منسوب بذلك إلى أمته، بدليل قوله تعالى: ("بعث في الأميين رسولاً منهم") [الجمعة الآية 22] مع العلم بأن من أمته من يكتب ومن لا يكتب.
(ز)- وأميته -صلى الله عليه وسلم- ليست معجزة له، إذا المعجز والحجة البينة ما أتى به من القرآن.
وذكر الكتاني: أن الأمية لو فهمت حين تلاوته -صلى الله عليه وسلم- للآيات أن المراد بها في القرآن مقصور على الذي بقي على ما ولد عليه من أنه لا يقرأ ولا يكتب بيده، كان القطع على بطلان ما تقدم من الأخبار المخالفة لذلك واجباً.
وقال أبو الفضل جعفر بن نصر البغدادي:
"وحسبي أنه ذاكرني به الشيخ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي –رضي الله عنه- بمكة، ورأيته يذهب إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما مات حتى قرأ وكتب بيده."
/ص86/ هذا جدول يبين بعض نقط التقارب أو التشابه
فيما بين الأجوبة وتحقيق المذهب
مع التنبيه على صفحاتها
نقطة الإلتقاء ... (1) الباجي ... (2) التميمي ... (3) البصري ... (4) الكناني ... (5) البغدادي ... (6) جعفر بن عبد الجبار
(أ) ... 103
(ب) ... 60 ... ،123 ... 143
(ج) ... ،84 ... 124،123 ... 136
(د)
(هـ) ... ، 91 ... 137،136 ... 144
(و) ... 116 ... 138
(ز) ... 117(1/21)
/ص87/ فهذه شهتدة من أعلام أئمة جزيرة صقلية، تثبت كلها كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتزكيها وتستدل عليها بالكتاب والسّناة. وقد سجل بعضهم لنا هذه الوثائق ما آل إليه الأمر بصقلية من نزول العدو بها، وكأنهم يقولون لمخاطبيهم، فلم تختصمون في الجزيئات، والعدو يلاحق الإسلام ويطرد المسلمين؟
وهكذا نجد هذه الرسائل تكاد تتفق في كثير من الألفاظ والتعابير والتأييد المطلق للباجي وتعظيمه، وعابوا على كل من يعارضه ويصفه بالتبديع والتضليل والتلاحد والتكفير والزندقة والتشنيع وإعترفوا للباجي بمشيخته وإمامته للمسلمين. ثم أنهم لم يذكروا لنا طريقة توصلهم بطلب الفتوى وكيف اطّلعوا على ما كتبه الباجي، وقد صاروا كلهم على هذا النهج في إجابتهم.
إلا أن أبا محمد عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي إختلف عنهم في النهج الذي سلكوه. مخاطباً الباجي بدلاً من إقبال الدولة قائلاً: "فقد وصل إلى كتابك وكتاب ولدك –وفقه الله-، ووصلت الكراريس التي تضمنت المسألة المتنازع فيها، وما أورده مخالفك فيها، وما ناقضته وأوردته عليه"(1) حيث أشار إلى أن المراسلة كانت تتضمن رسالتين وكراريس بسط فيها النزاع وقع في القضية، فنسب الكتاب الأول والكراريس للباجي كما هو الواقع.
__________
(1) - انظر ص: 146.(1/22)
أما الكتاب المثّاني فتكلم عليه بغموض لا يمكن فهمه إلا بعد التأمل والتمحيص، والذي نعرفه عن هذه القضية: هو أن أبا الوليد الباجي حينما نوظر عليه في مسألة كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين يدي إقبال الدولة على بن مجاهد بمسجد دانية، -قام خصومه وحاولوا النيل من كرامته- فقال للأمير: أن هؤلاء لا يفهمون، فاستفمت علماء الأمصار ففعل، وجاءت الأجوبة بالتأييد فيما بعد. ومن بينها إجابة السهمي، إلا أنه شذّ عن باقي فقهاء بلده، وليست الغرابة ناشئة من هذا الشذوذ نفسه لو كان جوابه عادياً لا يحس القارئ فيه بالتكليف والتعريض والسخرية الاذعة منذ البداية. فعندما يقرأه من اطلع عليه، يشعر بأن السهمي يحقد على الباجي، فهو ينكر معرفته لوجود خبر يخبر بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب بعد نبوته وقبل وفاته، لا في صحيح الأخبار ولا في سقيمها.
/ص88/ ولا يعلم أحداً ممن أدرك وممن مضى من العلماء ذكر ذلك. وكأنه سمع كل ما قيل، وقرأ كل ما كتب. وبعد قليل، أورد في قوله: قرأت في تفسير النقاش قول الشعبي: "ما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كتب وقرأ، وهذا لا يصح عن الشعبي، ولو صح لم يعرج عليه". ثم يوجب طرح التعلق بما ورد في البخاري بقوله: وهو الخبر الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما محا إسمه من الكتاب وكتب. وإنما يعني الراوي، أنه أمر أن يكتب، ثم يستمر معترضاً بأن القضية لم يرد فيها أكثر من قولين: لم يكتب، أو كتب وليست كتابته معجزة له، وينفي أن يكون هناك قول ثالث". وهذا الإعتراض كان من حقه أن يفهم أنه موجه لخصم الباجي، لا للباجي، فهو تأييد له بدون شعور منه، وأن القول الثالث هو قول الخصم، إذا كفره بعرض أقوال الناس في المسألة.(1/23)
ومما قاله أيضاً: "وأخبار الآحاد وأقوال الناس ليس مما يحمل عليه في إثبات المعجزات عند أحد المسلمين"، مع أن معظم المعجزات إن لم نقل كلها واردة من أخبار الآحاد، وإنما وإنما إكتسبت التواتر المعنوي أو الإستفاضة من تعضيد بعضها لبعض، كسخاء حاتم، وشجاعة علي. ولو لم نعتمد على أقوال الناس، لتركنا كل الأحاديث الفعلية والتقريرية، وأقوال الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين وهو الذي ندم على تأليف كتاب: "النكت والفروق لمسائل المدونة" ورجع من كثير من إختياراته وتعليلاته فيه، وقال: "لو قدرت على جمعه وإخفائه لفعلت". وهذا لا بأس فيه إن صدر عن حسن نية، وقال عن أبي جعفر السمناني: لو صح منه القول بكتابة الرسول لكان هداه لمذهبه ومذهب شيخه أبي بكر بن الطيب الباقلاني. وقال عن شيخه أبي ذر: لو صح عنه ما ادعي عليه من أنه استحسن ذلك، فليس هو ممن يعتمد عليه في هذه المسألة.(1/24)
وإلا دعا هنا على السمناني والهروي إتهام للباجي بالكذب. مع أن أبا الفضل جعفر بن نصر، سجل في إجابته: أنه سمع هو الآخر ذلك من أبي ذر، وبلغه مثل ذلك عن السمناني. فالادعاء مزعوم والحقد بين واضح. ولعله إضطراب فكري أو ضعف في الشخصية، أو إختلاط الشيخوخة، فإذا نحن بحثنا عن السر في ذلك الإختلاف الذي لم يرد في باقي أجوبة فقهاء صقلية بأسلوب يشعر القارئ بغيض يجيش بصدر السهمين نستنتج ما يأتي: فبعد فضيحة ابن حزم التي جعلته يغادر ميورقة –آخر معقل له لينشر المذهب الظاهري- إلى مسقط رأسه لبلة من بادية الأندلس الغربية، مغلوباً على أمره من جراء مناظرة الباجي له، وكان الذي استدعاه إلى هذه الغاية، /ص89/ هو أبو عبد الله محمد بن سعيد الميورقي المالكي. لكن الباجي، طاب له المقام بهذه الجزيرة، فسكنها هو وأخوه إبراهيم(1) وربما أحمل ابن سعيد نفسه، أو خاصمه، فأصبح يغار منه ويحقد عليه. وعندما ذهب عبد الحق الصقلي إلى الحج سنة (452هـ)، رافقه ابن سعيد هذا في رحلته، فنقل إليه تلك الحزازات وأوغر صدره على الباجي، وعندما توصل السهمي بما توصل به، جاء جوابه مغايراً لتلك الأجوبة السالفة الذكر. ومن الجائز أن يكون كتبه بحضرة رفيقه، فنراه يلمح لمن يترأسون المجالس العلمية بأنهم احتيج إليهم لذهاب العلماء. ويكثر من الاعتراضات، ويتمثل بالأبيات الشعرية، ويذكر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية لينال من الباجي، والله أعلم.
... فهذه الأجوبة وإن كانت قصيرة ومتفاوتة في الأسلوب والتعبير والتنسيق. فقد كان لها أثر حسن بالنسبة لموقف الباجي وتهدئة الجو العام بينه وبين معارضيهن وكانت بمثابة الحكم الفاصل. فتراجع عن معارضته جلّ فقهاء دانية، وتوقفوا ولم يطعنوا عليه.
طريقة ابن مفوز في تأليف التحذير
__________
(1) - التكملة 1/ 138 ترجمة : 357.(1/25)
... أما ابن مفوز، فيرى المسألة من وجه آخر، ويؤلف رسالة يعارض بها ما حرره الباجي، الاحتجاج به أثناء المناظرة، وتتألف رسالته هذه من مقدمة، وأربعة أبواب.
... يشير في المقدمة إلى سبب تأليفهن معللاً ذلك بطلب شخص لم يذكر إسمه، فإنك حكيت أن بعض أهل العلم بجهتك، زعم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب –يوم قاضى أهل مكة- بيده على جهة الإعجاز، وتعلق بظاهر حديث البراء". ولم يخف استنكاره منذ البدايةن لنفي جواز ما تقدم ذكره، حفظ عن السلف أو لم يحفظ، لعدم سماعه من قبل. وتلك حجة واهية لمن اعتمدها.(1/26)
... وأفرد الباب الأول: الاحتجاج بكتاب الله العزيز. وحيث كان منطلقة تفسير الأمية بالجهل بالقراءة والكتابة، منع صحة كتابته لتنافيها مع ما جاء به من أخبار الأولين والآخرين كمعجزة له. وكان الإيمان به عليه الصلاة والسلام ما حصل لمن آمن به من أمة الاسلام. إلا لكونه أمياً. مع "أن سائر الأنبياء –عليهم السلام- لم يكونوا أميين. ووجب الإيمان بهم وبما جاءوا به"(1) /ص90/ ويمضي ابن مفوز في نقاشه متسائلاً ومجيباً في نفس الوقت، جاعلاً نفي آية العنكبوت خاصاً بما قبل البعثة، ومستمراً إلى يوم قبضه بوصف الله له بالأمية، مضيفاً إلى ذلك حديث: (إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب)، كشرح لمعنى الأمية، ليثبت له ما استدل به. غير منتبه إلى فائدة الحديث التي هي تمام الشهر القمري ونقصانه، محتولاً أن يثبت للنبي -صلى الله عليه وسلم- أميته، ناسياً أنها ثابتة له ولأمته بالكتاب والسنة، دون أن يكون مدلولها هو التفسير الذي تشبث به، ويجعل لفظة الأمية بمثابة قول الكتاب والسنة جميعاً: ما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرفاً واحداً طيلة حياته بدون استثناء. ورتب على ذلك باباً ثانياً: للاحتجاج بالسنن التي عن ظاهرها لا يجوز العدول: حسب تعبيره، مقارناً ما ورد في ذلك من الأحاديث، مبتدئاً بحديث: (إنا أمة أمية) ومستدلاً بحديث البراء الذي ورد فيه: (كتب علي بينهم كتاباً)، واستدلاله بالحديث الأخير صحيح، لكن فاته ما رواه ابن سعد بقوله: "وكتب على صدره وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفل الكتاب ولنا عليكم مثل الذي لكم علينا"(2)
__________
(1) - الكشاف للزمخشري : 3/ 458.
(2) الطبقات الكبرى : 3/ 142، 146..(1/27)
ثم استطرد ابن مفوز قائلاً: "فلو كتب -صلى الله عليه وسلم- يوم قاضى أهل مكة بيده، لكان ذلك محفوظاً عن قدماء السلف، ولست أدري ماهية هذا الحفظ الذي يريده مع أنه ذكر في الباب الرابع الأحاديث المحفوظة في صحيحي البخاري ومسلم، وغيرهما من كتب السنن، فإذا لم يكن مقبولاً لديه هذا الحفظ المذكور، فما بقي حفظ أوتق من مصنفات الحديث المشار إليها آنفاً، ويدعي أن أخذ الكتاب والمحو من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يتنافيان مع أميته، كما تتنافى الكتابة معها، لما سبق من مفهوم الأمية لديه، ثم يقول: إن قولهم: كتب رسول الله، يجب أن لا يحمل على ظاهره، بل يفسر بمعنى أمر لتنافيه مع ما وصفه الله به، وما وصف به نفسه وفيه نظر. ثم ينتقل إلى الاستدلال بحديث ابن عباس –رضي الله عنه-: "كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر، وإنما يريد أمر بالكتاب إليه"، والأمر بذلك صحيح، لكن السياقين يختلف بعضهما عن بعض، وظروفهما غير متشابهة، والاحتجاج غير صحيح ولا داعي للاستدلال به في هذا المقام.(1/28)
... وعنوان باباً ثالثاً: للاحتجاج بالسنن التي حملها على ظاهرها لا يجوز، مكرراً حديث عبد الله بن عباس السابق، ومقابلاً له بحديث أنس الذي جاء فيه: "لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب إلى الروم" مستدلاً بعدم كتابته -صلى الله عليه وسلم- إلى قيصر ولا إلى الروم مع التعبير في أحدهما بكتب والآخر: بأراد أن يكتب. والكتابة إلى قيصر والروم مفروغ من كتابتهما بيد كتبته -صلى الله عليه وسلم-، ولا حاجة) إلى الاحتجاج بهما كما أسلفنا، /ص91/ ولا داعي لمقارنتهما بحديث البراء الذي ورد فيه: كتابة علي، وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الكتاب منه لما أبا المحو وكتابة النبي -صلى الله عليه وسلم- أسفل الكتاب. وختم ذلك بباب رابع: أورد فيه خمسة أحاديث محفوظة في أصح كتب الحديث كالبخاري، ومعضدة بإيراد بعضها في مختلف كتب الصحاح والسنن، مستشهداً لما أثبته من قبل، ومناقشاً لذلك في سبع نقط: مستدلاً بقول البراء: فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الكاتب، وقوله: كتب على بينهم كتاباً، وقوله: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي، وقوله: فلما كتبوا الكتاب. وقول سهيل: إكتب بإسمك اللهم كما كنت تكتب، وهو لا يريد إكتب بيدك. وقول انبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: إكتب محمد بن عبد، وقوله: فأرنيه، وهذه الحجج كلها مردودة، فلا خلاف في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا الكاتب وأن علي كتب صدر الكتاب أو الشرط. وذلك غير مضاف للنبي -صلى الله عليه وسلم- ابتداءاً، وأنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكتب إلا بعد إمتناع على من المحو، فأخذ الكتاب ومحا وكتب بيده الشريفة إسمه: "محمد بن عبد الله".(1/29)
وأن الاستدلال بقوله: "فأرنيه" لا يصح لكون الكلمة المراد محوها كانت هي آخر ما كتب، فيعمد إليها وبمحوها ويستغني عن قوله: "أرني مكانها" ثم عاد الاستدلال على عدم كتابته بآية العنكبوت، وجعلها في هذا الباب استمراراً لنفي الكتابة عنه -صلى الله عليه وسلم- لما قبل البعثة وبعدها، مع أنه سبق أن استدل بالنفي بها لما قبل البعثة فحسب. وهو تناقض ظاهر ولا يصح القول بما ليس فيه حجة. ولا يحتج بما ليس فيه دليل. وإن ما أورده هنا: شبيه عندي بعملية حسابية، إذا أخطأ الحيسوب في أولها، كانت النتيجة أشد خطأ، والاستمرار في التحليل عبثاً.
... وخلاصة القول: أن هؤلاء الفقهاء، حاولوا أن يصلوا إلى نتيجة تتلائم مع الشريعة الإسلامية، ولا نشك في حسن نواياهم. وكلهم أدلى بما يراه صواباً، وقد اتفقوا في توجيه خطاباتهم –عدا السهمي- إلى شخص واحد دون ذكر إسمه، وهو إقبال الدولة حسب ما نبهنا عليه من قبل. كما أن نقطة الخلاف والوفاق تبتدئ من حديث المقاضاة التي ورد فيه: "فأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب". مستدلين بنصوص موحدة من الكتاب والسنة، مع بعض الزيادة والنقص والتفاوت فيما بينهما في تعزيز أحد الرأيين، والتشابه في الأفكار وطرق الاستنتاج والاستنباط طابع اتسمت به أغلب هذه الرسائل. وجل من تحدث عن القضية، أخبر بأن الباجي كان يعرض أقوال الناس بمسجد دانية، ثك كفره الخصم بذلك، ولا داعي لهذا التكفير.
... /ص92/ ومما لا جدال فيه أن الباجي عندما استنكروا عليه إثبات الكتابة، كان يعرض أقوال النافين والمثبتين لها جميعاً، لورود التصريح بذلك في مختلف الأجوبة، وفي كتاب "تحقيق المذهب" من البداية إلى النهاية.(1/30)
... وقد أشبع القول في التحليل والمناقشة، وبدأ رأيه في تلك المسائل، وتصريحه بقوله: "والظاهر من لفظ الحديث أنه كتب -صلى الله عليه وسلم- ثم ختم الكتاب بما مؤداه: "فمن قال بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب قبل نبوته فقد كفر، ومن قال به بعد النبوة، فهو عندي مخطئ، وهو التواء منه في هذه القضية، لضرورة تقتضيها الظروف. وأرى من المناسب أن أدرج هذا مقالته الخالدة في كتاب المنتقي.
"إن فتوى المفتي في المسائل وكلامه عليها وشرحه لها، إنما هو بحسب ما يوفقه الله تعالى إليه ويعينه عليه وقد يرى الصواب في قول من الأقوال في وقت ويراه خطأ في وقت آخر، ولذلك يختلف قول العالم الواحد في المسألة الواحدة، فلا يعتقد الناظر في كتابي أن ما أوردته من الشرح والتأويل والقياس والتنظير، طريقة القطع عندي حتى أعيب من خالفه أو أذم من رأى غيره، وإنما هو مبلغ إجتهادي وما أدى إليه نظري، وأما فائدة إثباتي له فتبيين منهج النظر والاستدلال والارشاد إلى طريق الاختبار والاعتبار فمن كان من أهل هذا الشأن فله أن ينظر في ذلك ويعمل بحسب ما يؤدي إليه إجتهاده من وفاق ما قلته أو خلافه، ومن لم يكن قال هذه الدرجة، فليجعل ما ضمنته كتابي هذا سلماً"(1).
__________
(1) المنتقي : 1/ 3.(1/31)
... فهذا النص –وإن كان قد أورده في كتاب المنتقى- لا يختص بكتاب من كتبه، بل ينطبق على مختلف مؤلفاته. وله في ذلك أسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث روي عنه أنه قال: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار) (1) واللفظ للبخاري. بيد أن النزاع في الكتابة والأمية، لم يكن هو الأول من نوعه بين فقهاء الأندلس، إذ تعددت لديهم المجادلات والمناظرات فيما بينهم، داخل المساجد وخارجها.
/ص93/ فقهاء الأندلس والمنظرات(2)
__________
(1) الجامع الصحيح : 9/ 86، 32 صحيح مسلم : 5/ 6، سنن أبي داود : 2/ 115، سنن النسائي : 8/ 147، سنن ابن ماجة : 2/ 777 الموطأ : 5/ 182، مسند أحمد بن حنبل : 6/ 290، 307، 308، 320.
(2) - المناظرة لغة : من النظير، أو من النظر بالبصيرة. واصطلاحاً : هي النظر بالبصرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب. والجدل لغة : اللدد في الخصومةن والقدرة عليها. واصطلاحاً : تردد الكلام بين اثنين قصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول صاحبه. وعلم الجدل من أرفع العلوم قدراً وأعظمها شأناً لأنه السبيل إلى معرفة الاستدلالن وتمييز الحق من المحال.(1/32)
فيمن اطلع عل التاريخ الفكري لهذا البلد منذ الفتح الإسلامي إلى سقوط غرناطة، يرى التنافس سارياً في جميع مظاهر الحياة بصفة عامة. وفي ذلك يقول أبو بكر بن العربي في سراج المريدينن حينما تكلم على الغربة: "أشد أنواعها فقد النظير، وعدم المساعد، والاضطرار إلى صحبة الجاهل، ثم نظر ببقي بن مخلد ومحمد بن موهوب، وما لقيا من أهل بلدهما بعد الرجوع من الرحلة حسداً على ما رجعا به قال: وهذا أبو الوليد الباجي رحل وأبعد وجلب علماً جماً... فقولوا عليه، وحملوا كل تكذيب وتعطيل عليه"(1).
... وهكذا كانت سنة الأندلسيين في بلدهم، فما من أمير إلا وقعت في حضرته عدة مناظرات، بين الفقهاء والعلماء من حين لآخر، فيؤيد(2) من كان أهلاً للتأييد، كما سنرى مع بقي بن مخلد، أو يعارض من لا يستحق ذلك. أو يتوقف إذا إستشكل عليه الأمر في القضية كما هو الشأن في مسألة نبوة النساء، التي تنوظر فيها بين يدي المنصور بن أبي عامر، ومناظرة الباجي وابن حزم بين يدي أبي العباس أحمد بن رشيق والي ميورقة، ومناظرة أخرى في أمية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين يدي علي بن مجاهد بمسجد دانية، بين الباجي وابن سهل، وغير ذلك من المناظرات التي كان لا يخلو منها زمن ولا مكان في الحياة الثقافية بالأندلس.
/ص108/ تعريف الأمية
... لقد إختلف من تصدى لتعريف الأمية على قولين، فبعضهم عرف الأمي(3) بأنه هو الذي لا يعرف الكتابة والقراءة، وعلى هذا تكون الأمية، هي الجهل بالكتابة والقراءة.
__________
(1) - التراتيب الادارية : 1/173، 174. انظر معه : العواصم من القواصم 2/ 208.
(2) - المقتبس ص : 245 وما بعدها. انظر معه : نفح الطيب : 1/ 198.
(3) - تأويل مختلف الحديث ص : 287، تاريخ إفتتاح الأندلس : 62، 63، لمع الأدلة ص : 111 112، العقد الفريد : 4/ 214، مجلة الوعي الإسلامي الكويتية العدد : 138 ص : 55 وما بعدها.(1/33)
... ومنهم من قال: الأمي هو العربي، أو الذي ليس من أهل الكتاب، أي ليس يهودياً ولا نصرانياً، وعليه، فالأمية، هي النسبة للأمة العربية أو لغير أهل الكتاب.
... كما أختلف أصحاب التعريف الأول في النسبة الأصلية لهذه التسمية على عدة أقوال: لأهمها ثلاث.
... الوجه الأول: الأمية: نسبة إلى الأم(1) لتغلب الغفلة والسذاجة والجهل بالكتابة والقراءة عليها حسب ما يزعمون، ولست أدري كيف استساغت لهم أنفسهم أن يفكروا بمثل هذا المنطق، وأعجب منه أن يقلد بعضهم بعضاً في هذه الفكرة الساذجة، وهي لا تصمد أمام النقد الصحيح، إذ بكل سهولة، يمكننا أن نقول: هل هؤلاء الذين تصدق عليهم لفظة الأمي لكونهم ولدتهم أمهاتهم فنسبوا إليهن خاصيين بذلك؟، وهل غيرهم لم تلدهم أمهاتهم؟! والجواب عن هذا أن يقال: أن كل إنسان من بني آدم مولود سوى –آدم عليه السلام-، وكل مولود –منهم- له أم، وكل من له أم أمي وبالتالي فكل إنسان أمي. إذا لم تدخل معناً سائر الحيوانات والنباتات وغيرها-.
... وعليه فالنسبة للأم غير صحيحة فلم نخص جنساً من البشر بالأمية دون غيره؟ فلا بد أن هناك سبباً آخر لتسمية العرب بالأميين، ومن أجل هذا وذالك، فلا نستسيغ ولا نهضم لفظة الأمي بأنها نسبة إلى الأم التي تعم بني آدم، ولو كانت النسبة إلى الأم صحيحة لكان الأحرى أن يكون الأمي عيسى عليه السلام.
__________
(1) - القاموس المحيط : 4/ 77، لسان العرب : 1/ 105، تاج العروس : 8/ 191، المحرر الوجيز 1/ 270.(1/34)
/ص109/ الوجه الثاني: "العي(1) الجلف الجافي القليل الكلام" وهذا الوجه غير مقبول عقلاً وشرعاً، لأن العرب كسائر الأمم، فيهم العي السذج، والذكي والمتوسط، ولو كانت المية معناها: الغفلة والجهالة، لما وصف الله سبحانه وتعالى نبيه بها.
وإن حاول ابن مكي الصقلي ت (501/1107) أن يعتبر فيها إعتبارين حيث يقول: "باب ما يكون فضيلة لشيء ورذيلة لغيره، من ذلك الأمية هي فضيلة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، لأنها من براهين حجته وأدلة معجزته، وهي لغيره رذيلة ونقص"(2).
ولعل الأصل فيما قاله: هو ما حكاه ابن عبد ربه ت (328/ 959) عن المأمون الخليفة العباسي ت (218/ 845) "قال المأمون لأبي العلاء المنقري: بلغني أنك أمي، وأنك لا تقيم الشعر، وأنك تلحن في كلامك! فقال: يا أمير المؤمنين، أما اللحن فربما سبقني لساني بالشيء منه، وأما الأمية وكسر الشعر، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أمياً وكان لا ينشد الشعر. فقال المأمون: سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعاً، وهو الجهل. أما علمت يا جاهل أن ذلك في النبي -صلى الله عليه وسلم- فضيلة، وفيك وفي أمثالك نقيصة"(3).
__________
(1) - لعل الأصل في هذا الوجه هو ما نقله الراغب الأصفهاني ت (505/ 1108) عن قطر ب ت (206/ 821/) في معجم مفردات ألفاظ القرآن ص : 19 قوله: "الأمية الغفلة والجهالة، فالأمي منه، وذلك هو قلة المعرفة"، ثم تناقل أصحاب معاجم اللغة هذا التعريفن كابن منظور (630- 711/ 1232- 1311) في لسان العرب : 1/ 105، والفيروزبادي (729- 816/1329- 1413) في القاموس المحيط : 4/ 77، والمرتضى الزبيدي (1145- 1205- 1732- 1790م) في تاج العروس : 8/ 191. وقطرب لم يكن بثقة، قال ابن السكيت : "كتبت عنه قمطراً ثم تبينت أنه يكذب في اللغة، فلم أذكر عنه شيئاً". بغية الوعاة ص : 104.
(2) - تثقيف اللسان ص : 346.
(3) - العقد الفريد : 4/ 215.(1/35)
/ص110/ وليس من المعقول أن يكون الوصف هو هو، دون نقص أو زيادة، أو قرينة، ونصفه بانه فضيلة في مكان ورذيلة في مكان آخر، ومن المستحيل أن يصف الله سبحانه وتعالى أمة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالرذيلة وفيهم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البررة المخلصين لدينهم، وتوحيد ربهم، وتفانيهم في الفاع عن العقيدة الإسلامية، وعفا الله عن المأمون ونقلة هذا الخبران صح عنه، إذا لم يكن ذلك نزعة شعوبية.
الوجه الثالث: الأمي: نسبة إلى أم القرى(1) أي "مكة" وهذا معنى ضيق جداً لا يتعدى بضعة آلاف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يبعثه الله إلى أهل مكة خاصة، بل بعث إلى الناس كافة، فيستخلص من ذلك أن هذه النسبة هي الأخرى لا تجوز، ولو كان الأمر كذلك لما بعث -صلى الله عليه وسلم- كتبه داعياً إلى الإسلام، هرقل، وكسرى، والمقرقس، والنجاشي، وغيرهم
وهذه الأقوال الثلاث لا ينطبق أي واحد منها على تفسير معنى الأمي أو الأمية، بجملتين هما: لا يكتب ولا يقرأ لا في النسبة للأم، أو العي والجهالة، أو إلى أم القرى كما أسلفنا.
__________
(1) - معجم مفردات ألفاظ القرآن ص : 19 العقد الفريد : 4/ 214.(1/36)
والتعريف الثاني: "الأمي" نسبة إلى الأمة(1) العربية، نقل الراغب الأصفهاني ت (503/ 1108)، عن الفراء (144- 207هـ/ 761-822م) قوله: "هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب(2)، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: (" وقل للذين أوتو الكتاب والأميين أآسلمتم") [آل عمران الآية: 20]، فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى بإتفاق، وفي مقابل أهل الكتاب "الأميون" واللفظ في ذلك عام في جميع من ليس له كتاب من عرب وغيرهم، أو خاص بالعرب على إختلاف(3) في ذلك، وأياً ما كان، فالأميون: العرب وحدهم أو مع غيرهم، وليس في ذلك دلالة على الجهل بالكتابة والقراءة أو العلم بهما. وهذا يوافق ما أشار إليه الدكتور تمام حسان بقوله: "وكان الأمي في مبدأ الإسلام هو الذي ينسب إلى العرب، في مقابل النسبة إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ثم تطور المعنى /ص111/ حتى أصبح من العرب أميين وغير أميين، ثم إنظر إلى المدلول العربي الضيق لكلمة شعب، والمدلول الواسع الذي نعطيه لها الآن. كل أولئك تغيير في الدلالة من عصر إلى عصر، يدرس في الايتيمولوجيا، وفي الدلالة التاريخية. ولقد كان العلماء يعتبرون هذا التغيير في المعنى إما نمواً، أو إنحلالاً(4).
وفي تنبيهه على التطور، والنمو، والإنحلال أصدق تعبير على مدلول الأمية، ولعل الأصل في هذه التسمية:
(
__________
(1) - العقد الفريد : 4/ 214، إصلاح الوجوه والنظائر ص : 45، البحر المحيط : 2/ 500، العربي العدد 188 ص : 47.
(2) - معجم مفردات ألفاظ القرآن ص : 19، البحر المحيط : 2/ 413، الكشاف للزمخشري : 1/347 –و- 375.
(3) - المحرر الوجيز: 1/ 270.
(4) - مناهج البحث في اللغة : ص : 241.(1/37)
أ)- كان العرب فصحاء(1) يعربون الكلام ويبينونه بألسنتهم فيحصل التفاهم فيما بينهم، وكانوا لا يفهمون لغة غيرهم من الأمم، فأطلقوا عليهم "العجم" أو "الأعاجم"، ومن ذلك قولهم "للداية العجماء، لأنها لا تتكلم، وفي تبيين موقف الكفار من القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول الله عز وجل: ("وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ") [فصلت: 44]، ففي الآية مقابلة اللفظين "عربي" "وأعجمي".
(ب)- وكذلك اليونان سمموا غير أهل لغتهم "بالبربر".
(ج)- ونهج هذا النهج الرومان، حيث خصوا غيرهم بإسم "جونتليس" أي غير رومان.
(د)- ويأتي دور اليهود الذين يسمون غيرهم "كوييم" أو "جنتيل" أي غير يهود. "وقد ترجمت كلمة "جوييم" قبل الإسلام بالكلمة العربية "الأمم" في حدود معناها الإصطلاحي عند اليهود، ونسب إلى مفردها "أمة" فقيل "أميون" أي "غير يهود" ثم صارت تشمل غير اليهود وغير المسيحيين(2) أما كلمة عربي: فقد وردت في القرآن إحدى عشرة مرة، إما وصفاً للقرآن وهي سبع مرات:
(1)- ("إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ") [يوسف: 2].
(2)- ("َكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ") [طه: 113].
/ص112/ (3)- ("قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ") [الزمر: 28].
(4)- ("كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ") [فصلت: 3].
(5)- ("وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء") [فصلت: 44].
(
__________
(1) - مجلة العربي العدد : 188 ص : 44 وما بعدها.
(2) مجلة العربي العدد : 188 ص : 45، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج : 8 ص : 106.(1/38)
6)- ("وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً") [الشورى: 7].
(7)- ("إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ") [الزخرف: 3].
... أو وصفاً للسان في اللغة التي نزل بها القرآن وذلك ثلاث مرات.
(1)- ("وهذا لسان عربي مبين") [النحل: 103].
(2)- ("نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ") [الشعراء: 175].
(3)- ("وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا") [الأحقاف: 12].
... أو وصفاً للحكم الذي يتضمنه القرآن.
... ("وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً") [الرعد: 37].
... كما أنه وصف سكان البوادي بالأعراب عشر مرات في القرآن:
(1)- ("وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ") [التوبة: 97].
(2)- (" الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً") [التوبة: 97].
(3)- (" وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً") [التوبة: 98].
(4)- (" وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ") [التوبة: 99].
/ص113/ (5)- ("وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ") [التوبة: 101].
(6)- ("مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ") [التوبة: 120].
(7)- ("وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ") [الأحزاب: 20].
(8)- ("سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا") [الفتح: 11].
(9)- ("قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ") [الفتح: 16].
((1/39)
10)- ("قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا") [الحجرات: 14].
إلا أن لفظ الأعراب وصف ولا يليق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لأن أغلب الآيات التي سبق ذكرها كان إما وصفاً لهم بالنفاق أو الكفر أو التظاهر بالإسلام، فلم يبق لنا وصف وصف به النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته في القرآن إلا الأمي والأميون.
أدلة النفي، وأدلة الإثبات لكتابة الرسول
صلى الله عليه وسلم
لقد إستدل من قال بعدم كتابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيده بالكتاب والسنة، ومن الممكن أن يكون -صلى الله عليه وسلم- كاتباً أو غير كاتب، ولكن بأية حجة؟ فالمانعون من ذلك تنحصر أدلتهم في أربع نقط:
(1)- نفي التلاوة والخط لكتاب ما عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة النبوية بإجماع الأمة وينص القرآن، قال تعالى: ("وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ") [العنكبوت: 48]. وقد إختلفوا في كتابته بعد البعثة، /ص114/ فمنهم من قال بها بعد نزول القرآن، ومنهم من منع ذلك بحجة أن القيد (من قبله) منصب على التلاوة دون الكتابة، لتوسطه بينهما. ولو أراد الله سبحانه وتعالى نفي الكتابة عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- بعد البعثة لعبر بمثل ما عبر به في نفي الشعر عنه -صلى الله عليه وسلم- نهائياً قبل البعثة وبعدها في قوله عز وجل: ("وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ") [يس: 69].
فليقارن المعرض المحتج بين الآيتين، ويتأمل في النسقين، فيرى أن القيد خاص بما قبل البعثة فحسب، وقوله: ("وَمَا يَنبَغِي لَهُ") بالنسبة للشعر حسم للنزاع في ذلك.
((1/40)
2)- الوصف الصريح للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته بالأمية في كتاب الله عز وجل. وقد وردت هذه الكلمة في القرآن ست مرات، مرتان بالإفراد، وأربع بالجمع وكلها في معرض الحديث عن بني إسرائيل، فقد وصف بعض اليهود بالأميين في قوله تعالى: ("وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ") [البقرة: 78]. أي من اليهود، أما عرب تهودوا فلم يكن لهم علم بالتوراة، أو هم اليهود الذين هاجروا إلى يثرب، فتعربوا وأصبحوا لا يعرفون العبرية، فبعدت أفهامهم عن التوراة، فوصفوا بالأمية في هذه الآية. وليس الوصف هاهنا تفسيراً للأمية بالجهل بالقراءة والكتابة، وإنما هو عدم إدراك ما في التوراة.
أما الآية الثانية: فهي تجعل الأميين في مقابل أهل الكتاب وبهذا المعنى يكون الأمي أعم من العربي أي كل من ليس له كتاب سماوي يدين به فهو أمي، لقوله تعالى: ("وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ") [آل عمران: 20].
زالآية الثالثة: يفهم منها أن الأمي: هو ما عدا اليهودي سواء كان له كتاب كالنصارىن أو ليس له كتاب كالعربن والفرس وغيرهما، لقوله تعالى: ("وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ") [آل عمران: 75]. والضمير في الآية عائد على اليهود.
/ص115/ والآية الرابعة: تصف أمة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو ضمنها بالأمية، وذلك قوله تعالى: ("هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ") [الجمعة: 2].(1/41)
والآيتان الخامسة والسادسة: وردتا بالإفراد وصفاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- في نفس موضوع الحديث عن نبي إسرائيل، سواء في ذلك المؤمنون منهم ("الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ") [الأعراف: 157]. أو دعاء من لم يؤمن منهم في قوله تعالى: ("فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ") [الأعراف: 158]، وليس معنى وصفه في التوراة بالأمي بأنه لا يقرأ ولا يكتب، وإنما هو تبشير ببعثته -صلى الله عليه وسلم-، كما بشر به عيسى قومه في قوله تعالى حكاية عنه –عليه السلام- ("وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ") [الصف: 6]، ولم يقل: لا يكتب ولا يقرأ.
فمن العرض للآيات التي ورد فيها لفظ الأمية إفراداً وجمعاً، يتبين لنا أن لي آية من هذه الآيات الست، لا تعني أن الأمية، هي الجهل بالقراءة والكتابة.
(3)- عندما يناقش المعارض بعدم صحة إستدلاله بالكتاب، على معنى الأمية يلتجئ إلى السنة فيقول: قال -صلى الله عليه وسلم- (انا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا)(1)، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، ثم يقول: إن هذا الحديث نص بين واضح في معنى الأمية، لأنا لا نجد فيه أي دليل على معنى الأمية بمفهوم الجهل بالكتابة والقراءة، ويتضح لنا الأمر جلياً بمقارنة هذا الحديث بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قط) (2)
__________
(1) - انظر ص : 73 مما يأتي.
(2) - سنن الترمذي : 11/ 63، مسند أحمد: 5/ 132.(1/42)
فكما ورد في حديث إانا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب) فقال هنا (بعثت إلى أمة أميين) وذكر من الأميين أصنافاً، وجعل من بينهم الذي لم يقرأ كتاباً قط. فلو كان صدر الحديث السابق يشرح بعضه بعضاً، لما كان الذي لا يقرأ، بعضاً من الأميين. ولا ينبغي الاحتجاج بأحدهما دون الآخر.
/ص116/ ولقد آن الأوان ليتنبه الناس، وليعلموا أن هذا الحديث لا يتضمن أمية الرسول -صلى الله عليه وسلم- دون أمية أمته، كما أن بعضه ليس شرحاً للأمية مثلما يتبادر إلى الذهن، فالوقوف عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: (انا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب) شبيه عندي بالوقوف عند قوله تعالى: ("فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ") [الماعون: 4]. وزيادة. فإذا كان الوقوف عند جزء من هذه الآية موهم بأنه ينبني عليه ترك ركن من أركان الدين الإسلامي خوفاً من الوقوع في الويل،- وقد صار هذا مضرب الأمثال لكل من لا يتمم الكلام بما هو مقصود منه، كمن قال: لا إله ولم يتم تشهده، فهو كفر صرف لا مراء فيه، فكذلك الوقوف عند جزء من هذا الحديث، ينبني عليه إنتفاء الإنتساب إلى الأمة الأمية المحمدية بالنسبة لكل من كتب بيده، بما فيهم الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة –رضوان الله عليهم-. ولكن هذا الحديث يتناول بصفة خاصة: الإجابة عما سئل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجود قاعدة عامة ومباشرة لمعرفة بداية ونهاية الشهور القمرية لأداء فريضتي الصوم والحج وغيرهما، فكانت الإجابة تتضمن ما سئل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما سئل عن الأهلة في قوله تعالى: ("يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ") [البقرة: 189]. ف (انا أمة أمية): أي عربية وليست بعجمية.
وقد كفانا أبو الوليد بسط القول في تحليل الكتابة والحساب تحليلاً ضافياً بما يلائم ذلك(1).
(
__________
(1) - انظر ص : 73 وما بعدها مما سيأتي.(1/43)
4)- التمسك بقوله -صلى الله عليه وسلم- (أرني مكانها) كحجة في الدلالة على عدم معرفته -صلى الله عليه وسلم- القراءة والكتابة، وهي حجة واهية لا تصح. فكثير من الناس إذا توقف أحدهم عند كلمة في قرائته يسألونه أين هي، فهل في هذا حجة على أنهم لا يعرفون الكتابة، وبالتالي يتمسكون بأن "أرنيها" منصبة على أن الكلمة المراد محوها لم يعرف النبي -صلى الله عليه وسلم- مكانها، مع أنها كانت هي آخر ما كتب، فلو لم يكن يعرف الكتابة والقراءة، لاهتدى إليها بأنها هر آخر ما كتب فيعمد إليها ويمحوها ويستغني عن قوله: (أرني مكانها). فنفي الكتابة عنه -صلى الله عليه وسلم- لأي كتاب قبل البعثة بنص القرآن، كان منطلقهم الذي بدأوا منه هذا الإستنباط، فنفوا عنه الكتابة بصفة عامة أو بصفة خاصة، حسب مختلف الآراء والتأويلات، /ص117/ وبوصف الله سبحانه وتعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بالأمية في سورتي الأعراف والجمعة، نفوا عنه الكتابة عموماً، وعن إستفسارهم لمصدر هذا التفسير للأمية وجعلها مساوية –لجملتين- هما: لا يكتب ولا يقرأ، لا لمفردة واحدة هي: "عربي" يحتجون بحديث (انا أمة أمية)، ويجعلون من صدره جزءاً يشرح الجزء الآخر دون مبالاتهم بالمقصود من الحديث الذي هو: تمام الشهر ونقصانه. فيصفون الأمة العربية بأنها كلها كانت لا تكتب ولا تقرأ، وعندما يستدل عليهم بكتابة الوحي ووجود كتابة، ووجود من يكتب في العصر الجاهلي، بالغوا في جعل الكتاب أقلية ضئيلة. مع أن التنقيب عن الكتاب في هذا العصر، أفادنا وجودهم كما هو الشأن في مختلف العصور، وعند سائر الأمم، ولا داعي لعرض النماذج المتعددة في هذا المضمار. (1)
__________
(1) - راجع في ذلك : تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري من ص : 192 إلى 203، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : 8/ 91- 143..(1/44)
وحسبنا ما رواه ابن سعد (230/ 845) قال: "أخبرنا هشيم بن بشير، قال: أخبرنا مجالد عن الشعبي قال: كان فداء أسارى بدر أربعة آلاف إلى ما دون ذلك، فمن لم يكن عنده شيء أمر أن يعلم غلمان الأنصار الكتاب".(1)
وقال أيضاً: "أسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر سبعين أسيراً، وكان يفادي بهم على قدر أموالهمن وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة لا يكتبونن فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان المدينة فعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداؤه"(2). فتعليم غلمان الأنصار في النص وتحديدهم بعشرة، برهان ساطع على أن الكتابة كانت شائعة آنذاك، فلم يرد في النص غير الغلمان، وأن طبقة الأغنياء التي كان لها مالن تفدي به نفسها، ومن له رابطة دموية أو شبهها، وأن أفقرهم، هو الذي كان يعلم الكتابة للأطفال، فهل يتعاطى أفقر الناس الكتابة، ولا يعرفها أغناهم وهو أحرى بذلك من غيره؟ فبقليل من التأمل يستطيع كل واحد منا أن يجيب على هذا السؤال بكل بساطة قائلاً: اللهم لا.
ومن الآيات التي حاول الدكتور إبراهيم أنيس أن يستدل بها على ندرة الكتابة في ذلك العصر قوله تعالى: ("يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ") [البقرة: 282]. /ص118/ وقد قال تعقيباً على هذه الآية ما نصه: "فهي توضح لنا أن الكاتبين في بيئة الحجاز كانوا من الندرة بحيث طلب من الناس إذا تداينوا بدين أن يلتمسوا لهم كاتباً يسجله ويوثقه"(3).
__________
(1) - الطبقات الكبرى : 3/ 61.
(2) - نفس المرجع والصفحة، دلالة الألفاظ ص : 190، عيون الأثر: 1/ 286، 287.
(3) - دلالة الألفاظ ص : 189.(1/45)
ألم يفطن الأستاذ الكبير إلى أن القرآن لم يكن خاصاً بأهل الحجاز وغير موقت بعصر المبعث بالذات؟، ألم يتعامل في بيع العقار وشرائه وعقد النكاح، بإستدعاء الكاتب العدل، مع كونه كاتباً ومؤلفاً؟ وهل ترتيب العدول والموثقين في كل بلد من بلدان الدنيا في عصرنا دلالة على أن غيرهم لا يقرأ ولا يكتب؟ ولست أدري كيف مر هذا عليه مع إجلالي وإحترامي له!
وبإدعاء هؤلاء وأولئك للإصلاح، أساؤوا إلى الأمة العربية بأنها كانت لا تكتب ولا تقرأ، وهل القرآن الذي نعجز في عصرنا الحاضر –بما فيه من علماء وحملة الأقلام المختصين في شتى أنواع العلوم وفنونها- إلى الوصول لفهم الكثير مما ورد به أسلوبه من الإعجاز، نتصور أن هذا الكتاب نزل على قوم جهلة، لا يكتبون ولا يقرؤون، وهم قمة في الإدراك والفهم ولأسرار هذا الكتاب، ولم يتمكنوا معارضته رغم تحديه لهم ككل، أو بعشر سور أو بسورةن سيما وأنه أكثر من ذكر أدوات(1) الكتابة بقوله: ("اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ") [العلق: 3-4]. وقال جل من قائل: ("ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ") [القلم: 1]، وقال جل شأنه: ("وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ") [لقمان: 27]، وقوله: ("أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ") [الإسراء: 93].
فالأمر باقراء، وذكر القلم، والمداد، والسطور، والكتاب، في هذه الآيات، لا يخاطب بها من لا يعرفها.
__________
(1) - تاريخ الشعر العربي للبهبيتي : 200.(1/46)
ولم تحدث في صدر الإسلام عقدة تفسير "الأمي"، بعدم معرفة الكتابة والقراءة، ولست أدري متى حدث هذا وعلى يد من، وربما كانت هذه إحدى المساوئ التي إنتشرت على يد الشعوبيين من واضعي الأحاديث والأخبار التي لا تحصى كثرة، والتزيد في أشعار الجاهليين، ليتمكنوا من هجو هذه القبيلة أو تلك، على لسان شعرائهم لينالوا من سائر القبائل العربيةن وليتأتى لهم تفضيل الفرس على العرب. شعرائهم لينالوا من سائر القبائل العربية، وليتأتى لهم تفضيل الفرس على العرب. فلعلهم هم الذين تمسكوا بهذه القضية، ونشروها بين الناس، فلم يلتفت لذلك أحد.
/ص119/ ولو تتبعنا بطون الكتب المصنفة منذ بداية التأليف، لوجدنا نصوصاً كثيرة لا تفرق بين لفظ العربي والأمي، ولا تفسر الأمية بالتفسير الذي يفسرها بالجهل بالكتابة والقراءة، وحتى في آخر القرن الخامس الهجري، نجد الراغب الأصفهاني ينقل عن الفراء (144- 207/ 761-822) في الأميين قوله: (هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب) (1), وياليته اقتصر عليه، وقد ترجم أبو داود السجستاني (202- 275/ 817- 889) أحد أبواب سننه بقوله: (باب ما يجزي الأمي والأعجمي من القراءة .... عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والعجمي فقال: إقرأوا فكل حسن) (2) فهو لم ير فرقاً بين تعبيره بالأمي والأعجمي أولاً، وبالأعرابي، والعجمي ثانياً، كما استعمل الإمام اللغوي ابن دريد (223- 321/ 838- 933) في مقدمة كتابه(3) كلمة "أميين" بمعنى العرب.
__________
(1) - معجم مفردات ألفاظ القرآن ص : 19، الكشاف للزمخشري : 1/ 347 –و- 375، البحر المحيط : 2/ 413.
(2) - سنن أبي داود : 1/ 132.
(3) - الاشتقاق في اللغة : 3.(1/47)
ومما يستدل به على كتابة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما رواه أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوباً: الصدقة بعثر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت يا جبريل! ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة) (1). وفي قوله (رأيت مكتوباً على باب الجنة) دلالة على أنه قرأ، والقراءة فرع عن الكتابة. ولا يحتاج ذلك إلى تأويل. ومثل هذا ما رواه سهل بن الحنظلية حيث قال: (وأما عيينة بن حصن فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، إني حامل إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس، قال: فأخذ، النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنظر إليه فقال: كتب بالذي أمرت) (2).
فقوله فنظر إليه فقال: كتب بالذي أمرت، نص علي أنه كان يقرأ. ومن ذلك ما روي عن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي حيث يقول: (ما مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كتب وقرأ) (3). وهذه الأحاديث أدلة قوية في الإثبات، وتواتر بالمعنى.
/ص120/ وأما كتابة وثيقة صلح الحديبية، فأشار إليها ابن سعد (230/ 845) فبعدما ذكر شهودها قال: "وكتب على صدر هذا الكتاب، فكان هذا الكتاب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت نسخته عند سهيل بن عمرو(4)
__________
(1) - سنن ابن ماجة 2/ 812 الحديث 2431.
(2) - إنظر ص : 127 وما بعدها مما سيأتي.
(3) - انظر ص : 44 –و- 126 مما سيأتي.
(4) - الطبقات الكبرى : 3/ 142.(1/48)
وذكر في موضع آخر: "وكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أسفل الكتاب: ولنا عليكم مثل الذي لكم علينا"(1). وهو يمعنى ما يقول: فهذان النصان كل واحد منهما يدل على معنى، وذلك أن علياً كتب صدرها، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب أسفلها، والسبب في ذلك: لما أبى علي محو محمد رسول الله، أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب ومحاه بيده، وكتب محمد بن عبد الله. يدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه خمس مرات من طرق مختلفة، وغيره من الحفاظ، كمسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، والدارمي، والإمام أحمد، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والذهبي.
ومن رواية البخاري في عمرة القضاء (وليس يحسن يكتب فكتب)، وفي رواية أخرى: (وكان لا يكتب فكتب). "وأما ما ذكر من تأويل الكتب بالأمر بالكتابة فخلاف الظاهر وفي شرح صحيح مسلم للنووي عليه الرحمة نقلاً عن القاضي عياض، أن قوله في الرواية التي ذكرناها "ولا يحسن يكتب فكتب"، كالنص في أنه -صلى الله عليه وسلم- كتب بنفسه، فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه"(2).
__________
(1) - نفس المرجع : 3/ 146.
(2) - روح المعاني : 21/ 5.(1/49)
/ص 1/ تحقيق المذهب
من أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب
تأليف
أبي الوليد سليمان بن خلف بن أيوب
بن وارث التجيبي الباجي
(403_474هـ/ 1012_1081م)
/ص2/ مقدمة المؤلف
/ص3/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد نبيه ورسوله
وسلم تسليما
قال الفقيه الامام الحافظ القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي رضي الله عنه
الحمد لله بنعمته تتم الصالحات، وتنمي (1) البركات، وصلى الله على محمد نبيه وصفوته (2)
__________
(1) : يقال: نمى، ينمي، نمياً، ونميّا، ونماء، ونمية، ك (نما ينمو، نموّا: زاد).
(2) _صفوة الشيء: ما صفا منه. والنبي_ صلى الله عليه وسلم_ قد اصطفاه الله واختاره من خلقه، والأحاديث في ذلك كثيرة، ومنها قوله_ صلى الله عليه وسلم_: " أن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشامن كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم. ("صحيح مسلم: 6/95، طبع مع شرحيه للأبي والسنوسي_ الطبعة الأولى بمصر_ 1328هـ). (سنن الترمذي: 13/95، طبع مع شرحه عريضة الأحوذي بالقاهرة)
(
مسند أحمد بن حنبل: 4/107- مطبعة بيروت) (عيون الأثر لابن سيد الناس: 1/23، طبعة بيروت-1974).(1/1)
من خلقه، وآله وسلم تسليما. أما بعد: يا أخي (1) _ وفقك الله_ فانك ذكرت لي أنه جرى في مجلسي من تفسير حديث النبي (2)_ صلى الله عليه وسلم_، /ص4/ والكتاب الذي قاضى عليه قريشا يوم الحديبية (3). أن بعض الناس قد ذكر أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كتب في ذلك اليوم، ومنع من ذلك بعضهم، وأجريت عما تعلق به كل فريق منهم ما خفّ حسب ما تقتضيه مجالس المذاكرة ومواضع التعليم، مما لا يعرى عن فائدة للمنتهي، ولا يحيّر بالاكثار خاطر (4) المبتدي. وذكرت أن بعض من (5) بلغه ذلك أنكره انكارا جاوز فيه الحد، وأعظم به الخطيئة، (6) وزعم (7) أن في هذا إبطال المعجزة، ورد الشريعة، وتكذيب القرآن (8)، وسألتني (9)
__________
(1) يخاطب اقبال الدولة علي بن مجاهد أمير دانية، وأحد ملوك الطوائف بشرف الأندلس. (قارن بهذا ص: 159،194).
(2) النبي: من أوحى إليه بملك أو ألهم في قلبه أو نبه بالرؤيا الصالحة، فالرسول أفضل بالوحي الخاص الذي فوق وحي النبوة. لأن الرسول هو من أوحى إليه جبرائيل خاصة، بتنزيل الكتاب من الله (التعريفات للجرجاني ص: 125- طبعة تونس 1971).
(3) - الحديبية: قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الهجرة التي بويع رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ تحتها وبين الحديبية ومكة مرحلة، وبينهما وبين المدينة تسع مراحل، (معجم البلدان: 3/234- الطبعة الأولى- مطبعة السعادة بمصر_ 1324هـ- 1906م).
(4) - ما يرد على القلب من خطاب، أو الوارد الذي لا عمل للعبد فيه.
(5) - يعني ابن الصائغ ومن وافقه.
(6) - الذنب أو ما تعمد منه.
(7) - الزعم: هو القول بلا دليل.
(8) - القرآن: هو المنزّل على الرسول- صلى الله عليه وسلم- المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة. (التعريفات-92).
(9) - في الأصل: "وسألني"..(1/2)
أن أكتب لك في ذلك ما يعول عليه، وأبسط القول فيه بأكثر مما جرى في المجلس المذكور، وأنسب الأقوال إلى القائلين لها، وأبين وجوهها، ووجه بطلان قول من أعظم انكارها، وأنبه على الصحيح منها. /ص5/ اذ قد وقع فيه من الاشكال، ما أحوج إلى البيان، فأجبتك إلى ما سألت، لما يتعين عليّ من ايضاح الحق واظهاره، ولما رغبته من منفعتك، وأقصده من تعليمك وتفهيمك. وأنا_ أن شاء الله_ الي من بيان حقيقة المعجز، ورواية هذا الحديث، وأقوال المختلفين في تأويله، وايضاح الحق في ذلك بما فيه كفاية. والكلام في هذه المسألة يكون في ستة أبواب:
أولها: في ذكر المعجز وبيان صفاته التي بها يتميز من غير المعجز.
والثاني: في وجه تعلّق كون النبي- صلى الله عليه وسلم- أمّسيا بالمعجز. والثالث: في ايراد الحديث المذكور واختلاف الرواة فيه.
والرابع: في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث، وتعلق كل واحد منهم بلفظه، وذكر غير ذلك من وجوه حججه، مما أورده عن نفسه، ومما يلزمني أن أورده له اكمالا لحجته.
والخامس: في إبطال قول من قال: أن في أحد هذه الأقوال: ما يبطل (1) به المعجز ويتغير به الشرع أو يردّ شيئا من القرآن.
والسادس: في بيان أصح الأقوال في هذه المسألة، وما يجب أن يعتمد عليه منها.
/ص6/ الباب الأول
في ذكر المعجز وبيان صفاته
التي بها يتميز من غير
المعجز
/ص7/ تمهيد (2)
__________
(1) - في الأصل: يتصلٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ
(2) - زيادة ليست في الأصل.(1/3)
وأما وصفنا المعجز (1) بأنه معجز،فإن المراد به في اللغة (2) ما يتعذر على قدرة الإنسان نيله. يقال: طلب فلان فلانا فأعجزه، إذا تعذر عليه ادراكه، وهذا أعجز الأولين والآخرين، بمعنى تعذر على قدرهم، ولم تنته إليه طاقتهم. /ص8/ ثم استعمل في الشرع في وصف ما أتى به الرسل عليهم السلام معجز الصفات، هو عليها، إذا عرى عنها أو عن واحدة منها، لم يوصف بأنه معجز، وإذا تجمعت فيه، وصف بأنه معجز. وهي ثماني صفات:
إحداها (3)- أن يكون الفعل الموصوف بأنه معجز من فعل الله تبارك وتعالى، أو ما يجري مجرى فعله.
__________
(1) - عرّف امام الحرمين (419-478 هـ/ 1028-1085م) المعجز بقوله: هي أفعال الله تعالى الخارقة للعادة المستمرة، وظاهرها على حسب دعوى النبوة: هو تحدّيه ويعجز عن الإتيان بمشالها الذين يتحداهم النبي. ووجه دلالتها على صدق النبي أنها تنزل منزلة التصديق ( لمع الادّلّة لامام الحرمين: ص: 110- مطبعة مصر-1385هـ-1965م). وعرف الآمدي (551- 631هـ/ 1156-1234م) المعجز بقوله: وأما خقيقة المعجز فهي كل ما قصد به إظهار صدق المتحدي بالنبوة المدعي للرسالة (غاية المراد ص: 333- مطبعة القاهرة- 1391هـ 1971م). كما عرف الجرجاني (470- 816هـ/ 1340-1413م) المعجزة بقوله: المعجزة أمر خارق للعادة داعية إلى الخير والسعادة مقرونة بدعوى النبوة، قصد به إظهار من ادعى أنه رسول من الله.
(التعريفات ص: 115).
(2) - اللغة: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم_ ج_ لغات.
(3) - في الأصل: أحدها.(1/4)
والثانية_ أن يكون أمرا خارقا للعادة. والثالثة_ أن يكون معه دعوى الرسالة. والرابعة_ أن يتحدى به من هو دليل عليه. والخامسة_ أن يقارن الإتيان به معنى الرسالة. والسادسة_ أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة تعلق. والسابعة_ أن يكون موافقا لدعواه، غير مناقض له، ولا مكذب به. والثامنة_ أن يكون جنسه غير داخل تحت قدر العباد في قول جماعة من شيوخنا. وقال بعضهم: يدخل جنسه تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي له كان معجزا لا يدخل تحت قدر العباد.
/ص9/ فصل أوّل
أن يكون الفعل الموصوف بأنه معجز من فعل
اللّه تعالى أو ما يجري مجرى فعله(1/5)
وانّما قلنا: أن من صفاته المشترطة في كونه معجزا، أن يكون من فعل الله، لأن ظهور المعجز على يد مدّعي الرسالة بمنزلة قوله تعالى: صدق، هذا رسولي. فيجب أن يكون المعجز من فعله ليكون تصديقا له، لأنه متى ادّعى على زيد أمر من الأمور، فقال عمرو: صدق، لم يكون في ذلك تصديق للمدعي من زيد حتى يقول: صدق. فيجب أن يكون التصديق من قبل المدّعي عليه الرسالة، ومن فعله. وقولنا: أو ما يجري مجرى الفعل: نريد بذلك الاعدام، لأنه لو قال (1) النبي_ عليه السلام_: أنا رسول الله، وأية (2) ذلك أن الله يعدم الأن هذا الجبل ويفنيه، فلا يبقى له عين ولا أثر/ ثم يفعل له ذلك، لكان معجزا ودليلا (3) على صدقه، وان لم يكن الاعدام ولا الافناء عند شيوخنا (4) فعلا.
/ص 10/ فصل ثاني
أن يكون أمرا خارقاً للعادة
__________
(1) - قول افترضه للإيضاح.
(2) -الآية: الحجّة أو الدليل.
(3) -الدّليل: هو الدّلالة على البرهان، وهو الحجّة والسلطان، والدليل في الحقيقة، هو فعل الدّال، ولذلك يقال: استدلّ بأثر اللصوص عليهم، وإن كان اللصوص لم يقصدوا الدّلالة على أنفسهم ومن أصحابنا من قال: أن الدليل انما يستعمل فيما يؤدي إلى العلم، وأما ما يؤدي إلى غلبة الظن فهو امارة. (الحدود في الأصول ص: 33- طبعة- بيروت 1973هـ 1392م).
(4) - أن شيوخه الذين ذكرهم في هذا الكتاب هم: أبو الفتح النيسابوري وأبو ذر الهروي، وأبو جعفر السمناني الذي أخذ عنه علمي أصول الدين وأصول الفقه بالموصل.(1/6)
وإنما قولنا: أن من شرطه (1) أن يكون خارقا للعادة (2) لأن الأفعال المعتادة ليس لمدعي الرسالة أن يقول: هي دليل على صدقه،الاّ ولمنكرها أن يقول: هي دليل على كذبه وصدق مخالفه، لأنه إذا قال: أنا رسول الله، وآية هذا (3) أنه إذا قطع رأس هذا الإنسان مات، وإذا جاور هذا الثوب النار احترق، كان لمخالفه أن يقول له: هذا دليل على كذبك. وكان لكذّاب يدّعي الرسّالة تناقض (4) رسالة الأول وتخالفها، أن يجعل ذلك أيضا دليلا على صدقه، وكذب مخالفه. فوجب أن يبطل ذلك كله، ولا يكون فيه دليل على صدق أحد وكذبه.
/ص 11/ فصل ثالث
أن يكن معه دعوى الرسالة
__________
(1) - الشّرط: عرفّه المؤلف بقوله: ما يعدم الحكم بعدمه، ولا يوجد بوجوده، (الحدود ص: 60). كما عرفّه الجرجاني قائلا: " الشرط ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون خارجا عن ما هيته، ولا يكون مؤثرا في وجوده. وقيل الشرط ما يتوقف ثبوت الحكم عليه، (التعريفات ص: 67).
(2) -العادة: ما استمر الناس عليه على حكم المعقول، وعادوا إليه مرة بعد أخرى.
(3) - قارن بهذا: (غاية المرام ص: 332).
(4) - التناقض: هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب، بحيث يقتضي لذاته صدق أحدهما وكذب الأخرى، كقولنا: زيد انسان، زيد ليس بإنسان. (المرجع السابق 36).(1/7)
وإنما قولنا: أن من شرطه أن يكون معه دعوى الرسالة، لأن الباريء تعالى قد يخرق العادات وينقضها على أيدي الصادقين دون دعوى رسالة يّدعونها. فلا يكون ذلك معجزا، مثل ما يخرق العادات وينقضها بكرمات (1) الأولياء والصالحين ممن ليس بنبي ولا رسول. وقد ينقضها عند كثير من الناس، على أيدي الكذابين، ما لم يدعوا رسالة (2)، مثل ما روي (3) أنه ينقضها على يدي الدجال فيما يظهر أنه سبق معدّ من الماء والنار والطعام، وهو يدعي الربوبية، ولو ادعى الرسالة، لم يظهر ذلك على يديه، لأنه إذا ادعى الربوبية. ففيه من صفات الحدوث ما يبطل دعواه. ولو ادّعى النبوة وأظهر له هذه الأمور الخارقة للعادة، لم يكن لنا طريق إلى معرفة كذبه، واوجب أن يكون ذلك تصديقا له. والله تعالى لا يصدق الكاذبين.
ٍ/ص 12/ فصل رابع
" أن يتحدّى به من هو دليل عليه"
وانما قولنا: أن من شرطه أن يتحدى (4)
__________
(1) - الكرامة: هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غير مقارن لدعوى النبّوة، فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا، وما يكون مقرونا بدعوى النبوة يكون معجزة (نفس المرجع ص: 95).
(2) - قارن بهذا ما ورد في: (مقالات الاسلاميين 2/125- الطبعة الثانية بمصر_ 1389هـ- 1969).
(3) - رويت في المسيح الدّجّال ابن صياد أحاديث كثيرة، تختلف قصرا وطولا، وتعرض جوانب متعددة من صفاته وأحواله وأفعاله. ومصنفات الحديث مليئة بها، فلا حاجة بنا إلى ذكرها.
(4) -ولقد تحدى الرسول_ صلى الله عليه وسلم_ العرب بالقرآن على أن يأتو بمثله، بقوله تعالى ("أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ أن كَانُوا صَادِقِينَ").
(الطور_ 33- 34)، وقال جل شأنه: ("قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُم ْلِبَعْضٍ ظَهِيراً") (الإسراء_88).
ثم تنازل إلى عشر سور مثله بقوله: ("أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ أن كُنتُمْ صَادِقِينَ") [هود:13]. فأفحموا ولم يقدروا. ثم تنازل إلى سورة واحدة بقوله تعالى: ("أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ")
(يونس 38). فعجزوا عن الإتيان بمثله كلاّ أو بعضا. كلّ هذا بمكة قبل الهجرة، وسورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة، وهي أيضا تتضمن آية من آيات التحدي وهي قوله تعالى: ("وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ") (البقرة 23)، قارن بهذا: (الاتقان في علوم القرآن 2/117- مطبعة حجازي بالقاهرة). (لمع الأدلة ص: 110).(1/8)
به من يكون دليلا عليه أن الرسول_ عليه السلام_ انما تظهر هذه المعجزات على يده لتكون تصديقا له من ربّه تعالى.
/ص13/ فلا بد أن يكون أتى نبي صادق، وآية ذلك، أن الله تعالى يصدقنى بأمر كذا، مما تخرق به العادة من أفضاله التي ننفرد بها على يدي من فلق البحر (1)، وأحيا الموتى (2) وشبه ذلك من المعجزات، فمن لم يصدقني فليأت بمثله. ولذلك قال: (يونس: 38). وقال تعالى (الإسراء 88).
__________
(1) - يشير بهذا إلى معجزة سيدنا موسى_ عليه السلام_، الذي فر بقومه من متابعة فرعون، فأظهر الله على يده هذه المعجزة، ونّجى بني اسرائيل، وأغرق قوم فرعون. وفي ذلك يقول الله عز وجل: ("فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أن اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ") ( الشعراء 63).
(2) - ينبّه بهذا على اعجاز سيدنا عيسى_ عليه السلام_ لقومه، الوارد في قوله تعالى:
(" َرَسُولاً إلى بَنِي إسرائيل أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُطَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ أن فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ أن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ") (آل عمران49)(1/9)
/ص14/ وكذلك تحدّى موسى (1)_ عليه السلام_ السحرة وغيرهم، بما أتى به من الآيات البينات (2). والله تعالى يصدّق رسوله ويظهر دينه.
/ص15/ فصل "خامس"
"أن يقارن الإتيان به معنى الرسالة"
وانما قولنا أن من شرطه/ أن يقارن دعوى الرسالة، فلا يتقدمها، لأنه قال: انّي رسول الله، وآية هذا أن الله قد أحيا الموتى في زمن عيسى (3)
__________
(1) - هو كليم الله ورسوله إلى فرعون وملئه، وأظهر الله على يده كثيرا من المعجزات، وقد ورد ذكره في القرآن (136) مرة.
(2) - يلمّح بذلك إلى قوله تعالى: (قَالُواْ يَا مُوسَى إِمَّا أن تُلْقِيَ وَإِمَّا أن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أن أَلْقِ عَصَاكَ فإذا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ"). (الأعراف_115-118).
(3) - هو المسيح عيسى ابن مريم، اقتضت حكمة الله أن تلده أمه من غير أب، وقد شبّهه الله سبحانه وتعالى بأدم في ذلك بقوله: ("أن مثل عيسى عند الله كمثل أدم")
(
آل عمران 59) وقد ادعى المسيحيون على اليهود بأنهم قتلوه، مع أن الله تعالى برّأهم من قتله في القآن منذ أزيد من أربعة عشر قرنا بقوله: ("وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِلَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إليه وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاًحَكِيماً"). (النّساء_157،158). وورد اسم عيسى في القرآن (25) مرة، ومن معجزاته وآياته البينة، احياء الموتى، وابراء الأكمة والأبرص إلى غير ذلك.(1/10)
_ عليه السلام_. وفلق البحر في زمن موسى_ عليه السلام، /ص16/ وإن القريب (1) قد تكلم منذ عامين، لكان لمخالفه أن يقول له: ذلك دليل كذبك، وصحّة دعوى مخالفك، ولكان لغيره أن يدّعي بذلك رسالة تناقض رسالته وتوجب ابطالها (2).
/ص17/ فصل "سادس"
أن يكون بينه وبين مدّعي الرسالة
تعلق
وإنما قلنا: أن من شرطه أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة تعلق، يكون به شاهدا له ودليلا على صدقه، أنه لو لم يكن كذلك، لم يكن له أن يدعيه دليلا على صدقه، إلا ولمخالفه أن يدعيه دليلا على كذبه. لأنه لو رأى رجل موسى قد ضرب بعصاه البحر، فانفلق فقال ذلك الرجل: أنا نبي، وأية هذا انفلاق هذا البحر، لم يكن ذلك دليلا على صدقه حتى يعلم أن انفلاقه كان على يده ويسببه. وكذلك لو قال رجل: أنا رسول الله، وآية هذا، ما نزل على محمد_ صلى الله عليه وسلم_، من القرآن، لم يكن ذلك دليلا له، وإنما يدل على صدق من ظهر على يده ونجم من جهته.
/ص18/ فصل "سابع"
"أن يكون موافقا لدعواه غير مناقض له
ولا مكذّب به"
__________
(1) - لعله أراد بذلك الاشارة إلى قصة سيدنا يوسف_ عليه السلام_مع امرأة عزيز مصر، اذ راودته عن نفسه فاستعصم. فتكلم صبي من أهلها، يقال: أنه ابن عمها، فكانت شهادة الصبي معجزة لبراءة يوسف، وأية لنبوته. ولذلك قال تعالى: ("قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا أن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ")
(يوسف_26-27). قارن بذلك أحكام القرآن لابن العربي 3/1073 الطبعة الأولى_1377هـ 1958م بمصر.
(2) -في الأصل"ابطالها".(1/11)
وانما قلنا أن من شرطه أن يكون مطابقا له، فهو بمنزلة أن يقول: صدق، وهو رسول. وإذا كان مناقضا له، فهو بمنزلة أن يقول: كذب وليس برسول. وذلك أنه لو قال: أنا رسول الله، وآية ذلك، أن هذا الجبل يفنى الآن ويعدم حتى لا يبقى له عين ولا أثر، فيعظم ذلك الجبل، ويبلغ أمثال ما علم عليه، لكان في ذلك" تكذيب" (1) له، ولم يكن فيه تصديق له. وكذلك لو قال: أن الله ينطق الآن هذا الحجر بتصديقي، فينطقه الله بتكذيبه، لكان في ذلك تكذيب له.
/ص19/ فصل ثامن
أن يكون جنسه غير داخل تحت قدر العباد في قول جماعة من شيوخنا: وقال بعضهم: يدخل جنسه تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي له كان معجزا، لا يدخل تحت قدر العباد
وانما قلنا أن من شرطه أن يكون جنسه (2) غير داخل تحت قدر العباد. أنه لو كان يقدر مدّعى الرسالة على فعله، لكان مصدقا لنفسه، مثال ذلك أن يقول: اني رسول الله، وآية ذلك، أني أحرك يدي الآن، فانه لا يكون ذلك دليلا على صدقه، لأنه من حسن دعواه بلسانه. وقول بعض شيوخنا: قد يكون جنسه داخلا تحت قدر العباد، إلا أن الوجه الذي من جهته يكون دليلا على صدق مدّعي الرسالة، لا يدخل تحت قدر العباد، أنه لو قال لعدد كثير وجمّ غفير: أنا رسول الله، وآية هذا (3) أنّي أحرك يدي الآن، وأنّ أحدكم لا يحرك في هذا الوقت يده، ولم يحرك أحد من الآخرين يده، مع كثرة عددهم، واختلاف أغراضهم وهممهم، وقد علموا دعواه وما جعله دليلا على صدقه/ لكان ذلك معجزا ودليلا له، لكنه
__________
(1) - في الأصل "تكذيبا".
(2) - الجنس: اسم دال على كثيرين مختلفين بالأنواع. ( التعريفات: 42)
(3) - قارن ما هنا بما في: (غاية المراد ص: 328). (الكشف عن مناهج الأدلّة في عقائد الملّة: ص: 122). (لمع الأدلة ص: 110).(1/12)
ليس وجه إعجازه في حركة يده. وإنما هي في امساك العدد الكثير والجم الغفير عن تحرك أيديهم. /ص20/ ولذلك قال الله تعالى: (البقرة_94-95) فكان ذلك من معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم_ وأدلّة صدقه، فبهذه الصفات يتميز المعجز من غيره.
خاتمة للمؤلف (1)
فإذ قد ثبت ذلك من صفات المعجز، فوجه دلالته على صدق مدّعي الرسالة، أنه إذا كان من فعل الله ومقارنا لما ادّعاه، والباريء تعالى يعلم بما ادعاه عليه، وجعله دليلا على دعواه، ثمّ فعله له، وخرق له سليم العادة، فهو بمنزلة قوله: صدق، هذا رسولي، ولو ادّعى زيد على عمرو أمرا أخبر به عنه وقال: آية هذا أني إذا نظرت إليه حرك يده، وقد علم عمرو بما ادّعاه عليه وجعله دليلا على صدقه في دعواه، ثم فعل له ذلك كيف نظره اليه، لكان بمنزلة أن يقول: صدق (2) في دعواه. وفي هذا كفاية في بيان وجه دلالة المعجز على صدق مدّعي الرسالة، وفي بيان صفاته التي يتميز بها مما ليس بمعجز، على وجه الاختصار والايجاز، والله الموفق للصواب برحمته.
/ص21/ الباب الثاني
في وجه تعلّق كون النّبي صلى الله عليه وسلّم
أميا بالمعجز
__________
(1) - (زيادة ليست في الأصل).
(2) - قارن بهذا: (غاية المراد ص: 328). (الكشف عن مناهج الآدلة في عقائد الملّة ص: 122).
( لمع الأدلة ص: 110).(1/13)
/ص22/ وإذ قدمنا ذلك (1)، فالواجب أن نبين "وجه تعلق" (2) كون النبي صلى الله عليه وسلم أميا بمعجزاته. وذلك أن كونه أمّيا بمجرّده لا تعلّق له بالاعجاز، لأن الأميين في زمنه وفي كل زمن عدد لا يحصى، وهم أكثر من غيرهم، ولم يكن ذلك معجزا لهم. ولو ادّعى مدّع رسالة وقال: آية ذلك أنّي أمّي، لقال له عشرة آلاف (3) من الناس: نحن كلنا هذه الصفة، وهي دليل على كذبك. وأيضا فإن كونه أميا صفة متقدمة من صفاته، وقد قلنا: أن من شرط المعجز أن يقارن دعوى الرسالة (4)، غير متقدم عليها، وأيضافإن المعجز أمر خارق للعادة (5) وليس في كون الإنسان أميا خرق لها. فإذا تبين أنه ليس في مجرد كون الإنسان أميا خرق للعادة، ولا تعلق بالإعجاز،فإن الواجب أن ينظر إلى المعاني التي يقدر عليها الأمي في مستقر العادة، فإذا جعلها الله للأمي المدّعي للرسالة وأقدره عليها كان ذلك دليلا على صدقه، وكان الإعجاز في اقراره على ما يتقرر على الأميين غيره، لا في كون أميا.
/ص23/ ولا يصح ذلك إلا بأن يعلم كونه أميا علما لا يدخله شّك (6) ولا ريب، ووجه ذلك أن رجلا لو نشأ مع اخوته وأقاربه وبني عمه منذ يولد إلى أن يبلغ الأشد (7)،
__________
(1) - أي المعجز وشروطه مع تفصيل ذلك وتوضيحه بالأمثلة التطبيقية في الباب الأول.
(2) - ترك ذلك الناسخ سهوا ثم استدركه في الهامش، ورمز له بعلامة، معقبا على ذلك بقوله: صحّ_.
(3) - قارن بهذا ص: 117-و-138.
(4) - أنظر ص: 15.
(5) - أنظر ص: 10.
(6) - الشك: هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشّّاكّ، والريب شك معه تهمة (التعريفات 68).
(7) - الأشد: تمام القوة وغاية ذلك سن الأربعين، قال الله تعالى في كتابه العزيز:
(
" حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة") (الأحقاف_15).(1/14)
لم يفارقهم جملة، ولا ترك مداخلتهم والتصرف معهم، لعرفوا بذلك جميع أحواله، ولعرفوا كونه أميا أو كاتبا أو قارئا معرفة ضرورة لا يجوز عليها التشكك ولا الإرتياب. وإذا عرفوا من حاله أنه أمي لا يميز حرفا واحدا من حروف الهجاء إلى أن ادعى النبوة، وبعد ذلك إلى يوم الحديبية، فلو قال لهم، أنكم قد عرفتم حالي كما عرفت أحوالكم، وأنه صدقني في دعوى الرسالة، أنكم قد علمتم أني أمي لم أتعلم كتابة ولا تناولتها قط، ولا عرفت شيئا منها، وأنا الآن آخذ هذا القلم وليمل من شاء منكم ما شاء، فإنه لا يخط بيدي القلم إلا ما يملى، أو أني الآن من أعلمكم بالخط والهجاء دون تعليم، وأدربكم يدا به وأجرأكم قلما، وأحسنكم خطا دون تعليم ولا تدريب، لكان ذلك معجزا ودليلا على صدقه، ولكان بمنزلة أن يثبت ولا علم له بالزنجية أو اليونانية، ثم يصبح من الغد ويدعي الرسالة ويقول: أية ذلك أنكم قد علمتم أني لم أر زنجيا قط، ولا تكلمت بلسانه، وأني الآن أعرف الناس بلغته، وأدربهم لسانا بمحاورته. /ص24/ ثم وجد في الوقت عدد من الزنج لا يصح عليهم التواطؤ (1) ولا التشاعر.
__________
(1) - التواطؤ: التوافق:(1/15)
فأخبروا بأنه عالم بلغتهم وأنه ليس أحد منهم أعرف بها من هذا المدعي للرسالة، ولا أسرع مراجعة، ولا أصح نطقا، لكان ذلك معجزا ودليلا على صدقه، لأن فيه صفات الإعجاز التي اشترطناها في كون المعجز معجزا، ومن هذا النوع من المعجز، أن نبينا_ عليه السلام_ نشأ مع قريش كنشأة الإنسان منا مع أخوته وبني عمه وأقاربه، ثم لم يفارقهم في سفر ولا حضر، بل كانوا معه إلى أن ادعى الرسالة، ولم يعرف قبل ذلك بقراءة كتاب، ولا دراسة سير ولا مداخلة أحد من أهل الملل (1) حتى بعث رسول الله_ صلى الله عليه وسلم فأخبر عن القرون الماضية، والأمم السالفة، بما لا يبلغ معرفته، وتعذر على الأخبار بمثله، إلا من أفنى عمره في دراسة ذلك وقراءته، ومجالسة العالمين به ومذاكرتهم به.
/ص25/ فكان هذا من أعظم المعجزات، وأكبر الآيات البينات، لأن هذا ليس من فعل البشر، وهو خارق للعادة بعيد عن مستقر الطبيعة، واقترن به التحدي ودعوى الرسالة، ووجدت فيه سائر صفات المعجزه وكان من معجزاته وبدائع أياته_ صلى الله عليه وسلم_ وشرف وكرم. فهذا وجه تعلق المعجز، كونه صلى الله عليه وسلم أميا ولذلك قال (العنكبوت_ 48) فلم يكن_ صلى الله عليه وسلم_ أوحي إليه يتلو كتابا ولا يخطه بيمينه، ثم تلا بعد ذلك أفضل الكتب وهو القرآن، من غير تعليم (2)
__________
(1) - الملل: -ج- ملة، وهي تفيد استمرار أهلها عليها، قال الجرجاني: الدين والملة، متحدان بالذات ومختلفان بالإعتبار،فإن الشريعة من حيث أنها تجمع تسمى مذهبا، وقيل الفرق بين الدين والملة والمذهب، أن الدين منسوب إلى الله تعالى، والملة منسوبة إلى الرسول، والمذهب منسوب إلى المجتهد (التعريفات ص: 56).
(2) - أي من غير تعليم بشر، أما التعليم الألهي فهو ثابت، لقوله تعالى: ("الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ")
(
الرحمن_1-2).(1/16)
وكان ذلك من أياته. ولم تخرجه تلاوته له بعد أن لم يتل كتابا قبل نبوته عن أن يكون من معجزاته، فإن كان كتب بعد أن لم يكتب قبل نبوته، فإن ذلك أيضا لا يؤثر في شيء من معجزاته (1) ولا يرد آية من آياته ولا يغير شيئا مما جاء به.
/ص26/ الباب الثالث
"في أيراد الحديث المذكور واختلاف الرواة فيه"
/ص27/ وأما نص مقاضاة النبي_ صلى الله عليه وسلم_ يوم الحديبية، فاختلف الرواة فيه (2)، فرواه الزهري (3) عن عروة (4)
__________
(1) - وبعد هذا العرض الهادىء، توصل إلى نتيجة، وهي التلاوة بعد نفيها عنه بنص القرآن، فأباح لنفسه أن يقيس عليها الكتابة، وكان هذا هو بيت القصيد الذي جعله يؤجل شرح الأمية، وعرض الأقوال فيها ومناقشة المعارضين له.
(2) - ورد هذا الحديث من طرق متعددة ومختلفة في الأسانيد والألفاظ والأساليب والطول والقصر، وقد اجتزأ المؤلف منها بذكر أربع رويات، وهي ثابته في الجامع الصحيح للبخاري كما ستأتي.
(3) - ستأتي ترجمته.
(4) - هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني، من كبار علماء التابعين، وأحد الفقهاء السبعة، ثقة مأمون، لم يشارك في الفتن، (22- 93هـ/643- 712م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي 2/638_ (طبعة مصر_1345هـ_1927م).
تذكرة الحفاظ للذهبي 1/62_ ترجمة 51_ (طبعة دار إحياء التراث العربي_بيروت). الجرح والتعديل ج: 3 قسم1 ص: 395 ترجمة: 2207. الخلاصة ص: 4 (الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية سنة 1322هـ). شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ص: 20-
دار الكتاب العربي بيروت_ لبنان).طبقات الحفاظ للسيوطي ص: 23- ترجمة 49-
( الطبعة الأولى_ 1393هـ_ 1973م مطبعة الاستقلال الكبرى بالقاهرة). طبقات الفقهاء للشيرازي ص: 58- دار الرائد العربي بيروت_ لبنان_1970).(1/17)
/ص28/ عن المسور (1) ومروان (2) فقال في هذا الفصل الذي جرى الكلام فيه: /ص29/ فدعا النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فقال النبي صلى الله عليه وسلم_: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ماهي (3)، ولكن اكتب باسمك اللهم (4) كما كنت تكتب (5)
__________
(1) - هو أبو عبد الرحمن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الزهري، كان فقيها فاضلا متديناً، له اثنان وعشرون حديثا، أتفق الشيخان على اثنين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بواحد،
(2- 64هـ/624- 684م) له ترجمة في: الإستيعاب 3/416 على هامش الإصابة_
(مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى_ 1328)، الإصابة في تمييز الصحابة 3/419- ترجمة_7993 (مطبعة السعادة بمصر_ 1328). الأعلام للزركلي3/1039، الجرح والتعديل ج: 4 قسم1- ص: 297 ترجمة1366، الخلاصة ص: 352، نسب قريش للمصعب الزبيري ص: 262 (مطبعة دار المعارف بمصر 1953).
(2) - هو عبد الملك مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، ولي الخلافة بعد موت معاوية بن يزيد، وقتل في شهر رمضان، واختلف في صحبته، ويرسل الأحاديث عن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ وصاحبه عبد الرزاق، والبخاري، والأمام أحمد بن حنبل مع المسور في رواية حديث صلح الحديبية
(2-65هـ/623-685م) له ترجمة في: الإستيعاب 3/425، الإصابة 3/477 ترجمة 8318 الأعلام للزركلي: 3/1028، الخلاصة ص: 348، شجرة النورالزكية التمة ص: 91.
(3) - بتأنيث الضمير، وفي رواية بتذكيره.
(4) - اللهم: أصله يا الله فحذف يا وعوض منه الميم.
(5) - كانوا في الجاهلية يكتبون. "باسمك اللهم" وروي عن زكرياء عن عامر قال: كان رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ يكتب عنه كما تكتب قريش باسمك اللهم حتى نزلت:
وقال"اركبوا فيها بسم الله" (هود_41) فكتب بسم الله. حتى نزلت قل: أدعو الله أو أدعوا الرحمن (الإسراء_ 110) فكتب: "بسم الله الرحمن"، حتى نزلت: أنه من سليمان، وأنه بسم الله الرحمن الرحيم (النمل_30) أثبتوها، لقوله عز وجل: ("اقرأ بسم ربك") (العلق_1) وشبهه، (أحكام صنعه الكلام للكلاعي ص: 55_ مطبعة دار الثقافة_ بيروت لبنان_1966). (السيرة الحلبية3/23_ مطبعة الإستقامة_ بالقاهرة_1382هـ 1962م).(1/18)
فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_: أكتب باسمك اللهم، ثم قال: هذا ما قاضى (1) عليه محمد رسول الله، /ص30/ فقال سهيل: (2) والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال النبي_ صلى الله عليه وسلم_، والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، أكتب محمد بن عبد الله (3).
__________
(1) - قاضي: من القضاء، وهو احكام الأمر وامضاؤه أي صالحهم.
(2) - هو أبو زيد سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري، أُسر في غزوة بدر وهوكافر، وفدى عن نفسه، كان فصيحا أحد أشراف قريش وخطيبهم، ومن ساداتهم في الجاهلية، وهو الذي تولى صلح الحديبية، أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه، ثبتت له صحبة، مات بالشام سنة (18هـ639م). له ترجمة في: الإستيعاب: 2/108، الإصابة: 2/93 ترجمة: 3573، الأعلام للزركلي: 1/397، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 1 ص: 245 ترجمة: 1058، نسب قريش: 417.
(3) - الجامع الصحيح للبخاري: 3/255_ (مطابع الشعب1378)، مصتّف عبد الرزاق: 5/337 رقم الحديث: 9720_ (مطبعة بيروت_1392هـ_1972م) مستند الإمام أحمد بن حنبل: 4/325_ و_ 330، زاد المعاد: 2/125، سيرة ابن هشام: 4/28_
(
طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة_ 1391هـ_ 1971م).(1/19)
/ص31/ هكذا أخرجه البخاري (1) عن عبد الله بن محمد (2) عن عبد الرزاق (3) عن معمر (4) عن الزهري. /ص32/ ورواه (5) في الاصلاح بين الناس، عن محمد بن بشار (6)
__________
(1) - ستأتي ترجمته.
(2) - هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري الامام الحجة الثقة الزاهد العابد، توفي سنة (213هـ_846م) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ: 2/489 ترجمة: 504. الخلاصة ص: 179. طبقات الحفاظ: ص: 43 ترجمة: 97.
(3) - هو أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، (126- 211هـ/744- 827م) له ترجمة في الأعلام للزركلي: 2/519، تذكرة الحفاظ: 1/364 ترجمة337، الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 1ص: 38 ترجمة: 204 الخلاصة ص: 201، طبقات الحفاظ ص: 154 ترجمة: 338، طبقات المفسرين للداودي: 1/296_
( الطبعة الاولى_ مطبعة الاستقلال الكبرى_ القاهرة_ 1392هـ 1972م). الفهرست لابن النديم ص: 332_ (مطبعة الاستقامة بالقاهرة).
(4) - هو أبو عروة معمر بن راشد الأزدي البصري اليماني أحد الأعلام الثقات،
(95-153هـ/713-770م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/1058، تذكرة الحفاظ: 1/190 ترجمة: 184، الجرح والتعديل ج: 4 قسم: 1ص: 255 ترجمة: 1165، الخلاصة ص: 338، طبقات الحفاظ: 82 ترجمة: 174، معجم المولفين رضا كحالة: 12/309_
( مطبعة الترقي بدمشق_ 1380هـ /1960م).
(5) - أي البخاري.
(6) -هو أبو بكر محمد بن بشار بن عثمان بن داود العبدي البصري بندار الحافظ، ثقة صدوق أحد أوعية السّنّة، روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم،
(
167- 252هـ/783- 866م) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ: 2/511 ترجمة 526، الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 2 ص: 214 ترجمة 1187، الخلاصة ص: 280، طبقات الحفاظ ص: 222 ترجمة 505، الوافي بالوفيات 2/249 ترجمة: 606.(1/20)
عن غندر (1) عن شعبة (2) عن أبي اسحاق (3) /ص33/ عن البراء بن عازب (4) فقال فيه: ف (كتب علي بن أبي طالب بينهم كتابا، فكتب محمد رسول الله_ صلى الله عليه وسلم (5)، فقال المشركون: لا تكتب محمد رسول الله لو كنت رسولا لم نقاتلك.
__________
(1) - هو أبو عبد الله محمد بن جعفر الهذلي البصري الكرابيسي الملقب بغندر، الحافظ، مات سنة (193-809). له ترجمة في: تذكرة الحفاظ: 1/300 ترجمة 281، الجرح والتعديل ج: 3 قسم: 2 ص: 221 ترجمة: 1223 الخلاصة ص: 280، طبقات الحفاظ ص: 125 ترجمة 270.
(2) - ستأتي ترجمته.
(3) -هو أبو اسحاق عمرو بن عبد الله الهمذاني السبيعي الكوفي الحافظ الثقة، أحد أعلام التابعين، ولد في خلافة عثمان، حدّث عن ثلاثمائة شيخ، من بينهم ثمانية وثلاثون صحابيا، مات سنة (127هـ_745م) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 1/114 ترجمة 99، الخلاصة ص: 246، طبقات الحفاظ ص: 43 ترجمة 97.
(4) - هو أبو عمارة البراء بن عازب بن حارث بنعدي بن جشم، بن مجدعة الأنصاري، له ولأبيه صحبة، شهد أحدا والحديبية، له خمسة وثلاثمائة حديث، اتفق الشيخان على اثنين وعشرين، وانفرد البخاري بخمسة عشر، ومسلم بستة، ت (71هـ/690م) له ترجمة في: الإستيعاب 1/139، الاصابة 1/142 ترجمة: 618، الأعلام للزركلي 1/141، والجرح والتعديل ج: 1 قسم: 2 ص: 399 ترجمة 1566، الخلاصة ص: 39.
(5) - لا توجد في الأصل، والزيادة من صحيح البخاري.(1/21)
فقال لعلي: أمحه،" فقال علي" ما أنا بالذي أمحاه (1)، فمحاه رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ بيده، /ص34/ وصالحهم (2) على أن يدخل هو وأصحابه ثلاثة أيام (3). ورواه إسرائيل (4) عن أبي اسحاق عن البراء بن عازب فقال في هذا الفصل: فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ (5) فقالوا: لا نقر بها (6)، فلو نعلم (7) أنك رسول الله ما منعناك (8)، لكن أنت محمد بن عبد الله، قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي: أمح رسول الله، قال: لا، والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله. (9) /ص35/ هكذا أخرجه البخاري في الاصلاح بين الناس، عن عبيد الله بن موسى (10) عن اسرائيل.
__________
(1) - أمّا قوله يمحاهفإن العرب تقول: محا يمحو ويمحا، كما يقول الأخرون: محوت، ومن قال: يمحا فإنما يفتح، لأن الحاء من حروف الحلق (النوادر في اللغة لأبي زيد الأنصاري ص209- الطبعة الثانية دار الكتاب العربي بيروت_ لبنان_1387هـ_1967م)
(2) - الصلح: هو في اللغة اسم من المصالحة، وهي المسالمة بعد المنازعة، وفي الشريعة عقد يرفع النزاع. ( التعريفات 70).
(3) - الجامع الصحيح للبخاري 3/241، صحيح مسلم 5/122، مسند الإمام أحمد 4/291.
(4) - ستأتي ترجمته.
(5) - لم تثبت في الأصل، وزيدت نقلا عن البخاري.
(6) -أي بالرسالة.
(7) - عبر بالمضارع بعد لو التي للماضي ليدل على الإستمرار.، أي استمر عدم علمنا برسالتك في سائر الأزمنة.
(8) - من الدخول إلى مكة.
(9) - البخاري في الجامع الصحيح 3/242.
(10) - هو أبو محمد عبيد الله بن موسى الكوفي العبسي ولاء الحافظ الثقة، صاحب المسند، توفي سنة (213هـ_828م) له ترجمة في: تذكرة الحافظ 1/253 ترجمة342، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 2 ص: 334 ترجمة 1582، الخلاصة ص: 215، طبقات الحفاظ ص: 151 ترجمة 332.(1/22)
وأخرجه في عمرة القضاء، عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بإسناده (1) فقال فيه: فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقالوا: لا نقر بهذا، لو نعلم أنك رسول الله، ما منعناك شيئا. ولكن أنت محمد بن عبد الله، فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ثم قال لعلي بن أبي طالب: أمح رسول الله، قال ("علي: لا") (2) والله لا أمحوك أبدا. فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، وليس يحسن يكتب، فكتب: (3)
/ص36/ هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (4). فهذه نبذه كافية في اختلاف الرويات، في هذا الفصل، من هذا الحديث، على وجه الاختصار. وله أسانيد كثيرة، وألفاظ مختلفة، يطول بتتبعها الكتاب، ولا يخرج عن معنى ما أوردناه، فلا معنى للإكثار بها، وبالله التوفيق.
/ص37/ الباب الرابع
في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث
وتعلق كل واحد منهم بلفظه، وذكر غير ذلك من وجوه
حججه مما أورده عن نفسه، ومما يلزمني أن أورده له
اكمالا لحجته
__________
(1) - أي البخاري عن عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء.
(2) - سقطت في الأصل، وثبتت في البخاري.
(3) -زاد الدرامي والإمام أحمد "مكان رسول الله".
(4) - الجامع الصحيح للبخاري: 5/179، سنن الدرامي: 2/237_ (طبعة دار احياء السنة النبوية). مسند الإمام أحمد: 4/298، تاريخ الطبري: 2/636 (مطبعة دار المعارف بمصر_1961). وهذا الحديث هو الذي كان موضع النزاع بين الباجي وابن الصائغ بمسجد دانية، أنظر التفاصيل في ما يأتي: تذكرة الحفاظ: 3/1181، ترتيب المدارك: 4/805_ (مطبعة دار مكتبة الحياة_ بيروت_ 1387هـ_1967م)، الديباج المذهب ص: 121_ (مطبعة السعادة بمصر_ 1329)، فوات الوفيات: 2/65 (طبعة دار صادر بيروت_ 1974). المرقبة العليا ص: 202 (طبعة المكتب التجاري للطباعة والنشر_ بيروت). نفح الطيب: 2/273 (مطبعة دار الكتاب العربي_ بيروت_ لبنان_ 1367هـ_1949م).(1/23)
/ص38/ وأما أقاويل (1)
__________
(1) - أقاويل: - ج- أقاويل: وعبر بجمع الجمع تنبيها على كثرة القائلين، ولم يعبر بأقوال لأنه جمع قلة، وتتلخص هذه الأقاويل التي ذكرها في قولين هما: عدم جواز الكتابة على النبي_ صلى الله عليه وسلم_، وجوازها عليه، ثم الجواز، اما مع علمه بما كتب دون تعليم بشر، أو عدم علمه بما كتب، ويظهر أن أبا الوليد يميل إلى القسم الأول من القول الثاني لكونه حلله كثيرا، واحتج له بأقاويل علماء أجلاء مثل: عمر بن شبة، وأبي الفتح النيسابوري، وأبي ذر الهروي، وفقهاء صقلية، (الملحقة أجوبتهم بهذه الرسالة)، وأبي بكر بن أبي شيبة، والشعبي وأصحابه، مع استشهاده بالحديث الذي اتفق في رواية متنه وسنده وكيع، وابن أشته، كما تعرض لرجال سنده بالتعديل والتوثيق، أما القسم الثاني من القول الثاني، فلم يذكر من القائلين به إلا شيخه أبا جعفر السمناني، وضعف القول الأول غاية التضعيف، كما يبدو، لكونه نقله عن النقاش، الذي طعنوا فيه، وقالوا: أن تفسيره مليء بالأحاديث والأقوال الضعيفة،
(
أنظر ص: 50_ من هذا الكتاب).(1/24)
الناس: في تأويل (1) هذا الفصل: /ص39/ فقد حكى أبو زيد (2) ("عمر بن شبه") (3) بن عبيدة النبوي البصري النحوي في كتاب الكتاب، أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كتب يوم الحديبية بيده، /ص40/ ونحا في قوله: إلا أنه قصد الكتاب، عالما به في ذلك الوقت، وأنه لم يعلمه قبله. وذكر أن ذلك من جملة معجزاته_ صلى الله عليه وسلم_: أن يعلم الكتاب من وقته، وأن ذلك خرق للعادة، لأنه لاسبيل لأحد أن يتعلمه إلا بعد مدة طويلة، وأنه تعلمه من غير تعليم بشر، وهذا أمر خارق للعادة، لأنه لا سبيل لأحد من الناس إلى ذلك. وذهب إلى هذه المقالة: جماعة من أصحاب الحديث.
__________
(1) - التأويل: في الأصل: الترجيح, وفي الشرع: صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنة، (التعريفات ص: 20).
(2) - هو أبو زيد عمر بن زيد "الملقب بشبة" بن عيينة، بن ربطة الميري ولاء، البصري، الحافظ الثقة، المؤرخ النحوي، اللغوي الشاعر الأديب، كان بصيرا بالسير والمغازي وأيام الناس، له عدة مصنفات في التاريخ والأدب، والنحو واللغة، (172-262/789-876م)، له ترجمة في: ارشاد الأريب 16 من ص: 60 الى_62، (طبعة دار المأمون بالقاهرة_1357هـ1938م). الأعلام للزركلي 2/715، بغية الوعاة ص: 361_ (طبعة دار المعرفة بيروت_ لبنان). تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ترجمة عبد الحليم النجار: 3/24، تذكرة الحفاظ 2/516 ترجمة 533، الجرح والتعديل ج: 3 قسم1 ص: 116 ترجمة 624، الخلاصة ص: 240، طبقات الحفاظ ص: 225 ترجمة 512، العبر في خبر من غبر2/25 (مطبعة الكويت1960). كشف الظنون1/79-2/1274 (مطبعة المثنى بغداد). هدية العارفين 1/780، (مطبعة المثنى بغداد).
(3) - في الأصل"عمر بن شيبة" والصواب ما أثبتناه.(1/25)
فمن رأيته يقول بها: أبو الفتح النيسابوري (1)
__________
(1) - لم أقف على ترجمته ولا على اسمه، غير أنني أشك في شخص يتفق معه في الكنية والنسب، وغير مؤكد تاريخ وفاته، له ترجمة في: ارشاد الأريب 17/209، بغية الرعاة ص: 17، الوافي بالوفيات 2/117. كما وردت كنيته ونسبته مجردتين:
( أبو الفتح النيسابوري) في: اكمال اكمال المعلم للأبي 3/224_
( الطبعة الاولى مطبعة السعادة بمصر_1328هـ). تاج العروس8/191_
( مطابع دار صادر_ بيروت1386هـ_1966م). روح المعاني للألويسي 21/5_
(
المطبعة الأزهرية بمصر_1927هـ).(1/26)
/ص41/ وقد ذاكرني بذلك في مجلس الشيخ الحافظ أبي ذرّ عبد بن أحمد الهروي (1) وراجعته فيه، فرأيت الشيخ أبا ذر_ رحمه الله_ يميل إلى هذا القول ويستحسنه. وقد روى ذلك محمد بن خلف وكيع (2) في تاريخه المترجم بالشريف، فقال: /ص42/ عباس بن محمد الدوري (3) حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم (4)،
__________
(1) - هو أبو ذر عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الهروي المالكي الإمام الحافظ الثقة الزاهد، (355-435هـ/966-1044م)، له ترجمة في:_ تذكرة الحفاظ 3/1103 ترجمة 997، ترتيب المدارك 4/696، شجرة النور الزكية ص: 104 ترجمة 268، طبقات الحفاظ ص: 425 ترجمة 964، طبقات المفسرين للداوادي 1/366 ترجمة 318 العبر في خبر من غبر 3/180، كشف الظنون 2/1277_و_1672، نفح الطيب 2/275، هدية العارفين 1/437.
(2) - هو أبو بكر محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبّيّ القاضي المعروف بوكيع، كلن فضلا من نبلاء عصره، عارفا بالسير وأيام الناس، روى عنه الأصفهاني كثيرا من الأخبار في كتاب الأغاني وهو صاحب كتاب الشريف الذي أشار إليه أبو الوليد هنا، توفي سنة (306هـ_ 918م) له ترجمة في: أخبار القضاة لمحمد بن خلف وكيع، (المقدمة) ص: 1،_ (طبعة الاستقامة بالقاهرة_ 1366هـ 1947م)، الأعلام للزركلي: 3/893، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/68، الفهرست لابن النديم ص: 172، الوافي بالوفيات 3/43 ترجمة 932، هدية العارفين 2/25.
(3) - هو أبو الفضل عباس بن محمد بن حاتم الدوري الهاشمي ولاء، الحافظ الثقة،
(158-271هـ/774-884م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي 2/472، تذكرة الحفاظ 2/579 ترجمة 603. الجرح والتعديل ج: 3 قسم: 1 ص: 216 ترجمة: 1189، الخلاصة: 160، طبقات الحفاظ ص: 275 ترجمة: 583، العبر في خبر من غبر 2/48.
(4) - هو أبو النضر هاشم بن القاسم بن مسلم الليثي الخراساني البغدادي الحافظ الثقة، كان أهل بغداد يفخرون به ويلقب بقيصر، أملى ببغداد أربعةالآف حديث،
(
134-207هـ/751-823م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/1117، طبقات الحفاظ للسيوطي ص: 152_ ترجمة 336، العبر في خبر من غبر 1/353.(1/27)
حدثنا أبو عقيل (1). /ص43/ حدثنا مجالد بن سعيد (2)، حدثنا عون بن عبد الله (3) عن أبيه (4) قال: /ص44/ أما مات رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى كتب وقرأ (5)
__________
(1) - هو أبو عقيل عبد الله بن عقيل الثقفي الكوفي، نزيل بغداد الثقة، (لم يذكر له تاريخ الوفاة) له ترجمة في: الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 2ص: 125 ترجمة: 576، الخلاصة ص: 175.
(2) - هو أبو عمرو مجال بن سعيد بن عمير الهمذاني الكوفي، ضعّفه ابن معين، ووثقه النسائي ت (144هـ/761م) له ترجمة في: ارشاد الأريب ج: 17 ص77 ترجمة: 25، الجرح والتعديل ج: 4 قسم: 1 ص: 361 ترجمة: 1653، الخلاصة ص: 345، العبر في خبر من غبر 1/197، الفهرست لإبن النديم ص: 139.
(3) - هو أبو عبد الله عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي الزاهد، خطيب راوية شاعر ثقة، (115-737)، له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 2/748، الجرح والتعديل ج: 3 قسم: 1 ص: 384 ترجمة: 2134، الخلاصة ص: 253.
(4) - هو أبو عبد الرحمن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود الثقة، له رؤية، باركه نبي الله_ صلى الله عليه وسلم_ توفي سنة (74هـ 693م) له ترجمة في: الاستيعاب 2/366، الاصابة 2/340 ترجمة: 4813، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 1 ص: 124 ترجمة: 569، الخلاصة ص: 174، العبر في خبر من غبر 1/85.
(5) - أنظر ص: 126 مما سيأتي، البحر المحيط 7/154_
(
مطبعة السعادة بمصر_ 1328)، تاج العروس: 8/91، تذكرة الحفاظ: 2/742 ترجمة: 740، روح المعاني للألوسي: 21/4، نسيم الرياض 1/92، نظام الحكومة المسمى بالتراتيب الإدارية: 1/175.(1/28)
قال: (1) فذكرت هذا للشعبي فقال: صدق، قد سمعت أصحابنا يذكرون ذلك. وهذ الإسناد رواته كلهم مشاهير، ومحلل أن يرووا (2) ما لا يستحلون النطق به.
/ص45/ فلو لم يذكروا هذا إلا من رواة في هذا الإسناد، لكان أمرا فاشيا ظاهرا. فمن خفيت عليه الأمور الفاشية الظاهرة، فلا يلم إلا نفسه، ولا يوبخ إلا قلة علمه (3) وعباس بن محمد الدوري هذا رجل مشهور ثقة، امام أثبت الناس في يحي بن معين (4) يروي عنه التاريخ وغيره.
__________
(1) - الضمير يعود على مجالد، لأنه هو الذي روى عن عون بن عبد الله، وعن الشعبي، ولعله اسمه سقط سهوا من الناسخ، وفي نسيم الرياض قال مجاهد: ذكرت هذا للسدي فقال: قد سمعت أقواما يذكرون ذلك وليس في الآية ما ينافيه. وفي التراتيب الإدارية 1/172 قال عجالة : فذكرت ذلك للشافعي فقال: صدق، سمعنا قوما يذكرون ذلك، ولست أدري هل أن كلا من مجالد، ومجاهد "وعجالة" الذي لم نعثر على ترجمة، قالوا ذلك للشعبي والسدي والشافعي، أم هي تحريفات مختلفة وقعت في هذه الأسماء، ومهما يكن فقد قيل شيء من هذا ولا شك. وورد صراحة في تاج العروس: وذكره مجالد للشعبي.
(2) - في الأصل "يرو".
(3) - قارن هذا بما قاله السهمي في جوابه ص: 147، وابن مفوز في ص: 159.
(4) - هو أبو زكرياء يحي بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن المري ولاء البغدادي الحافظ الثقة المأمون، أحد الأئمة في الحديث، قال يحي بن معين: كتبت بيدي ألف ألف حديث، (158-233هـ/775-848م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/1155، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 3/161، تذكرة الحفاظ: 2/429 ترجمة: 437، الجرح والتعديل (المقدمة ص: 11)، الخلاصة ص: 396، طبقات الحفاظ ص: 158 ترجمة 417، العبر في خبر من غبر: 1/415، معجم المولفين رضا كحّالة: 13/232، هدية العارفين: 2/514.(1/29)
/ص46/ وأبو النضر هاشم بن القاسم، ثقة مشهور، أخرج عنه البخاري (1) ومسلم (2) في صحيحيهما. /ص47/ وأبو عقيل عبد بن عقيل الثقفي الكوفي، ثقة صدوق. قال ذلك أبو حاتم الرازي (3) وغيره من أهل التعديل.
__________
(1) - هو أبو عبد الله محمدبن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري الجعفي ولاء شيخ الإسلام، وامام الحفاظ، صاحب الجامع الصحيح، والتصانيف.
(194-256هـ/810-870م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/864، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان3/163 تذكرة الحفاظ للذهبي: 2/555 ترجمة: 578، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ج: 3 قسم: 2 ص: 191 ترجمة: 1086، الخلاصة ص: 278، طبقات الحفاظ ص: 248 ترجمة: 561 الفهرست لابن النديم ص: 335، الوافي بالوفيات: 2/206 ترجمة: 590.
(2) - هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري الإمام الحافظ الحجة الثقة، صاحب الصحيح، (204-261هـ/820-875م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/1036، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/179، تذكرة الحفاظ: 2/588 ترجمة: 613, الجرح والتعديل ج: 4 قسم: 1 ص 182 ترجمة: 797، الخلاصة ص: 350، شجرة النور الزكية ص: 25، طبقات الحفاظ ص: 260 ترجمة: 592، العبر في خبر من غبر: 2/23، الفهرست لابن النديم ص: 336، معجم المولفين رضا كحالة: 12/232، هدية العارفين: 2/514.
(3) - هو أبو حاتم محمد بن ادريس المنذر الحنظلي الرازي، الإمام الحافظ، أحد الأعلام، ثقة ثبت، (195-277هـ811-890م) له ترجمة في الأعلام للزركلي: 3/861، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/233، تذكرة الحفاظ: 2/567، الجرح والتعديل ج: 3 قسم: 2 ص: 204 ترجمة 133، الخلاصة ص: 278، طبقات الحفاظ ص: 255 ترجمة 275، العبر في خبر من غبر: 2/58 ترجمة: 277، الوافي بالوفيات 3/183، هدية العارفين: 2/19.(1/30)
وأما مؤلف الكتاب، فهو محمد بن خلف (1) بن صالح بن عبد الأعلى الكوفي، /ص48/ قال عبد الرحمن بن أبي حاتم (2)، قرأت عليه وهو صدوق، قد أخرج هذا الحديث بإسناده (3)
__________
(1) - لقد التبست على المؤلف نسبة كتاب الشريف الذي هو من تأليف محمد بن خلف بن حيان بن صدقة الذي سبقت ترجمته في ص: 41 من هذا الكتاب_ حيث عزاه إلى محمد بن خلف بن صالح بن عبد الأعلى، الذي ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ج: 3 قسم: 2 ص: 240 ترجمة 1349 وشبيه بهذا الالتباس ما حكاه القاضي عياض: (476-544هـ/1083-1149م) في ترتيب المدارك ج: 1 ص: 50-51.
(2) - هو أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن ادريس الرازي الحافظ، كان بحرا في العلوم ومعرفة الرجال، (240-237هـ/854-938) له ترجمة في: الأعلام للزركلي 2/505، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 3/223، تذكرة الحفاظ 3/829 ترجمة_ 812، طبقات الحفاظ ص: 345، ترجمة: 784، طبقات المفسرين للدوادي: 1/279 ترجمة 264، طبقات المفسرين للسيوطي 17_
(طبعة طهران_1960). العبر في خبر من غبر 2/208، فوات الوفيات للكتبي: 2/287، هدية العارفين: 1/513.
(3) - الإسناد في اللغة: اضافة الشيء، ويقال: فلان سند أي معتمد، والسند اصطلاحا: طريق المتن، أي سلسلة الرواةالذين نقلوا المتن عن مصدره الأول، والاسناد: هو رفع المتن إلى قائله، أي بيان طريق المتن برواية الحديث مسندا، وقد يطلق الاسناد على السند، من باب اطلاق المصدر على المقعول، كما أطلق الخلق على المخلوق ولهذا نجد المحدّثين يستعملون السند والاسناد: بمعنى واحد، كأن يقول المحدّث: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_. أصول الحديث ص: 32, الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث ص: 23_ (طبعة دار الفكر_ بيروت)، الحدود في الأصول:
ص: 63، شرح البيقونية للزرقاني ص: 9، الكفاية في علم الرواية ص: 85_ (الطبعة الأولى مطبعة السعادة).(1/31)
/ص49/ ومتنه (1) أبو بكر بن أشته المقويء الأصبهاني (2) في كتاب المصاحف (3) وقرن به أحاديث في معناه.
__________
(1) - المتن لغة: المتن من كل شيء ما صلب ظهره، ومتن كل شيء، ما ظهر منه، وما ارتفع وصلب من الأرض، والمتن اصطلاحا: هو ألفاظ الحديث التي تتقوم بها معانيه،
(أصول الحديث للدكتور محمد عجاج الخطيب ص: 32_ طبعة دار الفكر الحديث_ لبنان_ الطبعة الأولى1386هـ1967م). شرح البيقونية للزرقاني ص: 10_ مطبعة مصطفى محمد بمصر1358هـ1939م).
(2) - هو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أشته اللوذري الأصفهاني المقرىء النحوي، أحد الأئمة، ثقة ضابط مشهور، عالم بالعربية، بصير بالمعاني، قال السيوطي: رأيت له كتاب المصاحف ونقلت منه أشياء في كتاب الاتقان (360هـ-971م) له ترجمة في: بغية الوعاة للسيوطي ص: 59، كشف الظنون 2/1459، المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم للذهبي 1/28 (طبعة القاهرة 1962)، معرفة القراء الكبار للذهبي: 1/259 ترجمة: 57، الطبعة الأولى_ (مطبعة دار التّأليف بالقاهرة_1387هـ1967م)، الوافي بالوفيات: 3/347 ترجمة: 1424.
(3) - في الأصل: " كتاب علم المصاحف" وصححت ذلك من بغية الوعاة، وكشف الظنون، والاتقان في علوم القرآن: 1/7.(1/32)
/ص50/ وأخرج النقاش أبو بكر محمد بن الحسن (1) كتابه في تفسير قوله تعالى (الأعراف_157). فقال: قال الحسن البصري (2)
__________
(1) - هو أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد النقاش الموصلي البغدادي، متروك الحديث، قال جعفر: يكذب في الحديث، وقال البرقاني كل حديثه منكر، وقال الداني: النقاش مقبول الشهادة، (266هـ_351هـ/880_962م) له ترجمة في: ارشاد الأريب 18/146 ترجمة: 39، الأعلام للزركلي 3/883 تذكرة الحفاظ 3/908 ترجمة: 872، العبر في خبر من غبر: 3/292، طبقات الحفاظ ص: 370 ترجمة 843، طبقات المفسرين للسيوطي ص: 29، الفهرست لابن النديم: ص: 56، كشف الظنون 1/460، 2/1050، معرفة القراء الكبار للذهبي 1/236 ترجمة: 27، الوافي بالوفيات 2/345 ترجمة 798، هدية العارفين: 2/44،
(2) - هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الحافظ الثقة الحجّة، قال الذهبي
(
مدلّس فلا يحتج بقوله) (21-110هـ/642-728م). له ترجمة في: الأعلام للزركلي 1/243، الجرح والتعديل ج: 1 قسم: 2 ص: 40 ترجمة: 177، الخلاصة: 66، طبقات الحفاظ ص: 68 ترجمة: 64، طبقات لبفقهاء للشيرازي ص: 87، طبقات المفسرين للداودي: 1/147، هدية العارفين 1/265.(1/33)
/ص51/ لم يكتب رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ بيده قط شيئا حتى قبضه الله اليه، وكان أميا لم يكن دراسة كتاب. وقال غيره: ما مات حتى كتب_ رسول الله صلى الله عليه وسلم_ ورأيت في أجوبة (1) فقهاء أهل صقلية_ أبقاهم الله_ أن أبا بكر بن أبي شيبة (2) قد ذكر ذلك. وقال غيرهم فمن ذهب هذا المذهب: أنه كتب ذلك اليوم غير عالم بالكتابة، ولا مميز لحروفها، لكنه أخذ القلم بيده، فخط به ما لم يميزه. وهو كتاب صحيح متقن (3) على حسب المراد. /ص52/ وكان القاضي أبو جعفر السمناني (4)_رضي الله عنه_ يصحح هذا القول ويراه وجها حسنا.
__________
(1) - هذه الأجوبة التي أشاراليها المصنف هنا: هي التي ستأتي بعد تمام الكتاب أن شاء الله.
(2) - هو أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ابراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي ولاء، الكوفي الحافظ، صدوق ثقة. (159-235هـ/775-894م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي 2/577، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/39 تذكرة الحفاظ 2/432 ترجمة 439، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 2 ص: 160 ترجمة 737، الخلاصة ص: 179، طبقات الحفاظ ص: 189 ترجمة 420، طبقات المفسرين للداودي: 1/246، العبر في خبر من غبر 1/42، الفهرست لابن النديم ص: 334، هدية العارفين 1/440،
(3) - قارن بهذا ما في التراتيب الادارية 1/175-و- ص: 65 مما سيأتي.
(4) - هو أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني قاضي الموصل، سكن بغداد، كان حنيفا فاضلا يعتقد مذهب الأشعري، وقد أخذ عنه الباجي علم الأصول، بالموصل مدة سنة. (361-444هـ/875-1052م) له ترجمة في: هدية العارفين 2/69، الوافي بالوفيات 2/65 ترجمة 362.(1/34)
وتعلق هؤلاء في تصحيح ما ذهبوا إليه في قوله في حديث اسرائيل (1) (ثم قال لعلي: أمح رسول الله، فقال: لا والله لا أمحوك أبدا، فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب) (2). /ص53/ قالوا: فلفظه كتب وان كانت قد تستعمل في الرئيس بمعنى أمر من يكتب. كمل يقال: نادى الأمير في الناس، بمعنى أمر من ينادي، إلا أن اضافة الفعل إليه تقتضي وقوعه منه، ولا يجوز صرفه عن هذه الحقيقة إلى المجاز (3)
__________
(1) - هو أبو يوسف إسرائيل بن يونس بن أبي اسحاق السبيعي الهمذاني الكوفي، الحجة الحافظ، الامام الثقة، تبت صدوق، كان صالحا خاشعا من أوعية العلم، فقد احتج به الشيخان، فقال الباجي: " وقد تكلم في سوء حفظه" أنظر ص: 99 الأتية،
( 100-162هـ/718-778م) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ 1/214_ ترجمة 201، الجرح والتعديل ج: 1: قسم: 2 ص: 330 ترجمة: 1258، الخلاصة ص: 27، طبقات الحفاظ ص: 90 ترجمة: 191.
(2) - (أنظر ص: 35 السابقة.)
(3) - المجاز: ما جاوز وتعدى عن محله الموضوع له إلى غيره لمناسبة بينهما، أما من حيث الصورة، أو من حيث القرب والمجاورة، كاسم الأسد: للرجل الشجاع، وكألفاظ يكنى بها الحديث ("التعريفات للسيد الشريف الجرجاني ص: 108") (دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني: 2/48_ تحقيق محمد بن تاويت). (أسرار البلاغة ص: 398_ لنفس المولف. مطبعة الاستقامة بالقاهرة_ 1351هـ_
1932 م).
(
الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 1/29_ طبعة مؤسسة الحليي بالقاهرة_1387_1967م).(1/35)
إلا بديل، لأن حملنا كتب على أمر من يكتب، صرف له عن حقيقته إلى المجاز. قالوا وهذا ما لم يتقدمه قوله: ("فأخذ الكتاب")، فإذا تقدمه: ("فأخذ الكتاب")، لم تستعمل حينئذ حقيقة ولا مجاز، إلا بمعنى تناول الكتاب، ولا يجوز أن يحمل على أنه أمر بالكتاب، لأنه إذا قال: كان عليّ يكتب فقال له: ("أمح رسول الله") فقال: لا أفعل، ("فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب فكتب اقتضى ذلك أخذه_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب من علي"). /ص54/ وإذا كان صريحا في أخذه الكتاب من علي، وجب أن يكون صريحا في تناوله الكتاب، ولو جاوزنا أن يحتمل في هذا الموضوع" فكتب" أمر من يكتب، لكان الأظهر فيه تناول الكتاب، وإذا احتمل اللفظ معنيين هو في أحدهما أظهر، وجب حمله على أظهرهما، ولا يجوز العدول عنه إلى الآخر، إلا بدليل (1). ولو حملنا" فكتب" على أمر من يكتب بغير دليل، لوجب أن يحمل فأخذ الكتاب على أمر من يأخذه، وصلى على أمر من يصلي، ودخل مكة معتمرا على أمر من يدخلها. وهذا يؤدي إلى أنه لا يصح اضافة فعل إليه بوجه، ولا يثبت له في مدة حياته عمل، ولا غزو، ولا تصرف بوجه ولا سبب. وهذا مالا يستجيز ذو لب ارتكابه. وإذا لم يجز ذلك، وجب أن يحمل كل ما أضيف إليه من الأفعال على أنه_ صلى الله عليه وسلم_ يباشرها بنفسه، إلا أن يمنع من ذلك دليل. /ص55/ فإن قيل: انما أراد فأخذ الكتاب فمحا رسول الله، ثم أمر (2)
__________
(1) - قارن بهذا ما في: الانصاف لابن السيد البطليوسي ص: 130_ (تحقيق_د_ محمد رضوان الدّاية الطبعة الأولى_ دمشق 1394هـ_ 1974م).
(2) - وهذا الافتراض الذي افترضه المولف هنا لمناقشة خصومه، قد ورد فعلا من طريق علي نفسه..وحكاه المبرد (210-285هـ/825-898م) بألفاظ تختلف عن الأحاديث السابقة في الباب الثالث، إذا جاء فيها ما نصّه: " فقال لي: يا علي، أمح رسول الله"، فقلت: يا رسول الله" لا تسخو نفسي بمحو اسمك من النّبوّة"، فقال عليه السلام_: " فقفني عليه" فمحا بيده_ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "أكتب مُحمد بن عبد الله". (الكامل للمبرد: 3/182_ مطبعة النهضة بمصر). (السيرة الحلبية 3/23 وما بعدها) (تاريخ الطبري 2/634) ولو اطّلع خصوم الباجي على هذا الحديث لأضافوه إلى حديث ابن شهاب الذي تمسكوا به, (قارن بالصفحة: 115 مما سيأتي.(1/36)
عليّاً فكتب. وذلك بحسب ما ورد في حديث شعبة (1) عن أبي اسحاق. قيل: ليس في لفظ حديث شعبة أنه أمر عليّاً فكتب. وإنما فيه أنه محا، ولا يمتنع أن يمحو، ثم يكتب. /ص56/ وبذلك يقضي جمع حديث (2) شعبة واسرائيل، ولا يجوز اطراح أحد الحديثين مع امكان الجمع بينهما (3)، فأخذ الزائد من كل واحد منهما. ووجه آخر، وهو أنه قال: ("فأخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، وليس يحسن يكتب فكتب") (4) ولا بدّ أن يكون لقوله ("وليس يحسن يكتب") فائدة في هذا المكان، والاّ كان لغوا (5) وهذيانا، (6) وقد علم الناس من حاله أنه كان لا يكتب، فلم تبقى له فائدة، إلا أنه أخذ الكتاب في وقت لا يحسن أن يكتب فيه فكتب على وجه اظهار المعجز، وخرق العادة (7).
__________
(1) - هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الواسطي الحّجة الحافظ، أحد أئمة الإسلام، سمع من أربع مائة من التابعين، قال شعبة: لأن أقع من السماء فأنقطع أحب الي من أن أدلّس. (82-160هـ/701-776 م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 2/412، تذكرة الحفاظ: 1/193 ترجمة: 187، الجرح والتعديل: 2 قسم: 1 ص: 1369 ترجمة: 1609، الخلاصة ص: 140، طبقات الحفاظ: ص: 83 ترجمة: 176.
(2) - سمّى الأول حديث شعبة، والثاني حديث اسرائيل، مع أن كلاّ منهما رواه عن أبي اسحاق عن البراء، لما بينهما من الاختلاف بالزيادة والنقص.
(3) - قارن هذا الكلام بما ورد في الانصاف لابن السيد البطليوسي ص: 126-و- 177، والجواب الأول ص: 105، مما سيأتي.
(4) -راجع ص: 35 وما بعدها مما سلف.
(5) - اللغو واللغا: كالفتى السّقط وما لا يعتد به من كلام وغيره
(6) - يهذي هذيا وهذيانا: تكلم بغير معقول، لمرض أو غيره، والاسم كدعاء، ورجل هذاء وهذاءة كثيره.
(7) - وهذا هو ما ذهب إليه بن شبّة والنيسابوري والهروي وغيرهم، (أنظر ص: 39 وما بعدها).(1/37)
/ص57/ يبين ذلك أن قائلا لو قال: كتبت الكتاب بين يدي الرئيس، فأخذ الرئيس منه الكتاب ولم يكتب قبل ذلك كتابا بليغا لم يفهم منه أحد، إلا أنه باشر الرئيس الكتاب، ولو قال: السّيف بيد الشرطي، فأخذ الرئيس السيف ولم يقتل قبل ذلك، فقتل، لم يفهم منه إلا أنه باشر القتل. وهذا لا ينكره من فهم اللسان العربي، وأنصف نفسه، بل لا يحير غيره إذا كان المخاطب لنا، لم يرد الألغاز (1) وتغير الكلام، وإنما خاطبنا بمعتاد التخاطب ومفهوم اللغة. ولو جاز لقائل أن يقول: انما أراد بذلك: فأمر من يكتب، ولا يفتقر في ذلك إلى دليل، لما صحّ أن يضاف إلى النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ولا إلى غيره فغل اللسان العربي. وهذا باطل باتّفاق.فإن قيل انما يكون هذا في رئيس قد علم أنه يتأتى منه الكتاب، فأما رئيس قد علم أنه لا يصح منه الكتاب جملة، فانه لا يفهم منه إلا أنه أمر بالكتاب. فالجواب: أنه لا يسلم لكم مخالفكم أنه لا يصح من النبي_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب على الاطلاق، وإنما لا يصح منه الكتاب على الوجه الذي يصح من الواحد منا، تعلما عند بعض القائلين بهذه المقالة، وعلما عند سائرهم. ولكنه يصح منه الكتاب على وجه اظهار المعجز وخرق العادة، وهذا لا يتأتى من غيره، ولا يصح ممن ليس بنبي مثله، فلذلك قلنا: أن من ليس بنبي ولا يحسن الكتابة، لا يحمل قوله: كتب بكل وجه، إلا على أنه أمر بالكتاب، بل لا يصح أن يقال فيه: /ص58/ فأخذ الكتاب ولم يحسن أن يكتب فكتب. وأما النبي_ صلى الله عليه وسلم_ فيصح منه عند مخالفكم أن يكتب على وجه اظهار المعجز وخرق العادة فهو في مسألتنا بمنزلة/ من يكتب من سائر الناس. وقد أجمعنا على أنه لو كان ممن يحسن الكتابة، لم يقتض وصفه بهذا اللفظ، إلا أنه باشر الكتابة بيده. فكذلك وصف النبي_صلى الله عليه وسلم_ بهذا الوصف يقتضي ذلك.
__________
(1) - يقال: ألغز كلامه، أو ألغز في كلامه: عمى مراده.(1/38)
لكنه يقع من النبي_ صلى الله عليه وسلم_، خرقا للعادة، ويقع من غيره جريا على العادة. وليس الكلام معكم في وجه كتابة. وإنما الكلام معكم في انكاركم ما روي من ذلك، وادّعائكم أنه مخرج عن الشرع. وتعلقت (1)
__________
(1) - يشير إلى أن هذه الطائفة تمسكت بقول النبي_ صلى الله عليه وسلم_ لعلي_ رضي الله عنه_: " أكتب محمد بن عبد الله"، لكون حديث الزهري هذا لم يشتمل على امتناع علي عن محو محمد رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ ولا على تناول النبي الكتاب من يد علي ومحو أسمه موصوفا بالرسالة.
(
راجع هذا الحديث في ص: 29 مما تقدم).(1/39)
الفرقة التي ذهبت إلى منع هذه المقالة /ص59/ برواية ابن شهاب (1). وفيها والله أعلم: ("والله لو كنا نعلم أنك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن أكتب محمّد بن عبد الله"). وقال في حديث شعبة، عن أبي اسحاق (فمحا رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_). وهذا مع مع حديث إسرائيل عن أبي اسحاق حديث واحد وفي مقام واحد، وهذ يدل على أنه أخذ الكتاب فمحاه وقال لعلي بعد ذلك: (أكتب محمد بن عبد الله)، وجاوبتها الطائفة الاولى عند ذلك بأن قالت: أن الواجب في الجمع (2) بين الحديثين، إلا نطرح (3) شيئا من لفظ أحدهما ولا نغيره (4) عن ظاهره إلا بدليل.
__________
(1) - هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب القرشي الزهري المدني، أحد الأئمة الأعلام، له نحو ألفين ومئتي حديث. (51-124هـ/671-742). له ترجمة في: الأعلام للزركلي 3/988، تذكرة الحفاظ 1/108 ترجمة: 97، الجرح والتعديل 4 قسم: 1 ص: 71 ترجمة: 318, الخلاصة ص: 336، شجرة النور الزكية ص: 46، طبقات الحفاظ ص: 42 ترجمة: 95، طبقات الفقهاء للشيرازي ص: 63، العبر في خبر من غبر 2/158، معجم المولفين 12/21، الوافي بالوفيات 5/24 ترجمة: 1990
(2) - أنظر الانصاف للبطليوسي 126.
(3) - في الأصل "إلا أن يطرح".
(4) - في الأصل "يغيره".(1/40)
/ص60/ وعلى ما ذكرتموه، تسقط من لفظ حديث اسرائيل ("فكتب"), لأن معناه عندكم ("فأخذ الكتاب فمحا") على رواية شعبة والصواب في الجمع بين الحديثين: أن يكون قال لعلي: ("أمح رسول الله واكتب محمد بن عبد الله") فلما أبى من ذلك علي (1)
__________
(1) - هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أول من أسلم من الصبيان، ولم يسجد لصنم قط، وربي في حجر النبي_ صلى الله عليه وسلم_ وهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة الزهراء في السنة الثانية من الهجرة، شهد معه المشاهد كلها إلا غزوة تبوك وكان اللواء في يده في أكثرها، وكان من أجلاء فقهاء الصحابة، وهو رابع الخلفاء الراشدين، (23 ق هـ_40هـ/600_661 م)، له ترجمة في ارشاد الأريب 14/41، الاستيعاب 3/61، الاصابة 2/507_ ترجمة: 5688، الأعلام للزركلي: 2/513، ترجمة: عبد الرحمن بن ملجم-و- ص: 673، تاريخ الخلفاء ص: 166_ تحقيق محي الدين عبد الحميد_ الطبعة الرابعة_ مطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة_
(
1389_1969)، تذكرة الحفاظ ص: 1/10 ترجمة: 4، الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 1 ص: 191 ترجمة: 1055، الخلاصة ص: 232. طبقات الحفاظ ص: 4 ترجمة: 4، طبقات الفقهاء للشيرازي: ص: 41، العبر في خبر من غبر: 1/46، معجم الشعراء للمرزباني ص: 130_ تحقيق عبد الستار فرج، (مطبعة دار احياء الكتب العربية_ عيسى البابي الحلبي_ 1379_ 1960م). معرفة القراء للذهبي: 1/30 ترجمة: 2(1/41)
_ رضي الله عنه_ /ص61/ أخذ رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ الكتاب، فمحا رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ وكتب محمد بن عبد الله. وهذا وجه صحيح في الجمع بينهما، لأنه استعمل الزائد من لفظ الأحاديث كلها، وحملها على ظاهرها وحقيقتها.وكان ذلك أولى من تأويلكم في الجمع بينهما، لأنكم تسقطون لفظه ("كتب") أو تعدلون بها عن ظاهرها، فتحملونها علىأنه أمر من يكتب، وتحملون"محا" علمي أنه باشر المحو، وأحدهم معطوف على الآخر، وهذا غاية التحكم دون دليل ولا ظهير، فكان ما قلناه أولى.
/ص62/ الباب الخامس
"في إبطال قول من قال: أن في أحد هذه الأقول
ما يبطل به المعجز، ويتغير به الشرع
أو يرد شيئا من القرآن"
/ص63/ وأما من قال: يبطل معجز النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ إذا كتب يوم الحديبية، وأن في تصديق ذلك تكذيبا (1) للقرآن، وتغييرا لشيء من الشريعة. فقد بعد عن الصواب جدّاً. وأراه قال ذلك: حددا (2) أو عنادا. والواجب عليه أن يتفقد أقواله قبل أن يطلقها، ويقيدها ولا يهملها. فليس الغرض في الكلام، وإنما الغرض في الاصابة والمتكلمون كثيرا، والمصيب نزر يسير. والصواب أن يقال في ذلك: أنه لو صحّ ما روي عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ من ذلك (3) لكان معدودا في جملة معجزاته، وعظيم آياته، مؤكدا لما ورد به القرآن من صدقه.
__________
(1) - في الأصل "تكذيب وتغيير"، بدون ألف فيهما، مع أن تكذيبا اسم لأنّ، وتغييرا معطوف عليه.
(2) - حددا: غضبا.
(3) - وهذا الكلام يشبه قول الامام محمد بن ادريس الشافعي (150-204هـ/767-820م)
"اذا صح" الحديث، فاضربوا بقولي الحائط". (تذكرة الحفاظ 1/362)، (الوافي بالوفيات 2/173)،
(أنظر: الجواب الأول ص: 108، والجواب الثالث: 125).(1/42)
/ص64/ وكونه أميا لا يكتب ولا يقرأ، وذلك أن المعرفة بأن النبي _ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أمي، حصلت لمن خالفه من الأمم التي احتج عليهم بذلك من وجهين: أحدهما: من نشأ معه من قريش، الذين نشأوا معه من الصغر إلى الكبر، لم يفارقوه، بل كانوا معه في المجاورة والمساكنة والمداخلة والمباطنة بمنزلة الانسان من أخيه الذي ينشأ معه، فلا يخفى عليه شيء من حاله. فعرفوا بذلك أنه لا يكتب ولا يقرأ معرفة ضرورية لا يدخلها شك ولا ريب. كما يعرف الرجل منا في ذلك حال أخيه وابنه وأبيه وقريبه، المداخل له، المباطن لأمره. هؤلاء عرفوا بذلك من حاله، الي أن آمن منهم العدد الكثير، والجم الغفير، الذين لا يجوز عليهم التواطؤ ولا التشاعر، ثم لم يفارقوه إلى أن كانوا معه على ذلك يوم الحديبية. وطائفة أخرى عرفوا بذلك من جهة هؤلاء واخبارهم لهم بذلك من حاله_ اخبارا متواترا (1). /ص65/ يوجب العلم (2) ويقطع العذر، ثم كانوا معه على ذلك يوم الحديبية، وهم عدد كثير يقع العلم بخبر طائفة منهم، فكيف بخبر جميعهم؟. ولو لم يعلم أنه أمي_ لا يكتب ولا يقرأ_ إلا بقوله: - لما كان في ذلك حجة له على_ من خالفه، لجاز_ أن يقولوا له من أول ما بعث وادعى أنه يقرأ من غير تعليم_ نحن لا نعلم ذلك من حالك، بل يجوز أنك أنفقت عمرك في تعلم القراءة والكتابة والتدرب.
__________
(1) - المتواتر: هو الخبر الثابت على السنة قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب لكثرتهم أو عدالتهم. كالحكم بأن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ادعى النبوة، وأظهر المعجزة على يده، سمي بذلك لأنه لا يقع دفعه بل على التعاقب والتوالي. (التعريفات 106)، الأحكام في أصول الأحكام للآمدي 2/14 وما بعدها). (الحدود للمولف ص: 61)، (مفتاح الوصول للشريف التلمساني ص: 5_ مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة_1381هـ_1962 م).
(2) - العلم: هو الإعتقاد الجازم المطابق للواقع.(1/43)
لكن منع من ذلك ما علم الجم الغفير، والعدد الكثير من قريش وغيرهم ممن خالفه. فاذ قد تقرر ذلك، ثم ظهر منه يوم الحديبية أنه أخذ الكتاب من يد علي، فكتب. فإذا قال إنكم قد علمتم من حالي أني لا أكتب ولا أقرأ كتابا، وأما الآن آخذ القلم فأصور صورة لا أميزها، غير أن القلم لا يجري في يدي إلا بما قد وافقتموني عليه، وقاضيتموني به (1)
__________
(1) - هذا الافتراض مماثل لما حكاه عن شيخه أبي جعفر السمناني، (راجع ص: 51 وما بعدها).
(
التراتيب الادارية: 1/175).(1/44)
/ص66/ فإن ذلك دليل ظاهر، ومعجز بين قاهر. لأن هذا خارق للعادة بعيد عن مستقرها، لأننا لا نشك أنه لا يتأتى ممن لا يحسن الكتابة أن يحرك القلم بيده، فينتظم/ من ذلك سطر واحد من أسطر الكتاب، بل كلمة من كلماته. فإذا رأيناه قد اتفق له من ذلك جميع الكتاب المتفق عليه، علم أن ذلك من فعل الله تعالى، ما أظهر على يدي رسوله_ عليه السلام_ من معجزاته الشاهدة بصدقه. وكذلك لو قال: انكم قد علمتم من حالي أني لا أحسن الكتابة ولا أقرأ الكتب، وقد علمتم أنه لا تتأتى معرفة ذلك لأحد إلا بتعليم بشر في مدة طويلة وتدريب ومواظبة. وأنا الآن قد علمنيه الله تعالى من غير تعليم بشر (1) ثم أتى منه بما لا يتأتى لبشر المزيد عليه، لكان في ذلك دليل على ما يدعيه من الرسالة، ومعجز (2) لما أتى به من النبوة. ولكان ذلك من جنس ما أتى به من المعجز في ذكره من أخبار الماضين وقصص الأولين، من تعليم ولا قراءة ولا مداخلة أهل الكتاب والسير، مما لا يمكن أن يتأتى لأحد إلا بتعليم ومواظبة على القراءة، ومثابرة على الدراسة، (3) في المدد الكثيرة والأعمار الطويلة. /ص67/فإن قيل: فإن الله قد وصفه في كتابه: بأنه أمي، فقال تعالى: ("النبي الأمي") (4)فإن الجواب عن ذلك من وجهين: أما علىقول من قال: أنه حين كتب، لم يميز ما كتبه، بل القلم جرى في يده بما قد قرأ منه الحاضرون ما اتفقوا عليه من المقاضاة.فإن الجواب على هذه المقالة بين واضح: أنه لايوصف من هذه صفته، وظهر مثل هذا من جهته: بأنه كاتب ولا أنه غير أمي. بل صفته من ذلك بعد أن خط ذلك الكتاب. كصفته قبل أن يخطه (5).
__________
(1) - هذا الافتراض أيضا حسب ما رواه عن شيخه أبي ذر وغيره، كأبي الفتح النيسابوري، وعمر بن شبة، (أنظر ص: 39_ وما بعدها.
(2) - في الأصل"ومعجزا" بالنصب، مع أنه معطوف على اسم كان.
(3) - في الأصل"الرئاسة".
(4) - ( الأعراف: 157-158).
(5) - تذكرة الحفاظ: 2/742، 3/1181 وما بعدها.(1/45)
وأما على قول من قال: أنه في ذلك الوقت ميز الخط وعرف أشكاله (1), فأنه يكون معنى وصفيا له أنه أمي في الجملة، لأنه لا يوصف بالكتابة إلا من عرفها في معظم أوقاته، وأكثر عمره. وأما من عرفها ساعة واحدة من عمره، فإنه لا يوصف إلا بغالب أحواله. ولذلك نصف الرجل بأنه حليم، وإن وجدنا له ضجرا في ساعة من عمره، وحرجا في وقت من مدته، ونصف الرجل بالكرم والشجاعة، وان وجد منه البخل والجبن في وقت من أوقاته. هذا وان كان ذلك خلق من أخلاقه قد طبع عليه، إلا أن الخلق الأخرى غلب عليه. فكيف بمن لم تكن له الكتابة بخلق؟، وإنما جبل عليها واضطرّ اليها في وقت من أوقاته./ص68/ كحنين الجذع (2)
__________
(1) - (أنظر ص: 39 وما بعدها).
(2) - الحديث رواه البخاري بلفظ: كان جذع يقوم إليه النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فلما وضع له المنبر، سمعنا للجذع مثل أصوات العشار، حتى نزل النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فوضع يده عليه. البخاري 4/237، 2/11، سنن الترمذي 2/293، 13/111، سنن الدرامي 1/15، 1/366، مسند الأمام احمد 3/293، سنن النسائي بشرح السيوطي 3/102_ ( طبعة مصر 1348هـ_1930م)، سنن ابن ماجة 1/454 الحديث 1414_
(طبعة عيسى البابي الحلبي 1372هـ_1957م). قال عياض: (476-544هـ/1083-1149م). حديث حنين الجذع: " وهو في نفسه مشهور منتشر، والخبر به متواتر، قد خرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر. وكلهم يحدّث بمعنى هذا الحديث، قال الترمذي: وحديث أنس صحيح. الشّفا بتعريف حقوق المصطفى 1/257_
(مطبعة عثمانية 1912)، أعلام النبوة للماوردي ص: 126_ (مطبعة دار الكتب العلمية_ الطبعة الأولى بيروت_ لبنان_1393هـ_1973م) حجة الله على العالمين ص: 447_
(
دار الفكر لبنان)، شمائل الرسول ص: 499، عيون الأثر 2/287، نسيم الرياض 3/58.(1/46)
/ص69/ وتسبيح الحصا (1)، وكلام الذئب (2). ولا يوصف شيء من ذلك بأنه متكلم، بل يوصف الحصا والجذع أنهما من جملة الموات والأجسام الصامتة./ص70/ ووجه آخر: وهو أنه لمن قال بهذه المقالة أن يقول: وصفة بأنه أمي في هذه الآية، يحتمل أن يريد به أنه من الأمة الأمية. ولا يريد نفي الكتابة والقراءة عنه بهذه الأية. وإنما يريد نسبته إلى الأمة الأمية.وقد قال تعالى: (الجمعة_2).
__________
(1) - الحديث أخرجه الماوردي (364-450هـ/974/1058م) بقوله: من آياته_صلّى اللّه عليه وسلّم_ ما رواه ثابت عن أنس قال: "كنا عند رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فأخذ كفا من حصا، فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح، ثم صبهن في يد أبي بكر، فسبحن في يده حتى سمعنا التسبيح، ثم صبهن في أيدينا فما سبحن في أيدينا" أعلام النبوة ص: 125، حجة الله على العالمين ص: 447، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1/259، شمائل الرسول ودلائل نبوته لأبي الفداء اسماعيل ابن كثير ص: 252_ تحقيق مصطفى عبد الواحد_ (مطبعة عيسى البابي الحلبي 1386هـ-1967م)، عيون الأثر 2/287، نسيم الرياض 3/66.
(2) - روي حديث الذئب بألفاظ مختلفة، ولكنها متفقة على معنى واحد، أخرجه البخاري عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ قال: سمعت رسول الله__ صلّى اللّه عليه وسلّم_ يقول: بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فقال: من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري. صحيح البخاري 5/6_ 4/212، صحيح مسلم 6/197، سنن الترمذي 13/150، سنن الدارمي مقدمة (12)، أعلام النبوة 119، حجة الله على العالمين ص: 462، الشفاء: 2/262، شمائل الرسول ص: 278، نسيم الرياض 3/76.(1/47)
ولا نشك أن أبا بكر (1) /ص71/ وعمر (2)، وعثمان (3)
__________
(1) - هو أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة، عثمان القرشي التيمي خليفة رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ (ثاني اثنين اذ هما في الغار) (التوبة_40) هو أول من أسلم من الرجال، روى اثنين وأربعين ومائة حديث، اتفق الشيخان على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد. (51 ق هـ 13هـ/573-634م) له ترجمة في: الاستيعاب 2/567، تاريخ الخلفاء من ص: 27 إلى 108، تذكرة الحفاظ 1/2 ترجمة: 1، الجرح والتعديل: ج: 2 قسم: 2 ص: 111 ترجمة: 508، الخلاصة ص: 174، طبقات الحفاظ ص: 3 ترجمة: 1، طبقات الفقهاء ص: 36، مروج الذهب السعودي: 2/297_
(الطبعة الثانية_ دار الأندلس للطباعة والنشر_ بيروت_1393هـ_ 1973م).
(2) - هو أبو حفص عمر بن الخطاب العدوي الفاروق، أول من لقب أمير المؤمنين أيد الله به الإسلام، قتل شهيدا في آخر ذي الحجة على يد أبي لؤلؤة المجوسي وقت صلاة الفجر، له تسعة وثلاثون وخمسمائة حديث، اتفق الشيخان على عشر، (40ق هـ-23/584-644م)، له ترجمة في الاستيعاب: 2/458، الاصابة2/518 ترجمة: 5736، تاريخ الخلفاء من ص: 108 إلى147، الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 2 ص: 105 ترجمة: 558 الخلاصة ص: 239، مروج الذهب 2/304-و-330.
(3) - هو أبو عمرو عثمان بن عفان، أمير المؤمنين، ثالث الخلفاء الراشدين، هو من جمع المسلمين على مصحف واحد، قتل شهيدا في بيته وهو يتلو المصحف الكريم في يوم عيد الأضحى، وقد عقب مقتله على الأمة الإسلامية فتنه عظيمة، له ستة وأربعون ومائة حديث، اتفق الشيخان على ثلاثة، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة.
(
47-ق هـ-35هـ-/577-656م)- له ترجمة في: الاستيعاب 3/69، الاصابة 2/462، ترجمة 5448، تاريخ الخلفاء ص: 147، الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 1 ص: 160 ترجمة 886، الخلاصة ص: 121، مروج الذهب من ص: 2/331، إلى_2/348، معرفة القراّء1/29 ترجمة: 1.(1/48)
من جملتهم، وان كانوا قد كتبوا وقرأوا. لكنه أراد بذلك نسبتهم إلى الأمّة الأمية، لا نفي الكتابة والقراءة عنهم. /ص72/ ووصفت الأمة بأنها أمية بأعظم أحوالها (1). فلا يثبت حينئذ على هذا النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ نفي الكتابة والقراءة عنه بقوله:
(الأعراف_157_158). وإنما يثبت له ذلك بقوله تعالى: ("وما كنت تتلو من قبله (2) من كتاب ولا تخطه بيمينك") العنكبوت_48، وبغير ذلك من الأدلة.
/ص73/ فصل
__________
(1) - فليس الوصف بالأغلبية مبررا لتسمية العرب بالأميين، لأن هذه الأغلبية لم تكن مقصورة عليهم فحسب، بل هي كانت عامة في سائر الأمم بدون استثناء. فسواد كل الأمم كان جاهلا لا يحسن القراءة ولا الكتابة، في الخاصة، وفي أصحاب المواهب والقابليات الذين تدفعهم مواهبهم ونفوسهم على التعلم والتثقف وتزعم الحركة الفكرية بين أبناء جنسهم. (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام_د_ جواد علي ص: 107_ (الطبعة الاولى_ مطبعة دار العلم للملايين_ بيروت_197_). دلالة الألفاظ_د_ ابراهيم أنيس ص: 188،_ (الطبعة الثالثة_ مطبعة الأنجلو المصرية1972). (مجلة العربي ص: 46_ العدد188 جمادي الثانية1394_ يليو1974).
(2) - لعله أسقطها قصدا لازالة القيد، ليعمم بها نفي الكتابة عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قبل البعثة وبعدها، استدراجا للخصم، لأن وجود القيد"من قبله" يقصر النفي على ما قبل البعثة فحسب، هذا أن لم تكن سهوا من الناسخ.(1/49)
فإن قيل: قد روي عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أنه قال: نحن (1) أمة أمية، لا نحسب (2) ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وحبس ابهامه في الثالثة (3).
__________
(1) - هكذا في الأصل، والذي في البخاري ومسلم، وأبي داود، والنسائي: "أنّا أمّة" بالتوكيد. ولعل هذا رواية المولّف للبخاري عن أبي ذر، يدل على ذلك ما رواه أبو بكر بن العربي المعافري في عريضة الأحوذي: 3/208 (طبعة دار العلم للجميع)، وفي احدى روايات مسند أحمد بن حنبل: 2/122.
(2) - هكذا في الأصل بتقديم" نحسب" على" نكتب" وفي الرواية الثانية للنسائي كذلك، والذي في صحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والنسائي في روايته الأولى، تقديم" نكتب" على" نحسب".
(3) - الحديث روي من طريق عبد الله بن عمر بن الخطاب_ رضي الله عنهما_ أخرجه الشيخان، وأبو داود، وخرجه النسائي مرتين، ولم أجد رواية تتفق مع رواية المولّف من أولها إلى أخرها، ولا رواية تتفق مع الأخرى من الروايات المذكورة.
البخاري: 3/35، صحيح مسلم3/224، سنن أبي داود: 1/366_ (المطبعة التازية بمصر1348). سنن النسائي4/139، مسند أحمد بن حنبل: 2/43,_52_122_129.(1/50)
/ص74/ فإن هذا أيضا، تعلق فيه، لأنه من أخبار الآحاد (1) التي لا يقع لنا العلم بمتضمنها. وهو من جنس الحديث المروي في أنه" كتب" (2).ولا يجوز التعلق بأحدهما دون الآخر إلا بدليل. /ص75/ هذا أن سلمنا أن لكم فيه تعلقا.
__________
(1) -"وخبر الآحاد هو ما نقله واحد عن واحد، وهو الذي لم يدخل في حد الاشتهار، وحكمه يوجب العمل دون العلم، ولهذا لا يكون حجة في المسائل الاعتقادية". (التعريفات ص: 52). (مفتاح الوصول ص: 7) (الكفاية في علم الرواية ص: 53)، (الأحكام في أصول الأحكام للآمدي: 2/30). (الرسالة للشافعي ص: 159_168). قال المولّف في كلامه على قول النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ لبلال: "اكلأ لنا الصبح": وقوله: اكلأ لنا الصبح دليل صحة العمل بخبر الواحد، لأنه_صلّى اللّه عليه وسلّم_ رجع في وقت الصلاة، وهو من أهم أمر الشريعة وأعظمها شأنا_ إلى قول بلال وحده. (المنتقى شرح الموّطأ لأبي الوليد الباجي: 1/27_ الطبعة الأولى_ مطبعة السعادة بالقاهرة_1331هـ)_ وقال الخطيب البغدادي: خبر الواحد لا يقبل في شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها، والقطع عليها ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل، وحكم القرآن الثابت المحكم، والسنة المعلومة، والفعل الجاري مجرى السنة (الكفاية في علم الرواية ص: 605).
(2) - (أنظر ص: 35 مما تقدم).(1/51)
فكيف وليس لكم فيه تعلق؟ لأنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ وصف الأمة بأنها أمية لا تكتب ولا تحسب، ونحن نعلم أن منها من يحسب ويكتب، كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية (1) وسهيل بن حنيف (2) وزيد بن ثابت (3)
__________
(1) - هو أبو عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان، صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، له مائة وثلاثون حديثا، اتفق الشيخان على أربعة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة، (20ق هـ_60هـ/603_680م) له ترجمة في: الاستيعاب3/395، الاصابة 3/433 ترجمة: 8068، تاريخ الخلفاء من ص: 194، إلى210، الجرح والتعديل: ج: 4 قسم: 1 ص: 377، ترجمة1223، الخلاصة ص: 356،
(2) -هو أبو ثابت سهلبن حنيف بن واهب بن العكيم الأوسي الأنصاري له أربعون حديثا، اتفق الشيخان على أربعة، وانفرد مسلم بحديثين، توفي (38هـ 658م) له ترجمة في الاستيعاب2/92، الاصابة2/87، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 1 ص: 195 ترجمة840، الخلاصة133.
(3) - هو أبو سعيد زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي النجاري المدني الأنصاري، أحد كتبة الوحي، له اثنان وتسعون حديثا، اتفق الشيخان على خمسة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بواحد،
(
11ق هـ_45هـ/611_665م) له ترجمة: 2880، الجرح والتعديل ج: 1 قسم: 2 ص: 358 ترجمة: 2524، معرفة القراء1/35 ترجمة: 5.(1/52)
/ص76/ وعبد الله بن مسعود (1) وأبي بن كعب (2) وجماعة غيرهم /ص77/ فعلمنا أن المراد به وصفهم بالجملة (3)، لا وصف آحادهم وأعيانهم. أو نفي كتابة مخصوصة، وحساب مخصوص عنهم لأنه محال أن ينفي عنهم وعن نفسه جميع الحساب،" الشهر تسع وعشرون " (4).
__________
(1) - هو أبو عبد الرحمن عبد بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي المكي الكوفي، ويعرف بأبن أم عبد، من السابقين الأولين للأسلام، وصاحب النعلين، له ثمانية وأربعون وثمانمائة حديث، اتفق الشيخان على أربعة وستين، وانفرد البخاري بواحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين، توفي سنة (32هـ_652م) له ترجمة في: الاستيعاب: 2/316 الى327، الاصابة: 2/368 ترجمة: 4954 الأعلام للزركلي: 2/585، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان3/154 تذكرة الحفاظ1/13 الى: 16 ترجمة: 5، الجرح والتعديل: ج: 2 قسم: 2 ص: 159 ترجمة734، الخلاصة: 181.
(2) - هو أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد الخزرجي الأنصاري المدني، له مائة وأربعة وستون حديثا، اتفق الشيخان على ثلاثة، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بسبعة، (21هـ_642م) له ترجمة في: الاستيعاب1/47، الاصابة1/19 ترجمة 6، الجرح والتعديل1/2 ص: 290 ترجمة: 1057، الخلاصة ص: 21، الفهرست لابن النديم ص: 46، معرفة القراّة1/32 ترجمة: 3.
(3) - ليس المراد وصفهم بعدم معرفة الكتابة والقراءة، لا جملة ولا تفصيلا، (أنظر ص: 72_).
(4) - البخاري1/101، 3/35، 176_7/38، 41، 64، 8/173 صحيح مسلم: 3/223 وما بعدها، 4/118، 120. سنن الترمذي: 3/205، سنن النسائي: 4/138 وما بعدها، سنن ابن ماجة: 1/530، 665، سنن الدارمي 2/4، الموطأ هامش على المنتقى للباجي: 2/38_ (مطبعة السعادة بالقاهرة_1331). مصنف عبد الرزاق ج: 10 ص: 401، الحديث: 19497.(1/53)
وقال: " الشهر هكذا وهكذا وهكذا " (1) وورد القرآن أكثر من الفرائض. وهذا كله نوع من الحساب. وقد ورد الشرع بكثير من حساب الفرائض. وهو أدق أنواع الحساب. فعلمنا بذلك أنه أراد نفي حساب مخصوص وكتابة مخصوصة. /ص78/ وهوأنه لا يلزمنا اثبات أهلتنا، والتزام صومنا، واقامة حجنا بكتاب المنجمين (2) وحسابهم. وأن الأمي الذي لا يحسب/ ولا يكتب، يقوم شرعه، ويمكنه أداء فرائضه.
__________
(1) - البخاري 3/34 وما بعدها،7/68، صحيح مسلم: 3/222، سنن أبي داود 1/366، سنن النسائي: 4/139 وما بعدها، سنن ابن ماجة: 1/530.
(2) - وهذا هو المراد من الحديث، بأن الأمة العربية لا تكتب كتابة المنجمين وحسابهم بالنسبة لتعيين أواخر الشهور القمرية وأوائلها، ( ارشاد الساري للقسطلاني: 3/359_الطبعة السادسة_ مصر_1304). فتح المبدي بشرح مختصر الزبيدي 2/149_ (طبعة مصر1345هـ/1926م). ويتضح ذلك بصفة أدق، إذا ما وضعنا الحديث في اطاره الخاص، الذي هو اثبات الهلال، ومقارنة ما ورد من الأحاديث في الموضوع، وهي كثيرة متفرقة في مصنفات الحديث، مما يجعلنا نقول: أن حديث: " أنا أمة أمية " ليس من أخبار الاحاد، بل هو متواتر لتعدد طرقه بالمعنى. قال البطليوسي: العلة السادسة وهي أن ينقل المحدث الحديث، ويغفل عن نقل السبب الموجب له، فيعرض من ذلك أشكال في الحديث، أو معارضة لحديث آخر. (الإنصاف191). قال الحافظ أبو بكر بن العربي (468_543هـ 1076_1148)، وفي الباب: عن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، وأنس، وجابر، وأم سلمة، وأبي بكرة، أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قال: " الشهر يكون تسعة وعشرين " (عريضة الأحوذي: 3/205).(1/54)
/ص79/ ولو لزمنا كتاب المنجمين وحسابهم، واثبات الأهلة (1) من جهتهم، لم يتم للأمي شرع، ولا أمكنة أداء فرض. /ص80/ فأشار_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ إلى تخفيف ما يقع به الإجزاء وتيسيره وتسهيله. كما قال تعالى: (الحج_78). وقال النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ في وصف شريعته: (الحنفية السمحة) (2) فأخبر البارىء تعالى أنه رفع عنا الحرج: وهو الضيق، والا فقد لزمنا بالشرع أمور تشق على الإنسان وتضيق عليه، ولا سبيل له إلى تركها.
__________
(1) - غير أن بعض الشافعية أخذوا بذلك في اثبات الأهلة حسب ما حكاه الباجي: وذكر الداودي أنه قيل في معنى قوله "فاقد روا له"، أي قد روا المنازل، وهذا لا نعلم أحداً قال به، إلا بعض أصحاب الشافعي أنه يعتبر في ذلك بقوله المنجمين، والاجماع حجة. (المنتقى_2/38). قال أبو بكر بن العربي: كنت رأيت للقاضي أبي الوليد الباجي_ رحمه الله_، أن بعض الشافعية يقول: أنه يرجع في استهلال الهلال، إلى حساب المنجمين، وأنكرت ذلك عليه، لأن فخر الإسلام أبا بكر الشاشي، وأبا منصور محمد بن محمد الصباغ، حدثاني بمدينة السلام، عند الشيخ الامام أبي نصر بن الصباغ بباب الرحمن منها، وعم أبي منصور من قال: ولا يؤخذ في استهلال الهلال بقول المنجمين، خلافا لبعض الشافعيين، وكذلك أخبرني أبو الحسن بن الطبوري من القاضي أبي الطيب الطبري عن أبي حامد الاسفرايني، امام الشافعية في وقته بمثله، فكنت أسطو على القاضي أبي الوليد بوهمه حتى وجدت في زمام المياومة أن أبا بكر محمد بن طرخان بن بلتكين، حدثني عن البلخي، وأن القاضي أبا الحسن القرافي أخبرني عن الماليني جميعا عن أبي عبيدة قرأ عليه قال: قوله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_"فاقد روا له" أي منازل القمر. (عارضة الأحوذي 3/207) ( اكمال اكمال المعلم 3/223).
(2) - البخاري في الجامع الصحيح 1/17، مصنف عبد الرازق 1/74.(1/55)
كالصور في زمن الحر_، لا سيما_ لمن يشتد عليه الصوم (1) وتكلف السفر إلى الحج (2) /ص81/ وحرم الفرار من الزحف (3)
__________
(1) - الأصل في ما ذكره هنا قوله تعالى: ("فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ") ( البقرة_185).
(2) - مأخوذ من قوله تعالى: ("وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سَبِيلاً") ( آل عمران_97). وقوله_صلّى اللّه عليه وسلّم_: إلى وتحج البيت أن استطعت إليه سبيلا"). صحيح مسلم 1/64_و_83. سنن أبي داود 2/271، سنن[ النسائي 4/122_و_ 8/98.
(3) - يعني: تحريم الفرار من المعركة بساحة القتال في سبيل الله، فهو من الكبائر، محرم بالكتاب والسنة، قال تعالى ("يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ").
(
الأنفال 15_16). وقال_ صلّى اللّه عليه وسلّم_: ("اجتبوا السبع الموبقات، إلى أن قال: والتولي من الزحف"). الجامع الصحيح للبخاري 4/12، 8/218، صحيح مسلم: 1/197، سنن أبي داود 2/13، الكبائر للذهبي ص: 71_ (مطبعة المكتبة الشعبية). المنتقى: 3/171.(1/56)
وأن لا يفز الانسان من أسر من الكفار (1)، ويجتنب المحرمات وان كان يشق عليه تركها. ويترك الظلم وان كان فيه شفاء غيظه، وغير ذلك من الأمور التي لا تحصى كثرة. /ص82/ وعلى هذا وصف النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ شريعته بأنها السمحة. بمعنى أنه نفى عنها نوعا من المشقة.فإن قيل: انّما أراد بقوله: ("نحن أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب") وصف نفسه خاصة (2)
__________
(1) - والأصل في ذلك ما روى مالك عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أنه نهى عن التمثيل، "يريد العبث في قتلهم وبقطع الأيدي والأرجل، وفقء العين، وقطع الآذان، وإنما يقتل من أسر منهم بضرب الرقاب " ( نفس المرجع: 3/172).
(2) - هذا لا داعي له، لأن الله سبحانه وتعالى، وصفه بالأمية في كتابه العزيز، بقوله: ("النبي الأمي")
(الأعراف 157_158)، كما وصف أمته بقوله: ("هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم")
(الجمعة_2) فالوصف بالأمية مشترك بين النبي وأمته بنص القرآن. وحسم هذا النزاع ويكفينا موؤنة الأخذ والرد والمناقشة حديث أبي بن كعب الذي جاء فيه: ("اني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط") سنن الترمذي 11/63، مسند أحمد بن حنبل 5/135، فالذي لا يقرأ بعض الأميين لا كلهم. ومما يؤكد عدم تطابق الأمية، للجهل بالقراءة والكتابة ما ذكره أبو داود السجستاني (202_275هـ/817_889م)، حيث ترجم لأحد أبواب سننه بقوله: باب ما يجزي الأمي والأعجمي من القراءة. عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي: فقال: إلى أقرأوا فكل حسن")،
(
سنن أبي داود: 1/132).(1/57)
فقد يوصف العالم بأنه أمة، قال الله: /ص83/ ("إن ابراهيم كان أمة") فالجواب: أنه لا يصح. لأنه قال ("أمة أمية")، وأمية، لا يوصف به العالم الواحد. ولو أراد ذلك، لقال: أمة أمي. كما قال تعالى: (النحل_120)، ولم يقل: قانتين.فإن قيل: هو، وان قال: " نحن" و" أمة" وأتى بلفظ الجماعة، فانما أراد نفسه وحده. كما يقول الأمير والرئيس: نحن نفعل، يريد نفسه خاصة، فيخبر عن نفسه بلفظ الجماعة. فالجواب: أنه لو سوفنا لكم هذا، لكان اللفظ يحتمل (1) أن يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة. /ص84/ ويحتمل أن يخبر عن نفسه وعن أمته أجمعين (2)، ولفظ الجمع في الجماعة أظهر، فيوجب أن يحمل على ظاهره حتى يدل دليل على العدول به عن ذلك. وليس لكم أن تحملوه على ما ذكرتم لما قدمناه من الأدلة، إلا ولنا أن نحمله على ما ذكرناه بذلك، ونبقيه على ظاهره, وذلك أولى. وجواب ثان: وهو أن ما قلتموه، يبطل فائدة الحديث (3)،
__________
(1) - اشتهر الباجي بايراد تعدد الاحتمالات في المسألة الواحدة وخصوصا في كتاب المنتقي، قال المقري (توفي 759هـ /1393م): حذر الناصحون من أحاديث الفقهاء وتحميلات الشيوخ وتخريجات المتفقهين، واجماعات المحدثين، وقال بعضهم: احذر أحاديث عبد الوهاب والغزالي، واجماعات ابن عبد البر، واتفاقات ابن رشد، واحتمالات الباجي، واختلاف اللخمي، وقيل: كان مذهب مالك مستقيما، حتى أدخل فيه الباجي يحتمل ويحتمل، ثم جاء اللخمي فعد جميع ذلك اخلافا. ( قواعد المقري 17 مخطوط الخزانة العامة_ق_1032).
(2) - الاحتمال الثاني أولى، لأن الآية القرآنية، تؤيده، قال تعالى ("هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ) (الجمعة_2) وقال عز وجل: ("النبي الأمي") ( الأعراف157_158).
(3) - التي هي حكم الأهلة..لما رواه " مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ قال: ("الشهر تسعة وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه،فإن غم عليكم فاقدروا له") وفي رواية: " فأكملوا العدد ثلاثين " (الموطأ_ش_ المنتقي 2/38). وهذا الحكم ليس خاصا بأمته دونه، ولا به دون أمته، والأحاديث في ذلك كثيرة ومتعددة.(1/58)
لأنه_صلّى اللّه عليه وسلّم_ انما قال: ("نحن أمة لا نحسب ولا نكتب")، مجيباً بذلك عن حكم أهلة الصوم والفطر والمواسم/ وهذا حكم يلزم جميع الأمة. فلو قصد إلى وصف نفسه خاصة، لاقتضى ذلك قصر هذا الحكم عليه، واختصاصه به. ولا خلاف بين هذه الأمة في مشاركتنا له في هذا الحكم، وأنه_صلّى اللّه عليه وسلّم_، انما قصد تبيين ذلك لنا والاخبار عن فرضنا فيه، وما يلزمنا منه. /ص85/ جواب ثالث: وهو أن هذا يبطل بوجه آخر: وهو أنه لا خلاف أن النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ كان أعلم الناس بالفرائض (1)
__________
(1) - ( هذا هو عين الصواب، لأن علوم الدين كلها لم يتعلمها النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ من الصحابة، بل هم الذين أخذوها عنه، فلا يجوز أن يقال: أن هناك صحابيا أعلم من رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ بها. وقال ابن مسعود الذي كان من أفقه الصحابة_ رضوان الله عليهم: أقضي فيها بما قض النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ الابنة النصف ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فالأخت.
( مصنف عبد الرزاق 10/257_ الحديث 19031، 19032). ( صحيح البخاري 8/188، 189)
(سنن الترمذي: 8/245)، (سنن ابن ماجة 2/909_ الحديث: 2721)، (سنن الدرامي 1/73). وروي في ميراث للجدة: فقام المغيرة بن شعبة فقال: شهدت رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ يقض لها بالسدس
فقال: هل سمع ذلك معك أحد، فقام محمد بن مسلمة فقال: شهدت رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ يقضي لها بالسدس فأعطاها أبو بكر السدس. ( مصنف عبد الرزاق: 10/274 الحديث 19083)، (الموطأ: 6/237).(1/59)
وما يجب لكل أحد منها. /ص86/ ولم يقل أحد من الأمة: أنه أتى بفريضة فقال: لا علم لي بها، وأن أمتي تتفرد بعلم ذلك دوني، ولا أنه وكل إلى أمته حساب الصدقات (1)، من الأبل والبقر والغنم وغيرها. وأخبر عن نفسه أنه لا يعلم قليلها من كثيرها، ولا منتهى نصبها ومقادير أعدادها، ولا روى عنه أنه عجز عن قسم ما غنم من المواشي وغيرها من الأموال، بل قد روي عنه أنه قسمها (2) /ص87/ وروي عنه أنه خرص ثمرة في رووس النخل، وخرص أصحابه، فأخرجت خرص (3)
__________
(1) - ورد في مصنف عبد الرزاق 3/4 في كتاب الزكاة حديث طويل (رقم: 6793)، فصّل فيه النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ نصب الأنعام في الزكاة، وما يجب في الديات بنفسه.
(2) - عن أبي وائل قال: إلى قسم رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ غنائم حنين بالجعرانة")
(الدارمي 2/224). عن أنس بن مالك قال: " لما كان يوم حنين...الى أن قال: قال أنا عبد الله ورسوله"، فانهزم المشركون وأصاب رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء " الحديث". (صحيح مسلم: 3/187). (سيرة ابن هشام4/48).
(3) - الخرص: التقدير بالظن لا على وجه اليقين. عن أبي حميد الساعدي قال: " غزونا مع النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ اخرصوا، وخرص رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ عشرة أوسق، فقال لها: أحصي ما يخرج منها...قال للمرأة: كم جاء حديقتك، قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_. (الجامع الصحيح للبخاري: 2/155). (صحيح مسلم: 6/99). (سنن أبي داود: 2/51).
(
مسند أحمد بن حنبل: 5/424).(1/60)
رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_. وهذه كلها أبواب من الحساب، إلا أن يلزم هذا المتصور أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ لم يعلم شيئا من الفرائض ولا غيرها من أنواع الحساب: من قسمة الغنائم، ونصب الزكوات، وما يجب لكل نصاب وفرض منها. ويقول: أن الصحابة كانت أعلم بذلك منه، أو منفردة بعلمه دونه. فيخالف الاجماع (1), ويفارق الاسلام، وأرجو إلا يفعل. /ص88/ وإذا ثبت أنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أراد بقوله: ("لا نكتب ولا نحسب") نفي نوع من أنواع الكتابة والحساب أغناه الله وأغنى أمته عنه، ولم يفتقر شرعة اليه، جاز حينئذ حمل الحديث على عمومه فيه وفي أمته. وأن الله قد مكنهم من أداء فرائضه، واستيفاء حقوقه، والقيام بمناسكه دونه. ويجوز على ما قولناه: أن يريد نفي الكتاب والحساب عن جمهورهم وأكثرهم (2). ويجوز فيها وجه ثالث (3) وهو أنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قال: ("نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب "). يريد نفسه خاصة على ما يدعونه، قبل يوم الحديبية، ثم وجد منه بعد ذلك يوم الحديبية, على قول القائل بذلك.
__________
(1) - الاجماع في اللغة: العزم والإتفاق، وفي الاصطلاح: اتفاق المجتهدين من أمة محمد عليه الصلاة السلام في عصر على أمر ديني. (التعريفات ص: 8). (الأحكام للآمدي 1/179). (الحدود في الأصول ص: 164)، (الرسالة للأمام الشافعي: ص: 203_ (الطبعة الأولى_ تحقيق محمد سيد كيلاني_ مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر_1388هـ 1969م). (مفتاح الوصول: ص: 164).
(2) - هذا بعيد عن الصواب، لأنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ لا يمكنه أن يصف أكثرهم بالأمية بمعنى عدم الكتابة والقراءة، وهم لا يختلفون عن باقي الأمم المعاصرة لهم بالنسبة للعلم بالقراءة والكتابة قلة وكثرة.
(3) - في الأصل " وجها ثالثا ".(1/61)
فنجمع بين الحديثين (1) /ص89/ وذلك أولى من اطراح أحدهما. وهذا كله من المسامحة وارتكاب أشد القولين. وأما على قول من قال: أنه كتب/ معنى حرك يده فتصورت منه الكتابة، ولم يقصدها قصد عارف بها ومميز لحروفها، فلا يحتاج إلى شيء من هذا التأويل مع ظهوره. لأنه منع ما ظهر منه أمي لا يكتب على الحقيقة.
__________
(1) - أي حديث (" أنا أمة أمية") وحديث إلى ليس يحسن يكتب فكتب")، والجمع بينهما وان كان حاصلا ابتداء، وليست الحاجة ماسة إليه في هذا المعرض بأن نقول: أن الأمية معناها: عدم معرفة الكتابة والقراءة، وكان يتصف بها النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ قبل البعثة وبعدها حسب زعمهم إلى السنة السادسة من الهجرة في غزوة الحديبية، ثم رفعت هذه الصفة لاثبات الحديث الثاني، وهذا كله تحمل وقع فيه بعض الفقهاء، حيث فسروا الأمية بما فسروها به، وزعموا أن هذا الحديث يفسر بعضه بعضا دون مبالاتهم بالجزء المقصود منه الذي هو: تمام الشهر القمري ونقصانه، ثم قاسوا عليها كلمة الأمي والأميين كما وردت في القرآن، وأضافوا اليها قوله تعالى: ("وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ")_ (العنكبوت_48). فاختارو في الأمر بعدما وجدوا من يكتب في العهد النبوي، فحملوا ذلك بالنسبة للأمة أن أغلبها كان لا يكتب، ومنعوا الوصف بالكتابة عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ منعا كليا، ووقوفهم عند صدر الحديث، كالوقوف على قوله تعالى: ("ويل للمصلين") (الماعون_4). وقول المتشهد: ("لا الاه") واحتاروا وأحاروا، وأصبح كل من يخوض في هذا الباب يخبط ولا يهتدي إلى الصواب، ومن هداه الله إلى ذلك حملوا عليه كل مكروه، وحملوه أحيانا الكفر والالحاد أجارنا الله من ذلك.(1/62)
كما أن الانسان قد يوجد في أثناء كلامه، الكلام الموزون على وزن الشعر، ولو تتبعت كثيرا من كلام الناس وتجاوبهم؟ وأنسابهم، لوجدت منه ما لا ينحصر، وقد يوجد من ذلك في القرآن، فلا يوصف بأنه شعر. وذلك كقوله تعالى: (آل عمران_92). /ص90/ وقوله:
(فاطر_18) وقوله عز وجل: (سبأ_13)، وقد يوجد في كلام النبي _صلّى اللّه عليه وسلّم_ (1)، ويوجد في الأنساب في قولهم: (ما زيد بن خالد بن حميد بن وافد)، فلا يوصف شيء من ذلك بأنه شعر، ولا يوصف القائل له: بأنه شاعر، بل يوصف الانسان بأنه غير شاعر إذا لم يتأت له مع القصد. فكذلك يوصف النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ بأنه أمي غير كاتب، إذا لم تتأت له الكتابة مع القصد اليها، وتبيين حروفها. وإنما يوجد منه على وجه اظهار المعجز على ما قدمناه.
/ص91/ فصل
فإن قال قائل: فإن الله تعالى قد وصفه بأنه لم يخط كتابا. فقال عز من قائل
(
__________
(1) - كقوله: (أنا النبي لا كذب_ أنا ابن عبد المطلب). البخاري: 4/37، 52، 812_6/195، الترمذي: 7/184، أحمد بن حنبل: 4/280، 281، 289، 304. نسيم الرياض: 2/46، أحكام القرآن: 4/1601، وقوله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_: الولد للفراش وللعاهر الحجر: البخاري: 3/70، 106، 161، 4/4، 5/192، 8/191، 194، 8/205، 9/90. مسلم: 4/78، 79، أبو داود: 1/356، الترمذي: 5/102، 8/278، النسائي: 1/180، 181. ابن ماجة: 1/647_ الحديث 2006، 2007، 2/905 رقم: 2712. الدارمي: 2/152، 2/389. الموطأ 6/5، أحكام القرآن 4/1602. وقوله أيضا: (وهل أنت إلا أصبع دميت*وفي سبيل الله ما لقيت. البخاري: 4/22، 8/43، مسلم: 5/135، الترمذي: 12/246 (أنظر ص: 118_ و_ 139 مما سيأتي).(1/63)
"وما كنت تتلو" "من قبله") (1)، من كتاب ولا تخطه بيمينك، إذا لارتاب المبطلون) (2)، فالجواب: أنه قال تعالى: أنه لم يتل قبل النبوة كتابا، ولا خطه بيمينه، وهذا النفي لا يتناول ما بعد النبوة، ولذلك لم يبطل بما تلاه بعد ذلك من كتاب القرآن، وما فيه من القصص، وأخبار النبيين قبله، والمرسلين على وجه اظهار المعجزات، وتبيين الآيات. وكذلك لا يبطل هذا النفي بأن يكتب بعد ذلك على مثل هذا الوجه (3)، وهذه كلها تعلقات ضعيفه، لمن بلغ هذا الحد من الانكار. ولم أسمع أحدا من شيوخنا، ولا بلغني عن أحد من أهل العلم أنه يدعي إبطال معجزة، ولا تغيير شريعة، ولا رد شيء من القرآن بهذه المقالة. وكفاك بقول لا سلف له فيه، ولا حظ له في إجماع المسلمين مع التمسك به. /ص92/ وإنما المسلمون في هذه المسألة بين قائلين: قائل يقول: انه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كتب يوم الحديبية على حسب ما قدمناه، وقائل يقول: لم يثبت ذلك، ولو ثبت لم يكن فيه رد للشريعة/ ولا إبطال المعجزة، فمن ادعى قولا ثالثا (4)
__________
(1) - ربما وقع الإلتباس للناسخ بوجود قبل بين حرفي الجر (من) مرتين، الجارة لقبل، والجارة لكتاب، فلم تكتب من قبل سهوا.
(2) - (العنكبوت_48).
(3) - قال ابن العربي: فإن قيل: فقد أخبر أنه لا يكتب وكتب، قلنا ذلك وقع مقيدا بقوله: (من قبله)، وقد ثبت أنه كتب بعده، وقد فاز ببيان ذلك من أشياخنا من فاز. (أنظر: عارضة الأحوذي 8/202) (روح المعاني 21/4)، (البحر المحيط: 7/154).
(4) - وهو تكفير من صدق بالقول الأول أو مال اليه، وفي هذا المعنى يقول عبد اللّه بن هند الشاعر: برئت ممن شرى دنيا بآخرة* وقال أن رسول اللّه قد كتبا (تذكرة الحفاظ 3/1181),
(
ترتيب المدارك 4/805)، راجع ص: 150، في بطلان القول الثالث، ورده إلى القولين السابقين، ولكن القول الثالث ثابت، وتكفيرهم للباجي يشهد به ما دونته أقلام المؤرخين لذلك العصر، ولست أدري أكان من السهمي ذلك تعصبا على الباجي، أو جريا مع العاطفة لبعض أصدقائه الذين رافقوه في حجة.(1/64)
مثل ما ادعى هذا المنكر، فقد خالف الاجماع، وخرج عن قولي الأمة. وإنما يبلغ هذا الحد_ بانكار أقوال العلماء_ مضعوف لا بصر له بمواقع الكلام، ولا تمييز عنده للمعجز من غيره، ولا معرفة بأقوال العلماء. ولم يلق أحدا من أهل العلم فيأخذ عنه ويقتدي به، فإذا بلغه ما لم يعرفه، بادر إلى انكاره، ولم يكن عنده ايضاح حجة، ولا تعلق بدليل. فيفزع إلى التشنيع والتمويه. ليتيقن بذلك عند العوام، وحسبك أنه لا يمكنه أن ينسب قوله: إلى قائل سبقه، وامام تقدمه والا فليذكر أحدا من الأمة قال بقوله: وذهب إلى مذهبه، ولا سبيل له إلى ذلك، وبالله التوفيق.
/ص93/ الباب السادس
في بيان أصح الأقوال في هذه المسألة
وما يجب أن يعتمد عليه منها(1/65)
/ص94/ وأما الصحيح الذي يجب أن يعول عليه في هذه المسألة ويقال به: فإن الظاهر من لفظ الحديث من رواية اسرائيل، عن أبي اسحاق، أنه_صلّى اللّه عليه وسلّم_ كتب الكتاب (1)، إلا أنه حديث آحاد لا يوجب العلم. ومعجزات نبيينا_ عليه السلام_، ثابتة عند من لم يشاهدها، من طريق التواتر الموجب للعلم والقطع، دون أخبار الآحاد. والتواتر في ذلك على ضربين: تواتر من جهة اللفظ، وتواتر من جهة المعنى. فأما التواتر من جهة اللفظ: فمثل نقل القرآن على لفظه، ووجوه اعجازه الذي نقلته الأمة نقلا متواترا يوجب العلم، ويقطع العذر. وهو المعجز الباهر، والدليل الواضح. وأما التواتر من جهة المعنى، فنحو ما روي عنه أنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_: (كلمة الذراع) (2) /ص95/ وحن إليه الجذع (3)
__________
(1) - أنظر ص: 35.
(2) - الحديث رواه الدارمي بلفظ: أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة مصلية ثم أهدتها إلى النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فأخذ النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ منها الذرع، فأكل منها وأكل الرهط من أصحابه معه ثم قال لهم النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ارفعوا أيديكم، وأرسل النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ إلى اليهودية فدعاها فقال لها: ، أسممت هذه الشاة, فقالت: نعم، ومن أخبرك، فقال النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أخبرتني هذه في يدي الذراع، فقالت نعم. (الدارمي 1/33).وروي من طريق_: البخاري: 3/213، 4/121, 5/179. مسلم: 6/10، 11، سنن أبي داود: 2/141، 2/245. كما ورد بما يقارب رواية الدارمي في كل من: أعلام النبوة: 126. حجة اللّه على العالمين في معجزات سيد المرسلين ص: 452، الدين والدولة ص: 74، روض الأنف 4/62، زاد المعاد 2/139، سيرة ابن هشام 4/44، الشفاء: 2/268، شمائل الرسول: 525_ عيون الأثر 2/287.
(3) - أنظر ص: 68..(1/66)
ونيع الماء بين أصابعة (1) وأطعم أهل الخندق (2) وهم عدد كثير من طعام يسير كان لجابر (3) بن عبد اللّه (4). /ص96/ وأطعم نحوالثمانين من أقراص أرسلها إليه أبو طلحة (5)
__________
(1) - روي هذا الحديث من طرق مختلفة: الجامع الصحيح: 4/234، 5/157، سنن النسائي: 1/60، سنن الدارمي 1/14، مسند أحمد 3/293 الدين والدولة ص: 74، زاد المعاد: 2/126، عيون الأثر: 2/114_2/288.
(2) - الخندق: حفير حول أسوار المدن، ويقال: خندقه: حفره.
(3) - هو أبو عبد الرحمن جابر عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي المدني، صحابي جليل، شهد بيعه العقبة، وغزا مع النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ تسع عشرة غزوة، وهو سادس المكثرين في رواية الحديث، له (1540) حديثا، اتفق الشيخان على ثمانية وخمسين، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين، (16ق هـ 78هـ/607_697م) له ترجمة في: الاستيعاب 1/221، الاصابة 1/213 ترجمة 1026، الأعلام للزركلي_1/175، تذكرة الحفاظ 1/43 ترجمة 21، الجرح والتعديل 1 قسم: 2 ص: 492 ترجمة 2019، الخلاصة: 50 شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: ص: 45 ترجمة: 4، طبقات الحفاظ ص: 11 ترجمة 21. طبقات الفقهاء ص: 51. العبر في خبر من غبر: 2/89.
(4) - روي هذا الحديث بألفاظ مختلفة في: البخاري: 5/139، مسلم 5/346، الدارمي 1/20، أعلام النبوة: 85، حجة اللّه على العالمين: 605، عيون الأثر: 2/287.
(5) - هو أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو الخزرجي النجاري المدني الأنصاري، صاحب رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_، شهد العقبة وبدراً وما بعدها من المشاهد، وقتل عشرين رجلا يوم حنين وأبلى بلاء حسنا يوم أحد، له اثنان وتسعون حديثا، اتفق الشيخان على حديثين، وانفرد البخاري بواحد، ومسلم بآخر. (.36 ق هـ_ 34هـ/585_ 654م) له ترجمة في: الاستيعاب: 4/113، الاصابة: 1/566 ترجمة: 2905، الأعلام للزركلي: 1/346، الجرح والتعديل ج: 1 قسم: 2 ص: 564، ترجمة: 2550، الخلاصة ص: 109، العبر في خبر من غبر: 1/35.(1/67)
وحطها اثنين تحت يده (1). /ص97/ ووضأ نحو الثمانين من الغمر (2) الصغير (3)، ووضع سهما من كنانته (4) في بئر الحديبية بعد أن نزحت فصدر الناس عنها بالري (5). /ص98/ وتوضأ من عيون تبوك، ثم رد فيها فجرت بماء كثير (6). واستقى أصحابه وهم عدد كثير من مزادة الهراة ثم صددوا عنها وهي تنض بالملء (7). وغير ذلك من معجزاته مما لا يحصى كثرة، مما رويت ونقلت بأخبار الآحاد، فلا يقع لنا العلم بمجموعها، بأنه قد/ عمل عملا خرق به العادة، وأظهر به المعجزة. ولا يتعين لنا ذلك الفعل بنفسه فنعلمه دون غيره. وبهذه الطريقة، عرفنا سخاء (8)
__________
(1) - روي هذا الحديث في: الجامع الصحيح للبخاري ج: 1/109، 4/234، 7/89، 8/174 مسلم: 5/347، الموطأ: 7/238، الترمذي 13/112، أعلام النّبّوة: ص: 86، حجة الله على العالمين ص: 609. شمائل الرسول: ص: 198.
(2) - قدح صغير أو أصغر من الأقداح.
(3) - ورد هذا الحديث في كل من: البخاري: 1/52، 58، مسلم: 6/97، الترمذي: 13/114، النسائي: 1/61، مسند أحمد بن حنبل: 3/174، 248، الموطأ: 1/72، حجة الله على العالمين ص: 626. شمائل الرسول ص: 176، عيون الأثر 2/288.
(4) - كنانته: جعبته التي فيها النبل.
(5) - وردت هذه المعجزة في حديث طويل، يصف غزوة الحديبية ووقائعها. (الجامع الصحيح للبخاري: 3/253)، (مسند أحمد بن حنبل: 4/329), (مصنف عبد الرزاق: 5/332 رقم الحديث: 972.) (أعلام النبوة ص: 87). (تاريخ الطبري: 2/624، 625). حجة الله على العالمين: ص: 626). (زاد المعاد 2/123، 126)، (سيرة ابن هشام، هامش روض الأنف: 4/25). (عيون الأثر: 2/115، 288).
(6) - الجامع الصحيح للبخاري: 4/233، مسلم: 6/98، الموطأ: 1/254، مسند أحمد بن حنبل: 5/238، حجة اللّه على العالمين في معجزات سيد المرسلين ص: 628.
(7) - أعلام النبوة ص: 99، حجة اللّه على العالمين: ص: 628.
(8) - في الأصل: "سخاء"..(1/68)
حاتم (1)،
__________
(1) - هو أبو عدي حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي، أوصل نسبة الأصبهاني في الأغاني إلى قحطان، وهو شاعر جاهلي، اشتهر بمكارم الأخلاق، يضرب به المثل في سخاء والجواد وأدرك ولده عدي وبنته سفانة الإسلام فأسلما، (45 ق هـ_577)م. له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 1/200، الأغاني: 17/363، 397_ (طبعة دار الكاتب العربي وزارة الثقافة بمصر_ 1389هـ/1970م).
الشعر والشعراء لابن قتيبة: 1/164_ (الطبعة الثانية_ دار الثقافة بيروت_ لبنان_ 1969).(1/69)
وشجاعة علي (1) _رضي الله عنه_. /ص99/ لا روي عنه من طريق آحاد، أنه فعل كذا. وروي عنه من طريق أخرى: أنه فعل كذا يوم كذا. ووردت من ذلك أخبار كثيرة من طرق مختلفة، فوقع لنا العلم بمجموعها أنه عمل عملا يقتضي أن يوصف له بالسخاء، وان لم يقع لنا العلم بعين فعل من تلك الأفعال. فاذ قد تقرر هذا، فقد روي من طريق إسرائيل: أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_، كتب يوم الحديبية وهو أمي لا يعرف الكتابة. (2).الا أنه وارد من جهة إسرائيل انفرد بذلك. وقد تكلم في سوء حفظه، وخالفه شعبه وغيره من الحفاظ. (3) فلم يرووا هذه الزيادة وهم أحفظ منه وأولى بالاعتماد عليهم، والأخذ بروايتهم. وقد روي أيضا من غير طريق أبي اسحاق، فلم ينقل أحد هذه الزيادة، كالزهري وغيره من الأئمة. (4). فكانت روايتهم أولى من رواية أبي اسحاق. ولو ثبت ذلك عنه، فكيف وقد قدمنا في منع ذلك ما فيه كفاية؟ وعلى كل حال، فهو مروي من طريق الآحاد الذي لا يقع العلم بمتضمنه، ولو لم يعترض عليه مما ذكرنا بوجه، لم يقع لنا العلم به، ولو وقع لنا العلم بما نقل الينا منه، وبما نقل الينا من سائر أخبار الآحاد، منقولة في سائر معجزاته التي ذكرنا بعضها قبل هذا، أنه قد فعل فعلا خرق به العادة وأظهر به المعجزة البينة، لم يقع لنا العلم بعين تلك المعجزة أهي أنه كتب يوم الحديبية أو غير ذلك؟ . (5) مما ذكرنا قبل هذا، أو جميعها.؟ /ص100/ وهذا قد اختلف شيوخنا في جنس العلم الواقع به: فمنهم من قال: أنه علم ضروري، ومنهم من قال: أنه علم نظري. فإذ لم يقع لنا العلم بصحة هذه الرواية، فالصواب: الرجوع إلى المعلوم من حاله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_، والمشهور من صفاته في إمتناع الكتابة عليه.
__________
(1) - قارن بهذا: غاية المراد ص: 357.
(2) - ( أنظر ص: 35.
(3) - ( أنظر ص: 52 وما بعدها.
(4) - ( أنظر ص: 27 وما بعدها.
(5) - ( في الأصل: نقلك.(1/70)
غير أنه من قال: أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قد كتب قبل النبوة، فقد كفر. لأنه كذب نص القرآن في قوله تعالى (العنكبوت_48). وخالف إجماع المسلمين. وأما من قال: أنه لم يكتب قبل النبوة، وكتب بعدها على ما نقلناه من أقوال الناس في ذلك، فليس في قوله: ما يقتضي الكفر، لأنه لم يخالف/ نص القرآن، لأن القرآن انما تضمن نفي الكتابة عنه قبل النبوة، ولا خالف إجماع المسلمين. ولكنه عندي مخطيء في قوله: ذلك، لما بينته في هذا الكتاب. فهذا وجه هذه المسألة، وما يتعلق بها، ويجب أن يعتمد عليه فيها. قد أوردناه على وجه الاختصار والبيان. وفيه كفاية لمن نصح نفسه، ووفق لرشده (الأعراف_43). (آل عمران_173). تم كلام الامام الحافظ القاضي أبي الوليد الباجي_ رضي الله عنه.
/ص101/ أجوبة فقهاء صقلية
الجواب الأول
/ص102/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد رسوله ونبيه وآله
قال الحسن بن علي التميمي المصري
رضي الله عنه(1/71)
الحمد لله الذي أنار شبهات. (1) الحق، وأطفأ شبهات الباطل، واختصنا بالنبي المرسل بالدليل، والهادي إلى السبيل،_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ وعلى جميع اخوانه من المرسلين، وسلم تسليما_ وقفت على ما كتب به الفقيه. (2) القاضي الأجل، شيخنا وكبيرنا وأمامنا، الذي نفزع إليه في المشكلات، ونعتمد عليه في ما أهمنا من أمور معرفة توحيد خالقنا، وصفاته التي بأن بها عن جميع المخلوقات_ أدام اللّه للمسلمين توفيقه وتسديده، وما من. (3) عليهم منه من البصيرة. (4) والهداية، من خطأ المخطئين، وعمى العامين. /ص103/ فكل ما جاوب به_ مما يتعلق بالكلام في المعجزات صحيح بين ظاهر لمن أنصف من نفسه، وراجع بصيرته، فهو الحق الذي يرد، والجلي الذي لا عنه يصد. وقد أجمع علماؤنا الذين بهم نقتدي، أن من أثبت فضيلة لصاحبي. (5)
__________
(1) - ( شبهات:_ ج_ شبهة، وهو ما لم يتيقن كونه حراما أو حلالا.
(2) - ( يعني أبا الوليد الباجي، وفي قوله: (وقفت) دليل على أنه توصل برسالة في موضوع كتابة الرسول_صلّى اللّه عليه وسلّم_ للباجي، مع أن أبا الوليد يشير إلى أجوبة فقهاء صقلية في كتابه السابق، الأمر الذي يجعلنا نجزم بأن رسالة الباجي التي توجد بين أيدينا اليوم، ليست هي الرسالة التي أجاب عنها فقهاء صقلية. (أنظر ص: 51 مما سبق).
(3) - ( من عليه منا: أنعم.
(4) - ( البصيرة: قوة للقلب المنور بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس، يرى به صور الأشياء وظواهرها، وهي التي يسميها الحكماء العاقلة النظرية والقوة القدسية.
(التعريفات ص: 26).
(5) - ( الصحابي: هو في العرف: من رأى النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ وقيل وان لم تطل.
(
التعريفات ص: 69). (الباعث الحثيث ص: 94).(1/72)
أو تابعي. (1)، وأقسام عليها دليلا، كان واجبا علينا امتثال ما أثبته. فكيف وقد صح الحديث الذي ذكره الفقيه القاضي؟_ أدام اللّه تأييده وعونه، ونصره في معجزة الرسول، _ صلّى اللّه عليه وسلّم_. رواه الشعبي، وأخرجه ابن أبي شيبة في بعض مصنفاته. والذي يدل على صحة ما اختاره في اثبات المعجزة، وأنه_ رضي الله عنه_ لا درك عليه فيما أثبته، أنه قسم المعجزات: شرائلها، وفصلها بدلائلها، وذكر ما يعرف منها ضرورة، وما يعرف بالدليل، مما لا مجال فيه لعالم_ أرشده اللّه ووفقه_ وذلك أنه_ أعني الفقيه القاضي مكن الله وطأته (2) وثبت بنور الهدى (3) حجته_. /ص104/ لما رأى الحديث الذي في أمر القضية في غزاة الحديبية، واختلاف ألفاظ الحديث من قوله:_ صلوات الله عليه_ لعلي رضوان الله عليه. ("أرني مكانه فمحاه فكتب محمد بن عبد الله") فهذا مما يدل لظاهره على أنه عليه السلام_ هو الكاتب، ولا معنى للعدول عن هذا الظاهر، ولا سيما والفقهاء إذا رووا حديثين لا يكون أحدهما (4) ناسخا (5) للآخر. وفي أحدهما اثبات، وفي الآخر نفي، حملوا ما فيه الاثبات، وأطرحوا ما فيه نفي (6)، وان تساوي (7)
__________
(1) - ( التابعي: من صحب الصحابي (نفس المرجع: 100) (الكفاية في علم الرواية ص: 59).
(2) - ( الوطأة: الضغطة أو الأخذة الشديدة، وموضع القدم.
(3) - ( الهدى بضم الهاء وفتح الدال: الرشاد والدّلالة ويذكر.
(4) - ( في الأصل "احدهما".
(5) - ( النسخ ازالة الحكم الثابت لشرع متقدم، بشرع متأخر عنه على وجه لولاه لكان ثابتا، (الحدود في الأصول ص: 49).
(6) - ( ويتفق مع هذا ما قاله التلمساني (710_771) أن يكون أحدهما اثباتا والآخر نفيا،فإن الاثبات أرجح. ومثاله: ترجيح أصحابنا حديث بلال: أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ دخل البيت فصلى فيه، على حديث أسامة: أنه دخل البيت ولم يصل فيه. (مفتاح الاوصول ص: 125).
(7) - ( في الأصل تساوت..(1/73)
الحديثان، حمل كل واحد منهما على فائدة مجردة. /ص105/ وان تعارضا سقطا جميعا، وسلم لنا ما فيه الفضيلة، والذي يدل على أنه_ عليه السلام_ كتب موته قوله تعالى_ (العنكبوت_ 48). الذي يدل عليه ظاهر الآية من دليل الخطاب، (1) وان كان القاضي الجليل أبو بكر بن الطيب (2) امام الأمة_ رضي الله عنه_ /ص106/ ذهب إلى ترك القول بدليل الخطاب وصيغة العموم (3) وقد قال بهماأئمة الأمصار، من مالك (4)
__________
(1) - دليل الخطاب قصر حكم المنطوق به على ما تناوله، والحكم للمسكوت عنه بما خالفه، ومعنى ذلك عند القائلين، أن يعلن الحكم على صفة موجودة في بعض الجنس، فيدل ذلك عند القائلين به_ أن حكم ما لم توجد فيه تلك الصفة، مخالف لحكم ما وجدت فيه. (الحدود في الأصول ص: 50).
(2) - هو أبو بكر محمد بن الطيب بن جعفر بن القاسم البصري الباقلاني القاضي، كان ثقة عارفا بعلم الكلام، صنف فيه التصانيف على مذهب الأشعري، وألف الرد على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية، توفي سنة (403 هـ_1013م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/909، ترتيب المدارك: 4/585، الديباج المذهب ص: 267، شجرة النور الزكية ص: 92 ترجمة: 209 المرقبة العليا ص: 37، الوافي بالوفيات: 3/177 ترجمة: 1150.
(3) - صيغة العموم: له صيغ كثيرة، وقد عرّف التلمساني العموم حيث قال: هو كون اللفظ مستغرقا لكل ما يصلح له، وفي مقابلته الخصوص، وهو كونه مقصورا على بعض ما يتناوله، ثم العموم في اللفظ: اما من جهة اللغة، واما من جهة العرف، واما من جهة العقل. (مفتاح الوصول ص: 64). (الحدود في الأصول ص: 44). (التعريفات ص: 83).
(4) - هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي المدني امام دار الهجرة، صاحب كتاب الموطأ، وأحد أئمة المذاهب الأربع التي لا تزال الأمة الاسلامية متمسكة بها، ولا يمكن ايجاز ترجمته في سطور، فقد كتبت فيها المؤلفات. (.93_179هـ/712_795م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 3/824، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/274،تذكرة الحفاظ 1/207 ترجمة 199، تذكرة الحفاظ 1/207 ترجمة 199. ترتيب المدارك 1/106، الجرح والتعديل قسم 1 ج: 4 ص: 204 ترجمة 902، الخلاصة ص: 343، الديباج المذهب: ص: 17، 31، طبقات الفقهاء ص: 67، طبقات المفسرين للداودي 2/295 ترجمة: 613. الفهرست لابن النديم ص: 294.(1/74)
/ص107/ إلى أبي القاسم (1) بن سلام_ رضي الله عنهم_ ومكانه من اللغة ومعرفة اللسان، وتوجيه الحديث المكان الذي لا يخفي على ذي بصيرة في دينه. ومن راجع الحق واعترف بالصواب، نجا من الفجاج بالآية، أنه كتب بعد بعثته، لقوله تعالى (العنكبوت_ 48). لأن ما أراد الله تعالى من اثبات فضيلته وابانته عمن بعث إليه في زمنه من نفي الكتابة عنه_ عليه السلام_ ما تعلم من أحد ولا قرأ، ولا كتب، ولا خالط من يعرف بالكتابة حتى يتعلم منه. /ص108/ وإذا جاز أن يكون_ عليه السلام_ يقرأ بعد أن لم يقرأ، ويكون ذلك معجزة له، جاز أن يكتب بعد أن لم يكن يكتب، وتكون الكتابة له معجزة، وهذا كله أراده منه جل جلاله في اثبات الحجة على قريش من أن من أتى بهذا الكتاب الجليل العظيم الذي_ (فصلت_ 42). من غير كتابة ولا دراسة، يجب أن يكون خارقا للعادات، واردا من عند مبدع السماوات، فاذ قد ثبت ما قررناه من الاحتجاج بالآية، وأنه لم يكتب قبل بعثه، كانت الكتابة فيه فضيلة بعد البعثة وزيادة معجزة. وقد قال في بعض جوابه_ رضي الله عنه_ أن صح الحديث فهو حجة (2)،
__________
(1) - هو أبو عبيد القاسم بن سلام الازدي ولاء، البغدادي، أحد أعلام الأئمة، ثقة مأمون، كان مجتهدا لا يقلد أحدا، صنف التصانيف الكثيرة في القراءات والفقه واللغة والشعر. (157_ 224هـ/774_889م) له ترجمة ارشاد الأريب 16/254، الأعلام للزركلي 2/783، بغية الوعاة ص: 376، تذكرة الحفاظ 2/417 ترجمة 423 الجرح والتعديل: ج: 3 قسم: 2 ص: 111 ترجمة: 637. الخلاصة ص: 265 س الأخير. طبقات الحفاظ ص: 179_ ترجمة: 404. طبقات الفقهاء ص: 92، الفهرست لابن النديم ص: 112، معرفة القراء: 1/141.
(2) - أنظر ص: 63_ و_ 125 من هذا الكتاب، لكن الباجي عبر بلو التي تنسجم مع سياق كلامه، والشافعي عبر باذا التي تفيد الشاّ، والأولى ما عبر به الشافعي..(1/75)
فلا معنى لمن قابل قوله بالرد والتشنيع القبيح الذي لا يليق مثله بذوي البصائر، فضلا عمن تصدر لتدريس الحديث ومعرفة معانيه في جميع الأمصار، (1) /ص109/ فلو نهضوا نحو الفقيه القاضي ليتعلموا منه أوائل المفترضات، ومعرفة خالفهم، وما خصنا به جميع أهل السنة (2) والاثبات، لكان بهم أحرى ولما ندبوا (3) إليه أولى، ولكن سبق المثل: (من جهل شيئا عاداه)_ و (حب الشيء يعمي ويصم) (4) هذا ما حضرني من الجواب فيما أورده الفقيه القاضي_ أيده اللّه_، وان كنا لا نبلغ سبقه وشأوه، فنحن وهو في هذا العلم وغيره من جميع العلوم كما قال الأول (5) /ص110/ وابن اللبون (6) إذا ما لز (7) في قرن (8) لم يستطع صولة البزل (9) القناعيس (10)
__________
(1) - الأمصار:_ ج_ مصر: ما لا يسع أكبر مساجده أهله.
(2) - السنة: لغة: العادة، وشريعة: مشترك بين ما صدر عن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ من قول أو فعل أو تقرير، وبين ما واظب النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ بلا وجوب. (التعريفات_ ص: 65).
(3) - رشحوا أبا محمد بن سهل لمناظرة الباجي بمسجد دانية بحضرة أميرها، اقبال الدولة على بن مجاهد، ذكر ذلك أبو بكر بن العربي في سراج المريدين، ونقله عنه الشيخ عبد الحي الكتاني، (التراتيب الادارية 1/173 وما بعدها).
(4) - (سنن أبي داود 2/334)، مسند أحمد بن حنبل 5/194_ 6/450).
(5) - هو أبو حرزة جرير بن عطية بن حذيفة (الخطفي) الكلبي اليربوعي، أشعر أهل عصره، (28_110هـ/640/728م) له ترجمة في: الأعلام للزركلي: 1/182، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 1/215، الشعر والشعراء: 1/374 كشف الظنون 1/251.
(6) - وابن اللبون: ما أوفى ثلاث سنين.
(7) - لز: لزه_ لزا_ ولززا: شدّه وألصقه.
(8) - قرن: الحبل.
(9) - البزل: هي الابل التي بلغت سن التاسعة.
(10) - القناعيس: عظيم الخلق..البيت من البحر البسيط ، وهو لجرير الخطفي، ( ديوانه ص: 323_ جمع محمد اسماعيل عبد اللّه الصاوي_ط_ دار الأندلس للطباعة والنشر_ بيروت) (العقد الفريد لابن عبد ربه 2/295_ تحقيق_ محمد سعيد العريان_ الطبعة الثانية_ مطبعة الإستقامة بالقاهرة_ 1372_ 1953). ( فحولة الشعراء للأصمعي:_ ط_ الأولى دار الكتاب الجديد 1389هـ_ 1971م).
(الموشح للمرزباني ص: 63_ تحقيق البجاوي دار نهضة مصر_1385_ 1965م).(1/76)
اسأل اللّه تعالى، أن يمن علينا بالهداية والانابة إلى قول الحق والعمل به، وصلى اللّه على محمد وآله، وهو حسبي ونعم الوكيل.
تم كلام الحسن بن علي التميمي المصري
رضي الله عنه.
/ص111/ الجواب الثاني
/ص112/جواب عبد اللّه بن الحسن البصري
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى اللّه على محمد وآله وسلم تسليما
قال عبد اللّه بن الحسن البصري
رضي الله عنه(1/77)
قال الله تبارك وتعالى ( يوسف_ 81). وقال _ صلّى اللّه عليه وسلّم_: ("يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الزائغين وغلو الغالين، وانتحال المبطلين"). (1) الحديث. وقال_ صلّى اللّه عليه وسلّم_: ("نضر اللّه امرأ سمع منا حديثا فبلغه كما سمعه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه") (2)، وقال_ عليه السلام_: ("تركت فيكم اثنيين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي") (3) /ص113/ وقال: ("اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر") (4) وقال: ("أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم") (5). وقال ابن مسعود_ رضي الله عنه_: (اتبعوا ولا تبتدعوا) (6). وذلك انّا نقول: ما سنة الرسول_ عليه السلام_ ينقسم قسمين: تواتر وآحاد،/ فأما التواتر الذي استوى طرفاه (7) أعني الأصل والفرع فهو مقطوع به. والآحاد (8) ما يوجب العمل دون العلم.
__________
(1) - (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والاسانيد لابن عبد البر الأندلس 1/59_ الطبعة الملكية الرباط_1387_1967م). (شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص: 28 وما بعدها.
(2) - سنن أبي داود: 2/126، سنن الترمذي: 10/124، سنن ابن ماجة: 1/84_ الحديث: 230_2/1015 الحديث: 3056، سنن الدارمي 1/75، مسند الامام أحمد: 1/437، 3/225، 4/80، 82، 5/183.
(3) - الموطأ: 7/203.
(4) - سنن الترمذي: 13/129، 130، سنن ابن ماجة: 1/37_ الحديث: 97، مسند الامام أحمد: 5/382، 385، 399، 402.
(5) - قال أبو محمد علي بن حزم الظاهري: (384_456هـ/994_1064م)، ( وأما الرواية: ("أصحابي كالنجوم") فرواية ساقطة...لا تثبت أصلا، بل لا شك أنها مكذوبة (" الإحكام في أصول الأحكام") لابن حزم: 5/810_ مطبعة العاصمة بالقاهرة_د_ت_ط. ( جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر: 2/111).
(6) - الدارمي: 1/69.
(7) - أي سلسلة رجال سنده من أولها إلى آخرها. أنظر ص: 64 من هذا الكتاب.
(8) - (أنظر ص: 74_ مما سبق).(1/78)
وقد يجوز أن يخرق الله تعالى العادة فيخلق لنا علما ضروريا، قيد لنا به على صدق خبر الواحد العدل، وان كان هذا موقوفا على زمن النبوةّ فجائز فينا اليوم. فجاء من جميع ما ذكرناه، أنه خبر الواحد إذا صحّ متنه، واستقامت عدالة قائله، وجب العمل به. /ص114/ وثم رتبه ثالث وهو الخبر المستفيض (1) الذي لا يلحق بالتواتر، ولا هو في حيز الآحاد، غير أنه يوجب العلم من طرق المعنى. وكانت معجزات الرسول_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ تنقسم قسمين: منها ما يعلم بالضرورة قطعا، كظهور القرآن وتحديه للعرب بأن تأتي بمثله في نظمه وجزالته (2). ومنها ما يعلم بالدليل ("كحنين الجذع") (3), ("ونبع الماء من بين الأصابع") (4) ("وجعل قليل الطعام كثيرا") (5) (وشكوى البعير) (6)،
__________
(1) - يعني: المشهور من الحديث: هو ما كان من الآحاد في الأصل، ثم اشتهر فصار ينقله قوم لا يتصور تواطؤهم على الكذب، فيكون المتواتر بعد القرن الأول. (التعريفات ص: 113). (الباعث الحثيث ص: 87).
(2) - (أنظر ص: 12 من هذا الكتاب).
(3) - (أنظر ص: 68 من هذا الكتاب).
(4) - (أنظر ص: 95 من هذا الكتاب).
(5) - (أنظر ص: 95 من نفس المرجع).
(6) - أخرج هذا الحديث الأمام أحمد في مسنده بألفاظ مختلفة ورد في احدى رواياته: ("جاء بعير فضرب بجرانه إلى الأرض، ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فقال: أواهبه أنت لي؟ فقال: يارسول اللّه، ("مالي مال أحب الي منه، قال: استوص به معروفا").
(مسند أحمد بن حنبل: 4/172،173)، (الدين والدولة: ص: 72)، (شمائل الرسول ص: 264_513)،
(
الشفاء ص: 265)، (عيون الأثر: 2/287).(1/79)
جرى مجراه من معجزاته_ عليه السلام_. /ص115/ ومعنى قولنا: مما يعلم بالدليل، أن الجماعة الذين أخبروا بهذه المعجزات بالقبول، وسكتوا عن الانكار، فكان سكوتهم دليلا على صدق ما أخبرهم. وكذلك نقول في الخبر الذي روي في القضية في غزاة الحديبية، وان كانت ألفاظه مختلفة ومعانية متفقة، فقد روي من طرق كثيرة (1) وذلك أن عليّاً_ رضوان الله عليه_ لما أمره الرسول_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ بالكتابة فكتب" هذا ما قضى عليه رسول اللّه"، فقالت قريش: لوعلمنا أنك رسول اللّه، ما خالفناك أو كلاماً هذا معناه، (2) (فقال لعلي: أمحه، فقال: لا"أمحوه" (3) يا رسول اللّه، فقال: أرني مكانه، فمحاه وكتب محمد بن عبد اللّه (4), وفي بعض الأخبار، أنه_عليه السلام_ قال له: ("ستبلى بمثلها") (5)
__________
(1) - (أنظر ص: 27 وما بعدها).
(2) - يريد أنه روى هذا الحديث بمعناه، لا بلفظه، لذلك تحرى بهذه العبارة من الوقوع في الزلل أو الكذب على النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_.
(3) - في الأصل "أمحه" بدون واو.
(4) - (أنظر ص: 34 مما سلف).
(5) - وفي رواية" ستسام" مثلها فتعطي (الكامل للمبرد: 3/182)، (أعلام النبوة ص: 102)
(
السيرة الحلبية 3/24)(1/80)
وقد كان ذلك في الحكومة عند" دومة" (1) الجندل بصفين. /ص116/ فإذا كانت المعجزات التي ذكرناها، وهي التي تعلم بالدليل، ومعنى الدليل، سكوت الأمة عن ردها وأخذها بالقبول، كمان هذا الخبر الذي فيه اثبات الكتابة له_ عليه السلام_ أولى أن يلحق بسائر المعجزات التي لم نعلم أحدا من الأمة رد الأخبار التي نقلت الينا في اثبات هذه القضية، فكان الخبر الذي فيه ذكر الكتابة_ مما ذكره أهل الصحيح من المحدثين، كالشعبي، وابن أبي شيبة، وغيرهم_ لاحق بما تقدم ذكرنا له. وأما احتجاج من احتج بالآية، وهو قوله تعالى: ("وما كنت تتلو" من قبله" (2) من كتاب ولا تخطه بيمينك") (3) الآية، فلا دليل فيه، ولو كان فيه دليل، لكان بغير هذا اللفظ، فكان يكون: ("وما كنت تتلو من كتاب ولا تخطه بيمينك") فلما قيده تعالى بوقت كان موقوفا على الوقت الذي قيده فيه، وهو قبل البعثة وفي حالها (4). فإذا كان الأمر على ذلك، لم يسع الاحتجاج بما لا دليل فيه للخصم. وأما قوله تعالى: (الأعراف 157_و_158). فمنسوب إلى قومه، الذي يدل على صحته، قوله تعالى: (الجمعة_2). /ص117/ وقد علمنا من طريق الضرورة، أن في أمته_" عليه" (5) السلام_ ممن وقعت عليه هذه التسمية، من يكتب ويقرأ (6)
__________
(1) - في الأصل: ("حومة")_ ودومة الجندل: موضع بين المدينة والشام وبها كتب الحكمان: أبو موسي الأشعري، وعمرو بن العاص، وثيقة التحكيم بين علي ومعاوية سنة (38هـ) بعد قتال كبير وقع بينهما أثر مقتل عثمان بن عفان سنة (35_ هـ) ( مروج الذهب 2/345).
(2) - ( لم تكتب في الأصل، لعله سهو من الناسخ.
(3) - ( (العنكبوت_ 48). في الأصل إلى وتخطه بدون نفي").
(4) - ( قارن بهذا ص: 91_ و_ 108 مما سبق، (عارضة الأحوذي 8/202).
(5) - ( في الأصل "عليهم".
(6) - ( (أنظر ص: 70، 75 من هذا الكتاب)..(1/81)
فلا معنى للاحتجاج بموجبها على التفضيل، اذ ليست أميته معجزة له_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ وإنما المعجز، ما أتى به من القرآن الذي فارق نظمه سائر نظوم كلام العرب، مع كونه أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولا يصحب أحدا ممن يقرأ ويكتب، ولا يداخل أحدا من أهل السّير والمعرفة لكتب المتقدمين. وهو قد نشأ بين قريش وعرفوه (1) بذلك، أعني غير كاتب ولا قارىء ولا مداخل لمن تقدم ذكره ولا آخذ عن أحد منهم، فكان ذلك معجزاً. ولو تحدى بالأمية، لقابله عشرة آلاف (2) أو يزيدون، وقالوا له: كل واحد منا أمي، وهو نبي، وأميته دليل على كذبك، فثبت أن أميته ليست بمعجزة، وإنما المعجز ما ذكرناه. ولو سلم ذلك جدلا (3)، لم تبال معجزته ولا أميته بظهور كتبه منه في ذلك الوقت على طريق الاعجاز. /ص118/ بدليل قوله تعالى: (يس_69) ثم وجد من ألفاظه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ المتزن (4) من الكلام: ("هل أنت إلا أصبع (5) دميت*وفي سبيل اللّه ما لقيت") فكما هذا لا يسمى القائل له شاعرًا، فكذلك لا يخرج النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ عن كونه أميا بوجود كتابة منه في القضية المذكورة. عاد الكلام إلى الآية والأحاديث الأول: فإذا كان من تولى الرد على الفقيه القاضي الجليل لم يشهدوا هذه المعاني، ولا تتبعوها بفحص ونظر، كانوا ممن شهد بما لم يعلم.
__________
(1) - ( (أنظر ص: 64 مما سلف).
(2) - ( (أنظر ص: 22، 138 من هذا الكتاب).
(3) - جدلا: الجدل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها.
(4) - (قارن بما تقدم ص: 89 وما بعدها، و_ 126 مما سيأتي).
(5) - سقطت في الأصل والزيادة من: الجامع الصحيح للبخاري: 4/22، 8/43، صحيح مسلم: 5/135، سنن الترمذي: 12/246.(1/82)
وأما الأحاديث فكلها تشهد ما ذكرناه من ترك الابتداع والافتراء والتأمل في الأحاديث ونقلها على حسب ما رويت ونقلت، فلوا أمعنوا النظر، وعلت بهم الهمم، وأزالوا عن أنفسهم التعصب والحمية، وراجعوا الحق الذي قاله عمر_ رضي اللّه عنه_ في وصيته لأبي موسى الأشعري (1)_ رضي اللّه عنه_: /ص119/ ("لا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه بصيرتك،فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل") (2)،
__________
(1) - هو أبو موسى عبد اللّه بن قيس بن سليمان الأشعري، صحابي له ثلاثمائة وستون حديثا، اتفق الشيخان على خمسين، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة وعشرين، (21 ق هـ 44 هـ/602_664م) له ترجمة في: الاستيعاب 2/371، 4/135، الاصابة 2/359 ترجمة: 4898، 4/187 ترجمة: 1100، الأعلام للزركلي: 2/573، تذكرة الحفاظ 1/10 ترجمة 23، الجرح والتعديل ج: 2 قسم: 2 ص: 138 ترجمة 642، الخلاصة ص: 178، طبقات الحفاظ: ص: 7، ترجمة: 10، طبقات الفقهاء 41، معرفة القراء 1/37 ترجمة: 6.
(2) - يوجد نص هذه الوصية في: الأحكام السلطانية للماوردي ص: 71_ الطبعة الثانية مطبعة بابي الحلبي_ (1386هـ_ 1966م) اعجاز القرآن للباقلاني: 1/188_ مطبعة حجازي بالقاهرة_ هامش، على الاتقان. البيان والتبيين للجاحظ: 2/48،_ تحقيق_ عبد السلام محمد هارون_ الطبعة الثالثة، مطبعة الخانجي بالقاهرة (1388هـ_1968م). عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/66، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتاب بالقاهرة_ (1383هـ_1963م). العقد الفريد لابن عبد ربه 1/63، الكامل للمبرد 1/12. مقدمة ابن خلدون ص: 221، مطبعة مصطفى محمد بمصر. الوثائق السياسية_د_ محمد حميد اللّه حيدر آبادي ص: 316 رقم الوثيقة (327)_ الطبعة الثانية_ مطبعة لجنة التأليف بالقاهرة (1376هـ_1956م) وقد أنكر ابن حزم نسبة هذه الرسالة إلى عمر بن الخطاب_رضي اللّه عنه_ لكونه يبطل القياس، وورد في هذه الرسالة: "وقس الأمور بنظائرها ". وهذا يتنافى مع مذهبه. (.أنظر: إبطال القياس لابن حزم الأندلسي ص: 6_ تحقيق سعيد الأفغاني_ الطبعة الثانية_ دار الفكر_ بيروت (1389هـ_1969م)(1/83)
فإن الحق أبلج (1)، والباطل لجلج (2). /ص120/ والفقيه القاضي قد انتشرت/ امامته واشتهرت عدالته (3)، فلو سأل من حاول الرد والتضليل للفقيه القاضي كل من قدم من شرق وغرب لشهد الكل بأمانته، وحفظه للحديث، ومعرفته بالصحيح منه والسقيم وسائر علومه، وأصول الدين وفروعه.فهذا ما حضرنا من الجواب، نسأل اللّه علما نافعا، وهديا منيعا، ونحن نرغب إلى جميع اخواننا من المسلمين: أن يبتهلوا إلى اللّه تعالى بالدعاء لجزيرة صقلية (4) حماها اللّه وكفاها ما نزل بها من العدو قصمه اللّه. وصلّى اللّه على محمد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
... تم جواب عبد اللّه بن الحسن البصري _ رضي اللّه عنه.
/ص121/ الجواب الثالث
/ص22/ بسم اللّه الرحمن الرّحيم وصلى اللّه على محمد وآله وسلم تسليما
جواب محمد بن ابراهيم الكناني
__________
(1) - أبلج: بيّن واضح.
(2) - اللجلج: هو التردد في الكلام.
(3) - العدالة في اللغة: الاستقامة، وفي الشريعة عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالإجتناب عما هو محظور دينه، (التعريفات ص: 79).
(4) - جزيرة صقلية من جزر البحر الأبيض المتوسط ، تقع في جنوب غرب شبه جزيرة ايطاليا، وهي تابعة لها اليوم. "افتتحت صقلية سنة اثنتي عشرة ومائتين (212) ثم أن اللّه تعالى صرفها إلى النصارى، فكان أول افتتاح كان فيها لهم في سنة خمس وخمسين وأربعمائة (485)، (المطرب من أشعار أهل المغرب لابن دحية ص: 54_ دار العلم للجميع_ للطباعة والنشر_ بيروت_ لبنان_1374هـ 1955م). ومن أجل هذا الاستيلاء الجزئي أخذ هذا العالم الجليل وغيره يتضرعون إلى اللّه بالدعاء. (قارن بهذا ما سيأتي: 134).(1/84)
الحمد لله رب العالمين، واياه نستهدي وبه نستعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. قد تأملت وفقكم الله وأرشدكم وصانكم وسددكم_ ما أورده الشيخ الفقيه، أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي_ رضي اللّه عنه_ في الكلام على المسألة المتنازع فيها، وما حكاه عن القاضي أبي جعفر السمناني، وعن الشيخ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي وغيرهما. أن ما روي في الصحيح من مقاضاة النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ عام الحديبية، وما أباه عليه المشركون من أن يذكروا اسمه معرّفا بالرسالة في القضية، وأنه حينئذ أمر علياً بمحوه فأباه، فعمد_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ حين ذلك فمحاه بيده وكتب اسمه واسم أبيه (1) أن ذلك أحد معجزاته. وما ابتدأ به الشيخ أبو الوليد_ وفقه اللّه_ من الكلام على أحكام المعجز، وبيان صفاته، وما يتعلق ببابه، (2) فرأيته_ وفقه اللّه_ قد سلك في ذلك مسلك مثله ممن أنفق أيام عمره في الرحلة والدراسة ولقاء الأئمة.و (الجمعة_4). اعلموا_ وفقكم اللّه_ أن ما ابتدأ به الشيخ كلامه، وختم به بيانه، قد ذكر جله القاضي أبو بكر بن الطيب الأشعري_ رضي اللّه عنه_. /ص123/ في الكلام في اثبات النبواب، في كتاب هداية المسترشد (3) والمقنع في/ أصول الدين من تصنيفه، فما أملاه من الفرق بين المعجزة والكرامة والنبوة والسعودة. فمن التمسه هناك وجده، ومن أعوزه النظر فيها، التمس ذلك في كتب من تقديمه أو عارضه من متكلمي أهل السنة، الذابين عن الدين، والقامعين لشبهة الزائغين، يجد كثيرا من فصوله متفرقا في كلامهم.
__________
(1) - هذا تلخيص لنقطة الخلاف بين الباجي وخصومه قارن بذلك: (معرفة القراء: 1/353)، (التراتيب الادارية: 1/173) (المرقبة العليا202)، (تذكرة الحفاظ: 2/742، 3/1181).
(2) - (أنظر ص: 7_ وما بعدها من الكتاب).
(3) - ذكره حاجي خليفة باسم هداية المسترشد في الكلام: (كشف الظنون: 2/2042)، والبغدادي باسم هداية المسترشدين في الكلام، (هدية العارفين: 2/59).(1/85)
ورأيت ما أتى به" مقنعا" (1) أغنى عن الزيادة فيه، ويكتفي به عن الاطالة والاسباب، وباللّه التوفيق للصواب. وأما ما أورده من متن الحديث واختلاف الرواية فيه وتنازع الناس في تأويله، وتعلق كل فريق منهم بصيغة لفظه، فلقد أجاد فيما أبدى وأعاد، وما ذلك من مثله بمستغرب. والذي أقول: _ وباللّه التوفيق_ أن هذا الحديث قد خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، إلا أن فيما خرجه البخاري في الاصلاح بين الناس: "فأخذ رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ الكتاب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد اللّه (2) وظاهره أنه كتب (3)، /ص124/ وفيما خرجه البخاري في عمرة القضاء: " فأخذ رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ الكتاب وليس يحسن"أن" (4)
__________
(1) - في الأصل: " مقنع" بدون ألف.
(2) - راجع ص: 35.
(3) - قارن بما سلف ص: 94.
(4) - هذه الزيادة، ليست في صحيح البخاري، ولا سنن الدارمي، وأثبتناها تبعا للأصل الذي يتفق مع مسند الامام أحمد فيها. (الجامع الصحيح للبخاري: 5/179)، (سنن الدارمي: 2/237)،
(
مسند الامام أحمد: 4/298)(1/86)
يكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقوله: وليس يحسن أن يكتب، فيه دلالة أنه أجرى اللّه يده من غير تعليم ولا علم (1) لما كتبه. وفيما خرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه في حديث الصلح من طريق البراء، قد ذكر القضية وقال: فأمر علياً أن يمحوها فقال علي: واللّه لا أمحوها، فقال له_ عليه السلام_: أرني مكانها فمحاها وكتب ابن عبد اللّه (2) فهذا لفظ فيه اشكال. ومحتمل التنزيل بقوله: " أرني مكانها"، ولو علم_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ذلك، لم يسأل أن يريه اياها، إلا أن قوله"وكتب"، ظاهره أنه كتب_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ بيده. وهذا الحديث وان ورد من طرق صحاح، فإنه من أخبار الآحاد التّي لا توجب العلم المقطوع به. /ص125/ وكونه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ لم يكن ممن يخط كتابا بيمينه ولا يتلوه قبل بعثه، معلوم صحته من دين الأمة باضطرار، لنطق الكتاب، وورود الآثار بصحته، وحصول الاجماع عليه. وذلك قبل نبوته وبعد رسالته. ونفي التنازع على ذلك مستمرا إلى حين وفاته، ومقصورا على زمان مخصوص، وهو ما قبل بعثته إلى حين تقررت رسالته. ولا خلاف أن ذلك من أحد فضائله الشاهدة لصحة نبوته، لأن ظهور القرآن على بلاغته ونظمه، وما تضمن من أخبار الأولين وقصصه، ممن لم يخط كتابا ولم يتله قبل بعثته، ولا عرف بصحبته أهل السير ولا شافه الأحبار (3)، وأهل العلم. فالخبر آية شاهدة، ودلالة قاهرة.
__________
(1) - (قارن بالصفحة_51_ من هذا الكتاب).
(2) - ذكر هنا أن هذه رواية مسلم، بيد أنها تختلف معها لفظاً وتتفقان معنا، لذلك أوردت رواية مسلم بنصها: " فأمر عليا أن يمحاها، فقال علي: ؟ لا، واللّه لا أمحاها. فقال رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_: أرني مكانها، فأراه مكانها، فمحاها، وكتب ابن عبد الله. صحيح مسلم: 5/124، صحيح البخاري: 4/126.
(3) - الأحبار_ج_: حبر، وهو العالم أو الصالح.(1/87)
وقد أخبر تعالى بذلك فقال: (البقرة_23) فقيل: أمن مثل هذا الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب؟ وقيل أني من مثل القرآن في نظمه وبلاغته؟، وإذا كان من فضائله الشاهدة لصحة نبوته، مع مقارنة غيرها لها، لأن الأمية فقط ليست بمعجزة، فكيف يصح ارتفاع هذه الفضيلة الشاهدة لصحة النبوة بخبر الآحاد؟ ولا يوجب المقطوع بعينه مع التنازع في متنه وتأويله؟ إلا أني أقول: كما قال الشيخ_ حفظه الله_: أن صح هذا الخبر، لأنه أخبار آحاد ووروده لا يقطع به، وهذا لا يأباه من تأمله.فإن قيل: فما معناه عندك حينئذ؟ قولت: أن صح الحديث (1) بأن رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قد قاله: _ وذلك لا يعلم الآن صحته إلا الله تعالى وحده_ لم يعد ينقص ما أصلناه. /ص126/ وكان محمولا عنده على أحد ثلاثة أوجه: منها أن يكون_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ قد جرت يده بكتب هذه الأحرف من غير علم ولا تعلم، فيكون ذلك علما من أعلامه، كما ذهب إليه غير واحد (2). أو يكون قد تقدمت معرفته "لتلك" (3)_ الأحرف بتكرار الكتب لها بحضرته، فيجوز حينئذ أن يكتبها بيده، ومن كتب "الكلمة" (4) والكلمتين من الأميين_ محتذيا لمثال ما رآه_، لم يكن كاتبا (5) كما أنه قد يقع في الكلام ما هو موزون (6) ولا يكون المتكلم به شاعرا، وذلك في القرآن كثير، وفي الرسائل والكلام موجود. وهذان الوجهان لا يعودان بقض ما أصلناه، بل يكون ما وصفه اللّه به تعالى صفة باقية له_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ إلى حين وفاته. وأما الوجه الثالث، وهو ما حكاه أبو بكر النقاش في تفسيره (7)
__________
(1) - أنظر ص: 63_108_ مما سبق.
(2) - راجعه في ص: 51 مما مر بنا.
(3) - (في الأصل: " لذلك")
(4) - (في الأصل: "الكلم" بدون تاء).
(5) - تذكرة الحفاظ: 2/242، 3/1181.
(6) - (راجع ص: 89/118 مما سبق).
(7) - إلى المسمى: شفاء الصدور في تفسير القرآن الكريم") ( كشف الظنون: 2/1050)،
(
هدية العارفين: 2/44).(1/88)
وغيره، أن الشعبي قال: " ما مات رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ حتى كتب" (1). وقال أبو بكر باسناد يرفعه متكلما: وهو ما حدثه به عبد اللّه بن الحسن (2) قال: /ص127/ حدثنا النفيلي (3)، حدثنا "مسكين" (4) بن بكير، حدثنا محمد بن "المهاجر" (5) عن ربيعة ابن يزيد (6), /ص128/ عن أبي "كبشة" السلولى (7).
__________
(1) - (أنظر ص: 44، من هذا الكتاب).
(2) - لم نقف على ترجمته.
(3) - هو أبو جعفر عبد اللّه بن محمد بن علي بن نفيل بن زراع النفيلي القضاعي الحراني، الامام الحافظ، الثيت المسند، له في البخاري فرد حديث، توفي سنة: (234هـ/849م) له ترجمة في: تذكرة الحفاظ: 2/440 ترجمة_447، الخلاصة ص: 180 طبقات الحفاظ: 193، المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم: 1/157.
(4) - في الأصل: "بكر" بن بكير، وصححت هذا الأسم من سنن أبي داود: 1/258. وهو عبد الرحمن مسكين بن بكير الحراني، وثقه ابن حبان. له في البخاري فرد حديث، توفي سنة: (198هـ 813م)، الخلاصة ص: 370.
(5) - في الأصل "بن مجاهد" والتصويب من سنن أبي داود: 1/258، هو محمد بن مهاجر الأنصاري الشامي، ثقة توفي سنة: (170هـ_786م)، الخلاصة ص: 338.
(6) - هو أبو شعيب ربيعة بن يزيد الايادي الدمشقي القصير، أحد الأعلام، ثقة معدودا في التابعين (123هـ/741م) له ترجمة في: الجرح والتعديل: ج: 1 قسم: 2 ص: 474 ترجمة: 2128، الخلاصة ص: 99. معالم الايمان في معرفة أهل القيروان: ج: 1 ص: 206 ترجمة: 55.
(7) - في الأصل: "عن ابن عبد اللّه"، وتصحيحه من: سنن أبي داود: 1/258، مسند الأمام أحمد: 4/180، ولعله تخرج من ذكر أبي كبشة بأسمه الحقيقي، لنفوره من هذا الأسم، لأن كفار قريش، كانوا ينادون النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ بعدما بشرهم بالأسلام_ بابن أبي كبشة، فظن أن عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي بن سلول (12هـ/633م)، هو راوي الحديث، لكونه يلتقي مع أبي كبشة السلولي عن طريق الصدفة في اسم جدته سلول..فعدل عن هذا الأسم، فوقع في الخطأ، سامحه اللّه. (الاستيعاب: 2/335، 4/165) (الاصابة: 2/335، 4/165)، (السيرة الحلبية: 1/333)،
(روضة الأنف: 2/228_ طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة_ 1391هـ_ 1971م). أما راوي هذا الحديث فهو: أبو كبشة السلولي الشامي، ثقة، قال أبو حاتم الرازي: "لا أعلم أحدا سماه"، لم أقف على تاريخ وفاته، له ترجمة في: الجرح والتعديل: ج: 4 قسم: 2 ص: 430 ترجمة: 2133، الخلاصة ص: 393.(1/89)
عن سهل بن الحنظلية (1) قال: /ص129/ قدم على رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ عيينة بن حصن، (2) والأقرع بن حابس (3) فسألاه، فأمر لهما بما سألاه، وأمر معاوية أن يكتب لهما بما سألاه قال: فأما الأقرع بن حابس، فلف كتابه في عمامته وانطلق.
__________
(1) - في الأصل: "ابن سهيل بن الحيطية" وصحح أسمه من سنن أبي داود: 1/258، مسند أحمد: 4/180 هو سهيل بن الربيع بن عمرو بن عدي بن زيد بن جشم الأوسي الأنصاري الشامي، والحنظلية اسم أمه أو جدته صحابي جليل، شهد المشاهد، وبايع تحت الشجرة، ولم يلد قط، رويت عنه أحاديث، توفي بعد الأربعين للهجرة (40) وله ترجمة في: الاستيعاب: 2/94، الاصابة 2/86_ ترجمة: 3525، 2/132 ترجمة: 3804، الجرح والتعديل: ج: 2 قسم: 1 ص: 194 ترجمة 841، الخلاصة ص: 133.
(2) - هو أبو مالك عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو الفزاري، وكان اسمه حذيفة، وعيينة لقب له، كان من الؤلفة قلوبهم، وأسلم قبل الفتح أو بعده، وقد ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام، وكانت فيه جفوة الأعراب، توفي في خلافة عثمان، له ترجمة في: الاستيعاب: 3/167، الاصابة: 3/54 ترجمة: 6151، روض الأنف: 4/167، 168.
(3) - هو فراس بن حابس بن عقال بن محمد بن سفيان التميمي المجاشعي الدارمي، والأقرع لقب له، كان من المؤلفة قلوبهم، ثم أسلم وحسن اسلامه، وهو الذي فتح جوزجان، توفي بعد الثلاثين للهجرة، (30هـ)، له ترجمة في: الاستيعاب: 1/96، الاصابة: 1/58 ترجمة: 231، الأعلام للزركلي: 1/123، روض الأنف: 4/167، 168، معجم البلدان: 3/167.(1/90)
وأما عيينة بن حصن فأتى النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فقال: /ص130/ يا محمد أني حامل إلى قومي لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس (1)،
__________
(1) - المتلمس هو جرير بن عبد المسيح، من بني ضبيعة، وهو خال طرفه بن العبد، وكانا نديمي عمرو بن هند ملك الحيرة، فهجواه، فكتب لهما إلى عامله بالبحرين كتابين أوهمهما أنه أمر لهما فيهما بجوائز، ولعلهما كانا مكتوبين بالفارسية، فناول المتلمس صحيفته غلاما عباديا من أهل الحيرة،_ وامتنع من ذلك طرفه_ فقرئت صحيفة المتلمس، فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها في النهر، وفي ذلك يقول حين نجا: من مبلغ الشعراء عن أخويهم= خبرا فتصدقهم بذلك الأنفس
أودى الذي علق الصحيفة منهما= ونجا حذار حياته المتلمّس
ألق الصحيفة لا أبالك انما= يخشى عليك من الحياء النقرس
فأصبحت فأصبحت صحيفة المتلمس مضرب الأمثال في الشؤم لما تضمنته من الشر، (توفي المتلمس حوالي: 50ق هـ 569م) له ترجمة في: الأصمعيات ص: 244، الأعلام للزركلي: 1/181، الأغاني: 21/383_ 24/260_ مطبعة دار الكتاب بمصر: (1393_ 1394هـ/1973_ 1974م)، والجزء 21/281_طبعة دار الفكر بيروت_ لبنان_1957، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان: 1/93، الشعر والشعراء: 1/112، الموشح ص: 109،(1/91)
قال: فأخذه النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فنظر إليه فقال: كتب بالذي أمرت (1) /ص131/ قال ابن مهاجر: قال ابن بكير: فترى أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كتب بعد ما أنزل عليه القرآن؟ فهذا وان ذكر فليس بمشهور، وهو قول ضعيف لا دليل من الكتاب يصححه، ولا خبر متواتر يؤيده، وما قدمناه من التأويل أولى. وان صح الخبر وكان على ظاهره كما ذكره_ واللّه أعلم_. وقد رأيت في بعض التواليف، في فضل الكتابة والتنبيه على علو رتبتها أن بعض المتكلمين (2) زعم أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كان يقرأ ويكتب ويقول الشعر. واحتج بما وقع له من الكلام الموزون، ورأى أن الكتابة وقول الشعر فضيلة لا يصح عنده أن يكون الرسول_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ عاطلا منها_ وأن النافي عنه ذلك مقصر به عن رتبته، وقائل فيه ما لا يسوغ له القول به، وهذا الذي حسبه أن أراد به أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كان على ذلك قبل بعثته إلى حين وفاته. فهذا جهل غامر من قائله، بنصوص القرآن واجماع الأمة على خلافه، وتلاحد من قاصده، بعد وقوع العلم له به. وان كان أراد ذلك كان بعد تقرر رسالته، وثبوت نبوته بصحة اعلامه. فهذا نحو ما روي عن الشعبي وغيره (3). والأولى ما قدمناه. على أني أقول: /ص132/ أن الأمية (4)
__________
(1) - ورد هذا الحديث بسند مماثل، والكل يرويه عن ربيعة بن يزيد الايادي: (سنن أبي داود: 1/258، مسند أحمد بن حنبل: (4/180).
(2) - المتكلمين: المراد بهم هنا فرقة من الروافض." وزعم هؤلاء أن الرسول_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كان كاتبا، ويعرف الكتابة وسائر اللغات". (مقالات الاسلاميين 1/122).
(3) - أنظر ص: 44 من هذا الكتاب.
(4) - هذا التساؤل في محله، ويسلط الأضواء بدقة..على الأمية بأنه لا يعرف المقصود منها حين نزول الوحي على النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_،" ولما نزل الوحي على الرسول: ("بأقرأ") (العلق_1) قال الرسول: ما أنا بقارىء، ولم يقل: أنا أمي، مما يدل على أن الأمية انما صارت تعبر عن معنى عدم القراءة والكتابة فيما بعد. ثم انا لا نجد في اللغات القديمة لفظة واحدة في معنى (" الأمية") التي نستعملها في عربيتنا في الوقت الحاضر، أي معنى الجهل بالقراءة والكتابة معا، وإنما يقال: لا يقرأ أو لا يكتب، أو يجهل القراءة والكتابة، فلا يعقل خروج العربية على هذه القاعدة. واستعمالها الأمية قبل الإسلام مصطلحا للتعبير عن الجهل بالكتابة والقراءة معا. (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 8/106). (أنظر ص: 88 من هذا الكتاب). كما أن الله تعالى: خاطب نبيه في كتابه العزيز بقوله: (سنقرئك فلا تنسى) (الأعلى_6).(1/92)
لو فهمت
حين تلاوته للآيات_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أن المراد بها في قوله تعالى: /ص133/ (الأعراف_157). وفي قوله: (الأعراف_158). وقوله عز وجل: (الجمعة_ 2). بأن الأمية هاهنا مقصورة على الذي بقي على ما ولد (1)
__________
(1) - ليس من المعقول أن تكون تسمية الأميين، نسبة إلى أمهاتهم لكونهم لا يزالون على أصل خلقتهم من الجهل بالكتابة والقراءة، والاّ لما اقتصر هذا الاسم على العرب فحسب، بل يعم كل من بقي على ذلك من بني آدم، لأنهم كلهم ولدتهم أمهاتهم، ولست أدري كيف انساق مع هذا التأويل، غير واحد من الفقهاء والمفسرين، (ارشاد الساري: 3/359). (تاج العروس: 8/191). (لسان العرب لابن منظور: 1/105). المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية الأندلسي: ص: 270_ تحقيق المجلس العلمي بفاس_ مطبعة الأوقاف والشؤون الاسلامية_ (1395هـ_1975م). (نسيم الرياض 1/91). وقد انتقد الدكتور جواد علي بشدة هذه التسمية من أجل هذا السبب. (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: 8/106).(1/93)
عليه، من أنه لا يقرأ ولا يكتب بيده. /ص134/ ولو أجمعت الأمة أنه المراد بذلك، وأن الوصف له بذلك باق له إلى حين وفاته، كان القطع على بطلان ما تقدم من الأخبار المخالجة لذلك واجبا، والتدين بها لازما. ولما عدم ما قلنا، لم يجب القطع على بطلان ذلك وعلى صحته، وكان مجوزا ما ذكره. ومتى ثبت، كان التأويل ما قدمناه. وإذا بان ما قلناه، لم يسع الشيوخ_ أرشدهم اللّه وسددهم_ أن يطلقوا من القول في هذا العالم ما أطلقوه، ولا أن ينسبوه من خلاف القرآن والسنة إلى ما قد أعاذه اللّه منه وأبعده عنه. وهذا لا يليق وروده من مثلكم في مثله، ولا يحل ارتكابه في أدني المؤمنين منزلة، فكيف بأمام فيهم؟ فليستغفرو اللّه تعالى مما قالوه، وليراجعوا الفهم في أمره، فهو الأشبه بهم وبه. أعاذنا الله من سوء التأويل، وألهمنا القصد إلى سواء السبيل، وإنما يقع غالبا من أهل التقصير في العلم والتأويل، ولا يعتمد ذلك ويقصده إلا من قصر فهمه، ونقصت في العلم رتبته. وقد أعاذهم اللّه من ذلك، وقد علموا أن الظواهر بنفسها لا تستعمل، والتأويل مستعمل فيما احتمل، وحسن الظن بالمؤمنين أخلاق ذوي الدين. عصمنا اللّه وإياكم من البلوى في الدين والدنيا. وقد حلّ ببلدنا (1) من نزول العدو وجلاء الحصون لأجله ما لم يتقدم مثله، فأذهل الألباب والخول. وهذا الذي منع من الأطالة في هذه المسألة، مع أن فيما أوردناه كفاية لمن تأمله ونصح نفسه، و (آل عمران_173).
/ص135/ الجواب الرابع
/ص136/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى اللّه على محمد رسوله الكريم
جواب أبي الفضل جعفر بن نصر البغدادي
__________
(1) - ببلدنا: يعني جزيرة صقلية، أنظر ص: 120.(1/94)
ما ذكره القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي_ رضي اللّه عنه_ عن رسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أنه قرأ وكتب بيده قبل أن يموت، قول معروف صحيح عند علمائنا الذين بهم نقتدي. وان كتابة_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ من احدى معجزاته الذي أظهرها الله على يديه. كما تلا ولم يك قبل ذلك يتلو، ولا ينكر شيئا من ذلك من له أقل فهم، فكيف من تصدر لتدريس الحديث ومعرفة معانيه؟ وقد صح ذلك عنه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_. رواه الشعبي، وأخرجه (1) ابن أبي شيبة في كتابه. وحسبي أنه قد ذاكرني به الشيخ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي_ رضي اللّه عنه_ بمكة، ورأيته يذهب إلى أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ما مات حتى كتب وقرأ بيده_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ (2) وقد روى منها هذا محمد بن خلف وكيع (3) /ص137/ قال عباس بن محمد: قال أبو النضر هاشم بن القاسم: قال أبو عقيل: قال مجالد بن سعيد/ قال: أخبرنا عون ابن عبد اللّه، عن أبيه قال: (ما مات رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ حتى كتب وقرأ) (4) فذكر هذا الحديث حينئذ للشعبي فقال: صدق. قد أخبرني جد أصحابي بذلك عن القاضي أبي جعفر السمناني، والقاضي الجليل أبي بكر بن الطيب، وأبي عبيد القاسم بن سلام_ رضي اللّه عنهم_ ومكانهم من اللغة، ومعرفة اللسان وتوجيه الأحاديث المكان الذي لا يخفى على أحد، فكيف تنكر هذه الفضيلة لرسول الله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_؟ وقد قال الله تعالى: (العنكبوت_ 48). إلى أخر الأية. "فكما" (5) "تلا" (6)
__________
(1) - أنظر ص: 51 من هذا الكتاب.
(2) - أنظر ص: 44 مما سلف.
(3) - في الأصل: "بن وكيع" وزيادة "ابن" لا مبرر لها لأن مخرج الحديث هو وكيع نفسه، لا ابنه، وقد تقدم هذا السند نفسه وتراجم رواته في ص: 41 وما بعدها مما سلف.
(4) - أنظر ص44.
(5) - من أبرز الأخطاء الإملائية التي تثير الإنتباه، كلمة "فكما" في الأصل "فكمى" والصواب ما أثبتناه.
(6) - في الأصل "تلى"..(1/95)
_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ بعد أن لم يكن يكتب، وتكون الكتابة له في ذلك الموطن اعجازا (1)، أو زيادة فضيلة. وأما حجة (2) من احتج بالآية، وذلك قوله: /ص138/ (الأعراف_ 157_ 158)، فلا حجة فيه لخصم، اذ هو_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ منسوب بذلك إلى أمته. والذي يصحح ما ذكرناه، قوله تعالى: (الجمعة_2)، وقد يجوز أن تقع تسمية الأمية على من يقرأ ويكتب، فلا معنى للحجة بها، اذ ليست أميته معجزة له، ولو تحدى بالأمية، لقابله عشرة آلاف (3) أو يزيدون، وقال فلا حجة في الأمية لأحد، وإنما الحجة البينة، ما أتى به من القرآن الذي فارق نظمه جميع النظوم من الكلام وغيره. وأما كتابته_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ في ذلك الموطن خاصة، فلا يخرجه ذلك عن حد الأمية، ولا يسمى بذلك كاتبا، كما جاء من قوله ووجد ما هو متزن في الكلام فقال: هل أنت إلا أصبع دميت= وفي سبيل اللّه ما لقيت (4)
__________
(1) - في الأصل "اعجاز" بدون ألف، مع كونه خبر تكون.
(2) - في الأصل "حج".
(3) - أنظر ص: 22، 117.
(4) - قال ابن عبد ربه: "فهذا من المنثور الذي يوافق المنظوم" وذكر المصعب الزبيري (_156_236) أن الوليد بن الوليد بن المغيرة قال هذا البيت، ولعله تمثل به أو النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ هو الذي تمثل به، أو كلاهما تمثلا واللّه أعلم. (الاستيعاب: 3/630)، (الاصابة: 3/640 ترجمة: 9151)
(
سيرة ابن هشام: 2/220)، (العقد الفريد: 6/115)، (عيون الأثر: 1/175)، (نسب قريش ص: 324)، (أنظر ص: 90، 118 مما سلف).(1/96)
/ص139/ فمن أتى بمثل هذا، لا يسمى القائل شاعرا، فكذلك لا يكون له النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كاتبا بوجود كتابة له، ولا يخرج عن كون الأمية بها. فلا يحل لأحد أن يرد عليه قوله، اذ كل ما أتى به صحيح بين لمن أنصف من نفسه، وراجع بصيرته، ولا يحل لأحد أن يعيقه مما أتى به، اذ هو امام جميعنا، وامام الأمة في المشرق والمغرب، ولا سيما العراق وبغداد وغيرهما، مفتقرة لمثل هذا العالم، لمعرقته بالصحيح من الحديث والسقيم. فلو نهض كل من رد عليه في اثباته هذه المعجزة المشهورة لرسول الله_صلّى اللّه عليه وسلّم_ ليتعلموا منه أوائل المفترضات لكان بهم أحري، ويزيلوا عن أنفسهم الحسد والبغي، فهم (التوبة_ 32). فهذا ما حضر من الجواب. أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالهداية، (الأعراف_ 43).
/ص140/ الجواب الخامس
/ص141/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد رسوله الكريم
جواب أبي العباس أحمد بن محمد
الحراني
تأملت_ وفق الله الشيوخ للخير، وأعانهم عليه، ما جرى للشيخ الفقيه، أبي الوليد_ أكرمه اللّه_ من الكلام في الحديث المروي في الصحيح وفي غيره، وكلامه عليه، وبيان ما يجب بيانه من ذلك، وتقسيمه وتوجيهه، وما رواه من الزيادة التي يحتاج اليها فيه من شيوخه_ رحمهم الله_ فكل ذلك حسن صواب، لا يحل لمن ينسب إلى العلم والخير أن يضلله بذلك، ولا يجوز أن يوذى امام من أئمة المسلمين، معروف خيره وصحة مذهبه وعلمه بالفقه والكلام، ولا أن يطلق عليه التضليل والتبديع. وهذا لا يخفى على أهل العلم. وما ظننت أن أهل العلم ببلدكم_ رحمه الله_ يركبون من هذا الرجل ما ركبوه، ولا أن يطلقوا على هذا العالم الاطلاق الذي أطلقوه. ولو استفتوا في من قال: في أدنى المؤمنين مثل ما قالوه هم: في فقيه جليل، لبالغوا وبادروا برد الجواب بعقوبة من آذى مؤمنا فكيف "بايذاء" (1) امام من أئمة الدين؟ وصلى اللّه على محمد وآله وسلم تسليما.
__________
(1) - في الأصل بأداء.(1/97)
/ص142/ الجواب السادس
/ص143/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على النبي محمد رسوله الكريم
جواب جعفر بن عبد الجيار الصقلي
تأملت ما كتب به الشيخ الفقيه الجليل، أبو الوليد_ حفظه الله_ فيما جرى له من الحكاية عن بعض الشيوخ في أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كتب عام الحديبية، لما قاضى أهل مكة، وذكر الحديث الذي رواه في كتاب صحيح (1) البخاري، فوجدته_ أكرمه الله_ قد أجاد فيما كتبه، وتكلم بكلام المحقيقين من أهل النظر، وما يستبدع ذلك من مثله، لما وهبه الله من الفهم وسعة العلم، وكيف لا يكون ذلك؟ وقد ارتحل إلى العراق، وقرأ على الشيوخ الجلة من أئمة أهل السنة. وما كان ينبغي للشيوخ أن يعيقوا فيما حكاه، فكيف أن يضلوه في أمر يسوغ فيه التأويل؟، وظاهر الحديث الذي حكاه البخاري_ رضي اللّه عنه_ يدل عليه، ولا يجوز أن يصرف مقتضى ظاهر الحديث إلى التأويل الذي ظنوه من أن القول: بأنه كتب، يدل على أنه أمر، وان أسند الفعل اليه، كما يقال: فعل الخليفة فيما يصدر عنه من قتل الانسان وضربه وغير ذلك. وإنما المعنى فيه أمر. هذا ما لا يجهله من له فهم. ولفظ الحديث: "فأخذ رسول اللّه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ الكتاب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث". (2) /ص144/ فهذا الظاهر من صيغة اللفظ "يؤدي" (3) إلى أنه كتب، ويكون ذلك معجزة أظهرها الله على يديه، كما تلا (4) ولم يكن قبل ذلك يتلو، وكان ذلك معجزة له. وليس بمثل هذا يضلل أهل العلم، وحسبكم الإستغفار فيما جرى للكل من تضليله، واطلاق القول: بأنه خالف القرآن، وليس فيما حكاه ما يخالف القرآن، لأن الله جلت قدرته، انما نفى عنه التلاوة ومعرفة الخط قبل النبوة، لأن ذلك أتم في الاعجاز وأبلغ.
__________
(1) - في الأصل: "الصحيح" بالتعريف.
(2) - البخاري: 3/242.
(3) - في الأصل: يؤديان بزيادة الألف والنون.
(4) - في الأصل: "تلى" بالألف المقصورة.(1/98)
ولو وضع هذا القول من جاهل أو مقصر في العلم لما جاز لكم اطلاق مثل هذا القول فيه، والله يعيذكم أن يبلغ أهل الآفاق عنكم ما ينسبونكم (1) به إلى التقصير في العلم،فإن التضليل والتبديع لا يسرع إليه العالم المتسع في العلم. وهذا امام قد رأيتاه في وروده من العراق، سالم السريرة، امام في علم الأصول والفروع، ولا يحل لأحد أن يطعن عليه. نفعنا اللّه وإياكم بما علمناه من حكمته، وعصمنا وإياكم من الزيغ والزلل، واللّه ولي التوفيق وصلى اللّه على محمد نبيه وسلم تسليما.
/ص145/ الجواب السابع
/ص146/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى اللّه على محمد رسوله الكريم
جواب الفقيه الجليل أبي محمد عبد الحق "بن محمد" (2)
بن هارون السهمي
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وصلى اللّه على محمد خاتم النبيئين/
أما بعد:
__________
(1) - في الأصل: "ينسبوكم" بحذف النون، ولم يتقدم هذا الفعل ناصب ولا جازم.
(2) - لا توجد في الأصل، والزيادة من: (ترتيب المدارك: 4/774). (الديباج المذهب ص: 174).
(شجرة النور الزكية ص: 116 ترجمة 324).(1/99)
أدام الله سلامة الفقيه وكرامته وتوفيقه وسعادته. فقد وصل الي كتابك، وكتاب ولدك (1)_ وفقه اللّه_ ووصلت الكراريس (2) التي تضمنت المسألة المتنازع فيها، وما أورده مخالفك فيها، وما نقضته وأوردته عليه، ورغبت الى_ حرسك اللّه أن أذكر ما عندي من ذلك. فراعيت رغبتك، وحسبت أن توقفت عن ذلك أن تظن أني لم أرع حق سؤالك، وأني تهاونت بخطابك. وحسبت مع ذلك أن تتوجه على ما طلبته مني، فتأملت في الكراريس، وأجبت ما يصل اليك ان_ شاء اللّه_ على الاختصار دون التطويل والاستئثار. فقد ذكرت ما صدق فيه مخالفك عن وجه الصواب، وتبينت ما هو معيب فيه، وكذلك استعملت في كلامك عليه ما كان عندي فيه من درك عليك ذكرته، وما كان صوابا صوبته. اذ هذا الذي يوجبه الدين، وهو طريق الانصاف والعدل (3) بينك وبين مخالفك. وأضربت عن كثير مما جرى لكما مما ليس الحاجة بنا إلى الكلام عليه، وما قد لا يتعلق بما هم من المسألة.
__________
(1) - يمكن أن يكون ولده حقا أو قصد به اقبال الدولة على بن مجاهد الذي راسل بعض الفقهاء، فحسبه السهمي، ولدا للباجي والله أعلم.
(2) - وهذه الكراريس هي الرسالة الأولى التي كتبها الباجي في نفس الموضوع ولم يشر أحد من أصحاب الأجوبة الستة السابقة إلى طريقة المراسلة.
(3) - نراه هنا ينصب نفسه قاضياً عادلا ليحكم بين خصمين متنازعين، وبعد حين سيصرح بكونه خصما ومخالفا، وكيف يمكن أن يكون قاضيا وخصما في أن واحد. راجع ص: 150 مما سيأتي.(1/100)
/ص147/ ووجدت الذي من الحاجة بنا إلى الكلام عليه يدور فيه على وجهين: أحدهما: هل صح من طريق الأثر أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كتب بيده، وخط بقلمه بعد ثبات النبوة وقيام الدليل عليها، وجاء ذلك عن أحد من العلماء الموثوق بهم، أو ادعى ذلك أحد ممن أدركناه، وجعل خطه بيده بعد النبوة معجزة له_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ كما كان قبل النبوة من دلائل نبوته كونه لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه؟ والوجه الثاني: هل جواز ذلك عليه_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ يقدح في نبوته، ويوجب اللبس فيها، أم لا يوجب ذلك؟ وأنا أتكلم على أمرين، وأذكر ما عندي في الوجهين وأدل على الصحيح في ذلك أن شاء الله، وبالله التوفيق. أما الجواب عن الوجه الأول: فهو انا لا نعلم خبرا مفسرا أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ خط بعد النبوة وقبل وفاته، لا في صحيح الأخبار ولا في سقيمها. ولا أعلم أحدا ممن أدركنا، وممن مضى من العلماء ذكر ذلك وجعله من معجزاته. وقد ذكر المتكلمون وغيرهم من أهل العلم بمعجزات النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فما علمت ولا سمعت (1) أن أحدا جعل منها أنه خط بيمينه/ وكتب قبل موته، /ص148/ وهذا مستقر العادة، لا يصح أن يترك ولا يذكره ويدور على حسب ما ذكرت معجزاته_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ لأن سبيلها عند الناس على باب واحد في اشاعة أمرها ونقلها، بل أنه مروي في بعض التفاسير، وأراه في كتاب تفسير القرآن للنقاش، أن الشعبي قال: (ما مات النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ حتى كتب) (2)
__________
(1) - لقد رد عليه الباجي في هذه النقطة بالذات وبطريقة غير مباشرة بقوله: (فمن خفيت عليه الأمور الفاشية الظاهرة فلا يلم إلا نفسه، ولا يوبخ إلا قلة علمه). راجع ص: 45،92 مما تقدم،_و_159 مما سيأتي، ومتى كانت (فما علمت ولا سمعت) حجة كافية مقنعة حتى يعترض بها من يدعي الباع الطويل في ميدان البحث العلمي الصحيح.
(2) - (قارن بهذا ص: 44)..(1/101)
ولم يقل: أن ذلك من معجزاته الدالة على نبوته. وهذا لا يصح عن الشعبي_ والله أعلم_ ولو صح، لم يعرج عليه والداليل على بطلان هذا، أن معجزات النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ منقولة من طريقين: أحدهما: الخبر المتواتر المقطوع به المعلوم ضرورة. والضرب الثاني: جاء من طريق الآحاد، لكن قام الدليل على صحته، كمثل النقل: أنه_ عليه السلام_: " نبع الماء من بين أصابعه في الغزاة الفلانية بحضرة الجمع العظيم". وأشبع الجمع الكثير من الطعام القليل. "وحن إليه الجذع" ونحو ذلك مما تقله الآحاد، وادعوا أن ذلك بحضرة الجم الغفير الذين لا يصح منهم التواطؤ على ايراد ما لا أصل له، ولا ترك نفي الكذب الذي ادعي عليهم، فهذه الأدلة هي التي دخلت على قول خبر الواحد في المعجزات التي ذكرناه فصح الأثر فيها بهذه الطريقة، وهذا غير موجود في كون النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ خط بالقلم، وكتب بعد نبوته وقبل وفاته. اذ لم يرد (1) بهذا أخبار تواتر، ولا أخبار آحاد. فما قام الدليل على قبولها بالوجه الذي ذكرنا. وهذا الذي يعتمد عليه في اثبات المعجزات، هو الذي يوجب طرح التعلق بظاهر الخبر الذي في البخاري، /ص149/ وهو الخبر الذي ذكر فيه أن النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ لما محى اسمه من الكتاب كتب. وإنما يعني الراوي: أنه أمر أن يكتب، لأنه لم يقل: في الحديث أنه كتب بيده. وهو كما ذكرت أنت أنه مستعمل في اللسان العربي. يقولون: ضرب الأمير اللص، وما ضربه بيده.
__________
(1) - فقوله هنا لم يرد، يتناقض مع قوله سابقا أن الشعبي قال: "ما مات النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ حتى كتب".(1/102)
وجاء في الحديث: رجم (1)
__________
(1) - أن نص الحديث الذي في البخاري "وأقر ما عز عند النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ بالزنا أربعا فأمر برجمه" فالأحاديث التي وردت في رجم ماعز، ليست فيها: رجم النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ماعزا، وإنما ورد فيها: ("فأمر برجم")، أو ("اذهبوا به فارجموه") أو ("انطلقوا بماعز بن مالك فارجموه"). فلما ("ذكر للنبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ فراره حين مسته الحجارة، قال: ("فهلا تركتموه"). فلم عدل السهمي عن هذه الأحاديث الصريحة، واستعمل هذه الجملة المبهمة، فلم يكن ذلك إلا تمويها منه وتشنيعا على الباجي ليحرجه، وللتأكد مما أشرنا اليه، فلتراجع المسألة في صحاح كتب الحديث. (الجامع الصحيح للبخاري: 9/86). (صحيح مسلم: 4/452). (سنن الدارمي: 2/176)،
(
الموطأ: 7/135).(1/103)
النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ ما عزا (1) وما رجمه بيده، وإنما أمر بذلك، وهو كثير، شهرته تغني عن الاحاطة فيه. /ص150/ ويوضح هذا التأويل ويؤيد ما ذكرناه من أن طريق اثبات المعجزات أحد الوجهين اللذين قدمنا.وذلك غير موجود في هذا الأثر ولا في غيره، وقد تكلمت أنت على الأثر بما فيه كفاية لمن عقل ذلك. والاعتماد على ما ذكرته من الوجهين اللذين بهما تعلم المعجزات. وأما ما ذكرته أنت من أنه ظاهر التلاوة، حجة في هذا من قوله: عز وجل (العنكبوت_ 48). فليس في هذا قطع مخالف، لأنه يقول: هذا انما هو قبل النبوة وكلامنا بعد النبوة وقيام الدليل عليها. وهذا لا نص فيه في سائر ما جعلته حجة عليه، فلا يتعلق بطريق المعجزات، وان ما ذكره خارج عن ذلك، أقوى من هذا كله. وقد أقرأ مخالفك أن الناس في ذلك على قولين:(2) (فقائل يقول: أنه كتب بيده. فإذا كان الأمر لم يتفق عليه عنده، فقد صار هذا ليس من المعجزات المتفق عليها. فلا خلاف بين المسلمين فيها، فقد وقع العلم بصحة ذلك على لسان نفسه، وأخرجها من حكم المعجزات التي لم تعلم بالطريقتين اللذين قدمنا.
__________
(1) - هو ماعز بن مالك الأسلمي، تثبت له صحبة، معدود في المدنيين ولما اعترف على نفسه بالزنا، أمر النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ برجمه، فرجم، روى عنه ابنه عبد الله حديثا واحدا، له ترجمة في: الاستيعاب: 3/438، الاصابة: 3/337 ترجمة: 7087، طبقات الفقهاء: ص: 37.
(2) - بل ثلاثة أقوال، وثالثها: تكفير من حكى أقوال العلماء في المسألة، وهو مردود قطعا. (راجع ص: 92_100).(1/104)
وأخبار الآحاد وأقوال الناس، ليس مما حمل عليه في اثبات المعجزات عند أحد من المسلمين، إلا على الوجه الذي وصفناه، وأتى هذا فيما خالف فيه هذا المخالف، هذا لا نجده أبدا، وذكر مخالفنا (1) أن أبا جعفر والسمناني كان يقول بشيء من هذا ويستحسنه (2) /ص151/ وهذا لو صح من أبي جعفر، لكان هدما لمذهبه ومذهب شيخه أبي بكر بن الطيب الاشعري_رضي اللّه عنه_ فلا يترك المعلوم مما أصلوه في المعجزات الحاكيات. وأما أبو ذر_ رحمه اللّه_ فلو صح عنه ما ادعى عليه من أنه استحسن ذلك، فليس هو_ رحمه اللّه_ ممن يعتمد عليه في هذا المعنى. اذ ليس هذا طريقه، وهو شيخنا_ رحمه اللّه_. وقد عاشرناه وسمعنا عليه، وعلمنا طريقة، في صفة النقل وحفظ الحديث ومعرفة الرجال. وليس هو ممن يعتمد عليه في هذه المسألة، ولكل انسان في العلم طريق واحد يعول عليه فيه دون غيره مما لا بصر له به. وجرى لك ولولدك_ حسه الله_ في كتابه إلى الاحتجاج فيه درك أردت بيانه لكما وهو قولكما: ("أن المعجزة إذا كانت كونه أميا فكيف تصح أن تكون له معجزة أنه كان كاتبا؟ وهذا يتناقض ويتضاد (3) وهو شخص واحد"). (4) وهذا أصلحك الله كلام غير صحيح، لأن الضدين انما يتنافيان على المحل الواحد في الوقت الواحد.
__________
(1) - أن التكلف في جواب السهمي بين واضح، فبعد ادعائه بالقيام بدور الحكم بين الباجي وخصمه، نراه هنا يتقمص شخصية الخصم المخالف (قارن بهذا ص: 146).
(2) - راجع ص: 52.
(3) - "الضّدان: صفتان وجوديتان يتعاقبان في موضع واحد يستحيل اجتماعهما، كالسواد والبياض. والفرق بين الضدين والنقيضين، أن النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان، كالعدم والوجود، والضدين لا يجتمعان ولكن يرتفعان، كالسواد والبياض" (التعريفات ص: 72).
(4) - هذا النص لم يرد في كتاب الباجي السابق كما رأينا.(1/105)
وأما في الوقتين فلا يقال: أن ذلك متضاد، إلا ترى أن المحل قد توجد فيه الحركة ثم يوجد فيه السكون (1)، أو السواد في وقت والبياض في وقت آخر. /ص152/ فلا يتضادان،ولا يصح_ وجودهما في محل واحد في وقت واحد، فقد وضعتما استعمال الضدين في غير موضعه، وهذا ما لا يحتاج إليه في المسألة التي وقع التنازع فيها. وأما الكلام في الوجه الثاني: أنه لو صح ذلك، هل هو مفسر لنبوته_ عليه السلام_؟ وقد طعن عليه. فالكلام على هذا الذي لم يصح، مستغنى عنه، لا حاجة بنا اليه. اذ لم يصح ذلك بضرورة ولا دليل فيما ليس هو معلوم بالضرورة ولا قام دليل عليه، مستغني عنه، "لكننا" (2) إذا تطوعنا بالكلام عليه، كان الجواب فيه غير ما وقع لك. وهو أن ذلك لو صح، لم يقدح في النبوة ولم يوجب لبسا. وأما ما زعمت من أنه يدخل الشبهة فيه بأن يقال: لعله يعلم الخط سراً ثم أظهره، فليس هذا "بشيء" (3)، لأن الكلام في ذلك انما يقرر إذا ثبت أنه_ عليه السلام_ قد علم منشأة ومعاشرة من عاشره، وأنه من لا يتأتى منه على حال في العادة ثم وجد منه بعد ذلك، فإذا كان الأمر على هذا، فلا لبس يدخل في ذلك، بل يكون معجزة أيضا له، لكن هذا غير محتاج اليه. اذ لم يثبت ذلك بضرورة، ولا دليل، ولا حجة بنا إلى الكلام عليه. وفي هذا القدر الذي ذكرته كفاية لمن تأمله أن شاء الله. عظيم عندي ما جرى من الاطلاق في مضل هذا من التضليل والتبديع، وأنتم أهل مذهب واحد، (4) والمسألة لا يبلغ الأمر فيها إلى هذا وإنما عرضت شبهة للمخالف. وردك على قوم زعم أنهم قالوا: بمثل ذلك فيها، لو ثبت ذلك، لم يقدح في النبوة.
__________
(1) - السهمي هنا خلط في تمثيله بالمثالين_ الحركة والسكون مثال،_ والسواد والبياض_، للضدين. اذ الحركة والسكون مثال للتناقض والسواد والبياض من قبيل التضاد، وقد التبس عليه الأمر فجعل الكل من باب التضاد 5.
(2) - في الأصل: "لكنّها".
(3) - في الأصل: "شي".
(4) - يعني المذهب المالكي.(1/106)
فكيف يستجاز الاطلاق بالتضليل والآحاد في مثل هذا؟ وإنما يطلق الآلحاد والضلال على من زعم أن النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ لم يزل قبل النبوة كاتبا يخط بيمينه، فمن زعم هذا فهو كافر، لأنه رد القرآن وكذبه، ورد المعلوم من النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ عند قريش ومن معه قاطن في بلد واحد. /ص153/ وقد مست الحاجة الينا واليكم لذهاب الناس، فينبغي لنا أن نعرف أقدارنا، ولا نبسط ألسنتنا فيما قد يقع الاثم فيه، واما قولا نقول به في هذا الباب، وأنا حرسك الله لائم نفسي بما يقول القائل: (1)
__________
(1) - هو أبو نخيلة يعمر بن حزن السعدي، شاعر متقدم في القصيد والرجز، من شعراء القرن الثاني الهجري ذكرت أخباره في: الأغاني 20/390_ الشعر والشعراء 2/501_ ترجمة 105 طبقات الشعراء لابن المعتز ص: 63_ الموشح ص: 343.(1/107)
وان بقوم سودك لفاقة = إلى سيد لو يظفرون بسيد (1) ولقد كان الشيخ أبو الحسن القابسي، (2) شيخ شيوخنا_ رحمه اللّه_، /ص154/ ربما تمثل بقول القائل (3):
__________
(1) - هذا البيت من البحر الطويل، أورده الجاحظ في: البيان والتبيين 3/219_ و_336. الحيوان مجلد: 1 ج: 3/426. عيون الأخبار مجلد 1/268.
(2) - هو أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعطفري القروي القابسي، الحافظ المحدث الفقيه الامام، كان عالما بالعلل بصيرا بالرجال عارفا بالأصلين، رأسا في الفقيه وكان ضريرا، وكتبه في نهاية الصحة: (324_ 403هـ/936_ 1812م). له ترجمة في: الأعلام للزركلي 2/690، تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 3/217، تذكرة الحفاظ 3/1079 ترجمة 982، ترتيب المدارك 4/616، الديباج المذهب ص: 199، شجرة النور الزكية ص: 97 ترجمة 230، طبقات الحفاظ 419 ترجمة 949، طبقات الفقهاء ص: 161، العبر في خبر من غبر 3/58.
(3) - هو حارثة بن بدر بن حصين بن قطن بن غدانة بن يربوع الغداني التميمي، وهو من فرسان بني تميم ووجوهها وسادتها، ليس بمعدود في فحولة الشعراء، ولكنه كان يعارض نظرائه الشعر. من شعراء القرن الأول الهجمي، أدرك النبي_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ وهو صبي، خبره في: الأغاني 21 ص: 29 (_ط دار الفكر_ لبنان.) كشف الظنون 1/783.(1/108)
"خلت الديار" (1) ومن الشقاء تفّردي بالسؤدد (2) وكان غيره من الشيوخ يتمثل بقول القائل (3) /ص155/ لعمر أبيك ما نسب المعلي (4) إلى كرم وفي الدنيا كريم
__________
(1) - في الأصل: "ذهب الكرام" والصواب ما أثبتناه.
(2) - أورده صاحب الأغاني: 21/69، البيان والتبيين 3/219_و_ 336. الديباج ص: 331. العقد الفريد 2/129. عيون الأخبار مجلد: 1/268.
(3) - هو أبو علي الضرير، كان كاتبا رساليا، ليس له في زمانه ثان، شاعرا جيد الشعر، وهذا قلما يتفق للرجل الواحد، لأن الشعر الذي للكتاب ضعيف جدا، وكتابة الشعراء ضعيفة جدا، فإذا اجتمعا في واحد فهو المنقطع القرين، ورسائله وشعره كثير مشهور. (طبقات الشعراء لابن المعتز ص: 397).
(4) - المعلى سابع قداح الميسر، وله سبعة أنصباء، وقداح الميسر عشرة ذوات الحظوظ ، منها سبعة وهي: الفذّ_ والتوأم_ والرقيب (الضريب)_ والحلس، والنافس_ والمسبل والمعلى.
والأغفال التي لا حظوظ بها ثلاثة وهي: الفسيح_ والمنيح_ والوغد ومن فاز في الميسر بالرقيب والمعلي، استولى على أعشار الجزور بأكمله. والى هذا المعنى ذهب امرؤ القيس في معلقته بقوله: وما ذرفت عيناك إلا لتضربي = بسهيمك في أعشار قلب مقتل. لكنه لا يريد الجزور، بل استيلاء حبيبته على قلبه وهي تبكي، أكثر مما تستولي عليه وهي تبتسم. (أنظر القداح والميسر لابن قتيبة ص: 56، 75، 120، 123._ (المطبعة السلفية بمصر_1342).(1/109)
ولكن البلاد إذا أقشعرت= وأيبس نبتها رعي الهشيم (1). ولقد رأيت شيئا كتبه بعض شيوخنا من القرويين، بعد جوابه في مسائل عنها فقال: "ولقد ضاع قوم كنت أنا المقصود بمسائلهم". كل ذلك تعليل لنفسه وعلمه. هؤلاء وان كانوا يقولون: هذا على باب التواضع، ولأنهم يعلمون أنه يسير في جنب من تقدمهم من العلماء، فنحن يجب أن نقول: هذا على الحقيقة لذهاب العلم،وانقراض الناس في أقطار الأرض، (البقرة_156)، على ما آلت إليه الأمور. /ص156/ فقد صار العلم اليوم بالدعوى، ولمن (2) يجمع حوله قوما يعظمونه ويمدحونه من الجهلة، فيدخل بذلك عند العامة من جملة أهل العلم وإن كان ليس منهم. وهذا كله من أشراط الساعة (3) (البقرة_ 220) نسأل اللّه تعالى القصر من الذلل، والتوفيق في القول والعمل. وإنما ذكرت هذا تنبيهاً على ذهاب العلم، وان يكون فيه حذر من يتكلم الكلام في الحوادث ممن احتاج الناس إليه لذهاب العلماء. نسأل اللّه تعالى التوفيق لمجابه، وما يقرب منه ويزلف عنده بمنه وفضله. وصلى اللّه على محمد وآله "وسلم" (4) تسليما.
تمت الأجوبة على بركة اللّه وحسن عونه
وصلّى اللّه على محمد نبيه وعبده وسلم تسليما
فهرست الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
مقدمة المؤلف ... 2
__________
(1) - الهشم: كسر الشيء اليابس فهو مهشوم، وهشيم. والبيتان من البحر الوافر وردا في كل من: التكملة لابن الأبار 2/36 ترجمة 476_ (سلسلة التراث الأندلسي_ رقم_5_ طبعة مصر_1375هـ 1956م). الدّيباج ص: 200، عيون الأخبار المجلد: 2/36.
(2) - هكذا يمضي في تحمله واستصغاره بلهجة مزعجة، بترديد العبارات، وتكرارها، وينهي ولا يريد أن ينتهي، وكأنه يتحدث عن شخص مجهول، أو قليل البضاعة من العلم.
(3) - يشير الىقوله_ صلّى اللّه عليه وسلّم_ أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويكثر الزنا، (البخاري 1/30).
(4) - في الأصل "وسلما ".(1/110)
الباب الأول: في ذكر المعجز وبيان صفاته التي بها يتميز من غير المعجز. ... 6
الفصل الأول: أن يكون الفعل الموصوف بأنه معجز من فعل اللّه تعالى أو ما يجري مجرى فعله.
الفصل الثاني: أن يكون أمرا خارقا للعادة. ... 9
الفصل الثالث: أن يكون معه دعوى الرسالة. ... 10
الفصل الرابع: أن يتحدى به من هو دليل عليه. ... 11
الفصل الخامس: أن يقارن الاتيان به معنى الرسالة. ... 12
الفصل السادس: أن يكون بينه وبين مدعي الرسالة تعلق. ... 15
الفصل السابع: أن يكون موافقا لدعواه غير مناقض له ولا مكذب به. ... 17
الفصل الثامن: أن يكون جنسه غير داخل تحت قدر العباد. ... 18
الباب الثاني: في وجه تعلق كون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أميا بالمعجز. ... 19
الباب الثالث: في ايراد الحديث المذكور، واختلاف الرواة فيه. ... 21
الباب الرابع: في ذكر أقوال الناس في تأويل هذا الحديث وتعلق كل واحد منهم بلفظه. ... 26
الباب الخامس: في إبطال قول من قول: أن في أحد هذه الأقوال: ما يبطل به المعجز ويتغير به الشرع أو يرد شيئا من القرآن ... 37
فصل: فإن قيل: قد روي عن النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ أنه قال: (نحن أمة أمية ) ... 62
فصل: فإن قال قائل: فإن اللّه تعالى قد وصفه بأنه لم يخط كتابا. ... 73
الباب السادس: في بيان أصح الأقوال في هذه المسألة وما يجب أن يعتمد عليه منها. ... 91
أجوبة فقهاء صقلية: _ الجواب الأول_ للحسن بن علي التميمي المصري. ... 93
الجواب الثاني: لعبد اللّ بن حسن البصري. ... 101
الجواب الثالث: لمحمد بن ابراهيم الكناني. ... 111
الجواب الرابع: لأبي الفضل جعفر بن نصر البغدادي. ... 121
الجواب الخامس: لأبي العباس أحمد بن محمد الحراني. ... 135
الجواب السادس: لجعفر بن عبد الجبار الصقلي. ... 140
الجواب السابع: لأبي محمد عبد الحق بن محمد بن هارون السهمي. ... 142
التحذير من نسبة الكتابة إلى النبي_صلّى اللّه عليه وسلّم_ يوم الحديبية لأبي محمد عبد اللّه بن مفوز المعافري الشاطبي.... ... 145
فهرست المصادر والمراجع
((1/111)
1)- ... القرآن الكريم.
(2)- ... ابطال القياس لابن حزم الأندلس، تحقيق سعيد الأفغاني_ الطبعة الثانية_ دار الفكر بيروت (1389هـ/1969م).
ابن حزم تأليف محمد أبي زهرة_ دار الفكر العربي (1373هـ/1953م).
(3)- ... أبو المطرّف، تأليف الدكتور محمد بن شريفة_ مطبعة الرّسالة بالرباط (1385هـ/1966م).
(4)- ... الاتقان في علوم القرآن للسيوطي، مطبعة حجازي بالقاهرة د_ت_ط.
(5)- ... الاحاطة في أخبار غرناطة، للسان الدين بن الخطيب_ الطبعة الأولى_ مطبعة الموسوعات بمصر (1319هـ/1901م).
(6)- ... الأحكام السلطانية للماوردي، الطبعة الثانية_ مطبعة بابي الحلبي (1386هـ/1966م).
أحكام صنعة الكلام للكلاعي_ مطبعة الثقافة بيروت_ لبنان (1966م).
(7)- ... أحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي مخطوط رقمه بالخزانة الملكية_976.
(8)- ... الاحكام في أصول الأحكام لابن حزم، مطبعة العاصمة بالقاهرة د_ت_ط.
(9)- ... الأحكام في أصول الأحكام للآمدي، طبعة مؤسسة الحلبي بالقاهرة (1387هـ/1967م).
(10)- ... أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن العربي المعافري_ مطبعة عيسى البابي الحلبي الطبعة الأولى بالقاهرة (1376هـ/1958م).
(11)- ... أخبار القضاة لمحمد بن خلف وكيع، طبعة الاستقامة بالقاهرة_ (1366هـ/1974م).
(12)- ... أدب الفقهاء لعبد الله كنون، دار الكتاب اللبناني_ بيروت_.
أربعون حديثا في اصطناع المعروف، لأبي محمد عبد القوي_ طبعة المغرب (1962).
(13)- ... ارشاد الأريب لياقوت الحموي_ طبعة دار المأمون بالقاهرة (1357هـ/1938م).
(14)- ... ارشاد الساري للقسطلاني،_ الطبعة السادسة مصر (1304هـ).
(15)- ... أزهار الرياض للمقري القاهرة (1939=1942).
(16)- ... الاستقصا لأقصبار دول المغرب الأقصى، تأليف أبو العباس أحمد بن خالد الناصري_ مطبعة دار الكتاب الدار البيضاء (1954).
(17)- ... الاستيعاب على هامش الاصابة لابن عبد البر الأندلسي_ مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى (1328هـ).
((1/112)
18)- ... أسرار البلاغة، لعبد القاهر الجرجاني_ مطبعة الاستقامة بالقاهرة (1351هـ/1932م).
(19)- ... الاشتقاق لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون _ طبع بمطبعة النشه المحمدية_ (1378هـ/1958م). نشر مطبعة الخانجي بمصر.
الاصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر العسقلاني_ مطبعة السعادة بمصر (1328).
(20)- ... الأصمعيات لأبي سعيد عبد الملك بن قريب_ دار المعارف بمصر_ الطبعة الثانية (1964م).
أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب_ طبعة در الفكر الحديث_ لبنان_ الطبعة الأولى (1386هـ/1967م).
(21)- ... اعجاز القرآن للباقلاني_ مطبعة حجازي بالقاهرة، على هامش على الاتقان.
(22)- ... الأعلام لخير الدين الزركلي_ المطبعة العربية بمصر_ الطبعة الاولى (1345هـ/1927).
أعلام النبوة للماوردي_ مطبعة دار الكتب العلمية_ الطبعة الأولى بيروت لبنان (1393هـ/1973م).
(23)- ... أعمال الأعلام للسان الدين بن الخطيب_ نشرة ليفي بروفنسال المطبعة الجديدة رباط الفتح_ (1353هـ/1934م). والقسم الثالث طبع تحت عنوان: تاريخ المغرب العربي في العصر الوسيط_ طبعة دار الكتاب بالدار البيضاء المغرب (1964).
(24)- ... الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية (1389هـ/1970م). الأجزاء: 4، 15. الجزء: 17 دار الكاتب الغربي (1389هـ/1970م). الجزء: 20 دار الكاتب العربي (1392هـ/1972م). الجزء: 24 دار الكاتب (1393_1394هـ/1973م/1974). بمصر. الجزء: 21_ طبعة دار الفكر بيروت لبنان (1927م).
(25)- ... اكمال اكمال المعلم للأبي. مطبعة السعادة_ الطبعة الاولى بمصر (1328).
انسان العيون في سير الأمين والمأمون المعروف بالسيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الشافعي_ مطبعة الاستقامة بالقاهرة (1382هـ/1962م).
((1/113)
26)- ... الانصاف في التنبيه على الأسباب التي أورجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم، لابن السيد البطليوسي_ تحقيق الدكتور محمد رضوان الداية الطبعة الاولى بدمشق (1394هـ/1974م).
(27)- ... الأنيس المطرب بروض القرطاس، شركة النشر المغربية (1355هـ/1936م).
(28)- ... ايضاح المكنون للبغدادي في الذيل على كشف الظنون، عن أسامي الكتب والفنون_ منشورات مكتبة المثنى ببغداد.
الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، للحافظ ابن كثير_طبعة دار الفكر بيروت_د_ت_ط.
(29)- ... البحر المحيط لأبي حيان محمد بن يوسف أثير الدين الأندلسي_ مطبعة السعادة بمصر (1328).
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد_ مطبعة الاستقامة بالقاهرة (1371هـ/1952).
(30)- ... البداية والنهاية لأبي الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي_ مكتبة المعارف بيروت_ الطبعة الأولى (1966م).
بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس لأحمد بن يحي الضبي المكتبة الأندلسية رقم_6_ دار الكاتب العربي (1967م).
(31)- ... بغية الوعاة للسيوطي_ طبعة دار المعرفة بيروت_ لبنان.
(32)- ... البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري المراكشي مطابع بيلبوس_ دار الثقافة بيروت_ لبنان (1967م).
البيان والتبيين للجاحظ_ تحقيق عبد السلام محمد هارون_ الطبعة الثالثة مطبعة الخانجي بالقاهرة (1388هـ/1968م).
(33)- ... تأويل مختلف الحديث لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة_ دار الجيل بيروت لبنان (1393هـ/1972م).
تاج العروس، لمرتضى الزبيري مطابع دار صادر بيروت (1386هـ/1966م).
(34)- ... التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول: تأليف أبي الطيب صديق بن حسن بن علي بن لطف اللّه الحسيني البخاري القونجي_ المطبعة الهندية العربية (1383هـ/1963م).
(35)- ... تاريخ افتتاح الأندلس لابن القوطية تحقيق محمد عبد الله أنيس الطباع دار النشر للجامعيين بيروت (1957).(1/114)
تاريخ الأدب الأندلسي عصر سيادة قرطبة تأليف الدكتور احسان عباس_ الطبعة الثانية دار الثقافة بيروت_ لبنان (1969).
(36)- ... تاريخ الأدب الأندلسي عصر الطوائف والمرابطين: تأليف د_ احسان عباس_ الطبعة الأولى دار الثقافة بيروت (1962).
تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ترجمة عبد الحليم النجار_ الطبعة الثانية_ دار المغرب بمصر (1968_1969).
(37)- ... تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين ليوسف الأشباخ_ الطبعة الثانية_ مؤسسة الخانجي بالقاهرة (1377هـ/1958م).
تاريخ الخلفاء للسيوطي: تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد_ الطبعة الرابعة_ مطبعة الفجالة الجديدة بالقاهرة (1389هـ/1969م).
(38)- ... تاريخ الدولة الإسلامية وتشريعها للمستشرقة البولونية بوجينا غايانة ستشيجفسكا_ طبعة بيروت (1966م).
تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري للبهبمتي د_ نجيب محمد. مؤسسة الخانجي بالقاهرة الطبعة الثانية (1381هـ/1961م).
(39)- ... تاريخ الطبري: لابن جرير الطبري_ مطبعة دار المعارف بمصر (1961م).
تاريخ الأندلس لأبي الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي_ الدار المصرية للتأليف والترجمة (1966م).
(40)- ... تاريخ الفكر الأندلسي لآنخل جنثالث بالنثيا: ترجمة حسين مؤنس_ الطبعة الأولى مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة (1955م).
تثقيف اللسان وتلقيح الجنان لابن مكي الصقلي_ لجنة احياء التراث الإسلامي القاهرة (1386هـ/1966م).
(41)- ... تذكرة الحفاظ للذهبي_ مطبعة دار احياء التراث العربي بيروت.
(42)- ... ترتيب المدارك للقاضي عياض_ مطبعة دار مكتبة الحياة بيروت (1387هـ/1967م).
التعريفات للجرجاني طبعة تونس (1971م).
(43)- ... التعريف بالقاضي عياض لولده أبي عبد اللّه محمد: تحقيق: للدكتور محمد بن شريفة. مطبعة فضالة_ منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية والثقافة.
التكملة لابن الأبار سلسلة التراث الأندلسي رقم: 5 تحقيق السيد عزت العطار الحسيني_ طبعة مصر (1375هـ/1956م).
((1/115)
44)- ... التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر الأندلسي_ الطبعة الملكية بالرباط (1387هـ/1967م).
جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله: تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر الأندلسي_ مطبعة دار الفكر بيروت.
(45)- ... الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري_ مطابع الشعب (1378هـ).
(46)- ... جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس للحميدي_ المكتبة الأندلسية رقم (3) دار احياء التراث_ الدار المصرية للتأليف والترجمة (1966م).
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي_ طبعة حيدر أباد الدكن بالهند (1371هـ).
(47)- ... حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين للنباهي_ طبعة دار الفكر لبنان.
الحدود في الأصول لأبي الوليد الباجي: تحقيق نزيه حماد طبع ببيروت (1392هـ/1973م).
(48)- ... الحلة السيراء لأبي عبد الله محمد بن عبد الله ابن الأبار: تحقيق الدكتور حسين مؤنس_ الشركة العربية للطبع والنشر القاهرة الطبعة الأولى (1963م).
الحلل الموشية في الأخبار المراكشية_ الطبعة الأولى بمطبعة التقدم الإسلامي بتونس (1329هـ) نسب هذا الكتاب في هذه الطبعة إلى لسان الدين بن الخطيب، وفي طبعة الرباط إلى مؤلف مجهول ويقال: أنه من تأليف ابن السماك.
(49)- ... حياة الحيوان الكبرى للدمري_ الطبعة الحلبية بمصر (1389هـ/1970م).
الحيوان للجاحظ_ نشر فوزي عطوي_ الطبعة الأولى بيروت_ لبنان (1387هـ/1968م).
(50)- ... خريدة القصر وجريدة العصر: للعماد الأصفهاني القسم الخاص بالمغرب والأندلس_ الدار التونيسية للنشر (1971م_ 1973م).
خلاصة تهذيب الكمال في أسماء الرجال لصفي الدين الخزرجي_ الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية (1322هـ).
(51)- ... دائرة المعارف الإسلامية_ لجنة التأليف (1352هـ/1933م).
دلائل الاعجاز: لعبد القاهر الجرجاني: تحقيق محمد بن تاويت.
(52)- ... دلائل الألفاظ للدكتور ابراهيم أنيس_ الطبعة الثالثة مطبعة الأنجلو المصرية (1972م).(1/116)
الديباج المذهب: لابن فرحون_ مطبعة السعادة (1329هـ).
(53)- ... الدين والدولة: لعلي بن ربن الطبري: تحقيق عادل نويهض الطبعة الأولى_ دار الآفاق الجديدة بيروت (1393هـ/1973م).
ديوان ابن رشيق القيرواني: تأليف الدكتور عبد الرحمن باغي_ المكتبة المغربية_ دار الثقافة بيروت.
(54)- ... ديوان جرير جمع محمد اسماعيل عبد الله الصاوي_ دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت.
ديوان حسان بن ثابت الأنصاري_ طبعة دار احياء التراث العربي_ بيروت.
(55)- ... الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة: لأبي الحسن علي بن بسام الشنتريني_ مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة. القسم
(56)- ... (أ)=الأول المجلد الأول والثاني، القسم الرابع المجلد الأول (1358هـ/1939م).
(ب)= القسم الثاني والثالث: مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقمه (1324 د).
(57)- ... الذيل والتكملة لكتاب الموصول والصلة: تأليف ابن عبد الملك المراكشي.
(أ)- السفر الأول تحقيق الدكتور محمد بن شريفة. دار الثقافة بيروت لبنان.
(58)- ... (ب)- بقية السفر الرابع والسفر الخامس والسادس: تحقيق د. احسان عباس_ دار الثقافة بيروت_ لبنان (1964_ 1965/1973).
رحلة الأندلس: تأليف الدكتور حسين مؤنس_ مطابع كوستاسوماس وشركاؤ القاهرة الطبعة الأولى (1944).
(59)- ... رسالة الرد على "الراهب الفرنسي" لأبي الوليد الباجي_ مخطوط بمكتبة الأسكريال في مجموع رقم (538).
(60)- ... الرسالة للأمام الشافعي: تحقيق محمد سيد كيلاني_ مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر_ الطبعة الأولى (1388هـ/1969).
(61)- ... الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة لمكي بن أبي طالب القيسى_ دار المعارف للطباعة بدمشق (1393هـ/1973م).
(62)- ... روح المعاني للآلوسي_ المطبعة المنيرية بمصر.
روض الأنف للأمام السهيلي_ طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة (1391هـ/1971م).
(63)- ... زاد المعاد في هدى خير العباد: لابن قيم الجوزي المطبعة المصرية (1379هـ).(1/117)
سلوة الأنفاس لمحمد بن جعفر بن ادريس الكتاني طبعة حجرية بفاس.
(64)- ... سنن أبي داود السجستاني_ الطبعة التازية بمصر (1348).
سنن الترمذي_ طبع مع شرحه عارضة الأحوذي بالقاهرة.
(65)- ... سنن الدارمي_ طبعة دار احياء السنة النبوية.
سنن النسائي شرح السيوطي_ طبعت مصر (1348هـ/1930م).
(66)- ... سيرة ابن هشام_ طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة_ (1391هـ/1971م).
(67)- ... شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: لمحمد بن محمد بن محمد مخلوف دار الكتاب العربي بيروت_ لبنان.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب لأبي الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي_ مكتبة القدسي بجوار الأزهر (1931م_1932م).
(68)- ... شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة_ طبعة فاس بالمغرب (1354هـ).
(69)- ... شرح البيقونية للزرقاني_ مطبعة مصطفى محمد بمصر (1358هـ/1939م).
(70)- ... شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات لأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري_ طبعة دار المعارف بالقاهرة (1963م).
(71)- ... شرف أصحاب الحديث: لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي تحقيق د. محمد سعيد خطيب أوغلي_ نشر دار احياء السنة النبوية جامعة أنقرة (1971هـ/1972م).
شرف الطالب في أسنى المطالب: لأحمد ابن قنفد_ طبع صمن ألف سنة من الوفيات_ تحقيق محمد حجي_ مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر الرباط (1396هـ/1976م).
(72)- ... الشعر والشعراء لابن قتيبة_ الطبعة الثانية دار الثقافة بيروت لبنان (1969م).
الشفا بتعريف حقوق المصطفى_ مطبعة عثمانية (1912م).
(73)- ... شمائل الرسول ودلائل نبوته: لأبي الفداء اسماعيل بن كثير: تحقيق: مصطفى عبد الواحد. مطبعة عيسى البابي الحلبي_ (1386هـ/1967م).
(74)- ... صحيح مسلم_ طبع مع اكمال اكمال المعلم للأبي_ الطبعة الأولى بمصر_ مطبعة السعادة (1328).
(75)- ... صفة جزيرة الأندلس، منتخبة من كتاب الروض المعطار في أخبار الأقطار للحميري، نشر ليفي بروفنصال_ طبعة القاهرة (1937م).(1/118)
الصلة لابن بشكوال، المكتبة الأندلسية رقم (4، 5)_ الدار المصرية للتأليف والترجمة (1966).
(76)- ... طبقات الحفاظ للسيوطي: تحقيق علي محمد عمر_ الطبعة الأولى مطبعة الاستقلال الكبرى بالقاهرة (1393هـ/1973م).
طبقات الشعراء لابن المعتز_ الطبعة الثانية دار المعارف بمصر (1968م).
(77)- ... طبقات الفقهاء للشيرازي: تحقيق: د. احسان عباس دار الرائد العربي_ بيروت_ لبنان (1970).
(78)- ... الطبقات الكبرى لابن سعد_ مطبعة لجنة نشر الثقافة الإسلامية بالقاهرة (1358)_ سلسلة التاريخ الاسلامي الحلقة الأولى.
(79)- ... طبقات المالكية لمؤلف مجهول من رجال القرن الحادي عشر رقمها في الخزانة العامة (3928).
(80)- ... طبقات المفسرين للداودي_ الطبعة الأولى_ مطبعة الاستقلال القاهرة (1392هـ/1972م).
(81)- ... طبقات المفسرين للسيوطي_ مطبعة طهران (1960م).
طوق الحمامة في الألفة والألاف: تأليف أبي محمد ابن حزم مطبعة السعادة بمصر (1959/1378).
(82)- ... عارضة الأحوذي لأبي بكر بن العربي المعافري_ مطبعة دار العلم للجميع.
العبر في خبر من غبر: للحافظ الذهبي_ مطبعة الكويت (1960م).
(83)- ... العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: تحقيق: محمد سعيد العريان_ الطبعة الثانية_ مطبعة الاستقامة بالقاهرة (1372هـ/1953م).
(84)- ... العواصم من القواصم تأليف: أبي بكر ابن العربي_ المطبعة الجزائرية الاسلامية_ الطبعة الأولى (1345هـ/1926م).
(85)- ... عيون الأثر لابن سيد الناس_ مطبعة بيروت (1974م).
عيون الأخبار لابن قتيبة: نسخة مصورة عن طبعة دار الكتاب بالقاهرة (1383هـ/1963م).
(86)- ... غاية المراد للآمدي: تحقيق: حسن محمود عبد اللطيف مطبعة القاهرة (1391هـ/1971م).
غاية النهاية في طبقات القراء: لشمس الدين أبي الخير محمد ابن محمد بن الجزري_ مطبعة الخانجي بمصر_ الطبعة الأولى (1352هـ/1933م).
(87)- ... فتح المبدي بشرح مختصر الزبيدي_ طبعة مصر (1345هـ/1926م).(1/119)
فحولة الشعراء للأصمعي_ الطبعة الأولى_ دار الكتاب الجديد (1389هـ/1971م).
(88)- ... الفصل في الملل والأهواء والنحل: تأليف أبي محمد علي ابن حزم الظاهري_ مكتبة خياط بيروت_ لبنان_ الطبعة الثانية بالأوفست (1395هـ/1975م).
فضائل الأندلس وأهلها لابن حزم_ دار الكتاب الجديد بيروت_ الطبعة الأولى_ (1387هـ/1968م).
(89)- ... الفهرست لابن النديم_ مطبعة الاستقامة بالقاهرة_.
فهرست ما رواه عن شيوخه أبو بكر محمد بن خير_ الطبعة الثانية_ (1382هـ/1963م).
(90)- ... فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة للكتب والوثائق بالمغرب_ مطبعة التومي بالرباط (1973م).
فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي: (أ)- تحقيق: د. احسان عباس_ طبعة دار صادر_بيروت (1973).
(91)- ... (ب)- تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد مطبعة السعادة في مصر (1951م).
(92)- ... فيض القدير شرح الجامع الصغير: لمحمد عبد الرؤوف المناوي_ الطبعة الثانية_ دار المعرفة للطباعة والنشر_ بيروت_ لبنان (1391هـ/1972م).
(93)- ... قاموس القرآن، أو اصلاح الوجوه والنظائر في القرآن الكريم للفقيه الدامغاني_ دار العلم للملايين بيروت_ الطبعة الأولى (1970م).
(94)- ... القاموس المحيط للفيروزبادي.
(95)- ... قانون التأويل: لأبي بكر ابن العربي: مخطوط الخزانة العامة بالرباط_ ضمن مجموع رقمه (251_ د).
(96)- ... القداح والميسر لابن قتيبة، المطبعة السلفية بمصر (1342هـ).
(97)- ... قلائد العقيان: للفتح بن خاقان_ الطبعة الأولى_ مطبعة التقدم العلوية بمصر (1320).
(98)- ... قواعد المقري_ مخطوط الخزانة العامة بالرباط (ق 1032).
(99)- ... القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية: لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي الأندلسي_ طبعة جديدة ومنقحة_ د_ ت_ ط. ومكانه.
(100)- ... قيام دولة المرابطين_ د. حسن أحمد محمود_ مكتبة النهضة المصرية (1957م).
الكامل للمبرد_ مطبعة النهضة بمصر.
((1/120)
101)- ... الكبائر لذهبي: المكتبة الثقافية بيروت_ لبنان.
الكشاف تفسير الزمخشري_ مطبعة دار الكتاب العربي_ بيروت لبنان (1366هـ/1947م).
(102)- ... كشف الظنون لحاجي خليفة_ مطبعة المثنى ببغداد.
(103)- ... الكشف عن مناهج الأدلة: لابن رشد الحفيد_ الطبعة الثانية مطبعة المكتبة المحمودية التجارية (1353هـ/1935م).
(104)- ... الكفاية في علم الرواية: للخطيب البغدادي_ الطبعة الأولى مطبعة السعادة (1972م).
اللباب في تهذيب الأنساب: لعز الدين بن الأثير الجزري دار صادر_ بيروت.
(105)- ... لسان العرب لابن منظور.
نقط الفرائد من لفاظة حقق القواعد: لأحمد بن القاضي_ طبع ضمن ألف سنة من الوفيات: تحقيق: محمد حجي_ مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر الرباط (1396هـ/1976م).
(106)- ... لمع الأدلة لأمام الحرمين الجويني_ مطبعة مصر (1385هـ/1965م).
مثل عليا من قضاء الاسلام: لمحمود الباجي_ الطبعة الأولى بتونس (1376).
(107)- ... المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لابن عطية الأندلسي تحقيق المجلس العلمي بفاس_ مطبعة الأوقاف والشؤون الاسلامية (1395هـ/1975م).
(108)- ... المختصر في أخبار البشر، أو تاريخ أبي الفداء_ الطبعة الأولى بالمطبعة الحسينية المصرية (1323هـ/1325).
(109)- ... مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: تأليف أبي محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان اليافعي_ الطبعة الثانية_ مطبعة دائرة المعارف بيروت_ لبنان (1390هـ/1970م).
المرقبة العليا: لأبي الحسن النباهي_ مطبعة المكتبة التجارية للطباعة والنشر بيروت.
(110)- ... مروج الذهب: للمسعودي_ الطبعة الثانية دار الأندلس للطباعة والنشر بيروت (1393هـ/1973م).
مسند الأمام أحمد_ مطبعة بيروت.
(111)- ... المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم: للذهبي_ طبعة القاهرة (1962م).
مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني_ مطبعة بيروت (1392هـ/1972).
((1/121)
112)- ... المطرب من أشعار أهل المغرب: لابن دحية الكلبي_ دار العلم للجميع بيروت لبنان (1374هـ/1955م).
معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان لأبي زيد عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الأسدي الدباغ، أكمله وغلق عليه: ابن الناجي_ الطبعة الثانية_ مطبعة السنة المحمدية بمصر (1388هـ/1968م).
(113)- ... المعجب في تلخيص أخبار المغرب: لعبد الواحد المراكشي مطبعة الاستقامة بالقاهرة_ الطبعة الأولى (1368هـ/1949م).
معجم البلدان: لياقوت_ الطبعة الأولى_ مطبعة السعادة بمصر (1324هـ/1900).
(114)- ... معجم الشعراء: للمرزباني: تحقيق: عبد الستار فرج_ مطبعة دار احياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي (1379هـ/1960م).
(115)- ... المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي: لابن الأبار_ المكتبة الأندلسية رقم 7_ مطبعة دار الكاتب العربي للطباعة والنشر القاهرة (1387هـ/1967م).
معجم المطبوعات العربية والمعربة: ليوسف سركيس_ طبعة لبنان.
(116)- ... معجم مفردات ألفاظ القرآن: للراغب الأصفهاني_ دار الكاتب العربي (1392هـ/1972م).
معجم المؤلفين: لرضا كحالة_ مطبعة الترقي بدمشق (1380هـ/1960م).
(117)- ... معرفة القراء الكبار: للذهبي_ الطبعة الأولى_ مطبعة دار التأليف بالقاهرة (1387هـ/1967م).
المغرب في حلى المغرب: لابن سعيد_ مطبعة دار المعارف بمصر (1923م).
(118)- ... مفتاح الوصول: للشريف التلمساني: تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف_ مطبعة السنة المحمدية بالقهرة (1387هـ/1967م).
(119)- ... المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: تأليف: الدكتور جواد علي_ الطبعة الأولى مطبعة دار العلم للملايين بيروت (1971م).
(120)- ... مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها: للأستاذ علال الفاسي_ مطابع دار الكتاب_ الدار البيضاء المغرب (1382هـ/1963م).
(121)- ... مقالات الإسلاميين: لأبي الحسن الأشعري_ الطبعة الثانية بمصر (1389هـ/1969م).
((1/122)
122)- ... المقتبس من أنباء أهل الأندلس: لابن حيان القرطبي_ القطعة التي حققها_ د. محمود علي مكي، دار الكتاب العربي_ بيروت لبنان (1393هـ/1973م).
(123)- ... مقدمة ابن خلدون_ مطبعة مصطفي محمد بمصر.
ملوك الطوائف: لدوزي_ الطبعة الأولى_ مطبعة عيسى البابي الحلبي (1351هـ/1933م).
(124)- ... مناهج البحث في اللغة: تأليف الدكتور تمام حسان_ مطبعة دار الثقافة_ بالدار البيضاء المغرب_ (1394هـ/1974م).
مناهل العرفان في علوم القرآن: للشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني_ دار احياء الكتب العربية_ عيسى البابي الحلبي (1362هـ/1943م).
(125)- ... المنتقى شرح الموطأ: لأبي الوليد الباجي_ الطبعة الأولى_ مطبعة السعادة القاهرة (1331هـ).
(126)- ... المنهاج في ترتيب الحجاج: لأبي الوليد الباجي_ مخطوط الخزانة العامة بالرباط_ قسم الوثائق مكروفيلم رقمه (1372).
(127)- ... الموشح للمزرباني: تحقيق البجاوي_ دار النهضة بمصر (1385هـ/1965م).
(128)- ... الموطأ للأمام مالك_ طبع على هامش المنتقى الطبعة الأولى_ مطبعة السعادة بالقاهرة (1331هـ).
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لجمال الدين يوسف بن ثغري بردي_ دار الطباعة والنشر.
(129)- ... نسب قريش: لأبي عبد الله مصعب بن الزبير_ مطبعة دار المعارف بمصر.
(130)- ... نسيم الرياض للشهاب الخفاجي_ المطبعة الأزهرية بمصر (1927م).
(131)- ... نظام الحكومة المسمى بالتراتيب الادارية: للشيخ عبد الحي الكتاني طبعة بيروت.
نفح الطيب: للمقري: تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد_ مطبعة دار الكتاب العربي_ بيروت_ لبنان (1367هـ/1949م).
(132)- ... النوادر في اللغة: لأبي زيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري دار الكتاب العربي_ بيروت_ لبنان_ الطبعة الثانية (1387هـ/1967م).
نيل الابتهاج بتطريز الديباج: لأحمد بابا التنبكتي_ الطبعة الأولى على هامش الديباج المذهب_ مطبعة السعادة بمصر (1329هـ).
(133)- ... هدية العارفين: للبغدادي_ مطبعة المثنى ببغداد.
((1/123)
134)- ... الوثائق السياسية_ د. حميد الله الحيدر آبادي_ الطبعة الثانية_ مطبعة لجنة التأليف بالقاهرة (1376هـ/1956م).
(135)- ... الوافي بالوفيات: لصلاح الدين الصفدي_ الطبعة الثانية_ طهران بايران (1381هـ/1961م).
وصية الباجي لولديه_ طبعت على صفحات مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد_ العدد الثالث (1374هـ/1955م).
(136)- ... وفيات الأعيان: لابن خلكان: تحقيق: احسان عباس_ طبعة دار صادر_ بيروت (1969م).
وفيات الونشريسي، طبع ضمن ألف سنة من الوفيات: تحقيق: محمد حجي مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر الرباط (1396هـ/1976م).
(137)- ... مجلة العربي العدد (188) جمادى الثانية (1394هـ).
مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد العدد الثالث (1374هـ/1955م).
(138)- ... مجلة الوعي الإسلامي العدد (138) جمادى الآخر (1396 ينيو 1976م).
تصدرها وزارة العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.
(139)- ... المكتبة الثقافية= شيوخ العصر في الأندلس_ د. حسين مؤنس_ العدد 146_ (1965م
(140)-
(141)-
(142)-
(143)-
(144)-
(145)-
(146)-
(147)-
(148)-
(149)-
(150)-
(151)-
(152)-
(153)-
(154)-
(155)-
(156)-
(157)-
(158)-
(159)-
(160)-
(161)-
(162)-
(163)-
(164)-
(165)-
(166)-
(167)-
(168)-
(169)-
(170)-
(171)-
(172)-
(173)-
(174)-
(175)-
(176)-
(177)-
(178)-
(179)-
(180)-
(181)-
(182)-
(183)-
(184)-
(185)-
(186)-
(187)-
(188)-
(189)-
(190)-
(191)-
(192)-
(193)-
(194)-
(195)-
(196)-
(197)-
(198)-
(199)-
(200)-
(201)-
(202)-
(203)-
(204)-
(205)-
...(1/124)